المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 16

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ‫، 1419ق . ‫ = -1377.

مشخصات ظاهری : ‫ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : ‫دوره ‫ 964-444-179-6 : ؛ ‫دوره ‫ 978-964-444-179-0: ؛ ‫1430000 ریال (دوره، چاپ دوم)‮ ؛ ‫25000 ریال ‫: ج. 1 ‫ 964-444-180-X : ؛ ‫30000 ریال ‫: ج. 2 ‫ 964-444-256-3 : ؛ ‫32000 ریال ‫: ج. 3 ‫ 964-444-371-3 : ؛ ‫67000 ریال (ج. 10) ؛ ‫ج.12 ‫ 978-964-971-136-2 : ؛ ‫ج.19 ‫ 978-600-06-0028-0 : ؛ ‫ج.21 ‫ 978-964-971-484-4 : ؛ ‫ج.28 ‫978-964-971-991-7 : ؛ ‫ج.30 ‫ 978-600-06-0059-4 : ؛ ‫1280000 ریال ‫: ج.36 ‫ 978-600-06-0267-3 : ؛ ‫950000 ریال ‫: ج.37 ‫ 978-600-06-0309-0 : ؛ ‫1050000 ریال ‫: ج.39 ‫ 978-600-06-0444-8 : ؛ ‫1000000 ریال ‫: ج.40 ‫ 978-600-06-0479-0 : ؛ ‫ج.41 ‫ 978-600-06-0496-7 : ؛ ‫ج.43 ‫ 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).

يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، ‫1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، ‫ 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، ‫1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : ‫ BP66/4 ‫ ‮ /م57 1377

رده بندی دیویی : ‫ 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الموسوعة القرآنيّة الكبرى

المعجم فى فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته

المجلّد السادس عشر

تأليف و تحقيق

قسم القرآن بمجمع البحوث الاسلاميّة

بإشراف مدير القسم الاستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانىّ

ص: 2

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 3

كتاب نخبة

مؤتمر تكريم خدمة القرآن الكريم في ميدان الأدب المصنّف.1421 ق

الكتاب النّخبة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.1422 ق

مؤتمر الكتاب المنتخب الثّالث للحوزة العلميّة في قم.1422 ق

الدّورة الثّانية لانتخاب و عرض الكتب و المقالات الممتازة في حقل القرآن.1426 ق

الملتقى الثّاني للكتاب النّخبة الّذي يعقد كلّ سنتين في محافظة خراسان الرّضويّة.1426 ق

ص: 4

المحتويات

تصدير 7

خ س ف 9

خ ش ب 29

خ ش ع 45

خ ش ي 93

خ ص ص 173

خ ص ف 193

خ ص م 207

خ ض د 285

خ ض ر 295

خ ض ع 327

خ ط أ 351

خ ط ب 405

خ ط ط 443

خ ط ف 463

خ ط و 489

خ ف ت 509

خ ف ض 521

خ ف ف 541

خ ف ي 567

خ ل د 639

خ ل ص 725

خ ل ط 811

خ ل ع 851

الأعلام المنقول عهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 871

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 879

ص: 5

ص: 6

تصدير

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

نحمد اللّه تبارك و تعالى،و نصلّي و نسلّم على رسوله المصطفى،و على آله أعلام الهدى، و أصحابه و التّابعين لهم بإحسان إلى آخر الدّنيا.

ثمّ نشكره شكرا كثيرا على تسهيل العمل و تيسير الأمل،و فكّ الصّعوبات و حلّ المعضلات حتّى وفّقنا لإكمال المجلّد السّادس عشر من موسوعتنا القرآنيّة الكبرى:«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»بما فيها من النّصوص اللّغويّة و التّفسيريّة و الدّراسات البلاغيّة و الأسرار القرآنيّة:

تبشيرا لأولئك الّذين يتابعون بشوق و جدّ مجلّدات هذا الكتاب متسارعين الوقوف عليها مجلّدا بعد مجلّد،و مفردة بعد مفردة،و مقدّرين ثماره الكثيرة و دراساته البديعة مشكورين.

و قد احتوى هذا الجزء على ثلاث و عشرين مفردة قرآنيّة من حرف الخاء،ابتداء من «خسف»و انتهاء ب«خلع».و أكبرها نصوصا و دراسة«خلد»ثمّ«خلص».

و من أكبر مزايا هذا المجلّد أنّ تنضيد الحروف-إضافة إلى أصل التّأليف-تيسّر بأيدي الإخوة المؤلّفين أنفسهم.و هذا فضل و توفيق آخر بعد توفيق سابق من اللّه الكبير المتعال،و عليه وحده المعوّل إلى إكمال العمل و إنجاز الأمل.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة

في الآستانة المقدّسة الرّضويّة

5 رجب المرجّب عام 1430 ه ق

ص: 7

ص: 8

ادامة حرف الخاء

خ س ف

اشارة

4 ألفاظ،8 مرّات مكّيّة،في 7 سور مكّيّة

خسف 2:2 يخسف 3:3

خسفنا 2:2 نخسف 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الخسف:سئوخ الأرض بما عليها من الأشياء.انخسفت به الأرض،و خسفها اللّه به.

و عين خاسفة:فقئت،و غابت حدقتها.

و بئر خسيف مخسوفة،أي:نقب جبلها عن عيلم الماء فلا تنزف أبدا،و هنّ الأخسفة.

و ناقة خسيف:غزيرة،سريعة الانقطاع من اللّبن في الشّتاء.

و الخسيف من السّحاب:ما نشأ من قبل العين، أي:من قبل المغرب الأقصى عن يمين القبلة،و فيه ماء كثير.و خسفناها خسفا.

و خسوف الشّمس يوم القيامة:دخولها في السّماء،كأنّها تكوّرت في جحر.

و الخسف:تحميلك إنسانا ما يكره.

و الخسف:الجوز،بلغة الشّحر.(4:201)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخيسفان:الرّديء من التّمر.(1:236)

الخسيف:البئر الّتي تحفر في حجارة،فلا ينقطع ماؤها كثرة،و الجمع:خسف.(الجوهريّ 4:1350)

الخسف:الذّلّ،و الخسف:الجوع،و الخسف:غئور العين،و الخسف:النّقّه من الرّجال.(الأزهريّ 7:184)

الفرّاء: عين خاسف،إذا غارت،و البئر خسيف لا غير،و ناقة خسيف:غزيرة،سريعة القطع في الشّتاء.

و قد خسفناها خسفا.

و الخسف:الجوز،بلغة الشّحر.(الأزهريّ 7:184)

يقال:وقع في أخاسيف من الأرض،و هي اللّيّنة، فأمّا الأخاشيف،فهي العراز الصّلبة.(الهرويّ 2:555)

ص: 9

أبو زيد:خسف المكان يخسف،و خسفه اللّه.

مثله الأصمعيّ.(الأزهريّ 7:184)

خسف الرّكيّة:مخرج مائها.(الجوهريّ 4:1350)

الأصمعيّ: الخسف:النّقصان.

(الأزهريّ 7:183)

أبو عبيد: الخاسف:المهزول.(الأزهريّ 7:183)

ابن الأعرابيّ: الخسف:إلحاق الأرض الأولى بالثّانية.

و الخسف:أن يبلغ الحافر إلى ماء عدّ.

و الخسف:الجوز الّذي يؤكل.

(الأزهريّ 7:183)

يقال للغلام الخفيف النّشيط:خاسف و خاشف،و مزاق و قضيب،و منهمك.(الأزهريّ 7:184)

ابن بزرج:ما كانت البئر خسيفا،و لقد خسفت.

(الأزهريّ 7:183)

ابن السّكّيت: و بئر خسيف،إذا كانت كثيرة الماء،قد نقب جبلها.[ثمّ استشهد بشعر](560)

و قد سامه الخسف و الخسف.

(إصلاح المنطق:91)

أبو حاتم: إذا ذهب بعضها فهو الكسوف،و إذا ذهب كلّها فهو الخسوف.(الصّغانيّ 4:460)

أبو الهيثم:الخسف:الجوع.

و الخاسف:الجائع.[ثمّ استشهد بشعر]

و خسفت الشّمس و كسفت،بمعنى واحد.

و خسف بالرّجل و بالقوم،إذا أخذته الأرض فدخل فيها.(الأزهريّ 7:183)

ابن قتيبة:الخسف:أن يحبس الدّابّة على غير علف،ثمّ تستعار فيوضع موضع التّذليل.

(الهرويّ 2:554)

ثعلب :كسفت الشّمس و خسف القمر،هذا أجود الكلام.(الجوهريّ 4:1350)

الزّجّاج: و أخسف الرّجل،إذا حفر فكسر حبل البئر (1)و البئر الخسيف:الّذي لا يكاد ينقطع ماؤها، و هي الّتي تسمّيها النّاس:المنقوبة.

(فعلت و أفعلت:47)

ابن دريد :الخسف:خسف الأرض حتّى يغمض ظاهرها،و هو أن يغيب ظاهرها في باطنها،خسف اللّه بهم الأرض يخسفها خسفا.

و خسف القمر،إذا انكسف.و يقال:خسف القمر و انكسفت الشّمس.

قال بعض أهل اللّغة:لا يقال انكسف القمر أصلا، إنّما يقال:خسف القمر.و لا يقال:كسف و كسفت الشّمس،و كسفها اللّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و بئر خسيف و خسوف،إذا كسر جبلها فلم ينتزح ماؤها؛و الجمع خسف.

و خساف:مفازة بين الحجاز و الشّام.

و قالوا:انخسفت العين،إذا عميت،ثمّ ذهب حجمها حتّى تغمض.

و يقال:بات فلان على خسف،إذا بات جائعا، و كذلك الدّابّة.ه.

ص: 10


1- كذا،و الظّاهر جبل البئر كما عن دريد و غيره.

و ربّما استعمل الخسف في معنى«الدّنيئة» فيقولون:رضي بالخسف،أي بالدّنيئة.(2:219)

الأزهريّ: و يقال في الجوز و الذّلّ:خسف أيضا.

(الأزهريّ 7:184)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الشّمس تخسف.

و رأيت فلانا خاسفا،أي متغيّر اللّون و الهيئة.

و الخسفة:الهزال و سوء الحال.

و الأخاسيف:جمع الخسفة،و هي الأرض المستوية.(4:267)

الخطّابيّ: في حديث الحجّاج:«أنّه بعث رجلا ليحفر بئرا في مجتمع كلإ،فلمّا رجع إليه قال:أخسفت أم أعلمت؟»

قوله:أخسفت،من الخسف،و هي البئر تحفر في حجارة فيخرج منها ماء كثير عدّ،لا ينقطع.و أعلمت من العيلم،و هي البئر دون الخسيف.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:186)

الجوهريّ: خسف المكان يخسف خسوفا:ذهب في الأرض.

و خسف اللّه به الأرض خسفا،أي غاب به فيها.

و منه قوله تعالى: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81.

و خسف في الأرض و خسف به.

و خسوف العين:ذهابها في الرّأس.

و خسوف القمر:كسوفه.

و الخسف:النّقصان.يقال رضي فلان بالخسف، أي بالنّقيصة،و بات فلان الخسف،أي جائعا.

و يقال:سامه الخسف،و سامه خسفا،و خسفا- أيضا بالضّمّ-،أي أولاه ذلاّ،و يقال:كلّفه المشقّة و الذّلّ.

و الخاسف:المهزول.

و يقال:وقعوا في أخاسيف من الأرض،و هي اللّيّنة.(4:1349)

ابن فارس: الخاء و السّين و الفاء أصل واحد يدلّ على غموض و غئور،و إليه يرجع فروع الباب.

فالخسف و الخسف:غموض ظاهر الأرض،قال اللّه تعالى: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81.

و من الباب:خسوف القمر،و كان بعض أهل اللّغة يقول:الخسوف للقمر،و الكسوف للشّمس.

و يقال بئر خسيف،إذا كسر جيلها (1)فانهار،و لم ينتزح ماؤها.[ثمّ استشهد بشعر].

و انخسفت العين:عميت.و المهزول يسمّى خاسفا؛كأنّ لحمه غار و دخل.

و منه:بات على الخسف،إذا بات جائعا،كأنّه غاب عنه ما أراده من طعام.و رضي بالخسف،أي الدّنيئة.

و يقال:وقع النّاس في أخاسيف من الأرض،ت.

ص: 11


1- جيل البئر،بالكسر،و كذا جالها و جولها: جدارها و جانبها.و في الأصل و المجمل و الجمهرة و اللّسان:«جبلها»تحريف،صوابه ما أثبت.

و هي اللّيّنة تكاد تغمض للينها.

و ممّا حمل على الباب،قولهم للسّحاب الّذي يأتي بالماء الكثير:خسيف،كأنّه شبّه بالبئر الّتي ذكرناها.و كذلك قولهم:ناقة خسيفة،أي غزيرة.

فأمّا قولهم إنّ الخسف الجوز المأكول،فما أدري ما هو.(2:181)

الهرويّ: الخسف:سئوخ الأرض بما عليها،يقال:

خسف اللّه به الأرض.

و في حديث عليّ: «من ترك الجهاد ألبسه اللّه الذّلّة و سيم الخسف»،أي أصيب.

و في حديث عمر:إنّ العبّاس سأله عن الشّعراء فقال:امرؤ القيس سابقهم،خسف لهم عين الشّعر».هو مأخوذ من الخسيف،و هي البئر الّتي حفرت في حجارة فخرج منها ماء كثير؛و جمعها:خسف.أراد هو الّذي استنبط لهم عين الشّعر،أي ذلّل الطّريق إليه.

و قال الحجّاج لرجل كان بعثه يحفر بئرا:

«أخسفت أم أوشلت».يقول:أنبطت ماء غزيرا أم قليلا وشلا.(2:554)

أبو سهل الهرويّ: خسف القمر بفتح الخاء و السّين،إذا أظلم أيضا،و ذهب نوره.(99)

ابن سيده: الخسف:سئوخ الأرض بما عليها.

خسفت تخسف خسفا و خسوفا،و انخسفت، و خسفها اللّه.

و خسفت عينه:ساخت.

و خسفها يخسفها خسفا،و هي خسيفة:فقأها.

و خسفت الشّمس تخسف خسوفا:ذهب ضوؤها.و خسفها اللّه،و كذلك القمر.

و خسف الشّيء يخسفه خسفا:خرقه.

و خسف السّقف نفسه،و انخسف:انخرق.

و بئر خسوف و خسيف:حفرت في حجارة فلم تنقطع لها مادّة:و الجمع:أخسفة،و خسف،و قد خسفها خسفا.

و ناقة خسيف:غزيرة،سريعة القطع في الشّتاء، و قد خسفت خسفا.

و الخسيف من السّحاب:ما نشأ من قبل العين حامل ماء كثير،و العين:عن يمين القبلة.

و الخسف و الخسف:الإذلال،و تحميل الإنسان ما يكره.

و الخسف:الظّلم.

المخاسف:جمع خسف،خرج مخرج:مشابه، و ملامح.

و الخسف:الجوع.

و الخسف في الدّوابّ:أن تحبس على غير علف.

و الخسف:النّقصان.

و الخاسف:المهزول.

و الخسف:الجوز الّذي يؤكل،واحدته:خسفة، شحريّة.

و قال أبو حنيفة:هو الخسف،بضمّ الخاء و سكون السّين،و هو الصّحيح.

و الخسيفان:رديء التّمر عن أبي عمر الشّيبانيّ، حكاه أبو عليّ في«التّذكرة»،قال:و زعم أنّ النّون نون التّثنية و أنّ الضّمّ فيها لغة.و حكي عنه أيضا:هما

ص: 12

خليلان،بضمّ النّون.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(5:84)

الرّاغب: الخسوف للقمر،و الكسوف للشّمس.

ويل:الكسوف فيهما إذا زال بعض ضوئهما، و الخسوف:إذا ذهب كلّه.

و يقال:خسفه اللّه و خسف هو،قال تعالى:

فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81،و قال:

لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا القصص:82.

و في الحديث:«إنّ الشّمس و القمر آيتان من آيات اللّه لا يخسفان لموت أحد و لا لحياته».

و عين خاسفة،إذا غابت حدقتها،فمنقول من:

خسف القمر،و بئر مخسوفة،إذا غاب ماؤها و نزف، منقول من:خسف اللّه القمر.

و تصوّر من خسف القمر مهانة تلحقه،فاستعير «الخسف»للذّلّ،فقيل:تحمّل فلان خسفا.(148)

الزّمخشريّ: خسف القمر،و خسفت الأرض و انخسفت:ساخت بما عليها،و خسف اللّه بهم الأرض.

و من المجاز:سامه خسفا:ذلاّ و هوانا،و رضي بالخسف.

و بات على الخسف:على الجوع.و شربوا على الخسف:على غير ثفل.

و عين خاسفة:فقئت حتّى غابت حدقتها في الرّأس،و خسفت عينه و انخسفت.

و خسف بدنه:هزل،و فلان بدنه خاسف،و لونه كاسف.[ثمّ استشهد بشعر]

و خسفت إبلك و غنمك،و أصابتها الخسفة،و هي تولية الطّرق.

و إنّ للمال خسفتين:خسفة في الحرّ و خسفة في البرد.(أساس البلاغة:110)

قال معاوية:«يا معشر قريش،ما أراكم منتهين حتّى يبعث اللّه عليكم من لا تعطفه قرابة،و لا يذكر رحما،يسومكم خسفا،و يوردكم تلفا».

و الخسف:حبس الدّابّة على غير علف،فوضع موضع الإذلال.(الفائق:1:234)

[في حديث عمر المتقدّم في قول الهرويّ]

أي أنبطها و أغزرها،من قولهم:خسف البئر،إذا حفرها في حجارة فنبعت بماء كثير،فهي خسيف.

(الفائق 1:368)

في حديث الحجّاج:«لقد تخطّيت بها ماء عذابا، أ أخسفت أم أوشلت؟و روي:أم أعلمت؟...».

قال الأصمعيّ: حضر فلان فأخسف،أي وجد بئره خسيفا،و هي الّتي نقب جبلها عن ماء غزير لا ينقطع.و أعلم،إذا وجدها عيلما،و هي دون الخسيف.(الفائق 2:224)

ابن الأثير: فيه«إنّ الشّمس و القمر لا ينخسفان لموت أحد و لا لحياته».يقال:خسف القمر،بوزن «ضرب»إذا كان الفعل له،و خسف القمر على ما لم يسمّ فاعله.

و قد ورد الخسوف في الحديث كثيرا للشّمس، و المعروف لها في اللّغة الكسوف لا الخسوف.فأمّا إطلاقه في مثل هذا الحديث فتغليبا للقمر،لتذكيره على تأنيث الشّمس،فجمع بينهما فيما يخصّ القمر،

ص: 13

و للمعاوضة أيضا؛فإنّه قد جاء في رواية أخرى:«إنّ الشّمس و القمر لا ينكسفان».

و امّا إطلاق الخسوف على الشّمس منفردة، فلاشتراك الخسوف و الكسوف في معنى ذهاب نورهما و إظلامهما.و الانخساف مطاوع خسفته فانخسف.

و في حديث علي:«من ترك الجهاد ألبسه اللّه الذّلّة و سيم الخسف».الخسف:النّقصان و الهوان.

و أصله أن تحبس الدّابّة على غير علف،ثمّ استعير فوضع موضع الهوان.و سيم:كلّف و ألزم.[و في حديث عمر قال:مثل الزّمخشريّ في الفائق و أضاف:]

يريد أنّه ذلّل لهم الطّريق إليه،و بصّرهم بمعانيه، و فنّن أنواعه،و قصّده،فاحتذى الشّعراء على مثاله، فاستعار«العين»لذلك.(2:31)

الصّغانيّ: يقال:شربنا على الخسف،أي شربنا على غير أكل.

و يقال:هو الخسف بالضّمّ،و عن أبي عمرو الفتح و الضّمّ،و هو لغة أهل الشّحر.

و يقال للسّحاب الّذي يأتي بالماء الكثير:

خسيف.

و ناقة خسيف و خسيفة:غزيرة،سريعة القطع في الشّتاء.

و المخسّف:الأسد.

الخاسف:النّاقة.(4:460)

القرطبيّ: و الخسف:أن تنهار الأرض بالشّيء.

يقال:بئر خسيف،إذا انهدم أصلها.

و عين خاسف،أي غارت حدقتها في الرّأس.

و عين من الماء خاسفة،أي غار ماؤها.

و خسفت الشّمس،أي غابت عن الأرض.

(10:292)

الفيّوميّ: خسف المكان خسفا،من باب «ضرب»،و خسوفا أيضا:غار في الأرض و خسفه اللّه، يتعدّى و لا يتعدّى.

و خسف القمر ذهب ضوؤه أو نقص،و هو الكسوف أيضا.

و خسفت العين إذا ذهب ضوؤها.

و خسفت عين الماء:غارت،و خسفتها أنا.

و أسامه الخسف:أولاه الذّلّ و الهوان.(1:169)

الفيروزآباديّ: خسف المكان يخسف خسوفا:

ذهب في الأرض،و القمر:كسف،أو كسف للشّمس، و خسف للقمر،أو الخسوف إذا ذهب بعضهما، و الكسوف كلّهما.

و عين فلان:فقأها،فهي خسيفة،و الشّيء:خرّقه، فخسف هو:انخرق،لازم متعدّ،و الشّيء:قطعه، و العين:ذهبت،أو ساخت،و الشّيء خسفا:نقص، و فلان:خرج من المرض،و البئر:حفرها في حجارة فنبعت بماء كثير،فلا ينقطع،فهي خسيف و خسوف و مخسوفة و خسيفة،جمعه:أخسفة و خسف،و اللّه بفلان الأرض:غيّبه فيها.

و الخسف:النّقيصة،و مخرج ماء الرّكيّة،و عموق ظاهر الأرض،و الجوز الّذي يؤكل،و يضمّ فيهما.

و من السّحاب:ما نشأ من قبل المغرب الأقصى عن يمين القبلة،و الإذلال،و أن يحمّلك الإنسان ما تكره،

ص: 14

يقال:سامه خسفا،و يضمّ،إذا أولاه ذلاّ،و أن تحبس الدّابّة بلا علف.

و شربنا على الخسف:على غير أكل.

و بات فلان الخسف،أي جائعا.

و الخسفة:ماء غزير،و هو رأس نهر محلّم ب«هجر».

و الخاسف:المهزول،و المتغيّر اللّون،و الغلام الخفيف،و الرّجل النّاقه،جمعها:ككتب.

و دع الأمر يخسف،بالضّمّ:دعه كما هو.

و كغراب:برّيّة بين الحجاز و الشّام.

و كأمير:الغائرة من العيون،كالخاسف،و من النّوق:الغزيرة،السّريعة القطع في الشّتاء،و قد خسفت تخسف،و خسفها اللّه خسفا،و من السّحاب:

ما نشأ من قبل العين حاملا ماء كثيرا،كالخسف بالكسر.

و الأخاسيف:الأرض اللّيّنة.

و الخيسفان،بفتح السّين و ضمّها:التّمر الرّديء، أو النّخلة يقلّ حملها و يتغيّر بسرها.

و حفر فأخسف:وجد بئره خسيفا،و العين:

عميت،كانخسفت.

و قرئ: (لو لا ان من الله علينا لا نخسف بنا) القصص:82،على بناء المفعول.

و كمعظّم:الأسد.(3:137)

الجزائريّ: الغالب نسبة الكسوف إلى الشّمس، و الخسوف إلى القمر.[ثمّ استشهد بشعر]و قد يطلق الكسوف عليهما معا،و كذا الخسوف.(93)

مجمع اللّغة:خسف القمر خسوفا:ذهب ضوؤه.

خسف اللّه به الأرض أو جانب المكان خسفا:

جعلها تغور به،و غيّبه فيها.(1:335)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خسف المكان:غار في الأرض بما عليه،و خسف اللّه بهم الأرض:غيّبهم في باطنها،و خسف القمر:ذهب ضوؤه.(1:163)

العدنانيّ: خسف القمر،انخسف القمر،خسف اللّه القمر،خسف القمر

و يخطّئون من يقول:انخسف القمر،أي احتجب و ذهب ضوؤه،و يقولون:إنّ الصّواب هو:

1-خسف القمر،اعتمادا على قوله تعالى في الآية الثّامنة من سورة القيامة: وَ خَسَفَ الْقَمَرُ، و على معجم ألفاظ القرآن الكريم،و ثعلب،و الصّحاح، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

2-خسف اللّه القمر،أو خسف القمر:مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و اللّسان،و التّاج،و المدّ،و المتن.

و لكن:

أجاز انخسف القمر:ابن الأثير في«النّهاية»، و اللّسان،و التّاج في مادّة«كسف»،و محيط المحيط الّذي اكتفى بالاستشهاد بقول الشّاعر:

بي منك ما لو أصاب الأرض لارتعدت

و الشّمس لانكشفت،و البدر لانخسفا

و فعله:خسف يخسف خسفا و خسوفا.و في الحديث:«إنّ الشّمس و القمر لا يخسفان لموت أحد،

ص: 15

و لا لحياته».

و قال ابن الأثير:«قد ورد الخسوف في الحديث كثيرا للشّمس.و المعروف لها في اللّغة الكسوف لا الخسوف.فأمّا إطلاقه في مثل هذا فتغليبا للقمر، لتذكيره،على تأنيث الشّمس.فجمع بينهما فيما يخصّ القمر».

و من معاني خسف:

1-خسفت الأرض:غارت بما عليها.

2-خسف اللّه بهم الأرض:غيّبهم فيها.قال تعالى في الآية 81،من سورة القصص: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ.

3-خسفت عين الماء:غارت.

4-خسفت عين فلان:انقلعت.خسف عين فلان:

قلعها.

5-خسف الشّيء:انخرق.خسف الشّيء:خرقه، قطعه.

6-خسف الشّيء خسفا:نقص.

7-خسف بدنه:هزل.

8-خسف لونه:تغيّر.

9-خسف فلان:جاع.نقه من المرض،فهو خاسف و هم خسف و هي خاسفة.

10-خسف فلانا:أذلّه و حمّله ما يكره.

11-خسف البئر:حفرها في حجارة،فنبعت بماء كثير لا ينقطع،فهي خسيف.و جمعها:أخسفة و خسف،و هي خسوف أيضا.

12-خسف للشّعراء عين الشّعر:

(أ)ذلّل لهم الطّريق إليه.

(ب)بصّرهم بمعانيه و فنونه.(189)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الدّخول و الغئور بحيث ينمحي أثر الغائر، و الكسوف أضعف منها.

و الفرق بينها و بين الغور و السّيخ:أنّ الغور هو النّفوذ و السّريان إلى الباطن بدقّة و لطف،و بهذا يطلق على التّدقيق.و السّيخ هو الورود على المرتبة الأولى،فيقال:ساخت القوائم و الأقدام في الأرض.

و أمّا معاني:العمى و الهزال و الجوع و ذهاب النّور و النّقص و الهوان و غيرها،فمعاني مجازيّة،و من آثار الأصل.

و يدلّ على الفرق بين الخسف و الكسف و الغور و السّيخ،موادّ الكلمات و حروفها،فإنّ حرف الخاء حلقيّة و الكاف من أقصى اللّسان فوق الحلق،ففي الخسف شدّة غور بالنّسبة إلى الكسف.و لمّا كان لفظ «الغور»مركّبا من حرف حلقيّة و حرف ليّنة،فيدلّ على نفوذ دقيق و ورود لطيف.و أمّا لفظ«السّيخ»:

فقدّمت السّين و أخّرت الخاء و وسّطت اللّينة،فيدلّ على دخول جزئيّ مع اللّين،ثمّ الثّبوت و الشّدّة.

و قريب من«الخسف»لفظا و معنى:مادّة الخزي و الخسر و الخسّ و الخشع و الخضع.

فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81، وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ العنكبوت:40، إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ سبأ:9، أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ الإسراء:68، لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا القصص:82،فالمادّة استعملت في هذه الموارد في معناها الحقيقيّ.

ص: 16

فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81، وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ العنكبوت:40، إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ سبأ:9، أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ الإسراء:68، لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا القصص:82،فالمادّة استعملت في هذه الموارد في معناها الحقيقيّ.

فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَ خَسَفَ الْقَمَرُ* وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ القيامة:7-9،و الظّاهر أن يكون خسوف القمر إشارة إلى غئوره و رجوعه إلى الشّمس و انجذابه فيه،بحيث يكون القمر منحلاّ و مندكّا في الشّمس؛و ذلك إذا اختلّ نظام العالم المادّيّ الدّنيويّ.

و يمكن أن يشار بهذه الآية الكريمة إلى اندكاك الوسائط في مقام الإفاضات و انحلال الأقمار المستنيرة و فنائها،و بقاء الحقّ المتعال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.

و ظهر أنّ الخسوف ليس بمعنى ذهاب النّور و الضّياء كما في التّفاسير،و لا يجوز لنا العدول عن الأصل و الحقيقة،و التّفسير بوفق الرّأي و الفهم المحدود.

و التّعبير بقوله تعالى: بَرِقَ الْبَصَرُ إشارة إلى أنّ هذه المعاني بعد نورانيّة البصارة.(3:57)

النّصوص التّفسيريّة

خسف

1- يَسْئَلُ أَيّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ* فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَ خَسَفَ الْقَمَرُ. القيامة:6-8

ابن عبّاس: ذهب ضوء القمر.(493)

مثله قتادة و الحسن(الطّبريّ 12:331)،و الفرّاء (3:209)و الواحديّ(4:391)و الطّبرسيّ(5:395) و القاسميّ(16:5990).

أبو عبيدة : وَ خَسَفَ الْقَمَرُ و كسف القمر واحد،ذهب ضوؤه.(2:277)

الماورديّ: أي ذهب ضوؤه،حتّى كأنّ نوره ذهب في خسف من الأرض.(6:153)

الطّوسيّ: أي ذهب نوره بغيبة النّور عن البصر، و خسف و كسف بمعنى،كأنّه يذهب نوره في خسف من الأرض،فلا يرى.(10:192)

البغويّ: أظلم و ذهب نوره و ضوؤه.(5:183)

الزّمخشريّ: و ذهب ضوؤه أو ذهب بنفسه.و قرئ (و خسف) على البناء للمفعول.(4:191)

نحوه البيضاويّ(2:522)،و أبو السّعود(6:

335)،و الآلوسيّ(29:139).

ابن عطيّة: و قرأ جمهور النّاس: وَ خَسَفَ الْقَمَرُ على أنّه فاعل،و قرأ أبو حيوة (خسف) بضمّ الخاء و كسر السّين،و (القمر) مفعول لما لم يسمّ فاعله.

يقال:خسف القمر و خسفه اللّه،و كذلك الشّمس.

و قال أبو عبيدة و جماعة من اللّغويّين:الخسوف و الكسوف بمعنى واحد،قال ابن أبي أويس:الكسوف:

ذهاب بعض الضّوء،و الخسوف:ذهاب جميعه.

و روي عن عروة و سفيان أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:

«لا تقولوا كسفت الشّمس و لكن قولوا:خسفت».

(5:403)

نحوه أبو حيّان.(8:385)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:يحتمل أن يكون المراد من خسوف

ص: 17

القمر:ذهاب ضوئه،كما نعقله من حاله إذا خسف في الدّنيا،و يحتمل أن يكون المراد:ذهابه بنفسه،كقوله:

فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81.

المسألة الثّانية:قرئ (و خسف القمر) على البناء للمفعول.(30:220)

القرطبيّ: أي ذهب ضوؤه.و الخسوف في الدّنيا إلى انجلاء،بخلاف الآخرة،فإنّه لا يعود ضوؤه.

و يحتمل أن يكون بمعنى غاب؛و منه قوله تعالى:

فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81.و قرأ ابن أبي إسحاق و عيسى و الأعرج: (و خسف القمر) بضمّ الخاء و كسر السّين،يدلّ عليه: وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ. القيامة:9،و قال أبو حاتم محمّد بن إدريس:

إذا ذهب بعضه فهو الكسوف،و إذا ذهب كلّه فهو الخسوف.(19:95)

الشّربينيّ: أي أظلم و ذهب ضوؤه،و قد اشتهر أنّ الخسوف للقمر و الكسوف للشّمس،و قيل:يكونان فيهما،يقال:خسفت الشّمس و كسفت و خسف القمر و كسف.و قيل:الكسوف أوّله و الخسوف آخره.

(4:44)

البروسويّ: أي ذهب ضوؤه،فإنّ«خسف» يستعمل لازما و متعدّيا،يقال:خسف القمر و خسفه اللّه،أو ذهب نفسه من خسف المكان،أي ذهب في الأرض.و لكن هذا المعنى لا يناسب ما بعد الآية.

قال بعضهم:أصل الخسف:النّقصان،و يكون في الوصف،و في الذّات،و فيه ردّ لمن عبد القمر،فإنّ القمر لو كان إلها-كما زعمه العابد-لدفع عن نفسه الخسوف،و لما ذهب ضوؤه.

قال في«فتح الرّحمن»:الخسوف و الكسوف معناهما واحد،و هو ذهاب ضوء أحد النّيّرين أو بعضه،و صلاة الكسوف سنّة مؤكّدة،فإذا كسفت الشّمس أو القمر فزعوا للصّلاة و هي لكسوف الشّمس ركعتان كهيئة النّافلة،و يصلّي بهم إمام الجمعة،و يطيل القراءة و لا يجهر و لا يخطب.

و خسوف القمر ليس له اجتماع.و يصلّي النّاس في منازلهم ركعتين كسائر النّوافل.(10:245)

المراغيّ: أي ذهب ضوؤه،كما نعقله من حاله في الدّنيا،إلاّ أنّ الخسوف في الدّنيا إلى الجلاء،و في الآخرة لا يعود ضوؤه.(29:148)

الطّباطبائيّ: خسوف القمر:زوال نوره.

(20:105)

مثله فضل اللّه.(23:236)

2- فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ...*... لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ.

القصص:81،82

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:من لبس ثوبا فاختال فيه خسف اللّه به من شفير جهنّم،و كان قرين هارون،لأنّه أوّل من اختال فخسف اللّه به و بداره الأرض.

(العروسيّ 4:140)

ابن عبّاس: غارت بنا الأرض كما خسف بقارون.(331)

الإمام الصّادق عليه السّلام:قام رجل إلى أمير

ص: 18

المؤمنين في الجامع بالكوفة،فقال:يا أمير المؤمنين أخبرني عن يوم الأربعاء و التّطيّر منه و ثقله و أيّ أربعاء هو؟فقال عليه السّلام:«آخر أربعاء في الشّهر و هو المحاق،و فيه قتل قابيل هابيل أخاه،و يوم الأربعاء ألقي إبراهيم عليه السّلام في النّار،و يوم الأربعاء خسف اللّه بقارون».(العروسيّ 4:140)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فخسفنا بقارون و أهل داره.و قيل:و بداره،لأنّه ذكر أنّ موسى إذا أمر الأرض أن تأخذه أمرها بأخذه،و أخذ من كان معه من جلسائه في داره،و كانوا جماعة جلوسا معه،و هم على مثل الّذي هو عليه من النّفاق و المؤازرة على أذى موسى.(10:109)

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الأمصار سوى شيبة (لخسف بنا) بضمّ الخاء و كسر السّين،و ذكر عن شيبة و الحسن لَخَسَفَ بِنا بفتح الخاء و السّين،بمعنى لخسف اللّه بنا.(10:114)

الفارسيّ: و قرأ عاصم في رواية حفص:(لخسف بنا)نصبا،و كذلك روى عليّ بن نصر عن أبان عن عاصم مثله،و قرأ الباقون،و أبو بكر عن عاصم:

(لخسف بنا) بضمّ الخاء.

قال أبو عليّ: من قال:(لخسف)بفتح الخاء،فلتقدّم ذكر اللّه تعالى: لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا، و من قال:(لخسف بنا)فبنى الفعل للمفعول،فإنّه يؤول إلى الخسف في المعنى.(3:256)

نحوه البغويّ(3:547)،و الزّمخشريّ(3:193).

أبو البركات: و قرئ بفتح الخاء و السّين، و (لخسف بنا) بضمّ الخاء و كسر السّين،و (خسف) بضمّ الخاء و سكون السّين و(لا يخسف بنا).

فمن قرأ بفتح الخاء و السّين،فمعناه: (لخسف اللّه بنا) و الجارّ و المجرور في موضع نصب ب(خسف).

و من قرأ (لخسف) بضمّ الخاء و كسر السّين، فالجارّ و المجرور في موضع رفع،لقيامه مقام الفاعل، على ما لم يسمّ فاعله.

و من قرأ (لخسف) بضمّ الخاء و سكون السّين، حذفت الكسرة تخفيفا،كقولهم:«لو عصر منه البان و المسك انعصر».أراد:عصر.

و من قرأ (لا يخسف بنا) ،فمنزلة قراءة من قرأ (لخسف بنا) على ما لم يسمّ فاعله.(2:238)

نحوه أبو حيّان(7:136)،و الآلوسيّ(20:125).

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّه لمّا أشر و بطر و عتا خسف اللّه به و بداره الأرض جزاء على عتوّه و بطره،و الفاء تدلّ على ذلك،لأنّ الفاء تشعر بالعلّيّة.

و ثانيها:قيل:إنّ قارون كان يؤذي نبيّ اللّه موسى عليه السّلام كلّ وقت،و هو يداريه للقرابة الّتي بينهما حتّى نزلت الزّكاة،فصالحه.[و ذكر قصّته الطّويلة]

(25:18)

نحوه النّيسابوريّ(20:68)،و البيضاويّ(2:

202)،و النّسفيّ(3:247)،و أبو السّعود(5:137)، و البروسويّ(6:435).

طنطاوي:مرشدا بذلك المسلمين أن يصرفوا هواهم عن التّعالي و الكبرياء و التّغالي في الزّينة،لئلاّ

ص: 19

يخسف بهم و بمالهم الأرض،كما حصل الآن،فقد أصبح مالهم تحت تصرّف غيرهم من الأمم المحتلّة، و ذلك لجهلهم و قلّة علم وعّاظهم إلاّ قليلا،فصرف النّاس أموالهم و عقولهم في الرّياء و المباهاة،و جهلوا المقصود من المال و من الحياة،فضاعت بلادهم،و هذا هو الخسف العظيم،و أيّ شيء خسف قارون و داره؟

الخسف الآن خسف الأمم بتمامها،يدخل جيش الأعداء القاهر في بلدة من بلاد الإسلام فيصبح النّاس عبيد الغاصبين و ضحيّة الطّامعين،ذلك هو الخسف الأكبر،خسف أمّة لا خسف فرد،فليخسف الفرد و لتبق الأمّة،أمّا الأمم الإسلاميّة الحديثة فإنّها ابتليت بخسف الأمم و الأفراد لجهل كثير من الوعّاظ الغافلين السّاهين النّائمين الجاهلين،الخسف حتم لكلّ مراء و باغ و جاهل بمقاصد المال و مقاصد الصّحّة و العلم، يخسف بهم سواء أ كانوا أمما أم أفرادا كقارون.

(14:73)

نحوه المراغيّ.(20:99)

مغنيّة:و لا ينجو ظالم من الخسف في الدّنيا قبل الآخرة،و ليس من الضّروريّ أن يكون الخسف بالأرض فقط،فيكون أيضا بالخزي و اللّعن على ألسنة الخلائق،و بأيدي المظلومين و المحقّين،و قد دلّتنا التّجارب أنّ الظّالم إذا نزل به القصاص و العقاب تخلّى عنه و تبرّأ منه كلّ النّاس حتّى أعوانه و أرحامه، و حسبه هذا خسفا و نكالا.(6:88)

مكارم الشّيرازيّ: أجل حين يبلغ الطّغيان و الغرور و تحقير المؤمنين الأبرياء و المؤامرة ضدّ نبيّ اللّه أوجها،تتجلّى قدرة اللّه تعالى و تطوي حياة الطّغاة، و تدمّرهم تدميرا يكون عبرة للآخرين.

مسألة الخسف هنا الّتي تعني انشقاق الأرض و ابتلاع ما عليها،حدثت على مدى التّاريخ عدّة مرّات.إذا تتزلزل الأرض ثمّ تنشقّ و تبتلع مدينة كاملة أو عمارات سكنيّة داخلها،و لكن هذا الخسف الّذي حدث لقارون يختلف عن تلك الموارد.هذا الخسف كان طعمته قارون و خزائنه فحسب.

يا للعجب!.ففرعون يهوي في ماء النّيل.و قارون في أعماق الأرض!.

الماء الّذي هو سرّ الحياة و أساسها يكون مأمورا بهلاك فرعون.

و الأرض الّتي هي مهاد الاطمئنان و الدّعة تنقلب قبرا لقارون و أتباعه.

و من البديهيّ أنّ قارون لم يكن لوحده في ذلك البيت فقد كان معه أعوانه و ندماءه و من أعانه على ظلمه و طغيانه،و هكذا توغّلوا في أعماق الأرض جميعا.(12:276)

لاحظ خسف الأرض:«أرض».

يخسف

1- أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ.

النّحل:45

ابن عبّاس: أن لا يغور اللّه.(225)

كما خسف بقارون.(القرطبيّ 10:109)

ص: 20

و ذكر لنا أنّ أخلاطا من بلاد الرّوم خسف بها، و حين أحسّ أهلها بذلك فرّ أكثرهم،و أنّ بعض التّجّار ممّن كان يرد إليها رأى ذلك من بعيد،فرجع بتجارته من حيث لا يشعرون من الجهة الّتي لا شعور لهم بمجيء العذاب منها،كما فعل بقوم لوط،في تقلّبهم في أسفارهم،أو في منامهم.

مثله قتادة.(أبو حيّان 5:495)

الإمام الباقر عليه السّلام:إنّ عهد نبيّ اللّه صار عند عليّ بن الحسين عليه السّلام،ثمّ صار عند محمّد بن عليّ،ثمّ يفعل اللّه ما يشاء،فألزم هؤلاء،فإذا خرج رجل منهم، معه ثلاثمائة رجل،و معه راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،عامدا إلى المدينة حتّى يمرّ بالبيداء،فيقول:هذا مكان القوم الّذين خسف بهم،و هي الآية الّتي قال اللّه: أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ... (العروسيّ 3:59)

الإمام الصّادق عليه السّلام:هم أعداء اللّه،و هم يمسخون و يقذفون و يسيحون في الأرض.

(العروسيّ 3:59)

النّقّاش:أنّه وقع الخسف في هذه الأمّة بهم الأرض،كما فعل بقارون.(أبو حيّان 5:494)

الطّوسيّ: من تحتهم عقوبة لهم على كفرهم،أو يجيئهم العذاب من جهة،لا يشعرون بها،على وجه الغفلة.(6:385)

القرطبيّ: يقال:خسف المكان يخسف خسوفا:

ذهب في الأرض،و خسف اللّه به الأرض خسوفا،أي غاب به فيها،و منه قوله تعالى: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ.

و خسف هو في الأرض و خسف به.(10:109)

الشّربينيّ: كما خسف بقارون و أصحابه فإذا هم في بطنها لا يقدرون على نوع تقلّب بمتابعة و لا غيرها.

(2:233)

نحوه مغنيّة.(4:517)

البروسويّ: مفعول ل(امن)أي أن يغوّر بهم الأرض حتّى يدخلوا فيها إلى الأرض السّفلى كما فعل بقارون و أصحابه.(5:38)

الآلوسيّ: «خسف»يستعمل لازما و متعدّيا.

يقال:كما قال الرّاغب:خسفه اللّه تعالى و خسف هو، و كلا الاستعمالين محتمل هنا،فالباء إمّا للتّعدية أو للملابسة،و(الارض)إمّا مفعول به أو نصب بنزع الخافض،أي أ فأمن الّذين مكروا السّيّئات أن يغيّبهم اللّه تعالى في الأرض،أو يغيّبها بهم،كما فعل بقارون.

(14:151)

المراغيّ: أي يزيلها من الوجود و هم على سطحها.[إلى أن قال:]

يبيدهم من صفحة الوجود،كما فعل بقارون من قبل.(14:87)

حسنين مخلوف:يهلكهم بالخسف و هو التّغييب في الأرض،أو تغييب الأرض بهم.يقال:خسف اللّه به الأرض خسوفا،غيّبه فيها،و خسف هو في الأرض و خسف به.(1:435)

2- أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً. الإسراء:68

ص: 21

ابن عبّاس: أن لا يغور بكم.(239)

الفارسيّ: اختلفوا في الياء و النّون،من قوله عزّ و جلّ:(ان نشأ بهم...او نرسل عليكم...ان نعيدكم...فنرسل عليكم...نغرقكم...)الإسراء:68- 69،فقرأ ابن كثير و أبو عمرو بالنّون ذلك كلّه،و قرأ نافع و عاصم و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ ذلك كلّه بالياء.

من قرأ بالياء:فلأنّه قد تقدّم ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ فَلَمّا نَجّاكُمْ الإسراء:67، أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ.

و أمّا من قرأ بالنّون،فلأنّ هذا النّحو قد يقطع بعضه من بعض و هو سهل،لأنّ المعنى واحد،أ لا ترى أنّه قد جاء: وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً الإسراء:2،فكما انتقل من الجميع إلى الإفراد لاتّفاق المعنى،كذلك يجوز أن ينتقل من الغيبة إلى الخطاب،و المعنى واحد،و كلّ حسن.

و الخسف بهم نحو الخسف بمن كان قبلهم من الكفّار، نحو قوم لوط و قوم فرعون.(3:65)

الطّوسيّ: قرأ ابن كثير و أبو عمرو (ان نخسف...

او نرسل...ان نعيدكم...فنرسل...) بالنّون فيهنّ، الباقون بالياء.إلاّ أبا جعفر،و ورش،فإنّهما قرءا:

(فتغرقكم) بالتّاء يردّانه إلى الرّيح.

و من قرأ بالنّون أراد الإخبار من اللّه عن نفسه، و من قرأ بالياء أراد أنّ محمّدا أخبر عن اللّه،و المعنيان متقاربان.[ثمّ نقل كلام الفارسيّ المتقدّم و أضاف:]

أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانبه و يقلّب أسفله أعلاه فتهلكون عند ذلك،كما خسفنا بمن كان قبلكم من الكفّار،نحو قوم لوط و قوم فرعون.(6:501)

الواحديّ: أي يغيّبكم و يذهبكم في جانب البرّ، و هو الأرض.يقال:خسف اللّه به الأرض،أي غاب به فيها.أخبر اللّه تعالى أنّه كما قدر أن يغيبهم في الماء قادر أن يغيبهم في الأرض.(3:117)

ابن الجوزيّ: قرأ ابن كثير،و أبو عمرو: (نخسف بكم) ، (او نرسل) ، (ان نعيدكم) ، (فنرسل) ، (فنغرقكم) بالنّون في الكلّ.و قرأ نافع،و عاصم،و ابن عامر، و حمزة،و الكسائيّ،بالياء في الكلّ.و معنى(نخسف بكم جانب البرّ)أي:نغيّبكم و نذهبكم في ناحية البرّ، و المعنى أنّ حكمي نافذ في البرّ نفوذه في البحر.(5:61)

القرطبيّ: بيّن أنّه قادر على هلاكهم في البرّ و إن سلموا من البحر.(10:292)

البيضاويّ: أن يقلبه اللّه و أنتم عليه،أو يقلبه بسببكم،ف(بكم)حال أو صلة ل(يخسف).

و قرأ ابن كثير و أبو عمرو بالنّون فيه،و في الأربعة الّتي بعده.(1:592)

البروسويّ: الّذي هو مأمنكم كقارون،و(بكم) في موضع الحال،و(جانب البرّ)مفعول به،أي يقلبه اللّه و أنتم عليه.و يجوز أن تكون الباء للسّببيّة،أي يقلبه بسبب كونكم فيه.

قال سعدي المفتي:أي يقلب جانب البرّ الّذي أنتم فيه،فيحصل بخسفه إهلاككم،و إلاّ فلا يلزم من خسف جانب البرّ بسببهم إهلاكهم.(5:183)

المراغيّ: الخسف و الخسوف:دخول الشّيء في

ص: 22

الشّيء،يقال:عين خاسفة،إذا غابت حدقتها في الرّأس،و عين من الماء خاسفة:أي غائرة الماء، و خسفت الشّمس،أي احتجبت،و كأنّها غارت في السّحاب.[إلى أن قال:]

أي أ فحسبتم أنّكم بخروجكم إلى البرّ أمنتم من انتقام اللّه و عذابه،فهو إن شاء خسف بكم جانب البرّ و غيّبه في أعماق الأرض و أنتم عليها،و إن شاء أمطر عليكم حجارة من السّماء تقتلكم كما فعل بقوم لوط، ثمّ لا تجدون من تكلون إليه أموركم،فيحفظكم من ذلك،أو يصرفه عنكم غيره،جلّ و علا.

و خلاصة ذلك:إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف،أصابكم من فوقكم بريح يرسلها عليكم، فيها الحصباء يرجمكم بها،فيكون أشدّ عليكم من الغرق في البحر.(15:73 و 75)

مغنيّة: النّاس كلّهم في قبضته تعالى أينما كانوا، حتّى و لو تحصّنوا في بروج مشيّدة،فإن كانوا في البحر أهلكهم بالغرق إن شاء،أو في البرّ خسف بهم الأرض أو أمطر عليهم حجارة من السّماء،و إن كانوا في قلعة محصّنة هدمها على رءوسهم،و لا يأمن العواقب إلاّ جهول.(5:65)

الطّباطبائيّ: خسوف القمر:استتار قرصه بالظّلمة و الظّلّ.و خسف اللّه به الأرض أي ستره فيها.

و الاستفهام للتّوبيخ يوبّخهم اللّه تعالى على إعراضهم عن دعائه في البرّ،فإنّهم لا مؤمّن لهم من مهلكات الحوادث في البرّ،كما لا مؤمّن لهم حال مسّ الضّرّ في البحر؛إذ لا علم لهم بما سيحدث لهم و عليهم.

فمن الجائز أن يخسف اللّه بهم جانب البرّ،أو يرسل عليهم ريحا حاصبا فيهلكهم بذلك،ثمّ لا يجدوا لأنفسهم وكيلا يدفع عنهم الشّدّة و البلاء،و يعيد إليهم الأمن و السّلام.(13:154)

تقدّم بعض النّصوص في«ج ن ب»فلاحظ (جانب البرّ).

3- أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ. الملك:16

راجع أرض:«الأرض».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخسف،و هو غور الأرض بما عليها.يقال:خسفت الأرض تخسف خسفا و خسوفا.و انخسفت أي غارت و ساخت، و خسف اللّه به الأرض خسفا:غاب به فيها،و خسف الرّجل في الأرض و خسف به:أخذته الأرض و دخل فيها،و خسف المكان يخسف خسوفا:ذهب في الأرض.

و الأخاسيف:الأرض اللّيّنة،كأنّها تخسف بمن يمشي عليها.يقال:وقعوا في أخاسيف من الأرض، و هي الأخاسف أيضا،روى شمر عن الفرّاء،قال:

«الأخاشف:العزاز الصّلب من الأرض،و أمّا الأخاسف فهي الأرض اللّيّنة» (1).

ص: 23


1- تهذيب اللّغة:7:88.

و الخسف:مخرج ماء البئر،و بئر خسوف و خسيف:نقب جيلها عن عيلم الماء،فلا ينزح أبدا، و قد خسفها خسفا،و الجمع أخسفة و خسف.

و الخسف:الخرق.يقال:خسف الشّيء يخسفه خسفا،أي خرقه،و خسف السّقف نفسه و انخسف:

انخرق.

و الخسيف من السّحاب:ما أتى بالماء الكثير، كأنّه خسف به فجاء بماء كثير،و ناقة خسيف:غزيرة سريعة القطع في الشّتاء،و قد خسفت خسفا،تشبيها بالبئر الخسيف.

و خسوف العين:ذهابها في الرّأس،على التّشبيه بخسوف الأرض.يقال:خسفت عينه،أي ساخت، و خسفها يخسفها خسفا:فقأها،فهي خسيفة و خاسفة، و قد خسفت تخسف خسوفا.

و الخسف:الهزال،و الجمع:مخاسف،و الخاسف:

المهزول،كأنّه قد خسف به.

و الخسف:الهوان،و أصله أن تحبس الدّابّة على غير علف،ثمّ استعير فوضع موضع الهوان.يقال:باتت الدّابّة على خسف،أي لم يكن لها علف.

و الخسف:النّقصان.يقال:رضي فلان بالخسف، أي بالنّقيصة،و هو الخسيفة أيضا.

و الخسف:الجوع،و الخاسف:الجائع،كأنّه غاب عنه ما أراده من طعام.يقال:بات القوم على الخسف، إذا باتوا جياعا،ليس لهم شيء يتقوّتونه،و بات فلان الخسف:جائعا.

2-و خسوف القمر:ذهاب ضوئه.يقال:خسف القمر و خسف،على التّشبيه بخسوف الأرض.و قيل أيضا:خسفت الشّمس تخسف خسوفا،و خسفها اللّه فانخسفت،أي كسفت و ذهب ضوؤها،و المعروف فيها الكسوف.قال ثعلب:«كسفت الشّمس و خسف القمر»،و عقّب الجوهريّ قائلا:«هذا أجود الكلام».

و حذا الفلكيّون حذو اللّغويّين،إذ خصّوا الخسوف بالقمر و الكسوف بالشّمس،و لكنّ أصحاب الحديث عمّموا الخسوف للشّمس و القمر.

قال ابن الأثير:«و أمّا إطلاق الخسوف على الشّمس منفردة،فلاشتراك الخسوف،و الكسوف في معنى ذهاب نورهما و إظلامهما».

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها الماضي و المضارع كلّ منهما 4 مرّات،في 8 آيات:

خسوف الأرض

1- ...لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا...

القصص:82

2- فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ... القصص:81

3- فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا... العنكبوت:40

4- أَ فَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ سبأ:9

ص: 24

5- أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ النّحل:45

6- أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً... الأسراء:68

7- أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ الملك:16

خسف القمر

8- فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَ خَسَفَ الْقَمَرُ* وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ القيامة:7-9

يلاحظ أوّلا:أنّ الخسوف جاء في محورين:

الأوّل:خسوف الأرض في(1-7)،و فيه بحوث:

1-ذكر خسف الأرض بقارون في(2)و(3) عبرة للمؤمنين،كما في(1)،و تهديدا للكافرين كما في سائر الآيات.و المراد بخسفها:غور ناحية من برّها، و ليس جرمها الكرويّ ففيها المؤمن و الكافر،و يدلّ عليه الخسف بقارون و داره فقط،و لفظ(جانب)في (6)،و لا يصدق الخسف على البحار أيضا،لأنّها في غور من الأرض.

2-ورد الخسف عذابا للكافرين في الدّنيا،و قرن بمختلف العذاب الّذي أنزل على الأمم الكافرة خلال العصور الغابرة،إذ ذكر خسوف الأرض في(3)مع إرسال الحاصب و أخذ الصّيحة و الإغراق،و ذكر في (4)مع إسقاط الكسف من السّماء،و في(5)مع إتيان العذاب،و في(6)مع إرسال الحاصب،و في(7)تلاه إرسال الحاصب في الآية اللاّحقة،و هي، أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ.

و أخبرنا القرآن أنّ عذاب الحاصب حلّ بقوم لوط،و الصّيحة بثمود،و الإغراق بفرعون و قومه، و الكسف بأصحاب الأيكة،فهل بين هذه الأنواع من العذاب و من عذّب بها و بين خسف الأرض و مشركي مكّة صلة؟

3-ما أفصح القرآن عن طريقة خسف الأرض و غورها،أ بظاهرة طبيعيّة كالإحراق بالصّواعق و الإغراق بالسّيل،أم بقدرة ربّانيّة كانفلاق البحر أو انفجار الماء من الحجر؟

غير أنّ الخسف يحدث للأرض عادة إثر الزّلازل حسب النّواميس الطّبيعيّة،و لعلّ قوله: فَإِذا هِيَ تَمُورُ في ذيل آية(7)يشير الى هذا المعنى،فقد فسّر المور بالاضطراب،و هو في اللّغة الذّهاب و المجيء، و هكذا يحدث للأرض عن الزّلزال.

و لكنّ ما يذود رأينا على الظّاهر هو أنّ جملة فَإِذا هِيَ تَمُورُ عطف على قوله: أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ، كما ذهب إلى ذلك جلّ المفسّرين،أي أنّ الخسف يقع قبل المور الّذي فسّرناه بالزّلزال.

و يمكن تبرير قولنا هذا بأمرين:الأوّل:أنّ في هذه الآية تقديما و تأخيرا،أي المور مقدّم على الخسف.

و نظيره قوله: يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ آل عمران:43،فقدّم السّجود على الرّكوع و حقّه التّأخير،و قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً

ص: 25

الكهف:1،2،و التّقدير:الحمد للّه الّذي أنزل على عبده الكتاب قيّما و لم يجعل له عوجا.

و الثّاني:أنّ الفاء في قوله: فَإِذا هِيَ تَمُورُ زائدة لازمة،و ليست عاطفة،كما قال أبو عليّ الفارسيّ و المازنيّ و جماعة (1)،و زيادتها عندهم قبل:«إذا» الفجائيّة،كما في الآية الكريمة،و في قولهم:خرجت فإذا الأسد بالباب.

أو يقال:(إذا)تصير فجائيّة إذا قورنت بالفاء الّتي هي للتّرتيب باتّصال،و الاتّصال في المثال بالخروج،لا يستلزم تأخير حضور الأسد عن الخروج إن لم تدلّ على تقدّمه،و كذا الآية فيها إشارة إلى تقدّم«المور» على الخسوف.

المحور الثّاني:خسف القمر في(8): وَ خَسَفَ الْقَمَرُ، و فيه بحوث:

1-أسند الخسف إلى القمر خلافا لخسف الأرض فإنّه أسند إلى اللّه،و نظيره انشقاق القمر: اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ القمر:1،و اتّساقه: وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ الانشقاق:18،و تلوّه للشّمس: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها الشّمس:2،و غيرها.كما أسندت بعض المعاني إلى الأرض أيضا،نحو الانشقاق: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ مريم:90، و الرّجف: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ المزّمّل:

14،و هذا من الإسناد المجازيّ،لأنّ أفعالها منوطة بأمر خالقها: وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ الرّوم:25.

2-الأصل في الخسف-كما تقدّم-غور الأرض، إلاّ أنّه ليس كذلك في القمر،أي لا يغور جرمه و لا يسيخ في باطنه،كالأرض،بل يذهب ضوؤه و يختفي،فهو في الأصل معنى مجازيّ.و يرجع سبب ذهاب ضوء القمر وقوع الأرض بينه و بين الشّمس، فينعكس ظلّها عليه فينطمس،و يبدو للعيان مظلما.

و لم يتعرّض المفسّرون لعلّة هذه الظّاهرة الكونيّة، و لكنّها مبيّنة عند علماء النّجوم.

3-جاء الفعل ماضيا و هو بمعنى الحال و الاستقبال،إشارة إلى قرب حدوثه،كقوله تعالى:

أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ النّحل:1،و اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ القمر:1،و وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النّارِ الأعراف:44،و اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ الأنبياء:1.

و هذا الضّرب من الآيات مختصّ بمكّة،و هو تهديد و وعيد لقريش و عتاتها بقيام السّاعة،و عذاب الآخرة.

4-جاء(خسف)منسوبا إلى القمر في(8)لازما، و إلى الأرض متعدّيا في غيرها-و لهذا قد قرئت الآية (1)(لخسف بنا)بالبناء للمفعول-لاختلاف المعنى كما قلنا-فهو في الأرض بمعنى الغور،و في القمر بمعنى ذهاب الضّوء،مع أنّ ما جاء في الأرض كلّها وعيد بعذاب الدّنيا،و ما جاء في القمر وعيد بعذاب الآخرة.

5-نبّه طنطاوي-و تبعه غيره-على نكتة و هي أنّ الخسف لا يختصّ بالأرض و القمر بل يعمّ الأمم،).

ص: 26


1- المغني اللّبيب(1:167).

كما حصل الآن للمسلمين،فقد أصبح مالهم تحت تصرّف غيرهم من الأمم المحتلّة،و ذلك لجهلهم، فضاعت بلادهم،و هذا هو الخسف العظيم،و أيّ شيء خسف قارون و داره؟الخسف الآن خسف الأمم بتمامها،يدخل جيش الأعداء القاهر في بلدة من بلاد الإسلام فيصبح النّاس عبيد الغاصبين و ضحيّة الطّامعين،و ذلك هو الخسف الأكبر،خسف أمّة لا خسف فرد.

و نقول:أكبر من ذلك خسف الأمم في ثقافاتهم، فإنّه أعظم و أخطر،كما حدث بالفعل للمسلمين و كثير من غيرهم.فقد سيطرت ثقافة الغرب على ثقافة الشّرق،حتّى كادت أن تنطفئ أمام الغرب!!

ثانيا:آيات الخسف كلّها مكّيّة و ليس فيها آية مدنيّة،و كأنّ هذه المادّة في الأصل لغة أهل مكّة،ثمّ شاعت في غيرها،أو أنّ أكثرها راجع إلى الأمم السّابقة في قصصهم،و أكثرها مكّيّة.

ثالثا:ورد ما يضارع الخسوف في الأرض و السّماء أيضا:

1-غور الماء في الأرض: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ الملك:30.

2-وقوب الغاسق،أي دخول القمر في الخسوف:

وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ الفلق:3.

3-طمس النّجوم: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ

المرسلات:8.

ص: 27

ص: 28

خ ش ب

اشارة

خشب

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخشب معروف،و الخشّابة:قوم معهم خشب،و حرفتهم:الخشابة.

و الخشب جزم:الشّحذ،و سيف خشيب مخشوب،أي شحيذ.

و جبهة خشباء:كريهة يابسة صلبة،بادية العظام و العروق،غير مستوية.

و رجل خشب:عاري العظام و العصب،له شدّة و صلابة،و كذلك اليد و نحوها.و اخشوشب الرّجل.

و كلّ شيء خشن من أرض و قتّ و نحوهما فهو أخشب.

و الأخشب مكان من القفّ غليظ.و قد يكون سفح الجبل أخشب.

و أخاشب الصّمّان:جبال اجتمعن بها في محلّة بني تميم.

و أخشبا مكّة:جبلاها.

و الخشب:خلطك الشّيء بالشّيء غير متأنّق فيه.

و طعام مخشوب.(4:172)

الأحمر:قال لي أعرابيّ:قلت لصيقل:هل فرغت من سيفي؟قال:نعم إلاّ أنّي لم أخشبه.

و الخشب أن يضع عليه سنانا عريضا أملس، فيدلكه به،فإن كان فيه شعث أو شقوق أو حدب ذهب و أملسّ.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 1:119)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخشبة المعترضة فيها تشدّها سكّة و هي من جنبها إلى جنبها.(1:132)

جمل خشب:طويل القوائم.(1:230)

ص: 29

سيف خشيب،أي عظيم،و مخشوب نقول للبعير، و الفرس،إذا كان جسيم القدم:إنّه لخشب.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:238)

الخشيب:السّيف الخشن الّذي قد برد و لم يصقل.

و الخشيب:الصّقيل(الأزهريّ 7:91)

أبو زيد :قوله«اختشبوا»يريد ابتدءوا طبعه و يقال خشبت السّيف و اختشبته خشبا و اختشابا، إذا ابتدأت طبعه.

و يقال:سيف جيّد الخشيبة،إذا أحكم طبعه.

(149)

الأصمعيّ: و الخشيب:السّيف الخشن الّذي برد و لم يصقل.

و الخشيب:الصّقيل.

يقال:سيف خشيب،و هو عند النّاس صقيل.

و إنّما أصله برد قبل أن يليّن.

يقال:أفرغت من سيفي؟فيقال:قد خشبته.

و يقال:أفرغت من نبلي؟فيقال:قد خشبتها،أي قد بريتها البري الأوّل و لم أسوّها:فإذا فرغ منها قال:قد خلّقتها،يعني قد ليّنتها أخذ من الصّفاة الخلقاء،يعني الملساء.

و يقال سيف مشقوق الخشيبة،يقول:عرّض حين طبع.

و يقال:فلان يخشب الشّعر،أي يمرّه كما يجيئه و لا يتنوّق فيه.

و الخشبة:البردة الأولى قبل الصّقال.[و استشهد بالشّعر مرّتين](الأضداد:198)

الخشيب:السّيف الّذي بدئ طبعه و لم يتمّ عمله.

(الحربيّ 2:546)

الأخشب:الجبل و أراه يعني الغليظ.[ثمّ استشهد بشعر](أبو عبيد 1:72)

أبو عبيد: في حديث عمر:«اخشوشنوا و اخشوشبوا و تمعددوا».

قوله:«و اخشوشنوا»هو من الخشونة في اللّباس و المطعم«و اخشوشبوا»أيضا شبيه به.

و كلّ شيء غليظ خشن فهو أخشب و خشب، و هو من الغلظ و ابتذال النّفس في العمل و الاحتفاء في المشي ليغلظ الجسد و يجسو.

و منه حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في مكّة:«لا تزول حتّى يزول أخشباها».

و الأخشب:الجبل.[ثمّ استشهد بشعر](2:68)

الخشيب:السّيف الّذي لم يحكم عمله.

و الخشيب:الصّقيل.

المخشوب:المخلوط في نسبه.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 7:92)

الخشيب:السّيف الّذي بدئ طبعه؛ثمّ كثر حتّى صار عندهم الخشيب الصّقيل.(ابن فارس 2:185)

ابن السّكّيت: الخشب:مصدر خشبت الشّعر أخشبه،إذا قلته كما يجيء و لم تتنوّق فيه.و قد خشبت النّبل،إذا بريتها البري الأوّل

و الخشب:الخشب.(إصلاح المنطق:131)

شمر:الأخشب من الجبال:الخشن الغليظ.

(الأزهريّ 7:90)

ص: 30

و قال العتريفيّ: الخشبان:الجبال الخشن،الّتي ليست بضخام و لا صغار.

و الخشب من الإبل:الجافي السّمج الشّاسئ الخلق.

(الأزهريّ 7:91)

الخشب:الغليظ من كلّ شيء.(الهرويّ 2:555)

الدّينوريّ: خشب القوس خشبها خشبا:عملها عملها الأوّل،و هي خشيب،من قسيّ خشب و خشائب.

و قدح مخشوب و خشيب:منحوت.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 5:32)

الحربيّ: [في الحديث]«إذا ظهرت بيوت مكّة على أخاشبها فخذ حذرك».

و عن ابن عمر:«أنّه كان يصلّي خلف الخشبيّة و الخوارج»

[و في حديث]:«اخلولقوا و اخشوشنوا و اخشوشبوا»

قوله:«على أخاشبها و أخشبيها»يريد جبلين بمكّة.

قوله:يصلّي خلف الخشبيّة:ضرب من الرّافضة.

و قيل الّذين يرون الخروج على من خالفهم بالخشب، و قيل الّذين حفظوا خشبة زيد بن على حين صلب.

و سمعت أبا نصر يقول:الخشبيّة أصحاب المختار ابن أبي عبيد.

قوله:«و اخشوشنوا»يقول:البسوا الخلقان و الخشن.

«و اخشوشبوا»:كلوا الغليظ من الطّعام.

و الأخشب:مكان من القفّ غليظ.

يقال:ما أخشب:ما شقّت خشيبته،فكثر ذلك حتّى صار الخشيب عند كثير من العرب الصّقيل.

و الصّقيل:الحديث العهد بالصّقال.و القدح إذا برى أوّل برية قد خشب فهو خشيب.

و فلان يخشب الشّعر يمرّه كما يجيئه لا يتنوّق فيه.

و الخشبة:البردة الأولى.

و التّخشّب:عمل لا يتنوّق فيه.يقال:خشب فلان بناءه خشبا..[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:544)

المبرّد: الخشب:الّذي ليس يلين على من نزل به.

(2:42)

كراع النّمل:الخشيب:اليابس.(ابن سيده 5:32)

ابن دريد :الخشب معروف،و مثله الخشب،و هو جمع خشبة.

و سيف مخشوب و خشب:حديث الصّنعة.و جاد ما فتق الصّيقل خشيبة السّيف،يعني جاد ما طبعه.

و الأخشب:الأرض الغليظة،و جمعه أخاشب.

و أخشبا مكّة:جبلاها.

و أخشبا المدينة:حرّتاها المكتنفتان لها.

و جمل خشب،إذا كان غليظا.

و الخشب:الغليظ الجافي.

و الخشاب:بطون من بني تميم،لقب لهم.

و قد سمّوا خشبان،و من هذا اشتقاقه.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات].(1:235)

الأزهريّ: [و في الحديث]«إنّ جبريل قال:يا محمّد:إن شئت جمعت عليهم الأخشبين فقال:دعني

ص: 31

أنذر قومي».

و يقال:[الأخشب من الجبال]هو الّذي لا يرتقى فيه.

و أرض خشباء:و هي الّتي كأنّ حجارتها منثورة متدانية.[ثمّ استشهد بشعر]

[و في حديث عمر:]«اخشوشنوا و اخشوشبوا، و تمعددوا».يقال:اخشوشب الرّجل إذا صار صلبا خشنا.

و خشبت النّبل خشبا،إذا بريتها البري الأوّل، و لم تفرغ منه.

و هو يخشب الكلام و العمل إذا لم يحكمه و لم يجوّده.(7:90)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]و الخشب الشّحذ،سيف خشيب و مخشوب أي شحيذ.

و قيل:هو الّذي لم يحكم عمله.و هو من الأضداد.

و الخشيبة:حدّه،و قيل:صقاله.

و أخاشب صمّان:جبال هناك ليس قربها أكمة و لا جبل.

و مال خشب،أي هزلى خال من الرّبيع.

و أرض خشاب إذا سالت من أدنى مطر.

و اختشب فلان شعرا:خلّط فيه و لم يجوّده.

و المختشب:الّذي يأكل ما قدر عليه،و هو الخاشب أيضا.(4:227)

الجوهريّ: جمع الخشبة:خشب،و خشب، و خشب،و خشبان.

و خشبت الشّيء بالشّيء:خلطته به.

و الخشيب:السّيف الّذي بدئ طبعه.

و الخشيب أيضا:الصّقيل،و هو من الأضداد.

و قد اخشوشب،أي صار خشبا،و هو الخشن.

و تخشّبت الإبل،إذا أكلت اليبيس من المرعى.

و رجل قشب خشب،إذا كان لا خير فيه.و خشب إتباع له.

و بنو رزام بن مالك بن حنظلة يقال لهم الخشاب.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:119)

ابن فارس: الخاء و الشّين و الباء أصل واحد يدلّ على خشونة و غلظ.فالأخشب:الجبل الغليظ.

و من ذلك قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،في مكّة:لا تزول حتّى يزول أخشباها.يريد جبليها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخشيب:السّيف الّذي بدئ طبعه؛و لا يكون في هذه الحال إلاّ خشنا.و سهم مخشوب و خشيب،و هو حين ينحت.و جمل خشيب:غليظ.و كلّ هذا عندي مشتقّ من الخشب.و تخشّبت الإبل،إذا أكلت اليبيس من المرعى.

و يقال جبهة خشباء:كريهة يابسة ليست بمستوية و ظليم خشيب:غليظ.(2:185)

الهرويّ: قوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ المنافقون:4، الخشب:جمع خشبة،كما تقول ثمرة و ثمر.

و في الحديث:«خشب باللّيل صخب بالنّهار» أراد أنّهم ينامون اللّيل لا يصلّون،كأنّ جثثهم خشب مطرّحة.و العرب تقول للقتيل:كأنّه خشبة،و كأنّه جذع.

في حديث عمر:«اخشوشبوا و تمعددوا».و في

ص: 32

رواية أخرى«اخشوشنوا»

يقال:اخشوشب الرّجل،إذا كان صلبا خشنا و روي-بالجيم-أيضا من الخشب،و أراد بذلك الخشوبة في الملبس و المطعم.

يقول:عيشوا عيش العرب و لا تعوّدوا أنفسكم التّرفّه و عيشة العجم فتقعد بكم عن المغازي.

(2:555)

ابن سيده: الخشبة:ما غلظ من العيدان،و الجمع:

خشب،و خشب،و خشب.

و بيت مختشب:ذو خشب.

و الخشّابة:باعتها.

و تخشّبت الإبل:أكلت الخشب.

و الخشيبة:الطّبيعة.

و خشب السّيف يخشبه خشبا،فهو مخشوب و خشيب:طبعه،و قيل:صقله.

و الخشيب من السّيوف:الصّقيل.

و قيل:هو الّذي لم يصقل و لا أحكم عمله.

و قيل:هو الحديث الصّنعة.

و قيل:الخشب في السّيف:أن تضع سنانا عريضا عليه أملس،فتدلكه به.فإن كان فيه شعث أو شقوق أو حدب ذهب به.

و الخشابة:مطرق دقيق إذا صقل الصّيقل السّيف و فرغ منه أجراها عليه فلا يغيّره الجفن.هذه عن الهجريّ.

و اختشب السّيف:اتّخذه خشيبا.

و خشب الشّعر يخشبه خشبا:إذا قاله كما يجيء و لم يتنوّق فيه و لا تعمّل له.

و الخشيب:الرّديء و المنتقى.

و الخشيب:اليابس.عن كراع.

و أراه قال:الخشيب،و الخشيبىّ.

و الخشب من الرّجال:الطّويل الجافي العاري العظام،مع شدّة و صلابة و غلظ،و كذلك هو من الجمال،و قد اخشوشب.

و عيش خشب:غير متأنّق فيه،و هو من ذلك.

و اخشوشب في عيشه:شظف.

و قالوا:«تمعددوا و اخشوشبوا»،أي:اصبروا على جهد العيش.

و قيل:تكلّفوا ذلك ليكون أجلد لكم.

و يروى:و اخشوشنوا،من العيشة الخشناء.

و رجل أخشب:خشن عظيم.

و الأخشب من القفّ:ما غلظ و خشن و تحجّر، و الجمع:أخاشب،لأنّه غلب غلبة الأسماء.و قد قيل في مؤنّثه:الخشباء.

و أخشبا مكّة:جبلاها،لذلك.

و أخاشب الصّمّان:جبال اجتمعت بالصّمّان في محلّة بني تميم،ليس قربها أكمة و لا جبل.

و كلّ خشن:أخشب و خشب.

و الخشب:الخلط و الانتقاء،و هو ضدّ،خشبه يخشبه خشبا،فهو مخشوب،و خشيب.

و طعام مخشوب:إن كان حبّا فهو مفلّق قفار، و إن كان لحما فنيء لم ينضج.

و رجل خشب قشب:لا خير عنده.

ص: 33

و الخشاب:بطون من بني تميم.

و خشبان:اسم.

و خشبان:لقب.

و ذو خشب:موضع.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات]

(5:31)

الرّاغب: قال تعالى: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ المنافقون:4،شبّهوا بذلك لقلّة غنائهم،و هو جمع الخشب.

و من لفظ الخشب قيل:خشبت السّيف،إذا صقلته بالخشب الّذي هو المصقل.

و سيف خشيب:قريب العهد بالصّقل.

و جمل خشيب أي جديد لم يرض،تشبيها بالسّيف الخشيب.

و تخشّبت الإبل:أكلت الخشب.

و جبهة خشباء:يابسة كالخشب،و يعبّر بها عمّن لا يستحي،و ذلك كما يشبّه بالصّخر[ثمّ استشهد بشعر]

و المخشوب:المخلوط به الخشب،و ذلك عبارة عن الشّيء الرّديء.(148)

الزّمخشريّ: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ المنافقون:

4،و خرجت إليهم الخشّابة يدقّونهم و هم الّذين يقاتلون بالعصيّ.

و رجل خشب:في جسده صلابة و شدّة عصب.

و سيف خشيب و مخشوب،و سهم خشيب و مخشوب:لما يحكم عمله.و هو من الخشب.و قد خشبته.

و جاد ما فتق الصّيقل خشيبة السّيف،أي حديدته الّتي خشبها.

و من المجاز:مال خشب و حطب هزلى.

و خشبت الشّعر و اختشبته:قلته كما جاء غير متنوّق فيه،و هم يخشبون الكلام و العمل،و شعر خشيب و مخشوب.

و يقال:جاء بالمخشوب غير المحسوب.

و كان الفرزدق ينقّح الشّعر،و كان جرير يخشب، و كان خشب جرير خيرا من تنقيح الفرزدق.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:111)

ابن الأثير: في الحديث:«إنّ جبريل عليه السّلام قال له:

إن شئت جمعت عليهم الأخشبين،فقال دعني أنذر قومي».

الأخشبان:الجبلان المطيفان بمكّة،و هما أبو قبيس و الأحمر،و هو جبل مشرف وجهه على قعيقعان.

و الأخشب كلّ جبل خشن غليظ الحجارة.

و منه حديث وفد مذحج«على حراجيج كأنّها أخاشب»جمع الأخشب.

و فيه ذكر«خشب»بضمّتين،و هو واد على مسيرة ليلة من المدينة،له ذكر كثير في الحديث و المغازي.و يقال له:ذو خشب.

و في حديث سلمان:«قيل:كان لا يكاد يفقه كلامه من شدّة عجمته،و كان يسمّي الخشب،الخشبان».

و قد أنكر هذا الحديث،لأنّ كلام سلمان يضارع كلام الفصحاء،و إنّما«الخشبان»جمع خشب،

كحمل و حملان.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 34

و لا مزيد على ما تتساعد على ثبوته الرّواية و القياس.

و في حديث ابن عمر:«أنّه كان يصلّي خلف الخشبيّة».هم أصحاب المختار بن أبي عبيد.

و يقال لضرب من الشّيعة:الخشبيّة.قيل:لأنّهم حفظوا خشبة زيد بن عليّ حين صلب.و الوجه الأوّل لأنّ صلب زيد كان بعد ابن عمر بكثير.(2:32)

الفيّوميّ: الخشب:معروف؛الواحدة خشبة، و الخشب بضمّتين و إسكان الثّاني تخفيف مثله.و قيل:

المضموم جمع المفتوح كالأسد بضمّتين:جمع أسد بفتحتين.(1:169)

الفيروزآباديّ: الخشب،محرّكة:ما غلظ من العيدان،جمعه:خشب،محرّكة أيضا،و بضمّتين، و خشب و خشبان،بضمّهما.

و خشبه يخشبه:خلطه،و انتقاه،ضدّ،و السّيف:

صقله أو شحذه و طبعه،ضدّ،و الشّعر:قاله من غير تنوّق و تعمّل له،كاختشبه،و القوس عملها الأوّل.

و الخشيب.كأمير:السّيف الطّبيع و الصّقيل، كالمخشوب،و الرّديء و المنتقى،و المنحوت من القسيّ و الأقداح،جمعه:خشب ككتب،و خشائب،و الطّويل الجافي العاري العظام في صلابة كالخشب ككتف، و الخشيبيّ.و قد اخشوشب.

و رجل خشب قشب بكسرهما:لا خير فيه، و كالكتف:الخشن كالأخشب،و العيش غير المتأنّق فيه.

و اخشوشب في عيشه:صبر على الجهد،أو تكلّف في ذلك ليكون أجلد له.

و الأخشب:الجبل الخشن العظيم.و الأخشبان جبلا مكّة:أبو قبيس و الأحمر،و جبلا منى.

و الخشباء:الشّديدة،و الكريهة،و اليابسة.

و الخشبيّة محرّكة:قوم من الجهميّة.

و الخشبان،بالضّمّ:الجبال الخشن،ليست بضخام و لا صغار،و رجل،و موضع.

و تخشّبت الإبل أكلت الخشب أو اليبيس.

و الأخاشب:جبال الصّمّان.

و أرض خشاب،كسحاب:تسيل من أدنى مطر.

و مال خشب:هزلى.

و طعام مخشوب:إن كان لحما فنيء و إلاّ فقفار.

(1:63)

الطّريحيّ: و في الحديث«ذو خشب»هو بضمّتين:

واد عن المدينة مسيرة يوم.

و في الحديث هو واد على ثمانية فراسخ أربعة و عشرون ميلا،و في المغرب هو جبل نفج.

و الأخشب:الحبل الخشن الغليظ،و منه يقال:

رجل أخشب،إذا كان صلب العظام عاري اللّحم.

(2:50)

مجمع اللّغة :الخشب:ما يبس من الشّجر، و الواحدة خشبة،و تجمع على«خشب»بضمّ الخاء و ضمّ الشّين أو سكونها.(1:335)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم(1:163)

العدنانيّ: خشب،خشب،خشب،خشبان.

و يجمعون الخشبة على«أخشاب»،و الصّواب أن

ص: 35

تجمع على:خشب،قال تعالى يصف المنافقين: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ المنافقون:4،و قرئ (خشب) بإسكان الشّين.

و في الحديث في ذكر المنافقين أيضا:«خشب باللّيل صخب بالنّهار»أراد أنّهم ينامون اللّيل لا يصلّون،كأنّ جثثهم خشب مطرّحة.و هو مجاز.

و تجمع أيضا على خشب و على خشب،و في المثل:«لسان من رطب،و يد من خشب»يضرب فيمن يلين في قوله،و يشتدّ في فعله.

و على خشبان.[ثمّ استشهد بشعر]

(معجم الأخطاء الشّائعة:78)

المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما استطال و خشن،و هو مفهوم كلّيّ يصدق على الخشن المرتفع من الجبال،و على السّيف الغليظ الصّلب،و كذلك في السّهم و الرّجل و الأرض المستطيل،و الجبهة.

و أمّا التّخشّب و الاخشيشاب:فمن الاشتقاق الانتزاعيّ.

وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ المنافقون:4،أنّهم مثل خشب صلبة خشنة مستطيلة مسنّدة على الجدار،لا تلين قلوبهم و لا تعقّل عندهم و هم لا يتدبّرون و لا يستبصرون و لا يهتدون سبيلا.

و لا يخفى أنّ المصداق الأتمّ من هذا المفهوم،هو ما غلظ من العيدان،و ما صلب من الأغصان،ثمّ يقاربه السّيف الصّلب و غيره.

و أمّا مفهوم الخلط في قولهم:خشب الشّيء بالشّيء،و نسب مخشوب:فبلحاظ كونه موجبا لرفع الخلوص و الصّفا و اللّطف.

و أمّا مفهوم الانتقاء و الشّحذ في قولهم:سيف خشيب،و خشب السّيف:فباعتبار حصول الاستقامة و الاستطالة و رفع الاعوجاج و الضّعف و اللّين في مرتبة،تشبيها بالغصن الصّافي المستقيم الصّلب المحكم.

فظهر اللّطف في التّعبير في الآية الكريمة بهذه المادّة دون الغصن و غيره،فإنّ فيها الدّلالة على الصّلب و الاستطالة و فقد الشّعور.

و أمّا التّقييد بقوله: مُسَنَّدَةٌ ليشار بها إلى فقدان الحركة و الاختيار و الاتّكاء بالنّفس و القيام بنفسه.(3:60)

النّصوص التّفسيريّة

خشب

وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ... المنافقون:4

ابن عبّاس: خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ إلى الحائط،يقول:

ليس في قلوبهم نور و لا خير،كما أنّ الخشب اليابس ليس فيه روح و لا رطوبة.(472)

الإمام الباقر عليه السّلام:يقول:لا يسمعون و لا يعقلون.

(القمّيّ 2:370)

زيد بن عليّ: معناه جماعة خشب.(418)

الكلبيّ: إنّه شبّهم بالخشب المسنّدة،لأنّهم لا يسمعون الهدى و لا يقبلونه،كما لا تسمعه الخشب

ص: 36

المسنّدة.(الماورديّ 6:15)

الطّبريّ: يقول:كأنّ هؤلاء المنافقين خشب مسنّدة لا خير عندهم و لا فقه لهم و لا علم،و إنّما هم صور بلا أحلام،و أشباح بلا عقول.[إلى أن قال:]

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة و الكوفة،خلا الأعمش و الكسائيّ خُشُبٌ بضمّ الخاء و الشّين، كأنّهم وجّهوا ذلك إلى جمع الجمع،جمعوا الخشبة خشابا ثمّ جمعوا الخشاب خشبا،كما جمعت الثّمرة ثمارا،ثمّ ثمرا.

و قد يجوز أن يكون«الخشب»بضمّ الخاء و الشّين إلاّ أنّها جمع خشبة،فتضمّ الشّين منها مرّة،و تسكن أخرى،كما جمعوا الأكمة أكما و أكما بضمّ الألف و الكاف مرّة،و تسكين الكاف منها مرّة،و كما قيل:

البدن و البدن،بضمّ الدّال و تسكينها لجمع البدنة.

و قرأ ذلك الأعمش و الكسائيّ (خشب) بضمّ الخاء و سكون الشّين.

و الصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان،و لغتان فصيحتان،و بأيّتهما قرأ القارئ فمصيب و تسكين الأوسط فيما جاء من جمع فعلة على فعل في الأسماء على ألسن العرب أكثر و ذلك كجمعهم البدنة بدنا،و الأجمة أجما.(12:101)

الزّجّاج: كأنّه وصفهم بتمام الصّور و حسن الإبانة،ثمّ أعلم أنّهم في تركهم التّفهّم و الاستبصار بمنزلة الخشب،فقال: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [ثمّ ذكر القراءات و قال:]

و يجوز (خشب مسنّدة) فلا تقرأ بها إلاّ أن تثبت بها رواية،و خشبة و خشب مثل شجرة و شجر.

(5:176)

الأزهريّ: أراد و اللّه أعلم أنّ المنافقين في ترك التّفهّم و الاستبصار و وعي ما يسمعون من الوحي:

بمنزلة الخشب.(7:90)

الثّعلبيّ: أشباح بلا أرواح،و أجسام بلا أحلام.

قرأ الأعمش و الكسائيّ و أبو عمرو عن عابس و قيل عبّاس: (خشب) مخفّف بجزم الشّين،و هي قراءة البراء بن عازب،و اختيار أبي عبيد قال:المدّ مذهبها في العربيّة،و ذلك أنّ واحدتها:خشبة و لم تجد في كلامهم اسما على مثل«فعلة»تجمع«فعل»بضمّ الفاء و العين.و يلزم من فعلها أن ينقل البدن أيضا فيقرأ وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ الحجّ:36،لأنّ واحدتها«بدنة» أيضا.

و قرأ الآخرون بالتّثقيل و هي اختيار أبي حاتم و اختلف فيه عن ابن كثير و عاصم.

[في حديث]:«جاء رجل إلى ابن سيرين فقال:

رأيت حالي محتضن خشبة،فقال أحسبك من أهل هذه الآية،و تلا كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ» (9:320)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّه شبّههم بالنّخل القيام لحسن منظرهم.

الثّاني:شبّههم بالخشب النّخرة لسوء مخبرهم.

الثّالث:[قول الكلبيّ قد تقدّم](6:15)

الواحديّ: لا أرواح فيها فلا تعقل و لا تفهم، و كذلك المنافقون لا يسمعون الإيمان و لا يعقلونه.[ثمّ

ص: 37

ذكر كلام الزّجّاج و قال:]

و قوله(مسنّدة)أي ممالة إلى الجدار،من قولهم:

اسندت الشّيء،أي أملته.و التّفعيل للتّكثير،لأنّه صفة(خشب)و هي جمع،و أراد أنّها ليست بأشجار تثمر و تنمو أو تحسن منظرها بل هي خشب مسنّدة إلى حائط ثمّ عابهم بالجبن،فقال: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ (4:302)

نحوه البغويّ.(5:98)

الميبديّ: أي هم في قلّة تفقّههم و عدم عقلهم و تدبّرهم. خُشُبٌ منصوبة ممالة إلى الجدار.يقال:

أسندت الشّيء إذا أملته.التّثقيل للتّكثير و أراد أنّها ليست بأشجار تثمر و لكنّها خشب مسنّدة إلى حائط.

و قيل:أراد ب«الخشب المسنّدة»الّتي تأكّلت أجوافها ترى صحيحة من بعيد و هي خاوية متأكّلة، أي هم أشباح خاوية و أجسام عن المعنى خالية.[ثمّ ذكر القراءة و قال:]

في الخبر:«مثل المؤمن كمثل الخامة من الزّرع تميلها الرّيح مرّة هكذا و مرّة هكذا.و مثل المنافق مثل الأرزة المجذية على الأرض حتّى يكون انجعافها بمرّة».(10:114)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى قوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ؟

قلت:شبّهوا في استنادهم و ما هم إلاّ أجرام خالية عن الإيمان و الخير بالخشب المسنّدة إلى الحائط و لأنّ الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظانّ الانتفاع،و ما دام متروكا فارغا غير منتفع به أسند إلى الحائط فشبّهوا به في عدم الانتفاع.

و يجوز أن يراد بالخشب المسنّدة:الأصنام المنحوتة من الخشب المسنّدة إلى الحيطان،فشبّهوا بها في حسن صورهم و قلّة جدواهم...

و موضع كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ رفع على(هم)كأنّهم خشب.أو هو كلام مستأنف لا محلّ له.(4:109)

نحوه النّسفيّ(4:258)

الطّبرسيّ: أي كأنّهم أشباح بلا أرواح،شبّههم اللّه في خلوّهم من العقول و الأفهام بالخشب المسنّدة إلى شيء لا أرواح فيها.

و قيل:إنّه شبّههم بخشب نخرة متآكلة،لا خير فيها،و يحسب من رآها أنّها صحيحة سليمة من حيث إنّ ظاهرها يروق،و باطنها لا يفيد،فكذلك المنافق:

ظاهره معجب رائع،و باطنه عن الخير زائغ.

(5:292)

أبو البركات: (خشب) يقرأ بضمّ الشّين و سكونها،فمن قرأ بالضّمّ فعلى الأصل،و من قرأ بالسّكون فعلى التّخفيف ك«أسد و أسد».(2:440)

ابن عربيّ: أي أجرام خالية عن الأرواح لا نفع فيها و لا ثمرة،كالأخشاب المسنّدة إلى الجدران عند الجفاف،و زوال الرّوح النّامية عنها،فهم في زوال استعداد الحياة الحقيقيّة،و الرّوح الإنسانيّ بمثابتها.

(2:649)

القرطبيّ: [في رواية]كانوا رجالا أجمل شيء، كأنّهم خشب مسنّدة،شبّههم بخشب مسنّدة إلى الحائط لا يسمعون و لا يعقلون،أشباح بلا أرواح و أجسام

ص: 38

بلا أحلام.

و قيل:شبّههم بالخشب الّتي قد تآكلت فهي مسنّدة بغيرها لا يعلم ما في بطنها.[ثمّ ذكر القراءات]

(18:125)

البيضاويّ: حال من الضّمير المجرور في (قولهم)أي تسمع لما يقولونه مشبّهين بأخشاب منصوبة مسنّدة إلى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن العلم و النّظر...(2:478)

نحوه المشهديّ.(10:44)

أبو السّعود :قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ في حيّز الرّفع على أنّه خبر مبتدأ محذوف،أو كلام مستأنف لا محلّ له.شبّهوا في جلوسهم في مجالس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مستندين فيها بخشب منصوبة مسنّدة إلى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن العلم و الخير.

و قرئ(خشب)على أنّه جمع خشبة كبدن جمع بدنة.

و قيل هو جمع خشباء و هي الخشبة الّتي دعر، جوفها،أي فسد.شبّهوا بها في نفاقهم و فساد بواطنهم.

و قرئ (خشب) كمدرة و مدر.(6:251)

نحوه الشّوكانيّ(5:282)

الطّريحيّ: قوله تعالى: خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ بضمّتين و تسكن شينه،جمع«خشب»و هو وصف للمنافقين.كان عبد اللّه بن أبيّ رجلا جسيما فصيحا صبيحا،و قوم من المنافقين في مثل صفته،و كانوا يحضرون مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيستندون فيه، فشبّههم اللّه في عدم الانتفاع بحضورهم و إن كانت هياكلهم معجبة و ألسنتهم ذليقة بالخشب المستندة إلى الحائط و الأصنام المنحوتة من الخشب.(2:49)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و ابن عربيّ ثمّ قال:]

يقول الفقير فيه إشارة إلى أنّ الاستناد في مجالس الأكابر أو في مجالس العلم من ترك الأدب و لذا منع الإمام مالك رحمه اللّه هارون الرّشيد من الاستناد حين سمع منه«الموطّأ».

حكي أنّ ابراهيم بن أدهم قدّس سرّه كان يصلّي ليلة فأعيي فجلس و مدّ رجليه،فهتف به هاتف أ هكذا تجالس الملوك؟و كان الحريريّ لا يمدّ رجليه فى الخلوة،و يقول:حفظ الأدب مع اللّه أحقّ.و هذا من أدب من عرف معنى الاسم«المهيمن»فإنّ من عرف معناه يكون مستحييا من اطّلاعه تعالى عليه و رؤيته له،و هو«المراقبة»عند أهل الحقيقة و معناه علم القلب باطّلاع الرّبّ.

و دلّت الآية و كذا قوله عليه السّلام:«أنّه ليأتى الرّجل العظيم السّمين يوم القيامة لا يزن عند اللّه جناح بعوضة»على أنّ العبرة في الكمال و النّقصان بالأصغرين:اللّسان و القلب،لا بالأكبرين:الرّأس و الجلد فإنّ اللّه تعالى لا ينظر إلى الصّور و الأموال،بل إلى القلوب و الأعمال،فربّ صورة مصغّرة عند اللّه بمثابة الذّهب،و المؤمن لا يخلو من قلّة أو علّة أو ذلّة، و لا شكّ أنّ بالقلّة يكثر الهمّ الّذي يذيب اللّحم و الشّحم،و كذا بالعلّة يذوب البدن،و يطرأ عليه الذّبول.

ص: 39

و في الحديث«مثل المؤمن مثل السّنبلة يحرّكها الرّيح فتقوم مرّة و تقع أخرى،و مثل الكافر مثل الأرزة لا تزال قائمة حتّى تنقعر»

قوله:الأرزة-بفتح الهمزة و براء مهملة ساكنة،ثمّ زاي-شجر يشبه الصّنوبر يكون بالشّأم و بلاد الأرمن.و قيل:هو شجر الصّنوبر و الانقعار.

و فيه إشارة إلى أنّ المؤمن كثير الابتلاء في بدنه و ماله غالبا فيكفّر عن سيّئاته،و الكافر ليس كذلك فيأتي بسيّئاته كاملة يوم القيامة.(9:533)

شبّر:مسنّدة:إلى الحائط،في كونهم أشباحا خالية من العلم و النّظر.(6:220)

الآلوسيّ: كلام مستأنف لذمّهم لا محلّ له من الإعراب و جوّز أن يكون في حيّز الرّفع على أنّه خبر مبتدإ محذوف أي هم كأنّهم...و الكلام مستأنف أيضا.

و أنت تعلم أنّ الكلام صالح للاستئناف من غير تقدير،فلا حاجة إليه.[ثمّ ذكر نحو البيضاويّ و قال:]

و تعقّب بأنّ الحاليّة تفيد أنّ السّماع لقولهم لأنّهم كالخشب المسنّدة و ليس كذلك.[ثمّ قال نحو أبي السّعود إلى أن ذكر القراءات](28:111)

القاسميّ: أي في الخلوّ عن الفائدة،لأنّ الخشب إنّما تكون مسنّدة إذا لم تكن في بناء،أو دعامة لشيء آخر.

قال القاشانيّ: روي عن بعض الحكماء أنّه رأى غلاما حسنا وجهه،فاستنطقه لمظنّة ذكاءه و فطنته، فما وجد عنده معنى،فقال:«ما أحسن هذا البيت لو كان فيه ساكن»!و هذا معنى قوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ. [ثمّ ذكر مثل ابن عربيّ](16:5808)

طنطاوي:الخشب:جمع خشباء،و هي الخشبة الّتي نخرجونها،شبّهوا بها في حسن المنظر،و قبح المخبر.(24:182)

نحوه المراغيّ.(28:106)

سيّد قطب : تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ. و لكنّها ليست خشبا فحسب.إنّما هي خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ لا حركة لها ملطوعة بجانب الجدار!

هذا الجمود الرّاكد البارد يصوّرهم من ناحية فقه أرواحهم إن كانت لهم أرواح!و يقابله من ناحية أخرى حالة من التّوجّس الدّائم،و الفزع الدّائم، و الاهتزاز الدّائم.(6:3574)

عزّة دروزة : كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ تعبير تنديديّ يراد به وصفهم بفقد العقل و الرّوح،رغم ما هم عليه من الجسامة و الوسامة اللّتين تعجب النّاظر،فكأنّهم أخشاب مسنّدة بالدّعائم.(10:84)

مغنيّة:تمثال من خشب،و لكنّه يأكل و يشرب.

و كلّ من عمي عن الهدى فهو ميّت الأحياء.(7:331)

الطّباطبائيّ: ذمّ لهم بحسب باطنهم و الخشب بضمّتين:جمع خشبة،و التّسنيد:نصب الشّيء معتمدا على شيء آخر كحائط و نحوه.

و الجملة مسوقة لذمّهم و هي متمّمة لسابقتها، و المراد أنّ لهم أجساما حسنة معجبة و قولا رائعا ذا حلاوة،لكنّهم كالخشب المسنّدة أشباح بلا أرواح، لا خير فيها و لا فائدة تعتريها،لكونهم لا يفقهون.

(19:280)

ص: 40

عبد الكريم الخطيب:إشارة أنّ هذا الّذي يبدوا من المنافقين من حسن المظهر،و رقّة الكلام،و نعومة اللّفظ لا يعدو هذا الظّاهر من القوم،إنّهم أشبه بالخشب المسنّدة،لا حياة فيها،و لا وزن لها و إن زيّنت بالحليّ،و كسيت بالحرير.ثمّ إنّ المنافقين،و إن بدوا في ظاهرهم على صورة واحدة،فإنّهم في حقيقتهم أشتات متفرّقون،لا تجمعهم مشاعر الودّ،و لا تألف بينهم صلات هذا المعتقد الفاسد الّذي يدينون به.تماما كالخشب المسنّدة،كلّ كتلة منها قائمة إلى جوار غيرها،لا تشعر بها و لا تحسّ بوجودها.(14:960)

مكارم الشّيرازيّ: فأجسامهم خالية من الرّوح،و وجوههم كالحة،و كيانهم خاو منخور من الدّاخل،ليس لهم أيّة إرادة،و لا يتمتّعون بأيّة استقلاليّة كالأخشاب المسنّدة المكدّسة.(18:328)

فضل اللّه :في جمود الرّوح و برودة الحيويّة،حتّى كأنّ جلوسهم إلى الجدار في الشّكل الجامد،كما لو كانوا خشبا مرميّا على الجدار من دون معنى و لا حركة و لا حياة و لا نفع،لأنّ قيمة الخشب في الانتفاع به أن يكون جزءا من السّقف أو من الباب أو الجدار،لا أن يكون خشبا مرميّا على الجدار.

(22:230)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخشب،و هو ما غلظ من العيدان،واحدته:خشبة،و الخشّابة:باعة الخشب، و بيت مخشّب:ذو خشب،و تخشّبت الإبل:أكلت الخشب،و اليبيس من المرعى،و الإبل تتخشّب عيدان الشّجر،إذا تناولت أغصانه،و العرب تقول للقتيل:

كأنّه خشبة،و كأنّه جذع.

و الخشيب من الرّجال:الطّويل الجافي،العاري العظام مع شدّة و صلابة و غلظ،و كذلك هو من الجمال،و قد اخشوشب،أي صار خشبا،و هو الخشن و ظليم خشيب:خشن،فهو أخشب و خشب،و كلّ شيء غليظ خشن،فهو خشيب،على التّشبيه بالخشب،و اخشوشب الرّجل:صار صلبا خشنا في دينه و ملبسه و مطعمه و جميع أحواله،و مثله اجشوشب.

و الخشيب اليابس،تشبيها بالخشب،و جبهة خشباء:كريهة يابسة،و هي الخشبة أيضا.يقال:رجل أخشب الجبهة،و رجل قشب و خشب:لا خير عنده، و هو من المجاز.

و الخشب:الشّحذ،يقال:اختشب السّيف،إذا اتّخذه خشبا،و الخشبة:البردة الأولى قبل الصّقال، فهو خشيب،أي الخشن الّذي قد برد و لم يصقل و لا أحكم عمله.و يقال مجازا:هو يخشب الكلام و العمل،أي لا يحكمه و لا يجوّده،و خشب الشّعر يخشبه خشبا:يمرّه كما يجيئه،و لم يتأنّق فيه و لا تعمّل له.

و الخشب:الطّبع يقال:خشب السّيف يخشبه خشبا،أي طبعه،فهو مخشوب و خشيب.

و الخشب البري.يقال:خشبت النّبل خشبا،أي بريتها البري الأوّل و لم أفرغ منها،و خشبت القوس

ص: 41

أخشبها خشبا:عملتها عملها الأوّل،و هي خشيب، من قسيّ خشب و خشائب.

و الأخشب من القفّ:ما غلظ و خشن و تحجّر، و الجمع:أخاشب،و هي الخشباء،يقال:وقعنا في خشباء شديدة،و هي أرض فيها حجارة و حصى و طين.و جبل أخشب:خشن غليظ،و الخشبان:

الجبال الخشن الّتي ليست بضخام و لا صغار،و أكمة خشباء:و هي الّتي كأنّ حجارتها منثورة متدانية.

و من المجاز:الخشب:الخلط و الانتقاء،ضدّ.يقال:

خشبت الشّيء بالشّيء،أي خلطته به و خشبه يخشبه خشبا،فهو خشيب و مخشوب،و المخشوب:المخلوط في نسبه،و الّذي لم يرض و لم يحسّن تعليمه،مشبّه بالجفنة المخشوبة،و هي الّتي لم تحكم صنعتها.

2-و يجمع الخشب على خشب و خشب و خشبان،و لا يجمع على«أخشاب»،كما هو شائع في هذا العصر،و يكاد يستعمله النّاس قاطبة دون غيره من الجموع،قياسا بما ورد من الأسماء على«فعل»، فإنّه يجمع على«أفعال»،نحو:فرس و أفراس،و حمل و أحمال.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«خشب»مرّة في آية مدنيّة:

...وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ... المنافقون:4

يلاحظ أوّلا:أنّ الخشب وحيدة الجزر في القرآن، و فيها بحوث:

1-حذّر اللّه رسوله في سورة المنافقين من المنافقين فوصف فيها-كما في سور كثيرة-أفعالهم و أقوالهم، إلاّ أنّه وصف في هذه الآية دون سائر الآيات صفاتهم الظّاهرة بأنّ لهم أجساما تعجب النّبيّ و سائر المؤمنين، و منطقا ينجذبون إليه: وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ، فهذا امدح لهم مقدّمة لذمّهم.ثمّ ذمّهم بتشبيههم بعيدان مسمرة بسقف أو جدار: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ، و هذا التّشبيه يختصّ بهذه الآية دون سائر الآيات أيضا.

2-إن قيل:ما وجه الشّبه بين جمال الأجسام و الخشب المسنّدة؟

يقال:المشبّه هنا المنافقون بحالهم،و ليس بكيانهم و أجسامهم،إذ قال:(كانهم)و لم يقل كأنّها.

3-و في كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ بحوث أخرى:

الأوّل:اتّفقوا على أنّ المراد به:خلوّهم عن العقل و الفهم،و جاء عن الإمام الباقر عليه السّلام:«أي لا يسمعون و لا يعقلون»،لكنّهم اختلفوا في وجه التّشبيه على وجوه.

منها:أنّ الخشب المسنّدة هي الّتي لا ينتفع بها في سقف،أو باب،أو عمود و نحوها من منافع الخشب،بل هي مسنّدة إلى الحائط بلا أيّ فائدة،كذلك هذه الأجسام المعجبة حسنا خالية عن كلّ خير و عقل و فهم.و هذا ما جاء في أكثر التّفاسير،و على هذا فالمسنّدة هي الّتي أسند إلى الحائط،و التّفعيل فيه للتّكثير،لكونها صفة للجمع.

و أيّده بعضهم بأنّ المنافقين و على رأسهم عبد اللّه ابن أبيّ كان جسيما صبيحا فصيحا كانوا يحضرون

ص: 42

مجلس النّبيّ عليه السّلام،فيستندون فيه على الحائط.

و منها:أنّ الخشب المسنّدة هي النّخرة المتآكلة الّتي يحسب أنّها صحيحة،فظاهرها يروق و باطنها لا يفيد،و كذلك المنافقين فظاهرهم معجب رائع و باطنهم عن الخير زائغ.

و من قال به قال:«خشب»جمع خشباء و هي الخشبة الّتي دعر جوفها،أي فسد و هذا وجه جميل.

و منها:أنّها ليست أشجارا مثمرة قائمة على أصولها،بل خشبا مسنّدة.

و منها:ما جوّزه الزّمخشريّ،فقال:«و يجوز أن يراد:بالخشب المسنّدة:الأصنام المنحوتة من الخشب المسنّدة إلى الحيطان،فشبّهوا بها في حسن صورهم و قلّة جدواهم».

الثّانيّ: في محلّها من الإعراب قولان:

أوّلهما:أنّها حال من الضّمير المجرور في قولهم أي تسمع لما يقولونه مشبّهين بأخشاب مسنّدة إلى الحائط،في كونهم أشباحا خالية عن العلم و النّظر، كذا قيل.

و الصّواب:أنّها لو كانت حالا فهي حال عن الجملتين جميعا،أي تعجبك أجسامهم و تسمع لقولهم حال كونهم كأخشاب مسنّدة.

ثانيهما:أنّها كلام مستأنف مفسّر لما قبلها،و لا محلّ لها من الإعراب.و هذا هو الظّاهر،لأنّ ما بعدها يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ كلام مستأنف أيضا و سنبحثه.

الثّالث:في قراءتها،قرئت(خشب)بضمّتين و بضمّ الأوّل و سكون الثّاني،كلاهما جمع خشبة مثل «البدن و البدن»جمع البدنة.

و احتمل الطّبريّ،في الأولى أنّها جمع الجمع، حيث جمعوا الخشبة خشابا،ثمّ جمعوا الخشاب خشبا كما جمعت:الثّمرة:ثمارا،ثمّ«ثمرا»و هاتان كما قال الطّبريّ قراءتان مشهورتان يجوز القراءة بهما.

و عن البراء بن عازب،و اختاره أبو عبيدة(خشب)بفتح الأوّل و سكون الثّاني حكاها الثّعلبيّ و لم يذكرها الطّبريّ،كأنّه لم يجوّز القراءة بها.

4-و الّذي يلفت النّظر أنّ هذه الجملة تنفي عنهم أيّ شعور و حياة مرضية و مثمرة،في حين أنّ ما بعدها تثبت لهم شعورا و حياة مخيفة غير مرضية و لا مثمرة بل مضرّة بهم،و هي يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ.

5-قد جمع اللّه في الآية توصيفهم جسما و روحا، كلاهما في جملتين و بصفتي مدح و ذمّ،فالمدح تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ و الذّمّ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ.

و هذا تمثيل لما جاء في آية قبلها مدحا و ذمّا: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا.

و قد ختم اللّه الجملتين جميعا بالحكم الصّارم الجازم عليهم،فقال:في الأولى: فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ و في الثّانية: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ، المنافقون:3،4،فخصّ الأولى بجملتين ذمّا لهم روحا،و خصّ الثّانية بأربع جمل ذمّا لهم جسما و روحا و دعا عليهم.

ص: 43

ثانيا:يبدو من الآيات النّازلة في المنافقين أنّ اللّه تعالى لم يجابههم مجابهة مباشرة،كما جابه الكفّار في مكّة و المدينة،رغم أنّه تعالى عدّهم أعداء في هذه الآية، كما عدّ الشّيطان و الكفّار أعداء.و لعلّه أراد بذلك تحذير المسلمين و المنافقين معا.فأمّا تحضير المسلمين،فهو إعداد العدّة لهذه الفئة الخطيرة،و ألاّ يتهاونوا في شأنهم.و أمّا تحذير المنافقين،فهو كبح جماحهم و التّنديد بهم.

و هذا أسلوب نفسيّ يهدف إلى تقوية نفوس ضعفة الإيمان من المسلمين،و حرب باردة تكسر شوكة المنافقين.و أكمل مثال لذلك هو الآية الكريمة:

وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ المنافقون:4.

ثالثا:وردت في«ألواح»،دون ذكر لفظ الخشب، كما وردت صفة السّفينة دون ذكر لفظها أيضا في قوله: وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ القمر:13، و ستعرف سرّ ذلك في«ل و ح»إن شاء اللّه.

رابعا لا نظير لهذه المادّة في القرآن.

ص: 44

خ ش ع

اشارة

10 ألفاظ،17 مرّة:11 مكّيّة،6 مدنيّة

في 16 سور:11 مكّيّة 5 مدنيّة

خشعت 1:1 الخاشعين 2:-2

تخشع 1:-1 خاشعة 5:5

خاشعا 1:-1 الخاشعات 1:-1

خاشعون 1:1 خشّعا 1:1

خاشعين 3:2-1 خشوعا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخشوع:رميك ببصرك إلى الأرض.

و تخاشعت:تشبّهت بالخاشعين.

و رجل متخشّع متضرّع.

و الخشوع و التّخشّع و التّضرّع واحد،[ثمّ استشهد بشعر]

و أخشعت أي طأطأت الرّأس كالمتواضع.

و الخشوع[قريب]المعنى من الخضوع إلاّ أنّ الخضوع في البدن و هو الإقرار بالاستخدام (1)،و الخشوع في البدن و الصّوت و البصر قال اللّه عزّ و جلّ خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ المعارج:44، وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ طه:108،أي سكنت.

و الخشعة:قفّ غلبت عليه السّهولة.

قفّ خاشع و أكمة خاشعة أي ملتزمة لاطئة بالأرض.

و في الحديث:«كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض.(1:112)

خشع سنام البعير،إذا ذهب إلاّ أقلّه.

(ابن فارس 2:183)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخشّعة من الأرض الغليظ

ص: 45


1- جاء في كلام الأزهريّ و ابن فارس:الاستخذاء:بدل الاستخدام.

و المرتفع.(1:225)

أبو زيد :خشعت الشّمس و كسفت و خسفت، بمعنى واحد.(الأزهريّ 1:151)

ابن الأعرابيّ: الخشعة:الأكمة،و هي الحثمة، و السّروعة،و الصّائد،و القائدة.(الأزهريّ 1:151)

بلدة خاشعة:مغبرة.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن فارس 2:182)

شمر:قال أبو صالح الكلابيّ: خشوع الكواكب، إذا غارت فكادت تغيب في مغيبها.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 1:151)

ابن دريد :خشع الرّجل يخشع خشوعا فهو خاشع.

و للخشوع مواضع،فالخاشع:المستكين،و الخاشع :الرّاكع في بعض اللّغات.و الخاشع و المخبت سواء.

و الخشعة:قطعة من الأرض الغليظة.[ثمّ نقل حديث الكعبة و قال:]

و الخاشع:المطمئنّ من الأرض.

و خشع الرّجل خراشيّ صدره،إذا ألقى من صدره بزاقا لزجا.

و خشع ببصره،إذا غضّه،فهو خاشع.(2:223)

و الخشعة:الصّبيّ الّذي يبقر عنه بطن أمّه إذا ماتت و هو حيّ.(3:471)

الأزهريّ: سمعت العرب تقول للحثمة اللاّطئة بالأرض،هي الخشعة،و جمعها:خشع.

و قال أبو عدنان:خشعت الكواكب،إذا دنت من المغيب.

و خضعت أيدي الكواكب،إذا مالت لتغيب.

و سمعت العرب تقول:رأيت أرض بني فلان خاشعة هامدة ما فيها خضراء.

و خشع سنام البعير،إذا أنضي فذهب شحمه و تطأطأ شرفه.

و جدار خاشع،إذا تداعى و استوى مع الأرض.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قال ابن دريد:خشع الرّجل خراشيّ صدره،إذا رمى بها.

قلت:جعل خشع واقعا،و لم أسمعه لغيره.

(1:151)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و الخاشع:الأرض الّتي لا يهتدى لها.

و الخشّاع:الهجّاء.

و خشيعة القوم:أخسّهم.(1:120)

الجوهريّ: الخشوع:الخضوع.يقال:خشع و اختشع.و خشع ببصره،أي غضّه.

و بلدة خاشعة،أي مغبرة لا منزل بها.و مكان خاشع.

و الخشعة:مثال الصّبرة أكمة متواضعة.[ثمّ ذكر حديث الكعبة و قال:]

و التّخشّع:تكلّف الخشوع.(3:1204)

ابن فارس: الخاء و الشّين و العين أصل واحد، يدلّ على التّطامن.يقال:خشع،إذا تطامن.[ثمّ ذكر نحو الخليل و ابن دريد و أضاف:]

ص: 46

يقال:اختشع فلان و لا يقال:اختشع بصره.(2:182)

أبو هلال :الفرق بين الخشوع و الخضوع:أنّ الخشوع-على ما قيل-فعل يرى فاعله أنّ من يخضع له فوقه،و أنّه أعظم منه،و الخشوع:في الكلام خاصّة و الشّاهد قوله تعالى وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ طه:108.

و قيل:هما من أفعال القلوب و قال ابن دريد:

يقال:خضع الرّجل للمرأة و أخضع،إذا ألان كلامه لها،قال:و الخاضع:المطأطئ رأسه و عنقه.و في التّنزيل: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ الشّعراء:4.

و عند بعضهم أنّ الخشوع لا يكون إلاّ مع خوف الخاشع المخشوع له،و لا يكون تكلّفا،و لهذا يضاف إلى القلب فيقال:خشع قلبه و أصله:«ألبس»و منه يقال قفّ خاشع:للّذي تغلب عليه السّهولة، و الخضوع هو التّطامن و التّطأطؤ،و لا يقتضي أن يكون معه خوف،و لهذا لا يجوز إضافته إلى القلب، فيقال خضع قلبه.و قد يجوز أن يخضع الانسان تكلّفا من غير أن يعتقد أن المخضوع له فوقه،و لا يكون الخشوع كذلك.

و قال بعضهم الخضوع قريب المعنى من الخشوع، إلاّ أنّ الخضوع في البدن،و الاقرار بالاستخذاء و الخشوع في الصّوت.(206)

الهرويّ: الخشوع:السّكون و الذّلل،يقال:

خشع له،و تخشّع.[ثمّ ذكر كلام الخليل و حديث الكعبة و قال:]

و رواه بعضهم«خشفة»فهي الحثمة اللّطيّة بالأرض و الجمع:خشع.[ثمّ استشهد بشعر و قال:] و من روا«خشفة»أي ليس بحجر و لا طين،و دحيت منها الأرض.(2:557)

ابن سيده: خشع يخشع خشوعا،و أخشع، و تخشّع:رمى ببصره نحو الأرض،و خفض صوته.

و قوم خشّع:متخشّعون.

و خشع بصره:انكسر،و لا يقال:أخشع.[ثمّ قال نحو الخليل و أضاف:]

و التّخشّع:نحو التّضرع.

و الخاشع.الرّاكع،في بعض اللّغات.

و الخاشع من الأرض:الّذي تثيره الرّياح لسهولته،فتمحو آثاره.

و الخشعة:الّذي ينقر عنه بطن أمّه.(1:129)

الخشوع:الخضوع و الذّلّ،خشع يخشع خشوعا و اختشع.

و خشع في صلاته و دعائه:أقبل بقلبه على ذلك.

و تخشّع:تضرّع.و الخشوع:قريب من الخضوع إلاّ أنّ الخشوع أكثر ما يستعمل في الصّوت و البصر، و الخضوع في الأعناق.(الإفصاح 1:632)

الطّوسيّ: [نحو الخليل:]و أصل الباب:من اللّين و السّهولة،من قولهم:نقا خاشعا:للأرض الّتي غلبت عليها السّهولة.

و الخاشع:الأرض الّتي لا يهتدى إليها بسهولة، لمحو الرّياح آثارها

و الخاشع،و المتواضع،و المتذلّل،و المسكين،بمعنى واحد.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 47

و خاشع:صفة مدح،لقوله: وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ الأحزاب:35،و إنّما خصّ الخاشع بأنّها لا تكبر عليه،لأنّ الخاشع قد تواطأ ذلك له، بالاعتياد له،و المعرفة بما له فيه،فقد صار بذلك،بمنزلة ما لا يشقّ عليه فعله،و لا يثقل تناوله.(1:204)

الرّاغب: الخشوع:الضّراعة،و أكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح.و الضّراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب،و لذلك قيل فيما روي:

«إذا ضرع القلب خشعت الجوارح».[ثمّ استشهد بآيات](148)

المدينيّ: في حديث جابر رضي اللّه عنه:«فخشعنا» أي فخشينا و خضعنا،و الخشوع في الصّوت و البصر كالخضوع في البدن.

و قيل:في تفسير قوله تعالى: اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ المؤمنون:2،خائفون.

و أصل الخشوع:التّطأطؤ،و جبل خاشع:

متطأطئ.(1:581)

ابن الأثير: فيه«كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض»الخشعة:أكمة لاطئة بالأرض، و الجمع:خشع.و قيل هو ما غلبت عليه السّهولة،أي ليس بحجر و لا طين.و يروى خشفة بالخاء و الفاء.

(2:34)

الصّغانيّ: خشوع الكواكب:دنوّها من الغروب.

خشعان:من قرى اليمن.(4:239)

الفيّوميّ: خشع خشوعا،إذا خضع،و خشع في صلاته و دعائه أقبل بقلبه على ذلك،و هو مأخوذ من خشعت الأرض إذا سكنت و اطمأنّت.(1:170)

الجرجانيّ: الخشوع و الخضوع و التّواضع:بمعنى واحد،و في اصطلاح أهل الحقيقة الخشوع:الانقياد للحقّ،و قيل:هو الخوف الدّائم في القلب.

و قيل:من علامات الخشوع أنّ العبد إذا غضب أو خولف أو ردّ عليه استقبل،ذلك بالقبول.(44)

الفيروزآباديّ: الخشوع:الخضوع،كالاختشاع و الفعل:كمنع،أو قريب من الخضوع،أو هو في البدن، و الخشوع في الصّوت و البصر،و السّكون و التّذلّل

و في الكوكب:دنوّه من الغروب.

و الخاشع:المكان المغبرّ لا منزل به،و المكان لا يهتدى،و المستكين،و الرّاكع.

و خشع السّنام:ذهب إلاّ أقلّه،و فلان خراشيّ صدره فخشعت هي إذا ألقى بزاقا لزجا.

و الخشعة،بالكسر:الصّبيّ يلزق عنه بطن أمّه إذا ماتت.

و بالضّمّ:القطعة من الأرض الغليظة،و الأكمة اللاّطئة بالأرض،الجمع:كصرد.

و تخشّع:تضرّع.(3:18)

الطّريحيّ: و خشع في صلاته و دعائه،أي أقبل بقلبه على ذلك.

و الفرق بين الخشوع و الخضوع هو أنّ الخشوع في البدن و البصر و الصّوت.و الخضوع في البدن.و روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته،فقال:

«لو خشع قلبه لخشعت جوارحه»قال بعض الشّارحين:في هذا دلالة على أنّ الخشوع في الصّلاة

ص: 48

يكون في القلب و الجوارح،فأمّا في القلب فهو أن يفرغ قلبه بجمع الهمّة لها و الإعراض عمّا سواها،فلا يكون فيه غير العبادة و المعبودة،و أمّا في الجوارح فهو غضّ البصر و ترك الالتفات و العبث.

و عن عليّ عليه السّلام:هو أن لا يلتفت يمينا و لا شمالا، و لا يعرف من على يمينه و شماله.

و في الحديث:«فقال بخشوع:اللّه أكبر»أي بسكون و تذلّل و اطمئنان و انقطاع إلى اللّه تعالى.

و«الخشوع»نهر الشّاش كما وردت به الرّواية، و الشّاش-بشينين معجمتين-بلد بما وراء النّهر من الأنهر الّتي خرقها جبرئيل بإبهامه.

و«بختيشوع»الطّبيب:رجل نصرانيّ،و قد كان طبيبا للرّشيد،و له مع عليّ بن واقد قصّة مشهورة، حكاها المقداد في الكنز.(4:321)

مجمع اللّغة :الخشوع:السّكون و الإخبات.

و خشوع القلب:ضراعته و سكونه،و يتبعه سكون الجوارح.

و خشعت الأرض:كانت يابسة لم تنبت.

خشع يخشع خشوعا فهو خاشع و هي خاشعة و هم خاشعون و خشّع،و هنّ خاشعات.(1:355)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خشع خشوعا:تطامن و ذلّ و خضع.

و خشع القلب:سكن و تضرّع.

و خشع الصّوت:خفت.

و خشع البصر:انكسر.

و خشع الجبل:تداعى و تهاوى.

و خشعت الأرض:يبست و جفّت فلا تنبت.

و الخاشع:المتذلّل المتضرّع،و جمعه:خشّع.

(1:163)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو حالة تحصل من اللّينة و الوضيعة و القبول و الأخذ.و هذه الحالة تحقّقها في المرتبة الأولى في القلب،ثمّ تتجلّى ثانيا في البصر و السّمع،فإنّهما وسيلتا القبول و التّلقّي.

و هذا معنى خشوع البصر و خشوع الصّوت،أي جعل البصر و السّمع في مقام الانقياد و التّسليم، و الخفض و القبول،و التّلقّى و الطّاعة،و هذا في مقابل حدّة البصر و رفع الصّوت الكاشفين عن الاستكبار و الخلاف وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ النّحل:78.

و أمّا الخضوع:فهو جعل النّفس متواضعا و مطيعا و منقادا،راجع«الخضع».

و بهذا يظهر الفرق بين هذه المادّة و بين:الخضوع و الوضيعة و الاطمينان و الانقياد و الضّرع و غيرها.

فتفسير«الخشوع»بالتّطامن،و الاستكانة و الرّكوع،و الأرض الغالب عليها السّهولة،و الخوف مع الخضوع،و التّطأطؤ،و انكسار البصر،و التّواضع، و رمي البصر نحو الأرض،و غيرها،كلّها إمّا من باب التّفسير باللّوازم أو بالآثار.و الأصل ما قلناه،و ليس له لفظ آخر مفرد ليفسّر به،كما في باقى الكلمات.

و بهذا يظهر لطف التّعبير بها في موارد استعمالها في الآيات الكريمة.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

ص: 49

فظهر أنّ خشوع البصر و خشوع الصّوت من آثار حقيقة الخشوع في النفس الإنسانيّ،و من آثاره أيضا:

الرّغبة،و الرّهبة،و المحبّة،و الانقياد،و الأخذ و القبول،و التّأثّر و الانفعال،و درك العظمة و الجلال و الجمال.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

فهذه المعاني من لوازم الخشوع و ممّا يلازمها مقارنا أو متأخّرا.(3:62)

النّصوص التّفسيريّة

خشعت

وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً.

طه:108

ابن عبّاس: ذلّت الأصوات.(266)

يقول:سكنت.(الطّبريّ 8:459)

نحوه السّديّ(348)،و النّفسيّ(3:66).

أي خضعت بالسّكون.[ثمّ استشهد بشعر]

(الماورديّ 3:426)

نحوه طنطاوي.(10:143)

ابن قتيبة :أي خفيت.(282)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:323)

الطّبريّ: و سكنت أصوات الخلائق للرّحمن فوصف الأصوات بالخشوع،و المعنى لأهلها إنّهم خضّع جميعهم لربّهم،فلا تسمع لناطق منهم منطقا إلاّ من أذن له الرّحمن.(8:459)

نحوه الثّعلبيّ(6:261)،و البغويّ(3:275)، و الخازن(4:227)،و مغنيّة(5:245).

السّجستانيّ: أي خفتت.(122)

الطّوسيّ: أي تخضع له،بمعنى أنّها تسكن،و لا ترفع في قول ابن عبّاس و الخشوع:الخضوع.[ثمّ استشهد بشعر](7:209)

القشيريّ: تنقطع الأوهام،و تقف الأفهام، و تنخنس العقول،و تندرس العلوم،و تتحيّر المعارف، و يتلاشى ما هو نعت الخلق،و يستولي سلطان الحقيقة، فعند ذلك لا عين و لا أثر،و لا رسم و لا طلل و لا غبر، في الحضور خرس،و على البساط فناء،و للرّسوم امتحاء،و إنّما الصّحّة على الثّبات.(4:149)

الواحديّ: سكتت و ذلّت و خضعت.(3:222)

الميبديّ: أي سكنت أصوات الخلائق لمهابة اللّه.

(6:178)

الزّمخشريّ: أي خفضت الأصوات من شدّة الفزع و خفتت.(2:544)

نحوه الفخر الرّازيّ(22:118)،و البروسويّ(5:

428).

ابن عطيّة: الخشوع:التّطامن و التّواضع،و هي الأصوات،استعارة بمعنى الخفاء و الاستسرار.(4:64)

ابن عربيّ: انخفضت كلّها،لأنّ الصّوت صوته فحسب.(2:61)

البيضاويّ: خفضت لمهابته.(2:61)

مثله أبو السّعود(4:310)،و المشهديّ(6:317).

الشّربينيّ: أي سكنت و ذلّت و تطامنت لخشوع أهلها.(2:485)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(8:838)

ص: 50

الشّريف العامليّ: الخشوع:التّواضع للّه عزّ و جلّ،و للنّبيّ و الأئمّة عليهم السّلام فيما أمروا به، و التّخضّع لهم و التّضرّع إليهم و إلى طاعتهم و ولايتهم فتأمّل.

و اعلم أنّ اللّه سبحانه قد ذكر أيضا الخشوع بالنّسبة إلى من هوى إلى أهل النّار،و المراد:الذّلّة الّتي تلزم أعداء الأئمّة يوم القيامة بسبب بروز كونهم حينئذ من أهل النّار،و عجزهم عن ذلك،و لهذا ورد عن الصّادق عليه السّلام في تأويل وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ الغاشية:2،أنّه قال:أي خاضعة لا تطيق الامتناع.

و منه يظهر المراد بالخضوع أيضا،فتأمّل.(141)

الآلوسيّ: أي خفيت لمهابته تعالى و شدّة هول المطلع.و قال ابن عبّاس رضى اللّه تعالى عنهما:

سكنت و الخشوع مجاز في ذلك.و قيل:لا مجاز، و الكلام على حذف مضاف،أي أصحاب الأصوات و ليس بذلك.(16:264)

ابن عاشور :الخشوع:الخضوع.و في كلّ شيء من الإنسان مظهر من الخشوع؛فمظهر الخشوع في الصّوت:الإسرار به،فلذلك فرّع عليه قوله: فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً.

و جملة وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ في موضع الحال من ضمير(يتبعون)و إسناد الخشوع إلى الأصوات مجاز عقليّ،فإنّ الخشوع لأصحاب الأصوات.أو استعير الخشوع لانخفاض الصّوت و إسراره،و هذا الخشوع من هول المقام.(16:184)

المصطفويّ: خشوع الأصوات مظهر خشوع القلب،فيحصل للصّوت خفض و لينة،و لا يجرى إلاّ على مجرى الانقياد و التّسليم.(3:63)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هدوء الأصوات أو خشوعها هذا،إمّا هو لهيمنة العظمة الإلهيّة على عرصة المحشر حيث يخضع لها الجميع،أو خوفا من الحساب و نتيجة الأعمال،أو لكليهما.(10:71)

فضل اللّه :فلا يملك أحد لنفسه شيئا للاعتراض أو للتّوقّف ليرفع صوته أمامه،بل هو يستسلم للدّعوة الموجّهة إليه.(15:156)

تخشع

أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ... الحديد:16

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أوّل ما يرفع من النّاس الخشوع.

(الطّبريّ 11:681)

ابن عبّاس: أن تلين و تذلّ و تخلص قلوبهم.

(458)

نحوه الواحديّ(4:249)،و البغويّ(5:30)، و الطّبرسيّ(5:238)،و القرطبيّ(17:248)،و الخازن (7:29)،و الشّربينيّ(4:208).

تطيع قلوبهم.(الطّبريّ 11:681)

الطّبريّ: أ لم يحن للّذين صدّقوا اللّه و رسوله أن تلين قلوبهم لذكر اللّه،فتخضع قلوبهم له.

(11:681)

الزّجّاج: و هذه الآية-و اللّه أعلم-نزلت في طائفة من المؤمنين حثّوا على الرّقّة و الرّحمة و الخشوع

ص: 51

.فأمّا من كان ممّن وصفه-عزّ و جلّ-بالخضوع و الرّقّة و الرّحمة فطائفة من المؤمنين فوق هؤلاء.

(5:125)

عبد الجبّار: و ربّما قيل في قوله تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ... أ ليس ذلك يدلّ على أنّ الّذين آمنوا لم يكونوا خاشعين،و أنّه كان فيهم من هو قاسي القلب،و ذلك بخلاف قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ المؤمنون:1،2؟

و جوابنا:أنّ المؤمن لا يكون في الجملة إلاّ خاشعا خاضعا للّه،و إنّما أمر تعالى أن يخشعوا لذكر اللّه و عند سماع القرآن،لأنّ فيهم من يسمع غافلا لاهيا،فهو كقوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ النّساء:82.

(416)

الماورديّ: و في: أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ ثلاثة تأويلات:

أحدها:أن تلين قلوبهم لذكر اللّه.

الثّاني:أن تذلّ قلوبهم من خشية اللّه.

الثّالث:أن تجزع قلوبهم من خوف اللّه.(5:478)

الطّوسيّ: أي تخضع لسماع ذكر اللّه و يخافون عقابه.[ثمّ ذكر نحو الزّجّاج و أضاف:]

و الخشوع لين القلب للحقّ بالانقياد له،و مثله الخضوع،و ضدّه قسوة القلب.(9:528)

القشيريّ: أ لم يحن للّذين آمنوا أن تتواضع قلوبهم و تلين لذكر اللّه و للقرآن و ما فيه من العبر؟.

(6:107)

الميبديّ: الخشوع:هو الخبوع و الخضوع،و أصله:

الاتّضاع للحقّ مع الخلق،و إخبات القلب.و سمّى اللّه الأرض خاشعة و الأبصار خاشعة يوم القيامة.

(9:494)

ابن عطيّة: الخشوع:الإخبات و التّطامن و هي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب،فلذلك خصّ تعالى القلب بالذّكر.(5:264)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في قوله: أَ لَمْ يَأْنِ...

فقال بعضهم:نزل في المنافقين الّذين أظهروا الإيمان و في قلوبهم النّفاق المباين للخشوع،و القائلون بهذا القول لعلّهم ذهبوا إلى أن المؤمن لا يكون مؤمنا في الحقيقة إلاّ مع خشوع القلب،فلا يجوز أن يقول تعالى ذلك إلاّ لمن ليس بمؤمن.

و قال آخرون:بل المراد من هو مؤمن على الحقيقة،لكن المؤمن قد يكون له خشوع و خشية،و قد لا يكون كذلك.ثمّ على هذا القول تحتمل الآية وجوها: (1)

أحدها:لعلّ طائفة من المؤمنين ما كان فيهم مزيد خشوع و لا رقّة،فحثّوا عليه بهذه الآية.

و ثانيها:لعلّ قوما كان فيهم خشوع كثير،ثمّ زال منهم شدّة ذلك الخشوع فحثّوا على المعاودة إليها.

(29:228)

أبو حيّان :و المعنى:قرب وقت الشّيء. أَنْ تَخْشَعَ :تطمئنّ و تخبت،هو من عمل القلب،و يظهرن.

ص: 52


1- و قد ذكر وجهين.

في الجوارح.(8:222)

أبو السّعود :استئناف ناع عليهم تثاقلهم في أمور الدّين،و رخاوة عقدهم فيها،و استبطاء لانتدابهم لما ندبوا إليه بالتّرغيب و التّرهيب و روى أنّ المؤمنين كانوا مجدبين بمكّة،فلمّا هاجروا أصابوا الرّزق و النّعمة و فتروا عمّا كانوا عليه.(6:204)

البروسويّ: الخشوع:ضراعة و ذلّ،أي أ لم يجئ وقت أن تخشع قلوبهم لذكر اللّه تعالى و تطمئنّ به و يسارعوا إلى طاعته بالامتثال لأوامره و الانتهاء عمّا نهوا عنه من غير توان و لا فتور.

قال بعضهم:الذّكر إن كان غير القرآن يكون المعنى أن ترقّ و تلين قلوبهم إذا ذكر اللّه فإنّ ذكر اللّه سبب لخشوع القلوب أيّ سبب ف«الذّكر»مضاف إلى مفعوله و اللاّم بمعنى الوقت.

و ان كان القرآن فهو مضاف إلى الفاعل و اللاّم للعلّة لمواعظ اللّه تعالى الّتى ذكرها في القرآن و لآياته الّتى تتلى فيه.(9:363)

الآلوسيّ: فسّر الخشوع للقرآن بالانقياد التّام لأوامره و نواهيه،و العكوف على العمل بما فيه من الأحكام من غير توان و لا فتور.

و الظّاهر أنّه اعتبر كون اللاّم صلة الخشوع، و جوّز كونها للتّعليل على أوجه الذّكر،فالمعنى أ لم يأن لهم أن ترقّ قلوبهم لأجل ذكر اللّه تعالى و كتابه الحقّ النّازل،فيسارعوا إلى الطّاعة على أكمل وجوهها.

و في الآية حضّ على الخشوع.(27:180)

القاسميّ: أي أن تلين و ترقّ و تخلص قلوبهم لذكر اسمه الكريم،و ما يوجبه من الوجل منه و الخشية،أو لذكر وعده و وعيده.(16:5685)

نحوه المراغيّ.(27:172)

ابن عاشور :و أَنْ تَخْشَعَ فاعل(يان)، و الخشوع:الاستكانة و التّذلّل.[إلى أن قال:]

و معنى الخشوع لأجله:الخشوع المسبّب على سماعه و هو الطّاعة و الامتثال.(27:353)

المصطفويّ: بأن تلين قلوبهم و تنقاد و تطيع و تسلّم قلوبهم في مقابل ذكر اللّه المتعال.(3:62)

مكارم الشّيرازيّ: إلى متى هذه الغفلة؟

بعد ما وجّهت الآيات السّابقة مجموعة من الإنذارات الصّارمة و التّنبّهات الموقظة،و بيّنت المصير المؤلم للكفّار و المنافقين في يوم القيامة،جاءت الآية الأولى مورد البحث بشكل استخلاص نتيجة كلّيّة من ذلك،فتقول: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا...

تَخْشَعَ من مادّة خشوع،بمعنى حالة التّواضع مقترنة بالأدب الجسميّ و الرّوحيّ؛حيث تنتاب الإنسان هذه الحالة-عادة-مقابل حقيقة مهمّة، أو شخصيّة كبيرة.

و من الواضح أنّ ذكر اللّه عزّ و جلّ إذا دخل أعماق روح الإنسان،و سماع الآيات القرآنيّة بتدبّر،فإنّها تكون سببا للخشوع،و القرآن الكريم هنا يلوم بشدّة قسما من المؤمنين لعدم خشوعهم أمام هذه الامور.

لأنّه قد ابتلى كثير من الأمم السّابقة بمثل هذا من الغفلة و الجهل.و هذه الغفلة تؤدّي إلى قساوة القلب و بالتّالي إلى الفسق و العصيان.

ص: 53

و لهذا هل نقتنع بادّعاء الإيمان،و العيش في رفاه و الانشغال بالأكل و الشّرب،و نمرّ أمام هذه المسائل المهمّة ببساطة؟و هل أنّ أعمالنا و مسئوليّاتنا تتناسب مع الإيمان الّذي ندّعيه؟

هذه التّساؤلات لا بدّ من الإجابة عنها مع أنفسنا بهدوء و موضوعيّة.[إلى أن قال:]

إنّ آية: أَ لَمْ يَأْنِ... من الآيات المثيرة في القرآن الكريم،حيث تليّن القلب،و ترطّب الرّوح و تمزّق حجب الغفلة و تعلن منبّهة:أ لم يأن للقلوب المؤمنة أن تخشع مقابل ذكر اللّه و ما نزّل من الحقّ!و تحذّر من الوقوع في شراك الغفلة،كما كان بالنّسبة لمن سبق حيث آمنوا و تقبّلوا آيات الكتاب الإلهيّ،و لكن بمرور الزّمن قست قلوبهم.

لذلك نلاحظ بصورة مستمرّة أنّ أفرادا مذنبين جدّا قد هداهم اللّه إلى طاعته بعد سماعهم هذه الآية الّتي وقعت في نفوسهم كالصّاعقة،و أيقظتهم من سباتهم و غفلتهم الّتي كانوا فيها،و لهذا شواهد عديدة؛ حيث تنقل لنا كتب التّاريخ العديد منها،حتّى أنّ البعض منهم أصبح في صفّ الزّهّاد و العبّاد،و من جملتهم العابد المعروف فضيل بن عياض الزّاهد.

(18:45-48)

فضل اللّه :خشوع قلوب المؤمنين لذكر اللّه

قد يحتاج المؤمنون في خصوصيّتهم الإيمانيّة،من حيث عمقها في الرّوح و فاعليّتها في الشّعور و الوجدان إلى هزّة روحيّة،تخاطب أفكارهم و مشاعرهم،حتّى لا يتجمّد فيها الإيمان،فيتحوّل إلى معادلة عقليّة لا تحمل أيّ نبض في الرّوح،أو يزحف إليهم الباطل فتخشع قلوبهم لرموزه،و حتّى لا تتحجّر القلوب فلا تخشع لذكر اللّه،و لعظمة الحقّ في الإسلام،ممّا يفرض عليهم أن يتعمّقوا في التّصور، ليتعرّفوا إلى اللّه في مواقع عظمته و أسرار قدرته، و يستغرقوا في مواضع نعمه،ليدركوا أنّه وحده الّذي يملك الأمر كلّه،و يهيمن على الوجود بكلّ موجوداته و حركته.

ثمّ لا بدّ لهم من أن يستعيدوا في وعيهم العقليّ و في وجدانهم الرّوحيّ الآيات الّتي أنزلها اللّه على رسوله، في ما تشتمل عليه من حقائق العقيدة و نظام الشّريعة و منهج الفكر و الحياة و حركة الإنسان في الواقع، ليدركوا أنّ هذا الفكر الّذي يستمدّ حيويّته و قوّته من وحي اللّه،هو الفكر الّذي يجب أن يلتزموه،و أن يتمثّلوه في وجدانهم،و أن يحملوه في حركتهم في الحياة،كعنوان للانتماء و للوعي و للحياة،لأنّ ذلك هو الّذي يحميهم من الانحراف،و ينقذهم من الضّلال، و يعمّق في داخلهم و في امتداد مسيرتهم على مدى الزّمن معنى الرّقة في القلب و الخشوع في الرّوح،حتّى لا تؤثّر عليهم المؤثّرات السّلبيّة الّتي ترهق القلب، و تجفّف ينابيع الرّوح.

أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا... قد يكون هذا الحديث للمؤمنين الّذين يستعجلهم اللّه للحصول على حالة الخشوع القلبيّ الّذي يجعل كيان المؤمن كلّه خاشعا له، في اهتزاز الشّعور بالعظمة و النّعمة في إيحاءاته بالمحبّة من جهة،و الخوف من جهة أخرى،حيث يمتزجان في

ص: 54

كلّ مشاعره و أحاسيسه و أفكاره،ليجعلا منه الإنسان المنفتح على اللّه الخاضع له...(22:30)

خاشعا

لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ.

الحشر:21

ابن عبّاس: خاضعا مستكينا ممّا في القرآن من الوعد و الوعيد.(466)

لو أنّي أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إيّاه تصدّع و خشع من ثقله،و من خشية اللّه،فأمر اللّه عزّ و جلّ النّاس إذا أنزل عليهم القرآن،أن يأخذوه بالخشية الشّديدة و التّخشّع،قال: وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ (الطّبريّ 12:51)

نحوه الضّحّاك.(الدّرّ المنثور 8:121)

قتادة :يعذّر اللّه الجبل الأصمّ،و لم يعذّر شقيّ ابن آدم،هل رأيتم أحدا قطّ تصدّعت جوانحه من خشية اللّه.(الطّبريّ 12:51)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:لو أنزلنا هذا القرآن على جبل،و هو حجر،لرأيته يا محمّد خاشعا؛يقول:

متذلّلا متصدّعا من خشية اللّه على قساوته،حذرا من أن لا يؤدّي حقّ اللّه المفترض عليه في تعظيم القرآن.

و قد أنزل على ابن آدم و هو بحقّه مستخفّ،و عنه عمّا فيه من العبر و الذّكر معرض،كأن لم يسمعها، كأنّ في أذنيه و قرا.(12:51)

الزّجّاج: أعلم اللّه عزّ و جلّ أنّ من شأن القرآن و عظمته و بيانه أنّه لو جعل في الجبل تمييز كما جعل فيكم،و أنزل عليه القرآن لخشع و تصدّع من خشية اللّه.و معنى«خشع»:تطأطأ و خضع.و معنى«تصدّع»:

تشقّق.(5:150)

نحوه الفخر الرّازيّ.(29:292)

الثّعلبيّ: ذليلا خاضعا.(9:286)

الزّمخشريّ: هذا تمثيل و تخييل كما مرّ في قوله تعالى: إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ الأحزاب:72،و قد دلّ عليه قوله: وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ.

و الغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه،و قلّة تخشّعه عند تلاوة القرآن و تدبّر قوارعه و زواجره.

(4:87)

نحوه البيضاويّ(2:486)،و ابن جزيّ(4:111)، و شبّر(6:193)،و الكاشانيّ(5:159).

ابن عطيّة: موعظة للإنسان أو ذمّ لأخلاقه في غفلته و إعراضه عن داعي اللّه تعالى،و ذلك أنّ القرآن نزل عليهم و فهموه و أعرضوا عنه،و هو لو نزل على جبل و فهم الجبل منه ما فهم الإنسان،لخشع و استكان و تصدّع خشية للّه تعالى.و إذا كان الجبل على عظمه و قوّته يفعل هذا،فما عسى أن يحتاج ابن آدم يفعل؟ لكنّه يعرض و يصدّ على حقارته و ضعفه.

و ضرب اللّه تعالى هذا المثل ليتفكّر فيه العاقل و يخشع و يلين قلبه.(5:291)

نحوه الثّعالبيّ.(3:321)

ابن عربيّ: أي قلوبهم أقسى من الحجر في عدم التّأثّر و القبول،إذا الكلام الإلهيّ بلغ من التّأثير ما لا

ص: 55

إمكان للزّيادة وراءه،حتّى لو فرض إنزاله على جبل لتأثّر منه بالخشوع و الانصداع.(2:626)

القرطبيّ: حثّ على تأمّل مواعظ القرآن،و بيّن أنّه لا عذر في ترك التّدبّر؛فإنّه لو خوطب بهذا القرآن الجبال مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه، و لرأيتها على صلابتها و رزانتها خاشعة متصدّعة؛أي متشقّقة من خشية اللّه.

و الخاشع:الذّليل.و المتصدّع:المتشقّق.

و قيل: خاشِعاً للّه بما كلّفه من طاعته.

مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ أن يعصيه فيعاقبه.

و قيل:هو على وجه المثل للكفّار(18:44)

نحوه الشّوكانيّ(5:254)

النّسفيّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و جائز أن يكون هذا تمثيلا،كما في قوله إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ الأحزاب:72،و يدلّ عليه قوله:

وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ و هي إشارة إلى هذا المثل،و إلى أمثاله في مواضع من التّنزيل،و المراد توبيخ الإنسان على قسوة قلبه و قلّة تخشّعه عند تلاوة القرآن و تدبّر قوارعه و زواجره.

(4:244)

نحوه المراغيّ.(28:57)

الخازن :[نحو الزّجّاج و أضاف:]

و المعنى أنّ الجبل مع صلابته و رزانته مشفق من خشية اللّه،و حذر من أن لا يؤدّي حقّ اللّه تعالى في تعظيم القرآن.و الكافر مستخفّ بحقّه،معرض عمّا فيه من العبر و الأحكام،كأنّه لم يسمعها.وصفه بقساوة القلب فهو غافل عمّا يتضمّنه القرآن من المواعظ و الأمثال و الوعد و الوعيد،و تمييز الحقّ من الباطل و الواجب ممّا لا يجب،بأحسن بيان و أوضح برهان.

و من وقف على هذا و فهمه أوجب له الخشوع و الخشية و هذا تمثيل لأنّ الجبل لا يتصوّر منه الخشوع و الخشية إلاّ أن يخلق اللّه تعالى له تمييزا و عقلا.(7:60)

نحوه طنطاوي.(24:151)

أبو حيّان :هذا من باب التّخييل و التّمثيل،كما مرّ في قوله تعالى: إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ الأحزاب:72،و دلّ على ذلك: وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ و الغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه،و عدم تأثّره لهذا الّذي لو أنزل على الجبل لتخشّع و تصدّع،و إذا كان الجبل على عظمه و تصلّبه يعرض له الخشوع و التّصدّع،فابن آدم كان أولى بذلك،لكنّه على حقارته و ضعفه لا يتأثّر.(8:251)

نحوه ابن كثير.(6:615)

الشّربينيّ: متذلّلا باكيا.(4:257)

نحوه القاسميّ.(16:5752)

البروسويّ: [نحو الخازن و أضاف:]

يقول الفقير فيه ذهول عن أنّ اللّه تعالى خلق الأشياء كلّها ذات حياة و إدراك في الحقيقة و إلاّ لما اندكّ الجبل عند التّجلّي،و لمّا شهد للمؤذّن كلّ رطب و يابس سمع صوته،و نحو ذلك.

و قد كاشف عن هذه الحياة أهل اللّه و غفل عنها المحجوبون على ما حقّق مرارا،نعم فرق بين الجبل عند التّجلّي،و عند ما أنزل عليه القرآن و بينه عند

ص: 56

الاستتار و عدم الإنزال فإنّ أثر الحياة في الصّورة الأولى محسوس مشاهد للعامّة و الخاصّة و أمّا في الصّورة الثّانية فمحسوس للخاصّة فقط،فاعرف.

(9:452)

المصطفويّ: فيحصل له حالة ليّنة و خفض و تأثّر و قبول و محبّة،في قبال تجلّي العظمة.و المراد من الإنزال على الجبل:التّوجّه بعظمة كلمات اللّه العزيز إليه.(3:63)

مكارم الشّيرازيّ: لو نزّل القرآن على جبل لتشقّق:

تكملة للآيات السّابقة الّتي كانت تهدف إلى تحريك النّفوس و القلوب الإنسانيّة،و خاصّة عن طريق التّذكير بالنّهاية الّتي يكون عليها الإنسان، و المصير الّذي ينتظره،و الّذي يجدر أن يهيّئه في أبهى و أفضل صورة.

تأتي هذه الآيات المباركات الّتي هي آخر آيات سورة الحشر،و الّتي تأخذ بنظر الاعتبار مجمل ما ورد من آيات هذه السّورة،لتوضّح حقيقة أخرى حول القرآن الكريم،و هي:أنّ هذا الكتاب المبارك له تأثير عميق جدّا حتّى على الجمادات،حيث إنّه لو نزّل على الجبال لهزّها و حرّكها و جعلها في وضع من الاضطراب المقترن بالخشوع..إلاّ أنّه-مع الأسف- هذا الإنسان القاسي القلب يسمع آيات اللّه تتلى عليه و لا تتحرّك روحه و لا يخشع قلبه حيث يقول سبحانه في البداية: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.

فسّر الكثير من المفسّرين هذه الآيات بأنّها تشبيه،و قالوا:إنّ الهدف من ذلك هو بيان أنّ هذه الآيات إذا نزلت على الجبال بكلّ صلابتها و قوّتها -بدلا من نزولها على قلب الإنسان-فإنّها تهتزّ و تضطرب إلى درجة أنّها تتشقّق،إلاّ أنّ قسما من النّاس ذوي القلوب القاسية و الّتي هي كالحجارة أو أشدّ قسوة لا يسمعون و لا يعون و لا يتأثّرون أدنى تأثير،و جملة: وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ اعتبرت دليلا و شاهدا على هذا الفهم.

و قد حملها البعض الآخر على ظاهرها و قالوا:

إنّ كلّ الموجودات في هذا العالم-و من جملتها الجبال- لها نوع من الإدراك و الشّعور الخاصّ بها،و إذا نزلت هذه الآيات عليها فإنّها ستتلاشى،و دليل هذا ما ورد في الآية(74)من سورة البقرة في وصف جماعة من اليهود،قال تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ.

و التّعبير ب«مثل»يمكن أن يكون بمعنى هذا الوصف،كما جاءت هذه الكلمة مرارا مجسّدة لنفس المعنى،و بناء على هذا،فإنّ التّعبير المذكور لا يتنافي مع هذا التّفسير.

و الشّيء الممكن ملاحظته هنا،أنّه تعالى يقول في البداية:إنّ الجبال تخشع و تخضع للقرآن الكريم، و يضيف أنّها تتشقّق،إشارة إلى أنّ القرآن الكريم ينفذ

ص: 57

تدريجيّا فيها،و بعد كلّ فترة تظهر عليها آثار جديدة من تأثيرات القرآن الكريم،إلى حدّ تفقد فيه قدرتها و استطاعتها،فتكون كالعاشق الواله الّذي لا قرار له ثمّ تنصدع و تنشقّ.(18:205)

فضل اللّه : لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً لأنّ طبيعة معانيه تؤثّر في العمق منه[الجبل]بالرّغم من الصّلابة و الضّخامة و الجمود الذّاتيّ فيه،و إذا كانت هذه هي الحال مع الجبل،فكيف يجب أن يتمثّله الإنسان المملوء وعيا و شعورا في انفعاله به،في ما يعيشه من خشية اللّه؟!(22:134)

خاشعون

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ. المؤمنون:1،2

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا يزال اللّه مقبلا على العبد و هو في صلاته ما لم يلتفت،فإذا التفت انصرف عنه».

[و في رواية:] أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصّلاة، فقال:«لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه».

(البغويّ 3:358)

«ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب،فهو عندنا نفاق».(الكاشانيّ 3:393)

الإمام عليّ عليه السّلام: [سئل عن هذه الآية فقال:] «لا تلتفت في صلاتك».

[و في حديث:] «الخشوع في القلب،و أن تلين للمرء المسلم كنفك،و لا تلتفت».(الطّبريّ 9:197)

عائشة: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الالتفات في الصّلاة،فقال:«هو اختلاس يختلسه الشّيطان من صلاة العبد».(البغويّ 3:357)

أبو هريرة: كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يرفعون أبصارهم إلى السّماء في الصّلاة،فلمّا نزل اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ رموا بأبصارهم إلى مواضع السّجود.(البغويّ 3:358)

ابن عبّاس: مخبتون متواضعون لا يلتفتون يمينا و لا شمالا،و لا يرفعون أيديهم في الصّلاة.(284)

يقول:خائفون ساكنون.

نحوه النّخعيّ.(الطّبريّ 9:198)

و نحوه الحسن و قتادة(البغويّ 3:357)

سعيد بن جبير: هو أن لا يعرف من على يمينه و لا من على شماله،و لا يلتفت من الخشوع للّه عزّ و جلّ.(البغويّ 3:357)

نحوه الرّبيع.(الثّعلبيّ 7:38)

النّخعيّ: الخشوع في القلب.(الطّبريّ 9:197)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 9:198)

تائبون.(الماورديّ 4:45)

مجاهد :السّكون فيها.(الطّبريّ 9:197)

الضّحّاك: وضع اليمين على الشّمال.

(أبو حيّان 6:395)

نحوه قتادة.(الثّعلبيّ 7:39)

الحسن :كان خشوعهم في قلوبهم،فغضّوا بذلك البصر،و خفضوا به الجناح.(الطّبريّ 9:197)

ابن سيرين: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا صلّى نظر إلى السّماء،فأنزلت هذه الآية: اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ

ص: 58

خاشِعُونَ فجعل بعد ذلك وجهه حيث يسجد.

(الطّبريّ 9:197)

هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك.

(البغويّ 3:357)

عطاء:هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصّلاة.(البغويّ 3:358)

التّخشّع في الصّلاة.(الطّبريّ 9:198)

قتادة :هو إلزامه موضع السّجود.

(الزّمخشريّ 3:25)

زيد بن عليّ: لا تطمح أبصارهم و لا يلتفتون.

(286)

الزّهريّ: سكون المرء في صلاته.

(الطّبريّ 9:197)

عمرو بن دينار:ليس الخشوع الرّكوع و السّجود و لكنّه السّكون،و حسن الهيئة في الصّلاة.

(الثّعلبيّ 7:38)

الرّبيع:هو أن لا يلتفت يمينا و لا شمالا.

(الثّعلبيّ 7:38)

الإمام الصّادق عليه السّلام:إذا دخلت في صلواتك فعليك بالتّخشّع و الإقبال على صلواتك،فإنّ اللّه تعالى يقول: اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ.

(الكاشانيّ 3:393)

مقاتل:يقول:متواضعون،يعني إذا صلّى لم يعرف من عن يمينه و من عن شماله.(3:152)

متواضعون على الخشوع في القلب،و أن تلين للمرء المسلم كنفك و لا تلتفت.(الثّعلبيّ 7:38)

ابن جريج:قال عطاء بن أبي رباح في قوله:

اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ قال:التّخشّع في الصّلاة.و قال لي غير عطاء:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا قام في الصّلاة نظر عن يمينه و يساره و وجاهه،حتّى نزلت:

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ فما رؤي بعد ذلك ينظر إلاّ إلى الأرض.

(الطّبريّ 9:198)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:الّذين هم في صلاتهم إذا قاموا فيها خاشعون،و خشوعهم فيها تذلّلهم للّه فيها بطاعته،و قيامهم فيها بما أمرهم بالقيام به فيها.

و قيل:إنّها نزلت من أجل أنّ القوم كانوا يرفعون أبصارهم فيها إلى السّماء قبل نزولها،فنهوا بهذه الآية عن ذلك.

و اختلف أهل التّأويل في الّذي عنى به في هذا الموضع من الخشوع،فقال بعضهم:عني به سكون الأطراف في الصّلاة.

و قال آخرون:عنى به الخوف في هذا الموضع.

و قد بيّنّا فيما مضى قبل من كتابنا،أنّ الخشوع:

التّذلّل و الخضوع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

و إذ كان ذلك كذلك،و لم يكن اللّه تعالى ذكره دلّ على أنّ مراده من ذلك معنى دون معنى في عقل و لا خبر، كان معلوما أنّ معنى مراده من ذلك العموم.و إذ كان ذلك كذلك،فتأويل الكلام ما وصفت من قبل،من أنّه:و الّذين هم في صلاتهم متذلّلون للّه بإدامة ما ألزمهم من فرضه و عبادته،و إذا تذلّل للّه فيها العبد رؤيت ذلّة خضوعه في سكون أطرافه و شغله بفرضه

ص: 59

و تركه ما أمر بتركه فيها.(9:196)

الرّمّانيّ: خاضعون.(الماورديّ 4:45)

الماورديّ: فيه خمسة أوجه.[ذكر أربعا و قال:]

الخامس:هو أن ينظر إلى موضع سجوده من الأرض،و لا يجوّز بصره مصلاّه.[ثمّ أيّده برواية قد مضت نحوها.](4:46)

الطّوسيّ: أي خاضعون متذلّلون للّه فيها.و قيل:

معناه يسعون،مقبلون على الصّلاة بالخضوع و التّذلّل لربّهم.[إلى أن قال:]

و الخشوع في الصّلاة هو الخضوع بجمع الهمّة لها، و الإعراض عمّا سواها،لتدبّر ما يجري فيها،من التّكبير و التّسبيح و التّحميد للّه،و تلاوة القرآن.و هو موقف الخاضع لربّه الطّالب لمرضاته بطاعاته.

(7:348)

القشيريّ: الخشوع في الصّلاة:إطراق السّرّ على بساط النّجوى باستكمال نعت الهيبة،و الذّوبان تحت سلطان الكشف،و الامتحاء عند غلبات التّجلّي.

و يقال:أدرك ثمرات القرب و فاز بكمال الأنس، من وقف على بساط النّجوى بنعت الهيبة،و مراعاة آداب الحضرة.و لا يكمل الأنس بلقاء المحبوب إلاّ عند فقد الرّقيب؛و أشدّ الرّقباء و أكثرهم تنغيصا لأوان القرب:النّفس،فلا راحة للمصلّي مع حضور نفسه،فإذا خنس عن نفسه و شاهده عدم إحساسه بآفات نفسه،و طاب له العيش،و تمّت له النّعمى، و تجلّت له البشرى،و وجد لذّة الحياة.(4:239)

الواحديّ: ساكتون متواضعون.(3:284)

البغويّ: الخشوع:قريب من الخضوع،إلاّ أنّ الخضوع في البدن،و الخشوع في القلب و البصر و الصّوت،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ طه:108.(3:356)

الميبديّ: الخشوع في الصّلاة غضّ الأطراف و ضبط السّرّ و تسكين الأطراف.[ثمّ ذكر بعض الأقوال المتقدّمة](6:416)

الزّمخشريّ: و كان الرّجل من العلماء إذا قام إلى الصّلاة هاب الرّحمن أن يشدّ بصره إلى شيء أو يحدّث نفسه بشأن من شأن الدّنيا.

و قيل:هو جمع الهمّة لها و الإعراض عمّا سواها.، و من الخشوع أن يستعمل الآداب فيتوقّى كفّ الثّوب و العبث بجسده و ثيابه و الالتفات و التّمطّي و التّثاؤب و التّغميض،و تغطية الفم و السّدل و الفرقعة و التّشبيك و الاختصار و تقليب الحصى.[إلى أن قال:]

فإن قلت:لم أضيفت الصّلاة إليهم؟قلت:لأنّ الصّلاة دائرة بين المصلّي و المصلّى له،فالمصلّي هو المنتفع بها وحده،و هي عدّته و ذخيرته فهي صلاته.

و أمّا المصلّى له فغنيّ متعال عن الحاجة إليها و الانتفاع بها.(3:25)

ابن العربيّ: الخشوع:هو الخضوع،و هو الإخبات،و الاستكانة،و هي ألفاظ مترادفة أو متقاربة أو متلازمة؛و قد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول في دعائه:

«خضع لك سوادي،و آمن بك فؤادي».

و حقيقته السّكون على حالة الإقبال الّتي تأهّب لها و احترم بها بالسّرّ في الضّمير،و بالجوارح في الظّاهر

ص: 60

الظّاهر؛فقد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لا يلتفت في صلاته خاشعا خاضعا.(3:1307)

ابن عطيّة: الخشوع:التّطامن و سكون الأعضاء و الوقار،و هذا إنّما يظهر ممّن في قلبه خوف و استكانة.

و روي أنّ سبب هذه الآية أنّ المسلمين كانوا يلتفتون في صلاتهم يمنة و يسرة فنزلت هذه الآية و أمروا أن يكون بصر المصلّي حذاء قبلته أو بين يديه، و في الحرم إلى الكعبة.(4:136)

مثله الثّعالبيّ.(2:417)

الطّبرسيّ: أي خاضعون،متواضعون،متذلّلون، لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم،و لا يلتفتون يمينا و لا شمالا.و روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته،فقال:«أما إنّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه»و في هذا دلالة على أنّ الخشوع في الصّلاة يكون بالقلب و بالجوارح.

فأمّا بالقلب فهو أن يفزع قلبه بجمع الهمّة لها، و الإعراض عمّا سواها،فلا يكون فيه غير العبادة و المعبود.

و أمّا بالجوارح فهو غضّ البصر،و الإقبال عليها، و ترك الالتفات و العبث.(4:99)

الفخر الرّازيّ: و اختلفوا في الخشوع،فمنهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف و الرّهبة،و منهم من جعله من أفعال الجوارح كالسّكون و ترك الالتفات، و منهم من جمع بين الأمرين و هو الأولى.

فالخاشع في صلاته لا بدّ و أن يحصل له ممّا يتعلّق بالقلب من الأفعال نهاية الخضوع و التّذلّل للمعبود، و من التّروك أن لا يكون ملتفت الخاطر إلى شيء سوى التّعظيم،و ممّا يتعلّق بالجوارح أن يكون ساكنا مطرقا ناظرا إلى موضع سجوده،و من التّروك أن لا يلتفت يمينا و لا شمالا،و لكنّ الخشوع الّذي يرى على الإنسان ليس إلاّ ما يتعلّق بالجوارح فإنّ ما يتعلّق بالقلب لا يرى.

قال الحسن و ابن سيرين:كان المسلمون يرفعون أبصارهم إلى السّماء في صلاتهم،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يفعل ذلك فلمّا نزلت هذه الآية طأطأ و كان لا يجاوز بصره مصلاّه.

فإن قيل:فهل تقولون:إنّ ذلك واجب في الصّلاة؟

قلنا:إنّه عندنا واجب و يدلّ عليه أمور:

أحدها:قوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها محمّد:24،و التّدبّر لا يتصوّر بدون الوقوف على المعنى،و كذا قوله تعالى: وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً المزّمّل:4،معناه قف على عجائبه و معانيه.

و ثانيها:قوله تعالى: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي طه:14،و ظاهر الأمر للوجوب،و الغفلة تضادّ الذّكر،فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيما للصّلاة لذكره.

و ثالثها:قوله تعالى: وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ الأعراف:205،و ظاهر النّهي للتّحريم.

و رابعها:قوله: حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ النّساء:

43،تعليل لنهي السّكران،و هو مطّرد في الغافل المستغرق المهتمّ بالدّنيا.

ص: 61

و خامسها:قوله عليه السّلام:«إنّما الخشوع لمن تمسكن و تواضع».و كلمة إنّما للحصر،و قوله عليه السّلام:«من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم يزدد من اللّه إلاّ بعدا»و صلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء،و قال عليه السّلام :«كم من قائم حظّه من قيامه التّعب و النّصب»و ما أراد به إلاّ الغافل،و قال أيضا:«ليس للعبد من صلاته إلاّ ما عقل».

و سادسها:قال الغزاليّ رحمه اللّه:المصلّي يناجي ربّه كما ورد به الخبر و الكلام مع الغفلة ليس بمناجاة البتّة.

و بيانه أنّ الإنسان إذا أدّى الزّكاة حال الغفلة فقد حصل المقصود منها على بعض الوجوه،و هو كسر الحرص و إغناء الفقير،و كذا الصّوم قاهر للقوى كاسر لسطوة الهوى الّتي هي عداوة اللّه تعالى.فلا يبعد أن يحصل منه مقصوده مع الغفلة،و كذا الحجّ أفعال شاقّة،و فيه من المجاهدة ما يحصل به الابتلاء سواء كان القلب حاضرا أو لم يكن.

أمّا الصّلاة فليس فيها إلاّ ذكر و قراءة و ركوع و سجود و قيام و قعود.

أمّا الذّكر فإنّه مناجاة مع اللّه تعالى،فإمّا أن يكون المقصود منه كونه مناجاة،أو المقصود مجرّد الحروف و الأصوات،و لا شكّ في فساد هذا القسم فإنّ تحريك اللّسان بالهذيان ليس فيه غرض صحيح.فثبت أنّ المقصود منه المناجاة و ذلك لا يتحقّق إلاّ إذا كان اللّسان معبّرا عمّا في القلب من التّضرّعات،فأيّ سؤال في قوله: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الفاتحة:

6،و كان القلب غافلا عنه؟

بل أقول:لو حلف إنسان،و قال:و اللّه لأشكرن فلانا و أثني عليه و أسأله حاجة.ثمّ جرت الألفاظ الدّالّة على هذه المعاني على لسانه في اليوم لم يبرّ في يمينه،و لو جرى على لسانه في ظلمة اللّيل،و ذلك الإنسان حاضر و هو لا يعرف حضوره و لا يراه،لا يصير بارّا في يمينه،و لا يكون كلامه خطابا معه ما لم يكن حاضرا بقلبه،و لو جرت هذه الكلمات على لسانه و هو حاضر في بياض النّهار إلاّ أنّ المتكلّم غافل لكونه مستغرق الهمّ بفكر من الأفكار،و لم يكن له قصد توجيه الخطاب عليه عند نطقه،لم يصر بارّا في يمينه.

و لا شكّ أنّ المقصود من القراءة الأذكار و الحمد و الثّناء و التّضرّع و الدّعاء و المخاطب هو اللّه تعالى، فإذا كان القلب محجوبا بحجاب الغفلة و كان غافلا عن جلال اللّه و كبريائه،ثمّ إنّ لسانه يتحرّك بحكم العادة فما أبعد ذلك عن القبول.

و أمّا الرّكوع و السّجود فالمقصود منهما التّعظيم، و لو جاز أن يكون تعظيما للّه تعالى مع أنّه غافل عنه، لجاز أن يكون تعظيما للصّنم الموضوع بين يديه و هو غافل عنه،و لأنّه إذا لم يحصل التّعظيم لم يبق إلاّ مجرّد حركة الظّهر و الرّأس،و ليس فيها من المشقّة ما يصير لأجله عمادا للدّين،و فاصلا بين الكفر و الإيمان، و يقدّم على الحجّ و الزّكاة و الجهاد و سائر الطّاعات الشّاقّة،و يجب القتل بسببه على الخصوص.

و بالجملة فكلّ عاقل يقطع بأنّ مشاهدة الخواصّ

ص: 62

العظيمة ليس أعمالها الظّاهرة إلاّ أن ينضاف إليها مقصود هذه المناجاة،فدلّت هذه الاعتبارات على أنّ الصّلاة لا بدّ فيها من الحضور.

و سابعها:أنّ الفقهاء اختلفوا فيما ينويه بالسّلام عند الجماعة و الانفراد،هل ينوي الحضور أو الغيبة و الحضور معا.فإذا احتيج إلى التّدبّر في معنى السّلام الّذي هو آخر الصّلاة فلأن يحتاج إلى التّدبّر في معنى التّكبير و التّسبيح الّتي هي الأشياء المقصودة من الصّلاة بالطّريق الأولى.

و احتجّ المخالف بأنّ اشتراط الخضوع و الخشوع على خلاف اجتماع الفقهاء فلا يلتفت إليه.

و الجواب:من وجوه:

أحدها:أنّ الحضور عندنا ليس شرطا للإجزاء، بل شرط للقبول.و المراد من الإجزاء:أن لا يجب القضاء،و المراد من القبول:حكم الثّواب.و الفقهاء إنّما يبحثون عن حكم الإجزاء لا عن حكم الثّواب، و غرضنا في هذا المقام هذا،و مثاله في الشّاهد من استعار منك ثوبا ثمّ ردّه على الوجه الأحسن،فقد خرج عن العهدة و استحقّ المدح،و من رماه إليك على وجه الاستخفاف خرج عن العهدة،و لكنّه استحقّ الذّمّ،كذا من عظّم اللّه تعالى حال أدائه العبادة صار مقيما للفرض مستحقّا للثّواب،و من استهان بها صار مقيما للفرض ظاهرا،لكنّه استحقّ الذّمّ.

و ثانيها:أنّا نمنع هذا الإجماع،أمّا المتكلّمون فقد اتّفقوا على أنّه لا بدّ من الحضور و الخشوع،و احتجّوا عليه بأنّ السّجود للّه تعالى طاعة و للصّنم كفر،و كلّ واحد منهما يماثل الآخر في ذاته و لوازمه،فلا بدّ من أمر لأجله صار السّجود في إحدى الصّورتين طاعة، و في الأخرى معصية،قالوا:و ما ذاك إلاّ القصد و الإرادة،و المراد من القصد:إيقاع تلك الأفعال لداعية الامتثال،و هذه الدّاعية لا يمكن حصولها إلاّ عند الحضور،فلهذا اتّفقوا على أنّه لا بدّ من الحضور.

أمّا الفقهاء فقد ذكر الفقيه أبو اللّيث رحمه اللّه في «تنبيه الغافلين»:أنّ تمام القراءة أن يقرأ بغير لحن و أن يقرأ بالتّفكّر.

و أمّا الغزاليّ رحمه اللّه فإنّه نقل عن أبي طالب المكّيّ عن بشر الحافي أنّه قال:من لم يخشع فسدت صلاته.

و عن الحسن رحمه اللّه:«كلّ صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع».

و عن معاذ بن جبل:«من عرف من على يمينه و شماله متعمّدا و هو في الصّلاة فلا صلاة له».

و روي أيضا مسندا قال عليه السّلام:«إنّ العبد ليصلّي الصّلاة لا يكتب له سدسها و لا عشرها،و إنّما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها».

و قال عبد الواحد بن زيد:أجمعت العلماء على أنّه ليس للعبد من صلاته إلاّ ما عقل،و ادّعى فيه الإجماع.

إذا ثبت هذا فنقول:هب أنّ الفقهاء بأسرهم حكموا بالجواز،أ ليس الأصوليّون و أهل الورع ضيّقوا الأمر فيها،فهلاّ أخذت بالاحتياط فإنّ بعض العلماء اختار الإمامة؟فقيل له في ذلك،فقال:أخاف

ص: 63

إن تركت الفاتحة أن يعاتبني الشّافعيّ،و إن قرأتها مع الإمام أن يعاتبني أبو حنيفة،فاخترت الإمامة طلبا للخلاص عن هذا الاختلاف،و اللّه أعلم.(23:77)

نحوه النّيسابوريّ.(18:6)

القرطبيّ: الخشوع محلّه القلب؛فإذا خشع خشعت الجوارح كلّها لخشوعه؛إذ هو ملكها..[إلى أن قال:]

اختلف النّاس في الخشوع،هل هو من فرائض الصّلاة أو من فضائلها و مكمّلاتها،على قولين.

و الصّحيح الأوّل،و محلّه القلب،و هو أوّل عمل يرفع من النّاس؛قاله عبادة بن الصّامت.(12:103)

نحوه أبو حيّان.(6:395)

البيضاويّ: خائفون من اللّه متذلّلون له،ملزمون أبصارهم مساجدهم.(2:102)

نحوه أبو السّعود(4:402)،و المشهديّ(6:579)

النّسفيّ: خائفون بالقلب،ساكنون بالجوارح.

[إلى أن قال:]

و عن أبي الدّرداء:هو إخلاص المقال و إعظام المقام و اليقين التّامّ،و جمع الاهتمام.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](3:113)

ابن جزيّ: الخشوع:حالة في القلب من الخوف و المراقبة و التّذلّل لعظمة المولى جلّ جلاله،ثمّ يظهر أثر ذلك على الجوارح بالسّكون،و الإقبال على الصّلاة و عدم الالتفات و البكاء و التّضرّع.

و قد عدّ بعض الفقهاء الخشوع في فرائض الصّلاة، لأنّه جعله بمعنى حضور القلب فيها،و قد جاء في الحديث:«لا يكتب للعبد من صلاته إلاّ ما عقل منها».

و الصّواب أنّ الخشوع أمر زائد على حضور القلب فقد يحضر القلب و لا يخشع.(3:48)

الشّربينيّ: [قال نحو الزّمخشريّ و النّيسابوريّ]

(2:57)

البروسويّ: في«التّأويلات النّجميّة»:خاشعون أي بالظّاهر و الباطن.

أمّا الظّاهر فخشوع الرّأس بانتكاسه،و خشوع العين بانغماضها عن الالتفات،و خشوع الأذن بالتّذلّل للاستماع،و خشوع اللّسان القراءة و الحضور و التّأنّى،و خشوع اليدين:وضع اليمين على الشّمال بالتّعظيم كالعبيد،و خشوع الظّهر:انحناؤه في الرّكوع مستويا،و خشوع الفرج:بنفي الخواطر الشّهوانيّة، و خشوع القدمين:بثباتهما على الموضع،و سكونهما عن الحركة.

و أمّا الباطن فخشوع النّفس:سكونها عن الخواطر و الهواجس،و خشوع القلب:بملازمة الذّكر و دوام الحضور،و خشوع السّرّ:بالمراقبة في ترك اللّحظات إلى المكوّنات،و خشوع الرّوح:استغراقه في بحر المحبّة و ذوبانه عند تجلّي صفة الجمال و الجلال.

(6:67)

الآلوسيّ: [نقل بعض الأقوال و أضاف:]

و في«المنهاج و شرحه»لابن حجر:و يسنّ الخشوع في كلّ صلاته بقلبه بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه،و إن تعلّق بالآخرة و بجوارحه بأن لا يعبث بأحدها.و ظاهر أنّ هذا مراد النّوويّ من الخشوع،

ص: 64

لأنّه سيذكر الأوّل بقوله:و يسنّ دخول الصّلاة بنشاط و فراغ قلب إلاّ أن يجعل ذلك سببا له،و لذا خصّه بحالة الدّخول.

و في الآية المراد كلّ منهما كما هو ظاهر أيضا، و كان سنّة لثناء اللّه تعالى في كتابه العزيز على فاعليه.

و لانتفاء ثواب الصّلاة بانتفائه،كما دلّت عليه الأحاديث الصّحيحة،و لأنّ لنا وجها اختاره جمع أنّه شرط للصّحّة،لكن في البعض،فيكره الاسترسال مع حديث النّفس و العبث،كتسوية ردائه أو عمامته لغير ضرورة،من تحصيل سنّة أو دفع مضرّة،و قيل:يحرم انتهى.و للإمام في هذا المقام كلام طويل من أراده فليرجع إليه.

و تقديم الظّرف قيل:لرعاية الفواصل،و قيل:

ليقرب ذكر الصّلاة من ذكر الإيمان فإنّهما أخوان،و قد جاء إطلاق الإيمان عليها في قوله تعالى: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ البقرة:143.

و قيل:للحصر على معنى الّذين هم في جميع صلاتهم دون بعضها خاشعون.و في تقديم وصفهم بالخشوع في الصّلاة على سائر ما يذكر بعد،ما لا يخفى من التّنويه بشأن الخشوع.و جاء أنّ الخشوع أوّل ما يرفع من النّاس.ففي خبر رواه الحاكم و صحّحه:أنّ عبادة بن الصّامت قال:يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيه رجلا خاشعا.(18:4)

طنطاوي:[نحو ابن عبّاس و أضاف:]

و هم يجمعون الهمّة و يعرضون عمّا سوى اللّه بقلوبهم،و يتدبّرون فيما يجري على ألسنتهم من القراءة و الذّكر،فهم على ذلك لا يفرقعون أصابعهم و لا يعبثون فيها.و من لوازم جمع الهمّة و تدبّر القراءة أن لا يعرف من على يمينه و لا من على شماله.(11:96)

سيّد قطب :تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصّلاة بين يدي اللّه فتسكن و تخشع،فيسري الخشوع منها إلى الجوارح و الملامح و الحركات.و يغشى أرواحهم جلال اللّه في حضرته،فتختفي من أذهانهم جميع الشّواغل،و لا تشتغل بسواه،و هم مستغرقون في الشّعور به،مشغولون بنجواه.و يتوارى عن حسّهم في تلك الحضرة القدسيّة كلّ ما حولهم،و كلّ ما بهم،فلا يشهدون إلاّ اللّه،و لا يحسّون إلاّ إيّاه،و لا يتذوّقون إلاّ معناه.و يتطهّر وجدانهم من كلّ دنس،و ينفضون عنهم كلّ شائبة؛فما يضمّون جوانحهم على شيء من هذا مع جلال اللّه.

عندئذ تتّصل الذّرّة التّائهة بمصدرها،و تجد الرّوح الحائرة طريقها،و يعرف القلب الموحش مثواه.

و عندئذ تتضاءل القيم و الأشياء و الأشخاص إلاّ ما يتّصل منها باللّه.(4:2454)

ابن عاشور :و هو خوف يوجب تعظيم المخوف منه،و لا شكّ أنّ الخشوع،أي الخشوع للّه،يقتضي التّقوى فهو سبب فلاح.

و تقييده هنا بكونه في الصّلاة لقصد الجمع بين وصفهم بأداء الصّلاة و بالخشوع،و خاصّة إذا كان في حال الصّلاة لأنّ الخشوع للّه يكون في حالة الصّلاة و في غيرها،إذ الخشوع محلّه القلب فليس من أفعال الصّلاة و لكنّه يتلبّس به المصلّي في حالة صلاته.

ص: 65

و ذكر مع الصّلاة لأنّ الصّلاة أولى الحالات بإثارة الخشوع و قوّته،و لذلك قدّمت،و لأنّه بالصّلاة أعلق، فإنّ الصّلاة خشوع للّه تعالى و خضوع له،و لأنّ الخشوع لمّا كان للّه تعالى كان أولى الأحوال به حال الصّلاة لأنّ المصلّي يناجي ربّه فيشعر نفسه أنّه بين يدي ربّه فيخشع له.و هذا من آداب المعاملة مع الخالق تعالى،و هي رأس الآداب الشّرعيّة و مصدر الخيرات كلّها.

و لهذا الاعتبار قدّم هذا الوصف على بقيّة أوصاف المؤمنين،و جعل مواليا للإيمان،فقد حصل الثّناء عليهم بوصفين.(18:8)

مغنيّة:الخشوع و الخضوع:ضدّ الاستعلاء و الكبرياء،قال تعالى: خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ الشّورى:

45.و الخشوع في الصّلاة نتيجة اليقين باللّه و الخوف من عذابه،و الصّلاة بلا يقين ليست بشيء قال الإمام عليّ عليه السّلام:«نوم على يقين خير من صلاة في شكّ».

(5:358)

الطّباطبائيّ: الخشوع تأثّر خاصّ من المقهور قبال القاهر،بحيث ينقطع عن غيره بالتّوجّه إليه.

و الظّاهر أنّه من صفات القلب،ثمّ ينسب إلى الجوارح أو غيرها بنوع من العناية،كقوله صلّى اللّه عليه و آله-على ما روي-فيمن يعبث بلحيته في الصّلاة:«أما إنّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه».و قوله تعالى:

وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ طه:108.

و الخشوع بهذا المعنى جامع لجميع المعاني الّتي فسّر بها الخشوع في الآية،كقول بعضهم:هو الخوف و سكون الجوارح،و قول آخرين:غضّ البصر و خفض الجناح،أو تنكيس الرّأس،أو عدم الالتفات يمينا و شمالا أو إعظام المقام و جمع الاهتمام،أو التّذلّل، إلى غير ذلك.(15:6)

عبد الكريم الخطيب :و من صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين،أنّهم في صلاتهم خاشعون،أي يؤدّون صلاتهم في خشوع و خشية و ولاء.إنّها صلاة تفيض من قلب خاشع لجلال اللّه،راهب لعظمته، فكيان المؤمن كلّه،و وجدانه جميعه،و هو قائم في محراب الصّلاة،مشتمل عليه هذا الجلال،مستولية عليه تلك الرّهبة.

و من أجل هذا كان لتلك الصّلاة الخاشعة الضّارعة أثرها العظيم،في إيقاظ مشاعر الخير في المصلّين،و في تصفية أنفسهم من وسواس السّوء.

(9:1111)

مكارم الشّيرازيّ: خاشِعُونَ مشتقّة من خشوع،بمعنى التّواضع و حالة التّأدّب يتّخذها الإنسان جسما و روحا بين يدي شخصيّة كبيرة،أو حقيقة مهمّة تظهر في الإنسان و تبدو علاماتها على ظاهر جسمه.

و القرآن اعتبر الخشوع صفة المؤمنين،و ليس إقامة الصّلاة،إشارة منه إلى أنّ الصّلاة ليست مجرّد ألفاظ و حركات لا روح فيها و لا معنى،و إنّما تظهر في المؤمن حين إقامة الصّلاة حالة توجّه إلى اللّه، تفصله عن الغير و تلحقه بالخالق،و يغوص في ارتباط مع اللّه،و يدعوه بتضرّع في حالة تسود جسمه كلّه،

ص: 66

فيرى نفسه ذرّة إزاء الوجود المطلق لذات اللّه،و قطرة في محيط لا نهاية له.

و إنّ لحظات هذه الصّلاة درسا للمؤمنين في بناء ذاته و تربيتها،و وسيلة لتهذيب نفسه و سموّ روحه.

و قد جاء في حديث عن الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله حين شاهد رجلا يلهو بلحيته و هو يصلّي قوله:«أما لو خشع قلبه لخشعت جوارحه»إشارة منه صلّى اللّه عليه و آله إلى أنّ الخشوع الباطنيّ يؤثّر في ظاهر الإنسان.و كان كبار قادة المسلمين يؤدّون صلاتهم بخشوع حتّى تحسبهم في عالم آخر،يذوبون في اللّه؛حيث نقرأ عنهم في حديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّه كان يرفع بصره إلى السّماء في صلاته،فلمّا نزلت الآية طأطأ رأسه و رمى ببصره إلى الأرض».(10:373)

فضل اللّه :الصّلاة ليست مجرّد عمل عباديّ يتجسّد في حركات محدّدة يؤدّيها المؤمنون،بل هي حالة تعبيريّة عن الذّوبان في معنى العبوديّة، و الاستغراق في الإحساس بعظمة اللّه،و رحلة روحيّة تلتقي فيها روح الإنسان باللّه عند ما تعرج إليه من خلال الكلمات الّتي يقولها،أو الأعمال الّتي يقوم بها،و لا تجسيد لذلك إلاّ في أجواء الخشوع،الّذي يحمل سرّ الصّلاة في معناها العباديّ؛و لهذا كان الثّواب للمصلّي،بمقدار خشوعه في قلبه،و إقباله على ربّه.

إنّ الصّلاة هي التّعبير الحيّ عن الإيمان العميق بالتّوحيد للّه،فلا بدّ من أن يخشع الإنسان فيها أمامه بكلّ كيانه.(16:133)

خاشعين

1- وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ خاشِعِينَ لِلّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً...

آل عمران:199

ابن عبّاس: متواضعين ذليلين للّه في الطّاعة.

(64)

الحسن :الخشوع:الخوف اللاّزم للقلب من اللّه.

(الطّوسيّ 3:94)

ابن زيد :الخاشع:المتذلّل الخائف.

(الطّبريّ 3:560)

الفرّاء: يؤمنون به خاشعين.(1:251)

الطّبريّ: خاضعين للّه بالطّاعة،مستكينين له بها متذلّلين.[إلى أن قال:]

و نصب قوله: خاشِعِينَ لِلّهِ على الحال،من قوله: لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ و هو حال ممّا في يُؤْمِنُ من ذكر(من).(3:561)

نحوه الثّعلبيّ(3:238)،و الطّوسيّ(3:94)، و الطّبرسيّ(1:561)،و الآلوسيّ(4:174).

الزّجّاج: أي من عند أهل الكتاب من يؤمن خاشعا للّه.(1:501)

البغويّ: خاضعين متواضعين للّه.(1:559)

نحوه الميبديّ.(2:393)

الزّمخشريّ: حال من فاعل يُؤْمِنُ لأنّ لَمَنْ يُؤْمِنُ في معنى الجمع.(1:491)

نحوه ابن عطيّة(1:559)،و الفخر الرّازيّ(9:

154)،و القرطبيّ(4:322)،و البيضاويّ(1:201)،

ص: 67

و النّسفيّ(1:203)،و النّيسابوريّ(4:157)، و الشّربينيّ(1:277)،و أبو السّعود(2:90) و المشهديّ(2:329)،و طنطاوي(2:198).

ابن عربيّ: قابلين لتجلّي الذّات.(1:245)

الخازن :يعني خاضعين للّه،متواضعين له غير مستكبرين.(1:394).

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:حال من الضّمير في(اليهم)و العامل فيها (انزل.)و قيل:حال من الضّمير في لا يَشْتَرُونَ.

و هما قولان ضعيفان.

و من جعل(من)نكرة موصوفة،يجوّز أن يكون خاشِعِينَ و لا يَشْتَرُونَ صفتين للنّكرة.و جمع خاشِعِينَ على معنى«من»كما جمع في وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ. و حمل أوّلا على اللّفظ في قوله: يُؤْمِنُ، فأفرد.و إذا اجتمع الحملان،فالأولى أن يبدأ بالحمل على اللّفظ،و أتى في الآية بلفظ(يؤمن)دون«آمن»، -و إن كان إيمان من نزل فيهم قد وقع-إشارة إلى الدّيمومة و الاستمرار و وصفهم بالخشوع-و هو التّذلّل و الخضوع-المنافي للتّعاظم و الاستكبار،كما قال تعالى: وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ المائدة:82.(3:148)

السّمين:فيه أربعة أوجه:

أحدها:أنّه حال من الضّمير في يُؤْمِنُ، و جمعه حملا على معنى(من)كما جمع في قوله:

(اليهم)،و بدأ بالحمل على اللّفظ في يُؤْمِنُ على الحمل على المعنى لأنّه الأولى.

الثّاني:أنّه حال من الضّمير في(اليهم)،فالعامل فيه(انزل).

الثّالث:أنّه حال من الضّمير في(يشترون)، و تقديم(ما)في حيّز(لا)عليها جائز على الصّحيح.

و تقدّم شيء من ذلك في الفاتحة.

الرّابع:أنّه صفة ل(من)إذا قيل بأنّها نكرة موصوفة،و أمّا الأوجه فجائزة سواء كانت موصولة أو نكرة موصوفة.(2:293)

البروسويّ: أي متواضعين له من خوف عذابه و رجاء ثوابه،و هو حال من فاعل(يؤمن)لأنّ(من) في معنى الجمع.(2:156)

القاسميّ: و إنّهم خاشعون للّه،أي مطيعون له خاضعون متذلّلون بين يديه.(4:1076)

المراغيّ: الخشوع و هو الثّمرة للإيمان الصّحيح، فإنّ الخشوع أثر خشية اللّه في القلب،و منه تفيض على الجوارح و المشاعر؛فيخشع البصر بالانكسار،و يخشع الصّوت بالخفوت و التّهدّج.(4:170)

مكارم الشّيرازيّ: أي إنّهم مسلمون لأمر اللّه و خاضعون لإرادته،و هذا التّسليم و الخضوع هو السّبب الحقيقيّ لإيمانهم،و هو الّذي فرّق بينهم و بين العصبيّات الحمقاء،و حرّرهم من التّعنّت و الاستكبار تجاه منطق الحقّ.(3:62)

فضل اللّه :(خاشعين):خاضعين.و أصل الخشوع:السّهولة،من قولهم:الخشعة،و هي السّهولة، في الرّمل كالرّبوة،و الخاشع من الأرض:الّذي لا يهتدي،لأنّ الرّمل يغطّي آثاره،و الخاشع:الخاضع ببصره،و الخضوع:هو التّذلّل خلاف التّعصّب.[إلى

ص: 68

أن قال:]

فقد كانوا يطلبون الوصول إلى الحقّ،و لكن الطّريق مسدودة أمامهم في ما يعيشونه و يلتقون به من حواجز مادّيّة و معنويّة.إلاّ أنّهم استطاعوا تحطيم تلك الحواجز و خشعوا للّه،فخضعوا للحقّ الواحد الّذي أوحى به اللّه في رسالاته،و رفضوا كلّ الحسّاسيّات السّلبيّة الّتي تحول بينهم و بين الإيمان.(6:467،471)

2- ...وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ.

الأنبياء:90

ابن عبّاس: متواضعين مطيعين.(275)

نحوه الثّعلبيّ: (6:305)،و البغويّ(3:315).

مجاهد :الخشوع،هو الخوف اللاّزم في القلب.

(البغويّ 3:315)

نحوه زيد بن عليّ.(279)

الضّحّاك: راغبين راهبين.(الماورديّ 3:469)

قتادة :ذللا لأمر اللّه.(البغويّ 3:315)

مثله الحسن.(الزّمخشريّ 2:582)

الطّبريّ: يقول:و كانوا لنا متواضعين متذلّلين،و لا يستكبرون عن عبادتنا و دعائنا.(9:80)

نحوه المراغيّ.(17:66)

الماورديّ: إنّه وضع اليمنى على اليسرى و النّظر إلى موضع السّجود في الصّلاة.(3:468)

القشيريّ: الخشوع:قشعريرة القلب عند اطّلاع الرّبّ،و كان لهم ذلك على الدّوام.(4:193)

الميبديّ: متواضعين خائفين.(6:303)

الزّمخشريّ: الخشوع:الخوف الدّائم في القلب.

و سئل الأعمش،فقال:أمّا أنّي سألت إبراهيم،فقال:

أ لا تدري؟قلت:أفدني،قال:بينه و بين اللّه إذا أرخى ستره و أغلق بابه فلير اللّه منه خيرا،لعلّك ترى أنّه أن يأكل خشنا و يلبس خشنا و يطأطئ رأسه.

(2:582)

ابن عطيّة: الخشوع:التّذلّل بالبدن المتركّب على التّذلّل بالقلب.(4:98)

الطّبرسيّ: قيل:الخشوع:المخافة الثّابتة في القلب عن الحسن.و قيل:معناه أنّهم قالوا حال النّعمة:

اللّهمّ لا تجعلها استدراجا،و حال السّيّئة:اللّهمّ لا تجعلها عقوبة بذنب سلف منّا.(4:61)

الفخر الرّازيّ: الخشوع و هو المخافة الثّابتة في القلب،فيكون الخاشع هو الحذر الّذي لا ينبسط في الأمور خوفا من الإثم.(22:218)

مثله الخازن.(4:259)

ابن عربيّ: كانُوا لَنا خاشِعِينَ بالنّفوس.

(2:89)

البيضاويّ: مخبتين أو دائمي الوجل،و المعنى أنّهم نالوا من اللّه ما نالوا بهذه الخصال.(2:80)

نحوه أبو السّعود(4:355)،و الكاشانيّ(3:

354)،و المشهديّ(6:436)،و الآلوسيّ(17:88).

النّيسابوريّ: و في تقديم الجارّ و المجرور على «الخاشعين»إشارة إلى أنّهم لا يخشعون أحدا إلاّ اللّه.

(17:58)

الشّربينيّ: أي خائفين خوفا عظيما يحملهم على

ص: 69

الخضوع و الانكسار.(2:528)

البروسويّ: عابدين في تواضع و ضراعة و أكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح،و لكن شأن الأنبياء أعلى من[أن]يكون حالهم منحصرا في الظّاهر،فلهم خشوع كامل في القلب و القالب جميعا، و أكل العبد خشنا و اللّبس خشنا و طأطأة الرّأس و نحوها من غير أن يكون في قلبه الإخلاص و الخوف من اللّه تعالى،صفة المرائي و المتصنّع.

و المعنى:أنّهم نالوا من اللّه ما نالوا بسبب اتّصافهم بهذه الخصال الحميدة،فليفعل من أراد الإجابة إلى مطلوبه مثل ما فعلوا،و ليتخلّق بتلك الأخلاق.

(5:520)

شبّر:خاضعين أو ثابتي الخوف،و بهذه الخصال استحقّوا ما منحناهم.(4:214)

سيّد قطب : وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ لا متكبّرين و لا متجبّرين.(4:2395)

مغنيّة:كلّهم كانوا منقادين له في كلّ شيء.

(5:296)

ابن عاشور :الخشوع:خوف القلب بالتّفكّر دون اضطراب الأعضاء الظّاهرة.(17:100)

الطّباطبائيّ: الخشوع:هو تأثّر القلب من مشاهدة العظمة و الكبرياء.(14:316)

فضل اللّه : وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ في رهافة الحسّ الإيمانيّ في حياتهم،و في عمق الشّعور الرّوحيّ في ذواتهم،و في انسحاقهم أمام عظمة اللّه،الّتي يتمثّلونها في أفكارهم و قلوبهم.(15:262)

الخاشعين

وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ. البقرة:45

ابن عبّاس: المتواضعين.(8)

مثله مقاتل بن حيّان(الثّعلبي 1:189)،و مقاتل ابن سليمان(1:102).

المصلّين.(الثّعلبيّ 1:189)

يعني المصدّقين بما أنزل اللّه.(الطّبريّ 1:299)

الحسن :الخائفين.الثّعلبيّ(1:189)

مثله أبو العالية.(الطّبريّ 1:300)

الورّاق:العابدين المطيعين.(الثّعلبيّ 1:189)

الإمام عليّ عليه السّلام:الخشوع في القلب و أن تلين كفّيك للمرء المسلم،و ألاّ تلتفت في صلاتك.

(القرطبيّ 1:375)

مجاهد :المؤمنين حقّا.(الطّبريّ 1:300)

قتادة :الخشوع في القلب و هو الخوف و غضّ البصر في الصّلاة.(القرطبيّ 1:375)

زيد بن عليّ: الخائفين المتواضعين.(126)

ابن زيد :الخشوع:الخوف و الخشية للّه،و قرأ قول اللّه: خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ الشّورى:45،قال:قد أذلّهم الخوف الّذي نزل بهم،و خشعوا له.

(الطّبريّ 1:300)

أبو عبيدة :المخبتون المتواضعون.(1:39)

الطّبريّ: إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ إلاّ على الخاضعين لطاعته،الخائفين سطواته،المصدّقين بوعده و وعيده.[إلى أن قال:]

ص: 70

و أصل الخشوع:التّواضع و التّذلّل و الاستكانة.

[ثمّ استشهد بشعر]

فمعنى الآية:و استعينوا أيّها الأحبار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم على طاعة اللّه،و كفّها عن معاصي اللّه،و بإقامة الصّلاة المانعة من الفحشاء و المنكر،المقرّبة من مراضي اللّه،العظيمة إقامتها إلاّ على المتواضعين للّه المستكينين لطاعته،المتذلّلين من مخافته.(1:299)

الزّجّاج: الخاشع:المتواضع المطيع المجيب،لأنّ المتواضع لا يبالي برئاسة كانت له مع كفر إذا انتقل إلى الإيمان.(1:125)

الخاشع:الّذي يرى أثر الذّلّ و الخنوع عليه، و كخشوع الدّار بعد الإقواء،هذا هو الأصل.[ثمّ استشهد بشعر](الثّعلبيّ 1:189)

الثّعلبيّ: يعني المؤمنين.(1:189)

الماورديّ: ففيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:يعني:و إنّ الصّلاة لثقيلة إلاّ على المؤمنين،لعود الكناية إلى مؤنّث اللّفظ.

و الثّاني:يعني:الصّبر و الصّلاة،فأرادهما،و إن عادة الكناية إلى الصّلاة،لأنّها أقرب مذكور.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّالث:و إنّ إجابة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم لشديدة إلاّ على الخاشعين.

و الخشوع في اللّه:التّواضع،و نظيره الخضوع.و قيل:

إنّ الخضوع في البدن،و الخشوع في الصّوت و البصر.

(1:115)

البغويّ: [نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

و قيل:المطيعين.و أصل الخشوع:السّكون،قال اللّه تعالى: وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ طه:108، فالخاشع ساكن إلى طاعة اللّه تعالى.(1:112)

نحوه الواحديّ(1:131)،و الخازن(1:47).

الميبديّ: أي الخائفين المؤمنين حقّا.(1:173)

الزّمخشريّ: الخشوع:الإخبات و التّضامن، و منه الخشعة للرّملة المتطامنة.(1:278)

ابن عطيّة: الخاشعون:المتواضعون المخبتون.

و الخشوع:هيئة في النّفس يظهر منها على الجوارح سكون و تواضع.(1:137)

الطّبرسيّ: أي على المتواضعين للّه تعالى،فإنّهم قد وطّنوا أنفسهم على فعلها،و عوّدوها إيّاها فلا يثقل عليهم،و أيضا فإنّ المتواضع لا يبالي بزوال الرّئاسة إذا حصل له الإيمان.و قال مجاهد:أراد ب(الخاشعين):

المؤمنين،فإنّهم إذا علموا ما يحصل لهم من الثّواب بفعلها لم يثقل عليهم ذلك،كما أنّ الإنسان يتجرّع مرارة الدّواء لما يرجو به من نيل الشّفاء.

و قال الحسن:أراد ب(الخاشعين):الخائفين.

(1:100)

ابن عربيّ: إلاّ على الخاشعين المنكسرة اللّينة قلوبهم،لقبول أنوار التّجلّيات اللّطيفة،و استيلاء سطوات التّجلّيات القهريّة.(1:45)

القرطبيّ: [نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]

قال سهل بن عبد اللّه:لا يكون خاشعا حتّى تخشع كلّ شعرة على جسده،لقول اللّه تبارك و تعالى:

ص: 71

تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ الزّمر:23.

قلت:هذا هو الخشوع المحمود،لأنّ الخوف إذا سكّن القلب أوجب خشوع الظّاهر فلا يملك صاحبه دفعه،فتراه مطرقا متأدّبا متذلّلا.و قد كان السّلف يجتهدون في ستر ما يظهر من ذلك.و أمّا المذموم فتكلّفه و التّباكي و مطأطأة الرّأس كما يفعله الجهّال،ليروا بعين البرّ و الإجلال،و ذلك خدع من الشّيطان، و تسويل من نفس الإنسان.(1:375)

البيضاويّ: أي المخبتين،و الخشوع:الإخبات، و منه الخشعة للرّملة المتطامنة،و الخضوع:اللّين و الانقياد،و لذلك يقال:الخشوع بالجوارح،و الخضوع بالقلب.(1:54)

النّيسابوريّ: الخشوع و الخضوع أخوان،و هما التّطامن و التّواضع،و منه«الخشعة»للأكمة المتواضعة.

و في الحديث:«كانت الأرض خشعة على الماء ثمّ دحيت».(1:302)

أبو حيّان : إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ استثناء مفرّغ، لأنّ المعنى:و إنّها لكبيرة على كلّ أحد إلاّ على الخاشعين،و هم المتواضعون المستكينون.و إنّما لم تشقّ على الخاشعين،لأنّها منطوية على أوصاف هم متحلّون بها،لخشوعهم من القيام للّه و الرّكوع له و السّجود له،و الرّجاء لما عنده من الثّواب.فلمّا كان مآل أعمالهم إلى السّعادة الأبديّة سهل عليهم ما صعب على غيرهم من المنافقين و المرائين بأعمالهم،الّذين لا يرجون لها نفعا.(1:185)

السّمين:قوله: إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ استثناء مفرّغ،و جاز ذلك و إن كان الكلام مثبتا،لأنّه في قوّة المنفيّ،أي لا تسهل و لا تخفّ إلاّ على هؤلاء، ف عَلَى الْخاشِعِينَ متعلّق ب(كبيرة)نحو«كبر عليّ هذا»أي عظم و شقّ.[ثمّ ذكر نحو النّيسابوريّ و أضاف:]

و فرّق بعضهم بين الخضوع و الخشوع،فقال:

الخضوع:في البدن خاصّة،و الخشوع:في البدن و الصّوت و البصر،فهو أعمّ منه.(1:212)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و البيضاويّ و أضاف:]

و إنّما لم تثقل عليهم،لأنّهم يتوقّعون ما أعدّ لهم بمقابلتها فتهون عليهم،و لأنّهم يستغرقون في مناجاة ربّهم فلا يدركون ما يجري عليهم من المشاقّ و المتاعب،و لذلك قال عليه السّلام:«و جعل قرّة عيني في الصّلاة».و الجملة حاليّة أو اعتراض تذييليّ.

(1:131)

نحوه البروسويّ.(1:125)

الكاشانيّ: الخائفين عقاب اللّه في مخالفته في أعظم فرائضه؛و ذلك لأنّ نفوسهم مرتاضة بأمثالها،متوقّعة في مقابلتها،ما يستخفّ لأجله مشاقّها،و يستلذّ بسببه متاعبها،كما قال نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله:«جعلت قرّة عيني في الصّلاة»و كان يقول:«روّحنا أو أرحنا يا بلال».

(1:111)

نحوه البحرانيّ(1:376)،و شبّر(1:95).

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

ص: 72

و لذلك قيل:من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل،و من أيقن بالخلف جاد بالعطيّة.(1:249)

ابن عاشور :أي الّذين اتّصفوا بالخشوع.

و الخشوع لغة:هو الانزواء و الانخفاض.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو مجاز في خشوع النّفس،و هو سكون و انقباض عن التّوجّه إلى الإباية أو العصيان.

و المراد بالخاشع هنا:الّذي ذلّل نفسه و كسر سورتها و عوّدها أن تطمئنّ إلى أمر اللّه،و تطلب حسن العواقب،و أن لا تغترّ بما تزيّنه الشّهوة الحاضرة،فهذا الّذي كانت تلك صفته،قد استعدّت نفسه لقبول الخير.

و كأنّ المراد ب اَلْخاشِعِينَ هنا:الخائفون النّاظرون في العواقب،فتخفّ عليهم الاستعانة بالصّبر و الصّلاة،مع ما في الصّبر من القمع للنّفس،و ما في الصّلاة،من التزام أوقات معيّنة و طهارة في أوقات قد يكون للعبد فيها اشتغال بما يهوى أو بما يحصّل منه مالا أو لذّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحسب أنّ مشروعيّة أحكام كثيرة قصد الشّارع منها هذا المعنى،و أعظمها،الصّوم.

و لا يصحّ حمل الخشوع هنا على خصوص الخشوع في الصّلاة،بسبب الحال الحاصل في النّفس باستشعار العبد الوقوف بين يدي اللّه تعالى،حسبما شرحه ابن رشد في أوّل مسألة من كتاب الصّلاة.

الأوّل:من«البيان و التّحصيل»و هو المعنى المشار إليه بقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ المؤمنون:1،2،فإنّ ذلك كلّه من صفات الصّلاة و كمال المصلّي،فلا يصحّ كونه هو المخفّف لكلفة الصّلاة على المستعين بالصّلاة،كما لا يخفى.

و قد وصف تعالى: اَلْخاشِعِينَ بأنّهم الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربّهم و أنّهم إليه راجعون،و هي صلة،لها مزيد اتّصال بمعنى الخشوع،ففيها معنى التّفسير للخاشعين،و معنى بيان منشإ خشوعهم.

(1:464)

الطّباطبائيّ: الضّمير في(انّها)راجع إلى الصّلاة.

و أمّا إرجاعه إلى الاستعانة لتضمّن قوله: اِسْتَعِينُوا ذلك،فينافيه ظاهرا قوله: إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ فإنّ الخشوع لا يلائم الصّبر كثير ملائمة،و الفرق بين الخشوع و الخضوع-مع أنّ في كليهما معنى التّذلّل و الانكسار-أنّ الخضوع مختصّ بالجوارح،و الخشوع بالقلب.(1:152)

نحوه فضل اللّه.(2:21)

عبد الكريم الخطيب :الضّمير هنا يعود على الصّلاة،و إنّها لكبيرة-أي ثقيلة-إلاّ على ذوي القلوب المتفتّحة للخير،المتقبّلة له،أمّا ذوو القلوب القاسية المتحجّرة،الّتي لا تنضح بخير،فأمرها ثقيل عليهم،لا يأتونها-إن أتوها-إلاّ في تكاسل و فتور، أو في تكرّه و تبرّم.

و الّذي يفيض على القلب الخشية و الخشوع،هو الإيمان باللّه،و بلقاء اللّه يوم الجزاء في الآخرة،فذلك هو الّذي يثبّت خطو المؤمن على طريق الإيمان،و يعينه

ص: 73

على أداء الطّاعات و العبادات.(1:80)

2- وَ الصّابِرِينَ وَ الصّابِراتِ وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ...

الأحزاب:35

ابن عبّاس: وَ الْخاشِعِينَ :المتواضعين من الرّجال. وَ الْخاشِعاتِ :المتواضعات من النّساء.

(354)

سعيد بن جبير: اَلْخاشِعِينَ :المتواضعين للّه في الصّلاة،من لا يعرف من عن يمينه و لا من عن يساره، و لا يلتفت من الخشوع للّه وَ الْخاشِعاتِ :

المتواضعات من النّساء.(الدّرّ المنثور 6:609)

عطاء بن أبي رباح:و من صلّى فلم يعرف من عن يمينه و يساره فهو داخل في قوله: وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ. (الميبديّ 8:46)

قتادة :الخائفين و الخائفات.

مثله يحيى بن سلاّم.(الماورديّ 4:403)

الكلبيّ: المصلّين و المصلّيات.(الماورديّ 4:403)

الطّبريّ: الخاشعة قلوبهم للّه وجلا منه و من عقابه.(10:299)

الطّوسيّ: اَلْخاشِعِينَ يعني المتواضعين غير المتكبّرين. وَ الْخاشِعاتِ :مثل ذلك.(8:341)

القشيريّ: إطراق السّريرة عند بواده الحقيقة.

(5:162)

الواحديّ: وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ في الصّلاة.(3:471)

البغويّ: قيل:أراد به الخشوع في الصّلاة،و من الخشوع أن لا يلتفت.(3:640)

نحوه الخازن.(5:214)

الزّمخشريّ: الخاشع:المتواضع للّه بقلبه و جوارحه.(3:261)

نحوه البيضاويّ(2:245)،و النّسفيّ(3:303)، و الشّربينيّ(3:247)،و أبو السّعود(5:226)، و الكاشانيّ(4:190)،و المشهديّ(8:167)،و شبّر (5:146)،و الآلوسيّ(22:21).

الفخر الرّازيّ: ...ثمّ إنّه إذا كمل و كمل قد يفتخر بنفسه و يعجب بعبادته،فمنعه بقوله:

وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ أو نقول:لمّا ذكر هذه الحسنات أشار إلى ما يمنع منها،و هو إمّا حبّ الجاه أو حبّ المال من الأمور الخارجيّة،أو الشّهوة من الأمور الدّاخلة،و الغضب منهما يكون،لأنّه يكون بسبب نقص جاه،أو فوت مال،أو منع من أمر مشتهى، فقوله: وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ، أي المتواضعين الّذين لا يميلهم الجاه عن العبادة.(25:210)

القرطبيّ: الخاشع:الخائف للّه.(14:185)

النّيسابوريّ: فيه إشارة إلى الصّلاة،لأنّ الخشوع من لوازمها.(21:12)

ابن كثير :الخشوع:السّكون و الطّمأنينة،و التّؤدة و الوقار،و التّواضع،و الحامل عليه الخوف من اللّه تعالى و مراقبته،كما في الحديث:«أعبد اللّه كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».(5:461)

نحوه القاسميّ.(13:486)

ص: 74

الشّوكانيّ: الخاشع و الخاشعة هما:المتواضعان للّه ،الخائفان منه،الخاضعان في عباداتهم للّه.(4:353)

سيّد قطب :الخشوع:صفة القلب و الجوارح الدّالّة على تأثّر القلب بجلال اللّه،و استشعار هيبته و تقواه.(5:2863)

ابن عاشور :أهل الخشوع،و هو الخضوع للّه و الخوف منه،و هو يرجع إلى معنى الإخلاص بالقلب فيما يعمله المكلّف،و مطابقة ذلك لما يظهر من آثاره على صاحبه،و المراد:الخشوع للّه بالقلب و الجوارح.

(21:252)

الطّباطبائيّ: الخشوع:تذلّل باطنيّ بالقلب،كما أنّ الخضوع تذلّل ظاهريّ بالجوارح.(16:314)

عبد الكريم الخطيب :الخشوع:-و هو الولاء للّه، و الامتثال لأمره-هو أوّل ما تفتّح من زهر بيد الصّبر.

(11:712)

مكارم الشّيرازيّ: نحن نعلم أنّ أحد أسوإ الآفات الأخلاقيّة هو الكبر و الغرور و حبّ الجاه، و النّقطة الّتي تقع في مقابله هي الخشوع،لذلك كانت الصّفة السّادسة وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ.

(13:231)

فضل اللّه :الّذين عرفوا للّه في آفاق عظمته، و انفتحوا على حاجاتهم إليه في مواضع نعمته،فعاشوا الخشوع في عقولهم،و امتدّ معهم في قلوبهم،و تحوّل إلى هزّة روحيّة خاضعة خاشعة في مشاعرهم،و في حركات أجسادهم.(18:308)

خشّعا

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ* خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ.

القمر:6،7

قتادة :ذليلة أبصارهم.(الطّبريّ 11:549)

الطّبريّ: يقول:ذليلة،أبصارهم خاشعة،لا ضرر بها.[إلى أن قال:]

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة و بعض المكّيّين و الكوفيّين خُشَّعاً بضمّ الخاء و تشديد الشّين بمعنى خاشع،و قرأ عامّة قرّاء الكوفة و بعض البصريّين (خاشعا ابصارهم) بالألف على التّوحيد،اعتبارا بقراءة عبد اللّه؛و ذلك أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه (خاشعة ابصارهم) ،و ألحقوه و هو بلفظ الاسم في التّوحيد؛إذ كان صفة،بحكم«فعل و يفعل»في التّوحيد إذا تقدّم الأسماء.[ثمّ استشهد بشعر](11:549)

الزّجّاج: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ منصوب على الحال،المعنى يخرجون من الأجداث خشّعا أبصارهم.

و قرئت (خاشعا ابصارهم) ،و قرأ ابن مسعود:

(خاشعة ابصارهم) .و لك في أسماء الفاعلين إذا تقدّمت على الجماعة التّوحيد،نحو(خاشعا ابصارهم)،و لك التّوحيد و التّأنيث-لتأنيث الجماعة-، (خاشعة ابصارهم) و لك الجمع نحو خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ. تقول:

مررت بشباب حسن أوجههم و حسان أوجههم و حسنة أوجههم.[ثمّ استشهد بشعر](5:86)

نحوه الواحديّ(4:208)،و البغويّ(4:322).

ص: 75

الطّوسيّ: فمعنى الخاشع:الخاضع،خشع يخشع خشوعا،فهو خاشع؛و الجمع:خشّع،و يخشع الرّجل إذا نسك،و(خاشعا)حال مقدّمة،و العامل فيها (يخرجون.)و قيل: (خاشعا ابصارهم) لتقدّم الصّفة على الاسم.[ثمّ استشهد بشعر](9:445)

الميبديّ: [ذكر القراءات و قال:]

أي ذليلة أبصارهم عند رؤية العذاب،و هو منصوب على الحال،و أضاف إلى البصر،لأنّ ذلّة الذّليل و عزّة العزيز يتبيّن في نظره.(9:388)

الزّمخشريّ: (خاشعة أبصارهم)حال من الخارجين فعل للأبصار،و ذكّر،كما تقول:يخشع أبصارهم.

و قرئ (خاشعة) على تخشع أبصارهم و خُشَّعاً على يخشعن أبصارهم،و هي لغة من يقول:«أكلوني البراغيث»و هم طيّئ.و يجوز أن يكون في خُشَّعاً ضمير«هم»و تقع أبصارهم بدلا عنه.و قرئ (خشّع ابصارهم) على الابتداء و الخبر،و محلّ الجملة النّصب على الحال،كقوله:

وجدته حاضراه الجواد و الكرم

و خشوع الأبصار كناية عن الذّلّة و الانخذال، لأنّ ذلّة الذّليل و عزّة العزيز تظهران في عيونهما.

(4:36)

نحوه العكبريّ(02:1193)،و البيضاويّ(2:

435)،و النّسفيّ(4:202)،و الشّربينيّ(4:144).

الفخر الرّازيّ: فيه قراءات: (خاشعا) و (خاشعة) و خُشَّعاً. فمن قرأ(خاشعا)على قول القائل:«يخشع أبصارهم»على ترك التّأنيث،لتقدّم الفعل.و من قرأ(خاشعة)على قوله:«تخشع أبصارهم».و من قرأ خُشَّعاً فله وجوه:

أحدها:قول من يقول:«يخشعن أبصارهم»على طريقة من يقول:«أكلوني البراغيث».

ثانيها:في(خشعا)ضمير(ابصارهم)بدل عنه، تقديره:يخشعون أبصارهم على بدل الاشتمال،كقول القائل:«أعجبوني حسنهم».

ثالثها:فيه فعل مضمر يفسّره(يخرجون) تقديره:يخرجون خشّعا أبصارهم،على بدل الاشتمال.

و الصّحيح(خاشعا).روي أنّ مجاهدا رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في منامه،فقال له:يا نبيّ اللّه خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ أو (خاشعا ابصارهم)؟ فقال عليه السّلام:(خاشعا).

و لهذه القراءة وجه آخر أظهر ممّا قالوه،و هو أن يكون خُشَّعاً منصوبا على أنّه مفعول بقوله: يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ (خشعا)،أي يدعو هؤلاء.

فإن قيل:هذا فاسد من وجوه:

أحدها:أنّ التّخصيص لا فائدة فيه،لأنّ الدّاعي يدعو كلّ أحد.

ثانيها:قوله: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ بعد الدّعاء فيكونون خشّعا قبل الخروج،و إنّه باطل.

ثالثها:قراءة (خاشعا) تبطل هذا.

نقول:أمّا الجواب عن الأوّل فهو أن يقال:قوله:

إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ يدفع ذلك،لأنّ كلّ أحد لا يدعى إلى شيء نكر.

و عن الثّاني:المراد من شَيْءٍ نُكُرٍ :الحساب

ص: 76

العسر،يعني يوم يدع الدّاع إلى الحساب العسر خُشَّعاً و لا يكون العامل في يَوْمَ يَدْعُ (يخرجون)بل«اذكروا»أو فَما تُغْنِ النُّذُرُ القمر:

5،كما قال تعالى: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ المدّثّر:48،و يكون(يخرجون)ابتداء كلام.

و عن الثّالث:أنّه لا منافاة بين القراءتين،و(خاشعا) نصب على الحال أو على أنّه مفعول(يدع)كأنّه يقول:يدعو الدّاعي قوما خاشعة أبصارهم.

و الخشوع:السّكون،قال تعالى: وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ طه:108،و خشوع الأبصار:سكونها على كلّ حال لا تلتفت يمنة و لا يسرة،كما في قوله تعالى: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ إبراهيم:43.

(29:33)

نحوه النّيسابوريّ.(27:50)

أبو حيّان :قرأ قتادة و أبو جعفر و شيبة و الأعرج و الجمهور: خُشَّعاً جمع تكسير،و ابن عبّاس و ابن جبير و مجاهد و الجحدريّ و أبو عمرو و حمزة و الكسائيّ: (خاشعا) بالإفراد.و قرأ أبيّ و ابن مسعود: (خاشعة) ،و جمع التّكسير أكثر في كلام العرب.

و قال الفرّاء و أبو عبيدة:كلّه جائز.

و انتصب خُشَّعاً و(خاشعا)و(خاشعة)على الحال من ضمير(يخرجون)،و العامل فيه (يخرجون)،لأنّه فعل متصرّف.و في هذا دليل على بطلان مذهب الجرميّ،لأنّه لا يجوّز تقدّم الحال على الفعل و إن كان متصرّفا،.و قد قالت العرب:«شتّى تؤوب الحلبة»،ف«شتّى»حال،و قد تقدّمت على عاملها و هو«تؤوب»،لأنّه فعل متصرّف.

و قيل:هو حال من الضمير المجرور في(عنهم) من قوله: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ.

و قيل:هو مفعول ب(يدع)،أي قوما خشعا،أو فريقا خشّعا.و فيه بعد،و من أفرد(خاشعا)و ذكّر، فعلى تقدير:تخشع أبصارهم،و من قرأ (خاشعة) و أنّث،فعلى تقدير:تخشع،و من قرأ خُشَّعاً جمع تكسير،فلأنّ الجمع موافق لما بعده،و هو (ابصارهم)،و موافق للضّمير الّذي هو صاحب الحال في(يخرجون)،و هو نظير قولهم:«مررت برجال كرام آباؤهم».و قال الزّمخشريّ: خُشَّعاً على:يخشعن أبصارهم،و هي لغة من يقول:«أكلوني البراغيث»،و هم طيّئ.انتهى.و لا يجري جمع التّكسير مجرى جمع السّلامة،فيكون على تلك اللّغة النّادرة القليلة.

و قد نصّ سيبويه على أنّ جمع التّكسير أكثر في كلام العرب،فكيف يكون أكثر،و يكون على تلك اللّغة النّادرة القليلة؟و كذا قال الفرّاء حين ذكر الإفراد مذكّرا و مؤنّثا،و جمع التّكسير.قال:«لأنّ الصّفة متى تقدّمت على الجماعة،جاز فيها جميع ذلك».و الجمع موافق للفظها،فكان أشبه،انتهى.

و إنّما يخرج على تلك اللّغة إذا كان الجمع مجموعا بالواو و النّون نحو:«مررت بقوم كريمين آباؤهم».

و الزّمخشريّ قاس جمع التّكسير على هذا الجمع السّالم.و هو قياس فاسد،و يردّه النّقل عن العرب أنّ جمع التّكسير أجود من الإفراد،كما ذكرناه

ص: 77

عن سيبويه،و كما دلّ عليه كلام الفرّاء.

و جوّز أن يكون في(خشعا)ضمير،و(ابصارهم) بدل منه.و قرئ: (خشّع ابصارهم) ،و هي جملة في موضع الحال،و (خشّع) خبر مقدّم.

و خشوع الأبصار:كناية عن الذّلّة،و هي في العيون أظهر منها في سائر الجوارح.و كذلك أفعال النّفس من ذلّة،و عزّة،و حياء،و صلف،و خوف، و غير ذلك.[و استشهد بالشّعر مرّتين](8:175)

نحوه السّمين(6:223)،و الآلوسيّ(27:80).

سيّد قطب :هذه المجموع خاشعة أبصارها من الذّلّ و الهول،و هي تسرع في سيرها نحو الدّاعي، الّذي يدعوها،لأمر غريب نكير شديد،لا تعرفه و لا تطمئنّ إليه.(6:3429)

عزّة دروزة :و أبصارهم خاشعة من الخوف و الفزع و شدّة الهول الّذي لا مثيل له؛و حيث يتيقّنون أنّ يومهم يوم عسير جدّا.(2:62)

ابن عاشور :أي ذليلة ينظرون من طرف خفيّ لا تثبت أحداقهم في وجوه النّاس،و هي نظرة الخائف المفتضح،و هو كناية،لأنّ ذلّة الذّليل و عزّة العزيز تظهران في عيونهما.(27:171)

مغنيّة:أذلاّء خاضعين يموج بعضهم ببعض من الحيرة و الدّهشة.(7:191)

الطّباطبائيّ: الخشّع:جمع خاشع،و الخشوع نوع من الذّلّة،و نسب إلى«الأبصار»لأنّ ظهوره فيها أتمّ.

(19:58)

مكارم الشّيرازيّ: نسب الخشوع هنا للأبصار و ذلك لأنّ المشهد مرعب و مخيف إلى حدّ لا تستطيع الأنظار رؤيته لذلك،فإنّها تعرض عنه و تتحوّل بالنّظر نحو الأسفل.(17:280)

خاشعة

1- خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ. القلم:43

نظير ما قبلها.

2- ...وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ... فصّلت:39

ابن عبّاس: ذليلة،منكسرة،ميّتة.(404)

قتادة :أي غبراء متهشّمة.(الطّبريّ 11:113)

السّدّيّ: يابسة متهشّمة.(الطّبريّ 11:113)

نحوه الطّبرسيّ.(5:15)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و من حجج اللّه أيضا و أدلّته على قدرته على نشر الموتى-من بعد بلاها- و إعادتها لهيئتها كما كانت من بعد فنائها-أنّك يا محمّد ترى الأرض دارسة غبراء لا نبات بها و لا زرع.

(11:113)

السّجستانيّ: أي ساكنة مطمئنّة.(166)

الثّعلبيّ: يابسة دارسة لا نبات فيها.(8:297)

القيسيّ: نصب على الحال من(الارض)لأنّ (ترى)من رؤية العين.(2:272)

نحوه أبو البركات.(2:341)

الماورديّ: [نقل قول قتادة و السّدّيّ ثمّ قال:] و يحتمل ثالثا:ذليلة بالجدب،لأنّها مهجورة.(5:184)

ص: 78

الزّمخشريّ: الخشوع:التّذلّل و التّقاصر، فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لا نبات فيها، كما وصفها ب«الهمود»في قوله تعالى: وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً الحجّ:5.(3:454)

نحوه النّسفيّ(4:96)،و أبو حيّان(7:499).

ابن عطيّة: و خشوع الأرض:هو ما يظهر عليها من استكانة و شعث بالجدب و صليم السّموم،فهي عابسة،كما الخاشع عابس يكاد يبكي.(5:18)

الفخر الرّازيّ: الخشوع:التّذلّل و التّصاغر، و استعير هذا اللّفظ لحال الأرض حال خلوّها عن المطر و النّبات.(130:27)

القرطبيّ: أي يابسة جدبة،هذا وصف الأرض بالخشوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأرض الخاشعة:الغبراء الّتي لا تنبت،و بلدة خاشعة،أي مغيّرة لا منزل بها،و مكان خاشع.

(15:365)

البيضاويّ: يابسة متطامنة،مستعار من الخشوع بمعنى التّذلّل.(2:349)

مثله الآلوسيّ.(24:126)

ابن جزيّ: عبارة عن قلّة النّبات.(4:14)

ابن كثير :أي هامدة لا نبات فيها،بل هي ميّتة.

(6:179)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]شبّه يبس الأرض و خلوّها عن الخير و البركة،بكون الشّخص خاشعا ذليلا عاريا،لا يؤبه به لدناءة هيئته، فهي استعارة تبعيّة،بمعنى يابسة جدبة.(8:267)

القاسميّ: أي ساكنة لا حركة لعشب فيها، و لا نبات و لا زرع.(14:5210)

عزّة دروزة :(خاشعة):لعلّها بمعنى جافّة أو جامدة.(5:149)

ابن عاشور :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

لأنّ حالها في تلك الخصاصة كحال المتذلّل،و هذا من تشبيه المحسوس بالمعقول،باعتبار ما يتخيّله النّاس من مشابهة اختلاف حالي القحولة و الخصب بحالي التّذلّل و الازدهار.[إلى أن قال:]

و في قوله:(خاشعة):و(اهتزت)مكنيّة،بأن شبّهت بشخص كان ذليلا،ثمّ صار مهتزّا لعطفيه، و رمز إلى المشبّه بهما بذكر رديفيهما.فهذا من أحسن التّمثيل.و هو الّذي يقبل تفريق أجزائه في أجزاء التّشبيه.(25:66)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى ضراعة الأرض في جدبها و مواتها،و ما تكون عليه من شحوب الفقر و المسغبة.إنّها أشبه بالكائن الحيّ حين تنقطع عنه موارد حياته،فيضرّع و يخشع و يذلّ.

(12:1324)

مكارم الشّيرازيّ: (خاشعة)من الخشوع، و تعني في الأصل:التّضرّع و التّواضع الملازم للأدب.

و استخدام هذا التّعبير بخصوص الأرض الميّتة اليابسة، يعتبر نوعا من الكناية.

فالأرض اليابسة الفاقدة للماء،ستخلو من أيّ نوع من أنواع النّبات،و ستشبه الإنسان السّاقط أرضا،أو الميّت الّذي لا حراك فيه،إلاّ أنّ نزول المطر

ص: 79

سيهب لها الحياة،و يجعلها تتحرّك و تنمو.(15:382)

فضل اللّه :خشوع في سكونها و برودتها و ذلّتها، فلا شيء يتحرّك فيها،بل هو التّراب الّذي تتلاعب به الرّياح،فيستسلم لها،لتنقّله من مكان إلى مكان، فلا يثير إلاّ الغبار.(20:123)

3- أَبْصارُها خاشِعَةٌ* يَقُولُونَ أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ. النّازعات:9،10

ابن عبّاس: ذليلة.(500)

مثله قتادة(الطّبريّ 12:426)،و الزّجّاج(5:

278)،و نحوه زيد بن عليّ(459).

عطاء:يريد أبصار من مات على غير الإسلام و يدلّ على هذا أنّه ذكر منكري البعث.

(الواحديّ 4:419)

ابن زيد :(خاشعة)للذّلّ الّذي قد نزل بها.

(الطّبريّ 12:426)

الطّبريّ: يقول:أبصار أصحابها ذليلة ممّا قد علاها،من الكآبة و الحزن من الخوف و الرّعب الّذي قد نزل بهم،من عظيم هول ذلك اليوم.(12:426)

نحوه الزّمخشريّ(4:212)و القاسمي 17:6046)

الثّعلبيّ: يعنى هؤلاء المكذّبين للبعث من مشركي مكّة،إذا قيل لهم:إنّكم مبعوثون بعد الموت.(10:125)

الطّوسيّ: أي خاضعة ذليلة من هول ذلك اليوم.

[ثمّ استشهد بشعر](10:253)

مثله الطّبرسيّ: (5:430)

الواحديّ: ذليلة؛و ذلك عند معاينة النّار،كقوله:

خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ الشّورى:45.(4:419)

نحوه البغويّ(5:206)،و الشّربينيّ(4:477).

الميبديّ: [نحوه الواحديّ و أضاف:]

و قال في موضع: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ القمر:7، و الهاء راجعة إلى النّفس الّتي فيها القلوب.(10:368)

الزّمخشريّ: ذليلة.(4:212)

الفخر الرّازيّ: و قوله: أَبْصارُها خاشِعَةٌ لأنّ المعلوم من حال المضطرب الخائف أن يكون نظره نظر خاشع ذليل خاضع،يترقّب ما ينزل به من الأمر العظيم.(31:35)

القرطبيّ: منكسرة ذليلة من هول ما ترى.نظيره:

خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ القلم:43، و المعنى أبصار أصحابها،فحذف المضاف.

(19:194)

نحوه النّسفيّ(4:329)،و الخازن(7:171)، و ابن جزيّ(4:176).

البيضاويّ: أبصار أصحابها ذليلة من الخوف، و لذلك أضافها إلى القلوب.(2:537)

نحوه الكاشانيّ(5:28)،و شبّر(6:357).

ابن كثير :أي أبصار أصحابها،و إنّما أضيفت إليها للملابسة،أي ذليلة حقيرة ممّا عاينت من الأهوال.(7:205)

أبو السّعود :جملة من مبتدإ و خبر وقعت خبرا ل(قلوب).و قد مرّ أنّ حقّ الصّفة أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف عند السّامع،حتّى قالوا:«إنّ الصّفات قبل العلم بها أخبار،و الأخبار بعد العلم بها

ص: 80

صفات»فحيث كان ثبوت الوجيف للقلوب،و ثبوت الخشوع لأبصار أصحابها سواء في المعرفة و الجهالة، كان جعل الأوّل عنوانا للموضوع مسلّم الثّبوت، مفروغا عنه،و جعل الثّاني مخبرا له مقصود الإفادة، تحكّما بحتا.

على أنّ الوجيف-الّذي هو عبارة عن شدّة اضطراب القلب و قلقه من الخوف و الوجل-،أشدّ من خشوع البصر و أهون،فجعل أهون الشّرّين عمدة،و أشدّهما فضلة،ممّا لا عهد له في الكلام.

و أيضا فتخصيص الخشوع بقلوب موصوفة بصفة معيّنة،غير مشعرة بالعموم و الشّمول،تهوين للخطب في موقع التّهويل.

فالوجه أن يقال:تنكير(قلوب)يقوم مقام الوصف المختصّ،سواء حمل على التّنويع-كما قيل- و إن لم يذكر النّوع لما قيل،فإنّ المعنى منسحب عليه، أو على التّكثير كما«هو شرّ أهرّ ذا ناب»،فإنّ التّفخيم كما يكون بالكيفيّة يكون بالكميّة أيضا،كأنّه قيل:

قلوب كثيرة يوم إذ يقع النّفختان واجفة،أي شديدة الاضطراب.(6:366)

البروسويّ: ذليلة من الخوف بسبب الإعراض عن اللّه و الإقبال على ما سواء،يترقّبون أيّ شيء ينزل عليهم من الأمور العظام.و أسند الخشوع إليها مجازا،لأنّ أثره يظهر فيها.(10:317)

الآلوسيّ: أي أبصار أهلها ذليلة من الخوف، و لذلك أضافها إليها،فالإضافة لأدنى ملابسة.

و جوّز أن يراد ب«الأبصار»:البصائر،أي صارت البصائر ذليلة،لا تدرك شيئا،فكنّي بذلّها عن عدم إدراكها،لأنّ عزّ البصيرة إنّما هي بالإدراك.

و بحث في كون القلوب غير مدركة يوم القيامة.

و أجيب بأنّ المراد شدّة الذّهول و الحيرة،جملة من مبتدإ و خبر في محلّ رفع على الخبريّة ل(قلوب).[ثمّ ذكر نحو أبي السّعود](30:26)

طنطاوي:ذليلة لهول ما نعاين.(25:33)

الطّباطبائيّ: و نسبة الخشوع إلى الأبصار- و هو من أحوال القلب-إنّما هي لظهور أثره الدّالّ عليه في الأبصار،أقوى من سائر الأعضاء.(20:185)

عبد الكريم الخطيب :الخاشعة الذّليلة.و إنّما أوقع الذّلّ على الأبصار،لأنّها هي المرآة الّتي تتجلّى على صفحتها أحوال الإنسان،و ما يقع في القلب من مسرّات و مساءات.(15:1434)

مكارم الشّيرازيّ: فيبدو الاضطراب و الخوف باديا على أعين المذنبين،و تتوقّف حركتها،و كأنّها قد فقدت ملكة النّظر،لما أصابها من خوف شديد.

(19:335)

فضل اللّه :في ما يواجه هؤلاء النّاس من الموقف الهائل الّذي يثير الرّعب في الكيان كلّه من خلال ما يمكن أن يواجه من أهوال القيامة في عذاب النّار، الّذي كانوا يستبعدون و يسخرون من النّبيّ الّذي يدعوهم إلى الإيمان به،و ينذرهم يومه.(24:33)

4- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ* عامِلَةٌ ناصِبَةٌ.

الغاشية:3،2

ص: 81

سعيد بن جبير:أنّها تخشع بعد ذلّ من عذاب اللّه، فلا تتنعّم.(الماورديّ 6:258)

قتادة :ذليلة بمعاصيها.(الماورديّ 6:258)

الإمام الصّادق:عليه السّلام:خاضعة لا تطيق الامتناع.

(العروسيّ 5:563)

مقاتل:يعني الكفّار،لأنّها تكبّرت عن عبادة اللّه.

(الواحديّ 4:473)

القيسيّ: ذلك الخشوع في الآخرة.(2:473)

الماورديّ: [ذكر قول قتادة و ابن جبير ثمّ قال:]

يحتمل وجها ثالثا:أن تكون(خاشعة)لتظاهرها بطاعته بعد اعترافها بمعصيته.(6:258)

الطّوسيّ: معناه أنّ وجوه العصاة و الكفّار في ذلك ذليلة خاضعة،من ذلّ المعاصي الّتي فعلتها في دار الدّنيا.(10:334)

الميبديّ: ذليلة متواضعة.و الخشوع:التّذلّل و الاتّضاع،يعني وجوه الكفّار،فهم(يومئذ) خاشعون من الذّلّ.هذا كقوله: وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ... الشّورى:45.(10:469)

ابن عطيّة: الوجوه الخاشعة:وجوه الكفّار، و خشوعها:ذلّها و تغيّرها بالعذاب.(5:472)

نحوه طنطاوي.(25:144)

الطّبرسيّ: أي ذليلة بالعذاب الّذي يغشاها و الشّدائد الّتي تشاهدها.(5:478)

الفخر الرّازيّ: أي ذليلة قد عراهم الخزي و الهوان،كما قال: وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ السّجدة:12،و قال:: وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ الشّورى:45.و إنّما يظهر الذّلّ في الوجه،لأنّه ضدّ الكبر الّذي محلّه الرّأس و الدّماغ.(31:151)

نحوه النّسفيّ(4:351)،و البروسويّ(10:412) و المراغيّ(30:131).

القرطبيّ: أي ذليلة بالعذاب.و كلّ متضائل ساكن خاشع.يقال:خشع في صلاته،إذا تذلّل و نكّس رأسه،و خشع الصّوت:خفي.قال اللّه: وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ طه:108.(20:26)

النّيسابوريّ: و المراد ب«الوجه»الذّات،و وجه حسن هذا المجاز،أنّ الخشوع و الانكسار،و الذّلّ، و أضدادها يتبيّن أكثرها في الوجه،كقوله:

وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ الشّورى:45.

(30:81)

الشّربينيّ: أي ذليلة من الخجل و الفضيحة، و الخوف من العذاب.(4:525)

الآلوسيّ: المراد ب(خاشعة)ذليلة،و لم توصف بالذّلّ ابتداء،لما في وصفها بالخشوع من الإشارة إلى التّهكّم،و أنّها لم تخشع في وقت ينفع فيه الخشوع.

(30:112)

سيّد قطب :إنّه يعجّل بمشهد العذاب قبل مشهد النّعيم،فهو أقرب إلى جوّ الغاشية و ظلّها،فهناك:

يومئذ وجوه خاشعة ذليلة متعبة مرهقة،عملت و نصبت،فلم تحمد العمل،و لم ترض العاقبة،و لم تجد إلاّ الوبال و الخسارة،فزادت مضضا و إرهاقا و تعبا.

(6:3896)

ص: 82

الطّباطبائيّ: أي مذلّة بالغمّ،و العذاب يغشاها.

و الخشوع إنّما هو لأرباب الوجوه،و إنّما نسب إلى الوجوه،لأنّ الخشوع و المذلّة يظهر فيها.(20:273)

عبد الكريم الخطيب :خشوعها:هو خشوع ذلّة،و ضراعة،و مهانة،و ليس خشوع تقوى و توقير و إجلال،فللذّلّ خشوع انكسار،و امتهان،تموت معه العواطف و المشاعر،كما يقول تعالى في أصحاب النّار:

وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ الشّورى:45.

(15:1538)

مكارم الشّيرازيّ: لا شكّ أنّ الوضع النّفسيّ و الرّوحيّ،تنعكس آثاره على وجه صاحبه،لذا فسترى تلك الوجوه و قد علتها علائم الخسران و الخشوع،لما أصابها من ذلّ و خوف و وحشة، و هم بانتظار ما سيحلّ بهم من عذاب مهين أليم.

و قيل:الوجوه هنا بمعنى وجهاء القوم و رؤساء الكفر و الطّغيان،لما سيكون لهم من ذلّ و هوان و عذاب أشدّ من غيرهم.و لكنّ المعنى الأوّل أنسب.

(20:139)

فضل اللّه :تلك هي وجوه الأشقياء الّذين رفضوا مواقف الخشوع للّه في الدّنيا،فلم يستغرقوا في مواقع عظمته،و لم يعيشوا روحيّة العبوديّة في الابتهال إليه، و الصّلاة بين يديه،و الانفتاح على آفاق رحمته في مواقف رضاه،بل استكبروا،و عاندوا،و تمرّدوا،على رسوله و كتابه،فجاءت الغاشية الّتي أطبقت عليهم من كلّ جانب،فلا يجدون الآن مجالا للفرار و لا للخلاص، ليعيشوا الخشوع في أجواء الذّلّ و الانكسار عند ما يواجهون المصير المظلم في حاضرهم الّذي تنتظره جهنّم،لتحتويهم في داخلها.(24:221)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخشعة،و هي أكمة لاطئة بالأرض سهلة؛و الجمع:خشع.يقال:

أكمة خاشعة،أي ملتزقة لاطئة بالأرض،و الخاشع من الأرض:الّذي تثيره الرّياح لسهولته فتمحو آثاره، و بلدة خاشعة:مغبرة لا منزل بها،و خشعت الأرض:

يبست و لم تمطر.يقال:رأينا أرض بني فلان خاشعة هامدة ما فيها خضراء،و جدار خاشع:تداعى و استوى مع الأرض.

و يقال على التّشبيه:خشع سنام البعير،أي أنضي فذهب شحمه و تطأطأ شرفه،و خشعت الكواكب خشوعا:غارت و كادت تغيب في مغيبها،و خشع الرّجل خراشيّ صدره:رمي بها،لأنّ الخرشاء تلصق بالأرض للزوجتها.

و الخشعة:ولد البقير،و هي المرأة الّتي تموت و في بطنها ولد حيّ،فيبقر بطنها و يخرج،تشبيها بالخشعة.

و الخشوع:التّطامن و الضّراعة،يقال خشع يخشع خشوعا،و اختشع و تخشّع،أي رمى ببصره نحو الأرض و غضّه و خفض صوته،فهو خاشع،من قوم خشّع،و خشع بصره:انكسر،و اختشع:طأطأ صدره و تواضع،و التّخشّع:تكلّف الخشوع،و التّخشّع للّه:

الإخبات و التّذلّل.

2-و من كلام المولّدين:خشّعه تخشيعا،أي حقّره

ص: 83

و حطّ من قدره،و استعمله ابن جبير بمعنى الخشوع في وصف بعض المراسيم في البيت الحرام،فقال:«قام الخطيب فصدع بخطبة،تحرّك لها أكثر النّفوس من جهة التّرجيع،لا من جهة التّذكير و التّخشيع» (1)و هذا ديدنه في مواضع كثيرة من كتابه؛إذ ذكر فيه كثيرا من المعاني الغريبة،و منها قوله:«ثقّف الابن المذكور»، (2)يريد به حبسه و اعتقله،و المشهور في اللّغة:أدّبه و هذّبه و علّمه.

و قال في وصف أهل النّجف:«لا يجمّعون مع النّاس»، (3)يريد لا يصلّون جماعة،و مثله في الصّفحتين:(231)و(277)من رحلته.و قال أيضا في الصّفحة(278):«فتأجّر فيه و التزم تمريضه و خدمته»، (4)يريد رجا أن ينال من اللّه الأجر.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«الماضي و المضارع»كلّ منهما مرّة، و«اسم الفاعل»مفردا 5 مرّات،و جمعا 8 مرّات، و«المبالغة»مرّة،و«المصدر:«الخشوع»مرّة في 16 آية:

1-خشوع الأصوات

1- ...وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً طه:108

2-خشوع الأبصار

2- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ القمر:7

3 و 4- خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ...

المعارج:44،القلم:43

5- قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ* أَبْصارُها خاشِعَةٌ

النّازعات:8،9

3-خشوع الوجوه و القلوب و النّفوس

6- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ* وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ الغاشية:1،2

7- وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ ... الشّورى:45

8- أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ... الحديد:16

9- وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً الإسراء:109

10- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ المؤمنون:1 و 2

11- وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ البقرة:45

12- وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً... آل عمران:199

ص: 84


1- رحلة ابن جبير(131).
2- نفس المصدر(328).
3- نفس المصدر(78).
4- نفس المصدر(278).

13- ...وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ الأنبياء:90

14- ...وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ... الأحزاب:35

15- وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً...

فصّلت:39

5-خشوع الأرض و الجبل

16- لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ... الحشر:21

يلاحظ أوّلا:أنّ الخشوع جاء في محورين:

المحور الأوّل:الدّنيا:و جاء الخشوع فيها ممدوحا في 9 آيات:(8-16):

أ:خشوع قلوب المؤمنين لذكر اللّه في(8): أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ، و فيها بحوث:

1-فسّر الخشوع بالخضوع و الذّلّة،و هو بعيد هنا،لأنّ هذا المعنى من مقتضيات الإيمان،كقوله في إخبات القلوب: وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ الحجّ:54، و لينها أيضا: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللّهِ الزّمر:23.

و الأصحّ أن يفسّر الخشوع في الدّنيا بالسّكون و الطّمأنينة و نحوهما،كما في قوله: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ الرّعد:28.و الخشوع في الآخرة-حسب ما يأتي-ينبغي أن يفسّر بالخوف و الذّلّة و نحوهما.

2-احتملوا في(ذكر اللّه)القرآن و غيره،فإن أريد به القرآن فالخشوع له:الانقياد التّامّ لأوامره و نواهيه، و العكوف على العمل بما فيه من الأحكام من غير توان،و لا فتور،و عليه ف«اللاّم»صلة للخشوع، و«الذّكر»مضاف إلى الفاعل،و«اللاّم»للعلّة لمواعظ اللّه الّتي ذكرها في القرآن،و لآياته الّتي تتلى فيه،أي أن تلين قلوبهم لأجل ذكر اللّه.

و إن أريد به غير القرآن،فالمعنى أن ترقّ و تلين قلوبهم إذا ذكر اللّه،فإنّ ذكر اللّه سبب لخشوع القلوب أيّ سبب.و عليه ف«الذّكر»مضاف إلى مفعوله، و«اللاّم»بمعنى الوقت.

و فسّر القاسميّ(ذكر الله)بذكر اسمه الكريم و ما يوجبه من الوجل منه و الخشية،أو لذكر وعده و وعيده.و حمله الطّوسيّ على سماع ذكر اللّه،و قال:

«الخشوع:لين القلب للحقّ بالانقياد له،و مثله الخضوع،و ضدّه قسوة القلب».

و لو حمل على العموم لكان وجها وجيها،فإنّ القرآن و ذكر اسم اللّه و ذكره،و وعده و وعيده كلّها ذكر اللّه.

3-عدّ فضل اللّه هذه الآية هزّة روحيّة تخاطب أفكار المؤمنين و مشاعرهم حتّى لا يتجمّد فيها الإيمان و قد أطال الكلام فيها،فلاحظ.

4-قيل هذه الآية دلّت على أنّه كان من المؤمنين من هو قاسي القلب بخلاف الآية(10): قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ؟

و أجيب:بأنّ المؤمن لا يكون في الجملة إلاّ خاشعا

ص: 85

خاضعا للّه و لا سيّما في الصّلاة،و إنّما أمر اللّه فيها بأن يخشعوا لذكر اللّه،و عند سماع القرآن،و اعتبروا به،لأنّ فيهم من يسمع غافلا لاهيا،كما قال: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ النّساء:82.

5-و حكى الفخر الرّازيّ عنهم أنّهم اختلفوا في نزولها في المنافقين،لأنّ المؤمن لا يكون إلاّ خاشع القلب في الجملة،فلا يقال ذلك إلاّ لمن ليس بمؤمن.أو في المؤمنين الّذين قلّت خشيتهم،أو زالت شدّة خشوعهم.هذا هو الحقّ،فإنّ اللّه تعالى قد يخاطب المؤمنين بما هو أشدّ من ذلك.لاحظ ذ ك ر:«ذكر اللّه».

ب-خشوع المؤمنين أنفسهم في(9)،و(10 و 14) و فيها بحوث:

1-هذه الآيات طائفتان:ثلاث منها في المسلمين:

(9 و 10 و 14)،و ثلاث في أهل الكتاب:(11 و 12 و 13)

و اقترن الخشوع في(9): وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً، بالخرور للأذقان و البكاء، و في(10): اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ بالصّلاة، و في(14): إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ وَ الصّادِقِينَ وَ الصّادِقاتِ وَ الصّابِرِينَ وَ الصّابِراتِ وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ وَ الصّائِمِينَ وَ الصّائِماتِ وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ وَ الذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَ الذّاكِراتِ أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً، بالإسلام و الإيمان و القنوت و الصّدق و الصّبر و التّصدّق و الصّوم و حفظ الفرج و ذكر اللّه.كما اقترن في(11): وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ، بالصّبر و الصّلاة،و في(12): لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ، بالإيمان باللّه و القرآن و التّوراة و الإنجيل،و في(13): إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ، بالمسارعة في الخيرات،و دعاء اللّه رغبا و رهبا.

و اشتركت الطّائفتان في الإيمان و الصّلاة و الصّبر، و ختمت الآية(14)بقوله: أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً، و ذكر فيها الإيمان،فهل تشمل مغفرة اللّه و أجره العظيم أهل الكتاب؟

ذهب فريق من المفسّرين-منهم الرّمّانيّ-إلى أنّ الآية(11)خطاب لأهل الكتاب.و ذهب فريق آخر منهم-كالجبّائيّ-إلى أنّها خطاب للمسلمين و وفّق الطّبرسيّ بين القولين بقوله:«و الأولى أن يكون خطابا لجميع المكلّفين،لفقد الدّلالة على التّخصيص».

و عندنا أنّ قول الجبّائيّ هو الأوفق بالسّياق.

و نزلت الآية(12)في النّجاشيّ حين موته،و كان قد أسلم في حياته-كما جاء في الأخبار-و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه لمّا نعاه جبريل له قال:«قوموا فصلّوا على أخيكم النّجاشيّ».

و الآية:(13)في زكريّا و زوجه و ابنه يحيى،كما جاء فيها و في الآية الّتي سبقتها.فالخشوع و ما يترتّب عليه من المغفرة و الأجر العظيم في هذه الآيات الثّلاث،يخصّ شريحة خاصّة من أهل الكتاب،إن قلنا بقول الرّمّانيّ في الآية(11).

ص: 86

2- وصل الخشوع في(10): اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ بصلة،و صلته(فى صلاتهم)،و هو لا يعدّي ب(في)كما رأيت في النّصوص اللّغويّة،فهي هنا ظرفيّة.غير أنّها زمانيّة مجازيّة،أي الّذين هم حين صلاتهم خاشعون،و نظيره قوله: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة:

179،أي حياتكم حين القصاص،على المجاز.

و تقديم الظّرف إمّا رعاية للفواصل-و هو الأولى -أو ليقرب ذكر الصّلاة من«الإيمان»فإنّهما أخوان.

3-ذكر اللّه وعده في(14)لمن يتّصف بالصّفات المذكورة بإعداد الثّواب لهم،حيث أكّد هذا المعنى ب«إنّ»دفعا للشّكّ و الرّيب في صدر الآية،ثمّ بيّن الثّواب: أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً في ذيل الآية،و ذكر بينهما مستحقّي هذا الثّواب بصيغة اسم الفاعل للصّفات العشر،و هي:الإسلام،و الإيمان، و القنوت،و الصّدق،و الصّبر،و الخشوع،و التّصدّق، و الصّوم،و الحفظ،و الذّكر.و هذه الصّفات ظاهريّة، إلاّ الإيمان و الخشوع،فهما صفتان باطنيّتان ظاهريّتان لأنّ الإيمان:التّصديق بالقلب و الإقرار باللّسان و الخشوع:رقّة القلب و خضوع الجوارح.

و لم تذكر الصّلاة هنا-و هي ركن الدّين و علم اليقين،و عبادة المسلمين-غير أنّه ذكر لازمها،و هو الخشوع،فلعلّه أراد به الصّلاة،و إليه ذهب بعض المتقدّمين،و قال الكلبيّ في تفسير قوله: وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ :«المصلّين و المصلّيات».

4-أمّا الخشوع في الصّلاة،فقالوا:إنّه قريب من الخضوع،إلاّ أنّ الخضوع في البدن،و الخشوع في القلب و البصر و الصّوت،و إنّ الخشوع محلّه القلب، فإذا خشع خشعت الجوارح كلّها لخشوعه،إذ هو ملكها،و إنّه حالة في القلب من الخوف و المراقبة و التّذلّل،لعظمة المولى جلّ جلاله،ثمّ يظهر أثره على الجوارح،لهذا قالوا:«الخاشعون بالظّاهر و الباطن»، و هو المخافة الثّابتة الدّائمة في القلب،و هو جمع الهمّة للصّلاة،و الإعراض عمّا سواها،و استشعار قلوبهم رهبة الموقف في الصّلاة بين يدي اللّه،فتسكن و تخشع، ليسري الخشوع منها إلى الجوارح و الملامح و الحركات و هو تأثّر خاصّ من المقهور قبال القاهر،بحيث ينقطع عن غيره بالتّوجّه إليه.

و الخشوع بهذا المعنى جامع لجميع المعاني الّتي فسّر بها الخشوع في الآية كالخوف،و سكون الجوارح، و غضّ البصر،و خفض الجناح،و تنكيس الرّأس،أو عدم الالتفات يمينا و شمالا،و نحوها فلاحظ النّصوص و لاحظ ص ل ي:«الصّلاة».

و من ذلك يعلم أنّ الصّلاة ليست مجرّد ألفاظ و حركات،بل هي حالة يعبّر بها بالذّوبان في معنى العبوديّة،و هي التّعبير الحيّ عن الإيمان العميق بالتّوحيد للّه عزّ و جلّ.و لمثل هذه الصّلاة الخاشعة أثر عظيم في إيقاظ مشاعر الخير بين المصلّين،و في تصفية أنفسهم من وسواس السّوء.

و قال القشيريّ: «الخشوع في الصّلاة إطراق السّتر على بساط النّجوى باستكمال نعت الهيبة، و الذّوبان تحت سلطان الكشف و الامتحاء عند

ص: 87

غلبات التّجلّي...».

و قد علمنا من تلك النّصوص أنّ للخشوع في الصّلاة ظاهرا و باطنا،أو تفسيرا و تأويلا،و نطاق التّأويل أوسع.

ج-خشوع الأرض في(15): وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً :و فيها بحثان:

1-قالوا في(خاشعة):ذليلة،منكسرة،ميّتة، غبراء،منهشمة،دارسة،لا نبات فيها و لا زرع،ساكنة مطمئنّة،ذليلة بالجدب،لأنّها مهجورة.الخشوع:

التّذلّل و التّقاصر،فاستعير لحال الأرض حال خلوّها عن المطر و النّبات،و كانت قحطة لا نبات فيها،كما وصفها اللّه ب«الهمود»: وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً الحجّ :5،خشوع الأرض:ما يظهر عليها من استكانة و شعب بالجدب و صليم السّموم،فهي عابسة، كالخاشع:عابس يكاد يبكي.

الأرض الخاشعة:الغبراء الّتي لا تنبت و بلدة خاشعة:مغبرة لا منزل بها،و مكان خاشع:يابسة متطامنة،مستعار من الخشوع بمعنى الذّلّ،عبارة عن قلّة النّبات،هامدة لا نبات فيها بل هي ميّتة،شدّة يبس الأرض و خلوّها عن الخير و البركة،فهي استعارة تبعيّة بمعنى يابسة جدبة،لعلّها بمعنى جافّة أو جامدة، لأنّ حالها في تلك الخصاصة كحال المتذلّل،و هذا من تشبيه المحسوس بالمعقول باعتبار ما يتخيّله النّاس من مشابهة اختلاف حالي القحولة و الخصب بحالي التّذلّل و الازدهار.

(خاشعة)و(اهتزت)مكنيّة بأن شبّهت شخصا كان ذليلا ثمّ صار مهتزا لعطفيه،و رمز إلى المشبّه بهما بذكر رديفهما،فهذا من أحسن التّمثيل،و هو الّذي يقبل تفريق أجزائه في أجزاء التّشبيه،إشارة إلى ضراعة الأرض في جدبها و مواتها،و ما تكون عليه من شحوب الفقر و المسغبة،إنّها أشبه بالكائن الحيّ حين تنقطع عنه موارد حياته فيضرّع و يخشع و يذلّ.

الخشوع في الأصل:التّضرّع و التّواضع الملازم للأدب،و استخدامه بخصوص الأرض الميّتة نوع من الكناية،و تشبه هذه الأرض الإنسان السّاقط أرضا، أو الميّت الّذي لا حراك فيه،و المطر يهبها الحياة فتتحرّك و تنمو،خشوع في سكونها و برودتها و ذلّتها، فلا شيء يتحرّك فيها بل هو التّراب الّذي تتلاعب به الرّياح فيستسلم لها،لتنقله من مكان فلا يثير إلاّ الغبار عباراتنا شتّى و حسنك واحد

و كلّ إلى ذاك الجمال يشير

2-ذهب الزّمخشريّ و غيره-كما لاحظنا-إلى أنّ الخشوع هنا استعارة للأرض،حينما تكون جرداء.

و نحن نراه على حقيقته،لأنّ الأرض في الأصل مزروعة و الجدب عارض لها،فهي تعلو على سطحها بنباتها،و ليس بنفسها.

و كذلك قوله: اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ، فالاهتزاز و الرّبو من فعل النّبات دون الأرض،و إنّما أسند إليها للمقاربة،كما في قوله: فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً الحجر:22،فإذا قحلت الأرض و أجدبت،خشعت، أي لطأت بسطحها،كما تلطأ الأكمة بالأرض.و لكلّ من القولين وجه وجيه.

ص: 88

د-خشوع الجبل في(16): لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ :

يريد بخشوع الجبل تطامنه و لطأه بالأرض،من قولهم:أكمة خاشعة،أي ملتزقة لاطئة بالأرض،أي أنّ الجبل رغم قساوة حجارته يخشع و يتصدّع من خشية اللّه لعظمة القرآن،لكنّ الإنسان رغم رقّة جلده و دقّة عظمه يتجبّر و يتكبّر على اللّه،و لا يتأثّر بالقرآن.

و في خشوع الجبل تعريض بالإنسان و إشارة إلى شكيمته و بيان جرأته،فمكره يزيل الجبال الرّواسيّ أو يكاد وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ إبراهيم:46،و دهاؤه يكاد يزلزل السّماوات و الأرض لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا* تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا مريم:

89 و 90،و قلبه كقسوة الحجارة أو أشدّ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً البقرة:74.

المحور الثّاني:الآخرة،و فيها بحوث:

1-فسّروا الخشوع في آيات الآخرة ب:الذّلّ، و السّكون،و الخضوع،و الخفت،و الخبت،و الخوف، و الخبوع،و الجزع،و التّطامن،و التّواضع،و عدم الرّفع،أنّه هيئة تظهر في الجوارح،و أكثرها تفسير باللاّزم.

لكن الخشوع نسب في(1)إلى«الأصوات»و في (2-5)إلى«الأبصار»و في(6)إلى«الوجوه».

و لكلّ منها معنى يناسبه،فخشوع الأصوات:خفاؤها، و خشوع الأبصار:ذلّتها و سكونها،و خشوع الوجوه:

حزنها و خوفها،كما يأتي.

2-جاء الخشوع فيها للكافرين و ما يختصّ بهم، في 7 آيات(1-7):

أ-أصواتهم في(1): وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ :

استعير الخشوع للصّوت هنا،لأنّه على الحقيقة لصاحبه،إلاّ أن يقدّر لفظ«أصحاب»مضافا إلى الأصوات،و التّقدير:و خشعت أصحاب الأصوات للرّحمن.و هذا بعيد،لما فيه من التّكلّف و التّمحّل.

و الأقرب أنّه مجاز عقليّ،يراد به انخفاض الصّوت، كما ذهب إليه الزّمخشريّ.

ب-أبصارهم في(2): خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ، و(3) و(4): خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ، و(5): أَبْصارُها خاشِعَةٌ و فيها بحوث:

1-تصف هذه الآيات الأربع حالة من حالات الكفّار يوم القيامة،و هي خشوع البصر،أي انكساره و غضاضته و مهانته.و أسند الخشوع إلى الأبصار جمعا في(2)لمجاراتها،نحو قولهم:مررت بشباب حسان أوجههم.

و تقدّم الخشوع على الأبصار في الثّلاث الأولى، و أسندت إلى الضّمير«هم»الّذي يعود على الكافرين،و تأخّر عنها في الأخيرة لرويّ الآيات، و أسندت إلى الضّمير«ها»الّذي يعود على القلوب، أي قلوب الكافرين.

ص: 89

2-أضيف الخشوع فيها إلى البصر،لأنّ ذلّة الذّليل و عزّة العزيز يبيّن في نظره و بصره.

3-قال الزّمخشريّ في(2) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ :

«هي على لغة«أكلوني البراغيث»و هم طيّئ،و يجوز أن يكون في خُشَّعاً ضمير(هم)و تقع(ابصارهم) بدلا عنه،و قرئ: (خشّع ابصارهم) على الابتداء و الخبر،و محلّ الجملة النّصب على الحال كقوله:

وجدته حاضراه الجواد و الكرم».

و حكى الفخر الرّازيّ فيها ثلاث قراءات:

(خاشعا)و(خاشعة)و(خشّعا)،و ذكر لكلّ منها وجها أو وجوها إلى أن قال:«و خشوع الأبصار:

سكونها على كلّ حال لا تنقلب يمنة و لا يسرة،كما في قوله: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ إبراهيم:43.

و ذكر أبو حيّان القراءات الثّلاث،و أنّ خُشَّعاً جمع تكثير،و هو أكثر في كلام العرب،و العامل فيه (يخرجون)،و أنّ هذا دليل على بطلان مذهب الجرميّ أنّه لا يجوّز تقديم الحال على الفعل.و ذكر له وجوها أخر كالفخر الرّازيّ.

و قال سيّد قطب:«هذه المجموع خاشعة أبصارها من الذّلّ و الهول،و هي تسرع في سيرها نحو الدّاعي الّذي يدعوها لأمر غريب نكير شديد،لا تعرفه و لا تطمئنّ إليه».

و قال ابن عاشور:«أي ذليلة ينظرون من طرف خفيّ لا يثبت أحداقهم في وجوه النّاس،و هي نظرة الخائف المفتضح،و هو كناية،لأنّ ذلّة الذّليل و عزّة العزيز تظهران في عيونهما».

و قال مكارم الشّيرازيّ: «نسب الخشوع هنا للأبصار،و ذلك لأنّ المشهد مرعب و مخيف إلى حدّ لا تستطيع الأنظار رؤيته،لذلك فإنّها تعرض عنه، و تتحوّل بالنّظر نحو الأسفل».

4-قالوا في(5): قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ* أَبْصارُها خاشِعَةٌ :المراد أبصار أصحاب تلك القلوب،فحذف المضاف نظير(3 و 4): خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، و ربّما أضيف إليها للملابسة،و لأنّ أثره يظهر فيها.فأبصارهم ذليلة ممّا قد علاها من الكآبة و الحزن و الرّعب،و من هول ذلك اليوم.

و هي جملة من مبتدإ و خبر وقعت صفة للقلوب، و حقّ الصّفة أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف عند السّامع،فحيث كان ثبوت الوجيف للقلوب،و ثبوت الخشوع لأبصار أصحابها سواء في المعرفة و الجهالة،كان جعل الأوّل عنوانا للموضوع مسلّم الثّبوت مفروغا عنه،و جعل الثّاني مخبرا له مقصود الإفادة تحكّما بحتا.

على أنّ الوجيف-و هو شدّة اضطراب القلب- أشدّ من خشوع البصر و أهون،فجعل أهون الشّرّين عمدة،و أشدّهما فضلة ممّا لا عهد له في الكلام.

و أيضا فتخصيص الخشوع بقلوب موصوفة بصفة معيّنة غير مشعر بالعموم و الشّمول،تهوين للخطب في موقع التّهويل،فتنكير(قلوب)يقوم مقام الوصف المختصّ،سواء حمل على التّنويع أو التّكثير،كأنّه قيل:«قلوب كثيرة يوم إذ يقع النّفختان واجفة شديدة الاضطراب.

ص: 90

و جوّز أن يراد ب أَبْصارُها البصائر،أي صارت البصائر ذليلة لا تدرك شيئا،فكنّي بذلّها عن عدم إدراكها،لأنّ عزّ البصيرة بالإدراك،فهل القلوب غير مدركة يوم القيامة؟

و الجواب:أنّ المراد شدّة الذّهول و الحيرة للقلوب فيبدو الخوف باديا على الأعين،و تتوقّف حركتها كأنّها قد فقدت ملكة النّظر،لما أصابها من خوف شديد.

و الحقّ أنّ المراد بالأبصار فيها:العيون كغيرها من الآيات،دون البصائر.

5-و قالوا في(6): وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ هي كقوله:في(7) وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ و قوله: وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ السّجدة:12،خاشعة:

ذليلة بمعاصيها،و لتظاهرها بطاعته بعد اعترافها بمعصيته،خاضعة من ذلّ المعاصي الّتي فعلتها في الدّنيا.

خشوعها:ذلّها و تغيّرها بالعذاب و الشّدائد الّتي تشاهدها،و إنّما الذّلّ في الوجه،لأنّه ضدّ الكبر الّذي محلّه الرّأس و الدّماغ.

المراد ب«الوجه»:الذّات و وجه حسن هذا المجاز أنّ الخشوع و الانكسار و الذّلّ و أضدادها يتبيّن أكثرها في الوجه.و هذا بعيد،فإنّ المراد ب«الوجه» معناه اللّغويّ و ليس مجازا عن الذّات.

المراد ب«الخاشعة»ذليلة،و لم توصف بالذّلّ ابتداء،لما في وصفها بالخشوع من الإشارة إلى التّهكّم، و أنّها لم تخشع في وقت ينفع فيه الخشوع أي في الدّنيا.

و قال سيّد قطب:«إنّه يعجّل بمشهد العذاب قبل مشهد النّعيم،فهو أقرب إلى جوّ اَلْغاشِيَةِ فيما قبلها: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ، و ظلّها...».

و قال الطّباطبائيّ: «إنّما الخشوع لأرباب الوجوه،و إنّما نسب إلى الوجوه،لأنّ الخشوع و المذلّة يظهر فيها»،و الحقّ أنّ«الخوف»يبطن في قلوبهم، و الذّلّة تظهر في وجوههم.

و قال الخطيب:«خشوعها هو خشوع ذلّة و ضراعة و مهانة،و ليس خشوع تقوى و توقير و إجلال،فللذّلّ خشوع انكسار و امتهان،و تموت معه العواطف و المشاعر،كما قال تعالى في(7): وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ» .

و قال مكارم الشّيرازيّ: «و قيل:الوجوه هنا بمعنى وجهاء القوم و رؤساء الكفر و الطّغيان، لما سيكون لهم من ذلّ و هوان و عذاب أشدّ من غيرهم، و لكنّ المعنى الأوّل أنسب».

و قال فضل اللّه:«تلك هي وجوه الأشقياء الّذين رفضوا مواقف الخشوع للّه في الدّنيا،فلم يستغرقوا في مواقع عظمته،و لم يعيشوا روحيّة العبوديّة في الابتهال إليه...بل استكبروا،و عاندوا،و تمرّدوا على رسوله و كتابه،فجاءت الغاشية الّتي أطبقت عليهم من كلّ جانب...».

ج-وجوههم في(6): وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ :

خشوع الوجوه كناية عن الذّلّ و الهوان،لما كابد أهلها من العذاب،لأنّ السّوء الّذي يصيب وجوه الكافرين يوم القيامة إمّا عقوبة لهم كاسودادها،و هو قوله:

ص: 91

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ آل عمران:106، أو أثر للعقوبة،و هو في هذه الآية،أو خوف منها،و هو قوله: وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ* تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ القيامة:24 و 25.

د-أنفسهم في(7): وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ :

وصفت هذه الآية خشوع الكافرين يوم القيامة من الذّلّ،و عرضهم على النّار،و إن لم يجر لها ذكر، لكن السّياق يهدي النّاظر إليها.كما لم تذكر النّار في الآيات السّابقة،فهي تصف البعث و حال النّاس في ذلك اليوم،غير أنّه ورد ذكرها بعد(6): تَصْلى ناراً حامِيَةً الغاشية:4.

ه-و تشير خشوع الأصوات في(1)و الأبصار في(2)إلى(5)و الوجوه في(6)و الأنفس في(7)إلى ما كان يكابده الرّسول و المسلمون من عتاة قريش و سفهائهم،كزعيق أصواتهم،و شزر أصواتهم،و تجهّم وجوههم،و شموخ أنوفهم،فأخبر اللّه بخشوع المشركين و ذلّتهم يوم القيامة تهديدا لهم و تصبيرا للمسلمين على أذى أهل مكّة،لأنّ هذه الآيات مكّيّة.

ثانيا:جاءت من هذه المادّة 16 آية:خمسة منها مدنيّة مدحا للمؤمنين،أو للقرآن في الدّنيا،و هي(8) و(11)و(12)و(15)و(16).و الباقي-و هي إحدى عشرة آية-مكّيّة:ثلاث منها مدح للمؤمنين في الدّنيا:و هي(9)و(10)و(13)،و واحدة(15) وصف للأرض،و الباقي-و هي سبع آيات-:(1- 7)وعيد لغير المؤمنين في الآخرة.فالذّمّ و الوعيد في سبعة منها خاصّ بالآخرة،و المدح و الوعد في تسعة منها خاص بالدّنيا.

ثالثا:للخشوع نظائر كثيرة في القرآن،ذكرناها في «خ ز ي»فلاحظ.

ص: 92

خ ش ي

اشارة

22 لفظا،47 مرّة:22 مكّيّة،25 مدنيّة

في 24 سورة:14 مكّيّة،10 مدنيّة

خشى 4:2-2 تخشوا 1:-1

خشيت 1:1 تخشوه 1:-1

خشينا 1:1 أ تخشونهم 1:-1

يخشى 6:6 تخشوهم 2:-2

يخش 3:-3 نخشى 1:-1

يخشاها 1:1 اخشوا 1:1

يخشون 7:4-3 اخشوهم 1:-1

يخشونه 1:-1 اخشون 2:-2

تخشى 3:2-1 اخشونى 1:-1

تخشاه 1:-1 خشية 7:3-4

تخشون 1:-1 خشيته 1:1

النّصوص اللّغويّة

اشارة

الخليل :الخشية:الخوف،و الفعل:خشي يخشى.

و يقال:و هذا المكان أخشى من ذاك.[ثمّ استشهد بشعر](4:284)

الأمويّ: الخشو:الحشف من التّمر.يقال:خشت النّخلة تخشو،إذا أحشفت.(الجوهريّ 6:2327)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخشيّ:ما يبس من الكلإ و تهافت.(1:225)

الأصمعيّ: الخشيّ،على«فعيل»،مثل الخشي، و هو اليابس.

[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 6:2327)

أبو عبيد: و خاشاني فلان فخشيته أخشيه

ص: 93

بالكسر،أي كنت أشدّ خشية منه.

(الجوهريّ 6:2327)

ابن الأعرابيّ: فعلت ذاك خشأة أن يكون كذا.

(ابن سيده 5:242)

ابن قتيبة :في حديث خالد:«إنّه لمّا أخذ الرّاية يوم مؤتة دافع النّاس و خاشى بهم».هو من خشيت، أي أبقى عليهم و حذر،فانحاز.يقال:خاشيت فلانا، أي تاركته.(الهرويّ 2:558)

ابن دريد:الخشيّ: ما تكسّر من الحليّ،من ذهب و فضّة.

و أرض خشّاء:صلبة،لا تبلغ أن تكون حجرا.

(1:67)

خشيت الشّيء أخشاه خشيا و خشيانا و مخشية.

(2:225)

الخشا (1)أرض رخوة فيها حجارة.و قد قالوا:

أرض خشاة؛و الجمع:خشا.و الخشيّ:يبيس البقل.

[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:خشيت الشّيء أخشاه خشية،فهو مخشيّ و أنا خاش.(3:237)

الصّاحب: الخشية:الخوف،و خشي يخشى خشية و خشيا و خشيانا مخشاة.

و هذا المكان أخشى من ذاك.

و امرأة خشيانة:تخشى كلّ شيء.

و ما حملته على ذاك إلاّ خشي فلان،أي مخافته، بكسر الخاء.

و مثل:«قد كنت و ما أخشّى بالذّئب».

و خاشى بهم:اتّقى عليهم و حذر.

و خاشيت فلانا:تاركته.(4:375)

الجوهريّ: خشي الرّجل يخشى خشية،أي خاف،فهو خشيان،و المرأة خشياء.

و هذا المكان أخشى من ذاك،أي أشدّ خوفا.[ثمّ استشهد بشعر]

و خشّاه تخشية،أي خوّفه.يقال:«خشّ ذؤالة بالحبالة»،يعني الذّئب.(6:2327)

أبو هلال :الفرق بين الخوف و الخشية:أنّ الخوف يتعلّق بالمكروه و بترك المكروه،تقول:خفت زيدا،كما قال تعالى: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ النّحل:50، و تقول:خفت المرض،كما قال سبحانه: وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:21.

و الخشية تتعلّق بمنزل المكروه،و لا يسمّى الخوف من نفس المكروه خشية،و لهذا قال: وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.

فإن قيل:أ ليس قد قال: إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ طه:94.

قلنا:إنّه خشى القول المؤدّي إلى الفرقة و المؤدّي إلى الشّيء بمنزلة من يفعله.

و قال بعض العلماء:يقال:خشيت زيدا،و لا يقال:

خشيت ذهاب زيد.فإن قيل ذلك فليس على الأصل و لكن على وضع الخشية مكان الخوف،و قد يوضع الشّيء مكان الشّيء إذا قرب منه.ء.

ص: 94


1- جاء في الهامش:و في«ه»:الخشّاء.

و الفرق بين الخشية و الشّفقة:أنّ الشّفقة ضرب من الرّقّة و ضعف القلب ينال الإنسان،و من ثمّ يقال للأمّ:إنّها تشفق على ولدها،أي ترقّ له،و ليست هي من الخشية و الخوف في شيء،و الشّاهد قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ المؤمنون:57،و لو كانت الخشية هي الشّفقة لما حسن أن يقول ذلك،كما لا يحسن أن يقول:يخشون من خشية ربّهم.

و من هذا الأصل قولهم:ثوب شفق إذا كان رقيقا، و شبّهت به البداة،لأنّها حمرة ليست بالمحكمة، فقولك:أشفقت من كذا،معناه ضعف قلبي عن احتماله.(200)

ابن فارس: الخاء و الشّين و الحرف المعتلّ يدلّ على خوف و ذعر،ثمّ يحمل عليه المجاز،فالخشية:

الخوف،و رجل خشيان.

و خاشاني فلان فخشيته،أي كنت أشدّ خشية منه.

و المجاز قولهم:خشيت بمعنى علمت.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:هذا المكان أخشى من ذلك،أي أشدّ خوفا.

و ممّا شذّ عن الباب-و قد يمكن الجمع بينهما على بعد-:الخشو:التّمر الحشف.و قد خشت النّخلة تخشو خشوا.

و الخشيّ من اللّحم:اليابس.(2:184)

ابن سيده: خشية خشيا،و خشية،و خشاة، و مخشاة،و مخشية،و خشيانا،و تخشّاه،كلاهما:

خافه.

و هو خاش،و خش،و خشيان،و الأنثى:خشيا.

و جمعهما معا:خشايا،أجروه مجرى الأدواء،كحباطى، و حباجى،و نحوهما،لأنّ الخشية كالدّاء.

و ما حمله على ذلك إلاّ خشي فلان،و حكى عن الرّؤاسيّ:إلاّ خشي فلان.

و خشّأه بالأمر:خوّفه،و في المثل:«لقد كنت و ما أخشّى بالذّئب».

و خاشاني فخشيته:كنت أشدّ منه خشية.

و هذا المكان أخشى من هذا،أي أخوف.جاء فيه التّعجّب من المفعول،و هذا نادر.و قد حكى سيبويه منه أشياء.

و الخشيّ: اليابس من النّبت.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:242)

الطّوسيّ: و الخشية:انزعاج النّفس لتوقّع ما لا يؤمن من الضّرر.تقول:خشي يخشى خشية فهو خاش،و مثله خاف يخاف خوفا و مخافة،فهو خائف.

و الخاشي:نقيض الآمن.(5:222)

و الخوف و الخشية و الفزع نظائر،و هو انزعاج النّفس ممّا لا تأمن معه من الضّرر،و ضدّ الأمن الخوف.

(6:244)

و الخشية:ظنّ لحوق المضرّة.و مثلها المخافة، و نقيضها:الأمنة.

فالخشية:انزعاج النّفس بتوهّم المضرّة،و الظّنّ كذلك يزعج النّفس،فيسمّى باسمه على طريق

ص: 95

البلاغة.

و الخشية من اللّه:خشية من عقابه و سخطه على معاصيه.(7:377)

الخشية:توقّع المضرّة من غير قطع بها،لا محالة.

و الخشية و الخوف و التّقيّة نظائر،يقال:خشي يخشى خشية،فهو خاش،و ذلك مخشيّ.

(10:257)

الرّاغب: الخشية:خوف يشوبه تعظيم.و أكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه،و لذلك خصّ العلماء بها في قوله: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28.[ثمّ ذكر الآيات](149)

الزّمخشريّ: بالخشية ينال الأمن،و خشي اللّه، و خشي منه، وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ الأحزاب:

39.

و رجل خاش و خش و خشيان.تقول:فلان خشيان،كأنّه من خشيته خشيان.

و مكان مخشيّ،و هذا المكان أخشى من ذاك.

(أساس البلاغة:112)

إنّ ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما قال له:

«أكثرت من الدّعاء بالموت حتّى خشيت أن يكون ذلك أسهل لك عند أوان نزوله...»خشيت:رجوت.

(الفائق 1:371)

«خالد رضى اللّه عنه لمّا أخذ الرّاية يوم مؤتة دافع بالنّاس و خاشى بهم».

و خاشى:من الخشية،و المعنى:أنّه نحّى المسلمين عن القتال،و صدّهم عنه،و حاذر عليهم منه.و كأنّ مجيء هذه الأفعال على«فاعل»،فائدته أنّه ظاهر غيره على ذلك،مبالغة في الإبقاء عليهم.

(الفائق 1:430)

نحوه ابن الأثير(2:35)

الفيّوميّ: خشي خشية:خاف،فهو خشيان و المرأة خشي،مثل غضبان و غضبى.

و ربّما قيل:خشيت،بمعنى علمت.(1:170)

الفيروزآبادي: خشيه كرضيه خشيا و يكسر، و خشية و خشاة و مخشاة و مخشية و خشيانا.

و تخشّاه:خافه،و هو خاش و خش،و هي خشياء؛جمعها:خشايا.

و خشّاه تخشية:خوّفه.

و خاشاني فخشيته:كنت أشدّ منه خشية.

و هذا المكان أخشى،أي أخوف؛نادر.

و كغنيّ: يابس النّبت.

و الخشاء كسماء:الجهاد من الأرض.(4:326)

بصيرة في الخشية:و هي خوف يشوبه تعظيم.

و أكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه،و لذلك خصّ العلماء بها في قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،و قوله: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ النّساء :9،أي ليستشعروا خوفا عن معرفة.و قوله:

وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ الإسراء:31، أي لا تقتلوهم معتقدين لمخافة أن يلحقهم إملاق.

و قوله: لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ النّساء:25،أي لمن خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك عن نفسه.و قال

ص: 96

تعالى: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ المائدة:44.

و مدح اللّه تعالى أهله: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ* وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ* وَ الَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ* وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ* أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ هُمْ لَها سابِقُونَ المؤمنون:

57-61.

و عند الإمام أحمد في مسنده،و في«جامع» التّرمذيّ عن عائشة،قالت:قلت:«يا رسول اللّه، الّذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم و جلة،أ هو الّذي يسرق و يزني و يشرب الخمر؟قال:لا يا ابنة الصّدّيق،و لكنّه الرّجل يصلّي و يصوم و يتصدّق و يخاف ألاّ يقبل منه».

قال الحسن رحمه اللّه:عملوا للّه بالطّاعات و اجتهدوا فيها،و خافوا أن تردّ عليهم.إنّ المؤمن جمع إيمانا و خشية،و المنافق جمع إساءة و أمنا.

و الخشية و الخوف و الوجل و الرّهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة.

فالخوف:توقّع العقوبة على مجاري الأنفاس،قاله جنيد.و قيل:اضطراب القلب و حركته من تذكّره المخوف.و قيل:الخوف:هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره.

و الخشية:أخصّ من الخوف،فإنّ الخشية للعلماء باللّه تعالى-كما تقدّم-فهي خوف مقرون بمعرفة.قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّي أتقاكم للّه و أشدّكم له خشية».

فالخوف:حركة،و الخشية:انجماع و انقباض و سكون،فإنّ الّذي يرى العدوّ و السّيل و نحو ذلك له حالتان:إحداهما:حركة الهرب منه،و هي حالة الخوف،و الثّانية:سكونه و قراره في مكان لا يصل إليه،و هي الخشية،و منه الخشّ:الشّيء الأخشن.

و المضاعف و المعتلّ أخوان،كتقضّى البازي و تقضّض.

و أمّا الرّهبة:فهي الإمعان في الهرب من المكروه، و هي ضدّ الرّغبة الّتي هي سفر القلب،في طلب المرغوب فيه.و بين الرّهب و الهرب تناسب في اللّفظ و المعنى،يجمعهما الاشتقاق الأوسط الّذي هو عقد تقاليب الكلمة،على معنى جامع.

و أمّا الوجل:فرجفان القلب و انصداعه،لذكر من يخاف سلطانه و عقوبته،أو لرؤيته.

و أمّا الهيبة:فخوف مقارن للتّعظيم و الإجلال.

و أكثر ما يكون مع المحبّة و الإجلال.

فالخوف لعامّة المؤمنين،و الخشية للعلماء العارفين،و الهيبة للمحبّين،و الوجل للمقرّبين.

و على قدر العلم و المعرفة يكون الخشية،كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّي لأعلمكم باللّه و أشدّكم له خشية»، و قال:«لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا،و لما تلذّذتم بالنّساء على الفرش،و لخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى اللّه تعالى».

فصاحب الخوف يلتجئ إلى الهرب و الإمساك، و صاحب الخشية إلى الاعتصام بالعلم،و مثلهما كمثل من لا علم له بالطّبّ،و مثل الطّبيب الحاذق،فالأوّل يلتجئ إلى الحمية و الهرب،و الطّبيب يلتجئ إلى

ص: 97

معرفته بالأدوية و الأدواء.

و كلّ واحد إذا خفته هربت منه،إلاّ اللّه،فإنّك إذا خفته هربت إليه.فالخائف هارب من ربّه إلى ربّه.

(بصائر ذوي التّمييز 2:544)

الجزائريّ: ذكر المحقّق الطّوسيّ رحمه اللّه في بعض مؤلّفاته ما حاصله:أنّ الخشية و الخوف و إن كانا في اللّغة بمعنى واحد،إلاّ أنّ بين خوف اللّه و خشيته في عرف أرباب القلوب فرقا،و هو أنّ الخوف تألّم النّفس من العقاب المتوقّع بسبب ارتكاب المنهيّات، و التّقصير في الطّاعات،و هو يحصل لأكثر الخلق و إن كانت مراتبه متفاوتة جدّا،و المرتبة العلياء منه لا تحصل إلاّ للقليل.

و الخشية:حالة تحصل عند الشّعور بعظمة الخالق و هيبته و خوف الحجب عنه،و هذه حالة لا يحصل إلاّ لمن اطّلع على حال الكبرياء،و ذاق لذّة القرب،و لذا قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:

28،فالخشية:خوف خاصّ،و قد يطلقون عليها:

الخوف.

قلت:و يؤيّد هذا الفرق أيضا قوله تعالى يصف المؤمنين: يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:21،حيث ذكر الخشية في جانبه سبحانه و الخوف في العذاب هذا.

و قد يراد بالخشية:الإكرام و الإعظام،و عليه حمل قراءة من قرأ (انّما يخشى اللّه من عباده العلماء) ، برفع(اللّه)و نصب(العلماء)(95)

مجمع اللّغة :الخشية:الخوف مع تعظيم المخوف أو الشّعور بخطره.

و الخشية من اللّه،و خشية اللّه:الخوف من غضبه و عقابه.

و تسند خشية اللّه إلى ما لا يعقل تصويرا لخضوعه.

خشيه يخشاه خشية:خافه و اتّقاه.(1:336)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خشيه:خافه و هابه.

و الخشية:الخوف مع تعظيم المخوف منه.(1:164)

العدنانيّ: خشوا بقوا،نهوا سروا،دنوا رموا.

و يقولون:الطّلاّب خشوا كثرة الأمطار فبقوا في المدرسة.و الصّواب:الطّلاّب خشوا كثرة الأمطار فبقوا في المدرسة،لأنّ الفعلين«خشي و بقي»هما ناقصان يائيّان،و يضمّ فيهما الحرف السّابق لحرف العلّة،الّذي يحذف قبل أن تسند واو الجماعة إلى الفعل.

و يحدث مثل ذلك للنّاقص الواويّ،فنقول:نهو:

صار متناهيا في العقل:نهوا،و سرو«شرف»:سروا.

أمّا إذا كان حرف العلّة في الفعل النّاقص ألفا، فإنّنا نحذف الألف،و نسند إليه واو الجماعة،و نفتح ما قبلها:نحو:دنا:دنوا،و رمى:رموا.

إنّ كثرة عثرات المذيعين،و خطباء المنابر، و الشّاشات الصّغيرة،عند استعمالهم أمثال هذه الأفعال،هي الّتي حملتني على إيرادها في هذا المعجم، مع قليل مثلها من الموادّ،الّتي لا يخفى الصّواب فيها، على أدبائنا الكبار.(190)

خشيه،خشي منه

و يخطّئون من يقول:خشي من الفقر،و يقولون

ص: 98

إنّ الصّواب هو:خشي الفقر يخشاه خشيا و خشية و خشاة و مخشاة و مخشية و خشيانا و خشيا:خافه، و هو خاش و خش و خشيان.و الأنثى:خشيا.

و اعتمدوا في تخطئتهم تلك،على اكتفاء الصّحاح، و مفردات الرّاغب،و اللّسان،و المختار،و القاموس، و التّاج،و متن اللّغة،بذكر الفعل«خشيه»،و على قوله تعالى في الآية:37،من سورة الأحزاب:

وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ، و ورود الفعل«خشي»متعدّيا تعدّيا مباشرا 34:مرّة أخرى في القرآن الكريم.

و لكنّ«الأساس»قال:خشي اللّه،و خشي منه، و تلاه مدّ القاموس،فالمعجم الوسيط،فأجازا:خشيه و خشي منه.(معجم الأخطاء الشّائعة:78)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو المراقبة و الوقاية مع الخوف،بأن يراقب أعماله و يتّقي نفسه،مع الخوف و الملاحظة.

و يقابل هذا المعنى:الإهمال و التّغافل،و عدم المبالاة،و ترك الاهتمام و الملاحظة،و عدم صيانة النّفس من الخلاف.

و هذا المعنى من لوازم العلم و اليقين،و قد ورد أنّ من فقد الخشية لا يكون عالما،و إن شقّ الشّعر بمتشابهات العلم.و بهذه المناسبة قد يطلق و يراد منه العلم،كما في:خشيت،بمعنى علمت.

فهذه المادّة ليست بمعنى العلم،و لا بمعنى الخوف، و يدلّ عليه قوله تعالى: لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى طه:77،فإنّ الخشية قد ذكر في مقابل الخوف.

و أيضا مفهوم الخوف لا يستقيم في كثير من الموارد في الآيات الكريمة: وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ الأحزاب:37، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى طه:44، فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ المائدة:44،فلا معنى لخوف النّبيّ عن النّاس،مع أنّه رسول من اللّه تعالى إليهم،و كذلك لا معنى للخوف في أثر القول اللّيّن،و هكذا في الآية الثّالثة،فإنّ الخطاب للأنبياء و الرّبّانيّين،بعد قوله تعالى: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ المائدة:44،فلا اقتضاء لخوفهم المطلق.و هكذا في أغلب استعمال المادّة في الآيات الكريمة.

و أمّا آية: اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً... إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ آل عمران:173-175،فإنّ«الخشي»خطاب على المؤمنين،و لم يكن فيهم اقتضاء للخوف.و الخوف خطاب لأولياء الشّيطان من المستضعفين الخائفين لأنفسهم و أموالهم.

و يدلّ عليه أيضا: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها النّازعات:45 إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ فاطر:18،فإنّ إنذار من يخاف لا معنى له، و المراد إنذار من يلاحظ الأعمال و يراقب الأمور و المصالح،و يتّقي نفسه مع الخوف.

و أمّا قيد«مفهوم التّعظيم»في معنى المادّة،كما قال بعض:فليس بمستقيم،و لا يصحّ قيده في: وَ تَخْشَى النّاسَ الأحزاب:37، فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما

ص: 99

الكهف:80، تَخْشَوْنَ كَسادَها التّوبة:24، ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ النّساء:25، خَشْيَةَ إِمْلاقٍ الإسراء:31، خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ الإسراء:

100،فإنّه لا عظمة و لا قدر للنّاس و الأمور المادّيّة،و لا سيّما في نظر الأنبياء و المقرّبين.

و لا يخفى أنّ هذه المادّة قريبة من مادّة«خشع» لفظا و معنى.

و يدلّ على الأصل الّذي أصّلناه،ما يذكر في الآيات الشّريفة،ملازما للمادّة مقدّما أو مؤخّرا:

وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى النّازعات:19، سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى الأعلى:10، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى النّازعات:26، إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى طه:3، مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ المؤمنون:57، خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ الحشر:21.

فإنّ«الخشية»بمعنى اللّحاظ و المراقبة و التّوجّه مع الخوف،هي الّتي توجب التّذكّر و العبرة و الإشفاق و الخشوع.

ثمّ إنّ الخشية في«الجبل»في أثر إنزال القرآن عليه،بمعناها المذكور،فإنّ ملاحظة القرآن و التّوجّه إليه مع حالة الخوف و المراقبة،إنّما يحصل في نتيجة إنزال القرآن و بمناسبته،و لا يلائم معنى الخوف،حيث إنّ أثر نزول القرآن هو الملاحظة و المراقبة و الاتّقاء مع خوف.و من هذا المعنى يحصل الخشوع و التّصدّع، لا من الخوف.(3:64)

النّصوص التّفسيريّة

خشى

1- ...فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ... النّساء:25

راجع:ع ن ت:«العنت».

2- إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ. يس:11

ابن عبّاس: عمل للرّحمن و إن كان لا يراه.

(369)

الطّبريّ: و خاف اللّه حين يغيب عن أبصار النّاظرين،لا المنافق الّذي يستخفّ بدين اللّه إذا خلا،و يظهر الإيمان في الملإ،و لا المشرك الّذي قد طبع اللّه على قلبه.(10:428)

الزّجّاج: أي خاف اللّه من حيث لا يراه أحد.

(4:281)

و هناك مباحث أخرى راجع:غ ي ب:«الغيب»

3- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ*... رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ. البيّنة:7،8

ابن عبّاس: لمن وحّده ربّه.(516)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:هذا الخير الّذي وصفته و وعدته الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات يوم القيامة،لمن خشي ربّه،يقول:لمن خاف اللّه في الدّنيا في سرّه و علانيته،فاتّقاه بأداء فرائضه،و اجتناب

ص: 100

معاصيه،و باللّه التّوفيق.(12:658)

نحوه القاسميّ.(17:6230)

الطّوسيّ: أي ذلك الرّضا و الثّواب و الخلود في الجنّة لمن خاف اللّه،فترك معاصيه و فعل طاعاته.

(10:391)

مثله الطّبرسيّ(5:524)،و نحوه القرطبيّ(20:

146).

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:الخوف في الطّاعة حال حسنة، قال تعالى: وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ المؤمنون:60،و لعلّ الخشية أشدّ من الخوف،لأنّه تعالى ذكره في صفات الملائكة مقرونا بالإشفاق الّذي هو أشدّ الخوف فقال: هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ المؤمنون:57،و الكلام في الخوف و الخشية مشهور.

المسألة الثّانية:هذه الآية إذا ضمّ إليها آية أخرى صار المجموع دليلا على فضل العلم و العلماء،و ذلك لأنّه تعالى قال: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،فدلّت هذه الآية على أنّ العالم يكون صاحب الخشية،و هذه الآية و هي قوله: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ، البيّنة:8،تدلّ على أنّ صاحب الخشية تكون له الجنّة،فيتولّد من مجموع الآيتين:أنّ الجنّة حقّ العلماء.

المسألة الثّالثة:قال بعضهم:هذه الآية تدلّ على أنّ المرء لا ينتهي إلى حدّ يصير معه آمنا بأن يعلم أنّه من أهل الجنّة،و جعل هذه الآية دالّة عليه.

و هذا المذهب غير قويّ،لأنّ الأنبياء عليهم السّلام قد علموا أنّهم من أهل الجنّة،و هم مع ذلك من أشدّ العباد خشية للّه تعالى،كما قال عليه الصّلاة و السّلام:

«أعرفكم باللّه أخوفكم من اللّه،و أنا أخوفكم منه»، و اللّه سبحانه و تعالى أعلم،صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه و سلّم.(32:56)

البيضاويّ: إنّ الخشية ملاك الأمر،و الباعث على كلّ خير.(2:570)

الشّربينيّ: أي خاف المحسن إليه خوفا يليق به، فلم يركن إلى التّسويف و التّكاسل،فإنّ الخشية ملاك الأمر،و الباعث على كلّ خير،و هي للعارفين.فإنّ الإنسان إذا استشعر عذابا يأتيه لحقته حالة يقال لها:

الخوف،و هي انخلاع القلب عن طمأنينته،فإن اشتدّ سمّي وجلا لجولانه في نفسه،فإن اشتدّ سمّي رهبا لأدائه إلى الهرب،و هي حالة المؤمنين الفارّين إلى اللّه تعالى.

و من غلب عليه الحبّ لاستغرائه في شهود الجماليّات لحقته حالة تسمّى مهابة،و وراء هذه الخشية«إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء»،فمن خاف ربّه هذا الخوف انفكّ عن جميع ما عنده ممّا لا يليق بجنابه تعالى.و ما فارق الخوف قلبا إلاّ خرب.

(4:572)

أبو السّعود :إنّ الخشية الّتي هي من خصائص العلماء بشئون اللّه عزّ و جلّ،مناط لجميع الكمالات العلميّة و العمليّة المستتبعة للسّعادة الدّينيّة و الدّنيويّة، و التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة المعربة عن المالكيّة و التّربية للإشعار بعلّة الخشية،و التّحذير من الاغترار بالتّربية.

(6:457)

ص: 101

مثله البروسويّ.(10:491)

الآلوسيّ: إنّ الخشية ملاك السّعادة الحقيقيّة، و الفوز بالمراتب العليّة؛إذ لولاها لم تترك المناهي و المعاصي،و لا استعدّ ليوم يؤخذ فيه بالأقدام و النّواصي.

و فيه إشارة إلى أنّ مجرّد الإيمان و العمل الصّالح ليس موصلا إلى أقصى المراتب،و رضوان من اللّه أكبر.بل الموصل له خشية اللّه تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،و لذا قال الجنيد قدس سرّه:«على قدر قوّة العلم و الرّسوخ في المعرفة»، و قال عصام الدّين الأظهر:«إنّ ذلك إشارة إلى ما يترتّب عليه الجزاء و الرّضوان من الإيمان و العمل الصّالح»و تعقّب:ب«أنّ فيه غفلة عمّا ذكر،و عن أنّه لا يكون حينئذ لقوله تعالى:(ذلك...)،كبير فائدة».

و التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة المعربة عن المالكيّة و التّربية،للإشعار بعلّة الخشية و التّحذير من الاغترار بالتّربية.(30:206)

محمّد عبده:أراد بهذه الكلمة الرّفيعة:الاحتياط لدفع سوء الفهم الّذي وقع و لا يزال يقع فيه العامّة من النّاس،بل الخاصّة كذلك.و هو أنّ مجرّد الاعتقاد بالوراثة،و تقليد الأبوين،و معرفة ظواهر بعض الأحكام،و أداء بعض العبادات،كحركات الصّلاة و إمساك الصّوم،مجرّد هذا،لا يكفي في نيل ما أعدّ اللّه من الجزاء للّذين آمنوا و عملوا الصّالحات،و إن كانت قلوبهم حشوها الحسد و الحقد و الكبرياء و الرّياء،و أفواههم ملؤها الكذب و النّميمة و الافتراء،و تهزّ أعطافهم رياح العجب و الخيلاء، و سرائرهم مسكن العبوديّة و الرّقّ للأمراء،بل و لمن دون الأمراء خالية من أقلّ مراتب الخشوع و الإخلاص لربّ الأرض و السّماء،كلاّ لا ينالون حسن الجزاء،فإنّ خشية ربّهم لم تحلّ قلوبهم،و لهذا لم تهذّب من نفوسهم،و لا يكون ذلك الجزاء إلاّ لمن خشي ربّه،و أشعر خوفه قلبه.(القاسميّ 17:623)

طنطاوي:اعلم أنّ مجرّد الإيمان لا يكفي في الخشية،لذلك خصّ اللّه سبحانه و تعالى رضوانه على العبد و رضوان العبد عليه بأن يخشى ربّه،و خشيته لها طرق أهمّها ما جاء في قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،و هم الّذين يفكّرون في الجبال و ألوانها،و في الثّمرات و أنواعها،و في النّاس و أشكالها و أعضائها،و في الحيوان و إبداعه.فالنّاظر لهذه العجائب من حيث نظامها-لا من حيث الانتفاع بها وحده-يجد في نفسه رضا عن كلّ ما يصنعه الخالق، لأنّه يتحقّق أنّه لا يفعل إلاّ مصلحة في الموت و الحياة، و المنع و العطاء،و مثل هذا غالبا يكون راضيا عن ربّه و ربّه راض عنه.(25:255)

المراغيّ: أي هذا الجزاء الحسن إنّما يكون لمن ملأت قلبه الخشية و الخوف من ربّه.و في ذلك تحذير من خشية غير اللّه،و تنفير من إشراك غيره في جميع الأعمال،كما أنّ فيه ترغيبا في تذكّر اللّه و رهبته لدى كلّ عمل من أعمال البرّ،حتّى يكون العمل له خالصا.

إلى أنّ فيه إيماء إلى أنّ أداء بعض العبادات

ص: 102

كالصّلاة و الصّوم بحركات و سكنات مجرّدين عن الخشية لا يكفي في نيل ما أعدّ للّذين آمنوا و عملوا الصّالحات من الجزاء،لأنّ الخشية لم تحلّ قلوبهم،و لم تهذّب نفوسهم.

نسأل اللّه أن يطهّر قلوبنا،و ينير بصائرنا،حتّى لا نرهب سواه،و لا نخشى إلاّ إيّاه،و الحمد للّه ربّ العالمين.(30:217)

ابن عاشور :تذييل آت على ما تقدّم من الوعد للّذين آمنوا و الوعيد للّذين كفروا،بيّن به سبب العطاء و سبب الحرمان،و هو خشية اللّه تعالى بمنطوق الصّلة و مفهومها.(30:429)

الطّباطبائيّ: علامة مضروبة لسعادة الدّار الآخرة،و قد قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،فالعلم باللّه يستتبع الخشية منه، و الخشية منه تستتبع الإيمان به،بمعنى الالتزام القلبيّ بربوبيّته و ألوهيّته،ثمّ العمل الصّالح.(20:340)

مكارم الشّيرازيّ: جملة: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ تدلّ على أنّ كلّ هذه البركات تنطلق من «خشية اللّه»،لأنّ هذه الخشية دافع للحركة صوب كلّ طاعة و تقوى و عمل صالح.

بعض المفسّرين قرن هذه الآية،بالآية:28،من سورة فاطر؛حيث يقول سبحانه: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ، و خرج بنتيجة هي أنّ الجنّة للعلماء.

طبعا لا بدّ أن نأخذ بنظر الاعتبار وجود مراتب و مراحل للخشية و هكذا مراتب للعلم.

قيل أيضا:إنّ الخشية أسمى من الخوف،لأنّها خوف مقرون بالتّعظيم و الاحترام.(20:334)

فضل اللّه : ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ الّذي هو التّجسيد الحيّ للرّوح الخاشعة الواعية المطمئنّة إلى ربّها،من خلال معرفتها به،المتحرّكة في خطّ الطّاعة.

و بذلك لا يكون الخوف من اللّه حالة انفعاليّة،بل هي حالة عقلانيّة تدرس كلّ شيء في نطاق ارتباط الوجود كلّه باللّه،في جميع الأمور،كما تدرس النّتائج المصيريّة في ثواب اللّه و عقابه في موقف الحساب،في الدّار الآخرة.(24:364)

4- مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ.

ق:33

ابن عبّاس: من عمل للرّحمن و إن لم يره.(440)

الفرّاء: إن شئت جعلت(من)خفضا تابعة لقوله:

(لكلّ)،و إن شئت استأنفتها،فكانت رفعا يراد بها الجزاء،من خشي الرّحمن بالغيب قيل له:ادخل الجنّة، و (ادْخُلُوها) ق:34،جواب للجزاء أضمرت قبله القول،و جعلته فعلا للجميع،لأنّ(من)تكون في مذهب الجميع.(3:79)

الطّبريّ: يقول:من خاف اللّه في الدّنيا من قبل أن يلقاه،فأطاعه،و اتّبع أمره.[ثمّ ذكر نحو الفرّاء]

(11:429)

نحوه البغويّ(4:276)،و الطّبرسيّ(5:149).

الطّوسيّ: الخشية:انزعاج القلب عند ذكر السّيّئة و داعي الشّهوة،حتّى يكون في أعظم حال من طلبه سبع يفترسه،أو عدوّ يأتي على نفسه،أو طعام مسموم يدعى إلى أكله.هذه خشية الرّحمن الّتي

ص: 103

تنفعه،و الّتي دعا إليها ربّه.(9:371)

القشيريّ: الخشية من الرّحمن،هي الخشية من الفراق.و الخشية من الرّحمن تكون مقرونة بالأنس، و لذلك لم يقل:من خشي الجبّار،و لا من خشي القهّار.

و يقال:الخشية من اللّه تقتضي العلم بأنّه يفعل ما يشاء،و أنّه لا يسأل عمّا يفعل.

و يقال:الخشية ألطف من الخوف،و كأنّه قريبة من الهيبة.(6:22)

الزّمخشريّ: (من خشى)بدل بعد بدل،تابع ل(كلّ).

و يجوز أن يكون بدلا عن موصوف(اواب) و(حفيظ.)

و لا يجوز أن يكون في حكم(اواب)و(حفيظ) لأنّ(من)لا يوصفه به و لا يوصف(من)بين الموصولات إلاّ ب«الّذي»وحده.

و يجوز أن يكون مبتدأ،خبره:يقال لهم:

اُدْخُلُوها بِسَلامٍ، ق:34،لأنّ(من)في معنى الجمع.

و يجوز أن يكون منادى،كقولهم:من لا يزال محسنا أحسن إليّ،و حذف حرف النّداء للتّقريب.

(4:10)

نحوه أبو السّعود.(6:130)

ابن عطيّة: يحتمل أن يكون(من)نعت «الأوّاب»أو بدلا.و يحتمل أن يكون رفعا بالابتداء، و الخبر يقال لهم:(ادخلوها).و يحتمل أن تكون شرطيّة،فيكون الجواب يقال لهم:(ادخلوها).

(5:166)

الفخر الرّازيّ: و في الآية لطائف معنويّة:

الأوّل:الخشية و الخوف معناهما واحد عند أهل اللّغة،لكن بينهما فرق،و هو أنّ الخشية من عظمة المخشيّ.و ذلك لأنّ تركيب حروف«خ ش ي»في تقاليبها يلزمه معنى:الهيبة.يقال:«شيخ»للسّيّد و الرّجل الكبير السّنّ،و هما جميعا مهيبان.و الخوف:

خشية من ضعف الخاشي؛و ذلك لأنّ تركيب «خ و ف»في تقاليبها يدلّ على الضّعف،تدلّ عليه:

الخيفة و الخفية،و لو لا قرب معناهما لما ورد في القرآن:

تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً الأنعام:63،و تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً الأعراف:205،و المخفيّ فيه ضعف كالخائف.

إذا علمت هذا تبيّن لك اللّطيفة،و هي أنّ اللّه تعالى في كثير من المواضع ذكر لفظ«الخشية»حيث كان الخوف من عظمة المخشيّ،قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28.

و قال: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ الحشر:21،فإنّ الجبل ليس فيه ضعف يكون الخوف من ضعفه،و إنّما اللّه عظيم يخشاه كلّ قويّ: هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ المؤمنون:57،مع أنّ الملائكة أقوياء.

و قال تعالى: وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ الأحزاب:37،أي تخافهم إعظاما لهم،إذ لا ضعف فيك بالنّسبة إليهم.و قال تعالى: لا تَخَفْ وَ لا تَحْزَنْ العنكبوت:33،أي لا تخف ضعفا،فإنّهم لا عظمة لهم.و قال: يَخافُونَ يَوْماً النّور:37،حيث كان عظمة اليوم بالنّسبة إلى عظمة اللّه ضعيفة.

ص: 104

و قال: أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا فصّلت:30،أي بسبب مكروه يلحقكم من الآخرة،فإنّ المكروهات كلّها مدفوعة عنكم.و قال تعالى: خائِفاً يَتَرَقَّبُ القصص:18،و قال: فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ القصص:

33،لوحدته و ضعفه.و قال هارون: إِنِّي خَشِيتُ طه:94،لعظمة موسى في عين هارون لا لضعف فيه.

و قال: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً الكهف:

80،حيث لم يكن لضعف فيه.

و حاصل الكلام أنّك إذا تأمّلت استعمال «الخشية»وجدتها مستعملة لخوف بسبب عظمة المخشيّ،و إذا نظرت إلى استعمال«الخوف»وجدته مستعملا لخشية من ضعف الخائف،و هذا في الأكثر.

و ربّما يتخلّف المدّعي عنه لكن الكثرة كافية.

الثّانية:قال اللّه تعالى هاهنا: خَشِيَ الرَّحْمنَ، مع أنّ وصف الرّحمة غالبا يقابل الخشية إشارة إلى مدح المتّقي؛حيث لم تمنعه الرّحمة من الخوف بسبب العظمة.و قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ الحشر:21، إشارة إلى ذمّ الكافر؛حيث لم تحمله الألوهيّة-الّتي تنبئ عنها لفظة(اللّه)و فيها العظمة-على خوفه.

و قال: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر :28،لأنّ(انّما)للحصر،فكان فيه إشارة إلى أنّ الجاهل لا يخشاه،فذكر اللّه ليبيّن أنّ عدم خشيته مع قيام المقتضي و عدم المانع،و هو الرّحمة.

و قد ذكرنا ذلك في سورة«يس»و نزيد هاهنا شيئا آخر،و هو أن نقول:لفظة(الرّحمن)إشارة إلى مقتضى الخشية لا إلى المانع.و ذلك لأنّ(الرّحمن) معناه:واهب الوجود بالخلق،و(الرّحيم):واهب البقاء بالرّزق،و هو في الدّنيا رحمان حيث أوجدنا بالرّحمة،و رحيم حيث أبقى بالرّزق.و لا يقال لغيره:

رحيم،لأنّ البقاء بالرّزق قد يظنّ أنّ مثل ذلك يأتي ممّن يطعم المضطرّ،فيقال:فلان هو الّذي أبقى فلانا.

و هو في الآخرة أيضا رحمان حيث يوجدنا، و رحيم حيث يرزقنا،و ذكرنا ذلك في تفسير الفاتحة؛ حيث قلنا:قال: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، إشارة إلى كونه رحمانا في الدّنيا حيث خلقنا،رحيما في الدّنيا حيث رزقنا رحمة،ثمّ قال مرّة أخرى بعد قوله:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أي هو رحمان مرّة أخرى في الآخرة بخلقنا ثانيا.

و استدللنا عليه بقوله بعد ذلك: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، أي يخلقنا ثانيا.و رحيم يرزقنا،و يكون هو المالك في ذلك اليوم.

إذا علمت هذا،فمن يكون منه وجود الإنسان لا يكون خوفه خشية من غيره،فإنّ القائل يقول لغيره:أخاف منك أن تقطع رزقي أو تبدّل حياتي،فإذا كان اللّه تعالى رحمانا منه الوجود ينبغي أن يخشى،فإنّ من بيده الوجود بيده العدم.و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«خشية اللّه رأس كلّ حكمة»،و ذلك لأنّ الحكيم إذا تفكّر في غير اللّه وجده محلّ التّغيّر،يجوز عليه العدم في كلّ طرفة عين،و ربّما يقدّر اللّه عدمه قبل أن يتمكّن من الإضرار،لأنّ غير اللّه إن لم يقدّر اللّه أن يضرّ لا يقدر على الضّرر،و إن قدر عليه بتقدير اللّه فسيزول الضّرر

ص: 105

بموت المعذّب أو المعذّب.و أمّا اللّه تعالى فلا رادّ لما أراد و لا آخر لعذابه.و قال تعالى:(بالغيب)أي كانت خشيتهم قبل ظهور الأمور؛حيث ترى رأي العين.

و قوله تعالى: وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ، إشارة إلى صفة مدح أخرى،و ذلك لأنّ الخاشي قد يهرب و يترك القرب من المخشيّ و لا ينتفع،و إذا علم المخشيّ أنّه تحت حكمه تعالى،علم أنّه لا ينفعه الهرب،فيأتي المخشيّ و هو غير خاش،فقال:(و جاء)و لم يذهب كما يذهب الآبق.(28:177)

العكبريّ: (من خشى)في موضع رفع،أي هم من خشي،أو في موضع جرّ بدلا من(للمتقين)،أو من(كل اواب،)أو في موضع نصب،أي أعني من خشي.

و قيل:(من)مبتدأ،و الخبر محذوف تقديره:يقال لهم:(ادخلوها).(2:1176)

نحوه القرطبيّ.(17:20)

النّسفيّ: الخشية:انزعاج القلب عند ذكر الخطيئة،و قرن بالخشية اسمه الدّالّ على سعة الرّحمة، للثّناء البليغ على الخاشي،و هو خشيته مع علمه أنّه الواسع الرّحمة،كما أثنى عليه بأنّه خاش مع أنّ المخشيّ منه غائب.(4:180)

أبو حيّان :(من خشى)بدل بعد بدل،تابع ل (كلّ)قاله الزّمخشريّ.و إنّما جعله تابعا ل(كلّ) لا بدلا من(للمتقين)،لأنّه لا يتكرّر الإبدال من مبدل منه واحد.قال:«و يجوز أن يكون بدلا من موصوف(اواب)و(حفيظ)،و لا يجوز أن يكون في حكم(اواب)و(حفيظ)،لأنّ(من)لا يوصف به و لا يوصف(من)بين سائر الموصولات إلاّ بالّذي»انتهى.يعني بقوله:في حكم(اواب)،أن يجعل(من)صفته،و هذا حكم صحيح.

و أمّا قوله:لا يوصف(من)بين الموصولات إلاّ ب «الّذي»،فالحصر ليس بصحيح،قد وصفت العرب بما فيه«أل»و هو موصول،نحو:القائم و المضروب، و وصفت ب«ذو الطّائيّة»و«ذات»في المؤنّث،و من كلامهم:بالفضل ذو فضّلكم اللّه به،و الكرامة ذات أكرمكم اللّه به،يريد ب«الفضل»الّذي فضّلكم، و«الكرامة»الّتي أكرمكم،و لا يريد الزّمخشريّ خصوصيّة«الّذي»بل فروعه من المؤنّث و المثنّى و المجموع،على اختلاف لغات ذلك.

و جوّز أن تكون(من)موصولة مبتدأ،خبره القول المحذوف،تقديره:يقال لهم:(ادخلوها)،لأنّ (من)في معنى الجمع.و أن تكون شرطيّة،و الجواب الفعل المحذوف،أي فيقال:و أن يكون منادى،كقولهم:

من لا يزال محسنا أحسن إليّ،و حذف حرف النّداء للتّقريب.و قال ابن عطيّة:يحتمل أن تكون(من)نعتا، انتهى.

و هذا لا يجوز،لأنّ(من)لا ينعت بها.(8:127)

نحوه الآلوسيّ.(28:190)

الشّربينيّ: أي خاف و نبّه على كثرة خشيته بقوله تعالى:(الرّحمن)،لأنّه إذا خافه مع استحضار الرّحمة العامّة للمطيع و العاصي،كان خوفه مع استحضار غيرها أولى.(4:89)

ص: 106

البروسويّ: الخشية:خوف يشوبه تعظيم.و في «عين المعاني»:انزعاج القلب عند ذكر السّيّئة و موجبها.

و قال الواسطيّ: الخشية أرقّ من الخوف،لأنّ الخوف للعامّة،من العقوبة،و الخشية من نيران اللّه في الطّبع فيها نظافة الباطن،للعلماء،و من رزق الخشية لم يعدم الإنابة،و من رزق الإنابة لم يعدم التّفويض و التّسليم،و من رزق التّفويض و التّسليم لم يعدم الصّبر على المكاره،و من رزق الصّبر على المكاره لم يعدم الرّضى.

و قال بعضهم:أوائل العلم الخشية،ثمّ الإجلال،ثمّ التّعظيم،ثمّ الهيبة،ثمّ الفناء.و عن بعضهم:الخشية من الرّحمن:خشية الفراق،و من الجبّار و القهّار:خشية العقوبة.(9:131)

ابن عاشور :الخشية:الخوف،و أطلقت الخشية على أثرها،و هو الطّاعة.(26:266)

الطّباطبائيّ: الخشية بالغيب:الخوف من عذاب اللّه حال كونه غائبا غير مرئيّ له.(18:354)

فيها مطالب راجع:ر ح م:«الرّحمن»،و غ ي ب:

«الغيب».

خشينا

وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً. الكهف:80

ابن عبّاس: فعلم ربّك أن يكلّفهما.(251)

الفرّاء: فعلمنا.و هي في قراءة أبيّ (فخاف ربّك ان يرهقهما) على معنى علم ربّك،و هو مثل قوله: إِلاّ أَنْ يَخافا البقرة:229،قال:إلاّ أن يعلما و يظنّا.

و الخوف و الظّنّ يذهب بهما مذهب العلم.(2:157)

الأخفش: معناه:كرهنا،لأنّ اللّه لا يخشى.و هو في بعض القراءات(فخاف ربّك)،و هو مثل:«خفت الرّجلين أن يقولا»،و هو لا يخاف من ذلك أكثر من أنّه يكرهه لهما.(2:620)

ابن قتيبة :[مثل الفرّاء و أضاف:]

و قوله: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً البقرة:182،أي علم.

و قوله: وَ أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ الأنعام:51،لأنّ في الخشية و المخافة طرفا من العلم.(191)

الطّبريّ: فَخَشِينا و هي في مصحف عبد اللّه «فخاف ربّك ان يرهقهما طغيانا و كفرا».

و الخشية و الخوف توجّههما العرب إلى معنى الظّنّ،و توجّه هذه الحروف إلى معنى العلم بالشّيء الّذي يدرك من غير جهة الحسّ و العيان.(8:266)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:علم الخضر أنّ الغلام يرهق أبويه طغيانا و كفرا،لأنّ الغلام كان كافرا.قال قتادة:و في قراءة أبيّ (و امّا الغلام فكان كافرا و كان ابواه مؤمنين) ،فعبّر عن العلم بالخشية.

الثّاني:معناه:فخاف ربّك أن يرهق الغلام أبويه طغيانا و كفرا،فعبّر عن الخوف بالخشية هاهنا.قال مقاتل:في قراءة أبيّ (فخاف ربك) و الخوف هاهنا استعارة لانتفائه عن اللّه تعالى.

ص: 107

الثّالث:كره الخضر أن يرهق الغلام أبويه بطغيانه و كفره إثما و ظلما.(3:333)

الطّوسيّ: قيل:إنّ قوله: فَخَشِينا من قول الخضر.و قيل:إنّه من قول اللّه تعالى،و معناه:علمنا.

و قيل:معنى(خشينا)كرهنا،فبيّن أنّ الوجه في قتله ما لأبويه من المصلحة في ثبات الدّين،لأنّه لو بقى حيّا لأرهقهما طغيانا و كفرا أي أوقعهما فيه،فيكون ذلك مفسدة،فأمر اللّه بقتله لذلك،كما لو أماته.

(7:81)

الزّمخشريّ: فخفنا أن يغشي الوالدين المؤمنين طغيانا عليهما و كفرا،لنعمتهما بعقوقه و سوء صنيعه، و يلحق بهما شرّا و بلاء،أو يقرن بإيمانهما طغيانه و كفره،فيجتمع في بيت واحد مؤمنان و طاغ كافر، أو يعديهما بدائه و يضلّهما بضلاله،فيرتدّا بسببه، و يطغيا و يكفرا بعد الإيمان.

و إنّما خشي الخضر منه ذلك،لأنّ اللّه تعالى أعلمه بحاله،و أطلعه على سرّ أمره،و أمره إيّاه بقتله، كاخترامه لمفسدة عرفها في حياته.

و في قراءة أبيّ (فخاف ربّك) ،و المعنى:فكره ربّك كراهة من خاف سوء عاقبة الأمر فغيّره.و يجوز أن يكون قوله: فَخَشِينا حكاية لقول اللّه تعالى،بمعنى «فكرهنا»،كقوله: لِأَهَبَ لَكِ مريم:19.

(2:495)

نحوه الطّبرسيّ(3:487)،و النّسفيّ(3:22)، و أبو حيّان(6:155)،و أبو السّعود(4:208).

ابن عطيّة: قيل:هو في جملة الخضر،فهذا متخلّص.و الضّمير عندي للخضر و أصحابه الصّالحين الّذين أهمّهم الأمر و تكلّموا فيه.و قيل:هو في جهة اللّه تعالى،و عنه عبّر الخضر.

قال الطّبريّ: معناه:فعلمنا،و قال غيره:معناه:

فكرهنا.و الأظهر عندي في توجيه هذا التّأويل-و إن كان اللّفظ يدافعه-أنّها استعارة،أي على ظنّ المخلوقين و المخاطبين،لو علموا حاله لوقعت منهم خشية الرّهق للأبوين.

و قرأ ابن مسعود: (فخاف ربّك) ،و هذا بيّن في الاستعارة.و هذا نظير ما يقع في القرآن في جهة اللّه تعالى،من«لعلّ»و«عسى».فإنّ جميع ما في هذا كلّه، من ترجّ،و توقّع،و خوف،و خشية،إنّما هو بحبّكم أيّها المخاطبون.(3:536)

نحوه القرطبيّ.(11:36)

الفخر الرّازيّ: الخشية بمعنى الخوف و غلبة الظّنّ،و اللّه تعالى قد أباح له قتل من غلب على ظنّه تولّد مثل هذا الفساد منه.(21:161)

الشّربينيّ: أي خفنا،و الخشية:خوف يشوبه تعظيم.(2:398)

الآلوسيّ: فخفنا خوفا شديدا.[إلى أن قال:]

و فسّر بعض شرّاح البخاريّ«الخشية»بالعلم، فقال:أي علمنا أنّه لو أدرك و بلغ لدعا أبويه إلى الكفر،فيجيبانه و يدخلان معه في دينه،لفرط حبّهما إيّاه...

و الظّاهر أنّ هذا من كلام الخضر عليه السّلام أجاب به موسى عليه السّلام من جهته.و جوّز الزّمخشريّ أن يكون

ص: 108

ذلك حكاية لقول اللّه عزّ و جلّ،و المراد:فكرهنا بجعل الخشية مجازا مرسلا عن لازمها،و هو الكراهة على ما قيل.

قال في«الكشف»:«و ذلك لاتّحاد مقام المخاطبة كان سؤال موسى عليه السّلام منه تعالى و الخضر عليه السّلام بإذن اللّه تعالى يجيب عنه،و في ذلك لطف،و لكن الظّاهر هو الأوّل»انتهى.

و قيل:هو على هذا الاحتمال بتقدير فقال اللّه:

خشينا،و«الفاء»من الحكاية.و هو أيضا بعيد، و لا يكاد يلائم هذا الاحتمال الآية بعد،إلاّ أن يجعل التّعبير بالظّاهر فيها التفاتا.

و في مصحف عبد اللّه و قراءة أبيّ (فخاف ربّك) ، و التّأويل ما سمعت.(16:11)

الطّباطبائيّ: الأظهر من سياق الآية و ما سيأتي من قوله: وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي الكهف:82،أن يكون المراد بالخشية:التّحذّر عن رأفة،و رحمة مجازا، لا معناه الحقيقيّ الّذي هو التّأثّر القلبيّ الخاصّ المنفيّ عنه تعالى و عن أنبيائه،كما قال: وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ الأحزاب:39.(13:348)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ كلمة(خشينا)تطوي معنى كبيرا،فهذا التّعبير يوضّح أنّ هذا الرّجل العالم كان يعتبر نفسه مسئولا عن مستقبل النّاس،و لم يكن مستعدّا لأن يصاب أمّ أو أب مؤمنين بسوء،بسبب انحراف ابنهم.

كما أنّ تعبير(خشينا)جاء هنا بمعنى:لم نكن نرغب،و إلاّ لا معنى للخوف من مثل هذه المواضيع بالنّسبة لشخص بهذا المستوى،من العلم و الوعي و القدرة.

و بعبارة أخرى،فإنّ الهدف هو الاتّقاء من حادث سيّئ نرغب أن نقي الأبوين منه،على أساس المودّة لهما.

و يحتمل أن يكون التّعبير بمعنى«علمنا»كما ينقل عن ابن عبّاس،يعني أنّنا نعلم أنّ الفتى-في حال بقائه -سوف يكون سببا لأحداث أليمة تقع لأبيه و أمّه في المستقبل.

و أمّا لما ذا استخدم ضمير المتكلّم في حالة الجمع بينما كان المتكلّم فردا واحدا،فإنّ سبب ذلك واضح؛ حيث إنّها ليست المرّة الأولى الّتي يستخدم القرآن هذه الصّيغة،ففي كلام العرب عند ما يتحدّث الأشخاص الكبار عن أنفسهم فإنّهم يستخدمون ضمير الجمع.

و السّبب في ذلك أنّ هؤلاء الأشخاص يملكون أشخاصا تحت أيديهم و يعطونهم الأوامر لتنفيذ الأعمال،فاللّه يعطي الأوامر للملائكة،و الإنسان يعطي الأوامر للّذين هم تحت يديه.(9:294)

يخشى

1- ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى* إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى. طه:2،3

ابن عبّاس: لمن يسلم،و لم أنزله لتشقى:لتتعب نفسك،مقدّم،و مؤخّر.(260)

أبو عبيدة :مجازه مجاز المقدّم و المؤخّر،و فيه ضمير،و له موضع آخر من المختصر الّذي فيه ضمير:

ص: 109

ما أنزلنا عليك القرآن إلاّ تذكرة لمن يخشى لا لتشقى، و الموضع الآخر:ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، و ما أنزلناه إلاّ تذكرة لمن يخشى.(2:15)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:ما أنزلنا عليك هذا القرآن إلاّ تذكرة لمن يخشى عقاب اللّه،فيتّقيه بأداء فرائض ربّه و اجتناب محارمه.(8:391)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:إلاّ إنذارا لمن يخشى اللّه.

و الثّاني:إلاّ زجرا لمن يتّقي الذّنوب.

و الفرق بين الخشية و الخوف:أنّ الخوف فيما ظهرت أسبابه،و الخشية فيما لم تظهر أسبابه.

(3:393)

الزّمخشريّ: لمن يؤول أمره إلى الخشية،و لمن يعلم اللّه منه أنّه يبدّل بالكفر إيمانا و بالقسوة خشية.

(2:529)

ابن عطيّة: يتضمّن الإيمان و العمل الصّالح؛إذ الخشية باعثة على ذلك.(4:37)

الفخر الرّازيّ: وجه كون القرآن تذكرة أنّه عليه السّلام كان يعظّمهم به و ببيانه،فيدخل تحت قوله:لمن يخشى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه في الخشية و التّذكرة بالقرآن كان فوق الكلّ.(22:4)

البيضاويّ: لمن في قلبه خشية و رقّة يتأثّر بالإنذار،أو لمن علم اللّه منه أنّه يخشى بالتّخويف منه، فإنّه المنتفع به.(2:45)

مثله الشّربينيّ(2:448)،و نحوه أبو السّعود(4:

267)،و الآلوسيّ(16:150).

النّسفيّ: لمن يخاف اللّه أو لمن يؤول أمره إلى الخشية.(3:48)

ابن عاشور :و(من يخشى)هو المستعدّ للتّأمّل و النّظر في صحّة الدّين،و هو كلّ من يفكّر للنّجاة في العاقبة.فالخشية هنا مستعملة في المعنى العربيّ الأصليّ،و يجوز أن يراد بها المعنى الإسلاميّ، و هو خوف اللّه،فيكون المراد من الفعل المآل،أي من يؤول أمره إلى الخشية بتيسير اللّه تعالى له التّقوى، كقوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ البقرة:2،أي الصّائرين إلى التّقوى.(16:95)

الطّباطبائيّ: إنّ المراد ب(من يخشى):من كان في طبعه ذلك،بأن كان مستعدّا لظهور الخشية في قلبه لو سمع كلمة الحقّ،حتّى إذا بلغت إليه التّذكرة ظهرت في باطنه الخشية،فآمن و اتّقى.(14:120)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ تعبير(من يخشى) يبيّن أنّ نوعا من الإحساس بالمسئوليّة،و الّذي سمّاه القرآن بالخشية،إذا لم يكن موجودا في الإنسان، فسوف لا يقبل الحقائق،لأنّ قابليّة القابل شرط في حمل و نموّ كلّ بذرة و حبّة.و هذا التّعبير في الحقيقة شبيه بما نقرؤه في أوّل سورة البقرة: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ.

(9:466)

فضل اللّه :مسألة التّأكيد على(لمن يخشى،) فلأنّ الخشية تثير في داخل الإنسان المشاعر القلقة الحائرة الّتي تبحث عن الأمن و الطّمأنينة،و الاستقرار الرّوحيّ أمام القضايا الّتي تثيرها الدّعوة القرآنيّة في نفسه،من خلال علامات الاستفهام المتحرّكة في

ص: 110

وجدانه،في هذا الموقع أو ذاك،فيدفعه ذلك إلى التّأمّل العميق،و التّفكير الجادّ،في الطّريق إلى الإيمان.أمّا الّذي لا يخشى عذاب اللّه،فإنّه يعيش اللاّمبالاة (1)أمام كلّ قضايا الفكر و الإيمان،و لذلك فإنّ التّذكير لا يحقّق له أيّ شيء أمام الجمود الفكريّ المتحجّر الّذي يعيش في داخله.(15:91)

و فيها مباحث راجع ذ ك ر:«تذكرة».

2- وَ مِنَ النّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ. فاطر:28

راجع:ع ل م:«العلماء».

3- إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى. النّازعات:26

راجع:ع ب ر:«عبرة».

4- وَ أَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى* وَ هُوَ يَخْشى* فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّى. عبس:8-10

ابن عبّاس: وَ هُوَ يَخْشى من اللّه و هو مسلم، و كان قد أسلم قبل ذلك ابن أمّ مكتوم.(501)

الطّبريّ: هو يخشى اللّه و يتّقيه.(12:445)

الطّوسيّ: يعني عبد اللّه بن أمّ مكتوم،جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و هو يخشى معصية اللّه و الكفر.و الخشية:

هو الحذر من مواقعة المعصية،خوفا من عقاب اللّه تعالى.(10:270)

الزّمخشريّ: وَ هُوَ يَخْشى اللّه،أو يخشى الكفّار و أذاهم في إتيانك،و قيل:جاء و ليس معه قائد فهو يخشى الكبوة.(4:218)

الفخر الرّازيّ: فيه ثلاثة أوجه:

يخشى اللّه و يخافه في أن لا يهتمّ بأداء تكاليفهم.

أو يخشى الكفّار و أذاهم في إتيانك.

أو يخشى الكبوة،فإنّه كان أعمى،و ما كان له قائد.(31:57)

نحوه البيضاويّ(2:540)،و النّسفيّ(4:333)، و أبو حيّان(8:428)،و الشّربينيّ(4:484)و أبو السّعود (6:377).

البروسويّ: وَ هُوَ و الحال أنّه يَخْشى اللّه تعالى،أو يخشى الكفّار و أذاهم إتيانك.

قال سعدي المفتي:الظّاهر أنّ النّظم من الاحتباك ذكر الغنى أوّلا للدّلالة على الفقر ثانيا،و المجيء و الخشية ثانيا للدّلالة على ضدّهما أوّلا.(10:333)

الآلوسيّ: أي يخاف اللّه تعالى،و قيل:أذيّة الكفّار في الإتيان،و قيل:العثار و الكبوة،إذ لم يكن معه قائد.و الجملة حال من فاعل(يسعى،)كما أنّ جملة:(يسعى)حال من فاعل(جاءك.)

و استظهر بعض الأفاضل أنّ النّظم الجليل من الاحتباك ذكر الغنى أوّلا للدّلالة على الفقر ثانيا، و المجيء و الخشية ثانيا للدّلالة على ضدّهما أوّلا، و كأنّه حمل استغنى على ما نقل أخيرا و استشعر ما قيل..

ص: 111


1- الصّواب:بلا مبالاة..لأنّ«أل»التّعريف لا تدخل على حرف النّفي«لا»و هو خطأ شاع...

عليه،فاحتاج لدفعه إلى هذا التّكلّف،و عدم الاحتياج إليه على ما نقلناه في غاية الظّهور.

(30:41)

ابن عاشور :و جملة: وَ هُوَ يَخْشى في موضع الحال،و حذف مفعول يَخْشى لظهوره،لأنّ الخشية في لسان الشّرع تنصرف إلى خشية اللّه تعالى.

و المعنى:أنّه جاء طلبا للتّزكية،لأن يخشى اللّه من التّقصير في الاسترشاد.و اختير الفعل المضارع لإفادته التّجدّد.(30:96)

الطّباطبائيّ: أي يخشى اللّه،و الخشية:آية التّذكّر بالقرآن،قال تعالى: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى* إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى طه:2،3،و قال:

سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى الأعلى:10.(20:201)

مكارم الشّيرازيّ: فخشيته من اللّه هي الّتي دفعته للوصول إليك،كي يستمع إلى الحقائق ليزكّي نفسه فيها،و يعمل على مقتضاها.(19:365)

فضل اللّه : وَ هُوَ يَخْشى اللّه في نفسه،و في مسئوليّته في الدّعوة،و في المهمّات الأخرى الموكولة إليه،ممّا قد يتوقّف على سعة المعرفة.(24:67)

5- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى* سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى.

الأعلى:9،10

ابن عبّاس: مَنْ يَخْشى اللّه،و هو المسلم.

(508)

نزلت في ابن أمّ مكتوم.(القرطبيّ 20:20)

قتادة :فاتّقوا اللّه،ما خشي اللّه عبد قطّ إلاّ ذكره.

(الطّبريّ 12:546)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:سيذّكّر يا محمّد إذا ذكّرت الّذين أمرتك بتذكيرهم،من يخشى اللّه، و يخاف عقابه.(12:546)

الماورديّ: يعني يخشى اللّه،و قد يتذكّر من يرجوه،إلاّ أنّ تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الرّاجي، فلذلك علّقها بالخشية دون الرّجاء،و إن تعلّقت بالخشية و الرّجاء.(6:254)

الطّوسيّ: معناه سيتّعظ و ينتفع بدعائك و ذكرك من يخاف اللّه و يخشى عقابه،لأنّ من لا يخافه لا ينتفع بها.(10:331)

نحوه الطّبرسيّ.(5:475)

الزّمخشريّ: مَنْ يَخْشى اللّه و سوء العاقبة، فينظر و يفكّر حتّى يقوده النّظر إلى اتّباع الحقّ،فأمّا هؤلاء فغير خاشعين و لا ناظرين،فلا تأمّل أن يقبلوا منك.(4:244)

ابن عطيّة: مَنْ يَخْشى اللّه و دار الآخرة،و هم العلماء و المؤمنون،كلّ بقدر ما وفّق،و يتجنّب الذّكرى و نفعها من سبقت له الشّقاوة،فكفر و وجب له صلي النّار.(5:470)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ النّاس في أمر المعاد على ثلاثة أقسام:منهم من قطع بصحّته،و منهم من جوّز وجوده،و لكنّه غير قاطع فيه،لا بالنّفي و لا بالإثبات، و منهم من أصرّ على إنكاره و قطع بأنّه لا يكون.

فالقسمان الأوّلان تكون الخشية حاصلة لهما،و أمّا القسم الثّالث فلا خشية له و لا خوف.

إذا عرفت ذلك ظهر أنّ الآية تحتمل تفسيرين:

ص: 112

أحدهما:أن يقال:الّذي يخشى هو الّذي يكون عارفا باللّه و عارفا بكمال قدرته و علمه و حكمته، و ذلك يقتضي كونه قاطعا بصحّة المعاد،و لذلك قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:

28،فكأنّه تعالى لما قال: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى الأعلى:9،بيّن في هذه الآية أنّ الّذي تنفعه الذّكرى من هو،و لمّا كان الانتفاع بالذّكرى مبنيّا على حصول الخشية في القلب،و صفاء القلوب ممّا لا اطّلاع لأحد عليها إلاّ اللّه سبحانه،وجب على الرّسول تعميم الدّعوة تحصيلا للمقصود،فإنّ المقصود تذكير من ينتفع بالتّذكير،و لا سبيل إليه إلاّ بتعميم التّذكير.

الثّاني:أن يقال:إنّ الخشية حاصلة للعالمين و للمتوقّفين غير المعاندين؛و أكثر الخلق متوقّفون غير معاندين و المعاند فيهم قليل،فإذا ضمّ إلى المتوقّفين الّذين لهم الغلبة العارفون،كانت الغلبة العظيمة لغير المعاندين.

ثمّ إنّ كثيرا من المعاندين إنّما يعاندون باللّسان، فأمّا المعاند في قلبه بينه و بين نفسه،فذلك ممّا لا يكون، أو إن كان،فهو في غاية النّدرة و القلّة.

ثمّ إنّ الإنسان إذا سمع التّخويف بأنّه يَصْلَى النّارَ الْكُبْرى، و أنّه لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى، انكسر قلبه،فلا بدّ و أن يستمع و ينتفع أغلب الخلق في أغلب الأحوال،و أمّا ذلك المعرض فنادر،و ترك الخير الكثير لأجل الشّرّ القليل شرّ كثير.فمن هذا الوجه كان قوله: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى، يوجب تعميم التّذكير.(31:145)

القرطبيّ: أي من يتّق اللّه و يخافه.(20:20)

البيضاويّ: مَنْ يَخْشى اللّه تعالى،فإنّه يتأمّل فيها فيعلم حقيقتها،و هو يتناول العارف و المتردّد.(2:554)

النّسفيّ: مَنْ يَخْشى اللّه و سوء العاقبة.

(4:350)

أبو حيّان :أي لا يتذكّر بذكراك إلاّ من يخاف،فإنّ الخوف حامل على النّظر في الّذي ينجيه ممّا يخافه،فإذا نظر فأدّاه النّظر و التّذكّر إلى الحقّ،و هؤلاء هم العلماء و المؤمنون،كلّ على قدر ما وفّق له.(8:459)

الشّربينيّ: أي يخاف اللّه تعالى،فهي كآية:

فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ق:45،و إن كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يجب عليه تذكيرهم،نفعتهم الذّكرى أم لم تنفعهم.

و قال ابن عبّاس:نزلت في ابن أمّ مكتوم،و قيل:

في عثمان بن عفّان.(4:522)

أبو السّعود :من من شأنه أن يخشى اللّه تعالى حقّ خشيته،أو من يخشى اللّه تعالى في الجملة،فيزداد ذلك بالتّذكير،فيتفكّر في أمر ما تذكّر به،فيقف على حقّيّته،فيؤمن به.(6:415)

نحوه البروسويّ(10:408)،و الآلوسيّ(30:

108).

المراغيّ: مَنْ يَخْشى اللّه و يخاف عقابه،لأنّه هو الّذي يتأمّل في كلّ ما تذكّره له،فيتبيّن له وجه الصّواب،و يظهر له سبيل الحقّ الّذي يجب المعوّل عليه.(30:126)

ص: 113

ابن عاشور: مَنْ يَخْشى جنس لا فرد معيّن، أي سيتذكّر الّذين يخشون.و الضّمير المستتر في:

يَخْشى مراعى فيه لفظ(من)،فإنّه لفظ مفرد.

و قد نزّل فعل يَخْشى منزلة اللاّزم فلم يقدّر له مفعول،أي يتذكّر من الخشية فكرته و جبلّته،أي من يتوقّع حصول الضّرّ و النّفع فينظر في مظانّ كلّ، و يتدبّر في الدّلائل،لأنّه يخشى أن يحقّ عليه ما أنذر به.

و الخشية:الخوف،و تقدّم في قوله تعالى: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى طه:44،و الخشية ذات مراتب و في درجاتها يتفاضل المؤمنون.(30:252)

فضل اللّه : سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى لأنّ الّذي يثير الخوف من اللّه في نفسه،لا بدّ من أن يعود إلى وعيه لينفتح فيه على ربّه،و على يوم الحساب بين يديه، ليدفع بموقفه إلى خطّ التّراجع عن الخطإ،ليلتزم خطّ الصّواب.(24:212)

شوقي ضيف:و الخشية:خوف يشوبه تعظيم، و هي فوق الخوف و الرّجاء.أمّا الخوف:فتوقّع العقاب عند استشعار المكروه.و الرّجاء:تعلّق بشيء يؤمل حصوله أو دوامه.أمّا الخشية:فوجل و هيبة مقرونة بالتّعظيم و الإجلال،و لذلك جعل اللّه الاتّعاظ في الآية إنّما يبلغ تأثير المبلغ القويّ فيمن يستشعرون خشيته،لا من يستشعرون الخوف منه و الرّجاء.

و قد صوّر اللّه في آية سورة الزّمر هؤلاء الّذين يخشونه حين يستمعون إلى رسوله،و هو يتلو عليهم كلام ربّهم،يقول: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللّهِ ذلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ الزّمر:23.فهو أحسن الحديث.(305)

يخش

1- وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً.

النّساء:9

قتادة :إذا حضرت وصيّة ميّت فمره بما كنت آمرا نفسك بما تتقرّب به إلى اللّه،و خف في ذلك ما كنت خائفا على ضعفة،لو تركتهم بعدك.يقول:فاتّق اللّه و قل قولا سديدا إن هو زاغ.(الطّبريّ 3:612)

السّدّيّ: فيقول: وَ لْيَخْشَ كما يخاف أحدكم على عياله لو مات-إذ يتركهم صغارا ضعافا لا شيء لهم-الضّيعة بعده،فليخف ذلك على عيال أخيه المسلم،فيقول له القول السّديد.(الطّبريّ 3:612)

الإمام الصّادق عليه السّلام:من أكل مال اليتيم،سلّط اللّه عليه من يظلمه أو على عقبه،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا....

(العروسيّ 1:447)

الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و أولى التّأويلات بالآية قول من قال:تأويل ذلك:و ليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّة ضعافا خافوا عليهم العيلة لو كانوا فرّقوا أموالهم في حياتهم،أو قسّموها وصيّة منهم بها لأولي قرابتهم، و أهل اليتم و المسكنة،فأبقوا أموالهم لولدهم خشية

ص: 114

العيلة عليهم بعدهم،مع ضعفهم و عجزهم عن المطالب،فليأمروا من حضروه،و هو يوصي لذوي قرابته-و في اليتامى و المساكين و في غير ذلك-بماله بالعدل، فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، و هو أن يعرّفوه ما أباح اللّه له من الوصيّة،و ما اختاره للموصين من أهل الإيمان باللّه،و بكتابه و سنّته.

(3:614)

الزّمخشريّ: (لو)مع ما في حيّزه صلة ل (الذين،)و المراد بهم:الأوصياء أمروا بأن يخشوا اللّه فيخافوا على من في حجورهم من اليتامى،و يشفقوا عليهم خوفهم على ذرّيّتهم،لو تركوهم ضعافا و شفقتهم عليهم،و أن يقدروا ذلك في أنفسهم و يصوّروه،حتّى لا يجسروا على خلاف الشّفقة و الرّحمة.و يجوز أن يكون المعنى:و ليخشوا على اليتامى من الضياع.و قيل:هم الّذين يجلسون إلى المريض،فيقولون:إنّ ذرّيّتك لا يغنون عنك من اللّه شيئا،فقدّم مالك فيستغرقه بالوصايا.فأمروا بأن يخشوا ربّهم أو يخشوا على أولاد المريض،و يشفقوا عليهم شفقتهم على أولاد أنفسهم لو كانوا.و يجوز أن يتّصل بما قبله و أن يكون أمرا بالشّفقة للورثة على الّذين يحضرون القسمة من ضعفاء أقاربهم و اليتامى و المساكين،و أن يتصوّروا أنّهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضائعين محتاجين هل كانوا يخافون عليهم الحرمان و الخيبة؟!

فإن قلت:ما معنى وقوع لَوْ تَرَكُوا و جوابه صلة ل(الذين)

قلت:معناه و ليخش الّذين صفتهم و حالهم أنّهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرّيّة ضعافا،و ذلك عند احتضارهم،خافوا عليهم الضّياع بعدهم لذهاب كافلهم و كاسبهم.(1:503)

ابن عطيّة: و قوله: وَ لْيَخْشَ جزم بلام الأمر ،و لا يجوز إضمار هذه اللاّم عند سيبويه،قياسا على حروف الجرّ،إلاّ في ضرورة شعر،و منه قول الشّاعر:

محمّد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من أمر تبالا

و قرأ أبو حيوة،و عيسى بن عمر،و الحسن، و الزّهريّ:بكسر لا مات الأمر في هذه الآية.و قد تقدّم الكلام على لفظ(ذرّيّة)في سورة آل عمران،و مفعول (يخشى)محذوف لدلالة الكلام عليه،و حسن حذفه من حيث يتقدّر فيه التّخويف باللّه تعالى،و التّخويف بالعاقبة في الدّنيا،فينظر كلّ متأوّل بحسب الأهمّ في نفسه.(2:13)

نحوه القرطبيّ.(5:51)

أبو السّعود :أمر للأوصياء بأن يخشوا اللّه تعالى و يتّقوه في أمر اليتامى،فيفعلوا بهم ما يحبّون أن يفعل بذراريهم الضّعاف بعد وفاتهم،أو لمن يحضر المريض من العواد عند الإيصاء بأن يخشوا ربّهم أو يخشوا أولاد المريض،و يشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم، فلا يتركوه أن يضرّ بهم بصرف المال عنهم،أو للورثة بالشّفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب و اليتامى و المساكين،متصوّرين أنّهم لو كانوا أولادهم

ص: 115

بقوا خلفهم ضعافا مثلهم هل يجوّزون حرمانهم؟ أو للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصيّة.

و(لو)بما في حيّزها صلة ل(الذين)على معنى:

و ليخش الّذين حالهم و صفتهم أنّهم لو شارفوا أن يخلّفوا ورثة ضعافا خافوا عليهم الضّياع،و في ترتيب الأمر عليه إشارة إلى المقصود منه،و العلّة فيه،و بعث على التّراحم،و أن يحبّ لأولاد غيره ما يحبّ لأولاد نفسه،و تهديد للمخالف بحال أولاده.(2:102)

الآلوسيّ: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ حالهم و صفتهم أنّهم لو شارفوا أن يخلفوا ذرّيّة ضعافا،خافوا عليهم الضّياع.

و ذهب الأجهوريّ و غيره إلى أنّ(لو)بمعنى«إن» فتقلب الماضي إلى الاستقبال،و أوجبوا حمل(تركوا) على المشارفة،ليصحّ وقوع(خافوا)جزاء له، ضرورة أنّه لا خوف بعد حقيقة الموت و ترك الوصيّة.

و في ترتيب الأمر على الوصف المذكور في حيّز الصّلة المشعر بالعلّيّة،إشارة إلى أنّ المقصود من الأمر:

أن لا يضيعوا اليتامى حتّى لا تضيع أولادهم،و فيه تهديد لهم بأنّهم إن فعلوه أضاع اللّه أولادهم،و رمز إلى أنّهم إن راعوا الأمر حفظ اللّه تعالى أولادهم.

أخرج ابن جرير عن الشّيبانيّ،قال:كنّا في القسطنطنيّة أيّام مسلمة بن عبد الملك،و فينا ابن محيريز،و ابن الدّيلميّ،و هانئ بن كلثوم،فجعلنا نتذاكر ما يكون في آخر الزّمان فضقت ذرعا ممّا سمعت،فقلت لابن الدّيلميّ:يا أبا بشر يودّني أنّه لا يولد لي ولد أبد،أ فضرب بيده على منكبي،و قال:يا ابن أخي لا تفعل،فإنّه ليست من نسمة كتب اللّه أن تخرج من صلب رجل إلاّ و هي خارجة إن شاء و إن أبى،ثمّ قال:أ لا أدلّك على أمر إن أنت أدركته نجّاك اللّه تعالى منه،و إن تركت ولدا من بعدك حفظهم اللّه تعالى فيك؟

قلت:بلى،فتلا وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ...، و في وصف «الذّرّيّة»بالضّعاف بعث على التّرحّم.و الظّاهر أنّ مِنْ خَلْفِهِمْ ظرف ل تَرَكُوا، و في التّصريح به مبالغة تهويل تلك الحالة.(4:213)

رشيد رضا :و حاصل معنى الآية:ليكن من أهل الخشية-أو ليخش العاقبة،أو اللّه-الّذين لو تركوا بعدهم ذرّيّة ضعافا خافوا أن يسيء النّاس معاملتهم و يهينوهم،فلا يقولوا ما يترتّب عليه ضرر بذرّيّة أحد،بل ليقولوا قولا محكما يسدّ منافذ الضّرر «فكما يدين المرء يدان».(4:400)

ابن عاشور :موعظة لكلّ من أمر أو نهي أو حذر أو رغب في الآي السّابقة،في شأن أموال اليتامى،و أموال الضّعاف من النّساء و الصّبيان، فابتدئت الموعظة بالأمر بخشية اللّه تعالى،أي خشية عذابه،ثمّ أعقب بإثارة شفقة الآباء على ذرّيّتهم بأن ينزّلوا أنفسهم منزلة الموروثين،الّذين اعتدوا هم على أموالهم،و ينزّلوا ذرّيّاتهم منزلة الذّرّيّة الّذين أكلوا هم حقوقهم.و هذه الموعظة مبنيّة على قياس قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يؤمن أحد حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه».

و زاد إثارة الشّفقة التّنبيه على أنّ المعتدي عليهم

ص: 116

خلق ضعاف بقوله:(ضعافا)ثمّ أعقب بالرّجوع إلى الغرض المنتقل منه و هو حفظ أموال اليتامى،بالتّهديد على أكله بعذاب الآخرة،بعد التّهديد بسوء الحال في الدّنيا.

فيفهم من الكلام تعريض بالتّهديد على أكله بعذاب الآخرة بعد التّهديد بسوء الحال في الدّنيا.

فيفهم من الكلام تعريض بالتّهديد،بأنّ نصيب أبناءهم مثل ما فعلوه بأبناء غيرهم.و الأظهر أنّ مفعول (يخش)حذف لتذهب نفس السّامع في تقديره كلّ مذهب محتمل،فينظر كلّ سامع بحسب الأهمّ عنده ممّا يخشاه أن يصيب ذرّيّته.

و جملة لَوْ تَرَكُوا إلى خافُوا عَلَيْهِمْ صلة الموصول،و جملة خافُوا عَلَيْهِمْ جواب(لو).

و جيء بالموصول،لأنّ الصّلة لمّا كانت وصفا مفروضا حسن التّعريف بها،إذ المقصود تعريف من هذه حاله،و ذلك كاف في التّعريف للمخاطبين بالخشية،إذ كلّ سامع يعرف مضمون هذه الصّلة لو فرض حصولها له،إذ هي أمر يتصوّره كلّ النّاس.

و وجه اختيار(لو)هنا من بين أدوات الشّرط أنّها هي الأداة الصّالحة لفرض الشّرط من غير تعرّض لإمكانه،فيصدق معها الشّرط المتعذّر الوقوع و المستبعدة و الممكنة:فالّذين بلغوا اليأس من الولادة، و لهم أولاد كبار أو لا أولاد لهم،يدخلون في فرض هذا الشّرط،لأنّهم لو كان لهم أولاد صغار لخافوا عليهم،و الّذين لهم أولاد صغار أمرهم أظهر.

و فعل تَرَكُوا ماض مستعمل في مقاربة حصول الحدث مجازا بعلاقة الأوّل،كقوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ البقرة:240،و قوله تعالى: لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ الشّعراء:201،و قول الشّاعر:

إلى ملك كاد الجبال لفقده

تزول زوال الرّاسيات من الصّخر

أي و قاربت الرّاسيات الزّوال،إذ الخوف إنّما يكون عند مقاربة الموت لا بعد الموت.فالمعنى:

لو شارفوا أن يتركوا ذرّيّة ضعافا لخافوا عليهم من أولياء السّوء.

و المخاطب بالأمر من يصلح له من الأصناف المتقدّمة:من الأوصياء،و من الرّجال الّذين يحرمون النّساء ميراثهنّ،و يحرمون صغار إخوتهم أو أبناء أعمامهم من ميراث آبائهم،كلّ أولئك داخل في الأمر بالخشية،و التّخويف بالموعظة.و لا يتعلّق هذا الخطاب بأصحاب الضّمير في قوله: فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ النّساء :8،لأنّ تلك الجملة وقعت كالاستطراد،و لأنّه لا علاقة لمضمونها بهذا التّخويف.(4:41)

الطّباطبائيّ: الخشية:التّأثّر القلبيّ ممّا يخاف نزوله مع شائبة تعظيم و إكبار.(4:200)

مكارم الشّيرازيّ: هو أنّ الّذين يخافون على مستقبل أولادهم الصّغار عليهم أن يخافوا مغبّة الخيانة في شئون اليتامى،و يخافوا مغبّة إيذائهم.

و أساسا:إنّ القضايا الاجتماعيّة تنتقل في شكل سنّة من السّنن-من اليوم إلى الغد و من الغد إلى

ص: 117

المستقبل البعيد-فالّذين يروّجون في المجامع سنّة ظالمة،مثل إيذاء اليتامى فإنّ ذلك سيكون سببا لسريان هذه السّنّة على أولادهم و أبنائهم أيضا، و على هذا لا يكون مثل هذا الشّخص قد آذى يتامى الآخرين و ورثتهم فقط،بل فتح باب الظّلم على أولاده و يتاماه أيضا.

فإذا وجب ذلك،وجب أن يتجنّب أولياء اليتامى مخالفة الأحكام الإلهيّة،و يتّقوا اللّه في اليتامى،و يقولوا لهم قولا عدلا موافقا للشّرع و الحقّ،قولا ممزوجا بالعواطف الإنسانيّة و المشاعر الأخويّة،لكي يندمل بذلك ما في قلوب أولئك من الجراح،و ينجبر ما في أفئدتهم من الكسر،و إلى هذا يشير قوله سبحانه:

فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. (3:108)

و فيها مباحث أخرى راجع:ي ت م:«اليتامى».

2- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ. التّوبة:18

ابن عبّاس: و لم يعبد.(155)

الطّبريّ: يقول:و لم يرهب عقوبة شيء على معصيته إيّاه سوى اللّه.(6:335)

الزّجّاج: تأويله لم يخف في باب الدّين إلاّ اللّه.

(2:438)

الطّوسيّ: الخشية:انزعاج النّفس لتوقّع ما لا يؤمن من الضّرر.(5:222)

الواحديّ: أي:لم يخف في باب الدّين إلاّ اللّه،و لم يترك أمر اللّه لخشية غيره.(2:484)

مثله البغويّ.(2:323)

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف قيل: وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ و المؤمن يخشى المحاذير و لا يتمالك أن لا يخشاها؟

قلت:هي الخشية و التّقوى في أبواب الدّين،و أن لا يختار على رضا اللّه رضا غيره لتوقّع مخوف،و إذا اعترضه أمران أحدهما حقّ اللّه،و الآخر حقّ نفسه،أن يخاف اللّه فيؤثر حقّ اللّه على حقّ نفسه.

و قيل:كانوا يخشون الأصنام و يرجونها،فأريد نفي تلك الخشية عنهم.(2:180)

مثله الشّربينيّ.(1:595)

ابن عطيّة: حذفت الألف من(يخشى)للجزم.

قال سيبويه:و اعلم أنّ الأخير إذا كان يسكّن في الرّفع،حذف في الجزم،لئلاّ يكون الجزم بمنزلة الرّفع، و يريد خشية التّعظيم و العبادة و الطّاعة،و هذه المرتبة العدل بين النّاس،و لا محالة أنّ الإنسان يخشى غيره و يخشى المحاذير الدّنياويّة،و ينبغي أن يخشى في ذلك كلّه قضاء اللّه و تصريفه.(3:16)

الطّبرسيّ: أي لم يخف سوى اللّه أحدا من المخلوقين،و هذا راجع إلى قوله: أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ التّوبة:13،أي إن خشيتموهم فقد ساويتموهم في الإشراك،كما قال: فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ النّساء:77.(3:13)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

ص: 118

الأوّل:أنّ أبا بكر رضى اللّه عنه بنى في أوّل الإسلام على باب داره مسجدا و كان يصلّي فيه و يقرأ القرآن، و الكفّار يؤذونه بسببه،فيحتمل أن يكون المراد هو تلك الحالة،يعني:إنّا و إن خاف النّاس من بناء المسجد إلاّ أنّه لا يلتفت إليهم و لا يخشاهم،و لكنّه يبني المسجد للخوف من اللّه تعالى.

الثّاني:يحتمل أن يكون المراد منه أن يبني المسجد لا لأجل الرّياء و السّمعة و أن يقال:إنّ فلانا يبني مسجدا،و لكنّه يبنيه لمجرّد طلب رضوان اللّه تعالى، و لمجرّد تقوية دين اللّه.

فإن قيل:كيف قال: وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ و المؤمن قد يخاف الظّلمة و المفسدين؟

قلنا:المراد من هذه الخشية:و الخوف و التّقوى في باب الدّين،و أن لا يختار على رضا اللّه رضا غيره.

(16:10)

القرطبيّ: إن قيل:ما من مؤمن إلاّ و قد خشي غير اللّه،و ما زال المؤمنون و الأنبياء يخشون الأعداء من غيرهم؟

قيل له:المعنى:و لم يخش إلاّ اللّه ممّا يعبد،فإنّ المشركين كانوا يعبدون الأوثان و يخشونها و يرجونها.

جواب ثان:أي لم يخف في باب الدّين إلاّ اللّه.

(8:90)

البيضاويّ: أي في أبواب الدّين،فإنّ الخشية عن المحاذير جبلّيّة لا يكاد العاقل يتمالك عنها.(1:409)

النّسفيّ: تنبيه على الإخلاص،و المراد الخشية في أبواب الدّين،بأن لا يختار على رضا اللّه رضا غيره لتوقّع مخوف؛إذ المؤمن قد يخشى المحاذير و لا يتمالك أن لا يخشاها.

و قيل:كانوا يخشون الأصنام و يرجونها،فأريد نفي تلك الخشية عنهم.(2:120)

أبو السّعود : وَ لَمْ يَخْشَ في أمور الدّين إِلاَّ اللّهَ فعمل بموجب أمره و نهيه غير آخذ له في اللّه لومة لائم و لا خشية ظالم،فيندرج فيه عدم الخشية عن القتال و نحو ذلك.و أمّا الخوف الجبلّيّ من الأمور المخوفة فليس من هذا الباب،و لا ممّا يدخل تحت التّكليف و الخطاب.

و قيل:كانوا يخشون الأصنام و يرجونها،فأريد نفي تلك الخشية عنهم.(3:131)

نحوه البروسويّ(3:398)،و الآلوسيّ(10:66).

رشيد رضا :المراد بالخشية الدّينيّ منها دون الغريزيّ،كخشية أسباب الضّرر الحقيقيّة،فإنّ هذا لا ينافي خشية اللّه،و لا يقتضي خشية الطّاغوت.

و الدّليل عليها طاعة اللّه تعالى فيما أمر به و نهى عنه، رضي النّاس أم سخطوا.(10:209)

ابن عاشور :و قصر خشيتهم على التّعلّق بجانب اللّه تعالى بصيغة القصر،ليس المراد منه أنّهم لا يخافون شيئا غير اللّه،فإنّهم قد يخافون الأسد و يخافون العدوّ، و لكن معناه إذا تردّد الحال بين خشيتهم اللّه و خشيتهم غيره،قدّموا خشية اللّه على خشية غيره،كقوله آنفا:

أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ التّوبة:13، فالقصر إضافيّ باعتبار تعارض خشيتين.

و هذا من خصائص المؤمنين،فأمّا المشركون فهم

ص: 119

يخشون شركاءهم و ينتهكون حرمات اللّه لإرضاء شركائهم،و أمّا أهل الكتاب فيخشون النّاس و يعصون اللّه بتحريف كلمه و مجاراة أهواء العامّة،و قد ذكّرهم اللّه بقوله: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ المائدة:44.(10:46)

مغنيّة:الخوف من اللّه،أي الإخلاص له في الأقوال و الأفعال.(4:19)

الطّباطبائيّ: الخشية الدينيّة،و هي العبادة دون الخشية الغريزيّة الّتي لا يسلم منها إلاّ المقرّبون من أولياء اللّه كالأنبياء،قال تعالى: اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ الأحزاب:39.

و الوجه في التّكنية عن العبادة بالخشية،أنّ الأعرف عند الإنسان من علل اتّخاذ الإله للعبادة:

الخوف من سخطه أو الرّجاء لرحمته،و رجاء الرّحمة أيضا يعود بوجه إلى الخوف من انقطاعها و هو السّخط،فمن عبد اللّه سبحانه أو عبد شيئا من الأصنام،فقد دعاه إلى ذلك.أمّا الخوف من شمول سخطه أو الخوف من انقطاع نعمته و رحمته،فالعبادة ممثّلة للخوف و الخشية مصداق لها لتمثيلها إيّاها، و بينهما حالة الاستلزام،و لذلك كنّى بها عنها،فالمعنى -و اللّه أعلم-و لم يعبد أحدا من دون اللّه من الآلهة.

(9:202)

مكارم الشّيرازيّ: فقلبه مليء بعشق اللّه، و لا يحسّ إلاّ بالمسئوليّة في امتثال أمره،و أن يرى عباده الضّعفاء أقلّ من أن يكون لهم أثر في مصيره و مجتمعه و مستقبله و تقدّمه،و أخيرا هم أقلّ من أن يكون لهم أثر في عمارة محلّ للعبادة.(5:504)

يخشون

1- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ... النّساء:77

ابن عبّاس: يخافون أهل مكّة كخوفهم من اللّه بل أكثر خوفا.(74)

الحسن :هو من صفة المؤمنين لما طبعوا عليه من البشريّة و الخوف،لا على وجه كراهة المخالفة.

(الطّوسيّ 3:262)

السّدّيّ: هم قوم أسلموا قبل فرض القتال فلمّا فرض كرهوه.(القرطبيّ 5:281)

الطّبريّ: يقول:يخافون النّساء أن يقاتلوهم كَخَشْيَةِ اللّهِ...، أو أشدّ خوفا،و قالوا جزعا من القتال الّذي فرض اللّه عليهم: رَبَّنا.... (4:173)

الفارسيّ: هو من صفة المنافقين،لأنّهم كانوا كذلك حرصا منهم على الدّنيا و البقاء فيها و الاستكثار منها،و يخشون القتل من قبل المشركين، كما يخشون الموت من قبل اللّه.(الطّوسيّ 3:262)

الطّوسيّ: و قوله: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ليس معنى (او)هاهنا الشّكّ،لأنّ ذلك لا يجوز عليه تعالى،و قيل:

في معناها قولان:

أحدهما:أنّها دخلت للإبهام على المخاطب.

ص: 120

و المعنى أنّهم على إحدى الصّفتين،و هذا أصل(او) و هو معنى واحد على الإبهام.

الثّاني:على طريق الإباحة،نحو قولك:جالس الحسن أو ابن سيرين.و معناه:إن قلت:يخشون النّاس كخشية اللّه فأنت مصيب،و إن قلت:يخشونهم أشدّ من ذلك فأنت مصيب،لأنّه قد حصل لهم مثل تلك الخشية و زيادة.(3:262)

الواحديّ: المشركين كَخَشْيَةِ اللّهِ كما يخشون اللّه.(2:82)

الزّمخشريّ: كَخَشْيَةِ اللّهِ من إضافة المصدر إلى المفعول.

فإن قلت:ما محلّ كَخَشْيَةِ اللّهِ من الإعراب؟

قلت:محلّه النّصب على الحال من الضّمير في يَخْشَوْنَ أي يخشون النّاس مثل أهل خشية اللّه، أي مشبهين لأهل خشية اللّه، أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً بمعنى أو أشدّ خشية من أهل خشية اللّه.و أَشَدَّ معطوف على الحال.

فإن قلت:لم عدلت عن الظّاهر،و هو كونه صفة للمصدر،و لم تقدّر يخشون خشية مثل خشية اللّه،بمعنى مثل ما يخشى اللّه؟

قلت:أبى ذلك قوله: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، لأنّه و ما عطف عليه في حكم واحد،و لو قلت:يخشون النّاس أشدّ خشية،لم يكن إلاّ حالا عن ضمير الفريق،و لم ينتصب انتصاب المصدر،لأنّك لا تقول:خشى فلان أشدّ خشية،فتنصب«خشية»و أنت تريد المصدر،إنّما تقول:«أشدّ خشية»فتجرّها،و إذا نصبتها لم يكن «أشدّ خشية»إلاّ عبارة عن الفاعل حالا منه،اللّهمّ إلاّ أن تجعل الخشية خاشية و ذات خشية،على قولهم:

جدّ جدّه،فتزعم أنّ معناه:يخشون النّاس خشية مثل خشية اللّه،أو خشية أشدّ خشية من خشية اللّه.و يجوز على هذا أن يكون محلّ أَشَدَّ مجرورا عطفا على (خشية الله)تريد كخشية اللّه أو كخشية أشدّ خشية منها.(1:543)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:هذه الآية صفة للمؤمنين أو المنافقين؟فيه قولان:

الأوّل:أنّ الآية نزلت في المؤمنين.قال الكلبيّ:

نزلت في عبد الرّحمن بن عوف،و المقداد،و قدامة بن مظعون،و سعد بن أبي وقّاص.كانوا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قبل أن يهاجروا إلى المدينة،و يلقون من المشركين أذى شديدا،فيشكون ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و يقولون:

ائذن لنا في قتالهم،و يقول لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«كفّوا أيديكم فإنّي لم أؤمر بقتالهم،و اشتغلوا بإقامة دينكم من الصّلاة و الزّكاة»،فلمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى المدينة و أمروا بقتالهم في وقعة بدر كرهه بعضهم، فأنزل اللّه هذه الآية.

و احتجّ الذّاهبون إلى هذا القول بأنّ الّذين يحتاج الرّسول أن يقول لهم:«كفّوا عن القتال»هم الرّاغبون في القتال،و الرّاغبون في القتال هم المؤمنون،فدلّ هذا على أنّ الآية نازلة في حقّ المؤمنين.

و يمكن الجواب عنه:بأنّ المنافقين كانوا يظهرون من أنفسهم أنّا مؤمنون،و أنّا نريد قتال الكفّار

ص: 121

و محاربتهم،فلمّا أمر اللّه بقتالهم الكفّار أحجم المنافقون عنه،و ظهر منهم خلاف ما كانوا يقولونه.

القول الثّاني:أنّ الآية نازلة في حقّ المنافقين، و احتجّ الذّاهبون إلى هذا القول بأنّ الآية مشتملة على أمور تدلّ على أنّها مختصّة بالمنافقين.

فالأوّل:أنّه تعالى قال في وصفهم: يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، و معلوم أنّ هذا الوصف لا يليق إلاّ بالمنافق،لأنّ المؤمن لا يجوز أن يكون خوفه من النّاس أزيد من خوفه من اللّه تعالى.

و الثّاني:أنّه تعالى حكى عنهم أنّهم قالوا: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ و الاعتراض على اللّه ليس إلاّ من صفة الكفّار و المنافقين.

الثّالث:أنّه تعالى قال للرّسول: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى، و هذا الكلام يذكر مع من كانت رغبته في الدّنيا أكثر من رغبته في الآخرة،و ذلك من صفات المنافقين.

و أجاب القائلون بالقول الأوّل عن هذه الوجوه بحرف واحد،و هو أنّ حبّ الحياة و النّفرة عن القتل من لوازم الطّباع،فالخشية المذكورة في هذه الآية محمولة على هذا المعنى،و قولهم: لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ، محمول على التّمنّي لتخفيف التّكليف،لا على وجه الإنكار لإيجاب اللّه تعالى.و قوله تعالى:

قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ، مذكور لا لأنّ القوم كانوا منكرين لذلك،بل لأجل إسماع اللّه لهم هذا الكلام ممّا يهون على القلب أمر هذه الحياة،فحينئذ يزول من قلبهم نفرة القتال و حبّ الحياة،و يقدمون على الجهاد بقلب قويّ.

فهذا ما في تقرير هذين القولين و اللّه أعلم.

و الأولى حمل الآية على المنافقين،لأنّه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ، و لا شكّ أنّ هذا من كلام المنافقين.فإذا كانت هذه الآية معطوفة على الآية الّتي نحن في تفسيرها ثمّ المعطوف في المنافقين،وجب أن يكون المعطوف عليهم فيهم أيضا.

المسألة الثّانية:دلّت الآية على أنّ إيجاب الصّلاة و الزّكاة كان مقدّما على إيجاب الجهاد،و هذا هو التّرتيب المطابق لما في العقول،لأنّ الصّلاة عبارة عن التّعظيم لأمر اللّه،و الزّكاة عبارة عن الشّفقة على خلق اللّه،و لا شكّ أنّهما مقدّمان على الجهاد.

المسألة الثّالثة:قوله: كَخَشْيَةِ اللّهِ مصدر مضاف إلى المفعول.

المسألة الرّابعة:ظاهر قوله: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، يوهم الشّكّ،و ذلك على علاّم الغيوب محال.و فيه وجوه من التّأويل:

الأوّل:المراد منه الإبهام على المخاطب،بمعنى أنّهم على إحدى الصّفتين من المساواة و الشّدّة،و ذلك لأنّ كلّ خوفين فأحدهما بالنّسبة إلى الآخر إمّا أن يكون أنقص أو مساويا أو أزيد،فبيّن تعالى بهذه الآية أنّ خوفهم من النّاس ليس أنقص من خوفهم من اللّه،بل بقى إمّا أن يكون مساويا أو أزيد،فهذا لا يوجب كونه تعالى شاكّا فيه،بل يوجب إبقاء الإبهام في هذين

ص: 122

القسمين على المخاطب.

الثّاني:أن يكون(او)بمعنى الواو،و التّقدير:

يخشونهم كخشية اللّه و أشدّ خشية،و ليس بين هذين القسمين منافاة،لأنّ من هو أشدّ خشية فمعه من الخشية مثل خشيته من اللّه و زيادة.

الثّالث:أنّ هذا نظير قوله: وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ الصّافّات:147،يعني أنّ من يبصرهم يقول هذا الكلام،فكذا هاهنا،و اللّه أعلم.

(10:184)

القرطبيّ: أي مشركي مكّة كَخَشْيَةِ اللّهِ فهي على ما طبع عليه البشر من المخافة لا على المخالفة.

و قيل:هو وصف للمنافقين،و المعنى:يخشون القتل من المشركين كما يخشون الموت من اللّه.

أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً أي عندهم و في اعتقادهم.

قلت:و هذا أشبه بسياق الآية،لقوله: وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ أي هلاّ،و لا يليها إلاّ الفعل.و معاذ اللّه أن يصدر هذا القول من صحابيّ كريم يعلم أنّ الآجال محدودة و الأرزاق مقسومة،بل كانوا لأوامر اللّه ممتثلين سامعين طائعين،يرون الوصول إلى الدّار الآجلة خيرا من المقام في الدّار العاجلة،على ما هو معروف من سيرتهم رضي اللّه عنهم.

اللّهمّ إلاّ أن يكون قائله ممّن لم يرسخ في الإيمان قدمه،و لا انشرح بالإسلام جنانه،فإنّ أهل الإيمان متفاضلون،فمنهم الكامل و منهم النّاقص،و هو الّذي تنفر نفسه عمّا يؤمر به فيما تلحقه فيه المشقّة و تدركه فيه الشّدّة،و اللّه أعلم.(5:281)

البيضاويّ: يخشون الكفّار أن يقتلوهم،كما يخشون اللّه أن ينزّل عليهم بأسه.و(اذا)للمفاجاة جواب(لمّا)،و(فريق)مبتدأ،(منهم)صفته، و يَخْشَوْنَ خبره كَخَشْيَةِ اللّهِ من إضافة المصدر إلى المفعول وقع موقع المصدر،أو الحال من فاعل يَخْشَوْنَ على معنى:يخشون النّاس مثل أهل خشية اللّه منه، أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً عطف عليه إن جعلته حالا،و إن جعلته مصدرا فلا،لأنّ أفعل التّفضيل إذا نصب ما بعده لم يكن من جنسه بل هو معطوف على اسم اللّه تعالى،أي كخشية اللّه تعالى أو كخشية أشدّ خشية منه على الغرض.

اللّهمّ إلاّ أن تجعل الخشية:ذات خشية،كقولهم:

جدّ جدّه،على معنى:يخشون النّاس خشية مثل خشية اللّه تعالى،أو خشية أشدّ خشية من خشية اللّه.

(1:231)

النّسفيّ: يخافون أن يقاتلهم الكفّار كما يخافون أن ينزّل اللّه عليهم بأسه،لا شكّا في الدّين و لا رغبة عنه،و لكن نفورا عن الإخطار بالأرواح،و خوفا من الموت.

قال الشّيخ أبو منصور رحمه اللّه:«هذه خشية طبع،لا أنّ ذلك منهم كراهة لحكم اللّه و أمره اعتقادا،فالمرء مجبول على كراهة ما فيه خوف هلاكه غالبا.

و(خشية الله)من إضافة المصدر إلى المفعول،و محلّه النّصب على الحال من الضّمير في يَخْشَوْنَ أي يخشون النّاس مثل خشية أهل اللّه،أي مشبهين لأهل

ص: 123

خشية اللّه، أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً هو معطوف على الحال، أي أو أشدّ خشية من أهل خشية اللّه،و(او)للتّخيير أي إن قلت:خشيتهم النّاس كخشية اللّه فأنت مصيب، و إن قلت:إنّها أشدّ فأنت مصيب،لأنّه حصل لهم مثلها و زيادة».(1:237)

أبو حيّان :الكاف في: كَخَشْيَةِ اللّهِ في موضع نصب.قيل:على أنّه نعت لمصدر محذوف،أي خشية كخشية اللّه.و على ما تقرّر من مذهب سيبويه أنّها على الحال من ضمير الخشية المحذوف،أي يخشونها النّاس، أي يخشون الخشية النّاس مشبهة خشية اللّه.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و قد يصحّ نصب خَشْيَةً و لا يكون تمييزا،فيلزم من ذلك ما التزمه الزّمخشريّ،بل يكون خَشْيَةً معطوفا على محلّ الكاف،و أَشَدَّ منصوبا على الحال،لأنّه كان نعت نكرة تقدّم عليها فانتصب على الحال،و التّقدير:يخشون النّاس مثل خشية اللّه، أو خشية أشدّ منها.

و قد ذكرنا هذا التّخريج في قوله تعالى: أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً البقرة:200،و أوضحناه هناك.

و(خشية الله)مصدر مضاف إلى المفعول، و الفاعل محذوف،أي كخشيتهم اللّه.و(او)على بابها من الشّكّ في حقّ المخاطب،و قيل:للإبهام على المخاطب،و قيل:للتّخيير،و قيل:بمعنى«الواو»،و قيل:بمعنى«بل»و تقدّم نظير هذه الأقوال في قوله:

أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً البقرة:74.

و لو قيل:إنّها للتّنويع لكان قولا يعني:أنّ منهم من يخشى النّاس كخشية اللّه،و منهم من يخشاهم خشية تزيد على خشيتهم اللّه.(3:298)

أبو السّعود : كَخَشْيَةِ اللّهِ مصدر مضاف إلى المفعول محلّه النّصب،على أنّه حال من فاعل يَخْشَوْنَ أي يخشونهم مشبهين لأهل خشية اللّه تعالى. أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً عطف عليه،بمعنى:أو أشدّ خشية من أهل خشية اللّه،أو على أنّه مصدر مؤكّد على جعل الخشية:ذات خشية،مبالغة كما في جدّ جدّه،أي يخشونهم خشية مثل خشية اللّه،أو خشية أشدّ خشية من خشية اللّه.

و أيّا ما كان،فكلمة(او)إمّا للتّنويع،على معنى:

أنّ خشية بعضهم كخشية اللّه و خشية بعضهم أشدّ منها،و إمّا للإبهام على السّامع،و هو قريب ممّا في قوله تعالى: وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ الصّافّات:147،يعني:أنّ من يبصرهم يقول:إنّهم مائة ألف أو يزيدون.(2:165)

نحوه البروسويّ.(2:239)

الآلوسيّ: أي الكفّار أن يقتلوهم.و ذلك لما ركّز في طباع البشر من خوف الهلاك كَخَشْيَةِ اللّهِ أي كما يخشون اللّه تعالى أن ينزّل عليهم بأسه.و الفاء عاطفة و ما بعدها عطف على قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ باعتبار معناه الكنائيّ؛إذ حينئذ يتحقّق التّباين بين مدلولي المعطوفين،و عليه يدور أمر التّعجيب،كأنّه قيل:أ لم تر إلى الّذين كانوا حرّاصا على القتال،فلمّا كتب عليهم كرهه-بمقتضى البشريّة-جماعة منهم.

ص: 124

و توجيه التّعجيب إلى الكلّ مع أنّ تلك الكراهة إنّما كانت من البعض،للإيذان بأنّه ما كان ينبغي أن يصدر من أحدهم ما ينافي حالته الأولى.

و(اذا)للمفاجأة و هي ظرف مكان،و قيل:زمان، و ليس بشيء،و فيها تأكيد لأمر التّعجيب،و(فريق) مبتدأ،و(منهم)صفته،و يَخْشَوْنَ خبره.و جوّز أن يكون صفة أيضا أو حالا،و الخبر(اذا)و كَخَشْيَةِ اللّهِ في موقع المصدر،أي خشية كخشية اللّه،و جوّز أن يكون حالا من فاعل يَخْشَوْنَ، و يقدّر مضاف، أي حال كونهم مثل أهل خشية اللّه تعالى،أي مشبهين بأهل خشيته سبحانه.

و قيل:و فيه بعد،أنّه حال من ضمير مصدر محذوف،أي يخشونها النّاس كخشية اللّه أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً عطف عليه إن جعلته حالا،أي إنّهم أَشَدَّ خَشْيَةً من أهل خشية اللّه،بمعنى:أنّ خشيتهم أشدّ من خشيتهم،و لا يعطف عليه على تقدير المصدريّة-على ما قيل-بناء على أنّ خَشْيَةً منصوب على التّمييز.و على أنّ التّمييز متعلّق الفاعليّة،و أنّ المجرور ب(من)التّفضيليّة يكون مقابلا للموصوف بأفعل التّفضيل،فيصير المعنى:إنّ خشيتهم أشدّ من خشية غيرهم،و يؤول إلى أنّ خشية خشيتهم أشدّ،و هو غير مستقيم،اللّهمّ إلاّ على طريقة جدّ جدّه،-على ما ذهب إليه أبو عليّ و ابن جنّيّ-و يكون كقولك:زيد جدّ جدّا بنصب«جدّا»على التّمييز،لكنّه بعيد،بل يعطف على الاسم الجليل،فهو مجرور بالفتحة لمنع صرفه.

و المعنى:يخشون النّاس خشية كخشية اللّه، أو خشية كخشية أشدّ خشية منه تعالى،و لكن على سبيل الفرض؛إذ لا أشدّ خشية عند المؤمنين من اللّه تعالى،و يؤول هذا إلى تفضيل خشيتهم على سائر الخشيات إذا فصلت واحدة واحدة.

و ذكر ابن الحاجب:أنّه يجوز أن يكون هذا الوصف من عطف الجمل،أي يخشون النّاس كخشية النّاس،أو يخشون أشدّ خشية،على أنّ الأوّل مصدر، و الثّاني حال.

و قيل عليه:إنّ حذف المضاف أهون من حذف الجملة،و أو في بمقتضى المقابلة و حسن المطابقة.و جوّز أن يكون خَشْيَةً منصوبا على المصدريّة،و أَشَدَّ صفة له قدّمت عليه،فانتصب على الحاليّة.

و ذكر بعضهم:أنّ التّمييز بعد اسم التّفضيل قد يكون نفس ما انتصب عنه،نحو: فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً يوسف:64،فإنّ الحافظ هو اللّه تعالى،كما لو قلت:

اللّه خير حافظ بالجرّ،و حينئذ لا مانع من أن تكون «الخشية»نفس الموصوف،و لا يلزم أنّ للخشية خشية بمنزلة أن يقال:أشدّ خشية بالجرّ.و القول بأنّ جواز هذا فيما إذا كان التّمييز نفس الموصوف بحسب المفهوم و اللّفظ،محلّ نظر،إذ اتّحاد اللّفظ مع حذف الأوّل ليس فيه كبير محذور.

و هذا إيراد قويّ على ما قيل،و قد نقل ابن المنير عن«الكتاب»ما يعضده فتأمّل.

و(او)قيل:للتّنويع،و قيل:للإبهام على السّامع، و قيل:للتّخيير،و قيل:بمعنى«الواو»،و قيل:

ص: 125

بمعنى«بل».(5:85)

القاسميّ: يَخْشَوْنَ النّاسَ، أي يخافون أهل مكّة الكفّار أن يقتلوهم كَخَشْيَةِ اللّهِ، أي كما يخشون اللّه أن ينزل عليهم بأسه، أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً أي أكثر خوفا منه.

فإن قيل:ظاهر قوله: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً يوهم الشّكّ.و ذلك على علاّم الغيوب محال.

أجيب:بأنّ(او)إمّا بمعنى«بل»أو هي للتّنويع، على أنّ معنى:أنّ خشية بعضهم كخشية اللّه،و خشية بعضهم أشدّ منها.أو للإبهام على السّامع،بمعنى أنّهم على إحدى الصّفتين من المساواة و الشّدّة.و هو قريب ممّا في قوله تعالى: وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ الصّافّات:147،يعنى::أنّ من يبصرهم يقول:إنّهم مائة ألف أو يزيدون.

حكى المفسّرون هنا رواية عن ابن عبّاس،أنّ هذه الآية نزلت في جماعة من الصّحابة المهاجرين،و أنّهم كانوا يلقون من مشركي مكّة-قبل الهجرة-أذى شديدا،فيشكون ذلك إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و يقولون:ائذن لنا في قتالهم،فيقول لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«كفّوا أيديكم،فإنّي لم أؤمر بقتالهم،و اشتغلوا بإقامة دينكم من الصّلاة و الزّكاة»ثمّ بعد الهجرة إلى المدينة،لمّا أمروا بقتالهم في وقعة بدر،كرهه بعضهم،فنزلت الآية.

و عندي أنّ هذه الآية كسوابقها نزلت في المنافقين،تقريعا لهم و تحذيرا للمخلصين،من شاكلتهم.و القول بنزولها في بعض المؤمنين لا يصحّ لوجوه:

منها:أنّ في إسنادها عن ابن عبّاس من ليس على شرط الصّحيح.

و منها:أنّ طلبهم للجهاد و هم في مكّة،مع قلّة العدد و العدد،و ممالأة العدوّ عليهم من كلّ جانب،في غاية البعد.

و منها:أنّ السّياق في المنافقين.و قد ابتدئ الكلام في شأنهم من قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ إلى قوله تعالى الآتي فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ... النّساء:60-89،كما يظهر من التّدبّر الصّادق.

و منها:أنّ هذا السّياق اشتمل على أمور تدلّ على أنّها مختصّة بالمنافقين،لأنّه تعالى قال في وصفهم:

يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، و لا يكون هذا الوصف إلاّ لكافر أو منافق.

و حكى تعالى عنهم أنّهم قالوا: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ، و لم يعهد هذا عن المؤمنين،بل المحفوظ مبادرتهم للجهاد،كما روى ابن إسحاق في«السّيرة» أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم استشار النّاس في غزوة بدر،فقام أبو بكر الصّدّيق فقال و أحسن،ثمّ قام عمر بن الخطّاب فقال و أحسن،ثمّ قال مقداد بن عمرو،فقال:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم امض لما أراك اللّه،فنحن معك،و اللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا المائدة:24،و لكن اذهب أنت و ربّك فقاتلا،إنّا معكما مقاتلون،فو الّذي بعثك بالحقّ لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه

ص: 126

حتّى تبلغه.

ثمّ قال سعد بن معاذ:امض،يا رسول اللّه لما أردت فنحن معك،فو الّذي بعثك بالحقّ،لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك،ما تخلّف منّا رجل واحد،و ما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا،إنّا لصبر في الحرب،صدق في اللّقاء.

و منها:أنّه تعالى ذكر بعد ذلك قوله: إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ النّساء:78.

و لا شكّ أنّ هذا من كلام المنافقين،ثمّ صرّح تعالى في آخر الكلام عليهم بقوله: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ النّساء:88،فزال اللّبس و برح الخفاء.

و ما أشبه هذه الآيات بقوله تعالى،في سورة محمّد: وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ -أي تأمرنا بالجهاد- فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَ ذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ ... إلى قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّهُ أَضْغانَهُمْ محمّد:20-29.

(5:1399)

رشيد رضا :و(او)هنا بمعنى«بل»أي إنّهم يخشون النّاس بالعقود عن قتالهم،على ما فيه من مخالفة أمر اللّه تعالى،و لمّا كان من شأن الّذي يساوي بين اثنين في الخشية أن يميل إلى هذا تارة و إلى الآخرة تارة،و كان هؤلاء قد رجّحوا بترك القتال خشية النّاس مطلقا،قال: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً أي بل أشدّ خشية.

أقول:استنكر الأستاذ نزول الآية في بعض كبار الصّحابة المشهود لهم بالجنّة،و ما استحقّوها إلاّ بقوّة الإيمان،و العمل و الإذعان،و جعلها في المبطئين على الوجه الّذي اختاره فيهم،و هو أنّهم ضعاف الإيمان.

و الوجه الآخر:أنّهم المنافقون-كما تقدّم-فكيف تصدق رواية تجعل عبد الرّحمن بن عوف منهم؟

و قد روى ابن جرير عن ابن أبي نجيح عن مجاهد:

أنّها نزلت هي و آيات بعدها في اليهود،و روي عن ابن عبّاس في ذلك:«أنّه قال في قوله تعالى: وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ :نهى اللّه تبارك و تعالى هذه الأمّة أن يصنعوا صنيعهم»انتهى.أي أن يكونوا مثل اليهود في ذلك.و إذا صحّ هذا فالمراد به-و اللّه أعلم- الاعتبار بما جاء في سورة البقرة،من قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ إلى قوله: فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ البقرة:246.

و الظّاهر:أنّ الآية في جماعة المسلمين،و فيهم المنافقون و الضّعفاء.و لا شكّ أنّ الإسلام كلّفهم مخالفة عادتهم في الغزو و القتال لأجل الثّأر،و لأجل الحميّة و الكسب،و أمرهم بكفّ أيديهم عن الاعتداء، و أمرهم بالصّلاة و الزّكاة،و ناهيك بما فيهما من الرّحمة و العطف،حتّى خمدت من نفوس أكثرهم تلك الحميّة الجاهليّة،و حلّ محلّها أشرف العواطف الإنسانيّة،و كان منهم من يتمنّى لو يفرض عليهم القتال،و لا يبعد أن يكون عبد الرّحمن بن عوف و بعض السّابقين رأوا تركه ذلاّ و طلبوا الإذن به، و لا يلزم من ذلك أن يكونوا هم الّذين أنكروه بعد ذلك

ص: 127

خشية من النّاس بل ذلك فريق آخر من غير الصّادقين.

على أنّه لمّا فرض عليهم القتال-لما تقدّم ذكره من الحكم و الأسباب-كان كرها لجمهور المسلمين، كما سبق بيان ذلك في تفسير: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَ عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ البقرة:216،و لكن أهل العزم و اليقين أطاعوا و باعوا أنفسهم للّه عزّ و جلّ،فكان الفرق بين قتالهم في الجاهليّة و قتالهم في الإسلام عظيما.

و أمّا المنافقون و مرضى القلوب،فكانوا قد أنسوا و سكنوا إلى ما جاء به الإسلام من ترك القتال و كفّ الأيدي،فنال منهم الجبن،و أحبّوا الحياة الدّنيا، و كرهوا الموت لأجلها.

و ليس هذا من شأن الإيمان الرّاسخ،فظهر عليهم أثر الخشية و الخوف من الأعداء،حتّى رجّحوه على الخشية من اللّه عزّ و جلّ،و سهل عليهم مخالفته بالقعود عن القتال،و هو يقول: فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ آل عمران:175.(5:263)

مغنيّة: يَخْشَوْنَ النّاسَ... كناية عن أنّ الخوف بلغ بهم نهايته.

و الخلاصة:أنّ هذا الفريق من المسلمين تحمّس للقتال حين النّهي عنه،لأنّه عمليّة انتحاريّة، و تقاعسوا حين الأمر به،لأنّ تركه موت و انتحار...

و كان عليهم أن يتحمّسوا للقتال عند ما أمروا به، لا عند ما نهوا عنه.(2:382)

الطّباطبائيّ: كفّ الأيدي:كناية عن الإمساك عن القتال،لكون القتل الّذي يقع فيه من عمل الأيدي.و هذا الكلام يدلّ على أنّ المؤمنين كانوا في ابتداء أمرهم يشقّ عليهم ما يشاهدونه من تعدّي الكفّار و بغيهم عليهم،فيصعب عليهم أن يصبروا على ذلك،و لا يقابلوه بسلّ السّيوف،فأمرهم اللّه بالكفّ عن ذلك،و إقامة شعائر الدّين من صلاة و زكاة، ليشتدّ عظم الدّين و يقوّم صلبه؛فيأذن اللّه لهم في جهاد أعدائه،و لو لا ذلك لانفسخ هيكل الدّين،و انهدمت أركانه،و تلاشت أجزاؤه.

ففي الآيات لومهم على أنّهم هم الّذين كانوا يستعجلون في قتال الكفّار،و لا يصبرون على الإمساك و تحمّل الأذى،حين لم يكن لهم من العدّة و القوّة ما يكفيهم للقاء عدوّهم،فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون العدوّ و هم ناس مثلهم كخشية اللّه أو أشدّ خشية.(5:6)

فضل اللّه :هم يخافون من النّاس،كما يخافون من اللّه،أو أكثر من ذلك،و لهذا واجهوا الموقف بعدم الاستجابة للدّعوة إلى القتال،خوفا من عذاب النّاس، في ما يمكن أن تسفر عنه المعركة من جراحة أو قتل.

و قد دفعهم هذا الخوف إلى موقف ضعف مدمّر، عبّروا به عن ضعف إيمانهم،في ابتهالهم إلى اللّه،في لهجة توحي بالعتاب أكثر ممّا توحي بالخشوع.(7:361)

2- وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ. الرّعد:21

ابن عبّاس: يعملون لربّهم.(207)

ص: 128

الطّبريّ: يقول:و يخافون اللّه في قطعها،أن يقطعوها،فيعاقبهم على قطعها،و على خلافهم أمره فيها.(7:374)

الطّوسيّ: أي يخافون عقابه،فيتركون معاصيه.

(6:244)

نحوه الطّبرسيّ.(3:289)

الفخر الرّازيّ: المعنى:أنّه و إن أتى بكلّ ما قدر عليه في تعظيم أمر اللّه،و في الشّفقة على خلق اللّه، إلاّ أنّه لا بدّ و أن تكون الخشية من اللّه و الخوف منه مستوليا على قلبه.و هذه الخشية نوعان:

أحدهما:أن يكون خائفا من أن يقع زيادة أو نقصان،أو خلل في عباداته و طاعاته؛بحيث يوجب فساد العبادة أو يوجب نقصان ثوابها.

و الثّاني:و هو خوف الجلال؛و ذلك لأنّ العبد إذا حضر عند السّلطان المهيب القاهر،فإنّه و إن كان في عين طاعته إلاّ أنّه لا يزول عن قلبه مهابة الجلالة، و الرّفعة و العظمة.(19:42)

القرطبيّ: قيل:في قطع الرّحم.و قيل:في جميع المعاصي.(9:310)

البيضاويّ: وعيده عموما.(1:518)

مثله النّسفيّ(2:248)،و البروسويّ(4:364)

أبو حيّان :أي وعيده كلّه وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ أي استقصاءه فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.

و قيل: يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ يعظّمونه،و قيل:في قطع الرّحم،و قيل:في جميع المعاصي،و قيل:فيما أمرهم بوصله.(5:385)

الشّربينيّ: أي وعيده عموما،و الخشية:خوف يشوبه تعظيم.(2:156)

أبو السّعود :خشية جلال و هيبة،فلا يعصونه فيما أمر به.(3:453)

الآلوسيّ: أي وعيده سبحانه،و الظّاهر أنّ المراد به مطلقا.و قيل:المراد وعيده تعالى على قطع ما أمروا بوصله.(13:140)

القاسميّ: يعملون له أو يخافون وعيده، فلا يعصونه فيما أمر.(9:3673)

المراغيّ: الخشية:خوف مقرون بالتّعظيم و العلم بمن تخشاه،و من ثمّ خصّ اللّه بها العلماء بدينه و شرائعه،و العالمين بجلاله و جبروته،في قوله: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،و المراد أنّهم يخشون ربّهم و يخافونه خوف مهابة و إجلال.

(13:94)

مغنيّة:عمليّا لا نظريّا،و فعلا لا قولا فقط.قال الإمام عليّ عليه السّلام:«بالإيمان يستدلّ على الصّالحات، و بالصّالحات يستدلّ على الإيمان».(4:398)

الطّباطبائيّ: الآية مطلقة،فالمراد به كلّ صلة أمر اللّه سبحانه بها.و من أشهر مصاديقه:صلة الرّحم الّتي أمر اللّه بها،و أكّد القول في وجوبها،قال تعالى:

وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ النّساء:1.

و قد أكّد القول فيه بما في ذيل الآية،من قوله:

وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ، فأشار إلى أنّ في ترك الصّلة مخالفة لأمر اللّه،فليخش اللّه في

ص: 129

ذلك،و عملا سيّئا مكتوبا في صحيفة العمل،محفوظا على الإنسان يجب أن يخاف من حسابه السّيّئ.

و الظّاهر أنّ الفرق بين الخشية و الخوف:أنّ الخشية تأثّر القلب من إقبال الشّرّ أو ما في حكمه، و الخوف هو التّأثّر عملا،بمعنى الإقدام على تهيئة ما يتّقى به المحذور و إن لم يتأثّر القلب،و لذا قال سبحانه في صفة أنبيائه: وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ الأحزاب :39،فنفى عنهم الخشية عن غيره.و قد أثبت الخوف لهم عن غيره في مواضع من كلامه،كقوله: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى طه:67،و قوله: وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً الأنفال:58.

و لعلّه إليه يرجع ما ذكره الرّاغب في الفرق بينهما:أنّ الخشية خوف يشوبه تعظيم،و أكثر ما يكون ذلك عن علم،و لذا خصّ العلماء بها في قوله:

إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28.

و كذا قول بعضهم:إنّ الخشية أشدّ الخوف،لأنّها مأخوذة من قولهم:شجرة خشية،أي يابسة.

و كذا قول بعضهم:إنّ الخوف يتعلّق بالمكروه و بمنزله،يقال:خفت المرض و خفت زيدا،بخلاف الخشية،فإنّها تتعلّق بالمنزل دون المكروه نفسه،يقال:

خشيت اللّه.

و لو لا رجوعها إلى ما قدّمناه،لكانت ظاهرة النّقض.و ذكر بعضهم:أنّ الفرق أغلبيّ لا كلّيّ، و الآخرون:أن لا فرق بينهما أصلا،و هو مردود بما قدّمناه من الآيات.(11:343)

مكارم الشّيرازيّ: الصّفة الثّالثة و الرّابعة من سيرة أولي الألباب هي قوله تعالى: وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.

و لمعرفة الفرق بين الخشية و الخوف اللّذين هما قريبا المعنى،يقول البعض:«الخشية هي حالة الخوف مع احترام المقابل بالعلم و اليقين،و لذلك عدّها القرآن الكريم من خصوصيّات العلماء؛حيث يقول: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28.

و لكن بالنّظر إلى استخدام القرآن الكريم لكلمة «الخشية»مرّات كثيرة،يتّضح لنا أنّها تأتي بمعنى«الخوف»و تستعمل معها بشكل مترادف.

هنا يطرح هذا السّؤال:إذا كان الخوف من الخالق هو نفس الخوف من حسابه،فما هو الفرق بين:

وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، و يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ؟

الجواب:أنّ الخوف من اللّه سبحانه و تعالى ليس ملزما دائما أن يكون خوفا من حسابه و عقابه،بل إنّ العظمة الإلهيّة و الإحساس بالعبوديّة له،توجد حالة من الخوف في قلوب المؤمنين،بغضّ النّظر عن الجزاء و العقاب،و الآية:28،من سورة فاطر قد تشير إلى هذا المعنى.(7:344)

فضل اللّه :فيدفعهم خوفهم من اللّه إلى الالتزام بأوامره و نواهيه،و مراقبته في كلّ شيء في السّرّ و العلانية،و يقودهم خوفهم من الحساب الدّقيق الّذي يلاحق كلّ أعمالهم السّيّئة بالتّدقيق و المحاسبة، إلى الانضباط في خطّ السّير،فلا ينحرفون تحت تأثير شهوة،و لا يسقطون تحت رحمة نزوة،بل يتوازنون في موقفهم الإيمانيّ أمام المسئوليّة.(13:45)

ص: 130

3- اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ. الأنبياء:49

راجع:غ ي ب:«الغيب».

تخشى

1- وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى. طه:77

ابن عبّاس: من الغرق.(264)

و فيه مباحث،راجع:خ و ف:«لا تخاف».

2- اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى* فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى* وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى.

النّازعات:17-19

ابن عبّاس: منه فتسلم.(500)

الطّوسيّ: و في الكلام حذف،و تقديره:فأتاه فدعاه.(10:257)

الزّمخشريّ: إنّ الخشية لا تكون إلاّ بالمعرفة، قال اللّه تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،أي العلماء به،و ذكر الخشية لأنّها ملاك الأمر،من خشي اللّه أتى منه كلّ خير،و من أمن اجترأ على كلّ شرّ،و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«من خاف أدلج و من أدلج بلغ المنزل».

بدأ مخاطبته بالاستفهام الّذي معناه العرض،كما يقول الرّجل لضيفه:هل لك أن تنزل بنا،و أردفه الكلام الرّفيق ليستدعيه بالتّلطّف في القول، و يستنزله بالمداراة من عتوّه كما أمر بذلك في قوله:

فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً طه:44.(4:213)

نحوه الفخر الرّازيّ(31:40)،و النّسفيّ(4:

330)،و أبو حيّان(8:421)،و الشّربينيّ(4:479)، أبو السّعود(6:368)،و البروسويّ(10:320)، و الآلوسيّ(30:29).

ابن عطيّة: العلم تابع للهدى،و الخشية تابعة للعلم: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:

28.(5:433)

القرطبيّ: أي تخافه و تتّقيه.(19:199)

البيضاويّ: فَتَخْشى بأداء الواجبات و ترك المحرّمات؛إذ الخشية إنّما تكون بعد المعرفة.و هذا كالتّفصيل لقوله: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً طه:44.

(2:537)

القاسميّ: أي عقابه من سلب الملك،و إذاقة البأس مكان النّعم.و ذلك بأداء ما ألزمك من فرائضه، و اجتناب ما نهاك عنه من معاصيه.و فيه إشارة إلى أنّ الخشية مسبّبة عن العلم،كما في آية: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،أي العلماء به.

(17:6049)

المراغيّ: أي إنّ فيما ذكر لموعظة لمن له عقل يتدبّر به في عواقب الأمور و مصائرها،فينظر في حوادث الماضين،و يقيس بها أحوال الحاضرين ليتّعظ بها.(30:29)

مغنيّة:و من خشي اللّه لا يطغى و يعثو في الأرض فسادا.(7:509)

الطّباطبائيّ: وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى

ص: 131

عطف على قوله:(تزكى.)و المراد بهدايته إيّاه إلى ربّه-كما قيل-:تعريفه له،و إرشاده إلى معرفته تعالى،و تترتّب عليه الخشية منه الرّادعة عن الطّغيان، و تعدّي طور العبوديّة،قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28.

و المراد بالتّزكّي إن كان هو التّطهّر عن الطّغيان بالتّوبة و الرّجوع إلى اللّه تعالى،كانت الخشية مترتّبة عليه،و المراد بها:الخشية الملازمة للإيمان،الدّاعية إلى الطّاعة،و الرّادعة عن المعصية،و إن كان هو التّطهّر بالطّاعة و تجنّب المعصية،كان قوله: وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى مفسّرا لما قبله،و العطف عطف تفسير.

(20:187)

مكارم الشّيرازيّ: «الخشية»نتيجة للهداية:

وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى و بما أنّ الخشية لا تحصل إلاّ بمعرفة حقّه،فتكون ثمرة شجرة الهداية و التّوحيد هي الإحساس بالمسئوليّة الملقاة على العواتق،أمام جبّار السّماوات و الأرض،و لهذا تقول الآية:28،من سورة فاطر: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ. (19:340)

لا تخشوا-و اخشون

إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً... المائدة:44

ابن عبّاس: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ في إظهار صفة محمّد و نعته و الرّجم، وَ اخْشَوْنِ في كتمانها.(94)

إنّهم رؤساء اليهود،قيل لهم:فلا تخشوا النّاس في إظهار صفة محمّد،و العمل بالرّجم،و اخشوني في كتمان ذلك.(ابن الجوزيّ 2:365)

الحسن :الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أمّته،أي لا تخشوهم في إقامة الحدود و إمضائها على أهلها كائنا من كان،و اخشوني في ترك أمري،فإنّ النّفع و الضّرر بيدي.

(الطّبرسيّ 2:198)

السّدّيّ: لا تخشوا النّاس فتكتموا ما أنزلت.

(230)

لا تخشوا يا علماء اليهود النّاس في إظهار صفة النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أمر الرّجم،و اخشوني في كتمان ذلك.

مثله الكلبيّ.(الطّبرسيّ 2:198)

الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّ من العبادة شدّة الخوف من اللّه عزّ و جلّ،يقول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،و قال جلّ ثناؤه: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ.

(العروسيّ 1:635)

مقاتل:الخطاب ليهود المدينة،قيل لهم:لا تخشوا يهود خيبر أن تخبروهم بالرّجم،و نعت محمّد، و اخشوني في كتمانه.(ابن الجوزيّ 2:365)

ابن جريج:هو خطاب لهذه الأمّة،أي لا تخشوا النّاس كما خشيت اليهود النّاس،فلم يقولوا الحقّ.

(أبو حيّان 3:492)

ص: 132

نحوه أبو سليمان الدّمشقيّ(ابن الجوزيّ 2:365)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لعلماء اليهود و أحبارهم:لا تخشوا النّاس في تنفيذ حكمي الّذي حكمت به على عبادي،و إمضائه عليهم على ما أمرت،فإنّهم لا يقدرون لكم على ضرّ و نفع إلاّ بإذني، و لا تكتموا الرّجم الّذي جعلته حكما في التّوراة على الزّانيين المحصنين،و لكن اخشوني دون كلّ أحد من خلقي،فإنّ النّفع و الضّرّ بيدي،و خافوا عقابي في كتمانكم ما استحفظتم من كتابي.(4:591)

نحوه الطّوسيّ.(3:533)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:[قول السّدّيّ المتقدّم]

و الثّاني:في الحكم بما أنزلت.(2:42)

الزّمخشريّ: نهي للحكّام عن خشيتهم غير اللّه في حكوماتهم،و إدهانهم فيها و إمضائها،على خلاف ما أمروا به من العدل،لخشية سلطان ظالم،أو خيفة أذيّة أحد من القرباء و الأصدقاء.(1:516)

نحوه النّسفيّ(1:285)،و الشّربينيّ(1:377).

ابن الجوزيّ: قرأ ابن كثير،و عاصم،و حمزة، و ابن عامر،و الكسائيّ وَ اخْشَوْنِ بغير ياء في الوصل و الوقف.و قرأ أبو عمرو بياء في الوصل،و بغير ياء في الوقف،و كلاهما حسن.(2:365)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا قرّر أنّ النّبيّين و الرّبّانيّين و الأحبار كانوا قائمين بإمضاء أحكام التّوراة من غير مبالاة،خاطب اليهود الّذين كانوا في عصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و منعهم من التّحريف و التّغيير.

و اعلم أنّ إقدام القوم على التّحريف لا بدّ و أن يكون لخوف و رهبة،أو لطمع و رغبة،و لمّا كان الخوف أقوى تأثيرا من الطّمع قدّم تعالى ذكره،فقال:

فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ.

و المعنى:إيّاكم و أن تحرّفوا كتابي للخوف من النّاس و الملوك و الأشراف،فتسقطوا عنهم الحدود الواجبة عليهم،و تستخرجوا الحيل في سقوط تكاليف اللّه تعالى عنهم،فلا تكونوا خائفين من النّاس،بل كونوا خائفين منّي و من عقابي.(12:4)

القرطبيّ: [نحو ابن عبّاس و أضاف:]

فالخطاب لعلماء اليهود،و قد يدخل بالمعنى كلّ من كتم حقّا وجب عليه و لم يظهره.(6:189)

البيضاويّ: نهي للحكّام أن يخشوا غير اللّه في حكوماتهم،و يداهنوا فيها خشية ظالم أو مراقبة كبير.

(1:276)

أبو حيّان :هذا نهي للحكّام عن خشيتهم غير اللّه في حكوماتهم،و إذهابهم (1)فيها،و إمضائها على خلاف ما أمروا به من العدل بخشية سلطان ظالم، أو خيفة أذيّة أحد من الغرماء و الأصدقاء.و لا تستعطوا بآيات اللّه ثمنا قليلا،و هو الرّشوة و ابتغاء الجاه و رضا النّاس،كما حرّف أحبار اليهود كتاب اللّه،و غيّروا أحكامه رغبة في الدّنيا و طلبا للرّئاسة،فهلكوا.و هذا نهي عن جميع المكاسب الخبيثة بالعلم و التّحيّل للدّنيا..

ص: 133


1- و في الكشّاف:و إدهانهم فيها...

بالدّين.[ثمّ نقل قول ابن عبّاس و أضاف:]

و لمّا كان الإقدام على تغيير أحكام اللّه سببه شيئان:الخوف و الرّغبة،و كان الخوف أقوى تأثيرا من الرّغبة،قدّم النّهي عن الخوف على النّهي عن الرّغبة و الطّمع.و الظّاهر أنّ هذا الخطاب لليهود على سبيل الحكاية،و القول لعلماء بني إسرائيل.[ثمّ نقل قول مقاتل و أضاف:]

هذا و إن كان خطابا لعلماء بني إسرائيل،فإنّه يتناول علماء هذه الأمّة.(3:492)

أبو السّعود :خطاب لرؤساء اليهود و علمائهم بطريق الالتفات.و أمّا حكّام المسلمين فيتناولهم النّهي بطريق الدّلالة دون العبارة،و الفاء لترتيب النّهي على ما فصّل من حال التّوراة،و كونها معتنى بشأنها فيما بين الأنبياء عليهم السّلام و من يقتدى بهم من الرّبّانيّين و الأحبار المتقدّمين عملا و حفظا،فإنّ ذلك ممّا يوجب الاجتناب عن الإخلال بوظائف مراعاتها،و المحافظة عليها بأيّ وجه كان،فضلا عن التّحريف و التّغيير.

و لمّا كان مدار جراءتهم على ذلك خشية ذي سلطان أو رغبة في الحظوظ الدّنيويّة،نهوا عن كلّ منهما صريحا،أي إذا كان شأنهما كما ذكر:فلا تخشوا النّاس كائنا من كان،و اقتدوا في مراعاة أحكامها و حفظها بمن قبلكم من الأنبياء و أشياعهم وَ اخْشَوْنِ في الإخلال بحقوق مراعاتها،فكيف بالتّعرّض لها بسوء؟!(2:277)

نحوه البروسويّ(2:397)،و الآلوسيّ(6:

145).

شبّر: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ أيّها الحكّام في حكوماتكم،أو أيّها اليهود في إظهار الحقّ. وَ اخْشَوْنِ في الحكومة،أو كتمان الحقّ.(2:178)

رشيد رضا :أي إذا كان الأمر كما ذكر-و هو ما لا تنكرونه كما تنكرون غيره،ممّا قصّه اللّه على رسوله من سيرة سلفكم-فلا تخشوا النّاس،فتكتموا ما عندكم من الكتاب،خوفا من بعضهم و رجاء في بعض،و اخشوني وحدي،و أوفوا بعهدي،فإنّ الأمر كلّه لي.(6:399)

نحوه المراغيّ.(6:124)

مغنيّة: من عرف حكم اللّه لا يخافه إلاّ لأحد أمرين:إمّا خوفا على منصبه من الزّوال،و إمّا طمعا في المال،و قد أشار سبحانه إلى الأوّل بقوله:

فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ، و إلى الثّاني بقوله:

وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً، و المعنى:يا أحبار اليهود اعملوا بما تعلمون إنّه الحقّ،و لا تخشوا فيه لومة لائم،و لا تحرّفوه طمعا في الرّشوة.

و إذا كان هذا الخطاب موجّها بظاهره للأحبار الّذين حرّفوا حكم الزّاني من الرّجم إلى الجلد،فإنّه في واقعه عامّ لكلّ من يحاول التّحريف و التّزييف، خوفا أو طمعا.

و أبلغ قول يفسّر هذه الآية كلمة قالها عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف أولياء اللّه:«بهم قام الكتاب، و به قاموا،لا يرون مرجوّا فوق ما يرجون،و لا مخوفا فوق ما يخافون»أي لا يرجون إلاّ اللّه،و لا يخافون إلاّ منه.(3:62)

ص: 134

الطّباطبائيّ: و أمّا قوله تعالى: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً فهو متفرّع على قوله: إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا، أي لمّا كانت التّوراة منزلة من عندنا مشتملة على شريعة يقضي بها النّبيّون و الرّبّانيّون و الأحبار بينكم،فلا تكتموا شيئا منها، و لا تغيّروها خوفا أو طمعا:أمّا خوفا فبأن تخشوا النّاس و تنسوا ربّكم،بل اللّه فاخشوا حتّى لا تخشوا النّاس.و أمّا طمعا فبأن تشتروا بآيات اللّه ثمنا قليلا، هو مال أو جاه دنيويّ زائل باطل.

و يمكن أن يكون متفرّعا على قوله: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ بحسب المعنى،لأنّه في معنى أخذ الميثاق على الحفظ،أي أخذنا منهم الميثاق على حفظ الكتاب،و أشهدناهم عليه أن لا يغيّروه،و لا يخشوا في إظهاره غيري،و لا يشتروا بآياتي ثمنا قليلا،قال تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً آل عمران:

187،و قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَ إِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَ دَرَسُوا ما فِيهِ وَ الدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ* وَ الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ الأعراف:169،170.

و هذا المعنى الثّاني لعلّه أنسب و أوفق لما يتلوه من التّأكيد و التّشديد بقوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ. (5:343)

مكارم الشّيرازيّ: توجّه الآية الخطاب إلى أولئك العلماء و المفكّرين من اليهود الّذين كانوا يعيشون في ذلك العصر،فتطلب منهم أن لا يخافوا النّاس لدى بيان أحكام اللّه،بل عليهم أن لا يخافوا اللّه، فلا تسوّل لهم أنفسهم مخالفة أوامره أو كتمان الحقّ، و إن فعلوا ذلك فسيلقون الجزاء و العقاب،فتقول الآية هنا: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ. (4:17)

فضل اللّه : فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ في كتاب اللّه و رسالته،لأنّ اللّه أرادكم أن تأخذوا الكتاب بقوّة،و أن تبلغوا الرّسالة بصلابة،فلا تأخذكم في اللّه لومة لائم،لأنّ ذلك هو دور رسل اللّه بما حمّلهم من رسالته،أن يجاهدوا في اللّه حقّ جهاده بلا خوف و لا وجل،لأنّ اللّه ينصر عباده المؤمنين.(8:187).

أ تخشونهم-ان تخشوه

أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. التّوبة:13

ابن عبّاس: يا معشر المؤمنين أ تخشون قتالهم:

فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ في ترك أمره.(154)

الطّبريّ: يقول:أ تخافونهم على أنفسكم،فتتركوا قتالهم خوفا على أنفسكم منهم، فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ يقول:فاللّه أولى بكم أن تخافوا عقوبته بترككم جهادهم،و تحذروا سخطه عليكم،من هؤلاء

ص: 135

المشركين الّذين لا يملكون لكم ضرّا و لا نفعا إلاّ بإذن اللّه.(6:331)

نحوه البغويّ.(2:322)

الطّوسيّ: معناه أ تخافونهم،ثمّ قال: فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ أي تخافوه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، و في ذلك غاية الفصاحة،لأنّه جمع بين التّقريع و التّشجيع.

و المعنى أ تخشون أن ينالكم من قتالهم مكروه،فاللّه أحقّ أن تخشوا عقابه في ارتكاب معاصيه إن كنتم مصدّقين بعقابه و ثوابه.(5:215)

الزّمخشريّ: تقرير بالخشية منهم،و توبيخ عليها فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فتقاتلوا أعداءه.(2:178)

نحوه النّسفيّ(2:118)،و الشّربينيّ(1:593).

ابن عطيّة: أَ تَخْشَوْنَهُمْ استفهام على معنى التّقرير و التّوبيخ،و قوله: فَاللّهُ مرتفع بالابتداء، و أَحَقُّ خبره،و أَنْ تَخْشَوْهُ بدل من اسم اللّه بدل اشتمال،أو في موضع نصب على إسقاط خافض، تقديره:بأن تخشوه.و يجوز أن يكون(اللّه)ابتداء و أَحَقُّ ابتداء ثان و أَنْ تَخْشَوْهُ خبر الثّاني، و الجملة خبر الأوّل.(3:13)

نحوه البروسويّ.(3:395)

الطّبرسيّ: أي أ تخافون أن ينالكم من قتالكم مكروه؟لفظه استفهام،و المراد:به تشجيع المؤمنين، و في ذلك غاية الفصاحة،لأنّه جمع بين التّقريع و التّشجيع...

المعنى لا تخشوهم و لا تتركوا قتالهم خوفا على أنفسكم منهم،فإنّه سبحانه أحقّ أن تخافوا عقابه في ترك أمره بقتالهم،إن كنتم مصدّقين بعقاب اللّه و ثوابه، أي إن كنتم مؤمنين،فخشية اللّه أحقّ بكم من خشية غيره،و اللّه أعلم و أحكم.(3:11)

نحوه القرطبيّ.(8:86)

الفخر الرّازيّ: و هذا الكلام يقوّي داعية القتال من وجوه:

الأوّل:أنّ تعديد الموجبات القويّة و تفصيلها،ممّا يقوّي هذه الدّاعية.

و الثّاني:أنّك إذا قلت للرّجل:أ تخشى خصمك، كان ذلك تحريكا منه،لأن يستنكف أن ينسب إلى كونه خائفا من خصمه.

و الثّالث:أنّ قوله: فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ يفيد ذلك،كأنّه قيل:إن كنت تخشى أحدا فاللّه أحقّ أن تخشاه،لكونه في غاية القدرة و الكبرياء و الجلالة، و الضّرر المتوقّع منهم غايته القتل.و أمّا المتوقّع من اللّه، فالعقاب الشّديد في القيامة،و الذّمّ اللاّزم في الدّنيا.

و الرّابع:أنّ قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ معناه:

أنّكم إن كنتم مؤمنين بالإيمان وجب عليكم أن تقدموا على هذه المقاتلة،و معناه:أنّكم إن لم تقدموا عليها وجب أن لا تكونوا مؤمنين.

فثبت أنّ هذا كلام مشتمل على سبعة أنواع من الأمور الّتي تحملهم على مقاتلة أولئك الكفّار النّاقضين للعهد.(15:235)

العكبريّ: فَاللّهُ أَحَقُّ مبتدأ،و في الخبر وجهان:

أحدهما:هو أَحَقُّ و أَنْ تَخْشَوْهُ في موضع

ص: 136

نصب أو جرّ،أي بأن تخشوه،و في الكلام حذف،أي أحقّ من غيره بأن تخشوه.

أو أَنْ تَخْشَوْهُ مبتدأ بدل من اسم اللّه بدل الاشتمال،و أَحَقُّ الخبر،و التّقدير:خشية اللّه أحقّ.

و الثّاني:أنّ أَنْ تَخْشَوْهُ مبتدأ،و أَحَقُّ خبره مقدّم عليه،و الجملة خبر عن اسم اللّه.

(2:638)

البيضاويّ: أ تتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فقاتلوا أعداءه و لا تتركوا أمره.(1:408)

أبو السّعود :أي أ تخشون أن ينالكم منهم مكروه حتّى تتركوا قتالهم؟!وبّخهم أوّلا بترك مقاتلتهم، و حضّهم عليها،ثمّ وصفهم بما يوجب الرّغبة فيها، و يحقّق أنّ من كان على تلك الصّفات السّيّئة حقيق بأن لا تترك مصادمته،و يوبّخ من فرّط فيها، فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ بمخالفة أمره و ترك قتال أعدائه.

(3:129)

نحوه القاسميّ.(8:3083)

الآلوسيّ: أَ تَخْشَوْنَهُمْ و قد أقيم فيه السّبب و العلّة مقام المسبّب و المعلول،و المراد:أ تتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ بمخالفة أمره و ترك قتال عدوّه.

و الاسم الجليل مبتدأ و أَحَقُّ خبره،و أَنْ تَخْشَوْهُ بدل من الجلالة بدل اشتمال،أو بتقدير حرف جرّ،أي بأن تخشوه،فمحلّه النّصب أو الجرّ بعد الحذف على الخلاف.

و قيل:إنّ أَنْ تَخْشَوْهُ مبتدأ،خبره أَحَقُّ، و الجملة خبر الاسم الجليل،أي خشية اللّه تعالى أحقّ، أو اللّه أحقّ من غيره بالخشية،أو اللّه خشية أحقّ، و خير الأمور عندي أوسطها.(10:61)

رشيد رضا :أي أ تتركون قتالهم خشية لهم و جبنا منكم؟إن كانت الخشية هي المانعة لكم من قتالهم فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإنّ المؤمن حقّ الإيمان لا يخاف و لا يخشى إلاّ اللّه تعالى، لعلمه بأنّه هو الّذي بيده ملكوت كلّ شيء،فإن خشى غيره بمقتضى سننه تعالى في أسباب الضّرّ و النّفع، فلا يرجّح خشيته على خشية اللّه تعالى،بأن يحمله على عصيانه و مخالفة أمره،بل يرجّح خشيته تعالى على خشية غيره،بل لا يخشى غيره حقّ الخشية.

قيل:إنّ هذا الاستفهام للإنكار و التّوبيخ للمؤمنين،و هذا لا يصحّ إلاّ إذا كان تعالى قد علم منهم أنّهم يريدون الامتناع عن قتال المشركين،خوفا منهم على أنفسهم.و هذا غير معقول و لا سيّما في الحال الّتي أنزلت فيها هذه الآيات بعد فتح مكّة و هدم دولة الشّرك،و قد كانوا يقاتلونهم بغير جبن و لا إحجام، و هم قليل مستضعفون،و المشركون في عنفوان قوّتهم دولة و كثرة و ثروة.

و إنّما هذا احتجاج آخر على جماعة المسلمين الّذين لا يخلون من المنافقين و مرضى القلوب و السّمّاعين لهم،من المؤمنين الّذين كانوا يعظّمون ما عظّم اللّه و رسوله من أمر الوفاء بالعهد،و يكرهون

ص: 137

القتال لذاته إذا لم توجبه الضّرورة،كما قال تعالى فيهم: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ البقرة:

216،أو لرجاء انتشار الإسلام بدونه بعد فتح مكّة و الطّائف،و هدم دولة الشّرك.

فهذا الّذي اقتضى كلّ هذه الحجج و البيّنات،على كون نبذ عهود جمهور المشركين دون من وفى منهم بعهده حقّا و عدلا،لا يتضمّن خيانة و لا غدرا،و أنّ بقاءهم على حرّيّتهم و هذه حالهم خطر لا تؤمن عاقبته.فهو تعالى يقول للمؤمنين بعد سوق تلك الحجج الثّلاث الّتي تكفي كلّ واحدة منها لإيجاب قتالهم:إنّه لم يبق بعد قيام هذه البيّنات من سبب يمنع من قتالهم إلاّ أن يكون الخشية لهم و الخوف من قوّتهم، و خشية اللّه أحقّ و أولى من خشيتهم،فإن كنتم موقنين في إيمانكم فاخشوه وحده عزّ و جلّ،و قد رأيتم كيف نصركم عليهم في تلك المواطن الكثيرة؛إذ كنتم ضعفاء و كانوا أقوياء.

و فيه دليل على أنّ المؤمن حقّ الإيمان يكون أشجع النّاس و أعلاهم همّة،لأنّه لا يخشى إلاّ اللّه عزّ و جلّ.

ثمّ إنّه بعد إقامة هذه الحجج البيّنة على وجوب قتالهم،و دحض شبهة المانع منه،صرّح بالأمر القطعيّ به مع الوعد القطعيّ بإظهار المؤمنين عليهم أكمل الظّهور و أتمّه،و هذا الوعد من أخبار الغيب التّفصيليّة في حال معيّنة،فهو ليس كالوعد العامّ المجمل في نصر اللّه لرسله و للمؤمنين الّذي يراد به أنّ العاقبة تكون لهم،و لا يمنع أن تكون الحرب قبلها سجالا لتربية المؤمنين،و قد صدق وعده تعالى مجملا و مفصّلا.

(10:194)

مغنيّة:و بعد أن ذكّر سبحانه المسلمين بما فعل المشركون من نكث العهد،و إخراج الرّسول و بدء القتال،حثّهم على الجهاد و القتال،حيث لا رادع سواه،ثمّ أذهب سبحانه الخوف من قلوب المسلمين بقوله: أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

و قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يشير إلى أنّ الخوف من اللّه حقّا و واقعا لا يكون و لن يكون إلاّ ممّن يؤمن باللّه حقّا و واقعا،أمّا غيره فإنّه لا يخاف اللّه إطلاقا، و إن خافه فخوفه خيال عابر.

قال الإمام عليّ عليه السّلام:«كلّ خوف محقّق إلاّ خوف اللّه فإنّه معلول»أي إنّ خوف الإنسان من غير اللّه له واقع ملموس،أمّا خوفه من اللّه فلا واقع له،و إنّما هي مجرّد خيال يعبر و يزول بأدنى شاغل.(4:16)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ أحد أساليب الفصاحة و البلاغة أن يكرّر المطلب المهمّ بتعابير مختلفة،للتّأكيد على أهمّيّته،و ليكون له أثر في النّفوس.و لمّا كانت مسألة تطهير المحيط الإسلاميّ من الوثنيّة و عبادة الأصنام و إزالة آثارها،من المسائل ذات الأهمّيّة القصوى،فإنّ القرآن يكرّر المطالب السّابقة بعبارات جديدة-في الآيات محلّ البحث-و فيها لطائف تخرج المطلب-أو الموضوع-عن صورة التّكرار، و لو التّكرار المجازيّ.

فتقول الآية الأولى من هذه الآيات: فَإِنْ تابُوا

ص: 138

وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ التّوبة:11.

و تضيف معقّبة: وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

و كان التّعبير في الآيات المتقدّمة أنّهم إذا أدّوا وظيفتهم الإسلاميّة،أي إن تابوا و أقاموا الصّلاة و آتوا الزّكاة فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ التّوبة:5،أمّا التّعبير في هذه الآية: فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ أي لا فارق بينهم و بين أيّ أحد من المسلمين،من حيث الاحترام و المحبّة،كما لا فارق بين الإخوان.

و هذه التّعابير إنّما هي أكثر تأثيرا لتهيئة أفكار المشركين و عواطفهم و أنفسهم لتقبّل الإسلام؛إذ تقول في حقّهم تارة: فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ و تارة:

فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ.

و تقول الآية التّالية: وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ.

صحيح أنّهم عاهدوكم على عدم المخاصمة و المقاتلة،إلاّ أنّ هذه المعاهدة-بنقضها مرارا،و كونها قابلة للنّقض في المستقبل-لا اعتبار لها أصلا و لا قيمة لها.

و تعقّب الآية مضيفة لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ.

و في الآية الأخرى خطاب للمسلمين لإثارة هممهم،و إبعاد روح الضّعف و الخوف و التّردّد عنهم، في هذا الأمر الخطير،إذ تقول الآية: أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ.

فعلام تقلقون؟و لم تبدءوهم بالقتال و إلغاء العهد من قبلكم وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ؟

و إذا كان بعضكم يتردّد في مقاتلته إيّاهم خشية منهم،فإنّ هذه الخشية لا محلّ لها أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. (5:494)

فضل اللّه : أَ تَخْشَوْنَهُمْ في ما يمثّلون من قوّة و سلطة و مال،و كيف يخشى المؤمنون مثل هؤلاء الّذين لا ترتكز قوّتهم على قاعدة ثابتة في الدّاخل،بل تتحرّك من خلال الأدوات الّتي يملكونها و الظّروف الطّارئة الّتي ينتهزونها؟إنّها القوّة الضّعيفة الّتي مهما تعاظمت،فإنّها لا تثبت أمام تحدّيات القوّة المتحرّكة، من موقع الإيمان الصّلب الثّابت الّذي يستمدّ قوّته من اللّه.

و كيف تخشونهم أيّها المؤمنون،في ما أرادكم اللّه أن تواجهوه من جهادهم و قتالهم من أجل الإسلام،في مسيرته الظّافرة الّتي تعمل من أجل أن يكون الدّين كلّه للّه؟

و كيف تتراجعون عن ذلك أو تفكّرون بالتّراجع، فإذا كان هناك خشية منهم و ممّا لديهم من القوّة،فهناك خشية من اللّه،لما ينتظركم من عقابه،لو خالفتم تعاليمه و تمرّدتم على أمره و نهيه؟فوازنوا أمركم بين موقفكم منهم و موقفكم من اللّه،و ستجدون أنّ الموازنة تقف بكم عند حدود اللّه فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ، لأنّه مالك كلّ شيء،و بيده أمر الدّنيا و الآخرة،في ما تفرضه عقيدة الإيمان و روحيّة العبوديّة له،ممّا يجب أن تواجهوه من مواقف الإيمان إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، لأنّ الإيمان ليس كلمة تقال،بل هو موقف للتّضحية

ص: 139

و الإخلاص و العطاء.

و ربّما يخطر في البال،أنّ مواجهة اللّه لهم بالخشية منهم،لا تلتقي بالواقع الّذي كان يعيش فيه المسلمون القوّة بعد فتح مكّة،بينما كان المشركون يعيشون فيه الضّعف كلّ الضّعف،فكيف نفسّر ذلك؟

و قد نجيب على ذلك:أنّ القضيّة قد تكون واردة في معرض الإثارة الّتي تدفعهم إلى لون من ألوان الحماس الإيمانيّ المنطلق من حالة الشّعور بالقوّة، كعنصر من عناصر تثبيت الموقف في نفوسهم.و ربّما كان هناك نوع من الخوف،باعتبار أنّ المسألة في موضوع البراءة بدت لهم حاسمة شاملة لا تقتصر على فريق دون فريق،بل تشمل المشركين كلّهم في موقف مواجهة واسعة،ممّا قد يوحي بالقلق لبعض المسلمين الّذين يلتفتون إلى سعة التّواجد البشريّ للمشركين في الجزيرة العربيّة،الأمر الّذي يوحي إليهم بالخطر الكبير.(11:46)

فلا تخشوهم-و اخشونى

1- وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. البقرة:150

ابن عبّاس: فَلا تَخْشَوْهُمْ في صرف القبلة وَ اخْشَوْنِي في تركها.(21)

السّديّ: لا تخشوا أن أردّكم في دينهم.(135)

الفرّاء: وَ اخْشَوْنِي أثبتت فيها الياء و لم تثبت في غيرها،و كلّ ذلك صواب،و إنّما استجازوا حذف الياء لأنّ كسرة النّون تدلّ عليها،و ليست تهيّب العرب حذف الياء من آخر الكلام إذا كان ما قبلها مكسورا،من ذلك: رَبِّي أَكْرَمَنِ*... أَهانَنِ الفجر :15،16،و قوله: أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ النّمل:36،و من غير النّون: اَلْمُنادِ ق:41، اَلدّاعِ القمر:6 و 8،و هو كثير،يكتفى من الياء بكسرة ما قبلها،و من الواو بضمّة ما قبلها،مثل قوله: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ العلق:18، وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ الإسراء:11،و ما أشبهه و قد تسقط العرب الواو و هي واو جماع،اكتفي بالضّمّة قبلها،فقالوا في«ضربوا»:قد ضرب،و في «قالوا»:قد قال ذلك،و هي في هوازن و عليا قيس.[ثمّ استشهد بشعر](1:90)

الطّبريّ: يعني فلا تخشوا هؤلاء الّذين وصفت لكم أمرهم من الظّلمة في حجّتهم و جدالهم،و قولهم ما يقولون:في أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم قد رجع إلى قبلتنا، و سيرجع إلى ديننا.أو أن يقدروا لكم على ضرّ في دينكم،أو صدّكم عمّا هداكم اللّه تعالى ذكره له من الحقّ،و لكن اخشوني فخافوا عقابي،في خلافكم أمري إن خالفتموه.

و ذلك من اللّه جلّ ثناؤه تقدّم إلى عباده المؤمنين، بالحضّ على لزوم قبلتهم و الصّلاة إليها،و بالنّهي عن التّوجّه إلى غيرها.يقول جلّ ثناؤه:و اخشوني أيّها المؤمنون،في ترك طاعتي فيما أمرتكم به من الصّلاة شطر المسجد الحرام.(2:38)

ص: 140

الطّوسيّ: و أثبتت الياء في قوله: وَ اخْشَوْنِي هاهنا،و حذفت فيما عداه،لأنّه الأصل،و عليه إجماع هاهنا.و أمّا الحذف فللاجتزاء بالكسرة من الياء.

وَ اخْشَوْنِي معناه:و اخشوا عقابي،بدلالة الكلام عليه في الحال.و إنّما ذكّرهم،فقال:

فَلا تَخْشَوْهُمْ لأنّه لما ذكّرهم بالظّلم،و الاستطاعة بالخصومة و المنازعة طيّب بنفوس المؤمنين،أي فلا تلتفتوا إلى ما يكون منهم،فإنّ عاقبة السّوء عليهم.

(2:28)

القشيريّ: إذا كانوا محوا عن كونهم رسوما تجري عليهم أحكامنا،فإنّي بالخشية منهم.(1:148)

الواحديّ: أي في انصرافكم إلى الكعبة،و في تظاهرهم عليكم في المحاجّة و المحاربة، وَ اخْشَوْنِي في تركها و مخالفتها.(1:233)

البغويّ: في انصرافكم إلى الكعبة،و في تظاهرهم عليكم بالمجادلة،فإنّي وليّكم أظهركم عليهم بالحجّة و النّصرة.(1:182)

نحوه الخازن.(1:106)

الزّمخشريّ: فلا تخافوا مطاعنهم في قبلتكم، فإنّهم لا يضرّونكم، وَ اخْشَوْنِي فلا تخالفوا أمري، و ما رأيته مصلحة لكم.(1:323)

نحوه الشّربينيّ(1:104)،و أبو السّعود(1:

218)،و البروسويّ(1:255)،و شبّر(1:161)، و القاسميّ(2:309).

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:لا تخشوهم في استقبال الكعبة،و اخشوا عقابي في ترك استقبالها،فإنّي أحفظكم من كيدهم.

(1:232)

الفخر الرّازيّ: فالمعنى:لا تخشوا من تقدّم ذكره ممّن يتعنّت و يجادل و يحاجّ،و لا تخافوا مطاعنهم في قبلتكم،فإنّهم لا يضرّونكم.

وَ اخْشَوْنِي يعني احذروا عقابي،إن أنتم عدلتم عمّا ألزمتكم و فرضت عليكم.

و هذه الآية تدلّ على أنّ الواجب على المرء في كلّ أفعاله و تروكه أن ينصب بين عينيه:خشية عقاب اللّه،و أن يعلم أنّه ليس في يد الخلق شيء البتّة، و أن لا يكون مشتغل القلب بهم،و لا ملتفت الخاطر إليهم.(4:158)

ابن عربيّ: فَلا تَخْشَوْهُمْ لأنّهم لا يغلبونكم و لا يضرّونكم،و وَ اخْشَوْنِي كونوا على هيبة من تجلّي عظمته،لئلاّ يقعوا في قلوبكم و أعينكم،و لا يميلوا صدوركم فتميلوا إلى موافقتهم إجلالا لهم و تعظيما، لكونكم في الغيبة و بالنّفس،كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«عظم الخالق عندك يصغّر المخلوق في عينك».

(1:97)

القرطبيّ: الخشية أصلها:طمأنينة في القلب، تبعث على التّوقّي.و الخوف:فزع القلب تخفّ له الأعضاء،و لخفّة الأعضاء به سمّي خوفا.

و معنى الآية:التّحقير لكلّ من سوى اللّه تعالى، و الأمر باطّراح أمرهم و مراعاة أمر اللّه تعالى،(2:170)

البيضاويّ: فلا تخافوهم،فإنّ مطاعنهم لا تضرّكم، وَ اخْشَوْنِي فلا تخالفوا ما أمرتكم به

ص: 141

مصلحة لكم.(1:90)

نحوه النّسفيّ.(1:83)

أبو حيّان :هذا فيه تحقير لشأنهم،و أمر باطّراحهم،و مراعاة لأمره تعالى.و ضمير المفعول في فَلا تَخْشَوْهُمْ يحتمل أن يعود على النّاس،أي فلا تخشوا النّاس،و أن يعود على الّذين ظلموا،أي فلا تخشوا الظّالمين.و نهي عن خشيتهم فيما يزخرفونه من الكلام الباطل،فإنّهم لا يقدرون على نفع و لا ضرّ، و أمر بخشيته هو في ترك ما أمرهم به،من التّوجّه إلى المسجد الحرام.

و قيل:المعنى:فلا تخشوهم في المباينة و اخشوني في المخالفة،و معناه قريب من الأوّل.و قد ذكرنا شرح هاتين الجملتين في ذكر قراءة ابن عبّاس بقريب من هذا.

و قال السّدّيّ: معناه:لا تخشوا أن أردّكم في دينكم،و اخشوني.و هذا الّذي قاله لا يساعده قوله:

فَلا تَخْشَوْهُمْ.

قال بعضهم:ذكر الخشية هنا و لم يذكر الخوف، لأنّ الخشية حذر من أمر قد وقع،و الخوف حذر من أمر لم يقع.

و الّذي تدلّ عليه اللّغة و الاستعمال أنّ الخشية و الخوف مترادفان،و قال تعالى: فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ آل عمران:175،كما قال هنا: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي. (1:442)

ابن كثير :أي لا تخشوا شبه الظّلمة المتعنّتين، و أفردوا الخشية لي،فإنّه تعالى هو أهل أن يخشى منه.(1:344)

الآلوسيّ: و الفاء زائدة فيه للتّأكيد،و قيل:

لتضمّن المبتدإ معنى الشّرط.و جوّز أن يكون الموصول نصبا على شريطة التّفسير.و المشهور أنّ«الخشية» مرادفة للخوف،أي فلا تخافوا الظّالمين لأنّهم لا يقدرون على نفع و لا ضرّ.و جوّز عود الضّمير إلى النّاس،و فيه بعد.

وَ اخْشَوْنِي أي و خافوني فلا تخالفوا أمري، فإنّي القادر على كلّ شيء.و استدلّ بعض أهل السّنّة بالآية على حرمة التّقيّة الّتي يقول بها الإماميّة.

(2:17)

رشيد رضا :إذ لا مرجع لكلامهم من الحقّ، و لا تمكّن له في النّفس،لأنّه لا يستند إلى برهان عقليّ و لا إلى هدى سماويّ، وَ اخْشَوْنِي أنا،فلا تعصوني بمخالفة ما جاءكم به رسولي عنّي،فإنّني القدير على جزائكم بما وعدتكم و أوعدتكم،و قد وعدت الّذين آمنوا منكم و عملوا الصّالحات،بأن أمكّن لهم دينهم الّذي ارتضيت لهم،و أبدّلهم من بعد خوفهم أمنا، و إنّني لا أخلف الميعاد.

و الآية ترشدنا إلى أنّ صاحب الحقّ هو الّذي يخشى جانبه،و أنّ المبطل لا ينبغي أن يخشى،فإنّ الحقّ يعلو و لا يعلى[عليه]،و ما آفة الحقّ إلاّ ترك أهله له،و خوفهم من أهل الباطل فيه.

و ذكر الأستاذ الإمام هنا من له شبهة حقّ كصاحب النّيّة السّليمة يشتبه عليه الأمر،فيترك الحقّ،لأنّه عمي عليه،و لو ظهر له لأخذ به،و هو أيضا

ص: 142

لا يخشى جانبه،خلافا لما فهم بعض الطّلاّب من كلام الأستاذ.

و إنّما استثناه من مشاركة الظّالمين في عدم المبالاة به،فأولئك لا يخشون و لا يبالى بهم،و هذا لا يخشى على الحقّ،و لكنّه يبالى به و يعتني بأمره،بتوضيح السّبيل،و تفصيل الدّليل،لما يرجى من قرب رجوعه إليه إذا عرفه.(2:24)

نحوه المراغيّ.(2:17)

مغنيّة:أي لا تخافوا في الحقّ لومة لائم،فأنا وحدي أملك لكم النّفع و الضّرّ.

و قال ابن عربيّ في تفسيره:معنى اِخْشَوْنِي :

اعرفوا عظمتي لئلاّ يعظم الكافر عندكم»،قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«عظم الخالق في أنفسهم،فصغر ما دونه في أنفسهم».(1:237)

مكارم الشّيرازيّ: حين وصفت الآية هؤلاء المعاندين أنّهم ظالمون،فقد يثير هذا الوصف خوفا في نفوس البعض،لذلك قالت الآية: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي.

و هذه الفقرة من الآية تطرح أصلا عامّا أساسيّا من أصول التّربية التّوحيديّة الإسلاميّة،هو عدم الخوف من أيّ شيء سوى اللّه،أو بعبارة أصحّ الخوف فقط من معصية اللّه،و إذا ترسّخ هذا المبدأ التّربويّ في نفوس الجماعة المسلمة،فلن تفشل و لن تنهزم قطّ.

أمّا المتظاهرون بالإسلام فهم يخافون من الشّرق تارة،و من الغرب تارة أخرى،و من المنافقين الدّاخليّين و من الأعداء الخارجيّين،و من كلّ شيء سوى اللّه.و هؤلاء دائما أذلاّء ضعفاء مهزومون.

(1:375)

2- ...اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً...

المائدة:3

ابن عبّاس: فَلا تَخْشَوْهُمْ في اتّباع محمّد صلّى اللّه عليه و آله و مخالفتهم، وَ اخْشَوْنِي في ترك اتّباع محمّد و دينه و موافقتهم.(88)

نحوه رشيد رضا(6:154)،و المراغيّ(6:54).

ابن جريج:فلا تخشوهم أن يظهروا عليكم.

(الطّبريّ 4:418)

الطّبريّ: يعني بذلك:فلا تخشوا أيّها المؤمنون، هؤلاء الّذين قد يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه من الكفّار،و لا تخافوهم أن يظهروا عليكم،فيقهروكم و يردّوكم عن دينكم، وَ اخْشَوْنِي، يقول:و لكن خافون،إن أنتم خالفتم أمري و اجترأتم على معصيتي،و تعدّيتم حدودي،أن أحلّ بكم عقابي و أنزل بكم عذابي.(4:418)

الزّجّاج: أي فليكن خوفكم للّه وحده،فقد أمنتم أن يظهر دين على الإسلام و كذلك-و اللّه أعلم- قوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ... (2:148)

الماورديّ: أي(لا تخشوهم)أن يظهروا عليكم،(و اخشون)أن تخالفوا أمري.(2:12)

نحوه الواحديّ.(2:153)

ص: 143

الطّوسيّ: هذا خطاب للمؤمنين،نهاهم اللّه أن يخشوا و يخافوا من الكفّار،أن يظهروا على دين الإسلام،و يقهروا المسلمين و يردّوهم عن دينهم، و لكن اخشوني و خافوني إن خالفتم أمري و ارتكبتم معصيتي،أن أحلّ بكم عقابي و أنزل عليكم عذابي، و هو قول ابن جريج و غيره.(3:435)

مثله الطّبرسيّ.(2:158)

الزّمخشريّ: فَلا تَخْشَوْهُمْ، بعد إظهار الدّين و زوال الخوف من الكفّار،و انقلابهم مغلوبين مقهورين بعد ما كانوا غالبين،(و اخشون)و أخلصوا لي الخشية.(1:593)

نحوه النّسفيّ(1:270)،و البيضاويّ(1:262)، و الخازن(2:8)،و أبو السّعود(2:237).

ابن عطيّة: فإنّما نهى المؤمنين عن خشية جميع أنواع الكفّار،و أمر بخشيته تعالى الّتي هي رأس كلّ عبادة،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«و مفتاح كلّ خير».(2:154)

الفخر الرّازيّ: أي فلا تخافوا المشركين في خلافكم إيّاهم في الشّرائع و الأديان،فإنّي أنعمت عليكم بالدّولة القاهرة و القوّة العظيمة،و صاروا مقهورين لكم ذليلين عندكم،و حصل لهم اليأس من أن يصيروا قاهرين لكم مستولين عليكم،فإذا صار الأمر كذلك فيجب عليكم أن لا تلتفتوا إليهم،و أن تقبلوا على طاعة اللّه تعالى و العمل بشرائعه.

(11:137)

القرطبيّ: أي لا تخافوهم و خافوني،فإنّي أنا القادر على نصركم.(6:61)

أبو حيّان:و قيل:فلا تخشوا عاقبتهم.و الظّاهر أنّه نهى عن خشيتهم إيّاهم،و أنّهم لا يخشون إلاّ اللّه تعالى.

(3:426)

ابن كثير :أي لا تخافوهم في مخالفتكم إيّاهم، و اخشوني أنصركم عليهم و أبدهم (1)،و أظفركم بهم و اشف صدوركم منهم،و أجعلكم فوقهم في الدّنيا و الآخرة.(2:488)

الشّربينيّ: أن يظهروا عليكم.(و اخشون)أجمع القرّاء السّبعة على حذف الياء بعد النّون لحذفها في الرّسم،أي و أخلصوا الخشية لي وحدي،فإنّ دينكم قد اكتمل بدوره و جلّ عن انمحاق محلّه و قدره، و رضي به الآمر و مكّنه على رغم أنوف الأعداء و هو قادر.و ذلك قوله تعالى-مسوقا مساق التّعليل-:

اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. (1:353)

البروسويّ: فإنّكم خلصتم من شبكة مكايدهم و نجوتم من عقد مصائدهم، وَ اخْشَوْنِ فإنّ كيدي متين،و صيدي مهين،و بطشي شديد،و حبسي مديد.

(2:344)

الآلوسيّ: أن يظهروا عليكم،و هو متفرّع عن اليأس، وَ اخْشَوْنِ أن أحلّ بكم عقابي إن خالفتم أمري،و ارتكبتم معصيتي.(6:60)

ابن عاشور :و تفريع النّهي عن خشية المشركين في قوله: فَلا تَخْشَوْهُمْ على الإخبار عن يأسهم من أذى الدّين،لأنّ يأس العدوّ من نوال عدوّه يزيلم.

ص: 144


1- كذا،و الظّاهر أبيدهم.

بأسه،و يذهب حماسه،و يقعده عن طلب عدوّه.و في الحديث:«و نصرت بالرّعب».فلمّا أخبر عن يأسهم طمّن المسلمين من بأس عدوّهم،فقال: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ، أو لأنّ اليأس لمّا كان حاصلا من آثار انتصارات المسلمين،يوما فيوما،-و ذلك من تأييد اللّه لهم-ذكّر اللّه المسلمين بذلك بقوله: اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ، و إنّ فريقا لم يغن عنهم بأسهم من اللّه شيئا لأحرياء بأن لا يخشى بأسهم،و أن يخشى من خذلهم و مكّن أولياءه منهم.

و قد أفاد قوله: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ مفاد صيغة الحصر،و لو قيل:فإيّاي فاخشون لجرى على الأكثر في مقام الحصر،و لكن عدل إلى جملتي نفي و إثبات،لأنّ مفاد كلتا الجملتين مقصود،فلا يحسن طيّ إحداهما.و هذا من الدّواعي الصّارفة عن صيغة الحصر إلى الإتيان بصيغتي إثبات و نفي،كقول السّموأل أو عبد الملك بن عبد الرّحيم الحارثيّ:

تسيل على حدّ الظّبات نفوسا

و ليست على غير الظّبات تسيل

و نظيره قوله الآتي: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ المائدة:44.(5:30)

مغنيّة:فلا تخافوا أيّها المسلمون من الكافرين، و خافوا من اللّه وحده،و صدق اللّه العظيم في كلّ ما يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ التّوبة:32،33.(3:12)

الطّباطبائيّ: النّهي إرشاديّ لا مولويّ،معناه أن لا موجب للخشية بعد يأس الّذين كنتم في معرض الخطر من قبلهم-و من المعلوم أنّ الإنسان لا يهمّ بأمر بعد تمام اليأس من الحصول عليه،و لا يسعى إلى ما يعلم ضلال سعيه فيه-فأنتم في أمن من ناحية الكفّار، و لا ينبغي لكم مع ذلك الخشية منهم على دينكم فلا تخشوهم و اخشوني.

و من هنا يظهر أنّ المراد بقوله: وَ اخْشَوْنِ بمقتضى السّياق:أن اخشوني فيما كان عليكم أن تخشوهم فيه لو لا يأسهم،و هو الدّين و نزعه من أيديكم.و هذا نوع تهديد للمسلمين كما هو ظاهر، و لهذا لم نحمل الآية على الامتنان.

و يؤيّد ما ذكرنا أنّ الخشية من اللّه سبحانه واجب على أيّ تقدير،من غير أن يتعلّق بوضع دون وضع، و شرط دون شرط،فلا وجه للإضراب من قوله:

فَلا تَخْشَوْهُمْ إلى قوله: وَ اخْشَوْنِ لو لا أنّها خشية خاصّة في مورد خاصّ.

و لا تقاس الآية بقوله تعالى: فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ آل عمران:175،لأنّ الأمر بالخوف من اللّه في تلك الآية مشروط بالإيمان، و الخطاب مولويّ،و مفاده أنّه لا يجوز للمؤمنين أن يخافوا الكفّار على أنفسهم،بل يجب أن يخافوا اللّه سبحانه وحده.

فالآية تنهاهم عمّا ليس لهم بحقّ-و هو الخوف منهم على أنفسهم-سواء أمروا بالخوف من اللّه أم لا، و لذلك يعلّل ثانيا الأمر بالخوف من اللّه بقيد مشعر

ص: 145

بالتّعليل،و هو قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، و هذا بخلاف قوله: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ، فإنّ خشيتهم هذه خشية منهم على دينهم،و ليست بمبغوضة للّه سبحانه،لرجوعها إلى ابتغاء مرضاته بالحقيقة،بل إنّما النّهي عنها لكون السّبب الدّاعي إليها-و هو عدم يأس الكفّار منه-قد ارتفع و سقط أثره،فالنّهي عنه إرشاديّ،فكذا الأمر بخشية اللّه نفسه.و مفاد الكلام:

أنّ من الواجب أن تخشوا في أمر الدّين،لكن سبب الخشية كان إلى اليوم مع الكفّار،فكنتم تخشونهم لرجائهم في دينكم،و قد يئسوا اليوم،و انتقل السّبب إلى ما عند اللّه فاخشوه وحده،فافهم ذلك.

فالآية لمكان قوله: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ، لا تخلو عن تهديد و تحذير،لأنّ فيه أمرا بخشية خاصّة دون الخشية العامّة الّتي تجب على المؤمن على كلّ تقدير و في جميع الأحوال،فلننظر في خصوصيّة هذه الخشية،و أنّه ما هو السّبب الموجب لوجوبها و الأمر بها؟

لا إشكال في أنّ الفقرتين،أعني قوله: اَلْيَوْمَ يَئِسَ، و قوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، في الآية مرتبطتان مسوقتان لغرض واحد،و قد تقدّم بيانه،فالدّين الّذي أكمله اللّه اليوم، و النّعمة الّتي أتمّها اليوم-و هما أمر واحد بحسب الحقيقة-هو الّذي كان يطمع فيه الكفّار و يخشاهم فيه المؤمنون،فأيأسهم اللّه منه و أكمله و أتمّه،و نهاهم عن أن يخشوهم فيه،فالّذي أمرهم بالخشية من نفسه فيه هو ذاك بعينه،و هو أن ينزع اللّه الدّين من أيديهم، و يسلبهم هذه النّعمة الموهوبة.

و قد بيّن اللّه سبحانه أن لا سبب لسلب النّعمة إلاّ الكفر بها،و هدّد الكفور أشدّ التّهديد،قال تعالى:

ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الأنفال:53، و قال تعالى: وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ البقرة:211،و ضرب مثلا كلّيّا لنعمه و ما يؤول إليه أمر الكفر بها،فقال:

وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذاقَهَا اللّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ النّحل:

112.

فالآية أعني قوله: اَلْيَوْمَ يَئِسَ -إلى قوله - دِيناً، تؤذن بأنّ دين المسلمين في أمن من جهة الكفّار،مصون من الخطر المتوجّه من قبلهم،و أنّه لا يتسرّب إليه شيء من طوارق الفساد و الهلاك إلاّ من قبل المسلمين أنفسهم،و أنّ ذلك إنّما يكون بكفرهم بهذه النّعمة التّامّة،و رفضهم هذا الدّين الكامل المرضيّ،و يومئذ يسلبهم اللّه نعمته و يغيّرها إلى النّقمة،و يذيقهم لباس الجوع و الخوف،و قد فعلوا و فعل.

و من أراد الوقوف على مبلغ صدق هذه الآية في ملحمتها المستفادة من قوله: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ فعليه أن يتأمّل فيما استقرّ عليه حال العالم الإسلاميّ اليوم،ثمّ يرجع القهقرى بتحليل الحوادث التّاريخيّة،حتّى تحصل على أصول القضايا

ص: 146

و أعراقها.

و لآيات الولاية في القرآن ارتباط تامّ بما في هذه الآية من التّحذير و الإيعاد،و لم يحذّر اللّه العباد عن نفسه في كتابه إلاّ في باب الولاية،فقال فيها مرّة بعد مرّة: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ آل عمران:28 و 30، و تعقيب هذا البحث أزيد من هذا خروج عن طور الكتاب.(5:177)

خشية

1- ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً... وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ.

..البقرة:74

الزّمخشريّ: الخشية مجاز على انقيادها لأمر اللّه تعالى،و أنّها لا تمتنع على ما يريد فيها،و قلوب هؤلاء لا تنقاد و لا تفعل ما أمرت به.(1:291)

الفخر الرّازيّ: أي خشية اللّه،أي ينزل بالتّخويف للعباد أو بما يوجب الخشية للّه،كما يقال:

نزل القرآن بتحريم،كذا و تحليل كذا،أي بإيجاب ذلك على النّاس.(3:130)

البيضاويّ: الخشية مجاز عن الانقياد.(1:64)

أبو حيّان :و خشية اللّه:خوفه.و اختلف المفسّرون في تفسير هذا،فذهب قوم إلى أنّ الخشية هنا حقيقة.و اختلف هؤلاء،فقال قوم:معناه:من خشية الحجارة للّه تعالى،فهي مصدر مضاف للمفعول،و أنّ اللّه تعالى جعل لهذه الأحجار الّتي تهبط من خشية اللّه تعالى،تمييزا قام لها مقام الفعل المودع فيمن يعقل.

و استدلّ على ذلك بأنّ اللّه تعالى وصف بعض الحجارة بالخشية،و بعضها بالإرادة،و وصف جميعها بالنّطق و التّحميد و التّقديس و التّأويب و التّصدّع، و كلّ هذه صفات لا تصدر إلاّ عن أهل التّمييز و المعرفة.قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ الحشر:21، وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44، يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ... سبأ:

10.

و في الحديث الصّحيح«إنّي لأعرف حجرا كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث»،و إنّه بعد مبعثه ما مرّ بحجر و لا مدر إلاّ سلّم عليه،و في الحجر الأسود:«إنّه يشهد لمن يستلمه»،و في الحديث:الحجر الّذي فرّ بثوب موسى عليه السّلام و صار يعدو خلفه و يقول:«ثوبي حجر ثوبي حجر»،و في الحديث عن أحد:«أنّ هذا جبل يحبّنا و نحبّه»،و في حديث حراء:«لمّا اهتزّ أسكن حراء»،و في حديث تسبيح صغار الحصى بكفّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قد دلّت هذه الجملة و أحاديث أخر على نطق الحيوانات و الجمادات،و انقياد الشّجر و غير ذلك، فلولا أنّه تعالى أودع فيها قوّة مميّزة،و صفة ناطقة، و حركة اختياريّة،لما صدر عنها شيء من ذلك،و لا حسن وصفها به.و إلى هذا ذهب مجاهد و ابن جريج و جماعة.

و قال قوم:الخشية هنا حقيقة،و هو مصدر أضيف إلى فاعل،و المراد بالحجر الّذي يهبط من خشية اللّه:

هو البرد،و المراد بخشية اللّه:إخافته عباده.فأطلق

ص: 147

الخشية و هو يريد الإخشاء،أي نزول البرد،به يخوّف اللّه عباده و يزجرهم عن الكفر و المعاصي.و هذا قول متكلّف و هو مخالف للظّاهر،و البرد ليس بحجارة و إن كان قد اشتدّ عند النّزول،فهو ماء في الحقيقة.

و قال قوم:الخشية هنا حقيقة،و هو مصدر مضاف للمفعول،و فاعله محذوف و هو العباد،و المعنى:أنّ من الحجارة ما ينزل بعضه عن بعض عند الزّلزلة،من خشية عباد اللّه إيّاه.و تحقيقه أنّه لمّا كان المقصود منها خشية اللّه تعالى،صارت تلك الخشية كالعلّة المؤثّرة في ذلك الهبوط،فكان المعنى لما يهبط من أجل أن يحصل لعباد اللّه تعالى.

و ذهب أبو مسلم إلى أنّ الخشية حقيقة،و أنّ الضّمير في قوله: وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ ،عائد على القلوب،و المعنى:أنّ من القلوب قلوبا تطمئنّ و تسكن و ترجع إلى اللّه تعالى.فكنّي بالهبوط عن هذا المعنى،و يريد بذلك:قلوب المخلصين.و هذا تأويل بعيد جدّا،لأنّه بدأ بقوله: وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ ثمّ قال: وَ إِنَّ مِنْها.

فظاهر الكلام التّقسيم للحجارة،و لا يعدل عن الظّاهر إلاّ بدليل واضح،و الهبوط لا يليق بالقلوب إنّما يليق بالحجارة.و ليس تاويل الهبوط بأولى من تأويل الخشية إن تأوّلناها،و قد أمكن في الوجوه الّتي تضمّنت حملها على الحقيقة،و إن كان بعض تلك الأقوال أقوى من بعض.

و ذهب بعضهم إلى أنّ الّذي يهبط من خشية اللّه هو الجبل الّذي كلّم اللّه عليه موسى عليه السّلام،إذ جعله دكّا، و ذهب قوم إلى أنّ الخشية هنا مجاز من مجاز الاستعارة،كما استعيرت الإرادة للجدار في قوله تعالى: يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ الكهف:77.[ثمّ استشهد بشعر](1:266)

الآلوسيّ: و الخشية:الخوف،و اختلف في المراد منها،فذهب قوم-و هو المرويّ عن مجاهد و غيره- أنّها هنا حقيقة،و هي مضافة إلى الاسم الكريم من إضافة المصدر إلى مفعوله،أي من خشية الحجارة اللّه.

و يجوز أن يخلق اللّه تعالى العقل و الحياة في الحجر، و اعتدال المزاج و البنية ليسا شرطا في ذلك،خلافا للمعتزلة،و ظواهر الآيات ناطقة بذلك.و في الصّحيح:«إنّي لأعرف حجرا كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث»،و أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم بعد مبعثه ما مرّ بحجر و لا مدر إلاّ سلّم عليه،و ورد في الحجر الأسود:«أنّه يشهد لمن استلمه»،و حديث تسبيح الحصى بكفّه الشّريف صلّى اللّه عليه و سلّم مشهور،و قيل:هي حقيقة،و الإضافة هي الإضافة إلاّ أنّ الفاعل محذوف هو العباد.

و المعنى:أنّ مِنَ الْحِجارَةِ ما ينزل بعضه عن بعض عند الزّلزال من خشية عباد اللّه تعالى إيّاه.

و تحقيقه:أنّه لمّا كان المقصود منها خشية اللّه تعالى، صارت تلك الخشية كالعلّة المؤثّرة في ذلك الهبوط، فيؤول المعنى:أنّه يهبط من أجل أن يحصل خشية لعباد اللّه تعالى.

و ذهب أبو مسلم إلى أنّ الخشية حقيقة،و أنّ الضّمير في مِنْها لَما يَهْبِطُ عائد على القلوب، و المعنى:أنّ من القلوب قلوبا تطمئنّ و تسكن و ترجع

ص: 148

إلى اللّه تعالى،و هي قلوب المخلصين،فكنّي عن ذلك بالهبوط.

و قيل:إنّها حقيقة إلاّ أنّ إضافتها من إضافة المصدر إلى الفاعل،و المراد بالحجر:البرد،و بخشيته تعالى:إخافته عباده بإنزاله.و هذا القول أبرد من الثّلج،و ما قبله أكثف من الحجر،و ما قبلهما بين بين.

و قال قوم:إنّ الخشية مجاز عن الانقياد لأمر اللّه تعالى،إطلاقا لاسم الملزوم على اللاّزم،و لا ينبغي أن تحمل على حقيقتها.

أمّا على القول بأنّ اعتدال المزاج و البنية شرط و ما ورد ممّا يقتضي خلافه،محمول على أنّ اللّه تعالى قرن ملائكته بتلك الجمادات،و منها هاتيك الأفعال، و نحو:«هذا جبل يحبّنا و نحبّه»على حذف مضاف، أي يحبّنا أهله و نحبّ أهله فظاهر.

و أمّا على القول بعدم الاشتراط،فلأنّ الهبوط و الخشية-على تقدير خلق العقل و الحياة-لا يصحّ أن يكون بيانا،لكون الحجارة في نفسها أقلّ قسوة- و هو المناسب للمقام-و الاعتراض بأنّ قلوبهم إنّما تمتنع عن الانقياد لأمر التّكليف بطريق القصد و الاختيار،و لا تمتنع عمّا يراد بها على طريق القسر و الإلجاء،كما في الحجارة،و على هذا لا يتمّ ما ذكر، فالأولى الحمل على الحقيقة.

أجيب عنه بأنّ المراد:أنّ قلوبهم أقسى من الحجارة،لقبولها التّأثّر الّذي يليق بها و خلقت لأجله، بخلاف قلوبهم،فإنّها تنبو عن التّأثّر الّذي يليق بها و خلقت له.

و الجواب بأنّ ما رأوه من الآيات ممّا يقسر القلب و يلجئه،فلما لم تتأثّر قلوبهم عن القاسرات الكثيرة، و يتأثّر الحجر من قاسر واحد تكون قلوبهم أَشَدُّ قَسْوَةً، لا يخلو عن نظر،لأنّه إن أريد بذلك المبالغة في الدّلالة على الصّدق فلا ينفع،و إن أريد به حقيقة الإلجاء فممنوع،و إلاّ لما تخلّف عنها التّأثّر و لما استحقّ من آمن بعد رؤيتها الثّواب،لكونه إيمانا اضطراريّا-و لم يقل به أحد-ثمّ الظّاهر على هذا تعلّق خشية اللّه بالأفعال الثّلاثة السّابقة.(1:297)

2- وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً. الإسراء:31

راجع:م ل ق:«إملاق».

3- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَ كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً

الإسراء:100

راجع:ن ف ق:«إنفاق».

4- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ.

المؤمنون:57

راجع:ش ف ق:«مشفقون».

خشيته

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. الأنبياء:28

ابن عبّاس: من هيبته.(270)

الطّبريّ: يقول:و هم من خوف اللّه و حذار عقابه

ص: 149

أن يحلّ بهم مشفقون.(9:18)

الطّوسيّ: يخافون من عقاب اللّه،من مواقعة المعاصي.(7:242)

الواحديّ: أي من خشيتهم منه،فأضيف المصدر إلى المفعول.(3:235)

مثله الطّبرسيّ(4:45)،و الفخر الرّازيّ(22:

160)،و البروسويّ(5:469).

الميبديّ: أي خائفون و من مكره لا يأمنون.قيل:

الخشية هنا بمعنى العلم،أي من العلم به مشفقون.

يقول:يخاف ممّا يعلمه.قال الواسطيّ:الخوف للجهّال، و الخشية للعلماء،و الرّهبة للأنبياء،و قد ذكر اللّه الملائكة،فقال: وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، و فيه دليل على أنّه سبحانه لو عذّبهم لكان ذلك جائزا،إذ لو لم يجز أن يعذّب البريء لكانوا لا يخافونه،لعلمهم اللّه أنّهم لم يرتكبوا زلّة.(6:229)

القرطبيّ: يعني من خوفه.(11:281)

البيضاويّ: عظمته و مهابته.(2:71)

أبو السّعود : مِنْ خَشْيَتِهِ عزّ و جلّ...و أصل الخشية:الخوف مع التّعظيم،و لذلك خصّ بها العلماء.

(4:333)

نحوه الكاشانيّ(3:337)

الآلوسيّ: أي بسبب خوف عذابه عزّ و جلّ مُشْفِقُونَ متوقّعون من أمارة ضعيفة،كائنون على حذر و رقبة لا يأمنون مكر اللّه تعالى.ف(من)تعليليّة، و الكلام على حذف مضاف،و قد يراد من خشيته تعالى ذلك،فلا حاجة إليه.

و قيل:يحتمل أن يكون المعنى أنّهم يخشون اللّه تعالى،و مع ذلك يحذرون من وقوع تقصير في خشيتهم.و على هذا تكون(من)صلة ل مُشْفِقُونَ و فرّق بين الخشية و الإشفاق،بأنّ الأوّل خوف مشوب بتعظيم و مهابة،و لذلك خصّ به العلماء، في قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28.

و الثّاني:خوف مع اعتناء،و يعدّى ب(من)كما يعدّى الخوف.و قد يعدّى ب«على»بملاحظة الحنو و العطف.

و زعم بعضهم أنّ الخشية هاهنا مجاز عن سببها، و أنّ المراد من الإشفاق:شدّة الخوف،أي و هم من مهابته تعالى شديد و الخوف.و الحقّ أنّه لا ضرورة لارتكاب المجاز.

و جوّز أن يكون المعنى:و هم خائفون من خوف عذابه تعالى،على أنّ(من)صلة لما بعدها،و إضافة (خشية)إلى المضاف المحذوف،من إضافة الصّفة إلى الموصوف،أي خائفون من العذاب المخوف.و لا يخفى ما فيه من التّكلّف المستغنى عنه.

ثمّ إنّ هذا الإشفاق صفة لهم دنيا و أخرى،كما يشعر به الجملة الاسميّة،و قد كثرت الأخبار الدّالّة على شدّة خوفهم،و من ذلك ما أخرج ابن أبي حاتم عن جابر،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«ليلة أسري بي مررت بجبريل عليه السّلام و هو بالملإ الأعلى ملقى كالحلس البالي من خشية اللّه تعالى».(17:33)

مكارم الشّيرازيّ: فهم لا يخشون من أن

ص: 150

يكونوا قد أذنبوا،بل يخافون من التّقصير في العبادة أو ترك الأولى.

و من بديع اللّغة العربيّة،أنّ الخشية من ناحية الأصل اللّغويّ لا تعني كلّ خوف،بل الخوف المقترن بالتّعظيم و الاحترام.

فبناء على هذا،فإنّ خوف الملائكة ليس كخوف الإنسان من حادثة مرعبة مخيفة،و كذلك إشفاقهم، فإنّه لا يشبه خوف الإنسان من موجود خطر،بل إنّ خوفهم و إشفاقهم ممزوجان بالاحترام،و العناية و التّوجّه،و المعرفة و الإحساس،بالمسئوليّة.

(10:136)

فضل اللّه :حيث يتمثّلون في أنفسهم الإحساس العميق بعبوديّتهم للّه،فيخشون أن يخطئوا في كلمة،أو حركة،أو علاقة،أو عاطفة،أو موقف،ممّا يمكن للّه أن يحاسبهم عليه،فهم في مواقع الحذر في مواقعهم من اللّه، لأنّهم لا يريدون لحياتهم أن تنفصل عن مواقع رحمته و رضاه.(15:213)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الخشية على ثلاثة أوجه:

أحدها:الخوف،كقوله: وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ البقرة:74،و قوله: وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:21،و قوله: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ المؤمنون:57، و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ الملك:

13.

و الثّاني:العالم (1)،كقوله: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً الكهف:80،.

و قوله: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر :28،و هذا على قراءة من رفع الهاء من(اللّه)،و هذه قراءة أبي حنيفة رحمه اللّه،و من نصب اَلْعُلَماءُ فيجعل الخشية بمعنى العلم.

و الثّالث:العبادة،كقوله: وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ التّوبة:18، وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى النّازعات:

19.(233)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخشية:الخوف،يقال:

خشي الرّجل يخشى خشية،أي خاف،و هو الخشاة.

يقال:فعلت ذلك خشاة أن يكون كذا،و خشيه يخشاه خشيا و خشية و خشاة و مخشاة و مخشية و خشيانا.

و تخشّاه:خافه،فهو خاش و خش و خشيان،و هي خشيا.و جمعهما:خشايا.

و خشّاه بالأمر تخشية:خوّفه،و خاشاني فخشيته أخشيه:كنت أشدّ منه خشية،و خاشيت فلانا:

تاركته،و هذا المكان أخشى من ذلك:أشدّ خوفا، و حمله على ذلك إلاّ خشي و خشي فلان:خوفه.

2-و الخشيّ: الحشيّ،أي اليابس العفن من النّبات-أو اللّحم-يقال:نبت خشيّ و حشيّ،أي

ص: 151


1- في الهامش:كذا بالكتاب و الصّحيح:العلم كما قال ابن عبّاس و ابن مسعود و مجاهد و غيرهم.

يابس عفن الأصل.و هو«فعيل»من«خ ش و»،لأنّ أصله«خشيو»،فلمّا اجتمعت الياء و الواو،و سبقت إحداهما بالسّكون،قلبت الواو ياء و شدّدتا.و قال ابن فارس:«و ممّا شذّ عن الباب و قد يمكن الجمع بينهما على بعد الخشو:التّمر الحشف،و قد خشت النّخلة تخشو خشوا،و الخشيّ من اللّحم (1)اليابس».

و لعلّ الخاء مبدلة من الحاء،يقال منه:حشي السّقاء حشى،أي صار له من اللّبن شبه الجلد من باطن فلصق بالجلد،فلا يعدم أن ينتن فيروح.

3-و يستعمل العامّة الفعل«اختشى»بمعنى خشي،و استعمله صاحب«محيط المحيط»أيضا،فقال في مادّة«ج ب ه»:«و العامّة تقول:أنجبه منه،أي اختشى»،و قال أيضا في«ح س ب»:«تحسب منه اختشي».

4-جاء في«معجم الأخطاء الشّائعة:78»:أنّهم يخطّئون من يقول:خشي من الفقر،و الصّواب خشي الفقر،و احتجّوا بقول عدّة من اللّغويّين-و سمّاهم- و بأنّ الفعل ورد متعدّيا في القرآن:35،مرّة،لكنّ «الأساس»قال:خشي اللّه و خشي منه.و قد أجازه بعضهم أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها الماضي 6 مرّات،و المضارع 29 مرّة، و الأمر 5 مرّات،و المصدر 8 مرّات،في 40 آية:

1-خشية اللّه

1- إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ يس:11

2- مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ق:33

3- ...رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ البيّنة:8

4- ...وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ...

الأحزاب:37

5- وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى النّازعات:19

6- ...فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً... المائدة:44

7- ...إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي... البقرة:150

8- يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ... لقمان:33

9- اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ... المائدة:3

10- وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً النّساء:9

11- وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللّهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ النّور:52

12- ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى* إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى طه:2 و 3

13- فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ

ص: 152


1- -في اللّسان و المجمل:«من الشّجر».

يَخْشى. طه:44

14- ...إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ...

فاطر:28

15- إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى

النّازعات:26

16- وَ أَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى* وَ هُوَ يَخْشى* فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّى عبس:8-10

17- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى* سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى الأعلى:10

18- ...فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً...

النّساء:77

19- اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً

الأحزاب:39

20- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ... التّوبة:18

21- ...وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ... البقرة:74

22- لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ... الحشر:21

23- وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:21

24- اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ الأنبياء:49

25- ...إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ...

فاطر:18

26- ...تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ... الزّمر:23

27- إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ الملك:12

28- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ

المؤمنون:57

29- إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها

النّازعات:45

30- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ... الإسراء:100

31- ...وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ الأنبياء:28

2-خشية ما سوى اللّه

32- ...ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ...

النّساء:25

33- ...إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ... طه:94

34- وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً الكهف:80

35- ...فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى طه:77

36- ...وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها... التّوبة:24

37- اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً... آل عمران:173

ص: 153

37- اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً... آل عمران:173

38- ...وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ التّوبة:13

39- وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً

الإسراء:31

40- فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا... المائدة:52

يلاحظ أوّلا:أنّ الخشية جاءت في ثلاثة محاور:

الأوّل:خشية اللّه:استعملت بألفاظ و أنماط مختلفة:

أ-خشية اللّه«بلفظ الجلالة»في خمس آيات:

(11)و(14)و(18)و(21)و(22):

دخلت على هذه الآيات أدوات مختلفة،أثّرت تأثيرا بيّنا في معانيها،فدخلت(من)الشّرطيّة الجازمة على(11): وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللّهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ، فجزمت فعل الشّرط يُطِعِ و ما عطف عليه من الأفعال،و منها يَخْشَ، فعلّق الفوز على طاعة اللّه و خشيته و تقواه جوابا للشّرط.

و دخلت(انّما)الّتي تفيد الحصر على(14): إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ، فحصر خشية العلماء اللّه استثناء من سائر العباد.

و دخلت(لمّا)الحرفيّة على(18): فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ، و جوابها(اذا)الفجائيّة على الأصحّ.

و دخلت(انّ)التّوكيديّة على(21): وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ، فأكّدت الهبوط من خشية اللّه،و قوّى باللاّم الدّاخلة على(ما)الموصولة.

و دخلت(لو)على(22): لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ...، و هذا على معنى الامتناع،يوصف فيه قسوة قلب الكافر.

ب-خشية اللّه«بالاستثناء»في آيتين:(19):

وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ، و(20):

وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ.

و الفرق بينهما:أنّه قد ورد الاستثناء في(19)منفيّا تامّا،و في(20)مفرّغا،فلما ذا ذكر المستثنى منه في الأولى و فرّغ في الثّانية؟

و الجواب:أنّ الفائدة من ذكره-و اللّه أعلم- لتأكيد الانقطاع إلى اللّه و الشّدّة في خشيته،و عدم المبالاة بمن سواه من الملوك و الجبابرة.فجاءت «الخشية من اللّه»في هذه الآية مرّتين دون سائر الآيات،لتوثيق هذا المعنى.و يدلّ الفعلان فيهما:

(يخشونه)و(يخشون)على دوام خشيته تعالى ما دامت رسالاته،لأنّ هذه الآية وصف للأنبياء و الرّسل.

ج-خشية اللّه(بالتّقدير)في 13 آية:(4)-(7) و(9)-(11)و(13)و(14)و(16)-(18)و(31)، و فيها بحوث:

1-جاءت الخشية في هذه الآيات أفعالا،إلاّ الآية:(31)،فجاءت فيها مصدرا: وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ.

ص: 154

1-جاءت الخشية في هذه الآيات أفعالا،إلاّ الآية:(31)،فجاءت فيها مصدرا: وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ.

2-و بعض هذه الأفعال متّصلة بضمير المفعول، و بعضها مجرّدة منه:

فالمتّصلة به خمس:و هي(4): وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ، و(6): فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ، و(7): فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي، و(9):

فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ و(38): أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ.

و المجرّدة من الضّمير سبع:و هي(5): وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى، و(10): وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً، و(12): إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى، و(13): لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ، و(15): إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى، و(16):

وَ أَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى* وَ هُوَ يَخْشى، و(17):

سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى.

3-أنّ الأفعال المتّصلة بالضّمير كلّها مدنيّة، و يسبقها فعل آخر للخشية أيضا،يعود على لفظ (الناس)أو غيره.

و الأفعال غير المتّصلة به كلّها مكّيّة إلاّ(10)، فهي مدنيّة.

د-خشية اللّه«بلفظ الرّحمن»في آيتين(1):

وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ، و(2): مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ، و فيهما بحثان:

1-جعل مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ في(1) ممّن يشمله إنذار النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ. فمن هو الّذي خشي الرّحمن بالغيب؟

و الجواب:لا شكّ أنّه المتّقي و الأوّاب الحفيظ،كما جاء ذلك في(2)و ما قبلها: وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ، لأنّ(من) بدل من(لكل،)و(لكل)بدل من(للمتقين).

2-كما أنّ الأجر الكريم المذكور في(1): وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ هو الجنّة المذكورة قبل(2)تصريحا: وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، و المذكورة بعدها تلويحا: اُدْخُلُوها بِسَلامٍ. و ليس بمستبعد أنّ المذكور في(1): مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ هو الّذي وصف حاله يوم القيامة في(2):

وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ.

ه-خشية اللّه«بلفظ الرّبّ»في سبع آيات:(3) و(23)-(28):

و الفرق بينها أنّ بعض هذه الآيات بيّن عاقبة من خشي ربّه،و هي:

الفوز بالجنّة و رضى اللّه في(3): جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ.

و حيازة المغفرة و الأجر الكبير في(27): إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ.

و المسارعة في الخيرات و السّبق إليها في(28):

إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ*... أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ هُمْ لَها سابِقُونَ.

و بيّن بعض آخر منها صفات من خشي ربّه،

ص: 155

و هي:

اللّبابة في(23): ...إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ* اَلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ...* وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.

و التّقوى في(24): وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ* اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ.

و لياقة الإنذار في(25): إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ.

و قشعريرة الجلود من القرآن و ليونتها و لين القلوب في(26): تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللّهِ.

و-نسبة الخشية إلى اللّه مجازا في(34): فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً و فيها بحث:

ذهب بعض إلى أنّ قوله: فَخَشِينا من قول الخضر،و الباعث على هذا أنّه وقع في سياق كلام الخضر عليه السّلام،فحسبه من كلامه.

و الأصحّ أنّه من كلام اللّه تعالى،لأنّ موسى عليه السّلام خاطب صاحبه بالإفراد،و صاحبه تكلّم بالإفراد أيضا،من أوّل الحكاية إلى آخرها-أي الآيات 60-82،من سورة الكهف،كما أنّ الفعلين في قوله: فَخَشِينا و فَأَرَدْنا فعلان غير علاجيين -و هو الفعل الّذي لا يحتاج إليه في الكلام كالعلم و الظّنّ-و هما من أفعال الخالق،كقوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ النّحل:40

و أمّا الأفعال الّتي قام بها الخضر عليه السّلام،و هي أفعال علاجيّة،قام بها تنفيذا لأمر اللّه،و ذلك قوله:

وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي الكهف:82.

المحور الثّاني:خشية مخلوقات اللّه

و هي أصناف أيضا:

أ-خشية النّاس في سبع آيات،و هي:(4)و(6) و(7)و(9)و(18)و(37)و(38)،و فيها بحوث:

1-نهى اللّه تعالى المؤمنين عن الخشية في هذه الآيات،و أراد ب(الناس)لفظا أو تقديرا الكافرين، إلاّ في آيتين:

(4): وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ، فقد خاطب النّبيّ و خصّه بها،و أراد ب(الناس)فيها:

المؤمنين و غيرهم.

و(6): فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ، فالخطاب فيها لعلماء اليهود على قول-و هو الظّاهر من السّياق-و عليه فإنّ المعنيّ ب(الناس)فيها:اليهود.

2-إنّ هذه الآيات كلّها مدنيّة،و هي تنحى باللّوم على من يخشى النّاس،ففي(4)عتاب للنّبيّ لخشية النّاس،و في(6)نهي لعلماء اليهود أو المسلمين عن ذلك.

و في(9)نهي للمسلمين أيضا،و في(18)تعريض لجماعة من المسلمين للذّمّ،و في(37)مدح للمسلمين على عدم خشية النّاس،و في(38)إنكار على المسلمين لخشيتهم الكافرين.

3-فهل يعني ذلك أنّ خشية النّاس كانت سائغة للمسلمين في مكّة لعدم نهي عنها في المكّيّات،بل فيها ترغيب إلى خشية اللّه في أكثرها،أو خشية يوم القيامة

ص: 156

أو السّاعة كما يأتي.

ب-خشية ملامة موسى لأخيه هارون في(33):

إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ :

و قد استعملت«الخشية»هنا مجازا؛إذ لاحظ هارون حال أخيه موسى،و كان غضوبا،فألان له الكلام و خاطبه بلفظ الأمومة: يَا بْنَ أُمَّ، و أظهر طاعته له،و بيّن سطوته عليه: إِنِّي خَشِيتُ، و مجازه«ظننت»أو«حسبت».و قديما قيل:«إذا غضب الكريم فألن له الكلام،و إذا غضب اللّئيم فجرّد له العصا».

ج-خشية يوم القيامة أو السّاعة في آيتين(8):

وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ، و(29):

إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها، و فيهما بحثان:

1-الفرق بينهما أنّه ذكر يوم القيامة في(8)بلفظ يَوْماً، و وصف بأنّه لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ، و مجيء الخشية فعل أمر للحثّ على خشية هذا اليوم.

و ذكر في(29)بلفظ(السّاعة)،و نسبت الخشية إلى الضّمير«ها»العائد على السّاعة،و فيها تصريح بخشية المؤمن ليوم القيامة.

2-و قرن يوم القيامة بالعذاب في الخوف دون الخشية،نحو قوله: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ الأعراف:59،و هذا يعضد قول من قال:

الخشية أشدّ من الخوف،لاقتران الخوف بالعذاب، و عدم اقتران الخشية به،لأنّها تتضمّن معناه.

المحور الثّالث:خشية أمور وهميّة،و هي أصناف:

أ-خشية الإنفاق في(30): إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ.

إن قيل:أ فلا اكتفى بالإمساك دون الإنفاق،لأنّهما ضدّان،فيعلم الثّاني بذكر الأوّل فقط،و التّقدير:إذا لأمسكتم خشية؟

يقال:إنّ الخشية أضيفت إلى الإنفاق لتعريفها و بيان معناها،و لو لا الإنفاق لظلّت نكرة مبهمة،و هذا من خصائص الإضافة المحضة.

ب-العنت في(32): ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ :جاءت بعد تجويز نكاح الفتيات المؤمنات، فخصّ نكاحهنّ بمن خشي العنت.

و العنت:الجهد و الشّدّة،و فسّره أغلب المفسّرين في هذه الآية بالزّنى،و الخطاب فيها للمؤمنين خاصّة، فخشيتهم الزّنى وهم منهم،لأنّ اللّه عصمهم منه ما داموا مؤمنين،و في الحديث:«لا يزني الزّاني و هو مؤمن»، أي لا يزني و هو كامل الإيمان.

ج-خشية الدّرك في(35): لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى و تمامها: وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى.

يشير اجتماع الخوف و الخشية هنا إلى الفرق بينهما،و لعلّ أقرب ما ذكر في ذلك أنّ الأوّل فيما ظهرت أسبابه،و الثّاني فيما لم تظهر أسبابه.فخاطب اللّه موسى بأن لا يخاف فرعون من ورائه،و لا يخشى البحر من أمامه،لأنّ البحر هيبة و عظمة في عين من ينظر إليه،فيخافه خوفا مشوبا بالتّعظيم.و هذا معنى الخشية،كما ذهب إليه الرّاغب،لاحظ:«خ و ف»،

ص: 157

و«د ر ك».

د-خشية كساد التّجارة في(36): وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها :و تمامها: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ.

خيّر اللّه المؤمنين بين حبّ الدّنيا و أسبابها،و بين حبّه و حبّ رسوله و الجهاد في سبيله،و قرن حبّه و حبّ رسوله بالجهاد،و هو أشدّ ما فرضه عليهم.

و جعل قباله دعامتين خطيرتين في المجتمع المكّيّ و المدنيّ،و هما:الدّعامة الاجتماعيّة الّتي تشمل الآباء و الأبناء و الإخوان و الأزواج و العشيرة.

و الدّعامة الاقتصاديّة الّتي تشمل الأموال و التّجارة و المساكن،و هذا أحبّ شيء إلى الإنسان في الدّنيا.

ه-خشية الإملاق في(39): وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ.

ذكر النّهي و علّته هنا،لأنّ(خشية)مفعول لأجله ل(لا تقتلوا،)فهو يفيد علّة القتل.و تلته علّتان أخريان أيضا:الأولى: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّاكُمْ و الثّانية: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً، فما وجه توالي العلل

و جوابه:أنّ هذه الآية و الآيات الّتي سبقتها و الّتي تلتها-من الآية 22: لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ... إلى 39: وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ جاءت بدء و ختاما بالنّهي عن الشّرك بلفظ واحد خطابا إلى النّبيّ عليه السّلام-في بدء الدّعوة الإسلاميّة بمكّة،و تحتوي تكاليف مكّيّة:عقائديّة،و أخلاقيّة،و تشريعيّة.

و يؤيّده ما نقله أبو حيّان عن الضّحّاك:«هذه أوّل ما نزل من القرآن في شأن القتل».فهذه العلل بيان لحكمة حرمة قتل الأولاد،و تأكيدها.

و-خشية إصابة الدّائرة في(40): يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ، و تمامها: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ.

وصف اللّه فيها حال المنافقين،فهم يتولّون اليهود و النّصارى عند الشّدّة،و يخافون مستقبل الأيّام و مستأنف الزّمان،و هذا نظير ما جاء في(18): فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً. و أمّا المؤمنون فوليّهم اللّه يقولون: أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ الأعراف:155،و لا يخشون أحدا إلاّ اللّه لقوّة إيمانهم،كما في(37): اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً.

ثانيا:ملاحظات حول الآيات:

أ-جاءت الخشية مع الخوف في ثلاث آيات:

(10): وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً

(23): وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ

(35): فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى، و فيها بحوث:

ص: 158

(35): فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى، و فيها بحوث:

1-الظّاهر أنّ متعلّق الخوف و الخشية فيها مختلف:

ففي الأولى،متعلّق الخشية(اللّه)تعالى،كما يدلّ عليه ما بعده: فَلْيَتَّقُوا اللّهَ، و متعلّق الخوف الذّرّيّة؛ حيث قال: خافُوا عَلَيْهِمْ.

و في الثّانية متعلّق الخشية رَبَّهُمْ و متعلّق الخوف سُوءُ الْحِسابِ.

و في الثّالثة متعلّق الخوف دَرَكاً و متعلّق الخشية اَلْبَحْرِ. قال الطّبرسيّ(ج 4:23):«أي لا تخاف أن يدركك فرعون من خلفك،و لا تخشى من البحر غرقا...»،فالظّاهر اختلافهما معنى،أو ترادفا تأكيدا.

2-على الرّغم من تصريح كثير من اللّغويّين و المفسّرين بعدم الفرق بين الخوف و الخشية،حيث فسّروا أحدهما بالآخر،فقد فرّق كثير منهم بينهما بأنحاء مختلفة:

فقال الطّبريّ: «الخشية و الخوف توجّههما العرب إلى معنى الظّنّ،و توجّه هذه الحروف إلى معنى العلم بالشّيء الّذي يدرك من غير جهة الحسن و العيان».

و قال أبو هلال:«الفرق بين الخوف و الخشية:أنّ الخوف يتعلّق بالمكروه،و ترك المعروف...و الخشية تتعلّق بمنزلة المكروه،و لا يسمّى الخوف من نفس المكروه خشية،و لهذا قال سبحانه: وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ» .

و قال الماورديّ: «و الفرق بين الخشية و الخوف:

أنّ الخوف فيما ظهرت أسبابه،و الخشية فيما لم تظهر أسبابه».

و قال القشيريّ: «و يقال:الخشية ألطف من الخوف،و كأنّها قريبة من الهيبة».

و قال الطّوسيّ: «الخشية:انزعاج النّفس لتوقّع ما لا يؤمن من الضّرر»،و قال أيضا:«الخشية:ظنّ لحوق المضرّة.و مثلها المخافة...»،و قال:«الخشية:

انزعاج القلب عند ذكر السّيّئة و داعي الشّهوة،حتّى يكون في أعظم حال،من طلبه سبع يفترسه...».

و قال الرّاغب-و مثله البروسويّ و الفيروزآباديّ: «الخشية:خوف يشوبه تعظيم،و أكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه،و لذلك خصّ العلماء بها في(14): إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» .

و حكى الجزائريّ عن المحقّق الطّوسيّ ما حاصله:

أنّ الخشية و الخوف-و إن كانا في اللّغة بمعنى واحد- إلاّ أنّ بين خوف اللّه و خشيته في عرف أرباب القلوب فرقا:و هو أنّ الخوف:تألّم النّفس من العقاب المتوقّع بسبب ارتكاب المنهيّات و التّقصير في الطّاعات،و هو يحصل لأكثر الخلق،و إن كانت مراتبه متفاوتة جدّا، و المرتبة العلياء منه لا تحصل إلاّ للقليل.

و الخشية:حالة تحصل عند الشّعور بعظمة الخالق و هيبته،و خوف الحجب عنه،و هذه حالة لا تحصل إلاّ لمن اطّلع على حال الكبرياء،و ذاق لذّة القرب، و لذا قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ...، فالخشية:

خوف خاصّ،و قد يطلقون عليها الخوف.

و قال الفخر الرّازيّ: «الخشية و الخوف معناهما

ص: 159

واحد عند أهل اللّغة،لكن بينهما فرق،و هو أنّ الخشية من عظمة المخشيّ،و ذلك لأنّ تركيب حروف «خ ش ي»في تواليها يلزمه معنى الهيبة...و الخوف خشية من خوف الخاشي،و ذلك لأنّ تركيب«خ و ف»في تقاليبها يدلّ على الضّعف،تدلّ عليه الخيفة و الخفية،و لو لا معناهما لما ورد في القرآن: تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً الأنعام:63، تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً الأعراف:

205.و المخفيّ فيه ضعف كالخائف.

إذا علمت هذا تبيّن لك اللّطيفة،و هي أنّ اللّه تعالى في كثير من المواضع ذكر لفظ«الخشية»حيث كان الخوف من عظمة المخشيّ،قال: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [و ذكر آيات أخرى إلى أن قال:]

و حاصل الكلام أنّك إذا تأمّلت استعمال الخشية وجدتها مستعملة لخوف بسبب عظمة المخشيّ،و إذا نظرت إلى استعمال الخوف،وجدته مستعملا لخشية من ضعف الخائف-و هذا في الأكثر-و ربّما يتخلّف المدّعى عنه لكن الكثرة كافية»

و قال أيضا في(3): ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ :

«و لعلّ الخشية أشدّ من الخوف،لأنّه تعالى ذكره في صفات الملائكة مقرونا بالإشفاق الّذي هو أشدّ من الخوف،فقال(31): وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ و الكلام في الخوف و الخشية مشهور».

و قال الفيروزآباديّ: «الخشية و الخوف و الوجل و الرّهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة:

فالخوف:توقّع العقوبة على مجاري الأنفاس- قاله جنيد-و قيل:اضطراب القلب و حركته من تذكّره المخوف.و قيل:الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره.

و الخشية:أخصّ من الخوف،فإنّ الخشية للعلماء باللّه تعالى-كما تقدّم-فهي خوف مقرون بمعرفة.قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّي أتقاكم للّه،و أشدّكم خشية».

فالخوف حركة،و الخشية انجماع و انقباض و سكون،فإنّ الّذي يرى العدوّ و السّيل و نحو ذلك له حالتان:إحداهما حركة الهرب منه،و هي حالة الخوف.و الثّانية سكونه و قراره في مكان لا يصل إليه، و هي الخشية.[و ذكر الفرق بين الخوف و الرّهبة و غيرها ثمّ قال:]-

فالخوف لعامّة المؤمنين،و الخشية للعلماء العارفين،و الهيبة للمحبّين،و الوجل للمقرّبين،و على قدر العلم و المعرفة يكون الخشية،كما قال النّبىّ صلّى اللّه عليه و آله:

«إنّي لأعلمكم باللّه و أشدّكم خشية»-و ذكر حديثا آخر و قال:-فصاحب الخوف يلتجئ إلى الهرب و الإمساك،و صاحب الخشية إلى الاعتصام بالعلم...».

و قد حكى الميبديّ عن الواسطيّ أنّه قال:«الخوف للجهّال و الخشية للعلماء،و الرّهبة للأنبياء».و حكى البروسويّ عنه أيضا أنّه قال:«الخشية أرقّ من الخوف،لأنّ الخوف للعامّة من العقوبة و الخشية من نيران اللّه-في الطّبع-فيها نظافة الباطن للعلماء،و من رزق الخشية لم يعدم الإنابة،و من رزق الإنابة لم يعدم التّفويض و التّسليم،و من رزق التّفويض و التّسليم لم يعدم الصّبر على المكاره،و من رزق الصّبر على

ص: 160

المكاره لم يعدم الرّضى».

و حكى أيضا عن بعضهم:«أوائل العلم الخشية، ثمّ الإجلال،ثمّ الهيبة،ثمّ الفناء».و عن بعضهم:

«الخشية من الرّحمن خشية الفراق،و من الجبّار و القهّار خشية العقوبة».

و قال المراغيّ: «الخشية خوف مقرون بالتّعظيم و العلم بمن تخشاه،و من ثمّ خصّ اللّه بها العلماء بدينه و شرائعه،و العالمين بجلاله و جبروته في إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ و المراد أنّهم يخشون ربّهم و يخافونه خوف مهابة و إجلال».

و قال شوقي ضيف:«و الخشية خوف يشوبه تعظيم،و هي فوق الخوف و الرّجاء.أمّا الخوف:فتوقّع العقاب عند استشعاره المكروه.و الرّجاء:تعلّق بشيء يؤمل حصوله أو دوامه.أمّا الخشية فوجل رهبة مقرونة بالتّعظيم و الإجلال،و لذلك جعل اللّه الاتّعاظ في الآية(17): سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى إنّما يبلغ تأثيره المبلغ القويّ فيمن يستشعرون خشيته،لا من يستشعرون الخوف منه و الرّجاء...».

و قال مجمع اللّغة:«الخشية:الخوف مع تعظيم المخوف،أو الشّعور بخطره».

و قال الطّباطبائيّ: «الظّاهر أنّ الفرق بين الخشية و الخوف:أنّ الخشية:تأثّر القلب من إقبال الشّرّ،أو ما في حكمه.و الخوف:هو التّأثّر عملا بمعنى الإقدام على تهيئة ما يبقى به المحذور و إن لم يتأثّر القلب،و لذا قال سبحانه في صفة أنبيائه(19): وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ فنفى عنهم الخشية عن غيره،و قد أثبت الخوف لهم عن غيره في مواضع من كلامه،كقوله: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى طه:67،و قوله: وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً الأنفال:58.و لعلّ إليه يرجع ما ذكره الرّاغب في الفرق بينهما:«إنّ الخشية خوف يشوبه تعظيم،و أكثر ما يكون ذلك عن علم...»و كذا قول بعضهم:«إنّ الخشية أشدّ الخوف،لأنّها مأخوذة من قولهم:شجرة خبيثة:أي يابسة.و كذا قول بعضهم:

إنّ الخوف يتعلّق بالمكروه و بمنزله...».

3-هذه معظم كلماتهم في الفرق بين الخشية و الخوف في تفسير الآيات،و لا سيّما فيما جاءت في خشية اللّه،مع أنّ بعض هؤلاء المفرّقين أيضا قد صرّح بعدم الفرق بينهما لغة.فالظّاهر أنّهم تفرّسوا الفرق بينهما من خلال الآيات،و ما فيها من اللّطائف،و لهذا أطالوا الكلام في ناحية فروقهما الأخلاقيّة و العرفانيّة،و في مراتب خشية اللّه،و آثارها، و ما يترتّب عليها من الأحوال طيّ السّلوك إلى اللّه تعالى،فلاحظ.

ب-و جاءت الخشية مع الإشفاق في ثلاث آيات أيضا:

(24): اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ.

و(28) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ.

و(31) وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، و فيها بحوث:

1-جاءت الأولى وصفا للمتّقين،و قبلها: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ

ص: 161

،ثمّ قال: اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ....

فالموصوفون بوصف الخشية و الإشفاق معا،هم النّخبة من المؤمنين المتّصفين ب(المتّقين)،و«المسارعين في الخيرات و السّابقين لها»رديفا للملائكة الّذين يشفعون لمن ارتضى،فكأنّ هؤلاء ارتقوا إلى صفّ الملائكة،فطوبى لهم ثمّ طوبى لهم.

و جاءت الثّانية في طليعة أوصاف السّابقين في الخيرات في أربع آيات(57-61)من سورة «المؤمنون»بدء بهذه الآية و ختما ب أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ هُمْ لَها سابِقُونَ، و ذلك في قبال من وصفوا في آية قبلها ب أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ.

و جاءت الثّالثة وصفا للملائكة-ردّا لزعم المشركين أنّ الملائكة بنات اللّه و أولاده و أنّهم آلهة-في أربع آيات من سورة الأنبياء 26-29،و هي: وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ* يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ* وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ.

2-تعلّقت الخشية في الأولى ب(ربّهم)،و الإشفاق فيها من(السّاعة)،فمتعلّقهما مختلف،في حال أنّ الإشفاق في الأخيرتين من خشية اللّه،و معناه-كما يأتي-الرّقّة من خشيته.

3-قال أبو هلال:«الفرق بين الخشية و الشّفقة:

أنّ الشّفقة ضرب من الرّقّة و ضعف القلب ينال الإنسان،و من ثمّ يقال للأمّ:إنّها تشفق على ولدها، أي ترقّ له،و ليست هي من الخشية و الخوف في شيء،و الشّاهد قوله تعالى(28): إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ و لو كانت الخشية هي الشّفقة لما حسن أن يقول:ذلك،كما لا يحسن أن يقول:

يخشون من خشية ربّهم...».

و قال الرّاغب(263):«الإشفاق عناية مختلطة بخوف،لأنّ المشفق يحبّ المشفق عليه و يخاف ما يلحقه،قال(24): وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ، فإذا عديّ ب«من»فمعنى الخوف فيه أظهر،و إذا عديّ ب«في»فمعنى العناية فيه أظهر،قال: إِنّا كُنّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ الطّور:26،و أشار إلى آيات أخرى.

و يبدو أنّ قول الرّاغب أقرب و أدقّ.

4-و مع الاعتراف بالفرق بين الخشية و الإشفاق بنحو ممّا ذكراه استنباطا من الآيات،فلو كان الإشفاق في الأخيرتين بمعنى«الرّقّة»ففي الأولى هي طور من الخوف يغاير الخشية من اللّه تعالى،و لهذا عبّر فيها عن خوف اللّه بالخشية،و عن خوف السّاعة بالإشفاق، و قال: اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ فرقا بينهما بتعدّي الخشية بنفسها،و تعدّي الإشفاق ب«من».

5-قال الميبديّ في الأخيرة: وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ :«قيل:الخشية بمعنى العلم،أي من العلم به مشفقون،يقول:يخاف ممّا يعلمه...و قد ذكر اللّه-فيها- الملائكة».و الظّاهر أنّ مراد هذا القائل أنّ الخشية

ص: 162

جاءت مع علمهم باللّه،مع أنّهم صرّحوا بأنّ الخشية تأتي مع الظّنّ أيضا.

و فسّر الآلوسيّ(مشفقون)فيها ب«متوقّعون من أمارة ضعيفة كائنون على حذر و رقبة لا يؤمنون مكر اللّه تعالى.و قال:(من)تعليليّة،و الكلام على حذف مضاف،و قد يراد من خشيته تعالى ذلك، فلا حاجة إليه».

و قال أيضا:«و فرّق بين الخشية و الإشفاق،بأنّ الأوّل خوف مشوب بتعظيم و مهابة،و لذلك خصّ به العلماء في(14): إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ.

و الثّاني خوف مع اعتناء يعدّى ب(من)كما يعدّى الخوف،و قد يعدّى ب(على)بملاحظة الخوف و العطف.

و زعم بعضهم أنّ الخشية هاهنا مجاز عن سببها، و أنّ المراد من الإشفاق:شدّة الخوف،أي و هم من مهابته تعالى شديد الخوف.و الحقّ أنّه لا ضرورة لارتكاب المجاز.و جوّز أن يكون المعنى:و هم خائفون من خوف عذابه تعالى،على أنّ(من)صلة لما بعدها.

و إضافة(خشية)إلى المضاف المحذوف،من إضافة الصّفة إلى الموصوف،أي خائفون من العذاب المخوف.

و لا يخفى ما فيه من التّكلّف المستغنى عنه...».

و قال مكارم الشّيرازيّ فيها:«إنّ خوف الملائكة ليس كخوف الإنسان من حادثة مرعبة مخيفة، و كذلك إشفاقهم فإنّه لا يشبه خوف الإنسان من موجود خطر،بل إنّ خوفهم و إشفاقهم ممزوجان بالاحترام و العناية و التّوجّه و الإحساس بالمسئوليّة».

و قال فضل اللّه:«حيث يتمثّلون في أنفسهم الإحساس العميق بعبوديّتهم،فيخشون أن يخطئوا في كلمة أو حركة،أو علاقة،أو عاطفة،أو موقف،كما يمكن للّه أن يحاسبهم عليه...».لاحظ ش ف ق:

«مشفقون».

ج-جاءت الخشية مع التّقوى في ثلاث آيات أيضا:

(8): يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ

و(10): وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً

و(11): وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللّهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ و فيها بحوث:

1-قد تعلّقت التّقوى فيها جميعا باللّه تعالى،أمّا الخشية فتعلّقت في الأخيرة باللّه تعالى أيضا،فالخشية فيها-حسب قولهم-مشوبة بالتّعظيم.و في الأولى تعلّقت ب«يوم القيامة»،و في الثّانية تعلّقت-حسب السّياق-بحال الذّرّيّة الضّعاف،و ليس فيهما شوب التّعظيم بل مجرّد الخوف من المكروه.

لكنّ الزّمخشريّ-و نحوه أبو السّعود-قال مردّدا:«فأمروا أن يخشوا ربّهم أو يخشوا على أولاد المريض».

و قال ابن عطيّة:«و مفعول(يخشى)محذوف، لدلالة الكلام عليه.و حسن حذفه من حيث يتقدّر

ص: 163

فيه التّخويف باللّه تعالى،و التّخويف بالعاقبة في الدّنيا، فلينظر كلّ متأوّل بحسب الأهمّ في نفسه».

و قال رشيد رضا:«ليكن من أهل الخشية، أو ليخش العاقبة،أو اللّه...».

و قال ابن عاشور:«ابتدأت الموعظة بالأمر بخشية اللّه تعالى أي خشية عذابه-إلى أن قال:-و الأظهر أنّ مفعول(يخش)حذف لتذهب نفس السّامع في تقديره كلّ مذهب محتمل،فينظر كلّ سامع بحسب الأهمّ عنده ممّا يخشاه أن يصيب ذرّيّته».و الكلّ محتمل.

2-و التّقوى-كما يأتي-من جملة النّظائر للخشية في القرآن،و إن كان بينهما فرق ظاهر.فقد جاء في«الفروق اللّغويّة»ص:(203):«أنّ في الاتّقاء معنى الاحتراس ممّا يخاف،و ليس ذلك في الخشية.».

مع أنّ في عرف القرآن خاصّ باللّه تعالى،و هي طاعته فيما أمر به و نهى.لاحظ«و ق ي».

3-و قد جاءت الخشية فيها جميعا مع التّقوى، و في الثّانية بإضافة الخوف و القول السّديد،و في الثّالثة بإضافة إطاعة اللّه و رسوله،و لكلّ منها سرّ يعرف من السّياق.

د-و جاءت الخشية أيضا مع الذّكرى،و الإنذار، و الهداية،و التّبليغ،و العبرة،و الخشوع و الهبوط.

أمّا الذّكرى ففي أربع آيات:

1-: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ

و 12-: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى* إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى

و 17-: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى* سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى

و 13-: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى و فيها بحوث:

1-أنّها جميعا مكّيّة،متناسقة لأوضاع بدء الوحي،فالثّلاث الأولى خاصّة بدعوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و الأخيرة بدعوة موسى و هارون عليهما السّلام.

2-الفرق بينها أنّه جاء في الأولى اتّباع الذّكر، و في الثّالثة نفع الذّكرى،فهناك فرق بينهما في المضاف:

«الاتّباع و النّفع»و الأوّل سبب للثّاني،فمن اتّبع الذّكر ينفعه،و فرق في المضاف إليه:«الذّكر و الذّكرى» و الذّكر في الأولى يحتمل المصدر أو الاسم،و هو القرآن،فقد جاء الذّكر في القرآن اسما له مرّات،لاحظ:

ذ ك ر:«الذّكر».

أمّا الذّكرى فمصدر ليس إلاّ،لكنّ الظّاهر أنّ المراد بها،الذّكرى بالقرآن أيضا،أي فذكّر بالقرآن إن نفعت الذّكرى به.

أمّا الثّانية فجاء فيها تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى، و في الرّابعة: يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى، فالتّذكرة مصدر كالتّذكير،و ل(يتذكر)انفعال له.فالفرق بينهما بالفعل و الانفعال،و الأوّل سبب للثّاني أيضا- كالاتّباع و النّفع تماما-و الثّانية جاءت بشأن القرآن أيضا،فثلاث منها تنبيه على شأن مهمّ للقرآن،و هو التّذكير و التّذكّر به للمشركين خاصّة و للنّاس عامّة، و خصّت الرّابعة-كما سبق-بتذكّر فرعون بقول موسى و هارون عليهما السّلام.

ص: 164

و فرق آخر بينها أنّ«التّذكّر»في الأوليين ظهر بمظهر اليقين لمن يخشى،أمّا في الأخيرتين فمرجوّ، أو مشروط ب لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ و إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى.

و هذا الفرق ناشئ عن مراتب الخشية.

و فرق ثالث بينها أنّه قد تكرّر«الذّكر فعلا و مصدرا»في الثّالثة ثلاثا:(فذكّر،الذّكرى،سيذّكّر)، مبالغة و تأكيدا،و لم يتكرّر في غيرها،كما لم تتكرّر الخشية،بل توحّدت فيها جميعا،مع تفاوت بينها؛حيث جاءت في الأولى فعلا ماضيا مقيّدا بالرّحمة و الغيب تسجيلا و إرجاء: وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ، و في غيرها فعلا مضارعا مطلقا تعظيما أو تهويلا:(يخشى) أي يخشى اللّه،أو يخشى عقابه.

3-هذه الآيات متّفقة تصريحا أو تلويحا على أنّ «التّذكير»إنّما ينفع من يخشى اللّه تعالى،فالخشية شرط الانتفاع بالذّكر،فمن لا يخشى لا ينتفع به،و لهذا جاءت الخشية في الأولى عطفا على اتّباع الذّكر: مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ، و في الثّانية متعلّقا للتّذكرة: إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى، و في الثّالثة فاعلا للتّذكرة سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى، و في الرّابعة عطفا ب(او)على التّذكّر: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى.

و نعم ما قال قتادة في سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى :«ما خشي اللّه عبد قطّ إلاّ ذكره»،و قال فيها الماورديّ:

«قد يتذكّر من يرجوه،إلاّ أنّ تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الرّاجي،فلذلك علّتها في سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى، بالخشية دون الرّجاء».

و للفخر الرّازيّ فيها بحث ظريف فراجع.

و قال أبو حيّان:«أي لا يتذكّر بذكراك إلاّ من يخاف،فإنّ الخوف حامل على النّظر في الّذي ينجيه ممّا يخافه...».

و قال الشّربينيّ: «فهي كآية: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ق:45».

و قال الفخر الرّازيّ في الثّانية:«وجه كون القرآن تذكرة أنّه عليه السّلام كان يعظّمهم به و ببيانه،فيدخل تحت قوله: لِمَنْ يَخْشى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،لأنّه في الخشية و التّذكرة بالقرآن كان فوق الكلّ».

و قال فيها الطّباطبائيّ: «إنّ المراد ب(من يخشى)من كان في طبعه ذلك،بأن كان مستعدّا لظهور الخشية في قلبه لو سمع كلمة الحقّ،حتّى إذا بلغت إليه التّذكرة ظهرت في باطنه الخشية،فآمن و اتّقى».

و قد نبّه مكارم الشّيرازيّ على أنّ هذا التّعبير:

تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى، شبيه ب هُدىً لِلْمُتَّقِينَ البقرة:2.

و قال فضل اللّه في وجه التّأكيد ل(من يخشى):

«إنّ الخشية تثير في داخل الإنسان المشاعر القلقة الحائرة الّتي تبحث عن الأمن و الطّمأنينة و الاستقرار الرّوحيّ أمام القضايا الّتي تثيرها الدّعوة القرآنيّة في نفسه...فيدفعه ذلك إلى التّأمّل العميق و التّفكير الجادّ في الطّريق إلى الإيمان-إلى أن قال:-إنّ التّذكير لا يحقّق لمن لا يخشى اللّه أيّ شيء».

4-فيظهر من كلماتهم أنّ التّذكرة ليست علّة للخشية،بل الخشية مطويّة في داخل الإنسان

ص: 165

و مشاعره،و إنّما التّذكرة تثيرها و تظهرها، و لا توجدها.

و أمّا الإنذار ففي آيتين:

(1): إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ.

(29): إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها.

و هذان ككثير من آيات الخشية مكّيّة أيضا، و الإنذار هو التّذكرة مع تهويل.لاحظ:ن ذ ر:

«الإنذار».فالإنذار إنّما يؤثّر فيمن يخشى فيوقظ الخشية،و لا يوجدها كالتّذكرة تماما.

و أمّا الهداية و التّبليغ فجاء كلّ منهما في آية:

5-: وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى.

19-: اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ. و فيهما بحوث:

1-جاءت الأولى في قصّة موسى عليه السّلام مع فرعون ملخّصا دعوته في آيات من سورة النّازعات (15-29)و قد جاءت مفصّلة في سورة الأعراف:

(104-137)و غيرها.

2-بدأت القصّة في سياق الاستفهام اهتماما بها و ملاطفة إيّاه-كما في(13): فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى -فقال: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى* إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً* اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى* فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى* وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى فأكّد أوّلا طغيان فرعون كسبب لدعوته،ثمّ السّؤال عنه هل له ميل إلى التّزكّي،و إلى أن يهديه موسى إلى ربّه فيخشى.

3-فرّع الخشية على الهداية كنتيجة لها،لأنّ الخشية-كما قال الزّمخشريّ-:لا تكون إلاّ بالمعرفة، كما قال(14): إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ.

و قال ابن عطيّة:«العلم تابع للهدى و الخشية تابعة للعلم».

و قال الطّباطبائيّ: «و المراد بهدايته إيّاه إلى ربّه- كما قيل-تعريفه له و إرشاده إلى معرفته...».

و قال مكارم الشّيرازيّ: «الخشية نتيجة للهداية، و لا تحصل إلاّ بالمعرفة».

4-و يبدو أنّ هناك فرقا بين الهداية و التّذكرة، فإنّ الهداية طريق إلى معرفة اللّه الّتي تلازمها الخشية، فما دام لا تحصل المعرفة و العلم باللّه تعالى،لا مجال للخشية،فالمعرفة موجدة للخشية،بخلاف التّذكرة، فإنّها حيث توجّه إلى العارف باللّه فإنّما تثير الخشية المطويّة في مشاعره،و لا توجده.

و جاءت الثّانية بشأن الأنبياء الّذين يبلّغون رسالات اللّه،فهم عارفون باللّه معرفة بالغة،و لهذا وصفوا ب وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ فخشيتهم اللّه تعدّ مرتبة عالية من مراتب الخشية، و منحصرة باللّه تعالى-و سنبحثه-.

و أمّا العبرة و الخشوع و الهبوط،فجاء كلّ منها مع الخشية مرّة في آية أيضا:

(15): إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى

و(22): لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ.

و(21): وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ

ص: 166

و فيها بحوث:

1-جاءت الأولى خاتمة لقصّة موسى و فرعون في سورة النّازعات،و المراد من العبرة:العظة،أصلها من:

العبور،كأنّ المتّعظ يعبر من اللّفظ إلى المعنى،و من معرفة المبصر و المسموع إلى معرفة المعقول،فمن سمع قصّة موسى و فرعون يتّعظ بها،و يعبر منها إلى صلاح نفسه.

2-و«العبرة»كالتّذكرة خاصّة بمن يخشى،فهي متفرّعة على الخشية.

3-و جاءت الثّانية تمثيلا لشأن القرآن كآيات التّذكرة.و خاشِعاً فيها وصف للجبل،أي الجبل لو أنزل عليه القرآن لأصبح خاشعا.و الخشوع-و هو التّزلزل و الخضوع-متفرّع أيضا على الخشية، كالتّذكرة تماما،كما قال: خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ. و مُتَصَدِّعاً بمعنى متفرّقا تجسيد للخشوع، كأنّ الجبل من شدّة الخشوع يتفرّق أجزاؤه.

4-و الخشوع في الآية ناشئ عن خشية اللّه عند سماع القرآن،دون القرآن نفسه-كما سبق-لأنّ القرآن كلام اللّه تعالى،و فيه معرفة اللّه بصفاته العليا، و الخشية-كما سبق-فرع المعرفة.لاحظ:خ ش ع:

«خاشعا».

5-و جاءت الثّالثة تمثيلا لقسوة قلوب بني إسرائيل في قوله: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ.

6-فوصف الحجارة فيها بأوصاف دلّت على رقّتها و لينها و سهولتها تأثّرا،و هي:تفجّر الأنهار منها، و تشقّقها لخروج الماء منها،و هبوطها من خشية اللّه.

و قد ذكروا في تفسير هبوطها وجوها يدلّ بعضها على شعورها باللّه.لاحظ:الطّبرسيّ(ج 1:281)، و كيف كان فالهبوط فيها ناشئ عن خشية اللّه كالخشوع تماما.

ه-و جاءت الخشية متعلّقة ب(الغيب)في خمس آيات:

(1): إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ.

و(2): هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ

و(24):وصفا للمتّقين: اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ

و(25): إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ

و(27): إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ و فيها بحوث:

1-كلّها مكّيّة و نزلت في جوّ الشّرك و الكفر و العناد و الطّغيان.و سياقها-و لا سيّما الأولى و الرّابعة المبدوءتين ب إِنَّما تُنْذِرُ... -تسلية للنّبيّ عليه السّلام و عذر له،تسكينا لحسرته و أسفه من إعراضهم عن دعوته،مع أنّها حقّ.و تأكيدا أنّ إيمانهم موقوف على خشيتهم اللّه،المتفرّعة عن معرفتهم إيّاه،و هم

ص: 167

لا يعرفونه فلا يخشونه،فلا يؤمنون بدعوتك.

2-و الطّريف أنّ الخشية في اثنتين منها-و هما الأوليان-تعلّقت باللّه بوصف«الرّحمن»: خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ. و في ثلاث منها-و هي الأواخر- بوصف«الرّبّ»: يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ. و في كلا الوصفين إشعار بأنّهم يعرفون اللّه بعلوّ رحمته قبل قهر عذابه،و سبق رجاؤهم إيّاه خوفهم منه،فلا يخافونه كخوف المظلوم من الظّالم،بل يخشونه تعظيما له، و إذعانا بلطفه و رحمته و ربوبيّته،و هذا من أعلى مراتب الخشية.

و أيضا فإنّ فعل الخشية جاء في الأوليين ماضيا:

مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ، بسياق واحد تماما.

إشعارا بدوام خشيتهم،و تفنّنا في بيان موقفهم أمام اللّه تعالى و إيماء إلى أنّ اَلرَّحْمنَ من صفات الذّات فقديم أزليّ و يناسبه الماضي،و«الرّبّ»من صفات الفعل فيتجدّد و يناسبه المضارع،و اللّه أعلم بسرّ كتابه.

قال القشيريّ: «الخشية من الرّحمن هي الخشية من الفراق،و الخشية من الرّحمن تكون مقرونة بالأنس،و لذلك لم يقل:من خشي الجبّار،و لا من خشي القهّار».

و قال الفخر الرّازيّ في(2):«قال هاهنا: خَشِيَ الرَّحْمنَ مع أنّ وصف الرّحمة غالبا يقابل الخشية، إشارة إلى مدح المتّقي؛حيث لم تمنعه الرّحمة من الخوف،بسبب عظمة المخشيّ-إلى أن قال:-لفظة اَلرَّحْمنَ إشارة إلى مقتضى الخشية لا إلى المانع.

و ذلك لأنّ«الرّحمن»معناه واجب الوجود بالخلق، و«الرّحيم»واهب البقاء بالرّزق...».لاحظ:ر ح م:

«الرّحمن و الرّحيم».

و قال النّسفيّ: «قرن بالخشية اسمه الدّالّ على سعة رحمته،للثّناء البليغ على الخاشي،و هو خشيته مع علمه أنّه الواسع الرّحمة،كما أثنى عليه بأنّه خاش مع أنّ المخشيّ منه غائب».

و قال الشّربينيّ: «و نبّه على كثرة خشيته بقوله:

اَلرَّحْمنَ لأنّه إذا خافه مع استحضار الرّحمة العامّة للمطيع و العاصي،كان خوفه مع استحضار غيرها أولى».

3-قيّدت الخشية فيها بالغيب،و قالوا في معناه:

في حال غيبته عن النّاس-بخلاف المنافق-فهم يخشونه في سرائرهم و خلواتهم الّتي يغيبون فيها عن النّاس،أو فيما غاب عنهم من أمر الآخرة و أحوال القيامة،أو غائبين عن اللّه،لأنّهم لم يروا اللّه تعالى،بل عرفوا بالنّظر و الاستدلال أنّ لهم ربّا قادرا يجازي على الأعمال،أي يخشون ربّهم المغيب عنهم،تصديقا لأنبيائهم.

فالغيبة إمّا وصف لهم،أو للعذاب أو للّه،و كلّها محتمل مردّدا،أو جمعا.و«الباء»فيها للإلصاق، و(بالغيب)حال أي يخشون اللّه غائبين عنه،أو عن عذابه،أو غائبا عنهم اللّه.لاحظ:غ ي ب:«بالغيب».

و-جاءت الخشية في أكثرها متعلّقة باللّه، أو بالنّاس،أو باليوم الآخر،أو بأمور:كالإنفاق و العنت و نحوهما.و جاءت مطلقة غير متعلّقة بشيء

ص: 168

منها في سبع آيات،و كلّها مكّيّة،و هي:

5-: وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى النّازعات:

19.

12-: إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى. طه:3.

13-: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى. طه:44.

15-: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى.

النّازعات:26.

16-: وَ أَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى* وَ هُوَ يَخْشى.

عبس:9،8.

17-: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى* سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى. الأعلى:10،9.

35-: لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى. طه:77.

و قدّروا فيها(اللّه)أو(عذابه)،أي يخشون اللّه، أو عذابه،أو المراد تأكيد نفس الخشية دون المخشيّ، و هو الأولى و أمسّ بسياقها.

و الّذي اقتضى الإطلاق هي رعاية الرّويّ فيها، الملحوظ في السّور المكّيّة أكثر من المدنيّة،و لا سيّما القصار منها لقصر آياتها.لاحظ«المدخل»:فصل المكّيّ و المدنيّ.

ز-و جاءت خشية النّاس ذمّا قبالا لخشية اللّه مدحا في ثمان آيات مدنيّة،و هي:

4-: ...وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ...

و 6-: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً.

و 7-: ...إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي...

و 9-: اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ

و 18-: فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً

و 37-: اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً.

و 38-: أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

و الآية الأولى منها خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قصّة زيد بن حارثة و زوجه في قوله: وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَ كانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً، فخشيته فيها لم تكن من النّاس أنفسهم،بل من تعييرهم إيّاه بأنّه زوّج زوجة من كان بمنزلة ابن له.و الخشية فيها مجاز بمعنى الكراهة كالخشية من العنت و الإنفاق و نحوهما و سنبحثه.

أمّا سائر الآيات السّبع فيبدو أنّها خاصّة بالمنافقين و ضعفاء الإيمان،و أنّها جاءت مقابلة لتلك الآيات السّبع الّتي سبقتها،و كانت خاصّة بالمؤمنين المخلصين.و تعريض بالمنافقين،و مدح للمؤمنين تمييزا بينهم قلبا أمام اللّه و أمام النّاس.و تنبيها على أنّ خشية اللّه حقّا لا يجامع خشية النّاس أصلا،و أنّ

ص: 169

خشية النّاس من علامات النّفاق،أو أنّها آية ضعف الإيمان،و أنّ الإيمان الخالص الّذي لا يشوبه بشيء من النّفاق و الضّعف و المرض،يدعو إلى خشية اللّه محضا و حصرا.

ح-و جاءت الخشية حصرا على اللّه تعالى استثناء من غيره في آيتين،و حصرا على العلماء في آية:

و 19-: وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً

و 20-: وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ

و 14-: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ...

و الأولى منهما خاصّة بالأنبياء الّذين يبلّغون رسالات اللّه،و الثّانية خاصّة بالّذين يعمرون مساجد اللّه في قوله:

إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ.

و لا يأبى الحصر غيرها من آيات الخشية أيضا، و لا سيّما ما اختصّت منها بخشية اللّه،لكن جاء الحصر في هاتين صراحة،اهتماما بمن جاءتا فيهم من أنبياء اللّه و العامرين مساجد اللّه تعالى.

و أمّا الأخيرة فلهم فيها أقوال سبق بعضها في الأبحاث المتقدّمة:

قال الفخر الرّازيّ في(3): رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ :«هذه الآية إذا ضمّ إليها آية أخرى صار المجموع دليلا على فضل العلم و العلماء.ذلك لأنّه قال-و ذكر إِنَّما يَخْشَى اللّهَ - فدلّت هذه الآية على أنّ العالم يكون صاحب الخشية، و هذه الآية:(3)تدلّ على أنّ صاحب الخشية تكون له الجنّة،فيتولّد من مجموع الآيتين أنّ الجنّة حقّ العلماء».

و قال أبو السّعود:«إنّ الخشية الّتي هي من خصائص العلماء بشئون اللّه عزّ و جلّ لجميع الكمالات العلميّة و العمليّة المستتبعة للسّعادة الدّينيّة و الدّنيويّة...».

و قد حكى الآلوسيّ عن الجنيد أنّه قال في الآية:

(3):«الرّضا على قدر قوّة العلم و الرّسوخ في المعرفة».

و قال الطّباطبائيّ فيها:«علامة مضروبة لسعادة الدّار الآخرة-فذكر إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ، و قال:-فالعلم باللّه يستتبع الخشية منه، و الخشية منه تستتبع الإيمان به،بمعنى الالتزام القلبيّ بربوبيّته و ألوهيّته،ثمّ العمل الصّالح».لاحظ:ع ل م:

«العلماء».

ط-و جاءت الخشية مجازا-كما سبق بعضها- بمعنى الكراهة في كلّ ما جاء في المحور الثّالث من الآيات،و فيما نسب إلى هارون في(33): إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ، و فيما نسب إلى اللّه في(34): فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً.

قال الأخفش:«معناه كرهنا،لأنّ اللّه لا يخشى، و هو في بعض القراءات(فخاف ربّك)،و هو مثل «خفت الرّجلين أن يقولا»،و هو لا يخاف من ذلك أكثر

ص: 170

من أنّه يكرهه لهما.

و قال الفرّاء:«إلاّ أن يعلما و يظنّا،و الخوف و الظّنّ يذهب بهما فذهب العلم».

و زاد ابن قتيبة: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً البقرة:182،أي علم.و وَ أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ الأنعام:51،لأنّ في الخشية و المخافة طرفا من العلم.

و كذا فيما نسب تمثيلا إلى الحجارة في(21):

وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ، و إلى الجبل في (22): لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ....

قال الزّمخشريّ-و نحوه البيضاويّ في(22):

«الخشية مجاز على انقيادها لأمر اللّه تعالى،و أنّها لا تمتنع على ما يريد فيها».

و لأبي حيّان و الآلوسيّ كلام طويل في أنّ الخشية هنا حقيقة أو مجاز،فلاحظ.

ثالثا:جاءت«الخشية»في 41 آية:منها 17 آية مدنيّة،و الباقي-و هي 24 آية مكّيّة،و معلوم أنّ مكّة كانت قاعدة الشّرك،فكان ذلك أدعى للتّرعيب إلى خشية اللّه دعوة إلى التّوحيد،و رفضا للشّرك.

و قد جاءت خشية اللّه الرّحمن أو الرّبّ،أو خشية يوم القيامة أو السّاعة-و هي ترجع إلى خشية اللّه أيضا-في 30 آية مكّيّة و مدنيّة.

فهي قسمان:إمّا ترغيب إلى خشية اللّه أمرا به أو حصرا،أو أنّها من مختصّات العلماء.و إمّا هذا مقرونا بالنّهي عن خشية شخص أو أمر غير اللّه.فمركز الخشية و قطبها في القرآن،هو اللّه تعالى ترغيبا إليه و تحذيرا من غيره.

رابعا:وردت نظائر كثيرة للخشية في القرآن، و هي:

الخوف: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَ خافَ وَعِيدِ

إبراهيم:14.

الحذر: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ التّوبة:64.

الرّجاء: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقاراً نوح:13.

الرّعب: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ

آل عمران:151.

الرّوع: فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ هود:74.

الرّهبة: وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ الأنفال:60.

الإشفاق: وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، و وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ الأنبياء:28،49.

الفرق: وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ التّوبة:56.

الفزع: فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ النّمل:87.

الإيجاس: نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً

هود:70.

الوجل: قالُوا لا تَوْجَلْ إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ

الحجر:53.

الاتّقاء: وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللّهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ النّور:52.

ص: 171

ص: 172

خ ص ص

اشارة

3 ألفاظ،4 مرّات،في 4 سور مدنيّة

خاصّة 1:-1 يختصّ 2:-2

خصاصة 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخصّ:بيت يسقف بخشبة على هيئة الأزج:و جمعه:خصاص.

و خصصت الشّيء خصوصا،و اختصصته.

و الخاصّة:الّذي اختصصته لنفسك.

و الخصاصة:سوء الحال.

و الخصاص:شبه كوّة في قبّة و نحوها إذا كان واسعا قدر الوجه.[ثمّ استشهد بشعر]

و بعض يجعل«الخصاص»للضّيّق و الواسع،حتّى قالوا لخروق المصفاة:خصاص.

و خصاص المنخل:خروقه؛و جمعه:أخصّة.

و يسمّى الغيم:خصاصة.

و كلّ خرق أو خلل في سحاب أو منخل يسمّى:

خصاصة؛و الجميع:خصاص.

و الخصاص:فرج ما بين الأثافيّ.(4:134)

اللّيث:الخصوص:مصدر قولك:هو يخصّ، و خصّصت الشّيء،و أخصصته.(الأزهريّ 6:552)

الكسائيّ: الخاصّ و الخاصّة،واحد.

(الفيّوميّ 1:171)

ابن شميّل: عن الطّائفيّ قال:الخصاصة:ما يبقى في الكرم بعد قطافه،أي العنيقيد الصّغير،هاهنا،و آخر هاهنا؛و جمعها:خصاص،و هو النّبذ القليل.

(الأزهريّ 6:552)

الفرّاء: خصصت،من الخصاصة.(الصّغانيّ 4:5)

أبو عبيدة :الخصّ:بلد جيّد الخمر بالشّام.

(الصّغانيّ 4:5)

ص: 173

الأصمعيّ: الخصّ:كربق مبنيّ،و هو الحانوت.

(الصّغانيّ 4:5)

ابن الأعرابيّ: و خصّه بكذا:أعطاه شيئا كثيرا.

و الخصاص:الفرج الّتي بين قذذ السّهم.

(ابن سيده 4:498،499)

ابن السّكّيت: و يقال للمقتر:إنّ به لخصاصة.

(16)

...فإن شربت الإبل بعد عطش شديد،فلم تنضج و لم تنقع و صدرت بعطشها و لم ترقب،قيل:صدرت و بها خصاصة،و ذبابة.و قيل للرّجل أيضا إذا لم يشبع من الطّعام:تركه و به خصاصة.(462)

ابن أبي اليمان :و الخصّ:خصّ القصب.(484)

الحربيّ: الخصاص:الفقر.(1:261)

قال أبو عمرو:و الشّعشع:الظّلّ الّذي فيه خصاص ،و لم يظلّ كلّه،يقول:فيه فرق.(2:587)

ابن دريد :خصّه بالشّيء يخصّه خصّا و خصوصا و خصوصيّة إذا فضّله به.و خصّه بالودّ،كذلك.

و خصّان الرّجل:من يختصّه من إخوانه.

و الخصّ:بيت من قصب أو شجر،و إنّما سمّي خصّا،لأنّه يرى ما فيه من خصاصه.

و الخصاص:الفرج.

و الخصاصة:الحاجة.(1:67)

يقال:هذا لك خصّيصى،أي خاصّ خصّصتك به.

(3:406)

الخصاصاء:فقير،من الخصاصة.(3:408)

الخصاصاء،بالفتح و المدّ:الفقر.(الصّغانيّ 4:5)

القاليّ: الخصاصة:الفرجة.(1:47)

الأزهريّ: [نقل قول الخليل :«الخصّ:

البيت...»،ثمّ قال:]

جمع[الخصّ]:خصوص و أخصاص،سمّي خصّا لما فيه من الخصاص،و هو التّفاريج الضّيّقة.

و الخصاصة:الخلّة،و الحاجة،و ذو الخصاصة:ذو الخلّة و الفقر.قال اللّه جلّ و عزّ: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الحشر:9،و أصل ذلك من الخصاص.[ثمّ نقل قول الخليل :«و كلّ خلل، أو خرق...»،ثمّ قال:]

و الواحدة:خصاصة؛و يجمع:خصاصات.

و تصغّر الخاصّة:خويصّة،و في الحديث:«خويصّة أحدكم»يعني الموت.

و يقال:تخصّص فلان بالأمر و اختصّ به،إذا انفرد به،و خصّ غيره،و اختصّه ببرّه.

و حانوت الخمّار يسمّى:خصّا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان مخصّ بفلان،أي خاصّ به،و له به خصّيّة،و الإخصاص في غير هذا:الإزراء.

و يقال:خاصّ بيّن الخصوصيّة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](6:551)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الخصوص:مصدر خصّ يخصّ.و خصصت الشّيء و اختصصته.

و الخاصّة:من اختصصته لنفسك،و الخصّيّة مثله، و كذلك التّخصّة و الخصوصيّة.

و خصّص الغلام تخصيصا:أخذ قصبة فجعل فيها

ص: 174

نارا يلوّح بها لاعبا.

و صدرت الإبل و بها خصاصة،أي عطش.

و كذلك الرّجل إذا لم يشبع من الطّعام.(4:157)

الجوهريّ: خصّه بالشّيء خصوصا،و خصوصيّة، و الفتح أفصح،و خصّيصى.

و قولهم:إنّما يفعل هذا خصّان من النّاس،أي خواصّ منهم.

و اختصّه بكذا،أي خصّه به.

و الخاصّة:خلاف العامّة.

و الخصّ:البيت من القصب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخصاصة و الخصاص:الفقر.

و الخصاصة:الخلل،و الثّقب الصّغير.

يقال للقمر:بدا من خصاصة الغيم.

و يقال للفرج الّتي بين الأثافيّ: خصاص.

(3:1037)

ابن فارس: الخاء و الصّاد أصل مطّرد منقاس، و هو يدلّ على الفرجة،و الثّلمة.فالخصاص:الفرج بين الأثافيّ.

و يقال للقمر:بدا من خصاصة السّحاب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخصاصة:الإملاق.و الثّلمة في الحال.

و من الباب:خصصت فلانا بشيء خصوصيّة- بفتح الخاء-و هو القياس،لأنّه إذا أفرد واحد فقد أوقع فرجة بينه و بين غيره،و العموم بخلاف ذلك.

و الخصّيصى:الخصوصيّة.(2:152)

أبو هلال :الفرق بين الخاصّ و الخصوص:أنّ الخصوص يكون فيما يراد به بعض ما ينطوي عليه لفظه بالوضع،و الخاصّ:ما اختصّ بالوضع لا بإرادة.

و قال بعضهم:الخصوص:ما يتناول بعض ما يتضمّنه العموم،أو جرى مجرى العموم من المعاني.

و أمّا العموم:فما استغرق ما يصلح أن يستغرقه و هو عامّ،و العموم:لفظ مشترك يقع على المعاني و الكلام.

و قال بعضهم:الخاصّ:ما يتناول أمرا واحدا بنفس الوضع،و الخصوص:أن يتناول شيئا دون غيره، و كان يصحّ أن يتناوله و ذلك الغير.

الفرق بين التّخصيص و النّسخ:أنّ التّخصيص هو ما دلّ على أنّ المراد بالكلمة بعض ما تناولته دون بعض،و النّسخ:ما دلّ على أنّ مثل الحكم الثّابت بالخطاب زائل في المستقبل على وجه لولاه لكان ثابتا.

و من حقّ التّخصيص أن لا يدخل إلاّ فيما يتناوله اللّفظ،و النّسخ يدخل في النّصّ على عين،و التّخصيص ما لا يدخل فيه.

و التّخصيص يؤذن بأنّ المراد بالعموم عند الخطاب ما عداه،و النّسخ يحقّق أنّ كلّ ما يتناوله اللّفظ مراد في حال الخطاب،و إن كان غيره مرادا فيما بعد.

و النّسخ في الشّريعة لا يقع بأشياء يقع بها التّخصيص،و التّخصيص لا يقع ببعض ما يقع به النّسخ.

فقد بان لك مخالفة أحدهما للآخر في الحدّ و الحكم جميعا،و تساويهما في بعض الوجوه لا يوجب كون النّسخ تخصيص.(44)

ص: 175

الفرق بين الانفراد و الاختصاص:أنّ الاختصاص انفراد بعض الأشياء بمعنى دون غيره،كالانفراد بالعلم و الملك.و الانفراد:تصحيح (1)النّفس و غير النّفس، و ليس كذلك الاختصاص،لأنّه نقيض الاشتراك، و الانفراد نقيض الازدواج.

و الخاصّة تحتمل الإضافة و غير الإضافة،لأنّها نقيض العامّة،فلا يكون الاختصاص إلاّ على الإضافة،لأنّه اختصاص بكذا دون كذا.(114)

مثله الطّوسيّ.(2:503)

الهرويّ: قوله[تعالى]: خَصاصَةٌ الحشر:9،أي حاجة و فقر،يقال:فلان ذو خصاصة.

و في الحديث:«بادروا بالأعمال ستّا:الدّجّال، و كذا و كذا،و خويصّة أحدكم.»يعني الموت،و هي تصغير الخاصّة،و الخاصّة:الّتي اختصصته لنفسك.

(2:560)

أبو سهل الهرويّ: خصصته بالشّيء خصوصيّة، إذا أفردته و أعطيته وحده شيئا.(التّلويح:32)

ابن سيده: خصّه بالشّيء يخصّه خصّا و خصوصا ،و خصّصه و اختصّه:أفرده به دون غيره،

فأمّا قول أبي زبيد:

*إنّ امرأ خصّني عمدا مودّته*

فإنّه أراد خصّني بمودّته،فحذف الحرف و أوصل الفعل،و قد يجوز أن يريد خصّصني لمودّته إيّاي، فيكون كقوله:

*و أغفر عوراء الكريم ادّخاره*

و إنّما وجّهناه على هذين الوجهين،لأنّا لم نسمع في الكلام«خصصته»متعدّية إلى مفعولين.

و الاسم: (2)الخصوصيّة،و الخصوصيّة،و الخصّيّة و الخاصّة،و الخصّيصى،و هي تمدّ و تقصر،عن كراع، و لا نظير لها إلاّ المكّيثا.

و فعلت ذاك بك خصّيّة،و خاصّة،و خصوصيّة، و خصوصيّة.

و الخاصّة:من تختصّه لنفسك...

و الخصّان،كالخاصّة.

و الخصاص:شبه كوّة في قبّة أو نحوها إذا كان واسعا قدر الوجه.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و بعضهم يجعل الخصاص للواسع و الضّيّق.

و خصاص المنخل و غيره:خلله،واحدته:

خصاصة،و كذلك كلّ خلل و خرق يكون في السّحاب،و ربما سمّي الغيم نفسه خصاصة.

و الخصاص:الفرج بين الأثافيّ و الأصابع.

و الخصاصة و الخصاصاء:الفقر و سوء الحال،و في التّنزيل: وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الحشر:9،و أصل ذلك في الفرجة،أو الخلّة،لأنّ الشّيء إذا انفرج و هى و اختلّ.

و صدرت الإبل و بها خصاصة،إذا لم ترو و صدرت بعطشها،و كذلك الرّجل إذا لم يشبع من الطّعام،و كلّّ.

ص: 176


1- الظّاهر كما قال الطّوسيّ(2:502):و يصحّ الانفراد بالنّفس و غير النّفس.
2- أي الاسم المصدر،من خصّ.

ذلك في معنى الخصاصة الّتي هي الفرجة و الخلّة.

و الخصاصة من الكرم:الغضّ إذا لم يرو،و خرج منه الحبّ متفرّقا ضعيفا.

و الخصاصة:ما يبقى في الكرم بعد قطافه،العنيقيد الصّغير هاهنا و هاهنا،و الجمع:الخصاص،و قال أبو حنيفة:هي الخصاصة،و الجمع:خصاص.كلاهما بالفتح.

و الخصّ:بيت من شجر أو قصب.و قيل:الخصّ:

البيت الّذي يسقف عليه بخشبة على هيئة الأزج، و جمعه:أخصاص و خصاص،سمّي بذلك،لأنّه يرى ما فيه من خصاصه،أي فرجه.

و شهر خصّ:ناقص.(4:498)

الطّوسيّ: و الاختصاص بالشّيء هو الانفراد به، و الإخلاص له مثله.و ضدّ الاختصاص الاشتراك.

و يقال:خصّ خصوصا،و تخصّص تخصّصا.و خصّصه تخصيصا،و كلّمه خاصّة من ذلك،و كلمة عامّة، و وسائط من ذلك.

و يقال:خصّه بالشّيء،يخصّه خصّا،إذا وصله به.

و خصّان الرّجل:من يختصّه من إخوانه.

و الخصائص:الفرج.

و الخصاصة:الحاجة.

و الخصّ:شبه كوّة تكون في قبّة أو نحوها،إذا كان واسعا قدر الوجه.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ خلل أو خروق تكون في السّحاب أو النّخل تسمّى الخصاصة.

و الخصائص:فرج بين الأثافيّ،و أصل الباب:

الانفراد بالشّيء فمنه الخصائص:الفرج،لأنّه انفراد كلّ واحد عن الآخر من غير جمع بينهما.

و يقال:اختصصته بالفائدة و اختصصت بها أنا، كقولك:أفردته بها،و انفردت بها.(1:391)

نحوه الطّبرسيّ.(1:178)

و الخصاصة:الحاجة الّتي يختلّ بها الحال.

و الخصاص:الفرج الّتي يتخلّلها البصر؛و الواحد:

خصاص.قال الرّاجز:

*و النّاظرات من خصاص لمحا*

و أصله:الاختصاص بالانفراد بالأمر.

و الخصاص:الانفراد عمّا يحتاج إليه،و الخصوص:

الانفراد ببعض ما وضع له الاسم،و الخصّ:انفراد كلّ قصبة من أختها في الأشراج،و الخاصّة:انفراد المعنى بما يقوله دون غيره.(9:566)

نحوه الطّبرسيّ.(5:260)

الرّاغب: التّخصيص و الاختصاص و الخصوصيّة و التّخصّص:تفرّد بعض الشّيء بما لا يشاركه فيه الجملة؛و ذلك خلاف العموم و التّعمّم و التّعميم.

و خصّان الرّجل:من يختصّه بضرب من الكرامة.

و الخاصّة:ضدّ العامّة.

و قد خصّه بكذا يخصّه،و اختصّه يختصّه.

و خصاص البيت:فرجة.و عبّر عن الفقر الّذي لم يسدّ بالخصاصة كما عبّر عنه بالخلّة،قال: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الحشر:9،و إن شئت قلت:من الخصاص.

و الخصّ:بيت من قصب أو شجر،و ذلك لما يرى

ص: 177

فيه من الخصاصة.(149)

الزّمخشريّ: خصّه بكذا و اختصّه و خصّصه و أخصّه فاختصّ به و تخصّص.

و له بي خصوص و خصوصيّة.

و هذا خاصّتي و هم خاصّتي،و قد اختصصته لنفسي.

و عليك بخويصّة نفسك.

و هو يستخصّ فلانا و يستخلصه.

و نظرن من خصاص البيوت.

و بدا القمر من خصاصة الغيم.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:أصابته خصاصة:خلّة.

و اختصّ الرّجل:اختلّ،أي افتقر.

و سددت خصاصة فلان:جبرت فقره.

و سمعت أهل السّراة يقولون:رفع اللّه خصّتك.

(أساس البلاغة:112)

[و في حديث]«...و خويصّة أحدكم...»

الخويصّة:تصغير الخاصّة بسكون الياء،لأنّ ياء التّصغير لا تكون إلاّ ساكنة،و مثله أصيمّ،و مذيقّ في تصغير أصمّ و مذقّ،و الّذي جوّز فيها و في نظائرها التقاء السّاكنين،أنّ الأوّل حرف لين،و الثّاني مدغم.

و المراد حادثة الموت الّتي تخصّ المرء،و صغّرت لاستصغارها في جنب سائر الحوادث العظام،من البعث او الحساب و غير ذلك.(الفائق 1:375)

المدينيّ: في الحديث:«...و هو يصلح خصّا له».

الخصّ:بيت يسقّف بخشب مثل الأزج؛و جمعه:

خصاص.

و منه الحديث:«إنّ أعرابيّا أتى باب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فألقم عينيه خصاصة الباب»أي فرجته.(1:584)

ابن الأثير: و في حديث فضالة:«كان يخرّ رجال من قامتهم في الصّلاة من الخصاصة»أي الجوع و الضّعف.و أصلها:الفقر و الحاجة إلى الشّيء.

و فيه:«...و خويصّة أحدكم»[ثمّ ذكر في تصغيرها نحو الزّمخشريّ و قال:]

و منه حديث أمّ سليم:«و خويصّتك أنس...»أي الّذي يختصّ بخدمتك،و صغرته لصغر سنّه يومئذ.

(2:37)

الصّغانيّ: و يقال:له به خصّيّة،أي اختصاص.

و حانوت الخمّار يسمّى:خصّا و إن لم يكن من قصب.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان مخصّ بفلان،أي خاصّ به.

و تخصّص فلان بالأمر،أي اختصّ به.

خصّص الغلام:أخذ قصبة فجعل فيها نارا يلوّح بها لاعبا.

و الخصاصة:العطش و الجوع.

و الخصّيصاء:الخصّيصى.(4:5)

الفيّوميّ: الخصّ:البيت من القصب،و الجمع:

أخصاص،مثل:قفل و أقفال.

و الخصاصة بالفتح:الفقر و الحاجة.

و خصصته بكذا أخصّه خصوصا من باب«قعد»، و خصوصيّة بالفتح و الضّمّ لغة:إذا جعلته له دون غيره.

و خصّصته بالتّثقيل مبالغة.و اختصصته به

ص: 178

فاختصّ هو به و تخصّص.

و خصّ الشّيء خصوصا،من باب«قعد»خلاف عمّ،فهو خاصّ.و اختصّ مثله.

و الخاصّة خلاف العامّة،و الهاء للتّأكيد.(1:171)

الجرجانيّ: التّخصيص،هو قصر العامّ على بعض منه،بدليل مستقلّ مقترن به.و احترز ب«المستقلّ»عن الاستثناء،و الشّرط،و الغاية،و الصّفة،فإنّها و إن لحقت العامّ،لا يسمّى مخصوصا،و بقوله:«مقترن»عن النّسخ،نحو:خالق كلّ شيء،إذ يعلم ضرورة أنّ اللّه تعالى مخصوص منه[به].

تخصيص العلّة،هو تخلّف الحكم عن الوصف المدّعى عليه في بعض الصّور لمانع،فيقال:الاستحسان ليس من باب خصوص العلل،يعني ليس بدليل مخصّص للقياس،بل عدم حكم القياس لعدم العلّة.

التّخصيص عند النّحاة:عبارة عن تقليل الاشتراك الحاصل في النّكرات،نحو:رجل عالم.(24)

الخاصّة:كلّيّة مقولة على أفراد حقيقة واحدة فقط قولا عرضيّا،سواء وجد في جميع أفراده،كالكاتب بالقوّة،بالنّسبة إلى الإنسان،أو في بعض أفراده، كالكاتب بالفعل،بالنّسبة إليه،فالكلّيّة مستدركة.

و قولنا:«فقط»يخرج الجنس و العرض العامّ، لأنّهما مقولان على حقائق.و قولنا:«قولا عرضيّا»يخرج النّوع و الفصل،لأنّ قولهما على ما تحتهما ذاتي لا عرضيّ.

خاصّة الشّيء:ما لا يوجد بدون الشّيء،و الشّيء قد يوجد بدونها،مثلا:«الألف و اللاّم»لا يوجدان بدون اسم،و الاسم يوجد بدونهما،كما في زيد.

الخاصّ:هو كلّ لفظ وضع لمعنى معلوم على الانفراد.

المراد ب«المعنى»ما وضع له اللّفظ عينا كان أو عرضا،و ب«الانفراد»اختصاص اللّفظ بذلك المعنى.و إنّما قيّده بالانفراد ليتميّز عن المشترك.(42)

الخصوص:أحديّة كلّ شيء عن كلّ شيء بتعيّنه، فلكلّ شيء وحدة تخصّه.

الخاصّ:عبارة عن التّفرّد،يقال:فلان خصّ بكذا، أي أفرد به و لا شركة للغير فيه.(44)

الفيروزآباديّ: خصّه بالشّيء خصّا و خصوصا و خصوصيّة،و يفتح،و خصّيصى،و يمدّ،و خصّيّة، و تخصّة:فضّله.و خصّه بالودّ:كذلك.

و الخاصّ و الخاصّة:ضدّ العامّة.

و الخصّان،بالكسر و الضّمّ:الخواصّ.

و الخويصّة:تصغير الخاصّة،ياؤها ساكنة،لأنّ ياء التّصغير لا تتحرّك.

و الخصاص و الخصاصة و الخصاصاء،بفتحهنّ:

الفقر؛و قد خصصت،بالكسر،و الخلل،أو كلّ خلل و خرق في باب،و منخل،و برقع و نحوه،أو الثّقب الصّغير،و الفرج بين الأثافيّ.

و الخصاصة،بالضّمّ:ما يبقى في الكرم بعد قطافه، و النّبذ اليسير جمعها:خصاص.

و الخصّ،بالضّمّ:البيت من القصب،أو البيت يسقّف بخشبة كالأزج؛جمعه:خصاص و خصوص، و حانوت الخمّار و إن لم يكن من قصب،و جيّد الخمر.

ص: 179

و بالكسر:النّاقص.

و الإخصاص:الإزراء.

و خصّى،كربّى:قرية كبيرة ببغداد في طرف دجيل...

و التّخصيص:ضدّ التّعميم،و أخذ الغلام قصبة فيها نار،يلوّح بها لاعبا.

و اختصّه بالشّيء:خصّه به،فاختصّ و تخصّص، لازم متعدّ.(2:312)

الطّريحيّ: [نحو الجوهريّ في بعض كلماته،ثمّ أضاف:]

[في حديث:]و«محمّد حبيبك و خاصّتك»أي اختصصته من سائر خلقك.

و الخصّ،بالضّمّ و التّشديد:البيت من القصب؛ و الجمع:أخصاص،مثل قفل و أقفال.

و منه الحديث:«الخصّ لمن إليه القمط»يعني شدّ الحبل.(4:167)

مجمع اللّغة :خصّ فلانا بالشّيء يخصّه خصّا:

أفرده به دون غيره،و مثله:اختصّه به اختصاصا.

و خاصّة:ضدّ عامّة.

و خصّ يخصّ خصاصة:افتقر.(1:338)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خصّ فلانا بالشّيء:أفرده به دون غيره،و أعطاه عطاء كثيرا.

و خصّه بالودّ أو اختصّه به:أحبّه دون غيره.

و خصّص الشّيء ضدّ عمّمه فهو خاصّ،و هي خاصّة.

و خصّ خصاصة:افتقر،و الخصاصة:شدّة الفقر و الحاجة إلى الشّيء.

و اختصّ بالشّيء:انفرد به.(1:164)

العدنانيّ: أمور مخصوصة بالدّرس،لا خاصّة به.

و يقولون:عندنا أمور كثيرة خاصّة بالدّرس، و الصّواب:مخصوصة بالدّرس،لأنّنا نحن الّذين نخصّها بدراسة عناصرها عنصرا بعد آخر،و ليست هي الّتي تخصّ نفسها بالدّراسة و البحث و التّقويم.

ياسر إخصائيّ في الذّرّة،أو متخصّص فيها، أو مختصّ فيها.

و يقولون:ياسر أخصّائيّ في الذّرّة،و الصّواب:

ياسر إخصائيّ فيها؛إذ جاء في المتن:أخصى الرّجل:

تعلّم علما واحدا،مجاز.و هذا ما قاله الصّاغانيّ، و الفيروزآباديّ،و الزّبيديّ،و المدّ.

و مصدر أخصى هو إخصاء،و النّسبة إلى المصدر لا نزاع فيها.

و نستطيع أن نأتي باسم الفاعل من الفعل «أخصى»و نقول:هو مخص.و لكنّ كلمة«إخصائيّ» أحسن وقعا في السّمع،و لا تفسح مجالا للالتباس.

و يجوز أن نقول:هو متخصّص في كذا؛إذ جاء في الوسيط:تخصّص في علم كذا:قصر عليه بحثه،و انفرد به.و نستطيع أن نقول أيضا:هو مختصّ بكذا،لأنّ معنى اختصّ بالشّيء:انفرد به.

فعلت هذا خاصّا بك.

و يقولون:فعلت هذا خصيصا لك،و الصّواب:

خاصّا بك،أو خصّيصى،أو خصّا،أو خصوصا.

و قد أخطأ أبو الرّقعمق في استعماله:خصيصا.

ص: 180

[و جاء بشعره](191)

خصّص زوجه بالبيت.

و يقولون:خصّص فلان البيت لزوجه.و الصّواب :خصّص زوجه بالبيت تخصيصا،أي أفردها به.و مثله:

خصّ زوجه بالبيت خصّا،و خصوصا،و خصوصا، و خصوصيّة،و خصوصيّة،و خصوصة و خصّيصى، و خصّيصاء،و خصّيّة،و خصّيّة،و خصّيّة،و تخصّة.

لا شأن له به،و ليس لا يختصّ به!

و يقولون:هذا الأمر لا يختصّ به.و الصّواب:

لا صلة له بهذا الأمر،أو لا شأن له به،أو هذا الأمر ليس من شأنه.

فالعرب تخصّ الشّخص بالأمر،لا الأمر بالشّخص.

أمّا المعاجم فتقول عن الفعل-خصّ-:خصّه بالشّيء،و خصّصه،و اختصّه،أخصّه فتخصّص به و اختصّ،أي فضّله على غيره فانفرد به.و منه قوله تعالى: وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ البقرة:

105.

و يقول لسان العرب:اختصّ فلان بالأمر، و تخصّص له،إذا انفرد.(معجم الأخطاء الشّائعة:78)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الانتساب إلى شيء و التّفرّد به دون غيره، يقال-كما في اللّسان-:خصّه بالشّيء يخصّه خصّا، و خصوصا،و خصوصيّة،و خصوصيّة،و الفتح أفصح، و خصّيصى،و خصّصه،و اختصّه:أفرده به دون غيره.

و أمّا مفهوم الحاجة و الفقر و الخلّة،فمن لوازم ذلك الأصل،و بمناسبة الحالة المخصوصة،و بلحاظ خصوصيّة في جريان أمور تعيّشه،خارجا عن الجريان العاديّ و المجرى العموميّ الطّبيعيّ،و تلك هي حالة المضيقة و الفقر.

و أمّا الفرجة و الثّلمة،فالمراد كلّ مورد من التّفاريج يوجب تلك الحالة الخاصّة في ذي الفرجة، أو ينشأ من تلك الحالة،كالخلل الموجود في باب أو منخل أو غيرهما،فلا يطلق على كلّ فرجة لفظ الخصاص،بل على خلّة أو خرقة تلازم الخصاصة.

[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

فظهر أنّ إطلاق«الخصّ»على البيت،من قصب أو نحوه:باعتبار خصاصته،و كونه مخصوصا و محقّرا، و مبنيّا لرفع الحاجة الشّخصيّة.و لا يبعد أن يكون على وزن«صلب»صفة مشبّهة.(3:67)

النّصوص التّفسيريّة

خاصّة

وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً...

الأنفال:25

ابن عبّاس: ...و لكن تصيب الظّالم و المظلوم.

(147)

نحوه أكثر التّفاسير.

أمر اللّه المؤمنين أن لا يقرّوا المنكر بين أظهرهم، فيعمّهم اللّه بالعذاب.(الطّبريّ 6:217)

الطّوسيّ: معناه أنّها تعمّ،لأنّ الهرج إذا وقع،دخل ضرره على كلّ أحد.و يجوز أن يقال:يخصّ الظّالم،

ص: 181

و لا يعتدّ بما وقع بغيره للعوض الّذي يصل إليه.و يحتمل أن يكون أراد أنّ هذه العقوبة على فتنتكم لا تختصّ بالظّالمين منكم،بل كلّ ظالم منكم-كان أو من غيركم-فستصيبه عقوبة ظلمه و فسقه و فتنته.

و أراد بذلك تحذير النّاس كلّهم،و أنّهم سواء في المعصية،و ما توجبه من العقوبة ليكون الزّجر عامّا.

(5:121)

ابن عطيّة: خَاصَّةً نعت لمصدر محذوف، تقديره:إصابة خاصّة،فهي نصب على الحال لما انحذف المصدر من الضّمير في تُصِيبَنَّ، و هذا الفعل هو العامل.

و يحتمل أن تكون خَاصَّةً حالا من الضّمير في ظَلَمُوا و لا يحتاج إلى تقدير مصدر محذوف، و الأوّل أمكن في المعنى.(2:516)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة إلاّ أنّه قال:]

و يحتمل أن يكون حالا من اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أي مخصوصين بها،بل تعمّهم و غيرهم.[ثمّ ذكر الاحتمال الثّاني من ابن عطيّة و قال:]

و لا أتعقّل هذا الوجه.(4:485)

لاحظ ص و ب:«لا تصيبنّ»

خصاصة

وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ...

الحشر:9

[وردت في هذه الآية روايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،راجع«البرهان 9:461»].

ابن عبّاس: فقر و حاجة.(464)

مثله زيد بن عليّ(413)،و الكاشانيّ(5:157).

مجاهد :فاقة.(2:664)

مثله ابن جزيّ.(4:109)

الطّبريّ: حاجة و فاقة إلى ما آثروا به من أموالهم على أنفسهم.(12:41)

نحوه الماورديّ(5:506)،و البغويّ(5:58)، و الشّربينيّ(4:247)،و عزّة دروزة(8:216).

الجصّاص :الخصاصة:الحاجة،فأثنى اللّه عليهم بإيثارهم المهاجرين على أنفسهم فيما ينفقونه عليهم، و إن كانوا هم محتاجين إليه.(3:580)

الثّعلبيّ: فاقة و حاجة إلى ما هو يزول.(9:278)

الطّوسيّ: يعني حاجة.و الخصاصة:الّتي يختلّ بها الحال.(9:566)

القشيريّ: حاجة أو اختلال أحوال.(6:129)

الواحديّ: فقر و حاجة.بيّن اللّه تعالى أنّ إيثارهم لم يكن عن غنى و عن مال،و لكن كان حاجة،و كان ذلك أعظم لأجرهم.(4:273)

مثله الطّبرسيّ(5:262)،و نحوه ابن الجوزيّ(8:

213)،و الفخر الرّازيّ(29:278).

الزّمخشريّ: أي خلّة،و أصلها:خصاص البيت و هي فروجه،و الجملة في موضع الحال،أي مفروضة خصاصتهم.(4:84)

نحوه النّسفيّ(4:53)،و النّيسابوريّ(28:32)، و أبو السّعود(6:228)،و البروسويّ(9:433)، و الآلوسيّ(28:53)،و فريد وجدي(731).

ص: 182

ابن عطيّة:الخصاصة:الفاقة و الحاجة،و هو مأخوذ من خصاص البيت،و هو ما يبقى بين عيدانه من الفرج و الفتوح،فكأنّ حال الفقير هي كذلك يتخلّلها النّقص و الاحتياج.(5:288)

نحوه أبو حيّان(8:247)،و المراغيّ(28:41).

ابن عربيّ: ...فتقديمهم أصحابهم على أنفسهم لمكان الفتوّة،و كمال المروءة،و لقوّة التّوحيد، و الاحتراز عن حظّ النّفس،و خوف الرّجوع إلى المطالب الجزئيّة،بعد وجدان الذّوق من المطالب الكلّيّة.(2:622)

البيضاويّ: حاجة،من خصاص البناء و هي فرجه.(2:466)

السّمين:الحاجة،و أصلها:من خصاص البيت:

فروجه.و حال الفقير يتخلّلها النّقص،فاستعير لها ذلك.(6:296)

ابن كثير :يعني حاجة،أي يقدّمون المحاويج على حاجة أنفسهم و يبدءون بالنّاس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك.(6:607)

الشّوكانيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:إنّ الخصاصة مأخوذة من الاختصاص، و هو الانفراد بالأمر،فالخصاصة:الانفراد بالحاجة.[ثمّ استشهد بشعر](5:274)

سيّد قطب :و الإيثار على النّفس مع الحاجة قمّة عليا.و قد بلغ إليها الأنصار بما لم تشهد البشريّة له نظيرا.و كانوا كذلك في كلّ مرّة و في كلّ حالة بصورة خارقة لمألوف البشر قديما و حديثا.(6:3526)

مغنيّة:الإيثار على النّفس مع الحاجة لا يعادله شيء إلاّ التّضحية بالنّفس.(7:290)

الطّباطبائيّ: و المعنى و يقدّمون المهاجرين على أنفسهم و لو كان بهم فقر و حاجة،و هذه الخصيصة أغزر و أبلغ في مدحهم من الخصيصة السّابقة.فالكلام في معنى الإضراب،كأنّه قيل:إنّهم لا يطمحون النّظر فيما بأيدي المهاجرين،بل يقدّمونهم على أنفسهم فيما بأيديهم أنفسهم.في عين الفقر و الحاجة.(19:206)

ابن عاشور :جملة وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ في موضع الحال،و(لو)وصليّة،و هي الّتي تدلّ على مجرّد تعليق جوابها بشرط يفيد حالة لا يظنّ حصول الجواب عند حصولها،و التّقدير:لو كان بهم خصاصة لآثروا على أنفسهم،فيعلم أنّ إيثارهم في الأحوال الّتي دون ذلك بالأحرى دون إفادة الامتناع.و قد بيّنّا ذلك عند قوله تعالى: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَ لَوِ افْتَدى بِهِ آل عمران:91.

و الخصاصة:شدّة الاحتياج.(28:84)

عبد الكريم الخطيب :الخصاصة:الحاجة، و الفقر الّذي يعجز الإنسان عن إدراك الضّروريّ من مطالب الحياة.

أي إنّ هؤلاء الأنصار من طبيعتهم السّماحة و البذل،و إيثار إخوانهم المهاجرين على أنفسهم، و النّزول لهم عن الطّيّب الأكثر ممّا في أيديهم،مع حاجتهم إليه.و هذا هو الفضل على تمامه و كماله؛ حيث يجيء عن حاجة،و لا يجيء عن غنى و سعة.

و إذن فهم لا يجدون في صدورهم حاجة من

ص: 183

الحسد لما أصاب إخوانهم من خير،بل إنّهم ليجدون في هذا سعادة و رضى لهم.فإنّ النّفوس الطّيّبة الكريمة ليسعدها أن تجد الخير يغمر الحياة،و يعمر البيوت،و يشيع في النّاس الغبطة و الرّضا.أمّا النّفوس اللّئيمة الخبيثة،فإنّه يزعجها و يسوؤها أن ترى خيرا يصيب أيّ أحد من النّاس،و لو كان من أقرب المقرّبين إليها.

(14:861)

المصطفويّ: أي و لو كانت فيهم حالة مخصوصة منفردة بها من غيرهم،و من الّذين يؤثرونهم.

و لا يخفى ما في التّعبير بالخصاصة-دون الفقر و المضيقة و الحاجة و غيرها-من اللّطف،فإنّ الخصاصة لأبلغ منها و ألطف و أحكم و أشمل.(3:67)

فضل اللّه :فهم يتنازعون عن حاجتهم الشّخصيّة لحساب حاجات المهاجرين؛بحيث يعيشون الحرمان في سبيل إيجاد حالة من الاكتفاء لإخوانهم.و هذه هي القمّة العليا في القيمة الرّوحيّة في البذل و العطاء.

(22:115)

يختصّ

1- ...وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. البقرة:105

الإمام عليّ عليه السّلام: بِرَحْمَتِهِ :إنّه أراد النّبوّة.

(الطّوسيّ 1:391)

مثله مجاهد.(الشّربينيّ 1:84)

ابن عبّاس: يختار لدينه و النّبوّة و الإسلام و الكتاب.(16)

الطّبريّ: و اللّه يختصّ من يشاء بنبوّته و رسالته، فيرسله إلى من يشاء من خلقه،فيتفضّل بالإيمان على من أحبّ فيهديه له.و اختصاصه إيّاهم بها:إفرادهم بها دون غيرهم من خلقه.

و إنّما جعل اللّه رسالته إلى من أرسل إليه من خلقه،و هدايته من هدى من عباده،رحمة منه له، ليصيّره بها إلى رضاه و محبّته،و فوزه بها بالجنّة، و استحقاقه بها ثناءه.و كلّ ذلك رحمة من اللّه له.

(1:520)

الزّجّاج: أي يختصّ بنبوّته من يشاء من[عباده].

أخبر عزّ و جلّ أنّه مختار.(1:189)

الثّعلبيّ: و الاختصاص أوكد من الخصوص،لأنّ الاختصاص لنفسك،و الخصوص لغيرك.(1:253)

الطّوسيّ: روي عن عليّ عليه السّلام و أبي جعفر الباقر عليه السّلام:أنّه أراد النّبوّة.و به قال الحسن،و أبو عليّ، و الرّمّانيّ،و البلخيّ،و غيرهم من المفسّرين.و قال:

(يختص بها من يشاء من عباده.)و روي عن ابن عبّاس:أنّه أراد دين الإسلام.و هذا بعيد،لأنّه تعالى وصف ذلك بالإنزال،و ذلك لا يليق إلاّ بالنّبوّة.

(1:391)

الواحديّ: يقال:خصّه بالشّيء و اختصّه به،إذا أفرده به دون غيره.(1:187)

الزّمخشريّ: وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بالنّبوّة مَنْ يَشاءُ و لا يشاء إلاّ ما تقتضيه الحكمة.(1:303)

نحوه النّسفيّ.(1:62)

البيضاويّ: و يستنبئه و يعلّمه الحكمة و ينصره،

ص: 184

لا يجب عليه شيء،و ليس لأحد عليه حقّ.(1:75)

أبو السّعود : وَ اللّهُ يَخْتَصُّ... جملة ابتدائيّة سيقت لتقرير ما سبق من تنزيل الخير و التّنبيه على حكمته،و إرغام الكارهين له.

و المراد بِرَحْمَتِهِ الوحي كما في قوله سبحانه: أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ الزّخرف:32، عبّر عنه باعتبار نزوله على المؤمنين بالخير.و باعتبار إضافته إليه تعالى بالرّحمة قال عليّ رضي اللّه عنه:

بنبوّته،خصّ بها محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم.فالفعل متعدّ،و صيغته «الافتعال»للإنباء عن الاصطفاء و إيثاره على التّنزيل المناسب للسّياق،الموافق لقوله تعالى: أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ البقرة:90،لزيادة تشريفه صلّى اللّه عليه و سلّم،و إقناطهم ممّا علّقوا به أطماعهم الفارغة.

و الباء داخلة على المقصور،أي يؤتي رحمته مَنْ يَشاءُ من عباده،و يجعلها مقصورة عليه، لاستحقاقه الذّاتيّ الفائض عليه بحسب إرادته عزّ و علا،تفضّلا،لا تتعدّاه إلى غيره.

و قيل:الفعل لازم،و(من)فاعله،و الضّمير العائد إلى(من)محذوف على التّقديرين.(1:179)

البروسويّ: [مثل الواحديّ و أضاف:]

و مفعول مَنْ يَشاءُ محذوف.و«الرّحمة»:النّبوّة، و الوحي،و الحكمة،و النّصرة.[ثمّ قال في معنى الجملة نحو أبي السّعود و أضاف:]

لا تتعدّاه إلى غيره،لا يجب عليه شيء،و ليس لأحد عليه حقّ.

و ما وقع في عبارة مشايخنا في حقّ بعض الأشياء:

«إنّه واجب في الحكمة»يعنون به أنّه ثابت متحقّق لا محالة في الوجود،لا يتصوّر أن لا يكون،لا أنّه يجب ذلك بإيجاب موجب.(1:199)

الآلوسيّ: وَ اللّهُ يَخْتَصُّ... جملة ابتدائيّة سيقت لتقرير ما سبق من تنزيل الخير،و التّنبيه على حكمته و إرغام الكارهين له.و المراد من«الرّحمة» ذلك الخير،إلاّ أنّه عبّر عنه بها اعتناء به،و تعظيما لشأنه.

و معنى اختصاص ذلك على القول الأوّل ظاهر، و لذا اختاره من اختاره،و على الأخير انفراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين بمجموعه،و عدم شركة أولئك الكارهين فيه،و عروّهم عن ترتّب آثاره.

و قيل:المراد من الآية:دفع الاعتراض الّذي يشير إليه الحسد بأنّ من له أن يخصّ لا يعترض عليه إذا عمّ.

و في إقامة لفظ(اللّه)مقام ضمير(ربّكم)تنبيه على أنّ تخصيص بعض النّاس بالخير دون بعض يلائم الألوهيّة،كما أنّ إنزال الخير على العموم يناسب الرّبوبيّة.

و الباء داخلة على المقصور أي يؤتي رحمته، و(من)مفعول،و قيل:الفعل لازم و(من)فاعل،و على التّقديرين العائد محذوف.(1:350)

فضل اللّه :فهو يملك العطاء و المنع،و هو يعلم مصالح عباده في ما يعطيهم،أو يمنعهم،و يطّلع على خصائص أوضاعهم الدّاخليّة و الخارجيّة،فيصطفي من رسله من يشاء،و ينزل رسالته على من يشاء، تفضّلا منه و كرما،في خطّ الحكمة الإلهيّة الّتي يختصّ

ص: 185

بها عباده.(2:154)

2- يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. آل عمران:74

مثل ما قبلها.و لإكمال البحوث في هاتين الآيتين راجع:ر ح م:«برحمته»و،ف ض ل:«الفضل» و،خ ي ر:«الخير»و كذلك موادّ:«ص ف ي»، و«ج ب ي»،و«خ ل ص».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخصاص،و هو شبه كوّة في قبّة أو نحوها إذا كان واسعا قدر الوجه،ثمّ جعل للواسع و الضّيّق من الخروق و الخلال،فسمّيت الفرج بين الأثافيّ و الأصابع و بين قذذ السّهم:خصاصا، و منه:خصاص المنخل و الباب و البرقع و غيرها:

خللها،و كذلك كلّ خلل و خرق يكون في السّحاب؛ واحدته:خصاصة،و جمعه:خصاصات.يقال:بدا القمر من خصاصة الغيم.

و الخصّ:بيت من شجر أو قصب؛و الجمع:

أخصاص،و خصاص،سمّي بذلك،لأنّه يرى ما فيه من خصاصة،أي فرجة،و الخصّ أيضا:بيت الخمّار، لأنّه كان في الأصل من شجر أو قصب على الأظهر،أو كان تحت ستار واحد و غير ظاهر للنّاس.

و الخصاصة:ما يبقى في الكرم بعد قطافه،و هو النّبذ القليل؛و الجمع:خصاص،تشبيها بالخصاص.

و الخصاصة:عدم الرّواء و الشّبع.يقال:صدرت الإبل و بها خصاصة،إذا لم ترو،و صدرت بعطشها.

و كذلك الرّجل إذا لم يشبع من الطّعام،و هي الفرجة و الخلّة.

و الخصاصة و الخصاص و الخصاصاء:الفقر و سوء الحال و الخلّة و الحاجة،و ذو و الخصاصة:ذو و الخلّة و الفقر،و هو من هذا الباب،لأنّ الشّيء إذا انفرج و هى و اختلّ.

و منه:الخصوص:ضدّ العموم،لأنّه-كما قال ابن فارس-إذا أفرد واحد فقد أوقع فرجة بينه و بين غيره؛و الاسم:الخصوصيّة و الخصوصيّة و الخصّيّة و الخصّيصى.يقال:خصّه بالشّيء يخصّه خصّا، و خصوصا،و خصّصه،أي أفرده به دون غيره.

و اختصّ فلان بالأمر و تخصّص له:انفرد،و فلان مخصّ بفلان:خاصّ به،و له به خصّيّة،و فعلت ذلك بك خصّيّة و خاصّة،و خصوصيّة و خصوصيّة.

و الخاصّة:خلاف العامّة،و من تخصّه لنفسك، و هو الخصّان،و الخصّان.يقال:إنّما يفعل هذا خصّان النّاس،أي خواصّ منهم.

2-و شهر خصّ:ناقص،و هو القياس،لأنّ النّقص فرجة و خلّة.و اشتقّ أهل المغرب منه فعلا،يقولون:

خصّ،يريدون نقص و أعوز،و يسمّى البربر النّافورة «خصّة»،و جاء في كتاب«تاريخ البربر»لفظ الخصّاص بمعنى ساكن الخصّ. (1)

ص: 186


1- تاريخ البربر(1:150)و(2:38).

الاستعمال القرآنيّ

جاء من«المجرّد»لفظان:(خاصّة)و(خصاصة) كلّ واحد مرّة،و من«الافتعال»لفظ واحد:(يختصّ) مرّتين،في 4 آيات:

1- وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. البقرة:105

2- يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ آل عمران:74

3- وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ الأنفال:25

4- ..وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ... الحشر:9

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه المادّة جاءت في ثلاثة محاور:

الأوّل:الاختصاص بمعنى الاختيار،كما في(1):

وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ، و(2): يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ، و فيه بحوث:

1-استعمل«الاختصاص»في الآيتين-كما يشعر به السّياق-في رسالة النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله فقط،كما استعمل «الاختيار»في مورد موسى عليه السّلام وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى طه:13،و في قومه: وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ الدّخان:32.

و«الإخلاص»في يوسف عليه السّلام: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:24،و في إبراهيم و بنيه: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ ص:45،و في موسى: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا مريم:51،و في عباد اللّه في جملة من الآيات.

و«الاصطفاء»في موسى عليه السّلام: قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي الأعراف:144،و في إبراهيم و في ذرّيّته و في آدم و نوح: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا البقرة:130، وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ* إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ* وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ ص:45-47، إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ آل عمران:33،و في مريم أيضا: وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ آل عمران:42.

و«الاجتباء»تسع مرّات في اختيار الأنبياء للرّسالة،و هذه الأمّة لدعوتها إلى الإسلام.لاحظ ج ب ي:«اجتبى».

2-المراد بالرّحمة فيهما بشهادة السّياق،الوحي و النّبوّة،و هي رحمة و أيّ رحمة،كما قال: أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ الزّخرف:32.

3-ختمت الآيتان بقوله: وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ تأكيدا لما تقدّم،أي اختصاص النّبيّ بالرّحمة، أي النّبوّة،كما ذكر أغلب المفسّرين.و كذا جاء في أربع سور مدنيّة أيضا:الأنفال:29،و الحديد:21 و 29، و الجمعة:4،و كلّها تعني النّبوّة على الأرجح،انظر «ف ض ل».

4-عدّت النّبوّة فضلا عظيما من اللّه،لأنّها خير

ص: 187

للنّاس عامّة يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ النّساء:170،و كسب علم النّبيّ و قومه معا تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا هود:49،و منّة منه تعالى على المؤمنين خاصّة لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ آل عمران:164.

5-فعل يَخْتَصُّ متعدّ و مفعوله مَنْ يَشاءُ، و الباء في بِرَحْمَتِهِ داخلة على المقصور،و هو بمنزلة المفعول الأوّل للفعل،أي يؤتي رحمته من يشاء من عباده،و يجعلها مقصورة عليه،لاستحقاقه الذّاتيّ الفائض عليه بحسب إرادته عزّ و جلّ،تفضّلا،لا تتعدّاه إلى غيره.لا يجب عليه شيء،و ليس لأحد عليه-أي على اللّه-حقّ.

و قيل:الفعل لازم،و(من)فاعله،و الضّمير العائد إلى(من)-و هو مفعول يَشاءُ -محذوف،أي إنّ اللّه يختصّ من يشاؤه برحمته،و هذا الوجه في(2)أظهر، و الوجه الأوّل أظهر في(1)،و إن اقتضت وحدة السّياق وجها واحدا فيهما،فلاحظ.

6-هذا ما يعمّ الآيتين من البحوث،و يخصّ الأولى أمور نبّه عليها أبو السّعود و غيره بزيادة منّا:

منها:أنّها جملة مستأنفة سيقت لتقرير ما جاء في صدر الآية من تنزيل الخير: ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، و تنبيه على حكمته و إرغام الكارهين له.

و منها:أنّ المراد برحمته:نفس ذلك الخير،و عبّر عنه باعتبار نزوله على المؤمنين ب«الخير»،و باعتبار إضافته إليه تعالى ب«الرّحمة»،اعتناء به و تعظيما لشأنه.

و قيل:إنّ الخير أعمّ من الرّحمة؛حيث يشمل أنواع الخير كلّها،و يعمّ النّاس جميعا،لكنّ الرّحمة- و هي الوحي و النّبوّة-خاصّة بالنّبيّ عليه السّلام.و هو الأظهر و الموافق لما يأتي.

و منها:أنّ إيثار«الاختصاص»على«التّنزيل» المناسب لما قبله أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ و لقوله:

أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ البقرة:90، و بعبارة أخرى جاء فيها تنزيل الخير،و اختصاص الرّحمة،لزيادة تشريف للنّبيّ عليه السّلام،و لمزيد إقناطهم ممّا علّقوا به أطماعهم الفارغة من إطفاء نور الإسلام.

و منها:أنّ إقامة لفظ(اللّه)في وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ، مقام(ربّكم)في مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ، بدل ،للاكتفاء بضمير الفاعل المقدّر في يَخْتَصُّ الرّاجع إلى(ربّكم)،و بعبارة أخرى نسبة«التّنزيل»إلى «ربّكم»،و«الاختصاص»إلى«اللّه»تنبيه على أنّ تخصيص بعض النّاس بالخير و الرّحمة دون بعض يلائم الألوهيّة،كما أنّ إنزال الخير على العموم يناسب الرّبوبيّة،فاللّه بربوبيّته يعمّ الخير للنّاس،بل للعالمين جميعا،و بألوهيّته يخصّ بعض النّاس-و هم الأنبياء عليهم السّلام-برحمة النّبوّة و الوحي.

و منها:أنّ الخطاب فيها يعمّ أهل الكتاب و المشركين،كما قال: ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ

ص: 188

اَلْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ.

7-و أمّا ما يختصّ ب(2)فأمور أيضا:

منها:أنّها خاصّة بأهل الكتاب،كما تشهد به الآيات قبلها ابتداء من: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ... آل عمران:64،و قد كرّر هذا الخطاب فيما بعدها من الآيات أيضا،إلى أن قال:

في 72: وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ...، إلى أن قال:في 73 و 74: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ* يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

و منها:الظّاهر أنّ المراد ب(الفضل)في هاتين الآيتين واحد،و هو الوحي و النّبوّة.و قيل:الأوّل عامّ لكلّ خير،و يشهد به: وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.

و قد رجّحنا في(1)أنّ الخير عامّ للنّاس جميعا، و«الرّحمة»خاصّ بالنّبيّ و غيره من الرّسل،و هي الوحي و النّبوّة،و يشهد به ما قبله: وَ لا تُؤْمِنُوا إِلاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللّهِ....

و منها:أنّه عبّر في هذه الآيات الأخيرة مرّتين ب (الهدى): إِنَّ الْهُدى هُدَى اللّهِ و مرّتين ب (الفضل): أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ، وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ و مرّة ب«الرّحمة»،مع أنّه عبّر في(1)مرّة ب «الخير»،و مرّة ب«الرّحمة»،و مرّة ب(الفضل)،و للّه في كلامه الخيار،و كلّه حقّ و صواب،و لكلّ سرّ و حكمة و صلاح.

المحور الثّاني:الخصوص:نقيض العموم في(3) وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، و فيه بحوث:

1-قرن بعضهم معنى العموم بعد الخصوص في الإصابة بالفتنة،أي إنّها تعمّ الظّالم و المظلوم،و هو قول ابن عبّاس،و خصّها بعض بالظّالم دون غيره،و هو قول يعزى إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،لأنّه قرأ (لتصيبنّ) باللاّم.

و لعلّ القول الثّاني أقرب لسببين:

الأوّل:أنّ القول الأوّل يحتاج إلى تقدير معنيين:

أ-الشّرط،و التّقدير:إن تتّقوا لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّة.

ب-العطف،و التّقدير:و اتّقوا فتنة و لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّة،فهو نهي بعد أمر.

الثّاني:أنّ الغرض منع النّاس من الظّلم،كما يلحظ ذلك في جميع المواضع،و على هذا تكون«لا»زائدة كزيادتها في قوله: ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي طه:92 و 93.

2-ابتدأت الآية بأمر(و اتقوا)،و انتهت بأمر (و اعلموا)،و الأوّل تحذير من الفتنة،و الثّاني تهديد بالعقاب الشّديد،غير أنّ التّحذير قيّد ب خَاصَّةً، و التّهديد أطلق ب شَدِيدُ الْعِقابِ دون تقييد بشيء، فمن ذهب إلى أنّ الفتنة تصيب الظّالم دون المظلوم، اكتفى بالأوّل،أي صدر الآية،و من ذهب إلى أنّها تصيبهما معا،أخذ بهما معا،أي صدر الآية و ذيلها.

3-اختلفوا في إعراب خَاصَّةً على ثلاثة أقوال:

أ-حال من فاعل تُصِيبَنَّ، أي هي العائد على

ص: 189

(فتنة)،فهي مختصّة بهم.

ب-حال من الضّمير في ظَلَمُوا، أي«هم»، فهم مختصّين بإصابة الفتنة.

ج-نعت لمفعول مطلق محذوف،و تقديره:لا تصيبنّ إصابة خاصّة،فهي نصب على المصدريّة أو الحال.

و الثّاني هو الأقرب،لعدم التّقدير فيه،و لقرب الحال من صاحبها من غير أن يفصل بينهما فاصل.

المحور الثّالث:الخصاصة بمعنى الفقر و الحاجة في (4): وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ و قد نزلت في مدح الأنصار،كما هو صريح صدرها: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ...

و ما قبلها وصف للمهاجرين: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ... و الآيتان أبلغ مدح للأنصار و المهاجرين،بما فيهم من الوداد و الإيثار لاحظ:ن ص ر:«الأنصار»،و،ه ج ر:«المهاجرين».

و فيه بحوث:

1-استعمل هذا المعنى-أي الفاقة و الحاجة-في وصف جماعات مختلفة،و خصّت كلّ جماعة بلفظ منه دون غيرها.فقد استعمل لفظ«الخصاصة»في الأنصار ،و«المتربة»في المسكين تأكيدا لفقره: أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ البلد:16،و«العائل»في النّبيّ خاصّة:

وَ وَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى الضّحى:8،و«العيلة»في المؤمنين عامّة: وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ التّوبة:28،و«الفقر»في أصحاب الصّفّة: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ البقرة:

273،و في المهاجرين: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ الحشر:8، و«الإملاق»في المشركين: وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ الأنعام:151، وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ الإسراء:31.

2-وصف حال الأنصار هنا بالخصاصة،أي الاختلال،لأنّ الخصاصة-كما تقدّم-من الخصاص الّذي هو الضّيّق من الخروق و الخلال.و وصف حال المهاجرين في الآية السّابقة بالفقر: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ، و الفقير-كما سيأتي-من الفقار،و هو ما انتضد من عظام الصّلب من لدن الكاهل إلى العجب-أصل الذّنب-،فكأنّ الفقير من كسر فقار ظهره.و بهذا يظهر الفرق بين الفقراء و ذوي الخصاصة،و كان فقراء المهاجرين أسوأ حالا من فقراء الأنصار.

3-أثنى اللّه على الأنصار في هذه الآية أحسن ثناء، فوصفهم بأنّهم يحبّون المهاجرين: يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ، و لا يحسدونهم على ما أعطوا من الغنائم دونهم: وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا، و يفضّلونهم على أنفسهم و لو كانوا ذوي عوز و فاقة:

...وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ...

،و لم يستثن حالهم حتّى عند الحاجة،فيقول مثلا:

و يؤثرون على أنفسهم إلاّ أن تكون بهم خصاصة.و لذا وقاهم شحّ النّفس و جعلهم مفلحين: وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

ص: 190

ثانيا:خصّ اللّه مخاطبة المسلمين بهذه الآيات الأربع،لما فيها من اختصاصه للنّبيّ بالرّحمة،و إصابة ظلمة المؤمنين خاصّة بفتنة،و إيثار الأنصار المهاجرين و لو كان بهم خصاصة.و كلّها مدنيّة و من أوائل ما نزل بالمدينة؛حيث شكّلت فيها بين المؤمنين طائفتان:

الأنصار و المهاجرون.

ص: 191

ص: 192

خ ص ف

اشارة

يخصفان

لفظ واحد،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخصف:ثياب غلاظ جدّا.و يقال:إنّ تبّعا كسا البيت المسوح،فانتفض البيت و مزّقها،ثمّ كساه الخصف فلم يقبلها،ثمّ كساه الأنطاع فقبلها،و هو أوّل من كسا البيت.

و الخصف:لغة في الخزف.

و الخصفة:القطعة ممّا يخصف به النّعل،و المخصف:

مثقبه.

و الخصفة؛و جمعها:الخصاف:جلّة التّمر.

و كتيبة خصيف،أي خصفت من ورائها بخيل،أي أردفت.

و الأخصف:لون كلون الرّماد،فيه سواد و بياض، و هو الخصيف أيضا.

و الخصيف من الجبال:ما كان أبرق سوداء،و قوّة بيضاء،و هو الأخصف أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأخصف:الظّليم،لسواد فيه و بياض؛و الأنثى:

خصفاء.

و الإخصاف:شدّة العدو،و بالهاء أيضا.

و الاختصاف،أن يأخذ العريان ورقا عراضا، فيخصف بعضها على بعض،و يستتر بها.خصف على نفسه بكذا،و اختصف بكذا.(4:188)

سيبويه :و قد جاء شيء منه[الألوان]على «فعيل»،و ذلك[نحو]خصيف،و قالوا:أخصف،و هو أقيس.و الخصيف:سواد إلى الخضرة.(الأزهريّ 4:26)

اللّيث:الإخصاف:سرعة العدو،و أخصف يخصف،إذا أسرع في عدوه.(الأزهريّ 7:148)

ص: 193

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخصيف:لبن المعزى و الضّأن جميعا.(1:219)

الخصف:ما صنع من الخوص؛من بساط،أو جلّة، أو غيره.(1:220)

و قال الأسعديّ: الأخصف:الأبيض،و الأسود.

(1:236)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «أنّ رجلا كان في بصره سوء فمرّ على بئر عليها خصفة فوقع فيها،فضحك القوم في الصّلاة،فأمر بإعادة الوضوء و الصّلاة».

الخصفة:الجلّة الّتي تعمل من الخوص للتّمر؛ و جمعها:خصاف.(أبو عبيد 1:75)

أبو عبيدة :فرس أخصف الجنبين،و هو الأبيض الجنبين،و لون سائره ما كان.

و يكون أخصف بجنب واحد.(الأزهريّ 7:148)

أبو زيد :نعجة خصفاء:إذا ابيضّت خاصرتاها.

يقال للنّاقة إذا بلغت الشّهر التّاسع من يوم لقحت ثمّ ألقته:قد خصفت تخصف خصافا،و هي خصوف.(الأزهريّ 7:148)

و خطه القتير،و لهزه،و خصّفه،و لفعه،و خوّصه، إذا استوى بياضه بسواده.

مثله ابن الأعرابيّ.(الحربيّ 2:723)

الأصمعيّ: و المخصف:مخرز تخرز به أخفاف الإبل.[ثمّ استشهد بشعر](الكنز اللّغويّ:189)

ابن الأعرابيّ: خصّفه الشّيب تخصيفا،و خوّصه تخويصا،و ثقّب فيه تثقيبا:بمعنى واحد.

(الأزهريّ 7:148)

ابن السّكّيت:و الخصف:مصدر خصفت النّعل أخصفها خصفا.

و الخصف:الجلال البحرانيّة.(إصلاح المنطق:65)

ابن دريد :خصفت النّعل أخصفها خصفا،فهي مخصوفة إذا أطبقت و عليها طبقا،فأنا خاصف.

و المخصف:الإشفى الّذي يخصف به.

و كلّ شيء ظاهرت بعضه على بعض فقد خصفته.

و حبل خصيف فيه سواد و بياض.

و كلّ لونين اجتمعا فهما خصيف،و أكثر ما يقال ذلك في السّواد و البياض.و الخصف:جلال البحرين الّتي يكنز فيها التّمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و ظليم أخصف،و نعامة خصفاء:فيهما سواد و بياض.

و فرس أخصف:إذا كان في جنبيه بياض يرتفع عن بطنه.فإذا كان البياض على البطن فهو أنبط.

و الشّاة خصفاء،إذا كانت كذلك.(2:226)

ابن الأنباريّ: و الخصوف:الّتي إذا أتت على مضربها نتجت،أي تعجل ذلك.(137)

القاليّ: يقال للصّبيّ إذا ولد:رضيع و طفل.[إلى أن قال:]

ثمّ فوق الكهل:طعن في السّنّ،ثمّ خصّفه القتير...

(ذيل الأمالي:40)

الأزهريّ: الخصف:الّتي كسا تبّع البيت ليس معناه الثّياب الغلاظ،إنّما الخصف:حصر تسفّ من خوص النّخل،يسوّى منها شقق تلبس بيوت

ص: 194

الأعراب.

و يقال للجلال الّتي تسفّ من الخوص و يكنز فيها التّمر:خصف أيضا.

و منه الحديث الّذي جاء:«أنّ رجلا توطّأ خصفة على رأس بئر،فطاح فيها».

و أهل البحرين يسمّون جلال التّمر خصفا.[ثمّ استشهد بشعر]

[و قيل:]كتيبة خصيف:لما فيها من صدإ الحديد و بياضه.

و قال اللّيث:«الإخصاف:سرعة العدو».

قلت:صحّف اللّيث فيما قال،و الصّواب:أحصف إحصافا،إذا أسرع في عدوه.قاله الأصمعيّ و غيره.

و عن ابن الكلبيّ،عن أبيه قال:كان مالك بن عمرو الغسّانيّ يقال له:فارس خصاف،و كان من أجبن النّاس.

قال:فغزوا قوما فوقف،فأقبل سهم حتّى وقع عند حافر فرسه،فتحرّك ساعة،ثمّ قال:إنّ لهذا السّهم سببا ينجثه،فاحتفر عنه فإذا هو قد وقع على نفق يربوع فأصاب رأسه،فتحرّك اليربوع ساعة ثمّ مات فقال:

هذا في جوف جحر!جاء سهم حتّى قتله!،و أنا ظاهر للنّاس على فرسي:

*ما المرء في شيء و لا اليربوع*

ثمّ شدّ عليهم،فكان بعد ذلك من أشجع النّاس.

قال ابن الكلبيّ: ينجثه:يحرّكه.

قال:و خصاف:فرسه،...و يضرب به المثل فيقال:

أجرأ من فارس خصاف.

قال شمر:و قال ابن الأعرابيّ: إنّ صاحب خصاف كان يلاقي جند كسرى فلا يجترئ عليهم، و يظنّ أنّهم لا يموتون كما يموت النّاس،فرمى يوما رجلا منهم بسهم فصرعه فمات،فقال:«إنّ هؤلاء يموتون كما نموت نحن»،فاجترأ عليهم فكان من أشجع النّاس.(7:146-148)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و نعجة خصفاء:هي الّتي ابيضّت خاصرتاها.

و الخصوف من الإبل:نقيض الجرور،و من النّساء:الّتي تضع في تاسعها و لا تدخل العاشر.

و المخصف من الإبل:الّتي إذا أتت على مضربها نتجت.

و أخصفت ناقتك:صارت خصوفا.و المخصّف من الرّجال:الضّيّق الخلق،و تخصيفه:جهده في التّكلّف بما ليس عنده.و هم يخصفون أقدامهم بأقدام غيرهم.

و الخصاصيف حصاير من خوص؛واحدها:

خصّاف.و في المثل:«أجرأ من خاصي خصاف».

و خصاف اسم فرس.(4:250)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«...في أيّ الخربتين أو في أيّ الخرزتين»[و روي:]«...أو في أيّ الخصفتين».

و الخرزة:الثّقبة،و الخصفة مثل الخرزة،و هو من قولك:خصفت النّعل،و منه المخصف،و هو الحديدة الّتي يثقب بها النّعال.[ثمّ استشهد بشعر](1:375)

جاء في الحديث:«إذا دخل أحدكم الحمّام فعليه بالنّشير و لا يخصف».

ص: 195

و قوله:«و لا يخصف»،معناه لا يضع يده على فرجه.و منه قولهم:خصفت النّعل:إذا أطبقت عليها قطعة.و من هذا قوله تعالى: وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ الأعراف:22.(3:196)

الجوهريّ: الخصف:النّعل ذات الطّراق،و كلّ طراق منها خصفة.و الخصفة بالتّحريك:الجلّة الّتي تعمل من الخوص للتّمر،و جمعها:خصف و خصاف.

و خصفة أيضا:أبو حيّ من العرب،و هو خصفة ابن قيس عيلان.

و الأخصف:الأبيض الخاصرتين من الخيل و الغنم، و هو الّذي ارتفع البلق من بطنه إلى جنبيه.

و الأخصف:لون كلون الرّماد،فيه سواد و بياض.

و كتيبة خصيف،و هو لون الحديد.و يقال:

خصفت من ورائها بخيل،أي ردفت،فلهذا لم تدخلها الهاء،لأنّها بمعنى«مفعولة»فلو كانت للون الحديد لقالوا:خصيفة،لأنّها بمعنى«فاعلة».

و كلّ لونين اجتمعا فهو خصيف.و الخصيف:اللّبن الحليب يصبّ عليه الرّائب.فإن جعل فيه التّمر و السّمن فهو العوبثانيّ.

و خصفت النّعل:خرزتها،فهي نعل خصيف.

و المخصف:الإشفى.

و خصفت النّاقة تخصف خصافا:إذا ألقت ولدها و قد بلغ الشّهر التّاسع،فهي خصوف.

و يقال:الخصوف هي الّتي تنتج بعد الحول من مضربها بشهر،و الجرور بشهرين.

و خصاف مثل قطام:اسم فرس.

و في المثل:«هو أجرأ من خاصي خصاف» (1)و ذلك أنّ بعض الملوك طلبه من صاحبه ليستفحله، فمنعه إيّاه و خصاه.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(4:1350)

ابن فارس: الخاء و الصّاد و الفاء أصل واحد يدلّ على اجتماع شيء إلى شيء.و هو مطّرد مستقيم.

فالخصف خصف النّعل،و هو أن يطبّق عليها مثلها.

و المخصف:الإشفى و المخرز.

و من الباب الاختصاف،و هو أن يأخذ العريان على عورته ورقا عريضا أو شيئا نحو ذلك يستتر به.

و الخصيفة:اللّبن الرّائب يصبّ عليه الحليب.

و من الباب،و إن كانا يختلفان في أنّ الأوّل جمع شيء إلى شيء مطابقة،و الثّاني جمعه إليه من غير مطابقة،قولهم:حبل خصيف:فيه سواد و بياض.

و من الباب«الخصفة»،و هي الجلّة من التّمر؛و تكون مخصوفة.

و من الّذي شذّ عن هذه الجملة قولهم للنّاقة:إذا وضعت حملها بعد تسعة أشهر:خصفت تخصف خصافا،و هي خصوف.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(2:186)

الهرويّ: قوله: يَخْصِفانِ عَلَيْهِما الأعراف:22، أي يطبقان على أبدانهما ورقة ورقة.و منه يقال:ب.

ص: 196


1- قيل:إنّ خصاف على وزن قطام،فرس أنثى فكيف تخصى.و صحّة المثل.من خاصي خصاف،بالتّنوين ككتاب.

خصف نعله،و هو إطباق طاق على طاق.

و في الحديث:«و هو قاعد يخصف نعله».

و أصل الخصف:الجمع و الضّمّ.(2:560)

ابن سيده: خصف النّعل يخصفها خصفا:ظاهر بعضها على بعض.

و كلّ ما طورق بعضه على بعض فقد خصف.

و الخصف:قطعة ممّا تخصف به النّعل.

و المخصف:المثقب.

و قوله[في الحديث]:«فما زالوا يخصفون أخفاف المطيّ بحوافر الخيل حتّى لحقوهم»،يعني أنّهم جعلوا آثار حوافر الخيل على آثار أخفاف الإبل،فكأنّهم طارقوها بها،أي خصفوها بها،كما تخصف النّعل.

و خصف العريان على نفسه الشّيء يخصفه:

وصله و ألزقه.

و تخصّفه،و كذلك.

و رجل مخصف و خصّاف:صانع لذلك،عن السّيرافيّ.

و الخصفة:جلّة التّمر.

و قيل:هي البحرانيّة من الجلال خاصّة.و جمعها:

خصف و خصاف.

و الخصف:ثياب غلاظ جدّا.

و الخصف:الخزف.

و خصفه الشّيب،إذا استوى البياض و السّواد.

و حبل أخصف،و خصيف:فيه لونان من سواد و بياض.

و قيل:الخصيف:لون كلون الرّماد.

و رماد خصيف:فيه سواد و بياض،و ربّما سمّي الرّماد بذلك.

و الأخصف من الخيل:الأبيض الجنبين و سائر لونه ما كان،و قد يكون أخصف بجنب واحد.

و الأخصف:الظّليم،لسواد فيه و بياض.

و الخصفاء من الضّأن:الّتي ابيضّت خاصرتاها.

و الخصوف من النّساء:الّتي تلد في التّاسع و لا تدخل في العاشر،و هي من مرابيع الإبل الّتي تنتج لخمس و عشرين بعد المضرب و الحول،و من المصايف:الّتي تنتج بعد المضرب و الحول بخمس.

و قيل:الخصوف من الإبل:الّتي تنتج إذا أتت على مضربها تماما لا ينقص.

و قال ابن الأعرابيّ: هي الّتي تنتج عند تمام السّنة.

و الفعل من كلّ ذلك:خصفت تخصف خصافا.

و خصفة:قبيلة من محارب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](5:61)

خصف النّعل يخصفها خصفا:خرزها.

و الخصفة:قطعة ممّا يخصف به النّعل.

و المخصف،و الخصاف:المثقب.

و رجل مخصف،و خصّاف:يخصف النّعل.

(الإفصاح 1:396)

الخصفة:الجلّة من الخوص،يجفّف عليها التّمر و اللّحم.(الإفصاح 1:417)

الخصفة:تعمل من خوص يشرّ عليها الأقط،أي يوضع.(الإفصاح 1:462)

الخصاف:خصفت النّاقة بولدها تخصف خصفا

ص: 197

و خصافا:بلغت به التّاسع ثمّ وضعته،و هي خصوف.

و اختصفت:صارت خصوفا.(الإفصاح 2:717)

الخصفاء:الّتي ابيضّت خاصرتاها،خصفت تخصف خصفا،و هو أخصف؛و الجمع:خصف.

(الإفصاح 2:786)

الخصفة:الجلّة العظيمة الّتي تكون عدلا؛و الجمع:

خصاف.(الإفصاح 2:1154)

الطّوسيّ: المخصف:المثقب الّذي يخصف به النّعل.

و الخصّاف:الّذي يرقع النّعل.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«خاصف النّعل في الحجرة» يعني عليّا عليه السّلام.

و الإخصاف:سرعة العدو،لأنّه يقطعه بسرعة.

و الخصف:ثياب غلاظ جدّا،لأنّه يعسر قطعها لغلظها.(4:401)

الرّاغب: قال تعالى: وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما أي يجعلان عليهما خصفة،و هي أوراق.و منه قيل لجلّة التّمر:خصفة،و للثّياب الغليظة؛جمعه:خصف، و لما يطرق به الخفّ:خصفة.

و خصفت النّعل بالمخصف.

و روي:«كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يخصف نعله».

و خصفت الخصفة:نسجتها.

و الأخصف و الخصيف،قيل:الأبرق من الطّعام، و هو لونان من الطّعام.و حقيقته:ما جعل من اللّبن و نحوه في خصفة فيتلوّن بلونها.(149)

الزّمخشريّ: خصف النّعل:أطبق عليها مثلها و خرزها بالمخصف.

و حبل خصيف،و أخصف:أبرق.

و كتيبة خصيف:لبياض الحديد و سواد الصّدإ.

و من المجاز:خصف خرقة أو يده على عورته، و اختصف بها:استتر.

و هم يخصفون أقدام القوم بأقدامهم،أي يتّبعونهم فيطبقونها عليها.

و الخيل تخصف أخفاف الإبل بحوافرها.

و عن بعض العرب:احتثّوا كلّ جماليّة عيرانة، فما زالوا يخصفون أخفاف المطيّة بحوافر الخيل حتّى أدركوهم،أي ركبوا الإبل و جنّبوا الخيل وراءهم.

و خصّفت فلانا:أربيت عليه في الشّتم.

و خصّف الشّيب لمّته:جعلها خصيفا.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](أساس البلاغة:112)

[في حديث النّبيّ: ]«أقبل رجل في بصره سوء،فمرّ ببئر عليها خصفة،فوقع فيها...».

الخصفة:واحدة الخصف و هي جلال نجرانيّة (1)يكنز فيها التّمر و كأنّه«فعل»بمعنى«مفعول»من الخصف،و هو ضمّ الشّيء إلى الشّيء،لأنّه شيء مرمول من خوص،و منه خصف النّعل و شبّه به ضرب من الثّياب الغلاظ جدّا،فقيل له:خصف.

(الفائق 1:373)

الطّبرسيّ: الخصف،أصله:الضّمّ و الجمع،و منه:

خصف النّعل.[ثمّ أدام مثل الطّوسيّ](2:407)ف.

ص: 198


1- و في كتب اللّغة كافّة:«بحرانيّة»،لعلّه تصحيف.

ابن الشّجريّ: و الخصف:ضمّ الشّيء إلى الشّيء و إلصاقه به.و منه قولهم:خصفت النّعل،أي رقعتها.و صانعها:خصّاف،و الإشفى:مخصف.

(2:340)

ابن الأثير: [ذكر أحاديث نحو ما ذكرناه](2:37)

الفيّوميّ: خصف الرّجل نعله خصفا من باب«ضرب»فهو خصّاف،و هو فيه كرقع الثّوب.

و المخصف بكسر الميم:الإشفى.

و الخصفة:الجلّة من الخوص للتّمر؛و الجمع:

خصاف،مثل رقبة و رقاب.(1:171)

نحوه الطّريحيّ.(5:46)

الفيروزآباديّ: الخصف:النّعل ذات الطّراق، و كلّ طراق خصفة.

و خصف النّعل يخصفها:خرزها،و الورق على بدنه:ألزقها،و أطبقها عليه ورقة ورقة،كأخصف و اختصف.

و النّاقة خصافا بالكسر:ألقت ولدها،و قد بلغ الشّهر التّاسع.

و الخصوف:الّتي تنتج بعد الحول من مضربها بشهرين.

و الخصفة محرّكة:الجلّة تعمل من الخوص للتّمر، و الثّوب الغليظ جدّا؛جمعها:خصف و خصاف.

و خصفة أيضا:ابن قيس عيلان.

و كجمزى:موضع.

و الأخصف:الأبيض الخاصرتين من الخيل و الغنم، و من الجبال،و الظّلمان:الّذي فيه بياض و سواد، و موضع.

و كتيبة خصيفة ذات لونين،لون الحديد و غيره.

و الخصيف،كأمير:الرّماد،و النّعل المخصوفة،و اللّبن الحليب يصبّ عليه الرّائب،و ابن عبد الرّحمن:

محدّث.

و كشدّاد:الكذّاب،و من يخصف النّعال.

و سماء مخصوفة:ملساء خلقاء،أو ذات لونين،فيها سواد و بياض.و الخصفة،بالضّمّ:الخرزة.و أخصف:

أسرع.

و التّخصيف:سوء الخلق،و الاجتهاد في التّكلّف بما ليس عندك.

و خصّفه الشّيب تخصيفا:استوى هو و السّواد.

(3:138)

مجمع اللّغة :خصف الشّيء على الشّيء يخصفه خصفا:ألصقه.(1:338)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خصف النّعل:أطبق عليها مثلها و خرزها بالمخصف.(1:164)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو جعل قطعة مكان ما انخرق و انتقص من الشّيء،و ضمّها إليه و وصلها به،و إصلاحه.و هذا المعنى قريب من مفهوم الرّقع و الخرز و الخسف،إلاّ أنّ الرّقع في الثّياب فقط،و الخرز هو الخياطة في الجلد، و قد سبق أنّ الخسف هو الغئور و الورود،فراجعها.

و أمّا اللّزق و اللّصق،فبمعنى الوصل فقط،مطلقا.

فيظهر التّناسب بين هذا الأصل و بين المعاني المستعملة المذكورة[في كتب اللّغة]و لا بدّ من اعتبار

ص: 199

الأصل و ملاحظة خصوصيّاته في الموارد كلّها، و لا يصحّ الاستعمال المطلق فيها،من دون حفظ الخصوصيّة.(3:69)

النّصوص التّفسيريّة

يخصفان

1- فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ...

الأعراف:22

ابن عبّاس: يلزقان على عوراتهما.(125)

يجعلان على سوآتهما.

[في حديث آخر:]يلصقان بعضها إلى بعض.

(الطّبريّ 5:451)

مجاهد :يرقعان،كهيئة الثّوب.(الطّبريّ 5:451)

ابن كعب القرظيّ: يأخذان ما يواريان به عورتهما.(الدّرّ المنثور 3:432)

قتادة :يوصلان عليهما من ورق الجنّة.

(الدّرّ المنثور 3:432)

زيد بن عليّ: فجعلا يخصفان الورق بعضه إلى بعض:يضعانه.(194)

السّدّيّ: يغطّيان عليهما.(258)

نحوه القمّيّ.(1:225)

أبو عبيدة :و يخصفان الورق بعضه إلى بعض.

(1:212)

الأخفش: و[من]قال:(يخصّفان)جعلها من يختصفان،فأدغم التّاء في الصّاد فسكّنت،و بقيت الخاء ساكنة فحرّكت الخاء بالكسر،لاجتماع السّاكنين.

و منهم من يفتح الخاء و يحوّل عليها حركة التّاء،و هو كقوله:(امّن لا يهدي)يونس:35،و قال بعضهم:

(يهدي الاّ ان يهدى).(2:515)

اليزيديّ: ظلاّ يخيطان الورد بعضه إلى بعض.

(144)

الطّبريّ: أقبلا و جعلا يشدّان عليهما من ورق الجنّة،ليواريا سوآتهما.(5:451)

الزّجّاج: يجعلان ورقة على ورقة،و منه قيل للخصّاف الّذي يرقع النّعل:هو يخصف.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز يخصفان و يخصّفان،و الأصل:الكسر في الخاء و فتحها و تشديد الصّاد،و يكون المعنى يختصفان.(2:327)

السّجستانيّ: أي جعلا يلصقان ورق التّين،و هو يتهافت عنهما.[و قال أيضا:]

أي يلصقان الورق بعضه على بعض.و منه خصفت نعلي،إذا طبقت عليها رقعة،و أطبقت طاقا على طاق.(64)

النّحّاس: أي أخذا يلزقان،و منه خصفت النّعل، أي رقعتها.(3:22)

نحوه الشّربينيّ.(1:468)

الثّعلبيّ: يوقعان (1)و يشدّان.[و قال أيضا:]

يمزّقان و يصلان،حتّى صار بهيئة الثّوب،و منه

ص: 200


1- هكذا في الأصل،و الظّاهر:يرقعان

خصف النّعل.(4:224)

الماورديّ: أي يقطعان.(2:211)

الطّوسيّ: يقطفان من ورق الجنّة ليستترا به، و يجوزان بعضه إلى بعض...

و كان الحسن يقرأ (يخصّفان) بمعنى يختصفان.

(4:401)

الواحديّ: يطبقان على أبدانهما الورق.

(2:375)

البغويّ: يرقعان و يلزقان و يصلان،...حتّى صار كهيئة الثّوب.(2:184)

نحوه الخازن.(2:180)

الزّمخشريّ: يخصفان ورقة فوق ورقة على عوراتهما ليستترا بها،كما يخصف النّعل بأن تجعل طرقة على طرقة و توثق بالسّيور.

و قرأ الحسن: (يخصّفان) بكسر الخاء و تشديد الصّاد،-و أصله يختصفان.و قرأ الزّهريّ:

(يخصفان) من«أخصف»و هو منقول من خصف،أي يخصفان أنفسهما.و قرئ (يخصّفان) من خصّف بالتّشديد.(2:73)

نحوه البيضاويّ.(1:345)

ابن عطيّة: معناه يلصقانها و يضمّان بعضها إلى بعض،و المخصف:الإشفى،و ضمّ الورق بعضه إلى بعض أشبه بالخرز منه بالخياطة.

[ثمّ ذكر القراءات كما في الزّمخشريّ إلاّ أنّه أضاف:]

و قرأ الحسن فيما روى عنه محبوب: (يخصّفان) بفتح الياء و كسر الخاء و كسر الصّاد و شدّها.

(2:386)

ابن الجوزيّ: [نحو الزّجّاج ثمّ قال:]

و في الآية دليل على أنّ إظهار السّوأة قبيح من لدن آدم؛أ لا ترى إلى قوله: لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما الأعراف:20،فإنّهما بادرا يستتران لقبح التّكشّف.(3:180)

مثله الفخر الرّازيّ(14:49)،و النّيسابوريّ(8:

91).

القرطبيّ: [ذكر القراءات ثمّ قال:]

و المعنى يقطعان الورق و يلزقان ليستترا به...

(7:180)

أبو حيّان :أي جعلا يلصقان ورقة على ورقة و يلصقانهما،بعد ما كانت كساهما حلل الجنّة ظلاّ يستتران بالورق.

و الأولى أن يعود الضّمير في(عليهما)على عورتيهما،كأنّه قيل:يخصفان على سوآتهما من ورق الجنّة،و عاد بضمير الاثنين،لأنّ الجمع يراد به اثنان.

و لا يجوز أن يعود الضّمير على آدم و حوّاء،لأنّه تقرّر في علم العربيّة أنّه لا يتعدّى فعل الظّاهر و المضمر المتّصل إلى المضمر المتّصل المنصوب لفظا أو محلاّ،في غير باب«ظنّ،و فقد،و علم،و وجد»لا يجوز:زيد ضربه،و لا ضربه زيد،و لا زيد مرّ به زيد.فلو جعلنا الضّمير في(عليهما)عائدا على آدم و حوّاء للزم من ذلك تعدّي«يخصف»إلى الضّمير المنصوب محلاّ،و قد رفع الضّمير المتّصل و هو الألف في يَخْصِفانِ فإنّ

ص: 201

أخذ ذلك على حذف مضاف مراد،جاز ذلك، و تقديره:يخصفان على بدنيهما.

و قرأ الزّهريّ (يخصفان) من«أخصف»فيحتمل أن يكون«أفعل»بمعنى«فعل»و يحتمل أن تكون الهمزة للتّعدية من«خصف»أي يخصفان أنفسهما، و قرأ الحسن و الأعرج و مجاهد و ابن وثّاب (يخصّفان) بفتح الياء و كسر الخاء و الصّاد و شدّها.

و قرأ الحسن فيما روى عنه محبوب كذلك،إلاّ أنّه فتح الخاء،و رويت عن ابن بريدة و عن يعقوب،و قرئ (يخصّفان) بالتّشديد من«خصّف»على وزن«فعّل».

و قرأ عبد اللّه بن يزيد(يخصّفان)بضمّ الياء و الخاء و تشديد الصّاد و كسرها،و تقرير هذه القراءات في علم العربيّة.(4:280)

السّمين:[نحو أبي حيّان إلاّ أنّه قال في قراءة عبد اللّه بن يزيد:]

و هي من«خصّف»بالتّشديد،إلاّ أنّه أتبع الخاء للياء قبلها في الحركة،و هي قراءة عسرة النّطق.

و يدلّ على أنّ أصلها من«خصّف»بالتّشديد قراءة بعضهم كذلك،إلاّ أنّه يفتح الخاء على أصلها.

(3:251)

أبو السّعود :أي أخذا يرقعان و يلزقان ورقة فوق ورقة.(2:485)

مثله البروسويّ.(3:146)

الآلوسيّ: أي يرقعان و يلزقان ورقة فوق ورقة،و أصل معنى الخصف:الخرز في طاقات النّعال و نحوها بإلصاق بعضها ببعض.و قيل:أصله:الضّمّ و الجمع.(8:101)

نحوه المراغيّ.(8:118)

القاسميّ: قال الجشميّ:تدلّ على أنّ ستر العورة كان من شريعة آدم و قد استدلّ قوم بالآية على وجوب السّتر.

قال القاضيّ: و ليس في الآية ما يوجب الوجوب؛ إذ ليس فيها أكثر من أنّهما فعلا ذلك.

قال الأصمّ:و تدلّ على أنّ السّتر من خلق آدم و حوّاء،و أنّهما كرها التّعرّي و إن لم يكن لهما ثالث، ففي ذلك دليل على قبح التّعرّي إلاّ عند الحاجة.

(7:2642)

الطّباطبائيّ: الخصف:الضّمّ و الجمع،و منه خصف النّعل.(8:35)

عبد الكريم الخطيب :و في قوله تعالى: وَ طَفِقا يَخْصِفانِ.. إشارة إلى موالاة الخصف من ورق الشّجر.و الخصف:جمع الشّيء إلى الشّيء و خياطته به.

(4:382)

المصطفويّ: أي فبدت لهما سوءات أنفسهما و مراتب الضّعف و المحدوديّة و القصور في ذاتهما، و هذا حين غفلتهما عن الحقّ المتعال،و توجّههما إلى أنفسهما بأكل من الشّجرة،فطفقا يصلحان ما انخرم و ما انتقص،و يطابقان عليهما من ورق الجنّة الخضرة.

و هذا هو المقصود من عورتيهما،أي ما كان مستورا عليهما.راجع:«السّوءة و الشّجرة».

فظهر لطف التّعبير بها دون الرّقع و الخرز و اللّصق و اللّزق.

ص: 202

و أمّا التّعبير بقوله تعالى: وَ طَفِقا يَخْصِفانِ..

دون يخصفانهما:إشارة إلى أنّ المنظور هو السّتر و التّغطية،دون الإزالة و محو السّوءة،فإنّه إنّما يحصل بتوبة اللّه المتعال إليه،فتاب عليه و هدى.(3:70)

فضل اللّه : وَ طَفِقا يَخْصِفانِ.. ليسترا سوءاتهما في إحساس بالحاجة إلى ذلك،بطريقة غريزيّة،من خلال شعورهما بالدّور الخجول للعورة،أو لأمر آخر يعلمه اللّه،و سقطا في الامتحان و أخفقا في التّجربة، و بدأ هناك شعور خفيّ بالخيبة و المرارة نتيجة إحساسهما،بأنّهما ارتكبا ما لا يجب أن يرتكباه.

و ربّما تذكّرا نهي اللّه لهما عن الأكل من الشّجرة،و ربّما يكونان قد عاشا بعض الحيرة في ما يفعلانه في موقفهما هذا،فهذا أمر جديد لا يعرفان كيف يتصرّفان فيه.(10:56)

2- فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى. طه:121

نحو ما قبلها.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخصف،أي قطعة ممّا تخرز بها النّعل و تخاط،و هو الخصفة أيضا.يقال:

خصف النّعل يخصفها خصفا:إذا ظاهر بعضها على بعض و خرزها،و هي نعل خصيف،و الخصف:النّعل ذات الطّراق،و كلّ طراق منها خصفة،و المخصف:

المثقب و الإشفى.

و الاختصاف:أن يأخذ العريان ورقا عراضا، فيخصف بعضها على بعض،أي يوصلها و يلزقها، فيستتر بها.يقال:خصف يخصف و اختصف يختصف،إذا فعل ذلك،و خصف و تخصّف:وضع يده على فرجه،و هو رجل مخصف و خصّاف.

و الخصفة:جلّة التّمر الّتي تعمل من الخوص، تشبيها بخصفة النّعل؛و الجمع:خصف و خصاف، و هي لغة بحرانيّة،و أهل العراق يسمّونها حلاّنة؛ «فعلانة»من«ح ل ل»،و الجمع:حلاّن.و الخصف:

ثياب غلاظ جدّا،تشبيها بالخصف المنسوج من الخوص.

و كتيبة خصيفة:خصفت من ورائها بخيل،أي أردفت،كأنّها وصلت بوصلة.يقال:خصفت الإبل الخيل،أي تبعتها.

و الخصيف:اجتماع لونين،و أصله:ما جعل من اللّبن و نحوه في خصفة،فيتلوّن بلونها،كما قال ابن فارس:حبل خصيف و أخصف،أي فيه لونان من سواد و بياض،و رماد خصيف:فيه سواد و بياض، و خصّفه الشّيب:استوى البياض و السّواد.

و الأخصف من الخيل و الغنم:الأبيض الخاصرتين و الجنبين،و سائر لونه ما كان،و الأخصف:الظّليم، لسواد فيه و بياض،و النّعامة خصفاء،و الخصفاء من الضّأن:الّتي ابيضّت خاصرتها،و يقال أيضا:كتيبة خصفاء،لما فيها من صدإ الحديد و بياضه.

و الخصوف من النّساء:الّتي تلد في التّاسع و لا

ص: 203

تدخل في العاشر،كأنّها وصلت حملها بتمامه و غايته، و كذلك النّاقة:إذا بلغت الشّهر التّاسع من يوم لقحت ثمّ ألقت ولدها.يقال:خصفت تخصف خصافا،و هي خصوف.

2-و جاء في كتاب العين:«الإخصاف:شدّة العدو،و بالهاء أيضا (1)»،و تعقّبه الأزهريّ قائلا:

«صحّف اللّيث فيما قال،و الصّواب:أحصف-بالحاء -إحصافا،إذا أسرع في عدوه؛قاله الأصمعيّ و غيره.

و قال العجّاج:

*ذار،إذا لاقى العزاز أحصفا*. (2)

و جاء فيه أيضا:«الخصف:لغة في الخزف»، (3)و هو من الإبدال كقولهم:«نشصت المرأة على زوجها و نشزت،و هو النّشوز و النّشوص». (4)

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المضارع مرّتين في آيتين:

1- فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ...

الأعراف:22

2- فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ... طه:121

يلاحظ أوّلا:أنّ الخصف لغة الضّمّ و اللّصق،و فيهما بحوث:

1-فسّروا يَخْصِفانِ ب«يرقعان»كهيئة الثّوب يلزقان ورقة فوق ورقة،يلزقان على عوراتهما، يلصقان ورقة على ورقة،يلصقانها إلى بعض،يقطعان الورق و يلزقان،يضمّان بعضها إلى بعض،يرقعان يشدّان يصلان حتّى صار بهيئة الثّوب،يجعلان ورقة على ورقة،يجعلان على سوآتهما،يخيطان الورق بعضه إلى بعض،يغطّيان،يقطفان،يضعان،يأخذان ما يواريان به عوراتهما،يوصلان عليهما من ورق الجنّة يقطعان.

و الظّاهر أنّها اختلاف في التّعبير يرجع إلى واحد، إلاّ أنّ بعضها تفسير باللاّزم مثل«يخيطان»و«يرقعان» ،لأنّ الخصف في اللّغة-كما تقدّم-الضّمّ،و الجمع،و الوصل،و جعل شيء على شيء و نحوها،دون «الخيط،و الرّقع»إلاّ في مثل خصف النّعل،و هو لا يناسب«الورق»،بل كلمة«على»في عَلَيْهِما تناسب الوضع و الجعل و نحوهما.

2-جاء الفعل يَخْصِفانِ في الآيتين قاصرا، و الأصل فيه:التّعدّي،و التّقدير:و طفقا يخصفان عليهما ورق الجنّة،و لعلّه استوفى مفعوله تقديرا، بتقدير لفظ«شيء»مثلا:و طفقا يخصفان عليهما شيئا من ورق الجنّة.أو تأويلا،بجعل«من»تبعيضيّة،أي و طفقا يخصفان عليهما بعض ورق الجنّة،و هذا هو الصّواب.

و لعلّ قصور الفعل-لو صحّ-إشارة إلى

ص: 204


1- العين(4:189).
2- التّهذيب(7:148).
3- العين(4:189).
4- انظر مادّة«ن ش ص»من الصّحاح.

قصور آدم و حوّا عن طاعة اللّه،كما في السّوءة،فهي الخلّة القبيحة و العورة،فذكرهما هنا حسن في اللّفظ و المعنى معا.لاحظ:س و أ:«سوءاتهما».

3-استعمل الخصف دون سائر الألفاظ،نحو:

الخياطة كما في التّوراة،أو اللّصق،أو الرّقع،أو غيرها.

و لعلّ في ذلك إشارة إلى لطيفة أخرى من إشارات القرآن،لأنّ حروف«خصف»مهموسة رخوة،و هذه الصّفة تحاكي صوت قطف الورق الغضّ،ففي الأخبار أنّ آدم و حواء أخذا يقطفان ورق شجر الجنّة، و يجعلانها على عوراتهما،ليوارياها و يتواريا عن نظر الرّبّ خجلا و وجلا منه،فكان القطف و الخصف خفية و خفتا كالهمس.

4-قال أبو حيّان:«الأولى أن يعود الضّمير في عَلَيْهِما على عورتيهما،كأنّه قيل:يخصفان على سوآتهما من ورق الجنّة،و عاد بضمير الاثنين،لأنّ الجمع يراد به اثنان.و لا يجوز أن يعود الضّمير على آدم و حوّاء،لأنّه تقرّر في علم العربيّة أنّه لا يتعدّى فعل الظّاهر و المضمر المتّصل إلى المضمر المنصوب لفظا أو محلا في غير باب ظنّ،و فقد،و علم،و وجد»، إلى آخر ما قال.

و عندنا أنّ المراد من يَخْصِفانِ عَلَيْهِما يخصفان على أنفسهما في محلّ سوآتهما،لا أنّ الضّمير المثنّى يرجع إلى سَوْآتِهِما -و هي مؤنّثة-بما فيه من التّكلّف،و لم يثبت ما ادّعاه في العربيّة.

و يؤكّد ما ذكرنا أنّ ضمير التّثنية تكرّر في هذه الآية و ما قبلها و ما بعدها في«الأعراف»الآيات (19-23)،(27)مرّة،و في«طه»الآيات(17-23)، (8)مرّات،و كلّها راجع إلى آدم و زوجه، فلاحظ.

5-نبّه فضل اللّه على أنّ ستر سوآتهما كان بطريقة غريزيّة،من خلال شعورهما بالدّور الخجول للعورة،أو لأمر آخر يعلمه اللّه،و قد شعرا بالخيبة و المرارة إحساسا منهما بارتكاب الجريمة...

و لعلّه كان من أجل أنّها كانت مستورة فانكشفت بأكلهما من الشّجرة عصيانا فستراها حياء و علما بأنّ كشفها قبيح و دليل على العصيان.

و كيف كان فقد منّ اللّه على بني آدم بذلك: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ الأعراف:26.

6-احتجّ بعضهم بهذه الآية على وجوب ستر العورة،و لا تدلّ عليها إلاّ تحسينا و أدبا،لا حكما و تكليفا.و كيف كان،فيعلم منه قدم هذا الأدب من لدن هبوط آدم إلى الأرض،ثمّ ورثته ذرّيّته في جميع الأعصار،و الأمصار،و الأديان،و العادات و التّقاليد.

و قد تكلّف المصطفويّ بحمل سَوْآتِهِما على مراتب الضّعف و القصور في ذاتهما،دون عورتهما، فطفقا يصلحان ما انتقص منهما،و أنّ في التّعبير ب يَخْصِفانِ، دون غيره ممّا ذكره المفسّرون لطف،و أنّ قوله: يَخْصِفانِ عَلَيْهِما دون«يخصفانهما»إشارة إلى أنّ المراد بهما؟السّتر و التّغطية،دون الإزالة و محو السّوء،فإنّه إنّما يحصل بالتّوبة.

و فيما ذكره أوّلا نظر.نعم ربّما تأكّد الآية

ص: 205

الاستحياء من عمل المنكرات عامّة.

7-حذّر اللّه آدم في سورة الأعراف من الأكل من الشّجرة،و حذّره في سورة طه من إبليس،و وسوس الشّيطان في(1)لآدم و حوّاء،و في(2)لآدم فقط.

و استعمل الفعل ذاقَا في(1)،و الفعل فَأَكَلا في (2)،و استعمل بَدَتْ بدون فاء في(1)،و فَبَدَتْ بفاء في(2).و ذكر الهبوط من الجنّة في(1)جمعا: قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ، و مثنّى في(2): قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ. و لكلّ من هذه الفروق نكات ظريفة،و سنتناولها في مواضعها إن شاء اللّه تعالى.

8-قرئت(يخصفان و يخصفان)بكسر الصّاد و فتحها و مخفّفة،و(يخصّفان)بتشديد الصّاد- و أصله:يختصفان-و(يخصفان)من باب الإفعال.

و القراءة الدّارجة هي الأولى.و لم يذكر الطّبريّ اختلاف القراءات هنا مع أنّه يذكرها في الآيات،إذا ثبتت عند القرّاء في الأمصار و الأعصار،فكأنّهما لم تثبت عنده هنا.

ثانيا:أنّ إبداء سوآت آدم و زوجه و خصفهما من ورق الجنّة يختصّ بسورتين مكّيّتين فحسب!!مع ذكر قصّتهما في سورة البقرة المدنيّة:(31-37)بدونه، اكتفاء في ذكر القبيح بما مضى مرّتين،و بأنّه لا يتناسق مع ذكر فضل آدم على الملائكة و تعليمه الأسماء في سورة البقرة و غيرها.

ثالثا:ليس لهذه المادّة نظائر في القرآن.

ص: 206

خ ص م

اشارة

12 لفظا،18 مرّة:13 مكّيّة،5 مدنيّة

في 12 سورة:8 مكّيّة،4 مدنيّة

خصمون 1:1 اختصموا 1:-1

خصيم 2:2 يختصمون 4:3-1

خصيما 1:-1 يخصّمون 1:1

الخصام 2:1-1 تختصمون 1:1

الخصم 1:1 تختصموا 1:1

خصمان 2:1-1 تخاصم 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخصم:واحد و جميع،قال اللّه عزّ و جلّ:

وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ص:

21،فجعله جمعا،لأنّه سمّي بالمصدر.

و خصيمك:الّذي يخاصمك؛و جمعه:خصماء.

و الخصومة:الاسم من التّخاصم و الاختصام.

يقال:اختصم القوم و تخاصموا،و خاصم فلان فلانا،مخاصمة و خصاما.

و الخصم:طرف الرّاوية الّذي بحيال العزلاء في مؤخّرها،و الطّرف الأعلى هو العصم،و هي:الأخصام.

و زوايا الوسائد و الجواليق و الفرش كلّها أخصام؛ واحدها:خصم.(4:191)

اللّيث:[نحو الخليل إلاّ أنّه قال:]

و الخصم:طرف الرّاوية الّذي بحيال العزلاء في مؤخّرها،و طرفها الأعلى هو العصم،و هي الأعصام الّتي عند الكلية،و هي من كلّ شيء.

(الأزهريّ 7:154)

سيبويه :اعلم أنّك إذا قلت:فاعلته،فقد كان من غيرك إليك،مثل ما كان منك إليه حين قلت:فاعلته،

ص: 207

و مثل ذلك:ضاربته و فارقته و كارمته و عازّني و عاززته و خاصمني و خاصمته.

فإذا كنت أنت فعلت قلت:كارمني فكرمته.

و اعلم أنّ«يفعل»من هذا الباب على مثال «يخرج»نحو عازّني فعززته أعزّه و خاصمني فخصمته أخصمه،و شاتمني فشتمته أشتمه.

و تقول:خاصمني فخصمته أخصمه.(4:68)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أخصام الدّلو:زواياها، و آذانها:عراها،و هي الخرب،و الواحدة:خربة.

(1:221)

أبو زيد :أخصمت فلانا،إذا لقّنته حجّته على خصمه.و خصمت فلانا:غلبته فيما خاصمته فيه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:155)

ابن السّكّيت: و تقول:هو خصمي،و لا تقل:

خصمي،و هما خصمي.قال اللّه جلّ و عزّ: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ ص:21.

و من العرب من يثنّيه و يجمعه،فيقول:هما خصمان،و هم خصوم.

و يقال أيضا للخصم:خصيم،و الجمع:خصماء.

(إصلاح المنطق:163)

و يقال:خاصمته حتّى أفحمته،أي قطعته عن الخصومة.(إصلاح المنطق:250)

الزّجّاج: [راجع النّصوص اللّغويّة](1:277)

ابن دريد :الخصم:الفاعل،و الخصيم:المفعول به، يتصرّف على وجهين.(1:188)

الخصم:المخاصم و المخاصم،و هما خصمان.[أي] كلّ واحد منهما يخاصم صاحبه.

و فلان خصمي و فلانة خصمي،الذّكر و الأنثى و الواحد و الجمع فيه سواء في اللّغة الفصيحة.

و في التّنزيل: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ... ص:

2،فهذا في معنى الجمع،يعني الملائكة الّذين دخلوا على داود ففزع منهم.

و قالوا:خصم و خصمان و خصوم.

و رجل خصم و خصيم،إذا كان جدلا.و في التّنزيل: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58.

و الخصام:مصدر خاصمته مخاصمة و خصاما.

و في التّنزيل: وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ الزّخرف:18.

و قد جمعوا خصيما:خصماء،مثل عليم و علماء، و جمعوا خصما:خصوما.

و الخصم:و الجمع:أخصام:جوانب العدل أو الجوالق الّذي يحمل فيه،يقال:خذ بأخصامه أي بنواحيه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:227)

و أخصوم،و هو عروة الجوالق أو العدل.

(3:427)

باب ما يكون الواحد و الجماعة فيه سواء في النّعوت:

...[منها]قوم خصم و رجل خصم.(3:428)

الأزهريّ: [نقل كلام اللّيث و قال:]

قلت:خصم كلّ شيء:ناحيته و طرفه،من المزادة و الفراش و غيرهما.

و أمّا عصم الرّوايا فهي الحبال الّتي تنشب في

ص: 208

عراها و تشدّ بها على ظهر البعير؛واحدها:عصام، و قد أعصمت المزادة،إذا شددتها بالعصامين.

و قيل للخصمين:خصمان،لأخذ كلّ واحد منهما في شقّ من الحجاج و الدّعوى.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«ما فعلت الدّنانير الّتي أنسيتها في خصم الفراش فبتّ و لم أقسمها؟».

و خصوم السّحابة:جوانبها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:هو خصمي،و هؤلاء خصمي.(7:154)

الصّاحب:[نحو الخليل،و أضاف:]

و الخصومة:مصدر التّخاصم و الخصام.

و أخصم فلان فلانا:لقّنه حجّته حتّى يخصم بها خصمه.

و الخصم:طرف الرّاوية الّذي بحيال العزلاء في مؤخّرها.

و الأخصام:الّذي عند الكلية من كلّ شيء.

و الخصوم:أفواه الأودية.و الأصول في قول الطّرمّاح:

*حمائم سرحات تسامى خصومها*

و الأخصوم:عروة الجوالق.(4:255)

الخطّابيّ: ...عن أمّ سلمة قالت:«دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو ساهم الوجه،فخشيت ذلك من وجع،فقلت:يا رسول اللّه!ما لك ساهم الوجه؟قال:

من أجل الدّنانير السّبعة الّتي أمسينا و لم نقسّمها،و هي في خصم أو خضم الفراش.

و الخصم:النّاحية من الشّيء و الزّاوية منه.

(1:533)

و في حديث المغيرة:«...خصمة حطمة»و الخصمة:

الشّديد الخصومة،و الهاء تقع في نعت المذكّر بمعنى المبالغة و التّأكيد.(2:546)

الجوهريّ: الخصم:معروف،يستوي فيه الجمع و المؤنّث،لأنّه في الأصل مصدر.

و من العرب من يثنّيه و يجمعه فيقول:خصمان و خصوم.

و الخصيم أيضا:الخصم،و الجمع:خصماء.

و خاصمته مخاصمة و خصاما،و الاسم:

الخصومة.

و خاصمت فلانا فخصمته أخصمه بالكسر،و لا يقال بالضّمّ،و هو شاذّ.

و منه قرأ حمزة (تاخذهم و هم يخصمون) يس:

49،لأنّ ما كان من قولك:فاعلته ففعلته،فإنّ«يفعل» منه يردّ إلى الضّمّ إذا لم يكن فيه حرف من حروف الحلق،من أيّ باب كان من الصّحيح.تقول:عالمته فعلمته أعلمه بالضّمّ،و فاخرته ففخرته أفخره بالفتح لأجل حرف الحلق.

و أمّا ما كان من المعتلّ مثل وجدت،و بعت، و رميت،و خشيت،و سعيت،فإنّ جميع ذلك يردّ إلى الكسر إلاّ ذوات الواو،فإنّها تردّ إلى الضّمّ.تقول:

راضيته فرضوته أرضوه،و خاوفني فخفته أخوفه.

و ليس في كلّ شيء يكون هذا،لا يقال:نازعته فنزعته،لأنّهم استغنوا عنه ب«غلبته».

و أمّا من قرأ: وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ يريد يختصمون فيقلب التّاء صادا فيدغمه،و ينقل حركته إلى الخاء.

ص: 209

و منهم من لا ينقل و يكسر الخاء لاجتماع السّاكنين، لأنّ السّاكن إذا حرّك حرّك إلى الكسر،و أبو عمرو يختلس حركة الخاء اختلاسا.و أمّا الجمع بين السّاكنين فيه فلحن.

و الخصم بكسر الصّاد:الشّديد الخصومة.

و الخصم:بالضّمّ:جانب العدل و زاويته.يقال للمتاع إذا وقع في جانب الوعاء من خرج أو جوالق أو عيبة:قد وقع في خصم الوعاء،و في زاوية الوعاء.

و خصم كلّ شيء:جانبه و ناحيته.

و أخصام العين:ما ضمّت عليه الأشفار.

و اختصم القوم و تخاصموا،بمعنى.

و السّيف يختصم جفنه،إذا أكله من حدّته.

(5:1912)

نحوه الرّازيّ.(196)

ابن فارس: الخاء و الصّاد و الميم أصلان:

أحدهما:المنازعة،و الثّاني:جانب وعاء.

فالأوّل:الخصم الّذي يخاصم.و الذّكر و الأنثى فيه سواء.

و الخصام:مصدر خاصمته مخاصمة و خصاما.

و قد يجمع الجمع على خصوم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأصل الثّاني:الخصم جانب العدل الّذي فيه العروة.و يقال:إنّ جانب كلّ شيء خصم.

و أخصام العين:ما ضمّت عليه الأشفار.و يمكن أن يجمع بين الأصلين فيردّ إلى معنى واحد.و ذلك أنّ جانب العدل مائل إلى أحد الشّقّين،و الخصم:المنازع في جانب؛فالأصل واحد.(2:187)

أبو هلال:الفرق بين المعاداة و المخاصمة:أنّ المخاصمة من قبيل القول،و المعاداة من أفعال القلوب.

و يجوز أن يخاصم الإنسان غيره من غير أن يعاديه، و يجوز أن يعاديه و لا يخاصمه.(107)

الهرويّ: الخصم يصلح للواحد و الجمع و الذّكر و الأنثى.تقول:هذا خصمي و هي خصمي،و إنّما تصلح أن يكون كذلك،لأنّه مصدر خصمته خصما،كأنّك قلت:هو ذو خصم.

و في الحديث:«...في خصم الفراش...»خصم كلّ شيء طرفه و ناحيته،و منه قيل للخصمين:خصمان، لأنّ كلّ واحد منهما يأخذ في ناحية من الدّعوى غير ناحية أخيه.

و منه قول سهل بن حنيف يوم صفّين لمّا حكّم الحكمان:«هذا أمر لا يسدّ و اللّه منه خصم إلاّ انفتح علينا منه خصم آخر».

و في دعائه:«اللّهمّ بك خاصمنا»أي بحجّتك أخاصم من خاصمني من الكفّار و أجاهدهم.

(2:562)

نحوه ابن الأثير.(2:38)

الثّعالبيّ: قال الشّعبيّ في كلام له في مجلس عبد الملك بن مروان:رجلان جاءوني،فقال عبد الملك:

لحنت يا شعبيّ،قال:يا أمير المؤمنين:لم ألحن مع قول اللّه عزّ و جلّ: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ الحجّ:19،فقال عبد الملك:للّه درّك يا فقيه العراقين،قد شفيت و كفيت.(331)

أبو سهل الهرويّ: و تقول:هو خصم،أي ذو

ص: 210

خصومة،و هي خصم،و هما خصم،و هم خصم،و هنّ خصم،للواحد و الاثنين و الجميع و المؤنّث على حال واحدة،لأنّه في الأصل مصدر:خصمت الرّجل أخصمه خصما،إذا غلبته في المخاصمة،و هي المصارعة في الشّيء و المطالبة بحقّ و غيره،فلمّا جعل «الخصم»صفة لم يثنّ و لم يجمع و لم يؤنّث،إنّ المصدر كذلك،لأنّه يدلّ بلفظه على القليل و الكثير كأسماء الأجناس،كالرّز و الزّيت و العسل و ما أشبهها.فإذا اختلفت أنواعها جاز تثنيتها و جمعها...(التّلويح:41)

و هو خصم الرّجل:للّذي ينازعه في الأمر و يطالبه.(التّلويح:43)

ابن سيده: الخصومة:الجدل.

خاصمه خصاما و مخاصمة،فخصمه يخصمه، خصما:غلبه بالحجّة.

و اختصم القوم،و تخاصموا.

و خصمك:الّذي يخاصمك،و جمعه:خصوم.و قد يكون الخصم للاثنين و الجمع و المؤنّث.

و الخصيم،كالخصم،و الجمع:خصماء و خصمان.

و رجل خصم:جدل،على النّسب،و في التّنزيل:

بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58،و قوله تعالى:

يَخِصِّمُونَ يس:49،فيمن قرأ به لا يخلو من أحد أمرين:إمّا أن تكون الخاء مسكّنة البتّة،فتكون التّاء من(يختصمون)مختلسة الحركة.و إمّا أن تكون التّاء مشدّدة،فتكون الخاء مفتوحة بحركة التّاء المنقول إليها،أو مكسورة لسكونها و سكون الصّاد الأولى.

و حكى ثعلب:خاصم المرء في تراث أبيه،أي تعلّق بشيء،فإن أصبته و إلاّ لم يضرّك الكلام.

و الخصم:الجانب،و الجمع:أخصام.

و الخصم:طرف الرّاوية الّذي بحذاء العزلاء في مؤخّرها،و طرفها الأعلى هو العصم،و الجمع:أخصاء.

و قيل:أخصام المزادة،و خصومها:زواياها.

و خصوم السّحابة:جوانبها.

و الأخصام:الّتي عند الكلية،و هي من كلّ شيء.

و الأخصوم:عروة الجوالق،أو العدل.

و الخصمة:من خرز الرّجال يلبسونها إذا أرادوا أن ينازعوا قوما أو يدخلوا على سلطان،فربّما كانت تحت فصّ الرّجل إذا كانت صغيرة،و تكون في زرّه، و ربّما جعلها في ذؤابة السّيف.[و استشهد بالشّعر مرّتين](5:66)

الطّوسيّ: و الخصام،هو المخاصمة.تقول:

خاصمه يخاصمه مخاصمة،و خصاما،و تخاصما، و اختصما اختصاما،و استخصمهم استخصاما.

و الخصم:طرف الرّاوية الّذي بحيال العزلاء من مؤخّرها،و طرفها الأعلى هو العصم.

و الأخصام من كلّ شيء:جوانبه،كجوانب الجوالق الّذي فيه العرى،يحمل به.و أصل الباب:

الخصومة.(2:178)

الرّاغب: الخصم:مصدر خصمته-أي-نازعته، خصما،يقال:خاصمته و خصمته مخاصمة و خصاما.

قال تعالى: وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ البقرة:204، وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ الزّخرف:18،ثمّ سمّي المخاصم خصما،و استعمل للواحد و الجمع و ربّما

ص: 211

ثنّي.و أصل المخاصمة أن يتعلّق كلّ واحد بخصم الآخر،أي جانبه،و أن يجذب كلّ واحد خصم الجوالق من جانب.

و روي:«نسيته في خصم فراشي»،و الجمع:

خصوم و أخصام.

و قوله: خَصْمانِ اخْتَصَمُوا الحجّ:19 أي فريقان و لذلك قال: اِخْتَصَمُوا، و قال: لا تَخْتَصِمُوا ق:

28،و قال: وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ آل عمران:44.

و الخصيم:الكثير المخاصمة،قال: فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ النّحل:4.

و الخصم:المختصّ بالخصومة،قال: قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58.(149)

البطليوسيّ: و الخصم و الخصم و الخصيم و المخاصم سواء،و قد خاصمته مخاصمة و خصاما.

(509)

الزّمخشريّ: اختصموا و تخاصموا،و هذا يوم التّخاصم.

و خاصمته فخصمته أخصمه.

و كنّا في خصومة وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ البقرة:

204،و رجل خصم بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:

58.

و هو خصمه و خصيمه،و هم خصومه و خصماؤه.

و أخصم صاحبه:لقّنه حجّته حتّى خصم، و خاصمه مخاصمة.

وضعه في خصم الفراش و هو جانبه.

و خذوا بأخصام الغرارة،و هي جوانبها الّتي فيها العرى.[ثمّ استشهد بشعر]

و أخذ بخصم الرّاوية و عصمها فرفعها،أي بطرفها الأسفل و طرفها الأعلى.

و من المجاز:قولهم في الأمر إذا اضطرب:لا يسدّ منه خصم إلاّ انفتح خصم آخر.

(أساس البلاغة:113)

[ذكر حديث أمّ سلمة و سهل بن حنيف كما سبق عن الهرويّ و أضاف:]

و المخاصمة:من الخصم،كما أنّ المشاقّة من الشّقّ،لأنّ المتجاذبين كلاهما منحاز إلى جانب.

(الفائق 1:375)

ابن برّيّ: خصم كلّ شيء جانبه و ناحيته.[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 12:182)

الحرّانيّ: الخصام:القول الّذي يسمع المصيخ، و يولج في صماخه ما يكفّه عن زعمه و دعواه.

(الزّبيديّ 8:278)

الفيّوميّ: الخصم:يقع على المفرد و غيره، و الذّكر و الأنثى بلفظ واحد،و في لغة:يطابق في التّثنية و الجمع،و يجمع على خصوم و خصام،مثل بحر و بحور و بحار.

و خصم الرّجل يخصم،من باب«تعب»،إذا أحكم الخصومة فهو خصم و خصيم.

و خاصمته مخاصمة و خصاما فخصمته أخصمه من باب«قتل»،إذا غلبته في الخصومة.

و اختصم القوم:خاصم بعضهم بعضا.(1:171)

ص: 212

الفيروزآباديّ: الخصومة:الجدل.خاصمه مخاصمة و خصومة فخصمه يخصمه:غلبه،و هو شاذّ،لأنّ فاعلته ففعلته يردّ«يفعل»منه إلى الضّمّ إن لم تكن عينه حرف حلق،فإنّه بالفتح،كفاخره ففخره يفخره.

و أمّا المعتلّ كوجدت و بعت فيردّ إلى الكسر،إلاّ ذوات الواو،فإنّها تردّ إلى الضّمّ،كراضيته فرضوته أرضوه،و خاوفني فخفته أخوفه.

و ليس في كلّ شيء يقال:نازعته،لأنّهم استغنوا عنه ب«غلبته».

و اختصموا:تخاصموا.

و الخصم:المخاصم؛جمعه:خصوم،و قد يكون للاثنين و الجمع و المؤنّث.

و الخصيم:المخاصم جمعه:خصماء و خصمان.

و رجل خصم كفرح:مجادل؛جمعه:خصمون.

و من قرأ (و هم يخصّمون) أراد يختصمون،فقلب التّاء صادا فأدغم،و نقل حركته إلى الخاء.و منهم من لا ينقل و يكسر الخاء لاجتماع السّاكنين.

و أبو عمرو يختلس حركة الخاء اختلاسا،و أمّا الجمع بين السّاكنين فيه فلحن.

و الخصم بالضّمّ:الجانب و الزّاوية و النّاحية،و طرف الرّاوية الّذي بحيال العزلاء في مؤخّرها،جمعه:

أخصام و خصوم.

و أخصام العين:ما ضمّت عليه الأشفار.

و الأخصوم:الأخسوم.

و الخصمة بالفتح:من حروز الرّجال تلبس عند المنازعة أو الدّخول على السّلطان.

و السّيف يختصم بالضّاد و غلط الجوهريّ.

و الخصوم:الأصول و أفواه الأودية.(4:108)

الطّريحيّ: و الخصم بفتح الخاء:الخصيم،و أصله مصدر.و الذّكر و الأنثى و الجمع فيه سواء،و قد يثنّى و يجمع.

و الخصم بكسر الصّاد:الشّديد الخصومة قال تعالى: هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58.

قوله: يَخِصِّمُونَ يس:49،بالتّشديد أي يختصمون،فأدغمت التّاء في الصّاد،ثمّ ألقيت حركتها على الخاء.و قرئ بسكون الخاء و تخفيف الصّاد.

و في الحديث:«نهى أن يضاف الخصم إلاّ و معه خصمه».

و في الدّعاء:«اللّهمّ بك خاصمت»أي بما آتيتني من الدّليل و البرهان خاصمت المعاندين.

و في الحديث:«إذ خاصمكم الشّيطان فخاصموه بما ظهر لكم من قدرة اللّه تعالى».

و خصمت الرّجل:خاصمته.

و خاصمه مخاصمة و خصاما؛و الاسم:الخصومة.

و اختصم القوم:تخاصموا.(6:58)

مجمع اللّغة :خاصمه خصاما:نازعه و جادله فهو مخاصم و خصيم.

و اختصم القوم و تخاصموا:تنازعوا و تجادلوا.

و قد سمّي المخاصم خصما،و استعمل للمفرد و غيره.

مذكّرا و مؤنّثا بلفظ واحد،و قد يأتي مطابقا،فيقال:

ص: 213

خصم و خصمان و خصوم.

خصم يخصم:اشتدّت خصومته فهو خصيم و هم خصمون.(1:338)

محمّد إسماعيل إبراهيم:[نحو مجمع اللّغة و أضاف:]و الخصم يعلم بالخصومة و إن لم يخاصم.

(1:165)

العدنانيّ: خصوم و خصام و أخصام و خصماء.

و يخطّئون من يقول:خصماء،و يقولون:إنّ الصّواب هو:خصوم.و الحقيقة هي أنّ خصوم:جمع خصم،الّذي قد يجمع أيضا على:خصام،كما يرى المصباح،و على:أخصام نادرا،كما يرى المدّ.و يرى التّاج أنّ أخصام هي جمع:لخصم،و هو الشّديد الخصومة.قال تعالى: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58،و الخصم هو الخصيم،و يجمع الخصيم على خصماء و خصمان،و فعلهما خصم يخصم.

و الخصيم بمعنى مخاصم.جاء في الآية: وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً النّساء:104،أي مخاصما.

و يستوي في الخصم المذكّر و المفرد و فروعهما.

ففي الآية: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ص:21،جعله جمعا؛لأنّه سمّي بالمصدر.

و قد يثنّى و يجمع...

أمّا الأخصام فتكون جمع خصم أيضا.و الخصم هو الجانب و الطّرف.

و أخصام العين هي:ما ضمّت عليه الأشفار.

(معجم الأخطاء الشّائعة:79)

محمود شيت:الخصم:العقوبة بقطع قسط من الرّاتب (1).يقال:خصم من الجنديّ راتب ثلاثة أيّام.(1:218)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو ما يعمّ المنازعة و العداوة و الجدال،و يعبّر عنه في الفارسيّة بكلمة«دشمنى»فإنّ النّزاع مأخوذ من النّزع،و يستعمل في مقام إنكار الحقّ و المطلوب، و يقابله«الطّاعة».

و العداوة مأخوذ من العدوّ و التّعدّي،و يستعمل في مقام التّعدّي و التّجاوز إلى حقّ الطّرف و إرادة السّوء،و يقابله«الولاية».

و الجدال يستعمل في مقام خصومة،يراد المنع عن ظهور الحقّ؛و الخصومة أعمّ من تلك المعاني.و يجوز أن يتحقّق الخصومة من دون أن يحصل النّزاع أو الجدال أو المعاداة.

و بهذا اللّحاظ نرى استعمال العدوّ منتسبا إلى الشّيطان: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ البقرة:168، إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ القصص:15،و استعمال التّنازع في مقابل الطّاعة: أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَنازَعُوا الأنفال:46،و استعمال الجدال في سرّ الحقّ:

يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ الأنفال:6، وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ المؤمن:5،و استعمال الخصومة في مطلق مفهومها: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ النّحل:4، هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْة.

ص: 214


1- اصطلاح«الرّاتب»عند العراقيّين،هو الأجر الشّهريّ للمستخدم عند الدّولة.

الحجّ:19، عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ الزّمر:31، وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا ص:21، إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ ص:64.

و لا يخفى أنّ الخصومة من آثار الحياة الدّنيويّة، و من خصائص الطّبيعة المحدودة المادّيّة،و ينشأ من تزاحم المنافع فيها، وَ جَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَ رَحْمَةً الحديد:27، وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ الفتح:29، وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ البقرة:204،مصدر من «المفاعلة»ك«قتال»،أو جمع خصم ك«صعاب»، فيكون التّقدير:من الخصام.(3:71)

النّصوص التّفسيريّة

خصمون

وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ. الزّخرف:58

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث:]إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خرج على النّاس و هم يتنازعون في القرآن،فغضب غضبا شديدا حتّى كأنّما صبّ على وجهه الخلّ،ثمّ قال صلّى اللّه عليه و سلّم:

لا تضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض،فإنّه ما ضلّ قوم قطّ إلاّ أوتوا الجدل،ثمّ تلا: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ. (الطّبريّ 11:203)

ابن عبّاس: أي جدلون بالباطل.(415)

نحوه القرطبيّ.(16:104)

السّدّيّ: خاصموه،فقالوا:يزعم أنّ كلّ من عبد من دون اللّه في النّار،فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى و عزير و الملائكة،هؤلاء قد عبدوا من دون اللّه، فأنزل اللّه براءة عيسى،فقال: إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا...

الزّخرف:59.(438)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:ما بقومك يا محمّد هؤلاء المشركين في محاجّتهم إيّاك بما يحاجّونك به طلب الحقّ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ يلتمسون الخصومة بالباطل.(11:203)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّه الخصم الحاذق بالخصومة.

الثّاني:أنّه المجادل بغير حجّة.(5:234)

الطّوسيّ: أي جدلون في دفع الحقّ بالباطل.

(9:210)

مثله الطّبرسيّ.(5:53)

الميبديّ: أي قريش قوم لدّ محاربون.(9:64)

الزّمخشريّ: لدّ شداد الخصومة،دأبهم اللّجاج كقوله تعالى: قَوْماً لُدًّا مريم:97،و ذلك أنّ قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الأنبياء:98، ما أريد به إلاّ الأصنام،و كذلك قوله عليه الصّلاة و السّلام:«هو لكم و لآلهتكم و لجميع الأمم»إنّما قصد به الأصنام،و محال أن يقصد به الأنبياء و الملائكة،إلاّ أنّ ابن الزّبعرى بخبثه و خداعه و خبث دخلته،لمّا رأى كلام اللّه و رسوله محتملا لفظه وجه العموم،مع علمه بأنّ المراد به أصنامهم لا غير،وجد للحيلة مساغا، فصرف معناه إلى الشّمول و الإحاطة بكلّ معبود غير اللّه،على طريقة المحكّ و الجدال و حبّ المغالبة و المكابرة،و توقّح في ذلك،فتوقّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى

ص: 215

أجاب عنه ربّه: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى الأنبياء:101،فدلّ به على أنّ الآية خاصّة في الأصنام،على أنّ ظاهر قوله: وَ ما تَعْبُدُونَ الصّافّات:161،لغير العقلاء.(3:494)

نحوه ملخّصا النّسفيّ.(4:122)

البيضاويّ: شداد الخصومة،حراص على اللّجاج.(2:370)

مثله الكاشانيّ(4:396)،و نحوه أبو حيّان(8:

25).

الفخر الرّازيّ: مبالغون في الخصومة،و ذلك لأنّ قوله: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الصّافّات:

161،لا يتناول الملائكة و عيسى،و بيانه من وجوه:

الأوّل:أنّ كلمة(ما)لا تتناول العقلاء البتّة.

و الثّاني:أنّ كلمة(ما)ليست صريحة في الاستغراق بدليل أنّه يصحّ إدخال لفظتي الكلّ و البعض عليه، فيقال:إنّكم و كلّ ما تعبدون من دون اللّه،أو إنّكم و بعض ما تعبدون من دون اللّه.

الثّالث:أنّ قوله:إنّكم و كلّ ما تعبدون من دون اللّه،أو و بعض ما تعبدون،خطاب مشافهة،فلعلّه ما كان فيهم أحد يعبد المسيح و الملائكة.

الرّابع:أنّ قوله: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ هب أنّه عامّ،إلاّ أنّ النّصوص الدّالّة على تعظيم الملائكة و عيسى أخصّ منه،و الخاصّ مقدّم على العامّ.(27:222)

أبو حيّان :شديد و الخصومة و اللّجاج،و فعل من أبنية المبالغة نحو هدي.(8:25)

أبو السّعود:أي لدّ شداد الخصومة،مجبولون على المحكّ و اللّجاج.(6:39)

نحوه البروسويّ(8:382)،و المراغيّ(25:101)

الآلوسيّ: قوله تعالى: ما ضَرَبُوهُ... إبطال لباطلهم إجمالا،اكتفاء بما فصّل في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ و تنبيها على أنّه ممّا لا يذهب على ذي مسكة بطلانه،فكيف على غيره،و لكنّ العناد يعمي و يصمّ،أي ما ضربوا لك إلاّ لأجل الجدال و الخصام، لا لطلب الحقّ،فإنّه في غاية البطلان،بل هم قوم لدّ شداد الخصومة،مجبولون على المحكّ،أي سؤال الخلق و اللّجاج...[إلى أن بحث بحثا مستوفى نحو ما سبق ملخّصه عن الزّمخشريّ فراجع].(25:93-95)

القاسميّ: شديد و الخصومة بالباطل تمويها و تلبيسا...(14:5279)

ابن عاشور :قوله: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إضراب انتقاليّ إلى وصفهم بحبّ الخصام،و إظهارهم من الحجج ما لا يعتقدونه،تمويها على عامّتهم.

و الخصم بكسر الصّاد:شديد التّمسّك بالخصومة و اللّجاج مع ظهور الحقّ عنده،فهو يظهر أنّ ذلك ليس بحقّ.(25:277)

مغنيّة:يبالغون في اللّجاج و الخصومة بالباطل، حرصا على أرباحهم و عدوانهم.(6:555)

الطّباطبائيّ: أي ثابتون على خصومتهم، مصرّون عليها.(18:114)

عبد الكريم الخطيب :أي شديد و الجدل في الخصومة،كما يقول اللّه سبحانه و تعالى فيهم: وَ تُنْذِرَ

ص: 216

بِهِ قَوْماً لُدًّا مريم:97،أي شديد و اللّدد و العناد في الخصومة.(13:152)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هؤلاء يعلمون جيّدا أنّ الّذين يردون جهنّم من آلهة،هم الّذين كانوا راضين بعبادة عابديهم،كفرعون الّذي كان يدعوهم إلى عبادته،لا كالمسيح عليه السّلام الّذي كان و لا يزال رافضا لعملهم هذا،و متبرّئا منه.(16:77)

فضل اللّه : بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ و هي صفتهم الذّاتيّة،فهم لا يعيشون مسئوليّة البحث عن الحقيقة، بل يحترفون الخصومة بكلّ أساليبها المتلوّنة،ليصلوا إلى أطماعهم،و ليحافظوا على امتيازاتهم و مواقعهم، و الخصومة فنّ مستقلّ،و جزء في لعبة المكاسب الذّاتيّة أو السّياسيّة أو الاجتماعيّة،و ليست وسيلة من وسائل الوصول إلى النّتائج الحاسمة في الحقّ.

(20:255)

خصيم

خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ.

النّحل:4

ابن عبّاس: جدل بالباطل.(221)

مجادل بالباطل، مُبِينٌ ظاهر الخصومة.

مثله الحسن.(الطّبرسيّ 3:350)

الطّبرسيّ: يقول تعالى ذكره:و من حججه عليكم أيضا أيّها النّاس،أنّه خلق الإنسان من نطفة،فأحدث من ماء مهين خلقا عجيبا،قلبه تارات خلقا بعد خلق في ظلمات ثلاث،ثمّ أخرجه إلى ضياء الدّنيا بعد ما تمّ خلقه،و نفخ فيه الرّوح،فغذّاه و رزقه القوت و نمّاه، حتّى إذا استوى على سوقه،كفر بنعمة ربّه و جحد مدبّره،و عبد من لا يضرّ و لا ينفع،و خاصم إلهه، فقال: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:78، و نسي الّذي خلقه،فسوّاه خلقا سويّا من ماء مهين.

و يعني ب«المبين»أنّه يبين عن خصومته بمنطقه، و يجادل بلسانه،فذلك إبانته.(7:559)

نحوه القرطبيّ(10:68)،و البيضاويّ(1:549)، و ابن كثير(4:180)،و المراغيّ(14:56).

القمّيّ: قال:خلقه من قطرة ماء منتن،فيكون خصيما متكلّما بليغا.(1:382)

الماورديّ: الخصيم:المحتجّ في الخصومة،و المبين:

هو المفصح عمّا في ضميره.و في صفته بذلك ثلاثة أوجه:

أحدها:تعريف قدرة اللّه تعالى في إخراجه من النّطفة المهينة إلى أن صار بهذه الحال في البيان و المكنة.

الثّاني:ليعرّفه نعم اللّه تعالى عليه في إخراجه إلى هذه الحال،بعد ما خلقه من نطفة مهينة.

الثّالث:يعرّفه فاحش ما ارتكب من تضييع النّعمة بالخصومة في الكفر،قاله الحسن.(3:179)

الطّوسيّ: في معنى خَصِيمٌ مُبِينٌ قولان:

أحدهما:أنّه أخرج من النّطفة ما هذه صفته،ففي ذلك أعظم العبرة.

و الثّاني:لمّا خلقه و مكّنه خاصم عن نفسه خصومة أبان فيها عن نفسه.[ثمّ نقل نحو الماورديّ كما تقدّم ذكره](6:361)

ص: 217

الواحديّ: فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ :مخاصم مُبِينٌ ظاهر الخصومة،و ذلك أنّه خاصم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في إنكار البعث،و المعنى أنّه مخلوق من نطفة،و مع ذلك يخاصم و ينكر البعث،أ فلا يستدلّ بأوّله على آخره،و أنّ من قدر على خلقه أوّلا،قادر على إعادته.(3:56)

البغويّ: جدل بالباطل.[ثمّ ذكر أنّها نزلت في أبيّ بن خلف إلى أن قال:]

و الصّحيح أنّ الآية عامّة،و فيها بيان القدرة و كشف قبيح ما فعلوه،من جحد نعم اللّه مع ظهورها عليهم.(3:71)

نحوه الخازن.(4:65)

الزّمخشريّ: فيه معنيان:

أحدهما:فإذا هو منطيق مجادل عن نفسه، مكافح للخصوم،مبين للحجّة،بعد ما كان نطفة من منيّ جمادا،لا حسّ به و لا حركة،دلالة على قدرته.

و الثّاني:فإذا هو خصيم لربّه،منكر على خالقه قائل: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:78،وصفا للإنسان بالإفراط في الوقاحة و الجهل،و التّمادي في كفران النّعمة...(2:401)

نحوه النّسفيّ(2:280)،و ابن جزيّ ملخّصا(2:

150).

أبو السّعود : خَصِيمٌ منطيق مجادل عن نفسه، مكافح للخصوم.(4:41)

نحوه الآلوسيّ.(14:96)

ابن عطيّة: قوله: خَصِيمٌ يحتمل أن يريد به الكفرة الّذين يختصمون في اللّه و يجادلون في توحيده و شرعه،ذكره ابن سلاّم عن الحسن البصريّ.

و يحتمل أن يريد أعمّ من هذا،على أنّ الآية تعديد نعمة الذّهن و البيان على البشر،و يظهر أنّها إذا تقدّر في خصام الكافرين ينضاف إلى العبرة وعيد ما.

(3:379)

الطّبرسيّ: اختصر هاهنا ذكر تقلّب أحوال الإنسان لذكره ذلك في أمكنة كثيرة من القرآن، فالمعنى أنّه خلق الإنسان من نطفة سيّالة،ضعيفة، مهينة،دبّرها و صوّرها بعد أن قلّبها حالا بعد حال، حتّى صارت إنسانا يخاصم عن نفسه،و يبين عمّا في ضميره،فبيّن سبحانه أنقص أحوال الإنسان و أكملها، منبّها على كمال قدرته و علمه.[ثمّ ذكر قول ابن عبّاس و الحسن و قال:]

فعلى هذا يكون المعنى أنّه خلقه و مكّنه،فأخذ يخاصم في نفسه.و فيه تعريض لفاحش ما ارتكبه الإنسان من تضييع حقّ نعمة اللّه عليه.(3:350)

ابن الجوزيّ: [نحو الواحديّ ثمّ قال:]

و فيه تنبيه على إنعام اللّه عليه حين نقله من حال ضعف النّطفة إلى القوّة الّتي أمكنه معها الخصام.

(4:429)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و الوجه الأوّل أوفق،لأنّ هذه الآيات مذكورة لتقرير وجه الاستدلال على وجود الصّانع الحكيم، لا لتقرير وقاحة النّاس و تماديهم في الكفر و الكفران.

(19:226)

النّيسابوريّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

ص: 218

فعلى الوجه الأوّل جوّز أن يكون«الخصيم» فعيلا بمعنى مفاعل،كالإكليل و الشّرّيب،و أن يكون بمعنى مختصم.و على الوجه الثّاني تعيّن كونه بمعنى مفاعل.

و التّرجيح من الوجهين للأوّل بناء على أنّ هذه الآيات مسوقة لتقرير الدّلائل على وجود الصّانع الحكيم و قدرته،لا لأجل وصف الإنسان بالتّمادي في الوقاحة و الكفران.

و قد يرجّح الثّاني بما روي أنّ أبيّ بن خلف الجمحيّ جاء بعظم رميم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:يا محمّد!أ ترى اللّه يحيي هذا بعد ما قد رمّ؟فنزلت.

(14:46)

أبو حيّان :«الخصيم»:من صفات المبالغة من «خصم»بمعنى اختصم،أو بمعنى مخاصم،كالخليط و الجليس.و«المبين»:الظّاهر الخصومة،أو المظهر لها.

و الظّاهر أنّ سياق هذين الوصفين سياق ذمّ،لما تقدّم من قوله سبحانه و تعالى: عَمّا يُشْرِكُونَ النّحل:1،و قوله: أَنْ أَنْذِرُوا النّحل:2،و لتكريره تعالى: عَمّا يُشْرِكُونَ النّحل:3،و لقوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ يس:77،و قال: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58،و عنى به مخاصمتهم لأنبياء اللّه و أوليائه بالحجج الدّاحضة.(5:474)

ابن عاشور :«الخصيم»من صيغ المبالغة،أي كثير الخصام.و(مبين)خبر ثان عن ضمير فَإِذا هُوَ، أي فإذا هو متكلّم مفصح عمّا في ضميره و مراده بالحقّ أو بالباطل و المنطق،بأنواع الحجّة حتّى السّفسطة.

و المراد:الخصام في إثبات الشّركاء،و إبطال الوحدانيّة،و تكذيب من يدعون إلى التّوحيد،كما دلّ عليه قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ -إلى - وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:77،78.

و الإتيان بحرف(اذا)المفاجأة استعارة تبعيّة.

استعير الحرف الدّالّ على معنى المفاجأة لمعنى ترتّب الشّيء على غير ما يظنّ أن يترتّب عليه.و هذا معنى لم يوضع له حرف.و لا مفاجأة بالحقيقة هنا،لأنّ اللّه لم يفجأه ذلك و لا فجأ أحدا،و لكنّ المعنى أنّه بحيث لو تدبّر النّاظر في خلق الإنسان،لترقّب منه الاعتراف بوحدانيّة خالقه،و بقدرته على إعادة خلقه،فإذا سمع منه الإشراك و المجادلة في إبطال الوحدانيّة و في إنكار البعث،كان كمن فجأه ذلك.و لمّا كان حرف المفاجأة يدلّ على حصول الفجأة للمتكلّم به،تعيّن أن تكون المفاجأة استعارة تبعيّة.

فإقحام حرف المفاجأة جعل الكلام مفهما أمرين، هما:التّعجيب من تطوّر الإنسان من أمّهنّ حالة إلى أبدع حالة؛و هي حالة الخصومة و الإبانة النّاشئتين عن التّفكير و التّعقّل،و الدّلالة على كفرانه النّعمة، و صرفه ما أنعم به عليه في عصيان المنعم عليه.فالجملة في حدّ ذاتها تنويه،و بضميمة حرف المفاجأة أدمجت مع التّنويه التّعجيب.و لو قيل:فهو خصيم،أو فكان خصيما،لم يحصل هذا المعنى البليغ.(13:82)

عزّة دروزة :مخاصم عنيد،و مجادل قويّ الجدل.[إلى أن قال:]

ص: 219

و في الآية تبكيت للإنسان الّذي خلقه اللّه من نطفة تافهة،فلم يتورّع عن الوقوف منه موقف الخصم العنيد و المجادل المكابر.(6:54)

الطّباطبائيّ: «الخصيم»صفة مشبّهة من الخصومة،و هي الجدال،و الآية و إن أمكن أن تحمل على الامتنان،-حيث إنّ من عظيم المنّ أن يبدّل اللّه سبحانه بقدرته التّامّة قطرة من ماء مهين إنسانا كامل الخلقة منطيقا متكلّما،ينبئ عن كلّ ما جلّ و دقّ ببيانه البليغ-لكن كثرة الآيات الّتي توبّخ الإنسان،و تقرعه على وقاحته في خصامه في ربّه،كقوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ* وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:77،78،ترجّح أن يكون المراد بذيل الآية بيان وقاحة الإنسان.

و يؤيّد ذلك أيضا بعض التّأييد ما في ذيل الآية السّابقة،من تنزيهه تعالى من شركهم.(12:211)

مغنيّة:بعد أن أشار سبحانه إلى دليل الوحدانيّة، قال:و لكن هذا الإنسان الضّعيف الّذي خلقناه من نطفة يكفر بنعمة من أنعم عليه،و يجحد وجود من أوجده،و يعبد ما لا يضرّه و لا ينفعه.و سبق أكثر من مناسبة أنّ الإنسان لا ينحرف عن الطّريق القويم إلاّ جهلا و تقليدا أو لمنفعة شخصيّة.(4:497)

عبد الكريم الخطيب :في قوله تعالى: خَلَقَ الْإِنْسانَ... إشارة إلى أنّ الإنسان،و هو ممّا خلق اللّه، قد خرج عن الولاء للّه،و كفر به،و وقف خصما للّه، و يحاربه.و هو-أي الإنسان-مخلوق ضعيف خلق من ماء مهين،و جاء من نطفة أمشاج،و لكن قدرة اللّه قد صوّرت من هذا الماء المهين،و من تلك النّطفة القذرة كائنا،له عقل،و له إرادة،و قد كان جديرا به أن يرتفع بعقله و إرادته عن عالم الطّين،و أن يسمو إلى مشارف العالم العلوىّ،إلاّ أنّه قد استبدّ به الغرور،و استولى عليه الهوى،فكان أن كفر بخالقه،و جحد الرّبّ الّذي أنشأه و ربّاه إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ إبراهيم:34.

(7:270)

طه الدّرّة:[نحو الواحديّ إلاّ أنّه أضاف:]

و الصّحيح أنّ الآية هنا عامّة في كلّ ما يقع من الخصومة في الدّنيا و يوم القيامة،و آية 77،78[من سورة]ياسين هي الخاصّة بذلك الكافر المعاند.

(7:370)

مكارم الشّيرازيّ: حقيقة التّعبير يراد به تبيان عظمة و قدرة اللّه عزّ و جلّ،حيث يخلق هذا المخلوق العجيب من قطرة ماء حقيرة،مع ما له من قيمة و تكريم و شرف بين باقي المخلوقات و عند اللّه أيضا.

هذا إذا ما اعتبرنا«الخصيم»بمعنى المدافع و المعبّر عمّا في نفسه،كما تخبرنا الآية بذلك: وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً النّساء:105،كما ذهب إليه جمع من المفسّرين.

و هناك من يذهب إلى تفسير آخر،خلاصته:

بقدرة اللّه التّامّة خلق الإنسان من نطفة حقيرة،و لكنّ هذا المخلوق غير الشّكور يقف في كثير من المواضع مجادلا خصيما أمام خالقه.

و اعتبروا الآية السّابعة و السّبعين من سورة يس

ص: 220

شاهدا على ما ذهبوا إليه،إلاّ أنّ التّفسير الأوّل-كما يبدو-أقرب من الثّاني،لأنّ الآيات أعلاه في مقام بيان عظمة اللّه و قدرته...(8:122)

فضل اللّه :يجادل في اللّه،و يخاصم في شئون العقيدة،و قد يقوده الجدال إلى الكفر،و قد تؤدّي به المخاصمة إلى الضّلال،و قد يتساءل عن وجوده كيف بدأ؟دون أن يفكّر بالأفق الأعلى الّذي يفسّر هذا الوجود و كيفيّة خضوعه للحتميّة الّتي تربط بين حركة الممكن في الكون،و بين إرادة الواجب في وجوده،كما قد يتساءل كيف يمكن أن يبعثه اللّه من جديد بعد أن يتحوّل إلى تراب؟لأنّه لا يفكّر ببدايته الّتي كانت من عدم،حيث لا يستبعد أن تكون النّهاية عودة للوجود من خلال ما كان،و إرادة في حركة الشّكل،مع وحدة الجوهر.

و في ذلك إيحاء إلهيّ للإنسان بأنّ الخصام و الجدال قد يطرقانه في زهو كاذب،و عظمة فارغة بقدرته على الوصول إلى نتائج ضخمة،يؤكّد من خلالها ذاته،فيبتعد بذلك عن التّفكير في عمق الأشياء لجهة ما انطلقت منه،و ما ارتكزت عليه،ممّا يؤدّي به إلى الكفر و الضّلال،عند ما يبتعد عن نقطة الانطلاق الّتي ركّز اللّه السّماوات و الأرض عليها،و هي الحقّ الّذي لا ريب فيه.(13:194)

2- أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. يس:77

الطبريّ: فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ يقول:فإذا هو ذو خصومة لربّه،يخاصمه فيما قال له ربّه:إنّي فاعل، و ذلك إخبار للّه إيّاه أنّه محيي خلقه بعد مماتهم،فيقول:

مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:78،إنكارا منه لقدرة اللّه على إحيائها.(10:464)

الماورديّ: أي مجادل في الخصومة مبين للحجّة، يريد بذلك أنّه صار بعد أن لم يكن شيئا مذكورا، خصيما مبينا،فاحتمل ذلك أمرين:

أحدهما:أن ينبّهه بذلك على نعمه عليه.

الثّاني:أن يدلّه بذلك على إحياء الموتى،كما ابتدأه بعد أن لم يكن شيئا.(5:33)

الطّوسيّ: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ... معناه إنّا نقلناه من النّطفة إلى العلقة،و من العلقة إلى المضغة،و من المضغة إلى العظم،و من العظم إلى أن جعلناه خلقا سويّا،و جعلنا فيه الرّوح،و أخرجناه من بطن أمّه، و ربّيناه،و نقلناه من حال إلى حال،إلى أن كمل عقله، و صار متكلّما خصيما عليما،فمن قدر على جميع ذلك كيف لا يقدر على الإعادة،و هي أسهل من جميع ذلك؟!

و لا يجوز أن يكون خلق الإنسان و لا خالق له، و لا أن يكون واقعا بالطّبيعة،لأنّها في حكم الموات في أنّها ليست حيّة قادرة،و من كان كذلك لا يصحّ منه الفعل،و لا أن يكون كذلك بالاتّفاق،لأنّ المحدث لا بدّ له من محدث قادر،و إذا كان محكما فلا بدّ من كونه عالما.

و في الآية دلالة على صحّة استعمال النّظر،لأنّ اللّه تعالى أقام الحجّة على المشركين بقياس النّشأة

ص: 221

الثّانية على النّشأة الأولى،و أنّه يلزم من أقرّ بالأولى أن يقرّ بالثّانية.(8:477)

نحوه الطّبرسيّ.(4:434)

القشيريّ: أي شددنا أسرهم،و جمعنا نشرهم، و سوّينا أعضائهم،و ركّبنا أجزاءهم،و أودعناهم العقل و التّمييز،ثمّ إنّه خَصِيمٌ مُبِينٌ ينازعنا في خطابه، و يعترض علينا في أحكامنا بزعمه و استصوابه.

(5:225)

البغويّ: جدل بالباطل، مُبِينٌ، بيّن الخصومة، يعني أنّه مخلوق من نطفة ثمّ يخاصم،فكيف لا يتفكّر في بدء خلقه حتّى يدع الخصومة؟!.(4:23)

الزّمخشريّ: فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا، رجل مميّز منطيق قادر على الخصام، مُبِينٌ معرب عمّا في نفسه،فصيح كما قال تعالى: أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ الزّخرف:18.

(3:331)

نحوه أبو حيّان.(7:348)

الفخر الرّازيّ: قوله: فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ فيه لطيفة غريبة،و هي أنّه تعالى قال:اختلاف صور أعضائه مع تشابه أجزاء ما خلق منه آية ظاهرة،و مع هذا،فهنالك ما هو أظهر،و هو نطقه و فهمه،و ذلك لأنّ النّطفة جسم،فهب أنّ جاهلا يقول:إنّه استحال و تكون جسما آخر،لكنّ القوّة النّاطقة و القوّة الفاهمة من أين تقتضيهما النّطفة؟

فإبداع النّطق و الفهم أعجب و أغرب من إبداع الخلق و الجسم،و هو إلى إدراك القدرة و الاختيار منه أقرب،فقوله: خَصِيمٌ أي ناطق،و إنّما ذكر الخصيم مكان النّاطق،لأنّه أعلى أحوال النّاطق،فإنّ النّاطق مع نفسه لا يبين كلامه مثل ما يبينه و هو يتكلّم مع غيره،و المتكلّم مع غيره إذا لم يكن خصما لا يبين و لا يجتهد مثل ما يجتهد إذا كان كلامه مع خصمه، و قوله: مُبِينٌ إشارة إلى قوّة عقله و اختار الإبانة، لأنّ العاقل عند الإفهام أعلى درجة منه عند عدمه، لأنّ المبين بان عنده الشّيء ثمّ أبانه،فقوله تعالى: مِنْ نُطْفَةٍ إشارة إلى أدنى ما كان عليه،و قوله: خَصِيمٌ مُبِينٌ إشارة إلى أعلى ما حصل عليه.(26:108)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(23:32)

البيضاويّ: تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنّسبة إلى إنكارهم الحشر،و فيه تقبيح بليغ لإنكاره؛ حيث عجب منه و جعله إفراطا في الخصومة بيّنا، و منافاة لجحود القدرة على ما هو أهون ممّا علمه في بدء خلقه،و مقابلة النّعمة الّتي لا مزيد عليها،و هي خلقه من أخسّ شيء و أمهنه،شريفا مكرّما بالعقوق و التّكذيب.[إلى أن قال:]

و قيل:معنى فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا مميّز منطيق قادر على الخصام،معرب عمّا في نفسه.(2:286)

الخازن :[نحو البغويّ ثمّ أدام نحو البيضاويّ].

(6:14)

الشّربينيّ: خَصِيمٌ أي بليغ الخصومة، مُبِينٌ أي في غاية البيان عمّا يريده حتّى أنّه ليجادل من أعطاه العقل و القدرة في قدرته.(3:365)

ص: 222

النّسفيّ: بيّن الخصومة،أي فهو على مهانة أصله و دناءة أوّله يتصدّى لمخاصمة ربّه،و ينكر قدرته على إحياء الميّت،بعد ما رمّت عظامه،ثمّ يكون خصامه في ألزم وصف له و ألصقه به،و هو كونه منشأ من موات، و هو ينكر إنشاءه من موات و هو غاية المكابرة.

(4:14)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]فهو حينئذ معطوف على(خلقنا)غير داخل تحت الإنكار و التّعجيب،بل هو من متمّمات شواهد صحّة البعث.

(5:314)

ابن عاشور :المراد ب خَصِيمٌ في تلك الآية:

أنّه شديد الشّكيمة بعد أن كان أصله نطفة،فالجملة معطوفة على جملة أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا خَلَقْنا لَهُمْ... يس:

71،و الاستفهام كالاستفهام في الجملة المعطوف عليها.

و الرّؤية هنا قلبيّة.و جملة أَنّا خَلَقْنا لَهُمْ سادّة مسدّ المفعولين،كما تقدّم في قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا خَلَقْنا لَهُمْ... و(اذا)للمفاجأة،و وجه المفاجأة أنّ ذلك الإنسان خلق ليعبد اللّه و يعلم ما يليق به،فإذا لم يجر على ذلك فكأنّه فاجأ بما لم يكن مترقّبا منه،مع إفادة أنّ الخصومة في شئون الإلهيّة كانت بما بادر به حين عقل.و الخصيم«فعيل»مبالغة في معنى«مفاعل»، أي مخاصم شديد الخصام.(22:277)

الطّباطبائيّ: «الخصيم»:المصرّ على خصومته و جداله.(17:111)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ الإنسان بعد الولادة كائن ضعيف جدّا،لا يملك القدرة على شيء،ثمّ يقطع مراحل نموّه بسرعة،حتّى بلوغ الرّشد الجسمانيّ و العقليّ.

نعم،فهذا الموجود الضّعيف العاجز،يصبح قويّا إلى درجة أن يجيز لنفسه النّهوض لمحاربة الدّعوات الإلهيّة،و ينسى ماضيه و مستقبله،ليكون مصداقا حيّا لقوله تعالى: فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ و اللّطيف أنّ هذا التّعبير يتضمّن جنبتين:إحداهما:تمثّل جانب القوّة.

و الأخرى:جانب الضّعف.و يظهر أنّ القرآن الكريم أشار إليهما جميعا.

إنّ هذا العمل لا يكون إلاّ من إنسان يملك عقلا و فكرا و شعورا و استقلالا و إرادة،و نعلم بأنّ أهمّ مسألة في حياة الإنسان هي التّكلّم و الحديث الّذي يهيّأ محتواه مسبقا في الذّهن،ثمّ يصبّ في قالب من العبارات،و يطلق باتّجاه الهدف،كالرّصاص المنطلق من فوهة البندقيّة،و هذا العمل لا يمكن حدوثه في أيّ كائن حيّ عدا الإنسان.

و بذلك فإنّ اللّه سبحانه و تعالى يجسّد قدرته في إعطاء هذا الماء المهين هذه القوّة العظيمة..هذا من جانب،و من جانب آخر،فإنّ الإنسان مخلوق مغرور و كثير النّسيان،فهو يستغلّ كلّ هذه النّعم الّتي أولاها إيّاه وليّ نعمته ضدّه في المجادلة و المخاصمة،فيا له من مغفّل أحمق!!

و يكفي لمعرفة مدى غفلته و حمقه أنّه جاء:

وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:78،المقصود من ضرب المثل هنا،

ص: 223

نفس المعنى بدون التّشبيه و الكناية.فالمقصود هو الاستدلال و ذكر مصداق،لإثبات مطلب معيّن.

(14:221)

فضل اللّه :يثير الجدل المتحرّك في أكثر من موقع حول التّوحيد و البعث،فكيف يجادل في ذلك و هو يرى عظمة القدرة في خلقه الّذي يكشف عن عظمة الخالق الّذي خلقه؟

و كيف يجادل في البعث و هو يرى عظمة البدء الّتي تطلّ على إمكانيّة الإعادة؟!(19:165)

خصيما

إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً النّساء:105

ابن عبّاس: معينا.(79)

نحوه البغويّ.(1:699)

الطّبريّ: خَصِيماً تخاصم عنه[الخائن]،و تدفع عنه من طالبه بحقّه الّذي خانه فيه.(4:265)

نحوه الزّجّاج(2:101)،و الماورديّ(1:528)، و الواحديّ(2:112)،و الشّربينيّ(1:330).

الطّوسيّ: نهاه أن يكون لمن خان مسلما أو معاهدا في نفسه أو ماله،خصيما يخاصم عنه،و يدفع من طالبه عنه بحقّه الّذي خانه فيه.(3:315)

مثله الطّبرسيّ.(2:106)

القشيريّ: أي لا تناضل عن أرباب الحظوظ، و لكن مع أبناء الحقوق،و من جنح إلى الهوى خان فيما أودع نفسه من التّقوى،و من ركن إلى أنواع نوازع المنى،خان فيما طولب به من الحياء لاطّلاع المولى.(2:54)

الزّمخشريّ: و لا تكن لأجل الخائنين مخاصما للبراء،يعني لا تخاصم اليهود لأجل بني ظفر.

(1:561)

مثله النّسفي(1:249)،و نحوه البيضاويّ(1:

242).

ابن الجوزيّ: [نحو الطّبريّ ثمّ قال:]

و اختلفوا هل خاصم عنه أم لا؟على قولين:

أحدهما:أنّه قام خطيبا فعذّره.رواه العوفيّ عن ابن عبّاس.

و الثّاني:أنّه همّ بذلك،و لم يفعله،قاله سعيد بن جبير،و قتادة.

قال القاضي أبو يعلى:و هذه الآية تدلّ على أنّه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حقّ أو نفيه،و هو غير عالم بحقيقة أمره،لأنّ اللّه تعالى عاتب نبيّه على مثل ذلك.(2:192)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:معنى الآية:و لا تكن لأجل الخائنين مخاصما لمن كان بريئا عن الذّنب،يعني لا تخاصم اليهود لأجل المنافقين.

المسألة الثّانية:قال الواحديّ رحمه اللّه:خصمك:

الّذي يخاصمك،و جمعه:الخصماء.و أصله من الخصم و هو ناحية الشّيء و طرفه،و الخصم:طرف الزّاوية و طرف الأشفار.و قيل للخصمين:خصمان،لأنّ كلّ واحد منهما في ناحية من الحجّة و الدّعوى.و خصوم

ص: 224

السّحابة:جوانبها.

المسألة الثّالثة:قال الطّاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السّلام:دلّت هذه الآية على صدور الذّنب من الرّسول عليه الصّلاة و السّلام،فإنّه لو لا أنّ الرّسول عليه الصّلاة و السّلام أراد أن يخاصم لأجل الخائن و يذبّ عنه،و إلاّ لما ورد النّهي عنه.

و الجواب:أنّ النّهي عن الشّيء لا يقتضي كون المنهيّ فاعلا للمنهىّ عنه،بل ثبت في الرّواية أنّ قوم طعمة لمّا التمسوا من الرّسول عليه الصّلاة و السّلام أن يذبّ عن طعمة،و أن يلحق السّرقة باليهوديّ،توقّف و انتظر الوحي،فنزلت هذه الآية،و كان الغرض من هذا النّهي تنبيه النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام على أنّ طعمة كذّاب،و أنّ اليهوديّ بريء عن ذلك الجرم.

(11:33)

نحوه النّيسابوريّ.(5:139)

القرطبيّ: خَصِيماً اسم فاعل؛كقولك:

جالسته فأنا جليسه،و لا يكون فعيلا هنا بمعنى مفعول؛يدلّ على ذلك: وَ لا تُجادِلْ النّساء:107، فالخصيم هو المجادل،و جمع الخصيم:خصماء.

و قيل: خَصِيماً مخاصما اسم فاعل أيضا.

فنهى اللّه عزّ و جلّ رسوله عن عضد أهل التّهم، و الدّفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجّة.(5:377)

نحوه الشّوكانيّ.(1:652)

الخازن :يعني و لا تكن لأجل الخائنين و هم قوم طعمة،تخاصم عنهم و تجادل عن طعمة مدافعا عنه و معينا له.(1:494)

أبو حيّان:أي مخاصما،ك«جليس»بمعنى مجالس، قاله الزّجّاج و الفارسيّ و غيرهما،و يحتمل أن يكون للمبالغة من«خصم».(3:343)

أبو السّعود :مخاصما للبراءة،أي لا تخاصم اليهود لأجلهم.(2:194)

نحوه البروسويّ(2:279)،و الآلوسيّ(5:140).

ابن عاشور :و مفعول خَصِيماً محذوف دلّ عليه ذكر مقابله،و هو لِلْخائِنِينَ أي لا تكن تخاصم من يخاصم الخائنين،أي لا تخاصم عنهم.

فالخصيم هنا بمعنى المنتصر المدافع كقوله:«كنت أنا خصمه يوم القيامة».و الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المراد الأمّة،لأنّ الخصام عن الخائنين لا يتوقّع من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و إنّما المراد تحذير الّذين دفعتهم الحميّة إلى الانتصار لأبناء أبيرق.(4:248)

المراغيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و خلاصة ذلك:إنّ عليك ألاّ تتهاون في تحرّي الحقّ،اغترارا بلحن الخائنين و قوّة جدلهم في الخصومة، لئلاّ تكون خصيما لهم،و تقع في ورطة الدّفاع عنهم.

و يؤيّد هذا حديث أمّ سلمة:«إنّما أنا بشر و إنّكم تختصمون إليّ،و لعلّ بعضكم يكون ألحن بحجّته من بعض،فأقضى بنحو ما أسمع،فمن قضيت له من حقّ أخيه شيئا فلا يأخذه،فإنّما أقطع له قطعة من النّار».

(5:148)

الطّباطبائيّ: الخصيم هو الّذي يدافع عن الدّعوى و ما في حكمها،و فيه نهيه صلّى اللّه عليه و آله عن أن يكون خصيما للخائنين على من يطالبهم بحقوقه،فيدافع عن

ص: 225

الخائنين و يبطل حقوق المحقّين من أهل الدّعوى.

(5:71)

مغنيّة:النّبيّ ما خاصم،و محال أن يخاصم عن الخائنين،و نهيه عن التّخاصم عنهم لا يستلزم وقوعه منه،بل إنّ النّهي عن المحرّم يقع قبل اقترافه،و لورود بعده لانتقض الغرض منه.

و تسأل:إذا كان فعل الحرام محالا على النّبيّ لمكان عصمته،فما هو المسوّغ إذن لنهيه عنه؟

الجواب:أنّ اللّه إن يوجّه أمره إلى نبيّه فهو في جميع الحالات،لأنّه أمر من الأعلى إلى من هو دونه في العلوّ؛هذا،إلى أنّ الأمر بالواجب،و النّهي عن المحرّم كثيرا ما يوجّهان من اللّه إلى الأنبياء،لمجرّد الإعلام بالحكم.(2:430)

مكارم الشّيرازيّ: يعرّف اللّه سبحانه و تعالى- في بداية الآية:105،من سورة النّساء-نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بأنّ الهدف من إنزال الكتاب السّماويّ هو تحقيق مبادئ الحقّ و العدالة بين النّاس؛إذ تقول الآية: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ.... ثمّ يحذّر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من حماية الخائنين أبدا بقوله: وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً.

و مع أنّ الآية خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و لكن ممّا لا شكّ فيه هو أنّ هذا الحكم حكم عامّ لجميع القضاة و المحكّمين،و بهذا الدّليل،فإنّ مثل هذا الخطاب ليس المفهوم منه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله تبدر منه مثل هذه الأعمال، لأنّ الحكم المذكور يشمل جميع الأفراد.(3:382)

فضل اللّه :الخيانة مرفوضة بكلّ أشكالها وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً، إنّ الإسلام يرفض الخيانة من الإنسان بأيّ شكل كانت،و في أيّ موقع وجد،في الحقول العامّة و الخاصّة،من حياة الفرد و المجتمع،في قضايا المال و الحكم و النّفس و العرض و العلاقات...

و يؤكّد الإسلام في رفضه لكلّ القيم الشّريرة،على أن يتحرّك الرّفض في الفكر و الشّعور و العمل،فلا يعيش الإنسان فكر الخيانة كطريقة يخطّط بها الخطط، ليتحرّك الفكر من هذا الموقع،و لا يرضى له بأن يتعاطف مع الخائنين بالشّعور و الكلمة و الموقف،لأنّ المؤمن لا يجتمع في قلبه حبّ الأمانة و كره الخيانة مع محبّة الخائنين؛و على هذا فلا بدّ من مواجهة الخونة بالموقف السّلبيّ الحاسم الّذي يتمثّل فيه موقف المواجهة لهم،و ترك الدّفاع عنهم،و مناصرتهم بأيّة وسيلة كانت؛و في ضوء ذلك لا يبيح الإسلام مهنة المحاماة إذا انطلقت في خطّ الدّفاع عن المجرمين.

و قد أكّد القرآن هذا الخطّ في عدّة أساليب،فبدأ بالنّهي عن أن يكون المؤمن خصيما،أي مدافعا عن المؤمنين،لأنّ الكتاب يرفض الخيانة،فلا يجوز للمؤمن أن يدافع عنها بالدّفاع عن رموزها،و إلاّ كان ذلك انحرافا عن الوقوف عند الحقّ.و اعتبر الخائنين خائنين لأنفسهم،كما هم خائنون للنّاس من حولهم، لأنّهم أوقعوا أنفسهم في الهلكة بما مارسوا من الأعمال الّتي تعرّضهم لعذاب اللّه،فكيف يجادل الإنسان عن هؤلاء؟و هل يكون ذلك إلاّ نوعا من أنواع مساعدة الإنسان على خيانة نفسه،بالتّمرّد على إرادة اللّه،في الوقت الّذي يريد اللّه للمؤمن أن يساعد العصاة على

ص: 226

أنفسهم،بهدايتهم إلى سبيل اللّه في السّير على هدى أمره و نهيه؟

ثمّ تحدّثت عن طبيعة العلاقة بين اللّه و بينهم و بين الخائنين هؤلاء،فهم من الأشخاص الّذين لا يحبّهم اللّه إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوّاناً أَثِيماً النّساء:107، فكيف يمكن للإنسان المسلم أن يحبّ من لا يحبّه اللّه،مع أنّ علامة إيمان المؤمن هي أن يحبّ من يحبّه اللّه، و يبغض من يبغضه اللّه؛بحيث يكون شعوره السّلبيّ و الإيجابيّ تبعا لإيمانه،في ما يوحيه من مشاعر و عواطف؟!(7:448)

راجع أيضا:خ و ن:«خوّانا»

الخصام

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ. البقرة:204

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أبغض الرّجال إلى اللّه تعالى الألدّ الخصم.(الماورديّ 1:265)

ابن عبّاس: جدل بالباطل شديد الخصومة.

(28)

نحوه زيد بن عليّ(145)،و القاسميّ(3:508).

أي ذو جدال،إذا كلّمك و راجعك.

(الطّبريّ 2:327)

مجاهد :ظالم لا يستقيم.

الّذي لا يستقيم على خصومة.(الطّبريّ 2:327)

الحسن :الكاذب القول.(الطّبريّ 2:328)

قتادة :يقول:شديد القسوة في معصية اللّه،جدل بالباطل،و إذا شئت رأيته عالم اللّسان،جاهل العمل، يتكلّم بالحكمة،و يعمل بالخطيئة.(الطّبريّ 2:327)

السّدّيّ: أعوج الخصام.(الطّبريّ 2:327)

أبو عبيدة :شديد الخصومة،و يقال للفاجر:أبلّ و ألدّ...(1:71)

الإمام العسكريّ عليه السّلام:شديد العداوة و الجدال للمسلمين.(617)

نحوه فضل اللّه.(4:117)

ابن قتيبة :أشدّهم خصومة.يقال:رجل ألدّ:بيّن اللّدد،و قوم لدّ.و الخصام:جمع خصم،و يجمع على فعول و فعال،يقال:خصم و خصام و خصوم.

(80)

نحوه الواحديّ.(1:310)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:تأويله:أنّه ذو جدال.

و قال آخرون:معنى ذلك أنّه غير مستقيم الخصومة،و لكنّه معوجّها.

و كلا هذين القولين متقارب المعنى،لأنّ الاعوجاج في الخصومة من الجدال و اللّدد.

و قال آخرون:معنى ذلك:و هو كاذب في قوله.

و هذا القول يحتمل أن يكون معناه معنى القولين الأوّلين،إن كان أراد به قائله أنّه يخاصم بالباطل من القول و الكذب منه جدلا و اعوجاجا عن الحقّ.

و أمّا(الخصام)فهو مصدر من قول القائل:

«خاصمت فلانا خصاما و مخاصمة».

و هذا خبر من اللّه تبارك و تعالى عن المنافق الّذي

ص: 227

أخبر نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه يعجبه إذا تكلّم قيله و منطقه، و يستشهد اللّه على أنّه محقّ في قيله ذلك،لشدّة خصومته و جداله بالباطل و الزّور من القول.

(2:327)

الزّجّاج: و معنى«خصم ألدّ»في اللّغة:الشّديد الخصومة و الجدل،و اشتقاقه من لديدي العنق،و هما صفحتا العنق،و تأويله:أنّ خصمه في أيّ وجه أخذ- من يمين أو شمال-من أبواب الخصومة غلبه في ذلك.

يقال:رجل ألدّ و امرأة لدّاء،و قوم لدّ،و قد لددت فلانا ألدّه،إذا جادلته فغلبته.

و خصام:جمع خصم،لأنّ«فعلا»يجمع إذا كان صفة على«فعال»نحو صعب و صعاب،و خدل و خدال.و كذلك إن جعلت خصما صفة،فهو يجمع على أقلّ العدد،و أكثره على فعول و فعال جميعا، يقال:خصم و خصام و خصوم،و إن كان اسما ف«فعال»فيه أكثر العدد،نحو فرخ و أفراخ،لأقلّ العدد،و فراخ و فروخ لما جاوز العشرة.(1:277)

الماورديّ: و في(الخصام)قولان:

أحدهما:أنّه مصدر،و هو قول الخليل.

و الثّاني:أنّه جمع خصيم،و هو قول الزّجّاج.

(1:265)

الزّمخشريّ: و هو شديد الجدال و العداوة للمسلمين،و قيل:كان بينه و بين ثقيف خصومة، فبيّتهم ليلا،و أهلك مواشيهم،و أحرق زروعهم.

و الخصام:المخاصمة،و إضافة«الألدّ»بمعنى«في» كقولهم:ثبت الغدر،أو جعل الخصام ألدّ على المبالغة.(1:352)

نحوه البروسويّ.(1:322)

الطّبرسيّ: أَلَدُّ الْخِصامِ أي و هو أشدّ المخاصمين خصومة.و من قال:إنّ الخصام مصدر، فمعناه و هو شديد الخصومة عند المخاصمة جدل مبطل.(1:300)

نحوه شبّر.(1:208)

الفخر الرّازيّ: أمّا اَلْخِصامِ ففيه قولان:

أحدهما:-و هو قول خليل-:أنّه مصدر بمعنى المخاصمة،كالقتال و الطّعان بمعنى المقاتلة و المطاعنة، فيكون المعنى و هو شديد المخاصمة.ثمّ في هذه الإضافة وجهان:أحدهما:أنّه بمعنى«في»و التّقدير:

ألدّ في الخصام.

و الثّاني:أنّه جعل الخصام ألدّ على سبيل المبالغة.

و القول الثّاني...[و هو قول الزّجّاج].(5:218)

العكبريّ: و اَلْخِصامِ هنا جمع خصم،نحو كعب و كعاب،و يجوز أن يكون مصدرا،و في الكلام حذف مضاف،أي أشدّ ذوي الخصام.و يجوز أن يكون الخصام هنا مصدرا في معنى اسم الفاعل،كما يوصف بالمصدر في قولك:رجل عدل و خصم.و يجوز أن يكون«أفعل»هاهنا،لا للمفاضلة،فيصحّ أن يضاف إلى المصدر،تقديره:و هو شديد الخصومة.

و يجوز أن يكون(هو)ضمير المصدر الّذي هو قَوْلُهُ و قوله:(خصام)،و التّقدير:خصامه ألدّ الخصام.(1:166)

نحوه السّمين.(:505)

ص: 228

أبو حيّان: اَلْخِصامِ :مصدر خاصم و جمع:

خصم.يقال:خصم و خصوم و خصام،كبحر و بحور و بحار،و الأصل في الخصومة:التّعميق في البحث عن الشّيء،و لذلك قيل:في زوايا الأوعية خصوم، الواحد:خصم.(2:108)

الشّربينيّ: وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ أي شديد الخصومة لك و لأتباعك،لعداوته لك.(1:134)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و الجملة حال من الضّمير المجرور في قَوْلُهُ، أو من المستكنّ في يُشْهِدُ. (1:255)

الكاشانيّ: شديد العداوة و الجدال للمسلمين.

(1:220)

الآلوسيّ: يقال: اَلْخِصامِ :جمع خصم،كبحر و بحار و صعب و صعاب،فالمعنى:أشدّ الخصوم خصومة،و الإضافة فيه للاختصاص،كما في أحسن النّاس وجها.و في الآية إشارة إلى أنّ شدّة المخاصمة مذمومة.(2:95)

رشيد رضا : وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ أي و هو في نفسه أشدّ النّاس مخاصمة و عداوة لمن يتودّد إليهم، أو أشدّ خصمائهم،على أنّ الخصام:جمع خصم ككعاب جمع كعب،و هو المختار.(2:245)

ابن عاشور :معنى وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ أنّه شديد الخصومة،أي العداوة،مشتقّ من لدّه يلدّه بفتح اللاّم، لأنّه من فعل،تقول:لددت يا زيد بكسر الدّال إذا خاصم،فهو لادّ و لدود،فاللّدد:شدّة الخصومة،و الألدّ:الشّديد الخصومة.[ثمّ استشهد بشعر]

ف(الدّ)صفة مشبّهة و ليس اسم تفضيل،أ لا ترى أنّ مؤنّثه جاء على:«فعلاء»،فقالوا:لدّاء،و جمعه جاء على:«فعل»،قال تعالى: وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا مريم:

97،و حينئذ ففي إضافته للخصام إشكال،لأنّه يصير معناه شديد الخصام من جهة الخصام،فقال في «الكشّاف»:إمّا أن تكون الإضافة على المبالغة، فجعل الخصام ألدّ،أي نزّل خصامه منزلة شخص له خصام،فصارا شيئين،فصحّت الإضافة على طريقة المجاز العقليّ،كأنّه قيل:خصامه شديد الخصام،كما قالوا:جنّ جنونه،و قالوا:جدّ جدّه،أو الإضافة على معنى«في»،أي و هو شديد الخصام فى الخصام،أي في حال الخصام.

و قال بعضهم:يقدّر مبتدأ محذوف بعد(و هو) تقديره:و هو خصامه ألدّ الخصام،و هذا التّقدير لا يصحّ،لأنّ الخصام لا يوصف بالألدّ،فتعيّن أن يؤوّل بأنّه جعل بمنزلة الخصم،و حينئذ فالتّأويل مع عدم التّقدير أولى.و قيل: اَلْخِصامِ هنا،جمع خصم، كصعب و صعاب،و ليس هو مصدرا،و حينئذ تظهر الإضافة،أي و هو ألدّ النّاس المخاصمين.(2:251)

مغنيّة: وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ أي يظهر الحبّ و الخير،و هو من أشدّ النّاس عداوة للخير و أهله.

(1:308)

مكارم الشّيرازيّ: الآية تشير كما ورد في أسباب النّزول إلى نفاق المنافقين،و تحذّر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله منهم،و تقول له:إنّ بعض النّاس يتظاهرون بالإيمان و يقسمون على أنّهم مؤمنون،بينما هم من ألدّ أعداء

ص: 229

الإسلام.(2:45)

راجع:ل د د:«الدّ».

2- أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ. الزّخرف:18

ابن عبّاس: فِي الْخِصامِ :في الكلام.(412)

مجاهد :(من)الجواري،جعلتموهنّ للرّحمن ولدا،كيف تحكمون؟(الطّبريّ 11:173)

قتادة :قلّما تتكلّم امرأة فتريد أن تتكلّم بحجّتها، إلاّ تكلّمت بالحجّة عليها.(الطّبريّ 11:174)

نحوه مقاتل.(النّسفيّ 4:115)

ابن زيد :تعبدون من ينشّأ في الحلية و لا يمكنه أن ينطق بحجّته و يعجز عن الجواب و هم الأصنام،فإنّهم كانوا يحلّونها بالحليّ.(الطّبرسيّ 5:43)

ابن قتيبة : اَلْخِصامِ جمع خصيم،و يكون مصدرا ل«خاصمت».(397)

الطّبريّ: يقول:و هو في مخاصمة من خاصمه عند الخصام غير مبين،و من خصمه ببرهان و حجّة، لعجزه و ضعفه،جعلتموه جزء اللّه من خلقه،و زعمتم أنّه نصيبه منهم.و في الكلام متروك أستغني بدلالة ما ذكر منه،و هو ما ذكّرت.(11:173)

الزّجّاج: يعني البنات،أي الأنثى لا تكاد تستوفي الحجّة و لا تبين.

و قد قيل في التّفسير:إنّ المرأة لا تكاد تحتجّ بحجّة إلاّ عليها،و قد قيل:إنّه يعني به الأصنام.و الأجود أن يكون يعني به المؤنّث.(4:407)

الماورديّ: في الخصام وجهان:أحدهما:في الحجّة،الثّاني:في الجدل.(5:220)

الطّوسيّ: في حال الخصومة،فهو ناقص عمّن هو،بخلاف هذه الصّفة من الشّبيه على ما يصلح للجدال و دفع الخصم الألدّ،بحسن البيان عند الخصومة،فعلى هذا يلزمهم أن يكونوا بإضافة البنات قد أضافوا أدنى الصّفات إليه.(9:189)

الزّمخشريّ: و هو إذا احتاج إلى مجاثاة الخصوم و مجاراة الرّجال،كان غير مبين،ليس عنده بيان،و لا يأتي ببرهان يحتجّ به من يخاصمه،و ذلك لضعف عقول النّساء و نقصانهنّ عن فطرة الرّجال، يقال:قلّما تكلّمت امرأة فأرادت أن تتكلّم بحجّتها إلاّ تكلّمت بالحجّة عليها.(3:482)

ابن عطيّة: الخصام:المحاجّة و مجاذبة المحاورة.

و قلّما تجد امرأة إلاّ تفسد الكلام و تخلط المعاني،و في مصحف ابن مسعود:(و هو فى الكلام غير مبين).

(5:49)

الطّبرسيّ: يعني المخاصمة،[ثمّ نقل قول قتادة و ابن زيد و قال:]

و إنّما قال: وَ هُوَ فِي الْخِصامِ و لم يقل:و هي، لأنّه حمله على لفظ(من).(5:43)

نحوه ابن الجوزيّ(7:306)،و الخازن(6:110)، و الكاشانيّ(4:386).

الفخر الرّازيّ: وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ يعني أنّها إذا احتاجت المخاصمة و المنازعة عجزت و كانت غير مبين،و ذلك لضعف لسانها،و قلّة عقلها،

ص: 230

و بلادة طبعها.[ثمّ نقل نحو قتادة و قال:]

فهذه الوجوه دالّة على كمال نقصها،فكيف يجوز إضافتهنّ بالولديّة إليه؟!(27:202)

العكبريّ: فِي الْخِصامِ يتعلّق ب مُبِينٌ.

فإن قلت:المضاف إليه لا يعمل فيما قبله؟

قيل:إلاّ في(غير)لأنّ فيها معنى النّفي،فكأنّه قال:

و هو لا يبين في الخصام.و مثله مسألة الكتاب:أنا زيدا غير ضارب،و قيل:ينتصب بفعل يفسّره«ضارب».

و كذا في الآية.(2:1138)

أبو حيّان :أي لا يظهر حجّة و لا يقيم دليلا،و لا يكشف عمّا في نفسه كشفا واضحا.(8:8)

أبو السّعود :أي الجدال الّذي لا يكاد يخلو عنه الإنسان في العادة.(6:29)

نحوه البروسويّ(8:358)،و الآلوسيّ(25:70).

الخصم

وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ.

ص:21

مقاتل:بعث اللّه إلى داود عليه السّلام ملكين،جبرئيل و ميكائيل،لينبّهه على التّوبة،فأتياه و هو في محرابه.

(الواحديّ 3:546)

الطّبريّ: يقول تعالى لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:و هل أتاك يا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم نبأ الخصم؟

و قيل:إنّه عنى بالخصم في هذا الموضع ملكان، و خرج في لفظ الواحد،لأنّه مصدر مثل الزّور و السّفر، و لا يثنّى و لا يجمع.[ثمّ استشهد بشعر](10:566)

نحوه ابن عطيّة(4:497)،و أبو الفتوح(16:

264).

ابن جزيّ: اتّفق النّاس على أنّ هؤلاء الخصم كانوا ملائكة.(3:183)

الزّجّاج: اَلْخَصْمِ، و لفظه لفظ الواحد، و تَسَوَّرُوا لفظ الجماعة،لأنّ قولك:خصم،يصلح للواحد و الاثنين و الجماعة و الذّكر و الأنثى،يقال:

هذا خصم،و هي خصم،و هما خصم،و هم خصم.

و إنّما صلح لجميع ذلك،لأنّه مصدر،تقول:خصمته أخصمه خصما،المعنى هما ذوا خصم و هم ذوو خصم.

و إن قلت:خصوم جاز،كما تقول:هما عدل،و هما ذوا عدل،و قال اللّه تعالى: وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ الطّلاق:2،فمعنى«هما عدل»:هما ذوا عدل.فما كان من المصادر قد وصفت به الأسماء فتوحيده جائز،و إن وصفت به الجماعة،و تذكيره جائز،و إن وصفت به الأنثى،تقول:هو رضى و هما رضى،و كذلك هذه رضى.(4:325)

نحوه القيسيّ.(2:249)،و الواحديّ(الفخر الرّازيّ 26:194)،و الميبديّ(8:336)،و البروسويّ (8:16)،و الآلوسيّ(23:178).

النّحّاس: و خصم:يقع للواحد،و الاثنين، و الجميع،بلفظ واحد،على معنى ذو خصم.و لا اختلاف بين أهل التّفسير أنّه يراد به هاهنا ملكان.(6:94)

نحوه القرطبيّ(15:165)،و الخازن(6:38).

الطّوسيّ: ...و الخصم هو المدّعي على غيره حقّا من الحقوق المنازع له فيه.[ثمّ قال نحو الزّجّاج ملخّصا

ص: 231

و أضاف:]

و لذلك قال: إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ لأنّه أراد المدّعي و المدّعى عليه و من أتبعهما،فلا يمكن أن يتعلّق به في أنّ أقلّ الجمع اثنان،لما قال: خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ لأنّه أراد بذلك الفريقين.(8:551)

نحوه الطّبرسيّ(4:470)،و مغنيّة(6:370).

الزّمخشريّ: الخصم:الخصماء،و هو يقع على الواحد و الجمع كالضّيف،قال اللّه تعالى: حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ الذّاريات:24،لأنّه مصدر في أصله،تقول:خصمه خصما كما تقول:ضافه ضيفا.

فإن قلت:هذا جمع،و قوله: خَصْمانِ تثنية، فكيف استقام ذلك؟

قلت:معنى(خصمان):فريقان خصمان،و الدّليل عليه قراءة من قرأ: (خصمان بغى بعضهم على بعض) ،و نحوه قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ الحجّ:19.

فإن قلت:فما تصنع بقوله: إِنَّ هذا أَخِي ص:

23،و هو دليل على اثنين؟

قلت:هذا قول البعض المراد بقوله: بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ.

فإن قلت:فقد جاء في الرّواية أنّه بعث إليه ملكان؟

قلت:معناه أنّ التّحاكم كان بين ملكين،و لا يمنع ذلك أن يصحبهما آخرون.

فإن قلت:فإذا كان التّحاكم بين اثنين،كيف سمّاهم جميعا خصما في قوله: نَبَأُ الْخَصْمِ و خَصْمانِ ؟

قلت:لمّا كان صحب كلّ واحد من المتحاكمين في صورة الخصم،صحّت التّسمية به.(3:367)

نحوه البيضاويّ(2:307)،و النّسفيّ(4:37)،و أبو السّعود(5:355).

الفخر الرّازيّ: [ذكر قول الواحديّ ثمّ قال:]

و أريد بالخصم هاهنا:الشّخصان اللّذان دخلا على داود عليه السّلام.(26:194)

أبو حيّان :الظّاهر أنّهم كانوا جماعة،فلذلك أتى بضمير الجمع.فإن كان المتحاكمان اثنين،فيكون قد جاء معهم غيرهم على جهة المعاضدة أو المؤانسة،و لا خلاف أنّهم كانوا ملائكة،كذا قال بعضهم.

و قيل:كانا أخوين من بني إسرائيل لأب و أمّ،و الأوّل أشهر.

و قيل:الخصم هنا اثنان،و تجوّز في العبارة فأخبر عنهما إخبار ما زاد على اثنين،لأنّ معنى الجمع في التّثنية.

و قيل:معنى خَصْمانِ :فريقان،فيكون تسوّروا و دخلوا عائدا على الخصم الّذي هو جمع الفريقين،و يدلّ على أنّ خَصْمانِ بمعنى فريقان قراءة من قرأ:

(بغى بعضهم على بعض) .و قال تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ص:23،بمعنى.

فأمّا إِنَّ هذا أَخِي ص:23،و ما روي أنّه بعث إليه ملكان،فالمعنى أنّ التّحاكم كان بين اثنين،و لا يمتنع أن يصحبهما غيرهما.

و أطلق على الجميع:خصم،و على الفريقين:

ص: 232

خصمان،لأنّ من جاء مع متخاصم لمعاضدة فهو في صورة خصم،و لا يبعد أن تطلق عليه التّسمية.

(7:391)

النّيسابوريّ: و الخصم في الأصل مصدر،فلهذا لم يجمعه أوّلا نظرا إلى أصله،و ثنّاه ثانيا بتأويل:

شخصان أو فريقان خصمان،و جمع الضّمائر في قوله:

إِذْ تَسَوَّرُوا، إِذْ دَخَلُوا، فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ، بناء على أنّ أقلّ الجمع اثنان،أو على أنّ صحب كلّ منهما من جملتهما،و الأوّل أظهر،لأنّ القائلين كانا اثنين بالاتّفاق.(23:84)

الطّباطبائيّ: الخصم مصدر كالخصومة،أريد به القوم الّذي استقرّ فيهم الخصومة.(17:191)

مكارم الشّيرازيّ: الخصم:جاءت هنا كمصدر و أكثر الأحيان تطلق على الطّرفين المتنازعين، و تستعمل هذه الكلمة للمفرد و الجمع،و أحيانا تجمع على خصوم.(14:431)

خصمان-اختصموا

1- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ. الحجّ:19

الإمام عليّ عليه السّلام: أنا أوّل من يجثو للخصومة بين يدي الرّحمن.(البحرانيّ 6:528)

أبو ذرّ: أنّهما المسلمون و المشركون حين اقتتلوا في بدر.

نحوه ابن سيرين.(الماورديّ 4:13)

الإمام الحسين عليه السّلام: نحن و بنو أميّة،اختصمنا في اللّه عزّ و جلّ،قلنا:صدق اللّه،و قالوا:كذب اللّه، فنحن و إيّاهم الخصمان يوم القيامة.

(البحرانيّ 6:528)

ابن عبّاس: هذانِ خَصْمانِ أهل دينين من المسلمين و اليهود و النّصارى اِخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ في دين ربّهم،فقال كلّ واحد منهم:أنا أولى باللّه بدينه.

(278)

هم أهل الكتاب،قالوا للمؤمنين:نحن أولى باللّه، و أقدم منكم كتابا،و نبيّنا قبل نبيّكم.و قال المؤمنون:

نحن أحقّ باللّه،آمنّا بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و آمنّا بنبيّكم،و بما أنزل اللّه من كتاب،فأنتم تعرفون كتابنا و نبيّنا،ثمّ تركتموه و كفرتم به حسدا،و كان ذلك خصومتهم في ربّهم.

(الطّبريّ 9:124)

عكرمة : هذانِ خَصْمانِ... هما الجنّة و النّار اختصمتا،فقالت النّار:خلقني اللّه لعقوبته،و قالت الجنّة:خلقني اللّه لرحمته،فقد قصّ اللّه عليك من خبرهما ما تسمع.(الطّبريّ 9:124)

مجاهد :إنّهم أهل الإيمان و الشّرك في اختلافهم في البعث و الجزاء.

مثله عطاء و الحسن.(الماورديّ 4:13)

نحوه عاصم و الكلبيّ.(الطّبريّ 9:124)

هم المؤمنون و الكافرون اِخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ لأنّ المؤمنين قالوا بتوحيد اللّه،و أنّه لا يستحقّ العبادة سواه.و الكفّار أشركوا معه غيره.

مثله الحسن و عطاء.(الطّوسيّ 7:302)

ص: 233

قتادة: إنّهم أهل الكتاب،قالوا:نبيّنا قبل نبيّكم، و كتابنا قبل كتابكم،و نحن خير منكم،فقال المسلمون:كتابنا يقضي على كتابكم،و نبيّنا خاتم الأنبياء،و نحن أولى باللّه منكم.(الماورديّ:4:13)

مصدّق و مكذّب.(ابن كثير 4:625)

زيد بن عليّ: فالخصمان الّذين اختصموا في ربّهم،من الكفّار:عتبة و شيبة ابني ربيعة بن عبد شمس ابن عبد مناف،و الوليد بن عتبة بن ربيعة.

و من المؤمنين:عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،و حمزة بن عبد المطّلب،و عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب بن عبد مناف؛برز بعضهم إلى بعض،و كانوا من الفريقين موضع القلادة من النّحر.(282)

الفرّاء: [نحو ابن عبّاس في قوله الأوّل،و أضاف:]

و قوله: اِخْتَصَمُوا و لم يقل:اختصما،لأنّهما جمعان ليسا برجلين،و لو قيل:اختصما،كان صوابا.

و مثله: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الحجرات:9،يذهب إلى الجمع.و لو قيل:اقتتلتا لجاز، يذهب إلى الطّائفتين.(2:220)

الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و أولى هذه الأقوال عندي بالصّواب،و أشبهها بتأويل الآية،قول من قال:عنى بالخصمين جميع الكفّار من أيّ أصناف الكفر كانوا،و جميع المؤمنين.

و إنّما قلت ذلك أولى بالصّواب،لأنّه تعالى ذكره، ذكر قبل ذلك صنفين من خلقه:

أحدهما:أهل طاعة له بالسّجود له،و الآخر:

أهل معصية له،قد حقّ عليه العذاب،فقال: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ... ثمّ قال: وَ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ الحجّ:18،ثمّ أتبع ذلك صفة الصّنفين كليهما و ما هو فاعل بهما،فقال: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ و قال اللّه: إِنَّ اللّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الحجّ:23.

فإن قال قائل:فما أنت قائل فيما روي عن أبي ذرّ في قوله:إنّ ذلك نزل في الّذين بارزوا يوم بدر؟

قيل:ذلك إن شاء اللّه كما روي عنه،و لكنّ الآية قد تنزل بسبب من الأسباب،ثمّ تكون عامّة في كلّ ما كان نظير ذلك السّبب،و هذه من تلك،و ذلك أنّ الّذين تبارزوا إنّما كان أحد الفريقين أهل شرك و كفر باللّه،و الآخر أهل إيمان باللّه و طاعة له،فكلّ كافر في حكم فريق الشّرك منهما في أنّه لأهل الإيمان خصم، و كذلك كلّ مؤمن في حكم فريق الإيمان منهما في أنّه لأهل الشّرك خصم.

فتأويل الكلام:هذان خصمان اختصموا في دين ربّهم،و اختصامهم في ذلك معاداة كلّ فريق منهما الفريق الآخر،و محاربته إيّاه على دينه.(9:124)

نحوه ابن كثير.(4:625)

الزّجّاج: قوله عزّ و جلّ: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ الخصمان:المؤمنون و الكافرون، جاء في التّفسير:أنّ اليهود قالوا للمسلمين:ديننا أقدم من دينكم،و كتابنا أقدم من كتابكم،فأجابهم المسلمون بأنّا آمنّا بما أنزل إلينا و ما أنزل إليكم، و آمنّا باللّه و ملائكته و كتبه و رسله،لا نفرّق بين أحد

ص: 234

من رسله؛و أنتم كفرتم ببعض الرّسل،فظهرت حجّة المسلمين على الكافرين.و قيل: اِخْتَصَمُوا، و قد قال: خَصْمانِ لأنّهما جمعان.(3:419)

الطّوسيّ: [نقل الأقوال و قال:]

و إنّما جمع قوله: اِخْتَصَمُوا لأنّه أراد ما يختصّون فيه،أو أراد بالخصمين:القبيلتين و خصومهم.

(7:302)

الواحديّ: قوله: هذانِ خَصْمانِ الفرق الخمسة الكافرة (1)خصم و المؤمنون خصم،و قد ذكروا جميعا في قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا. و الخصم يقع على الواحد و الجميع،و لهذا قال: اِخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ لأنّهم جمعان و ليسا برجلين،و مثله: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الحجرات:9.[ثمّ ذكر نحو ابن عبّاس إلى أن قال:]

و كان أبو ذرّ يقسم أنّ هذه الآية نزلت في الّذين بارزوا يوم بدر...و هو ما عليه جماعة المفسّرين.

(3:263)

نحوه البغويّ(3:330)،و الطّبرسيّ(4:77).

الزّمخشريّ: الخصم:صفة وصف بها الفوج أو الفريق،فكأنّه قيل:هذان فوجان أو فريقان مختصمان، و قوله هذانِ للّفظ،و اِخْتَصَمُوا للمعنى،كقوله:

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّى إِذا خَرَجُوا محمّد:16، و لو قيل:هؤلاء خصمان أو اختصما جاز،يراد المؤمنون و الكافرون.قال ابن عبّاس:رجع إلى أهل الأديان السّتّة.(3:9)

نحوه النّسفيّ.(3:96)

ابن عطيّة: اختلف النّاس في المشار إليه بقوله:

(هذان)...[نقل الأقوال إلى أن قال بعد قول مجاهد:]

و هذا قول تعضده الآية،و ذلك أنّه تقدّم قوله: وَ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ المعنى هم مؤمنون ساجدون،ثمّ قال:

وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ الحجّ:18،ثمّ أشار إلى هذين الصّنفين بقوله: هذانِ خَصْمانِ، و المعنى:أنّ الإيمان و أهله و الكفر و أهله خصمان مذ كانا إلى قيام السّاعة بالعداوة و الجدال و الحرب،و قوله تعالى:

خَصْمانِ يريد طائفتين،لأنّ لفظة خصم هي مصدر يوصف به الجمع و الواحد،و يدلّ على أنّه أراد الجمع قوله: اِخْتَصَمُوا فإنّها قراءة الجمهور،و قرأ ابن أبي عبلة (اختصما فى ربّهم) .(4:113)

نحوه ملخّصا ابن جزيّ.(3:38)

الفخر الرّازيّ: [نقل الأقوال و أضاف:]

و الأقرب هو الأوّل[قول الطّبريّ]لأنّ السّبب و إن كان خاصّا فالواجب حمل الكلام على ظاهره.

و قوله: هذانِ كالإشارة إلى من تقدّم ذكره و هم أهل الأديان السّتّة[أي المؤمنون مع الخمسة الكفّار]و أيضا ذكر صنفين:أهل طاعته و أهل معصيته ممّن حقّ عليه العذاب،فوجب أن يكون رجوع ذلك إليهما،فمن خصّ به مشركي العربٌ.

ص: 235


1- و المراد بهم الّذين ذكرهم اللّه قبل هذه الآية،في الآية: 17،من سورة الحجّ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصّابِئِينَ وَ النَّصارى وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.

أو اليهود من حيث قالوا في كتابهم و نبيّهم ما حكينا، فقد أخطأ،و هذا هو الّذي يدلّ عليه قوله: إِنَّ اللّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ الحجّ:17،أراد به الحكم،لأنّ ذكر التّخاصم يقتضي الواقع بعده يكون حكما،فبيّن اللّه تعالى حكمه في الكفّار.(23:21)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ(17:85)،و الخازن (5:28).

العكبريّ: قوله تعالى: خَصْمانِ هو في الأصل مصدر،و قد وصف به،و أكثر الاستعمال توحيد،فمن ثنّاه و جمعه حمله على الصّفات و الأسماء.

و اِخْتَصَمُوا إنّما جمع حملا على المعنى،لأنّ كلّ خصم فريق فيه أشخاص.(2:937)

القرطبيّ: [ذكر بعض الأقوال الماضية ثمّ قال:]

القول الأوّل[قول أبي ذرّ]أصحّ،رواه البخاريّ عن حجّاج بن منهال...

و عن عليّ[عليه السّلام]قال:فينا نزلت هذه الآية و في مبارزتنا يوم بدر: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ إلى قوله: عَذابَ الْحَرِيقِ.

و قرأ ابن كثير: (هذانّ خصمان) بتشديد النّون من (هذان).[ثمّ ذكر قول الفرّاء و أضاف:]

قال النّحّاس:و هذا تأويل من لا دراية له بالحديث،و لا بكتب أهل التّفسير،لأنّ الحديث في هذه الآية مشهور.(12:25)

نحوه طه الدّرّة.(9:177)

البيضاويّ: هذانِ خَصْمانِ أي فوجان مختصمان،و لذلك قال: اِخْتَصَمُوا حملا على المعنى، و لو عكس جاز،و المراد بهما المؤمنون و الكافرون، فِي رَبِّهِمْ :في دينه،أو في ذاته و صفاته.(2:88)

مثله المشهديّ.(6:477)

أبو حيّان :[نقل الأقوال و قال:]

خصم:مصدر،و أريد به هنا الفريق،فلذلك جاء اِخْتَصَمُوا مراعاة للمعنى،إذ تحت كلّ خصم أفراد.

و في رواية عن الكسائيّ:(خصمان)بكسر الخاء، و معنى فِي رَبِّهِمْ في دين ربّهم،و قرأ ابن عبلة:

(اختصما)راعى لفظ التّثنية.(6:360)

الشّربينيّ: اِخْتَصَمُوا أي أوقعوا الخصومة بغاية الجهد، فِي رَبِّهِمْ أي دينه.[ثمّ نقل الأقوال إلى أن قال:]

و عن عكرمة:فقالت النّار:خلقني اللّه لعقوبته، و قالت الجنّة خلقني اللّه لرحمته.

و هذا القول بعيد عن السّياق،لأنّ اللّه تعالى ذكر جزاء الخصمين بقوله تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا و هو الفصل بينهم،المعنيّ بقوله تعالى:[قبلها] إِنَّ اللّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ. (2:543)

أبو السّعود : هذانِ تعيين لطرفي الخصام، و إزاحة لما عسى يتبادر إلى الوهم من كونه بين كلّ واحدة من الفرق السّتّ و بين البواقي،و تحرير لمحلّه، أي فريق المؤمنين و فريق الكفرة،المنقسم إلى الفرق الخمس.(خصمان)،أي فريقان مختصمان.و إنّما قيل: اِخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ حملا على المعنى،أي اختصموا في شأنه عزّ و جلّ،و قيل:في دينه،و قيل:في ذاته و صفاته،و الكلّ من شئونه تعالى،فإنّ اعتقاد كلّ

ص: 236

من الفريقين بحقّيّة ما هو عليه و بطلان ما عليه صاحبه،و بناء أقواله و أفعاله عليه،خصومة للفريق الآخر،و إن لم يجر بينهما التّحاور و الخصام.(4:375)

نحوه البروسويّ(6:18)،و القاسميّ(12:4332)، و المراغيّ(17:102).

شبّر: هذانِ الجمعان من المؤمنين و الكفّار أهل الملل الخمس.

قوله تعالى: خَصْمانِ كلّ منهما خصم للآخر.

قوله تعالى: اِخْتَصَمُوا جمع نظرا إلى المعنى.

(4:234)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و نقل قول الأوّل لابن عبّاس و أضاف:]

و أخرج جماعة عن قتادة نحو ذلك.و اعترض بأنّ الخصام على هذا ليس في اللّه تعالى بل في أيّهما أقرب منه عزّ شأنه؛و أجيب بأنّه يستلزم ذلك،و هو كما ترى.و قيل عليه أيضا:إنّ تخصيص اليهود خلاف مساق الكلام في هذا المقام.

و في«الكشف»قالوا:إنّ هذا لا ينافي ما روي عن ابن عبّاس،من أنّ الآية ترجع إلى أهل الأديان السّتّة في التّحقيق،لأنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.[ثمّ نقل قول أبي ذرّ و قال:]

و أنت تعلم أنّ هذا الاختصام ليس اختصاما في اللّه تعالى،بل منشؤه ذلك،فتأمّل و لا تغفل.

و أمّا ما قيل:من أنّ المراد بهذين الخصمين الجنّة و النّار،فلا ينبغي أن يختلف في عدم قبوله خصمان، أو ينتطح فيه كبشان.

و في الكلام-كما قال غير واحد:[في الآيات:17-25]تقسيم و جمع و تفريق؛فالتّقسيم:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا إلى قوله تعالى: وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، و الجمع: إِنَّ اللّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ إلى قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ و التّفريق في قوله سبحانه: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ، أي أعدّ لهم ذلك،و كأنّه شبّه إعداد النّار المحيطة بهم بتقطيع ثياب و تفصيلها لهم على قدر جثثهم.ففي الكلام استعارة تمثيليّة تهكّميّة،و ليس هناك تقطيع و لا ثياب حقيقة،و كأنّ جمع الثّياب للإيذان بتراكم النّار المحيطة بهم،و كون بعضها فوق بعض.(17:133)

عزّة دروزة :في الآيات إنذار و بشرى لكلّ من المؤمنين و الكفّار،بالمصير الّذي يصيرون إليه يوم القيامة و وصف له.و قد تضمّنت التّقريرات التّالية:

إنّ النّاس يوم القيامة فريقان قد اختلفا في موقفهم من اللّه ربّهم،فمنهم من كفر به،و منهم من آمن و عمل الصّالحات.[إلى أن قال:]

و قد روى المفسّرون أنّ الآيات نزلت في سياق مبارزة وقعت بين فريق من المؤمنين و آخر من المشركين في واقعة بدر،حيث برز الوليد بن عتبة و ولداه شيبة و عتبة و هم من الأسر الرّفيعة في قريش، و طلبوا أن يبرز إليهم أكفاؤهم من بني عمومتهم، قائلين نحن و إيّاهم أحقّ بالخصومة،فبرز إليهم عليّ بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطّلب و عبيدة بن الحارث من الأسرة الهاشميّة.

و روى بعضهم أنّ عليّا بن أبي طالب قال في

ص: 237

مناسبة الآية الأولى:«أنا أوّل من يجثو للخصومة بين يدي اللّه يوم القيامة»،و حمل رواة الشّيعة على كون الخصومة الّتي يجثو لها عليّ هي مع الّذين حرموه من حقّه من الإمامة.و هذا من غرائب تخريجاتهم.على أنّ المفسّرين قالوا إلى ذلك عزوا إلى ابن عبّاس و غيره:

إنّ الخصومة بين أهل الكتاب و المؤمنين،أو بين الكفّار عامّة و المؤمنين عامّة.

و الرّواية الأولى الّتي هي الأحاديث الواردة في صحيح البخاريّ تقتضي أن تكون الآيات مدنيّة،مع أنّ الطّابع و الأسلوب المكّيّان هما البارزان عليها.

و النّفس تطمئنّ إلى القول بعموميّتها،و نرجّح أنّها بسبيل توكيد ما انطوت عليه الآيات السّابقة من صدق الدّعوة النّبويّة و ما فيها من حقّ و هدى،و التّنويه بالّذين استجابوا لها و بشرى لهم،و بسبيل توكيد خطإ الكافرين بها و ضلالهم و إنذارهم.

و أسلوبها التّقريريّ العامّ ممّا يؤيّد ذلك،حيث تضمّن تقرير كون النّاس من الدّعوة النّبويّة فريقين:جاهد ضالّ،و مؤمن مخلص،و لكلّ مصيره الّذي يستحقّه.

و وصف مصير كلّ فريق نافذ يثير الرّغبة و الشّوق و الغبطة من جهة،و الفزع و الرّعب من جهة أخرى.

و هذا و ذاك ممّا استهدفته الآيات كأمثالها العديدة.

(7:87)

الطّباطبائيّ: الإشارة بقوله:(هذان)إلى القبيلين الّذين دلّ عليهما قوله سابقا: إِنَّ اللّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ الحجّ:17،و قوله بعده: وَ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ الحجّ:18،و يعلم من حصر المختلفين على كثرة أديانهم و مذاهبهم في خصمين اثنين،أنّهم جميعا منقسمون إلى محقّ و مبطل، إذ لو لا الحقّ و الباطل لم ينحصر الملل و النّحل على تشتّتها في اثنين البتّة،و المحقّ و المبطل هما المؤمن بالحقّ و الكافر به،فهذه الطّوائف على تشتّت أقوالهم ينحصرون في خصمين اثنين،و على انحصارهم في خصمين اثنين لهم أقوال مختلفة فوق اثنين،فما أحسن تعبيره بقوله: خَصْمانِ اخْتَصَمُوا حيث لم يقل «خصوم اختصموا»و لم يقل:«خصمان اختصما».

و قد جعل اختصامهم في ربّهم أي أنّهم اختلفوا في وصف ربوبيّته تعالى،فإلى وصف الرّبوبيّة يرجع اختلافات المذاهب بالغة ما بلغت،فهم بين من يصف ربّه بما يستحقّه من الأسماء و الصّفات و ما يليق به من الأفعال،فيؤمن بما وصف و هو الحقّ،و يعمل على ما يقتضيه وصفه و هو العمل الصّالح،فهو المؤمن العامل بالصّالحات،و من لا يصفه بما يستحقّه من الأسماء و الصّفات كمن يثبت له شريكا أو ولدا،فينفي وحدانيّته،أو يسند الصّنع و الإيجاد إلى الطّبيعة أو الدّهر،أو ينكر النّبوّة أو رسالة بعض الرّسل، أو ضروريّا من ضروريّات الدّين الحقّ،فيكفر بالحقّ و يستره،و هو الكافر،فالمؤمن بربّه و الكافر بالمعنى الّذي ذكرهما الخصمان.(14:360)

مكارم الشّيرازيّ: أشارت الآية السّابقة إلى المؤمنين و طوائف مختلفة من الكفّار،و حدّدتهم بستّ فئات.أمّا هنا فتقول: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ أي أنّ الخصام بين مجموعتين،هما:طوائف

ص: 238

الكفّار الخمس من جهة،و المؤمنون الحقيقيّون من جهة أخرى.و إذا تفحّصنا الأمر وجدنا أساس الخلاف بين الأديان في ذات اللّه تعالى و صفاته،و هو يمتدّ إلى الخلاف في النّبوّة و المعاد.لهذا لا ضرورة إلى القول:بأنّ النّاس مختلفون في دين اللّه.إذ أنّ أساس الخلاف و جذوره يعود إلى الخلاف في توحيده تعالى فقط.فجميع الأديان قد حرّفت،و الباطل منها قد اختلط بنوع من الشّرك،و بدت دلائله في جميع اعتقادات أصحاب هذه الأديان.(10:278)

فضل اللّه : هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فمنهم من كفر باللّه،و منهم من آمن به.و عاشوا الحياة صراعا فيما بينهم،لأنّ لكلّ منهم خطّا فكريّا و موقعا للحكم و للسّياسة و للحياة مختلفا يدور القتال حوله، كما أنّ لكلّ منهم قيادات و أتباعا و أوضاعا..و تبقى الحياة،و يبقى هذان الخصمان على صراعهما ليحكما الحياة منذ البداية إلى النّهاية،و لكن ما ذا بعد الحياة عند ما يقوم النّاس لربّ العالمين؟!(16:41)

2- إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ...

ص:22

ابن عبّاس: نحن(خصمان).(381)

نحوه القيسيّ(2:249)،و الزّمخشريّ(3:368)، و النّسفيّ(4:37)،و الخازن(6:39).

الفرّاء: قوله: خَصْمانِ رفعته بإضمار«نحن خصمان»،و العرب تضمر للمتكلّم و المكلّم المخاطب ما يرفع فعله.و لا يكادون يفعلون ذلك بغير المخاطب أو المتكلّم.من ذلك أن تقول للرّجل:أ ذاهب؟أو أن يقول المتكلّم:و اصلكم إن شاء اللّه و محسن إليكم.

و ذلك أنّ المتكلّم و المكلّم حاضران،فتعرف معنى أسمائهما إذا تركت.و أكثره في الاستفهام؛يقولون:

أ جادّ،أ منطلق؟.و قد يكون في غير الاستفهام.فقوله:

خَصْمانِ من ذلك...

و لو جاء في الكتاب:خصمين بغى بعضنا،لكان صوابا بضمير أتيناك خصمين،جئناك خصمين فلا تخفنا...

و الرّفع فيه جائز على الوجوه الأوّل.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:401)

نحوه الطّبريّ.(10:566)

الزّجّاج: القراءة الرّفع،و الرّافع ل خَصْمانِ :

نحن،و المعنى نحن خصمان،و لو كان في الكلام:لا تخف خصمين بغى بعضنا على بعض لجاز،على معنى:

أتيناك خصمين،لأنّه أنكر إتيانهم و إتيان الخصوم قد كان يعتاده (1)كثيرا.(4:326)

عبد الجبّار: مسألة:و ربّما قيل في قوله تعالى: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ* إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى... إنّ في هذه الآيات مطاعن، منها:تسوّرهم عليه و هم خصمان،كيف يصحّ؟و منها:أنّه جمع بقوله: تَسَوَّرُوا و ثنّى بقوله:ا.

ص: 239


1- جاء في الهامش:كان الخصوم يتردّدون عليه كثيرا.

خَصْمانِ و بقوله: إِنَّ هذا أَخِي و بقوله: لَقَدْ ظَلَمَكَ [إلى أن قال:]

و أمّا التّثنية و الجمع فيجوز في اللّغة في هذا المكان، فإنّ قوله: خَصْمانِ يدلّ على اثنين و قد يذكر ذلك و يراد أكثر،بأن يكون مع المتداعيين غيرهما،و إنّما وصفا بذلك من حيث تصوّرا بصورة الخصمين كيما ينبّها داود عليه السّلام.(357)

الماورديّ: قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ و كانا ملكين و لم يكونا خصمين و لا باغيين،و لا يأتي منهما كذب،و تقدير كلامهما:ما تقول:إن أتاك خصمان،و قالا:بغى بعضنا على بعض و ثنّى بعضهم هنا و جمعه في الأوّل،حيث قال: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ لأنّ جملتهم جمعت،و هم فريقان،كلّ واحد منهما خصم.(5:86)

الطّوسيّ: ...إنّ هؤلاء حين دخلوا على داود...

قالوا له: خَصْمانِ و لم يقولا:نحن خصمان،يعني فريقان،لأنّهما كانا ملكين و لم يكونوا خصمين و لا بغى أحدهما على الآخر،و إنّما هو على المثل.

(8:551)

أبو البركات: خَصْمانِ مرفوع،لأنّه خبر مبتدإ محذوف،و تقديره:نحن خصمان،فحذف المبتدأ.

(2:314)

ابن الجوزيّ: خَصْمانِ مرفوع بإضمار«نحن» قال ابن الأنباريّ:المعنى نحن كخصمين،و مثل خصمين فسقطت الكاف،و قام الخصمان مقامهما،كما تقول العرب:عبد اللّه القمر حسنا،و هم يريدون:مثل القمر.

[ثمّ استشهد بشعر](7:118)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى: خَصْمانِ خبر مبتدإ محذوف، أي نحن خصمان.

المسألة الثّانية:هاهنا قولان:

الأوّل:أنّهما كانا ملكين،نزلا من السّماء و أرادا تنبيه داود عليه السّلام على قبح العمل الّذي أقدم عليه.

و الثّاني:أنّهما كانا إنسانين،دخلا عليه للشّرّ و القتل،فظنّا أنّهما يجدانه خاليا،فلمّا رأيا عنده جماعة من الخدم،اختلقا ذلك الكذب لدفع الشّرّ.

و أمّا المنكرون لكونهما ملكين،فقد احتجّوا عليه بأنّهما لو كانا ملكين،لكانا كاذبين في قولهما:

خَصْمانِ، فإنّه ليس بين الملائكة خصومة،و لكانا كاذبين في قولهما: بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ و لكانا كاذبين في قولهما: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً، فثبت أنّهما لو كانا ملكين لكانا كاذبين، و الكذب على الملك غير جائز،لقوله تعالى: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ الأنبياء:27،و لقوله: وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ النّحل:50.

أجاب الذّاهبون إلى القول الأوّل عن هذا الكلام، بأن قالوا:إنّ الملكين إنّما ذكرا هذا الكلام على سبيل ضرب المثل،لا على سبيل التّحقيق،فلم يلزم الكذب.

و أجيب عن هذا الجواب:بأنّ ما ذكرتم يقتضي العدول عن ظاهر اللّفظ،و معلوم أنّه على خلاف الأصل.أمّا إذا حملنا الكلام على أنّ الخصمين كانا رجلين دخلا عليه لغرض الشّرّ ثمّ وضعا هذا الحديث

ص: 240

الباطل،فحينئذ لزم إسناد الكذب إلى شخصين فاسقين،فكان هذا أولى من القول الأوّل.و اللّه أعلم.

و أمّا القائلون بكونهما ملكين فقد احتجّوا بوجوه:

الأوّل:اتّفاق أكثر المفسّرين عليه.

و الثّاني:أنّه أرفع منزلة من أن يتسوّر عليه آحاد الرّعيّة في حال تعبّده،فيجب أن يكون ذلك من الملائكة.

الثّالث:أنّ قوله تعالى: قالُوا لا تَخَفْ كالدّلالة على كونهما ملكين،لأنّ من هو من رعيّته لا يكاد يقول له مثل ذلك،مع رفعة منزلته.

الرّابع:أنّ قولهما: وَ لا تُشْطِطْ كالدّلالة على كونهما ملكين،لأنّ أحدا من رعيّته لا يتجاسر أن يقول له:لا تظلم و لا تتجاوز عن الحقّ.

و اعلم أنّ ضعف هذه الدّلائل ظاهر،و لا حاجة إلى الجواب.و اللّه أعلم.(26:195)

القرطبيّ: إن قيل:كيف يجوز أن يقول الملكان: خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ و ذلك كذب،و الملائكة عن مثله منزّهون.

فالجواب عنه:أنّه لا بدّ في الكلام من تقدير؛ فكأنّهما قالا:قدّرنا كأنّنا خصمان بغى بعضنا على بعض،فاحكم بيننا بالحقّ،و على ذلك يحمل قولهما:

إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً لأنّ ذلك و إن كان بصورة الخبر،فالمراد إيراده على طريق التّقدير لينبّه داود على ما فعل.و اللّه أعلم.[إلى أن قال:]

إن قيل:كيف قال: خَصْمانِ و قبل هذا إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ؟

فقيل:لأنّ الاثنين جمع؛قال الخليل:كما تقول:

نحن فعلنا،إذا كنتما اثنين.و قال الكسائيّ:جمع لما كان خبرا،فلمّا انقضى الخبر و جاءت المخاطبة،خبّر الاثنان عن أنفسهما،فقالا خصمان.

و قال الزّجّاج:المعنى نحن خصمان.

و قال غيره:القول محذوف،أي يقول خصمان بغى بعضنا على بعض.قال الكسائيّ:و لو كان بغى بعضهما على بعض،لجاز.[ثمّ نقل قول الماورديّ و قال:]

و قيل:أي نحن فريقان من الخصوم بغى بعضنا على بعض.و على هذا يحتمل أن تكون الخصومة بين اثنين و مع كلّ واحد جمع.و يحتمل أن يكون لكلّ واحد من هذا الفريق خصومة مع كلّ واحد من الفريق الآخر،فحضروا الخصومات،و لكن ابتدأ منهم اثنان، فعرف داود بذكر النّكاح (1)القصّة.و أغنى ذلك عن التّعرّض للخصومات الأخر.(15:170)

البيضاويّ: نحن فوجان متخاصمان،على تسمية مصاحب الخصم خصما.(2:307)

نحوه الشّربينيّ(3:406)،و أبو السّعود(5:356).

النّيسابوريّ: أي نحن خصمان،و الخصم في الأصل:مصدر،فلهذا لم يجمعه أوّلا نظرا إلى أصله، و ثنّاه ثانيا بتأويل شخصان أو فريقان خصمان،و جمع الضّمائر في قوله: إِذْ تَسَوَّرُوا، إِذْ دَخَلُوا، فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ، بناء على أنّ أقلّ الجمع اثنان،أو!!

ص: 241


1- كذا!!

على أنّ صحب كلّ منهما من جملتهما.و الأوّل أظهر، لأنّ القائلين كانا اثنين بالاتّفاق.(23:84)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّهم كانوا جماعة،فلذلك أتى بضمير الجمع.فإن كان المتحاكمان اثنين،فيكون قد جاء معهم غيرهم على جهة المعاضدة أو المؤانسة.

و لا خلاف أنّهم كانوا ملائكة،كذا قال بعضهم.

و قيل:كانا أخوين من بني إسرائيل لأب و أمّ، و الأوّل أشهر.

و قيل:الخصم هنا اثنان،و تجوّز في العبارة فأخبر عنهما إخبار ما زاد على اثنين،لأنّ معنى الجمع في التّثنية.

و قيل:معنى خَصْمانِ :فريقان،فيكون تَسَوَّرُوا و دَخَلُوا عائدا على الخصم الّذي هو جمع الفريقين،و يدلّ على أن خَصْمانِ بمعنى فريقان قراءة من قرأ: (بغى بعضهم على بعض) .و قال تعالى:

هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ،

بمعنى فأمّا إنّ هذا أخي.

و ما روي أنّه بعث إليه ملكان،فالمعنى:أنّ التّحاكم كان بين اثنين،و لا يمتنع أن يصحبهما غيرهما.

و أطلق على الجميع:خصم،و على الفريقين:

خصمان،لأنّ من جاء مع متخاصم لمعاضدة فهو في صورة خصم،و لا يبعد أن تطلق عليه التّسمية.[إلى أن قال:]

خَصْمانِ يحتمل أن يكون هذا موصولا

بقولهما: لا تَخَفْ، بادرا بإخبار ما جاءا إليه.

و يحتمل أن يكون سألهم:ما أمركم؟فقالوا: خَصْمانِ أي نحن خصمان بغى،أي جار، بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ [ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ أبو يزيد الجرّاد،عن الكسائيّ: (خصمان) ، بكسر الخاء؛و في أمرهم له و نهيهم ببعض فظاظة على الحكّام،حمل على ذلك ما هم فيه من التّخاصم و التّشاجر،و استدعوا عدله من غير ارتياب في أنّه يحكم بالعدل.(7:391)

نحوه السّمين(5:531)،و البروسويّ(8:16).

الطّباطبائي:أي نحن خصمان،أي فريقان متخاصمان،تجاوز بعضنا ظلما على بعض.[إلى أن قال:]

قوله تعالى: إِنَّ هذا أَخِي إلى آخر الآية بيان لخصومتهم و قوله: إِنَّ هذا أَخِي كلام لواحد من أحد الفريقين يشير إلى آخر من الفريق الآخر بأنّ هذا أخي له...إلخ.

و بهذا يظهر فساد ما استدلّ بعضهم بالآية على أنّ أقلّ الجمع اثنان،لظهور و قوله: إِذْ تَسَوَّرُوا، إِذْ دَخَلُوا في كونهم جمعا،و دلالة قوله: خَصْمانِ، هذا أَخِي على الاثنينيّة.

و ذلك لجواز أن يكون في كلّ واحد من جانبي التّثنية أكثر من فرد واحد،قال تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا الحجّ:19،و جواز أن يكون أصل الخصومة بين فردين،ثمّ يلحق بكلّ منهما غيره لإعانته في دعواه.(17:192)

مغنيّة:ليس في الآيات أيّ ذكر للملائكة، و المفهوم من كلمة«الخصمين»اثنان من النّاس،

ص: 242

فتأويلهما بملكين لا مبرّر له.(6:373)

طه الدّرّة:لقد اختلف بشأن الخصمين،و كيف جمعا بواو الجماعة بالأفعال الثّلاثة«تسوروا،دخلوا، قالوا»فجمعا لأنّ الخصم مصدر يدلّ على الجمع، فجمع على المعنى،و تقديره ذوو الخصم.[إلى أن قال:]

هذا،و إنّما قال هنا:(خصمان)بعد قوله في الآية السّابقة: إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ على تأويل خصمان:

بفريقان.(12:270)

مكارم الشّيرازيّ: الخصم،جاءت هنا كمصدر و أكثر الأحيان تطلق على الطّرفين المتنازعين، و تستعمل هذه الكلمة للمفرد و الجمع،و أحيانا تجمع على خصوم.(14:431)

فضل اللّه :هل هذان الخصمان من الملائكة كما يتحدّث بعض المفسّرين أو من غيرهم؟

قد يطرح الاحتمال الأوّل من خلال ظهور خصوصيّات القصّة في ذلك،كتسوّرهم المحراب و دخولهم عليه دخولا غير عاديّ بحيث أفزعوه،ممّا لا يعهد حصوله من البشر،و كذا تصوّره بأنّ ما حدث كان فتنة من اللّه له واقعة عاديّة،ممّا قد يوحي بأنّه لم يجدهما أمامه بعد الحكم،فقد غابا عنه بشكل غير طبيعيّ،و قد نفهم ذلك من قوله تعالى: فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى الظّاهر في أنّ اللّه ابتلاه لينبّهه و يسدّده في خلافته و حكمه بين النّاس،كلّ ذلك يؤيّد كونهم من الملائكة،و قد تمثّلوا له في صورة رجال من الإنس.و قد لا يرى البعض في ذلك كلّه دليلا على ما تقدّم،فيعتبر ما حدث شيئا عاديّا قد يحدث لأيّ واحد من النّاس.(19:248)

يختصمون

1- ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ. آل عمران:44

ابن عبّاس: إِذْ يَخْتَصِمُونَ يتكلّمون بالحجّة لتربية مريم.(47)

إنّهم تشاجروا عليها و تنازعوا فيها طلبا لكفالتها، فقال زكريّا:أنا أحقّ بها،لأنّ خالتها عندي،و قال القوم:نحن أحقّ بها،لأنّها بنت إمامنا و عالمنا، فاقترعوا عليها بإلقاء أقلامهم-و هي القداح- مستقبلة لجرية الماء،فاستقبلت عصا زكريّا لجرية الماء مصعدة،و انحدرت أقلامهم،فقرعهم زكريّا،و هو معنى قوله تعالى: وَ كَفَّلَها آل عمران:37.

مثله عكرمة،و الحسن،و الرّبيع.

(الماورديّ 1:393)

هؤلاء جماعة كانوا من الأنبياء اختصموا في مريم، كلّ واحد يقول:أنا أولى بها،فقال زكريّا:هي بنت عمّي،و خالتها عندي،قالوا:فتعالوا حتّى نستهم، فجمعوا سهامهم ثمّ أتوا بها إلى الماء،و قالوا:اللّهمّ من كان أولى بها فليقم سهمه و ليغرق البقيّة،و ألقوا سهامهم فارتزّ[فوقف على الماء]قلم زكريّا و انحدرت أقلام الباقين،فقرعهم زكريّا.(الواحديّ 1:436)

ص: 243

سعيد بن جبير:إنّهم تدافعوا كفالتها،لأنّ زكريّا قد كان كفل بها من غير اقتراع،ثمّ لحقهم أزمة ضعف بها عن حمل مئونتها،فقال للقوم:ليأخذها أحدكم، فتدافعوا كفالتها و تمانعوا منها،فأقرع بينهم و بين نفسه فخرجت القرعة له.(الماورديّ 1:393)

قتادة :كانت مريم ابنة إمامهم و سيّدهم (1)فتشاحّ عليها بنو إسرائيل،فاقترعوا فيها بسهامهم أيّهم يكفّلها،فقرعهم زكريّا،و كان زوج أختها، وَ كَفَّلَها زَكَرِيّا يقول:ضمّها إليه.

(الطّبريّ 3:267)

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه:و ما كنت،يا محمّد،عند قوم مريم،إذ يختصمون فيها أيّهم أحقّ بها و أولى.[إلى أن قال:]

عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ أي ما كنت معهم إذ يختصمون فيها.

يخبره بخفيّ ما كتموا منه من العلم عندهم،لتحقيق نبوّته و الحجّة عليهم،لما يأتيهم به ممّا أخفوا منه.

(3:267)

نحوه النّحّاس.(1:400)

الزّجّاج: إِذْ يَخْتَصِمُونَ (اذ)نصب بقوله: وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ و(اذ)الثّانية معلّقة ب يَخْتَصِمُونَ أي إذ يختصمون إذ قالت الملائكة،ف(اذ)منصوبة ب يَخْتَصِمُونَ. و يكون المعنى:أنّهم اختصموا بسبب مريم و عيسى،و جائز أن يكون نصب(اذ)على وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ. (1:411)

العيّاشيّ: يَخْتَصِمُونَ في مريم عند ولادتها بعيسى عليه السّلام.(1:307)

القمّيّ: لمّا ولدت،اختصم آل عمران فيها، فكلّهم قالوا:نحن نكفلها،فخرجوا و قارعوا بالسّهام بينهم،فخرج سهم زكريّا فتكفّلها زكريّا.(1:102)

الثّعلبيّ: في كفالتها.(3:68)

مثله البغويّ.(1:440)

القيسيّ: العامل في(اذ) يَخْتَصِمُونَ أي يختصمون حين قالت الملائكة.و يجوز أن يعمل فيها وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ الثّاني،كما عمل الأوّل في إِذْ يُلْقُونَ. (1:141)

الطّوسيّ: فيه دلالة على أنّهم قد بلغوا في التّشاحّ عليها إلى حدّ الخصومة،و في وقت التّشاحّ قولان:

أحدهما:حين ولادتها و حمل أمّها إيّاها إلى الكنيسة،تشاحّوا في الّذي يخصّها و يحضنها و يكفل بتربيتها،و هو الأكثر.

و قال بعضهم:إنّه كان ذلك بعد كبرها و عجز زكريّا عن تربيتها.(2:460)

نحوه الطّبرسيّ.(1:441)

الزّمخشريّ: إِذْ يَخْتَصِمُونَ في شأنها تنافسا في التّكفّل بها.(1:430)

نحوه البيضاويّ(1:60)،و الخازن(1:292)، و ابن جزيّ(1:107)،و الكاشانيّ(1:312)،7)

ص: 244


1- و هو عمران بن ما ثان،كانوا أهل بيت صالح من اللّه بمكان.(الواحديّ 1:437)

و المشهديّ(2:86)،و القاسميّ(4:842).

ابن عطيّة: معناه يتراجعون القول الجهير في أمرها.(1:435)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في السّبب الّذي لأجله رغبوا في كفالتها حتّى أدّتهم تلك الرّغبة إلى المنازعة، فقال بعضهم:إنّ عمران أباها كان رئيسا لهم و مقدّما عليهم،فلأجل حقّ أبيها رغبوا في كفالتها.

و قال بعضهم:إنّ أمّها حرّرتها لعبادة اللّه تعالى، و لخدمة بيت اللّه تعالى،و لأجل ذلك حرصوا على التّكفّل بها.

و قال آخرون:بل لأنّ في الكتب الإلهيّة كان بيان أمرها و أمر عيسى عليه السّلام حاصلا،فتقرّبوا لهذا السّبب حتّى اختصموا.

[و]اختلفوا في أنّ أولئك المختصمين من كانوا؟

فمنهم من قال:كانوا هم خدمة البيت،و منهم من قال:بل العلماء و الأحبار و كتّاب الوحي،و لا شبهة في أنّهم كانوا من الخواصّ و أهل الفضل في الدّين، و الرّغبة في الطّريق.

أمّا قوله: وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ فالمعنى و ما كنت هناك إذ يتقارعون على التّكفّل بها،و إذ يختصمون بسببها فيحتمل أن يكون المراد بهذا الاختصام ما كان قبل الإقراع،و يحتمل أن يكون اختصاما آخر حصل بعد الإقراع،و بالجملة فالمقصود من الآية شدّة رغبتهم في التّكفّل بشأنها،و القيام بإصلاح مهمّاتها،و ما ذاك إلاّ لدعاء أمّها حيث قالت:

فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ آل عمران:35، و قالت: إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَ ذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ آل عمران:36.(8:49)

نحوه النّيسابوريّ(3:192)،و أبو حيّان ملخّصا (2:459)،و المراغيّ(3:150).

العكبريّ: إِذْ يَخْتَصِمُونَ مثل إِذْ يُلْقُونَ و يختصمون بمعنى اختصموا،و كذلك يُلْقُونَ أي ألقوا.و يجوز أن يكون حكى الحال.(1:259)

ابن عربيّ: يتنازعون و يتجاذبون في طلب الرّئاسة عند ظهوره قبل الرّياضة،و في حالها إذ غلبت ملائكة القوى الرّوحانيّة بتوفيق الحقّ بعد الرّياضة.

(1:186)

الشّربينيّ: في كفالتها فتعرف ذلك فتخبر به.

و إنّما عرفته من جهة الوحي.(1:214)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و قال:]

و تكرير ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ مع تحقّق المقصود بعطف إِذْ يَخْتَصِمُونَ على إِذْ يُلْقُونَ كما في قوله عزّ و جلّ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَ إِذْ هُمْ نَجْوى الإسراء:47،للدّلالة على أنّ كلّ واحد من عدم حضوره عليه السّلام عند إلقاء الأقلام و عدم حضوره عند الاختصام مستقلّ بالشّهادة على نبوّته عليه السّلام،لا سيّما إذا أريد باختصامهم:تنازعهم قبل الاقتراع،فإنّ تغيير التّرتيب في الذّكر مؤكّد له.

(1:368)

نحوه الآلوسيّ.(3:159)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و في الآية دلالة على فضيلة مريم،حيث اصطفاها

ص: 245

اللّه على نساء العالمين.فإنّ جميع ما ذكر من التّربية الجسمانيّة اللاّئقة بحال صغرها و التّربية الرّوحانيّة المتعلّقة بحال كبرها،لم يتّفق لغيرها من الإناث.

(2:33)

رشيد رضا : إِذْ يَخْتَصِمُونَ في ذلك،و لم يتّفقوا على كفالتها إلاّ بعد القرعة.(3:301)

الطّباطبائيّ: و في هذه الجملة دلالة على أنّ الاختصام الّذي يدلّ عليه قوله: وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ إنّما هو اختصامهم و تشاحّهم في كفالة مريم،و أنّهم لم يتناهوا حتّى تراضوا بالاقتراع بينهم، فضربوا بالقرعة،فخرج السّهم لزكريّا،فكفلها بدليل قوله: وَ كَفَّلَها زَكَرِيّا... آل عمران:37.

و ربّما احتمل بعضهم أنّ هذا الاختصام و الاقتراع بعد كبرها و عجز زكريّا عن كفالتها،و كأنّ منشأه ذكر هذا الاقتراع و الاختصام بعد تمام قصّة ولادتها و اصطفائها و ذكر كفالة زكريّا في أثنائها،فيكونان واقعتين اثنتين.(3:190)

فضل اللّه :فقد كان التّنافس بينهم شديدا حتّى بلغ حدّ الخصومة،لأنّ الظّاهر أنّ كفالة مريم كانت تمثّل لهم امتيازا يمنحهم الشّرف،و ينفتح بهم على الخير،و هكذا كانت النّتيجة خروج القرعة على اسم زكريّا عليه السّلام،الّذي أراد اللّه له أن يكون الكفيل لمريم عليها السّلام،لأنّه يمثّل الإنسان النّبيّ الصّالح الّذي يمكن أن يحقّق لها النّموّ الطّبيعيّ و التّربية الصّالحة.

(6:11)

2- قالُوا وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ. الشّعراء:96

ابن عبّاس: يختصمون مع آلهتهم و رؤسائهم و ذرّيّة إبليس.(310)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:قال هؤلاء الغاوون و الأنداد الّتي كانوا يعبدونها من دون اللّه و جنود إبليس،و هم في الجحيم يختصمون.(9:455)

الطّوسيّ: يقول اللّه تعالى مخبرا عن هؤلاء الكفّار أنّهم إذا حصلوا في الجحيم يَخْتَصِمُونَ و الاختصام منازعة كلّ واحد منهم صاحبه بما فيه إنكار عليه و إغلاظ له،يقال:اختصما في الأمر اختصاما، و تخاصما تخاصما،و خاصمه مخاصمة.(8:37)

الواحديّ: مع معبوديهم.(3:356)

نحوه البغويّ(3:472)،و الشّربينيّ(3:21)، و المشهديّ(7:266).

الزّمخشريّ: يجوز أن ينطق اللّه الأصنام حتّى يصحّ التّقاول و التّخاصم،و يجوز أن يجري ذلك بين العصاة و الشّياطين.(3:119)

مثله النّسفيّ.(3:189)

ابن عطيّة: إنّ أهل النّار يختصمون فيها و يتلاومون،و يأخذون بشأنهم بجدال.(4:236)

الطّبرسيّ: يَخْتَصِمُونَ في موضع نصب على الحال،و يجوز أن يكون يَخْتَصِمُونَ خبر المبتدإ، و(فيها)يتعلّق به،فيكون منصوبا بإضمار«أن»في جواب التّمنّيّ...أي قال هؤلاء و هم في النّار يخاصم بعضهم بعضا.(4:193)

ابن الجوزيّ: هم و آلهتهم.(6:132)

ص: 246

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ ظاهر ذلك أنّ من عبد خاصم المعبود و خاطبه بهذا الكلام،فليس يخلو حال الأصنام من وجهين:إمّا أن يخلقها اللّه تعالى في الآخرة جمادا يعذّب بها أهل النّار،فحينئذ لا يصحّ أن تخاطب، و يجب حمل قولهم: إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ على أنّه ليس بخطاب لهم،أو يقال:إنّه تعالى يحييها في النّار، و ذلك أيضا غير جائز،لأنّه لا ذنب لها بأن عبدها غيرها.

فالأقرب أنّهم ذكروا ذلك لمّا رأوا صورها على وجه الاعتراف بالخطإ العظيم،و على وجه النّدامة لا على سبيل المخاطبة.(24:152)

القرطبيّ: يعني الإنس و الشّياطين و الغاوين و المعبودين اختصموا حينئذ.(13:116)

البيضاويّ: على أنّ اللّه ينطق الأصنام فتخاصم العبدة،و يؤيّده الخطاب في قوله: إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ أي في استحقاق العبادة.

و يجوز أن تكون الضّمائر للعبدة كما في(قالوا،) و الخطاب للمبالغة في التّحسّر و النّدامة.و المعنى أنّهم مع تخاصمهم في مبدإ ضلالهم معترفون بانهماكهم في الضّلالة،متحسّرون عليها.(2:161)

نحوه أبو السّعود(5:49)،و الآلوسيّ(19:103).

النّيسابوريّ: قال أكثر المفسّرين:يجوز أن ينطق اللّه الأصنام بحيث يصحّ منها التّخاصم.

و قيل:إنّ هذا التّخاطب بين العصاة و الشّياطين، إذ سوّوهم بربّ العالمين.(19:61)

الخازن :العابدين و المعبودين.(5:100)

أبو حيّان:(قالوا)أي عبّاد الأصنام،و الجملة بعده حال و المقول:جملة القسم و متعلّقه.(7:27)

نحوه السّمين(5:280)،و ابن عاشور(19:192).

البروسويّ: أي و الحال أنّهم في الجحيم بصدد الاختصام،مع من معهم من المذكورين مخاطبين لمعبوداتهم،على أنّ اللّه تعالى يجعل الأصنام صالحة للاختصام،بأن يعطيها القدرة على النّطق و الفهم.

قال أبو اللّيث:و معناه:قالوا و هم يختصمون فيها على معنى التّقديم.(6:289)

شبّر:مع الأصنام.(4:392)

الشّوكانيّ: و جملة قالُوا وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ مستأنفة،جواب سؤال مقدّر،كأنّه قيل:ما ذا قالوا حين فعل بهم ما فعل؟و مقول القول: تَاللّهِ إِنْ كُنّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ و جملة: وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ في محلّ نصب على الحال،أي قالوا هذه المقالة حال كونهم في جهنّم مختصمين.(4:135)

المراغيّ: أي يخاصمون من معهم من الأصنام و الشّياطين.(19:76)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: قالُوا وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ إلى قوله: إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ الظّاهر أنّ القائلين هم الغاوون،و الاختصام واقع بينهم يخاصمون أنفسهم و الشّياطين،على ما ذكره اللّه سبحانه في مواضع من كلامه.(15:290)

طه الدّرّة:يعني الإنس و الشّياطين،و الغاوين و المعبودين،اختصموا حينئذ على أنّ اللّه ينطق الأصنام فتخاصم العبدة.و هذا الخصام كرّره القرآن،كثيرا في

ص: 247

آياته،و مثله خصام الأتباع و المتبوعين.(10:175)

مكارم الشّيرازيّ: المخاصمة بين العبدة الضّالّين و معبوديهم.(11:357)

فضل اللّه :يختصمون عند ما يواجهون الحقيقة الصّعبة الّتي عاشوا حركة المسئوليّة،من خلال ما عاشوه في الدّنيا من علاقاتهم الاجتماعيّة، فيستذكرون في وعيهم الذّاتيّ،كيف كانوا يخضعون لبعضهم البعض،في التّوجيه السّيّئ الّذي كانوا يتحرّكون فيه.(17:130)

3- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ. النّمل:45

ابن عبّاس: يتخاصمون في الدّين.(319)

مثله البغويّ(3:508)،و البيضاويّ(2:178)، و نحوه شبّر(4:430).

مجاهد :يختلفون.(الطّبريّ 9:531)

اختلفوا أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ الأعراف:75.(الماورديّ 4:218)

و بهذا المعنى أيضا روي عن أئمّة أهل البيت.

(القمّيّ 2:133)

قتادة :إنّ القوم بين مصدّق و مكذّب،مصدّق بالحقّ و نازل عنده،و مكذّب بالحقّ تاركه،في ذلك كانت خصومة القوم.(الدّرّ المنثور 6:369)

مقاتل:و اختصامهم ما ذكر في سورة الأعراف:

قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ... الأعراف:75-77.

(البغويّ 3:508)

نحوه ابن عطيّة(4:263)،و النّسفيّ(3:215).

الفرّاء: مختلفون،مؤمن و مكذّب.(2:295)

الطّبريّ: يقول:فلمّا أتاهم صالح داعيا لهم إلى اللّه،صار قومه من ثمود فيما دعاهم إليه فريقين يختصمون:ففريق مصدّق صالحا مؤمن به،و فريق مكذّب به كافر بما جاء به.(9:530)

الزّجّاج: أي فإذا قوم صالح فريقان:مؤمن و كافر يختصمون،فيقول كلّ فريق منهم:الحقّ معي،و طلبت الفرقة الكافرة على تصديق صالح العذاب (1)(4:123)

نحوه الواحديّ(3:380)،و الطّبرسيّ(4:226)، و الخازن(5:126)،و ابن جزيّ(3:97).

الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:أن تقول كلّ فرقة:نحن على الحقّ دونكم.و الثّاني:[قول مجاهد]

(4:218)

نحوه ابن الجوزيّ.(6:180)

الزّمخشريّ: فريقان:فريق مؤمن،و فريق كافر.و قيل:أراد بالفريقين:صالح عليه السّلام و قومه قبل أن يؤمن منهم أحد(يختصمون)يقول كلّ فريق:الحقّ معي.(3:151)

نحوه الشّربينيّ.(3:64)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله:(يختصمون)فالمعنى أنّ الّذين آمنوا،لأنّهم نظروا في حجّته فعرفوا صحّتها، و إذا كان كذلك فلا بدّ و أن يكون خصما لمن لم يقبلها،ا.

ص: 248


1- جاء تفسيره في الهامش:تحدّوه،و طلبوا أن يسقط عليهم العذاب إن كان نبيّا حقّا.

و إذا كان هذا الاختصام في باب الدّين دلّ ذلك على أنّ الجدال في باب الدّين حقّ.و فيه إبطال التّقليد.

(24:202)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(20:5)

العكبريّ: (يختصمون)صفة،و هي العاملة في (اذا).(2:1010)

ابن عربيّ: فريق القوى الرّوحانيّة،و فريق القوى النّفسانيّة يختصمون،تقول الأولى:ما جاء به صالح حقّ،و تقول الثّانية:بل باطل،و ما نحن عليه حقّ.(2:207)

أبو حيّان: و قال الزّمخشريّ:أريد بالفريقين:

صالح و قومه قبل أن يؤمن منهم أحد،انتهى.فجعل الفريق الواحد هو صالح،و الفريق الآخر قومه،و(اذا) هنا هي الفجائيّة،و عطف بالفاء الّتي تقتضي التّعقيب لا المهلة،فكان المعنى أنّهم بادروا بالاختصام،متعقّبا دعاء صالح إيّاهم إلى عبادة اللّه.

و جاء(يختصمون)على المعنى،لأنّ الفريقين جمع،فإن كان الفريقان من آمن و من كفر،فالجمعيّة حاصلة في كلّ فريق،و يدلّ على أنّ الفريق المؤمن جمع قوله: إِنّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ فقال:آمنتم، و هو ضمير الجمع.و إن كان الفريق المؤمن هو صالح وحده،فإنّه قد انضمّ إلى قومه،و المجموع جمع.

و أوثر(يختصمون)على«يختصمان»،و إن كان من حيث التّثنية جائزا فصيحا،لأنّه مقطع فصل، و اختصامهم:دعوى كلّ فريق أنّ الحقّ معه،و قد ذكر اللّه تخاصمهم في سورة الأعراف.(7:82)

أبو السّعود: فَإِذا هُمْ... ففاجئوا التّفرّق و الاختصام،فآمن فريق و كفر فريق.و«الواو» مجموع الفريقين.(5:89)

البروسويّ: الاختصام،و أصله:أن يتعلّق كلّ واحد بخصم الآخر بالضّمّ،أي جانبه.[ثمّ قال نحو أبي السّعود](6:355)

الشّوكانيّ: (فاذا)هي الفجائيّة،أي ففاجئوا التّفرّق و الاختصام،و المراد ب«الفريقان»المؤمنون منهم و الكافرون.و معنى الاختصام:أنّ كلّ فريق يخاصم على ما هو فيه،و يزعم أنّ الحقّ معه.

و قيل:إنّ الخصومة بينهم في صالح هل هو مرسل أم لا؟و قيل:أحد الفريقين صالح،و الفريق الآخر جميع قومه،و هو ضعيف.(4:179)

الآلوسيّ: أي فاجأ إرسالنا تفرّقهم و اختصامهم،فآمن فريق و كفر فريق.و كان ما حكى اللّه تعالى في محلّ آخر بقوله سبحانه: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ... الأعراف:75-77،(فاذا)فجائيّة و العامل فيها مقدّر،لا يَخْتَصِمُونَ خلافا لأبي البقاء لأنّه صفة فَرِيقانِ كما قال،و معمول الصّفة لا يتقدّم على الموصوف.

و قيل:هذا حيث لا يكون المعمول ظرفا.و ضمير (يختصمون)لمجموع الفريقين و لم يقل:يختصمان؛ للفاصلة.

و يوهم كلام بعضهم أنّ الجملة خبر ثان،و هو كما ترى.و(هم)راجع إلى ثمود،لأنّه اسم للقبيلة،و قيل:

ص: 249

إلى هؤلاء المذكورين ليشمل صالحا عليه السّلام.

و الفريقان حينئذ أحدهما صالح وحده،و ثانيهما قومه.و الحامل على هذا-كما ذكره ابن عادل- العطف بالفاء،فإنّها تؤذن أنّهم عقيب الإرسال بلا مهلة صاروا فريقين،و لا يصير قومه عليه السّلام فريقين إلاّ بعد زمان.

و فيه أنّه يأباه قوله تعالى: اِطَّيَّرْنا بِكَ وَ بِمَنْ مَعَكَ النّمل:47،و تعقيب كلّ شيء بحسبه.على أنّه يجوز كون الفاء لمجرّد التّرتيب.و لعلّ فريق الكفرة أكثر،و لذا ناداهم بقوله: يا قَوْمِ كما حكى عنه في قوله تعالى: قالَ يا قَوْمِ الأعراف:79،لجعله في حكم الكلّ...(19:211)

القاسميّ: يختصمون خصومة لا يرجع فيها المبطل إلى الحقّ بعد ما تبيّن له،كقوله: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ...

الأعراف:75-77.(13:4673)

ابن عاشور :المعنى أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا لإنقاذهم من الشّرك ففاجأ من حالهم أن أعرض فريق عن الإيمان و آمن فريق.

و الإتيان بحرف المفاجأة كناية عن كون انقسامهم غير مرضيّ،فكأنّه غير مترقّب،و لذلك لم يقع التّعرّض لإنكار كون أكثرهم كافرين،إشارة إلى أنّ مجرّد بقاء الكفر فيهم كاف في قبح فعلهم.و حالهم هذا مساو لحال قريش تجاه الرّسالة المحمّديّة.و أعيد ضمير يَخْتَصِمُونَ على المثنّى و هو فَرِيقانِ باعتبار اشتمال الفريقين على عدد كثير،كقوله تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الحجرات :9،و لم يقل:اقتتلتا.

و الفريقان هما:فريق الّذين استكبروا،و فريق الّذين استضعفوا،و فيهم صالح.و الفاء للتّعقيب،و هو تعقيب بحسب ما يقتضيه العرف بعد سماع الدّعوة.

و الاختصام واقع مع صالح ابتداء،و مع أتباعه تبعا.

(19:271)

نحوه طه الدّرّة.(10:346)

الطّباطبائيّ: الاختصام و التّخاصم:التّنازع.

و توصيف التّثنية بالجمع،أعني قوله: فَرِيقانِ بقوله:

يَخْتَصِمُونَ لكون المراد بالفريقين مجموع الأمّة، و(اذا)فجائيّة.

و المعنى،و أقسم لقد أرسلنا إلى قوم ثمود أخاهم و نسيبهم صالحا،و كان المرجوّ أن يجتمعوا على الإيمان،لكن فاجأهم أن تفرّقوا فريقين:مؤمن و كافر يختصمون و يتنازعون في الحقّ؛كلّ يقول:الحقّ معي.

و لعلّ المراد باختصامهم ما حكاه اللّه عنهم في موضع آخر بقوله: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ...

الأعراف:75.

و من هنا يظهر أنّ أحد الفريقين جمع من المستضعفين آمنوا به،و الآخر المستكبرون و باقي المستضعفين ممّن اتّبعوا كبارهم.(15:372)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(12:80)

مغنيّة:فريق آمن بالحقّ،و فريق كذّب به،لأنّه يصطدم مع منافعهم و أغراضهم،و من هنا وقع الخصام

ص: 250

بين الفريقين،و لولاها،لقال الفريق الثّانيّ للأوّل:

لكم دينكم و لي دين.(6:26)

عبد الكريم الخطيب :(اذا)فجائيّة،و فيها إشارة إلى مبادرة القوم بالتّكذيب،و إعلان الحرب على«صالح»بمجرّد سماعهم لدعوة الحقّ الّتي يدعوهم إليها بقوله: أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ.

و الفريقان المختصمان،هما صالح و من اتّبعه، و قومه الّذين وقفوا منه موقف العناد و التّحدّي،فكان بين الفريقين خصام و شقاق.(10:250)

فضل اللّه :هناك فريق الإيمان الّذي انفتح عقله على الدّعوة،ففكّر بها و دخل مع الرّسول في حوار إيجابيّ حولها،و اقتنع بها على هذا الأساس.و هناك فريق الكفر الّذي أغلق عقله و شعوره عنها، و استسلم لغرائزه العدوانيّة،فلم يقبل على مناقشة الطّرح الإيمانيّ،و لم يرد أن يحرّك خطواته في هذا الاتّجاه،لأنّ الرّفض لم يكن عنده حركة فكر،بل حركة عقدة.

و قد نستوحي من بعض الآيات القرآنيّة السّابقة في سورة الأعراف،أنّ المؤمنين هم المستضعفون الّذين تتحرّك الرّسالة من أجل إعادة الاعتبار إلى إنسانيّتهم في مجتمع الامتيازات الظّالمة الّذي يعمل على إلغائها، فيقبلون عليها من مواقع فطرتهم الصّافية.أمّا الكافرون فهم المستكبرون الّذين تنطلق الرّسالة من أجل إعادتهم إلى مواقع الصّفاء في الشّعور الإنسانيّ العميق الّذي يعمل على إبعادهم عن الظّلم و العدوان و التّكبّر،و تحويلهم إلى العدل و المحبّة و التّواضع، و إلغاء الامتيازات الظّالمة في تعاملهم مع النّاس،و هذا ما جاءت به الآية الكريمة في قوله تعالى: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ... الأعراف:75-76، و يظهر من الآية أنّ المستكبرين قد سيطروا على بعض المستضعفين فأبعدوهم عن الإيمان.(17:214)

4- ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ

ص:69

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«قال ربّي:أ تدري فيم يختصم الملأ الأعلى،يعني الملائكة؟فقلت:لا،قال:اختصموا في الكفّارات و الدّرجات،فأمّا الكفّارات:فإسباغ الوضوء في السّبرات (1)،و نقل الأقدام إلى الجماعات، و انتظار الصّلاة بعد الصّلاة.

و أمّا الدّرجات:فإفشاء السّلام،و إطعام الطّعام، و الصّلاة باللّيل و النّاس نيام».(الثّعلبيّ 8:215)

«إنّ جبريل سأل الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم:عن هذا الاختصام،فقال:لا أدري.فقال جبريل:في الكفّارات و الدّرجات،فالكفّارات:إسباغ الوضوء في السّبرات، و نقل الأقدام إلى الجماعات،و أمّا الدّرجات:فإفشاء السّلام،و إطعام الطّعام و الصّلاة باللّيل و النّاس نيام».(القشيريّ 5:262)

ابن عبّاس: إِذْ يَخْتَصِمُونَ إذ يتكلّمون حين قالوا: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها البقرة:30.(384)

اَلْمَلَإِ الْأَعْلى :الملائكة حين شووروا في خلق آدم،فاختصموا فيه،و قالوا:لا تجعل في الأرض خليفة.ة.

ص: 251


1- جمع سبرة،و هي الغداة الباردة.

نحوه قتادة و السّدّيّ.(الطّبريّ 10:604)

و نحوه الحسن(النّحّاس 6:135)،و القشيريّ(5:

262)،و الواحديّ(3:566)،و البغويّ(4:76).

الطّبريّ: يقول لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:قل يا محمّد لمشركي قومك: ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ في شأن آدم من قبل أن يوحي إليّ ربّي فيعلمني ذلك،يقول:ففي إخباري لكم عن ذلك دليل واضح على أنّ هذا القرآن وحي من اللّه و تنزيل من عنده،لأنّكم تعلمون أنّ علم ذلك لم يكن عندي قبل نزول هذا القرآن،و لا هو ممّا شاهدته فعاينته،و لكنّي علمت ذلك بإخبار اللّه إيّاي به.(10:604)

الزّجّاج: (الملا الاعلى):هم الملأ من الملائكة، و ملأ كلّ قرية:وجوههم و أفاضلهم.(4:341)

النّحّاس: الملأ في اللّغة:الأشراف و الأفاضل، كأنّهم مليئون بما يسند إليهم.

و قد قيل:يجوز أن يكون يعني ب(الملا الاعلى) هاهنا:الملائكة، إِذْ يَخْتَصِمُونَ يعني قريشا،لأنّ منهم من قال:الملائكة بنات اللّه جلّ و عزّ،فأعلم اللّه جلّ و عزّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ذلك،و أعلمه أنّهم عباده،و أنّهم لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ الأنبياء:19.

و قيل:يجوز أن يراد ب(الملا الاعلى)هاهنا:

أشراف قريش؛إذ يختصمون فيما بينهم،فيوحي اللّه عزّ و جلّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بذلك.و اللّه أعلم بما أراد.و أولى ما قيل فيه:ما قاله ابن عبّاس و السّدّيّ و قتادة.

(6:136)

الطّوسيّ: [ذكر قول ابن عبّاس و أضاف:]

قيل:كان اختصام الملائكة في ما كان طريقه الاجتهاد.و قيل:بل طريقه استخراج الفائدة،و لا يجوز أن يختصموا في دفع الحقّ.(8:579)

الزّمخشريّ: فإن قلت:بم يتعلّق إِذْ يَخْتَصِمُونَ؟ قلت:بمحذوف،لأنّ المعنى:ما كان لي من علم بكلام الملأ الأعلى وقت اختصامهم.و إِذْ قالَ بدل من إِذْ يَخْتَصِمُونَ.

فإن قلت:ما المراد ب(الملا الاعلى؟)قلت:

أصحاب القصّة:الملائكة و آدم و إبليس،لأنّهم كانوا في السّماء و كان التّقاول بينهم.فإن قلت:ما كان التّقاول بينهم،إنّما كان بين اللّه تعالى و بينهم،لأنّ اللّه سبحانه و تعالى هو الّذي قال لهم و قالوا له:فأنت بين أمرين:إمّا أن تقول:(الملا الاعلى)هؤلاء و كان التّقاول بينهم و لم يكن التّقاول بينهم،و إمّا أن تقول:

التّقاول كان بين اللّه و بينهم فقد جعلته من(الملا الاعلى.)

قلت:كانت مقاولة اللّه سبحانه بواسطة ملك، فكان المقاول في الحقيقة هو الملك المتوسّط،فصحّ أنّ التّقاول كان بين الملائكة و آدم و إبليس و هم(الملا الاعلى.)و المراد بالاختصام:التّقاول على ما سبق.

(3:381)

ابن عطيّة: و هذا احتجاج لصحّة أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كأنّه يقول:هذا أمر خطر و أنتم تعرضون عنه مع صحّته،و دليل صحّته أنّي أخبركم فيه بغيوب لم تأت إلاّ من عند اللّه،فإنّي لم يكن لي علم ب(الملا)

ص: 252

اَلْأَعْلى :أراد به الملائكة.و الضّمير في(يختصمون) عند جمهور المفسّرين هو للملائكة.

و اختلف النّاس في الشّيء الّذي هو اختصامهم فيه،فقالت فرقة:اختصامهم في أمر آدم و ذرّيّته في جعلهم في الأرض،و يدلّ على ذلك ما يأتي من الآيات:فقول الملائكة: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها البقرة:30،هو الاختصام.

و قالت فرقة:بل اختصامهم في الكفّارات و غفر الذّنوب و نحوه،فإنّ العبد إذا فعل حسنة اختلف الملائكة في قدر ثوابه في ذلك،حتّى يقضي اللّه بما شاء...

و قالت فرقة:المراد بقوله: بِالْمَلَإِ الْأَعْلى :

الملائكة.

و قوله:(اذ يختصمون)مقطوع منه،معناه:إذ تختصم العرب الكافرة في الملإ،فيقول بعضها:هي بنات اللّه،و يقول بعضها:هي آلهة تعبد،و غير ذلك من أقوالهم.

و قالت فرقة:أراد ب(الملا الاعلى)قريشا.

و هذا قول ضعيف لا يتقوّى من جهة.(4:513)

ابن الجوزيّ: [نقل قول ابن عبّاس ثمّ قال:]

و هذه الخصومة منهم إنّما كانت مناظرة بينهم.

و في مناظرتهم قولان:

أحدهما:[قول ابن عبّاس]

و الثّاني:أنّهم قالوا:لن يخلق اللّه خلقا إلاّ كنّا أكرم منه و أعلم.قاله الحسن.[و]هذا قول الأكثر من المفسّرين.(7:155)

الفخر الرّازيّ: أعلم[رسول اللّه]أنّه تعالى رغّب المكلّفين في الاحتياط في هذه المسائل الأربعة،و بالغ في ذلك التّرغيب من وجوه:

الأوّل:أنّ كلّ واحد منها نبأ عظيم،و النّبأ العظيم يجب الاحتياط فيه.

الثّاني:أنّ(الملا الاعلى)اختصموا.

و أحسن ما قيل فيه أنّه تعالى لمّا قال: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ...

البقرة:30.

و المعنى أنّهم قالوا:أيّ فائدة في خلق البشر مع أنّهم يشتغلون بقضاء الشّهوة-و هو المراد من قوله:

مَنْ يُفْسِدُ فِيها -و بإمضاء الغضب-و هو المراد من قوله: وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ -فقال اللّه سبحانه و تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ. [إلى أن قال:]

فإن قيل:الملائكة لا يجوز أن يقال:إنّهم اختصموا بسبب قولهم: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ، فإنّ المخاصمة مع اللّه كفر.

قلنا:لا شكّ أنّه جرى هناك سؤال و جواب، و ذلك يشابه المخاصمة و المناظرة،و المشابهة علّة لجواز المجاز،فلهذا السّبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه.(26:225)

نحوه الخازن(6:53)،و الشّربينيّ(3:426).

العكبريّ: (اذ يختصمون)هو ظرف ل(علم).

(2:1107)

ابن عربيّ: احتجّ على صحّة نبوّته باطّلاعه على

ص: 253

اختصام(الملا الأعلى و اختصام أهل النّار بقوله في اختصام أهل النّار: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ و في اختصام (الملا الاعلى):(اذ يختصمون)؛لأنّ ذلك حقيقيّ، لا ينتهي إلى الوفاق أبدا.و هذا عارضيّ نشأ من عدم اطّلاعهم على كمال آدم عليه السّلام الّذي هو فوق كمالاتهم، و انتهى إلى الوفاق عند قولهم: سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا البقرة:32.(2:365)

القرطبيّ: و قيل:(الملا الاعلى):الملائكة، و الضّمير في(يختصمون)لفرقتين،يعني قول من قال منهم:الملائكة بنات اللّه،و من قال:آلهة تعبد.

(15:226)

البيضاويّ: أمّا[الحجّة]على النّبوّة،فقوله:

[الآية]،فإنّ إخباره عن تقاول الملائكة و ما جرى بينهم-على ما ورد في الكتب المتقدّمة من غير سماع و مطالعة كتاب-لا يتصوّر إلاّ بالوحي.و(اذ)متعلّق ب(علم)أو بمحذوف؛إذا التّقدير:من علم بكلام(الملا الاعلى)[إلى أن قال:]

إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ بدل من(اذ يختصمون)مبيّن له.فإنّ القصّة الّتي دخلت(اذ)عليها مشتملة على تقاول الملائكة و إبليس في خلق آدم عليه السّلام و استحقاقه للخلافة و السّجود-على ما مرّ في البقرة-غير أنّها اختصرت اكتفاء بذلك،و اقتصارا على ما هو المقصود منها:و هو إنذار المشركين على استكبارهم على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بمثل ما حاق بإبليس على استكباره على آدم عليه السّلام.هذا،و من الجائز أن يكون مقاولة اللّه تعالى إيّاهم بواسطة ملك، و أن يفسّر(الملا الاعلى)بما يعمّ اللّه تعالى و الملائكة.

(2:314)

نحوه النّسفيّ(4:47)،و النّيسابوريّ(23:106)، و المشهديّ(8:597)،و البروسويّ(8:56).

ابن جزيّ: [ذكر بعض الأقوال في(يختصمون) و أضاف:]قيل:الضّمير في(يختصمون)للكفّار،أي يختصمون في(الملا الاعلى)فيقول بعضهم:هم بنات اللّه،و يقولون آخرون:هم آلهة تعبد،و هذا بعيد.

(3:189)

أبو حيّان :[نقل بعض الأقوال فراجع]

(7:409)

السّمين:و قوله:(اذ يختصمون)فيه وجهان:

أحدهما:هو منصوب بالمصدر أيضا.

و الثّاني:بمضاف مقدّر،أي بكلام(الملا الاعلى) إذ قاله الزّمخشريّ.و الضّمير في(يختصمون) ل(الملا الاعلى.)هذا هو الظّاهر.

و قيل:لقريش أي يختصمون في(الملا الاعلى) فبعضهم يقول:بنات اللّه،و بعضهم يقول:غير ذلك،فالتّقدير:إذ يختصمون فيهم.(5:544)

ابن كثير :[ذكر الحديث الأوّل عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال:]

و ليس هذا الاختصام هو الاختصام المذكور في القرآن،فإنّ هذا قد فسّر،و أمّا الاختصام الّذي في القرآن،فقد فسّر بعد هذا،و هو قوله تعالى: إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ.. ص:71.

هذه القصّة ذكرها للّه تبارك و تعالى في سورة

ص: 254

البقرة،و في سورة الأعراف،و في سورة الحجر، و سبحان،و الكهف،و هاهنا،و هي أنّ اللّه سبحانه و تعالى:أعلم الملائكة قبل خلق آدم عليه الصّلاة و السّلام،بأنّه سيخلق بشرا مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ... الحجر:26.(6:74)

أبو السّعود :(اذ يختصمون)متعلّق بمحذوف يقتضيه المقام؛إذ المراد نفي علمه عليه الصّلاة و السّلام بحالهم لا بذواتهم،و التّقدير:ما كان لي فيما سبق علم ما بوجه من الوجوه بحال(الملا الاعلى)وقت اختصامهم.و تقدير الكلام-كما اختاره الجمهور-:

تحجير للواسع،فإنّ علمه عليه الصّلاة و السّلام غير مقصور على ما جرى بينهم من الأقوال فقط،بل عامّ لها و للأفعال أيضا،من سجود الملائكة و استكبار إبليس و كفره-حسبما ينطق به الوحي-فلا بدّ من اعتبار العموم في نفيه أيضا لا محالة.(5:371)

شبّر:إذ الاطّلاع على كلام الملائكة و تقاولهم لا يحصل إلاّ بالوحي.و شبّه بالتّخاصم،لأنّه سؤال و جواب،و(اذ)ظرف للعلم.(5:295)

الشّوكانيّ: و قوله:(اذ يختصمون)متعلّق بمحذوف،أي ما كان لي فيما سبق علم بوجه من الوجوه بحال(الملا الاعلى)وقت اختصامهم.

و الضّمير في(يختصمون)راجع إلى(الملا الاعلى) و الخصومة الكائنة بينهم هي في أمر آدم.(4:556)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]قيل:(اذ) بدل اشتمال من(الملا)أو ظرف ل(علم)و فيه بحث.و الاختصام فيما يشير إليه سبحانه بقوله عزّ و جلّ: إِذْ قالَ رَبُّكَ... و التّعبير ب يَخْتَصِمُونَ المضارع،لأنّه أمر غريب،فأتى به لاستحضاره حكاية للحال،و ضمير الجمع ل(الملا.)

و حكى أبو حيّان:كونه لقريش و استبعده،و كأنّ في يَخْتَصِمُونَ حينئذ التفاتا من الخطاب في أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ إلى الغيبة،و الاختصام في شأن رسالته صلّى اللّه عليه و سلّم أو في شأن القرآن أو شأن المعاد.و فيه عدول عن المأثور و ارتكاب لما لا يكاد يفهم من الآية من غير داع إلى ذلك،و مع هذا لا يقبله الذّوق السّليم.

(23:221)

القاسميّ: أي فإنّ إخباره عن محاورة الملائكة و ما جرى بينهم-على ما ورد في الكتب المتقدّمة،من غير سماع و مطالعة كتاب-لا يتصوّر إلاّ بالوحي.قال القاشانيّ:«و فرّق بين اختصام(الملا الاعلى) و اختصام أهل النّار،بقوله في تخاصم أهل النّار: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ ص:64،و في اختصام(الملا الاعلى):

إِذْ يَخْتَصِمُونَ لأنّ ذلك حقيقيّ لا ينتهي إلى الوفاق أبدا،و هذا عارضيّ نشأ من عدم اطّلاعهم على كمال آدم عليه السّلام الّذي هو فوق كمالاتهم.و انتهى إلى الوفاق عند قولهم: سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا البقرة:

32،و قوله تعالى: أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ... البقرة:33،على ما ذكر عند تأويل هذه القصّة»انتهى.

و بالجملة:فالاختصام المذكور في الآية،هو المشار إليه في قوله تعالى: وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ البقرة:30.[ثمّ نقل قول الفخر الرّازيّ و قال:]

ص: 255

و ملخّصه:أنّ يَخْتَصِمُونَ استعارة تبعيّة ليتقاولون.(14:5118)

طنطاويّ: (الملا الاعلى)يعني الملائكة إِذْ يَخْتَصِمُونَ في شأن آدم،فهذه في صورة المخاصمة و المناظرة و إلاّ فاللّه لا يخاصم.يعني إنّما علمت هذه المخاصمة بوحي من اللّه تعالى إِنْ يُوحى إِلَيَّ... ثمّ بيّن الخصومة،فقال:(اذ)بدل من إِذْ يَخْتَصِمُونَ.

(18:83)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (الملا الاعلى):

جماعة الملائكة،و كأنّ المراد باختصامهم ما أشار تعالى إليه بقوله: إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً إلى آخر الآيات.

و كأنّ المعنى إنّي ما كنت أعلم اختصام(الملا الاعلى)حتّى أوحى اللّه إليّ ذلك في كتابه،فإنّما أنا منذر أتّبع الوحي.

قوله تعالى: إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ص:70،تأكيد لقوله: إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ ص:64، و بمنزلة التّعليل لقوله: ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ، و المعنى لم أكن أعلم ذلك،لأنّ علمي ليس من قبل نفسي،و إنّما هو بالوحي،و ليس يوحى إليّ إلاّ ما يتعلّق بالإنذار.

قوله تعالى: إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ الّذي يعطيه السّياق،أنّ الآية و ما بعدها ليست تتمّة لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ و الشّاهد عليه قوله: رَبُّكَ فهو من كلامه تعالى يشير إلى زمان اختصام(الملا الاعلى)و الظّرف متعلّق بما تعلّق به قوله: إِذْ يَخْتَصِمُونَ، أو متعلّق بمحذوف.و التّقدير:اذكر إذ قال ربّك للملائكة إلخ، فإنّ قوله تعالى للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30،و قوله لهم: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ متقارنان،وقعا في ظرف واحد.

و على هذا يؤول معنى قوله: إِذْ قالَ رَبُّكَ إلخ، إلى نحو من قولنا:اذكر وقتئذ قال ربّك كذا و كذا،فهو وقت اختصامهم.

و جعل بعضهم قوله: إِذْ قالَ رَبُّكَ إلخ،مفسّرا لقوله: إِذْ يَخْتَصِمُونَ ثمّ أخذ الاختصام بعد تفسيره بالتّقاول مجموع قوله تعالى للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، و قولهم: أَ تَجْعَلُ إلخ،و قوله لآدم، و قول آدم لهم،و قوله تعالى لهم: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً، و قول إبليس،و قوله تعالى له.

و قال:على تقدير كون الاختصام بمعنى المخاصمة،و دلالة قوله: إِذْ يَخْتَصِمُونَ على كون المخاصمة بين الملائكة أنفسهم،لا بينهم و بين اللّه سبحانه،أنّ إخباره تعالى لهم بقوله: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30، إِنِّي خالِقٌ بَشَراً كان بتوسّط ملك من الملائكة،و كذا قوله لآدم و لإبليس، فيكون قولهم لربّهم: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ إلخ، و غيره قولا منهم للملك المتوسّط،و يقع الاختصام فيما بينهم أنفسهم.(17:324)

مغنيّة:المراد ب(الملا الاعلى):الملائكة.

و ضمير يَخْتَصِمُونَ يعود إليهم،و هذا الكلام كلّه

ص: 256

مفعول للقول،و المعنى:قل يا محمّد للمشركين:لقد أخبرتكم بحديث الملائكة حين قال لهم: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً و أنّهم قالوا له: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها و ما علمي بهذا لو لا أن علّمني ربّي و أوحى به إليّ.(6:389)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(12:1109)

مكارم الشّيرازيّ: ...إِذْ يَخْتَصِمُونَ أي لا علم لي بالمناقشات الّتي دارت بين(الملا الاعلى) و ملائكة العالم العلويّ بخصوص خلق الإنسان،حيث إنّ العلم يأتيني عن طريق الوحي،و الشّيء الوحيد الّذي يوحى إليّ هو أنّني نذير مبين إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ.

و رغم أنّ الملائكة لم تناقش و تجادل البارئ عزّ و جلّ،و لكن ذلك المقدار من الكلام الّذي قالوه عند ما أخبرهم البارئ عزّ و جلّ بأنّه سيجعل في الأرض خليفة،فقالوا:أ تخلق فيها من يفسد فيها و يسفك الدّماء؟فأجابهم قائلا: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ : وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ البقرة:30،مثل هذا النّقاش أطلق عليه اسم«التّخاصم»و هي تسمية مجازيّة،و قد كانت هذه مقدّمة للآيات التّالية الّتي تتحدّث عن خلق آدم.

و ثمّة احتمال وارد أيضا هو أنّ عبارة(الملا الاعلى)لها مفهوم أوسع يشمل حتّى الشّيطان،لأنّ الشّيطان كان حينئذ في زمرة الملائكة،و نتيجة تخاصمه مع البارئ عزّ و جلّ و اعتراضه على إرادة اللّه طرد إلى الأبد من رحمة اللّه.

و قد وردت روايات متعدّدة في كتب الشّيعة و السّنّة بهذا الخصوص؛جاء في إحداها:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سأل أحد أصحابه:«أ تدري فيما يختصم الملأ الأعلى؟»[و ذكر الحديث بشأن الكفّارات و الدّرجات ثمّ قال:]

و بالطّبع فإنّ هذا الحديث لم يذكر أنّه ناظر إلى تفسير الآية المذكورة أعلاه،رغم تشابه بعض عباراته مع عبارات الآية،و على أيّة حال،يستفاد من الحديث أنّ المراد من«اختصموا»هو أنّهم تباحثوا و تناقشوا،و لا يعني الجدال في الحديث،فهم تباحثوا و تناقشوا بشأن أعمال الإنسان و الأعمال الّتي تكون كفّارة لذنوبهم،و تزيد من درجات الإنسان و ترفع من شأنه.

و يمكن أن يكون بحثهم حول عدد من الأعمال الّتي تعدّ مصدرا لتلك الفضائل،أو بشأن تعيين حدّ و ميزان للدّرجات النّاتجة عن تطبيق الإنسان لتلك الأعمال.و بهذا الشّكل يكون الحديث تفسيرا ثالثا للآية،و هو مناسب من عدّة جوانب،و لكنّه لا يتناسب مع الآيات التّالية؛إذ ربّما كان المقصود هو بحث و مناقشات الملائكة في موارد أخرى،و ليس ذلك المتعلّق بالآية.

و الجدير بالذّكر:أنّ معنى عدم علم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله هو أنّي لم أكن أعلم ذلك من نفسي،لأنّ علمي ليس من

ص: 257

قبل نفسي،و إنّما ينزل عليّ عن طريق الوحي.

(14:501)

يخصّمون

ما يَنْظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ. يس:49.

ابن عبّاس: يتنازعون في السّوق.(372)

السّدّيّ: و هم يتكلّمون.(395)

الفرّاء: قرأها يحيى بن وثّاب (يخصمون) و قرأها عاصم يَخِصِّمُونَ ينصب الياء و يكسر الخاء.

و يجوز نصب الخاء،لأنّ التّاء كانت تكون منصوبة فنقل إعرابها إلى الخاء.و الكسر أكثر و أجود.و قرأها أهل الحجاز (يخصّمون) يشدّدون و يجمعون بين ساكنين،و هي في قراءة أبيّ بن كعب (يختصمون) ، فهذه حجّة لمن يشدّد.

و أمّا معنى يحيى بن وثّاب فيكون على معنى «يفعلون»من الخصومة،كأنّه قال:و هم يتكلّمون، و يكون على وجه آخر:و هم يخصمون:و هم في أنفسهم يخصمون من وعدهم السّاعة.و هو وجه حسن،أي تأخذهم السّاعة،لأنّ المعنى:و هم عند أنفسهم يغلبون من قال لهم:إنّ السّاعة آتية.(2:379)

ابن قتيبة :أي يختصمون.فأدغم التّاء في الصّاد.

(366)

مثله السّجستانيّ.(155)

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة (و هم يخصّمون) بسكون الخاء و تشديد الصّاد،فجمع بين السّاكنين،بمعنى:يختصمون،ثمّ أدغم التّاء في الصّاد فجعلها صادا مشدّدة،و ترك الخاء على سكونها في الأصل.

و قرأ ذلك بعض المكّيّين و البصريّين (و هم يخصّمون) بفتح الخاء و تشديد الصّاد بمعنى:

يختصمون،غير أنّهم نقلوا حركة التّاء و هي الفتحة الّتي في«يفتعلون»إلى الخاء منها،فحرّكوها بتحريكها، و أدغموا التّاء في الصّاد و شدّدوها.

و قرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة: يَخِصِّمُونَ بكسر الخاء و تشديد الصّاد،فكسروا الخاء بكسر الصّاد،و أدغموا التّاء في الصّاد و شدّدوها.

و قرأ ذلك آخرون منهم (يخصمون) بسكون الخاء و تخفيف الصّاد،بمعنى(يفعلون)من الخصومة، و كأنّ معنى قارئ ذلك كذلك:كأنّهم يتكلّمون، أو يكون معناه عنده:كان و هم عند أنفسهم يخصمون من وعدهم مجيء السّاعة،و قيام القيامة،و يغلبونه بالجدل في ذلك.

و الصّواب من القول في ذلك عندنا أنّ هذه قراءات مشهورات معروفات في قرّاء الأمصار، متقاربات المعاني،فبأيّتهنّ قرأ القارئ فمصيب.

(10:449)

الزّجّاج: في يَخِصِّمُونَ أربعة أوجه:

سكون الخاء و الصّاد مع تشديد الصّاد على جمع بين ساكنين،و هو أشدّ الأربعة و أردؤها.و كان بعض من يروي قراءة أهل المدينة يذهب إلى أنّ هذا لم يضبط عن أهل المدينة،كما لم يضبط عن أبي عمرو

ص: 258

(الى بارئكم).و إنّما زعم أنّ هذا تختلس فيه الحركة اختلاسا و هي فتحة الخاء،و القول كما قال.

و القراءة الجيّدة (يخصّمون) بفتح الخاء،و الأصل يختصمون،فطرحت فتحة التّاء على الخاء،و أدغمت في الصّاد.

و كسر الخاء جيّد أيضا تكسر الخاء لسكونها و سكون الصّاد»

و قرئت (يختصمون) و هي جيّدة أيضا،و معناها:

يأخذهم و بعضهم يخصم بعضا.و يجوز أن يكون تأخذهم و هم عند أنفسهم يخصمون في الحجّة في أنّهم لا يبعثون،فتقوم السّاعة و هم متشاغلون في متصرّفاتهم.(4:289)

نحوه ابن الجوزيّ(7:24)،و الشّربينيّ(3:354).

القمّيّ: ذلك في آخر الزّمان يصاح فيهم صيحة، و هم في أسواقهم يتخاصمون،فيموتون كلّهم في مكانهم،لا يرجع أحد منهم إلى منزلة...(2:215)

الفارسيّ: [ذكر القراءات ثمّ قال:]

من قرأ يَخِصِّمُونَ حذف الحركة من الحرف المدغم،و ألقاها على السّاكن الّذي قبلها.و هذا أحسن الوجوه،بدلالة قولهم:ردّ،و فرّ،و عضّ، فألقوا حركة العين على السّاكن.

و من قال يَخِصِّمُونَ حذف الحركة،إلاّ أنّه لم يلقها على السّاكن،كما ألقاها الأوّل،و جعله بمنزلة قولهم: لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها الجنّ:8،حذف الكسرة من العين،و لم يلقها على الحرف الّذي قبله، فلمّا لم يلقها على ما قبلها التقى ساكنان،فحرّك الحرف الّذي قبل المدغم.

و من قال:(يخصمون)جمع بين السّاكنين الخاء و الحرف المدغم.و من زعم أنّ ذلك ليس في طاقة اللّسان ادّعى ما يعلّم فساده بغير استدلال.

فأمّا من قرأ (يخصمون) فتقديره:يخصم بعضهم بعضا، فحذف المضاف،و حذف المفعول به كثير في التّنزيل و غيره.و يجوز أن يكون المعنى يخصمون مجادلهم عند أنفسهم،فحذف المفعول به،و معنى(يخصمون):

يغلبون في الخصام خصومهم.

فأمّا يَخِصِّمُونَ فعلى قول من قال:أنت تخصم تريد:تختصم،فحذف الحركة و حرّك الخاء لالتقاء السّاكنين،لأنّه لم يلق الحركة المفتوحة على الفاء،و كسر الياء الّتي للمضارعة ليتبعها كثرة الخاء،كما قالوا:أجوؤك،و أنبؤك،و هو منحدر من الجبل.(3:308)

نحوه ملخّصا أبو زرعة(600)،و الثّعلبيّ(8:

130)،و القيسيّ(2:228)،و أبو البركات(2:297).

الرّمّانيّ: يخصّمون في دفع النّشأة الثّانية.

(الماورديّ 5:22)

الماورديّ: فيه وجهان:[ذكر قول السّدّيّ و الرّمّانيّ](5:22)

الواحديّ: وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ أي يختصمون في البيع و الشّراء،و يتكلّمون في الأسواق و المجالس أعزّ ما كانوا متشاغلين في متصرّفاتهم.

ص: 259

و أجود القراءة فتح الخاء مع تشدّد الصّاد،لأنّ الأصل:يختصمون،فألقيت حركة الحرف المدغم- و هو التّاء-على السّاكن الّذي قبله،-و هو الخاء-.

[ثمّ نقل اختلاف القرّاء إلى أن قال:]

و قرأ حمزة ساكنة الخاء مخفّفة الصّاد،و هو «يفعلون»من الخصومة،كأنّه قال:و هم يتكلّمون.

و المعنى:تأخذهم و بعضهم يخصم بعضا،و أراد:أنّ الكفّار الّذين تقوم عليهم السّاعة تأخذهم الصّيحة و هم يختصمون.و القوم إذا كانوا على أمر واحد،كان الخبر عن بعضهم كالخبر عن جميعهم.ثمّ ذكر أنّ السّاعة إذا أخذتهم بغتة لم يقدروا على الارتقاء بشيء.

(3:515)

نحوه البغويّ.(4:16)

الزّمخشريّ: قرئ (و هم يخصّمون) بإدغام التّاء في الصّاد مع فتح الخاء و كسرها،و إتباع الياء الخاء في الكسر،و(يختصمون)على الأصل، و(يخصمون)من«خصمه»،و المعنى:أنّها تبغتهم و هم في أمنهم و غفلتهم عنها لا يخطرونها ببالهم،مشتغلين بخصوماتهم في متاجرهم و معاملاتهم،و سائر ما يتخاصمون فيه و يتشاجرون.و معنى(يخصمون):

يخصم بعضهم بعضا.

و قيل:تأخذهم و هم عند أنفسهم يخصمون في الحجّة،في أنّهم لا يبعثون.(3:325)

ابن عطيّة: [نقل اختلاف القراءات ثمّ قال:] و معنى هذه القراءات كلّها أنّهم يتحاورون و يتراجعون الأقوال بينهم،و يتدافعون في شئونهم.

و قرأ حمزة (يخصمون) و هذه تحتمل معنيين:

أحدهما:المذكور في القراءات،أي يخصم بعضهم بعضا في شئونهم.

و المعنى الثّاني:يخصمون أهل الحقّ في زعمهم و ظنّهم،كأنّه قال:تأخذهم الصّيحة،و هم يظنّون بأنفسهم أنّهم قد خصموا و غلبوا،لأنّك تقول:

خاصمت فلانا فخصمته،إذا غلبته.(4:457)

الطّبرسيّ: أي يختصمون في أمورهم و يتبايعون في الأسواق.

و في الحديث:«تقوم السّاعة و الرّجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتّى تقوم،و الرّجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتّى تقوم،و الرّجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتّى تقوم».

و قيل:و هم يختصمون هل ينزل بهم العذاب أم لا؟

(4:427).

نحوه المشهديّ.(8:415)

الفخر الرّازيّ: ...إنّ الصّيحة المعتادة إذا وردت على غافل يرجف،فإنّ المقبل على مهمّ إذا صاح به صائح يرجف فؤاده بخلاف المنتظر للصّيحة.فإذا كان حال الصّيحة ما ذكرناه من الشّدّة و القوّة،و ترد على الغافل الّذي هو مع خصمه مشغول،يكون الارتجاف أتمّ و الإيخاف أعظم.

و يحتمل أن يقال:(يخصمون)في البعث،و يقولون لا يكون ذلك أصلا،فيكونون غافلين عنه،بخلاف من يعتقد أنّه يكون فيتهيّأ له و ينتظر وقوعه،فإنّه لا يرتجف.و هذا هو المراد بقوله تعالى: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ، ممّن اعتقد وقوعها فاستعدّ لها.و قد مثّلنا ذلك فيمن شامّ برقا و علم أن سيكون رعد،و من لم يشمّه و لم يعلم ثمّ رعد الرّعد،ترى الشّائم العالم ثابتا و الغافل الذّاهل مغشيّا عليه...(26:87)

ص: 260

و يحتمل أن يقال:(يخصمون)في البعث،و يقولون لا يكون ذلك أصلا،فيكونون غافلين عنه،بخلاف من يعتقد أنّه يكون فيتهيّأ له و ينتظر وقوعه،فإنّه لا يرتجف.و هذا هو المراد بقوله تعالى: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ، ممّن اعتقد وقوعها فاستعدّ لها.و قد مثّلنا ذلك فيمن شامّ برقا و علم أن سيكون رعد،و من لم يشمّه و لم يعلم ثمّ رعد الرّعد،ترى الشّائم العالم ثابتا و الغافل الذّاهل مغشيّا عليه...(26:87)

القرطبيّ: أي يختصمون في أمور دنياهم فيموتون في مكانهم،و هذه نفخة الصّعق.[ثمّ نقل القراءات]

(15:38)

البيضاويّ: وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ يتخاصمون في متاجرهم و معاملاتهم لا يخطر ببالهم أمرها،كقوله:

أَوْ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ يوسف:

107 و أصله:يختصمون...[ثمّ نقل القراءات و قال:]

قرأ حمزة (يخصمون) من«خصمه»إذا جادله.

(2:282)

نحوه الكاشانيّ(4:255)،و شبّر(5:231)، و الآلوسيّ(23:31)،و القاسميّ(14:5011)، و المراغيّ(23:19).

النّسفيّ: [قرأ]حمزة بسكون الخاء و تخفيف الصّاد من«خصمه»إذا غلبه في الخصومة.و شدّد الباقون الصّاد،أي(يخصّمون)بإدغام التّاء في الصّاد.

لكنّه مع فتح الخاء مكّيّ بنقل حركة التّاء المدغمة إليها،و بسكون الخاء مدنيّ.و[قرأ]بكسر الياء و الخاء يحيى،فأتبع الياء الخاء في الكسر.و[قرأ]بفتح الياء و كسر الخاء غيرهم.و المعنى:تأخذهم و بعضهم يخصم بعضا في معاملاتهم.(4:9)

النّيسابوريّ: يشتغلون بمتاجرهم و معاملاتهم و سائر ما يتخاصمون فيه،و مع ذلك يصعقون.

و قيل:تأخذهم و هم يختصمون في أمر البعث قائلين إنّه لا يكون.(23:24)

ابن جزيّ: أي يتكلّمون في أمورهم.(3:165)

أبو حيّان :و هم يتخاصمون،أي في معاملاتهم و أسواقهم،في أماكنهم من غير إمهال لتوصية و لا رجوع إلى أهل.[إلى أن ذكر القراءات نحو الطّبريّ ملخّصا مع ذكر أسماء القارئين.](7:340)

نحوه و بتفصيل السّمين.(5:487)

ابن كثير :...و النّاس في أسواقهم و معايشهم يختصمون و يتشاجرون على عادتهم.(5:619)

أبو السّعود :أي يتخاصمون في متاجرهم و معاملاتهم،لا يخطر ببالهم شيء من مخايلها،كقوله تعالى: فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ البقرة:

55،فلا يغترّوا بعدم ظهور علائمها و لا يزعموا أنّها لا تأتيهم.[ثمّ نقل القراءات](5:303)

نحوه البروسويّ.(7:409)

الشّوكانيّ: أي:يختصمون في ذات بينهم،في البيع و الشّراء و نحوهما من أمور الدّنيا.و هذه هي النّفخة الأولى،و هي نفخة الصّعق.[ثمّ ذكر اختلاف القراءات]

(4:467)

نحوه طه الدّرّة.(12:66)

سيّد قطب :فهي تأخذهم بغتة،و هم في جدالهم و خصامهم في معترك الحياة،لا يتوقّعونها و لا يحسبون لها حسابا،فإذا هم منتهون كلّ على حاله الّتي هو عليها.(5:2972)

ص: 261

عزّة دروزة: يَخِصِّمُونَ :يختصمون،أي تأخذهم الصّيحة بغتة أثناء استغراقهم في أشغالهم و لهوهم و خصوماتهم.(2:223)

مغنيّة:أي يتنازعون في شئون دنياهم،و مثله:

فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ الأعراف:95.

(6:318)

عبد الكريم الخطيب :و هم في هذا الجدل و الاختصام فيما يشغلهم من أمور دنياهم،و فيما يختصمون فيه مع المؤمنين في أمر هذا اليوم.

(12:940)

مكارم الشّيرازيّ: يَخِصِّمُونَ من مادّة «خصم»بمعنى النّزاع.

أمّا فيم كانوا يختصمون؟لم تذكر الآية ذلك، و لكن من الواضح أنّ المقصود هو التّخاصم على أمر الدّنيا و الأمور المعيشيّة الأخرى،و لكنّ البعض يقولون:إنّه تخاصم في أمر المعاد.و المعنى الأوّل أنسب على ما يبدو،و إن كان اعتبار شمول الآية لكلا المعنيين و أيّ نوع من الجدال ليس ببعيد.

و من الجدير بالملاحظة أنّ الضّمائر المتعدّدة في الآية،جميعها تعود على مشركي مكّة الّذين كانوا يشكّكون في أمر المعاد،و يستهزءون بذلك،بقولهم:

متى تقوم السّاعة؟

و لكنّ المسلّم به،أنّ الآية لا تقصد أشخاص هؤلاء،بل نوعهم نوع البشر الغافلين عن أمر المعاد، لأنّهم ماتوا و لم يسمعوا تلك الصّيحة السّماويّة أبدا! تأمّل بدقّة.

على كلّ حال فإنّ القرآن بهذا التّعبير القصير و الحازم إنّما أراد تنبيههم إلى أنّ القيامة ستأتي و بشكل غير متوقّع،و هذا أوّلا.

و أمّا ثانيا:فإنّ قيام السّاعة ليس بالموضوع المعقّد؛بحيث يختصمون و يتنازعون فيه،فبمجرّد صيحة واحدة ينتهي كلّ شيء،و تنتهي الدّنيا بأسرها.

(14:188)

فضل اللّه :أي يختصمون و يتجادلون.

(19:156)

تختصمون

ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.

الزّمر:31

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في رواية:]قال الزّبير:يا رسول اللّه أ ينكر علينا ما كان بيننا في الدّنيا مع خواصّ الذّنوب؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«نعم،حتّى يؤدّي إلى كلّ ذي حقّ حقّه».(الطّبريّ 11:3)

[و في رواية:]قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«من كانت عنده مظلمة لأخيه من ماله أو عرضه فليتحلّلها اليوم منه قبل أن يؤخذ،حين لا يكون درهم و لا دينار،إن كان له عمل صالح أخذ بقدر مظلمته،و إن لم يكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه،فحملت عليه».

(الثّعلبيّ 8:235)

[و في رواية:]قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«تدرون من مفلس أمّتي؟»قلنا:نعم،من لا مال له.قال[صلّى اللّه عليه و آله]:لا، مفلس أمّتي من يجاء به يوم القيامة قد ضرب هذا

ص: 262

و شتم هذا و أخذ مال هذا،فيؤخذ من حسناته فيوضع على حسنات الآخر،و إن فضل عليه فضل أخذ من سيّئات الآخر فطرحت عليه،ثمّ يؤخذ فيلقى في النّار».(الثّعلبيّ 8:235)

[و في رواية:]قيل:يا رسول اللّه فما الخصومة؟ قال:«في الدّماء».(السّيوطيّ 7:226)

[و في رواية:]قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«ليختصمنّ يوم القيامة كلّ شيء حتّى الشّاتين فيما انتطحتا».

(السّيوطيّ 7:227)

[و في رواية:]أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«أوّل من يختصم يوم القيامة الرّجل و امرأته.و اللّه ما يتكلّم لسانها و لكن يداها و رجلاها،يشهدان عليها بما كانت لزوجها،و تشهد يداه و رجلاه بما كان يوليها.

ثمّ يدعى الرّجل و خادمه بمثل ذلك،ثمّ يدعى أهل الأسواق و ما يوجد،ثمّ دوانق و لا قراريط و لكن حسنات هذا تدفع إلى هذا الّذي ظلم،و سيّئات هذا الّذي ظلمه توضع عليه،ثمّ يؤتى بالجبّارين في مقامع من حديد،فيقال:أوردوهم إلى النّار،فو اللّه ما أدري يدخلونها،أو كما قال اللّه: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها مريم:71.».

[و في رواية:]قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«أوّل خصمين يوم القيامة جاران».

[و في رواية:]قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«يجاء بالأمير الجائر فتخاصمه الرّعيّة».(السّيوطيّ 7:227)

ابن عبّاس: تتكلّمون بالحجّة يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و رؤساء الكفّار.(388)

يخاصم الصّادق الكاذب،و المظلوم الظّالم، و المهتدي الضّالّ،و الضّعيف المستكبر.(الطّبريّ 11:3)

يختصم النّاس يوم القيامة حتّى تختصم الرّوح مع الجسد فتقول الرّوح للجسد:أنت فعلت،و يقول الجسد للرّوح:أنت أمرت و أنت سوّلت،فيبعث اللّه تعالى ملكا يفصل بينهما...(ابن كثير 6:92)

ابن عمر:قال:نزلت علينا هذه الآية،و ما ندري ما تفسيرها حتّى وقعت الفتنة،فقلنا:هذا الّذي وعدنا ربّنا أن نختصم فيه: إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ. (الطّبريّ 11:3)

أبو سعيد الخدريّ: كنّا نقول:ربّنا واحد و ديننا واحد،فما هذه الخصومة؟فلمّا كان يوم الصّفين و شدّ بعضنا على بعض بالسّيوف،قلنا:نعم هو هذا.

(الثّعلبيّ 8:235) أبو العالية : ثُمَّ إِنَّكُمْ... أهل القبلة.

(الطّبريّ 11:4)

النّخعيّ: لمّا نزلت[هذه الآية]قالوا:ما خصومتنا بيننا و نحن إخوان؟قال:فلمّا قتل عثمان بن عفّان،قالوا:هذه خصومتنا بيننا.(الطّبريّ 11:4)

عكرمة :في الدّماء.(الماورديّ 5:125)

الرّبيع بن أنس:في المداينة.(الماورديّ 5:125)

ابن زيد :أهل الإسلام و أهل الكفر.

(الطّبريّ 11:3)

الطّبريّ: ثمّ إنّ جميعكم المؤمنين و الكافرين يوم القيامة عند ربّكم تختصمون،فيأخذ للمظلوم منكم من الظّالم،و يفصل بين جميعكم بالحقّ.

ص: 263

و اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك،فقال بعضهم:عنى به اختصام المؤمنين و الكافرين، و اختصام المظلوم و الظّالم.

و قال آخرون:بل عنى بذلك اختصام أهل الإسلام.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال:عنى بذلك:إنّك يا محمّد ستموت،و إنّكم أيّها النّاس ستموتون،ثمّ إنّ جميعكم أيّها النّاس تختصمون عند ربّكم،مؤمنكم و كافركم،و محقّوكم و مبطلوكم، و ظالموكم و مظلوموكم،حتّى يؤخذ لكلّ منكم ممّن لصاحبه قبله حقّ حقّه.

و إنّما قلنا:هذا القول أولى بالصّواب؛لأنّ اللّه عمّ بقوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ... خطاب جميع عباده،فلم يخصّص بذلك منهم بعضا دون بعض،فذلك على عمومه على ما عمّه اللّه به،و قد تنزل الآية في معنى،ثمّ يكون داخلا في حكمها كلّ ما كان في معنى ما نزلت به.(11:3)

الزّجّاج: يختصم المؤمن و الكافر،و يخاصم المظلوم الظّالم.(4:353)

نحوه النّحّاس.(6:172)

الثّعلبيّ: المحقّ و المبطل و الظّالم و المظلوم.

(8:234)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه:[و هي قول ابن عبّاس-و قد سبق عن الطّبريّ-و عكرمة و الرّبيع و ابن زيد،ثمّ أضاف بعد قول ابن زيد:]

فمخاصمة المؤمنين تقريع،و مخاصمة الكافرين ندم.

و يحتمل خامسا:أنّ تخاصمهم هو تحاكمهم إلى اللّه تعالى فيما تغالبوا عليه في الدّنيا،من حقوقهم خاصّة دون حقوق اللّه،ليستوفيها من حسنات من وجبت عليه في حسنات من وجبت له.(5:125)

الطّوسيّ: و معناه:كلّ طائفة منكم تردّ على صاحبتها يوم القيامة و تخاصمها.فالاختصام ردّ كلّ واحد من الاثنين ما أتى به الآخر،علي وجه الإنكار عليه.و قد يكون أحدهما محقّا و الآخر مبطلا كالموحّد و الملحد.و قد يكونان جميعا مبطلين كاختصام اليهوديّ و النّصرانيّ،و قد يكونان جميعا محقّين إذا قطع كلّ واحد منهما على صواب اعتقاده دون غيره.

و يكون اختصامهم في الآخرة بذمّ رؤساء الضّلالة في ما دعوهم إليه و دفع أولئك عن أنفسهم،فيقول الأوّلون:لو لا أنتم لكنّا مؤمنين،و يقول الرّؤساء:ما كان لنا عليكم من سلطان إلاّ أن دعوناكم فاستجبتم لنا.و أقبل بعضهم على بعض يتلاومون.(9:24)

الزّمخشريّ: تَخْتَصِمُونَ فتحتجّ أنت عليهم بأنّك بلّغت فكذّبوا فاجتهدت في الدّعوة فلجّوا في العناد،و يعتذرون بما لا طائل تحته،تقول الأتباع:

أطعنا سادتنا و كبرائنا،و تقول السّادات:أغوتنا الشّياطين و آباؤنا الأقدمون.و قد حمل على اختصام الجميع،و أنّ الكفّار يخاصم بعضهم بعضا حتّى يقال لهم:لا تختصموا لديّ،و المؤمنون الكافرين يبكتونهم بالحجج،و أهل القبلة يكون بينهم الخصام.[ثمّ نقل الأقوال إلى أن قال بعد قول أبي العالية:]

و الوجه الّذي يدلّ عليه كلام اللّه هو ما قدّمت

ص: 264

أوّلا؛أ لا ترى إلى قوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللّهِ و قوله تعالى: وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ الزّمر:32،33،و ما هو إلاّ بيان و تفسير للّذين يكون بينهم الخصومة.(3:397)

نحوه البيضاويّ(2:322)،و النّسفيّ(4:57)، و أبو السّعود(5:391)،و ملخّصا النّيسابوريّ(23:

126)،و المشهديّ(9:36)،و القاسميّ(14:5139)، و المراغيّ(23:165).

ابن عطيّة: و الضّمير في(انكم)قيل:هو عامّ فيختصم يوم القيامة المؤمنون و الكافرون فيما كان من ظلم الكافرين لهم،في كلّ موطن ظلموا فيه،و من هذا قول عليّ بن أبي طالب:«أنا أوّل من يجثو يوم القيامة للخصومة بين يدي الرّحمن».فيختصم عليّ و حمزة و عبيدة بن الحارث مع عتبة و شيبة و الوليد.

[إلى أن قال:]

و معنى الآية عندي أنّ اللّه تعالى توعّدهم بأنّهم سيخاصمون يوم القيامة في معنى ردّهم في معنى الشّريعة،و تكذيبهم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إليهم.(4:530)

ابن عربيّ: لاختلافكم في الحقيقة و الطّريقة، لكونهم محجوبين بالنّفس و صفاتها،سائرين بها، طالبين لشهواتها و لذّاتها،و كونك دائما بالحقّ سائرا به،طالبا لوجهه،و رضاه.(2:381)

القرطبيّ: [اكتفى بنقل الأقوال.](15:254)

ابن جزيّ: قيل:يعني الاختصام في الدّماء،و قيل:

في الحقوق.و الأظهر أنّه اختصام النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مع الكفّار في تكذيبهم له،فيكون من تمام ما قبله.و يحتمل أن يكون على العموم في اختصام الخلائق فيما بينهم من المظالم و غيرها.(3:195)

أبو حيّان :...و أنّ اختصامكم يكون بين يديه يوم القيامة،و هو الحكم العدل،فيتميّز المحقّ من المبطل، و هو عليه السّلام و أتباعه المحقّون الفائزون بالظّفر و الغلبة،و الكافرون هم المبطلون.فالضّمير في (و انك)خطاب للرّسول،و تدخل معه أمّته في ذلك.

و الظّاهر عود الضّمير في(و انهم)على الكفّار، و غلب ضمير الخطاب في(انك)على ضمير الغيبة في(انهم)،و لذلك جاء(تختصمون)بالخطاب، فتحتجّ أنت عليهم بأنّك قد بلّغت و كذّبوا،و اجتهدت في الدّعوة و لجّوا في العناد.

و قال أبو العالية:هم أهل القبلة يختصمون بينهم يوم القيامة في مظالمهم.و أبعد من ذهب إلى أنّ هذا الخصام سببه ما كان في قتل عثمان،و ما جرى بين عليّ و معاوية بسبب ذلك.

و قيل:يختصم الجميع،فالكفّار يخاصم بعضهم بعضا،حتّى يقال لهم: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ق:28، و المؤمنون يتلقّون الكافرين بالحجج،و أهل القبلة يكون بينهم الخصام.(7:425)

ابن كثير :يقول:يخاصم الصّادق الكاذب، و المظلوم الظّالم،و المهتدي الضّال،و الضّعيف المستكبر.[ثمّ نقل الأقوال و قال:]

و قد قدّمنا أنّ الصّحيح العموم،و اللّه سبحانه و تعالى أعلم.(6:92)

الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ إلى أن قال:]

ص: 265

و يجوز أن يكون المراد به:الاختصام العامّ، و جرى عليه الجلال المحلّي و هو أولى،و إن رجّح الأوّل الكشّاف.[ثمّ ذكر بعض الرّوايات الماضية.]

(3:446)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و في«بحر العلوم»:الوجه الوجيه أن يراد الاختصام العامّ،و أن يخاصم النّاس بعضهم بعضا مؤمنا أو كافرا،فيما جرى بينهم في الدّنيا بدلائل:[ثمّ نقل الرّوايات الماضية إلى أن قال:]

فإن قيل:قال في آية أخرى: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ق:28،قيل:إنّ في يوم القيامة ساعات كثيرة و أحوالها مختلفة،مرّة يختصمون،و مرّة لا يختصمون.

(8:106)

شبّر:تحتجّ عليهم بأنّك قد بلّغت و أنّهم كذّبوا، و يعتذرون بما لا يجدي،أو أريد تخاصم النّاس فيما بينهم من المظالم.(5:313)

الشّوكانيّ: أي تخاصمهم يا محمّد،و تحتجّ عليهم بأنّك قد بلّغتهم،و أنذرتهم،و هم يخاصمونك،أو يخاصم المؤمن الكافر،و الظّالم المظلوم.(4:580)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

و قال جمع:المراد بذلك الاختصام العامّ،فيما جرى في الدّنيا بين الأنام،لا خصوص الاختصام بينه عليه الصّلاة و السّلام و بين الكفرة الطّغام.و في الآثار ما يأبى الخصوص المذكور.[إلى أن قال:]

و زعم الزّمخشريّ: أنّ الوجه الّذي يدلّ عليه كلام اللّه تعالى هو ما ذكر أوّلا،و استشهد بقوله تعالى:

فَمَنْ أَظْلَمُ إلخ،و بقوله سبحانه: وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ إلخ،لدلالتهما على أنّهما اللّذان تكون الخصومة بينهما،و كذلك ما سبق من قوله تعالى: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلاً إلخ،الزّمر:29،و تعقّب ذلك في«الكشف»فقال:أقول:قد نقل عن جلّة الصّحابة و التّابعين رضي اللّه تعالى عنهم ما يدلّ على أنّهم فهموا الوجه الثّاني،أي العموم؛بل ظاهر قول النّخعيّ:قالت الصّحابة:ما خصومتنا و نحن إخوان؟ يدلّ على أنّه قول الكلّ،فالوجه إيثار ذلك.

و تحقيقه أنّ قوله تعالى: وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ الزّمر:27،كلام مع الأمّة كلّهم موحّدهم و مشركهم،و كذلك قوله تعالى: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلاً و(رجلا،) بَلْ أَكْثَرُهُمْ دون«بل هم» كالنّصّ على ذلك،فإذا قيل: إِنَّكَ مَيِّتٌ الزّمر:30، وجب أن يكون على نحو: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ الطّلاق:1،أي إنّكم أيّها النّبيّ و المؤمنون،و أبهم ليعمّ القبيلين،و لا يتنافر النّظم،فقد روعي من مفتتح السّورة إلى هذا المقام التّقابل بين الفريقين-لا بينه عليه الصّلاة و السّلام وحده و بين الكفّار-ثمّ إذا قيل: ثُمَّ إِنَّكُمْ على التّغليب يكون تغليبا للمخاطبين على جميع النّاس،فهذا من حيث اللّفظ و المساق الظّاهر.ثمّ إذا كان الموت أمرا عمّه و النّاس جميعا،كان المعنى عليه أيضا.

و أمّا حديث الاختصام و الطّباق الّذي ذكره فليس بشيء،لأنّه لعمومه يشمله شمولا أوّليا،كما حقّق هذا المعنى مرارا،و التّعقيب بقوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ للتّنبيه على أنّه مصبّ الغرض،و أنّ المقصود التّسلّق إلى تلك الخصومة.و لا أنكر أنّ قوله تعالى: عِنْدَ رَبِّكُمْ يدلّ على أنّ الاختصام يوم القيامة،و لكن أنكر أن يختصّ باختصام النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم وحده و المشركين بل يتناوله أوّلا.و كذلك اختصام المؤمنين و المشركين،و اختصام المؤمنين بعضهم مع بعض،كاختصام عثمان رضي اللّه عنه يوم القيامة و قاتليه.و هذا ما ذهب إليه هؤلاء-و هم،هم-رضي اللّه تعالى عنهم.انتهى.

ص: 266

و أمّا حديث الاختصام و الطّباق الّذي ذكره فليس بشيء،لأنّه لعمومه يشمله شمولا أوّليا،كما حقّق هذا المعنى مرارا،و التّعقيب بقوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ للتّنبيه على أنّه مصبّ الغرض،و أنّ المقصود التّسلّق إلى تلك الخصومة.و لا أنكر أنّ قوله تعالى: عِنْدَ رَبِّكُمْ يدلّ على أنّ الاختصام يوم القيامة،و لكن أنكر أن يختصّ باختصام النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم وحده و المشركين بل يتناوله أوّلا.و كذلك اختصام المؤمنين و المشركين،و اختصام المؤمنين بعضهم مع بعض،كاختصام عثمان رضي اللّه عنه يوم القيامة و قاتليه.و هذا ما ذهب إليه هؤلاء-و هم،هم-رضي اللّه تعالى عنهم.انتهى.

و كأنّه عنى بقوله:«و لا أنكر»،إلخ،ردّ ما يقال:إنّ عِنْدَ رَبِّكُمْ يدلّ على أنّ الاختصام يوم القيامة، و قد صرّح في النّظم الجليل بذلك،فيكون تأكيدا مشعرا بالاهتمام بأمر ذلك الاختصام،فليس هو إلاّ اختصام حبيبه صلّى اللّه عليه و سلّم مع أعدائه الطّغام.

و وجه الرّدّ أنّه إن سلّم،أنّ فائدة الجمع ما ذكر، فلا نسلّم استدعاء ذلك لاعتبار الخصوص،بل يكفي للاهتمام دخول اختصام الحبيب مع أعدائه عليه الصّلاة و السّلام،فتأمّله.

ثمّ أنت تعلم أنّه لو لم يكن في هذا المقام سوى الحديث الصّحيح المرفوع،لكفى في كون المراد عموم الاختصام،فالحقّ،القول بعمومه،و هو أنواع شتّى.[ ثمّ استشهد بالرّوايات السّابقة،للعموم](23:264)

طنطاوي:[نقل رواية ابن عمر و أبي سعيد الخدريّ ثمّ قال:]

هذا ما ورد عن الصّحابة.و معنى هذا أنّ الصّحابة رضوان اللّه عليهم ما كانوا يظنّون أنّ المسلمين تنطبق عليهم هذه الخصومة،فلمّا رأوا ما نزل بهم عرفوا أنّهم يختصمون،أي كما يختصم أهل الدّيانات المختلفة.

فكما يختصم المسلمون و أهل الكتاب يختصم الحزبان المتشاجران من المسلمين.هذا هو الّذي قالوه،و انظر كيف حالنا اليوم؟!

حكم الصّحابة-الّذين هم أعلم بكتاب اللّه منّا- بأنّ المسلمين يختصمون عند ربّهم يوم القيامة؛لما ذا يختصمون؟لأنّهم اقتتلوا.و لعمري إنّ هذا شيء يسير بالنّسبة لما وقعنا فيه.

اقتتل المسلمون و مات بعضهم،و تولّى الحكم بنو أميّة،فما ذا حصل؟ارتقى الإسلام و لم يسلّط على المسلمين غيرهم،و ملكوا الأمم شرقا و غربا.و إنّما هو نزاع قام باجتهاد فيما بينهم،و كلّ له حجّة،و اللّه هو الّذي يفصل بينهم.

أمّا نحن فوا حسرتاه غلبنا الفرنجة،فيا ليت الأمر كان قاصرا على عداوة بعضنا لبعض،بل الأمر أعظم من ذلك جدّا،إنّنا اقتتلنا حتّى خضعنا جميعا لغيرنا، فإذا اختصم الصّدر الأوّل عند اللّه،فكيف تكون حالنا نحن،و الفرنجة يجوسون خلالنا و يمنعون العلم عنّا، و يبعثون في بلادنا الفساد و الضّلال و الخلاعة و الفسوق،و يهلكون الحرث و النّسل،أ تدري لم ذلك؟ و من المسئول؟المسئول هم العلماء و الملوك و الأذكياء...(18:175)

سيّد قطب :...يختصم العباد فيما كان بينهم من خلاف.و يجيء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أمام ربّه و يوقف القوم للخصومة،فيما كانوا يقولونه و يأتونه،و يواجهون به

ص: 267

ما أنزل اللّه إليهم من الهدى.(5:3050)

عزّة دروزة :[نقل الرّوايات و قال:]

و الأحاديث عجيبة،و الرّاجح أنّها ممّا أخذ يروى أو يساق على هامش الآيات القرآنيّة،نتيجة للخلاف و النّزاع الّذي وقع في آخر عهد عثمان و بعده،و اندمج فيه بعض أصحاب رسول اللّه،لأنّ نصّ الآية و ما قبلها و ما بعدها يدلّ دلالة قاطعة على أنّها في حقّ فريقي الكفار المشركين و النّبيّ و المؤمنين،و لا يتحمّل أن يصرف إلى المسلمين فقط في حال.و ابن عمر و أبو سعيد الخدريّ أفقه من أن يفعلا ذلك.(5:83)

الطّباطبائيّ: الآية الأولى: إِنَّكَ مَيِّتٌ...

الزّمر:30،تمهيد لما يذكر في الثّانية من اختصامهم يوم القيامة عند ربّهم،و الخطاب في(انكم)للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أمّته،أو المشركين منهم خاصّة.و الاختصام كما في «المجمع»:ردّ كلّ واحد من الاثنين ما أتى به الآخر، على وجه الإنكار عليه.

و المعنى:أنّ عاقبتك و عاقبتهم الموت،ثمّ إنّكم جميعا يوم القيامة بعد ما حضرتم عند ربّكم تختصمون، و قد حكى ممّا يلقيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم وَ قالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً الفرقان:30.

و الآيتان عامّتان بحسب لفظهما،لكنّ الآيات الأربع التّالية تؤيّد أنّ المراد بالاختصام:ما يقع بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و بين الكافرين من أمّته يوم القيامة.

(17:259)

مغنيّة:المراد بالخصومة هنا:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يشهد عليهم أمام اللّه يوم القيامة،بأنّه قد بلّغهم رسالات ربّهم: وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ، النّحل:89.

(6:411)

عبد الكريم الخطيب :في قوله تعالى:[الآية] إشارة إلى أنّ هذا الموت المقضيّ به على النّبيّ و على النّاس جميعا،و منهم هؤلاء المشركون،هذا الموت ليس هو خاتمة الأمر بينه و بينهم،و إنّما هو بدء مرحلة جديدة،يكون فيها الفصل بينه و بينهم،فيوفّى كلّ جزاءه.

و في التّسوية بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بين النّاس في الموت، ثمّ في التّسوية بينه و بينهم في مجلس القضاء و الفصل بين يدي اللّه.في هذا إشارة إلى أنّ النّاس جميعا على سواء عند اللّه،و إنّما هي أعمالهم الّتي تنزلهم منازلهم عنده... مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها، فصّلت:46.(12:1150)

مكارم الشّيرازيّ: تَخْتَصِمُونَ مشتقّة من «اختصام»و تعني النّزاع و الجدال بين شخصين أو مجموعتين،تحاول كلّ منهما تفنيد كلام الأخرى، فأحيانا يكون أحدهم على حقّ و الآخر على باطل، و أحيانا يكون الاثنان على باطل،كما في مجادلة و مخاصمة أهل النّار فيما بينهم،و قد اختلف المفسّرون في كون هذا الحكم عامّا أم لا؟

إذ قال البعض:إنّ المخاصمة تقع بين المسلمين و الكفّار.

و البعض الآخر قال:إنّها تقع بين المسلمين أنفسهم...

و لكنّ الآيات التّالية تبيّن أنّ المخاصمة تقع بين

ص: 268

الأنبياء و المؤمنين من جهة،و المشركين المكذّبين من جهة أخرى.و كما معروف في التّاريخ الإسلاميّ،فإنّ عمر بن الخطّاب أنكر وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد وفاته، و كان يقول:من غير الممكن أن يموت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و إنّما ذهب إلى ربّه كما غاب موسى بن عمران عن قومه أربعين ليلة،ثمّ عاد إليهم،و اللّه ليرجعنّ رسول اللّه،كما عاد موسى بن عمران،فلتقطّع أيدي و أرجل كلّ من زعم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مات.و لمّا سمع أبو بكر ذلك الكلام جاء إلى عمر،و قرأ له بعض الآيات الّتي تدلّ على وفاة الرّسول،فهدأ عمر،و قال:و اللّه،هذه أوّل مرّة أسمع بمثل هذه الآية.(15:71)

فضل اللّه :يقف هؤلاء أمام اللّه ليسألهم هل سمعوا بلاغ الرّسالة الّذي تقوم به الحجّة عليهم،و تقف أنت لتشهد عليهم بأنّك بذلت كلّ جهدك في إرشادهم و تعليمهم و توجيههم إلى مواقع الإيمان في الرّسالة، من خلال الفكر الواعي و الشّعور الصّافي.

(19:331)

لا تختصموا

قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ.

ق:28

ابن عبّاس: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ إنّهم اعتذروا بغير عذر،فأبطل اللّه حجّتهم،و ردّ عليهم قولهم.

(الطّبريّ 11:424)

نحوه الخازن.(6:197)

إنّ اختصامهم هو اعتذار كلّ واحد منهم فيما قدّم من معاصيه.(الماورديّ 5:352)

أبو العالية:[قال الطّبريّ: أحسبه قال:]

هم أهل الشّرك.(الطّبريّ 11:424)

إنّه تخاصم كلّ واحد مع قرينه الّذي أغواه في الكفر.(الماورديّ 5:352)

ابن زيد :هذا ابن آدم و قرينه من الجنّ.

(الطّبريّ 11:424)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:قال اللّه لهؤلاء المشركين الّذين وصف صفتهم،و صفة قرنائهم من الشّياطين: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ اليوم.

(الطّبريّ 11:424)

عبد الجبّار:و قوله تعالى: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ يدلّ على بطلان مذهب المجبّرة،لأنّه بيّن أنّه لا فائدة فيما يخاصمه قرينه في الآخرة،فلو كان الأمر على ما يقوله القوم،لوجب أن يكون المؤكّد لعذرهم و المزيل للعقاب عنهم،ما وجب كونهم خصما للّه تعالى،بأن يقولوا:إنّما كفرنا،لأنّك خلقت ذلك فينا و أوجبته بالقدرة الّتي لا تخلو عند وجودها من الكفر، و بالإرادة و بقدرة الإرادة،فكيف يجوز أن تعذّبنا و قد منعتنا و لم تسهّل لنا السّبيل إلى ما فرضته علينا؟بل منعتنا من فعله بوجوه من المنع،فكيف المخلص لنا من الكفر،و هل ما تفعله فينا من العقاب إلاّ بالكفر الّذي فعلته،في أنّه لا سبيل لنا إلى التّخلّص منه؟فتكون هذه الخصومة مبيّنة لعذرهم،و مزيلة للعقوبة،إن كان القديم تعالى ممّن يعمل بالحكمة و الصّواب.تعالى اللّه عمّا يقوله القوم علوّا كبيرا.(2:626)

ص: 269

الثّعلبيّ: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ فقد قضيت ما أنا قاض.(9:102)

الماورديّ: فيه وجهان:

[فذكر قول ابن عبّاس،و أبي العالية و أضاف:]

فأمّا اختصامهم في مظالم الدّنيا،فلا يجوز أن يضاع.[يهمل]لأنّه يوم التّناصف.(5:352)

نحوه ابن الجوزيّ.(8:18)

الطّوسيّ: أي لا يخاصم بعضكم بعضا عندي.

(9:368)

نحوه الطّبرسيّ(5:147)،و أبو الفتوح(18:73).

الواحديّ: ذكر اللّه اختصامهم في سورة «الصّافّات»آيتي 27 و 28 إلى 34،عند قوله:

وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ.... (4:167)

الميبديّ: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ، فقد قضيت ما أنا قاض،...يقال هذا للكافر.و قوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ يقال للمسلمين و هذا في الموقف.و أمّا قوله: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ في جهنّم.(9:290)

نحوه البروسويّ.(9:125)

الزّمخشريّ: لا تَخْتَصِمُوا استئناف مثل قوله: قالَ قَرِينُهُ كأنّ قائلا قال:فما ذا قال اللّه؟ فقيل: قالَ لا تَخْتَصِمُوا. و المعنى لا تختصموا في دار الجزاء و موقف الحساب،فلا فائدة في اختصامكم و لا طائل تحته.(4:8)

نحوه النّسفيّ(4:178)،و النّيسابوريّ(26:80)، و أبو حيّان(8:126)،و أبو السّعود(6:128)، و الشّوكانيّ(95:5)،و الآلوسيّ(26:186).

ابن عطيّة: معناه:قال اللّه: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ بهذا النّوع من المقاولة الّتي لا تفيد شيئا؛إذ قد استوجب جميعكم النّار،و قد أخبر بأنّه تقع الخصومة لديه في الظّلامات و نحوها،ممّا فيه اختصاص.

و اقتضاء فائدة بقوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ الزّمر:31.

و جمع الضّمير في قوله: لا تَخْتَصِمُوا يريد بذلك مخاطبة جميع القرناء؛إذ هو أمر شائع لا يقف على اثنين فقط،و هذا كما يقول الحاكم لخصمين:

لا تغلطوا عليّ،يريد الخصمين،و من هو في حكمهما.

(5:164)

الفخر الرّازيّ: قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ قد ذكرنا أنّ هذا دليل على أنّ هناك كلاما قبل قوله:

قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ و هو قول الملقى في النّار:

ربّنا أطغاني،و قوله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ يفيد مفهومه أنّ الاختصام كان ينبغي أن يكون قبل الحضور و الوقوف بين يديّ.(28:169)

ابن عربيّ: هذه المقاولات كلّها معنويّة،مثّلت على سبيل التّخييل و التّصوير،لاستحكام المعنى في القلب،عند ارتسام مثاله في الخيال،فادّعاء الكافر الإطغاء على الشّيطان و إنكار الشّيطان إيّاه،عبارة عن التّنازع،و التّجاذب الواقع بين قوّتيه:الوهميّة و العقليّة.بل بين كلّ اثنتين متضادّتين من قواه كالغضبيّة،و الشّهويّة مثلا،و لهذا قال: لا تَخْتَصِمُوا، و لمّا كان الأمران في وجوده هما:العقليّة،و الوهميّة،

ص: 270

كان أصل التّخاصم بينهما.

و كذا يقع التّخاصم بين كلّ متحاورين متخاوضين في أمر لتوقّع نفع أو لذّة،يتوافقان ما دام مطلوبهما حاصلا،فإذا حرما أو وقعا بسعيهما في خسران و عذاب،تدارءا،أو نسب كلّ منهما التّسبّب في ذلك إلى الآخر،لاحتجابهما عن التّوحيد،و تبرّي كلّ منهما عن ذنبه لمحبّة نفسه.و لذلك،قال حارثة رضي اللّه عنه للنّبيّ عليه السّلام:«و رأيت أهل النّار يتعاورون».(2:531)

القرطبيّ: يعني الكافرين و قرناءهم من الشّياطين.(17:17)

نحوه ابن جزيّ.(4:65)

البيضاويّ: أي في موقف الحساب،فإنّه لا فائدة فيه.و هو استئناف مثل الأوّل.(2:416)

نحوه الكاشانيّ(5:63)،و المشهديّ(9:649)، و شبّر(6:73).

الخازن :أي لا تعتذروا عندي بغير عذر،قيل:هو خصامهم مع قرنائهم.(6:197)

ابن جزيّ: لا تَخْتَصِمُوا خطاب للنّاس و قرنائهم من الشّياطين.(4:65)

ابن كثير :و قوله تبارك و تعالى: قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ يقول الرّبّ عزّ و جلّ:للإنسيّ و قرينه من الجنّ،و ذلك أنّهما يختصمان بين يدي الحقّ تعالى،فيقول الإنسيّ:يا ربّ هذا أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني،و يقول الشّيطان: رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ أي عن منهج الحقّ،فيقول الرّبّ عزّ و جلّ لهما: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ أي عندي.

(6:404)

نحوه المراغيّ.(26:164)

الشّربينيّ: لا تَخْتَصِمُوا أي لا توقّعوا الخصومة بهذا الجدّ و الاجتهاد،استئناف،كأنّ قائلا يقول:فإذا قال اللّه تعالى:فأجيب ب قالَ لا تَخْتَصِمُوا. (4:86)

القاسميّ: أي لا تختصموا اليوم في دار الجزاء، و موقف الحساب،فلا فائدة في اختصامكم،و قد قدّمت إليكم في الدّنيا بالوعيد لمن كفر بي و عصاني، و خالف أمري و نهيي في كتبي،و على ألسن رسلي.

قال القاشانيّ: النّهي عن الاختصام ليس المراد به انتهاؤهما،بل عدم فائدته،و الاستماع إليه.كأنّه قال:

لا اختصام مسموع عندي.(15:5507)

ابن عاشور :و الاختصام:المخاصمة،و هو مصدر بصيغة الافتعال الّتي الأصل فيها أنّها لمطاوعة بعض الأفعال،فاستعملت للتّفاعل مثل:اجتوروا، و اعتوروا،و اختصموا.

و النّهي عن المخاصمة بينهم يقتضي أنّ النّفوس الكافرة ادّعت أنّ قرناءها أطغوها،و أنّ القرناء تنصّلوا من ذلك،و أنّ النّفوس أعادت رمي قرنائها بذلك فصار خصاما،فلذلك قال اللّه تعالى:

لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ و طوى ذكره لدلالة لا تَخْتَصِمُوا عليه،إيثارا لحقّ الإيجاز في الكلام،و النّهي عن الاختصام بعد وقوعه بتأويل النّهي عن الدّوام عليه،أي كفّوا عن الخصام.

و معنى النّهي:أنّ الخصام في ذلك لا جدوى له،

ص: 271

لأنّ استواء الفريقين في الكفر كاف في مؤاخذة كليهما على السّواء،كما قال تعالى: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا... الأعراف:38،و ذلك كناية عن أنّ حكم اللّه عليهم قد تقرّر،فلا يفيدهم التّخاصم لإلقاء التّبعة على أحد الفريقين.

و وجه استوائهما في العذاب أنّ الدّاعي إلى إضلاله قائم بما اشتهته نفسه،من ترويج الباطل دون نظر في الدّلائل الوازعة عنه،و أنّ متلقّي الباطل ممّن دعاه إليه قائم بما اشتهته نفسه من الطّاعة لأئمّة الضّلال،فاستويا في الدّاعي و ترتّب أثره.(26:262)

الطّباطبائيّ: و قد تقدّم في سورة الصّافّات تفصيل اختصام الظّالمين و أزواجهم في قوله:

اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ الصّافّات:22، إلى آخر الآيات.

قوله تعالى: قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ القائل هو اللّه سبحانه يخاطبهم، و كأنّه خطاب واحد لعامّة المشركين الطّاغين و قرنائهم،ينحلّ إلى خطابات جزئيّة لكلّ إنسان و قرينه،بمثل قولنا:لا تختصما لديّ،إلخ.(18:352)

مغنيّة: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ... الخطاب من اللّه سبحانه إلى المجرم و قرينه الشّيطان،و المعنى:لا يقل بعضكم لبعض:أنت أغويتني،و يقول الآخر:ما أغويتك،فإنّ اليوم يوم حساب و جزاء،و لا ينتفع المرء فيه بكلام و لا بغيره إلاّ بعمله الصّالح،و قد دعوتكم إليه،و أنذرت من خالف منكم لقاء يومكم هذا،فأبيتم إلاّ كفورا.(7:136)

فضل اللّه: قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ سواء كنتم من الظّالمين أو من المضلّلين،فليس هناك فرق بين أن يكون هذا الكافر خاضعا لضلال قرينه أو غير خاضع له،لأنّ ذلك ليس عذرا له،بعد أن أقام اللّه عليه الحجّة القاطعة بالأسس الّتي يرتكز عليها الهدى في قاعدته الفكريّة و خطّه العمليّ.(21:184)

تخاصم

إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ. ص:64.

ابن عبّاس: كلام أهل النّار بالخصومة بعضهم مع بعض.(384)

الإمام الصّادق عليه السّلام: تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ و اللّه إنّكم لفي الجنّة تحبرون و في النّار تطلبون.

(القمّيّ 2:243)

ابن زيد :[في خبر]في قوله: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ فقرأ تَاللّهِ إِنْ كُنّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ الشّعراء:97،98.

و قرأ: يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يونس:28...حتّى بلغ: إِنْ كُنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ يونس:29.قال:

إن كنتم تعبدوننا كما تقولون:إن كنّا عن عبادتكم لغافلين،ما كنّا نسمع و لا نبصر،قال:و هذه الأصنام، قال:هذه خصومة أهل النّار،و قرأ: وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ الأنعام:24،قال:و ضلّ عنهم يوم القيامة ما كانوا يفترون في الدّنيا.(الطّبريّ 10:603)

الطّبريّ: و قوله: تَخاصُمُ ردّ على قوله:

لَحَقٌّ و معنى الكلام:إنّ تخاصم أهل النّار الّذي

ص: 272

أخبرتكم به لحقّ.(10:603)

الزّجّاج: أي إنّ وصفنا الّذي وصفناه عنهم لحقّ، ثمّ بيّن ما هو،فقال:هو تخاصم أهل النّار.و هذا كلّه على معنى إذا كان يوم القيامة قال أهل النّار:كذا، و كذلك كلّ شيء في القرآن ممّا يحكي عن أهل الجنّة و النّار.(4:340)

القمّيّ: تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ فيما بينهم[ثمّ نقل قول الإمام الصّادق عليه السّلام لتأييد كلامه كما مضى](2:243)

الثّعلبيّ: تَخاصُمُ أي هو تخاصم أَهْلِ النّارِ و مجاز الآية:أنّ تخاصم أهل النّار في النّار لحقّ.

(8:215)

نحوه القشيريّ(5:261)،و البغويّ(4:76)و الميبديّ(8:347).

القيسيّ: (حقّ)خبر(انّ)و تَخاصُمُ رفع على تقدير:هو تخاصم،و قيل:هو بدل من(حقّ)بمعنى:إنّ ذلك التّخاصم،و قيل:هو خبر بعد خبر(انّ)،و قيل:

هو بدل من(ذلك)على الموضع.(2:255)

نحوه أبو البركات.(2:319)

الواحديّ: يعني:تخاصم القادة و الأتباع على ما أخبر عنهم.(3:565)

الزّمخشريّ: قرئ بالنّصب على أنّه صفة لذلك،لأنّ أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس.

فإن قلت:لم سمّي ذلك تخاصما؟

قلت:شبّه تقاولهم و ما يجري بينهم من السّؤال و الجواب بما يجري بين المتخاصمين من نحو ذلك،و لأنّ قول الرّؤساء لا مَرْحَباً بِهِمْ ص:59،و قول أتباعهم:

بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ ص:60،من باب الخصومة، فسمّي التّقاول كلّه تخاصما،لأجل اشتماله على ذلك.

(3:380)

نحوه النّسفيّ(3:46)،و الخازن(6:53)،و طه الدّرّة(12:336).

ابن عطيّة: تَخاصُمُ بدل من قوله: لَحَقٌّ.

و قرأ ابن أبي عبلة: (تخاصم) بفتح الميم.و قرأ ابن محيصن: (تخاصم) بالتّنوين (اهل النّار) برفع اللاّم.

(4:512)

الطّبرسيّ: يعني تخاصم الأتباع و القادة،أو مجادلة أهل النّار بعضهم لبعض،على ما أخبر عنهم.

(4:484)

ابن الجوزيّ: ...قرأ أبو الجوزاء،و أبو الشّعثاء، و أبو عمران،و ابن أبي عبلة (تخاصم) برفع الصّاد و فتح الميم،و كسر اللاّم من (اهل) .و قرأ أبو مجلز، و أبو العالية،و أبو المتوكّل،و ابن السّميقع (تخاصم اهل) بفتح الصّاد و الميم،و رفع اللاّم.(7:153)

العكبريّ: قوله تعالى: تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ :هو بدل من(حقّ)،أو خبر مبتدإ محذوف،أي هو تخاصم.

و لو قيل:هو مرفوع ل(حقّ)لكان بعيدا،لأنّه يصير جملة،و لا ضمير فيها يعود على اسم(انّ).

(2:1106)

ابن عربيّ: و إنّما كان تخاصم أهل النّار حقّا، لكونهم في عالم التّضادّ،و محلّ العناد،أسراء في قيود الطّبائع المختلفة،و أيدي القوى المتنازعة،و الأهواء

ص: 273

الممانعة و الميول المتجاذبة.(2:364)

القرطبيّ: [نحو أبي البركات و أضاف:]

أي إنّ تخاصم أهل النّار في النّار لحقّ.يعني قولهم: لا مَرْحَباً بِكُمْ ص:60،و شبهه من قول أهل النّار.(15:225)

البيضاويّ: هو بدل من(الحقّ)أو خبر محذوف.

و قرئ بالنّصب على البدل من ذلك.(2:314)

النّيسابوريّ: إِنَّ ذلِكَ الّذي حكينا عنهم لَحَقٌّ لا بدّ لهم من وقوعه،لأنّهم مالوا إلى عالم التّضادّ،فيحشرون كذلك.ثمّ بيّن ما هو؟فقال:هو تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ لأنّ التّلاعن و التّشاتم نوع من أنواع الخصومة.(23:105)

الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ و القيسيّ]

(3:425)

السّمين:العامّة على رفع تَخاصُمُ مضافا ل «اهله»و فيه أوجه:

أحدها:أنّه بدل من لَحَقٌّ.

الثّاني:أنّه عطف بيان.

الثّالث:أنّه بدل من(ذلك)على الموضع،حكاه مكّيّ.و هذا يوافق قول بعض الكوفيّين.

الرّابع:أنّه خبر ثان ل(انّ).

الخامس:أنّه خبر مبتدإ مضمر،أي هو تخاصم.

السّادس:أنّه مرفوع بقوله: لَحَقٌّ إلاّ أنّ أبا البقاء قال:و لو قيل:هو مرفوع لَحَقٌّ لكان بعيدا، لأنّه يصير جملة،و لا ضمير فيها يعود على اسم(انّ).

و هذا ردّ صحيح.و قد يجاب عنه بأنّ الضّمير مقدّر، أي لحقّ تخاصم أهل النّار فيه،كقوله: وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ الشّورى:43،أي منه.و قرأ ابن محيصن بتنوين (تخاصم) و رفع (اهل) فرفع (تخاصم) على ما تقدّم.و أمّا رفع (اهل) فعلى الفاعليّة بالمصدر المنوّن،كقولك:يعجبني تخاصم الزّيدون.أي أن تخاصموا.و هذا قول البصريّين و بعض الكوفيّين خلا الفرّاء.

و قرأ ابن أبي عبلة (تخاصم) بالنّصب مضافا ل (اهل) و فيه أوجه:

أحدها:أنّه صفة لذلك على اللّفظ،قال الزّمخشريّ:«لأنّ أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس»و هذا فيه نظر،لأنّهم نصّوا على أنّ أسماء الإشارة لا توصف إلاّ بما فيه«أل»نحو مررت بهذا الرّجل،و لا يجوز مررت بهذا غلام الرّجل،فهذا أبعد، و لأنّ الصّحيح أنّ الواقع بعد اسم الإشارة المقارن ل «أل»إن كان مشتقّا كان صفة و إلاّ كان بدلا، و تخاصم ليس مشتقّا.

الثّاني:أنّه بدل من(ذلك).

الثّالث:أنّه عطف بيان.

الرّابع:علي إضمار«أعني»و قال أبو الفضل:«و لو نصب(تخاصم)على أنّه بدل من ذلك لجاز».انتهى.

كأنّه لم يطّلع عليها قراءة.

و قرأ ابن السّميقع (تخاصم) فعلا ماضيا (اهل) فاعل به،و هي جملة استئنافيّة.(5:543)

نحوه الشّوكانيّ.(4:555)

أبو السّعود :خبر مبتدإ محذوف،و الجملة بيان

ص: 274

لذلك.و في الإبهام أوّلا و التّبيين ثانيا مزيد تقرير له.

[ثمّ قال ملخّصا نحو السّمين](5:369)

الكاشانيّ: و في رواية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:أما و اللّه لا يدخل النّار منكم اثنان،لا و اللّه،و لا واحد، و اللّه إنّكم الّذين قال اللّه تعالى:[في آيتين قبلهما] وَ قالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ ... الآية،ثمّ قال:طلبوكم و اللّه في النّار فما وجدوا منكم أحدا.و في أخرى إذا استقرّ أهل النّار في النّار يتفقّدونكم فلا يرون منكم أحدا،فيقول بعضهم لبعض: ما لَنا... الآية قال:و ذلك قول اللّه تعالى:

إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ يتخاصمون فيكم،كما كانوا يقولون في الدّنيا.(4:308)

البروسويّ: تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ خبر مبتدإ محذوف،و الجملة بيان لذلك،أي هو تخاصم إلخ،يعني تخاصم القادة و الأتباع...و هذا إخبار عمّا سيكون.

و سمّي ذلك تخاصما على تشبيه تقاولهم و ما يجري بينهم من السّؤال و الجواب بما يجري بين المتخاصمين من نحو ذلك.(8:54)

القاسميّ: تَخاصُمُ بدل من(حقّ)أو خبر لمحذوف،و قرئ بالنّصب علي البدل من(ذلك).[و نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

فكتب النّاصر (1)عليه:«هذا يحقّق ما تقدّم من أنّ قوله: لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النّارِ من قول المتكبّرين الكفّار،و قوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ من قول الأتباع،فالخصومة علي هذا التّأويل حصلت من الجهتين،فيتحقّق التّخاصم.خلافا لمن قال:إنّ الأوّل من كلام خزنة جهنّم،و الثّاني من كلام الأتباع،فإنّه على هذا التّقدير،إنّما تكون الخصومة من أحد الفريقين؛فالتّفسير الأوّل أمكن و أثبت» انتهى.(14:5117)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ إشارة إلى ما حكي من تخاصمهم، و بيان أنّ تخاصم أهل النّار ثابت واقع لا ريب فيه، و هو ظهور ما استقرّ في نفوسهم في الدّنيا من ملكة التّنازع و التّشاجر.(17:220)

مغنيّة: ذلك إشارة إلى تلاعن أهل النّار،و قول بعضهم لبعض: لا مَرْحَباً بِكُمْ و هو كائن لا محالة.

(6:386)

عبد الكريم الخطيب :أي إنّ هذا التّخاصم و التّلاحي بين أهل النّار،هو حقّ واقع،فمن كذّب فلينتظر،و سيرى.(12:1106)

مكارم الشّيرازيّ: أهل جهنّم مبتلون في هذه الدّنيا بالخصام و النّزاع و الحروب.فالنّزاع و الجدال يتحكّم بهم،و في كلّ يوم يتشبّثون و يتعلّقون بثياب هذا و ذاك.

و في يوم القيامة،ذلك اليوم الّذي تبرز فيه الأسرار و ما تخفيه الصّدور،تراهم يتنازعون فيما بينهم في جهنّم.فأصدقاء الأمس أعداء اليوم، و التّابعون في الأمس صاروا معارضين اليوم،و يبقى فقط خطّ التّوحيد و الإيمان،خطّ الوحدة و الصّفاء في».

ص: 275


1- و هو صاحب كتاب«الانتصاف».

هذا العالم و ذاك.

الجدير بالذّكر أنّ أهل الجنّة متّكئون على الأسرّة،و يتحدّثون فيما بينهم بكلام ملؤه المحبّة و الصّدق،كما ورد في آيات مختلفة من آيات القرآن الكريم،بينما تجد أهل النّار يعيشون حالة من الصّراع و الجدال؛إذن فتلك نعمة كبيرة،و هذا عذاب أليم.

(14:496)

فضل اللّه :حيث تعبّر الخصومة عن نفسها بما يتراشقون به من التّهم و من الانفعالات الكامنة في داخل نفوسهم،فالعلاقات الحميمة بين الكافرين في الدّنيا،تتحوّل-كما يصوّر لنا القرآن-إلى علاقات عدائيّة في الآخرة.(19:281)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخصم،أي الجانب، و الجمع:أخصام،يقال للمتاع إذا وقع في جانب الوعاء من خرج أو جوالق أو عيبة:قد وقع في خصم الوعاء،و في زاوية الوعاء.و خصم كلّ شيء:طرفه و جانبه و ناحيته،و من المزادة و الفراش و غيرهما، و الخصم:طرف الرّاوية الّذي بحيال العزلاء في مؤخّرها.

و أخصام المزادة و خصومها:زواياها،و الأخصام:

الّتي عند الكلية،و هي من كلّ شيء،و أخصام العين:

ما ضمّت عليه الأشفار،و الأخصوم:عروة الجوالق أو العدل،و خصوم السّحابة:جوانبها.

و الخصومة:الجدل،يقال:خصمته أخصمه خصاما و خصومة،أي غلبته فيما خاصمته،إذ«يتعلّق كلّ واحد بخصم الآخر،أي جانبه،و أن يجذب كلّ واحد خصم الجوالق من جانب»،كما أفاد الرّاغب.

و خاصمه خصاما و مخاصمة،فخصمه يخصمه خصما،أي غلبه بالحجّة،و أخصمت فلانا:لقّنته حجّته على خصمه،و اختصم القوم و تخاصموا، و السّيف يختصم جفنه:يأكله من حدّته،على التّشبيه.

و الخصم:الّذي يخاصم،يكون للاثنتين و الجمع و المؤنّث،و هو الخصيم أيضا.و يجمع الخصم على:

خصوم،و الخصيم على:خصماء و خصمان.و رجل خصم:شديد الخصومة.

و الخصمة:من خرز الرّجال،يلبسونها إذا أرادوا أن ينازعوا قوما أو يدخلوا على سلطان.

2-و يستعمل العامّة«الخصم»في الحساب بمعنى الطّرح؛يقولون:خصم قدرا من المبلغ،يريدون طرحه و أخرجه،و هو معنى مولّد.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا الصّفة:«خصم»مفردا مرّة،و مثنّى مرّتين،و«خصيم»3 مرّات،و«خصم»جمعا مرّة،و المصدر:«خصام»مرّتين،و مزيدا من الافتعال الماضي مرّة،و المضارع 7 مرّات،و من التّفاعل المصدر «تخاصم»مرّة،في 17 آية:

1- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ...

الحجّ:19

2- قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ

ص: 276

بِالْوَعِيدِ ق:28

3- ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ

الزّمر:31

4- ...وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ

آل عمران:44

5- قالُوا وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ* تَاللّهِ إِنْ كُنّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ الشّعراء:96،97

6- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ النّمل:45

7- ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ص:69

8- ما يَنْظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ يس:49

9- إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ ص:64

10- وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ص:21

11- ...خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ... ص:22

12- ...ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58

13- خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ النّحل:4

14- أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ يس:77.

15- ...وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً النّساء:105

16- ...وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ البقرة:204

17- أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ الزّخرف:18

يلاحظ أوّلا:أنّ«الخصام»جاء بين فئتين أو فئة واحدة باختلاف الخصماء،كما يأتي:

أ-النّبيّ في(15): وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً :

يظهر من سياق الآية أنّ اللّه نهى نبيّه عن مخاصمة أهل الحقّ انتصارا للخائنين،فهل يصدر عن النّبيّ فعل كهذا؟للمفسّرين ثلاثة أقوال في هذا المضمار:

الأوّل:أنّه فعل ذلك فنزلت عليه هذه الآية،و هو قول من لعلّه يطعن في عصمة النّبيّ.

الثّاني:أنّه همّ به و لم يفعله.

الثّالث:أنّه لم يخاصم عن الخائنين،و لم يهمّ بذلك أبدا.

و القول الثّالث:هو الأصحّ،لأنّ في الآية تخاطب النّبيّ و تريد أمّته،و نظيره قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً الأحزاب:1،فالنّهي عن الشّيء لا يقتضي كون المنهيّ فاعلا للمنهيّ عنه،كما قال الفخر الرّازيّ.

و ذهب من تشبّث بالقول الأوّل إلى أنّ سبب نزول الآية مباشرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله هذا الفعل،و هو بعيد، لأنّ النّهي عن المحرّم-كما قال الشّيخ مغنيّة-يقع قبل اقترافه،و لو ورد بعده لانتقض الغرض منه.

ب-الملائكة في ثلاث آيات:(7)و(10)و(11)، و فيها بحوث:

1-جاءت الآية(7): ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ استئنافيّة بيانيّة،و الآية السّابقة لها استئنافيّة أيضا: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ، و كذلك الآية التّالية لها: إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ.

ص: 277

1-جاءت الآية(7): ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ استئنافيّة بيانيّة،و الآية السّابقة لها استئنافيّة أيضا: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ، و كذلك الآية التّالية لها: إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ.

فهذه الآيات الثّلاث تكوّن ثلاث موضوعات مختلفة،غير أنّها مترابطة فيما بينها،و هي:الكتاب المنزل،أي القرآن: هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، و وسائط الإنزال،أي الملائكة: بِالْمَلَإِ الْأَعْلى، و المنزل عليه، أي النّبيّ محمّد: أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. و هذا شاهد لمن يذهب إلى وجود التّناسب بين آيات القرآن و سوره.

2-جاءت الآية(10)استفهاما لفظا و تعجيبا معنى: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ، قال الزّمخشريّ:«ظاهره الاستفهام و معناه الدّلالة على أنّه من الأنباء العجيبة الّتي حقّها أن تشيع و لا تخفى على أحد».

و قد ورد نحو هذا الأسلوب في خمس آيات أخرى،إلاّ أنّه استعمل فيها لفظ«حديث»بدل«نبأ» كما يلي:

وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى. طه:9

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ.

الذّاريات:24

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى. النّازعات:15

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ. البروج:17

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ. الغاشية:1

3-إن قيل:قوله تعالى في(11): خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ يقضي بأن يكون التّجاوز من كلا الخصمين،و لكنّ الآيتين اللاّحقتين لها توضّحان أنّ التّجاوز حصل من أحدهما دون الآخر: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ* قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ... ص:23،24،أ ليس هذا اختلاف،و اللّه يقول: وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82.

يقال أوّلا:إنّ لفظي(خصمان)و بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ لا ينصّان على أنّ التّجاوز كان من كلا الطّرفين.

و ثانيا:إنّ هذا الكلام ليس على سبيل التّحقيق، و إنّما هو على سبيل المثل،لأنّ قائليه ملكان،و ما كانا خصمين و لا باغيين،و أرادا به أن ينبّها داود عليه السّلام على موضع إخلاله ببعض ما كان ينبغي أن يفعله،فيستغفر ربّه و ينيب إليه.و كان الفريقان المتخاصمان من الملائكة قد تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ففجأه دخولهم عليه فَفَزِعَ مِنْهُمْ، فأرادوا أن يذهبوا عنه الفزع قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ، و لمّا جثا الفريقان للخصومة بين يدي داود عليه السّلام،قال صاحب الظّلامة من أحد الفريقين: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً....

ج-آل عمران في(4): وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ :

ورد في الخبر أنّ آل عمران اختصموا في كفالة مريم،ثمّ فضّوا الخصومة بالسّهم و الاقتراع،فأيّ قضيّة

ص: 278

أعدل من القرعة؟غير أنّ الاختصام جاء هنا متأخّرا عن الاقتراع،و حقّه أن يتقدّم عليه،و لعلّ علّة ذلك مراعاة فواصل الآيات،و اللّه أعلم.

د-المؤمنون و الكافرون في آيتين(1)و(6)، و فيهما بحوث:

1-ثنّي الخصم و يراد به الجمع في(1): هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ، لأنّ المراد بهم المؤمنون و الكافرون الّذين حدّث عنهم في الآيات المتقدّمة عليها و المتأخّرة عنها،و لهذا قال: اِخْتَصَمُوا فلاحظ،فالتّثنية باعتبار الفريقين.

و عن عكرمة:«هما الجنّة و النّار»،و هو بعيد،لأنّ الجنّة و النّار لم يختصما في النّار.

و صيغ«فعله»من«الافتعال»و يراد به «التّفاعل»،فالاختصام هنا بمعنى التّخاصم الّذي يفيد المشاركة في الخصومة.على أنّ«الاختصام»أيضا صادق عند التّخاصم.

2-و اختلف في المتخاصمين على ثلاثة أقوال:

الأوّل:المسلمون و مشركو مكّة في غزوة بدر، و هو قول أبي ذرّ الغفاريّ،و يرفضه أوّلا:أنّ الآية مكّيّة،و غزوة بدر وقعت بعد الهجرة،إلاّ أن يراد بها التّأويل و الجري دون التّنزيل.

و ثانيا:ما روي عن أبي ذرّ-و سيأتي-أنّها نزلت في فريق من بني هاشم و غيرهم.

و الثّاني:المسلمون و اليهود،و هو قول ابن عبّاس.

و الثّالث:المسلمون و الكافرون عامّة،و هو قول مجاهد.و هو الأظهر بالسّياق.

لكنّ ما قاله أبو ذرّ أيضا لا يردّ بتّا،تعويلا على قائله،لطول صحبته و ملازمته لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و هو القائل فيه:«ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذرّ»،فقد روى البخاريّ في صحيحه عند تفسير سورة الحجّ عن أبي هاشم،عن قيس بن عبّاد قال:«سمعت أبا ذرّ يقول:أقسم باللّه لنزلت هذه الآية: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ في هؤلاء السّتّة:حمزة و أبي عبيدة و عليّ بن أبي طالب،و عتبة و شيبة ابني ربيعة و الوليد بن عتبة»، و رواه مسلم عن أبي هاشم،و هو حديث مسند بطريقين فلاحظ.

3-وصل الاختصام فيها بصلة: فِي رَبِّهِمْ، و أصلها في دين ربّهم،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه،و هي ظرفيّة مجازيّة،مثل قوله: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ البقرة:179.و نظيرها الآية(5):

قالُوا وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ، إلاّ أنّ صلتها ظرفية حقيقيّة،و سيأتي بحثها لا حقا،و كذا في سائر الآيات.

4-و في(6): وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ الفريقان المتخاصمان هما المستكبرون و المستضعفون -أي الكافرون و المؤمنون-من ثمود قوم صالح،كما جاء في«الأعراف»،و قيل:صالح و قومه جميعا قبل أن يؤمن به أحد.و يردّه التّصريح بهم في«الأعراف 75، 76»،و ضعّفه الشّوكانيّ أيضا.و كان اختصاصهم في رسالة صالح: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ* قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ

ص: 279

4-و في(6): وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ الفريقان المتخاصمان هما المستكبرون و المستضعفون -أي الكافرون و المؤمنون-من ثمود قوم صالح،كما جاء في«الأعراف»،و قيل:صالح و قومه جميعا قبل أن يؤمن به أحد.و يردّه التّصريح بهم في«الأعراف 75، 76»،و ضعّفه الشّوكانيّ أيضا.و كان اختصاصهم في رسالة صالح: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ* قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ

و كان صالح عليه السّلام نهاهم عن عبادة غير اللّه: قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَ تَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا هود:62،و لم يذكر المفسّرون معبودهم، غير أنّ الطّبريّ أشار إلى ذلك باقتضاب،فقال:«أ تنهانا أن نعبد الآلهة الّتي كانت آباؤنا تعبدها»،انظر،ع ب د:

«نعبد».

ه-المؤمنون في(3): ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ :

خاطب اللّه تعالى رسوله في الآية بقوله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، ثمّ عطف الآية اللاّحقة على السّابقة بقوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ. فهذه ثلاث جمل مؤكّدة ب«إنّ»،الأولى:

خطاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إخبار بموته: إِنَّكَ مَيِّتٌ.

و الثّانية:إخبار بموت من عارضه،و هم عتاة قريش:

وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، و الثّالثة:خطاب للمسلمين على الأظهر: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.

و اخترنا أنّ المعنيّ بهذه الآية المسلمين لما أثر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ أمّته سوف تكون بينها خصومة يوم القيامة،و عليه الرّعيل الأوّل كابن عمر و أبي سعيد الخدريّ و أبي العالية و النّخعيّ و غيرهم.كما أنّ الخطاب للنّبيّ و المسلمين في الآيتين المذكورتين،لأنّ اللّه ما خاطب أحدا دونهما في الآيات المتقدّمة من هذه السّورة،فتأمّل.

و-الكافرون في 9 آيات:(2)و(5)و(8)و(9) و(12)إلى(14)و(16)و(17)،و فيها بحوث:

1-زجر اللّه أهل النّار حين اختصموا لديه و هم في جهنّم،في(2): قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، و كان حكى اختصامهم في الآية السّابقة: قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. و لكنّه تعالى لا يردّ اختصام المسلمين يوم القيامة حينما يحتكمون إليه،كما قال في(3): ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ. و هذا شاهد لمن قال:عنى بذلك اختصام المسلمين،أمّا من قال:

عنى به اختصام الكفّار،فمحجوج بهذه الآية،لأنّه قال فيها: لا تَخْتَصِمُوا، و قال في(3): تَخْتَصِمُونَ، و هذا تناقض بيّن،و لا يرتفع إلاّ باختلاف المعنيّ به، كما ذهبنا إليه في كلتا الآيتين.

و قد تمحّل من عنى بالمختصمين الكافرين في هاتين الآيتين جميعا،قال البروسويّ في تفسير(3):

فإن قيل:«قال في آية أخرى: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ؟ قيل:إنّ في يوم القيامة ساعات كثيرة و أحوالها مختلفة، مرّة يختصمون و مرّة لا يختصمون».فهو بتّ هذا الأمر، و كأنّه أمر مسلّم أو خبر مأثور!

2-ذكر في(5): قالُوا وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ تخاصم العبدة للمعبودين من الإنس و الشّياطين و الغاوين،و ليس للأصنام كما قال الزّمخشريّ،إذ لم يجر لها ذكر هذا الصّدد،و إنّما ذكر التّخاصم في الآيات بين أصناف أخرى و إن لم يأت فيها لفظ الخصومة:

أوّلا:التّابع و المتبوع: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ اَلَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ* وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنّا البقرة:166،167.

ص: 280

أوّلا:التّابع و المتبوع: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ اَلَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ* وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنّا البقرة:166،167.

و ثانيا:المشرك و الشّريك: وَ إِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ النّحل:86.

و ثالثا:المستضعف و المستكبر: وَ بَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا مِنْ عَذابِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ إبراهيم:21.

يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنّا مُؤْمِنِينَ* قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَ نَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ* وَ قالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ... سبأ:31-33.

و رابعا:الغاوي و المغويّ: قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ* قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ* وَ ما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ* فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنّا لَذائِقُونَ* فَأَغْوَيْناكُمْ إِنّا كُنّا غاوِينَ الصّافّات:28-32.

و خامسا:الطّغاة من أهل النّار: هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النّارِ* قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ...

ص:59،60.

3-ردّ اللّه على تهكّم قريش في(8): وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* ما يَنْظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ، و ما كان ردّه خطابا لهم،بل التفاتا إلى الغيبة إيذانا بأنّ سوء مقالتهم توجب الإعراض عنهم.

و لا يبعد أن تكون«ما»هنا بمعنى«هل»فيكون استفهاما إنكاريّا،و هذان الحرفان يتعاقبان كثيرا، نحو قوله: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن :60،أي ما جزاء الإحسان،و(الاّ)أداة حصر،و هي هاهنا لنقض النّفي.

4-يريد بتخاصم أهل النّار في(9): إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ تقاولهم في الآيات السّابقة: هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النّارِ* قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ* قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النّارِ* وَ قالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ* أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ* إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ ص:59 -64.

و يلحظ أنّ هذا المعنى جاء مصدرا هنا من «التّفاعل»،غير أنّه لمّا جاء فعلا جعل من«الافتعال»، فتأمّل.

5-إن قيل:أ ليس الجدل هو الخصام،فلم أضرب عنه إليه في(12): ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ؟

يقال:بلى هو كذلك،و أضرب عن الجدل إلى الخصام لأنّه أدقّ،فأصل الجدل-كما تقدّم-الجدل،

ص: 281

و هو شدّة الفتل،و أصل الخصام-كما قلنا آنفا-:

الخصم،و هو الجانب،يقال:خصمته خصاما و خصومة ،أي غلبته فيما خاصمته؛و ذلك بأن يتعلّق كلّ واحد من الخصوم بخصم الآخر.و قال أبو حيّان:«و فعل،من أبنية المبالغة نحو:هدي».

و من الجدير بالذّكر هنا أنّ جملة: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ استئنافيّة،و الإضراب فيها إضراب انتقاليّ، أي الانتقال من وصف نهج المشركين السّقيم إلى وصف طبعهم اللّئيم.

6-ذكر خلق الإنسان من نطفة في(13)و(14)، غير أنّه جاء هذا المعنى في(13)خبرا مسندا إلى اللّه بصيغة الغائب: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ، و جاء في (14)استفهاما إنكاريّا مسندا إلى الضّمير«نا»الدّالّ عليه تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ، و كلتاهما جملة استئنافيّة.ثمّ تلاه قوله فيهما: فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ، و هي جملة معطوفة على الاستئنافيّة، مشعرة بأنّ خصومتهم لخالقهم غير متوقّع،تفريعا عليها ب«فاء»للتّرتيب المتّصل،و هو أوقع في بيان أنّه غير متوقّع منهم.

و علّة اختلاف الأسلوب فيهما أنّ(13)وقعت بين آيتين خبريّة،فجاءت على شاكلتها،نحو قوله: أَتى أَمْرُ اللّهِ، و يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ، و خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، و خُلِقَ الْإِنْسانُ، و وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها، و وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ، و وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ، و وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ، و وَ عَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ، و هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً، و هلمّ جرّا.

و تلت الآية(14)آيات في حجاج الكافرين،تنكر عليهم سوء نهجهم،فضاهتها في هذا الأسلوب.و قد سبقتها عشر آيات تنحى باللاّئمة على الكافرين،منها الآية:47،من هذه السّورة،و هي على لسان الكافرين: أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللّهُ أَطْعَمَهُ، و تلتها آية واحدة على هذا الغرار أيضا،و هو قوله: أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ يس:81.

7-اختلفوا في الخصام في(16): وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ، فقال أرباب المعاجم من اللّغويّين:إنّه مصدر،و فعله:خصمه يخصمه خصاما و خصومة، و خاصمه خصاما و مخاصمة،كما تقدّم في النّصوص.

و قال بعض النّحويّين كابن قتيبة و الزّجّاج و العكبريّ:إنّه جمع خصم،و تبعهم من اللّغويّين صاحب المصباح و من المفسّرين الطّبرسيّ و الآلوسيّ.

و كانت حجّة من رأى أنّه جمع القياس،لأنّ «فعالا»من أمثلة جمع الكثرة،و هو مطّرد في«فعل» و«فعلة»من الأسماء،نحو:كعب و كعاب،و قصعة و قصاع،و من الصّفات،نجو:صعب و صعاب،و صعبة و صعاب.و جعل الزّجّاج الخصم صفة،فقال:«إن جعلت خصما صفة،فهو يجمع على أقلّ العدد و أكثره على«فعول»و«فعال»جميعا،يقال:خصم و خصام و خصوم».و جعله الفيّوميّ اسما كما يظهر من مثاله:

«يجمع الخصم على خصوم و خصام،مثل بحر و بحور و بحار».

و لكن لم يؤثر عمّن يؤبه بقوله من أصحاب

ص: 282

السّماع،أنّ الخصام:جمع قطّ،بل أثر عن الرّعيل الأوّل-كالخليل و ابن دريد و الجوهريّ-أنّه مصدر فحسب،و ليس اسما و لا صفة فيجمع،كما تقدّم في النّصوص اللّغويّة.

8-أجمع المفسّرون على أنّ المراد بالواهي الحجّة في(17):المرأة أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ، و هو المناسب لما قبلها: أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ* وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ على أنّه قال:(او من)دون«أو ما»،و قال ابن زيد:

«هم الأصنام،فإنّهم كانوا يحلّونها بالحليّ»،و هذا وصف لطبعها و سنخها في كلّ زمان و مكان.

و أمّا من أراد به المرأة،فخصّه بتطبّعها في زمان و مكان معيّنين،لأنّها تتخلّق بصفات تختلف باختلاف الزّمان و المكان.فالمرأة اليوم تضارع الرّجل في ذرابة اللّسان و قوّة البيان،و اعتلت في بعض البلاد منصّة القضاء،تنتصف من الظّالم،و تذود عمّن و كلّها في الدّفاع عنه،سواء كان رجلا أم امرأة،و مع ذلك كلّه فالسّياق و اللّفظ(او من)يوافقان الأوّل،و هو المرأة.

ثانيا:قد ذكرت صلة«الاختصام»في بعضها،مثل (1): اِخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ -و قد سبق-و قد قدّر المفسّرون صلات للأفعال الّتي خلت منها،قالوا في (2): قالَ لا تَخْتَصِمُوا :في الكفر،و(3): عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ في الدّماء،و(4) إِذْ يَخْتَصِمُونَ في مريم، و(6): فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ في الدّين،و(7): بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ في آدم،و(8) وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ في البيع و الشّراء.

ثالثا:ثلاث من آيات هذه المادّة مدنيّة،و هي(4) و(15)و(16)،و واحدة مردّدة بين المكّيّ و المدنيّ و هي(1)،و الباقي،-و هي 13 آية-مكّيّة.و قد كثر أشخاصهم فيها مع الكفّار و المشركين.و هذه النّسبة متناسقة مع طبيعة الجوّ قبال الإسلام في البلدين، فطبيعة الجوّ في مكّة الإنكار و الكفر و التّخاصم-و هو الأكثر من التّسليم-و طبيعة الجوّ في المدينة الاحتجاج

و التّسليم و هو الأكثر-أو الجهاد و القتال بدل الجدال و الخصام،إضافة إلى أنّ الآية(4)حكاية قصّة مريم،فهي ملحقة بالمكّيّات أيضا.

رابعا:من نظائر الخصومة في القرآن:

اللّدد: وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا مريم:97

الجدال: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ البقرة:197.

المنازعة: وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا الأنفال:46

اللّجاج: وَ لَوْ رَحِمْناهُمْ وَ كَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ المؤمنون:75

ص: 283

ص: 284

خ ض د

اشارة

مخضود

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخضد:نزع الشّوك عن الشّجر.و قال اللّه جلّ و عزّ: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ الواقعة:28،أي:

نزع شوكه.

و خضدت العود فانخضد،أي انكسر من غير بينونة.

و البعير يخضد عنق البعير،إذا قاتله.

و الخضاد:من شجر الجنبة،و هو مثل النّصيّ،و لورقه حروف كحروف الحلفاء يجزّ باليد،كما تجزّ الحلفاء.

و خضد يخضد خضدا،إذا أكل شيئا رطبا،نحو القثّاء و غيرها.(4:175)

أبو زيد :الانخضاد:الانثناء.و كلّ ما لم يبن فهو منخضد،و إنّما ينخضد كلّ عود لدن،يقال:ما كان لدنا و لقد لدن لدونة،إذا لان لينا.

و المنغاط و المنخضد واحد،إنّما هو من كلّ ليّن انثنى و لم يبن،و هو الانخضاد،و الانغطاط.(196)

و غضف يغضف غضفا،و خضد يخضد خضدا، و غرض يغرض غرضا،و هؤلاء الثّلاث:الكسر في الرّطب و اليابس،و هو الكسر الّذي لم يبن.

(القاليّ 2:30)

نحوه ابن السّكّيت.(128)

اللّحيانيّ: و اختضد البعير:أخذه من الإبل و هو صعب لم يذلّل،فخطمه ليذلّ و ركبه.

(ابن سيده 5:38)

شمر:الخضاد:وجع يصيب الإنسان في أعضائه،

ص: 285

لا يبلغ أن يكون كسرا،و هو الخضد.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:99)

ابن أبي اليمان :الخضد:القطع.(305)

ابن دريد :خضدت العود أخضده خضدا،إذا ثنيته و لم تكسره،و العود خضيد و مخضود.و انخضد العود انخضادا.

و كلّ رطب اقتضبته فقد خضدته،و كذلك معناه في التّنزيل إن شاء اللّه تعالى.

و قال المفسّرون في قوله جلّ ثناؤه: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ الواقعة:28،أي لا شوك عليه،و اللّه أعلم بذلك.

و الخضد:كلّ ما قطع من العيدان رطبا.[ثمّ استشهد بشعر](2:200)

ابن الأنباريّ: الخضيد:اللّيّن الرّطب.(78)

الأزهريّ: [قيل:]الخضد:ما خضد من الشّجر و نحّي عنه.

[و قيل:]الخضد:شدّة الأكل،و رجل مخضد.

و في الخبر:أنّ معاوية رأى رجلا يجيد الأكل، فقال:إنّه لمخضد.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:انخضدت الثّمار الرّطبة،إذا حملت من موضع إلى موضع،فتشدّخت.

و منه قول الأحنف بن قيس-حين ذكر الكوفة و ثمار أهلها-فقال:«تأتيهم ثمارهم لم تخضد»،أراد أنّها تأتيهم بطراءتها،لم يصبها ذبول و لا انعصار،لأنّها تحمل في الأنهار الجارية،فتؤدّيها إليهم.(7:98)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الخضد:الّذي لا يقدر على النّهوض.

و خضد الرّجل:برد جسده.

و بعير خضد و مخضود،و إبل خضادى،و هي الّتي يخضدها الحمل.

و اخضدّ المهر،إذا جاذب المرود مرحا و نشاطا.

(4:232)

الخطّابيّ: و في قصّة عروة بن مسعود:«...ثمّ قالوا:

السّفر و خضده،...»يريد:تعب السّفر.

و أصل الخضد:كسر الشّيء اللّيّن من غير إبانة له،يقال:خضدت العود،إذا ثنيته فهو خضيد و مخضود،و انخضد العود انخضادا.

و الخضد:كلّ ما قطع من العيدان رطبا.[ثمّ استشهد بشعر](2:555)

الجوهريّ: خضدت العود فانخضد،أي ثنيته فانثنى من غير كسر.

و الخضد:الأكل الشّديد.

و قيل لأعرابيّ،و كان معجبا بالقثّاء:ما يعجبك منه؟قال:خضده و برده.

و الخضد:القطع.و كلّ رطب قضبته فقد خضدته؛ و كذلك التّخضيد.

و خضدت الشّجر:قطعت شوكه،فهو خضيد و مخضود.

و الخضد:كلّ ما قطع من عود رطب.

و الخضاد:شجر رخو بلا شوك.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:468)

ابن فارس: الخاء و الضّاد و الدّال أصل واحد

ص: 286

مطّرد،و هو يدلّ على تثنّ في شيء ليّن.يقال انخضد العود انخضادا،إذا تثنّى من غير كسر.و خضدته:

ثنيته.و ربّما زادوا في المعنى،فقالوا:خضدت الشّجرة، إذا كسرت شوكتها.

و نبات خضيد.و الأصل هو الأوّل،لأنّ الخضيد هو الرّيّان النّاعم الّذي يتثنّى للينه.

فأمّا قول النّابغة:

يمدّه كلّ واد مترع لجبّ

فيه ركام من الينبوت و الخضد

فإنّه يقال:الخضد:ما قطع من كلّ عود رطب.

و يقال:خضد البعير عنق البعير،إذا تقاتلا فثنى أحدهما عنق الآخر.(2:194)

الهرويّ: قوله: مَخْضُودٍ أي لا شوك فيه،كأنّه حصد شوكه،أي قطع،فخلقته خلقة المخضود.و يقال:

انخضدت الثّمار الرّطبة،إذا حملت من موضع فتشدّخت.

...يقال:خضدت تخضد خضدا،إذا أغبّت أيّاما فضمرت الثّمرة و انزوت.

و في حديث مسلمة بن مخلد:«...أنّه قال لعمرو بن العاص:إنّ ابن عمّك هذا المخضّد (1)»،أي يأكل بجفاء و سرعة.و منه:خضد الشّوك.

و في حديث معاوية:«أنّه رأى رجلا يجيد الأكل فقال:إنّه لمخضد».و الخضد شبه الأكل.(2:562)

ابن سيده: الخضد:الكسر في الرّطب و اليابس ما لم يبن،خضد الغصن و غيره يخضده خضدا،فهو مخضود،و خضيد،و قد انخضد و تخضّد.

و الخضد:ما تكسّر و تراكم من البرديّ و سائر العيدان الرّطبة.

و خضد البدن:تكسّره و توجّعه مع كسل.

و خضد البعير عنق صاحبه يخضدها:كسرها.

و خضد الشّيء يخضده خضدا:أكله رطبا، كالقثّاءة و نحوها.

و خضد الفرس يخضد خضدا،مثل خضم.

و قيل:خضد خضدا:أكل.

و خضد الشّجر يخضده خضدا:قطعه.

و اليخضود:ما قطع منه.

و الخضد:نزع الشّوك عن الشّجر.

و راعية خضود:تخضد الشّجر.[ثمّ ذكر قول اللّحيانيّ و أضاف:]

و قال الفارسيّ: إنّما هو:اختضر.

و الخضد:نبت.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](5:37)

خضد العود يخضد خضدا:لان.و انخضد و تخضّد:انثنى.

و الخضيد:كلّ قضيب ناعم.و ذلك إذا لم يقدر أن يعتدل لنعمته و ريّه.(الإفصاح 2:1173)

الرّاغب: قال اللّه: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ الواقعة:

28،أي مكسور الشّوك،يقال:خضدته فانخضد فهو مخضود و خضيد.

و الخضد:المخضود،كالنّقض في المنقوض،و منهد.

ص: 287


1- و في الأساس(113):هذا لمخضد.

استعير خضد عنق البعير،أي كسر.(149)

الزّمخشريّ: خضد الشّجر و خضّده:قطع شوكه.

و سدر مخضود،و مخضّد،و خضيد.

و احتظر بالخضيد،و هو ما خضد،أي قطع من العيدان.

و خضد العود فانخضد و تخضّد،أي ثناه.

و في الحديث:«في شجر المدينة حرمتها أن تعضد أو تخضد».

و انخضدت الفواكه و تخضّدت:حملت من موضع إلى موضع فتكسّرت،و قد خضدها الحمل.

و قيل لأعرابيّ: كان يعجبه القثّاء:ما يعجبك منه؟ قال:خضده،أي تكسّره.

و منه قول صبيان مكّة في ندائهم على القثّاء:

العثريّ العثريّ،عثر فتكسّر.

و من المجاز:خضد البعير عنق البعير،إذا قاتله.

و هو يخضد خضدا،إذا اشتدّ الأكل.[ثمّ استشهد بشعر]و رجل مخضد.

و خضد اللّه شوكته.(أساس البلاغة:113)

في حديث الأحنف:«...تأتيهم فواكههم لم تخضد»،و روي:لم تخضّد.

خضد الشّيء:ثناه،و تخضّد:تثنّى،يعنى أنّ فواكههم قريبة منهم،فهي تأتيهم غضّة لم تتثنّ و لم تتكسّر ذبولا.(الفائق 1:267،268)

المدينيّ: [ذكر حديث عروة بن مسعود،ثمّ قال نحو ابن دريد و الصّاحب فراجع].(1:586)

ابن الأثير:[ذكر حديث عروة بن مسعود،كما نقلناه عن الخطّابيّ ثمّ قال:]

و منه حديث الدّعاء:«تقطع به دابرهم و تخضد به شوكتهم».

و منه حديث عليّ: «حرامها عند أقوام بمنزلة السّدر المخضود»أي الّذي قطع شوكه.

و منه حديث ظبيان:«يرشّحون خضيدها»أي يصلحونه و يقومون بأمره.و الخضيد:فعيل بمعنى مفعول.

و في حديث أميّة بن أبي الصّلت:«بالنّعم محفود، و بالذّنب مخضود»يريد به هاهنا أنّه منقطع الحجّة كأنّه منكسر.[ثمّ ذكر حديث الأحنف و معناه،كما سبق عن الأزهريّ و أضاف:]

و قيل:صوابه:لم تخضد،بفتح التّاء على أنّ الفعل لها،يقال خضدت الثّمرة تخضد خضدا،إذا غبّت أيّاما فضمرت و أنزوت.

[و قال في حديث معاوية:]الخضد:شدّة الأكل و سرعته.و مخضد مفعل منه،كأنّه آلة للأكل.

(2:39)

الرّازيّ: خضد الشّجر:قطع شوكه،و بابه «ضرب»،فهو خضيد و مخضود.(197)

نحوه مجمع اللّغة(1:339)،و محمّد إسماعيل إبراهيم(1:165).

الفيروزآباديّ: خضد العود رطبا أو يابسا يخضده:كسره و لم يبن،فانخضد و تخضّد:قطعه.

و البعير عنق آخر:ثناه.و الشّجر:قطع شوكه،و زيد:

ص: 288

أكل أكلا شديدا،أو شيئا رطبا كالقثّاء و الجزر.

و الخضد،محرّكة:ضمور الثّمار،و انزواؤه،و وجع يصيب الأعضاء لا يبلغ أن يكون كسرا،كالخضاد بالفتح،و كلّ ما قطع من عود رطب،أو تكسّر من شجر،كاليخضود،و نبت،و التّوهّن،و الضّعف في النّبات.

و ككتف:العاجز عن النّهوض،كالمخضود.

و كمنبر:الشّديد الأكل.

و كسحاب:شجر.

و الأخضد:المتثنّى،كالمتخضّد.

و أخضد المهر:جاذب المرود نشاطا و مرحا.

و اختضد البعير:خطمه ليذلّ،و ركبه.

و انخضدت الثّمار:تشدّخت.(1:301)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو رفع التّصلّب و الخشونة،على سبيل الانعطاف و التّثنّي و الانحناء.و هذا المعنى يصدق على تثنّي العود،و استرخاء الشّجر،و رفع خشونة الشّوك و تصلّبه،و ما تكسّر و تراكم من العيدان،و كسر العود،إذا لم تبنه.

و لا يخفى أنّ هذه المادّة قريبة لفظا و مفهوما من مادّة الخضم بمعنى القطع،و الخضر بمعنى النّضارة، و الخضع بمعنى التّواضع،و الخضل بمعنى الابتلال و النّدى.

و تقرب مفهوما من مادّة الانعطاط و التّثنّي و الانعطاف.(3:73)

النّصوص التّفسيريّة

مخضود

وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ* فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ. الواقعة:27،28

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث]«...خضد اللّه شوكه فجعل مكان كلّ شوكة ثمرة،فإنّها تنبت ثمرا يفتق الثّمر منها عن اثنين و سبعين لونا من الطّعام،ما فيه لون يشبه الآخر».(القرطبيّ 17:207)

ابن عبّاس: موقر بلا شوك.(454)

نحوه مجاهد و عكرمة(الطّبريّ 11:635)،و قتادة(الطّبريّ 11:634).

خضده:وقره من الحمل.(الطّبريّ 11:634)

لا شوك فيه،كأنّه خضّد شوكها،أي قطع و نزع.

مثله عكرمة و قسامة بن زهير.(الثّعلبيّ 9:206)

نحوه ابن قتيبة(447)،و الواحديّ(4:234)، و الزّمخشريّ(4:54)،و النّسفيّ(4:216)، و النّيسابوريّ(27:79)،و السّمين(6:259)، و الشّربينيّ(4:185)،و أبو السّعود(6:189)، و طنطاوي(24:79).

سعيد بن جبير: ثمرها أعظم من القلال.

(الطّبريّ 11:635)

مجاهد :يقولون:هذا الموقر حملا.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 11:635)

نحوه مقاتل بن حيّان.(الثّعلبيّ 9:206)

عكرمة :لا شوك فيه.(الطّبريّ 11:634)

ص: 289

مثله قسامة بن زهير،و السّفر بن نسير،و أبو الأحوص(الطّبريّ 11:635)،و السّدّيّ(449)، و الفرّاء(3:124)،و أبو عبيدة(2:250)،و القشيريّ (6:88)،و القاسميّ(16:5651)،و مغنيّة(7:222)، و عبد الكريم الخطيب(14:713).

الحسن :لا تعقر الأيدي.(الثّعلبيّ 9:206)

قتادة :هو الّذي لا يرد اليد منها شوك و لا بعد.(الثّعلبيّ 9:206)

زيد بن عليّ: لا شوك فيه.و يقال:الموقر.

(405)

ابن كيسان :هو الّذي لا أذى فيه.و ليس شيء من ثمر الجنّة في غلف كما تكون في الدّنيا من الباقلاّء و غيره،بل كلّها مأكول و مشروب و مشموم و منظور إليه.(الثّعلبيّ 9:206)

الزّجّاج: الّذي قد نزع شوكه.(5:112)

نحوه الكاشانيّ(5:122)،و الشّوكانيّ(5:188) ،و المراغيّ(27:138)،و سيّد قطب(6:3464)، و عزّة دروزة(3:105)،و الطّباطبائيّ(19:123).

القمّيّ: سِدْرٍ مَخْضُودٍ شجر لا يكون له ورق و لا شوك فيه.(2:348)

السّجستانيّ: «السّدر»شجر النّبق مَخْضُودٍ لا شوك فيه،كأنّه خضد شوكه أي قطع،أي خلقته خلقة المخضود.(186)

الطّوسيّ: المخضود هو الّذي لا شوك فيه، و خضد بكثرة حمله و ذهاب شوكه،في قول ابن عبّاس و عكرمة و قتادة و مجاهد و الضّحّاك.

و أصل الخضد:عطف العود اللّيّن.فمن هاهنا قيل:

لا شوك فيه،لأنّ الغالب على الرّطب اللّيّن أنّه لا شوك فيه.(9:495)

نحوه الطّبرسيّ.(5:217)

الميبديّ: [نحو السّجستانيّ و أضاف:]

و يجوز في العربيّة أن يقال:هذه شجرة مخضودة الشّوك،و لم يكن لها شوك أصلا يجب خضده،كقوله عزّ و جلّ: مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى محمّد:15،و هو عسل لم يكن فيه شمع قطّ يجب تصفيته منه.(9:447)

ابن عطيّة: أي مقطوع الشّوك لا أذى فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و عبّر بعض المفسّرين عن مَخْضُودٍ، بأنّه الموقر حملا.و قال بعضهم:هو قطع الشّوك و هو الصّواب،أمّا إنّ وقره هو كرمه.

و لأهل تحرير النّظر هنا إشارة في أنّ هذا الخضد بإزاء أعمالهم الّتي سلموا منها،إذ أهل اليمين توّابون لهم سلام و ليسوا بسابقين.(5:243)

الفخر الرّازيّ: ما معنى المخضود؟

نقول:فيه وجهان:

أحدهما:مأخوذ الشّوك،فإنّ شوك السّدر يستقصف ورقها،و لولاه لكان منتزه العرب،ذلك لأنّها تظلّ لكثرة أوراقها و دخول بعضها في بعض.

و ثانيهما: مَخْضُودٍ أي متعطّف إلى أسفل،فإنّ رءوس أغصان السّدر في الدّنيا تميل إلى فوق،بخلاف أشجار الثّمار،فإنّ رءوسهما تتدلّى،و حينئذ معناه أنّه يخالف سدر الدّنيا،فإنّ لها ثمرا كثيرا.(29:163)

ص: 290

ابن عربيّ: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ أي في جنّة النّفس المخضودة عن شوك تضادّ القوى و الطّبائع، و تنازع الأهواء و الدّواهي،لتجرّدها عن هيئات صفاتها،بنور الرّوح و القلب،أو موقرة بثمار الحسنات و الهيئات الصّالحات،على اختلاف التّفسيرين.

(2:589)

البيضاويّ: لا شوك له،من خضد الشّوك،إذا قطعه أو مثنى أغصانه من كثرة حمله،من خضد الغصن،إذا ثناه و هو رطب.(2:447)

مثله شبّر.(6:142)

أبو حيّان :عار من الشّوك.(8:206)

ابن كثير :[ذكر قول المفسّرين:هو الّذي لا شوك فيه،و قول بعضهم:هو الموقر بالثّمر،ثمّ قال:]

و الظّاهر أنّ المراد هذا و هذا،فإنّ سدر الدّنيا كثير الشّوك،قليل الثّمر،و في الآخرة على العكس من هذا لا شوك فيه،و فيه الثّمر الكثير الّذي قد أثقل أصله.

(6:518)

البروسويّ: أي غير ذي شوك،لا كسدر الدّنيا، فإنّ سدر الدّنيا مخلوق بشوك،و سدر الجنّة بلا شوك، كأنّه خضد شوكه،أي قطع و نزع عنه،فقوله: سِدْرٍ مَخْضُودٍ إمّا من باب المبالغة في التّشبيه،أو مجاز بعلاقة السّببيّة،فإنّ الخضد سبب لانقطاع الشّوك.

و قيل: مَخْضُودٍ أي مثنى أغصانه لكثرة حمله من:خضد الغصن،إذا ثناه و هو رطب.ف مَخْضُودٍ على هذا الوجه من حذف المضاف و إقامة المضاف إليه مقامه.(9:324)

الآلوسيّ: [ذكر قول المفسّرين:أنّه الموقر حملا، ثمّ أضاف:]

على أنّه من:خضد الغصن،إذا ثناه و هو رطب، فمخضود مثنى الأغصان،كنّي به عن كثير الحمل.

(27:140)

ابن عاشور :أي المزال شوكه،فقد كملت محاسنه بانتفاء ما فيه من أذى.(27:275)

المصطفويّ: يراد اللّينة و الانعطاف و النّضارة و الانحناء في العيدان و تثنّيها،بحيث توجب نضارة خاصّة،و حسنا و بهاء و جمالا،و مع ذلك فيسهل التّناول من الثّمر،و لا يزاحم المتناول بالخشونة.

راجع:س د ر:«سدر».(3:73)

مكارم الشّيرازيّ: تشير الآية إلى أوّل نعمة منحت لهذه الجماعة.و في الحقيقة أنّ هذا أنسب و أليق وصف توصف به هذه الأشجار في دائرة ألفاظنا الدّنيويّة،لأنّ السّدر كما يقول أئمّة اللّغة:شجر قويّ معمّر يصل طوله إلى أربعين مترا أحيانا،و عمره يقرب من ألفي سنة،و لها ظلّ ظليل و لطيف،و السّلبيّة الموجودة في هذا الشّجر أنّه ذو شوك،إلاّ أنّ وصفه ب مَخْضُودٍ من مادّة«خضد»-على وزن«مجد»- بمعنى قصّ الشّوك،تنهي آثار هذه السّلبيّة في شجر سدر الجنّة.[ثمّ ذكر حديث النّبيّ و قد سبق.]

(17:427)

فضل اللّه :ما قطع شوكه فلا شوك له.

(21:333)

ص: 291

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الخضد،و هو ثني العود الرّطب من غير كسر،أو كسره من غير إبانة-أي فصل-يقال:خضد الغصن و غيره يخضده خضدا،فهو مخضود و خضيد،و قد انخضد و تخضّد.

و قد يكون بمعنى القطع،يقال:خضّدت العود الرّطب،أي قطعته،و خضدت الشّجر خضدا:قطعت شوكه،فهو خضيد و مخضود.

و الخضد:ما تكسّر و تراكم من البرديّ و سائر العيدان الرّطبة،و شجر رخو بلا شوك،و يدعى الخضاد أيضا،و كلّ ما قطع من عود رطب فهو الخضد.

و خضدت الثّمرة تخضد:غبّت أيّاما فضمرت و انزوت،و انخضدت الثّمار الرّطبة:حملت من موضع إلى موضع فتشدّخت.

و خضد الإنسان يخضد خضدا،إذا أكل شيئا رطبا،نحو القثّاء و الجزر و ما أشبههما.و الخضد:

الأكل الشّديد،و المخضد:الّذي يأكل بشدّة و سرعة، و خضد الفرس يخضد خضدا:أكل.

و من المجاز:خضد البعير عنق صاحبه يخضدها:

كسرها،و الخضد:وجع يصيب الإنسان في أعضائه لا يبلغ أن يكون كسرا،و خضد البدن:تكسّره و توجّعه مع كسل.

2-و قال اللّحيانيّ:«و اختضد البعير:أخذه من الإبل و هو صعب لم يذلّل،فخطمه ليذلّ و ركبه».

و قال الفارسيّ:«إنّما هو اختضر».

و نراه إلى«خ ض د»أقرب من«خ ض ر»،لأنّ القياس الأخير لون الخضرة،-كما سيأتي في المادّة اللاّحقة-و هذا المعنى شاذّ عنه،و هو يناسب الأوّل، فكأنّه خضد عنقه،كما يخضد الفحل عنق البعير إذا قاتله،فذلّله ثمّ خطمه و ساقه.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها اسم المفعول مرّة في آية:

وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ* فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ. الواقعة:27،28

يلاحظ أوّلا:أنّ هذا اللّفظ وحيد الجذر في القرآن،و فيه بحوث:

1-صنّف اللّه تعالى النّاس يوم القيامة في هذه السّورة ثلاثة أصناف:أصحاب الميمنة أو اليمين، و أصحاب المشأمة أو الشّمال،و السّابقون.ثمّ وصف محلّ كلّ منهم في ذلك اليوم،فالسّابقون فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ، و أصحاب اليمين فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، و أصحاب الشّمال فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ، الواقعة:42، كما وصف محلّ القرآن الكريم عنده تعالى بأنّه فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ الواقعة:78،و لم يرد الحرف(فى)إلاّ في هذه المواضع الأربعة من هذه السّورة.

2-قسّمت آيات هذه السّورة ثلاث أثلاث:ثلث في حجاج مشركي مكّة،و هو الغالب عليها،و ثلث في ترغيبهم في الجنّة،و ثلث في ترهيبهم من النّار.و كان ممّا رغّبهم فيه السّدر،لحبّ العرب له،و كثرته في ديارهم،و وصف بأنّه مَخْضُودٍ أي منزوع الشّوك، لزيادة اشتياقهم إليه،حيث يشين شجرها الشّوك،

ص: 292

فيعيقهم في قطف ثمرتها.

3-جعل«السّدر المخضود»من خيار فواكه جنّة أصحاب اليمين،و لا شكّ أنّه من فواكه جنّات النّعيم الّتي أعدّت للسّابقين أيضا،و لا يعلم أ هو من خيارها، أم من أدناها،أم من أوسط ما فيها،لعلوّ مرتبة هذه الجنّات و ارتفاع قدرها،و اتّضاع رتبة سائرها و انحطاط درجتها.

4-قال البروسويّ: «سدر الدّنيا مخلوق بشوك، و سدر الجنّة بلا شوك،كأنّه خضد شوكه،أي قطع و نزع عنه،فقوله: سِدْرٍ مَخْضُودٍ إمّا من باب المبالغة في التّشبيه،أو مجاز بعلاقة السّببيّة،فإنّ الخضد سبب لانقطاع الشّوك».و الظّاهر أنّه حقيقة بدون أيّ تشبيه أو مجاز.

ثانيا:لم تأت من هذه المادّة في القرآن إلاّ لفظ واحد في سورة مكّيّة،فلعلّها كانت لغة مكّيّة.

ثالثا:من معاني الخضد:الكسر،و جاء منه في القرآن لفظان:

القصف: فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ الإسراء:69

القصم: وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً

الأنبياء:11

ص: 293

ص: 294

خ ض ر

اشارة

5 ألفاظ،8 مرّات:5 مكّيّة،3 مدنيّة

في 7 سور:4 مكّيّة،3 مدنيّة

خضرا 1:1 خضرا 1:1

الأخضر 1:1 مخضرّة 1:-1

خضر 4:2-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخضر:نبيّ معمّر،محجوب عن الأبصار، و هو نبيّ من بني إسرائيل،و هو صاحب موسى الّذي التقى معه بمجمع البحرين.

و الخضر في القرآن:الزّرع الأخضر،و في الكلام:

كلّ نبات من الخضر.

و الاخضرار:مصدر من قولك:اخضرّ.

و الخضر و المخضور:للرّخص من الشّجر.

و الخضاريّ: طائر يسمّى الأخيل،يتشاءم به إذا سقط على ظهر البعير،و هو أخضر،في حنكه حمرة، و هو أعظم من القطا.

و قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إيّاكم و خضراء الدّمن،يعني المرأة الحسناء في منبت السّوء»،يشبّهها بالشّجرة النّاضرة في دمنة البعر.

و المخاضرة:بيع الثّمار قبل بدوّ صلاحها،و هي خضر بعد.

و خضر الزّرع خضرا:نعم،و أخضره الرّيّ.

و الخضير:الزّرع الأخضر.

و قد اختضر فلان إذا مات شابّا.

و جعل شابّ يقول لشيخ:أجززت،فقال:

و تختضرون،أي تموتون شبابا.

و ذهب دمه خضرا مضرا،و خضرا مضرا،إذا

ص: 295

ذهب هدرا باطلا و لم يطلب.

و يقال:خذ الشّيء خضرا مضرا،أي غضّا حسنا.

(4:175)

الكسائيّ: ذهب دمه خضرا مضرا،و ذهب بطرا، إذا ذهب هدرا باطلا.(الأزهريّ 7:101)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخضر:الينبوت.الخضر أيضا:حمضة من الحمض.(1:224)

إنّ في أذنك منّي خضرة،و ذاك أمان.(1:241)

الفرّاء: أباد اللّه خضراءهم،أي دنياهم،يريد قطع عنهم الحياة.(الأزهريّ 7:103)

الخضيرة:النّخلة الّتي ينتثر بسرها و هو أخضر.

(الأزهريّ 7:104)

أبو عبيدة :الأخضر من الخيل:هو الدّيزج (1)في كلام العرب.

و من الخضرة في ألوان الخيل:أخضر أحمّ،و هو أدنى الخضرة إلى الدّهمة،و أشدّ الخضرة سوادا،غير أنّ أقرابه و بطنه و أذنيه مخضرّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و ليس بين الأخضر الأحمّ و بين الأحوى إلاّ خضرة منخريه و شاكلته،لأنّ الأحوى تحمرّ مناخره، و تصفرّ شاكلته،صفرة مشاكلة للحمرة.

و من الخيل:أخضر أدغم و أخضر أطحل، و أخضر أورق.(الأزهريّ 7:107)

أبو زيد :الخضار من اللّبن مثل السّمار:الّذي مذق بماء كثير حتّى اخضرّ.(الأزهريّ 7:106)

الأصمعيّ: معناه:[في قول العرب:أباد اللّه خضراءهم:]

أذهب اللّه نعيمهم و خصبهم.[و استشهد بشعر]

(الأزهريّ 7:102)

يقال:اختضر فلان الجارية،و ابتسرها و ابتكرها، إذا افترعها قبل بلوغها.(الأزهريّ 7:105)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه خطب النّاس يوم النّحر و هو على ناقة مخضرمة»المخضرمة الّتي قد قطع طرف أذنها،و منه يقال للمرأة المخفوضة:

مخضرمة.(1:83)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ الدّنيا حلوة خضرة، فمن أخذها بحقّها بورك له فيها».

قوله:«خضرة»يعني غضّة حسنة،و كلّ شيء غضّ طريّ فهو خضر.و أصله من خضرة الشّجر،و منه قيل للرّجل إذا مات شابّا غضّا:قد اختضر.و حدّثني بعض أهل العلم أنّ شيخا كبيرا من العرب كان قد أولع به شابّ من شبّانهم فكلّما رآه قال:أجززت يا أبا فلان! عبره،فيقول:قد آن لك أن تجزّ يا أبا فلان-يعني الموت-فقال له الشّيخ:أي بنيّ و تختضرون،أي تموتون شبابا.

و منه قيل:«خذ هذا الشّيء خضرا مضرا»، فالخضر:الغضّ الحسن،و المضر:إتباع له.و قال اللّه عزّ و جلّ: فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً الأنعام:99،يقال:

إنّه الأخضر،و هو من هذا.

و يقال:إنّما سمّي الخضر،لأنّه كان إذا جلس في موضع اخضرّ ما حوله.(1:361)ص.

ص: 296


1- معرّب«ديزه»و هي لون،بين لونين،غير خالص.

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«إيّاكم و خضراء الدّمن».

قيل:و ما ذاك يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؟قال:«المرأة الحسناء في منبت السّوء».

نراه أراد فساد النّسب إذا خيف أن تكون لغير رشدة،و هذا مثل حديثه الآخر:«تخيّروا لنطفكم» و إنّما جعلها خضراء الدّمن تشبيها بالشّجرة النّاضرة في دمنة البعر.

و أصل الدّمن ما تدمنه الإبل و الغنم من أبعارها و أبوالها،فربّما نبت فيها النّبات الحسن،و أصله في دمنة، يقول:فمنظرها حسن أنيق و منبتها فاسد.[ثمّ استشهد بشعر](1:422)

ابن الأعرابيّ: الخضيرة:تصغير الخضرة،و هي النّعمة.(الأزهريّ 7:100)

و أباد اللّه خضراءهم أي سوادهم.

و الخضرة عند العرب:سواد.[و استشهد بشعر]

(الأزهريّ 7:103)

الخضر:عبد صالح من عباد اللّه.

(الأزهريّ 7:108)

اختضر أذنه:قطعها.(ابن سيده 5:40)

ابن السّكّيت: الجأواء:الّتي علاها لون السّواد.

و الصّدأ.و الخضراء:نحو من ذلك.(45)

يقال:ذهب دمه خضرا مضرا.و خضرا مضرا.

(275)

خضارة:معرفة لا تنصرف،اسم للبحر.

(الأزهريّ 7:107)

شمر:الخضريّة:نخلة طيّبة التّمر خضراؤه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:104)

في حديث عليّ رضى اللّه عنه:أنّه خطب في آخر عمره،فقال:«اللّهمّ سلّط عليهم فتى ثقيف الذّيّال الميّال،يلبس فروتها،و يأكل خضرتها».يعنى غضّها و ناعمها و هنيئها.(الهرويّ 2:564)

الدّينوريّ: ذكر عن خالد بن كلثوم أنّه قال:

الخضر،واحدته:خضرة،و زعم أنّها بقيلة يقال لها:

الخضر.[ثمّ استشهد بشعر].(الصّغانيّ 2:497)

الأخضار:جمع الخضر.(ابن سيده 5:39)

و الخضريّة:نوع من التّمر أخضر،كأنّه زجاجة، يستطرف للونه.(ابن سيده 5:41)

الحربيّ: خضراء:عليبة (1)فاخرة جيّدة.(2:432)

يقال:خضرم أهل الجاهليّة نعمهم،أي قطعوا من آذانهم شيئا،فلمّا جاء الإسلام أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يخضرموا من غير الموضع الّذي خضرم فيه أهل الجاهليّة.(الهرويّ 2:565)

المبرّد: «الخضر الجلاعيد (2)»يقال فيه قولان:

أحدهما:أنّه يريد سواد جلودهم.[ثمّ استشهد بشعر]

فهذا هو القول الأوّل.

و قال آخرون:شبّههم في جودهم بالبحور.

(1:148)

يقال:كتيبة خضراء،أي سوداء،و كانت كتيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الّتي هو فيها و المهاجرون و الأنصار يقالت.

ص: 297


1- العلبة بالضّمّ:النّخلة الطّويلة.
2- مقتطف من شعر حسّان بن ثابت.

لها:الخضراء.(1:358)

و الأخضر:اللّيل،و العرب تسمي الأسود أخضر.

(2:332)

ابن دريد :الخضرة:لون معروف.و العرب تسمّي الأسود أخضر.

و قال اللّه عزّ و جلّ: مُدْهامَّتانِ الرّحمن:64، أي سوداوان لشدّة خضرتهما،يعني الجنّتين.

و سمّي سواد العراق سوادا،لكثرة الشّجر و المياه و الخضرة.

و الخضر:اسم نبيّ معروف،ذكر علماء أهل الكتاب أنّه سمّي الخضر،لأنّه كان إذا قعد في موضع قام عنه و تحته روضة تهتزّ.

و الخضر:قبيلة من العرب،سمّوا بذلك،لسواد ألوانهم.

و الخضرة في شيات الخيل:غبرة صافية تخالطها دهمة.

و الخضّار:طائر معروف،و الخضاريّ: طائر معروف،و الخضار:نبت.

و الخضار:اللّبن الّذي قد أكثر ماؤه نحو السّجاج و السّمار.

و يقال:عيش خضر،إذا كان غضّا رافها.و في كلام عليّ عليه السّلام«إنّ الدّنيا حلوة خضرة مضرة».

و الخضار:الموضع الكثير الشّجر في بعض اللّغات.

يقال:واد خضار،إذا كان كثير الشّجر.

و سمّيت السّماء:خضراء و البحر أخضر، لألوانهما.

و تقول العرب:لا أكلّمك أو تنطبق الخضراء على الغبراء،يعنون:السّماء و الأرض.

و قد سمّت العرب«أخضر».

و يسمّى البحر خضارى (1).

و يسمّى هذه الحمام الدّواجن في البيوت:الخضر، و إن اختلفت ألوانها،لأنّ أكثر ألوانها الخضرة و الورقة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:208)

الخضربة:اضطراب الماء،و ماء خضارب،إذا كان يموج بعضه في بعض،و لا يكون إلاّ في غدير أو واد.

(3:302)

و أرض يخضور:كثيرة الخضر.(3:385)

الخضور:جمع خضرة.(3:483)

ابن الأنباريّ: للخضرة في كلام العرب معنيان:

أحدهما:أن يكون مدحا،و الآخر:أن يكون ذمّا.فإن كان مدحا فمعناه كثرة الخصب و سعة العطاء.من قولهم أباد اللّه خضراءهم أي خصبهم.و إذا ذمّ فقيل:

هو أخضر،فمعناه هو لئيم،و الخضرة عندهم اللّؤم.

[ثمّ استشهد بشعر](الخطّابيّ 2:372)

القاليّ: و يقولون:ذهب دمه خضرا مضرا، و خضرا مضرا أي باطلا،فالخضر:الأخضر،و يقال:

مكان خضر.

و يمكن أن يكون مضر لغة في نضر،و يكون معنى الكلام أنّ دمه بطل،كما يبطل الكلأ الّذي يحصده كلّ من قدر عليه،و يمكن أن يكون خضر من قولهم:عشبة.

ص: 298


1- الظّاهر:خضارة،كما في كتب اللّغة.

أخضر إذا صار رطبا.و مضر:أبيض،لأنّ المضر إنّما سمّي مضرا لبياضه،و منه مضيرة الطّبيخ،فيكون معناه أنّ دمه بطل طريّا،فكأنّه لمّا لم يثأر به فيراق لأجله الدّم بقي أبيض.

و قال بعض اللّغويّين:الخضرة بقيلة،و جمعها:

خضر.[ثمّ استشهد بشعر](2:216)

الأزهريّ: روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«و إنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ،إلاّ آكلة الخضر، فإنّها إذا أكلت منه ثلطت و بالت».

و الخضر في هذا الموضع:ضرب من الجنبة، واحدته:خضرة،و الجنبة من الكلإ:ما له أصل غامض في الأرض مثل النّصيّ و الصّليّان و الحلمة و العرفج و الشّيح.

و ليس الخضر من أحرار البقول الّتي تهيج في الصّيف،و البقول يقال لها:الخضارة و الخضراء.

و في فصل الصّيف تنبت عساليج الخضر من الجنبة،فأمّا البقول فإنّها تنبت في الشّتاء،و تيبس في الصّيف.

و عيش خضر:ناعم.

و منه الخبر الآخر:«من خضّر له في شيء فليلزمه».

معناه:من بورك له في صناعة أو حرفة أو تجارة فليلزمه.

و يقال:هو لك خضرا مضرا،أي هنيئا مريئا، و خضرا لك و نضرا مثل:سقيا لك و رعيا.

و في نوادر الأعراب:يقال:لست لفلان بخضرة أي لست له بحشيشة رطبة يأكلها سريعا.

و العرب تسمّى الحمام:الدّواجن الخضر و إن اختلفت ألوانها.خصّوها بهذا الاسم،لغلبة الورقة عليها.

و الخضر:قبيلة من العرب.

و روي عن مجاهد أنّه قال:«ليس في الخضراوات صدقة»أراد ب«الخضراوات»التّفاح و الكمّثرى و ما أشبهها.[ثمّ ذكر حديث الشّابّ،السّابق عن أبي عبيد]

و الأصل في ذلك:النّبات الغضّ يرعى و يختضر و يجزّ،فيؤكل قبل تناهي طوله.

و يقال:اختضرت الفاكهة إذا أكلتها قبل إناء إدراكها.

و العرب تقول:للبقول الخضر:الخضراء.

و منه الحديث:«تجنّبوا من خضرائكم ذوات الرّيح»يعنى الثّوم و البصل و الكرّاث.

و يقال للدّلو الّتي استقي بها حتى اخضرّت:

خضراء.

و سمعت العرب تقول:لسعف النّخل و جريده الأخضر:الخضر بفتح الضّاد و الخاء.

و يقال:خضر الرّجل خضر النخل بمخلبه، يخضره خضرا،و اختضره يختضره:إذا قطعه.

و العرب تقول:الأمر بيننا أخضر أي جديد، لم تخلق المودّة بيننا.

و العرب تقول أيضا:ليل أخضر أي مظلم أسود.

و قيل لسواد العراق:سواد،لخضرة النّخيل و الزّروع.

ص: 299

و يقال للبقول:الخضارة بالألف و اللاّم.

و الخضّار:طائر معروف.

و في النّوادر:يقال:رمى اللّه في عيني فلان بالأخيضر،و هو داء يأخذ في العين.

و بيع المخاضرة المنهيّ عنه:بيع الثّمار و هي خضر لم يبد صلاحها.سمّي ذلك مخاضرة لأنّ المتبايعين تبايعا شيئا أخضر بينهما،مأخوذة من الخضرة.

و قال أهل العربيّة:الخضر[النّبيّ]بفتح الخاء و كسر الضّاد.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«جلس الخضر على فروة بيضاء،فإذا هي تهتزّ خضراء».

و عن مجاهد:كان إذا صلّى في موضع اخضرّ ما حوله.

و قيل:سمّى الخضر:لحسنه و إشراق وجهه.

و العرب تسمّى الإنسان الحسن المشرق:خضرا، تشبيها بالنّبات الأخضر الغضّ.

و يجوز في العربيّة:الخضر:بمعنى الخضر كما يقال:

كبد و كبد.

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](7:100)

الصّاحب:الخضر:نبيّ معمّر.

و الخضر:الزّرع،خضر خضرا،و أخضره الرّيّ إخضارا.

و الاخضرار مصدر قولك:اخضرّ الشّيء اخضرارا.

و الخضرة:اسم البقلة.

و الخضرة و اليخضور:اسمان للرّخص من الشّجر.

و في الحديث:«إيّاكم و خضراء الدّمن»يعني المرأة الحسناء في منبت السّوء.

و نخلة خضيرة و خضرة:إذا كانت ترمي ببسرها أخضر قبل أن ينضج.

و جعل يخضر الشّجر:إذا أكله طريّا خضرا.

و الخضارى (1)اسم طائر يسمّى القارية.

و الخضاريّ: ضرب من النّخل.

و الخضارى:الرّمث إذا طالت قضبانه.

و المخاضرة:أن تبيع الثّمار قبل بدو صلاحها، و هو مكروه.

و الخضار من اللّبن:مثل السّمار،و كذلك الخضارة،و هما اللّتان ثلثا هما ماء.

و الخزف الأخضر-أيضا-خضار.

و الخضارة:البحر.

و خضر الشّيء خضرا:قطعه.و اخضرّ الشّيء:

انقطع.

و اختضرت العدل:احتملته.

و اختضر الرّجل المرأة:اقتضّها.

و ذهب دمه خضرا مضرا و خضرا مضرا أي باطلا.

و أبدنا خضراءهم أي خصبهم و دنياهم.و هم في خضراء خير و عيش.و لي عنده يد خضراء،أي يد معروفة فيها خضرة و نعمة.

و الخضرانيّ من ألوان الإبل:هو الأخضر،ّ.

ص: 300


1- في كتب اللّغة:الخضاريّ.

و الجميع:الخضرانيّات.

و الأخضر عند العرب:الأسود.

و اللّيل:أخضر.

و خضر محارب:يراد به السّود.

و إذا قالوا:أخضر القفا،فإنّما يراد به:ولدته سوداء.

و إذا قيل:إنّه أخضر البطن،فإنّما يريدون أنّه حائك.

و الخضرة عند العرب:اللّؤم.

و يقال:أهلك النّاس الأخاضر،يعني الذّهب و اللّحم و الخمر.

و خضوراء:اسم ماء.(4:232)

الخطّابيّ: [في حديث الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ الخير لا يأتي إلاّ بالخير و لكنّ الدّنيا حلوة خضرة...»قال:]

مثل يريد أنّ جمع المال و اكتسابه غير محرّم، و لكن الاستكثار منه و الخروج من حدّ الاقتصاد فيه ضارّ،كما أنّ الاستكثار من المأكل مسقم و الاقتصاد فيه محمود...

و قوله:«الدّنيا حلوة خضرة»فإنّ العرب تسمّي الشّيء المشرق خضرا.تشبيها له بالنّبات الأخضر.

و يقال:إنّما سمّي الخضر خضرا،لحسنه و إشراق وجهه.و يقال:بل سمّي خضرا،لأنّه كان إذا جلس في مكان اخضرّ ما حوله.(1:710)

و في حديث زيد:«أنّ الحارث بن حكيم تزوّج امرأة أعرابيّة فدخل عليها،فإذا هي خضراء فكرهها فلم يكشفها،فطلّقها فأرسل مروان في ذلك إلى زيد، فجعل لها صداقا كاملا».

قوله:«فإذا هي خضراء»أي سوداء،و الخضرة عند العرب:السّواد.

و يقال فلان أخضر القفا،يريدون أنّه ولدته أمة سوداء،فإذا قيل:أخضر البطن،فإنّما يريدون أنّه حائك لطول التزاقه بالخشبة الّتي يطوى عليها الثّوب، فإذا قيل:أخضر النّواجذ،فإنّما يراد به أنّه من أهل القرى ممّن يكثر أكل البصل و الكرّاث.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:371)

الجوهريّ: الخضرة:لون الأخضر.

و اخضرّ الشّيء اخضرارا.و اخضوضر،و خضّرته أنا.

و ربما سمّوا الأسود أخضر.

و قوله تعالى: مُدْهامَّتانِ الرّحمن:64،قالوا:

خضراوان،لأنّهما يضربان إلى السّواد من شدّة الرّيّ.

و سمّي قرى العراق:سوادا لكثرة شجرها.

و الخضرة في ألوان الإبل و الخيل:غبرة تخالطها دهمة.يقال:فرس أخضر،و هو الدّيزج.و في ألوان النّاس:السّمرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخضراء:السّماء.

و يقال:كتيبة خضراء،للّتي يعلوها سواد الحديد.

و في الحديث:«إيّاكم و خضراء الدّمن»،يعني المرأة الحسناء في منبت السّوء،لأنّ ما ينبت في الدّمنة و إن كان ناضرا لا يكون ثامرا.

و يقال:الدّنيا حلوة خضرة.و قولهم:«أباد اللّه خضراءهم»أي سوادهم و معظمهم.و أنكره الأصمعيّ

ص: 301

و قال:إنّما يقال:أباد اللّه غضراءهم،أي خيرهم و غضارتهم.

و الخضيرة:النّخلة الّتي ينتثر بسرها و هو أخضر.

و اختضرت الكلأ،إذا جززته و هو أخضر.و منه قيل للرّجل إذا مات شابّا غضّا:قد اختضر.

و كان فتيان يقولون لشيخ:أجززت يا شيخ! فيقول:إي بنيّ و تختضرون.

و خضارة بالضّمّ:البحر،معرفة لا تجرى.تقول:

هذا خضارة طاميا.

و الخضاريّ: طائر يسمّى الأخيل،كأنّه منسوب إلى الأوّل.

و الخضار بالفتح:اللّبن الّذي أكثر ماؤه.و الخضار أيضا:البقل الأوّل.

و المخاضرة:بيع الثّمار قبل أن يبدو صلاحها و هي خضر بعد،و نهي عنه.و يدخل فيه بيع الرّطاب و البقول و أشباهها،و لهذا كره بعضهم بيع الرّطاب أكثر من جزّة واحدة.

و يقال للزّرع:الخضّارى بتشديد الضّاد مثال الشقّارى.

و قوله تعالى: فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً الأنعام:

99،قال الأخفش:يريد الأخضر،كقول العرب:

أرنيها نمرة أركها مطرة.و يقال:ذهب دمه خضرا،أي هدرا.

و خضر أيضا:صاحب موسى عليهما السّلام.

و يقال:خضر،مثال كبد و كبد،و هو أفصح.

(2:646)

ابن فارس:الخاء و الضّاد و الرّاء أصل واحد مستقيم،و محمول عليه.فالخضرة من الألوان معروفة.

و الخضراء:السّماء،للونها كما سمّيت الأرض الغبراء.

و كتيبة خضراء،إذا كانت عليتها سواد الحديد، و ذلك أنّ كلّ ما خالف البياض فهو في حيّز السّواد؛ فلذلك تداخلت هذه الصّفات،فيسمّى الأسود أخضر.

قال اللّه تعالى في صفة الجنّتين: مُدْهامَّتانِ الرّحمن 64،أي سوداوان.و هذا من الخضرة؛و ذلك أنّ النّبات النّاعم الرّيّان يرى لشدّة خضرته من بعد أسود.و لذلك سمّي سواد العراق لكثرة شجره.

و الخضر:قوم سمّوا بذلك لسواد ألوانهم.

و الخضرة في شيات الخيل:الغبرة تخالطها دهمة.

فأمّا قوله:

و أنا الأخضر من يعرفني

أخضر الجلدة في بيت العرب

فإنّه يقول:أنا خالص؛لأنّ ألوان العرب سمرة.

فأمّا الحديث:«إيّاكم و خضراء الدّمن»فإنّ تلك المرأة الحسناء في منبت سوء،كأنّها شجرة ناضرة في دمنة بعر.

و المخاضرة:بيع الثّمار قبل بدوّ صلاحها؛و هو منهيّ عنه.

و أمّا قولهم:«خضر المزاد»فيقال:إنّها الّتي بقيت فيها بقايا ماء فاخضرّت من القدم،و يقال:بل خضر المزاد:الكروش.

و يقال:إنّ الخضار البقل الأوّل.

فأمّا قوله:«ذهب دمه خضرا»إذا طلّ.فأحسبه

ص: 302

من الباب.يقول:ذهب دمه طريّا كالنّبات الأخضر الّذي إذا قطع لم ينتفع به بعد ذلك و بطل و ذبل.

فأمّا قولهم:إنّ الخضار:اللّبن الّذي أكثر ماؤه، فصحيح،و هو من الباب؛لأنّه إذا كان كذا غلب الماء، و الماء يسمّى الأسمر.و قد قلنا:إنّهم يسمّون الأسود أخضر،و لذلك يسمّى البحر خضارة.(2:195)

الهرويّ: قوله: خَضِراً الأنعام:99،أي ورقا أخضر،يقال:خضر،كما يقال لعور:أعور،و كلّ شيء ناعم فهو خضر.

«و مرّ رسول اللّه في كتيبته الخضراء»يقال:كتيبة خضراء،إذا كانت غلبتها سواد الحديد و خضرته.

و في الحديث:«إنّه كان أخضر الشّمط»قيل:إنّه كان يخضّر شيبه بالطّيب و الدّهن.

و من رباعيّه:خضرم،منه ما جاء في الحديث:«إنّ قوما بيّتوا ليلا و سيق نعمهم،فادّعوا أنّهم خضرموا خضرمة في الإسلام و أنّهم مسلمون»فقيل بهذا المعنى لكلّ من أدرك الجاهليّة و الإسلام:مخضرم،لأنّه أدرك الخضرمتين.(2:563)

الثّعالبيّ: فإذا كان بسرها[النّخلة]ينتثر و هو أخضر،فهي خضيرة.(302)

ابن سيده: الخضرة:من الألوان،يكون ذلك في الحيوان و النّبات و غيرهما ممّا يقبله.

و حكاه ابن الأعرابيّ في الماء أيضا.

و قد اخضرّ،و هو أخضر،و خضر،و خضور، و خضير،و يخضير،و يخضور.

و كلّ غضّ خضر.و في التّنزيل: فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً.

و قيل:الخضر،هنا:الزّرع.

و شجرة خضرة:خضراء غضّة.

و أرض خضرة و يخضور:كثيرة الخضرة.

و خضر الزّرع خضرا:نعم.و أخضره الرّيّ.

و أرض مخضرة،على مثال مبقلة:ذات خضرة.

و قرئ: فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً الحجّ:63.

و اختضر الشّيء:أخذ طريّا غضّا.

و شاب مختضر:مات فتيّا.

و اختضر البعير:أخذه من الإبل و هو صعب لم يذلّل،فخطمه و ساقه.

و ماء أخضر:يضرب إلى الخضرة،من صفائه.

و خضارة:البحر،سمّي بذلك لخضرة مائه.

و الخضرة،و الخضر،و الخضير:اسم للبقلة الخضراء.

و قد قيل:إنّه وضع الاسم هاهنا موضع الصّفة، لأنّ الخضرة لا تؤكل،إنّما يؤكل الجسم القابل لها.

و الخضرة،أيضا:الخضراء من النّبات،و الجمع:

خضر.

و يقال للأسود:أخضر.

و الخضر:قبيلة من العرب،سمّوا بذلك لخضرة ألوانهم.

و الخضيرة من النّخل:الّتي ينتثر بسرها و هو أخضر.

و الخضيرة من النّساء:الّتي لا تكاد تتمّ حملا حتّى تسقطه.

ص: 303

و الأخيضر:ذباب أخضر على قدر الذّبّان السّود.

و الخضراء،من الكتائب،نحو الجأواء.

و الخضراء:السّماء،لخضرتها،صفة غلبت غلبة الأسماء.

و الخضراء من الحمام:الدّواجن،و إن اختلفت ألوانها،لأنّ أكثر ألوانها الخضرة.

و خضراء كلّ شيء:أصله.

و اختضر الشّيء:قطعه من أصله.

و اختضر أذنه:قطعها من أصلها.

و قال ابن الأعرابيّ: اختضر أذنه:قطعها،و لم يقل:

من أصلها.

و قالوا:أباد اللّه خضراءهم.

و أنكرها الأصمعيّ،و قال:إنّما هي غضراءهم.

و الخضّارى:الرّمث إذا طال نباته.

و إذا طال الثّمام عن الحجن سمّي خضر الثّمام.ثمّ يكون خضرا شهرا.

و الخضرة:بقيلة،و الجمع:خضر.

و الخضرة:بقلة خضراء خشناء و رقتها مثل ورقة الدّخن،و كذلك ثمرتها،و ترتفع ذراعا،و هي تملأ فم البعير.

و الخضرة في شيات الخيل:غبرة تخالط دهمة.

و الخضاريّ: طير خضر يقال لها:القاريّة،زعم أبو عبيد أنّ العرب تحبّها،يشبّهون الرّجل السّخيّ بها.

قال صاحب العين:إنّهم يتشاءمون بها.

و واد خضار:كثير الشّجر.

و قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إيّاكم و خضراء الدّمن»يعني المرأة الحسناء في منبت السّوء،شبّهها بالشّجرة النّاضرة في دمنة البعر و أكلها داء.

و المخاضرة:أن تبيع الثّمار قبل بدوّ صلاحها.

و ذهب دمه خضرا مضرا،و خضرا مضرا،أي باطلا هدرا.

و هو لك خضرا مضرا،أي هنيئا.

و قيل:الخضر:الغضّ،و المضر،إتباع.

و الدّنيا خضرة مضرة،أي ناعمة طيّبة.

و قيل:مونقة معجبة.

و في الحديث:«إنّ الدّنيا حلوة خضرة فمن أخذها بحقّها بورك له فيها».

و الخضار:اللّبن الّذي ثلثاه ماء و ثلثه لبن،يكون ذلك من جميع اللّبن،حقينه و حليبه،و من جميع المواشي،سمّي بذلك،لأنّه يضرب إلى الخضرة.

و قيل:الخضار:جمع،واحدته خضارة.

و قد سمّت:أخضر،و خضيرا.

و الخضر:نبيّ محجوب معمّر،زعموا:سمّي بذلك، لأنّه إذا جلس في موضع قام و تحته روضة تهتزّ.

و قيل:كان إذا صلّى في موضع اخضرّ ما حوله.

و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«ليس في الخضراوات صدقة».يعني به الفاكهة الرّطبة،جمعه جمع الأسماء كورقاء و ورقاوات، و بطحاء و بطحاوات،لأنّه صفة غالبة غلبت غلبة الأسماء.

و الإخضير:مسجد من مساجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بين مكّة و تبوك.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](5:38)

ص: 304

الطّوسيّ: الخضر و الأخضر واحد،يقال:

خضرت الأرض خضرا و خضارة.

و الخضرة:رطب البقول،يقال:نخلة خضرة إذا كانت ترمي ببسرها أخضر قبل أن ينضج.

و قد اختضر الرّجل و اغتضر،إذا مات شابّا مصحّحا.

و يقال:هو لك خضرا مضرا أي هنيئا مريئا.

(4:233)

الرّاغب: وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً الكهف:31، فخضر جمع:أخضر.و الخضرة:أحد الألوان بين البياض و السّواد،و هو إلى السّواد أقرب،و لهذا سمّي الأسود:أخضر،و الأخضر:أسود.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:سواد العراق للموضع الّذي يكثر فيه الخضرة،و سمّيت الخضرة بالدّهمة في قوله سبحانه:

مُدْهامَّتانِ الرّحمن:64،أي خضراوان،و قوله عليه السّلام:«إيّاكم و خضراء الدّمن»فقد فسّره عليه السّلام،حيث قال:المرأة الحسناء في منبت السّوء.

و المخاضرة:المبايعة على الخضر و الثّمار قبل بلوغها،و الخضيرة:نخلة ينتثر بسرها أخضر.(150)

الزّمخشريّ: أرض كثيرة الخضرة و الخضر و الخضراوات و أنبتت خضرا أي نباتا حسنا أخضر.

و اختضر النّبات:أكل أخضر،و اختضرت الفاكهة:أكلت قبل إدراكها.

و خضرت الشّجر و اختضرته:قطعته أخضر.

و نهى عن المخاضرة و هي بيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه.

و من المجاز:ما تحت الخضراء أكرم منه.

و كتيبة خضراء:لخضرة الحديد.

و أباد اللّه خضراءهم:شجرتهم الّتي منها تفرّعوا.

و شابّ أخضر.و فلان أخضر:كثير الخير.

و أخضر القفا:ابن سوداء أو صفعان.

و أخضر البطن:حائك.

و أخضر النّواجذ:حرّاث لأكله البقول.

و«إيّاكم و خضراء الدّمن»أي المرأة الحسناء في منبت سوء.

و الأمر بيننا أخضر:جديد لم يخلق.

و المودّة بيننا خضراء.

و كنت وراء الأخضر،و وراء خضير و خضارة و هو البحر.

و استقى بالخضراء الفريّ،و هي الدّلو.

و جنّ عليه أخضر الجناحين،و طارعنا أخضر الجناحين،و هو اللّيل.

و اخضرّت الظّلمة:اشتدّ سوادها.

و بحر خضرم:كثير الماء و بئر خضرم.

و رجل خضرم:كثير العطاء.

و رجل مخضرم:دعيّ.

و ناقة مخضرمة:جدع نصف أذنها،و منه المخضرم:الّذي أدرك الجاهلية و الإسلام،كأنّما قطع نصفه حيث كان في الجاهليّة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:113)

«أتي ببدر فيه خضرات من البقول...»خضرات:

ص: 305

غضّات،يقال بقلة خضرة و ورق خضر،قال اللّه تعالى:

فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً الأنعام:99.(الفائق 1:87)

[في حديث:]النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله«خطب النّاس يوم النّحر، و هو على ناقة مخضرمة»الخضرمة:أن يجعل الشّيء بين بين،فالنّاقة المخضرمة:هي الّتي قطع شيء يسير من طرف أذنها،لأنّها حينئذ بين الوافرة الأذن و ناقصتها.

و قولهم للخفض:خضرمة تشبيه بذلك،لأنّ ما يحذف يسير.و قيل:هي المنتوجة بين النّجائب و العكاظيّات.

يقال للّحم الّذي لا يدرى أ من ذكر هو أم من أنثى:مخضرم،و منه المخضرم من الشّعراء:الّذي أدرك الجاهليّة و الإسلام.

نهى صلّى اللّه عليه و آله عن المخاضرة.و هي بيع الثّمار خضرا لمّا يبد صلاحها.قال أبو سفيان يوم فتح مكّة:يا رسول اللّه،قد أبيحت خضراء قريش،و لا قريش بعد اليوم.

هي جماعتهم و كثرتهم،سمّيت بذلك من الخضرة الّتي بمعنى السّواد،كما قيل لها:سواد و دهماء،و مثلها تسميتهم اللّبن المخلوط بالماء خضارا كما سمّوه سمارا، شبّهوها في تكاثفها و ترادفها باللّيل المظلم،و قد صرّحوا بذلك فقالوا:أقبلوا كاللّيل المظلم.

[نقل حديث الرّسول صلّى اللّه عليه و آله:إيّاكم و خضراء الدّمن ثمّ قال:]

ضرب الشّجرة الّتي تنبت في ملقى الزّبل فتجيء مخضرة ناضرة،و لكنّ منبتها خبيث قذر مثلا،للمرأة الجميلة الوجه اللّئيمة المنصب.(الفائق 1:376)

أبو ذرّ رضي اللّه عنه عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله:«ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبيّ ذرّ» هي السّماء و تسمّى الجرباء و الرّقيع و الرّقع.

(الفائق 1:379)

[خضراوات]قيل:هي من الفواكه مثل التّفّاح و الكمّثرى و غيرهما،و قيل:البقول.و إنّما جاز جمع:« فعلاء»هذه بالألف و التّاء،و لا يقال نساء حمراوات، لاختلاطها بالأسماء.(الفائق 1:380)

[و عنه صلّى اللّه عليه و آله]«استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإن لم يفعلوا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم»خضراؤهم:سوادهم و دهماؤهم.

(الفائق 3:234)

ابن الأثير: [في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]«إنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ،إلاّ آكلة الخضر...»

قوله:«إلاّ آكلة الخضر»فإنّه مثل للمقتصد، و ذلك أنّ الخضر ليس من أحرار البقول و جيّدها الّتي ينبتها الرّبيع بتوالي أمطاره فتحسن و تنعم،و لكنّه من البقول الّتي ترعاها المواشي بعد هيج البقول و يبسها حيث لا تجد سواها،و تسمّيها العرب لجنبة،فلا ترى الماشية تكثر من أكلها و لا تستمرئها،فضرب«آكلة الخضر»من المواشي مثلا لمن يقتصد في أخذ الدّنيا و جمعها،و لا يحمله الحرص على أخذها بغير حقّها، فهو بنجوة من وبالها،كما نجت آكلة الخضر،...

و منه حديث عمر رضي اللّه عنه:«اغزوا و الغزو حلو خضر»أي طريّ محبوب،لما ينزل اللّه فيه من النّصر و يسهّل من الغنائم.

ص: 306

و منه حديث اشتراط المشتري على البائع:«أنّه ليس له مخضار»المخضار:أن ينتثر البسر و هو أخضر.

و في حديث مجاهد:«ليس في الخضراوات صدقة»يعني الفاكهة و البقول.و قياس ما كان على هذا الوزن من الصّفات أن لا يجمع هذا الجمع،و إنّما يجمع به ما كان اسما لا صفة،نحو صحراء،و خنفساء.

و إنّما جمعه هذا الجمع،لأنّه قد صار اسما لهذه البقول لا صفة،تقول العرب لهذه البقول:الخضراء،لا تريد لونها.

و منه الحديث:«أتي بقدر فيه خضرات»بكسر الضّاد أي بقول،واحدها خضرة.

و في صفته صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه كان أخضر الشّمط»أي كانت الشّعرات الّتي قد شابت منه قد اخضرّت بالطّيب و الدّهن المروّح.(2:40)

الصّغانيّ: خضر الرّجل النّخل،يخضره-مثال كتب يكتب-إذا قطعه،و منه يقال للمخلب:المخضر.

و الخضر،بالتّحريك:اسم للرّخص من الشّجر إذا خضر،أي قطع.

و اليخضور:الأخضر.

و بنو فلان خضر المناكب بالضّمّ،إذا اتّسع ما هم فيه من الخصب.

و قولهم:«خضر المزاد»،يقال:هي الّتي اخضرّت من القدم،و يقال:بل هي الكروش.

و الخضرة:النّعمة.

و الخضريّة:نخلة طيّبة التّمر خضراء.

و عيش خضر،إذا كان غضّا رائعا.

و في قبل الصّيف تنبت عساليج الخضر من الجنبة، و لها خضر في الخريف إذا برد اللّيل،و تروّحت الرّبّة و الخلفة...

و يقال:لست لفلان بخضرة،أي لست له بحشيشة رطبة يأكلها سريعا.

و الجزيرة الخضراء:بالأندلس،و ببلاد الزّنج أيضا.

و الخضيراء:طائر.

و خضار:بلد على مرحلتين من الشّحر،ممّا يلي البرّ.

و قيل في قوله:صلّى اللّه عليه و سلّم«أخذنا فألك من فيك،اغد بنا إلى خضرة».

إنّ«خضرة»اسم علم لخيبر،و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عزم على النّهوض إليها،فتفاءل بقول عليّ رضي اللّه عنه«يا خضرة»فخرج إلى خيبر،فما سلّ فيها سيف غير سيف عليّ رضي اللّه عنه حتّى فتحها اللّه تعالى.

و قيل:نادى إنسانا بهذا الاسم،فتفاءل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بخضرة العيش و نضارته،كما كان يتفاءل بالاسم الحسن.

و في حديث آخر:أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم،مرّ بأرض تسمّى:عثرة، بكسر الثّاء،أو عفرة،أو غدرة،فسمّاها:خضرة.

اخضرّ الشّيء:انقطع.

و اختضرت الحمل:احتملته.و الخضرانيّ: من ألوان الإبل،و هو الأخضر.

و الأخاضر:الذّهب و اللّحم و الخمر.

ص: 307

و خضوراء:اسم ماء.و الخضريّة:من محالّ بغداد الدّارسة.

و الخضّارى:نبت.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:496)

الأخضر:الأخضر و الأسود.

الأخضر:السّخيّ الكريم و اللّئيم.

(ذيل كتاب الأضداد:228)

الفيّوميّ: خضر اللّون خضرا فهو خضر مثل:

تعب تعبا فهو تعب.و جاء أيضا للذّكر أخضر و للأنثى خضراء،و الجمع:خضر و قوله عليه السّلام:«إيّاكم و خضراء الدّمن»و هي المرأة الحسناء في منبت السّوء،شبّهت بذلك لفقد صلاحها و خوف فسادها،لأنّ ما ينبت في الدّمن و إن كان ناضرا لا يكون ثامرا،و هو سريع الفساد.

و المخاضرة:بيع الثّمار قبل أن يبدو صلاحها.

و يقال للخضر من البقول:خضراء.

و قولهم«ليس في الخضراوات صدقة»هي جمع:

خضراء مثل:حمراء و صفراء،و قياسها أن يقال الخضر كما يقال:الحمر و الصّفر،لكنّه غلب فيها جانب الاسميّة،فجمعت جمع الاسم،نحو صحراء و صحراوات و حلكاء و حلكاوات.و على هذا فجمعه قياسيّ،لأنّ «فعلاء»هنا ليست مؤنّثة«أفعل»في الصّفات حتّى تجمع على«فعل»نحو حمراء و صفراء،و إذا فقدت الوصفيّة تعيّنت الاسميّة.

و قولهم للبقول:خضر،كأنّه جمع:خضرة،مثل غرفة و غرف.

و قد سمّت العرب الخضر:خضراء،و منه«تجنّبوا من الخضراء ما له رائحة»يعني الثّوم و البصل و الكرّاث.

و الخضر سمّي بذلك-كما قال عليه السّلام-لأنّه جلس على فروة بيضاء فاهتزّت تحته خضراء.

و اختلف في نبوّته و هو بفتح الخاء و كسر الضّاد نحو كتف و نبق لكنّه خفّف لكثرة الاستعمال و سمّي بالمخفّف و نسب إليه فقيل الخضريّ و هي نسبة لبعض أصحابنا.(1:172)

الفيروزآباديّ: الخضرة:لون معروف،جمعه:

خضر و خضر،خضر الزّرع،كفرح،و اخضرّ و اخضوضر،فهو أخضر و خضور و خضر و خضير و يخضير و تخضور.و في الخيل:غبرة تخالطها دهمة.

و الخضر،ككتف:الغصن،و الزّرع،و البقلة الخضراء،كالخضرة و الخضير،و المكان الكثير الخضرة،كاليخضور و المخضرة،و ضرب من الجنبة، واحدته:بهاء.

و بالتّحريك:النّعومة،كالخضرة،و سعف النّخل، و جريده الأخضر.

و اختضر،بالضّمّ:أخذ طريّا غضّا،و الشّاب:

مات فتيّا.

و الأخضر:الأسود،ضدّ،و جبل بالطّائف.

و الخضراء:السّماء،و سواد القوم،و معظمهم، و خضر البقول،كالخضارة.و الكتيبة العظيمة،و الدّلو استقي بها زمانا حتّى اخضرّت،و الدّواجن من الحمام،و قلعة باليمن من عمل زبيد،و موضع

ص: 308

باليمامة،و أرض لعطارد.

و الخضيرة،ككريمة:نخلة ينتثر بسرها،و هو أخضر.

و خضارة:بالضّمّ،معرفة:البحر لا تجرى.

و الخضاريّ،كغرابيّ: طائر.و كالشّقارى:نبت.

و كسحاب:لبن أكثر ماؤه،و البقل الأوّل.

و كرمّان:طائر.و كغراب:موضع كثير الشّجر، و بلد قرب الشّحر.

و المخاضرة:بيع الثّمار قبل بدوّ صلاحها.

و ذهب دمه خضرا مضرا،بكسرهما،و ككتف:

هدرا.

و خضر،ككبد و كبد:أبو العبّاس النّبيّ عليه السّلام.

و خضرة:علم لخيبر،و مرّ صلّى اللّه عليه و سلّم،بأرض تسمّى عثرة أو عفرة أو عذرة،فسمّاها:خضرة.

و الخضيراء:طائر.

و هم خضر المناكب،بالضّمّ:في خصب عظيم.

و الخضر:قبيلة،و هم رماة.

و الخضريّة:نخلة طيّبة التّمر خضراؤه،و بفتح الضّاد:موضع ببغداد.

و الأخاضر:الذّهب،و اللّحم،و الخمر.

و خضوراء:ماء.و أخذه خضرا مضرا،بكسرهما و ككتف،أي بغير ثمن،أو غضّا طريّا.

و هو لك خضرا مضرا،أي هنيئا مريئا.

و خضّر له فيه تخضيرا:بورك له فيه.

و اختضر الحمل:احتمله،و الجارية:افترعها،أو قبل البلوغ،و الكلأ:جزّه و هو أخضر.

و اخضرّ اخضرارا:انقطع،كاختضر،و اللّيل:

اسودّ.و الأخيضر:ذباب،و داء في العين،و واد بين المدينة و الشّام.

و خضر النّخل:قطعه.

و الإخضير:مسجد بين تبوك و المدينة.و بنو الخضر،بالضّمّ:بطن من قيس عيلان...(2:21)

القلقشنديّ: الخضرة إن كانت خضرته مشبعة إلى السّواد،قيل:أخضر مسنّي،فإن كان دون ذلك، قيل:نبتيّ الخضرة،فإن كان دون ذلك،قيل:صافي الخضرة،فإن تكدّرت خضرته،بأن لم يكن صافي الخضرة،قيل:أسمى.(2:98)

الطّريحيّ: و فيه:[الحديث]«ليس في الخضراوات صدقة»يعني الفاكهة و البقول كالكرّاث و الكرفس و السّداب و نحوها.

و فيه:«ليس في الخضر زكاة»يريد البقل و الخيار و المباطخ،و كلّ شيء لا أصل له.

و قياس ما كان على هذا الوزن من الصّفات أن لا يجمع على«فعلاوات»و إنّما يجمع به إذا كان اسما لا صفة نحو صحراء،و إنّما جمعه هذا الجمع:لأنّه صار اسما لهذه البقول.

و في حديث الميّت:«خضّروا صاحبكم فما أقلّ المخضّرين يوم القيامة»أراد بالتّخضير:جريدة خضراء توضع للميّت من أصل اليدين إلى أصل التّرقوة.و فيه:«فإنّها تخفّف عنه عذاب القبر ما دامتا خضراوين.

و في الحديث ذكر الخضر عليه السّلام صاحب موسى عليه السّلام

ص: 309

هو بفتح الخاء و كسرها و سكون الضّاد و بفتحها و كسر الضّاد.[إلى أن قال:]

و قد اختلفت العلماء فيه فقال الأكثرون:هو نبيّ محتجّة بقوله تعالى: وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي الكهف:

82،و بأنّه أعلم من موسى عليه السّلام...

و الأخيضر:ذباب أخضر على قدر الذّباب السّود.(3:287)

مجمع اللّغة :الخضرة:اللّون المعروف.و الأخضر و الخضر:ما كان به هذا اللّون.و مؤنّث الأخضر:

خضراء،و يجمعان على خضر.

و اخضرّت الأرض اخضرارا:كسيت بالزّرع الأخضر،فهي مخضرّة.(1:340)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خضر و أخضر:صار أخضر بلون ورق الشّجر،و اخضرّت الأرض:كسيت بالزّرع فهي مخضرّة،و خضراء،و الجمع:خضر.

و الخضر:النّبات الّذي لا ساق له،و هو ما تشعّب من أصل النّبات الخارج من الحبّة،غضّا أخضر.

(1:165)

العدنانيّ: الخضر،أو الخضر،يقولون:فلان يحبّ الخضار أو الخضروات،و الصّواب:يحبّ الخضر أو الخضر،مفردها:خضرة،و يجوز أن يكون المفرد خضراء،و جمعه:خضراوات...

(معجم الأخطاء الشّائعة 79)

المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو اللّون الأخضر،و المصداق الأتمّ منه النّبات الأخضر،لكماله في الاخضرار،و على هذا قد يطلق عليه من دون قرينة و بالإطلاق.

و بمناسبة هذا الأصل الثّابت قد يطلق على السّماء الخضراء،و على النّعومة و الطّراوة الموجودتين في النّبات و في اللّون الأخضر.

و أمّا إطلاق السّواد و الدّهمة في مواردهما:فليس بمناسبة الاخضرار،بل بلحاظ تراكم الجمعيّة و الاستتار بالأشجار و العمارات و غشاية الحركات.

و أمّا الاختضار:فمن الاشتقاق الانتزاعيّ، و كذلك المخاضرة.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و تقرب هذه المادّة من الخضد الدّالّ على الصّفاء و اللّين،و من الخضع الدّالّ على اللّين و الاعتدال و الانقياد. فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً الحجّ:63، مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً يس:80، فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً الأنعام:99،تدلّ على الاخضرار الكامل الأتمّ،التّوأم مع الطّراوة و النّعومة.

فلا يبعد أن نقول:إنّ الطّراوة قد جعلت جزء من مفهوم هذه المادّة،فتدلّ عليها عند إطلاقها.(3:75)

النّصوص التّفسيريّة

خضرا

وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً...

الأنعام:99

ابن عبّاس: النّبات الأخضر.(116)

الأخفش: يريد الأخضر كقول العرب:«أرنيها نمرة أركها مطرة».(2:498)

ص: 310

مثله النّحّاس(2:463)،و العكبريّ(1:524).

الطّبريّ: رطبا من الزّرع.[و قال مثل الأخفش]

(5:287)

الزّجّاج: معنى خضر كمعنى أخضر،يقال:اخضرّ فهو أخضر و خضر،مثل:اعورّ فهو أعور و عور.

(2:275)

نحوه الواحديّ(2:304)،و البغويّ(2:147).

الثّعلبيّ: خَضِراً يعني أخضر،و هو رطب البقول.(4:174)

نحوه الطّوسيّ(4:233)،و القرطبيّ(7:47).

الماورديّ: يعني زرعا أخضر رطبا،بخلاف صفته عند بذره.(2:149)

نحوه البغويّ.(2:147)

الزّمخشريّ: خَضِراً شيئا غضّا أخضر، يقال:اخضرّ و خضر كاعورّ و عور،و هو ما تشعّب من أصل النّبات الخارج من الحبّة.(2:39)

مثله النّسفيّ(2:25)،و نحوه البيضاويّ(1:

323)،و أبو السّعود(2:420)،و الكاشانيّ(2:

143)،و البروسويّ(3:73).

ابن عطيّة: خَضِراً بمعنى أخضر،و منه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«الدّنيا خضرة حلوة»بمعنى خضراء.

و كأنّ خَضِراً إنّما يأتي أبدا لمعنى النّضارة و ليس للّون فيه مدخل،و أخضر إنّما تمكّنه في اللّون و هو في النّضارة تجوّز.(2:327)

الطّبرسيّ: أي زرعا رطبا أخضر،و هو ساق السّنبلة.(2:341)

الفخر الرّازيّ: ...و قال اللّيث:الخضر في كتاب اللّه:هو الزّرع،و في الكلام:كلّ نبات من الخضر.

إنّه تعالى حصر النّبت في الآية المتقدّمة في قسمين:

حيث قال: إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى الأنعام:95، فالّذي ينبت من الحبّ هو الزّرع،و الّذي ينبت من النّوى هو الشّجر،فاعتبر هذه القسمة أيضا في هذه الآية فابتدأ بذكر الزّرع،و هو المراد بقوله: فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً و هو الزّرع،كما رويناه عن اللّيث.

و المراد من هذا الخضر العود الأخضر الّذي يخرج أوّلا و يكون السّنبل في أعلاه.(13:107)

النّيسابوريّ: وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ سماء العناية ماءً الهداية فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ من أنواع المعارف فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً طريّا من المعاني و الأسرار.(7:176)

أبو حيّان :أي من النّبات غضّا ناضرا طريّا.[إلى أن قال:]

أي من الخضر،كالقمح و الشّعير و سائر القطانيّ، و من الثّمار كالرّمّان و الصّنوبر و غيرهما.(4:189)

ابن كثير :أي زرعا و شجرا أخضر.(3:70)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و أكثر ما يستعمل«الخضر»فيما تكون خضرته خلقيّة،و أصل الخضرة:لون بين البياض و السّواد و هو إلى السّواد أقرب،و لذا يسمّى الأخضر:أسود، و بالعكس.(7:238)

عبد الكريم الخطيب :أي نباتا ذا خضرة،حيث الخضرة هي الرّوح السّارية في حياة النّبات،و بغير

ص: 311

تلك الخضرة لا ينبض فيه عرق الحياة أبد.(4:248)

مغنيّة: ضمير(منه)يعود إلى النّبات،و المراد بالخضر:الغضّ و الطّراوة،أي تتشعّب من النّبات أغصان غضّة طريّة.

و قيل:الخضر هنا بمعنى الأخضر.(3:234)

الطّباطبائيّ: الخضر هو الأخضر،و كأنّه مخفّف الخاضر.(7:289)

مكارم الشّيرازيّ: فتذكر أنّ اللّه يخرج بالماء سيقان النّباتات الخضر من الأرض،و من تلك الحبّة الصّلبة يخلق السّاق الأخضر الطّريّ اللّطيف الجميل بشكل يعجب النّاظرين: فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً.

(4:373)

فضل اللّه :و هو النّبات الأخضر،أو الطّراوة و الغضّ المتمثّل بالأغصان الطّريّة الّتي ينبثق عنها النّبات.و ربّما كان العدول من كلمة الأخضر إلى كلمة الخضر،للإيحاء بالمظهر الحيّ للحياة في النّبات، لا للشّيء الّذي تتمثّل فيه،من أجل أن يتّجه النّظر و الفكر إلى العنصر الموحّد في كلّ النّباتات.(9:240)

الاخضر

اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً.

يس:80

ابن عبّاس: هما شجرتان يقال لأحدهما:مرخ، و الأخرى:العفار.

فمن أراد منهم النّار قطع منها غصنين مثل السّواكين،و هما خضراوان،يقطر منهما الماء فيسحق المرخ و هو ذكر على العفار أنثى فتخرج منه النّار بإذن اللّه عزّ و جلّ.(الثّعلبيّ 8:137)

نحوه النّيسابوريّ(23:34)،و ملخصا البيضاويّ (2:287)،و الكاشانيّ(4:261).

الفرّاء: قوله: مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ و لم يقل:

«الخضر»و قد قال اللّه مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ الرّحمن:76،و لم يقل:«أخضر».و«الرّفرف»،ذكر مثل الشّجر.و الشّجر أشدّ اجتماعا و أشبه بالواحد من الرّفرف؛أ لا ترى اجتماعه كاجتماع العشب و الحصى و التّمر،و أنت تقول:هذا حصى أبيض و حصى أسود،لأنّ جمعه أكثر في الكلام من انفراد واحده.و مثله الحنطة السّمراء،و هي واحدة في لفظ جمع.و لو قيل حنطة سمر كان صوابا،و لو قيل:

الشّجر الخضر كان صوابا،كما قيل:الحنطة السّمراء.

لاحظ:ش ج ر:«الشّجر».(2:381)

ابن قتيبة :أراد:الزّنود الّتي توري بها الأعراب، من شجر المرخ و العفار.(368)

القمّيّ: هو المرخ و العفار،و يكون في ناحية بلاد الغرب،فإذا أرادوا أن يستوقدوا أخذوا من ذلك الشّجر،ثمّ أخذوا عودا فحرّكوه فيه فيستوقدون منه النّار.(2:218)

النّحّاس: هو المرخ و العفار،تستعمل الأعراب منه الزّنود.(5:521)

نحوه الواحديّ.(3:520)

الثّعلبيّ: و إنّما لم يقل الخضر،و الشّجر جمع:

الشّجرة،لأنّه ردّه إلى اللّفظ.

ص: 312

يقول العرب:في كلّ شجر نار،و استمجد المرخ و العفار.و قال الحكماء:كلّ شجر فيه نار إلاّ العنّاب.

(8:137)

الماورديّ: أي الّذي جعل النّار المحرقة في الشّجر الرّطب المطفيّ.و جمع بينهما مع ما فيهما من المضادّة،لأنّ النّار تأكل الحطب،و أقدركم على استخراجها،هو القادر على إعادة الموتى و جمع الرّفات.و يحتمل ذلك منه وجهين:

أحدهما:أن ينبّه اللّه تعالى بذلك على قدرته الّتي لا يعجزها شيء.

الثّاني:أن يدلّ بها على إحياء الموتى كما أحييت النّار بالإذكاء.

قال الكلبيّ: كلّ الشّجر يقدح منه النّار إلاّ العنّاب.(5:34)

الطّوسيّ: فبيّن أنّ من قدر على أن يجعل في الشّجر الأخضر،الّذي هو في غاية الرّطوبة نارا حامية مع تضادّ النّار للرّطوبة،حتّى إذا احتاج الإنسان حكّ بعضه ببعض و هو المرخ و العفار و غير ذلك من أنواع الشّجر،فيخرج منه النّار و ينقدح،فمن قدر على ذلك،لا يقدر[على]الإعادة؟!.(8:478)

الزّمخشريّ: ذكر من بدائع خلقه انقداح النّار من الشّجر الأخضر مع مضادّة النّار الماء و انطفائها به، و هي الزّناد الّتي توري بها الأعراب،و أكثرها من المرخ و العفار،و في أمثالهم:في كلّ شجر نار.

و استمجد المرخ و العفار،يقطع الرّجل منهما غصنين مثل السّواكين،و هما خضراوان يقطر منهما الماء،فيسحق المرخ و هو ذكر على العفار و هي أنثى فتنقدح النّار بإذن اللّه.

قرئ: اَلْأَخْضَرِ على اللّفظ.و قرئ:

(الخضراء)على المعنى،و نحوه قوله تعالى: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ* فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ الواقعة:52-54.(3:332)

مثله النّسفيّ.(4:14)

ابن عطيّة: ...ثمّ عقّب ذلك تعالى بدليل ثالث في إيجاد النّار في العود الأخضر المرتوي ماء،و هذا هو زناد العرب،و النّار موجودة في كلّ عود غير أنّها في المتخلخل المفتوح المسام أوجد،و كذلك هو المرخ و العفار.و أعاد الضّمير على الشّجر مذكّرا من حيث راعي اللّفظ،فجاء كالتّمر و الحصار و غيره.(4:464)

الطّبرسيّ: [نحو ابن قتيبة و الطّوسيّ](4:435)

ابن الجوزيّ: فإن قيل:لم قال: اَلشَّجَرِ الْأَخْضَرِ و لم يقل:«الشّجر الخضر»؟فالجواب:أنّ الشّجر جمع:و هو يؤنّث و يذكّر فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ الواقعة:53،و قال: فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ يس:80.(7:42)

القرطبيّ: أي إنّ الشّجر الأخضر من الماء،و الماء بارد رطب ضدّ النّار،و هما لا يجتمعان،فأخرج اللّه منه النّار،فهو القادر على إخراج الضّدّ من الضّدّ،و هو على كلّ شيء قدير.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ]

(15:59)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قرأ الجمهور اَلْأَخْضَرِ و قرئ(الخضراء)و

ص: 313

أهل الحجاز يؤنّثون الجنس المميّز واحده بالتّاء، و أهل نجد يذكّرون ألفاظا و استثنيت في كتب النّحو.

(7:348)

أبو السّعود : اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً بدل من الموصول الأوّل[ اَلَّذِي أَنْشَأَها ]،و عدم الاكتفاء بعطف صلته على صلته للتّأكيد،و لتفاوتهما في كيفيّة الدّلالة،أي خلق لأجلكم و منفعتكم منه نارا،على أنّ الجعل إبداعيّ و الجارّ ان متعلّقان به،قدّما على مفعوله الصّريح مع تأخّرهما عنه رتبة،لما مرّ من الاعتناء بالمقدّم، و التّشويق إلى المؤخّر.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ]

(5:315)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:] و الخضرة أحد الألوان بين البياض و السّواد و هو إلى السّواد أقرب،فلهذا سمّي الأسود أخضر و الأخضر أسود.و قيل:سواد العراق للموضع الّذي تكثر فيه الخضرة.و وصف الشّجر بالأخضر دون الخضراء نظرا إلى اللّفظ،فإنّ لفظ الشّجر مذكّر و معناه مؤنّث،لأنّه جمع:شجرة،كثمر و ثمرة،و الجمع:مؤنّث،لكونه بمعنى الجماعة.(7:439)

الآلوسيّ: و قوله تعالى: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً بدل من الموصول الأوّل [ اَلَّذِي أَنْشَأَها ]،و عدم الاكتفاء بعطف صلته على صلته للتّأكيد،و لتفاوتهما في كيفيّة الدّلالة.

و الظّرفان متعلّقان ب(جعل)قدّما على(نارا) مفعوله الصّريح،للاعتناء بالمقدّم،و التّشويق إلى المؤخّر،و اَلْأَخْضَرِ صفة اَلشَّجَرِ و قرئ (الخضراء)و أهل الحجاز يؤنّثون الجنس المميّز واحده بالتّاء مثل الشّجر،إذ يقال في واحده:شجرة.و أهل نجد يذكّرونه إلاّ ألفاظا استثنيت في كتب النّحو.

و ذكر بعضهم:أنّ التّذكير لرعاية اللّفظ،و التّأنيث لرعاية المعنى،لأنّه في معنى الأشجار و الجمع تؤنّث صفته.و قيل:لأنّه في معنى الشّجرة و كما يؤنّث صفته يؤنّث ضميره،كما في قوله تعالى: مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ الواقعة:53.

و المشهور أنّ المراد بهذا الشّجر:المرخ و العفار، يتّخذ من المرخ و هو ذكر الزّند الأعلى،و من العفار- بفتح العين-و هو أنثى الزّندة السّفلى،و يسحق الأوّل على الثّاني-و هما خضراوان يقطر منهما الماء- فتنقدح النّار بإذن اللّه تعالى.و كون المرخ بمنزلة الذّكر و العفار بمنزلة الأنثى هو ما ذكره الزّمخشريّ و غيره، و اللّفظ كالشّاهد له،و عكس الجوهريّ.

و عن ابن عبّاس،و الكلبيّ: في كلّ شجر نار إلاّ العنّاب،قيل:و لذا يتّخذ منه مدقّ القصّارين و أنشد الخفاجيّ لنفسه:

أيا شجر العنّاب نارك أو قدت

بقلبي و ما العنّاب من شجر النّار

و اشتهر العموم و عدم الاستثناء.ففي المثل«في كلّ شجر نار،و استمجد المرخ و العفار»أي استكثر من النّار،من مجدت الإبل إذا وقعت في مرعى واسع كثير،و منه رجل ماجد أي مفضال.

و اختار بعضهم:حمل اَلشَّجَرِ الْأَخْضَرِ على

ص: 314

الجنس،و ما يذكر من المرخ و العفار من باب التّمثيل، و خصّا لكونهما أسرع وريا و أكثر نارا كما يرشد إليه المثل،و من إرسال المثل«المرخ و العفار لا يلدان غير النّار».(23:55)

ابن عاشور : اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً بدل من اَلَّذِي أَنْشَأَها يس:79، بدلا مطابقا،و إنّما لم تعطف الصّلة على الصّلة، فيكتفى بالعطف عن إعادة اسم الموصول،لأنّ في إعادة الموصول تأكيدا للأوّل و اهتماما بالثّاني،حتّى تستشرف نفس السّامع لتلقّي ما يرد بعده،فيفطن بما في هذا الخلق من الغرابة،إذ هو إيجاد الضّدّ،و هو نهاية الحرارة من ضدّه و هو الرّطوبة.و هذا هو وجه وصف اَلشَّجَرِ ب اَلْأَخْضَرِ، إذ ليس المراد من الأخضر اللّون،و إنّما المراد لازمه و هو الرّطوبة،لأنّ الشّجر أخضر اللّون ما دام حيّا،فإذا جفّ و زالت منه الحياة استحال لونه إلى الغبرة،فصارت الخضرة كناية عن رطوبة النّبت و حياته.[ثمّ استشهد بشعر]

و وصف اَلشَّجَرِ -و هو اسم جمع«شجرة»- و هو مؤنث المعنى ب اَلْأَخْضَرِ بدون تأنيث،مراعاة للفظ الموصوف بخلوّه عن علامة تأنيث،و هذه لغة أهل نجد.و أمّا أهل الحجاز فيقولون:شجر خضراء على اعتبار معنى الجمع،و قد جاء القرآن بهما في قوله: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ* فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ الواقعة:

52-54.

و المراد ب(الشجر)هنا:شجر المرخ-بفتح الميم و سكون الرّاء-و شجر العفار-بفتح العين المهملة و فتح الفاء-فهما شجران يقتدح بأغصانهما يؤخذ غصن من هذا و غصن من الآخر بمقدار المسواك،و هما خضراوان يقطر منهما الماء،فيسحق المرخ على العفار فتنقدح النّار.

قيل:يجعل العفار أعلى و المرخ أسفل.و قيل:

العكس،لأنّ الجوهريّ و ابن سيده في«المخصّص» قالا:العفار:هو الزّند و هو الذّكر،و المرخ:الأنثى، و هو الزّندة.و قال الزّمخشريّ في«الكشّاف»:المرخ:

الذّكر.و العفار:الأنثى.و النّار هي سقط الزّند،و هو ما يخرج عند الاقتداح مشتعلا،فيوضع تحته شيء قابل للالتهاب من تبن.أو ثوب به زيت فتخطف فيه النّار.

(22:279)

الطّباطبائيّ: و الآية مسوقة لرفع استبعاد جعل الشّيء الموات شيئا ذا حياة،و الحياة و الموت متنافيان، و الجواب:أنّه لا استبعاد فيه،فإنّه هو الّذي جعل لكم من الشّجر الأخضر...[فأدام نحو الزّمخشريّ]

(17:112)

نحوه فضل اللّه.(19:166)

مكارم الشّيرازيّ: شجر أخضر...لما ذا؟

يرد على الذّهن أنّه لما ذا عبّر القرآن هنا ب اَلشَّجَرِ الْأَخْضَرِ؟ في حين أنّ توليد النّار من الخشب الطّري و الرّطب يتمّ بصعوبة بالغة،فكم كان جميلا لو عبّر عوضا عن ذلك ب«الشّجر اليابس»، لكي ينسجم مع المعنى تماما!؟

النّكتة هنا هو،أنّ الشّجر الأخضر الحيّ فقط

ص: 315

يستطيع القيام بعمليّة التّركيب الضّوئيّ،و ادّخار نور الشّمس و حرارتها.و أمّا الجذوع اليابسة للشّجر لو بقيت مئات السّنين متعرّضة للشّمس،فإنّها لن تستطيع زيادة الذّخيرة الموجودة فيها.

و بناء عليه،فإنّ الشّجر الأخضر فقط يستطيع أن يصنع وقودا لنا،و يمكنه الاحتفاظ و ادّخار الحرارة و النّور و زيادتها بصورة محوّرة،و لكنّها بمحض جفافها،فإنّ عمليّة التّركيب الضّوئي تتوقّف،و تتعطّل معها عمليّة ادّخار الطّاقة الشّمسيّة.

و بناء على هذا،فإنّ التّعبير أعلاه،يعتبر تجسيدا جميلا لعمليّة انبعاث الطّاقات،و معجزة علميّة خالدة للقرآن الكريم!..

فضلا عن أنّنا إذا رجعنا إلى التّفسيرات الأخرى الّتي أشرنا إليها سابقا،يبقى أيضا التّعبير ب اَلشَّجَرِ الْأَخْضَرِ جميلا و مناسبا،إذ أنّ الأشجار الخضراء عند احتكاكها ببعضها البعض تولّد شرارة تستطيع أن تكون مبعث نار كبيرة،و هنا نقف إزاء عظمة قدرة اللّه في حفظه النّار في قلب الماء،و الماء في قلب النّار.

(14:227)

مخضرّة

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. الحجّ:63

ابن عبّاس: مُخْضَرَّةً بالنّبات.(283)

مثله الثّعلبيّ(7:32)،و الطّوسيّ(7:336)، و الواحديّ(3:278)،و الطّبرسيّ(4:94).

الطّبريّ: بما ينبت فيها من النّبات.(9:184)

الزّجاج: و قرئت(مخضرة)[إلى أن قال:]

و أمّا القراءة: فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً لا غير، قال سيبويه:سألت الخليل عن قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً فقال:هذا واجب،و معناه:التّنبيه،كأنّه قال:أ تسمع؟ أنزل اللّه من السّماء ماء،فكان كذا و كذا،و قال غيره:

مثل قوله.قال:مجاز هذا الكلام مجاز الخبر،كأنّه قال:

اللّه ينزل من السّماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا من قرأ: (مخضرة) فهو على معنى ذات مخضرة،مثل مبقلة،ذات بقل،و مشبعة،ذات شبع.

و لا يجوز(مخضرّة)بفتح الميم و تشديد الرّاء لأنّ «مفعلّة»ليس في الكلام و لا معنى له.(3:435)

الزّمخشريّ: قرئ: (مخضرة) أي ذات خضر على«مفعلة»كمبقلة و مسبعة.

فإن قلت:هلاّ قيل فأصبحت،و لم صرف إلى لفظ المضارع؟

قلت:لنكتة فيه،و هي إفادة بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان كما تقول:أنعم عليّ فلان عام كذا فأروح و أغدوا شاكرا له.

و لو قلت:فرحت،و غدوت لم يقع ذلك الموقع.

فإن قلت:فما له رفع و لم ينصب جوابا للاستفهام؟

قلت:لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض،لأنّ معناه إثبات الاخضرار،فينقلب بالنّصب إلى نفي

ص: 316

الاخضرار،مثاله أن تقول لصاحبك:أ لم تر أنّي أنعمت عليك فتشكر،إن نصبته فأنت ناف لشكره،شاك تفريطه فيه.و إن رفعته فأنت مثبت للشّكر.

و هذا و أمثاله ممّا يجب أن يرغب له من اتّسم بالعلم في علم الإعراب و توقير أهله.(3:21)

نحوه الفخر الرّازيّ(23:62)و البيضاويّ(2:

98)،و النّسفيّ(3:109).

القرطبيّ: أي ذات خضرة؛كما تقول:مبقلة و مسبعة؛أي ذات بقل و سباع.و هو عبارة عن استعجالها إثر نزول الماء بالنّبات،و استمرارها كذلك عادة.

قال ابن عطيّة:و روي عن عكرمة أنّه قال:هذا لا يكون إلاّ بمكّة و تهامة.و معنى هذا أنّه أخذ قوله:

(فتصبح)مقصودا به صباح ليلة المطر،و ذهب إلى أنّ ذلك الاخضرار يتأخّر في سائر البلاد،و قد شاهدت هذا بسوس الأقصى،نزل المطر ليلا بعد قحط،أصبحت تلك الأرض الرّملة الّتي نسفتها الرّياح قد اخضرّت بنبات ضعيف رقيق.(12:92)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ و ابن عطيّة ثمّ قال:]و لم يبيّن هو و لا الزّمخشريّ كيف يكون النّصب نافيا للاخضرار،و لا كون المعنى فاسدا.

و إذا جعلنا(فتصبح)بمعنى فتصير،لا يلزم أن يكون ذلك الاخضرار في وقت الصّباح،و إذا كان الاخضرار متأخّرا عن إنزال المطر فثمّ جمل محذوفة، التّقدير فتهتزّ و تربو فتصبح،يبيّن ذلك قوله تعالى:

فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ الحجّ:5.

و قرئ (مخضرة) على وزن«مفعلة»و مسبعة أي ذات خضر،و خصّ(تصبح)دون سائر أوقات النّهار،لأنّ رؤية الأشياء المحبوبة أوّل النّهار أبهج و أسرّ للرّائي.(6:386)

الشّربينيّ: مُخْضَرَّةً حيّة يانعة مهتزّة نامية بما فيه رزق العباد و عمارة البلاد.[ثمّ قال مثل الزّمخشريّ](2:563)

أبو السّعود : فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً بالعطف على(انزل)و إيثار صيغة الاستقبال للإشعار بتجدّد أثر الإنزال و استمراره،أو لاستحضار صورة الاخضرار.(4:394)

الآلوسيّ: فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً أي فتصير،و قيل:(تصبح)على حقيقتها،و الحكم بالنّظر إلى بعض الأماكن تمطر السّماء فيها ليلا فتصبح الأرض مخضرّة،و الأوّل أولى،عطف على(انزل) و الفاء مغنية عن الرّابط فلا حاجة إلى تقدير بإنزاله، و التّعقيب عرفيّ أو حقيقيّ،و هو إمّا باعتبار الاستعداد التّامّ للاخضرار،أو باعتباره نفسه.و هو كما ترى.

و جوّز أن تكون الفاء لمحض السّبب فلا تعقيب فيها،و العدول عن الماضي إلى المضارع لإفادة بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان،كما تقول:أنعم عليّ فلان عام كذا فأروح و أغدو شاكرا له،و لو قلت:فرحت و غدوت لم يقع ذلك الموقع،أو لاستحضار الصّورة البديعة.و لم ينصب الفعل في جواب الاستفهام هنا في شيء من القراءات فيما نعلم،و صرّح غير واحد

ص: 317

بامتناعه.

ففي«البحر»أنّه يمتنع النّصب هنا،لأنّ النّفي إذا دخل عليه الاستفهام-و إن كان يقتضي تقريرا في بعض الكلام-هو معامل معاملة النّفي المحض في الجواب،أ لا ترى قوله تعالى: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى الأعراف:172،و كذلك في الجواب بالفاء إذا أجبت النّفي كان على معنيين في كلّ منهما ينتفي الجواب،فإذا قلت:ما تأتينا فتحدّثنا بالنّصب،فالمعنى ما تأتينا محدّثا،إنّما تأتينا و لا تحدّث.و يجوز أن يكون المعنى:أنّك لا تأتينا فكيف تحدّثنا،فالحديث منتف في الحالتين،و التّقرير بأداة الاستفهام كالنّفي المحض في الجواب،يثبت ما دخلته همزة الاستفهام و ينفي الجواب،فيلزم من ذلك هنا إثبات الرّؤية و انتفاء الاخضرار،و هو خلاف المراد.و أيضا جواب الاستفهام ينعقد منه مع الاستفهام شرط و جزاء، و لا يصحّ أن يقال هنا:إن تر إنزال الماء تصبح الأرض مخضرّة،لأنّ اخضرارها ليس مترتّبا على علمك أو رؤيتك،إنّما هو مترتّب على الإنزال.

و إلى انعكاس المعنى على تقدير النّصب ذهب الزّمخشريّ،حيث قال:«لو نصب الفعل جوابا للاستفهام،لأعطى ما هو عكس الغرض،لأنّ معناه إثبات الاخضرار،فينقلب بالنّصب إلى نفي الاخضرار»،لكن تعقّبه صاحب«الفرائد»حيث قال:

«لا وجه لما ذكره صاحب«الكشّاف»و لا يلزم المعنى الّذي ذكره،بل يلزم من نصبه أن يكون مشاركا لقوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ تابعا له،و لم يكن تابعا ل أَنْزَلَ، و يكون مع ناصبه مصدرا معطوفا على المصدر الّتي تضمّنه أَ لَمْ تَرَ و التّقدير:أ لم تكن لك رؤية إنزال الماء من السّماء و إصباح الأرض مخضرّة.و هذا غير مراد من الآية،بل المراد أن يكون إصباح الأرض مخضرّة بإنزال الماء،فيكون حصول اخضرار الأرض تابعا للإنزال،معطوفا عليه»انتهى.و فيه بحث.

(17:191)

ابن عاشور :و اختير في التّعبير عن النّبات الّذي هو مقتضى الشّكر-لما فيه من إقامة أقوات النّاس و البهائم-بذكر لونه الأخضر،لأنّ ذلك اللّون ممتع للأبصار،فهو أيضا موجب شكر على ما خلق اللّه من جمال المصنوعات في المرأى،كما قال تعالى: وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ النّحل:6.

و إنّما عبّر عن مصير الأرض خضراء بصيغة (تصبح مخضرة)مع أنّ ذلك مفرّع على فعل أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً الّذي هو بصيغة الماضي،لأنّه قصد من المضارع استحضار تلك الصّورة العجيبة الحسنة، و لإفادة بقاء أثر إنزال المطر زمانا بعد زمان،كما تقول:أنعم فلان عليّ فأروح و أغدو شاكرا له.

و فعل(تصبح)مفرّع على فعل(انزل)فهو مثبت في المعنى،و ليس مفرّعا على النّفي و لا على الاستفهام،فلذلك لم ينصب بعد الفاء،لأنّه لم يقصد بالفاء جواب للنّفي،إذ ليس المعنى أ لم تر فتصبح الأرض.

قال سيبويه:و سألته يعني الخليل عن: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً

ص: 318

فقال:«هذا واجب-أي الرّفع واجب-و هو تنبيه، كأنّك قلت:أ تسمع:أنزل اللّه من السّماء ماء فكان كذا و كذا».[إلى أن قال:]

و المخضرّة:الّتي صار لونها الخضرة.يقال:اخضرّ الشّيء،كما يقال:اصفرّ الثّمر و احمرّ،و اسودّ الأفق.

و صيغة«افعلّ»ممّا يصاغ للاتّصاف بالألوان.

(17:229)

عبد الكريم الخطيب :في التّعبير عن إنزال الماء بالفعل الماضي،و عن اخضرار الأرض بالفعل الحاضر الّذي يمتدّ إلى المستقبل،في هذا إشارة إلى القرآن الكريم،الّذي نزل،و إلى ثماره الّتي لا تنقطع أبدا،و أنّه سيظلّ هكذا قائما في الحياة،يروي القلوب،و يحيي موات النّفوس،و يفيض الخير و البركة على الإنسانيّة إلى يوم الدّين.لقد نزل القرآن،و تلقّى الّذين شهدوا نزوله ما قدّر اللّه لهم من خيره و نوره،و هداه.

و سيظلّ هكذا نورا قائما في النّاس،و خيرا ممدودا لهم،يهتدون به،و يصيبون من خيره،إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها،و هو خير الوارثين.

(9:1089)

فضل اللّه :فتمتلئ بما يأكله النّاس و الأنعام، و يغذّي الرّوح و البصر.(16:111)

خضر

1- وَ قالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ... يوسف:43.

ابن عبّاس: غلبن خضرتهنّ و لم يستبن عليهنّ شيء.(198)

الطّبريّ: أمّا«الخضر»فهي السّنون المخاصيب، و أمّا«اليابسات»فهنّ الجدوب المحول.(7:228)

الواحديّ: سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ قد انعقد حبّها.

(2:615)

مثله الزّمخشريّ(2:322)،و الطّبرسيّ(3:

238)،و البيضاويّ(1:497)،و أبو السّعود(3:

398)،و الآلوسيّ(12:249).

2- أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ. يوسف:46

مثل ما قبلها.

3- مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَ عَبْقَرِيٍّ حِسانٍ.

الرّحمن:76

راجع:ر ف ر ف:«رفرف».

4- عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ.

الدّهر:21

راجع:س ن د س:«سندس».

خضرا

...وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ...

الكهف:31

البيضاويّ: وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً لأنّ

ص: 319

الخضر أحسن الألوان و أكثرها طراوة.(2:12)

نحوه أبو السّعود(4:188)،و الشّوكانيّ

(3:354).

الآلوسيّ: لأنّ الخضرة أحسن الألوان،و النّفس تنبسط بها أكثر من غيرها،و روي في أثر،أنّها تزيد في ضوء البصر.(15:271)

نحوه ابن عاشور.(15:61)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخضرة،و هو من الألوان يكون في النّبات و الحيوان و الماء و سائر الأشياء،و قد اخضرّ،و هو أخضر و خضور و خضر و خضير و يخضير و يخضور.و الخضر و المخضور:

اسمان للرّخص من الشّجر إذا قطع و خضر.و اخضرّ الشّيء اخضرارا،فهو أخضر و خضر،و اخضوضر، و خضّرّته أنا،و كلّ غضّ خضر:أخضر،و شجرة خضراء:خضرة غضّة،و خضر الزّرع خضرا:نعم، و أخضره الرّيّ،و الخضيرة:النّعمة،تصغير الخضرة.

و أرض خضرة و يخضور:كثيرة الخضرة،و أرض مخضرة:ذات خضرة،و الخضرة:الخضراء من النّبات، و الجمع:خضر،و جمع الخضر:أخضار.

و اختضرت الكلأ:جززته و هو أخضر،و اختضر النّبات:أكل غضّا قبل تناهي طوله،و اختضرت الفاكهة:أكلتها قبل أناها،و اختضر الشّيء:أخذ طريّا غضّا.

و الخضرة و الخضر و الخضير:اسم للبقلة الخضراء.و الخضيرة من النّخل:الّتي ينتثر بسرها و هو أخضر،و الخضرة:بقلة خضراء خشناء،و الجمع:

خضر.و الخضّارى:الرّمث-نبات برّيّ-إذا طال نباته،و واد خضّار:كثير الشّجر،و الخضر:سعف النّخل و جريده الأخضر.يقال:خضر الرّجل:خضر النّخل بمخلبه يخضره خضرا،و اختضره يختضره:

قطعه.و المخاضرة:بيع الثّمار خضرا قبل بدوّ صلاحها.

و الخضريّة:نوع من التّمر أخضر كأنّه زجاجة، يستطرف للونه،و يسمّيه أهل العراق الخضراويّ، و هو يكثر في البصرة و نواحيها.

و الخضاريّ: طائر يسمّى الأخيل،و هو أخضر في حنكه حمرة.و الخضراء من الحمام:الدّواجن،و إن اختلف ألوانها الخضرة،و هي الخضرة أيضا، و الأخيضر:ذباب أخضر على قدر الذّبّان السّود.

و خضارة:البحر،سمّي بذلك لخضرة مائه،يقال:

هذا خضارة طاميّا،و هو خضار أيضا،و ماء أخضر:

يضرب إلى الخضرة من صفائه،و يقال للسّماء:

الخضراء،لخضرتها،و يقال للدّلو إذا استقي بها زمانا طويلا حتّى اخضرّت:خضراء،و الخضار من اللّبن:

الّذي مذق بماء كثير حتّى اخضرّ،و هو الخضارة أيضا.

و الخضرة في شيات الخيل:غبرة تخالط دهمة، و كذلك في الإبل.يقال:فرس أخضر،و هو الدّيزج، و من الخيل أخضر أحمّ،و أخضر أدغم،و أخضر أطحل،و أخضر أورق.

و الخضرة في ألوان النّاس:السّمرة،و الأخضر:

الأسود،لأنّه يضرب إلى السّواد من شدّة خضرته،

ص: 320

و سمّي قوم بالخضر لسواد ألوانهم،و هم غسّان و محارب،و يقولون للحائك:أخضر البطن،لأنّ بطنه يلزق بخشبته فتسوّده،و الخضراء من الكتائب:ألجئوا و هي الّتي يعلوها سواد الحديد.

و خضراء كلّ شيء:أصله.يقال:اختضر الشّيء، أي قطعه من أصله،و اختضر أذنه:قطعها من أصلها، تشبيها باستئصال النّبات الأخضر.

و يقال مجازا:أباد اللّه خضراءهم و غضارتهم،أي نعيمهم و خصبهم.و يقال للّذي يأكل البصل و الكرّاث:أخضر النّواجذ.و يقال للرّجل إذا مات شابّا غضّا:قد اختضر،لأنّه يؤخذ في وقت الحسن و الإشراق،و شابّ مختضر:مات فتيّا،و الدّنيا خضرة مضرة:ناعمة غضّة طريّة طيّبة،و هو لك خضرا مضرا:

هنيئا مريئا،و خضرا لك و مضرا:سقيا لك و رعيا، و ذهب دمه باطلا هدرا،تشبيها بالنّبات الأخضر إذا قطع و ذبل،و رمى اللّه في عين فلان بالأخضر،و هو داء يأخذ العين،و اختضر فلان الجارية و ابتسرها و ابتكرها،و ذلك إذا افتضّها قبل بلوغها.و الخضيرة من النّساء:الّتي لا تكاد تتمّ حملا حتّى تسقطه،و فلان أخضر أخضر القفا:ولدته سوداء،و الأمر بيننا أخضر:

جديد،لم تخلق المودّة بيننا.

2-و الخضر أو الخضر:صاحب موسى الّذي التقى معه بمجمع البحرين،سمّي بذلك لحسنه و إشراق وجهه،تشبيها بالنّبات الأخضر الغضّ،أو لأنّه كان إذا جلس في موضع،قام و تحته روضة تهتزّ،كما في الخبر.

و ذهب المسلمون إلى أنّه عبد صالح محجوب عن الأبصار،أو نبيّ من أنبياء بني إسرائيل،و أصرّ المستشرقون على أنّه شخصيّة ملفّقة من ثلاث شخصيّات مذكورة في ملحمة جلجامش،و قصّة الإسكندر،و أسطورة يهوديّة.و يمثّل الخضر في القسم الأوّل من قصّة القرآن-حسب زعمهم-رجلا يدّعي «أتنبشتم»،سلف جلجامش الّذي منح الخلود، و«أندرياس»طاهي الإسكندر الّذي شرب ماء الحياة،و اكتسب بذلك صفة الخلود،و يمثّل في القسم الثّاني منها«إيليا»،صاحب«يوشع بن ليفي»في رحلته (1).

و لكنّ الحكايات الثّلاث تغاير قصّة القرآن الكريم في كثير من فصولها،لأنّ فيها أشياء كثيرة لم ترد فيه،كما أنّ فيه أشياء لم ترد فيها،و منها،مثلا بعض الأمارات و المواضع،نحو«مجمع البحرين»في قوله تعالى: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ الكهف:60،و«الصّخرة»في قوله:

أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ الكهف:63.

و ما ارعوى المستشرقون لمّا رأوا البون الواسع بين رواية القرآن و الرّوايات الثّلاث المذكورة،بل تمادوا في غيّهم،و خبطوا خبط عشواء،فتارة ردّوا ذلك إلى «حكاية أخرى (2)»أو إلى«مصادر أخرى»عنادا و تكبّرا.).

ص: 321


1- دائرة المعارف الإسلاميّة(8:347-355).
2- المصدر السّابق(8:349).

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(خضر)و(الاخضر)و(مخضرّة)كلّ منها مرّة،و(خضر)5 مرّات،في 8 آيات:

النّبات:

1- وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ...

الأنعام:99

2- اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً...

يس:80

3- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً الحجّ:63

4- وَ قالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ... يوسف:43

5- يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ... يوسف:46

اللّباس:

6- مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَ عَبْقَرِيٍّ حِسانٍ الرّحمن:76

7- عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ...

الدّهر:21

8- وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ... الكهف:31

يلاحظ أوّلا:أنّ الخضرة جاءت في محورين:

المحور الأوّل:النّبات في(1)إلى(5):

أ-في(1)بحوث:

1-اختلفوا في معنى«الخضر»في: فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً، أ هو الأخضر من النّبات،أم الغضّ النّاضر الطّريّ منه؟إنّ السّياق يهدي المتدبّر إلى أنّ في الآية تفريعا و تنويعا،إذ يخرج«الخضر»من نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ، و يخرج«الحبّ المتراكم»من(خضرا)، و تخرج قِنْوانٌ دانِيَةٌ، من«طلع النّخل».

و لا مشاحّة في أنّ التّفريع يدلّ على الكثرة، و الغرض منه-في هذه الآية و الآيات السّابقة لها- بيان نعم اللّه و مننه على العباد،و لا يجدر به تعالى أن يعدّ خضرة النّبات فحسب نعمة و منّة منه على عباده.

و ذكر غضارته و نضارته أنسب في هذا المقام،و هو المراد من الخضر هنا.و يؤيّده قول ابن عطيّة:«و كأنّ خَضِراً إنّما يأتي أبدا لمعنى النّضارة،و ليس للّون فيه مدخل...»

2-خصّ أكثرهم«الخضر»بالزّرع مثل البقول، و ساق السّنبلة و نحوها،و عمّه ابن كثير للشّجر فقال:

«أي زرعا و شجرا أخضر»،و الفخر الرّازيّ اختار الأوّل بحجّة أنّه قال في آية قبلها: إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى... الأنعام:95،فحصر فيها النّبت في قسمين:الحبّ و النّوى،فالّذي ينبت من الحبّ هو الزّرع،و الّذي ينبت من النّوى هو الشّجر.فاعتبر هذه القسمة أيضا في هذه الآية فابتدأ بذكر الزّرع،و هو المراد ب فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً.

نقول:و يؤيّده قوله بعد خَضِراً : نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ، فهذا كالصّريح في أنّ حَبًّا مُتَراكِباً خاصّ ب خَضِراً و أنّ وَ مِنَ النَّخْلِ عطف على خَضِراً، و كلاهما تفسير ل نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ.

ص: 322

نقول:و يؤيّده قوله بعد خَضِراً : نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ، فهذا كالصّريح في أنّ حَبًّا مُتَراكِباً خاصّ ب خَضِراً و أنّ وَ مِنَ النَّخْلِ عطف على خَضِراً، و كلاهما تفسير ل نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ.

و قال فضل اللّه:«و ربّما كان العدول من كلمة«الأخضر»إلى كلمة«الخضر»للإيحاء بالمظهر الحيّ للحياة في النّبات،لا للشّيء الّذي تتمثّل فيه من أجل أن يتّجه النّظر و الفكر إلى العنصر الموحد في كلّ النّبات».

و يبدو أنّه اعتبر«الخضر»نفس الخضرة دون ما يتّصف بها،و لو عدّ مبالغة فهو أبلغ و آكد في إفادة المراد ممّا قاله.

و قال الطّباطبائيّ: «الخضر هو الأخضر،و كأنّه مخفّف الخاضر»،و لكنّه صفة مشبهة مثل«حسن»،أو مبالغة مثل«شرح»،و«حذر».

3-قال الآلوسيّ:«و أكثر ما يستعمل«الخضر» فيما تكون خضرته خلقيّة،و أصل الخضرة لون بين البياض و السّواد،و هو إلى السّواد أقرب،و لذا يسمّى (الأخضر)أسود،و بالعكس».

4-و أوّلها النّيسابوريّ تماما:ف(السّماء):سماء العناية،و(ماء):الهداية،و نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ :أنواع المعارف.و للتّأويل باب واسع في القرآن الكريم.

ب-و في(2)بحوث أيضا:

1-جاء اَلْأَخْضَرِ فيها: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً صفة ل اَلشَّجَرِ، و يراد به الطّراوة،كما في(1)أيضا،أي إنّه تعالى أنشأ النّار من الشّجر الغضّ الطّريّ.

2-قالوا:جاء فيها اَلْأَخْضَرِ مفردا دون (خضر)جمعا،كما قال: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ الرّحمن:76،و رَفْرَفٍ و(الشجر) كلاهما مفرد مذكّر للجنس،فالشّجر و الشّجرة مثل التّمر و التّمرة؟

و أجابوا بأنّ(الشجر)أشدّ اجتماعا و أشبه بالواحد من رَفْرَفٍ، فروعي فيه اللّفظ.

و قال الزّمخشريّ: قرئ اَلْأَخْضَرِ على اللّفظ، و قرئ(الخضراء)على المعنى،كما قال: مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ الواقعة:52،53.

و قال أبو حيّان:«أهل الحجاز يؤنّثون الجنس المميّز بالتّاء،و أهل نجد يذّكرون ألفاظا و...».و ذكر بعضهم:أنّ التّذكير لرعاية اللّفظ،و التّأنيث لرعاية المعنى،لأنّه في معنى الأشجار.

3-و المراد ب«الشّجر»-كما صرّح به أكثرهم- شجرتا مرخ و العفار،و منهما زناد العرب.

و يظهر من بعضهم-و هو بعيد-أنّ المراد بها كلّ شجرة خضراء تخرج النّار منها إذا يبست،و إنّما وصفها ب اَلْأَخْضَرِ لبيان قدرة اللّه،حيث يخرج من الخضراء الّتي فيها الماء،النّار،الّتي هي ضدّ الماء.

و عليه فقيل:إن سأل سائل:ما حكمة وصف (الشجر)ب(الاخضر)،ما دامت النّار تنشأ من الشّجر،يابسه و أخضره؟

يقال له:يراد به التّعجيب،لأنّ في الشّجر الأخضر ماء دون اليابس منه،و الماء يطفئ النّار،فكيف تضطرم

ص: 323

النّار في الشّجر الحاوي للماء و هما ضدّان؟سبحان اللّه،ما أعجب قدرته!

و فيه حكمة أخرى،و هي أنّ الماء يحوي هواء مذابا،تتنفّس به الأحياء المائيّة كالأسماك دون الحيتان، فهو حياة للنّار إذا كان طفيفا،و موت لها إذا كان طافحا،لأنّها لا تتّقد دون الهواء.

4-جاء فيها الموصول: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ...، بدلا من الموصول قبلها اَلَّذِي أَنْشَأَها و لم يكتف بعطف الصّلة على الصّلة بأن يقول: اَلَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ... جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً يس:

97،للتّأكيد،و لتفاوتهما دلالة على القدرة،بإنشاء وجودهم أوّلا،و جعل المنفعة لهم ثانيا.فالإنشاء تكوين،و الجعل تنويع.

هذا مع الفصل بين الموصلين بقوله: وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ، تنسيقا لما قبله: وَ هِيَ رَمِيمٌ، فحسن تكرار الموصول.

5-قدّم الجارّ(من)مرّتين:في مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً، و مِنْهُ تُوقِدُونَ عن محلّها:فقدّم في الأولى على مفعول الفعل(نارا)،و في الثّانية على الفعل تُوقِدُونَ، اهتماما بما هو الأهمّ في الكلام، إضافة إلى رعاية الفاصلة في الثّانية.

6-و أريد بالآية-كما يشهد به ما قبلها:

وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ إلى ما بعدها-الإجابة عن سؤالهم، و الاحتجاج بها لقدرة اللّه تعالى على إحياء الموتى، بإعطاء النّظير،فإنّ النّار ضدّ الماء،كما أنّ الموات ضدّ الحياة،فيخرج اللّه من كلّ من الضّدّين ضدّه.

ج-و في(3)بحوث أيضا:

1-أسندت الخضرة فيها إلى الأرض دون النّبات:

فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً، لأنّها مهده و منبته،أي فتصبح الأرض خضراء ناضرة بالنّبات،كما أخبر قبله بإنزال المطر من السّماء دون السّحاب أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً، لقربه منها.و وجوده فوق الأرض كالسّماء،على أنّ فيها جمعا بين الأرض و السّماء- كما في كثير من الآيات-تعبيرا عن العالم كلّه.لاحظ أرض:«الأرض».

2-و المخضرّة:الّتي صار لونها الخضرة.و اخضرّ الشّيء مثل اصفرّ الثّمر و احمرّ،و اسودّ الأفق.

و صيغة«افعلّ»ممّا يصاغ للاتّصاف بالألوان.

3-قرئت(مخضرة)-و لم يذكرها الطّبريّ-بمعنى ذات خضرة،مثل مبقلة:ذات بقل،و مسبعة:ذات سبع.

و اختير لون الخضرة،و أريد بها الطّريّ،لأنّه ممتّع للأبصار،فيزاد به الشّكر على الجمال،إضافة إلى الشّكر على النّبات.

4-جاء فيها أَ لَمْ تَرَ...، و هو استفهام في معنى الخبر،تشديدا فيه،كأنّه قال:اللّه أنزل من السّماء ماء.

5-و جاء(تصبح)بدل«أصبحت»؟

فقال الزّمخشريّ: لنكتة،و هي بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان،كما تقول:أنعم عليّ فلان عام كذا فأروح و أغدو شاكرا له.و لو قلت:فرحت و غدوت لم يقع

ص: 324

ذلك الموقع.و قيل:لاستحضار صورة الاخضرار.

و عن عكرمة:«إنّ هذا لا يكون إلاّ بمكّة و تهامة، حيث قصد به صباح ليلة المطر،و ذلك يتأخّر في سائر البلاد».

و هذا خلاف ما قاله الزّمخشريّ.و قد حكم أبو حيّان بينهما:بأنّ(تصبح)لو كان بمعنى«تصير» لا يلزم أن يكون في وقت الصّباح،و لو كان الاخضرار متأخّرا عن إنزال المطر،فثمّ جمل محذوفة،التّقدير:

فتهتزّ و تربو فتصبح كما قال: فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ الحجّ:5،و عندنا أنّه لا دليل على شيء ممّا ذكروه.

و قد خصّ الصّباح دون سائر أوقات النّهار،إفادة للتّعجيل-كما تدلّ عليه الفاء(فتصبح)-و لأنّ رؤية الأشياء المحبوبة-كما قيل:-أوّل النّهار أبهج و أسرّ للرّائي.

6-و قد نبّه الخطيب على أنّ إنزال الماء و اخضرار الأرض امتدادا في المستقبل،إشارة إلى موضع القرآن الكريم الّذي نزّل،و ثماره لا تنقطع أبدا، و سيظلّ قائما في الحياة،يروي القلوب،و يحيي موات النّفوس،و يفيض الخير و البركة على الإنسانيّة إلى يوم الدّين،و إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها،و هو خير الوارثين.

د-و في(4)و(5): سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ بحوث أيضا:

1- خُضْرٍ جمع الخضراء،وصف ل سُنْبُلاتٍ و معناها الطّريّ أيضا مثل ما قبلها،فقد جاءت قبال «اليابسات».

2-و الآيتان حكاية رؤية الملك،و خُضْرٍ فيهما:السّنون المخاصيب،و يابِساتٍ :السّنون الجدوب،و قد عبّرت الرّؤية بهما.

3-فسّرها الواحديّ ب«قد انعقد حبّها»،و هو تفسير باللاّزم عادة غير مستفاد من نصّ الآيتين.

المحور الثّاني:الثّياب في 3 آيات(6-8):و المراد بالخضرة فيها جميعا الملوّن بها،دون الطّريّ،كما كانت في المحور الأوّل،و خُضْرٍ جمع الأخضر،مثل الأحمر و الحمر،و فيها بحوث:

1-جاء لفظ خُضْرٍ فيها جمعا ل«أخضر» و وصفا،فهو وصف ل رَفْرَفٍ في(6) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَ عَبْقَرِيٍّ حِسانٍ، أي متوسّدين على و سائد خضر اللّون.كما جاء لفظ حِسانٍ، فيها وصفا ل عَبْقَرِيٍّ فقوبل خُضْرٍ ب حِسانٍ أي أنّ اللّون الأخضر حسن،و الحسن هو اللّون الأخضر.

2-وصفت ثياب أهل الجنّة في(7 و 8)بأنّها خُضْرٍ، و هذا يؤكّد حسن هذا اللّون و جماله،بل هو أحسن الألوان و أجملها،إذ لم يستعمل غيره من الألوان في الثّياب و الرّفرف.كما لم تستعمل صفة هذا اللّون،و هي النّضرة،إلاّ في وصف وجوه أهل الجنّة و رونقها،فيقال في صفاء اللّون أخضر ناضر، أصفر فاقع،و أسود حالك،و أبيض ناصع،و أحمر قانئ.

3-فصل(خضر)عن(ثياب)بلفظ(سندس) في(7): عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ، و لم يفصل بينهما فاصل في(8) وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ، إذ تأخّر لفظ(سندس)عن الصّفة و الموصوف فيها.

ص: 325

3-فصل(خضر)عن(ثياب)بلفظ(سندس) في(7): عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ، و لم يفصل بينهما فاصل في(8) وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ، إذ تأخّر لفظ(سندس)عن الصّفة و الموصوف فيها.

و الفرق بين الاستعمالين أنّ الآية(8)فيها بيان لنوع الثّياب بواسطة(من)البيانيّة،و ليس في(7)- و هي آية من سورة مدنيّة على المشهور-لبيان ذلك، لأنّه تقدّم ذكره في(8)،و هي سورة مكّيّة،فعرف النّوع بين النّاس،فاستغني عن ذكره ثانية في المدنيّة.

لاحظ:«استبرق،و سندس،و عبقريّ»في موادّها.

ثانيا:جاءت«الخضرة»في الآيات بأربع صيغ- كما سبقت-:ثلاث منها(خضر)و(الاخضر)، و(مخضرة)-هي مفردة-جاءت مرّة،و لم تتكرّر، و واحدة(خضر)و هي جمع،كرّرت خمس مرّات، و من العجيب أنّها جميعا جاءت نكرة إلاّ واحدة و هي اَلْأَخْضَرِ و التّنكير فيها للتّعظيم و التّكثير و الاهتمام،أو للتّقليل لندرتها في مكّة،فإنّها كانت أرضا جدبا و قحطا.و هذه كلّها تقوّي أنّها جميعا مكّيّة إلاّ(المخضرّة)في(3)من سورة«الحجّ»،و(خضر) في(6 و 7)من سورتي«الرّحمن»و«الدّهر»ففيها خلاف،و هي أشبه سياقا بالمكّيّة،و عليه فيشبه أن يكون هذا اللّون في القرآن خاصّا بمكّة.لاحظ «المدخل»فصل مكّيّ السّور و مدنيّها.

ثالثا:استعملت سائر الألوان صفة للأشياء، كبياض الوجوه و اسودادها،إلاّ الصّفرة،فإنّها استعملت فيما يؤول إليه النّبات بعد اليبس و الجفاف:

ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً الزّمر:21، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً الحديد:20.

ص: 326

خ ض ع

اشارة

لفظان،مرّتان:1 مكّيّة،1 مدنيّة

في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

تخضعن 1:-1 خاضعين 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخضوع:الذّلّ و الاستخذاء.

و التّخاضع:التّذلّل و التّقاصر.

و الخضيعة:صوت بطن الفرس.

و الأخضع و الخضعاء:الرّاضيان بالذّلّ.

و الخيضعة:معركة الأبطال.و يقال:هو غبار المعركة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](1:113)

اللّيث:الخيضعة:حيث يخضع الأقران بعضهم لبعض.(الأزهريّ 1:155)

أبو عمرو الشّيبانيّ: خضع فلان لفلان،إذا خضع له.(1:227)

الخيضعة:صوت القتال.(الأزهريّ 1:155)

نحوه الفرّاء.(الجوهريّ 3:1204)

الخضع:انكباب في العنق إلى الصّدر،يقال:رجل أخضع و عنق خضعاء.

المختضع من اللّواحم:المتطامن رأسه إلى أسفل خرطومه.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(ابن فارس 2:190)

و يقال:خضع بطنه خضيعة،أي صوّت.

(ابن فارس 2:191)

الخضعة،مثال همزة،من النّخل:الّتي نبتت من النّواة،لغة بني حنيفة،و الجميع:الخضع.

(الصّغانيّ: 4:240)

أبو عبيدة :يقال لبيضة الحديد:الخيضعة، و الرّبيعة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 1:155)

الخضيعتان:لحمتان مجوّفتان في خاصرتي الفرس، يدخل فيهما الرّيح فيسمع لهما صوت إذا تزيّد في مشيه.(ابن فارس 2:192)

ص: 327

أبو زيد:الخضيعة:صوت يخرج من قنب الفرس الحصان،و هو الوقيب.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 1:155)

نحوه ثعلب.(ابن سيده 1:131)

الأصمعيّ: يقال للسّياط:خضعة،و للسّيوف:

بضعة.فالخضعة:صوت وقعها،و البضعة:قطعها اللّحم.(ابن فارس 2:192)

أبو عبيد: الخيضعة:البيضة.(الأزهريّ 1:155)

ابن الأعرابيّ: في حديث عمر:«أنّ رجلا في زمانه مرّ برجل و امرأة قد خضعا بينهما حديثا، فضرب الرّجل حتّى شجّه،فرفع إلى عمر فأهدره».

العرب تقول:«اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الخنوع و الخضوع»فالخانع:الّذي يدعو إلى السّوءة.

و الخاضع:نحوه.

الخضّع:اللّواتي قد خضعن بالقول و ملن.

و الرّجل يخاضع المرأة و هي تخاضعه،إذا خضع لها بكلام و خضعت له،فيطمع فيها.و من هذا قول اللّه عزّ و جلّ: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ الأحزاب:32.

الاختضاع:المرّ السّريع.

الخيضعة:الغبار.

[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات]

(الأزهريّ 1:154)

الأخضع:المتطامن.و منه حديث الزّبير:«أنّه كان أخضع أشعر».

وقع القوم في خيضعة،أي صخب و اختلاط.

و الخضيعة:الصّوت الّذي يسمع من بطن الدّابّة إذا عدت،و لا يدرى ما هو.و لا فعل من الخضيعة.

(ابن فارس 2:190)

و الاختضاع:سرعة سير الفرس.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 1:131)

أبو حاتم: منكب أخضع،أي متطامن.و عنق أخضع:متطامن.

عنق أخضع أي مائل.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](ابن دريد 2:228)

الخضعان:أن تخضع الإبل بأعناقها في السّير، و هو أشدّ الوضع.

و يقال:أخضعه الشّيب و خضعه.

و يقال:اختضع الفحل النّاقة،و هو أن يسانّها ثمّ يختضعها إلى الأرض بكلكله.

و يقال خضع النّجم:إذا مال للمغيب.

(ابن فارس 2:190)

شمر:و يقال للسّيوف:خضعة،و هو صوت وقعها.(الأزهريّ 1:155)

ابن أبي اليمان :و الخضوع:مصدر:خضع الرّجل الكبر،و أخضعه أيضا.(546)

الزّجّاج: باب الخاء من فعلت و أفعلت و المعنى واحد،يقال:خضعه الكبر و أخضعه خضعا و إخضاعا.

(فعلت و أفعلت:197)

كراع النّمل:الخيضعة:المعركة،لأنّ الكماة يخضع بعضها لبعض.(ابن سيده 1:131)

ابن دريد :و يقال:الخضعة و البضعة،فالخضعة:

السّياط،و البضعة:السّيوف،هكذا يقول بعض أهل

ص: 328

اللّغة.

و قال آخرون:بل الخضعة:السّيوف،و البضعة:

السّياط.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال آخرون:بل هو الخيضعة،و هو اختلاط الأصوات في الحرب.(1:302)

خضع الرّجل يخضع خضوعا،إذا ذلّ،و كلّ ذليل خاضع.و كذلك قال أبو عبيدة في قوله جلّ و عزّ:

فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ الشّعراء:4.

و قال قوم من أهل اللّغة:الخاضع:المطأطئ رأسه و عنقه للذّلّ و الاستكانة.

و الخضيعة:الصّوت الّذي يسمع من بطن الفرس إذا جرى.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخيضعة:اختلاط الأصوات في الحرب.

و خضع الرّجل و أخضع:إذا لان كلامه للمرأة، و قد نهي ذلك أن يخضع الرّجل لغير امرأته،أي يليّن كلامه.

و ظليم أخضع و نعامة خضعاء:إذا كان في عنقه تطامن،و كذلك الفرس.

و قد سمّت العرب:مخضعة.(2:228)

الأزهريّ: خضع في كلام العرب يكون لازما و واقعا،تقول:خضعته فخضع.

و يقال:خضع الرّجل رقبته فاختضعت، و خضعت.

و الأخضع من الرّجال:الّذي فيه جنأ،و قد خضع يخضع خضعا،فهو أخضع.

و خضعت أيدي الكواكب،إذا مالت لتغيب.

و خضعت الإبل،إذا جدّت في سيرها.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](1:154-156)

الصّاحب:رجل خاضع و أخضع.

و الخيضعة:المعركة،و البيضة،و الجلبة؛جميعا.

و الخضيعة:صوت بطن الفرس إذا عدا؛و قد خضع بطنه خضيعا.و صوت السّيل أيضا.

و الخضوع:المرأة الّتي لخواصرها صوت.

و خضعة السّياط:صوت وقعها.

و الخضيعتان:لحمتان مجوّفتان في بطن الفرس، يسمع الصّوت منهما.

و الخضع:قصر العنق و انثناؤه،و منه:صقر مختضع.

و اختضع الفحل النّاقة:سانّها.

و رجل خضعة:يخضع لكلّ أحد.(1:120)

الجوهريّ: الخضوع:التّطامن و التّواضع.يقال:

خضع و اختضع،و أخضعتني إليك الحاجة.

و رجل خضعة،مثال همزة،أي يخضع لكلّ أحد.

و خضع النّجم،أي مال للمغيب.

و الخضيعة:صوت بطن الدّابّة؛و لا يبنى منه فعل.

و قولهم:«سمعت للسّياط خضعة و للسّيوف بضعة»فالخضعة:وقع السّياط.و البضع:القطع.

و الأخضع:الّذي في عنقه خضوع و تطامن خلقة.

يقال:فرس أخضع بيّن الخضع،و ظليم أخضع،و قوم خضع الرّقاب،جمع:خضوع،أي خاضع.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:1204)

ابن فارس: الخاء و الضّاد و العين أصلان:

ص: 329

أحدهما:تطامن في الشّيء.

و الآخر:جنس من الصّوت.

فالأوّل الخضوع.قال الخليل :خضع خضوعا، و هو الذّلّ و الاستخذاء...

و قال غيره:خضع الرّجل،و أخضعه الفقر.

و رجل خضعة:يخضع لكلّ أحد.[ثمّ ذكر قول الشّيبانيّ و أضاف:]

قال بعض الأعراب:الخضع في الظّلمان:انثناء في أعناقها.[ثمّ نقل قول ابن الأعرابيّ،و أبي حيّان،و ابن دريد و قال:]

و أمّا الآخر فقال الخليل :الخيضعة:التفاف الصّوت في الحرب و غيرها.و يقال:هو غبار المعركة.

و هذا الّذي قيل في الغبار فليس بشيء؛لأنّه لا قياس له،إلاّ أن يكون على سبيل مجاورة.

قال قوم:الخيضعة:معركة القتال؛لأنّ الأقران يخضع فيها بعض لبعض.و قد عادت الكلمة على هذا القول إلى الباب الأوّل.[ثمّ نقل قول ابن الأعرابيّ و أضاف:]

قال الخليل :الخضيعة:ارتفاع الصّوت في الحرب و غيرها،ثمّ قيل لما يسمع من بطن الفرس:خضيعة.

قال بعضهم:الخضوع من النّساء:الّتي تسمع لخواصرها صلصلة كصوت خضيعة الفرس.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:189)

أبو هلال :الفرق بين الخشوع و الخضوع...

[راجع:«خ ش ع»]

الفرق بين الخضوع و الذّلّ:أنّ الخضوع ما ذكرناه.

[راجع:«خ ش ع»]

و الذّلّ:الانقياد كرها،و نقيضه:العزّ،و هو الإباء و الامتناع و الانقياد على كره،و فاعله ذليل.

و الذّلال:الانقياد طوعا،و فاعله ذلول.

الفرق بين الإخبات و الخضوع:أنّ المخبت هو المطمئنّ بالايمان.و قيل:هو المجتهد بالعبادة.و قيل:

الملازم للطّاعة و السّكون،و هو من أسماء الممدوح مثل المؤمن و المتّقي،و ليس كذلك الخضوع،لأنّه يكون مدحا و ذمّا.

و أصل الإخبات أن يصير إلى خبت،تقول أخبت:إذا صار إلى خبت،و هو الأرض المستوية الواسعة،كما تقول أنجد:إذا صار إلى نجد.

فالإخبات على ما يوجبه الاشتقاق هو الخضوع المستمرّ على استواء.(208)

الهرويّ: خضع لازم و متعدّ.يقال:خضعته فخضع،أي سكّنته فسكن.

و في حديث ابن الزّبير:«أنّه كان أخضع»أي كان فيه انحناءة.(2:566)

ابن سيده: خضع يخضع خضعا،و خضوعا، و اختضع:ذلّ.

و رجل خيضع و أخضع.

و خضع الرّجل و أخضع:ألان كلامه للمرأة.

و الخضع:تطامن في العنق،و دنوّ من الرّأس إلى الأرض.خضع خضعا فهو أخضع،و الأنثى:خضعاء.

و كذلك البعير و الفرس.

و منكب خاضع و أخضع:مطمئنّ.و نعام

ص: 330

خواضع:مميلة رءوسها إلى الأرض،إلى مراعيها، و كذلك الظّباء.

و خضعه الكبر يخضعه خضعا،و خضوعا، و أخضعه:حناه،و خضع هو و أخضع:انحنى.

و نبات خضع:متثنّ من النّعمة،كأنّه منحن.و هو عندي على النّسب،لأنّه لا فعل له يصلح أن يكون «خضع»محمولا عليه.

و الخضعة:السّياط،لانصبابها على من تقع به.

و قيل:الخضعة و الخضعة:السّيوف.

و الخيضعة:المعركة،و قيل:غبارها،و قيل:

اختلاط الأصوات فيها...

و الخيضعة:البيضة.فأمّا قوله:

*الضّاربون الهام تحت الخيضعة*

فقيل:أراد البيضة،و قيل:أراد التفاف الأصوات، و قيل:أراد الخضعة من السّيوف،فزاد الياء،هربا من الطّيّ.

و الخضيعة:الصّوت يسمع من بطن الدّابّة،و لا فعل لها.و قيل:هو صوت قنبه.[ثمّ ذكر قول ثعلب و أضاف:]و قيل:هو صوت الأجوف منها.

و مخضع و مخضعة:اسمان.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](1:130)

الخيضعة:طعام يتّخذ من اللّحم.

(الإفصاح 1:415)

الخيضعة:حنطة تؤخذ فتنقّى و تطيّب ثمّ تجعل في القدر و يصبّ عليها الماء فتطبخ حتّى تنضج.

(الإفصاح 1:421)

خضع.و اختضع:تطامن،و ذلّ،و انقاد، و تواضع،و سكن.

و تخضّع:تكلّف الخضوع.

و الخضعة:من يخضع لكلّ أحد.

و الخضوع:الخاضع،و الكثير الخضوع.

و الخضوع:الخشوع،أو هو قريب من الخشوع أو الخضوع:في البدن،و الخشوع:في الصّوت و البصر.

(الإفصاح 2:1262)

الرّاغب: الخضوع:الخشوع،و قد تقدّم،و رجل خضعة:كثير الخضوع.

و يقال:خضعت اللّحم،أي قطعته.

و ظليم أخضع:في عنقه تطامن.(150)

البطليوسيّ: الخضيعة،بالضّاد:الصّوت الّذي يسمع من جوف الفرس.قال الشّاعر:

كأنّ خضيعة بطن الجوا

د وعوعة الذّئب في فدفد

و كان الأصمعيّ ينكر على هذا الشّاعر،وصفه الجواد من الخيل بأنّ له خضيعة،لأنّ ذلك إنّما يسمع من أجواف الخيل الهجن.

و يجوز عندي ألاّ يكون هذا الشّاعر غالطا كما قال،و يكون سمّاه جوادا على سبيل الهزء به،كما يقال للأحمق:يا عاقل،و للجاهل:يا عالم.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

خضع بالضّاد فهو خاضع،إذا ذلّ.(205)

الزّمخشريّ: خضع للّه خضوعا و اختضع.

و رجل خضعة:يخضع لكلّ أحد.

ص: 331

و ظليم أخضع:أجنأ.

و في عنق الرّجل و البعير خضع:تطامن.

و قوم خضع:ناكسو الرّءوس.

و رجل أخضع:راض بالذّلّ.و قد خضع من الذّلّ.

و اختضع الصّقر:طأمن رأسه للانقضاض.

و اختضع الفحل النّاقة بكلكله إذا أراد الضّراب.

و سمعت للسّياط خضعه و للسّيوف بضعه أي صوت وقع و صوت قطع.

و سمعت خضيعة بطن الفرس.

و من الكناية و المجاز:خضعت الإبل في سيرها:

جدّت،و هنّ خواضع،لأنّها إذا جدّت طأمنت أعناقها.

و خضعت الشّمس و النّجوم:مالت للمغيب كما قيل:ضرعت و ضجعت.و النّجوم خواضع و ضوارع و ضواجع.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(أساس البلاغة:113)

[في حديث:]«كان الزّبير طويلا أزرق،أخضع أشعر...»

الأخضع:الّذي فيه جنأ.[انحناء]

(الفائق 1:379)

الأخضع:الّذي في عنقه الخضوع خلقة.

(الفائق 3:9)

المدينيّ: في الحديث:«خضعانا لقوله».و هو مصدر:خضع خضوعا و خضعانا،كما يقال:كفر كفورا و كفرانا،و غفر غفرانا.(1:587)

ابن الأثير: فيه:«أنّه نهى أن يخضع الرّجل لغير امرأته»أي يلين لها في القول بما يطمعها منه.و الخضوع:

الانقياد و المطاوعة.و منه قوله تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ... الأحزاب:32،و يكون لازما كهذا الحديث و متعدّيا.[ثمّ ذكر حديثا سبق عن المدينيّ«خضعانا لقوله»و أضاف:]

و يروى بالكسر كالوجدان.و يجوز أن يكون جمع:خاضع.

و في رواية:«خضّعا لقوله»جمع:خاضع.

(2:43)

الصّغانيّ: [نحو السّابقين و أضاف:]

و اخضوضع:خضع،كاعشوشب،أي أعشب.

(4:239)

الفيّوميّ: خضع لغريمه يخضع خضوعا:ذلّ و استكان،فهو خاضع.

و أخضعه الفقر:أذلّه.

و الخضوع:قريب من الخشوع،إلاّ أنّ الخشوع أكثر ما يستعمل في الصّوت،و الخضوع في الأعناق.

(1:172)

الفيروزآباديّ: خضع،كمنع،خضوعا:تطامن، و تواضع،كاختضع،و سكن و سكّن.و فلانا إلى السّوء:دعاه.و النّجم:مال للغروب.و الإبل:جدّت في سيرها.

و كهمزة:من يخضع لكلّ أحد،و نخلة تنبت من النّواة،و من يقهر أقرانه.

ص: 332

و كصبور:الخاضع،جمعه:ككتب،و المرأة الّتي لخواصرها صوت.

و كسفينة:صوت يسمع من بطن الفرس.أو لحمتان مجوّفتان يسمع الصّوت منهما.و صوت السّيل.

و الخيضعة:اختلاف الأصوات في الحرب،و الغبار، و المعركة.

و الأخضع:الرّاضي بالذّلّ،و هي خضعاء،و من في عنقه تطامن خلقة.

و خضعه الكبر،و أخضعه:جعله كذلك.

و أخضع:لان كلامه للمرأة كخاضعها.

و التّخضيع:تقطيع اللّحم.

و اختضع:خضع،كاخضوضع،و مرّ سريعا، و الفحل النّاقة:سانّها.

و سمّوا:مخضعة.(3:18)

الطّريحيّ: و في حديث وصف الأئمّة:«و خضع كلّ جبّار لفضلكم»أي ذلّ و انقاد.(4:322)

مجمع اللّغة :الخضوع:التّواضع و التّطامن.

خضع يخضع خضوعا،فهو خاضع،و هم خاضعون.

و خضع بالقول:ألان كلامه.

و نسب الخضوع إلى الأعناق،لأنّها مظهر الخضوع.(1:340)

محمّد إسماعيل إبراهيم: خضع خضوعا:مال، و انقاد،و سكن،و تواضع،فهو متواضع.

و خضع بالقول:ألان الكلام،كما يقال:خضع الكلام.(1:165)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّواضع مقارنا حالة التّسليم،و هذا مرتبة فوق التّواضع.و على هذا يفسّر اللّفظ بالذّلّ و الاستكانة،و قد يفسّر بالرّضا بالذّلّ،و بخضوع الأعناق،و بلين الكلام في المرأة أو الرّجل بالنّسبة إلى الآخر،و بمغيب النّجم،و غيرها،و الأصل ما قلناه.

فظهر الفرق بينهما و بين الخشوع و الوضيعة.

راجع«خ ش ع».

و أمّا الخضعة و الخضيعة بمعنى صوت وقع السّوط،أو الصّوت المسموع من بطن الدّابّة،أو من قنب الفرس الجواد،و أمثالها:فهي مظاهر من الخضوع و الانقياد و التّسليم ممّن يقع عليه السّوط،أو من عدو الفرس الجواد.

فالاعتبار في جميع هذه الموارد،هو إلى جهة التّواضع مع التّسليم.و يختلف هذا المفهوم باختلاف المصاديق و الموارد.(3:77)

النّصوص التّفسيريّة

خاضعين

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ. الشّعراء:4

ابن عبّاس: ذليلين.(306)

ملقين أعناقهم.(الطّبريّ 9:431)

نزلت هذه الآية فينا و في بني أميّة.سيكون لنا عليهم الدّولة،فتذلّ لنا أعناقهم بعد صعوبة،و هوان

ص: 333

بعد عزّة.(الثّعلبيّ 7:157)

مجاهد :فظلّوا خاضعة أعناقهم لها.

(الطّبريّ 9:431)

قتادة :لو شاء اللّه لنزّل عليه آية يذلّون بها، فلا يلوي أحد عنقه إلى معصية اللّه.

نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 9:431)

و نحوه الخازن.(5:93)

زيد بن عليّ عليهما السّلام:أذلاّء.(299)

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 9:431)

الإمام الصّادق عليه السّلام:تخضع رقابهم يعني بني أميّة،و هي الصّيحة من السّماء باسم صاحب الأمر.

(القمّيّ 2:118)

عيسى بن عمر: خاضِعِينَ و«خاضعة» هاهنا واحد.

مثله المبرّد.(النّحّاس 5:63)

عبد اللّه بن سنان:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فسمعت رجلا من همدان يقول له:إنّ هؤلاء العامّة يعيّروننا،و يقولون لنا:إنّكم تزعمون أنّ مناديا ينادي من السّماء باسم صاحب هذا الأمر،و كان متّكئا، فغضب و جلس،ثمّ قال:

«لا ترووه عنّي،و ارووه عن أبي،و لا حرج عليكم في ذلك،أشهد أنّي قد سمعت أبي عليه السّلام يقول:و اللّه إنّ ذلك في كتاب اللّه عزّ و جلّ لبيّن،حيث يقول: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ...، فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلاّ خضع،و ذلّت رقبته لها،فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصّوت من السّماء:ألا إنّ الحقّ في عليّ بن أبي طالب و شيعته...»(البحرانيّ 7:211)

الكسائيّ: المعنى خاضعيها.(النّحّاس 5:63)

خاضِعِينَ هو حال للضّمير المجرور،لا للأعناق.(العكبريّ 2:993)

الفرّاء: و قوله: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ و الفعل للأعناق،فيقول القائل:كيف لم يقل:خاضعة:

و في ذلك وجوه كلّها صواب؟

أوّلها:أنّ مجاهدا جعل الأعناق:الرّجال الكبراء، فكانت الأعناق هاهنا بمنزلة قولك:ظلّت رءوسهم:- رءوس القوم،و كبراؤهم-لها خاضعين للآية.

و الوجه الآخر:أن تجعل الأعناق:الطّوائف،كما تقول:رأيت النّاس إلى فلان عنقا واحدة،فتجعل الأعناق:الطّوائف و العصب.و أحبّ إليّ من هذين الوجهين في العربيّة،أنّ الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون،فجعلت الفعل أوّلا للأعناق،ثمّ جعلت خاضِعِينَ للرّجال.[ثمّ استشهد بشعر]

كما أنّك تكتفي بأن تقول:خضعت لك رقبتي؛ أ لا ترى أنّ العرب تقول:كلّ ذي عين ناظر و ناظرة إليك،لأنّ قولك:نظرت إليك عيني و نظرت إليك بمعنى واحد،فترك«كلّ»و له الفعل،و ردّ إلى العين.

فلو قلت:فظلّت أعناقهم لها خاضعة كان صوابا.و قد قال الكسائيّ:هذا بمنزلة قول الشّاعر:

ترى أرباقهم متقلّديها

إذا صدئ الحديد على الكماة

و لا يشبه هذا ذلك،لأنّ الفعل في«المتقلّدين»قد عاد بذكر الأرباق،فصلح ذلك لعودة الذّكر.و مثل

ص: 334

هذا قولك:ما زالت يدك باسطها،لأنّ الفعل منك على اليد واقع،فلا بدّ من عودة«ذكر»الّذي في أوّل الكلام.

و لو كانت:فظلّت أعناقهم لها خاضعيها،كان هذا البيت حجّة له.

فإذا أوقعت الفعل على الاسم ثمّ أضفته،فلا تكتف بفعل المضاف،إلاّ أن يوافق فعل الأوّل،كقولك:

«ما زالت يد عبد اللّه منفقا و منفقة»فهذا من الموافق، لأنّك تقول:يده منفقة و هو منفق.و لا يجوز:كانت يده باسطا،لأنّه باسط لليد و اليد مبسوطة،فالفعل مختلف،لا يكفي فعل ذا من ذا،فإن أعدت ذكر اليد صلح،فقلت:ما زالت يده باسطها.(2:276)

أبو عبيدة :خرج هذا مخرج فعل الآدميّين،و في آية أخرى: أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ يوسف:4،و في آية أخرى:

قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فصّلت:11،فخرج على تقدير فعل الآدميّين،و العرب قد تفعل ذلك.

و زعم يونس عن أبي عمرو أنّ خاضِعِينَ ليس من صفة الأعناق،و إنّما هي من صفة الكناية عن«القوم»الّتي في آخر الأعناق،فكأنّه في التّمثيل، فظلّت أعناق القوم في موضع«هم»و العرب قد تترك الخبر عن الأوّل و تجعل الخبر للآخر منهما.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:83)

الأخفش: يزعمون أنّها[الأعناق]على الجماعات،نحو:«هذا عنق من النّاس»يعنون الكثير، أو ذكّر كما يذكّر بعض المؤنّث،لمّا أضافه إلى مذكّر، فجماعات هذا«أعناق».

و يقولون:«بنات عرس»و«بنات نعش»و«بنو نعش»و قالت امرأة من العرب:«أنا امرؤ لا أحبّ الشّرّ»و ذكر لرؤبة رجل فقال:«كان أحد بنات مساجد اللّه»كأنّه جعله حصاة.[و استشهد بالشّعر 4 مرّة](2:643)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:

فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ... فقال بعضهم:معناه:فظلّ القوم الّذين أنزل عليهم من السّماء آية خاضعة أعناقهم لها من الذّلّة.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:فظلّت سادتهم و كبراؤهم للآية خاضعين،و يقول:«الأعناق»:هم الكبراء من النّاس.

و اختلف أهل العربيّة في وجه تذكير خاضِعِينَ و هو خبر عن الأعناق.[ثمّ ذكر نحو قول الأخفش و الفرّاء و قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب و أشبهها بما قال أهل التّأويل في ذلك:أن تكون الأعناق هي أعناق الرّجال،و أن يكون معنى الكلام:فظلّت أعناقهم ذليلة،للآية الّتي ينزّلها اللّه عليهم من السّماء،و أن يكون قوله: خاضِعِينَ مذكّرا،لأنّه خبر عن الهاء و الميم في«الأعناق»،فيكون ذلك نظير قول جرير:

أرى مرّ السّنين أخذن منّي

كما أخذ السّرار من الهلال

و ذلك أنّ قوله:«مرّ»لو أسقط من الكلام،لأدّى ما بقي من الكلام عنه،و لم يفسد سقوطه معنى الكلام عمّا كان به قبل سقوطه،و كذلك لو أسقطت

ص: 335

«الأعناق»من قوله: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لأدّى ما بقي من الكلام عنها،و ذلك أنّ الرّجال إذا ذلّوا،فقد ذلّت رقابهم،و إذا ذلّت رقابهم فقد ذلّوا.

فإن قيل في الكلام:فظلّوا لها خاضعين،كان الكلام غير فاسد،لسقوط الأعناق،و لا متغيّر معناه عمّا كان عليه قبل سقوطها،فصرف الخبر بالخضوع إلى أصحاب الأعناق،و إن كان قد ابتدأ بذكر الأعناق لما قد جرى به استعمال العرب في كلامهم،إذا كان الاسم المبتدأ به،و ما أضيف إليه يؤدّي الخبر كلّ واحد منهما عن الآخر.(9:431)

الزّجّاج: و قوله تعالى: فَظَلَّتْ... معناه فتظلّ أعناقهم،لأنّ الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل،تقول:إن تأتني أكرمتك،معناه أكرمك،و إن أتيتني و أحسنت،معناه و تحسن و تجمل.

و قال: خاضِعِينَ و ذكّر«الأعناق»لأنّ معنى خضوع الأعناق هو خضوع أصحاب الأعناق.لمّا لم يكن الخضوع إلاّ لخضوع الأعناق،جاز أن يعبّر عن المضاف إليه.[ثمّ استشهد بشعر،و استدلّ نحو الطّبريّ ملخّصا إلى أن قال:]

و ذكر بعضهم وجها آخر:قالوا:فظلّت أعناقهم لها خاضعين هم،و أضمر«هم»،و أنشد:

*ترى أرباقهم متقلّديها*

و هذا لا يجوز في القرآن،و هو على بدل الغلط يجوز في الشّعر،كأنّه قال:يرى أرباقهم يرى متقلّديها، كأنّه قال:يرى قوما متقلّدين أرباقهم.فلو كان على حذف«هم»لكان ممّا يجوز في الشّعر أيضا.(4:82)

السّجستانيّ: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ :جماعاتهم رؤساؤهم،كما تقول:أتاني عنق من النّاس،أي جماعة.و يقال:ظلّت أعناقهم،أضاف الأعناق إليهم، يريد الرّقاب،ثمّ جعل الخبر عنهم،لأنّ خضوعهم بخضوع الأعناق.(139)

نحوه النّقّاش.(الماورديّ 4:165)

النّحّاس: [ذكر بعض الأقوال و قال:]

قول مجاهد: أَعْناقُهُمْ :كبراؤهم معروف في اللّغة،يقال:جاءني عنق من النّاس أي رؤساؤهم، و كذلك يقال:جاءني عنق من النّاس أي جماعة.

و لهذا يقال:على فلان عتق رقبة،و لا يقال:عتق عنق، لما يقع فيه من الاشتراك.

و قول عيسى بن عمر أحسن هذه الأقوال.

و المعنى على قوله:فظلّوا لها خاضعين،فأخبر عن المضاف إليه،و جاء بالمضاف مقحما توكيدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا قول الكسائيّ فخطأ عند البصريّين و الفرّاء، و مثل هذا الحذف لا يقع في شيء من الكلام.(5:62)

الرّمّانيّ: أراد أصحاب الأعناق،فحذفه و أقام المضاف إليه مقامه.(الماورديّ 4:165)

عبد الجبّار:و ربّما قيل في قوله تعالى:

فَظَلَّتْ... كيف يصحّ هذا الجمع في الأعناق و إنّما الصّحيح أن يقال:خاضعة؟

و جوابنا:أنّ قوله: أَعْناقُهُمْ يشتمل على ذكرهم و ذكر أعناقهم،فقوله: خاضِعِينَ يرجع إليهم،و قد كان صلّى اللّه عليه و سلّم يغتمّ بأن لا يؤمنوا،فبيّن تعالى أنّ

ص: 336

ذلك موقوف على اختيارهم،و أنّه تعالى لو شاء لأنزل آية كانوا يخضعون لها،فيؤمنون لا محالة قهرا،لكن لا ينفع،إذا المراد أن يؤمنوا على وجه يستحقّون الثّواب معه.

و قد قيل:إنّ المراد بالأعناق:جملتهم،كما يقال:

جاءنا عنق من النّاس.و الأوّل أبين،و بيّن بعده أنّه و إن لم ينزل هذه الآية القاهرة فقد أنزل القرآن،فقال تعالى: وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ الشّعراء:5،فبيّن أنّه معقول كما نقوله،و أنّهم مع قيام الحجّة به يعرضون عنه،فلا عليك يا محمّد أن تغتمّ بكفرهم فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ الأنعام:5، و بيّن بقوله: أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ الشّعراء:7،أي عزيز،إنّ ذلك من الأدلّة العظام الّتي لو نظروا فيها،لعلموا أنّ ما هم عليه باطل.(295)

الثّعلبيّ: [قال نحو الفرّاء و أبي عبيدة ثمّ ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

و قيل:إنّما قال: خاضِعِينَ فعبّر بالأعناق عن جميع الأبدان،و العرب تعبّر ببعض الشّيء عن كلّه، كقوله: بِما قَدَّمَتْ يَداكَ الحجّ:10،و قوله:

أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ الإسراء:13،و نحوهما.

و قرأ ابن أبي عبلة: (فظلّت اعناقهم لها خاضعة) .

(7:156)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه:أحدها:لا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية.[ثمّ ذكر بقيّة الأقوال و قد مضت](4:165)

الطّوسيّ: و قيل في وجه جمع: خاضِعِينَ بالياء و النّون،و هو صفة«الأعناق»و الأعناق لا تعقل،و هذا الجمع يختصّ بمن يعقل،قيل فيه أربعة أقوال:

أحدهما:[فذكر نحو قول الرّمّانيّ]

الثّاني:[ذكر نحو قول السّجستانيّ]

الثّالث:أن يكون على الإقحام.قال أبو عبيدة، و المبرّد: خاضِعِينَ من صفة الهاء و الميم،في قوله:

أَعْناقُهُمْ.

فعلى هذا يكون ترك الأعناق و أخبر عن الهاء و الميم،و تقديره:فظلّوا خاضعين لها،و الأعناق مقحمة.

الرّابع:أنّها ذكرت بصفة من يعقل،لما نسب إليها ما يكون من العقلاء.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](8:6)

الواحديّ: جعل الفعل أوّلا للأعناق،ثمّ جعل خاضِعِينَ للرّجال،و ذلك أنّ الأعناق إذا خضعت فأصحابها خاضعون.(3:35)

نحوه ابن الجوزيّ.(6:116)

البغويّ: [ذكر عدّة من الأقوال الماضية و أضاف:]

و قيل:إنّما قال: خاضِعِينَ على وفاق رءوس الآي،ليكون على نسق واحد.(3:462)

نحوه الشّربينيّ.(3:3)

الميبديّ: ذكره بجمع السّلامة،لأنّ الأصحاب فيها مضمر،أي أصحاب الأعناق.[ثمّ ذكر بعض الأقوال](7:85)

ص: 337

الزّمخشريّ: فإن قلت:كيف صحّ مجيء خاضِعِينَ خبرا عن«الأعناق»؟

قلت:أصل الكلام:فظلّوا لها خاضعين،فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع،و ترك الكلام على أصله،كقوله:ذهبت أهل اليمامة،كأنّ الأهل غير مذكور.أو لمّا وصفت بالخضوع الّذي هو للعقلاء قيل: خاضِعِينَ كقوله تعالى: لِي ساجِدِينَ يوسف:4.و قيل:أعناق النّاس:رؤساؤهم و مقدّموهم شبّهوا بالأعناق كما قيل لهم:هم الرّءوس و النّواصي و الصّدور.و قال:في محفل من نواصي النّاس مشهود...

(3:104)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:119)،و أبو حيّان(7:5)، و أبو السّعود(5:31).

ابن عطيّة: و قوله تعالى: أَعْناقُهُمْ يحتمل تأويلين:

أحدهما:و هو قول مجاهد و أبي زيد و الأخفش، أي يريد جماعاتهم،يقال:جاءني عنق من النّاس أي جماعة.

و لهذا قيل:عتق رقبة،و لم يقل:عتق عنق،فرارا من الاشتراك،قاله الزّهراويّ،فعلى هذا التّأويل ليس في قوله: خاضِعِينَ موضع قول.

و التّأويل الآخر:أن يريد الأعناق الجارحة المعلمة،و ذلك أنّ خضوع العنق و الرّقبة هو علامة الذّلّة و الانقياد.

فعلى هذا التّأويل يتكلّم على قوله: خاضِعِينَ كيف جمعه جمع من يعقل،و ذلك متخرّج على نحوين من كلام العرب:

أحدهما:أنّ الإضافة إلى من يعقل أفادت حكم من يعقل،كما تفيد الإضافة إلى المؤنّث تأنيث علامة المذكّر.و هذا كثير.

و النّحو الآخر:أنّ الأعناق لمّا وصفت بفعل لا يكون إلاّ مقصودا للبشر و هو الخضوع،إذ هو فعل يتبع أمرا في النّفس،جمعها فيه جمع من يعقل،و هذا نظير قوله تعالى: أَتَيْنا طائِعِينَ فصّلت:11،و قوله:

رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ يوسف:4.

و قرأ ابن أبي عبلة: (لها خاضعة) .

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](4:225)

الطّبرسيّ: [ذكر في وجه جمع خاضِعِينَ خمسة من الوجوه و قد سبق كلّها](4:184)

ابو الفتوح :[ذكر بعض الأقوال المتقدّمة و أضاف:]

أمّا تخصيص«الأعناق»بالخضوع،لما أنّ العرب تقول:إنّ الأعناق موضع التّكبّر،و الرّأس موضع الأنفة و الحميّة.و من ثمّ سمّي المتكبّر:«صيدا».[ثمّ استشهد بشعر](14:304)

أبو البركات: و إنّما قال: خاضِعِينَ لثلاثة أوجه[ذكر وجهين منها،نحو قولي السّجستانيّ و الرّمّانيّ ثمّ قال:]

الثّالث:أن يكون الإخبار إنّما جرى على الّذين أضيف إليهم«الأعناق»لا على«الأعناق».

و هذا لا يستقيم على قول البصريّين،لأنّ الإخبار لو جرى على الهاء و الميم في أَعْناقُهُمْ، لأدّى ذلك

ص: 338

إلى أن يكون اسم الفاعل جاريا على غير من هو له، و إذا جرى اسم الفاعل على غير من هو له وجب إبراز الضّمير فيه،نحو:دعد زيد ضاربته هي،لأنّ الإخبار عن«دعد»قد جرى خبرا عن زيد،فكان ينبغي على هذا أن يكون(فظلّت اعناقهم لها خاضعين هم).

و هذا الوجه يستقيم على مذهب الكوفيّين،لأنّهم يجوّزون ألاّ يبرز الضّمير في اسم الفاعل،إذا جرى على غير من هو له.(2:211)

العكبريّ: قوله تعالى: خاضِعِينَ إنّما جمع جمع المذكّر لأربعة أوجه:

أحدها:أنّ المراد بالأعناق:عظماؤهم.

و الثّاني:أنّه أراد أصحاب أعناقهم.

و الثّالث:أنّه جمع عنق من النّاس،و هم الجماعة، و ليس المراد الرّقاب.

و الرّابع:أنّه لمّا أضاف الأعناق إلى المذكّر و كانت متّصلة بهم في الخلقة،أجرى عليها حكمهم.[ثمّ ذكر قول الكسائيّ و قال:]

و هذا بعيد في التّحقيق،لأنّ خاضِعِينَ يكون جاريا على غير فاعل(ظلت)،فيفتقر إلى إبراز ضمير الفاعل،فكان يجب أن يكون خاضعين هم.

(2:993)

ابن عربيّ: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ من العالم العلويّ،بتأييدنا لك قهرا،فتخضع أعناقهم له منقادين مسلمين مستسلمين ظاهرا،و إن لم يدخل الإيمان في قلوبهم،كما كان يوم الفتح،أي امتنع إيمانهم،لأنّه أمر قلبيّ سيظهر إسلامهم بالقهر، و الإلجاء،و الاضطرار.(2:172)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ و الأعناق لا تخضع؟[ذكر في الجواب بعض الأقوال و قد سبقت]

(مسائل الرّازيّ: 248)

القرطبيّ: [اكتفى بنقل الأقوال المتقدّمة]

(13:89)

البيضاويّ: منقادين،و أصله:فظلّوا لها خاضعين،فأقحمت الأعناق،لبيان موضوع الخضوع، و ترك الخبر على أصله.(2:153)

النّسفيّ: منقادين.(3:178)

مثله الكاشانيّ.(4:29)

النّيسابوريّ: وجه مجيء خاضِعِينَ خبرا عن«الأعناق»،إذ الأعناق تكون مقحما لبيان موضع الخضوع.و أصل الكلام:فظلّوا لها خاضعين،أي حين وصفت الأعناق بالخضوع الّذي هو للعقلاء،قيل:

خاضِعِينَ كقوله: وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ يوسف:4.(19:45)

ابن جزيّ: و إنّما جمع خاضِعِينَ جمع العقلاء، لأنّه أضاف الأعناق إلى العقلاء،و لأنّه وصفها بفعل لا يكون إلاّ من العقلاء.

و قيل:الأعناق:الرّؤساء من النّاس،شبّهوا بالأعناق كما يقال لهم:رءوس و صدور.

و قيل:هم الجماعات من النّاس،فلا يحتاج جمع خاضِعِينَ إلى تأويل.(3:83)

ص: 339

نحوه شبّر.(4:375)

السّمين:قوله: خاضِعِينَ فيه وجهان:

أحدهما:أنّه خبر عن أَعْناقُهُمْ و استشكل جمعه سلامة،لأنّه مختصّ بالعقلاء.و أجيب عنه بأوجه:

أحدها:أنّ المراد بالأعناق:الرّؤساء،كما قيل:لهم وجوه و صدور.

الثّاني:أنّه على حذف مضاف،أي فظلّ أصحاب الأعناق،ثمّ حذف و بقي الخبر على ما كان عليه قبل حذف المخبر عنه،مراعاة للمحذوف.و قد تقدّم ذلك قريبا عند قراءة (وَ قَمَراً مُنِيراً) الفرقان:61.

الثّالث:أنّه لمّا أضيفت إلى العقلاء اكتسب منهم هذا الحكم،كما يكتسب التّأنيث بالإضافة لمؤنّث في قوله:

*كما شرقت صدر القناة من الدّم*

الرّابع:أنّ الأعناق جمع عنق من النّاس،و هم الجماعة،فليس المراد الجارحة البتّة.

قلت:و هذا قريب من معنى الأوّل،إلاّ أنّ هذا القائل يطلق الأعناق على جماعة النّاس مطلقا،رؤساء كانوا أو غيرهم.

الخامس:[ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

قلت:و في التّنظير بقوله:ذهبت أهل اليمامة،نظر، لأنّ«أهل»ليس مقحما البتّة،لأنّه المقصود بالحكم، و أمّا التّأنيث،فلاكتسابه التّأنيث بالإضافة.

السّادس:أنّها عوملت معاملة العقلاء،لمّا أسند إليهم ما يكون من فعل العقلاء،كقوله: ساجِدِينَ يوسف:4،و طائِعِينَ السّجدة:11.

ثانيهما:أنّه منصوب على الحال من الضّمير في (اعناقهم)قاله الكسائيّ،و ضعّفه أبو البقاء قال:لأنّ خاضِعِينَ يكون جاريا على غير فاعل(ظلت) فيفتقر إلى إبراز ضمير الفاعل،فكان يجب أن يكون خاضعين هم.

قلت:و لم يجر خاضِعِينَ في اللّفظ و المعنى إلاّ على من هو له،و هو الضّمير في أَعْناقُهُمْ، و المسألة الّتي قالها:هي أن يجري الوصف على غير من هو له في اللّفظ دون المعنى،فكيف يلزم ما ألزمه به؟ على أنّه لو كان كذلك لم يلزم ما قاله،لأنّ الكسائيّ و الكوفيّين لا يوجبون إبراز الضّمير في هذه المسألة إذا أمن اللّبس،فهو لا يلتزم ما ألزمه به،و لو ضعّفه بمجيء الحال من المضاف إليه لكان أقرب.على أنّه لا يضعف، لأنّ المضاف جزء من المضاف إليه،كقوله: ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً الحجر:47.(5:267)

ابن كثير :أي لو نشاء لأنزلنا آية تضطرّهم إلى الإيمان قهرا،و لكن لا نفعل ذلك،لأنّا لا نريد من أحد إلاّ الإيمان الاختياريّ.و قال تعالى: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ يونس:99،و قال تعالى: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً... هود:118، فنفذ قدره،و مضت حكمته،و قامت حجّته البالغة على خلقه بإرسال الرّسل إليهم،و إنزال الكتب عليهم.(5:176)

نحوه المراغيّ(19:46)،و مغنيّة(5:487)،

ص: 340

و حجازي(19:37).

البروسويّ: [نحو ابن كثير،و الزّمخشريّ ملخّصا ثمّ قال:]

و فيه بيان أنّ الإيمان و المعرفة موهبة خاصّة، خارجة عن اكتساب الخلق في الحقيقة،فإذا حصلت الموهبة،نفع الإنذار و التّبشير،و إلاّ فلا.فليبك على نفسه من جبّل على الشّقاوة.(6:262)

الشّوكانيّ: و معنى فَظَلَّتْ أنّهم صاروا منقادين لها أي فتظلّ أعناقهم[ثمّ ذكر بعض الأقوال]

(4:119)

الآلوسيّ: منقادين،و هو خبر عن الأعناق، و قد اكتسبت التّذكير و صفة العقلاء من المضاف إليه، فأخبر عنها لذلك بجمع من يعقل،كما نقله أبو حيّان عن بعض أجلّة علماء العربيّة.

و اختصاص جواز مثل ذلك الشّعر كما حكاه السّيرافيّ عن النّحويّين،ممّا لم يرتضيه المحقّقون،و منهم أبو العبّاس،و هو ممّن خرّج الآية على ذلك،و جوّز أن يكون ذلك،لما أنّها وصفت بفعل لا يكون إلاّ مقصودا للعاقل،و هو الخضوع،كما في قوله تعالى:

رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ يوسف:4،و أن يكون الكلام على حذف مضاف.و قد روعي بعد حذفه،أي أصحاب أعناقهم.و لا يخفى أنّ هذا التّقدير ركيك مع الإضافة إلى ضميرهم.[و ذكر قول الزّمخشريّ و الاختلاف في المراد ب«الأعناق»،ثمّ قال:]

و ظاهر كلامهم أنّ إطلاق العنق على الجماعة مطلقا-رؤساء أم لا-حقيقة.و ذكر الطّيّبيّ عن «الأساس»:أنّ من المجاز:أتاني عنق من النّاس، للجماعة المتقدّمة،و جاءوا رسلا رسلا و عنقا عنقا، و الكلام يأخذ بعضه بأعناق بعض،ثمّ قال:يفهم من تقابل رسلا رسلا لقوله:عنقا عنقا،أنّ في إطلاق الأعناق على الجماعات،اعتبار الهيئة المجتمعة،فيكون المعنى:فظلّوا خاضعين مجتمعين على الخضوع متّفقين عليه،لا يخرج أحد منهم عنه.

و قرأ عيسى و ابن أبي عبلة (خاضعة) و هي ظاهرة على جميع الأقوال في الأعناق،بيد أنّه إذا أريد بها ما هو جمع العنق بمعنى الجارحة،كان الإسناد إليها مجازيّا،و(لها)في القراءتين صلة(ظلت)أو الوصف،و التّقديم للفاصلة،أو نحو ذلك لا للحصر.

(19:59)

سيّد قطب :ملوية محنيّة حتّى لكأنّ هذه هيئة لهم لا تفارقهم،فهم عليها مقيمون.[ثمّ قال نحو ابن كثير]

(5:2584)

ابن عاشور :قوله: فَظَلَّتْ من الإشارة إلى تمثيل حالهم،و مقتضى الظّاهر فظلّوا لها خاضعين بأعناقهم.

و في إجراء ضمير العقلاء في قوله: خاضِعِينَ على الأعناق،تجريد للمجاز العقليّ في إسناد خاضِعِينَ إلى(اعناقهم)،لأنّ مقتضى الجري على وتيرة المجاز أن يقال لها:خاضعة،و ذلك خضوع من توقّع لحاق العذاب النّازل.

و عن مجاهد:أنّ الأعناق هنا جمع:عنق بضمّتين:

يطلق على سيّد القوم و رئيسهم،كما يطلق عليه رأس

ص: 341

القوم و صدر القوم،أي فظلّت سادتهم،يعني الّذين أغروهم بالكفر خاضعين،فيكون الكلام تهديدا لزعمائهم الّذين زيّنوا لهم الاستمرار على الكفر،و هو تفسير ضعيف.

و عن ابن زيد و الأخفش: الأعناق:الجماعات، واحدها عنق بضمّتين جماعة النّاس،أي فظلّوا خاضعين جماعات جماعات،و هذا أضعف من سابقه.

و من بدع التّفاسير و ركيكها ما نسبه الثّعلبيّ إلى ابن عبّاس،أنّه قال:«نزلت هذه الآية فينا و في بني أميّة،فتذلّ لنا أعناقهم بعد صعوبة،و يلحقهم هوان بعد عزّة».و هذا من تحريف كلم القرآن عن مواضعه، و نحاشي ابن عبّاس رضي اللّه عنه أن يقوله،و هو الّذي دعا له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يعلّمه التّأويل.و هذا من موضوعات دعاة المسوّدة،مثل أبي مسلم الخراسانيّ،و كم لهم في الموضوعات من اختلاق، و القرآن أجلّ من أن يتعرّض لهذه السّفاسف.

(19:112)

الطّباطبائيّ: و نسب الخضوع إلى أعناقهم و هو وصفهم أنفسهم،لأنّ الخضوع أوّل ما يظهر في عنق الإنسان،حيث يطأطئ رأسه تخضّعا،فهو من المجاز العقليّ.

و المعنى إن نشأ أن ننزّل عليهم آية تخضعهم و تلجئهم إلى القبول،و تضطرّهم إلى الإيمان،ننزّل عليهم آية كذلك،فظلّوا خاضعين لها خضوعا بيّنا بانحناء أعناقهم.

و قيل:المراد بالأعناق:الجماعات،و قيل:

الرّؤساء و المقدّمون منهم.و قيل:هو على تقدير مضاف،و التّقدير:فظلّت أصحاب أعناقهم خاضعين لها.و هو أسخف الوجوه.(15:250)

خليل ياسين: س:كيف صحّ مجيء خاضِعِينَ خبرا للأعناق،و من حقّ الكلام أن يقال:خاضعة، على أنّ الأعناق لا تتّصف بالخضوع؟

ج:تارة يلاحظ المعنى،و تارة يلاحظ اللّفظ،و لو لاحظ اللّفظ لقال:خاضعة،و لكن هنا ردّ معنى خاضِعِينَ إلى المعنى،أي إلى أصحاب الأعناق.

و مثل هذه الآية،الآية:15،من سورة الأنبياء، و هي: فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ و لم يقل:خامدا،و الآية:4،من سورة يوسف: وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ و لم يقل:رأيتها ساجدا،و قد تقدّم البحث في هاتين الآيتين مفصّلا.(2:75)

عبد الكريم الخطيب :[نحو ابن كثير و أضاف:]

و خضوع الأعناق،كناية عن الذّلّة و الخضوع،لما يقع على الإنسان من شدائد و أهوال،حيث تثقل الرّأس،و يضعف العنق عن حملها،و حمل ما بها من هموم.(10:73)

المصطفويّ: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ... فيصيروا في قبال عظمة الآية و نفوذها خاضعين،أي متواضعين مع التّسليم.و لا يخفى لطف التّعبير بها في الآية الكريمة، و لا سيّما في مورد الأعناق.(3:77)

مكارم الشّيرازيّ: [نحو ابن كثير ثمّ قال:]

و من الواضح أنّ المراد بخضوع الأعناق:خضوع

ص: 342

أصحابها.فاللّغة العربيّة تذكر الرّقبة أو العنق كناية عن الإنسان،لأنّها جزء مهمّ منه،و يقال مثلا كناية عن البغاة القساة:غلاظ الرّقاب،و عن المضطهدين و الضّعفاء:الرّقاب الذّليلة.

و بالطّبع فهناك احتمالات أخر لتفسير:

(اعناقهم)،من جملتها:أنّ الأعناق تعني الرّؤساء، كما أنّ من التّفاسير أنّ الأعناق تعني طوائف من النّاس.و جميع هذه الاحتمالات ضعيفة.(11:299)

فضل اللّه : فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ إذعانا و خضوعا و انسحاقا أمامها.و لعلّ ذكر الأعناق هنا ورد على سبيل الكناية أو المجاز في التّعبير عن ذواتهم،باعتبار أنّ الخضوع أوّل ما يظهر في عنق الإنسان،حيث يطأطئ رأسه،فهم خاضعون للّه في ما يريد أن يصنع بهم أو ينزله عليهم،فإذا شاء ذلك في أيّ وقت،فلا بدّ لهم من أن يخضعوا له،و لكنّه لم يشأ ذلك من خلال حكمته و رحمته.(17:89)

تخضعن

يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً. الأحزاب 32

ابن عبّاس: فلا ترقّقن بالقول و تليّن الكلام مع الغريب.(353)

نحوه البغويّ(3:635)،و الخازن(5:212).

لا ترخصن بالقول،و لا تخضعن بالكلام.

(الطّبريّ 10:293)

مقارنة الرّجال في القول حتّى يطمع الّذي في قلبه مرض.(الشّوكانيّ 4:353)

الحسن :لا تتكلّمن بالرّفث.(الماورديّ 4:399)

السّدّيّ: أي ترقيق الكلام،إذا خاطبن الرّجال.

(385)

الكلبيّ: لا تكلّمن بما يهوي المريب.

(أبو حيّان 7:229)

الفرّاء: لا تليّن القول.(2:342)

نحوه ابن قتيبة(350)،و الثّعلبيّ(8:34)،و ابن الجوزيّ(6:379).

ابن زيد :خضع القول:ما يكره من قول النّساء للرّجال ممّا يدخل في قلوب الرّجال.

(الطّبريّ 10:293)

خضوع القول:ما يدخل في القلوب الغزل.

(ابن عطيّة 4:283)

الطّبريّ: يقول:فلا تلنّ بالقول للرّجال فيما يبتغيه أهل الفاحشة منكنّ.(10:293)

الزّجّاج: أي لا تقلن قولا يجد به منافق سبيلا إلى أن يطمع في موافقتكنّ له.(5:345)

النّحّاس: يقال:خضع في قوله:إذا لان و لم يبيّن.

و يبيّنه قوله تعالى: وَ قُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً أي بيّنا ظاهرا.(5:345)

الماورديّ: فيه ستّة أوجه:

أحدها:معناه فلا ترقّقن بالقول.

[ثمّ ذكر الثّاني و الثّالث و الرّابع و هي أقوال ابن عبّاس و الفرّاء و الحسن]

ص: 343

الخامس:هو الكلام الّذي فيه ما يهوي المريب.

السّادس:[و هو قول ابن زيد](4:398)

الطّوسيّ: أي لا تليّنّ كلامكنّ للرّجال،بل يكون جزلا قويّا،لئلاّ يطمع من في قلبه مرض.

(8:338)

الزّمخشريّ: فلا تجبن بقولكنّ خاضعا،أي ليّنا خنثا مثل كلام المريبات و المومسات.(3:260)

نحوه البيضاويّ(2:244)،و النّسفيّ(3:302)، و النّيسابوريّ(22:10)،و أبو السّعود(5:224)، و الكاشانيّ(4:186)،و شبّر(5:145)،و القاسميّ (13:4848).

القرطبيّ: في موضع جزم بالنّهي،إلاّ أنّه مبنيّ كما بني الماضي،هذا مذهب سيبويه،أي لا تلنّ القول.

أمرهنّ اللّه أن يكون قولهنّ جزلا،و كلامهنّ فصلا، و لا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللّين،كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرّجال بترخيم الصّوت و لينه،مثل كلام المريبات و المومسات.فنهاهنّ عن مثل هذا.

(14:177)

ابن جزيّ: نهى عن الكلام اللّيّن الّذي يعجب الرّجال و يميلهم إلى النّساء.(3:137)

ابن كثير :و معنى هذا أنّها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم،أي لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها.(5:451)

ابن عطيّة: معناه و لا تلن،و قد يكون الخضوع في القول في نفس الألفاظ و رخامتها و إن لم يكن المعنى مريبا،و العرب تستعمل لفظة«الخضوع»بمعنى الميل في الغزل.[ثمّ استشهد بشعر](3:382)

الطّبرسيّ: أي لا ترقّقن القول،و لا تلنّ الكلام للرّجال،و لا تخاطبن الأجانب مخاطبة تؤدّي إلى طمعهم،فتكنّ كما تفعل المرأة الّتي تظهر الرّغبة في الرّجال.(4:356)

نحوه المراغيّ(22:6)،و الطّباطبائيّ(16:309).

الفخر الرّازيّ: اللّه تعالى لمّا منعهنّ من الفاحشة و هي الفعل القبيح،منعهنّ من مقدّماتها و هي المحادثة مع الرّجال،و الانقياد في الكلام للفاسق.(25:208)

الشّربينيّ: أي إذا تكلّمتنّ بحضرة أجنبيّ (بالقول)أي بأن يكون ليّنا عذبا رخما.و الخضوع:

التّطامن و التّواضع و اللّين.(3:243)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و المرأة مندوبة إلى الغلظة في المقابلة،إذا خاطبت الأجانب،لقطع الأطماع،فإذا أتى الرّجل باب إنسان و هو غائب،فلا يجوز للمرأة أن تلين بالقول معه و ترقّق الكلام له،فإنّه يهيّج الشّهوة و يورث الطّمع، كما قال: فَيَطْمَعَ.... (7:169)

الآلوسيّ: [مثل الزّمخشريّ و قال:]

و حاصله لا تلنّ الكلام و لا ترقّقنه،و هذا-على ما قيل:-في غير مخاطبة الزّوج و نحوه،كمخاطبة الأجانب و إن كنّ محرّمات عليهم على التّأبيد.

(22:5)

ابن عاشور :فرّع على تفضيلهنّ و ترفيع قدرهنّ،إرشادهنّ إلى دقائق من الأخلاق،قد تقع

ص: 344

الغفلة عن مراعاتها لخفاء الشّعور بآثارها،و لأنّها ذرائع خفيّة نادرة تفضي إلى ما لا يليق بحرمتهنّ في نفوس بعض ممّن اشتملت عليه الأمّة،و فيها منافقوها.

و ابتدأ من ذلك بالتّحذير من هيئة الكلام،فإنّ النّاس متفاوتون في لينه،و النّساء في كلامهنّ رقّة طبيعيّة،و قد يكون لبعضهنّ من اللّطافة و لين النّفس ما إذا انضمّ إلى لينها الجبلّيّ قربت هيئته من هيئة التّدلّل،لقلّة اعتياد مثله إلاّ في تلك الحالة.فإذا بدا ذلك على بعض النّساء ظنّ بعض من يشافهها من الرّجال أنّها تتحبّب إليه،فربّما اجترأت نفسه على الطّمع في المغازلة،فبدرت منه بادرة تكون منافية لحرمة المرأة،بله أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم اللاّتي هنّ أمّهات المؤمنين.

و الخضوع:حقيقته التّذلّل،و أطلق هنا على الرّقّة،لمشابهتها التّذلّل.

و الباء في قوله:(بالقول)يجوز أن تكون للتّعدية بمنزلة همزة التّعدية،أي لا تخضعن القول،أي تجعلنه خاضعا ذليلا،أي رقيقا متفكّكا.

و موقع الباء هنا أحسن من موقع همزة التّعدية، لأنّ باء التّعدية جاءت من باء المصاحبة،على ما بيّنه المحقّقون من النّحاة:أنّ أصل قولك:ذهبت بزيد،أنّك ذهبت مصاحبا له،فأنت أذهبته معك،ثمّ تنوسي معنى المصاحبة في نحو: ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ البقرة:17، فلمّا كان التّفكيك و التّزيين للقول يتبع تفكّك القائل، أسند الخضوع إليهنّ في صورة،و أفيدت التّعدية بالباء.و يجوز أن تكون الباء بمعنى«في»،أي لا يكن منكنّ لين في القول.

و النّهي عن الخضوع بالقول إشارة إلى التّحذير ممّا هو زائد على المعتاد في كلام النّساء من الرّقّة، و ذلك ترخيم الصّوت،أي ليكن كلامكنّ جزلا.

(21:240)

المصطفويّ: أي فلا يكن لهنّ بواسطة قولهنّ و في منطقهنّ و مذاكراتهنّ حالة خضوع،و هي الوضيعة توأما بالتّسليم،بمعنى أن يكون منطقهنّ يشعر بالتّواضع و التّسليم،و الطّاعة من دون قصد.

و لا يخفى أنّ هذا النّحو من القول كإبداء الزّينة، بل هو أشدّ و آكد في تحريك التّمايلات و الطّمع،و إن لم يكن لهنّ قصد سوء.

فهذه الحالة عند مقابلة الأجنبيّ،و في لقائه محرّم و ممنوع،قاصدا أو غافلا.(3:77)

عبد الكريم الخطيب :الخضوع بالقول:مضغ الكلام و لينه تدلّلا،و هذا من المرأة أشبه بكشف العورة،و إبداء الزّينة،إذ كان الصّوت من بعض مفاتنها.و صوت المرأة إذا كان على طبيعته لا شيء فيه،و لكنّ التّصنّع هو الّذي يجعل من صوتها، داعيا يدعو إلى الرّيبة،و إثارة شهوة الرّجال،و لهذا تغزّل الشّعراء بمثل هذا الصّوت الّذي يجيء من المرأة عن دلال و صنعة.(11:705)

مكارم الشّيرازيّ: بل تكلّمن عند تحدّثكنّ بجدّ و باسلوب عاديّ،لا كالنّساء المتميّعات الشّخصيّة،اللاّئي يسعين من خلال حديثهنّ المليء بالعبارات المحرّكة للشّهوة،و الّتي قد تقترن بترخيم

ص: 345

الصّوت و أداء بعض الحركات المهيّجة،أن يدفعن ذوي الشّهوات إلى الفساد و ارتكاب المعاصي.

(13:215)

فضل اللّه :أي ترقّقن الكلام بالطّريقة الّتي تثير مشاعر الرّجال الغريزيّة،في أسلوب إيحائيّ مشبع بالإغراء في طبيعته.(18:297)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخضع،و هو تطامن في العنق و دنوّ من الرّأس إلى الأرض.يقال:خضع الرّجل يخضع خضعا،و قوم خضع الرّقاب:جمع خضوع،أي خاضع،و خضع رقبته فاختضعت و خضعت،فهو أخضع بيّن الخضع،و الأنثى خضعاء، و كذلك البعير و الفرس.يقال:فرس أخضع بيّن الخضع،و نعام خواضع:مميلات رءوسها إلى الأرض في مراعيها،و ظليم أخضع،و كذلك الظّباء.و منكب خاضع و أخضع:مطمئنّ.و الأخضع من الرّجال:

الّذي فيه جنأ،و قد خضع يخضع خضعا،فهو أخضع، و خضعه الكبر يخضعه خضعا و خضوعا و أخضعه:

حناه،و خضع هو و أخضع:انحنى.

و نبات خضع:متثنّ من النّعمة كأنّه منحن، و خضع النّجم:مال للمغيب،و هو من المجاز.

و الخضوع:التّواضع و التّطامن،تشبيها بالخضع.

يقال:خضع يخضع خضعا و خضوعا و اختضع،أي ذلّ،و رجل أخضع و امرأة خضعاء:راضيان بالذّلّ، و رجل خضعة:يخضع لكلّ أحد.

و الخضوع:لين الكلام.يقال:خضع الرّجل خضوعا و أخضع،أي ألان كلمه للمرأة،و الرّجل يخاضع المرأة و هي تخاضعه،إذا خضع لها بكلامه و خضعت له و يطمع فيها.

و الخضعة:السّياط،لانصبابها على من تقع عليه.

و الخضعة:السّيوف،أو صوت وقعها،لأنّها تخضع العدوّ و تلينه.يقال:سمعت للسّيوف خضعة و للسّياط بضعة،أي أصوات السّيوف و أصوات السّياط.

و الخيضعة:المعركة،أو اختلاط الأصوات فيها، حيث يخضع الأقران بعضهم لبعض،و هي البيضة أيضا،لأنّها من عدّة الخيضعة.

و الخضيعة:الصّوت،يسمع من بطن الدّابّة، و صوت قنب الفرس الجواد،حملا على الخيضعة،أي صوت المعركة.

و الاختضاع:المرّ السّريع،و سرعة سير الفرس و الإبل.يقال:خضعت الإبل،أي جدّت في سيرها، لأنّها إذا جدّت طامنت أعناقها.

2-و الخضوع و الخشوع واحد،فكلاهما تواضع و تطامن،إلاّ أنّ الأوّل-كما رأيت-تطامن في العنق، و الثّاني-كما تقدّم في«خ ش ع»تطامن في الصّدر،فالضّراعة و الانكسار فيه أبلغ.

و الخضوع أيضا يقع أثره على غيره.يقال:

خضعته فخضع،و ليس الخشوع كذلك،فلا يقال مثلا:خشعه،أو خشّعه،أو أخشعه،أي حمله على الخشوع،إلاّ في الكلام المولّد،كما تقدّم فيه.

ص: 346

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«المضارع»،و«اسم الفاعل»،كلّ منهما مرّة في آيتين:

1- ...فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ... الأحزاب:32

2- إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ. الشّعراء:4

يلاحظ أوّلا:أنّ الخضوع ورد مذموما مرّتين:مرّة في سورة مكّيّة بشأن المشركين في حقل العقيدة إنذارا، و مرّة بشأن نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حقل الشّريعة إنشاء، و فيه بحوث:

أ-أسند في(1)إلى نون النّسوة العائدة على لفظ النّساء المتقدّم ذكره: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ، و أسند في(2) إلى ياء الجمع العائدة على الكفّار: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ.

و لكلّ منهما صلة:

فصلة(1)لفظ بِالْقَوْلِ، و الباء فيها للإلصاق، و هو الإلصاق المجازيّ،أي تلصقن خضوعكنّ بقول يقرب من القول المذكور في الآية: فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ. و الخضوع في الأصل لا يتعدّى بالباء، غير أنّه عدّي بها هنا لتضمينه معنى الاغترار،و يقال:

اغترّ بكذا:أي خدع به.

و قال ابن عاشور نقلا عن المحقّقين من النّحاة:«إنّ باء التّعدية جاءت من باء المصاحبة...و إنّ أصل قولك:ذهبت بزيد،أنّك ذهبت مصاحبا له،فأنت أذهبته معك،ثمّ تنوسي معنى المصاحبة في نحو: ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ البقرة:17،فلمّا كان التّفكيك و التّزيين للقول يتبع تفكّك القائل،أسند الخضوع إليهنّ في صورة،و أفيدت التّعدية بالباء.

و يجوز أن يكون الباء بمعنى«في»أي لا يكن منكنّ لين في القول.

و صلة(2)لفظ(لها)،و تقدّمت على عاملها خاضِعِينَ لمجيئه رويّا و سنبحثها.

ب-ذهب فريق من المفسّرين إلى أنّ التّقوى في (1): إِنِ اتَّقَيْتُنَّ قيد لما قبله لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ أي لستنّ في الفضل و الشّرف كسائر النّساء بشرط التّقوى،و جواب الشّرط على هذا القول محذوف يعلم ممّا قبله.

و ذهب فريق آخر إلى أنّ الشّرط في هذه الآية استئناف بيانيّ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ، و جوابه: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ، فجعل التّقوى شرطا للإمساك عن الخضوع بالقول.

و لعلّ القول الأوّل هو الأظهر،لأنّه علّق فضيلة نساء النّبيّ على التّقوى،فهي ميزان الأعمال و الأقوال كما جاء ذلك في كثير من الآيات و الرّوايات.غير أنّه علّق نهيهنّ عن الخضوع على التّقوى في القول الثّاني، و المعنى:إنّكنّ تطعن هذا النّهي إن اتّقيتنّ.

ج-إن قيل:هلاّ قال في(2):«فظلّوا لها خاضعين» فيسند الخضوع إليهم،فتدخل الأعناق في هذا الإسناد أيضا؟

يقال:ذكر«الأعناق»هنا وفاقا للاستعمال،لأنّ

ص: 347

الأصل في هذه المادّة-كما تقدّم-الخضع،و هو تطامن في العنق و دنوّ من الرّأس إلى الأرض،يقال:قوم خضع الرّقاب،أي خاضعون.كما استعمل الذّلّ و الخشوع و العنوّ في الوجوه: وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ يونس:26، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ الغاشية:2، وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ طه:111 و الازدراء في العيون: وَ لا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً هود:31.

د-و بهذا يجاب عمّا طال الكلام عنه في التّفاسير إجابة للسّؤال عن وجه عدم تطابق الخبر لاسمه في فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ، حيث إنّ المناسب:

«خاضعة»بدل خاضِعِينَ -و قد قرئت(خاضعة) أيضا-و قد أجابوا عن هذا السّؤال بوجوه بعضها يرجع إلى بعض،و بعضها أولى و أصحّ من بعض.

1-ورد ذكر الأعناق على سبيل الكناية،أو المجاز في التّعبير عن ذواتهم،باعتبار أنّ الخضوع أوّل ما يظهر في عنق الإنسان حيث يطأطئ رأسه،فهم خاضعون للّه فيما يريد أن يصنع بهم أو ينزّله عليهم.

2-في تطابق الخبر للاسم تارة يلاحظ اللّفظ فيقال:«خاضعة»،و أخرى المعنى-كما هنا-فيقال:

خاضِعِينَ، أي ذوي الأعناق،كما جاء في:

فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ الأنبياء:15،بدل«خامدا»،و في:

وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ يوسف:4، بدل«رأيتها لي ساجدة».

3-المراد بالأعناق-جمع عنق و هو جماعة النّاس-الجماعات،أو الرّؤساء،و المقدّمون منهم، فإنّ«العنق»يطلق على سيّد القوم،فيكون الكلام تهديدا لزعمائهم الّذين زيّنوا لهم الاستمرار على الكفر.

4-هو على تقدير مضاف،أي«أصحاب أعناقهم»،و هذا أضعف الوجوه.

5-هذا تجريد للمجاز العقليّ في إسناد خاضِعِينَ إلى أَعْناقُهُمْ، لأنّ مقتضى الجري على وتيرة المجاز أن يقال لها:«خاضعة»،و ذلك خضوع من توقّع لحاق العذاب النّازل.

6-اعتبر في ذلك الهيئة المجتمعة،أي ظلّوا المجتمعين على الخضوع،و لو قال:«خاضعة»لفات اعتبار الهيئة المجتمعة.

7-ملوية محنيّة حتّى فكأنّ هذه هيئة لهم لا تفارقهم،فهم عليها مقيمون.و هذا معنى فَظَلَّتْ...، أي صاروا منقادين لها.

8-أصله:«فظلّوا لها خاضعين»فأقحمت «الأعناق»لبيان موضوع الخضوع،و ترك الخبر على أصله،كقوله:«ذهبت أهل اليمامة».لأنّه وصفها بفعل لا يكون إلاّ من العقلاء،و إنّما جرى الخبر عليهم لا على أعناقهم.

9-إنّ«الأعناق»لمّا أضيفت إلى العقلاء اكتسبت منهم هذا الحكم،كما اكتسب«الصّدر»التّأنيث بالإضافة لمؤنّث في:«كما شرقت صدر القناة من الدّم».

10-جعل الفعل أوّلا للأعناق،ثمّ جعل

ص: 348

خاضِعِينَ للرّجال،لأنّ الأعناق إذا خضعت فأصحابها خاضعون.

11-إنّما قال: خاضِعِينَ اعتبارا لرويّ الآيات-و هو السّبب لهذه المعضلة-.

12-هذا من قبيل:«ما زالت يد عبد اللّه منفقا و منفقة»باعتبار أنّ يده منفقة،و هو منفق.و أيضا العرب تقول:«كلّ ذي عين ناظر و ناظرة إليك،لأنّ قولك:«نظرت إليك عيني»،و«نظرت إليك»بمعنى واحد،فترك«كلّ»و ردّ الفعل إلى«العين».

13-إنّ خاضِعِينَ ليس خبرا ل(ظلت)بل هو حال من الضّمير في أَعْناقُهُمْ.

ه-قال ابن عاشور في هذه الآية:«فرّع على تفضيلهنّ و ترفيع قدرهنّ،إرشادهنّ إلى دقائق من الأخلاق-إلى أن قال:-و ابتدأ بالتّحذير من هيئة

الكلام،فإنّ النّاس متفاوتون في لينه،و النّساء في كلامهنّ رقّة طبيعيّة،و قد يكون لبعضهنّ من اللّطافة و لين النّفس ما إذا انضمّ إلى لينها الجبلّي قربت هيئته من هيئة التّدلّل،لقلّة اعتياد مثله إلاّ في تلك الحالة، فإذا بدا ذلك على بعض النّساء،ظنّ بعض من يشافهها من الرّجال أنّها تتحبّب إليه،فربّما اجترأت نفسه على الطّمع في المغازلة،فبدرت منه بادرة تكون منافية لحرمة المرأة،بله أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،اللاّتي هنّ أمّهات المؤمنين».

ثانيا:إحدى الآيتين مكّيّة إنذار للمشركين، و الأخرى مدنيّة تشريع،فكلّ منهما يناسب محلّه.

ثالثا:وردت نظائر هذه المادّة ذمّا أيضا،إلاّ «العنوّ»: وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ طه:111، و أغلب«الخفض».و منه: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ الحجر:88،و أغلب«الخشوع»أيضا، و منه: اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ المؤمنون:2.

ص: 349

ص: 350

خ ط أ

اشارة

16 لفظا،22 مرّة:15 مكّيّة،7 مدنيّة

في 13 سورة:10 مكّيّة،3 مدنيّة

الخاطئون 1:1 خطيئتى 1:1

خاطئين 3:3 خطياتهم 1:1

الخاطئين 1:1 خطياتكم 1:1

خاطئة 2:2 خطاياهم 1:1

خطأ 2:-2 خطاياكم 2:1-1

خطأ 1:1 خطايانا 2:2

خطيئة 1:-1 اخطاتم 1:-1

خطيئته 1:-1 اخطانا 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :خطئ الرّجل خطأ فهو خاطئ.

و الخطيئة:أرض يخطئها المطر و يصيب غيرها.

و أخطأ،إذا لم يصب الصّواب.

و خطايا:أصلها:خطائئ،ففرّوا بها إلى«يتامى»، و كرهوا أن يترك على إحدى الهمزتين،فيكون مثل قولك:«جائئ»،لأنّ تلك الهمزة زائدة و هي أصليّة، و وجدوا له في الأسماء الصّحيحة نظيرا،ففرّوا منها إلى ذلك،و ذهبوا به إلى«فعالى»مثل طاهر و طاهرة و طهارى،و الواحدة:خطيئة.

و الخطأ:ما لم يتعمّد و لكن يخطأ خطأ،و خطّأته تخطئة.(4:292)

سيبويه :فأمّا خطّأته فإنّما أردت:سمّيته مخطئا، كما أنّك حيث قلت:فسّقته و زنّيته،أي سمّيته بالزّنى و الفسق،كما تقول:حيّيته،أي استقبلته ب«حيّاك اللّه»،كقولك:سقّيته و رعّيته،أي قلت له:«سقاك اللّه» و«رعاك اللّه»،كما قلت له:يا فاسق.و خطّأته:قلت له:يا مخطئ،و مثل هذا لحّنته.(4:58)

ص: 351

و أمّا«فعاعل»من جئت و سؤت،فتقول فيه:

سوايا و جيايا،لأنّ«فعاعل»من بعت و قلت مهموزان،فلمّا وافقت اللاّم مهموزة لم يكن من قلب اللاّم ياء بدّ،كما قلبتها في:جاء و خطايا.(4:378)

الأمويّ: المخطئ:من أراد الصّواب،فصار إلى غيره،و الخاطئ:من تعمّد لما لا ينبغي.

(الجوهريّ 1:47)

أبو عبيدة :يقال:أخطأ و خطئ،لغتان.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال في مثل:«مع الخواطئ سهم صائب».

يضرب للّذي يكثر الخطأ و يأتي الأحيان بالصّواب.

(الأزهريّ 7:497)

أبو زيد :أخطأ خاطئة،جاء بالمصدر على لفظ «فاعلة»كالعافية و الجازية،و في التّنزيل:

وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ الحاقّة:9.(ابن سيده 5:231)

الأصمعيّ: خطئ يخطأ خطأ،و أخطأت:أردت شيئا فصرت إلى غيره،و رميت شيئا فلم أصبه،من أخطأ يخطئ إخطاء و خطأ،و الفاعل مخطئ،و مكان مخطأ.

و خطأ في الطّريق أهون من خطإ في الدّين.

و خطّأتك،إذا قلت:أخطأت،و الفاعل مخطّئ، و المفعول مخطّأ.(الحربيّ 2:721)

ابن السّكّيت: تقول:إن أخطأت فخطّئني،و إن أصبت فصوّبني،و إن أسأت فسوّئ عليّ،أي قل لي:

قد أسأت...

و يقال:لأن تخطئ في العلم أيسر من أن تخطأ في الدّين.يقال:قد خطئت،إذا أثمت،فأنا أخطأ خطأ، و أنا خاطئ.قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً الإسراء:31،و قال أيضا: إِنّا كُنّا خاطِئِينَ يوسف:97،أي آثمين.(إصلاح المنطق:293)

و تقول:خطئ عنك السّوء،أي يدفع عنك السّوء.

(إصلاح المنطق:372)

أبو الهيثم:خطئت:لما صنعه عمدا و هو الذّنب.

و أخطأت:لما صنعه خطأ غير عمد.

و الخطأ مهموز مقصور:اسم من«أخطأت خطأ و إخطاء».و خطئت خطأ بكسر الخاء،مقصور إذا أثمت.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخطيئة:الذّنب على عمد.(الأزهريّ 7:498)

ابن أبي اليمان :الخطأ:ضدّ الصّواب.(84)

الحربيّ: قوله[في الحديث]:«ما من عبد إلاّ قد أخطأ،و كلّ بني آدم خطّاء».يقال:خطئت و أخطأت.

و الخطء:الخطيئة.(2:721)

الزّجّاج: خطئت الشّيء أخطؤه خطأ و خطاء، و أخطأت أخطئ،في معنى واحد.(فعلت و أفعلت:13)

ابن دريد :الخطأ مقصور مهموز،يقال:خطئ الشّيء خطأ:ما لم يرده فأصابه،و منه قتل الخطإ، و أخطأ يخطئ إخطاء،إذا تعمّد الخطاء،فهو مخطئ، و الأوّل خاطئ.

و الخطيئة تهمز و لا تهمز.

خطئ الشّيء يخطؤه خطأ،إذا أراده فلم يصبه، و يكون أيضا خطئ الرّجل،إذا تعمّد الخطأ،فهو خاطئ يا هذا.

ص: 352

و أخطأ يخطئ إخطاء،إذا أراد الشّيء فأصاب غيره،و منه قتل الخطاء،لأنّه لم يرد قتله،و الفاعل:

مخطئ.(3:238)

و تقول:أخطأت خطأ و خطاء،و إخطاء،و الاسم:

الخطأ،مهموز مقصور.

و خطئ يخطأ،إذا تعمّد الخطأ،أو أراده فأصاب غيره،و خطئت أخطأ خطأ من الخطيئة.(3:271)

نفطويه:يقال:خطئ في دينه خطأ،إذا أثم فيه.

و منه قوله: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً الإسراء:31.

و أخطأ،إذا سلك سير خطإ عامدا أو غير عامد.

و يقال:خطئ،في معنى أخطأ.[ثمّ استشهد بشعر]

(الهرويّ 2:567)

الأزهريّ: يقال في مثل:«مع الخواطئ سهم صائب»يضرب للّذي يكثر الخطأ و يأتي الأحيان بالصّواب.(7:498)

الخطيئة و الخطء:الاسم،يقال:خطئ،إذا تعمّد، و أخطأ،إذا لم يتعمّد إخطاء و خطأ.

و الخطأ:الاسم يقوم مقام الإخطاء،و هو ضدّ الصّواب.

و فيه لغتان:القصر،و هو الجيّد،و المدّ،و هو قليل.

يقال لمن أراد شيئا ففعل غيره:أخطأ،و لمن فعل غير الصّواب:أخطأ؛و الخطأ:الاسم.(الهرويّ 2:567)

الصّاحب:خطئ الرّجل خطأ عظيما،فهو خاطئ.

و أخطأ الرّجل،إذا لم يصب الصّواب.

و الخطأ:ما لم يتعمّد.

و خطّأته تخطؤا و تخطئة.

و يقولون:إذا أخطأت فخطّئني.

و يقولون:«مع الخواطئ سهم صائب».

و الخطئة:أرض يخطئها المطر و يصيب قربها.

و بلد خطء و أودية خطء:للّذي فيه كلأ لم يرع.

و يوم خاطئ النّوء:أخطأ النّوء فيه فلم يمطر.

و في الحديث:«خطّأ اللّه نوء فلان»،إذا دعي عليه بأن لا يظفر بحاجته.

و خطئت:أثمت، إِنّا كُنّا خاطِئِينَ يوسف:

97،أي آثمين.

و خطأت القدر بزبدها،إذا ألقته عند الغليان.

و المستخطئة:الحائل من الإبل.(4:389)

الخطّابيّ: قوله:[في الحديث:]«رفع الخطأ و النّسيان عن أمّتي...».الخطأ مهموز غير ممدود، يقال:أخطأ الرّجل خطأ،إذا لم يصب الصّواب، أو جرى منه الذّنب و هو غير عامد،و خطئ خطيئة، إذا تعمّد الذّنب.قال اللّه تعالى: وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً النّساء:112.(3:231)

الجوهريّ: الخطأ:نقيض الصّواب،و قد يمدّ و قرئ بهما قوله تعالى: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً النّساء:92،تقول منه:أخطأت،و تخطّأت،بمعنى واحد.و لا تقل:أخطيت،و بعضهم يقوله.

و الخطء:الذّنب،في قوله تعالى: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً الإسراء:31،أي إثما،تقول منه:خطئ يخطأ خطأ و خطأة؛على«فعلة»،و الاسم:الخطيئة، على«فعيلة».و لك أن تشدّد الياء،لأنّ كلّ ياء ساكنة

ص: 353

قبلها كسرة،أو واو ساكنة قبلها ضمّة،و هما زائدتان للمدّ لا للإلحاق،و لا هما من نفس الكلمة،فإنّك تقلب الهمزة بعد الواو واوا،و بعد الياء ياء،و تدغم فتقول في«مقروء»:«مقروّ»،و في«خبئ»:«خبيّ» بتشديد الواو و الياء.

و قولهم:ما أخطأه!إنّما هو تعجّب من خطئ،لا من أخطأ.[إلى أن قال:]

و تقول:خطّأته تخطئة و تخطيئا،إذا قلت له:

أخطأت.يقال:إن أخطأت فخطّئني.

و تخطّأت له في المسألة،أي أخطأت.

و تخاطأه،أي أخطأه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمع الخطيئة:خطايا،و كان الأصل:خطائئ، على«فعائل»،فلمّا اجتمعت الهمزتان قلبت الثّانية ياء،لأنّ قبلها كسرة،ثمّ استثقلت.و الجمع ثقيل،و هو معتلّ مع ذلك،فقلبت الياء ألفا،ثمّ قلبت الهمزة الأولى ياء،لخفائها بين الألفين.(1:47)

ابن فارس: الخاء و الطّاء و الحرف المعتلّ و المهموز،يدلّ على تعدّي الشّيء،و الذّهاب عنه.

يقال:خطوت أخطو خطوة.

و الخطوة:ما بين الرّجلين.و الخطوة:المرّة الواحدة.

و«الخطاء»من هذا،لأنّه مجاوزة حدّ الصّواب.

يقال:أخطأ،إذا تعدّى الصّواب.و خطئ يخطأ،إذا أذنب،و هو قياس الباب،لأنّه يترك الوجه الخير.

(2:198)

أبو هلال :الفرق بين الخطإ و الخطاء:أنّ الخطأ هو أن يقصد الشّيء فيصيب غيره،و لا يطلق إلاّ في القبيح.فإذا قيّد جاز أن يكون حسنا،مثل أن يقصد القبيح فيصيب الحسن،فيقال:أخطأ ما أراد و إن لم يأت قبيحا.

و الخطاء:تعمّد الخطإ فلا يكون إلاّ قبيحا.

و المصيب مثل المخطئ إذا أطلق لم يكن إلاّ ممدوحا،و إذا قيّد جاز أن يكون مذموما،كقولك:

مصيب في رميه و إن كان رميه قبيحا،فالصّواب لا يكون إلاّ حسنا،و الإصابة تكون حسنة و قبيحة.

و الخاطئ في الدّين لا يكون إلاّ عاصيا،لأنّه قد زلّ عنه لقصده غيره.و المخطئ يخالفه،لأنّه قد زلّ عمّا قصد منه،و كذلك يكون المخطئ من طريق الاجتهاد مطيعا،لأنّه قصد الحقّ و اجتهد في إصابته.

الفرق بين الخطإ و الغلط:أنّ الغلط هو وضع الشّيء في غير موضعه،و يجوز أن يكون صوابا في نفسه،و الخطأ لا يكون صوابا على وجه،مثال ذلك:

أنّ سائلا لو سأل عن دليل حديث الأعراض،فأجيب بأنّها لا تخلو من المتعاقبات و لم يوجد قبلها،كان ذلك خطأ،لأنّ الأعراض لا يصحّ ذلك فيها.

و لو أجيب بأنّها على ضربين:منها ما يبقى و منها ما لا يبقى،كان ذلك غلطا،و لم يكن خطأ،لأنّ الأعراض هذه صفتها،إلاّ أنّك قد وضعت هذا الوصف لها في غير موضعه.

و لو كان خطأ لكان الأعراض لم تكن هذه حالها، لأنّ الخطأ ما كان الصّواب خلافه،و ليس الغلط ما يكون الصّواب خلافه،بل هو وضع الشّيء في غير

ص: 354

موضعه.

و قال بعضهم:الغلط أن يسهى عن ترتيب الشّيء و إحكامه،و الخطأ أن يسهى عن فعله،أو أن يوقعه من غير قصد له،و لكن لغيره.

الفرق بين اللّحن و الخطإ:أنّ اللّحن صرفك الكلام عن جهته،ثمّ صار اسما لازما لمخالفة الإعراب.

و الخطأ:إصابة خلاف ما يقصد،و قد يكون في القول و الفعل.

و اللّحن لا يكون إلاّ في القول.تقول:لحن في كلامه،و لا يقال:لحن في فعله،كما يقال:أخطأ في فعله،إلاّ على استعارة بعيدة.

و لحن القول ما دلّ عليه القول،و في القرآن:

وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ محمّد:30.

و قال ابن الأنباريّ: لحن القول:معنى القول و مذهبه،و اللّحن أيضا:اللّغة،يقال:هذا بلحن اليمن.

و اللّحن بالتّحريك:الفطنة،و منه قوله عليه السّلام:

«فلعلّ بعضكم ألحن بحجّته».(40)

الفرق بين الإثم و الخطيئة:أنّ الخطيئة قد تكون من غير تعمّد،و لا يكون الإثم إلاّ تعمّدا،ثمّ كثر ذلك حتّى سمّيت الذّنوب كلّها خطايا،كما سمّيت إسرافا.

و أصل الإسراف:مجاوزة الحدّ في الشّيء.(193)

الهرويّ: و قوله: بِالْخاطِئَةِ الحاقّة:9،أي بالخطإ العظيم،مصدر جاء على«فاعلة».و الخطيئة على«فعيلة»كالنّفيعة بمعنى النّفع،و العذيرة بمعنى العذر.

و في الحديث:«إنّ الدّجّال تلده أمّه و هي مقبورة، فيحملن النّساء بالخطّاءين».معناه يحملن بالكفرة و العصاة الّذين يصلحون أن يكونوا أتباعا له.يقال:

رجل خطّاء،إذا كان ملازما للخطايا غير تارك لها.

و قوله:«يحملن النّساء»من لغة الّذين يقولون:قاموا غلمانك،و قمن حواريّك.(2:568)

ابن سيده: الخطأ،و الخطاء:ضدّ الصّواب،و قد أخطأ،و في التّنزيل: وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ الأحزاب:5،عدّاه بالباء في معنى:عثرتم، أو غلطتم.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و خطّأه:نسبه إلى الخطإ.

و تخطّأ له في هذه المسألة،و تخاطأ:كلاهما أراه أنّه مخطئ فيها.الأخيرة عن الزّجّاجيّ،حكاها في كتابه المرسوم ب«الجمل».

و أخطأ الطّريق:عدل عنه.

و أخطأ الرّامي الغرض:لم يصبه.

و أخطأ نوءه،إذا طلب حاجته فلم ينجح.

و الخطأة:أرض يخطئها المطر و يصيب أخرى قربها.

و خطئ الرّجل خطأ:أذنب.

و الخطأ:ما لم يتعمّد،و الخطء:ما تعمّد.

و الخطيئة:الذّنب؛و الجمع:خطايا،نادر.و حكى الزّجّاج في جمعه:خطائئ بهمزتين.(5:230)

خطئ السّهم الهدف يخطؤه خطأ،و أخطأه و تخاطأه و تخطّأه:تجاوزه و لم يصبه،فهو سهم خطيء و خاطئ.(الإفصاح 2:1307)

الرّاغب: الخطأ:العدول عن الجهة؛و ذلك

ص: 355

أضرب:

أحدها:أن يريد غير ما تحسن إرادته فيفعله، و هذا هو الخطأ التّامّ المأخوذ به الإنسان.يقال:خطئ يخطأ،خطأ،و خطأة،قال تعالى: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً الإسراء:31،و قال: وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ يوسف:91.

و الثّاني:أن يريد ما يحسن فعله،و لكن يقع منه خلاف ما يريد،فيقال:أخطأ إخطاء فهو مخطئ، و هذا قد أصاب في الإرادة و أخطأ في الفعل،و هذا المعنيّ بقوله عليه السّلام:«رفع عن أمّتي الخطأ و النّسيان»، و بقوله:«من اجتهد فأخطأ فله أجر»، وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ النّساء:92.

و الثّالث:أن يريد ما لا يحسن فعله و يتّفق منه خلافه،فهذا مخطئ في الإرادة و مصيب في الفعل،فهو مذموم بقصده و غير محمود على فعله،و هذا المعنى هو الّذي أراده في قوله:

أردت مساءتي فأجرت مسرّتي

و قد يحسن الإنسان من حيث لا يدري

و جملة الأمر:أنّ من أراد شيئا فاتّفق منه غيره يقال:أخطأ،و إن وقع منه كما أراده يقال:أصاب.

و قد يقال:لمن فعل فعلا لا يحسن،أو أراد إرادة لا تجمل:إنّه أخطأ،و لهذا يقال:أصاب الخطأ،و أخطأ الصّواب،و أصاب الصّواب،و أخطأ الخطأ.

و هذه اللّفظة مشتركة-كما تري-متردّدة بين معان يجب لمن يتحرّى الحقائق أن يتأمّلها.

و قوله تعالى: وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ البقرة:

81،و الخطيئة و السّيّئة يتقاربان،لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصودا إليه في نفسه،بل يكون القصد سببا لتولّد ذلك الفعل منه،كمن يرمي صيدا فأصاب إنسانا،أو شرب مسكرا فجنى جناية في سكره.

و السّبب سببان:سبب محظور فعله،كشرب المسكر و ما يتولّد عنه من الخطإ غير متجاف عنه، و سبب غير محظور،كرمي الصّيد،قال تعالى: وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ الأحزاب:5،و قال تعالى: وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً النّساء:112،فالخطيئة هاهنا هي الّتي لا تكون عن قصد إلى فعله.[ثمّ ذكر الآيات:نوح:24 و 25، الشّعراء:51 و 82،العنكبوت:12]

و الجمع:الخطيئات و الخطايا.

و قوله تعالى: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ البقرة:58، فهي المقصود إليها،و الخاطئ:هو القاصد للذّنب، و على ذلك قوله: وَ لا طَعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ* لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ الحاقّة:36 37،و قد يسمّى الذّنب خاطئة في قوله تعالى: وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ الحاقّة:9،أي الذّنب العظيم،و ذلك نحو قولهم:شعر شاعر.

فأمّا ما لم يكن مقصودا فقد ذكر عليه السّلام أنّه متجاف عنه،و قوله تعالى: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ البقرة:58، فالمعنى ما تقدّم.(151)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:551)

الزّمخشريّ: أخطأ في المسألة و في الرّأي و خطئ

ص: 356

خطأ عظيما،إذا تعمّد الذّنب إِنّا كُنّا خاطِئِينَ يوسف:97.

و يقال:لأن تخطئ في العلم خير من أن تخطأ في الدّين،و قيل:هما واحد.

و في مثل:«مع الخواطئ سهم صائب».

و الغالب في الاستعمال الأوّل.

و تقول:إن أخطأت فخطّئني،و إن أسأت فسوّئ عليّ و سوّئني،و تخطّأت له بالمسألة و في المسألة،أي تصدّيت له طالبا لخطئه.

و من المجاز:لن يخطئك ما كتب لك.و ما أخطأك لم يكن ليصيبك،و ما أصابك لم يكن ليخطئك.

و أخطأ المطر الأرض:لم يصبها.و يوم خاطئ النّوء.

و خطّأ اللّه نوءك،أي لا ظفرت بحاجتك.

و تخاطأته النّبل:تجاوزته،و تخطّأته.

و ناقتك هذه من المتخطّئات الجيف،أي تمضي لقوّتها و تخلّف وراءها الّتي سقطت من الحسرى.

و استخطأت النّاقة:لم تحمل سنتها.

و خطأت القدر بزبدها عند الغليان:قذفت به.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:114)

المدينيّ: في حديث ابن عبّاس:«خطّأ اللّه نوءها» أي جعله مخطئا لها،لا يصيبها مطر.و يقال لمن طلب حاجة فلم ينجح:أخطأ نوءك.

و يروى:«خطّى»بلا همز،و يكون أصله:خطط من الخطيطة،و هي الأرض الّتي لم تمطر،فقلبت الطّاء الثّالثة حرف لين كالتّظنّي،و تقضّى البازي.

و روي بهذا المعنى«خطّ»،و ما أظنّه صحيحا، و لو يكون من خطّى اللّه عنك السّوء،أي جعله يتخطّاها فلا يمطرها.

و منه حديث عثمان:«أنّه قال لامرأة ملّكت أمرها فطلّقت زوجها:إنّ اللّه خطّأ نوءها»أي لم تنجح في فعلها،و لم تصب ما أرادت من الخلاص.(590)

ابن الأثير: فيه:«قتيل الخطإ ديته كذا و كذا» قتل الخطإ ضدّ العمد،و هو أن تقتل إنسانا بفعلك من غير أن تقصد قتله،أو لا تقصد ضربه بما قتلته به.قد تكرّر ذكر الخطإ و الخطيئة في الحديث.

يقال:خطئ في دينه خطأ،إذا أثم فيه؛و الخطء:

الذّنب و الإثم.

و أخطأ يخطئ،إذا سلك سبيل الخطإ عمدا أو سهوا.و يقال:خطئ بمعنى أخطأ أيضا.

و قيل:خطئ إذا تعمّد،و أخطأ إذا لم يتعمّد.

و يقال:لمن أراد شيئا ففعل غيره،أو فعل غير الصّواب:أخطأ.[إلى أن قال:]

و في حديث ابن عمر:«أنّهم نصبوا دجاجة يترامونها،و قد جعلوا لصاحبها كلّ خاطئة من نبلهم» أي كلّ واحدة لا تصيبها.و الخاطئة هاهنا بمعنى المخطئة.

و في حديث الكسوف:«فأخطأ بدرع حتّى أدرك بردائه»أي غلط.يقال لمن أراد شيئا ففعل غيره:

أخطأ،كما يقال لمن قصد ذلك،كأنّه في استعجاله غلط فأخذ درع بعض نسائه عوض ردائه.و يروى«خطا»، من الخطو:المشي.و الأوّل أكثر.(2:44)

عبد اللّطيف البغداديّ: تقول:أخطأ فلان،إذا

ص: 357

أتى الذّنب و لم يتعمّده؛و الاسم:الخطأ،و منه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:

«رفع عن أمّتي الخطأ و النّسيان و ما أكرهوا عليه».

فإذا تعمّد الذّنب قيل:خطئ؛و الاسم:الخطء، و منه قوله تعالى: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً الإسراء:31.(ذيل فصيح ثعلب:11)

الصّغانيّ: الخطيئة على تقدير«فعيلة»:النّبذ اليسير من كلّ شيء.يقال:على النّخلة خطيئة من رطب،و يقال:بأرض بني فلان خطيئة من وحش،أي نبذ منه،أخطأت:أمكنتها فظلّت في غير مواضعها المعتادة.

و يقال:خطئ عنك السّوء،إذا دعوا له أن يدفع عنه السّوء.(1:18)

الفيّوميّ: الخطأ مهموز بفتحتين:ضدّ الصّواب، و يقصر و يمدّ،و هو اسم من أخطأ،فهو مخطئ.

قال أبو عبيدة:خطئ خطئا من باب«علم» و أخطأ،بمعنى واحد:لمن يذنب على غير عمد.و قال غيره:خطئ في الدّين،و أخطأ في كلّ شيء،عامدا كان أو غير عامد.

و قيل:خطئ إذا تعمّد ما نهي عنه فهو خاطئ، و أخطأ،إذا أراد الصّواب فصار إلى غيره.فإن أراد غير الصّواب و فعله قيل:قصده أو تعمّده.

و الخطء:الذّنب،تسمية بالمصدر،و خطّأته بالتّثقيل:قلت له:أخطأت،أو جعلته مخطئا.

و أخطأه الحقّ،إذا بعد عنه،و أخطأه السّهم:

تجاوزه و لم يصبه.و تخفيف الرّباعيّ جائز.(1:174)

الفيروزآباديّ: الخطء و الخطأ و الخطاء:ضدّ الصّواب،و قد أخطأ إخطاء و خاطئة،و تخطّأ، و خطئ؛و أخطيت لغيّة رديئة،أو لثغة.

و الخطيئة:الذّنب أو ما تعمّد منه كالخطء بالكسر.

و الخطأ:ما لم يتعمّد؛جمعه:خطايا و خطائي.

و خطّأه تخطئة و تخطيا:قال له:أخطأت.

و خطئ يخطأ خطأ و خطأة بكسرهما.

و الخطيئة:النّبذ اليسير من كلّ شيء.

و خطئ في دينه و أخطأ:سلك سبيل خطإ عامدا أو غيره،أو الخاطئ:متعمّده.

«و مع الخواطئ سهم صائب»،يضرب لمن يكثر الخطأ و يصيب أحيانا.

و خطأت القدر بزبدها كمنع:رمت.

و تخاطأه و تخطّأه:أخطأه.

و المستخطئة:النّاقة الحائل.(1:14)

الطريحيّ: [نقل بعض أقوال اللّغويّين و أضاف:]

و تخطّيت الشّيء:تجاوزته،و لا يقال:تخطّأته.

و فيه[في الحديث:]«الرّجل يأتي جاريته و هي طامث خطأ»أي من غير تعمّد.

و في الخبر:«من احتكر فهو خاطئ»بالهمز،أي مذنب.و المحرّم منه ما يكون في الأوقات وقت الغلاء للتّجارة،و يؤخّره ليغلو،لا فيما جاء به من قريته،أو اشتراه في وقت الرّخص و أخّره،أو ابتاعه في الغلاء ليبيعه في الحال.(1:125)

مجمع اللّغة :1-الخطأ:فعل الشّرّ عن غير قصد،و هو اسم مصدر من«أخطأ».

2-خطئ يخطأ:انحرف إلى الشّرّ قصدا،فهو

ص: 358

خاطئ،و هي خاطئة،و هم خاطئون.

3-الخطء:ما تعمّد من الذّنب.

4-الخطيئة:الذّنب المقصود المتعمّد؛و جمعها:

خطيئات و خطايا.(1:341)

محمّد إسماعيل إبراهيم: خطئ:ضدّ أصاب، و بمعنى أذنب،فهو خاطئ؛و الجمع:خاطئون.

و أخطأ:قصد الصّواب،و لكن لم يوفّق إليه.

و الخطء:الذّنب أو ما تعمّد منه.

و الخطيئة:الذّنب المتعمّد؛و الجمع:خطايا و خطيئات.

و الخطأ:الذّنب الّذي لم يرتكبه مقترفه عمدا.

و الخاطئة:المراد الفعلة الخاطئة،و هي المعصية و الكفر.(1:166)

العدنانيّ: خطئ فلان،أخطأ فلان.

و يخطّئون من يقول:خطئ فلان،و يقولون:إنّ الصّواب هو:أخطأ فلان.

و الحقيقة هي أنّ الفعلين اللاّزمين خطئ و أخطأ صحيحان:أبو عبيدة«معمر بن المثنّى»،و الأصمعيّ، و مسلم بن قتيبة«في أدب الكاتب»،و أبو الهيثم «العبّاس بن محمّد»،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس، و النّهاية،و المختار،و اللّسان،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و ممّا قاله أبو عبيدة:«خطئ و أخطأ لغتان بمعنى واحد».و عثر«التّاج»حين ذكر أنّ القائل هو أبو عبيد و الصّواب هو أبو عبيدة كما قال الصّحاح،و المختار و اللّسان،و المصباح.

و هنالك اختلاف في معنى هذين الفعلين،إذ قيل:

أ-خطئ:إذا أثم.و أخطأ:إذا فاته الصّواب عمدا أو سهوا.

ب-و قال أبو عبيدة:يقال:الفعلان لمن يذنب دون قصد.

ج-و قال الأصمعيّ: خطئ في الحساب،و أخطأ في الدّين.

و قال أبو الهيثم:خطئ متعمّدا،و أخطأ غير متعمّد.

و فعله:خطئ يخطأ:

1-خطأ:قال تعالى في الآية:31،من سورة الإسراء: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً. و ممّن ذكر المصدر خطئا أيضا الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و النّهاية،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن.

2-و خطأة:الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و المتن.

3-و خطأ:العناية،و الأساس،و التّاج،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و الوسيط.

و قد عثر المعجم الوسيط حين وضع المصدر «خطئا»بدلا من المصدر«خطئا».و حين أهمل ذكر المصدر«خطأة».(193)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل الصّواب،ثمّ إنّ الخطاء إمّا في

ص: 359

الحكم،أو في العمل،أو في تعيين المصداق و الموضوع.

و الخطاء في الحكم،أي في فهمه و العلم به و تعيينه، أشدّ أثرا و آكد قبحا،فإنّه من التّقصير الّذي لا يعدّ صاحبه متعذّرا و لا يقبل عذر المقصّر.و بعده الخطاء في العمل،فإنّ العامل لازم له أن يراقب في عمله و يحسنه و يحتاط فيه حتّى يصيب.و بعده الخطاء في الموضوع و تعيينه:و هو أقلّ محذورا و ملامة.

و أمّا التّعمّد في عمل قبيح و إرادة فعل مخالف،فلا يعدّ من الخطاء،بل هو العصيان،فلا يصدق الخطاء إذا أريد الخلاف و المعصية.

و يدلّ عليه قوله تعالى: وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ الأحزاب:

5،فالخطاء في مورد العفو و الرّحمة: وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً و أمّا العصيان و التّعمّد بالخلاف،فيحتاج إلى أمور و مئونة زائدة.

و ظهر أنّ الخطيئة غير الإثم،فإنّ الإثم كما مرّ عبارة عن البطؤ و التّأخير في العمل،و يدلّ عليه التّقابل بينهما في قوله تعالى: وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:112،فالبهتان بالنّسبة إلى رمي الخطيئة، و الإثم المبين بالنّسبة إلى رمي الإثم.

و أنّها غير الذّنب أيضا،فإنّ الذّنب هو ما يقبح فعله و يتبعه الذّمّ و العقاب،و يدلّ عليه قوله تعالى:

يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنّا كُنّا خاطِئِينَ يوسف:

97، وَ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ يوسف:29،يراد من الذّنوب:ما فعلوا في حقّ يوسف و أبيهم من الظّلم و الأذى،و هكذا ما فعلت زليخا في حقّ زوجها و في حقّ يوسف من سوء النّيّة و القول.

ثمّ عبّر بالخطاء في الأعمال في جريان تلك الأحوال،اعتذارا و حملا على الخطاء و الاشتباه و الغفلة،بادّعاء أنّ تلك الأعمال لم تكن عن تعمّد على المعصية.

و أمّا التّعبير في الآية الثّانية بالجمع المذكّر،فإنّ المنظور هو الخطاء من حيث هو،من دون نظر إلى جهة التّأنيث و التّذكير،و المراد مطلق من يخطئ من رجل أو امرأة،و المعمول تغليب المذكّر في هذه الموارد.

ثمّ إنّ الغالب من الخطاء،وقوعه في جهة العمل، فإنّ تشخيص الوظيفة و العلم به في غاية الإشكال، و أغلب النّاس يخطئون من هذه الجهة،و يعملون أعمالا دون وظيفتهم،ظنّا منهم أنّهم مصيبون رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا البقرة:286، تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ يوسف:91، وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ الأعراف:161.

و قد يكون في الحكم و العمل:فيكون المؤاخذة أشدّ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ القصص:8، مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا نوح:25، وَ لا طَعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ* لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ الحاقّة:36،37،فإنّهم كانوا على خطإ في أيّام حياتهم،و في مجاري أمورهم،و في برنامج أعمالهم و أفكارهم.و لا يخفى أنّ هذا النّحو من الخطإ الكلّيّ يتضمّن أنواع الذّنوب و الآثام،و يوجب الانحراف

ص: 360

التّامّ.

و إذا استعمل من دون قرينة و على سبيل الإطلاق:فيراد هذا النّحو من الخطإ الكلّيّ في مطلق جريان الأمور بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ البقرة:81، كَلاّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ العلق:15،16.

ثمّ إنّ هذه المادّة قريبة من مادّة:خطل و ختر،لفظا و معنى.

فظهر أنّ الأصل الواحد في جميع مشتقّات هذه المادّة،هو الّذي أصّلناه.

و أمّا الفرق بين خطّأ و أخطأ:فهو من جهة الصّيغة و الهيئة،فإنّ«أفعل»يدلّ على جهة الصّدور و نسبة الفعل إلى الفاعل،كما أنّ النّظر في«فعّل»إلى جهة الوقوع.(3:79)

النّصوص التّفسيريّة

الخاطئون

وَ لا طَعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ* لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ.

الحاقّة:36،37

ابن عبّاس: المشركون.(484)

الكلبيّ: يعني من يخطأ بالشّرك.

(الواحديّ 4:348)

الطّبريّ: هم المذنبون الّذين ذنوبهم كفر باللّه.

(12:222)

الثّعلبيّ: المذنبون و هم الكافرون.(10:32)

الطّوسيّ: هم الجائرون عن طريق الحقّ عامدين.

و الفرق بين الخاطئ و المخطئ:أنّ المخطئ قد يكون من غير تعمّد لما وقع به من ترك إصابة المطلوب، و خطئ يخطأ خطأ فهو خاطئ.[ثمّ استشهد بشعر]

فهؤلاء الكفّار قد جاروا عن طريق الحقّ و ضلّوا عن الصّراط المستقيم،و تبعوا الضّلال في الدّين.

(10:107)

نحوه الطّبرسيّ.(5:348)

البغويّ: أي الكافرون.(5:149)

مثله ابن الجوزيّ.(8:354)

الزّمخشريّ: اَلْخاطِؤُنَ :الآثمون،أصحاب الخطايا.و خطئ الرّجل:إذا تعمّد الذّنب و هم المشركون،عن ابن عبّاس.

و قرئ: (الخاطيون) بإبدال الهمزة ياء، و (الخاطون) بطرحها.

و عن ابن عبّاس: ما الخاطون؟كلّنا نخطو.و روى عنه أبو الأسود الدّؤليّ:ما الخاطون؟إنّما هو الخاطئون،ما الصّابون؟إنّما هو الصّابئون.

و يجوز أن يراد:الّذين يتخطّون الحقّ إلى الباطل و يتعدّون حدود اللّه.(4:154)

نحوه القرطبيّ(18:273)،و النّسفيّ(4:289).

ابن عطيّة: الخاطئ:الّذي يفعل ضدّ الصّواب متعمّدا،و المخطئ:الّذي يفعله غير متعمّد.

و قرأ الحسن و الزّهريّ: (الخاطيون) بالياء دون الهمز،و قرأ طلحة و أبو جعفر و شيبة و نافع بخلاف

ص: 361

عنه(الخاطون)بضمّ الطّاء دون همز.(5:362)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و قال:]

و قرئ:و (الخاطون) بطرحها،و عن ابن عبّاس أنّه طعن في هذه القراءة،و قال:ما الخاطون؟كلّنا نخطو،إنّما هو الخاطئون.(30:116)

البيضاويّ: اَلْخاطِؤُنَ :أصحاب الخطايا،من خطئ الرّجل،إذا تعمّد الذّنب،لا من الخطإ المضادّ للصّواب.

و قرئ: (الخاطيون) بقلب الهمزة ياء،و (الخاطون) بطرحها.(2:501)

نحوه الشّربينيّ(4:377)،و أبو السّعود(6:297)، و الكاشانيّ(5:222)،و المشهديّ(10:602).

البروسويّ: لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ صفة غِسْلِينٍ، و التّعبير بالأكل باعتبار ذكر الطّعام،أي لا يأكل ذلك الغسلين إلاّ الآثمون أصحاب الخطايا و هم المشركون،كما روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما.

و قد جوّز أن يراد بهم:الّذين يتخطّون الحقّ إلى الباطل،و يتعدّون حدود اللّه،من خطئ الرّجل،من باب«علم»إذا تعمّد الخطأ،أي الذّنب.

فالخاطئ هو الّذي يفعل ضدّ الصّواب متعمّدا لذلك،و المخطئ هو الّذى يفعله غير متعمّد،أي يريد الصّواب فيصير إلى غيره من غير قصد،كما يقال:

المجتهد قد يخطئ و قد يصيب.

و في«عين المعاني»: اَلْخاطِؤُنَ :طريق التّوحيد.

و في«التّأويلات النّجميّة»:لا يأكله إلاّ المتجاوزون عن أعمال الرّوح و القلب،القاصدون مراضي النّفس و الهوى،متّبعون للشّهوات الجسمانيّة، و اللّذّات الحيوانيّة.(10:148)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و في رواية[عن ابن عبّاس]ما الخاطون؟كلّنا نخطو،كأنّه يريد أنّ التّخفيف هكذا ليس قياسا،و هو ملبّس مع ذلك،فلا يرتكب.و قيل:هو من خطا يخطو،فالمراد بهم:الّذين يتخطّون من الطّاعة إلى العصيان،و من الحقّ إلى الباطل،و يتعدّون حدود اللّه عزّ و جلّ،فيكون كناية عن المذنبين أيضا.

(29:51)

المراغيّ: أي الآثمون،يقال:خطئ الرّجل،إذا تعمّد الإثم و الخطأ.

لا يأكله إلاّ من مرن على اجتراح السّيّئات، و دسّى نفسه،و أحاطت به الخطايا.(29:58،60)

ابن عاشور : اَلْخاطِؤُنَ :أصحاب الخطايا، يقال:خطئ،إذا أذنب.و المعنى:لا يأكله إلاّ هو و أمثاله من الخاطئين.

و تعريف اَلْخاطِؤُنَ للدّلالة على الكمال في الوصف،أي المرتكبون أشدّ الخطء،و هو الإشراك.

[ثمّ ذكر القراءات](29:129)

عبد الكريم الخطيب :هو وصف لهذا الطّعام الجهنّميّ،إنّه طعام أصحاب الخطايا و الآثام،طعام المجرمين،لا طعام لهم إلاّ هذا الطّعام و ما أشبهه.

(15:1147)

ص: 362

مغنيّة:الّذين كانوا في الدّنيا يأكلون أقوات المستضعفين،و أعمال الكادحين.(7:408)

الطّباطبائيّ: لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ وصف ل غِسْلِينٍ، و اَلْخاطِؤُنَ :المتلبّسون بالخطيئة، و الإثم.(19:401)

مكارم الشّيرازيّ: قال بعض المفسّرين:إنّ «خاطئ»تقال:للشّخص الّذي يرتكب خطأ عمدا، أمّا«المخطئ»فتطلق على من ارتكب خطأ بصورة مطلقة،عمدا أو سهوا،و بناء على ما تقدّم فإنّ طعام أهل جهنّم خاصّ للأشخاص الّذين سلكوا درب الشّرك و الكفر و البخل و الطّغيان،تمرّد وا عصيانا و عمدا،و اختاروا طريقهم هذا بوعي تامّ،و ذلك لما مارسوه من عمل قبيح،و فعل يغضب اللّه تعالى.

(18:545)

فضل اللّه :الّذين عاشوا حياتهم في و حول الخطيئة،فعاقبهم اللّه على ذلك بهذه الطّريقة.(23:78)

خاطئين

1- قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ. يوسف:91

ابن عبّاس: مسيئين بك عاصين للّه.(202)

لمذنبين آثمين في أمرك.(الواحديّ 2:631)

السّدّيّ: (لخاطئين)فيما كنّا صنعنا بك.

(320)

الفرّاء: في معنى(ان)قولان:

أحدهما:و قد كنّا خاطئين.

الثّاني:و ما كنّا إلاّ خاطئين.(ابن الجوزيّ 4:282)

أبو عبيدة :مجازه:و إن كنّا خاطئين،و تزاد اللاّم المفتوحة للتّوكيد و التّثبيت،و خطئت و أخطأت واحد.[ثمّ استشهد بشعر](1:318)

الطّبريّ: يقول:و ما كنّا في فعلنا الّذي فعلنا بك، في تفريقنا بينك و بين أبيك و أخيك،و غير ذلك من صنيعنا الّذي صنعنا بك،إلاّ خاطئين،يعنون:مخطئين.

يقال منه:خطئ فلان يخطأ خطأ و خطأ،و أخطأ يخطئ إخطاء.[ثمّ استشهد بشعر](7:291)

الثّعلبيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

قيل لابن عبّاس:كيف قالوا:إنّا كنّا خاطئين و قد تعمّدوا لذلك؟فقال:أخطأ و الحقّ و إن تعمّدوا،و كلّ من أتى ذنبا كذلك يخطئ المنهاج الّذي عليه من الحقّ، حتّى يقع في الشّبهة و المعصية.(5:253)

الماورديّ: أي فيما صنعوا بيوسف،و فيه قولان:

أحدهما:آثمين.الثّاني:مخطئين.

و الفرق بين الخاطئ و المخطئ:أنّ الخاطئ آثم.

فإن قيل:فقد كانوا عند فعلهم ذلك به صغارا ترفع عنهم الخطايا؟

قيل:لمّا كبروا و استداموا إخفاء ما صنعوا،صاروا حينئذ خاطئين.(3:75)

الطّوسيّ: قوله: وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ اعتراف منهم بأنّهم كانوا خاطئين.

و قال قوم:إنّهم كانوا صبيانا وقت ما فعلوا بأخيهم ما فعلوا،و سمّوا أنفسهم(خاطئين)أي ابتداء فعلهم كان و هم صبيان،ثمّ بلغوا مقيمين على كتمان

ص: 363

الأمر عن أبيهم،موهمين له ما كانوا أخبروه به من شأنهم،فالإيهام معصية لا تبلغ تلك المنزلة.

و الخطيئة:إزالة الشّيء عن جهته إلى ما لا يصلح فيه،يقال:خطئ يخطأ فهو خاطئ،مثل:أثم إثما فهو آثم.و خطئ،إذا تعمّد الخطأ،و أخطأ:إذا لم يتعمّد الخطأ،كمن رمى شيئا فأصاب غير ما أراد.(6:190)

البغويّ: أي و ما كنّا في صنيعنا بك إلاّ مخطئين مذنبين.يقال:خطئ خطأ،إذا تعمّد،و أخطأ،إذا كان غير متعمّد.(2:512)

الزّمخشريّ: و إنّ شأننا و حالنا أنّا كنّا خاطئين متعمّدين للإثم،لم نتّق و لم نصبر،لا جرم أنّ اللّه أعزّك بالملك و أذلّنا بالتّمسكن بين يديك.(2:342)

مثله النّسفيّ.(2:236)

ابن عطيّة: وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ من خطئ يخطأ،و هو المتعمّد للخطا،و المخطئ من أخطأ،و هو الّذي قصد الصّواب فلم يوفّق إليه.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:277)

نحوه أبو حيّان.(5:343)

ابن الأنباريّ: اختير(خاطئين)على«مخطئين» و إن كان«أخطأ»على ألسن النّاس أكثر من«خطئ يخطأ»،لأنّ معنى خطئ يخطأ فهو خاطئ:آثم،و معنى أخطأ يخطئ،فهو مخطئ:ترك الصّواب و لم يأثم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز أن يكون آثر(خاطئين)على«مخطئين» لموافقة رءوس الآيات،لأنّ(خاطئين)أشبه بما قبلها.

(ابن الجوزيّ 4:282)

الفخر الرّازيّ: قيل:الخاطئ هو الّذي أتى بالخطيئة عمدا.و فرق بين الخاطئ و المخطئ،فلهذا الفرق يقال لمن يجتهد في الأحكام فلا يصيب:إنّه مخطئ،و لا يقال:إنّه خاطئ.

و أكثر المفسّرين على أنّ الّذي اعتذروا منه هو إقدامهم على إلقائه في الجبّ و بيعه،و تبعيده عن البيت و الأب.

قال أبو عليّ الجبّائيّ: إنّهم لم يعتذروا إليه من ذلك،لأنّ ذلك وقع منهم قبل البلوغ،فلا يكون ذنبا، فلا يعتذر منه،و إنّما اعتذروا من حيث إنّهم أخطئوا بعد ذلك،بأن لم يظهروا لأبيهم ما فعلوه،ليعلم أنّه حيّ، و أنّ الذّئب لم يأكله.

و هذا الكلام ضعيف من وجوه:

الوجه الأوّل:أنّا بيّنّا أنّه لا يجوز أن يقال:إنّهم أقدموا على تلك الأعمال في زمن الصّبا،لأنّه من البعيد في مثل يعقوب أن يبعث جمعا من الصّبيان غير البالغين،من غير أن يبعث معهم رجلا عاقلا يمنعهم عمّا لا ينبغي،و يحملهم على ما ينبغي.

الوجه الثّاني:هب أنّ الأمر على ما ذكره الجبّائيّ، إلاّ أنّا نقول:غاية ما في الباب أنّه لا يجب الاعتذار عن ذلك،إلاّ أنّه يمكن أن يقال:إنّه يحسن الاعتذار عنه، و الدّليل عليه،أنّ المذنب إذا تاب زال عقابه،ثمّ قد يعيد التّوبة و الاعتذار مرّة أخرى،فعلمنا أنّ الإنسان أيضا قد يتوب عند ما لا تكون التّوبة واجبة عليه.

(18:205)

القرطبيّ: أي مذنبين،من خطئ يخطأ،إذا أتى

ص: 364

الخطيئة،و في ضمن هذا سؤال العفو.(9:257)

البيضاويّ: و الحال أنّ شأننا أنّا كنّا مذنبين بما فعلنا معك.(1:507)

نحوه الكاشانيّ.(3:41)

أبو السّعود :لمتعمّدين للذّنب،إذ فعلنا بك ما فعلنا،و لذلك أعزّك و أذلّنا،و فيه إشعار بالتّوبة و الاستغفار.(3:426)

نحوه البروسويّ.(4:313)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

فالواو حاليّة،و(ان)مخفّفة،اسمها ضمير الشّأن، و اللاّم الّتي في خبر كان هي:المزحلقة.و(خاطئين) من خطئ،إذا تعمّد،و أمّا أخطأ:فقصد الصّواب و لم يوفّق له.

و في قولهم:هذا من الاستنزال لإحسانه عليه السّلام، و الاعتراف بما صدر منهم في حقّه،مع الإشعار بالتّوبة ما لا يخفى،و لذلك قال: لا تَثْرِيبَ... (13:50)

المراغيّ: أي و ما كنّا في صنيعنا بك و تفريقنا بينك و بين أخيك إلاّ متعمّدين للخطيئة،و لا عذر لنا فيها عند اللّه و لا عند النّاس.(13:35)

ابن عاشور :الخاطئ:فاعل الخطيئة،أي الجريمة، فنفعت فيهم الموعظة.(12:114)

الطّباطبائيّ: الخطأ:ضدّ الصّواب،و الخاطئ و المخطئ من خطأ خطأ و أخطأ إخطاء،بمعنى واحد.

و معنى الآية ظاهر،و فيها اعترافهم بالخطإ،و تفضيل اللّه يوسف عليهم.(11:237)

2- قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنّا كُنّا خاطِئِينَ.

يوسف:97

نحو ما قبلها.

3- فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ. القصص:8

ابن عبّاس خاطِئِينَ مشركين.(323)

الحسن :معنى كانُوا خاطِئِينَ ليس من الخطيئة،بل المعنى و هم لا يشعرون أنّه الّذي يذهب بملكهم.(الفخر الرّازيّ 24:228)

المبرّد: خاطئين على أنفسهم بالتقاطه.

(أبو حيّان 7:106)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّ فرعون و هامان و جنودهما كانوا بربّهم آثمين،فلذلك كان لهم موسى عدوّا و حزنا.(10:32)

الثّعلبيّ: عاصين آثمين.(7:236)

الطّوسيّ: عاصين للّه في أفعالهم.(8:132)

مثله الطّبرسيّ.(4:241)

الزّمخشريّ: كانُوا خاطِئِينَ في كلّ شيء، فليس خطؤهم في تربية عدوّهم ببدع منهم.أو كانوا مذنبين مجرمين،فعاقبهم اللّه بأن ربّى عدوّهم و من هو سبب هلاكهم على أيديهم.

و قرئ: (خاطين) تخفيف خاطِئِينَ أو خاطين الصّواب إلى الخطإ.(3:166)

نحوه النّسفيّ.(3:227)

الفخر الرّازيّ: قوله: كانُوا خاطِئِينَ ففيه

ص: 365

وجهان:

أحدهما:[قول الحسن]

و أمّا جمهور المفسّرين فقالوا:معناه كانوا خاطئين فيما كانوا عليه من الكفر و الظّلم،فعاقبهم اللّه.[ثمّ ذكر مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و بيّن تعالى أنّها التقطته ليكون قرّة عين لها و له جميعا.(24:228)

القرطبيّ: أي عاصين مشركين آثمين.(13:253)

البيضاويّ: خاطِئِينَ في كلّ شيء،فليس ببدع منهم أن قتلوا ألوفا لأجله،ثمّ أخذوه يربّونه ليكبر و يفعل بهم ما كانوا يحذرون،أو مذنبين فعاقبهم اللّه تعالى بأن ربّى عدوّهم على أيديهم.فالجملة اعتراض لتأكيد خطئهم،أو لبيان الموجب لما ابتلوا به.

و قرئ (خاطين) تخفيف خاطِئِينَ، أو خاطين الصّواب إلى الخطإ.(2:187)

نحوه الشّربينيّ(3:84)،و أبو السّعود(5:114).

النّيسابوريّ: معنى كونهم(خاطئين)هو أنّهم أخطئوا في التّدبير،حيث ربّوا عدوّهم في حجرهم، أو أنّهم أذنبوا و أجرموا،و كان عاقبة ذلك أن يجعل اللّه في تربيتهم من على يديه هلاكهم.(20:27)

أبو حيّان :الخاطئ:المتعمّد الخطأ،و المخطئ:

الّذي لا يتعمّده.و احتمل أن يكون في الكلام حذف، و هو الظّاهر،أي فكان لهم عدوّا و حزنا،أي لأنّهم كانوا خاطئين،لم يرجعوا إلى دينه،و تعمّدوا الجرائم و الكفر باللّه...

و قيل:بقتل أولاد بني إسرائيل.و قيل:في تربية عدوّهم.[إلى أن قال:]

و قرئ: (خاطين) (1)بغير همز،فاحتمل أن يكون أصله الهمز و حذفت،و هو الظّاهر.و قيل:من خطا يخطو،أي خاطين الصّواب.(7:105)

الآلوسيّ: خاطِئِينَ في كلّ ما يأتون و ما يذرون،أو من شأنهم الخطأ.فليس ببدع منهم أن قتلوا ألوفا لأجله،ثمّ أخذوه يربّونه ليكبر و يفعل بهم ما كانوا يحذرون.و روي أنّه ذبح في طلبه عليه السّلام تسعون ألف وليد.

و خاطِئِينَ على هذا من الخطإ في الرّأي.

و يجوز أن يكون من خطئ،بمعنى أذنب.و في «الأساس»يقال:خطئ خطأ،إذا تعمّد الذّنب.

و المعنى و كانوا مذنبين فعاقبهم اللّه تعالى بأن ربّى عدوّهم على أيديهم.

و الجملة على الأوّل اعتراض بين المتعاطفين، لتأكيد خطئهم المفهوم من قوله تعالى: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً فإنّه كما سمعت استعارة تهكّميّة.

و على الثّاني اعتراض لتأكيد ذنبهم المفهوم من حاصل الكلام.

و قيل:يتعيّن عليه أن تكون اعتراضا لبيان الموجب لما ابتلوا به،و يحتمل على هذا أن تكون استئنافا بيانيّا إن أريد بما ابتلوا به كونه عَدُوًّا وَ حَزَناً و هو لا ينافي الاعتراض عندهم.

و قرئ: (خاطين) .[و ذكر مثل أبي حيّان و فيه:]و.

ص: 366


1- في الأصل(خاطيين)و هو سهو.

أي خاطين الصّواب إلى ضدّه،فهو مجاز.

(20:47)

المراغيّ: أي إنّ هؤلاء كان من دأبهم الخطأ و عدم التّدبّر في العواقب،و من ثمّ قتلوا لأجله ألوفا، ثمّ أخذوه يربّونه ليكبر،و يفعل بهم ما كانوا يحذرون.

(20:39)

ابن عاشور :[ذكر معناه في اللّغة ثمّ قال:]

فأمّا محمل الآية هنا فلا يناسبه إلاّ أن يكون خاطِئِينَ من الخطيئة،ليكون الكلام تعليلا، لتكوين حزنهم منه بالإخارة.(20:19)

عبد الكريم الخطيب :يجوز أن يكون وصفهم بالخاطئين،من الخطإ و هو ضدّ الصّواب،بمعنى أنّهم كانوا في جهل و عمى،عمّا ينكشف عن هذا الأمر الّذي فعلوه بأيديهم.

و في هذا ما يكذّب ادّعاء فرعون للألوهيّة، و يكشف زيف هذا الادّعاء،فلو أنّه كان إلها ما اختار من بين المواليد كلّها هذا الوليد الّذي يكون على يديه هلاكه،و موته على تلك الميتة الشّنعاء.

و إمّا أن يكون هذا الوصف من الخطء و الخطيئة، و يكون هذا الوصف تعليلا لما أخذهم اللّه به من هذا التّدبير الّذي يوردهم موارد الهلاك.(10:313)

مغنيّة:ضالّين في جميع أعمالهم و تصرّفاتهم، و بخاصّة قتلهم ألوف الصّبيان ليتخلّصوا من موسى، فكانت النّتيجة أن خلّصوه هو من الموت،ليقضي عليهم.(6:52)

الطّباطبائيّ: خاطِئِينَ أي فيما كانوا يفعلونه في أبناء بني إسرائيل و موسى تحذّرا من انهدام ملكهم، و ذهاب سلطانهم بيدهم،إرادة لتغيير المقادير عن مجاريها،فقتلوا الجمّ الغفير من الأبناء،و لا شأن لهم في ذلك،و تركوا موسى حيث التقطوه و ربّوهم في حجورهم،و كان هو الّذى بيده انقراض دولتهم و زوال ملكهم.

و المعنى:فأصابه آل فرعون و أخذوه من اليمّ، و كان غاية ذلك أن يكون لهم عدوّا و سبب حزن.إنّ فرعون و هامان و جنودهما كانوا خاطئين في قتل الأبناء و ترك موسى،أرادوا أن يقضوا على من سيقضي عليهم،فعادوا يجتهدون في حفظه،و يجدّون في تربيته.

و بذلك يظهر أنّ تفسير بعضهم كونهم خاطِئِينَ بأنّهم كانوا مذنبين،فعاقبهم اللّه أن ربّى عدوّهم على أيديهم،ليس بسديد.(16:11)

مكارم الشّيرازيّ: كانوا خاطئين في كلّ شيء، و أيّ خطإ أعظم من أن يحيدوا عن طريق العدل و الحقّ،و أن يبنوا قواعد حكمهم على الظّلم و الجور و الشّرك!.

و أيّ خطإ أعظم من أن يذبحوا آلاف الأطفال ليقتلوا موسى عليه السّلام؟!،و لكن اللّه سبحانه أودعه في أيديهم و قال لهم:خذوا عدوّكم هذا و ربّوه ليكبر عندكم.(12:171)

فضل اللّه : خاطِئِينَ بما يعتقدونه من كفر و ضلال،و يمارسونه من ظلم و طغيان،و لذا فإنّهم يستحقّون هذه النّهايات القاسية.(17:269)

ص: 367

الخاطئين

يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ يوسف:29

ابن عبّاس: من الخائنين لزوجك.(196)

الطّبريّ: يقول:إنّك كنت من المذنبين في مراودة يوسف عن نفسه.

يقال منه:خطئ في الخطيئة يخطأ خطأ و خطأ، كما قال جلّ ثناؤه: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً الإسراء:31،و«الخطأ»في الأمر.و حكي في «الصّواب» (1)،أيضا:«الصّواب»و«الصّوب».[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل: إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ و لم يقل:«من الخاطئات»،لأنّه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النّساء،و إنّما قصد الخبر عمّن يفعل ذلك فيخطأ.

(7:195)

الثّعلبيّ: من المذنبين حين راودت شابّا عن نفسه و خنت زوجك،

فلمّا استعصم كذبت عليه.يقال:خطأ يخطأ خطأ، و خطأ،و خطا و خطاء،إذا أذنب؛و الاسم منه:

الخطيئة.قال اللّه تعالى: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً الإسراء:31.[ثمّ استشهد بشعر]

فإذا أرادوا التّعمّد قيل:خطأ (2)خطأ هنا،لأنّ الفعل بالألف،قال اللّه تعالى: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً النّساء:92،و إنّما قال: مِنَ الْخاطِئِينَ و لم يقل:الخاطئات،لأنّه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النّساء،و إنّما قصد به الخبر عمّن يفعل ذلك،و تقديره:من القوم الخاطئين.و مثله قوله:

وَ كانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ التّحريم:12،بيانه قوله:

إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ النّمل:43.(5:215)

نحوه البغويّ،(2:488)،و القرطبيّ(9:175).

الماورديّ: [نحو الطّبريّ و قال:]

و لم يقل:من الخاطئات،لتغليب المذكّر على المؤنّث.(3:29)

الطّوسيّ: الخطيئة:العدول عمّا تدعو إليه الحكمة إلى ما تزجر عنه،و يقال لصاحبه:خاطئ إذا قصد ذلك،فإذا وقع عن غير قصد،قيل:أخطأ المقصد، فهو مخطئ،و إن لم يكن صفة ذمّ.

و أصل الخطإ:العدول عن الغرض الحكميّ بقصد أو غير قصد،فإن كان بقصد قيل:خطئ يخطأ خطأ فهو خاطئ.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما قال: مِنَ الْخاطِئِينَ و لم يقل:من الخاطئات،تغليبا للمذكّر على المؤنّث إذا اختلطا، كما تقول:عبيدك و إماؤك جاءوني.(6:128)

الواحديّ: إنّك قد أثمت بمراودتك شابّا عن نفسه

ص: 368


1- قال الأصمعيّ:يقال:أصاب فلان الصّواب فاخطأ الجواب،معناه:أنّه قصد قصد الصّواب و أراده،فأخطأ مراده...(ابن منظور 1:535).
2- هكذا في الأصل.و الظّاهر خطئ خطأ،في التّعمّد..كما جاء في كتب اللّغة.

و إرادته على الزّنى.(2:609)

الزّمخشريّ: من جملة القوم المتعمّدين للذّنب.

يقال:خطئ،إذا أذنب متعمّدا،و إنّما قال: مِنَ الْخاطِئِينَ بلفظ التّذكير تغليبا للذّكور على الإناث.

(2:315)

مثله النّسفيّ(2:219)،و النّيسابوريّ(12:101) و نحوه البيضاويّ(1:493)،و أبو حيّان(5:298)، و أبو السّعود(3:385)،و الكاشانيّ(3:16)، و البروسويّ(4:243).

الطّبرسيّ: أي من المذنبين.(3:227)

مثله ابن الجوزيّ.(4:213)

الفخر الرّازيّ: نسبة لها إلى أنّها كانت كثيرة الخطإ فيما تقدّم،و هذا أحد ما يدلّ على أنّ الزّوج عرف في أوّل الأمر أنّ الذّنب للمرأة لا ليوسف،لأنّه كان يعرف منها إقدامها على ما لا ينبغي...

و يحتمل أن يقال:المراد إنّك من نسل الخاطئين، فمن ذلك النّسل سرى هذا العرق الخبيث فيك.و اللّه أعلم.(18:125)

نحوه الشّربينيّ.(2:104)

الآلوسيّ: أي من جملة القوم المتعمّدين للذّنب، أو من جنسهم.يقال:خطئ يخطأ خطأ و خطأ،إذا أذنب متعمّدا.و أخطأ،إذا أذنب من غير تعمّد.[ثمّ ذكر قول الرّاغب المتقدّم في أنّ الخطأ:العدول عن الجهة، و هو أضرب...ثمّ قال:]

و لا يخفى أنّ المعنى الّذي ذكرناه راجع إلى الضّرب الأوّل من هذه الضّروب،و الجملة المؤكّدة في موضع التّعليل للأمر،و التّذكير لتغليب الذّكور على الإناث.

و احتمال أن يقال:المراد أنّك من نسل الخاطئين، فمنهم سرى ذلك العرق الخبيث فيك،بعيد جدّا.

(12:225)

المراغيّ: إنّك كنت من زمرة المجرمين الّذين يتعمّدون ارتكاب الخطايا،و يجترحون السّيّئات، و هم مصرّون عليها.(12:136)

ابن عاشور :الخاطئ:فاعل الخطيئة،و هي الجريمة.و جعلها من زمرة الّذين خطئوا تخفيفا في مؤاخذتها،و صيغة جمع المذكّر تغليب.(12:52)

عبد الكريم الخطيب : إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ بدلا من قوله:إنّك كنت من الخاطئات، ليخفّف على نفسها وقع هذه التّهمة الّتي واجهها بها، فلا يجعل تلك الخطيئة مقصورة على بنات جنسها وحدهنّ،بل يشاركهنّ الرّجال فيها،و هو منهم، فلا عليها إذن أن تستغفر لذنبها هذا،الّذي كان النّاس من نساء و رجال معرّضين له،فإذا كنت قد أخطأت فما أكثر الخاطئين قبل الخاطئات.

و قد رأينا من قبل،كيف أنّه لم يواجهها بالتّهمة في شخصها،بل واجهها بها في بنات جنسها: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ يوسف:28.(6:1262)

مغنيّة:هذا دليل قاطع على أنّ الزّوج أيقن ببراءة يوسف،و خطيئة زوجته.

و إنّما قال: مِنَ الْخاطِئِينَ و لم يقل:«من الخاطئات»،لأنّ الخطيئة تصدر من الرّجال و النّساء،

ص: 369

و لفظ(خاطئين)يصحّ إطلاقه على الجميع من باب التّغليب،أمّا لفظ«خاطئات»فيختصّ بالإناث فقط.

(4:305)

الطّباطبائيّ: وَ اسْتَغْفِرِي... مِنَ الْخاطِئِينَ يقرّر لها الذّنب،و يأمرها أن تستغفر ربّها لذلك الذّنب، لأنّها كانت بذلك من أهل الخطيئة،و لذلك قيل: مِنَ الْخاطِئِينَ و لم يقل:من الخاطئات.(11:144)

فضل اللّه : مِنَ الْخاطِئِينَ في ما كنت تحاولينه من الوقوع في الزّنى،بطريقة الضّغط و العدوان،ممّا يجعل الخطيئة مضاعفة في الموقع الّذي تقفين فيه.

(12:192)

الخاطئة

1- وَ جاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ. الحاقّة:9

ابن عبّاس: تكلّموا بكلمة الشّرك.(483)

مجاهد :الخطايا.(الطّبريّ 12:211)

بالخطايا الّتي كانوا يفعلونها.(القرطبيّ 18:262)

ابن قتيبة :أي بالذّنوب.(483)

الطّبريّ: يعني بالخطيئة،و كانت خطيئتها:

إتيانها الذّكران في أدبارهم.(12:210)

الزّجّاج: بالخطإ العظيم.[الكذب في أمر اللّه بأنّهم كفروا و كذّبوا بالرّسل](5:215)

الثّعلبيّ: بالخطيئة و المعصية و هي الكفر.

(10:27)

نحوه البغويّ(5:145)،و القرطبيّ(18:262).

الماورديّ: الخاطئة:هي ذات الذّنوب و الخطايا.(6:78)

الطّوسيّ: أي بالأفعال الخاطئة،أو بالنّفس الخاطئة.

و قيل: بِالْخاطِئَةِ أي أخطأت الحقّ إلى الباطل و الفساد.(10:96)

الواحديّ: يعني الشّرك و الكفر،و هي مصدر كالخطإ و الخطيئة.(4:344)

الزّمخشريّ: بالخطإ،أو بالفعلة،أو الأفعال ذات الخطإ العظيم.(4:150)

مثله البيضاويّ(2:499)،و النّسفيّ(4:286)، و نحوه الفخر الرّازيّ(30:105)،و النّيسابوريّ (29:35)،و القاسميّ(16:5913).

ابن عطيّة: (الخاطئة)إمّا أن تكون صفة لمحذوف،كأنّه قال:بالفعل الخاطئة،و إمّا أن يريد المصدر،أي بالخطإ في كفرهم و عصيانهم.(5:358)

الطّبرسيّ: أي بخطيئتهم الّتي هي الشّرك و الكفر، ف(الخاطئة)مصدر كالخطإ و الخطيئة.

و قيل معناه:بالأفعال الخاطئة،أي بالنّفس الخاطئة.(5:344)

الشّربينيّ: أي بالفعلات ذات الخطإ الّذي يتخطّى منها إلى نفس الفعل القبيح،من اللّواط و الصّفع و الضّراط مع الشّرك،و غير ذلك من أنواع الفسق.

(4:370)

أبو السّعود :بالخطإ أو بالفعلة أو الأفعال ذات الخطإ الّتي من جملتها:تكذيب البعث و القيامة.

(6:294)

ص: 370

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

ف(الخاطئة)على الأوّل:مصدر كالعاقبة، و على الأخيرين:صفة لمحذوف،و البناء للنّسبة على التّجريد.و الأظهر أنّه من المجاز العقليّ،ك«شعر شاعر».(10:135)

الآلوسيّ: أي بالخطإ،على أنّه مصدر على زنة «فاعلة»أو بالفعلة أو الأفعال ذات الخطإ العظيم، على أنّ الإسناد مجازيّ،و هو حقيقة لأصحابها.

و اعتبار العظم،لأنّه لا يجعل الفعل خاطئا إلاّ إذا كان صاحبه بليغ الخطإ،و يجوز أن تكون الصّيغة للنّسبة.

(29:42)

ابن عاشور :(الخاطئة)إمّا مصدر بوزن «فاعلة»و هاؤه هاء المرّة الواحدة،فلمّا استعمل مصدرا قطع النّظر عن المرّة،كما تقدّم في قوله:

اَلْحَاقَّةُ الحاقّة:1،فهو مصدر خطئ،إذا أذنب، و الذّنب:الخطء بكسر الخاء.

و إمّا اسم فاعل خطئ،و تأنيثه بتأويل:الفعلة ذات الخطء،فهاؤه هاء تأنيث،و التّعريف فيه تعريف الجنس،على كلا الوجهين.فالمعنى جاء كلّ منهم بالذّنب المستحقّ للعقاب.(29:112)

الطّباطبائيّ: «خاطئة»:مصدر بمعنى الخطاء، و المراد بالمجيء بالخاطئة:إخطاء طريق العبوديّة.

(19:393)

مكارم الشّيرازيّ: (الخاطئة)بمعنى الخطإ، و لكليهما معنى مصدريّ،و المراد من الخطإ هنا هو الشّرك و الكفر و الظّلم و الفساد،و أنواع الذّنوب.(18:524)

فضل اللّه :حيث سلكوا الطّريق الخطإ الّذي ابتعدوا فيه عن عبوديّة اللّه،و عن الالتزام بطاعته،بعد إقامة الحجّة عليهم،من قبل الأنبياء الّذين أرسلهم اللّه إليهم.(23:70)

2- كَلاّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ. العلق:15،16

ابن عبّاس: مشركة باللّه.(515)

الطّبريّ: وصف(النّاصية)بالكذب و الخطيئة، و المعنى لصاحبها.(12:648)

الزّجّاج: تأويله:بناصية صاحبها كاذب خاطئ، كما يقال:«فلان نهاره صائم و ليله قائم»،المعنى:هو صائم في نهاره و قائم في ليله.(5:345)

نحوه الواحديّ(4:530)،و البغويّ(5:282)، و ابن عطيّة(5:503).

الماورديّ: يعني ناصية أبي جهل،كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها.(6:308)

الطّوسيّ: معناه:أنّ صاحبها كاذب في أقواله، خاطئ في أفعاله،و أضاف الفعل إليها لمّا ذكر الخبر بها.(10:382)

نحوه الطّبرسيّ(5:516)،و مكارم الشّيرازيّ (20:306).

الزّمخشريّ: وصفها[ناصية]بالكذب و الخطإ على الإسناد المجازيّ،و هما في الحقيقة لصاحبها،و فيه من الحسن و الجزالة ما ليس في قولك:ناصية كاذب

ص: 371

خاطئ.(4:272)

نحوه النّسفيّ(4:369)،و أبو حيّان(8:495).

الفخر الرّازيّ: وصف(النّاصية)بأنّها خاطئة، لأنّ صاحبها متمرّد على اللّه تعالى،قال اللّه تعالى:

لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ الحاقّة:37.

و الفرق بين الخاطئ و المخطئ:أنّ الخاطئ معاقب مؤاخذ،و المخطئ غير مؤاخذ.و وصف(النّاصية) بالخاطئة الكاذبة،كما وصف الوجوه بأنّها ناظرة في قوله تعالى: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيمة:23.(32:24)

القرطبيّ: [مثل الماورديّ ثمّ جمع بين كلام الفخر و الزّجّاج](20:126).

البيضاويّ: بدل من(النّاصية)و إنّما جاز لوصفها.و قرئت بالرّفع على«هي ناصية»و النّصب على الذّمّ،و وصفها بالكذب و الخطإ و هما لصاحبها، -على الإسناد المجازيّ-للمبالغة.(2:568)

نحوه أبو السّعود.(6:451)

الشّربينيّ: (ناصية)بدل من(النّاصية)،قال الزّمخشريّ:و جاز بدلها عن المعرفة و هي نكرة،لأنّها وصفت أي ب كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ و استقلّت بفائدة.

و اعترض عليه بأنّ هذا مذهب الكوفيّين،فإنّهم لا يجيزون إبدال نكرة من معرفة إلاّ بشرط وصفها،أو كونها بلفظ الأوّل،و مذهب البصريّين لا يشترط شيئا.

و المعنى:لنأخذنّ بناصية أبي جهل الكاذبة في قولها، الخاطئة في فعلها[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ و الزّمخشريّ](4:563)

المراغيّ: إنّها[النّاصية]لخاطئة،لأنّها طغت و تجاوزت حدّها،و عتت عن أمر ربّها.

و نسبة الكذب و الخطيئة إلى النّاصية،و الكاذب و المخطئ صاحبها،من قبل أنّها مصدر الغرور و الكبرياء.(30:204)

ابن عاشور :(خاطئة)اسم فاعل من«خطئ» من باب«علم»،إذا فعل خطيئة،أي ذنبا،و وصف النّاصية بالكاذبة و الخاطئة مجاز عقليّ.و المراد:

كاذب صاحبها،خاطئ صاحبها،أي آثم.و محسنّ هذا المجاز أنّ فيه تخييلا،بأنّ الكذب و الخطء باديان من ناصيته،فكانت النّاصية جديرة بالسّفع.

(30:397)

عبد الكريم الخطيب :قوله تعالى: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ أي هي رأس فارغة من كلّ خير، حشوها الكذب و الضّلال،و نبتها الخطيئة و الإثم، فكانت النّار أولى بها،حطبا و وقودا.(15:1630)

خطأ

1-و 2- وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا... النّساء:92

راجع:ق ت ل:«قتل».

خطأ

إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً. الإسراء:31

ابن عبّاس: ذنبا عظيما في العقوبة.(236)

أي خطيئة.

مثله مجاهد.(الطّبريّ 8:74)

ص: 372

الفرّاء:قرأ الحسن (خطاء كبيرا) بالمدّ،و قرأ أبو جعفر المدنيّ (خطأ كبيرا) قصّر و همّز،و كلّ صواب.

و كأنّ الخطأ:الإثم،و قد يكون في معنى خطأ بالقصر.كما قالوا:قتب و قتب،و حذر و حذر، و نجس و نجس.و مثله قراءة من قرأ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي و(اثرى)طه:84.(2:123)

أبو عبيدة :إثما،و هو اسم من خطأت،و إذا فتحته فهو مصدر.

و خطأت و أخطأت لغتان.زعم يونس عن أبي إسحاق قال:أصل الكلام بناؤه على«فعل»ثمّ يبنى آخره على عدد من له الفعل من المؤنّث و المذكّر،من الواحد و الاثنين و الجميع،كقولك:فعلت و فعلنا و فعلن و فعلا و فعلوا،و يزاد في أوّله ما ليس من بنائه فيزيدون الألف،كقولك:أعطيت،إنّما أصلها:

عطوت،ثمّ يقولون:معطي،فيزيدون الميم بدلا من الألف،و إنّما أصلها عاطي،و يزيدون في أوساط:

فعل،افتعل،و انفعل،و استفعل،و نحو هذا،و الأصل:

«فعل»،و إنّما أعادوا هذه الزّوائد إلى الأصل،فمن ذلك في القرآن: وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ الحجر:

22،و إنّما يريد الرّيح ملقحة،فأعادوه إلى الأصل.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:376)

الطّبريّ: و أمّا قوله: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً فإنّ القرّاء اختلفت في قراءته:

فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة و العراق إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً بكسر الخاء من«الخطء»و سكون الطّاء،و إذا قرئ ذلك كذلك،كان له وجهان من التّأويل:

أحدهما:أن يكون اسما من قول القائل:خطئت فأنا أخطأ،بمعنى أذنبت و أثمت.و يحكى عن العرب:

خطئت،إذا أذنبت عمدا،و أخطأت،إذا وقع منك الذّنب خطأ على غير عمد منك له.

و الثّاني:أن يكون بمعنى«خطأ»بفتح الخاء و الطّاء،ثمّ كسرت الخاء و سكّنت الطّاء،كما قيل:

قتب و قتب،و حذر و حذر،و نجس و نجس.

و الخطء بالكسر:اسم،و الخطأ بفتح الخاء و الطّاء:مصدر،من قولهم:خطئ الرّجل.و قد يكون اسما من قولهم:أخطأ؛فأمّا المصدر منه فالإخطاء.

و قد قيل:خطئ،بمعنى أخطأ.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ بعض قرّاء أهل المدينة (انّ قتلهم كان خطأ) بفتح الخاء و الطّاء مقصورا،على توجيهه إلى أنّه اسم، من قولهم:أخطأ فلان خطأ.

و قرأه بعض قرّاء أهل مكّة (انّ قتلهم كان خطاء) بفتح الخاء و الطّاء،و مدّ الخطاء بنحو معنى من قرأه خطأ بفتح الخاء و الطّاء،غير أنّه يخالفه في مدّ الحرف.

و كان عامّة أهل العلم بكلام العرب من أهل الكوفة و بعض البصريّين منهم يرون أنّ:الخطء و الخطأ،بمعنى واحد،إلاّ أنّ بعضهم زعم أنّ«الخطء» بكسر الخاء و سكون الطّاء في القراءة أكثر،و أنّ «الخطأ»بفتح الخاء و الطّاء في كلام النّاس أفشى،و أنّه لم يسمع الخطء بكسر الخاء و سكون الطّاء،في شيء من كلامهم و أشعارهم،إلاّ في بيت أنشده لبعض الشّعراء:

ص: 373

الخطء فاحشة و البرّ نافلة

كعجوة غرست في الأرض تؤتبر

و قد ذكرت الفرق بين«الخطء»بكسر الخاء و سكون الطّاء و فتحهما.

و أولى القراءات في ذلك عندنا بالصّواب،القراءة الّتي عليها قرّاء أهل العراق،و عامّة أهل الحجاز، لإجماع الحجّة من القرّاء عليها،و شذوذ ما عداها.

و إنّ معنى ذلك كان إثما و خطيئة،لا خطأ من الفعل، لأنّهم إنّما كانوا يقتلونهم عمدا لا خطأ،و على عمدهم ذلك عاتبهم ربّهم،و تقدّم إليهم بالنّهي عنه.8:73)

الزّجّاج: تقرأ (خطأ كبيرا) .فمن قال:(خطأ) بالكسر،فمعناه إثما كثيرا،يقال:قد خطئ الرّجل يخطأ خطأ:أثم يأثم إثما.و (خِطْأً كَبِيراً) له تأويلان:

أحدهما:معناه:أنّ قتلهم كان غير صواب،يقال:

قد أخطأ يخطئ إخطاء،و خطأ.و الخطأ:الاسم من هذا لا المصدر،و يكون الخطأ من خطأ يخطأ خطأ،إذا لم يصب،مثل لجج يلجج.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:236)

السّجستانيّ: خِطْأً كَبِيراً :إثما عظيما،يقال:

خطئ و أخطأ واحد،إذا أثم،و أخطأ إذا فاته الصّواب.

(107)

النّحّاس: (...خطاء كبيرا) بكسر الخاء،و المدّ.

و روي عن الحسن: (كان خطاء) بفتح الخاء و المدّ.

و أعرف هذه القراءات عند أهل اللّغة كانَ خِطْأً كَبِيراً. قال ابن جريج و زعم أنّه قول ابن عبّاس و هو قول مجاهد:الخطء:الخطيئة.و هذا المعروف في اللّغة،يقال:خطئ يخطأ،خطأ،إذا أثم و تعمّد الذّنب؛ و قد حكي في المصدر:خطأ.و أخطأ يخطئ إخطاء؛ و الاسم:الخطأ،إذا لم يتعمّد الذّنب.

فأمّا قراءة من قرأ (كان خطاء) بالكسر و المدّ، و الفتح و المدّ،فلا يعرف في اللّغة،و لا في كلام العرب.

(4:147)

أبو زرعة:قرأ ابن عامر: (انّ قتلهم كان خطأ كبيرا) بفتح الخاء و الطّاء،و هو ضدّ العمد،و حجّته قوله: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً النّساء:92.[إلى أن قال:]

قرأ ابن كثير: (خطاء) بكسر الخاء و فتح التّاء، و هو مصدر:خطئ يخطأ خطأ و خطاء،إذا لم يصب، كما تقول:سفد الطّائر يسفد سفادا.

و قرأ الباقون: (خطأ) بكسر الخاء و إسكان الطّاء، معناه:إثما كبيرا،و هو مصدر ل«خطئ الرّجل يخطأ خطأ»مثل:أثم يأثم إثما،فهو آثم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الفاعل منه«خاطئ»و قد جاء الوعيد فيه في قوله تعالى: لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ الحاقّة:37،أي الآثمون.(400)

الثّعلبيّ: [ذكر القراءات و أضاف:]

و كلّها لغات بمعنى واحد،و يكون اسما و مصدرا.

(6:97)

نحوه البغويّ.(3:131)

الطّوسيّ: قرأ ابن كثير (خطاء) بكسر الخاء، و بألف بعد الطّاء ممدودا.و قرأ أبو جعفر و ابن ذكوان بفتح الخاء و الطّاء،من غير ألف بعدها،و بغير مدّ.

ص: 374

الباقون بكسر الخاء من غير مدّ،إلاّ أنّ الدّاجونيّ عن هشام روى وجهين:أحدهما:مثل أبي عمرو،و الآخر:

مثل أبي جعفر...

قال أبو عليّ الفارسيّ: قول ابن كثير(خطاء) يجوز أن يكون مصدر خاطأ،و إن لم يسمع«خاطأ» و لكن قد جاء ما يدلّ عليه،لأنّ أبا عبيدة أنشد:

*تخاطأت النّبل أحشاءه*

ف«تخاطأت»ممّا يدلّ على خاطأ،لأنّ(تفاعل) مطاوع(فاعل)كما أنّ(تفعّل)مطاوع(فعّل)،و قول ابن عامر:(خطأ)،فإنّ الخطأ ما لم يتعمّد،و ما كان المأثم فيه موضوعا عن فاعله.و قد قالوا:أخطأ في معنى خطئ،كما أنّ خطئ في معنى أخطأ،قال الشّاعر:

عبادك يخطئون و أنت ربّ

كريم لا تليق بك الذّموم

ففحوى الكلام أنّهم خاطئون.و في التّنزيل:

لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا البقرة:286، فالمؤاخذة من المخطئ موضوعة،فهذا يدلّ على أنّ أخطأ في قوله:

*يا لهف هند إذ خطئن كاهلا*

و في قول آخر:

و النّاس يلحون الأمير إذا هم

خطئوا الصّواب و لا يلام المرشد

أي أخطئوه،و كذلك قول ابن عامر(خطأ)في معنى أخطأ.و جاء الخطأ في معنى الخطاء،كما جاء خطئ في معنى أخطأ.و قال أبو الحسن:هذا خطاء من رأيك،فيمكن أن يكون«خطأ»لغة فيه أيضا.

و من قرأ (خطأ) فلأنّه يقال:خطئ يخطأ خطأ،إذا تعمّد الشّيء،حكاه الأصمعيّ،و الفاعل منه خاطئ، و قد جاء الوعيد فيه في قوله: لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ الحاقّة:37،و يجوز أن يكون الخطء لغة في الخطإ، مثل المثل و المثل،و الشّبه و الشّبهة،و البدل و البدل، قال الفرّاء:لغتان مثل قتب و قتب،و بدل و بدل.

و حكى ابن دريد عن أبي حاتم،قال:تقول:مكان مخطئ فيه،من«خطئت»و مكان مخطإ فيه من «أخطأ يخطئ»،و مكان مخطوّ بغير همزة،من تخطّى النّاس فيخطّى،و من همّز تخطّيت النّاس،فقد غلط.

و قال المبرّد:خطّأه و خطأه بمعنى،عند أبي عبيدة و الفرّاء و الكسائيّ،إلاّ أنّ(الخطأ)بكسر الخاء أكثر في القرآن(و الخطأ)بالفتح أفشى في كلام النّاس، و لم يسمع الكثير في شيء من أشعارهم إلاّ في بيت قاله الشّاعر:

الخطأ فاحشة و البرّ فاضلة

كعجوة غرست في الأرض توئتبر

قال أبو عبيد:و فيه لغتان:خطئت و أخطأت،فمن قال:خطئت قال:خطأ الرّجل يخطأ خطأ،و خطاء، يكون«الخطأ»بفتح الخاء هو المصدر،و بكسرها:

الاسم.و من قال:أخطأت،كان«الخطأ»بالفتح و الكسر،جميعا اسمين،و المصدر:الإخطاء.(6:472)

نحوه الطّبرسيّ(3:413)،و ابن الجوزيّ(5:30).

ابن عطيّة: [نقل بعض القراءات الماضية في ذلك و قال:]

و قد روي عن ابن عامر(خطأ)بفتح الخاء

ص: 375

و سكون الطّاء و همزة.و قرأ ابن كثير:(خطاء)بكسر الخاء و فتح الطّاء و مدّ الهمزة،و هي قراءة الأعرج بخلاف،و طلحة و شبل و الأعمش و عيسى و خالد ابن إياس و قتادة و الحسن بخلاف عنه،قال النّحّاس:و لا أعرف لهذه القراءة وجها،و كذلك جعلها أبو حاتم غلطا.قال أبو عليّ الفارسيّ:هي مصدر من:خاطأ يخاطئ،و إن كنّا لم نجد خاطأ، و لكنّا وجدنا تخاطأ و هو مطاوع خاطأ،فدلّنا عليه.

[ثمّ استشهد بشعر]

فكأنّ هؤلاء الّذين يقتلون أولادهم يخاطئون الحقّ و العدل.

و قرأ الحسن فيما روي عنه: (خطاء) بفتح الخاء و الطّاء و المدّ في الهمزة.قال أبو حاتم:لا يعرف هذا في اللّغة،و هو غلط غير جائز.و ليس كما قال أبو حاتم، قال أبو الفتح:الخطاء من أخطأت بمنزلة العطاء من أعطيت،هو اسم بمعنى المصدر.

و قرأ الحسن بخلاف (خطا) بفتح الخاء و الطّاء منوّنة من غير همز.و قرأ أبو رجاء و الزّهريّ (خطا) بكسر الخاء و فتح الطّاء كالّتي قبلها،و هاتان مخفّفتان من خطأ و خطاء.(3:451)

نحوه القرطبيّ(10:252)،و أبو حيّان(6:32)، و الآلوسيّ(15:67).

الفخر الرّازيّ: الجمهور قرءوا إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً أي إثما كبيرا،يقال:خطئ يخطأ خطأ، مثل:أثم يأثم إثما،قال تعالى: إِنّا كُنّا خاطِئِينَ يوسف:97،أي آثمين.و قرأ ابن عامر (خطأ) بالفتح، يقال:أخطأ يخطئ إخطاء و خطأ،إذا أتى بما لا ينبغي من غير قصد،و يكون«الخطأ»اسما للمصدر.و المعنى على هذه القراءة:أنّ قتلهم ليس بصواب.

قال القفّال رحمه اللّه:و قرأ ابن كثير (خطاء) بكسر الخاء ممدودة،و لعلّهما لغتان،مثل دفع و دفاع و لبس و لباس.(20:197)

العكبريّ: (خطأ)يقرأ بكسر الخاء و سكون الطّاء و الهمز،و هو مصدر خطئ،مثل علم و علما.

و بكسر الخاء و فتح الطّاء من غير همز،و فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:مصدر،مثل شبع شبعا،إلاّ أنّه أبدل الهمزة ألفا في المصدر و ياء في الفعل،لانكسار ما قبلها.

و الثّاني:أن يكون ألقى حركة الهمزة على الطّاء فانفتحت،و حذف الهمزة.

و الثّالث:أن يكون خفّف الهمزة بأن قلبها ألفا على غير القياس،فانفتحت الطّاء.و يقرأ كذلك إلاّ أنّه بالهمز مثل:«عنب».

و يقرأ بالفتح و الهمز،مثل:«نصب»و هو كثير.

و يقرأ بالكسر،و المدّ،مثل قام قياما.(2:819)

البيضاويّ: ذنبا كبيرا،لما فيه من قطع التّناسل و انقطاع النّسل،و الخطأ:الإثم،يقال:خطئ خطأ كأثم إثما.[ثمّ أشار إلى القراءات](1:584)

النّسفيّ: إثما عظيما،يقال:خطئ خطأ،كأثم إثما.

(خطأ)شاميّ،و هو ضدّ الصّواب،اسم من أخطأ.

و قيل:هو«الخطء»كالحذر و الحذر.«خطاء»بالمدّ و الكسر مكّيّ.(2:313)

ص: 376

الكاشانيّ: ذنبا كبيرا،و قرئ بفتح الخاء و الطّاء، و هو ضدّ الصّواب،أو بمعنى الخطاء،و بالكسر و المدّ، و هو إمّا لغة فيه،أو مصدر.(3:190)

ابن عاشور :[نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و هو[خطاء]«فعال»من خطئ،إذا أجرم،و هو لغة في«خطء»،و كأنّ«الفعال»فيها للمبالغة.و أكّد ب(إنّ)لتحقيقه ردّا على أهل الجاهليّة؛إذ كانوا يزعمون أنّ وأد البنات من السّداد،و يقولون:دفن البنات من المكرمات.و أكّد أيضا بفعل(كان)لإشعار (كان)بأنّ كونه إثما أمرا استقرّ.(14:71)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ(كان)في كانَ خِطْأً كَبِيراً هي فعل ماض،يفيد هنا التّأكيد أنّ قتل الأبناء يعتبر من الذّنوب العظيمة الّتي كانت معروفة، منذ القدم بين البشر،و أنّ الفطرة الإنسانيّة السّليمة تحمل دوافع الرّفض و الإدانة لمثل هذا السّلوك الّذي لا يختصّ بزمان معيّن دون غيره.(8:415)

فضل اللّه :لأنّه لا ينسجم مع احترام إنسانيّة الولد و ضعفه،من خلال مخاوف وهميّة لا تبرّر ذلك، ممّا يجعل من قتله جريمة لا يغفرها اللّه.

و قد أريد من«الخطأ»هنا:ما يرادف الخطيئة الّتي يتعمّدها الإنسان من دون مبرّر،و ذلك مقابل الصّواب،على أساس التّفسير الّذي ذكره اللّغويّون للخطإ في بعض معانيه،و هو أن تريد ما لا يحسن إرادته و فعله،لا الخطأ الّذي يقصد منه ما لا يتعمّد الإنسان فعله.(14:97)

خطيئة

وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً. النّساء:112

ابن عبّاس: خَطِيئَةً :سرقة.(80)

ابن السّائب:الخطيئة:يمين السّارق الكاذبة، و الإثم:سرقة الدّرع و رمي اليهوديّ به.

(أبو حيّان 3:346)

نحوه الثّعلبيّ(3:383)،و الواحديّ(2:114).

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه:و من يعمل خَطِيئَةً، و هي الذّنب أَوْ إِثْماً، و هو ما لا يحلّ من المعصية.

و إنّما فرّق بين الخطيئة و الإثم،لأنّ الخطيئة قد تكون من قبل العمد و غير العمد،و الإثم لا يكون إلاّ من العمد،ففصل جلّ ثناؤه لذلك بينهما،فقال:و من يأت خَطِيئَةً على غير عمد منه لها، أَوْ إِثْماً على عمد منه.(4:274)

البغويّ: خَطِيئَةً أي سرقة الدّرع، أَوْ إِثْماً :

يمينه الكاذبة.(1:700)

الزّمخشريّ: خَطِيئَةً :صغيرة، أَوْ إِثْماً كبيرة.(1:563)

ابن عطيّة: ذهب بعض النّاس إلى أنّهما لفظان بمعنى،و كرّر لاختلاف اللّفظ.[ثمّ نقل كلام الطّبريّ و أدام:]

و هذه الآية لفظها عامّ،و يندرج تحت ذلك العموم،و توبيخه أهل النّازلة المذكورة.(2:111)

الطّبرسيّ: خَطِيئَةً أي يعمل ذنبا على عمد

ص: 377

أو غير عمد، أَوْ إِثْماً أي ذنبا تعمّده.

و قيل:الخطيئة:الشّرك،و الإثم:ما دون الشّرك.

(2:108)

البيضاويّ: صغيرة أو ما لا عمد فيه أَوْ إِثْماً كبيرة،أو ما كان عن عمد.(1:243)

مثله الشّربينيّ(1:331)،و أبو السّعود(2:195)، و البروسويّ(2:281).

النّسفيّ: خَطِيئَةً :صغيرة، أَوْ إِثْماً :أو كبيرة،أو الأوّل ذنب بينه و بين ربّه،و الثّاني ذنب في مظالم العباد.(1:250)

النّيسابوريّ: [نحو النّسفيّ و أضاف:]

و قيل:الخطيئة:ما لا ينبغي فعله،سواء كان بالعمد أو الخطإ،و الإثم:ما حصل بسبب العمد.(5:141)

أبو حيّان :قيل:نزلت في طعمة بن أبيرق حين سرق الدّرع و رماها في دار اليهوديّ.و روى الضّحّاك عن ابن عبّاس:أنّها نزلت في عبد اللّه أبي سلول؛إذ رمى عائشة بالإفك.

و ظاهر العطف ب«أو»المغايرة،فقيل:الخطيئة...

[ثمّ نقل الأقوال الماضية في ذلك و أضاف:]

و قيل:هما لفظان بمعنى واحد،كرّرا مبالغة.

و الضّمير في(به)عائد على الإثم،و المعطوف ب«أو» يجوز أن يعود الضّمير على المعطوف عليه،كقوله:

اِنْفَضُّوا إِلَيْها الجمعة:11،و على المعطوف كهذا.

(3:346)

الآلوسيّ: [مثل البيضاويّ و أضاف:]

و قيل:الخطيئة:الشّرك،و الإثم:ما دونه،و في «الكشّاف»:الإثم:الذّنب الّذي يستحقّ صاحبه العقاب،و الهمزة فيه بدل من الواو،كأنّه يثم الأعمال، أي يكسرها بإحباطه.

و في«الكشف»:كأنّ هذا أصله،ثمّ استعمل في مطلق الذّنب،في نحو قوله تعالى: كَبائِرَ الْإِثْمِ و من هذا يعلم ضعف ما ذكره صاحب القيل.(5:142)

عبد الكريم الخطيب :الخطيئة:الوقوع في المعصية،و الإثم:البغي،و العدوان،و هو الطّريق إلى الوقوع في الخطيئة.(3:894)

مكارم الشّيرازيّ: و قد قال المفسّرون الكثير في شأن الفرق بين هذين النّوعين من الذّنب،و أقرب الأقوال إلى الذّهن هو أنّ الخطيئة مشتقّة من الخطإ، و الّذي يعني في الأصل الزّلل أو الذّنب الّذي يصدر دون قصد من صاحبه،و يكون أحيانا مشمولا بالكفّارة و الغرامة.

لكن معنى الخطيئة قد توسّع تدريجيّا،و أخذ يشمل كلّ ذنب سواء المتعمّد أو غير المقصود؛حيث إنّ روح الإنسان لا تحتمل الذّنب،أ كان عمدا أو عن غير عمد،و حين يصدر الذّنب من الإنسان إنّما هو في الحقيقة نوع من الزّلل و الخطإ الّذي لا يناسب مقامه كإنسان.

و النّتيجة من هذا القول أنّ الخطيئة لها معنى واسع،يشمل الذّنب المتعمّد و الذّنب الصّادر عن غير عمد.أمّا كلمة«إثم»فتطلق عادة على الذّنوب الصّادرة عن عمد،و تعني في الأصل ذلك الشّيء الّذي يمنع الإنسان من عمل معيّن،و لمّا كانت الذّنوب تحول

ص: 378

دون وصول الخيرات إلى الإنسان فقد سمّيت«إثما».

(3:388)

راجع:أ ث م:«اثما».

خطيئته

بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. البقرة:81

الثّعلبيّ: قرأ أهل المدينة (خطيّاته) بالجمع،و قرأ الباقون خَطِيئَتُهُ على الواحدة،و هو اختيار أبي عبيد و أبي حاتم.و الإحاطة:الإحفاف بالشّيء من جميع نواحيه.(1:226)

راجع:ح و ط:«احاطت»

خطيئتى

وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ.

الشّعراء:82

ابن عبّاس: ذنبي.(309)

مجاهد :قوله: إِنِّي سَقِيمٌ الصّافّات:89، و قوله: فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا الأنبياء:63،و قوله لسارة:«إنّها أختي»حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذها.(الطّبريّ 9:452)

نحوه مقاتل(3:269)،و الطّبريّ(9:452)، و الواحديّ(3:355).

الحسن :[مثل مجاهد و أضاف:]

و قوله للكواكب: هذا رَبِّي الأنعام:76 78.

(الثّعلبيّ 7:170)

مثله الكلبيّ.(الواحديّ 3:355)

الزّجّاج: [مثل مجاهد و أضاف:]

و معنى خَطِيئَتِي أنّ الأنبياء بشر،و قد يجوز أن يقع عليهم الخطيئة،إلاّ أنّهم صلوات اللّه عليهم لا تكون منهم الكبيرة،لأنّهم معصومون مختارون على العالمين،كلّ نبيّ هو أفضل من عالم أهل دهره كلّهم.

(4:93)

النّحّاس: قرأ ابن أبي إسحاق (و الّذى اطمع ان يغفر خطاياى يوم الدّين) .و قال:ليست خطيئة واحدة.و التّوحيد جيّد،على أن تكون خطيئة بمعنى خطايا،كما قرئ (وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً) لقمان:20.(5:87)

الثّعلبيّ: قراءة العامّة بالتّوحيد...الحكم السّلميّ قال:سمعت الحسن يقرأ (و الّذى اطمع ان يغفر لى خطاياى يوم الدّين) ،إنّها لم تكن خطيئة و لكن كانت خطايا...و هذا الكلام من إبراهيم عليه السّلام احتجاج على قومه،و إخبار أنّه لا يصلح للإلهيّة إلاّ من فعل هذه الأفعال.(7:169)

الطّوسيّ: هذا انقطاع منه عليه السّلام إلى اللّه،دون أن يكون له خطيئة يحتاج أن تغفر له يوم القيامة،لأنّ عندنا أنّ القبائح كلّها لا تقع منهم عليهم السّلام،و عند المعتزلة:الصّغائر الّتي تقع منهم محبطة،فليس شيء منها بمغفور،يحتاج أن يغفر لهم يوم القيامة.(8:33)

الزّمخشريّ: قرئ: (خطاياى) و المراد:ما يندر منه من بعض الصّغائر،لأنّ الأنبياء معصومون مختارون على العالمين.[ثمّ ذكر مثل مجاهد إلى«هي أختي»و قال:]و ما هي إلاّ معاريض كلام و تخييلات

ص: 379

للكفرة،و ليست بخطايا يطلب لها الاستغفار.

فإن قلت:إذا لم يندر منهم إلاّ الصّغائر و هي تقع مكفّرة،فما له أثبت لنفسه خطيئته أو خطايا و طمع أن تغفر له؟

قلت:الجواب ما سبق لي:أنّ استغفار الأنبياء تواضع منهم لربّهم و هضم لأنفسهم،و يدلّ عليه قوله:

أَطْمَعُ و لم يجزم القول بالمغفرة،و فيه تعليم لأممهم، و ليكون لطفا لهم في اجتناب المعاصي و الحذر منها، و طلب المغفرة ممّا يفرط منهم.(3:117)

نحوه ملخّصا البيضاويّ(2:160)،و النّسفيّ(3:

187)،و الشّربينيّ(3:19)،و الكاشانيّ(4:40)، و البروسويّ(6:285).

ابن عطيّة: [مثل مجاهد و أضاف:]

و قالت فرقة:أراد ب«الخطيئة»اسم الجنس فدعا في كلّ أمره من غير تعيين.

و هذا أظهر عندي،لأنّ تلك الثّلاث قد خرّجها كثير من العلماء على المعارض،و هي و إن كانت كذبات بحكم قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لم يكذب إبراهيم إلاّ ثلاث كذبات»،و بحكم ما في حديث الشّفاعة من قوله في شأن إبراهيم:«نفسي نفسي»فهي في مصالح و عون شرع و حقّ.

و قرأ الجمهور (خطيئتى) بالإفراد،و قرأ الحسن (خطاياى) بالجمع.(4:235)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:معناه أطمع أن يغفر لمن يشفعني فيه، فأضافه إلى نفسه،كقوله سبحانه لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ الفتح:2،[إلى أن قال:]

و هذا الكلام من إبراهيم عليه السّلام إنّما صدر على وجه الاحتجاج على قومه،و الإخبار بأنّه لا يصلح للإلهيّة إلاّ من فعل هذه الأفعال.(4:193)

الفخر الرّازيّ: هاهنا أسئلة:...

السّؤال الثّاني:لم أسند إلى نفسه الخطيئة مع أنّ الأنبياء منزّهون عن الخطايا قطعا؟في جوابه ثلاثة وجوه:

أحدها:أنّه محمول على كذب إبراهيم عليه السّلام في قوله: فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ الأنبياء:63،و قوله: إِنِّي سَقِيمٌ الصّافّات:89،و قوله لسارة:«إنّها أختي».

و هو ضعيف،لأنّ نسبة الكذب إليه غير جائزة.

و ثانيها:أنّه ذكره على سبيل التّواضع و هضم النّفس.و هذا ضعيف لأنّه إن كان صادقا في هذا التّواضع فقد لزم الإشكال،و إن كان كاذبا فحينئذ يرجع حاصل الجواب إلى إلحاق المعصية به،لأجل تنزيهه عن المعصية.

و ثالثها و هو الجواب الصّحيح:أن يحمل ذلك على ترك الأولى،و قد يسمّى ذلك خطأ،فإنّ من ملك جوهرة و أمكنه أن يبيعها بألف ألف دينار،فإن باعها بدينار،قيل:إنّه أخطأ.و ترك الأولى على الأنبياء جائز.

السّؤال الثّالث:لم علّق مغفرة الخطيئة بيوم الدّين،و إنّما تغفر في الدّنيا؟

جوابه:لأنّ أثرها يظهر يوم الدّين،و هو الآن

ص: 380

خفيّ لا يعلم.

السّؤال الرّابع:ما فائدة(لى)في قوله: يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي؟ و جوابه من وجوه:

أحدها:أنّ الأب إذا عفا عن ولده،و السّيّد عن عبده،و الزّوج عن زوجته،فذلك في أكثر الأمر إنّما يكون طلبا للثّواب و هربا عن العقاب،أو طلبا لحسن الثّناء و المحمدة،أو دفعا للألم الحاصل من الرّقّة الجنسيّة.و إذا كان كذلك لم يكن المقصود من ذلك العفو رعاية جانب المعفوّ عنه،بل رعاية جانب نفسه:

إمّا لتحصيل ما ينبغي،أو لدفع ما لا ينبغي.أمّا الإله سبحانه،فإنّه كامل لذاته فيستحيل أن تحدث له صفات كمال لم تكن،أو يزول عنه نقصان كان.و إذا كان كذلك لم يكن عفوه إلاّ رعاية لجانب المعفوّ عنه، فقوله: وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي يعني هو الّذي إذا غفر كان غفرانه لي و لأجلي،لا،لأجل أمر عائد إليه البتّة.

و ثانيها:كأنّه قال:خلقتني لا لي،فإنّك حين خلقتني ما كنت موجودا،و إذا لم أكن موجودا استحال تحصيل شيء لأجلي،ثمّ مع هذا فأنت خلقتني،أمّا لو عفوت كان ذلك العفو لأجلي،فلمّا خلقتني أوّلا مع أنّي كنت (1)محتاجا إلى ذلك الخلق فلأن تغفر لي و تعفو عنّي حال ما أكون في أشدّ الحاجة إلى العفو و المغفرة كان أولى.

و ثالثها:أنّ إبراهيم عليه السّلام كان لشدّة استغراقه في بحر المعرفة شديد الفرار عن الالتفات إلى الوسائط، و لذلك لمّا قال له جبريل عليه السّلام:«أ لك حاجة؟قال أمّا إليك فلا»،فها هنا قال: أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ أي لمجرّد عبوديّتي لك و احتياجي إليك تغفر لي خطيئتي،لا أن تغفرها لي بواسطة شفاعة شافع.

(24:145)

القرطبيّ: [اكتفى بنقل أقوال السّابقين]

(13:111)

و كذا أبو حيّان.(7:25)

أبو السّعود :ذكره عليه الصّلاة و السّلام هضما لنفسه و تعليما للأمّة أن يجتنبوا المعاصي،و يكونوا على حذر و طلب مغفرة لما يفرط منهم،و تلافيا لما عسى يندر منه عليه الصّلاة و السّلام من الصّغائر، و تنبيها لأبيه و قومه على أن يتأمّلوا في أمرهم،فيقفوا على أنّهم من سوء الحال في درجة لا يقادر قدرها، فإنّ حاله عليه الصّلاة و السّلام مع كونه في طاعة اللّه تعالى و عبادته في الغاية القاصية حيث كانت بتلك المثابة فما ظنّك بحال أولئك المغمورين في الكفر و فنون المعاصي و الخطايا.

و حمل الخطيئة على كلماته الثّلاث: إِنِّي سَقِيمٌ ، بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ، و قوله لسارة:«هي أختي»،ممّا لا سبيل إليه،لأنّها مع كونها معاريض لا من قبيل الخطايا المفتقرة إلى الاستغفار إنّما صدرت عنه عليه الصّلاة و السّلام بعد هذه المقاولة الجارية بينه و بين قومه.

أمّا الثّالثة فظاهرة لوقوعها بعد مهاجرته عليهت.

ص: 381


1- كذا،و الظّاهر:ما كنت.

الصّلاة و السّلام إلى الشّأم.و أمّا الأوليان فلأنّهما وقعتا مكتنفتين بكسر الأصنام.و من البيّن أنّ جريان هذه المقالات فيما بينهم كان في مبادئ الأمر.(5:47)

الآلوسيّ: استعظم عليه السّلام ما عسى يندر منه من فعل خلاف الأولى حتّى سمّاه خطيئة.[ثمّ ذكر نحو أبي السّعود في قوله: إِنِّي سَقِيمٌ إلى أن قال:]

و هذا أولى ممّا قيل:إنّها من المعاريض،و هي لكونها في صورة الكذب يمتنع لها من تصدر (1)عنه من الشّفاعة،و لكونها ليست كذبا حقيقة لا تفتقر إلى الاستغفار،فلا يصحّ إرادتها هنا،لأنّ ذلك الامتناع ليس إلاّ لعدّه إيّاها من الخطايا،و متى عدّت منها افتقرت إلى الاستغفار.

و قيل:أراد بها ما صدر عنه عند رؤية الكوكب و القمر و الشّمس من قوله: هذا رَبِّي و كان ذلك قبل هذه المقاولة كما لا يخفى.و قد تقدّم أنّ ذلك ليس من الخطيئة في شيء.

و قيل:أراد بها ما عسى يندر منه من الصّغائر و هو قريب ممّا تقدّم.و قيل:أراد بها خطيئة من يؤمن به عليه السّلام،كما قيل نحوه في قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ الفتح:2،و هو كما ترى.

(19:97)

المراغيّ: أي و هو الّذي لا يقدر على غفران الذّنوب في الآخرة إلاّ هو،كما قال: وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ آل عمران:135.

و سمّى إبراهيم ما صدر منه من عمل هو خلاف الأولى خطيئة،استعظاما له.

و خلاصة مقاله:أنّ جميع النّعم الّتي يتمتّع بها المرء من النّشأة الأولى إلى آخر الدّهر هي من اللّه وحده، و لا قدرة لأصنامكم على شيء منها.(19:72)

مغنيّة:الموت و الحياة و غفران الذّنوب بيد اللّه وحده،ما في ذلك ريب.و إبراهيم عليه السّلام معصوم من الخطإ و الخطيئة،و من عصمة كلّ معصوم أن يعظّم خوفه من اللّه.(5:502)

الطّباطبائيّ: نسبة الخطيئة إلى نفسه و هو عليه السّلام نبيّ معصوم من المعصية دليل على أنّ المراد بالخطيئة غير المعصية،بمعنى مخالفة الأمر المولويّ،فإنّ للخطيئة و الذّنب مراتب تتقدّر حسب حال العبد في عبوديّته، كما قيل:«حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين»و قد قال تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ محمّد:19.

فالخطيئة من مثل إبراهيم عليه السّلام اشتغاله عن ذكر اللّه محضا بما تقتضيه ضروريّات الحياة،كالنّوم و الأكل و الشّرب و نحوها،و إن كانت بنظر آخر طاعة منه عليه السّلام،كيف؟و قد نصّ تعالى على كونه عليه السّلام مخلصا للّه لا يشاركه تعالى فيه شيء؛إذ قال: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ ص:46.(15:285)

مكارم الشّيرازيّ: ممّا لا شكّ فيه أنّ الأنبياء معصومون من الذّنب،و ليس عليهم وزر كي يغفر لهم،إلاّ أنّه قد تعدّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين أحيانا،و قد يستغفرون أحيانا من عمل صالح،لأنّهم تركوا خيرا منه،فيقال عندئذ في حقّ أحدهم:تركة.

ص: 382


1- كذا،و لعلّ الصّحيح:يمتنع لما تصدر عنه من الشّفاعة.

الأولى.

فإبراهيم عليه السّلام لا يعوّل على أعماله الصّالحة،فهي لا شيء بإزاء كرم اللّه،و لا تنقاس بنعم اللّه المطلقة،بل هو يعوّل على لطف اللّه فحسب،و هذا هو آخر مرحلة من مراحل الانقطاع إلى اللّه!(11:352)

فضل اللّه :فهو الرّحيم الغفّار الّذي لا ييأس عباده من رحمته و مغفرته إذا أخطئوا معه بالمعصية،بل هم يأملون بأنّه سيغفر لهم خطاياهم،فلا يؤاخذهم بها يوم القيامة،لأنّ رحمته سبقت غضبه،و لأنّه يتقبّل عباده التّائبين إذا رجعوا إليه،و أخلصوا التّوبة له.

و إذا كان إبراهيم معصوما عن الخطإ،فهو لم يكن في سياق التّأكيد على وجود خطيئة صادرة منه،بل كان في مجال الإيحاء بالغفران الإلهيّ للخاطئين،في مقام التّأكيد على صفة الرّحمة الّتي تفتح قلوب عباده، على محبّته و تقواه.(17:126)

خطياتهم

مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْصاراً. نوح:25

ابن عبّاس: يقول بخطيئاتهم.(487)

مثله سفيان.(الطّبريّ 12:255)

ابن زيد :فبخطيئاتهم أُغْرِقُوا فأدخلوا نارا، و كانت الباء هاهنا فصلا في كلام العرب.

(الطّبريّ 12:255)

الفرّاء: العرب تجعل«ما»صلة فيما ينوى به مذهب الجزاء،كأنّك قلت:من خطيئاتهم ما أغرقوا.

و كذلك رأيتها في مصحف عبد اللّه،فتأخّرها دليل على مذهب الجزاء،و مثلها في مصحف عبد اللّه: (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ) القصص:28،أ لا ترى أنّك تقول:حيثما تكن أكن،و مهما تقل أقل.

و من ذلك: أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الإسراء:110،وصل الجزاء ب«ما»،فإذا كان استفهاما لم يصلوه ب«ما»؛يقولون:كيف تصنع؟و أين تذهب؟إذا كان استفهاما لم يوصل ب«ما»،و إذا كان جزاء وصل و ترك الوصل.(3:189)

ابن قتيبة :أي من خطيئاتهم،و«ما»زائدة.

(488)

نحوه العكبريّ.(2:1242)

الطّبريّ: من خطيئاتهم، أُغْرِقُوا و العرب تجعل«ما»صلة فيما نوى به مذهب الجزاء،كما يقال:

أينما تكن أكن،و حيثما تجلس أجلس،و معنى الكلام:من خطيئاتهم أغرقوا.

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: مِمّا خَطِيئاتِهِمْ فقرأته عامّة قرّاء الأمصار غير أبي عمرو مِمّا خَطِيئاتِهِمْ بالهمز و التّاء،و قرأ ذلك أبو عمرو: (ممّا خطاياهم) بالألف بغير همز.

و القول عندنا:أنّهما قراءتان معروفتان،فبأيّتهما قرأ القارئ فهو مصيب.(12:255)

الثّعلبيّ: أي من خطاياهم،و(ما)صلة،و قرأ أبو عمرو(خطاياهم).(10:47)

الطّوسيّ: (ما)صلة،و تقديره:من خطاياهم، بمعنى من أجل ما ارتكبوه من الخطايا و الكفر.

(10:141)

ص: 383

نحوه الطّبرسيّ.(5:364)

الواحديّ: (ما)صلة،و المعنى من خطيئاتهم،أي من أجلها و سببها.و قرئ (خطاياهم) ،و كلاهما جمع خطيئة.(4:360)

مثله البغويّ.(5:158)

الزّمخشريّ: تقديم مِمّا خَطِيئاتِهِمْ لبيان إن لم يكن إغراقهم بالطّوفان فإدخالهم النّار إلاّ من أجل خطيئاتهم،و أكّد هذا المعنى بزيادة(ما).و في قراءة ابن مسعود(من خطيئاتهم ما اغرقوا)بتأخير الصّلة، و كفى بها مزجرة لمرتكب الخطايا،فإنّ كفر قوم نوح كان واحدة من خطيئاتهم و إن كانت كبراهنّ،و قد نعيت عليهم سائر خطيئاتهم كما نعي عليهم كفرهم، و لم يفرّق بينه و بينهنّ في استيجاب العذاب،لئلاّ يتّكل المسلم الخاطئ على إسلامه،و يعلم أنّ معه ما يستوجب به العذاب،و إن خلا من الخطيئة الكبرى.

و قرئ خَطِيئاتِهِمْ بالهمزة،و (خطيّاتهم) بقلبها ياء و إدغامها،و (خطاياهم) و (خطيئتهم) بالتّوحيد على إرادة الجنس.(4:164)

ابن عطيّة: مِمّا خَطِيئاتِهِمْ ابتداء إخبار من اللّه تعالى لمحمّد عليه السّلام،أي إنّ دعوة نوح أجيبت، فآل أمرهم إلى هذا.و(ما)الظّاهرة في قوله:(ممّا) زائدة،فكأنّه قال:من خطيئاتهم أغرقوا،و هي لابتداء الغاية.

و قرأ (ممّا خطيئتهم) على الإفراد،الجحدريّ و الحسن،و قرأ أبو عمرو وحده و الحسن و عيسى و الأعرج و قتادة بخلاف عنهم(ممّا خطاياهم)على تكسير الجمع.(5:376)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:(ما)صلة،كقوله: فَبِما نَقْضِهِمْ النّساء:155، فَبِما رَحْمَةٍ آل عمران:159،و المعنى من خطاياهم،أي من أجلها و بسببها.

و قرأ ابن مسعود (من خطياتهم ما اغرقوا) فأخّر كلمة(ما)،و على هذه القراءة لا تكون(ما)صلة زائدة،لأنّ(ما)مع ما بعده في تقدير المصدر.

و اعلم أنّ تقديم قوله:(ممّا خطاياهم)لبيان أنّه لم يكن إغراقهم بالطّوفان إلاّ من أجل خطيئاتهم.فمن قال من المنجّمين:إنّ ذلك إنّما كان بسبب أنّه انقضى في ذلك الوقت نصف الدّور الأعظم،و ما يجري مجرى هذه الكلمات كان مكذّبا لصريح هذه الآية،فيجب تكفيره.

المسألة الثّانية:قرئ خَطِيئاتِهِمْ بالهمزة و (خطيّاتهم) بقلبها ياء و إدغامها،و (خطاياهم) و (خطيئتهم) بالتّوحيد على إرادة الجنس،و يجوز أن يراد به الكفر.

و اعلم أنّ الخطايا و الخطيئات كلاهما جمع خطيئة،إلاّ أنّ الأوّل جمع تكسير،و الثّاني جمع سلامة.

(30:145)

نحوه النّسفيّ.(4:297)

القرطبيّ: (ما)صلة مؤكّدة،و المعنى:من خطاياهم...و قراءة أبي عمرو (خطاياهم) على جمع التّكسير؛الواحدة:خطيّة،و كان الأصل في الجمع:

خطائئ،على«فعائل»،فلمّا اجتمعت الهمزتان قلبت

ص: 384

الثّانية ياء،لأنّ قبلها كسرة،ثمّ استثقلت و الجمع ثقيل،و هو معتلّ مع ذلك فقلبت الياء ألفا،ثمّ قلبت الهمزة الأولى ياء لخفائها بين الألفين.الباقون خَطِيئاتِهِمْ على جمع السّلامة.

قال أبو عمرو:قوم كفروا ألف سنة فلم يكن لهم إلاّ خطيّات؛يريد أنّ الخطايا أكثر من الخطيئات.

و قال قوم:خطايا و خطيّات واحد؛جمعان مستعملان في الكثرة و القلّة،و استدلّوا بقوله تعالى: ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ لقمان:27.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرئ خَطِيئاتِهِمْ و (خطيّاتهم) بقلب الهمزة ياء و إدغامها.و عن الجحدريّ و عمرو بن عبيد و الأعمش و أبي حيوة و أشهب العقيليّ(خطيئتهم) على التّوحيد،و المراد الشّرك.(18:310)

نحوه الآلوسيّ.(29:79)

البيضاويّ: من أجل خطيئاتهم،و(ما)مزيدة للتّأكيد و التّفخيم.(2:508)

نحوه الشّربينيّ(4:395)،و الكاشانيّ(5:232).

أبو حيّان :[اكتفى بنقل أقوال المفسّرين إلاّ أنّه بعد ذكر قول ابن عطيّة:من كون«من»لابتداء الغاية، قال:]

و لا يظهر إلاّ أنّها للسّبب.(8:343)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ ثمّ قال:]

و من لم ير زيادتها جعلها نكرة و جعل خطيئاتهم بدلا منها.و قرئ (ممّا خطاياهم) و (ممّا خطيّاتهم) أي بسبب خطيئاتهم المعدودة و غيرها من خطاياهم.

(6:311)

البروسويّ: أي من أجل خطيئات قوم نوح و أعمالهم المخالفة للصّواب،و هي الكفر و المعاصي.

و(ما)مزيدة بين الجارّ و المجرور لتأكيد الحصر المستفاد من تقديم قوله: مِمّا خَطِيئاتِهِمْ فإنّه يدلّ على أنّ إغراقهم بالطّوفان لم يكن إلاّ من أجل خطيئاتهم، تكذيبا لقول المنجّمين:من أنّ ذلك كان لاقتضاء الأوضاع الفلكيّة إيّاه،و نحو ذلك،فإنّه كفر،لكونه مخالفا لصريح هذه الآية.

و لزيادة(ما)الإبهاميّة فائدة غير التّوكيد،و هي تفخيم خطيئاتهم،أي من أجل خطيئاتهم العظيمة، و من لم ير زيادتها جعلها نكرة،و جعل خَطِيئاتِهِمْ بدلا منها،و الخطيئات:جمع خطيئة.

و قرأ أبو عمرو (خطاياهم) بلفظ الكثرة،لأنّ المقام مقام تكثير خطيئاتهم،لأنّهم كفروا ألف سنة.

و الخطيئات لكونه جمع السّلامة لا يطلق على ما فوق العشرة إلاّ بالقرينة.

و الظّاهر من كلام الرّضيّ أنّ كلّ واحد من جمع السّلامة و التّكثير لمطلق الجمع من غير نظر إلى القلّة و الكثرة فيصلحان لهما،و لذا قيل:إنّهما مشتركان بينهما،و استدلّوا عليه بقوله تعالى: ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ لقمان:27.(10:183)

ابن عاشور :قدّم مِمّا خَطِيئاتِهِمْ على عامله لإفادة القصر،أي أغرقوا فأدخلوا نارا من أجل مجموع خطيئاتهم،لا لمجرّد استجابة دعوة نوح الّتي ستذكر عقب هذا،ليعلم أنّ اللّه لا يقرّ عباده على الشّرك بعد أن يرسل إليهم رسولا،و إنّما تأخّر

ص: 385

عذابهم إلى ما بعد دعوة نوح لإظهار كرامته عند ربّه بين قومه،و مسرّة له و للمؤمنين معه،و تعجيلا لما يجوز تأخيره.

و(من)تعليليّة،و(ما)مؤكّدة لمعنى التّعليل.

و جمع الخطيئات مراد بها الإشراك،و تكذيب الرّسول،و أذاه،و أذى المؤمنين معه،و السّخريّة منه حين توعّدهم بالطّوفان،و ما ينطوي عليه ذلك كلّه من الجرائم و الفواحش...(29:197)

الطّباطبائيّ: (من)لابتداء الغاية تفيد بحسب المورد:التّعليل،و(ما)زائدة لتأكيد أمر الخطايا و تفخيمه.و الخطيئات:المعاصي و الذّنوب،و تنكير «النّار»للتّفخيم.

و المعنى من أجل معاصيهم و ذنوبهم أغرقوا بالطّوفان فأدخلوا أدخلهم اللّه نارا لا يقدّر عذابها بقدر.و من لطيف نظم الآية الجمع بين الإغراق بالماء و إدخال النّار.(20:36)

خطياتكم

...وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ. الأعراف:161

الطّبريّ: ذنوبكم.(6:91)

البغويّ: قرأ ابن عامر (خطيئتكم) على التّوحيد و رفع التّاء،و قرأ أبو عمرو (خطاياكم) ،و قرأ أهل المدينة و يعقوب (خطياتكم) بالجمع و رفع التّاء،و قرأ آخرون بالجمع و كسر التّاء.(2:241)

الزّمخشريّ: قرئ (يغفر لكم خطيئاتكم) و (تغفر لكم خطاياكم) و (خطيئاتكم) و (خطيئتكم) على البناء للمفعول.(2:125)

الآلوسيّ: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ جزم في جواب الأمر.و قرأ نافع و ابن عامر و يعقوب (تغفر) بالتّاء و البناء للمفعول،و (خطياتكم) بالرّفع و الجمع، غير ابن عامر،فإنّه وحّد.و قرأ أبو عمرو (خطاياكم) كما في سورة البقرة.

و بيّن«القطب»فائدة الاختلاف بين ما هناك و بين ما هنا على القراءة المشهورة،بأنّها الإشارة إلى أنّ هذه الذّنوب سواء كانت قليلة أو كثيرة،فهي مغفورة بعد الإتيان بالمأمور به.(9:89)

ابن عاشور :قرأ نافع،و أبو جعفر،و يعقوب (تغفر) بمثناة فوقيّة مبنيّا للمجهول،و (خطيّاتكم) بصيغة جمع السّلامة للمؤنّث،و قرأه ابن كثير، و عاصم،و حمزة،و الكسائيّ،و خلف (نغفر) بالنّون مبنيّا للفاعل،و (خطياتكم) بصيغة جمع المؤنّث السّالم أيضا،و قرأه أبو عمرو (نغفر) بالنّون و (خطاياكم) بصيغة جمع التّكسير،مثل آية البقرة،و قرأ ابن عامر:

(تغفر) بالفوقيّة،و (خطيئتكم) بالإفراد.

و الاختلاف بينها و بين آية البقرة في قراءة نافع و من وافقه،تفنّن في حكاية القصّة.(8:326)

خطاياكم-خطاياهم

...وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. العنكبوت:12

راجع:ح م ل:«و لنحمل-بحاملين».

ص: 386

خطاياكم

...وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ. البقرة:58

الطّبريّ: الخطايا:جمع خطيّة،بغير همز،كما المطايا:جمع مطيّة،و الحشايا جمع حشيّة.و إنّما ترك جمع«الخطايا»بالهمز،لأنّ ترك الهمز في«خطيئة» أكثر من الهمز،فجمع على خطايا،على أنّ واحدتها غير مهموزة.و لو كانت«الخطايا»مجموعة على «خطيئة»بالهمز،لقيل:خطائي،على مثل قبيلة و قبائل،و صحيفة و صحائف.و قد تجمع«خطيئة» بالتّاء،فيهمز فيقال:خطيئات.

و الخطيئة«فعيلة»من خطئ الرّجل يخطأ خطأ؛ و ذلك إذا عدل عن سبيل الحقّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:342)

الزّجّاج: قوله: نَغْفِرْ لَكُمْ جزم جواب الأمر، و المعنى:أن تقولوا ما أمرتم به نغفر لكم خطاياكم.

و قرأ بعضهم (نغفر لكم خطياتكم) .و القراءة الأولى أكثر،فمن قال: (خطياتكم) فهو جمع خطيئة بالألف و التّاء،نحو سفينة و سفينات،و صحيفة و صحيفات، و القراءة كما وصفنا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ.

و الأصل في خطايا:خطائئ،فتجمع همزتان تقلب الثّانية ياء فتصير خطائئ،فأعلّ مثل«حظاعي»،ثمّ يجب أن تقلب الياء و الكسرة إلى الفتحة و الألف، فتصير خطاءا،مثل حظاعا،فيجب بأن تبدل الهمزة ياء،لوقوعها بين ألفين،لأنّ الهمزة مجانسة للألفات، فاجتمعت ثلاثة أحرف من جنس واحد.

و هذا الّذي ذكرناه مذهب سيبويه،و لسيبويه مذهب آخر أصله للخليل،و هو أنّه زعم أنّ«خطايا» أصلها«فعائل»،فقلبت إلى«فعالى»،فكان الأصل عنده«خطائي»مثل«خطائع»فأعلّ ثمّ قدّمت الهمزة فصارت«خطائي»مثل«خطاعي»،ثمّ قلبت بعد ذلك على المذهب الأوّل،و هذا المذهب ينقص في الإعلال مرتبة واحدة،و اللّفظ يؤول في اللّفظين:

خطايا.(1:139)

نحوه ملخّصا أبو السّعود(1:137)،و الآلوسيّ (1:266)،و ابن عاشور(1:498).

الماورديّ: الخطأ:العدول عن القصد،يقال:

خطئ الشّيء خطأ،إذا أصابه و لم يرده،و أخطأ يخطئ،إذا أراده و لم يصبه؛فالأوّل خاطئ،و الثّاني مخطئ.(1:126)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: خَطاياكُمْ ففيه قراءات:

أحدها:قرأ الجحدريّ (خطيئتكم) بمدّة و همزة و تاء مرفوعة بعد الهمزة على واحدة.

و ثانيها:الأعمش(خطيئاتكم)بمدّة و همزة و ألف بعد الهمزة قبل التّاء،و كسر التّاء.

و ثالثها:الحسن كذلك،إلاّ أنّه يرفع التّاء.

و رابعها:الكسائيّ(خطاياكم)بهمزة ساكنة بعد الطّاء قبل الياء.

و خامسها:ابن كثير بهمزة ساكنة بعد الياء و قبل الكاف.

و سادسها:الكسائيّ بكسر الطّاء و التّاء،و الباقون

ص: 387

بإمالة الياء فقط.(3:90)

أبو حيّان :الخطيئة:«فعيلة»من الخطإ،و الخطأ:

العدول عن القصد.يقال:خطئ الشّيء:أصابه بغير قصد،و أخطأ:إذا تعمّد،و أمّا«خطايا»:فجمع «خطيّة»مشدّدة عند الفرّاء،كهديّة و هدايا،و جمع «خطيئة»المهموز عند سيبويه و الخليل...[ثمّ قال نحو الزّجّاج](1:217)

خطايانا

1- إِنّا آمَنّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَ ما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَ اللّهُ خَيْرٌ وَ أَبْقى. طه:73.

ابن عبّاس: شركنا.(264)

الطّبريّ: ليعفو لنا عن ذنوبنا فيسترها علينا.

(8:437)

البيضاويّ: خَطايانا من الكفر و المعاصي.

(2:55)

أبو السّعود : خَطايانا الّتي اقترفنا فيها من الكفر و المعاصي،و لا يؤاخذنا بها في الدّار الآخرة،لا ليمتّعنا بتلك الحياة الفانية،حتّى نتأثّر بما أوعدتنا به من القطع و الصّلب.(4:295)

مثله الآلوسيّ.(16:233)

الطّباطبائيّ: الخطايا:جمع خطيئة،و هي قريبة معنى من السّيّئة.(14:182)

2- إِنّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ. الشّعراء:51

مثل ما قبلها.

اخطاتم

وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ... الأحزاب:5

ابن عبّاس: فِيما أَخْطَأْتُمْ من النّسبة.(350)

مجاهد :ما أخطأتم قبل النّهي و ما تعمّدت قلوبكم بعد النّهي،في هذا و غيره.(الماورديّ 4:372)

نحوه البغويّ.(3:608)

قتادة :إذا دعوت الرّجل لغير أبيه،و أنت ترى أنّه كذلك وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ يقول اللّه:لا تدعه لغير أبيه متعمّدا،أمّا الخطأ فلا يؤاخذكم اللّه به، و لكن يؤاخذكم بما تعمّدت قلوبكم.(10:258)

الطّبريّ: يقول:و لا حرج عليكم و لا وزر في خطإ يكون منكم،في نسبة بعض من تنسبونه إلى أبيه، و أنتم ترونه ابن من ينسبونه إليه،و هو ابن لغيره وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ يقول:و لكنّ الإثم و الحرج عليكم في نسبتكموه إلى غير أبيه،و أنتم تعلمونه ابن غير من تنسبونه إليه.(10:257)

نحوه الطّبرسيّ.(4:337)

الزّجّاج: في هذا وجهان:

أحدهما:و ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ممّا قد فعلتموه قبل أن تنهوا عن هذا، وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ أي و لكنّ الإثم فيما تعمّدت قلوبكم.و(ما) في موضع جرّ عطف على(ما)الأولى،المعنى:و ليس عليكم جناح في الّذي أخطأتم به،و لكن في الّذي تعمّدت قلوبكم.

و يجوز أن يكون:و لا جناح عليكم في أن تقولوا

ص: 388

له:يا بنيّ على غير أن تتعمّد أن تجريه مجرى الولد في الإرث.(4:215)

النّحّاس: في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها:[قول مجاهد]

الثّاني:و قيل: فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ أن يقول له:يا بنيّ في المخاطبة على غير تبنّ.

الثّالث:[قول قتادة]و هذا أولاها و أبينها.

(5:323)

الماورديّ: فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها:[قول مجاهد]

الثّاني:(ما اخطاتم به):ما سهوتم عنه، و ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ :ما قصدتموه عن عمد،قاله حبيب بن أبي ثابت.

الثّالث:[قول قتادة](4:372)

الطّوسيّ: فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ فنسبتموه إلى من انتمى إليه،و أنّ اللّه لا يؤاخذكم به وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ فقصدتموه من ذلك و أردتموه هو الّذي تؤاخذون به.و موضع(ما)جرّ،تقديره:و لكن فيما تعمّدت قلوبكم.(8:315)

الزّمخشريّ: المعنى:لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك،مخطئين جاهلين قبل ورود النّهي،و لكنّ الإثم فيما تعمّدتموه بعد النّهي،أو لا إثم عليكم إذا قلتم لولد غيركم يا بنيّ،على سبيل الخطإ و سبق اللّسان، و لكن إذا قلتموه متعمّدين.

و يجوز أن يراد العفو عن الخطإ دون العمد على طريق العموم،كقوله عليه الصّلاة و السّلام:«و ما أخشى عليكم الخطأ و لكن أخشى عليكم العمد».

و قوله عليه الصّلاة و السّلام:«وضع عن أمّتي الخطأ و النّسيان و ما أكرهوا عليه»ثمّ تناول لعمومه خطأ التّبنّيّ و عمده.(3:250)

نحوه النّسفيّ.(3:294)

ابن عطيّة: رفع للحرج عمّن و هم و نسي و أخطأ، فجرى على العادة من نسبة زيد إلى محمّد و غير ذلك ممّا يشبهه،و أبقى الجناح في التّعمّد مع النّهي المنصوص،و قوله تعالى: وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً يريد لما مضى من فعلهم في ذلك،ثمّ هي صفتان للّه تعالى تطّرد في كلّ شيء.

و قالت فرقة:خطأهم فيما كان سلف من قولهم ذلك.

و هذا ضعيف لا يتّصف ذلك بخطإ إلاّ بعد النّهي، و إنّما«الخطأ»هنا بمعنى النّسيان،و ما كان مقابل العمد.(4:369)

الفخر الرّازيّ: أَخْطَأْتُمْ يعني قول القائل لغيره:يا بنيّ،بطريق الشّفقة،و قول القائل لغيره:يا أبي،بطريق التّعظيم،فإنّه مثل الخطإ؛أ لا ترى أنّ اللّغو في اليمين مثل الخطإ و سبق اللّسان،فكذلك سبق اللّسان في قول القائل:ابني،و السّهو في قوله:ابني من غير قصد إلى إثبات النّسب سواء.و قوله: وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ مبتدأ،خبره محذوف،يدلّ عليه ما سبق و هو الجناح،يعني ما تعمّدت قلوبكم فيه جناح.

(25:193)

نحوه أبو حيّان(7:212)،و الشّربينيّ(3:221).

ص: 389

البيضاويّ: و لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين قبل النّهي أو بعده،على النّسيان أو سبق اللّسان وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ و لكنّ الجناح فيما تعمّدت قلوبكم،أو و لكن ما تعمّدت قلوبكم فيه الجناح.(2:239)

نحوه أبو السّعود(5:210)،و المراغيّ(21:129) و الطّباطبائيّ(16:276).

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و ظاهر الآية حرمة تعمّد دعوة الإنسان لغير أبيه، و لعلّ ذلك فيما إذا كانت الدّعوة على الوجه الّذي كان في الجاهليّة،و أمّا إذا لم تكن كذلك كما يقول الكبير للصّغير على سبيل التّحنّن و الشّفقة:يا ابني و كثيرا ما يقع ذلك فالظّاهر عدم الحرمة.

(21:148)

ابن عاشور :معنى فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ ما يجري على الألسنة خارجا مخرج الغالب فيما اعتادوه،أن يقولوا:فلان ابن فلان للدّعيّ،و متبنّيه،و لذلك قابله بقوله: وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ أي ما تعمّدته عقائدكم بالقصد و الإرادة إليه.

و بهذا تقرّر إبطال حكم التّبنّي،و أن لا يقول أحد لدعيّه:هو ابني،و لا يقول:تبنّيت فلانا،و لو قاله أحد لم يكن لقوله أثر،و لا يعتبر وصيّة،و إنّما يعتبر قول الرّجل:أنزلت فلانا منزلة ابن لي يرث ما يرثه ابني.

و هذا هو المسمّى بالتّنزيل،و هو خارج مخرج الوصيّة بمناب وارث إذا حمله ثلث الميّت.

و أمّا إذا قال لمن ليس بابنه:هو ابني،على معنى الاستلحاق،فيجري على حكمه إن كان المنسوب مجهول النّسب،و لم يكن النّاسب مريدا التّلطّف و التّقريب.و عند أبي حنيفة و أصحابه من قال:هو ابني-و كان أصغر من القائل و كان مجهول النّسب سنّا -ثبت نسبه منه،و إن كان عبده عتق أيضا،و إن كان لا يولد مثله لمثله،لم يثبت النّسب،و لكنّه يعتق عليه عند أبي حنيفة،خلافا لصاحبيه،فقالا:لا يعتق عليه.

و أمّا معروف النّسب فلا يثبت نسبه بالقائل،فإن كان عبدا يعتق عليه،لأنّ إطلاقه ممنوع إلاّ من جهة النّسب،فلو قال لعبده:هو أخي،لم يعتق عليه.إذا قال:لم أرد به أخوّة النّسب،لأنّ ذلك يطلق في أخوّة الإسلام بنصّ الآية.و إذا قال أحد لدعيّه:يا بنيّ،على وجه التّلطّف،فهو ملحق بالخطإ،و لا ينبغي التّساهل فيه إذا كانت فيه ريبة.(21:191)

مكارم الشّيرازيّ: ربّما يدعو الشّخص إنسانا لغير أبيه لاعتياده ذلك سابقا،أو لسبق لسانه،أو لاشتباهه في تشخيص نسب الأفراد و هذا خارج عن حدود اختيار الإنسان فإنّ اللّه العادل الحكيم سوف لا يعاقب مثل هذا الإنسان،و لذا أردفت الآية: وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً.

إنّه تعالى يغفر لكم ما سبق،و يعفو عن السّهو و النّسيان و الاشتباه،أمّا بعد نزول هذا الحكم فإنّ اللّه عزّ و جلّ سوف لا يغفر لكم مخالفتكم إن صدرت عن عمد و قصد،فتدعون أفرادا بغير أسماء آبائهم، و تستمرّون على اتّباع هذا العرف السّيّئ بالدّعوة

ص: 390

لغير الأب.

و قال بعض المفسّرين:إنّ موضوع الخطإ يشمل الموارد الّتي يقول فيها الإنسان لآخر تحبّبا:ولدي، أو يا بنيّ،أو يقول فيها لآخر احتراما:يا أبت!

و هذا الكلام صحيح-طبعا-و هذه التّعبيرات لا تعدّ ذنبا،لكن لا لأجل عنوان الخطإ،بل لأنّ لهذه التّعبيرات صفة الكناية و المجاز،و قرينتها معها عادة، و القرآن ينفي التّعبيرات الحقيقيّة في هذا الباب، لا المجازيّة.(13:150)

فضل اللّه : وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ من الكلمات الصّادرة عن السّهو أو النّسيان، أو الخطإ في تقييم الأمور عن غير قصد، وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ في ما تتّخذونه في عقولكم من القيم الخاطئة،و الأحكام الباطلة.فالقضيّة الّتي يريد اللّه أن يثيرها لدى الإنسان كقيمة من القيم الدّينيّة،هي أن لا يعقد قلبه على خطإ في الفكرة أو في المنهج أو في التّشريع،لأنّ الخطأ في الكلمة قد يغتفر إذا صدر عن غير قصد،و لكنّ الخطأ في الفكرة أو في الخطّ عن قصد أو تقصير،قد يخلق أكثر من مشكلة للإنسان و للحياة، وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً في ما أخطأ به النّاس عن غير قصد.(18:260)

اخطانا

رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. البقرة:286

ابن عبّاس: أَوْ أَخْطَأْنا في أمرك.(42)

عطاء: إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا يعني إن جهلنا أو تعمّدنا له.(الثّعلبيّ 2:307)

قتادة :بلغني أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«إنّ اللّه عزّ و جلّ تجاوز لهذه الأمّة عن نسيانها و ما حدّثت به أنفسها».

(الطّبريّ 3:155)

الكلبيّ: كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا ممّا أمروا به و أخطئوا،عجّلت لهم العقوبة،فيحرّم عليهم شيء من مطعم أو مشرب،على حسب ذلك الذّنب، فأمر اللّه تعالى نبيّه و المؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك.(الثّعلبيّ 2:307)

ابن زيد :إن نسينا شيئا ممّا افترضته علينا، أو أخطأنا،فأصبنا شيئا ممّا حرّمته علينا.

(الطّبريّ 3:155)

قطرب: النّسيان هاهنا:التّرك،كقول الرّجل للرّجل:لا تنسني من عطيّتك،أي لا تتركني منها، أَوْ أَخْطَأْنا أي خطئنا و أذنبنا،ليس على الخطإ.

(النّحّاس 1:332)

الطّبريّ: إِنْ نَسِينا شيئا فرضت علينا عمله فلم نعمله، أَوْ أَخْطَأْنا في فعل شيء نهيتنا عن فعله ففعلناه،على غير قصد منّا إلى معصيتك،و لكن على جهالة منّا به و خطإ.

إن قال لنا قائل:و هل يجوز أن يؤاخذ اللّه عزّ و جلّ عباده بما نسوا أو أخطئوا،فيسألوه أن لا يؤاخذهم بذلك؟

قيل:إنّ«النّسيان»على وجهين:...[إلى أن قال:]

و كذلك ل«الخطأ»وجهان:

أحدهما:من وجه ما نهي عنه العبد فيأتيه بقصد

ص: 391

منه و إرادة،فذلك خطأ منه،و هو به مأخوذ.يقال منه:

«خطئ فلان و أخطأ»فيما أتى من الفعل،و«أثم»، إذا أتى ما يأثم فيه و ركبه،و منه قول الشّاعر:

النّاس يلحون الأمير إذا هم

خطئوا الصّواب و لا يلام المرشد

يعني:أخطئوا الصّواب،و هذا الوجه الّذي يرغّب العبد إلى ربّه في صفح ما كان منه من إثم عنه،إلاّ ما كان من ذلك كفرا.

و الآخر منهما:ما كان منه على وجه الجهل به، و الظّنّ منه بأنّ له فعله،كالّذي يأكل في شهر رمضان ليلا و هو يحسب أنّ الفجر لم يطلع،أو يؤخّر صلاة في يوم غيم و هو ينتظر بتأخيره إيّاها دخول وقتها، فيخرج وقتها و هو يرى أنّ وقتها لم يدخل،فإنّ ذلك من الخطإ الموضوع عن العبد،الّذي وضع اللّه عزّ و جلّ عن عباده الإثم فيه،فلا وجه لمسألة العبد ربّه أن لا يؤاخذه به.

و قد زعم قوم أنّ مسألة العبد ربّه أن لا يؤاخذه بما نسي أو أخطأ،إنّما هو فعل منه لما أمره به ربّه تبارك و تعالى،أو لما ندبه إليه من التّذلّل له و الخضوع بالمسألة،فأمّا على وجه مسألته الصّفح،فما لا وجه له عندهم.(3:155)

الزّجّاج: قيل فيه قولان:قال بعضهم:إنّه على ما جاء عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«عفي لهذه الأمّة عن نسيانها و ما حدّثت به أنفسها»،و قيل: إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا أي إن تركنا، أَوْ أَخْطَأْنا أي كسبنا خطيئة،و اللّه أعلم.

إلاّ أنّ هذا الدّعاء أخبر اللّه به عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين و جعله في كتابه،ليكون دعاء من يأتي بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و الصّحابة رحمهم اللّه.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ اللّه عزّ و جلّ قال في كلّ فصل من هذا الدّعاء:فعلت فعلت،أي استجبت.فهو من الدّعاء الّذي ينبغي أن يحفظ و أن يدعى به كثيرا.

(1:370)

النّحّاس: [نقل كلام قطرب و أيّد كلامه في «النّسيان»ثمّ قال:]

و الّذي قال في: أَخْطَأْنا لا يعرفه أهل اللّغة، لأنّه إنّما يقال:«خطينا»أي تعمّدنا الذّنب، و«أخطأنا»إذا لم نتعمّده،فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر،و لا يكون معنى(أخطأنا):دخلنا في الخطيئة، كما يقال:أظلمنا و أصبحنا،و أنجدنا.(1:333)

الثّعلبيّ: أَوْ أَخْطَأْنا جعله بعضهم من القصد و العمد،يقال:خطئ فلان،إذا تعمّد يخطأ خطأ و خطأ،قال اللّه: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً الإسراء:

31،[ثمّ استشهد بشعر]

و جعله الآخرون من الخطإ الّذي هو الجهل و السّهو،و هو الأصحّ،لأنّ ما كان عمدا من الذّنب غير معفوّ عنه،بل هو في مشيئة اللّه تعالى ما لم يكن كفرا.(2:307)

الماورديّ: فيه تأويلان:

أحدهما:ما تأوّلوه من المعاصي بالشّبهات.

و الثّاني:ما عمدوه من المعاصي الّتي هي خطأ تخالف الصّواب.(1:364)

الزّمخشريّ: إن قلت:النّسيان و الخطأ متجاوز

ص: 392

عنهما،فما معنى الدّعاء بترك المؤاخذة بهما؟

قلت:ذكر النّسيان و الخطأ،و المراد بهما:ما هما مسبّبان عنه من التّفريط و الإغفال؛أ لا ترى إلى قوله:

وَ ما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ الكهف:63،و الشّيطان لا يقدر على فعل النّسيان،و إنّما يوسوس فتكون وسوسته سببا للتّفريط الّذي منه النّسيان،و لأنّهم كانوا متّقين اللّه حقّ تقاته،فما كانت تفرط منهم فرطة إلاّ على وجه النّسيان و الخطإ،فكان وصفهم بالدّعاء بذلك إيذانا ببراءة ساحتهم عمّا يؤاخذون به،كأنّه قيل:إن كان النّسيان و الخطأ ممّا يؤاخذ به،فما فيهم سبب مؤاخذة إلاّ الخطأ و النّسيان.

و يجوز أن يدعو الإنسان بما علم أنّه حاصل له قبل الدّعاء من فضل اللّه،لاستدامته و الاعتداد بالنّعمة فيه.(1:408)

ابن عطيّة: اختلف النّاس في معنى قوله: نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا فذهب الطّبريّ و غيره إلى أنّه النّسيان بمعنى التّرك،أي إن تركنا شيئا من طاعتك و أنّه الخطأ المقصود.قالوا:و أمّا النّسيان الّذي يغلب المرء، و الخطأ الّذي هو عن اجتهاد،فهو موضوع عن المرء، فليس بمأمور في الدّعاء بأن لا يؤاخذ به.

و ذهب كثير من العلماء إلى أنّ الدّعاء في هذه الآية إنّما هو في النّسيان الغالب و الخطإ غير المقصود، و هذا هو الصّحيح عندي.قال قتادة في تفسير الآية:

بلغني أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:إنّ اللّه تجاوز لأمّتي عن نسيانها و خطئها،و قال السّدّيّ: لمّا نزلت هذه الآية فقالوها، قال جبريل للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«قد فعل اللّه ذلك يا محمّد».

فظاهر قوليهما ما صحّحته؛و ذلك أنّ المؤمنين لمّا كشف عنهم ما خافوه في قوله تعالى: يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ البقرة 284،أمروا بالدّعاء في دفع ذلك النّوع الّذي ليس من طاقة الإنسان دفعه،و ذلك في النّسيان و الخطأ.(1:394)

الطّبرسيّ: قيل:فيه وجوه:

أحدها:أنّ المراد ب نَسِينا :تركنا،كقوله تعالى:

نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ التّوبة:67،أي تركوا طاعته فتركهم من ثوابه،و قوله: وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ البقرة :44،[ثمّ استشهد بشعر]

و المراد ب أَخْطَأْنا أي أذنبنا،لأنّ المعاصي توصف بالخطإ،من حيث إنّها ضدّ الصّواب،و إن كان فاعلها متعمّدا،فكأنّه تعالى أمرهم أن يستغفروا ممّا تركوه من الواجبات،و ممّا فعلوه من المقبّحات.

و الثّاني:معنى قوله: إِنْ نَسِينا :إن تعرّضنا لأسباب يقع عندها النّسيان عن الأمر،و الغفلة عن الواجب، أَوْ أَخْطَأْنا أي تعرّضنا لأسباب يقع عندها الخطأ،و يحسن الدّعاء بذلك،كما يحسن الاعتذار منه.

و الثّالث:أنّ معناه: لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا، أي إن لم نفعل فعلا يجب فعله على سبيل السّهو و الغفلة، أَوْ أَخْطَأْنا، أي فعلنا فعلا يجب تركه من غير قصد، و يحسن هذا في الدّعاء على سبيل الانقطاع إلى اللّه تعالى،و إظهار الفقر إلى مسألته،و الاستعانة به،و إن كان مأمونا منه المؤاخذة بمثله.و يجري ذلك مجرى قوله فيما بعد: وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ على

ص: 393

أحد الأجوبة.و قوله: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ الأنبياء:112،و قد تقدّم ذكر أمثاله.

و الرّابع:ما روي عن ابن عبّاس و عطاء:أنّ معناه لا تعاقبنا إن عصينا جاهلين،أو متعمّدين.(1:403)

ابن الجوزيّ: الخطأ هاهنا من جهة العمد،لا من جهة السّهو،يقال:أخطأ الرّجل،إذا تعمّد،كما يقال:

أخطأ،إذا غفل.(1:347)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:[إلى أن قال:]

المسألة الثّالثة:اعلم أنّ النّسيان و الخطأ المذكورين في هذه الآية إمّا أن يكونا مفسّرين بتفسير ينبغي فيه القصد إلى فعل ما لا ينبغي،أو يكون أحدهما كذلك دون الآخر.

فأمّا الاحتمال الأوّل،فإنّه يدلّ على حصول العفو لأصحاب الكبائر،لأنّ العمد إلى المعصية لما كان حاصلا في النّسيان و في الخطإ،ثمّ إنّه تعالى أمر المسلمين أن يدعوه بقولهم: لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا فكان ذلك أمرا من اللّه تعالى لهم بأن يطلبوا من اللّه أن لا يعذّبهم على المعاصي.و لمّا أمرهم بطلب ذلك،دلّ على أنّه يعطيهم هذا المطلوب،و ذلك يدلّ على حصول العفو لأصحاب الكبائر.

و أمّا القسم الثّاني و الثّالث فباطلان،لأنّ المؤاخذة على ذلك قبيحة عند الخصم،و ما يقبح فعله من اللّه يمتنع أن يطلب بالدّعاء.

فإن قيل:النّاسي قد يؤاخذ في ترك التّحفّظ قصدا و عمدا على ما قرّرتم في المسألة المتقدّمة.

قلنا:فهو في الحقيقة مؤاخذ بترك التّحفّظ قصدا و عمدا،فالمؤاخذة إنّما حصلت على ما تركه عمدا.

و ظاهر ما ذكرنا دلالة هذه الآية على رجاء العفو لأهل الكبائر.(7:156)

البيضاويّ: أي لا تؤاخذنا بما أدّى بنا إلى نسيان أو خطإ من تفريط و قلّة مبالاة،أو بأنفسهما،إذ لا تمتنع المؤاخذة بهما عقلا،فإنّ الذّنوب كالسّموم،فكما أنّ تناولها يؤدّي إلى الهلاك و إن كان خطأ،فتعاطي الذّنوب لا يبعد أن يفضي إلى العقاب و إن لم يكن عزيمة،لكنّه تعالى وعد التّجاوز عنه رحمة و فضلا، فيجوز أن يدعو الإنسان به استدامة و اعتدادا بالنّعمة فيه.و يؤيّد ذلك مفهوم قوله عليه الصّلاة و السّلام:

«رفع عن أمّتي الخطأ و النّسيان».(1:147)

نحوه أبو السّعود.(1:328)

أبو حيّان :[ذكر بعض أقوال المفسّرين في معنى الآية ثمّ قال:]و قيل:في الآية دليل على حصول العفو لأصحاب الكبائر،لأنّ حمل النّسيان و الخطإ على ما لا يؤاخذ به قبيح طلبه و الدّعاء به؛فتعيّن أن يحمل على ما كان فيه العمد إلى المعصية،فيكون النّسيان:

ترك الفعل،و الخطأ:الفعل،و قد أمر تعالى المؤمنين بطلب عدم المؤاخذة بهما،فهو أمر منه لهم أن يطلبوا منه أن لا يعذّبهم على المعاصي،و هذا دليل على إعطائه إيّاهم هذا المطلوب.(2:368)

الشّربينيّ: [نحو البيضاويّ و الزّمخشريّ]

(1:191)

البروسويّ: شروع في حكاية بقيّة دعواتهم إثر بيان سرّ التّكليف،أي يقولون:ربّنا لا تؤاخذنا بما

ص: 394

صدر عنّا من الأمور المؤدّية إلى النّسيان أو الخطإ،من تفريط و قلّة مبالاة و نحوهما،ممّا يدخل تحت التّكليف.

و دلّ هذا على جواز المؤاخذة في النّسيان و الخطإ،فإنّ التّحرّز عنهما في الجملة ممكن،و لو لا جواز المؤاخذة في النّسيان و الخطإ لم يكن للسّؤال معنى.و خفّف اللّه عن هذه الأمّة فرفع عنها المؤاخذة، و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«رفع عن أمّتي الخطأ و النّسيان و ما استكرهوا عليه»فدلّ أنّهم مخصوصون بهما،و الأمم السّالفة كانوا مؤاخذين فيهما.(1:448)

الآلوسيّ: شروع في حكاية بقيّة دعواتهم إثر بيان سرّ التّكليف.و قيل:استيفاء لحكاية الأقوال.و في «البحر»و هو المرويّ عن الحسن:أنّ ذلك على تقدير الأمر،أي قولوا في دعائكم ذلك،فهو تعليم منه تعالى لعباده كيفيّة الدّعاء و الطّلب منه.و هذا من غاية الكرم و نهاية الإحسان،يعلّمهم الطّلب ليعطيهم، و يرشدهم للسّؤال ليثيبهم.

و المؤاخذة:المعاقبة،و«فاعل»هنا بمعنى«فعل».

و قيل:«المفاعلة»على بابها،لأنّ اللّه تعالى يؤاخذ المذنب بالعقوبة،و المذنب كأنّه يؤاخذ ربّه بالمطالبة بالعفو؛إذ لا يجد من يخلّصه من عذابه سواه،فلذلك يتمسّك العبد عند الخوف منه به،فعبّر عن كلّ واحد بلفظ المؤاخذة،و لا يخفى فساد هذا إلاّ بتكلّف.

و اختلفوا في المراد من النّسيان و الخطإ على وجوه:

الأوّل:أنّ المراد من الأوّل:التّرك،و المراد من الثّاني:العصيان،لأنّ المعاصي توصف بالخطإ الّذى هو ضدّ الصّواب،و إن كان فاعلها متعمّدا،كأنّه قيل:ربّنا لا تعاقبنا على ترك الواجبات و فعل المنهيّات.

[الثّاني و الثّالث:نحو البيضاويّ ثمّ قال:]

و أورد على هذا بأنّه لا يتمّ على مذهب المحقّقين من أهل السنّة و المعتزلة،من أنّ التّكليف بغير المقدور غير جائز عقلا منه تعالى؛إذ لا يكون ترك المؤاخذة على الخطإ و النّسيان حينئذ فضلا يستدام،و نعمه يعتدّ بها.(3:70)

المراغيّ: علّمنا سبحانه أن ندعوه بألاّ يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا تفضّلا منه،و إحسانا علينا؛إذ كان ينبغي العناية و الاحتياط و التّذكّر،لعلّنا نسلم من الخطإ و النّسيان،أو يقلّ وقوعها منّا،فيكون ذنبنا جديرا بالعفو و المغفرة.

ذاك أنّ النّسيان قد يكون من عدم العناية بالشّيء،و ترك إجالة الفكر فيه،ليستقرّ في النّفس، و من ثمّ ينسى الإنسان ما لا يهمّه و يحفظ ما يهمّه، و يؤاخذ النّاس بعضهم بعضا بالنّسيان،و لا سيّما نسيان الأدنى لما يأمره به الأعلى،فإنّه إن لم يفعل ما يأمره به نسيانا رماه بالإهمال و التّقصير،و آخذه على ذلك.

و كذلك الخطأ ينشأ من التّساهل و عدم الاحتياط و التّروّيّ،و من ثمّ أوجبت الشّريعة الضّمان في إتلاف الشّيء خطأ،فإذا رمى امرئ صيدا فأخطأ و أصاب إنسانا فقتله،أوخذ به في الشّريعة و القوانين الوضعيّة.

و بهذا تعلم أنّ المؤاخذة على النّسيان و الخطإ ممّا جاءت به الشّريعة،و جرى عليه العرف في المعاملات

ص: 395

و القوانين،و لو لم يكن كلّ منهما مقصّرا ما جاز هذا و ما حسن.و كذلك يجوز أن يؤاخذ اللّه النّاس في الآخرة بما يأتونه من المنكر ناسين تحريمه،أو واقعين فيه خطأ.

و الخلاصة:أنّ المراد من الآية أنّ الخطأ و النّسيان ممّا يرجى العفو عنهما إذا وقع الإنسان فيهما بعد بذل الجهد و التّفكّر و التّذكّر و أخذ الدّين بقوّة،ثمّ لجأ إلى الدّعاء الّذي يقوّي في النّفس خشية اللّه و رجاء فضله، فيكون هذا الإقبال نورا تنقشع به ظلمة ذلك التّقصير.

و ما رواه ابن ماجه و البيهقيّ في السّنن عن ابن عبّاس مرفوعا:«إنّ اللّه تجاوز عن أمّتي الخطأ و النّسيان و ما استكرهوا عليه»فهو وعد من اللّه بالتّجاوز عنها يوم القيامة،رحمة منه و فضلا.(3:86)

ابن عاشور :يجوز أن يكون هذا الدّعاء محكيّا من قول المؤمنين،الّذين قالوا: سَمِعْنا وَ أَطَعْنا البقرة:285،بأن اتّبعوا القبول و الرّضا،فتوجّهوا إلى طلب الجزاء و مناجاة اللّه تعالى،و اختيار حكاية هذا عنهم في آخر السّورة تكملة للإيذان بانتهائها.

و يجوز أن يكون تلقينا من جانب اللّه تعالى إيّاهم، بأن يقولوا هذا الدّعاء،مثل ما لقّنوا التّحميد في سورة الفاتحة،فيكون التّقدير،قولوا: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إلى آخر السّورة؛إنّ اللّه بعد أن قرّر لهم أنّه لا يكلّف نفسا إلاّ وسعها،لقّنهم مناجاة بدعوات هي من آثار انتفاء التّكليف بما ليس في الوسع.و المراد من الدّعاء به:طلب الدّوام على ذلك لئلاّ ينسخ ذلك من جرّاء غضب اللّه،كما غضب على الّذين قال فيهم: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ النّساء:160.

و المؤاخذة مشتقّة من الأخذ بمعنى العقوبة،كقوله:

وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ هود:102،و«المفاعلة»فيه للمبالغة،أي لا تأخذنا بالنّسيان و الخطإ.

و المراد ما يترتّب على النّسيان و الخطإ من فعل أو ترك لا يرضيان اللّه تعالى.

فهذه دعوة من المؤمنين دعوها قبل أن يعلموا أنّ اللّه رفع عنهم ذلك بقوله: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«رفع عن أمّتي الخطأ و النّسيان و ما استكرهوا عليه».و في رواية:«وضع» رواه ابن ماجه و تكلّم العلماء في صحّته،و قد حسّنه النّوويّ،و أنكره أحمد.و معناه صحيح في غير ما يرجع إلى الخطاب الوضع.

فالمعني رفع اللّه عنهم المؤاخذة فبقيت المؤاخذة بالإتلاف و الغرامات،و لذلك جاء في هذه الدّعوة لا تُؤاخِذْنا أي لا تؤاخذنا بالعقاب على فعل نسيان أو خطإ،فلا يرد إشكال الدّعاء بما علم حصوله،حتّى نحتاج إلى تأويل الآية بأنّ المراد بالنّسيان و الخطإ سببهما،و هو التّفريط و الإغفال، كما في«الكشّاف».(2:601)

مغنيّة:هنا إشكال مشهور كثر حوله الكلام، و حول جوابه في كتب الأصول و علم الكلام.

و ملخّص الإشكال أنّ«الخطأ و النّسيان»لا يدخلان تحت إرادة الإنسان و قدرته،فالمؤاخذة عليهما

ص: 396

مرفوعة بذاتها،فمن نسي الصّلاة،أو أخطأ في فهم الحكم الشّرعيّ و استخراجه من مصدره يحكم بمعذوريّته و قبح مؤاخذته.إذن فلا معنى لطلب رفع المؤاخذة عنه.

و غريب ما أجاب به الشّيخ محمّد عبده كما نقل صاحب المنار في تفسيره من أنّ النّاسي و المخطئ تصحّ مؤاخذتهما،بدليل أنّ الشّريعة الإسلاميّة و الشّرائع الوضعيّة قد أوجبت الضّمان على من أتلف مال غيره خطأ،كما أوجبت الدّية على من قتل إنسانا من غير قصد.و أخذ هذا الجواب و تبنّاه في تفسيره الشّيخ مصطفى المراغيّ.

و وجه الغرابة أنّ المقصود من«المؤاخذة»في الآية هو العقاب و المسئوليّة الأدبيّة،لا الغرامة المادّيّة،فمن قتل إنسانا،أو أتلف ماله خطأ لا يعاقب،و لا يسأل عن شيء من الوجهة الأدبيّة،و إنّما يحكم عليه بغرامة ماليّة،تماما كالمديون.

و الصّحيح في الجواب:أنّ الخطأ و النّسيان يصدران تارة من الإنسان بعد تحفّظه و احتياطه،و هذا النّوع من النّسيان و الخطإ يعذر فيه صاحبه،و لا تجوز مؤاخذته أدبيّا،و هو المقصود من الآية الكريمة.و تارة يصدر الخطأ و النّسيان عن التّهاون و ترك التّحفّظ؛ بحيث لو تيقّظ و احترز لم يصدرا منه،و هذا النّوع لا يعذر فيه صاحبه،و تجوز المؤاخذة عليه،و هو المطلوب رفعه في الدّعاء،و عليه يسقط الإشكال من أساسه.(1:456)

الطّباطبائيّ: ...و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إن كان معصوما من الخطإ و النّسيان،لكنّه إنّما يعتصم بعصمة اللّه و يصان به تعالى،فصحّ له أن يسأل ربّه ما لا يأمنه من نفسه،و يدخل نفسه لذلك في زمرة المؤمنين.

(2:445)

مكارم الشّيرازيّ: العقاب على النّسيان و الخطإ:

لما ذا الدّعاء؟لأن يغفر اللّه الذّنوب المرتكبة نسيانا أو خطأ؟فهل اللّه يعاقب على مثل هذه الذّنوب؟

في الجواب:لا بدّ من القول بأنّ النّسيان يكون أحيانا من باب التّماهل و التّساهل من جانب الإنسان نفسه.بديهيّ أنّ هذا النّوع من النّسيان لا يضع المسئوليّة عن الإنسان،كما جاء في القرآن: فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا السّجدة:14،و عليه فإنّ النّسيان النّاشئ عن التّساهل يوجب العقاب.

ثمّ لا بدّ من ملاحظة أنّ هناك فرقا بين النّسيان و الخطإ:فالخطأ يقال عادة في الأمور الّتي تقع لغفلة من الإنسان و عدم انتباه منه،كأن يطلق رصاصة ليصيد صيدا فتصيب رصاصته إنسانا فتجرحه.

أمّا النّسيان فهو أن يتّجه الإنسان للقيام بعمل ما، و لكنّه ينسى كيف يقوم بذلك،كأن يعاقب المرء إنسانا بريئا ظنّا منه أنّه المذنب،لنسيانه مميّزات المذنب الحقيقيّ.(2:265)

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير«الخاطئين»على ثلاثة وجوه:

فوجه منها:خاطئين يعني مذنبين من غير شكّ،

ص: 397

فذلك قوله في يوسف:91، قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ، و قوله سبحانه: قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنّا كُنّا خاطِئِينَ يوسف:97، يعني مذنبين من غير شكّ.

و الوجه الثّاني:«خاطئين»يعني مذنبين في الشّرك،فذلك قوله تعالى في الحاقّة:37: لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ يعني مذنبين في الشّرك،و قوله سبحانه:

إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ القصص:8،يعني مذنبين في الشّرك.

و الوجه الثّالث:الخطأ ما لم يتعمّد له،فذلك قوله في البقرة:286: لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا يعني ما لم نتعمّد له.و قال في النّساء:92: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً أي لا يتعمّد قتله.

(278)

مثله هارون الأعور(303)،و نحوه الدّامغانيّ (306).

الحيريّ: «الخطيئة»على أربعة أوجه:

أحدها:عبادة العجل،كقوله تعالى في البقرة:58، و الأعراف:161: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ.

و الثّاني:السّيّئة،كقوله: وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ البقرة:81.

و الثّالث:الشّرك،كقوله: مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً نوح:25.

و الرّابع:الذّنب و الإثم الّذي يوجب القيام في الدّنيا،كقوله: وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ إلى قوله: كانَ خِطْأً كَبِيراً الإسراء:31.(240)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخطأ،و هو عدول السّهم عن الغرض.يقال:خطئ السّهم و خطأ،أي عدل عن الهدف و حاد،و أخطأ الرّامي الغرض:

لم يصبه،و في المثل:«مع الخواطئ سهم صائب»، يضرب للّذي يكثر الخطأ و يأتي الأحيان بالصّواب.

و أخطأ الطّريق:عدل عنه،و الخطأة:أرض يخطئها المطر و يصيب أخرى قربها.

و الخطأ و الخطاء:ضدّ الصّواب.يقال:خطئ الرّجل،إذا تعمّد الخطأ،فهو خاطئ،و أخطأ يخطئ إخطاء،إذا أراد شيئا فأصاب غيره،فهو مخطئ، و منه:قتل الخطاء،لأنّه لم يرد قتله.و أخطأ نوءه،إذا طلب حاجته فلم ينجح و لم يصب شيئا.

و أخطأه و تخطّأ له في هذه المسألة و تخاطأ:أراه أنّه مخطئ فيها،و تخاطأه و تخطّأه:أخطأه؛و خطّأه تخطئة و تخطيئا:نسبه إلى الخطإ و قال له:أخطأت، و منه قولهم:إن أخطأت فخطّئني،أي قل لي:قد أخطأت.

و الخطء:الذّنب.يقال:خطئ الرّجل يخطأ خطأ و خطأة،أي أذنب و أثم،فهو خاطئ.

و الخطيئة:الذّنب،و الجمع:خطايا.و رجل خطّاء:

ملازم للخطايا غير تارك لها.

2-و ذهب بعض المستشرقين أنّ لفظ«الخطيئة» سريانيّ المنشإ (1)

ص: 398


1- انظر«خطأ»من«المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم».

و شكّك آخر في اطّلاع عرب الجاهليّة عليه. (1)

و لم يكتفوا بهذا،بل شطّوا في قولهم و أبعدوا كثيرا، فقالوا:إنّ جميع الصّيغ العربيّة الأخرى لهذه المادّة قد تأثّرت بالسّريانيّة،أو أخذت من الآراميّة،رغم اعترافهم بأنّ أهل مكّة و المدينة كانوا يفهمون مشتقّاتها،بدليل استعمالها في القرآن. (2)

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء من المجرّد اسم الفاعل مفردا مرّتين،و جمعا 5 مرّات:(الخاطئون)مرّة،و(الخاطئين)4 مرّات و صفة (خطيئة)مفردا 3 مرّات و جمعا 7 مرّات:(خطيئات) مرّتين،و(خطايا)5 مرّات،و المصدر:(خطأ)مرّتين، و(خطأ)مرّة.و من الإفعال(الماضي)مرّتين كلّها 22 مرّة في 21 آية:

1-الإخطاء

1- ...وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ...

الأحزاب:5

2- ...رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا...

البقرة:286

2-الخطأ و الخاطئة و الخاطئون

3- وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ... النّساء:92

4- وَ جاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ الحاقّة:9

5- كَلاّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ العلق:15،16

6- وَ لا طَعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ* لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ الحاقّة:36،37

7- ...وَ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ يوسف:29

8- قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ يوسف:91

9- قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنّا كُنّا خاطِئِينَ يوسف:97

10- ...إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ القصص:8

3-خطيئة و خطيئات و خطايا

11- وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:112

12- بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:81

13- وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ الشّعراء:82

14- ...وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ... الأعراف:161

15- مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْصاراً نوح:25

16- ...وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ... البقرة:58

ص: 399


1- راجع«الخطيئة»من«دائرة المعارف الإسلاميّة».
2- «المفردات الدّخيلة».

17- ...اِتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ... العنكبوت:12

18- إِنّا آمَنّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا... طه:73

19- إِنّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ الشّعراء:51

20- ...وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً

الإسراء:31

يلاحظ أوّلا:أنّه جاءت مشتقّات هذه المادّة في ثلاثة محاور،و كلّها يرجع إلى صنفين من الخطإ:العمد و غير العمد.

الأوّل:الخطأ في عشر آيات:(110)،و فيها بحوث:

1-لم يستعمل فعل من هذه المادّة إلاّ في الإخطاء مرّتين:(1) وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ و (2)، رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا، من قولهم:

أخطأ الرّجل،إذا أراد شيئا فأصاب غيره،و هو ذنب يغتفر.

و أمّا الخطأ فتارة يكون عن عمد،كما في(2-10) و(17)،و أخرى عن غير عمد كما في(20)،قال الطّوسيّ:«الفرق بين الخاطئ و المخطئ:أنّ المخطئ قد يكون من غير تعمّد لما وقع به من ترك إصابة المطلوب».

فلو قال في(1):فيما خطأتم به،و في(2):إن نسينا أو خطأنا،لاحتمل الأمران،فيلتبس المعنى.

2-ورد في(3)تشدّد في قتل المؤمن: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ، و هي جملة استئنافيّة،أي ما كان ينبغي لمؤمن،و أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً :جملة لا محلّ لها،و هي صلة الموصول الحرفيّ«أن»، إِلاّ خَطَأً :استثناء لقتل المؤمن أو حصر له، وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً :جملة شرطيّة،و هي معطوفة على الجملة الاستئنافيّة، فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ :جواب الشّرط،أي فينبغي تحرير رقبة.

و نظير هذه الآية في هذا الأسلوب قوله: وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ الشّورى:51،و ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ مريم:35،و غيرهما.

3-جاء الخطأ على وزن«فاعل»و جمعا في(6 10)،مفردا مؤنّثا في(4)و(5)،و هو في(6،10،و 12) بمعنى الشّرك،و في(97)بمعنى الإثم.فما كان شركا لا يغتفر،كما في(5): فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ* وَ لا طَعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ* لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ، و(6): كَلاّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ.

و ما كان ذنبا يغتفر،كما في(7): وَ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ، و(8): قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ، و(9): قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنّا كُنّا خاطِئِينَ، و الحثّ على الاستغفار في(5)و(7)دلالة على ذلك.

4-جاءت(97)في خصوص من فرّط في حقّ يوسف عليه السّلام،فالآية(7)من قول العزيز لزوجه، يأمرها فيه بالاستغفار لما بدر منها،و يصمها بأنّها من زمرة الخاطئين،و(8)من قول إخوة يوسف ليوسف،

ص: 400

يعترفون فيه بفضله عليهم،و يصمون أنفسهم بأنّهم من زمرة الخاطئين،و(9)من قولهم أيضا لأبيهم،يطلبون منه أن يستغفر لهم ذنوبهم،و يصمون أنفسهم بأنّهم من زمرة الخاطئين أيضا.و لكنّهم لم يطلبوا منه الاستغفار لذنوبهم حياء منه،و كذلك امرأة العزيز،فهي لم تستغفر اللّه من خطئها،بل تمادت في غيّها،فقالت:

وَ لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَ لَيَكُوناً مِنَ الصّاغِرِينَ يوسف:32.و قد أكّد خطأ هؤلاء في الآيات الثّلاث ب«إنّ»متلوّة ب«كان»،كما في(10):

إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ

5-جاء لفظ بِالْخاطِئَةِ في(4): وَ جاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ، و خاطِئَةٍ في(5): ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ رويّا، و الأوّل صفة لموصوف محذوف،و التّقدير:الأفعال أو الفعلة الخاطئة،و الثّاني نعت ثان للفظ ناصِيَةٍ، و هو نعت مجازيّ،و المراد صاحبها،و التّقدير:ناصية صاحبها كاذب خاطئ.و يفيد هذا الأسلوب المبالغة، أي إنّه لشدّة كذبه و خطئه كأنّ كلّ جزء من أجزائه يكذب و يخطأ.

و زعم بعضّ أنّ(الخاطئة)في(4)مصدر على «فاعلة»كالعاقبة،و هو حسن في القياس،و لكنّه ممتنع في السّماع،إذ لم يأت لفظ(الخاطئة)مصدرا، كما مرّ في النّصوص اللّغويّة.

الثّاني:الخطيئة و الخطايا في(1911)،و فيها بحوث:

1-اشترك في مقارفة الخطيئة المشرك و من ضاهاه كما في(11)و(12)و(18)و(19)،و المؤمن كما في (11)و(12)و(17)و(20)و أسند الكسب إلى الخطيئة في(11)و إلى السّيّئة في(12)،كما أسندت الإحاطة إلى الخطيئة في(12)أيضا.و قد وردت هذه الألفاظ الأربعة أي الكسب و الإحاطة و الخطيئة و السّيّئة في أهل النّار في(12): بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

و استعمل الإغراق في أهل النّار أيضا،في(15):

مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً، و هكذا كلّ ما جاء في الغرق و الإغراق فهو فيهم،إلاّ قوله تعالى:

قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها الكهف:71،لاحظ «غ ر ق».

و أسند الحمل إلى الخطايا في(17): وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ، مثلما أسند الاحتمال إلى البهتان و الإثم في(11): وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً.

كما أسند الحمل إلى ما يضارع الخطيئة،نحو الظّلم: وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً طه:111، و الإصر: رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا البقرة:286،و الوزر: مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً طه:100، لاحظ«ح م ل».

2-جاء في(11): وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ،قال الطّبريّ:«إنّما فرّق بين الخطيئة و الإثم،لأنّ

ص: 401

الخطيئة قد تكون من قبل العمد و غير العمد،و الإثم لا يكون إلاّ من العمد،ففصّل جلّ ثناؤه بينهما...»، لاحظ أ ث م:«إثما».

3-اقترنت الخطيئة و الخطايا بالغفران في الآيات (1613)و(18)و(19)،و جاء غفران الخطيئة رغبة بلفظ أَطْمَعُ على لسان إبراهيم عليه السّلام في(13):

وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ، و بلفظ نَطْمَعُ تعليلا على لسان سحرة فرعون في (19): إِنّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ، و جاء تعليلا دون لفظ«الطّمع»على لسانهم أيضا،في(18): إِنّا آمَنّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا.

و أمّا ما جاء في خصوص بني إسرائيل في(14):

نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ، و في(16): نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ، فهما جواب للطّلب الّذي سبقهما:

وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً، و لم يتحقّق غفران الخطايا فيهم لعدم انصياعهم للأمر.

4-إنّ الخطايا عبء المقصّرين يوم القيامة، و لا يزيحه عن كاهلهم آنذاك إلاّ ربّ العالمين،و قد علّق إبراهيم عليه السّلام غفران الخطيئة بيوم الدّين،في (13): وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ،يريد خطيئة آزر على الصّحيح،و أضافها إليه مجازا، لاتّصاله به نسبا،كما يقول العرب:غنم الرّاعي، فأضيفت إليه و هي ليست له،و نحوه:ثمر الشّجر، و سرج الفرس،و زمام البعير.

و قصر الفخر الرّازيّ«غفران الخطايا»على الدّنيا دون الآخرة،و علّل إناطة غفران الخطيئة في هذه الآية بيوم الدّين بظهور أثرها فيه.و هو كما ترى،فلو خفي أثرها في الدّنيا،لظهر علمه تعالى بها،فإن شاء غفر،و إن شاء أخّر.و يردّه دعاء إبراهيم أيضا: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ إبراهيم:41،و كلّها في العصيان بقسميه:العمد و غير العمد.

الثّالث:الخطء في(20): نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً و فيه بحوث:

1-ذهب الفرّاء إلى أنّ الخطء بمعنى الخطأ،و مثّله بقتب و قتب،و حذر و حذر،و نجس و نجس، و استشهد بقوله: قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي طه:

84،على القراءة المشهورة،و (على اثرى) على القراءة غير المشهورة.و ذهب أبو عبيدة إلى أنّه اسم من:خطئت،و المصدر خطأ.

و قول الفرّاء يشبه القياس كما ترى،إلاّ أن يقال:

هو من الخطأة،و هي الأرض الّتي يخطئها المطر و يصيب أخرى قربها،لأنّ الخطأة من الخطأ،و هو عدول السّهم عن الغرض،كما تقدّم.

2-إن قيل:أيّ القراءتين أفصح:(خطأ)أو (خطأ)؟

يقال:إنّ وزن(فعل)أشدّ وقعا في النّفوس من «فعل»عند النّهي و الرّدع،و نظير خطء و خطأ:سلم و سلم في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً البقرة:208،و فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ النّحل:28،و ملء و ملأ: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً آل عمران:91،و أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى البقرة:

ص: 402

يقال:إنّ وزن(فعل)أشدّ وقعا في النّفوس من «فعل»عند النّهي و الرّدع،و نظير خطء و خطأ:سلم و سلم في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً البقرة:208،و فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ النّحل:28،و ملء و ملأ: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً آل عمران:91،و أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى البقرة:

246.

3-ثمّ إنّ الخطء:الإثم و الذّنب فحسب،و الخطأ:

ضدّ الصّواب و الذّنب،و قد وصف هنا بلفظ(كبير)، و أكّد بالحرف(انّ)،لتهويل قتل الأولاد.

ثانيا:جاءت 6 آيات منها مدنيّة،و هي(13 و 12 و 16 و 19)و البقيّة و هي 15 آية مكّيّة،و كلّها في الخطإ العمد جاءت بشأن المشركين من هذه الأمّة و العصاة من الأمم الماضية.و أكثرها قصّة،و القصص غالبها-كما سبق مرارا-مكّيّة،فلاحظ.

ثالثا:وردت الألفاظ التّالية نظائر للخطيئة:

الذّنب: غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ مؤمن:3.

الجرم: قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا وَ لا نُسْئَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ سبأ:25.

الحنث: وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ

الواقعة:46

الإثم: تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ

البقرة:85

الحوب: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً النّساء:2

الحرج: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ النّور:61

الجناح: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما البقرة:158

الوزر: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى

الأنعام:164

اللّمم: اَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ النّجم:32

ص: 403

ص: 404

خ ط ب

اشارة

9 ألفاظ،12 مرّة:11 مكّيّة،1 مدنيّة

في 11 سورة:10 مكّيّة،1 مدنيّة

خطبة 1:-1 خاطبهم 1:1

خطبك 1:1 تخاطبني 2:2

خطبكما 1:1 خطابا 1:1

خطبكم 2:2 الخطاب 2:2

خطبكنّ 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخطب:سبب الأمر.

و فلان يخطب امرأة و يختطبها خطبة،و لو قيل خطّيبى جاز.

و الخطّيبى مرخّمة الياء،على بناء خلّيفى،الياء مرخّمة:اسم امرأة.

و الخطاب:مراجعة الكلام.

و الخطبة:مصدر الخطيب.

و كان الرّجل في الجاهليّة إذا أراد الخطبة قام في النّادي فقال:خطب،و من أراده قال:نكح.

و جمع الخطيب:خطباء،و جمع الخاطب:خطّاب.

و الأخطب:طائر،و هو الشّقرّاق.

و الأخطب:لون إلى الكدرة مشرب حمرة في صفرة،كلون الحنظلة الخطباء قبل أن تيبس،و كلون بعض حمر الوحش،و الجميع:خطبان.

و يقال:بل الواحدة خطبانة،كقولك:كتفان كتفانة،و يرويان بالكسر.

و قد خطب لونه خطبا.

و الخطب:المرأة،و هو الزّوج.

و المخطبة:الخطبة،إن شئت في النّكاح،و إن شئت في الموعظة.

ص: 405

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](4:222)

اللّيث:الخطب:سبب الأمر.تقول:ما خطبك؟ أي ما أمرك؟و تقول:هذا خطب جليل،و خطب يسير،و جمعه:خطوب.(الأزهريّ 7:245)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال دكين:إنّه لخطيب مبزل،إذا كان قادرا على الكلام.(1:230)

و قال الغنويّ: إذا خطب رجل امرأة فوقفها، فأرادها آخر و لم يخطبها،قيل:خيّل فلان على فلانة.

(1:232)

الأخطب:الأخضر يخالطه سواد.

و قيل للصّرد:أخطب،لأنّ فيه سوادا و بياضا.

(الأزهريّ 7:248)

الفرّاء: الخطبة:مصدر بمنزلة الخطب،و هو مثل قولك:إنّه لحسن القعدة و الجلسة؛يريد القعود و الجلوس،و الخطبة:مثل الرّسالة الّتي لها أوّل و آخر.

سمعت بعض العرب يقول:اللهمّ ارفع عنّا هذه الضّغطة،كأنّه ذهب إلى أنّ لها أوّلا و آخرا،و لو أراد مرّة لقال:الضّغطة،و لو أراد«الفعل»لقال:الضّغطة؛ كما قال المشية.

و سمعت آخر يقول:غلبني فلان على قطعة لي من أرضي؛يريد:أرضا مفروزة،مثل القطعة لم تقسم،فإذا أردت أنّها قطعة من شيء قطع منه،قلت:قطعة.

(1:152)

الخطباء:الأتان الّتي لها خطّ أسود على متنها، و الذّكر:أخطب،و ناقة خطباء:بيّنة الخطب.

(الجوهريّ 1:121)

أبو زيد:اختطب القوم فلانا،إذا دعوه إلى تزوّج صاحبتهم.

إذا دعا أهل المرأة الرّجل إليها ليخطبها،فقد اختطبوا اختطابا.

و إذا أرادوا تنفيق أيّمهم كذبوا على رجل،فقالوا:

قد خطبها فرددناه،فإذا ردّ عنه قومه قالوا:كذبتم،لقد اختطبتموه،فما خطب إليكم.

أخطبك الصّيد فارمه،أي أمكنك،فهو مخطب.

(الأزهريّ 7:247)

الأصمعيّ: إذا صار للحنظل خطوط فهو الخطبان،و قد أخطب الحنظل.(الأزهريّ 87:7)

أبو عبيد: من حمر الوحش:الخطباء،و هي الأتان الّتي لها خطّ أسود على متنها،و الذّكر:أخطب.

(الأزهريّ 7:248)

ابن السّكّيت: و الأخطب و الخطباء:كلّ شيء أخضر يخالطه سواد.

و الحنظلة تدعى خطبانة ما لم يسودّ حبّها و تصفرّ.

و النّاقة تدعى خطباء اللّون،إذا كانت خضراء اللّون.

و الأخطب:الصّرد،و إنّما قيل،لأنّ فيه سوادا و بياضا.

و يقال لليد عند نضوّ سوادها من الحنّاء:خطباء.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعضهم:خطباء الشّفتين،و أباها الغنويّ.

(232)

امرأة خطبة و خطب و خطّيبة،إذا كانت تخطب.

ص: 406

و رجل خطّيب و خطب،إذا كان يخطب.

و يقال:هو خطب فلانة،و هي خطب فلان،و هنّ أخطاب فلان.(354)

و قد أخطب الحنظل،إذا صار خطبانا و هو أن يصير فيه خطط خضر.

و قد خطب الخاطب على المنبر،يخطب خطبة.

و قد خطب في النّكاح،يخطب خطبة.

(إصلاح المنطق:237)

أبو حاتم: قالت أمّ الهيثم:الخطبان من الحنظل:

الّذي فيه خطوط سود.(ابن دريد 1:237)

ابن أبي اليمان :الخطب:الأمر.

و الخطب:الّذي يخطب المرأة.

و يقال:هي خطبة فلان،للمرأة الّتي تخطب.

(139)

و الخطبة:على المنابر،و الخطبة:النّكاح.(204)

ابن دريد :و خطب الرّجل خطابة فهو خطيب بيّن الخطابة.و اسم الكلام:الخطبة.

و خطبة النّساء بالكسر،و كذلك هو في التّنزيل:

وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ البقرة:235،و اللّه أعلم.

و يقال:خطب الرّجل المرأة يخطبها،فالمرأة خطب،و كذلك الرّجل.و كذلك خطّيبى على وزن «فعّيلى»أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخطب:الأمر العظيم.و الجمع:خطوب.

و الخطاب:مصدر خاطبته مخاطبة و خطابا.

و الخطبة:غبرة ترهقها خضرة.حمار أخطب و أتان خطباء.

و الأخطب:طائر معروف،و هو مأخوذ من الخطبة،و هي اللّون.

و إذا اشتدّت خضرة الحنظل حتّى يستحيل إلى الغبرة فهو خطبان.(1:237)

و خيطوب:موضع.(3:388)

الهمذانيّ: يقال:إنّ فلانا للسن،و مفوّه و مدره، و خطيب مصقع و مسقع.

و من أجناس البلاغة:البيان،و اللّسن،و الذّرابة، و الذّلاقة،و الخلابة،و الفصاحة،و الخطابة:كلّ ذلك واحد.(184)

الأزهريّ: الّذي قال اللّيث:«أنّ الخطبة مصدر الخطيب»،لا يجوز إلاّ على وجه واحد،و هو أنّ الخطبة:اسم للكلام الّذي يتكلّم به الخطيب،فيوضع موضع المصدر.

و العرب تقول:فلان خطب فلانة،إذا كان يخطبها.

و قال اللّيث:الخطّيبى:اسم امرأة،و أنشد:

*لخطّيبى الّتي غدرت و خانت*

قلت:و هذا خطأ محض،و«خطّيبى»الّتي في البيت مصدر كالخطبة.هكذا قال أبو عبيد.

و يقال لليد:عند نضوّ سوادها من الحنّاء:خطباء.

و يقال:ذلك في الشّعر أيضا.(7:246)

الصّاحب:[نحو الخليل و اللّيث و أضاف:]

و الخطبان من ورق السّمر:الخضر.الواحد:

أخطب.

ص: 407

و أخطبك الأمر إخطابا أي أمكنك.

و ناقة خطباء:خضراء اللّون.

و اليد عند نضوها من الحنّاء:خطباء.

و أخطب الحنظل:صار خطبانا،فيه خطوط خضر.(4:239)

الجوهريّ: الخطب:سبب الأمر.نقول:ما خطبك.

و خطبت على المنبر خطبة بالضّمّ.و خاطبه بالكلام مخاطبة و خطابا.

و خطبت المرأة خطبة بالكسر؛و اختطب أيضا فيهما.

و الخطيب:الخاطب.

و الخطّيبى:الخطبة.

و الخطب:الرّجل الّذي يخطب المرأة.و يقال أيضا:هي خطبه و خطبته للّتي يخطبها.

و خطب بالضّمّ خطابة بالفتح:صار خطيبا.

و كان يقال لأمّ خارجة:خطب،فتقول:نكح، و خطب فتقول:نكح.و هي كلمة كانت العرب تتزوّج بها.

و اختطب القوم فلانا،إذا دعوه إلى تزويج صاحبتهم.

و الأخطب:الشّقرّاق،و يقال:الصّرد.

و الأخطب:الحمار تعلوه خضرة.

و أخطب الحنظل،إذا صار خطبانا،و هو أن يصفرّ و تصير فيه خطوط خضر.

و الخطّابيّة:من الرّافضة،ينسبون إلى أبي الخطّاب، و كان يأمر أصحابه أن يشهدوا على من خالفهم بالزّور.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:121)

ابن فارس: الخاء و الطّاء و الباء أصلان:

أحدهما:الكلام بين اثنين،يقال:خاطبه يخاطبه خطابا،و الخطبة من ذلك.

و في النّكاح:الطّلب أن يزوّج،قال اللّه تعالى:

لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ البقرة:235.

و الخطبة:الكلام المخطوب به.و يقال:اختطب القوم فلانا،إذا دعوه إلى تزوّج صاحبتهم.

و الخطب:الأمر يقع،و إنّما سمّي بذلك لما يقع فيه من التّخاطب و المراجعة.

و أمّا الأصل الآخر:فاختلاف لونين.[ثمّ ذكر قول الفرّاء في«الخطباء»و قال:]

الأخطب:طائر؛و لعلّه يختلف عليه لونان.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخطبان:الحنظل إذا اختلف ألوانه.

و الأخطب:الحمار تعلوه خضرة.و كلّ لون يشبه ذلك فهو أخطب.(2:198)

أبو هلال :الفرق بين فحوى الخطاب و دليل الخطاب:أنّ فحوى الخطاب ما يعقل عند الخطاب لا بلفظه،كقوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ الإسراء:23،فالمنع من ضربهما يعقل عند ذلك.

و دليل الخطاب هو أن يعلّق بصفة الشّيء أو بعدد أو بحال أو غاية،فما لم يوجد ذلك فيه فهو بخلاف الحكم.

فالصّفة قوله:«في سائمة الغنم الزّكاة»فيه دليل

ص: 408

على أنّه ليس في المعلوفة زكاة.

و العدد:تعليق الحدّ بالثّمانين،فيه دليل على سقوط ما زاد عليه.

و الغاية:قوله تعالى: حَتّى يَطْهُرْنَ البقرة:

222،فيه دليل على أنّ الوطء قبل ذلك محظور.

و الحال:مثل ما روي:«أنّ يعلى بن أميّة قال لعمر:ما لنا نقصّر و قد أمّنا،يعني الصّلاة؟فقال عمر:

تعجّبت ممّا تعجّبت منه،و سأل (1)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن ذلك،فقال:صدقة تصدّق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته»و هذا مذهب بعض الفقهاء.

و آخرون يقولون:إنّ جميع ذلك يعرف بدلائل أخر دون دلائل الخطاب المذكورة هاهنا،و فيه كلام كثير ليس هذا موضع ذكره.

و الدّليل لو قرن به دليل لم يكن مناقضة،و لو قرن باللّفظ فحواه لكان ذلك مناقضة.أ لا ترى أنّه لو قال:

«في سائمة الغنم الزّكاة»و في المعلوفة الزّكاة لم يكن تناقضا،و لو قال:«فلا تقل لهما أفّ و اضربهما»لكان تناقضا،و كذلك لو قال:هو مؤتمن على قنطار ثمّ قال:

يخون في الدّرهم،يعدّ تناقضا.

و قوله تعالى: وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً النّساء:77، يدلّ فحواه على نفي الظّلم فيما زاد على ذلك،و دلالة هذا كدلالة النّصّ،لأنّ السّامع لا يحتاج في معرفته إلى تأمّل.

و أمّا قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ البقرة:184،فمعناه فأفطر بعده،و قد جعله بعضهم فحوى الخطاب،و ليس ذلك بفحوى عندهم،و لكنّه من باب الاستدلال.أ لا ترى أنّك لو قرنت به فحواه لم يكن تناقضا.

فأمّا قوله تعالى: وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما المائدة:38،فإنّه يدلّ على المراد بفائدته لا بصريحه و لا فحواه؛و ذلك أنّه لمّا ثبت أنّه زجر أفاد أنّ القطع هو لأجل السّرقة،و كذلك قوله تعالى:

اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي النّور:2.(46)

الهرويّ: يقال:جلّ الخطب،أي الأمر،تقع فيه المخاطبة.[إلى أن قال:]

الخطبة:من الرّجل،و الاختطاب:من وليّ المرأة.

و الخطبة:خطبة المنبر و النّكاح،لا غير.(2:568)

أبو سهل الهرويّ: الخطبة بالكسر:المصدر من خطبت المرأة.و الخطبة،بالضّمّ:اسم المخطوب به على المنبر و غيره،و هو الكلام الّذي يتكلّم به عليه من تمجيد اللّه تعالى و وعظ و غير ذلك.(التّلويح:65)

ابن سيده: الخطب:الشّأن أو الأمر،صغر أو عظم.و في التّنزيل: قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ الحجر:57،و جمعه:خطوب.

و خطب المرأة يخطبها خطبا و خطبة-الأولى عن اللّحيانيّ-و خطّيبى.

و خطبها،و اختطبها عليه،و هي خطبه.و الجمع:

أخطاب.و كذلك خطبته،و خطبته-الضّمّ عن كراع- و خطّيباه،و خطّيبته،و هو خطبها،و الجمع:كالجمع.

و كذلك هو خطّيبها.و الجمع:خطّيبون،و لا يكسّر.ت.

ص: 409


1- كذا،و الظاهر:سئلت.

و يقول الخاطب:خطب،فيقول له المخطوب إليهم:نكح.

و رجل خطّاب:كثير التّصرّف في الخطبة.

و اختطب القوم فلانا:دعوه إلى تزويج صاحبتهم.

و الخطاب،و المخاطبة:مراجعة الكلام.و قد خاطبه،و هما يتخاطبان.

و خطب الخطيب على المنبر،يخطب خطابة.و اسم الكلام:الخطبة.

و قال ثعلب:«خطب على القوم خطبة»فجعلها مصدرا.و لا أدري كيف ذلك،إلاّ أن يكون وضع الاسم موضع المصدر.

و رجل خطيب:حسن الخطبة.

و الخطبة:لون يضرب إلى الكدرة مشرب حمرة في صفرة.و الخطبة:الخضرة.و قيل:غبرة ترهقها خضرة.و الفعل من كلّ ذلك:خطب خطبا،و هو أخطب.

و حنظلة خطباء:فيها خطوط خضر،و هي الخطبانة،و جمعها:خطبان،و خطبان.الأخيرة نادرة.

و قد أخطب الحنظل،و كذلك الحنطة،إذا لوّنت.

و الخطبان:نبتة في آخر الحشيش كأنّها الهليون، أو أذناب الحيّات،أطرافها رقاق تشبه البنفسج،أو هو أشدّ منه سوادا،و ما دون ذلك أخضر،و ما دون ذلك إلى أصولها أبيض،و هي شديدة المرارة.

و أورق خطبانيّ،بالغوا به،كما قالوا:أرمك رادنيّ.

و الأخطب:الشّقرّاق.و قيل:الصّرد،لأنّ فيهما سوادا و بياضا.

و قد قالوا للصّقر:أخطب.

و أخطبان:اسم طائر،سمّي بذلك لخطبة في جناحيه،و هي الخضرة.

و يد خطباء:نصل سواد خضابها من الحنّاء.و قد يقال:في الشّعر و الشّفتين.

و أخطبك الصّيد:أمكنك و دنا منك.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](5:122)

الخطبة:لون بين السّواد و الخضرة،خطب يخطب خطبا و خطبة.

و أخطب:كان في لونه خطبة،فهو أخطب،و هي خطباء،و الجمع:خطب.

و شفة خطباء.(الإفصاح 1:58)

الخطب:النّبات يصيبه المطر فيخضرّ،الجمع:

خطوب.و كلّ بهمة أكلته فهي خاطب.

(الإفصاح 1:1082)

الخطبان:الحنظل إذا صارت له خطوط.

حنظلة خطباء و خطبانة:فيها خطوط خضر و صفر و سود،و ذلك أمرّ ما يكون،و قد أخطب الحنظل.(الإفصاح 2:1108)

الرّاغب: الخطب و المخاطبة و التّخاطب:

المراجعة في الكلام،و منه:الخطبة و الخطبة.لكن الخطبة تختصّ بالموعظة،و الخطبة بطلب المرأة.قال تعالى: وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ البقرة:235.

و أصل الخطبة:الحالة الّتي عليها الإنسان إذا

ص: 410

خطب،نحو الجلسة و القعدة.

و يقال من الخطبة:خاطب و خطيب،و من الخطبة خاطب،لا غير،و الفعل منهما خطب.

و الخطب:الأمر العظيم الّذي يكثر فيه التّخاطب، قال تعالى: فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ طه:95، قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ الحجر:57.

و فصل الخطاب:ما ينفصل به الأمر من الخطاب.

(150)

نحوه الفيروزآباديّ(بصائر ذوي التّمييز 2:550)

ابن القطّاع:و خطبت القوم،و عليهم خطبة، و المرأة خطبة.

و خطب اللّون خطبة،و هي حمرة في كدرة، كألوان القماري و حمر الوحش.

و الرّجل خطابة:صار خطيبا.

و خطب الشّيء خطبا:اخضرّ،و الحمار:كان على متنه خطّ أسود.

و أخطب الحنظل:تخطّط،و الصّيد:أمكنك.

(1:293)

الزّمخشريّ: خاطبه أحسن الخطاب،و هو المواجهة بالكلام.

و خطب الخطيب خطبة حسنة.

و خطب الخاطب خطبة جميلة.و كثر خطّابها.

و هذا خطبها،و هذه خطبه و خطبته.

و كان يقوم الرّجل في النّادي في الجاهليّة فيقول:خطب فمن أراد إنكاحه قال:نكح.

و اختطب القوم فلانا:دعوه إلى أن يخطب إليهم، يقال:اختطبوه فما خطب إليهم.

و حمار أخطب:بيّن الخطبة،و هي غبرة ترهقها خضرة.

و تقول له:أنت الأخطب البيّن الخطبة.فتخيّل إليه أنّه ذو البيان في خطبته،و أنت تثبت له الحماريّة.

و ناقة خطباء،و حمامة خطباء القميص،و امرأة خطباء الشّفتين،و حنظلة خطباء.

و أمرّ من الخطبان،و هو جمع الأخطب كأسود و سودان.

و المرض و الحاجة خطبان:أمرّ من نقيع الخطبان.

و من المجاز:فلان يخطب عمل كذا:يطلبه.

و قد أخطبك الصّيد فارمه،أي أكثبك و أمكنك.

و أخطبك الأمر و هو أمر مخطب و معناه أطلبك،من «طلبت إليه حاجة فأطلبني».

و ما خطبك:ما شأنك الّذي تخطبه،و منه:هذا خطب يسير و خطب جليل.و هو يقاسي خطوب الدّهر.(أساس البلاغة:114)

ابن الشّجريّ: قول أبي عليّ:«أخطب ما يكون الأمير قائما»أخطب من باب«أفعل»الّذي هو بعض ما يضاف إليه كقولك:زيد أكرم الرّجال،و حمارك أفره الحمير،و الياقوت أفضل الحجارة.[إلى أن قال:]

فقوله:«أخطب ما يكون الأمير»تقديره:أخطب أوقات الأمير.فقد صار«أخطب»بإضافته إلى الأوقات في التّقدير وقتا،لما مثّلته لك:من كون «أفعل»هذا بعضا لما يضاف إليه.

ص: 411

و إضافة الخطابة إلى الوقت توسّع و تجوّز،كما وصفوا اللّيل بالنّوم في قولهم:نام ليلك.و ذلك لكون النّوم فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و إذا عرفت هذا ف«أخطب»مبتدأ محذوف الخبر، و الحال الّتي هي«قائما»سادّة مسدّ خبره،فالتّقدير:

أخطب أوقات كون الأمير إذا كان قائما.(1:300)

المدينيّ: في الحديث:«إنّه لحريّ إن خطب أن يخطب»،أي يجاب إلى خطبته و ينكح،و كذلك أن «يخطّب».

يقال:خطب إلى فلان فأخطبه و خطّبه،أي أجابه،و أخطبه الأمر:أمكنه،و كذلك الصّيد.

(1:591)

ابن الأثير: فيه:«نهى أن يخطب الرّجل على خطبة أخيه»هو أن يخطب الرّجل المرأة فتركن إليه، و يتّفقا على صداق معلوم و يتراضيا،و لم يبق إلاّ العقد.فأمّا إذا لم يتّفقا و يتراضيا،و لم يركن أحدهما إلى الآخر فلا يمنع من خطبتها،و هو خارج عن النّهي.تقول منه:خطب يخطب خطبة بالكسر،فهو خاطب،و الاسم منه:الخطبة أيضا.فأمّا الخطبة بالضّمّ فهو من القول و الكلام.

و فيه:«قال:ما خطبك»،أي ما شأنك و حالك.

و قد تكرّر في الحديث.و الخطب:الأمر الّذي يقع فيه المخاطبة،و الشّأن و الحال،و منه قولهم:جلّ الخطب، أي عظم الأمر و الشّأن.

و منه حديث عمر،و قد أفطر في يوم غيم من رمضان فقال:«الخطب يسير».

و في حديث الحجّاج:«أ من أهل المحاشد و المخاطب؟»أراد بالمخاطب:الخطب،جمع على غير قياس،كالمشابه و الملامح.و قيل:هو جمع مخطبة، و المخطبة:الخطبة.

و المخاطبة:«مفاعلة»،من الخطاب و المشاورة، تقول:خطب يخطب خطبة بالضّمّ فهو خاطب و خطيب؛أراد أ أنت من الّذين يخطبون النّاس و يحشّونهم على الخروج و الاجتماع للفتن؟.(2:45)

الصّغانيّ: الخطبان من ورق السّمر:الخضر.

و أخطب:جبل بنجد.

و الخطّابيّة:قرية من قرى بغداد من الجانب الغربيّ.(1:118)

الفيّوميّ: خاطبه مخاطبة و خطابا،و هو الكلام بين متكلّم و سامع،و منه اشتقاق«الخطبة»بضمّ الخاء و كسرها باختلاف معنيين،فيقال في الموعظة:خطب القوم و عليهم من باب«قتل»خطبة بالضّمّ،و هي «فعلة»بمعنى«مفعولة»نحو نسخة بمعنى منسوخة، و غرفة من ماء بمعنى مغروفة؛و جمعها:خطب،مثل:

غرفة و غرف،فهو خطيب.و الجمع:الخطباء.

و هو خطيب القوم،إذا كان هو المتكلّم عنهم.

و خطب المرأة إلى القوم،إذا طلب أن يتزوّج منهم،و اختطبها،و الاسم:الخطبة بالكسر،فهو خاطب و خطّاب،مبالغة،و به سمّي.

و اختطبه القوم:دعوه إلى تزويج صاحبتهم.

و الأخطب:الصّرد،و يقال:الشّقرّاق

و الخطب:الأمر الشّديد ينزل.و الجمع:خطوب

ص: 412

مثل فلس و فلوس.

و الخطّابيّة:طائفة من الرّوافض،نسبة إلى أبي الخطّاب محمّد بن وهب الأسديّ الأجدع،و كانوا يدينون بشهادة الزّور،لموافقيهم في العقيدة إذا حلف على صدق دعواه.(1:173)

الجرجانيّ: الخطابة:هو قياس مركّب من مقدّمات مقبولة،أو مظنونة،من شخص معتقد فيه، و الغرض منها:ترغيب النّاس فيما ينفعهم من أمور معاشهم و معادهم،كما يفعله الخطباء و الوعّاظ.

الخطّابيّة:هم أصحاب أبي الخطّاب الأسديّ، قالوا:الأئمة:الأنبياء،و أبو الخطّاب نبيّ،و هؤلاء يستحلّون شهادة الزّور،لموافقيهم على مخالفيهم، و قالوا:الجنّة نعيم الدّنيا،و النّار آلامها.(44)

الفيروزآباديّ: الخطب:الشّأن،و الأمر،صغر أو عظم.جمعه:خطوب.

و خطب المرأة خطبا و خطبة و خطّيبى،بكسرهما، و اختطبها،و هي خطبه و خطبته و خطّيباه و خطّيبته، و هو خطبها،بكسرهنّ،و يضمّ الثّاني.جمعه:أخطاب، و خطّيبها،كسكّيت،جمعه:خطّيبون.

و يقول الخاطب:خطب،بالكسر و يضمّ،فيقول المخطوب:نكح،و يضمّ.

و الخطّاب،كشدّاد:المتصرّف في الخطبة.

و اختطبوه:دعوه إلى تزويج صاحبتهم.

و خطب الخاطب على المنبر خطابة بالفتح، و خطبة بالضّمّ،و ذلك الكلام:خطبة أيضا،أو هي الكلام المنثور المسجّع و نحوه.

و رجل خطيب:حسن الخطبة،بالضّمّ.

و الخطبة،بالضّمّ:لون كدر مشرب حمرة في صفرة أو غبرة ترهقها خضرة.

خطب،كفرح،فهو أخطب.

و الأخطب:الشّقرّاق،أو الصّرد،و الصّقر و الحمار تعلوه خضرة،أو بمتنه خطّ أسود،و من الحنظل:ما فيه خطوط خضر.

و هي خطباء و خطبانة،بالضّمّ.و جمعها:خطبان، و يكسر نادرا.و قد أخطب الحنظل.

و الخطبان،بالضّمّ:نبت كالهليون،و الخضر من ورق السّمر.

و أورق خطبانيّ: مبالغة.

و أخطبان:طائر.

و يد خطباء:نصل سواد خضابها.

و الخطّابيّة،مشدّدة:قرية ببغداد،و قوم من الرّافضة،نسبوا إلى أبي الخطّاب،كان يأمرهم بشهادة الزّور على مخالفيهم.

و خيطوب،كقيصوم:موضع.

و فصل الخطاب:الحكم بالبيّنة،أو اليمين،أو الفقه في القضاء،أو النّطق ب«أمّا بعد».

و أخطب:جبل بنجد،و اسم.(1:65)

الطّريحيّ: الخطاب هو توجّه الكلام نحو الغير للإفهام،و قد ينقل إلى الكلام الموجّه.

و فصل الخطاب:هو الفصل بين اثنين.

و الخطب:الأمر الّذي يقع فيه المخاطبة و الشّأن و الحال.

ص: 413

و في الحديث:«خطيب وفد المؤمنين».

خطيب القوم:كبيرهم الّذي يخاطب السّلطان و يكلّمه في حوائجهم،و«الوفد»المراد به الجماعة.

و الخطب و المخاطبة و التّخاطب:المراجعة في الكلام،و منه الخطبة ضمّا و كسرا،لكن الخطبة بالضّمّ تختصّ بالموعظة و الكلام المخطوب به،و لذا يعدّى بنفسه،فيقال:خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،أي وعظنا.

و بالكسر خطبة النّساء،و هي من الرّجل، و الاختطاب من المرأة،يقال:خطب المرأة إلى القوم، إذا تكلّم أن يتزوّج منهم،فهو خاطب.و خطّاب:

مبالغة.[إلى قال:]

و خطب بالضّمّ خطابة بالفتح:صار خطيبا،و كان يقال لشعيب:خطيب الأنبياء،لحسن مراجعته قومه، و كانوا أهل بخس للميكال و الميزان.

و في الحديث:«خطبنا ذات يوم»ضمّن عليه السّلام «خطبنا»معنى وعظنا،فعدّاه تعديته.

و الأخطب:لازم،بمعنى النّطق بالخطبة...

و هذا خطب يسير،أي أمر يسير.و الجمع:

خطوب.

و هذا خطب جليل،أي أمر عظيم.

و جلّ الخطب:عظم الأمر و الشّأن.

و الخطّابيّة:طائفة منسوبة إلى الخطّاب محمّد بن وهب الأسديّ الأجدع (1)و كانوا يدينون بشهادة الزّور على من خالفهم و خادعتهم (2)لمخالفتهم له في العقيدة إذا حلف على صدق دعواه.(2:51)

مجمع اللّغة :1-خاطبه مخاطبة و خطابا:تكلّم معه.

2-الخطب:الشّأن الّذي تقع فيه المخاطبة.

3-الخطبة:بكسر الخاء:طلب المرأة للتّزوّج.

(1:342)

محمّد إسماعيل إبراهيم:[نحو اللّغويّين، و أضاف:]

و فصل الخطاب:فصل الخصام بالتّمييز بين الحقّ و الباطل،أو الكلام الفاصل بين الصّواب و الخطإ.

(1:166)

العدنانيّ: الخطابة و الخطابة.

و يخطّئون من يقول:فلان يحترف الخطابة، و يقولون:إنّ الصّواب هو الخطابة،لأنّها أحد مصدري الفعل«خطب».

و لكن:

ما أفاد معنى الحرفة و الصّناعة يصاغ على «فعالة»،مثل:النّجارة و الحدادة و الصّباغة،حرفم.

ص: 414


1- رئيس الخطّابيّة هو محمّد بن مقلاص أبي زينب الأسديّ الكوفيّ الأجدع الزّراد المذكور فيما بعد،و كنيته أبو الخطّاب أو ابو إسماعيل أو أبو الظّبيان،و كتب التّراجم مملوءة بلعنه و البراءة منه،قتله عيسى بن موسى صاحب المنصور بسبخة الكوفة.هكذا مذكور في كتب الرّجال و التّراجم-راجع فرق الشّيعة ص 42 و رجال الكشّي ص 246-260.
2- كذا و الظّاهر خادعهم.

النّجّار،و الحدّاد،و الصّبّاغ.

و هذا يحملنا على أن نقول:فلان يحترف خطابة المساجد،أي إنّ الخطابة هي حرفته.

أمّا إذا أردنا أن نقول:فلان أقدر في الخطابة من فلان،فإنّنا نفتح الخاء،لأنّ كلمة«الخطابة»هنا تعني إجادة إلقاء الخطبة.

هذا هو رأي الشّيخ عبد القادر المغربيّ في كتابه «عثرات الأقلام في اللّغة».

أمّا فعله فهو:

أ-خطب النّاس،و فيهم،و عليهم يخطبهم خطابة و خطبة.

ب-خطب فلانة يخطبها خطبا و خطبة:طلبها للزّواج.

هي خطيبته،و خطبته،و خطبته،و خطبه، و خطّيباه،و خطّيبته.

و يخطّئون من يقول:فلانة خطيبة فلان،و يقولون:

إنّ الصّواب هو كما جاء في متن اللّغة:فلانة خطبة فلان،و خطبته،و خطبه،و خطّيباه،و خطّيبته.

و لكن:جاء في الطّبعة الثّانية من«المعجم الوسيط»أنّ مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،وافق على إطلاق كلمة«الخطيبة»على الفتاة المخطوبة.

و لم يذكر«الوسيط»من مترادفات«الخطيبة» سوى«الخطب و الخطبة»و يكتفي بذكر جمع الخطب على:أخطاب.(193)

ألقى خطبة:

و يقولون:ألقى فلان خطابا بديعا،و الصّواب:

ألقى خطبة.و جمعها:خطب،لأنّ الخطاب هو المكالمة، أو المواجهة بالكلام.أو ما يخاطب به الرّجل صاحبه، و نقيضه:الجواب.

أمّا الخطبة فمعناها:

1-ما يلقى على المنابر.

2-خطبة الكتاب:مقدّمته.

3-لون مشرب حمرة.

و لا نسمّي الفتاة المخطوبة:خطيبة،و لا الشّابّ:

خطيبا،بل نسمّي كلاّ منهما:خطبا.

(معجم الأخطاء:79)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الحضور و التّكلّم في قبال فرد أو أفراد، و هذا المعنى تختلف خصوصيّاته باختلاف الصّيغ:

فالمخاطبة أو الخطاب يدلّ على إدامة الحضور و التّكلّم.

و الخطيب هو الّذي من شأنه ذلك،و هو متّصف به.

و الخطب:مصدر مجرّد يدلّ على مطلق ذلك المعنى.

و الخطبة:«فعلة»يدلّ على ما يفعل به كاللّقمة و العدّة.

و الخطبة:«فعلة»يدلّ على نوع خاصّ من الخطب كالقعدة و الجلسة.

و أمّا المعاني المختلفة المذكورة في اللّغات و التّفاسير:كالكلام بين المتكلّم و السّامع،و المراجعة في الكلام،و الشّأن،و الأمر العظيم،و السّبب،و الحالة

ص: 415

المخصوصة،و غيرها،كلّها من باب التّقريب بمناسبة الموارد.[ثمّ ذكر الآيات فيها و قال:]

الخطب في الأصل مصدر بمعنى الحضور و التّكلّم، ثمّ غلب استعماله بمعنى جريان حال شخص مع أفراد أخر،فيستعمل في مورد السّؤال عن ذلك الجريان،أي ما كيفيّة جريان أمرك و حضورك عند النّاس و كلامك معهم؟

و ما كيفيّة أمركم عند حضور النّاس و تكلّمكم و مأموريّتكم من اللّه المتعال عليهم؟و ما شأنكما و كيفيّة أمركما في حضور كما في هذا المكان و ما تريدان من النّاس؟و ما كيفيّة أمركنّ عند الحضور في مجلس زليخا و يوسف و ما تكلّمتنّ.

فظهر الفرق بين الخطب و الأمر و الشّأن و الحال، فإنّ الخطب مخصوص بمورد يكون الأمر بين متكلّم و مستمع،و قد أظهر المتكلّم كلامه و خطابه،و إذا كان ذلك الأمر عظيما و مهمّا،يتصوّر أنّ«الخطب» استعمل بمعنى الأمر العظيم.

فقد انكشف لطف التّعبير بهذه المادّة في تلك الموارد.

وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ البقرة:235،أي على حالة مخصوصة من الحضور و الكلام بالنّسبة إلى و طلب التّزويج،و كانت العرب تتزوّج بهذا النّحو...

و في الإسلام أضيفت قيود مبيّنة،و شرائط مصرحة،لخصوصيّات التّزويج،حتّى لا يبقى إبهام، فتقول المرأة عاقلة مختارة بإجازة من ولّى أمرها:

أنكحت نفسي لنفسك على المهر المعلوم،و يقول المرء:

قبلت النّكاح على المهر المعيّن،أو بألفاظ أخر قريبة منها.فظهر أنّ«الخطبة»عبارة عن حضور و تكلّم خاصّ.(3:82)

النّصوص التّفسيريّة

خاطبهم

وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً. الفرقان:63

ابن عبّاس: و إذا كلّمهم الكفّار و الفسّاق.

(305)

مجاهد : وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ بما يكرهونه قالُوا سَلاماً. (الثّعلبيّ 7:145)

مثله الشّربينيّ(2:672)،و شبّر(4:368).

الطّبريّ: و إذا خاطبهم الجاهلون باللّه بما يكرهونه من القول،أجابوهم بالمعروف من القول، و السّداد من الخطاب.(9:408)

الطّوسيّ: بما يكرهونه أو يثقل عليهم،قالوا في جوابه: سَلاماً. (7:504)

مثله الطّبرسيّ.(4:179)

البغويّ: وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ يعني السّفهاء بما يكرهون.(3:454)

مثله النّسفيّ(3:174)،و الخازن(5:88)،و طه الدّرّة(10:60).

أبو حيّان :أي ممّا لا يسوّغ الخطاب به قالُوا سَلاماً. (6:512)

ابن كثير :أي إذا سفه عليهم الجهّال بالقول

ص: 416

السّيّئ لم يقابلوهم عليه بمثله،بل يعفون و يصفحون، و لا يقولون إلاّ خيرا.(5:162)

نحوه القاسميّ(12:4588)،و المراغيّ(19:36).

أبو السّعود :أي إذا خاطبوهم بالسّوء قالوا تسليما منكم و متاركة،لا خير بيننا و بينكم و لا شرّ.

(5:24)

مثله الآلوسيّ.(19:44)

ابن عاشور :و قرن وصفهم بالتّواضع في سمتهم و هو المشي على الأرض هونا،بوصف آخر يناسب التّواضع،و كراهية التّطاول،و هو متاركة الّذين يجهلون عليهم في الخطاب بالأذى و الشّتم،و هؤلاء الجاهلون يومئذ هم المشركون.إذ كانوا يتعرّضون للمسلمين بالأذى و الشّتم،فعلّمهم اللّه متاركة السّفهاء.(19:88)

مغنيّة:المراد بخطاب الجاهلين:سفاهة السّفهاء، كهزئهم أو شتمهم،أو جدالهم بالهوى و الغرض، و سَلاماً كناية عن تجاهلهم و الإعراض عنهم، استخفافا بشأنهم،و ترفّعا عمّا لا يليق بالرّجل الكريم، و المعنى:أنّ المؤمن إذا سمع كلمة السّوء تجاهلها حتّى كأنّه لم يسمعها،أو كأنّ المقصود بها غيره.(5:482)

الطّباطبائيّ: أي إذا خاطبهم الجاهلون خطابا ناشئا عن جهلهم ممّا يكرهون أن يخاطبوا به،أو يثقل عليهم،كما يستفاد من تعلّق الفعل بالوصف،أجابوهم بما هو سالم من القول...(15:239)

المصطفويّ: أي إذا أداموا في الحضور و التّكلّم بمقتضى جهالتهم و أفكارهم،فأظهر عباد الرّحمن في جوابهم طلب السّلامة لهم و لأفكارهم،حذرا من إدامة البحث و من الجدال.(3:82)

عبد الكريم الخطيب :أي عباد الرّحمن لا يلقون فحش القول و هجره بفحش و هجر مثله،فإذا رماهم السّفهاء بالكلمة الخبيثة أعرضوا عنهم.(10:55)

فضل اللّه :لا ينطلقون مع النّاس الّذين يثيرونهم بالكلام القاسي اللاّمسئول،من مواقع ردّة الفعل الغريزيّة الّتي تتحرّك بطريقة الإثارة،في مواجهة الكلمة القاسية الغليظة بالكلمة المماثلة في قسوتها و غلظتها،أو في مقابلة الشّتم و السّباب،بكلمات الشّتم و السّباب المماثل أو غير المماثل،بل يدرسون المسألة من موقع العقل المتأمّل الواعي المنفتح على الواقع من جميع جوانبه،فإذا رأوا للموقف خطورة تستدعي الرّدّ،كان ردّهم لطيفا حاسما،و إذا لاحظوا أنّ الجاهلين يتحرّكون-في كلامهم-من مواقع الجهل الّذي يتعمّد الإثارة،ليخلق مشكلة،أو يثير فتنة، أعرضوا عن الرّدّ المباشر،و كانت روح السّلام الّذي يتفادى المشكلة و الفتنة و الإثارة،هي موقفهم و منطقهم،فاكتفوا بكلمة سَلاماً. (17:76)

تخاطبنى

وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ هود:37

ابن عبّاس: لا تراجعني.(185)

مثله ابن جريج(الطّبريّ 7:35)،و مقاتل بن سليمان(2:281)،و شبّر(3:215).

ص: 417

قتادة:نهى اللّه نوحا عليه السّلام أن يراجعه بعد ذلك في أحد.(الدّرّ المنثور 4:418)

نحوه مغنيّة.(4:229)

الطّبريّ: و لا تسألني في العفو عن هؤلاء الّذين ظلموا أنفسهم من قومك،فأكسبوها تعدّيا منهم عليها بكفرهم باللّه،الهلاك بالغرق،إنّهم مغرقون بالطّوفان.

(7:35)

نحوه الثّعلبيّ.(5:166)

الزّجّاج: لا تخاطبني في إمهال الّذين كفروا إنّهم مغرقون.(3:50)

الماورديّ: نهاه اللّه عن المراجعة فيهم،فاحتمل نهيه أمرين:

أحدهما:ليصرفه عن سؤال ما لا يجاب إليه.

الثّاني:ليصرف عنه مأثم الممالأة للطّغاة.(2:470)

الطّوسيّ: نهي لنوح عليه السّلام أن يراجع اللّه تعالى و يخاطبه و يسأله في أمرهم بأن يمهلهم،و يؤخّرهم إهلاكهم،لأنّه حكم بإهلاكهم،و أخبر بأنّه سيغرقهم، فلا يكون الأمر بخلاف ما أخبر به.(5:553)

القشيريّ: راع حدّ الأدب،فما لم يكن لك إذن منّا في الشّفاعة لأحد فلا تخاطبنا فيهم.(3:135)

الواحديّ: لا تراجعني و لا تسألني.(2:537)

البغويّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و قيل:لا تخاطبني في ابنك كنعان،و امرأتك واعلة،فإنّهما هالكان مع القوم.(2:447)

مثله الخازن.(3:188)

الميبديّ: لا تراجعني في إمهالهم،نهى أن يشفع لهم.(4:385)

الزّمخشريّ: و لا تدعني في شأن قومك و استدفاع العذاب عنهم شفاعتك.(2:268)

مثله النّسفيّ(2:187)،و نحوه البيضاويّ(1:

468)،و الشّربينيّ(2:56)،و القاسميّ(9:3435).

الطّبرسيّ: أي لا تسألني العفو عن هؤلاء الّذين كفروا من قومك،و لا تشفع لهم،فإنّهم مغرقون عن قريب،و هذا غاية في الوعيد...

و قيل:إنّه عنى به امرأته و ابنه.[ثمّ ذكر نحو الماورديّ](3:159)

ابن الجوزيّ: فيه قولان:

أحدهما:لا تسألني الصّفح عنهم.

و الثّاني:لا تخاطبني في إمهالهم.و إنّما نهى عن الخطاب في ذلك صيانة له عن سؤال لا يجاب فيه.

(4:101)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

الأوّل:يعني لا تطلب منّي تأخير العذاب عنهم، فإنّي قد حكمت عليهم بهذا الحكم،فلمّا علم نوح عليه السّلام ذلك دعا عليهم بعد ذلك.

الثّاني: وَ لا تُخاطِبْنِي في تعجيل ذلك العقاب على الّذين ظلموا،فإنّي لمّا قضيت إنزال ذلك العذاب في وقت معيّن،كان تعجيله ممتنعا.

الثّالث:المراد بالّذين ظلموا امرأته و ابنه كنعان.

(17:223)

القرطبيّ: أي لا تطلب إمهالهم،فإنّي مغرقهم.

(9:30)

ص: 418

النّيسابوريّ: أي في شأنهم،و قيل:علّل عدم الخطاب بقوله: إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ أي إنّهم محكوم عليهم بالإغراق،و قد جفّ القلم عليهم بذلك، فلا فائدة للشّفاعة.(12:25)

نحوه حجازي.(12:24)

ابن جزيّ: أي لا تشفع لي فيهم،فإنّي قد قضيت عليهم بالغرق.(2:105)

نحوه محمّد عبد المنعم الجمّال(2:1427)،و محمّد فريد وجدي(289).

أبو حيّان :تقدّم إلى نوح أن لا يشفع فيهم فيطلب إمهالهم،و علّل منع مخاطبته بأنّه حكم عليهم بالغرق، و نهاه عن سؤال لا يجاب إليه،كقوله: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا... هود:76.(5:220)

السّيوطيّ: أي لا تدعني يا نوح في شأن قومك، فهذا الكلام يلوّح بالخبر تلويحا،و يشعر بأنّه قد حقّ عليهم العذاب،فصار المقام مقام أن يتردّد المخاطب في أنّهم:هل صاروا محكوما عليهم بذلك أو لا؟فقيل:إنّهم مغرقون بالتّأكيد.(الإتقان 3:218)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و فيه من المبالغة ما ليس فيما لو قيل:و لا تدعني فيهم.و حيث كان فيه ما يلوح بالسّببيّة أكّد التّعليل فقيل: إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ. (3:310)

نحوه الآلوسيّ.(11:50)

البروسويّ: قال في«التّأويلات النّجميّة»: وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا أي النّفوس،فإنّ الظّلم من شيمتها إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً الأحزاب:72، لأنّها تضع الأشياء في غير موضعها،تضع عبادة الحقّ في هواها و الدّنيا و شهواتها.و في هذا الخطاب حسم مادّة الطّمع عن إيمان النّفوس،و فيه حكم يطول شرحها،منها:ترقّي أهل الكمالات إلى الأبد،فافهم جدّا.و أنّ النّفس مكمن مكر الحقّ حتّى لا تأمن منها، و من صفاتها أنّهم مغرقون في طوفان الفتن إلاّ من سلّمه اللّه منه.و السّلامة في ركوب سفينة الشّريعة، فإنّ نوح الرّوح إن لم يركبها كان من المغرقين،انتهى.

(4:124)

الشّوكانيّ: لا تطلب إمهالهم،فقد حان وقت الانتقام منهم.(2:621)

رشيد رضا :أي لا تراجعني في أمرهم بشيء من طلب الرّحمة بهم و دفع العذاب عنهم.(12:73)

مثله المراغيّ(12:34)،و نحوه الطّباطبائيّ(10:

223).

سيّد قطب :فقد تقرّر مصيرهم و انتهى الأمر فيهم.فلا تخاطبني فيهم لا دعاء بهدايتهم،و لا دعاء عليهم.و المفهوم أنّ اليأس كان بعد هذا الوحي،فمتى انتهى القضاء امتنع الدّعاء.(4:1876)

ابن عاشور :على أنّ كفّار قومه سينزل بهم عقاب عظيم،لأنّ المراد بالمخاطبة المنهيّ عنها المخاطبة الّتي ترفع عقابهم،فتكون لنفعهم كالشّفاعة،و طلب تخفيف العقاب لا مطلق المخاطبة.و لعلّ هذا توطئة لنهيه عن مخاطبته في شأن ابنه الكافر،قبل أن يخطر ببال نوح عليه السّلام سؤال نجاته،حتّى يكون الرّدّ عليه حين السّؤال ألطف.(11:256)

ص: 419

عبد الكريم الخطيب:إشارة إلى شدّة نقمة اللّه على هؤلاء المكذّبين الضّالّين،و استبعاد لكلّ شفيع يشفع لهم.(6:1139)

مكارم الشّيرازيّ: هذه الجملة تبيّن بوضوح أنّ الشّفاعة لا تتيسّر لكلّ شخص،بل للشّفاعة شروطها،فإذا لم تتوفّر في أحد الأشخاص فلا يحقّ للنّبي أن يشفع له و يطلب من اللّه العفو لأجله.

(6:439)

فضل اللّه :بالعفو عنهم،انطلاقا من طهارة مشاعرك و طيبة قلبك،فقد صدر الحكم عليهم من اللّه، و انتهى أمرهم بذلك،لأنّهم لا يستحقّون الرّحمة من اللّه.(12:64)

و جاء بنفس المعنى الآية:27،من سورة المؤمنون وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ.

خطبك

قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ. طه:95

ابن عبّاس: فما الّذي حملك على عبادة العجل؟

(265)

السّدّيّ: ما لك يا سامريّ؟(الطّبريّ 8:450)

ابن زيد :ما أمرك؟ما شأنك؟ما هذا الّذي أدخلك فيما دخلت فيه؟.(الطّبريّ 8:450)

نحوه ابن قتيبة(281)،و الثّعلبيّ(6:258)، و البغويّ(3:273)،و الخازن(4:225).

الطّبريّ: قال موسى للسّامريّ:فما شأنك يا سامريّ،و ما الّذي دعاك إلى ما فعلته؟(8:450)

نحوه الواحديّ(3:220)،و القرطبيّ(11:239)، و شبّر(4:168)،و الشّوكانيّ(3:480)،و القاسميّ (11:4203)،و محمّد فريد وجدي(415)،و حجازي (16:60)و عبد الكريم الخطيب(8:121).

الزّجّاج: ما أمرك الّذي تخاطب به.(3:374)

مثله الهرويّ(2:568)،و النّسفيّ(3:64).

الطّوسيّ: أي ما شأنك؟و ما دعاك إلى ما صنعت؟و أصل الخطب:الجليل من الأمر،فكأنّه قيل:

ما هذا العظيم الّذي دعاك إلى ما صنعت؟(7:202)

نحوه الطّبرسيّ.(4:27)

الميبديّ: يا سامريّ ما ذا فعلت؟.(6:156)

الزّمخشريّ: الخطب:مصدر خطب الأمر،إذا طلبه.فإذا قيل لمن يفعل شيئا:ما خطبك؟فمعناه:ما طلبك له؟(2:551)

نحوه البيضاويّ(2:59)،و الكاشانيّ(3:318).

ابن عطيّة: [نحو ابن زيد و أضاف:]

لكن لفظة الخطب تقتضي انتهارا،لأنّ الخطب مستعمل في المكاره،فكأنّه قال:ما نحسك و ما شؤمك؟ و ما هذا الخطب الّذي جاء من قبلك؟.(4:61)

نحوه ابن جزيّ(3:18)،و الثّعالبيّ(2:357).

ابن الجوزيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و المعنى:ما أمرك الّذي تخاطب فيه.(5:317)

الفخر الرّازيّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و الغرض منه الإنكار عليه و تعظيم صنعه.

(22:110)

مثله النّيسابوريّ.(16:153)

ص: 420

أبو حيّان:[ذكر كلام ابن عطيّة ثمّ قال:]

و هذا ليس كما ذكر،أ لا ترى إلى قوله قال: فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ الذّاريات:31،و هو قول إبراهيم لملائكة اللّه،فليس هذا يقتضي انتهارا و لا شيئا ممّا ذكر.

و قيل:هو مشتقّ من«الخطاب»كأنّه قال له:ما حملك على أن خاطبت بني إسرائيل بما خاطبت، و فعلت معهم ما فعلت؟.(6:273)

ابن كثير :ما حملك على ما صنعت؟و ما الّذي عرض لك حتّى فعلت ما فعلت؟.(4:534)

نحوه مغنيّة(5:239)،و الطّباطبائيّ(14:194)، و فضل اللّه(15:150)

الشّربينيّ: أي أمرك هذا العجب العظيم الّذي حملك على ما صنعت،و أخبرني ربّي أنّك أضللتهم به.

(2:481)

أبو السّعود :أي ما شأنك و ما مطلوبك ممّا فعلت.خاطبه عليه السّلام بذلك ليظهر للنّاس بطلان كيده باعترافه،و يفعل به و بما صنعه من العقاب ما يكون نكالا للمفتونين به،و لمن خلفهم من الأمم.(4:304)

نحوه المراغيّ.(16:145)

البروسويّ: يعني فيما صنعت من عدولك إلى صورة العجل على الاختصاص،و صنعك هذا الشّبح من حليّ القوم،حتّى أخذت بقلوبهم من أجل أموالهم.(5:420)

الآلوسيّ: أي ما شأنك و الأمر العظيم الصّادر عنك،و(ما)سؤال عن السّبب الباعث لذلك؟ و تفسير«الخطب»بذلك هو المشهور.

و في«الصّحاح»الخطب:سبب الأمر،و قال بعض الثّقات:هو في الأصل مصدر خطب الأمر إذا طلبه.

فإذا قيل لمن يفعل شيئا:ما خطبك؟فمعناه ما طلبك له،و شاع في الشّأن و الأمر العظيم،لأنّه يطلب و يرغب فيه.

و اختير في الآية تفسيره ب«الأصل»ليكون الكلام عليه أبلغ،حيث لم يسأله عليه السّلام عمّا صدر منه و لا عن سببه،بل عن سبب طلبه.

و جعل الرّاغب الأصل لهذا الشّائع الخطب بمعنى التّخاطب،أي المراجعة في الكلام،و أطلق عليه،لأنّ الأمر العظيم يكثر فيه التّخاطب.

و جعل في«الأساس»:الخطب بمعنى الطّلب مجازا، فقال:و من المجاز:فلان يخطب عمل كذا:يطلبه،و ما خطبك؟ما شأنك الّذي تخطبه؟

و فرّق ابن عطية بين الخطب و الشّأن:بأنّ الخطب يقتضي انتهارا،و يستعمل في المكاره دون الشّأن.ثمّ قال:فكأنّه قيل:ما نحسك و ما شؤمك،و ما هذا الخطب الّذي جاء منك؟انتهى.

و ليس ذلك بمطّرد،فقد قال إبراهيم عليه السّلام للملائكة عليهم السّلام: فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ الذّاريات:31،و لا يتأتّى فيه ما ذكر.

و زعم بعض من جعل اشتقاقه من الخطاب:أنّ المعنى ما حملك على أن خاطبت بني إسرائيل بما خاطبت،و فعلت معهم ما فعلت،و ليس بشيء، و خطابه عليه السّلام إيّاه بذلك ليظهر للنّاس بطلان كيده

ص: 421

باعترافه،و يفعل به و بما أخرجه ما يكون نكالا للمفتونين،و لمن خلفهم من الأمم.(16:252)

ابن عاشور :ما طلبك،أي ما ذا تخطب،أي تطلب،فهو مصدر.[ثمّ نقل كلام ابن عطيّة و قال:]

فالمعنى:هي مصيبتك الّتي أصبت بها القوم،و ما غرضك ممّا فعلت؟.(16:173)

و كذا بمعنى الحال و الأمر و الشّأن جاء خَطْبُكُما في سورة القصص:23 قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ، و خَطْبُكُمْ في آيتي الحجر:57،و الذّاريات:31 فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ، و خَطْبُكُنَّ في سورة يوسف:51 قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ.

الخطاب

1- وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ. ص:20

أبيّ بن كعب:الشّهود و الأيمان.

مثله عطاء.(البغويّ 4:58)

و مثله كعب و شريح و الشّعبيّ و مجاهد.

(النّحّاس 6:93)،و زيد بن عليّ(347).

ابن مسعود:يعني علم الحكم و البصر بالقضاء، كأنّ لا يتتعتع في القضاء بين النّاس.

مثله الحسن و الكلبيّ و مقاتل و أبو عبد الرّحمن السّلميّ.(الثّعلبيّ 8:184)و نحوه قتادة.(الواحديّ 3:

545)

الإمام عليّ عليه السّلام:هو«البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر».لأنّ كلام الخصوم ينقطع و ينفصل به.(البغويّ 4:58)

نحوه شريح و قتادة(الطّبريّ 1:565)،و الطّوسيّ (8:550)

أبو موسى الأشعريّ: قوله:أمّا بعد،و هو أوّل من تكلّم بها.(الماورديّ 5:84)

مثله أبو الأسود الدّؤليّ(ابن عاشور 23:130)، و زياد(الثّعلبيّ 8:185).

ابن عبّاس: بيان الكلام(الثّعلبيّ 8:184)

أعطي الفهم.(الطّبريّ 10:564)

على القضاء و العدل.

مثله الحسن،(الماورديّ 5:84)

شريح:الشّاهدان على المدّعي،و اليمين على من أنكر.(الطّبريّ 10:565)

نحوه قتادة و أبو عبد الرّحمن السّلميّ.

(ابن كثير 6:53)

الشّعبيّ: هو قول الإنسان بعد حمد اللّه و الثّناء عليه:أمّا بعد،إذا أراد الشّروع في كلام آخر،و أوّل من قاله داود عليه السّلام.(البغويّ 8:58)

مجاهد :ما قال،أنفذ.(النّحّاس 6:93)

هو إصابة القضاء و فهمه.(الطّبريّ 10:565)

مثله السّدّيّ.(ابن كثير 6:52)

هو الفصل في الكلام و في الحكم.(ابن كثير 6:52)

السّدّيّ: أي علم القضاء.(409)

ابن زيد :الخصومات الّتي يخاصم النّاس إليه فصل ذلك الخطاب،الكلام الفهم،و إصابة القضاء

ص: 422

و البيّنات.(الطّبريّ 10:564)

الإمام الرّضا عليه السّلام:إنّه معرفة اللّغات.

(الكاشانيّ 4:294)

ابن قتيبة :يقال:أمّا بعد،و يقال:الشّهود و الأيمان،لأنّ القطع في الحكم بهما.(378)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك.[فذكر الأقوال ثمّ قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه أخبر أنّه آتى داود صلوات اللّه عليه فصل الخطاب، و الفصل:هو القطع،و الخطاب هو المخاطبة،و من قطع مخاطبة الرّجل الرّجل في حال احتكام أحدهما إلى صاحبه،قطع المحتكم إليه الحكم بين المحتكم إليه و خصمه بصواب من الحكم،و من قطع مخاطبته أيضا صاحبه،إلزام المخاطب في الحكم ما يجب عليه:إن كان مدّعيا،فإقامة البيّنة على دعواه،و إن كان مدّعى عليه فتكليفه اليمين إن طلب ذلك خصمه.و من قطع الخطاب أيضا الّذي هو خطبة عند انقضاء قصّة و ابتداء في أخرى الفصل بينهما ب«أمّا بعد».فإذ كان ذلك كلّه محتملا ظاهر الخبر،و لم تكن في هذه الآية دلالة على أيّ ذلك المراد،و لا ورد به خبر عن الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم ثابت،فالصّواب أن يعمّ الخبر،كما عمّه اللّه،فيقال:أوتي داود فصل الخطاب في القضاء و المحاورة و الخطب.(10:564)

السّجستانيّ: يقال:أمّا بعد،و يقال:البيّنة على الطّالب و اليمين على المطلوب.(160)

النّحّاس: الخطاب في اللّغة و المخاطبة،واحد.

فالمعنى على حقيقة اللّغة:أنّه يفصل،أي يقطع المخاطبة بالحكم الّذي آتاه اللّه إيّاه،و يقطع أيضا فصلها في الشّهود و الأيمان.

و قيل: فَصْلَ الْخِطابِ البيان الفاصل بين الحقّ و الباطل.(6:93)

الماورديّ: فَصْلَ الْخِطابِ فيه خمسة تأويلات:

أحدها:[قول ابن عبّاس و الحسن]

الثّاني:[قول شريح و قتادة]

الثّالث:[قول أبي موسى الأشعريّ و الشّعبيّ]

الرّابع:أنّه البيان الكافي في كلّ غرض و مقصود.

الخامس:أنّه الفصل بين الكلام الأوّل و الكلام الثّاني.(5:84)

القشيريّ: هو الحكم بالحقّ.[ثمّ ذكر نحو الإمام عليّ عليه السّلام و أضاف:]

و يقال:القضاء بين الخصوم.(5:249)

الواحديّ: الشّهود و الأيمان،البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر،لأنّ خطاب الخصوم إنّما ينقطع و ينفصل بهذا،و هذا قول أكثر المفسّرين.

و قال ابن مسعود و مقاتل و قتادة:هو العلم بالقضاء و الفهم.(3:545)

مثله الطّبرسيّ.(4:469)

الرّاغب: ما ينفصل الأمر به من الخطاب.(150)

الزّمخشريّ: فمعنى فصل الخطاب:البيّن من الكلام الملخّص الّذي يتبيّنه من يخاطب به لا يلتبس عليه.و من فصل الخطاب و ملخّصه:أن لا يخطئ

ص: 423

صاحبه مظانّ الفصل و الوصل،فلا يقف في كلمة الشّهادة على المستثنى منه،و لا يتلو قوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الماعون:4،إلاّ موصولا بما بعده و لا وَ اللّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ حتّى يصله بقوله: لا تَعْلَمُونَ البقرة:232،و نحو ذلك،و كذلك مظانّ العطف و تركه،و الإضمار و الإظهار،و الحذف و التّكرار، و إن شئت كان الفصل بمعنى الفاصل كالصّوم، و الزّور،و أردت بفصل الخطاب:الفاصل من الخطاب الّذي يفصل بين الصّحيح و الفاسد،و الحقّ و الباطل، و الصّواب و الخطإ،و هو كلامه في القضايا و الحكومات و تدابير الملك و المشورات.[ثمّ ذكر كلام الإمام عليّ عليه السّلام،و قول بعضهم:«أمّا بعد»و أضاف:]

و يجوز أن يراد الخطاب (1):القصد الّذي ليس فيه اختصار مخلّ و لا إشباع مملّ.و منه ما جاء في صفة كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«فصل لا نزر و لا هذر».(3:365)

نحوه النّسفيّ(4:37)و أبو السّعود(5:355)، و طه الدّرّة(12:269).

ابن العربيّ: قيل:هو علم القضاء،و قيل:هو الإيجاز بجعل المعنى الكثير في اللّفظ القليل،و قيل:هو قوله:«أمّا بعد».و كان أوّل من تكلّم بها.

فأمّا علم القضاء فلعمر إلهك إنّه لنوع من العلم مجرّد،و فضل منه مؤكّد،غير معرفة الأحكام و البصر بالحلال و الحرام،ففي الحديث:«أقضاكم عليّ، و أعلمكم بالحلال و الحرام معاذ بن جبل».و قد يكون الرّجل بصيرا بأحكام الأفعال عارفا بالحلال و الحرام، و لا يقوم بفصل القضاء فيها،و قد يكون الرّجل يأتي القضاء من وجهه باختصار من لفظه و إيجاز في طريقه بحذف التّطويل،و رفع التّشتيت،و إصابة المقصود.

[إلى أن قال:]

فهذا هو فصل الخطاب و علم القضاء الّذي وقعت الإشارة إليه على أحد التّأويلات في الحديث المرويّ:

«أقضاكم عليّ»،حسبما أشرنا إليه آنفا.

و أمّا من قال:إنّه الإيجاز،فذلك للعرب دون العجم،و لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم دون العرب،و قد بيّن هذا بقوله:

«أوتيت جوامع الكلم»...

و أمّا من قال:إنّه قوله:«أمّا بعد»فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول في خطبته:أمّا بعد.و يروى أنّ أوّل من قالها في الجاهليّة«سحبان وائل».

و لو صحّ أنّ داود قالها،فإنّه لم يكن ذلك منه بالعربيّة على هذا النّظم،و إنّما كان بلسانه.و اللّه أعلم.

[ثمّ ذكر كلام ابن زيد و قال:]

و هذا صحيح؛فإنّ اللّه تعالى يقول في وصف كتابه العزيز: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ* وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ الطّارق:

13،14،لما فيه من إيجاز اللّفظ،و إصابة المعنى،و نفوذ القضاء.(4:1627)

ابن الجوزيّ: في فصل الخطاب أربعة أقوال:

[فذكر الأقوال و أضاف:]

و الرّابع:تكليف المدّعي البيّنة و المدّعى عليه اليمين،قاله شريح و قتادة،و هو قول حسن،لأنّ الخصومة إنّما تفصل بهذا.(7:111)ب.

ص: 424


1- كذا،و الظّاهر:بالخطاب.

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ أجسام هذا العالم على ثلاثة أقسام:

أحدها:ما تكون خالية عن الإدراك و الشّعور، و هي الجمادات و النّباتات

و ثانيها:الّتي يحصل لها إدراك و شعور،و لكنّها لا تقدر على تعريف غيرها الأحوال الّتي عرفوها في الأكثر،و هذا القسم هو جملة الحيوانات سوى الإنسان.

و ثالثها:الّذي يحصل له إدراك و شعور،و يحصل عنده قدرة على تعريف غيره الأحوال المعلومة له، و ذلك هو الإنسان و قدرته على تعريف الغير الأحوال المعلومة عنده بالنّطق و الخطاب.

ثمّ إنّ النّاس مختلفون في مراتب القدرة على التّعبير عمّا في الضّمير:فمنهم من يتعذّر عليه إيراد الكلام المرتّب المنتظم بل يكون مختلط الكلام مضطرب القول.و منهم من يتعذّر عليه التّرتيب من بعض الوجوه،و منهم من يكون قادرا على ضبط المعنى و التّعبير عنه إلى أقصى الغايات.و كلّ من كانت هذه القدرة في حقّه أكمل،كانت الآثار الصّادرة عن النّفس النّطقيّة في حقّه أكمل.و كلّ من كانت تلك القدرة في حقّه أقلّ،كانت تلك الآثار أضعف.

و لمّا بيّن اللّه تعالى كمال حال جوهر النّفس النّطقيّة الّتي لداود بقوله: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ أردفه ببيان كمال حاله في النّطق و اللّفظ و العبارة،فقال:

وَ فَصْلَ الْخِطابِ و هذا التّرتيب في غاية الجلالة.

و من المفسّرين من فسّر ذلك بأنّ داود أوّل من قال في كلامه:«أمّا بعد».

و أقول حقّا:إنّ الّذين يتّبعون أمثال هذه الكلمات فقد حرموا الوقوف على معاني كلام اللّه تعالى حرمانا عظيما،و اللّه أعلم.

و قول من قال:المراد معرفة الأمور الّتي بها يفصل بين الخصوم و هو طلب البيّنة و اليمين،فبعيد أيضا، لأنّ فصل الخطاب عبارة عن كونه قادرا على التّعبير عن كلّ ما يخطر بالبال و يحضر في الخيال؛بحيث لا يختلط شيء بشيء،و بحيث ينفصل كلّ مقام عن مقام، و هذا معنى عامّ يتناول جميع الأقسام.و اللّه أعلم.

(26:187)

ابن عربيّ: و الفصاحة المبيّنة للأحكام،أي الحكمة النّظريّة و العمليّة،و المعرفة،و الشّريعة.

و فصل الخطاب:هو المفصول المبيّن من الكلام، المتعلّق بالأحكام.(2:349)

القرطبيّ: [ذكر الأقوال و أضاف:]

و المعنى في هذه الأقوال متقارب،و قول عليّ رضي اللّه عنه يجمعه،لأنّ مدار الحكم عليه في القضاء، ما عدا قول أبي موسى.(15:162)

البيضاويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و إنّما سمّي به:«أمّا بعد»،لأنّه يفصل المقصود عمّا سبق مقدّمة له من الحمد و الصّلاة.(2:207)

النّيسابوريّ: هو القدرة على ضبط المعاني، و التّعبير عنها بأقصى الغايات حتّى يكون كاملا مكمّلا فهما مفهما.

قال جار اللّه:الفصل بمعنى المفصول،و معناه:البيّن

ص: 425

من الكلام الملخّص الّذي لا يلتبس و لا يختلط بغيره.

قلت:و من ذلك أن لا يخطئ صاحبه مظانّ الفصل و الوصل،كما نذكره في الوقوف.[ثمّ ذكر أقوالا و أضاف:]

و كلّ هذه الأقوال تخصيصات من غير دليل، و الأقوى ما قدّمناه.(23:83)

أبو حيّان :[ذكر الأقوال ثمّ قال:]

لمّا كان تعالى قد كمّل نفس نبيّه داود بالحكمة، أردفه ببيان كمال خلقه في النّطق و العبادة،فقال: وَ فَصْلَ الْخِطابِ. (7:390)

ابن كثير :[ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

و قال مجاهد أيضا:هو الفصل في الكلام و في الحكم،و هذا يشمل هذا كلّه،و هو المراد.(6:52)

الثّعالبيّ: [نقل قول ابن عبّاس و الشّعبيّ ثمّ قال:]

الّذي يعطيه اللّفظ أنّه آتاه اللّه فصل الخطاب، بمعنى أنّه إذا خاطب في نازلة فصل المعنى و أوضحه، لا يأخذه في ذلك حصر و لا ضعف.(3:59)

الكاشانيّ: قيل:هو فصل الخصام،يتميّز الحقّ عن الباطل.

و قيل:الكلام المفصول الّذي لا يشتبه على السّامع.(4:294)

البروسويّ: وَ فَصْلَ الْخِطابِ لبيان تلك الحكمة على الوجه المفهم كما في«شرح الفصوص» للمولى الجاميّ رحمه اللّه،فيكون بمعنى الخطاب الفاصل،أي المميّز و المبيّن،أو الخطاب المفصول،أي الكلام الملخّص الّذى ينبّه المخاطب على المرام من غير التباس.و في«شرح الجنديّ»يعني الإفصاح بحقيقة الأمر و قطع القضايا و الأحكام باليقين من غير ارتياب و لا شكّ و لا توقّف،فيكون بمعنى فصل الخصام بتمييز الحقّ من الباطل.ف«الفصل»على حقيقته،و أريد ب«الخطاب»:المخاصمة،لاشتمالها عليه.

و فى«التّأويلات النّجميّة»: وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ في الظّاهر بأن جعلناه أشدّ ملوك الأرض و في الباطن بأن آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ و الحكمة:هي أنواع المعارف من المواهب،و فصل الخطاب بيان تلك المعارف بأدلّ دليل و أقلّ قليل.انتهى.

و إنّما سمّي به:أمّا بعد،لأنّه يفصل المقصود عمّا سبق تمهيدا له من الحمد و الصّلاة.

و قال زياد:أوّل من قال في كلامه:«أمّا بعد» داود عليه السّلام،فهو فصل الخطاب،و ردّ بأنّه لم يثبت عنه أنّه تكلّم بغير لغته،و«أمّا بعد»لفظة عربيّة،و فَصْلَ الْخِطابِ الّذي أوتيه داود هو فصل الخصومة كما في:«إنسان العيون».

اللّهمّ إلاّ أن يقال إن صحّ هذا القول لم يكن ذلك بالعربيّة على هذا النّظم،و إنّما كان بلسانه عليه السّلام[إلى أن قال:]

و فصل الخطاب يعني القضاء بالبيّنات،و الأيمان على الطّالبين و المدّعى عليهم.كذا في تفسير الإمام أبي اللّيث رحمه اللّه.و كان الحكم في شرعنا أيضا بذلك،لأنّه أسدّ الطّرق و أحسن الوسائل في كلّ مسألة من المسائل،لكلّ سائل.(8:15)

ص: 426

الآلوسيّ: أي فصل الخصام بتمييز الحقّ عن الباطل.فالفصل بمعناه المصدريّ،و الخطاب:الخصام، لاشتماله عليه،أو لأنّه أحد أنواعه خصّ به،لأنّه المحتاج للفصل.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ إلى أن قال:]

و الفصل:إمّا بمعنى الفاصل،لأنّ القصد أي المتوسط فاصل بين الطّرفين،و هما هنا المختصر المخلّ و المطنب المملّ،أو لأنّ الفصل و التّمييز بين المقصود و غيره أظهر تحقّقا في الكلام القصد لما في أحد الطّرفين من الإخلال،و في الطّرف الآخر من الإملال المفضي إلى إهمال بعض المقصود.

و إمّا بمعنى المفصول،لأنّ الكلام المذكور مفصول مميّز عند السّامع على المخلّ و المملّ بسلامته عن الإخلال و الإملال.

و الإضافة على الوجه الأوّل من إضافة المصدر إلى مفعوله،و على ما عداه من إضافة الصّفة لموصوفها.

و ما روي عن عليّ كرم اللّه تعالى وجهه،و الشّعبيّ و حكاه الطّبرسيّ عن الأكثرين من أنّ«فصل الخطاب»هو قوله:«البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه»،فقيل:هو داخل في فصل الخطاب على الوجه الثّاني،فإنّ فيه الفصل بين المدّعي و المدّعى عليه،و هو من الفصل بين الحقّ و الباطل.و جاء في بعض الرّوايات هو إيجاب البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه،فلعلّه أريد أنّ فصل الخطاب على الوجه الأوّل،أعني فصل الخصام كان بذاك،و جعله نفسه على سبيل المبالغة.و ما روي عن ابن عبّاس و مجاهد و السّدّيّ من أنّه القضاء بين النّاس بالحقّ و الإصابة و الفهم،فهو ليس شيئا وراء ما ذكر أوّلا.

[ثمّ ذكر قول أبي موسى و أضاف:]

فقيل:هو داخل في فصل الخطاب،و ليس فصل الخطاب منحصرا فيه،لأنّه يفصل المقصود عمّا سيق مقدّمة له من الحمد و الصّلاة،أو من ذكر اللّه عزّ و جلّ مطلقا،و ظاهره اعتبار فصل الخطاب بمعنى الكلام الّذي ينبّه المخاطب على المقصود-إلى آخر ما مرّ- و يوهم صنيع بعضهم دخوله فيه باعتبار المعنى الثّاني لفصل الخطاب،و لا يتسنّى ذلك،و حمل الخبر على الانحصار ممّا لا ينبغي،إذ ليس في إيتاء هذا اللّفظ كثير امتنان.

ثمّ الظّاهر أنّ المراد من«أمّا بعد»ما يؤدّي مؤدّاه من الألفاظ لا نفس هذا اللّفظ،لأنّه لفظ عربيّ،و داود لم يكن من العرب و لا نبيّهم بل و لا بينهم،فالظّاهر أنّه لم يتكلّم بالعربيّة.

و الّذي يترجّح عندي:أنّ المراد ب فَصْلَ الْخِطابِ :فصل الخصام،و هو يتوقّف على مزيد علم و فهم و تفهيم و غير ذلك،فإيتاؤه يتضمّن إيتاء جميع ما يتوقّف هو عليه،و فيه من الامتنان ما فيه.

(23:177)

القاسميّ: أي فصل الخصام،بتمييز الحقّ من الباطل،و رفع الشّبه،و إقامة الدّلائل،و كان يقيم بذلك العدل الجالب محبّة الخلائق،و لا يخالفه أحد من أقاربه،و لا من الأجانب.(14:5086)

المراغيّ: أي و ألهمناه حسن الفصل في

ص: 427

الخصومات بما يستبين به وجه الحقّ بلا جنف و لا ميل مع الهوى،و هذا يحتاج إلى فضل كبير في العلم،و مزيد في الحلم،و تفهّم أحوال الخصوم،و رباطة الجأش، و عظيم الصّبر،و الذّكاء الّذي لا يتوافر لكثير من النّاس.(23:106)

سيّد قطب :قطعه و الجزم فيه برأي لا تردّد فيه؛ و ذلك مع الحكمة و مع القوّة غاية الكمال في الحكم و السّلطان في عالم الإنسان.(5:3017)

ابن عاشور :بلاغة الكلام و جمعه للمعنى المقصود؛بحيث لا يحتاج سامعه إلى زيادة تبيان.

و وصف القول ب«الفصل»وصف بالمصدر،أي فاصل.

و الفاصل:الفارق بين شيئين،و هو ضدّ الواصل، و يطلق مجازا على ما يميّز شيئا عن الاشتباه بضدّه.و عطفه هنا على الحكمة قرينة على أنّه استعمل في معناه المجازيّ،كما في قوله تعالى: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً النّبأ:17.

و المعنى أنّ داود أوتي من أصالة الرّأي و فصاحة القول ما إذا تكلّم جاء بكلام فاصل بين الحقّ و الباطل،شأن كلام الأنبياء و الحكماء،و حسبك بكتابه«الزّبور»المسمّى عند اليهود ب«المزامير»فهو مثل في بلاغة القول في لغتهم.

و عن أبي الأسود الدّؤليّ: فَصْلَ الْخِطابِ هو قوله في خطبه:«أمّا بعد»،قال:و داود أوّل من قال ذلك.و لا أحسب هذا صحيحا،لأنّها كلمة عربيّة و لا يعرف في كتاب داود أنّه قال ما هو بمعناها في اللّغة العبريّة،و سمّيت تلك الكلمة«فصل الخطاب»عند العرب لأنّها تقع بين مقدّمة المقصود و بين المقصود.

فالفصل فيه على المعنى الحقيقيّ،و هو من الوصف بالمصدر،و الإضافة حقيقيّة.و أوّل من قال:«أمّا بعد» هو سحبان وائل خطيب العرب.

و قيل: فَصْلَ الْخِطابِ :القضاء بين الخصوم.

و هذا بعيد؛إذ لا وجه لإضافته إلى الخطاب.(23:129)

مغنيّة:[ذكر كلام الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و هذا أشمل ممّا نفهمه نحن من أن فَصْلَ الْخِطابِ هو العلم بالقضاء،و الفصل في الخصومات على أساس العدل.(6:370)

الطّباطبائيّ: و فَصْلَ الْخِطابِ :تفكيك الكلام الحاصل من مخاطبة واحد لغيره،و تمييز حقّه من باطله،و ينطبق على القضاء بين المتخاصمين في خصامهم.

و قيل:المراد به الكلام القصد ليس بإيجازه مخلاّ و لا بإطنابه مملاّ.و قيل: فَصْلَ الْخِطابِ :قول «أمّا بعد»،فهو عليه السّلام أوّل من قال:أمّا بعد،و الآية التّالية وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ... تؤيّد ما قدّمناه.

(17:190)

محمود صافي:الخطاب:اسم دالّ على الكلام، و هو في الأصل مصدر سماعيّ للرّباعيّ«خاطب»وزنه «فعال»بكسر الفاء.(23:113)

المصطفويّ: أي و أعطينا داود المعارف و الحقائق و قدرة المخاطبة المميّزة،فهو على معرفة بالحكم و المعارف الإلهيّة باطنا،و على تكلّم دقيق فاصل حقّ

ص: 428

مستدلّ ظاهرا.(3:82)

مكارم الشّيرازيّ: و آخر نعمة إلهيّة أنعمت على داود هي تمكّنه من القضاء و الحكم بصورة صحيحة و عادلة و فصل الخطاب.

و قد استخدمت عبارة فَصْلَ الْخِطابِ لأنّ كلمة(الخطاب)تعني أقوال طرفي النّزاع،أمّا(فصل) فإنّها تعني القطع و الفصل.و كما هو معروف فإنّ أقوال طرفي النّزاع لا تقطع إلاّ إذا حكم بينهم بالعدل،و لهذا فإنّ العبارة هذه تعني قضاءه بالعدل.

و هناك احتمال آخر لتفسير هذه العبارة،و هو أنّ اللّه سبحانه و تعالى أعطى داود منطقا قويّا يدلّل على سموّ و عمق تفكيره،و لم يكن هذا خاصّا بالقضاء و حسب،بل في كلّ أحاديثه.

حقّا،ليس من المفروض أن ييأس أحد من لطف اللّه،اللّه الّذي يستطيع أن يعطي الإنسان اللاّئق و المناسب كلّ تلك القوّة و القدرة.و هذه ليست مواساة للنّبيّ الأكرم و المؤمنين في مكّة الّذين كانوا يعيشون في تلك الأيّام تحت أصعب الظّروف و أشدّها، بل مواساة لكلّ المؤمنين المضطهدين في كلّ مكان و زمان.[إلى أن قال:]

فقد منّ اللّه عليه بمنطق قويّ و حديث مؤثّر و نافذ، و قدرة كبيرة على القضاء و التّحكيم بصورة حازمة و عادلة،قال تعالى وَ فَصْلَ الْخِطابِ.

حقّا إنّ اسس أيّ حكومة لا يمكن أن تصبح محكمة بدون هذه الصّفات:العلم و المنطق و تقوى اللّه،و القدرة على ضبط النّفس،و نيل مقام العبوديّة للّه.(14:427)

فضل اللّه :أي القول الحاسم الّذي يستطيع من خلال الفكرة الواضحة القويّة،أن يوضّح الأمور، و يحدّد المعنى،و يتقن التّعبير عنه إلى أقصى الغايات، و يدخل فيه العلم بالقضاء بين المتخاصمين في خصوماتهم على أساس العدل.(19:245)

2- إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ. ص:23

ابن الأنباريّ: و اَلْخِطابِ فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون مصدر خاطب خطابا،نحو ضارب ضرابا.

و الثّاني:أن يكون مصدر خطب المرأة خطابا،نحو كتب كتابا.(2:314)

الزّمخشريّ: أراد ب اَلْخِطابِ :مخاطبة المحاجّ المجادل أو أراد:خطبت المرأة و خطبها هو فخاطبني خطابا،أي غالبني في الخطبة،فغلبني حيث زوّجها دوني.(3:369)

نحوه البيضاويّ.(2:308)

ابن الجوزيّ: فدلّ هذا على أنّ الكلام إنّما كان بينهما في الخطبة،و لم يكن قد تقدّم تزوّج الآخر، فعوتب داود عليه السّلام لشيئين ينبغي للأنبياء التّنزّه عنهما:

أحدهما:خطبته على خطبة غيره.

و الثّاني:إظهار الحرص على التّزويج مع كثرة نسائه،و لم يعتقد ذلك معصية،فعاتبه اللّه تعالى عليها.

(7:116)

ص: 429

الآلوسيّ: أي مخاطبته إيّاي محاجّة بأن جاء بحجاج لم أطق ردّه.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و تعقّبه صاحب«الكشف»فقال:«حمل اَلْخِطابِ على المغالبة في خطبة النّساء لا يلائم فصاحة التّنزيل،لأنّ التّمثيل قاصر عنه،لنبو قوله:

وَ لِيَ نَعْجَةٌ عن ذلك أشدّ النّبوة.و كذا قوله:

أَكْفِلْنِيها إذ ينبغي على ذلك أن يخاطب به وليّ المخطوبة،إلاّ أن يجعل الأوّل مجازا عمّا يؤول إليه الحال ظنّا،و الشّرط في حسنه تحقّق الانتهاء كما في:

أَعْصِرُ خَمْراً يوسف:36،و الثّاني مجاز عن تركه الخطبة،و لا يخفى ما فيهما من التّعقيد.ثمّ إنّه لتصريحه ينافي الغرض من التّمثيل،و هو التّنبيه على عظم ما كان منه عليه السّلام و أنّه أمر يستحي من كشفه مع السّتر عليه،و الاحتفاظ بحرمته»انتهى.فتأمّل.(23:181)

و سيأتي بقيّة الكلام في ع ز ز:«عزّني»فلاحظ

خطابا

رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً. النّبأ:37

ابن عبّاس: كلاما في الشّفاعة حتّى يأذن اللّه لهم.

(499)

نحوه الكلبيّ(الثّعلبيّ 10:119)،و الكسائيّ (القرطبيّ 19:184)،و المراغيّ(30:18).

مجاهد :كلاما.(الطّبريّ 12:414)

مثله قتادة(الطّبريّ 12:414)،و الثّعلبيّ(10:

119)،و محمّد عبد المنعم الجمّال(4:3248).

مقاتل:يعني المناجاة،إذا استوى للحساب.

(4:565)

لا يقدر الخلق أن يكلّموا الرّبّ إلاّ بإذنه.

(ابن الجوزيّ 9:12)

نحوه ابن كثير(7:201)،و شبّر(6:352)، و حجازيّ(30:7).

ابن زيد :لا يملكون أن يخاطبوا اللّه،و المخاطب:

المخاصم الّذي يخاصم صاحبه.(الطّبريّ 12:414)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:الرّحمن لا يقدر أحد من خلقه خطابه يوم القيامة إلاّ من أذن له منهم،و قال صوابا.(12:414)

نحوه الخازن.(7:169)

الطّوسيّ: معناه لا يملكون أن يسألوا إلاّ فيما أذن لهم فيه،كما قال وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى الأنبياء:28،و في ذلك أتمّ التّحذير من الاتّكال.

و الخطاب:توجيه الكلام إلى مدرك بصيغة مبيّنة كاشفة عن المراد،بخلاف صيغة الغائب عن الإدراك، على طريقة«أنت و ربّك».و الإضمار على ثلاثة أضرب:إضمار المتكلّم،و إضمار المخاطب و إضمار الغائب.(10:248)

نحوه الطّبرسيّ.(5:426)

القشيريّ: كيف تكون للمكوّن المخلوق الفقير المسكين مكنة أن يملك منه خطابا؟أو يتنفّس بدونه نفسا؟كلاّ،بل هو اللّه الواحد الجبّار.(6:247)

الزّمخشريّ: أي ليس في أيديهم ممّا يخاطب به

ص: 430

اللّه و يأمر به في أمر الثّواب و العقاب خطاب واحد يتصرّفون فيه تصرّف الملاّك،فيزيدون فيه أو ينقصون منه،أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص في العذاب أو زيادة في الثّواب،إلاّ أن يهب لهم ذلك و يأذن لهم فيه.(4:210)

مثله الشّربينيّ.(4:474)

ابن عطيّة: لا يَمْلِكُونَ الضّمير للكفّار،أي لا يملكون من أفضاله و أجماله أن يخاطبوه بمعذرة و لا غيرها،و هذا في موطن خاصّ.(5:428)

مثله الثّعالبيّ.(3:435)

الفخر الرّازيّ: الضّمير في قوله: لا يَمْلِكُونَ إلى من يرجع؟فيه ثلاثة أقوال:

الأوّل:نقل عطاء عن ابن عبّاس أنّه راجع إلى المشركين،يريد:لا يخاطب المشركون،أمّا المؤمنون فيشفعون،و يقبل اللّه ذلك منهم.

و الثّاني:قال القاضي:إنّه راجع إلى المؤمنين، و المعنى أنّ المؤمنين لا يملكون أن يخاطبوا اللّه في أمر من الأمور،لأنّه لمّا ثبت أنّه عدل لا يجور،ثبت أنّ العقاب الّذي أوصله إلى الكفّار عدل،و أنّ الثّواب الّذي أوصله إلى المؤمنين عدل،و أنّه ما يخسر حقّهم،فبأيّ سبب يخاطبونه.و هذا القول أقرب من الأوّل،لأنّ الّذي جرى قبل هذه الآية ذكر المؤمنين لا ذكر الكفّار.

و الثّالث:أنّه ضمير لأهل السّماوات و الأرض، و هذا هو الصّواب،فإنّ أحدا من المخلوقين لا يملك مخاطبة اللّه و مكالمته.

و أمّا الشّفاعات الواقعة بإذنه،فغير واردة على هذا الكلام،لأنّه نفى الملك،و الّذي يحصل بفضله و إحسانه فهو غير مملوك،فثبت أنّ هذا السّؤال غير لازم.و الّذي يدلّ من جهة العقل على أنّ أحدا من المخلوقين لا يملك خطاب اللّه وجوه:

الأوّل:و هو أنّ كلّ ما سواه فهو مملوكه،و المملوك لا يستحقّ على مالكه شيئا.

و ثانيها:أنّ معنى الاستحقاق عليه،هو أنّه لو لم يفعل لاستحقّ الذّمّ.و لو فعله لاستحقّ المدح،و كلّ من كان كذلك كان ناقصا في ذاته،مستكملا بغيره، و تعالى اللّه عنه.

و ثالثها:أنّه عالم بقبح القبيح،عالم بكونه غنيّا عنه، و كلّ من كان كذلك لم يفعل القبيح،و كلّ من امتنع كونه فاعلا للقبيح،فليس لأحد أن يطالبه بشيء، و أن يقول له:لم فعلت؟.

و الوجهان الأوّلان مفرّعان على قول أهل السّنّة،و الوجه الثّالث يتفرّع على قول المعتزلة، فثبت أنّ أحدا من المخلوقات لا يملك أن يخاطب ربّه و يطالب إلهه.

و اعلم أنّه تعالى لمّا ذكر أنّ أحدا من الخلق لا يمكنه أن يخاطب اللّه في شيء أو يطالبه بشيء،قرّر هذا المعنى و أكّده،فقال تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ... النّبأ:38،و ذلك لأنّ الملائكة أعظم المخلوقات قدرا و رتبة،و أكثرهم قدرة و مكانة،فبيّن أنّهم لا يتكلّمون في موقف القيامة إجلالا لربّهم،و خوفا منه،و خضوعا له،فكيف يكون

ص: 431

حال غيرهم.(31:22)

نحوه النّيسابوريّ(30:12)و أبو حيّان(8:415).

ابن عربيّ: لأنّهم لم يصلوا إلى مقام الصّفات، فلا حظّ لهم من المكالمة.(2:760)

القرطبيّ: [نحو الطّوسيّ ثمّ ذكر قول الكسائيّ و أضاف:]

و قيل:الخطاب:الكلام،أي لا يملكون أن يخاطبوا الرّبّ سبحانه إلاّ بإذنه؛دليله: لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ هود:105.

و قيل:أراد الكفّار لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً، فأمّا المؤمنون فيشفعون.

قلت:بعد أن يأذن لهم؛لقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ البقرة:255 و قوله تعالى:

يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً طه:109.(19:184)

نحوه الشّوكانيّ.(5:454)

البيضاويّ: أي لا يملكون خطابه و الاعتراض عليه في ثواب أو عقاب،لأنّهم مملوكون له على الإطلاق،فلا يستحقّون عليه اعتراضا و ذلك لا ينافي الشّفاعة بإذنه.(2:535)

مثله الكاشانيّ(5:277)،و المشهديّ(11:170)، و نحوه مغنيّة(7:503).

النّسفيّ: أي لا يملكون الشّفاعة من عذابه تعالى إلاّ بإذنه،أو لا يقدر أحد أن يخاطبه خوفا.(4:327)

أبو السّعود : لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً استئناف مقرّر لما أفاده الرّبوبيّة العامّة من غاية العظمة و الكبرياء،و استقلاله تعالى ما ذكر من الجزاء و العطاء من غير أن يكون لأحد قدرة عليه.(6:361)

البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و ضمير لا يَمْلِكُونَ لأهل السّماوات و الأرض و«من»في(منه)صلة للتّأكيد،على طريقة قولهم:«بعت منك»أي بعتك،يعنى أنّه صلة خِطاباً قدّم عليه فانقلب بيانا،و المعنى:لا يملكون أن يخاطبوه تعالى من تلقاء أنفسهم،كما ينبئ عنه لفظ الملك،إذ المملوك لا يستحقّ على مالكه شيئا خطابا ما في شيء ما،لتفرّده بالعظمة و الكبرياء،و توحّده في ملكه بالأمر و النّهي و الخطاب.و المراد نفي قدرتهم على أن يخاطبوه تعالى بشيء من نقص العذاب و زيادة الثّواب من غير إذنه على أبلغ وجه و آكده،كأنّه قيل:

لا يملكون أن يخاطبوه بما سبق من الثّواب و العقاب.

و به يحصل الارتباط بين هذه الآية و بين ما قبلها من وعيد الكفّار و وعد المؤمنين.و يظهر منه أنّ نفي أن يملكوا خطابه،لا ينافي الشّفاعة بإذنه.قال القاشانيّ:

«لأنّهم-أي أهل الأفعال-لم يصلوا إلى مقام الصّفات،فلا حظّ لهم من المكالمة».(10:309)

الآلوسيّ: و المعنى لا يملكون من اللّه تعالى خطابا واحدا،أي لا يملّكهم اللّه تعالى ذلك،فلا يكون في أيديهم خطاب يتصرّفون فيه تصرّف الملاّك،فيزيدون في الثّواب أو ينقصون من العقاب،و هذا كما تقول:

«ملكت منه درهما».و هو أقلّ تكلّفا،و أظهر من جعل(منه)حالا من(خطابا)مقدّما،و إضمار مضاف، أي خطابا من خطاب اللّه تعالى،فيكون المعنى:لا

ص: 432

يملكون خطابا واحدا من جملة ما يخاطب به اللّه تعالى، و يأمر به في أمر الثّواب و العقاب.

و ظاهر كلام البيضاويّ حمل الخطاب على خطاب الاعتراض عليه سبحانه في ثواب أو عقاب، و(منه)-على ما سمعت منّا أوّلا-أي لا يملكون خطابه تعالى،و الاعتراض عليه سبحانه في ثواب أو عقاب،لأنّهم مملوكون له عزّ و جلّ على الإطلاق،فلا يستحقّون عليه سبحانه اعتراضا أصلا.و أيّا ما كان، فالآية لا تصلح دليلا على نفسي الشّفاعة بإذنه عزّ و جلّ.

و عن عطاء عن ابن عبّاس:أنّ ضمير لا يَمْلِكُونَ للمشركين،و عدم الصّلاحيّة عليه أظهر.

(30:19)

القاسميّ: قال ابن جرير:أي لا يملكون أن يخاطبوا اللّه.قال:و المخاطب:المخاصم الّذي يخاصم صاحبه.

و قيل:أي لا يملكهم اللّه منه خطابا في شأن الثّواب و العقاب.بل هو المتصرّف فيه وحده.و هذا كما تقول:

«ملكت منه درهما»،ف(من)ابتدائيّة متعلّقة ب يَمْلِكُونَ، و على ما ذكره ابن جرير من أنّ المعنى لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب،ف(منه) صلة خِطاباً كما تقول:«خاطبت منك»على معنى خاطبتك.ك«بعت زيدا»أو«بعت من زيد»،ف(منه) بيان مقدّم على المصدر،لا صلة يَمْلِكُونَ. و قد قرئ(ربّ)و(الرّحمن)بالجرّ و الرّفع.و قرئ بجرّ الأوّل و رفع الثّاني.(17:6039)

طنطاوي:قوله: لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً يرجع إلى العذاب المعنويّ،و قوله: إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً النّبأ:38،يرجع إلى النّعيم المعنويّ، فإنّ الزّلفى من الملوك بالعلم و الصّيت و المنزلة الرّفيعة،فيمكن مخاطبتهم،و الجهل و الضّعة و أمثالها توجب الاحتقار فلا يخاطبون.و هذا هو النّعيم و العذاب اللّذان كمنا في غرائز البشر،و لكن أكثرهم لا يكادون يعبّرون عنه إلاّ الحكماء و العلماء.

(25:11)

ابن عاشور :الخطاب:الكلام الموجّه لحاضر لدى المتكلّم،أو كالحاضر المتضمّن إخبارا أو طلبا أو إنشاء مدح أو ذم.

و فعل يَمْلِكُونَ يعمّ لوقوعه في سياق النّفيّ، كما تعمّ النّكرة المنفيّة.و خِطاباً عامّ أيضا، و كلاهما من العامّ المخصوص بمخصّص منفصل، كقوله عقب هذه الآية: إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً النّبأ:38 و قوله: لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ هود:105،و قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ البقرة:255،و قوله: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى الأنبياء:28.

و الغرض من ذكر هذا إبطال اعتذار المشركين حين استشعروا شناعة عبادتهم الأصنام الّتي شهّر القرآن بها،فقالوا: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللّهِ يونس:

18،و قالوا: ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى الزّمر:3.(30:45)

الطّباطبائيّ: دليل على أنّ المراد بخطابه تعالى:

ص: 433

تكليمه في بعض ما فعل من الفعل،بنحو السّؤال عن السّبب الدّاعي إلى الفعل،كأن يقال:لم فعلت هذا؟ و لم لم تفعل كذا؟كما يسأل الفاعل منّا عن فعله، فتكون الجملة لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً في معنى قوله تعالى: لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ الأنبياء:

23.(20:170)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّ هذا النّعيم الّذي ينعم به المتّقون،إنّما هو من رحمة الرّحمن الّذي أنزلهم منها هذا المنزل الكريم.و لو ساقهم اللّه سبحانه إلى النّار لما كان لهم على اللّه حجّة،لأنّ أحدا في موقف الحساب و الجزاء لا يستطيع أن يسأل اللّه عن المصير الّذي هو صائر إليه،إنّه لا يملك خطابا و لا مراجعة.

(15:1426)

مكارم الشّيرازيّ: يمكن شمول لا يَمْلِكُونَ جميع أهل السّماوات و الأرض،أو جميع المتّقين و العاصين الّذين يجمعون في عرصة المحشر للحساب و الجزاء.

و على أيّ القولين فالآية تشير إلى عدم القدرة على الاعتراض أو الرّدّ من قبل كلّ المخلوقات أمام محكمة العدل الإلهيّ،لأنّ حسابه جلّ اسمه من الدّقّة و العدل و اللّطف ما لا يفسح المجال أمام أيّ اعتراض.

بل و لا يسمح في ذلك اليوم بالتّشفّع لأيّ كان إلاّ بإذن خاصّ منه...(19:313)

فضل اللّه : لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً في ما يفعل أو يقول،و لا يستطيعون الشّفاعة لديه،لأنّ الأمر له، فلا يملك أحد معه كلاما في أيّ شأن من الشّئون،في مواقع القدرة و الجلال.(24:22)

خطبة

وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ... البقرة:235

الأخفش: الخطبة:الذّكر.و الخطبة:التّشهّد.

(1:373)

الطّبريّ: و اختلف أهل العربيّة في معنى «الخطبة».

فقال بعضهم:الخطبة:الذّكر،و الخطبة:التّشهّد.

و كأنّ قائل هذا القول،تأوّل الكلام:و لا جناح عليكم فيما عرّضتم به من ذكر النّساء عندهنّ.و قد زعم صاحب هذا القول أنّه قال: لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا، لأنّه لمّا قال: وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ كأنّه قال:

اذكروهنّ،و لكن لا تواعدوهنّ سرّا.

و قال آخرون منهم:خطبه خطبة و خطبا.قال:

و قول اللّه تعالى ذكره: قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ سورة طه:95،يقال:إنّه من هذا.قال:و أمّا الخطبة فهو المخطوب به،من قولهم:خطب على المنبر و اختطب.

«و الخطبة»عندي هي«الفعلة»من قول القائل:

«خطبت فلانة»ك«الجلسة»،من قوله:جلس أو «القعدة»من قوله:قعد.

و معنى قولهم:«خطب فلان فلانة»:سألها خطبه إليها في نفسها،و ذلك حاجته،من قولهم:«ما خطبك »؟بمعنى ما حاجتك،و ما أمرك؟(2:534)

ص: 434

الجصّاص:قد قيل في الخطبة:إنّها الذّكر الّذي يستدعي به إلى عقدة النّكاح.و الخطبة بالضّمّ:

الموعظة المتّسقة على ضروب من التّأليف.و قد قيل أيضا:إنّ الخطبة:ما له أوّل و آخر كالرّسالة، و الخطبة للحال نحو الجلسة و القعدة.(1:511)

نحوه الماوردىّ(1:304)،و الطّوسيّ(2:266)، و الطّبرسيّ(1:338).

ابن عطيّة: و الخطبة:بكسر الخاء:فعل الخاطب من كلام و قصد و استلطاف،بفعل أو قول،يقال:

خطبها يخطبها خطبا و خطبة،و رجل خطّاب:كثير التّصرّف في الخطبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخطبة«فعلة»كجلسة و قعدة و الخطبة بضمّ الخاء:هي الكلام الّذي يقال في النّكاح و غيره.

(1:315)

نحوه القرطبيّ(3:189)،و الشّوكانيّ(1:317).

الفخر الرّازيّ: النّساء في حكم الخطبة على ثلاثة أقسام:

أحدها:الّتي تجوز خطبتها تعريضا و تصريحا، و هي الّتي تكون خالية عن الأزواج و العدد،لأنّه لمّا جاز نكاحها في هذه الحالة،فكيف لا تجوز خطبتها؟،بل يستثنى عنه صورة واحدة،و هي ما روى الشّافعيّ عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«لا يخطبنّ أحدكم على خطبة أخيه»ثمّ هذا الحديث و إن ورد مطلقا لكن فيه ثلاثة أحوال.

الحالة الأولى:إذا خطب امرأة فأجيب إليه صريحا،هاهنا لا يحلّ لغيره أن يخطبها،لهذا الحديث.

الحالة الثّانية:إذا وجد صريح الإباء عن الإجابة، فهاهنا يحلّ لغيره أن يخطبها.

الحالة الثّالثة:إذا لم يوجد صريح الإجابة و لا صريح الرّدّ،للشّافعيّ هاهنا قولان:

أحدهما:أنّه يجوز للغير خطبتها،لأنّ السّكوت لا يدلّ على الرّضا.

و الثّاني:و هو القديم،و قول مالك:أنّ السّكوت و إن لم يدلّ على الرّضا،لكنّه لا يدلّ أيضا على الكراهة،فربّما كانت الرّغبة حاصلة من بعض الوجوه،فتصير هذه الخطبة الثّانية مزيلة لذلك القدر من الرّغبة.

القسم الثّاني:الّتي لا تجوز خطبتها لا تصريحا و لا تعريضا،و هي ما إذا كانت منكوحة الغير،لأنّ خطبته إيّاها ربّما صارت سببا لتشويش الأمر على زوجها، من حيث إنّها إذا علمت رغبة الخاطب فربّما حملها ذلك على الامتناع من تأدية حقوق الزّوج،و التّسبّب إلى هذا حرام،و كذا الرّجعة،فإنّها في حكم المنكوحة، بدليل أنّه يصحّ طلاقها،و ظهارها و لعانها،و تعتدّ منه عدّة الوفاة،و يتوارثان.

القسم الثّالث:أن يفصل في حقّها بين التّعريض و التّصريح،و هي المعتدّة غير الرّجعيّة و هي أيضا على ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل:الّتي تكون في عدّة الوفاة فتجوز خطبتها تعريضا لا تصريحا...

القسم الثّاني:المعتدّة عن الطّلاق الثّلاث،قال الشّافعيّ رحمه اللّه في«الأمّ»:و لا أحبّ التّعريض

ص: 435

لخطبتها،و قال في القديم و الإملاء:يجوز،لأنّها ليست في النّكاح،فأشبهت المعتدّة عن الوفاة.وجه المنع:هو أنّ المعتدّة عن الوفاة يؤمن عليها بسبب الخطبة الخيانة في أمر العدّة،فإنّ عدّتها تنقضي بالأشهر،أمّا هاهنا تنقضي عدّتها بالأقراء،فلا يؤمن عليها الخيانة بسبب رغبتها في هذا الخاطب.و كيفيّة الخيانة هي أن تخبر بانقضاء عدّتها قبل أن تنقضي.

القسم الثّالث:البائن الّتي يحلّ لزوجها نكاحها في عدّتها،و هي المختلعة و الّتي انفسخ نكاحها بعيب أو عنّة أو إعسار نفقة،فهاهنا لزوجها التّعريض و التّصريح،لأنّه لمّا كان له نكاحها في العدّة فالتّصريح أولى.و أمّا غير الزّوج فلا شكّ في أنّه لا يحلّ له التّصريح.(6:139)

نحوه النّيسابوريّ(2:287)،و البروسويّ(1:

368).

العكبريّ: قوله تعالى: مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ الجارّ و المجرور في موضع الحال من الهاء المجرورة، فيكون العامل فيه عَرَّضْتُمْ. و يجوز أن يكون حالا من(ما)فيكون العامل فيه«الاستقرار».

و الخطبة بالكسرة:خطاب المرأة في التّزويج،و هي مصدر مضاف إلى المفعول،و التّقدير:من خطبتكم النّساء.(1:187)

البيضاويّ: الخطبة بالضّمّ و الكسر:اسم الحالة، غير أنّ المضمومة خصّت بالموعظة و المكسورة بطلب المرأة.(1:125)

نحوه المشهديّ(1:559)،و طه الدّرّة(1:371).

السّمين:الخطبة:مصدر مضاف للمفعول،أي من خطبتكم النّساء،فحذف الفاعل للعلم به.

و الخطبة:مصدر في الأصل بمعنى الخطب،و الخطب:

الحاجة،ثمّ خصّت بالتماس النّكاح،لأنّه بعض الحاجات،يقال:ما خطبك؟أي ما حاجتك.

(1:579)

الطّباطبائيّ: و الخطبة بكسر الخاء:من الخطب، بمعنى التّكلّم و المراجعة في الكلام،يقال:خطب المرأة خطبة بالكسر،إذا كلّمها في أمر التّزوج بها،فهو خاطب،و لا يقال:خطيب،و يقال:خطب القوم خطبة بضمّ الخاء،إذا كلّمهم،و خاصّة في الوعظ،فهو خاطب من الخطاب،و خطيب من الخطباء.(2:243)

مكارم الشّيرازيّ: فهذه الآية تبيح للرّجال أن يخطبوا النّساء اللّواتي في عدّة الوفاة بالكناية أو الإضمار في النّفس أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ و هذا الحكم في الواقع من أجل الحفاظ على حريم الزّواج السّابق من جهة،و كذلك لا تحرم الأرملة من حقّها في تعيين مصيرها من جهة أخرى،فهذا الحكم يراعي العدالة،و كذلك حفظ احترام الطّرفين.

و من الطّبيعيّ أن تفكّر المرأة في مصيرها بعد وفاة زوجها،و كذلك يفكّر بعض الرّجال بالزّواج بهنّ للشّروط اليسيرة السّهلة في الزّواج بالأرامل،و لكن من جهة لا بدّ من حفظ حريم دائرة الزّوجيّة السّابقة، كما ورد من الحكم آنفا يدلّ بوضوح على رعاية كلّ هذه المسائل المذكورة،و نفهم من عبارة وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا أنّه مضافا إلى النّهي عن الخطبة

ص: 436

العلنيّة،فإنّه لا يجوز كذلك أن تصارحوهنّ بالخطبة سرّا أيضا إلاّ إذا كان الكلام بهذا الشّأن يتّفق مع الآداب الاجتماعيّة في موضوع موت الزّوج،أي أن يكون الكلام بالكناية و بشكل مبطّن (1).2:124)

فضل اللّه : خِطْبَةِ الخطبة:طلب المرأة للتزوّج،من الخطب.و المخاطب و التّخاطب:المراجعة في الكلام.و الخطبة تختصّ بالموعظة،و الخطبة بطلب المرأة.و أصل الخطبة:الحالة الّتي يكون عليها الإنسان إذا خطب،نحو الجلسة و القعدة...

الخطبة بين التّعريض و التّصريح:

في هذه الآية معالجة واقعيّة للموقف الشّرعيّ أمام المرأة المطلّقة،الّتي قد يرغب بعض النّاس في الزّواج منها،فربّما تظهر هذه الرّغبة على فلتات النّفس في ما يعبّر به الإنسان عن إرادته المستقبليّة للخطبة،من أجل خلق جوّ طبيعيّ للعلاقة،على أساس إبعاد الموانع و الحواجز الّتي قد تحدث من خلال رغبة أخرى لشخص آخر.

و ربّما تبقى هذه الرّغبة حديثا مكتوما في النّفس، فليس في القضيّة أيّ إثم ما دامت في الحدود الشّرعيّة الّتي تبقي الموقف في نطاق المشاعر الدّاخليّة أو الرّغبة المستقبليّة،بعيدا عن أجواء المواعدة السّرّيّة الّتي قد تفضي إلى أجواء حميمة تؤدّي إلى الانحراف.

أمّا إذا كانت تتمثّل في القول المعروف،فلا جناح على الإنسان فيه،و تبقى القضيّة في نطاق الإعلان عن مشروع زواج.أمّا الزّواج نفسه الّذي عبّرت عنه الآية الشّريفة ب عُقْدَةَ النِّكاحِ فلا يجوز للإنسان أن يحقّقه إلاّ بعد بلوغ الكتاب أجله،و هو انتهاء مدّة العدّة،لأنّه غير مشروع في أثنائها.و يأتي ختام الآية، ليثير في داخل الإنسان الشّعور العميق برقابة اللّه الخفيّة،الّتي تطّلع على ما في النّفس فترصده،و تتابع حركته،في ما يحلّ و ما يحرم،ممّا يوجب على الإنسان الحذر من اللّه بالحذر من عقابه...

ثمّ يوحي من جديد بأنّ اللّه غفور رحيم،إذا أخطأ العبد و تجاوز حدوده،ثمّ رجع إلى اللّه و تاب عليه،لأنّه لا يترك الإنسان واقعا تحت ضغط الخطيئة،لتعيش كعقدة متأصّلة في نفسه،بل يريد له-دائما-أن يتحرّر منها بالشّعور بزوالها عن حياته بزوالها عن داخل ضميره.

و هذا هو الأسلوب القرآنيّ الحكيم الّذي لا يريد أن يعقّد الإنسان أمام رغباته الذّاتيّة في ما لا ضرر منه.

و لذلك فقد أثار أمام الإنسان أن اللّه يعلم أنّه سيذكرهنّ،فلا ينبغي له أن يشعر بالإثم من ذلك.

ثمّ أكّد عليه كيف يقف عند حدود اللّه في ما يعلم أنّ اللّه مطّلع عليه،في موقف يدعوه إلى الالتزام،و لكنّه لا يغلق عليه باب المغفرة على تقدير الخطإ،و اللّه العالم.

وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أي لا حرج عليكم أيّها الرّجال فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ اللاّتي تنفصلن عن أزواجهنّ بالطّلاق في أوقات العدّة؛و ذلك بالحديث عن الرّغبة بالزّواج بهنّ،من ناحية المبدإ،4)

ص: 437


1- أخذناه من شبكة«إينترنت»و يوجد خلاصته في «الأمثل»(2:124)

بطريقة لا صراحة فيها في الدّلالة على الفكرة،بل على سبيل التّعريض الّذي لا يحرج الموقف و لا يسيء إلى الجوّ؛و ذلك بالحديث عن صفاتها الحسنة الّتي تجعلها محلّ رغبة للرّجال في اتّخاذها زوجة،أو بالتّنديد بقضيّة طلاق زوجها لها،بأنّ مثلها لا يمكن أن يستغني عنها الزّوج الّذي يريد أن يحقّق لنفسه السّعادة في الحياة الزّوجيّة،و نحو ذلك من الأساليب الّتي تتنوّع تبعا للأوضاع و للظّروف و للتّقاليد الاجتماعيّة.و لا حرج عليكم في ذلك.

أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ و ذلك بأن أضمرتم و أسررتم التّخطيط لمشروع الزّواج بعد العدّة،من خلال الرّغبة الدّفينة،فلم تظهروه لأحد،إذ لا فرق في الرّخصة بين إضمار الرّغبة في النّفس أو التّعبير عنها بأسلوب التّعريض.

عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ لأنّ طبيعة أيّة حالة نفسيّة كامنة في الذّات تفرض التّعبير عنها بطريقة أو بأخرى،إذا كانت مرتبطة بحياة الإنسان في مستوى الأهمّيّة الكبرى،في أوضاعه الخاصّة و العامّة.

وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا لأنّ أجواء الاجتماعات السّرّيّة-على أساس المواعدة بينها و بينكم-قد يفسح المجال لبعض الوساوس الشّيطانيّة الّتي تطوف في الخيال الغريزيّ.

فإنّ التقاء ذكر و أنثى في مثل ظروفهما،ربما يثير الرّغبة الكامنة في النّفس لدى الرّجل،و الحرمان العميق في جسد المرأة،بانفصالها عن الفرصة الّتي كانت تهيّئ لها إشباع غريزتها مع زوجها،فيؤدّي إلى الانحراف و الوقوع في المعصية.

و ربما كان هذا هو مدلول الحديث الّذي رواه أبو بصير،عن الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام قال:هو الرّجل يقول للمرأة قبل أن تنقضي عدّتها:أوعدك بيت أبي فلان أوعدك بيت فلان لترفث و يرفث معها.

فقد لا يكون الحديث المذكور إشارة إلى فعليّة ذلك في سلوكهما العمليّ،بل ربما كان المقصود منه أداء الجوّ إلى ذلك.

إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً فلا يتخلّل الحديث أي كلام فحش،بما يتّصل بالعمليّة الجنسيّة الّتي قد يتحدّث بها بعض الرّجال مع بعض النّساء،للتّدليل على قدرته على إشباع المرأة بطريقة فريدة،أو ما أشبه ذلك،بل يتحدّث معها عن صفاته الذّاتيّة،و عن احترامه للحياة الزّوجيّة و للمرأة،و عن أوضاعه المادّيّة الّتي ترغّبها في الارتباط به.بالمستوى الّذي تشعر فيه بأنّ الحياة معه قد تحقّق لها السّعادة،فقد يكون من حقّها أن تتعرّف طبيعة هذا الرّجل الّذي يريد أن يتزوّجها،و قد يكون من حقّه أن يسألها عن نفسها،و عن نظرتها إلى الحياة الزّوجيّة،و عن طبيعة الظّروف الّتي فرضت عليها الطّلاق...

و قد ورد في الحديث عن الإمام الصّادق عليه السّلام في قوله تعالى: إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً قال:«يقول الرّجل للمرأة و هي في عدّتها:يا هذه،ما أحبّ لي ما أسرّك،و لو قد مضى عدّتك،لا تفوتي إن شاء اللّه،فلا تسبقيني بنفسك»...(4:341)

ص: 438

الأصول اللّغويّة

1-لهذه المادّة أصلان:الأوّل:الخطبة،و هو الكلام المنثور المسجّع و نحوه.يقال:خطب الخاطب على المنبر يخطب خطابة و اختطب،و خطب على القوم،و رجل خطيب:حسن الخطبة؛و الجمع:خطباء.و خطب خطابة:صار خطيبا.

و الخطاب و المخاطبة:مراجعة الكلام،و قد خاطبه بالكلام مخاطبة و خطابا و هما يتخاطبان.

و الخطبة:طلب المرأة للزّواج.يقال:خطب المرأة يخطبها خطبا و خطبة و خطّيبى،فهو خاطب؛و الجمع:

خطّاب،و هو خطيب و خطب أيضا،و هي خطبه و خطبته و خطبته و خطّيباه و خطّيبته.

و خطب فلان إلى فلان فخطّبه و أخطبه:أجابه، و اختطب القوم فلانا:دعوه إلى تزويج صاحبتهم، و رجل خطّاب:كثير التّصرّف في الخطبة،و يقول الخاطب:خطب،فيقول المخطوب إليهم:نكح،و هي كلمة كانت العرب تتزوّج بها.

و الخطب:الشّأن أو الأمر،صغر أو عظم،لأنّه يقع فيه التّخاطب و المراجعة.يقال:ما خطبك؟أي ما أمرك؟و هذا خطب جليل،و خطب يسير،و جلّ الخطب:عظم الأمر و الشّأن؛و الجمع:خطوب.

و الثّاني:الخطبة،أي غبرة ترهقها خضرة.

يقال:خطب يخطب خطبا،و هو أخطب،الاخطب:

الأخضر يخالطه سواد،و أخطب الحنظل:اصفرّ،أي صار خطبانا،و هو يصفرّ و تصير فيه خطوط خضر، و حنظلة خطباء:صفراء فيها خطوط خضر،و هي الخطبانة؛و الجمع:خطبان و خطبان.

و الأخطب:الشّقرّاق،و الصّرد،لأنّ فيهما سوادا و بياضا،و حمار الوحش الّذي له خطّ أسود على متنه.و أنثاه خطباء،و ناقة خطباء:بيّنة الخطب.

و أخطبان:اسم طائر،سمّي بذلك لخطبة في جناحيه،و هي الخضرة.

2-و الخطابة:قياس مركّب من مقدّمات مقبولة أو مظنونة من شخص معتقد فيه،و الغرض منها ترغيب النّاس فيما ينفعهم من أمور معاشهم و معادهم،كما يفعله الخطباء و الوعّاظ.

و قد برع اليونان في هذا الفنّ قديما؛حيث وضعوا أصوله و قواعده،فألّف«أرسطوطاليس»كتاب «الرّيطوريقا»في صناعة الخطابة،و قال:في مستهلّ كلامه:«الرّيطوريّة(أي الخطابة)قوّة تتكلّف الإقناع الممكن».

3-و تجوّز العدنانيّ في لفظ الخطابة،فكسر خاءه و ألحقه بالحرف الّتي وردت في اللّغة على وزن «فعالة»،نحو:النّجارة و الحدادة و الصّباغة.

و هذا تعنّت منه و تعسّف،لأنّ إجماع العرب حجّة و خرقه تعنّت.قال ابن الخشّاب في«المرتجل»:«مخالفة المتقدّمين لا تجوز. (1)و نقل السّيوطيّ عن بعضهم قوله:«إجماع النّحاة على الأمور اللّغويّة معتبر،خلافا

ص: 439


1- راجع كتاب«الاقتراح في علم أصول النّحو»للسّيوطيّ (89).

لمن تردّد فيه،و خرقه ممنوع،و من ثمّ ردّ». (1)

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا المصدر(خطب)4 مرّات، و(الخطبة)مرّة،و مزيدا من المفاعلة«الماضي و المضارع»كلّ منهما مرّة،و المصدر:(خطاب)3 مرّات،في 12 آية:

1-المخاطبة

1- ...وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً

الفرقان:63

2 و 3- ...وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ هود:37،المؤمنون:27

2-الخطاب

4- وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ ص:20

5- ...فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ

ص:23

6- رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً النّبأ:37

3-الخطبة

7- وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ... البقرة:235

4-الخطب

8- قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ طه:95

9 و 10- قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ

الحجر:57،الذّاريات:31

11- ...قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ... القصص:23

12- قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ... يوسف:51

يلاحظ أوّلا:أنّ مشتقّات هذه المادّة جاءت في ثلاثة محاور:

الأوّل:الخطاب في(1-6)،و فيها بحوث:

ينبئ الفاعل عن معنى الفعل في(1): وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً؛ إذ لا يصدر عن الجاهل إلاّ الجهل من القول و الفعل،فلم يقل مثلا:

و إذا خاطبهم الجاهلون بالقول السّيّئ،أو بالشّتم،أو بالسّخريّة،لدلالة الوصف(الجاهلون)على الفعل خاطَبَهُمُ و تعلّق الفعل بالوصف.

2-نهى اللّه نوحا في(2 و 3)عن التّشفّع للظّالمين إليه في حجب العذاب عنهم: وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ. و اختلفوا في المراد بالظّالمين، فقيل:هم الكافرون من قومه،و قيل:ابنه كنعان و امرأته واعلة.و الأوّل هو المتعيّن حسب السّياق،إذ جاء قبلها في(2)في الآية 36 من سورة هود:

وَ أُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ، و بعدها في الآية 44 منها: وَ قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. و كذلك جاء بعد(3)في سورة المؤمنين:

فَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ.

3-وصف اللّه داود عليه السّلام في(4)بصفات مادّيّة

ص: 440


1- المصدر السّابق.

و روحيّة وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ، أي أنّه ذو ملك ثابت وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ، و هو نبيّ حكيم وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ، و قاض قدير وَ فَصْلَ الْخِطابِ. و قد فسّرت الصّفة الأخيرة بأقوال كثيرة،أقربها قولهم:«البيّنة على من ادّعى و اليمين على من أنكر»و هو قول الإمام عليّ عليه السّلام،وضع فيه النّهج موضع المعنى،لأنّه منهج القاضي في القضاء و دليله،فلاحظ النّصوص.

4-سها بعضهم في تفسير الآية(5): فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ، فزعم أنّ اَلْخِطابِ مصدر:خطب المرأة خطابا،فقاسه بقولهم:كتب يكتب كتابا،و أعرض عن السّماع في قولهم:خاطبه بالكلام خطابا،و لم يؤثر عنهم إلاّ هذا الاستعمال فحسب.

و شطّ آخر في قوله تبعا لهذا الرّأي،فأخفض من حال داود عليه السّلام،و ذهب إلى أنّ اللّه عاتبه،لأنّه خطب امرأة على خطبة غيره،و أظهر الحرص على الزّواج مع كثرة نسائه!و هذا نزق و تهوّر،فينبغي على المسلم أن يربأ بأنبياء اللّه عن الشّين و الشّبهة،و ينزّههم عن القبيح.

و المراد هنا-و اللّه أعلم-قهرني في الكلام، و راجعني القول،كما يظهر من السّياق.

5-وردت الآية(6): لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً في سورة النّبأ المكّيّة الّتي ابتدأت الكلام بوصف موقف المشركين من الدّعوة الإسلاميّة و بتهديدهم،و انتهت بتهديهم و إنذارهم أيضا.غير أنّه ذكر في طائفة آياتها الأخيرة اختصاص المتّقين بالحدائق و الكواعب و الكئوس و راحة البال.ثمّ تلا ذلك قوله: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً* رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً.

و اختلفوا في من أسند إليه الملك،أهم المتّقون الّذين اختصّهم اللّه بالجنّات،أم المشركون الّذين عناهم في أوّل السّورة: عَمَّ يَتَساءَلُونَ؟

ذهب بعض إلى القول الأوّل،أي لا يملك المؤمنون أن يسألوا اللّه الشّفاعة إلاّ لمن أذن لهم،و هذا هو الظّاهر لقوله قبلها: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً.

و ذهب بعض آخر إلى الثّاني،أي لا يملك المشركون خطاب اللّه،فأمّا المؤمنون فيشفعون.و هذا بعيد غاية البعد،و لو قيل:إنّ الآية تعمّ الفريقين-أي ليس لأحد من النّاس أن يخاطبوا ربّهم-لما كان بعيدا.

و إليه يرجع ما قيل:إنّ الضّمير في لا يَمْلِكُونَ يعود على السّماوات و الأرض،أي لا يملك هؤلاء من اللّه أن يسألوه في الثّواب و العقاب.

المحور الثّاني:الخطبة مرّة في(7): وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ :

رخّص للمسلم في التّعريض بخطبة المرأة الّتي تجوز خطبتها،أي نكاحها.و أضيف لفظ خِطْبَةِ إلى اَلنِّساءِ للتّأكيد و توثيق عرى الزّوجيّة،إذ الخطبة يختصّ بطلب نكاح المرأة دون غيره،لمّا أضيف اجتمع اختصاصان:اختصاص لفظيّ و اختصاص معنويّ.

المحور الثّالث:الخطب 5 مرّات في(8-12)،و فيها بحوث:

ص: 441

1-جاء الخطب في هذه الآيات الخمس المكّيّة بمعنى الشّأن و الأمر العظيم،أو سبب الأمر،كما قال جماعة.و سبقه فيها الفعل(قال)و أداة الاستفهام(ما)، و تلاه فيها أيضا ضمير المخاطب و جواب السّؤال بفعل القول،ففي(8)خاطب موسى السّامريّ: قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ* قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ و في(9)و(10)خاطب إبراهيم الملائكة: قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ* قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ، و في(11)خاطب موسى ابنتي شعيب:

قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ، و في(12)خاطب الملك أو مندوبه النّسوة: قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ

2-جاء السّؤال في(8-11)استفهاما و استعلاما و في(12)لوما و تقريعا،و يفصح جواب السّامريّ في (8)عن مغزى السّؤال: قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، فكان سؤال موسى فَما خَطْبُكَ :كيف أنطقت العجل؟و جواب الملائكة في(9)و(10):

قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ يفصح عن أنّ سؤال إبراهيم:على من أرسلتم العذاب؟و جواب ابنتي شعيب في(11): قالَتا لا نَسْقِي حَتّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ يفصح عن سؤال موسى:أي لم وقفتما جانبا؟و جواب النّسوة في(12) قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ يفصح أنّ معنى السّؤال:ما فعل بكنّ يوسف إذ راودتنّه عن نفسه؟

3-و في أنّ أباهما شعيب-كما عليه أكثر المفسّرين عند الطّبرسيّ-أو غيره بحث،لاحظ «شعيب».

4-تكشف هذه الآية أيضا عمّا عاناه الأنبياء في أداء رسالاتهم،فالآية(8)تبيّن تيّارا مناوئا لدعوة موسى،أدّى إلى تصدّع الجبهة الدّاخليّة لبني إسرائيل.

و الآيتان(9)و(10)تبيّنان مدى إجرام قوم لوط؛ بحيث أفضى ذلك إلى إنزال العذاب عليهم و إهلاكهم.

و الآية(11)تبيّن غربة موسى و بعده عن وطنه و فراق قومه.و الآية(12)تبيّن محنة يوسف و رميه بمقارفة الفاحشة و هو بريء منها،و منزّه عنها.

5-و اختصاص«خطب»بالآيات المكّيّة ربّما يكشف عن كونه رائجا في مكّة دون المدينة.

ثانيا:واحدة منها(7): فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ تشريع مدنيّة،و الباقي مكّيّة و أكثرها قصص.و واحدة منها(1): وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً توصيف لموقف المؤمنين أمام المشركين الجاهلين بمكّة،ثمّ عمّت المؤمنين جميعا،و واحدة(6):

لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً توصيف لموقف المشركين أمام اللّه في الآخرة.

ثالثا:و من مترادفات«الخطبة»في القرآن:

التّزويج: فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها

الأحزاب:37

النّكاح: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ النّساء:3.

ص: 442

خ ط ط

اشارة

تخطّه

لفظ واحد،في سورة واحدة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخطّ أرض تنسب إليها الرّماح،يقال:

رماح خطّيّة،فإذا جعلت النّسبة اسما لازما قلت:

خطّيّة.

و الخطّة:من الخطّ كالنّقطة من النّقط.

و الخطوط:من بقر الوحش الّذي يخطّ الأرض بأظلافه،و كلّ دابّة تخطّ الأرض بأظلافها فكذاك.

و التّخطيط كالتّسطير،تقول:خطّطت عليه ذنوبه،أي سطّرتها.

و خطّ وجهه و اختطّ:صارت فيه خطوط.

و خططت بالسّيف وسطه.

و الخطّة:شبه القصّة،يقال:إنّ فلانا ليكلّفني خطّة من الخسف.

و الخطيطة:الأرض الّتي لم تمطر بين أرضين ممطورتين،و تجمع:خطائط.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخطّ:ضرب من البضع،تقول:خطّ بها،أي نكحها،و يقال:خطّ بها قساحا.

و الخطّ:الكتابة و نحوها ممّا يخطّ.

و الخطّة:أرض يختطّها الرّجل إذا لم تكن لأحد قبله.و إنّما كسرت الخاء،لأنّها أخرجت على مصدر بني على«فعلة».(4:136)

ابن شميّل: الأرض الخطيطة:الّتي يمطر ما حولها و لا تمطر هي.(الأزهريّ 6:559)

نحوه ابن أبي اليمان(521)،و الثّعالبيّ(286).

الفرّاء: الخطّة:لعبة للأعراب.(الصّغانيّ 4:125)

أبو زيد :يقال في مثل العرب-و ذلك إذا مدح الإنسان بغير ما فيه-:«قبّح اللّه معزى خيرتها خطّة» بغير صرف،لأنّها اسم عنز.(241)

يقال للخطّين اللّذين يخطّهما:الخطّاط في الأرض ثمّ يزجر:ابنا عيان،فإذا زجرهما قال:ابني عيان،

ص: 443

أسرعا البيان.(الخطّابيّ 1:647)

أرض خطيطة و أرضون خطائط،إذا لم يصبها مطر،و أجربت.[ثمّ استشهد بشعر](الحربيّ 2:722)

مثله ابن السّكّيت.(26)

الأصمعيّ: من أمثالهم في الاعتزام على الحاجة:

جاء فلان و في رأسه خطّة،إذا جاء و في نفسه حاجة، و قد عزم عليها.و العامّة تقول:في رأسه خطية.و كلام العرب هو الأوّل.

إذا كان لبعض القوم على بعض فضيلة إلاّ أنّها خسيسة قيل:«قبّح اللّه معزى خيرها خطّة».و خطّة:

اسم عنز كانت عنز سوء.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن منظور 7:290)

الخطّ:موضع ينسب إليه الرّماح الخطّيّة.[ثمّ استشهد بشعر](الحربيّ 2:723)

أبو عبيد: و[في قصّة]قولها:«أخذ خطّيّا»تعني الرّمح،سمّي خطّيّا لأنّه يأتي من بلاد،-و هي ناحية البحرين-يقال لها:الخطّ،فتنسب الرّماح إليها.و إنّما أصل الرّماح من الهند،و لكنّها تحمل إلى«الخطّ»في البحر،ثمّ تفرّق منها في البلاد.(1:366،376)

قوله:صلّى اللّه عليه و سلّم:«أ يلام ابن هذه أن يفصل الخطّة».يعني إذا نزل به أمر ملتبس مشكل لا يهتدى له أنّه لا يعيا به، و لكنّه يفصله حتّى يبرمه و يخرج منه،و إنّما وصفه بجودة الرّأي.(1:403)

في حديث ابن عبّاس أنّه سئل عن رجل جعل أمر امرأته بيدها،فقالت:فأنت طالق ثلاثا،فقال ابن عبّاس:«خطّأ اللّه نوءها،أ لا طلّقت نفسها ثلاثا؟».

النّوء:هو النّجم الّذي يكون به المطر،فمن همز الحرف،فقال:خطّأ اللّه،فإنّه أراد الدّعاء عليها،أي أخطأها المطر،و من قال:خطّ اللّه نوءها،فلم يهمز و شدّد الطّاء،فإنّه يجعله من الخطيطة،و هي الأرض الّتي لم تمطر بين أرضين ممطورتين.

و جمع الخطيطة:خطائط.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:289)

مثله أبو عبيدة و الأصمعيّ.(الأزهريّ 6:559)

في حديث النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم«أنّه قطع لنسائه خططهنّ» أي جعله لهنّ في حياته،أي منازلهنّ،و قال اللّه عزّ و جلّ: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ الأحزاب:33،أي لئلاّ يخرجن بعد موته.(2:461)

ابن الأعرابيّ: عن أبي المكارم أنّه وصف مدعاة دعي إليها فوصفها،و قال:«فحططنا ثمّ خططنا»أي اعتمدنا على الأكل فأخذنا،و أمّا«ما حططنا»فمعناه التّعذير في الأكل،و الحطّ ضدّ الخطّ.

(الأزهريّ 6:557)

الأخطّ:الدّقيق المحاسن.(الأزهريّ 6:559)

و مخطّط:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 4:504)

الدّينوريّ: أرض خطّ:لم تمطر و قد مطر ما حولها.(ابن سيده 4:503)

الخطّيّ من الرّماح،و هو نسبة قد جرى مجرى الاسم العلم،و نسبته إلى«الخطّ»:خطّ البحرين، و إليه ترفأ السّفن إذا جاءت من أرض الهند،و ليس الخطّيّ الّذي هو الرّماح من نبات أرض العرب،و قد

ص: 444

كثر مجيؤه في أشعارها.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 4:504)

ابن قتيبة :في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«كان نبيّ من الأنبياء يخطّ»الخطّاط،هو الّذي يخطّ بإصبعه في الرّمل و يزجر.(الخطّابيّ 1:647)

الحربيّ: عن عبد اللّه بن أنيس:«ذهب بي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى منزله،فدعا بطعام قليل،فجعلت أخطّط ليشبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم».كأنّه يخطّ في الطّعام،يري أنّه يأكل و ليس يأكل.

عن ابن مسعود،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «أنّه خطّ خطّا مربّعا و خطّ خططا وسطه،و خطوطا إلى جانب الخطّ الّذي وسط الخطّ،و خطّا خارجا من المربّع،فقال:هذا الإنسان و هذه الخطوط إلى جنبه الأعراض تنهشه من كلّ مكان،فإن أخطأه هذا أصابه هذا،و الخطّ المربّع:

الأجل،و الخطّ الخارج:الأمل».

قوله:«خطّ خطّا»هو معروف أن يؤثّر في الأرض بعود أو غيره.

عن معاوية بن الحكم قلت:يا رسول اللّه منّا رجال يخطّون؟قال:«قد كان نبيّ يخطّ،فمن وافق خطّه فذاك».

قوله:«كان نبيّ يخطّ»هو أن يخطّ ثلاث خطط.

ثمّ يضرب عليهنّ بشعير أو نوّى،و يقول بكذا،ضرب من الكهانة.(2:719-723)

[في]حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه ورّث النّساء خططهنّ دون الرّجال»نعم،كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أعطى نساء خططا يسكنّها بالمدينة،شبه القطائع،منهنّ أمّ عبد،فجعلها لهنّ دون الرّجال لا حظّ فيها للرّجال.

(الأزهريّ 6:559)

المبرّد: خطّيّ:رمح منسوب إلى«الخطّ»،و هي جزيرة بالبحرين،يقال:إنّها تنبت عصى الرّماح.

(1:95)

ابن دريد :خطّ الشّيء يخطّه خطّا،إذا خطّه بقلم أو غيره.

و الخطّ:سيف البحرين و عمان،و إليه ينسب القنا الخطّيّ.و قال بعض أهل اللّغة:بل كلّ سيف خطّ.

و يقال:في رأس فلان خطّة،أي جهل و إقدام على الأمور.

و سمتني خطّة سوء.

و الخطّ:المكان الّذي يخطّه الإنسان لنفسه أو يختطّه.

و كلّ شيء حظرته فقد خططت عليه.

و هذا خطّ بني فلان و خطّتهم.

و الخطيطة:أرض لم يصبها مطر بين أرضين ممطورتين.(1:67)

و رجل خطوطى،إذا كان أفزر الظّهر،أي مطمئنّه.(3:398)

ثعلب :الخطّ:الطّريق.(ابن سيده 4:503)

الأزهريّ: [نقل قول اللّيث:«الخطّ:أرض تنسب إليها الرّماح الخطّيّة،فإذا جعلت النّسبة اسما لازما،قلت:خطّيّة و لم تذكر الرّماح،و هو خطّ عمان»،ثمّ قال:]

قلت:و ذلك السّيف كلّه يسمّى الخطّ،و من قرى

ص: 445

«الخطّ»:القطيف،و العقير،و قطر.

و في«النّوادر»:يقال:أقم على هذا الأمر بخطّة و بحجّة،معناهما واحد.

و اختطّ فلان خطّة،إذا تحجّر موضعا،و خطّ عليه بجدار؛و جمعه:الخطط.

و يقال:فلان يخطّ في الأرض،إذا كان يفكّر في أمر و يقدّره.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخطّ:الكتابة و نحوه ممّا يخطّ.

و الخطّة:الأرض و الدّار يختطّها الرّجل في أرض غير مملوكة،ليتحجّرها و يبني فيها،و جمعها:الخطط؛ و ذلك إذا أذن السّلطان لجماعة من المسلمين أن يختطّوا الدّور في موضع بعينه،و يتّخذوا فيها مساكن لهم،كما فعلوا بالكوفة و البصرة و بغداد.و إنّما كسرت الخاء من«الخطّة»لأنّها أخرجت على مصدر بني على«فعلة».

و أمّا الخطّة فهي شبه القصّة،يقال:إنّ فلانا ليكلّفني خطّة من الخسف.

و يقال:خطّه بالسّيف نصفين.

و يقال:الكلأ:خطوط في الأرض،أي طرائق لم يعمّ الغيث البلاد كلّها.

و في حديث عبد اللّه بن عمرو في صفة الأرض الخامسة:«فيها حيّات كسلاسل الرّمل و كخطائط بين الشّقائق»واحدها:خطيطة،و هي طرائق تفارق الشّائق في غلظها و لينها.

و الخطّ:الطّريق،يقال.الزم ذلك الخطّ و لا تظلم عنه شيئا.(6:557)

الصّاحب:الخطّ:أرض تنسب إليه الرّماح الخطّيّة.و يقال:هو خطّ عمان.[و ذكر نحو الخليل و أضاف:]

و جاراه فما خطّ غباره أي لم يلحقه.

و الخطّة:اسم مشتقّ من الخطّ.و شبه القصّة.

و هو يكلّفني خطّة من الخسف.

و الخطيطة:أرض يصيب بعضها الأمطار و بعضها لا يصيب،و الجميع:الخطائط.

و قيل:هي أرض لا تمطر بين أرضين ممطورتين.

و الخطّ:الطّريق الخفيف في السّهل.

و خطّ في نومه يخطّ:بمنزلة غطّ.

و خطخطت الإبل في السّير:تمايلت كلالا.

و خطخطت بقولي مخالفا به كما يعمله الصّبيّ.

(4:163)

الخطّابيّ: عن ابن عبّاس قال:«...و نام رسول اللّه حتّى سمعت غطيطه أو خطيطه».فأحدهما قريب من الآخر،و الخاء و الغين أختان في قرب المخرج.

(1:178)

[ذكر كلام أبي زيد:«يقال للخطّين...»و أضاف:]

هذا جملة قوله في تفسير«الخطّ»،و ليس في هذا مقنع لمن أحبّ أن يقف على صورة«الخطّ»و حقيقته.

(1:648)

الجوهريّ: الخطّ:واحد الخطوط.

و الخطّ أيضا:موضع باليمامة،و هو خطّ هجر، تنسب إليه الرّماح الخطّيّة،لأنّها تحمل من بلاد الهند فتقوّم به.

ص: 446

و الخطّ:خطّ الزّاجر،و هو أن يخطّ بإصبعه في الرّمل و يزجر.

و خطّ بالقلم،أي كتب.

و كساء مخطّط:فيه خطوط.

و الخطوط،بفتح الخاء:البقر الوحشيّ الّذي يخطّ الأرض بأطراف أظلافه.

و الخطّة بالكسر:الأرض يختطّها الرّجل لنفسه، و هو أن يعلم عليها علامة بالخطّ،ليعلم أنّه قد اختارها ليبنيها دارا،و منه خطط الكوفة و البصرة.

و اختطّ الغلام،أي نبت عذاره.

و المخطّ،بالكسر:عود يخطّ به.

و المخطاط:عود يسوّى عليه الخطوط.

و الخطّة بالضّمّ:الأمر و القصّة.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:جاء و في رأسه خطّة،أي جاء و في نفسه حاجة قد عزم عليها.و العامّة تقول:خطية.

و في حديث قيلة:«أ يلام ابن هذه أن يفصل الخطّة، و ينتصر من وراء الحجزة»أي إنّه إذا نزل به أمر ملتبس مشكل لا يهتدى له،أنّه لا يعيا به،و لكنّه يفصله حتّى يبرمه و يخرج منه.

و قولهم:خطّة نائية،أي مقصد بعيد.

و قولهم:خذ خطّة،أي خذ خطّة الانتصاف، و معناه انتصف.

و الخطّة أيضا:اسم من الخطّ،كالنّقطة من النّقط.

و قولهم:ما خطّ غباره،أي ما شقّه.

(3:1123)

ابن فارس: الخاء و الطّاء أصل واحد،و هو أثر يمتدّ امتدادا،فمن ذلك الخطّ الّذي يخطّه الكاتب، و منه الخطّ الّذي يخطّه الزّاجر،قال اللّه تعالى: أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ الأحقاف:4،قالوا:هو الخطّ.

و يروى:«أنّ نبيّا من الأنبياء كان يخطّ،فمن خطّ مثل خطّه علم مثل علمه».

و من الباب الخطّة:الأرض يختطّها المرء لنفسه، لأنّه يكون هناك أثر ممدود.و منه خطّ اليمامة،و إليه تنسب الرّماح الخطّيّة.

و من الباب الخطّة،و هي الحال.و يقال:هو بخطّة سوء،و ذلك أنّه أمر قد خطّ له و عليه.

فأمّا الأرض الخطيطة،و هي الّتي لم تمطر بين أرضين ممطورتين،فليس من الباب،و الطّاء الثّانية زائدة،لأنّها من«أخطأ»كأنّ المطر أخطأها.و الدّليل على ذلك قول ابن عبّاس:«خطّأ اللّه نوءها»،أي إذا مطر غيرها أخطأ هذه المطر فلا يصيبها.

و أمّا قولهم:«في رأس فلان خطية»فقال قوم:

إنّما هو خطّة.فإن كان كذا،فكأنّه أمر يخطّ و يؤثّر، على ما ذكرناه.(2:154)

الثّعالبيّ: المخطّ:الخشبة يخطّ النّسّاج بها الثّياب.

(256)

أبو سهل الهرويّ: و رمح خطّيّ و رماح خطّيّة، منسوبة إلى«الخطّ»،و هي إحدى مدينتي البحرين، و الأخرى«هجر».و الرّماح تنبت في بلاد الهند فيجاء بها في السّفن إلى«الخطّ»،فتقوّم بها ثمّ تفرّق منها في البلاد،فنسبت إليها.(التّلويح:44)

ابن سيده: الخطّ:الطّريقة المستطيلة في الشّيء.

ص: 447

و الجمع:خطوط،و قد جمعه العجّاج على:أخطاط.

و خطّ الشّيء يخطّه خطّا:كتبه بالقلم أو غيره.

و التّخطيط:التّسطير،و الماشي يخطّ برجله الأرض،على التّشبيه بذلك.

و الخطوط:من بقر الوحش:الّتي تخطّ الأرض بأظلافها.

و خطّ الزّاجر في الأرض يخطّ خطّا:عمل فيها خطّا ثمّ زجر.

و ثوب مخطّط:فيه خطوط،و كذلك تمر مخطّط و وحشيّ مخطّط.

و خطّ وجهه و اختطّ:صارت فيه خطوط.

و الخطّة كالخطّ،كأنّها اسم للطّريقة.

و المخطّ:العود الّذي يخطّ به الحائك الثّوب.

و الخطّ:ضرب من البضع،خطّها يخطّها خطّا.

و الخطّ و الخطّة:الأرض تنزل من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك،و قد خطّها لنفسه خطّا،و اختطّها و كلّ ما حظرته فقد خططت عليه.

و الخطيطة:الأرض الّتي لم تمطر بين أرضين ممطورتين،و قيل:هي الّتي مطر بعضها.

و أمّا ما حكاه ابن الأعرابيّ من قول بعض العرب لابنه:«يا بنيّ،الزم خطيطة الذّلّ مخافة ما هو أشدّ منه» فإنّ أصل الخطيطة:الأرض الّتي لم تمطر،فاستعارها للذّلّ،لأنّ الخطيطة من الأرضين ذليلة بما بخسته من حقّها.

و الخطّة:شبه القصّة.يقال:سمته خطّة خسف، و خطّة سوء.

و في رأسه خطّة،أي أمر ما.و قيل:في رأسه خطّة، أي جهل و إقدام على الأمور.

و أتانا بطعام فخططنا فيه،أي أكلناه.و قيل:

فحططنا،بالحاء غير المعجمة:عذّرنا.

و رجل مخطّط:جميل.

و الخطّ:سيف البحرين و عمان.و قيل:بل كلّ سيف خطّ.

و قيل:الخطّ:مرفأ السّفن بالبحرين،تنسب إليها الرّماح،يقال:رمح خطّيّ،و رماح خطّيّة و خطّيّة، على القياس و على غير القياس.و ليست الخطّ بمنبت للرّماح،و لكنّها مرفأ السّفن الّتي تحمل القنا من الهند، كما قالوا:مسك دارين،و ليس هناك مسك،و لكنّها مرفأ السّفن الّتي تحمل المسك من الهند.[ثمّ ذكر قول الدّينوريّ و قد مرّ]

و خطّة:اسم عنز،و في المثل:«قبح اللّه عنزا خيرها خطّة».

و حلس الخطاط:اسم رجل زاجر.

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات].(4:502)

[ذكر الخطّ و الخطّة من الأرض،كما سبق عنه و أضاف:]

الجمع:خطط،و قد خطّها يخطّها خطّا و اختطّها، و هو أن يعلّم عليها علامة بالخطّ ليعلم أنّه قد احتازها ليبنيها دارا.(الإفصاح 2:1058)

الرّاغب: الخطّ كالمدّ،و يقال:لما له طول.

و الخطوط:أضرب فيما يذكره أهل الهندسة من مسطوح،و مستدير،و مقوّس،و ممال.

ص: 448

و يعبّر عن كلّ أرض فيها طول بالخطّ كخطّ اليمن،و إليه ينسب الرّمح الخطّيّ.

و كلّ مكان يخطّه الإنسان لنفسه و يحفره يقال له:

خطّ و خطّة.

و الخطيطة:أرض لم يصبها مطر بين أرضين ممطورتين،كالخط المنحرف عنه.

و يعبّر عن الكتابة بالخطّ،قال تعالى: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ العنكبوت:48.(150)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:550)

الزّمخشريّ: خطّ الكتاب يخطّه وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ و كتاب مخطوط.

و اختطّ لنفسه دارا إذا ضرب لها حدودا،ليعلم أنّها له.

و هذه خطّة بني فلان و خططهم.و جاء فلان و في رأسه خطّة.

و إنّ فلانا ليكلّفني خطّة من الخسف.و تلك خطّة ليست من بالي.

و على ظهر الحمار خطّتان،أي جدّتان.

و الخطّة:من الخطّ،كالنّقطة من النّقط.

و طعنه بالخطّيّة،و تطاعنوا برماح الخطّ.و القنا الخطّيّ.

و من المجاز:فلان يبني خطط المكارم.

و خططت بالسّيف وسطه.

و خطّ المرأة:جامعها.

و خطّ وجهه و اختطّ،إذا امتدّ شعر لحيته على جانبيه.و غلام مختطّ.

و أتانا بطعام فخططنا فيه خطّا،إذا أكلوا شيئا يسيرا.

و جاراه فما خطّ غباره.

و خطّ له مضجعا،إذا حفر له ضريحا.

و الزم الخطّ،أي الطّريق.

و في الأرض خطوط من كلإ و شرك،أي طرائق.

جمع:شراك.

و يقولون:إنّ الإبل لترعى خطوط الأنواء.

و خطط عليه ذنوبه و سطّرها.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:115)

الخطيطة:الأرض الّتى لم تمطر بين ممطورتين.

ابن عبّاس رضي اللّه عنهما سئل عن رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت:فأنت طالق ثلاثا.فقال ابن عبّاس:«خطّأ اللّه نوءها أ لا طلّقت نفسها ثلاثا؟».

أي جعله مخطئا لها لا يصيبها مطره،و يقال للرّجل إذا طلب حاجته فلم ينجح:أخطأ نوءك.

و روي«خطّى»و هو يحتمل أن يكون من الخطيطة:

و هي الأرض غير الممطرة.و أصله:«خطّط»فقلبت الطّاء الثّالثة حرف لين،كقولهم:تقضّي البازي، و التّظنّي،و لا أملاه.

و روي بهذا المعنى«خطّ»بغير ألف،و ما أظنّه صحيحا،و أن يكون من:خطّى اللّه عنك السّوء أي جعله يتخطّاها و لا يمطرها.(الفائق 1:382)

ابن الشّجريّ: الخطّة:الحال الصّعبة،يقال:

وقعوا في خطّة سوء.(2:113)

ص: 449

المدينيّ: [ذكر أحاديث و قد سبقت ثمّ أضاف:]

في الحديث:«نام حتّى سمع غطيطه أو خطيطه».

الخطيط:قريب من الغطيط،و الغين و الخاء متقاربتا المخرج.و قال الجبّان:خطّ في نومه يخطّ بمنزلة غطّ.

في حديث قيلة:«يفصل الخطّة»أي إن نزل به مشكل فصله برأيه،و هي الحال و الخطب.

في حديث أبي ذرّ:«نرعى الخائط و نرد المطائط».

(1:591)

ابن الأثير: [ذكر حديث معاوية بن الحكم و كلام ابن عبّاس و الحربيّ في الخطّ و أضاف:]

قلت:«الخطّ»المشار إليه:علم معروف،و للنّاس فيه تصانيف كثيرة،و هو معمول به إلى الآن،و لهم فيه أوضاع و اصطلاح و أسام و عمل كثير،و يستخرجون به الضّمير و غيره،و كثيرا ما يصيبون فيه.

[ثمّ ذكر حديثي ابن أنيس و قيلة و أضاف:]

و منه حديث الحديبيّة:«لا يسألوني خطّة يعظّمون فيها حرمات اللّه إلاّ أعطيتهم إيّاها».

و في حديثها أيضا:«أنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها»أي أمرا واضحا في الهدى و الاستقامة.

[و ذكر أحاديث قد مرّ كلّها](2:47)

الصّغانيّ: الخطّة،بالضّمّ:الحجّة.

الخطّ:الطّريق الخفيف في السّهل.

و خطّ في نومه:غطّ فيه.

و يوم مخطّط:يوم من أيّامهم.

و خططنا في الطّعام:أكلنا منه قليلا.(4:124)

الرّازيّ: [نحو الجوهريّ ملخّصا إلاّ أنّه قال:]

و خطّ بالقلم:كتب،و بابه:«نصر».(199)

الفيّوميّ: الخطّة:المكان المختطّ لعمارة.و الجمع:

خطط مثل:سدرة و سدر.و إنّما كسرت الخاء،لأنّها أخرجت على مصدر«افتعل»مثل:اختطب خطبة و ارتدّ ردّة و افترى فرية.

قال في«البارع»:الخطّة بالكسر:أرض يختطّها الرّجل لم تكن لأحد قبله،و حذف الهاء لغة فيها، فيقال:هو خطّ فلان،و هي خطّته.

و الخطّة بالضّمّ:الحالة و الخصلة.

و خطّ الرّجل الكتاب بيده خطّا،من باب«قتل» أيضا:كتبه.

و خطّ على الأرض:أعلم علامة،و بالمصدر و هو الخطّ سمّي موضع باليمامة،و ينسب إليه على لفظه، فيقال:رماح خطّيّة،و الرّماح لا تنبت بالخطّ و لكنّه ساحل للسّفن الّتي تحمل القنا إليه و تعمل به.

و قال الخليل :«إذا جعلت النّسبة اسما لازما قلت:

خطّيّة بكسر الخاء و لم تذكر الرّماح،و هذا كما قالوا:

ثياب قبطيّة بالكسر،فإذا جعلوه اسما حذفوا الثّياب و قالوا:قبطيّة بالضّمّ،فرقا بين الاسم و النّسبة».

(1:173)

الجرجانيّ: الخطّ:تصوير اللّفظ بحروف هجائيّة، و عند الحكماء:هو الّذي يقبل الانقسام طولا لا عرضا و لا عمقا،و نهايته النّقطة.

اعلم أنّ الخطّ و السّطح و النّقطة أعراض غير مستقلّة الوجود على مذهب الحكماء،لأنّها نهايات

ص: 450

و أطراف للمقادير عندهم،فإنّ النّقطة عندهم نهاية الخطّ،و هو نهاية السّطح،و هو نهاية الجسم التّعليميّ.

و أمّا المتكلّمون فقد أثبت طائفة منهم خطّا و سطحا مستقلّين،حيث ذهبت إلى أنّ الجوهر الفرد يتألّف في الطّول،فيحصل منها خطّ،و الخطوط تتألّف في العرض،فيحصل منها سطح،و السّطوح تتألّف في

العمق،فيحصل الجسم.

و السّطح على مذهب هؤلاء جوهران لا محالة، لأنّ المتألّف من الجوهر لا يكون عرضا.

الخطّ:ما له طول،لكن لا يكون له عرض و لا عمق.(44)

الفيروزآباديّ: الخطّ:الطّريقة المستطيلة في الشّيء،أو الطّريق الخفيف في السّهل.جمعه:خطوط و أخطاط،و الكتب بالقلم و غيره،و ضرب من الجماع،و قد خطّها،و الأكل القليل،كالتّخطيط، و الطّريق،و سيف البحرين،أو كلّ سيف،و موضع باليمامة،و مرفأ السّفن بالبحرين،و يكسر،و إليه نسبت الرّماح،لأنّها تباع به لا أنّه منبتها.

و بالضّمّ:أحد الأخشبين بمكّة،و موضع الحيّ، و الطّريق الشّارع،و يفتح.

و بالكسر:الأرض لم تمطر،و الّتي تنزلها،و لم ينزلها نازل قبلك،كالخطّة،و قد خطّها لنفسه و اختطّها.

و كلّ ما حظرته فقد خططت عليه.

و الخطيطة:الأرض لم تمطر بين ممطورتين،أو الّتي مطر بعضها.

و الخطّة،بالضّمّ:شبه القصّة،و الأمر،و الجهل، و لعبة للأعراب.

و من الخطّ:كالنّقطة من النّقط،و الإقدام على الأمور،و بلا لام:اسم عنز سوء،و منه المثل:«قبّح اللّه معزى خيرها خطّة».

و كمحدّث:موضع.

و كمعظّم:الجميل،و كلّ ما فيه خطوط.

و خطّ وجهه و اختطّ:صار فيه خطوط،و الغلام نبت عذاره،و الخطّة:اتّخذها لنفسه،و أعلم عليها.

و المخطّ:العود يخطّ به الحائك الثّوب.

و خطخط في سيره:تمايل كلالا،و ببوله:رمى.

(2:371)

مجمع اللّغة :خطّ الكتاب بيده يخطّه خطّا:

كتبه.(1:343)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خطّ الكتاب:كتبه بالقلم أو غيره.(167)

العدنانيّ: خطّة عسكريّة.

و يقولون:وضع القائد خطّة عسكريّة، و الصّواب:وضع القائد خطّة عسكريّة.و الخطّة:شبه القصّة و الأمر.[و قد ذكر حديثي ابن أنيس و قيلة و أضاف:]

و في رأسه خطّة:أمر ما.[و ذكر كلام الأصمعيّ:

من أمثالهم،و أضاف:]

و جاء في«اللّسان»خطّة نائية،أي مقصد بعيد، و جاء فيه أيضا:يقال:سمته خطّة خسف،و خطّة سوء.

[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 451

و جمع الخطّة:خطط.

أمّا الخطّة فيقول«اللّسان»:هي الأرض تنزل من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك،و قد خطّها لنفسه خطّا، و اختطّها،و هو أن يعلّم عليها علامة بالخطّ...أمّا جمع الخطّة فهو:خطط.(معجم الأخطاء الشّائعة:79)

محمود شيت: 1.أ-خطّ الوجه خطّا:صار فيه خطوط.و خطّ:بدا شعره أو نبت عذاره.

و الخطّة:اتّخذها و أعلم عليها علامة،ليعلم أنّه قد حازها لنفسه و حجزها.

و خطّ الشّيء:حفره و شقّه.

و خطّ الكتاب:سطّره و كتبه.

ب-خطّطه:خطّه.و خطّ المكان:قسّمه و هيّأه للعمارة.

ج-التّخطيط:في علم الرّسم و التّصوير:فكرة مثبتة بالرّسم.

د-الخطّ:السّطر.و الخطّ:الكتاب و نحوها ممّا يخطّ،و الخطّ:كلّ مكان يخطّ الإنسان لنفسه و يحفره.

و خطّ الرّجعة:الطّريق الّذي يصل الجيش بمركزه.

و خطّ النّار:الموضع الأماميّ من ميدان القتال.

جمعه:خطوط.يقال:الخطوط البرّيّة،و الخطوط الجوّيّة،و الخطوط البحريّة.

ه-الخطّاط:من حرفته الخطّ.

و-الخطّة:الأمر أو الحالة.جمعه:خطط.

ز-الخطّة:الخطّ.جمعه:خطط.و في الحديث:«إنّه أعطى النّساء خططا يسكنها في المدينة».

ح-الخطّيّ:الرّمح المنسوب إلى«الخطّ»،و هو موضع ببلاد البحرين،تنسب إليها الرّماح الخطّيّة، لأنّها تباع به.

2.أ-خطّ الخطّة:وضعها.

ب-التّخطيط:درس من دروس الكلّيّة العسكريّة و نحوها،لتعليم رسم المخطّطات العسكريّة.

و المخطّط العسكريّ:رسم على الورق،يظهر العوارض الطّبيعيّة و نحوها،يرسم في الأرض.

ج-الخطّاط:كاتب حسن الخطّ في المقرّات و المدارس العسكريّة.

د-الخطّة العسكريّة:الأسلوب الّذي يعالج به العدوّ في القتال.يقال:وضع القائد:خطّته؛جمعه:

خطط.(1:219)

المصطفويّ: الخطّ هو الأثر الممتدّ و الخطّ المستطيل،مستقيما أو منكسرا أو منحنيا،قصيرا أو طويلا،مكتوبا أو ممدودا،بآلة أو طبيعيّا،عريضا أو غير عريض.

فمن مصاديقه:الأرض الممتدّ،و البلد الطّويل، و الأثر الطّويل،و الخطّ الممتدّ:دائرة حول قطعة من الأرض،و الخطوط في اللّباس ممتدّة،و الحفر الممتدّ، و ظهور خطّ شعر في العذار،و غيرها.

و أمّا الخطّة:فهو بمعنى ما يخطّ و ما يكون مخطوطا.

و من مصاديقه:ما يخطّ و يراد على ضرر شخص أو نفعه،و ما يخطّ و يقصد إليه،و ما يقدّر و يتعيّن في حقّ شخص من خير أو شرّ،و ما يكون على قاعدة

ص: 452

و نظم معيّن و خطّ معلوم.

و أمّا الخطّة:فبناء نوع،و يدلّ على نوع مخصوص من الخطّ و المخطوط.

و أمّا الفرق بين الخطّ و الكتابة:فإنّ الكتابة بلحاظ الجمع و الضّبط للمعاني و الحروف و الكلمات و الجملات،بخلاف الخطّ،فإنّ النّظر فيه إلى نفس الخطوط.(3:85)

النّصوص التّفسيرية

تخطّه

وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ. العنكبوت:48

ابن عبّاس: لا تكتبه.(336)

كان نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أمّيّا لا يقرأ شيئا و لا يكتب.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 10:152)

و نحوه البغويّ(3:563)،و الشّوكانيّ(4:259)، و محمّد فريد وجدي(527).

مجاهد :كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لا يخطّ بيمينه،و لا يقرأ كتابا،فنزلت هذه الآية.(الطّبريّ 10:152)

مقاتل: فلو كنت يا محمّد تتلو القرآن أو تخطّه لقالت اليهود:إنّما كتبه من تلقاء نفسه.(3:386)

ابن قتيبة :هم يجدونك أمّيّا في كتبهم،فلو كنت تكتب لارتابوا.(338)

الطّبريّ: و لم تكن تكتب بيمينك،و لكنّك كنت أمّيّا.(10:152)

الزّجّاج: أي ما كنت قرأت الكتب و لا كنت كاتبا،و كذلك صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عندهم في التّوراة و الإنجيل.(4:171)

نحوه الواحديّ(3:423)،و الميبديّ(7:404)، و ابن الجوزيّ(6:277).

القمّيّ: هو معطوف على قوله في سورة الفرقان:

5، اِكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً فردّ اللّه عليهم فقال:كيف يدّعون أنّ الّذي تقرأه أو تخبر به تكتبه عن غيرك و أنت. وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ...؟ !.(2:151)

النّحّاس: و كذا صفته صلّى اللّه عليه و سلّم في التّوراة.(5:231)

عبد الجبّار:قوله: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا... يدلّ على ما نقوله:من أنّه تعالى ينزّه الأنبياء عن كلّ أمر ينفر عنهم.(316)

قوله: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا... يدلّ على قولنا في العدل من جهات:

منها:أنّه تعالى إذا منّ أنّه جنّبه الكتاب و القراءة لئلاّ يرتاب به،فكيف يظنّ مع ذلك أنّه يخلق في القوم الرّيبة و الشّكّ و الجهل و الكفر؟!

منها:أنّه تعالى لو فعل ذلك فيهم لكان جعله صلّى اللّه عليه و سلّم بهذه الصّفة عبثا لا فائدة فيها،و ذلك أنّه إن خلق ذلك فيهم وجب كونهم كذلك على كلّ حال،و إن لم يخلقه فكمثل،سواء كان صلّى اللّه عليه و سلّم على هذه الصّفة أو لم يكن.

و منها:أنّه لا يجوز أن يجنّب نبيّه هذه الأمور،لئلاّ يرتابوا به،إلاّ و يفعل كلّ ما كان أدعى إلى الطّاعة و أبعد عن المعصية.و ذلك يحيل القول بأنّه الفاعل

ص: 453

لنفس المعصية.(متشابه القرآن 2:549)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:معناه وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا... قبل القرآن كتابا من كتب اللّه المنزلة،و لا تخطّه،أي تكتبه بيمينك، فتعلم ما أنزل اللّه فيه،حتّى يشكّوا في إخبارك عنه إنّه من وحي اللّه سبحانه إليك،و هو معنى قول يحيى بن سلاّم.

الثّاني:و هو معنى قول مجاهد.[و قد مرّ](4:287)

الطّوسيّ: خاطب نبيّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا... يعني لم تكن تحسن القراءة قبل أن يوحى إليك بالقرآن، وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ معناه و ما كنت أيضا تخطّ بيمينك.و فيه اختصار،و تقديره و لو كنت تتلوا الكتاب و تخطّه بيمينك إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ

و قال المفسّرون:إنّه لم يكن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يحسن الكتابة.و الآية لا تدلّ على ذلك بل فيها إنّه لم يكن يكتب الكتاب،و قد لا يكتب الكتاب من يحسنه،كما لا يكتب من لا يحسنه.و ليس ذلك بنهي،لأنّه لو كان نهيا لكان الأجود أن يكون مفتوحا،و إن جاز الضّمّ على وجه الاتباع لضمّة الخاء،كما يقال:«ردّة» بالضّمّ و الفتح و الكسر،و لكان أيضا غير مطابق للأوّل.و لو أفاد أنّه لم يكن يحسن الكتابة قبل الإيحاء،لكان دليله يدلّ على أنّه كان يحسنها بعد الإيحاء إليه،ليكون فرقا بين الحالتين.

ثمّ بيّن تعالى أنّه لم يكتب،لأنّه لو كتب لشكّ المبطلون في القرآن و قالوا هو قرأ الكتب أو هو يصنّفه، و يضمّ شيئا إلى شيء في حال بعد حال،فإذا لم يحسن الكتابة لم تسبق إليه الظّنّة.(8:215)

القشيريّ: أي تجرّد قلبك عن المعلومات، و تقدّس سرّك عن المرسومات،فصادفك من غير ممازجة طبع و مشاركة كسب و تكلّف بشريّة،فلمّا خلا قلبك و سرّك عن كلّ معلوم و مرسوم،ورد عليك خطابنا و تفهيمنا،غير مقرون بهما ما ليس منّا.

(5:100)

الزّمخشريّ: أنت أمّي ما عرفك أحد قطّ بتلاوة كتاب و لا خطّ،(اذا)لو كان شيء من ذلك،أي من التّلاوة و الخطّ لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ... (3:208)

ابن عطيّة: بيّن تعالى الحجّة على المبطلين المرتابين ما وضح أنّ ممّا يقوّي نزول هذا القرآن من عند اللّه،أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم جاء به في غاية الإعجاز و الطّول،و التّضمّن للغيوب و غير ذلك،و هو أمّيّ لا يقرأ و لا يكتب و لا يتلو كتابا،و لا يخطّ حرفا، و لا سبيل له إلى العلم،فإنّه لو كان ممّن يقرأ لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ و كان لهم في ارتيابهم متعلّق.و أمّا ارتيابهم مع وضوح هذه الحجّة،فظاهر فساده.

(4:321)

نحوه حجازي.(21:5)

الطّبرسيّ: أي و لو كنت تقرأ كتابا،أو تكتبه، لوجد المبطلون طريقا إلى اكتساب الشّكّ في أمرك، و إلقاء الرّيبة لضعفة النّاس في نبوّتك،و لقالوا:إنّما تقرأ علينا ما جمعته من كتب الأوّلين.فلمّا ساويتهم في المولد و المنشأ،ثمّ أتيت بما عجزوا عنه،وجب أن يعلموا أنّه من عند اللّه تعالى،و ليس من عندك،إذ

ص: 454

لم تجر العادة أن ينشأ الإنسان بين قوم يشاهدون أحواله من عند صغره إلى كبره،و يرونه في حضره و سفره،لا يتعلّم شيئا من غيره،ثمّ يأتي من عنده بشيء يعجز الكلّ عنه،و عن بعضه،و يقرأ عليهم أقاصيص الأوّلين.

قال الشّريف الأجلّ المرتضى علم الهدى،قدّس اللّه روحه:هذه الآية تدلّ على أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما كان يحسن الكتابة قبل النّبوّة،فأمّا بعد النّبوّة،فالّذي نعتقده في ذلك:التّجويز،لكونه عالما بالكتابة و القراءة،و التّجويز لكونه غير عالم بهما،من غير قطع على أحد الأمرين.

و ظاهر الآية يقتضي أنّ النّفي قد تعلّق بما قبل النّبوّة دون ما بعدها،و لأنّ التّعليل في الآية يقتضي اختصاص النّفي بما قبل النّبوّة،لأنّ المبطلين إنّما يرتابون في نبوّته صلّى اللّه عليه و آله،لو كان يحسن الكتابة قبل النّبوّة،فأمّا بعد النّبوّة فلا تعلّق له بالرّيبة و التّهمة، فيجوز أن يكون قد تعلّمها من جبرائيل عليه السّلام بعد النّبوّة.(4:287)

الفخر الرّازيّ: هذه درجة أخرى بعد ما تقدّم على التّرتيب،و ذلك لأنّ المجادل إذا ذكر مسألة مختلفا فيها،كقول القائل:الزّكاة تجب في مال الصّغير،فإذا قيل له لم؟فيقول:كما تجب النّفقة في ماله،و لا يذكر أوّلا الجامع بينهما،فإن قنع الطّالب بمجرّد التّشبيه و أدرك من نفسه الجامع فذاك،و إن لم يدرك أو لم يقنع، يبدي الجامع،فيقول:كلاهما مال فضل عن الحاجة، فيجب،فكذلك هاهنا ذكر أوّلا التّمثيل بقوله:

وَ كَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ العنكبوت:47،ثمّ ذكر الجامع-و هو المعجزة-فقال:ما علم كون تلك الكتب منزلة إلاّ بالمعجزة،و هذا القرآن ممّن لم يكتب و لم يقرأ عين المعجزة،فيعرف كونه منزلا.

و قوله تعالى: إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ فيه معنى لطيف،و هو أنّ النّبيّ إذا كان قارئا كاتبا ما كان يوجب كون هذا الكلام كلامه،فإنّ جميع كتبة الأرض و قرّائها لا يقدرون عليه،لكن على ذلك التّقدير يكون للمبطل وجه ارتياب،و على ما هو عليه لا وجه لارتيابه،فهو أدخل في الإبطال.و هذا كقوله تعالى:

وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا البقرة:23، أي من مثل محمّد عليه السّلام،و كقوله: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ البقرة:1،2.(25:77)

القرطبيّ: أي و ما كنت يا محمّد تقرأ قبله و لا تختلف إلى أهل الكتاب،بل أنزلناه إليك في غاية الإعجاز و التّضمين للغيوب و غير ذلك،فلو كنت ممّن يقرأ كتابا و يخطّ حروفا إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ...

(13:351)

نحوه مغنيّة.(6:118)

البيضاويّ: إنّ ظهور هذا الكتاب الجامع لأنواع العلوم الشّريفة على أمّيّ-لم يعرف بالقراءة و التّعلّم- خارق للعادة،و ذكر«اليمين»زيادة تصوير للمنفيّ و نفي للتّجوّز في الإسناد.(2:212)

مثله الكاشانيّ(4:119)،و المشهديّ(7:540،) و نحوه القاسميّ(13:4755).

النّسفيّ: خصّ اليمين،لأنّ الكتاب غالبا تكون

ص: 455

باليمين،أي ما كنت قرأت كتابا من الكتب و لا كنت كاتبا.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](3:260)

الخازن :يعني و لا تكتبه،و المعنى لم تكن تقرأ و لم تكتب قبل الوحي.(5:163)

ابن جزيّ: هذا احتجاج على أنّ القرآن من عند اللّه،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان لا يقرأ و لا يكتب ثمّ جاء بالقرآن.

فإن قيل:ما فائدة قوله:(بيمينك؟)فالجواب:

أنّ ذلك تأكيد للكلام،و تصوير للمعنى المراد إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ...

و قيل:وجه الاحتجاج أنّ أهل الكتاب كانوا يجدون في كتبهم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أمّيّ لا يقرأ و لا يكتب، فلمّا جعله اللّه كذلك قامت عليهم الحجّة،و لو كان يقرأ أو يكتب،لكان مخالفا للصّفة الّتي وصفه اللّه بها عندهم،و المذهب الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لم يقرأ قطّ و لا كتب.

و قال الباجيّ و غيره: أنّه كتب لظاهر حديث الحديبيّة.و هذا القول ضعيف.(3:118)

أبو حيّان : وَ لا تَخُطُّهُ أي لا تقرأ و لا تكتب، (بيمينك)و هي الجارحة الّتي يكتب بها،و ذكرها زيادة تصوير لما نفي عنه من الكتابة.

لمّا ذكر إنزال الكتاب عليه،-متضمّنا من البلاغة و الفصاحة و الإخبار عن الأمم السّابقة و الأمور المغيبة،ما أعجز البشر أن يأتوا بسورة مثله-أخذ يحقّق،كونه نازلا من عند اللّه،بأنّه ظهر عن رجل أمّيّ، لا يقرأ و لا يكتب،و لا يخالط أهل العلم.و ظهور هذا القرآن المنزل عليه أعظم دليل على صدقه،و أكثر المسلمين على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكتب قطّ،و لم يقرأ بالنّظر في كتاب.(7:155)

نحوه محمّد عبد المنعم الجمّال.(3:2409)

ابن كثير :[نحو السّابقين من أنّ النّبيّ كان أمّيّا لا يكتب و لا يقرأ و أضاف:]

و هكذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دائما إلى يوم الدّين، لا يحسن الكتابة و لا يخطّ سطرا و لا حرفا بيده،بل كان له كتّاب يكتبون بين يديه الوحي و الرّسائل إلى الأقاليم.[ثمّ ذكر قول الباجيّ أنّه عليه السّلام كتب بيده...ثمّ ردّه،فراجع](5:330)

الشّربينيّ: وَ لا تَخُطُّهُ أي تجدّد و تلازم خطّه،و صوّر الخطّ و أكّده بقوله:(بيمينك)

فإن قيل:ما فائدة قوله:(بيمينك ؟)أجيب:بأنّه ذكر اليمين الّتي هي أقوى الجارحتين،و هي الّتي يزاول بها الخطّ زيادة تصوير،لما نفي عنه من كونه كاتبا.أ لا ترى أنّك إذا قلت في الإثبات:رأيت الأمير يخطّ هذا الكتاب بيمينه،كان أشدّ لإثباتك أنّه تولّى كتبه،فكذلك النّفي،و في ذلك إشارة إلى أنّه لا تحدث الرّيبة في أمره لعاقل إلاّ بالمواظبة القويّة الّتي ينشأ عنها ملكة،فكيف إذا لم يحصل أصل الفعل،و لذلك قال تعالى:(اذا)أي لو كنت ممّن يخطّ و قرأ لاَرْتابَ أي شكّ اَلْمُبْطِلُونَ. (3:145)

نحوه طه الدّرّة.(11:8)

أبو السّعود :أي و لا تقدر على أن تخطّه بِيَمِينِكَ حسبما هو المعتاد،أو ما كانت عادتك أن

ص: 456

تتلوه و لا أن تخطّه.(5:157)

البروسويّ: و لا أن تكتب كتابا من الكتب، و الخطّ كالمدّ،و يقال:لما له طول،و يعبّر عن الكتابة بالخطّ بِيَمِينِكَ حسبما هو المعتاد،يعني ذكر اليمين،لكون الكتابة غالبا باليمين،لا أنّه لا يخطّ بيمينه و يخطّ بشماله،فإنّ الخطّ بالشّمال من أبعد النّوادر.(6:479)

الآلوسيّ: و لا تقدر على أن تخطّه بِيَمِينِكَ أو ما كانت عادتك أن تتلوه،و لا تخطّه.و ذكر اليمين زيادة تصوير لما نفي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم من الخطّ،فهو مثل العين في قولك:نظرت بعيني في تحقيق الحقيقة و تأكيدها، حتّى لا يبقى للمجاز مجاز.[ثمّ ذكر سبب الارتياب و الاختلاف في كتابته،فراجع و لاحظ:ر ي ب:

«ارتاب».](21:4)

المراغيّ: [نحو السّابقين في أمّيّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.و لو كان يكتب لارتاب المبطلون و أضاف:]

و لمّا لم يكن أمرك هكذا لم يكن لارتيابهم وجه.

(21:6)

سيد قطب: و هكذا يتتبّع القرآن الكريم مواضع شبهاتهم حتّى السّاذج الطّفوليّ منها،فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عاش بينهم فترة طويلة من حياته،لا يقرأ و لا يكتب، ثمّ جاءهم بهذا الكتاب العجيب الّذي يعجز القارئين الكاتبين.و لربّما كانت تكون لهم شبهة لو أنّه كان من قبل قارئا كاتبا،فما شبهتهم و هذا ماضيه بينهم؟!

و نقول:إنّه يتتبّع مواضع شبهاتهم حتّى السّاذج الطّفوليّ منها.فحتّى على فرض أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان قارئا كاتبا،ما جاز لهم أن يرتابوا.فهذا القرآن يشهد بذاته على أنّه ليس من صنع البشر.(5:2746)

عزّة دروزة :تعبير[الآية]صريح قاطع بأنّ النّبيّ عليه السّلام لم يكن يكتب و يقرأ،أمّا تعبير«الأمّيّ»فلا يعني ذلك بهذه الصّراحة و القطعيّة،و لا سيّما أنّ هذه الكلمة استعملت هي و جمعها في القرآن،للدّلالة على غير الكتابيّين،أو على العرب الّذين ليسوا كتابيّين، كما ترى في آية آل عمران هذه:20، فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِ وَ قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْأُمِّيِّينَ أَ أَسْلَمْتُمْ... و لقد كان من العرب كثيرون يقرءون و يكتبون كما هو ثابت.

و بالرّغم من هذه الصّراحة فإنّ«كاتياني» و غيره من المستشرقين ظلّوا يصرّون على دعوى أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يقرأ و يكتب،و منهم من قال:إنّه كان يخفي ذلك و يراوغ فيه،فلا يثبته و لا ينفيه،لأنّه يعرف أنّ منهم من كان يعرفه فيه.

و لو تذكّروا بأنّ هذا ممّا قد يكون وجّه إلى النّبيّ مباشرة،و أنّ القرآن قد ردّ عليه و زيّفه علنا و بصراحة قطعيّة،و أنّ أصحابه و أخصّاءه كانوا يتلون هذا الرّدّ الصّريح القطعيّ،لوفّروا على أنفسهم التّعب، و لما عرضوها لتهمة الغرض و العناد،بل و الوقاحة و الكذب.فلا يمكن أن يعلن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بلسان القرآن و بأسلوب قاطع صريح أنّه لا يقرأ و لا يكتب لو كان يقرأ و يكتب،و لا سيّما لو كان أصحابه يعرفون ذلك فيه،لأنّه يثير حالا شكّ هؤلاء في ربّانيّة القرآن و صدق النّبيّ،و هذا و ذلك من الخطورة بمكان عظيم

ص: 457

عظيم.[ثمّ أدام رأي المستشرقين و ردّه](7:25)

ابن عاشور :هذا استدلال بصفة الأمّيّة المعروف بها الرّسول،صلّى اللّه عليه و سلّم و دلالتها على أنّه موحى إليه من اللّه أعظم دلالة،و قد ورد الاستدلال بها في القرآن في مواضع كقوله: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ الشّورى:52 و قوله: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ يونس:16.

و معنى: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ أنّك لم تكن تقرأ كتابا حتّى يقول أحد:هذا القرآن الّذي جاء به هو ممّا كان يتلوه من قبل.

و لا تَخُطُّهُ أي لا تكتب كتابا و لو كنت لا تتلوه،فالمقصود نفي حالتي التّعلّم،و هما التّعلّم بالقراءة،و التّعلّم بالكتابة استقصاء في تحقيق وصف الأمّيّة،فإنّ الّذي يحفظ كتابا و لا يعرف يكتب،لا يعدّ أمّيّا كالعلماء العمي،و الّذي يستطيع أن يكتب ما يلقى إليه و لا يحفظ علما،لا يعدّ أمّيّا مثل النّسّاخ، فبانتفاء التّلاوة و الخطّ تحقّق وصف الأمّيّة.

و(إذا)جواب و جزاء لشرط مقدّر ب(لو)لأنّه مفروض دلّ عليه قوله:و ما كنت تتلوا وَ لا تَخُطُّهُ. و التّقدير:لو كنت تتلو قبله كتابا أو تخطّه لارتاب المبطلون.و مجيء جواب(اذا)مقترنا باللاّم الّتي يغلب اقتران جواب(لو)بها دليل على أنّ المقدّر شرط ب(لو).[ثمّ استشهد بشعر]

و وجه التّلازم بين التّلاوة و الكتابة المتقدّمين على نزول القرآن،و بين حصول الشّكّ في نفوس المشركين،أنّه لو كان ذلك واقعا لاحتمل عندهم أن يكون القرآن من جنس ما كان يتلوه من قبل من كتب سالفة،و أن يكون ممّا خطّه من قبل من كلام تلقّاه، فقام اليوم بنشره و يدعو به.

و إنّما جعل ذلك موجب ريب دون أن يكون موجب جزم بالتّكذيب،لأنّ نظم القرآن و بلاغته و ما احتوى عليه من المعاني،يبطل أن يكون من نوع ما سبق من الكتب و القصص و الخطب و الشّعر،و لكن ذلك لمّا كان مستدعيا تأمّلا،لم يمنع من خطور خاطر الارتياب على الإجمال،قبل إتمام النّظر و التّأمل؛ بحيث يكون دوام الارتياب بهتانا و مكابرة.

و تقييد تَخُطُّهُ بقيد بِيَمِينِكَ للتّأكيد،لأنّ الخطّ لا يكون إلاّ باليمين،فهو كقوله: وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38.(20:184)

الطّباطبائيّ: و ظاهر التّعبير في قوله: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا إلخ،نفي العادة،أي لم يكن من عادتك أن تتلو و تخطّ،كما يدلّ عليه قوله في موضع آخر: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ يونس:16.

و قيل:المراد به نفي القدرة،أي ما كنت تقدر أن تتلو و تخطّ من قبله.و الوجه الأوّل أنسب بالنّسبة إلى سياق الحجّة،و قد أقامها لتثبيت حقّيّة القرآن و نزوله من عنده.

و تقييد قوله: وَ لا تَخُطُّهُ بقوله: بِيَمِينِكَ نوع من التّمثيل،يفيد التّأكيد،كقول القائل:رأيته بعينى و سمعته بأذني.

و المعنى و ما كان من عادتك قبل نزول القرآن أن

ص: 458

تقرأ كتابا،و لا كان من عادتك أن تخطّ كتابا و تكتبه،أي ما كنت تحسن القراءة و الكتابة لكونك أمّيّا.(16:139)

عبد الكريم الخطيب :هذا الخطاب للنّبيّ الكريم من ربّه سبحانه و تعالى،يكشف لأهل الكتاب الّذين كانوا في هذه البيئة الأمّيّة جامعة العلم و أساتذة طالبيه،هذا الخطاب يكشف لهم عن حقيقة جهلوها و تجاهلوها،و هي أنّ هذا الأمّيّ في الأمّة الأمّيّة لم يكن ممّن ألمّوا بشيء من القراءة و الكتابة،حتّى على هذا المستوى المتواضع الّذي كان لبعض نفر قليل من قومه،ممّن عرفوا القراءة و الكتابة،و مع هذا فهو يحمل في صدره،و على لسانه،و بين يديه،كتابا عجبا.[إلى أن قال:]

و إذا كان للأمّيّين المشركين أن يقولوا جهلا:إنّما يعلّمه بشر،و إذا كان لهم أن يقولوا استبعادا أو استعظاما:إنّه أخذ هذا العلم عن بعض العلماء من أهل الكتاب،فما ذا يقول أهل الكتاب في هذا الكتاب؟و إلى أيّ نسب ينسبونه،و إلى أيّ عالم منهم يسندونه؟

إنّه لم يجرؤ أحد من أهل الكتاب أن يقول كلمة واحدة في نسب هذا الكتاب إلى علمهم،أو إضافته إلى أحد من علمائهم.[إلى أن قال:]

و أنّه إذا كان يمكن أن يرد عليهم شيء من الشّكّ في أنّ إنسانا قارئا كاتبا دارسا،يمكن أن يأتي بمثل هذا الكتاب،فإنّ مثل هذا الشّكّ يكون مستحيلا،إذا جاء الكتاب على يد أمّيّ،ما عرف القراءة و الكتاب، و لا حضر مجالس الدّرس و التّحصيل.

و قد أثار المفسّرون جدلا طويلا حول ما إذا كان الرّسول قد عرف القراءة و الكتابة بعد البعثة أم لا؟ و قال كثير منهم:إنّه صلوات اللّه و سلامه عليه،قد عرف القراءة و الكتابة بعد بعثته،و هذا أمر ما كان يصحّ أن يكون موضع بحث أو خلاف،فقد جاء القرآن ناطقا صريحا بأمّيّة النّبيّ،و جعل الأمّيّة صفة دالّة عليه،يجده أهل الكتاب في كلّ حال يلقونه عليها، و في كلّ زمن يوجّهون وجوههم إليه.فاللّه سبحانه و تعالى يقول: اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ... الأعراف:157.

و الأمّيّة هنا لا شكّ هي أمّيّة القراءة و الكتابة.

أمّا أمّيّة العلم،فقد كان صلوات اللّه و سلامه عليه بما علّمه ربّه عالم العلماء،و حكيم الحكماء،كما يقول سبحانه و تعالى مخاطبا له: وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً النّساء:113.

فكيف إذن يكون النّبيّ قد خرج عن صفة الأمّيّة بعد البعثة،و عرف القراءة و الكتابة،ثمّ يكون بهذا حجّة على أهل الكتاب الّذين يجدون وصفه في التّوراة و الإنجيل نبيّا أمّيّا في الأمّيّين؟ثمّ ما حاجة النّبيّ إلى أن يعرف القراءة و الكتابة بعد النّبوّة؟أ كان ينقل الكتاب الّذي بين يديه عن كتب أخرى حتّى يضطرّه ذلك إلى معرفة القراءة و الكتابة؟أم ما ذا؟لا نجد جوابا!!

(11:448)

المصطفويّ: أي ليس لك سابقة في تعلّم كتاب جامع و مجموعة كافية،و قراءته و خطّه بيمينك،حتّى

ص: 459

توجب الرّيب و التّردّد في القرآن النّازل إليك لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ.

فالتّعبير بالخطّ دون الكتابة فإنّه أدنى مرتبة و أنزل مئونة و التّصريح باليمين للتّأكيد و لتوضيح المعنى.(3:85)

مكارم الشّيرازيّ: [نحو السّابقين في أمّيّة النّبيّ و عدم دراسته للكتب و إتيانه بمعجزته و أضاف:]

و ينبغي الإشارة إلى أنّه لو سأل سائل:من أين نعرف أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يذهب إلى مدرسة قطّ؟

فنجيب:أنّه صلّى اللّه عليه و آله قد عاش في بيئة،المثقفون و المتعلّمون فيها معدودون و محدودون،حتّى قيل:أن ليس في مكّة أكثر من سبعة عشر رجلا يجيدون القراءة و الكتابة،ففي مثل هذا المحيط و هذه البيئة،لو قدّر لأحد أن يمضي إلى المدرسة فيتعلّم القراءة و الكتابة،فمن المستحيل أن يكون مجهولا،بل يكون معروفا في كلّ مكان.كما يعرف أستاذه و درسه أيضا،فكيف يمكن لمثل هذا الشّخص أن يدّعي أنّه نبيّ صادق و مع ذلك يكذب هذه الكذبة المفضوحة المكشوفة؟خاصّة أنّ هذه الآيات نزلت في مكّة،مهد نشأة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و كذلك في قبال الأعداء الألدّاء الّذين لا تخفى عليهم أقلّ نقطة ضعف!!.(12:382)

فضل اللّه : وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ فلم يعرف أحد منك في تاريخك السّابق على الرّسالة، أنّك كنت تقرأ الكتب الدّينيّة أو غيرها وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، و لم يعرف عنك الكتابة،لما تفكّر به،أو تسمع به،لأنّك لم تتعلّم ذلك من أيّ شخص،بل كنت كغيرك من أبناء قومك أمّيّا لا تمارس القراءة و الكتابة، و قد أراد اللّه أن يبعثك نبيّا أمّيّا،يبدع الرّسالة من وحي اللّه،و يبلّغها للنّاس،ليعرفوا أنّها وحي من اللّه، و ليست فكرا بشريّا،لأنّ النّبيّ الّذي جاء به لا يمكن أن يكون ناقلا له من كتاب رساليّ سابق،لأنّه لا يقرأ الكتب،و لا كاتبا له من إملاء شخص آخر،لأنّه لا يكتب.و لو كان الأمر على العكس من ذلك لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ. (18:66)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخطّ،و هو الطّريقة المستطيلة في الأرض خاصّة،ثمّ عمّم في كلّ شيء؛ و الجمع:خطوط.يقال:خطّ الزّاجر في الأرض يخطّ خطّا،أي عمل فيها خطّا بإصبعه ثمّ زجر،و الكلأ خطوط في الأرض:طرائق لم يعمّ الغيث البلاد كلّها، و الماشي يخطّ برجله الأرض،و الخطوط:الّتي تخطّ الأرض بأظلافها من بقر الوحش،و كذلك كلّ دابّة، و فلان يخطّ في الأرض:يفكّر في أمره و يدبّره،على المجاز.

و الخطّ:الكتابة و نحوها ممّا يخطّ.يقال:خطّ القلم،أي كتب،و خطّ الشّيء يخطّه خطّا:كتبه بقلم أو غيره.

و الخطّ:ضرب من البضع،على التّشبيه بذلك.

يقال:خطّ المرأة يخطّها خطّا.

و التّخطيط:التّسطير،و منه:ثوب مخطّط و كساء مخطّط:فيه خطوط،و كذلك تمر مخطّط و وحش

ص: 460

مخطّط.و يقال:مجازا:خطّطت عليه ذنوبه،أي سجّلت.

و المخطّ:العود الّذي يخطّ به الحائك الثّوب، و المخطاط:عود تسوّى عليه الخطوط.

و الخطّ:الطّريق؛يقال:الزم ذلك الخطّ و لا تظلم عنه شيئا،و هو الخطّ،يقال أيضا:الزم هذا الخطّ.

و الخطّ:أرض ينسب إليها الرّماح الخطّيّة،و قيل:

مرفأ السّفن بالبحرين.يقال:رمح خطّيّ،و رماح خطّيّة و خطّيّة.

و الخطّ و الخطّة:الأرض تنزل من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك،و قد خطّها لنفسه خطّا و اختطّها، و هو أن يعلّم عليها علامة بالخطّ،ليعلم أنّه قد احتازها ليبنيها دارا،و الجمع:خطط،و منه:خطط الكوفة و البصرة،و اختطّ فلان خطّة:تحجّر موضعا و خطّ عليه بجدار.

و الخطيطة:الأرض الّتي يمطر ما حولها و لا تمطر هي؛و الجمع:خطائط،كأنّه خطّ حولها بخطّ.يقال:

«يا بنيّ الزم خطيطة الذّلّ مخافة ما هو أشدّ منه» فاستعارها للذّلّ،لأنّ الخطيطة من الأرضين ذليلة بما بخسته من حقّها،و هي أرض خطّ أيضا.

و الخطّة:الحال و الأمر و الخطب،لأنّه-كما قال ابن فارس-أمر قد خطّ له و عليه.يقال:سمته خطّة خسف و خطّة سوء،و في رأسه خطّة:أمر ما،و في المثل:«جاء فلان و في رأسه خطّة»،إذا جاء و في رأسه حاجة و قد عزم عليها.

و من المجاز:اختطّ الغلام:نبت عذاره،و خطّ وجهه و اختطّ:صارت فيه خطوط،و الأخطّ:الدّقيق المحاسن.يقال:خطّ وجه فلان و اختطّ،و رجل مخطّط:

جميل،و خططت بالسّيف وسطه،و خطّه بالسّيف نصفين.

2-و قطع ابن فارس بزيادة«الطّاء»الثّانية لكلمة:الخطيطة،و عدّها من(خ ط أ)و استدلّ على ذلك بقول ابن عبّاس:«خطّأ اللّه نوءها».

و لكنّ أبا عبيد رواه بالطّاء،و جعله من الخطيطة، و كذلك فعل ابن الأثير،و احتمل وجها ثالثا،و هو أن يكون من باب المعتلّ اللاّم،أي(خ ط و).

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«المضارع»مرّة،في آية:

وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ. العنكبوت:48

يلاحظ أوّلا:أنّ«الخطّ»هنا بمعنى الكتابة،و فيه بحوث:

نفى اللّه عن رسوله تلاوة الكتب: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ و كتابته: وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، و عقّب ذلك بقوله: إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ، و هو جواب شرط محذوف،و التّقدير:لو كنت تقرأ و تكتب.

و جعله بعض جواب شرط لما تقدّمه بتضمين(ما) معنى«لو»و زيادة(لا)،و تقديره:و لو كنت تقرأ كتابا أو تكتبه لشكّ المبطلون،و هو ظاهر قول مقاتل و ابن قتيبة و الطّبرسيّ و غيرهم.و الأوّل هو الظّاهر.

2-إن قيل:لم وصل الخطّ باليمين؟يقال:وصل للتّأكيد،أي و لا تتولّى خطّه بيمينك،و نظيره قوله:

ص: 461

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ البقرة:

79،و قوله: قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ص:75،و هذا كقولهم:رأيته بعيني، و سمعته بأذني.

3-وصف اللّه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأنّه أمّيّ لا يحسن القراءة و الكتابة،لإيصاد الباب في وجه من يقدّر أنّه خطّ القرآن بيمينه و كتبه بنفسه.و اختلف المفسّرون في المعنيّ بهذه الآية،فمن قائل:عنى بذلك قريشا،و من قائل:عنى أهل الكتاب.و لكلّ من القائلين حجّة:

فحجّة الأوّل:أنّ سورة العنكبوت مكّيّة،فالمعنيّ بهذه الآية أهل مكّة.إضافة إلى أنّهم كانوا يتّهمونه بأنّه أخذه عن الآخرين: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً* وَ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الفرقان:4،5.

و حجّة الثّاني:أنّه تقدّم ذكر أَهْلِ الْكِتابِ قبلها،

في الآية:46،من هذه السّورة: وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...، فهم المعنيّون بذلك.

و ممّا يجدر ذكره اختلف في منشأ هذه السّورة أيضا،فذهب عن ابن عبّاس و غيره إلى أنّها مدنيّة، و يعضده ورود لفظ أَهْلِ الْكِتابِ فيها،لأنّه من الألفاظ المدنيّة،و مثله لفظ المنافقين: وَ لَيَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ العنكبوت:11، و ذهب عكرمة و آخرون إلى أنّها مكّيّة،و عن الحسن أنّها مكّيّة إلاّ عشر آيات من أوّلها،فإنّها مدنيّة،فهو أحد قولي ابن عبّاس أيضا.

و روى القرطبيّ قولا عن الإمام عليّ عليه السّلام بأنّ سورة العنكبوت نزلت بين مكّة و المدينة،و هو فيصل بين القولين.[لاحظ«المدخل»بحث المكّيّ و المدنيّ، و لاحظ:أ م م:«الأمّيّ».

ثانيا:جاءت هذه المادّة مرّة في سورة مكّيّة-على الخلاف فيها كما سبق-بصورة منفيّة: وَ لا تَخُطُّهُ رمزا إلى شذوذ الخطّ في مكّة-و هذا من مؤيّدات كون السّورة مكّيّة-لأنّ المدينة كانت بلد الثّقافة و الكتابة، و لا سيّما بين اليهود القاطنين بها.

ثالثا:جاءت نظائر للخطّ في القرآن،و هي:

الكتابة: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ

البقرة:79.

الرّقم: وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ* كِتابٌ مَرْقُومٌ

المطفّفين:8،9

الزّبر: جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَ بِالزُّبُرِ وَ بِالْكِتابِ الْمُنِيرِ فاطر:25

الاستنساخ: إِنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الجاثية:29

القلم: ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ القلم:1

ص: 462

خ ط ف

اشارة

7 ألفاظ،7 مرّات:4 مكّيّة،3 مدنيّة

في 6 سور:3 مكّيّة،3 مدنيّة

خطف 1:1 يتخطّفكم 1:-1

يخطف 1:-1 يتخطّف 1:1

فتخطفه 1:-1 نتخطّف 1:1

الخطفة 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخطف:الأخذ في الاستلاب.

و سيف يخطف الرّأس،و نار مخطّف الضّريبة.

و برق خاطف:يخطف نور الأبصار.

و الشّياطين تخطف السّمع،أي تسترق.

و الخطّاف:اللّصّ.

و خطف يخطف،و خطف يخطف.

و الخطفة:مثل الخلسة،هو كلّ ما اختطفت.

و به خطف،أي شبه جنون.

و المخطف:الّذي يرفع الشّراع في البحر.

و الخيطف:سرعة انجذاب السّير،و جمل خيطف، و جمل ذو عنق خيطف.

و الخطفى:سيرته.

و هو أخطف الحشا،و بعير مخطف،و حمار مخطف البطن.

و الخطّاف:طائر،يجمع:خطاطيف.

و الخطّاف:حديدة حجناء في جانبي البكرة،فيهما المحور.

و كلّ شيء يشبّه به سمّي:خطّافا.يقال:بعير به سمة خطّاف أو كالخطّاف،و هي سمة أناس من تيم.

و كان الحسن يقرأ (الاّ من خطّف الخطفة) الصّافّات:10،على تأويل:اختطف اختطافة،جعل المصدر على بناء خطف يخطف خطفة،كما تقول من

ص: 463

الاختطاف:اختطافة.

و الخاطف:الذّئب،لأنّه يخطف.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](4:220)

سيبويه :قالوا:قرأت و اقترأت،يريدون شيئا واحدا،كما قالوا:علاه و استعلاه.

و مثله:خطف و اختطف.(4:74)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و الإخطاف:أن تخطفه الحصبة و الجدريّ،إذا خرج به منه شيء،لقد اختطفته الحصبة.(1:219)

به خطف من أهل الأرض،أي مسّ.(1:226)

طلبني جمل فأخطفني،أي أخطأني،و لقد أخطفت بني فلان قريبا،أي أخطأتهم.

و رمى الغرض فأخطف،إذا أنفذه،و هو سهم خاطف.(1:233)

تخطف بهنّ الأرض.(1:241)

أبو زيد :القعو من الخشب،فإذا كان من الحديد فهو الخطّاف.(246)

أخطف الرّجل إخطافا،إذا مرض مرضا يسيرا و برأ سريعا.(الأزهريّ 7:243)

مثله ابن السّكّيت.(110)

الأصمعيّ: الخطّاف هو الّذي تجري فيه البكرة إذا كان من حديد،فإن كان من خشب فهو القعو.

و من الطّير طائر يقال له:خاطف ظلّه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:243)

اللّحيانيّ: قال أبو صفوان:يقال:أخطفته الحمّى، أي أقلعت عنه،و ما من مرض إلاّ و له خطف،أي يبرأ منه.

و العرب تقول للذّئب:خاطف،و هي الخواطف.

(الأزهريّ 7:243)

ابن الأعرابيّ: الخطيفة:هو الجبولاء.

(الجوهريّ 4:1352)

ابن السّكّيت: الإخطاف:أن ترمي الرّمية فتخطئ.

[ثمّ استشهد بشعر](125)

الخيطف:السّريع.(684)

أبو الهيثم:الإخطاف:شرّ عيوب الخيل،و هو صغر الجوف.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:242)

المبرّد: الخطّاف:ما يدور عليه البكرة.(2:95)

ابن دريد :الخطف:خطف الطّائر بجناحية إذا أسرع الطّيران.

و فيه لغتان فصيحتان:خطف يخطف خطفا و خطف يخطف،و المصدر فيهما:الخطف.و كلّ أخذ في سرعة فهو خطف.

و الخطّاف:طائر معروف.

و الخطّاف:الكلاّب الّذي يعلق بالشّيء ليجتذبه.

و تسمّى مخالب السّباع:خطاطيف.

و سمّي«الخطفى»جدّ جرير.

و في التّنزيل: إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ الصّافّات:

10،و هي كالخلسة،و اللّه أعلم.

و خطّاف البكرة:الحديدة الّتي تدور فيها.

و أخطف الرّجل إخطافا،إذا مرض،ثمّ برأ.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:231)

ابن بزرج:خطفت الشّيء:أخذته،و أخطفته إذا

ص: 464

أخطأته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإخطاف في الخيل:ضدّ الانتفاج،و هو عيب في الخيل.(الأزهريّ 7:242)

الأزهريّ: يقال:خطفت الشّيء،و اختطفته،إذا اجتذبته بسرعة.

و الخطفى:سيرته.

يقال لسمة يوسم بها البعير،كأنّها خطّاف البكرة:

خطّاف أيضا.

و بعير مخطوف،إذا كان به هذه السّمة.

و إنّما قيل لخطّاف البكرة:خطّاف،لحجنة فيه.

و كلّ حديدة و ذات حجنة:فهي خطّاف.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث أنس:«أنّه كان عند أمّ سليم شعير فجشّته،و جعلت للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم خطيفة فأرسلتني أدعوه».

قلت:و الخطيفة عند العرب أن تؤخذ لبينة فتسخّن،ثمّ يذرّ عليها دقيقة ثمّ تطبخ فيلعقها النّاس و يختطفونها في سرعة.

و خطاف،و كساب:من أسماء كلاب القنص.

و في حديث آخر:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم نهى عن الخطفة».

و هي ما اختطف الذّئب من أعضاء الشّاة،و هي حيّة من يد أو رجل...أو يختطفه الكلب الضّاري من أعضاء الحيوان الّتي تصاد من لحم أو غيره و الصّيد حيّ،و كلّ ما أبين من الحيوان و هو حيّ من شحم و لحم،فهو ميت،لا يحلّ أكله.

و يقال:أخطف لي فلان من حديثه شيئا ثمّ سكت، و هو الرّجل يأخذ في الحديث ثمّ يبدو له فيقطع حديثه،و هو الإخطاف.

و يقال:للّصّ الّذي يدغر نفسه على الشّيء فيختلسه:خطّاف.

عن أبي الخطّاب:خطفت السّفينة و خطفت أي سارت.

يقال:خطفت اليوم من عمان أي سارت.

(7:244-245)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و عنق خطفى و خيطفى،و به سمّي:الخطفى.

و الخطّاف:طائر معروف.و هو من الفرس:موضع عقب الفارس.

و الإخطاف:أن ترمي الرّمية فتخطئ قريبا.

و أخطفها،إذا كاد يصيدها.

و سهام خواطف.

و أخطفه الموت،أي نجا منه بشيء قليل.

و أخطفت عنه الحمّى:أقلعت.

و أخذه خطف و خطفة،أي مرض هيّن.

و ما من مرض إلاّ و له خطف،أي يبرأ منه.

و رجل به خطف،أي جنون.

و الخطيفة:الدّقيق يذرّ عليه اللّبن و يطبخ.

و خاطف ظلّه:طائر ينظر إلى ظلّه فيحسبه طائرا.

و الخاطوف:شبه المنجل يشدّ بحبالة الصّيد يختطف به الظّبي.

و خطاف:من أسماء الكلاب.(4:291)

الخطّابيّ: في قصّة أحد:«إن رأيتمونا يخطفنا الطّير فلا تبرحوا مكانكم».

ص: 465

قوله:«يخطفنا الطّير مثل»،و المعنى:إن رأيتمونا قد انهزمنا و ولّينا فلا تبرحوا.(1:114)

[في حديث]:«...يوم عيد و خطيفة».الخطيفة:

لبن يوضع على النّار ثمّ يذرّ عليه دقيق،ثمّ يطبخ.

و يقال:إنّما سمّيت:خطيفة،لأنّها تخطف،أي تستلب بالملاعق استلابا في سرعة.

و من هذا قول عائشة في الرّضاع:«لا تحرّم الخطفة و لا الخطفتان»(2:168)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 1:363)

الجوهريّ: الخطف:الاستلاب.و قد خطفه بالكسر يخطفه خطفا،و هي اللّغة الجيّدة.

و فيه لغة أخرى حكاها الأخفش:خطف بالفتح يخطف،و هي قليلة رديئة،لا تكاد تعرف.

و مخاليب السّباع:خطاطيفها.

و«الخطّاف» (1)بالفتح الّذي في الحديث:هو الشّيطان،يخطف السّمع:يسترقه.

و خاطف ظلّه:طائر.

قال ابن سلمة:هو طائر يقال له:الرّفراف،إذا رأى ظلّه في الماء أقبل إليه ليخطفه.

و الخاطف:الذّئب.

و برق خاطف لنور الأبصار.

و رمى الرّميّة فأخطفها،أي أخطأها.

و إخطاف الحشا:انطواؤه.يقال:فرس مخطف الحشا-بضمّ الميم و فتح الطّاء-إذا كان لا حق ما خلف المحزم من بطنه.

و الخطيفة:دقيق يذرّ على اللّبن ثمّ يطبخ فيلعق.

و جمل خطيف،أي سريع المرّ،كأنّه يختطف في مشيه عنقه،أي يجتذب.و تلك السّرعة هي الخطفى بالتّحريك.

و الخطفى أيضا:لقب عوف،و هو جدّ جرير بن عطيّة بن عوف الشّاعر،سمّي بذلك.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](4:1352)

نحوه الرّازيّ.(200)

ابن فارس: الخاء و الطّاء و الفاء أصل واحد مطّرد منقاس،و هو استلاب في خفّة.

فالخطف:الاستلاب.تقول:خطفته أخطفه، و خطفته أخطفه.

و برق خاطف لنور الأبصار.قال اللّه تعالى:

يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ البقرة:20، و الشّيطان يخطف السّمع،إذا استرق.قال اللّه تعالى:

إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ الصّافّات:10.

و يقال للشّيطان:«الخطّاف»،و قد جاء هذا الاسم في الحديث.

و جمل خيطف:سريع المرّ،و تلك السّرعة:

الخيطفى.

و به سمّي الخطفى،و الأصل فيه واحد،لأنّ المسرع يقلّ لبث قوائمه على الأرض،فكأنّه قد خطف الشّيء.

و يقال:هو مخطف الحشا،إذا كان منطوي الحشا،».

ص: 466


1- هو حديث الإمام عليّ عليه السّلام:«نفقتك رياء و سمعة للخطّاف».

و ذلك صحيح؛لأنّه كأنّ لحمه خطف منه فرقّ و دقّ.

فأمّا قولهم:رمى الرّميّة فأخطفها،إذا أخطأها، فممكن أن يكون من الباب،و ممكن أن يكون الفاء بدلا من الهمزة.

و الخطّاف:طائر،و القياس صحيح،لأنّه يخطف الشّيء بمخلبه.يقال لمخاليب السّباع:خطاطيفها.

و الخطّاف:حديدة حجناء؛لأنّه يختطف بها الشّيء،و الجمع:خطاطيف.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:196)

الهرويّ: الخطف:أخذ الشّيء بسرعة و استلاب.

يقال:اختطف الذّئب الشّاة،و منه يقال للّذي يخرج به الدّلو من البئر:خطّاف.

و في الحديث:«أنّه نهى عن المجثّمة و الخطفة».

الخطفة:ما اختطف الذّئب من أعضاء الشّاة و هي حيّة،من يد أو رجل،و كلّ ما أبين من الحيوان و هو حيّ،فهو ميتة لا يحلّ أكله.(2:571)

أبو سهل الهرويّ: خطف الشّيء يخطفه،إذا أخذه بسرعة.(8)

ابن سيده: الخطف:الأخذ في سرعة و استلاب.

خطفه،و خطفه،يخطفه،و اختطفه،و تخطّفه.

و رجل خيطف:خاطف.

و باز مخطف:يخطف الصّيد.

و سيف مخطف:يخطف البصر بلمعه.

و ذئب خاطف:يختطف الفريسة.

و خطف البرق البصر،و خطفه يخطفه:ذهب به.

و كذلك الشّعاع و السّيف،و كلّ جرم صقيل.

و خطف الشّيطان السّمع،و اختطفه:استرقه.و في التّنزيل: إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ الصّافّات:10.

و الخيطف،و الخطفى:سرعة انجذاب السّير،كأنّه يختطف في مشيته عنقه،أي يجتذبه.يقال:عنق خيطف و خطفى.

و جمل خيطف سيره،كذلك،أي سريع المرّ.

و قد خطف،و خطف يخطف خطفا.

و الخاطوف:شبيه بالمنجل يشدّ في حبالة الصّائد يختطف الظّبي.

و الخطّاف:حديدة تكون في الرّحل تعلّق منها الأداة و العجلة.

و الخطّاف:حديدة حجناء تعقل بها البكرة من جانبيها.

و خطاطيف الأسد:براثنه،شبّهت بالحديدة لحجنتها.

و الخطّاف:سمة على شكل خطّاف البكرة.

و الخطّاف:العصفور الأسود،و هو الّذي تدعوه العامّة:عصفور الجنّة.

و أمّا قول تلك المرأة لجرير:يا ابن خطّاف!فإنّما قالته له هازئة به.

و هي الخطاطيف و الخطف،و الخطف،و الخطّف، جميعا:مثل الجنون.

و الإخطاف:أن ترمى الرّميّة فتخطئ قريبا.

و الخطيفة:دقيق يذرّ على لبن ثمّ يطبخ فيلعق.

[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](5:118)

الخطف:الضّمر و خفّة لحم الجنب،و رجل

ص: 467

مخطف الحشا و مخطوفه و أخطفه:ضامره.و قد خطف الرّجل.(الإفصاح 1:116)

الرّاغب: الخطف و الاختطاف:الاختلاس بالسّرعة،يقال:خطف:يخطف،و خطف يخطف.

و قرئ بهما جميعا قال: إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ الصّافّات:10.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و الخطّاف:للطّائر الّذي كأنّه يخطف شيئا في طيرانه،و لما يخرج به الدّلو،كأنّه يختطفه.و جمعه:

خطاطيف،و للحديدة الّتي تدور عليها البكرة.

و باز مخطف:يختطف ما يصيده.

و الخيطف:سرعة انجذاب السّير.

و أخطف الحشا،و مختطفه،كأنّه اختطف حشاه لضموره.(150)

الزّمخشريّ: خطف الشّيء و اختطفه و تخطّفه.

و لصّ خطّاف.و باز مخطف.

و أخطفه المرض:خفّ عليه فلم يضطجع له.

و اختطفت عنه الحمّى:أقلعت.

و ما من مرض إلاّ و له خطفة،أي خفّة.

و أخطف الرّامي:أخفق،و أخطف السّهم:

أشوى (1).

و سهام خواطف:خواطئ.

و اختطف لي فلان من حديثه شيئا ثمّ سكت،إذا أخذ يحدّثك،ثمّ بدا له فسكت.

و من المجاز:البرق يخطف البصر.و الشّيطان يخطف السّمع.

و علقته خطاطيفه،أي مخالبه.

و هذا سيف يخطف الرّأس.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:115)

نهى صلّى اللّه عليه و سلّم عن الخطفة.هي المرّة من الخطف،سمّي بها العضو الّذي يخطفه السّبع،أو يقطعه الإنسان من أعضاء البهيمة الحيّة،و هو ميتة لا تحلّ.و أصل هذا أنّه حين قدم المدينة رأى النّاس يحبّون أسنمة الإبل و أليات الغنم فيأكلونها.(الفائق 1:381)

الطّبرسيّ: الخطف:أخذ في استلاب،يقال:

خطف يخطف،و خطف يخطف،لغتان،و الثّاني أفصح،و عليه القراءة،و منه:الخطّاف.

و يقال للّذي يخرج به الدّلو من البئر:خطّاف، لاختطافه.[ثمّ استشهد بشعر](1:58)

المدينيّ: في حديث ابن مسعود ذكر«الخطّاف» و هو طير سريع الطّيران،و يقال له:الخفدود أيضا، و جمعها:الخطاطيف و الخفاديد.

و في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«نفقتك رياء و سمعة للخطّاف».

قال إسحاق بن سليمان:يعني الشّيطان،سمّي به لاختطافه السّمع،و هو تكثير الخاطف.

و قال الجبّان:هو بضمّ الخاء،يذهب به إلى «الخطّاف»الّذي يختطف به الشّيء،و هي حديدة حجناء كالكلّوب.

و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:«لا تحرّم الخطفة و الخطفتان»تعني الرّضعة القليلة يأخذهاف.

ص: 468


1- يعني أخطأ الهدف.

الصّبيّ بسرعة،و هو معنى الحديث:«لا تحرّم المصّة و المصّتان».(1:593)

ابن الأثير: فيه«لينتهينّ أقوام عن رفع أبصارهم إلى السّماء في الصّلاة أو لتخطفنّ أبصارهم».

الخطف:استلاب الشّيء و أخذه بسرعة،يقال:

خطف الشّيء يخطفه،و اختطفه يختطفه.و يقال:

خطف يخطف،و هو قليل.

و منه حديث أحد:«إن رأيتمونا تختطفنا الطّير فلا تبرحوا»أي تستلبنا و تطير بنا،و هو مبالغة في الهلاك.

و منه حديث الجنّ:«يختطفون السّمع»أي يسترقونه و يستلبونه.و قد تكرّر في الحديث.

و في حديث ابن مسعود:«لأن أكون نفضت يديّ من قبور بنيّ أحبّ إليّ من أن يقع منّي بيض الخطّاف فينكسر»الخطّاف:الطّائر المعروف.قال ذلك شفقة و رحمة.(2:48)

الفيّوميّ: خطفه يخطفه من باب«تعب»:

استلبه بسرعة و خطفه خطفا من باب«ضرب»لغة و اختطف و تخطّف مثله.

و الخطفة مثل:تمرة:المرّة.

و يقال لما اختطفه الذّئب و نحوه من حيوان حيّ:

خطفة،تسمية بذلك،و هو حرام.

و الخطّاف تقدّم في تركيب«خشف».(1:174)

الفيروزآباديّ: خطف الشّيء،كسمع و ضرب، -أو هذه قليلة أو رديئة-:استلبه،و البرق البصر:

ذهب به،و الشّيطان السّمع:استرقه،كاختطفه.

و خاطف ظلّه:طائر إذا رأى ظلّه في الماء أقبل إليه ليخطفه.

و الخاطف:الذّئب.

و الخطفة:العضو الّذي يختطفه السّبع،أو يقتطعه الإنسان من البهيمة الحيّة.

و كجمزى:لقب حذيفة جدّ جرير الشّاعر، و السّرعة في المشي،كالخيطفى.

و هو جمل خيطف،كهيكل،و قد خطف،كسمع و ضرب،خطفانا.

و الخاطوف:شبه المنجل يشدّ بحبالة الصّيد فيختطف به الظّبي.

و الخطيفة:دقيق يذرّ عليه اللّبن،ثمّ يطبخ،فيلعق و يختطف بالملاعق.

و كرمّان:طائر أسود،و حديدة حجناء في جانبي البكرة فيها المحور،أو كلّ حديدة حجناء،و فرس.

و كشدّاد:فرس آخر.

و رجل أخطف الحشا،و مخطوفه:ضامره.

و جمل مخطوف:وسم سمة خطّاف البكرة.

و مخطف البطن:منطويه.

و كقطام:هضبة،و كلبة.

و ما من مرض إلاّ و له خطف،بالضّم،أي يبرأ منه.

و اختطفته الحمّى:أقلعت عنه.

و أخطف الرّميّة:أخطأها.(3:139)

الطّريحيّ: في الحديث:«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن قتل الخطّاف»هو بضمّ الخاء و تشديد الطّاء:الطّائر

ص: 469

المعروف.

يقال:له شفقة و رحمة،و يسمّى زوّار الهند، و يعرف الآن بعصفور الجنّة.و هو من الطّيور القواطع إلى النّاس تقطع البلاد البعيدة رغبة في القرب منهم.

و في«حياة الحيوان»:إنّ آدم عليه السّلام لمّا أخرج من الجنّة يشتكي الوحشة فأنّسه بالخطاطيف،و ألزمها البيوت،فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم.قال:و معها أربع آيات من كتاب للّه لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ الحشر:21 إلى آخر السّورة،و تمدّ أصواتها بقول:«العزيز الحكيم»

و في الحديث:«تسبيح الخطّاف قراءة الحمد».

و عن كعب الأحبار«الخطّاف يقول:قدّموا خيرا تجدوه».

و الخطّاف أيضا شبيه الكلاّب من حديد؛و الجمع:

خطاطيف.

و الخطّاف بفتح الخاء المعجمة و تشديد الطّاء:اسم سمكة في البحر.

و خاطف ظلّه:طائر،يقال له:البرقراق،إذا رأى ظلّه في الماء أقبل ليخطفه.(5:47)

مجمع اللّغة :خطف الشّيء يخطفه خطفا:أخذه في سرعة.

و الخطفة:المرّة من الخطف.

و تخطّف الشّيء:مثل خطفه في المعنى،مع ما يفيد التّفعّل و الافتعال من القوّة و التّكرار.(1:343)

العدنانيّ: الخطّاف:الطّائر الأنيس الّذي يسمّى زوّار الهند،و الّذي تسمّيه العامّة عصفور الجنّة، و الشّبيه بالسّنونو أو هو السّنونو،كما قال المدّ و الوسيط:يسمّونه«الخطّاف»اعتمادا على قول محيط المحيط،و الصّواب هو:الخطّاف.

جاء في«النّهاية»:و في حديث ابن مسعود:«لأن أكون نفضت يديّ من قبور بنيّ،أحبّ إليّ من أن يقع منّي بيض الخطّاف،فينكسر»الخطّاف:الطّائر المعروف،قال ذلك شفقة و رحمة.

و ممّن ذكر«الخطّاف»أيضا،بضمّ خائه:الجامع الكرمانيّ و الصّحاح،و ابن سيده،و المغرب و المختار، و اللّسان،و كتاب حياة الحيوان الكبرى للدّميريّ، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و يجمع الخطّاف على:خطاطيف.

و قد تكون كلمة«الخطّاف»:جمع خاطف.

(195)

خطف اللّصّ الحقيبة.

و يخطّئون من يقول:خطف اللّصّ الحقيبة، و يقولون:إنّ الصّواب هو:خطف يخطف،و الحقيقة هي أنّ كلا الفعلين جائز،و لكنّ المعاجم تقول:إنّ خطف يخطف جائزة،و هي لغة قليلة رديئة.مع أنّ الأخفش قد حكاها،و مع أنّ يونس و أبا رجاء و يحيي ابن وثّاب،و مجاهدا قرءوا بها قوله تعالى في سورة البقرة الآية:20 (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) بكسر الطّاء.

أمّا جميع المصاحف الّتي بين أيدينا،فتكتب الفعل خطف يخطف،كما جاء في الآية العشرين من سورة

ص: 470

البقرة،و كما جاء في الآية العاشرة من سورة الصّافّات،حيث يقول تعالى: إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ.

و هذا يرينا أنّ خطف يخطف جائزة،لكنّها ضعيفة.(معجم الأخطاء الشّائعة:80)

محمود شيت:أ:خطف الهدف خطفا:صوّب عليه بسرعة و رماه.

و يقال:رمي الخطف:الرّمي المصوّب بسرعة.

و التّدريب على رمي الخطف:نوع من التّدريب العسكريّ.

ب:الخاطف:الجنديّ الّذي يصوّب بسرعة.

ج:الخطّافة:و هم جماعة من الجنود المدرّبين تدريبا ممتازا على رمي الخطف.(1:220)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الجذب و الأخذ دفعة،و يعبّر عنه بالفارسيّة بكلمة «ربودن»و الاجتذاب بسرعة،و الاستلاب في خفّة، و الاختلاس بسرعة:مفاهيم قريبة من الأصل.

و بهذا يظهر تطبيقه على المصاديق المذكورة،فإنّه ملحوظ في جميعها.

و الفرق بين الخطف و الاختطاف و التّخطّف،هو اختلاف الصّيغ،فإنّ«الافتعال»يدلّ على مطاوعة المجرّد،و«التّفعّل»يدلّ على مطاوعة«التّفعيل» و الملحوظ في المجرّد هو النّسبة،و في«التّفعيل»هو النّسبة وجهة الوقوع إلى المفعول،و المطاوعة هو الموافقة و الإطاعة من دون إباء و عصيان و تمرّد.

(3:87)

النّصوص التّفسيريّة

خطف

إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ.

الصّافّات:10

ابن عبّاس: إلاّ من اختلس خلسة،و استمع استماعا إلى كلام الملائكة.(374)

سعيد بن جبير: إلاّ من استرق السّمع.

(الماورديّ 5:39)

زيد بن عليّ: معناه استلب.(341)

الطّبريّ: يقول:إلاّ من استرق السّمع منهم.

(10:474)

الزّجّاج: (خطف)بفتح الطّاء و كسرها،يقال:

خطفت أخطف،و خطفت أخطف إذا أخذت الشّيء بسرعة.و يجوز:(الاّ من خطّف)بتشديد الطّاء و فتح الخاء،و يجوز(خطّف)بكسر الخاء و فتح الطّاء، و المعنى«اختطف»فأدغمت التّاء في الطّاء،و سقطت الألف لحركة الخاء.فمن فتح الخاء ألقى عليها فتحة التّاء الّتي كانت في«اختطف»،و من كسر فلسكونها و سكون الطّاء.فأمّا من روى(خطف الخطفة) بكسر الخاء و الطّاء فلا وجه له إلاّ وجها ضعيفا جدّا يكون على اتباع الطّاء كسر الخاء.(4:299)

نحوه القرطبيّ(15:67)،و ابن الجوزيّ(7:48).

القمّيّ: يعني يسمعون الكلمة فيحفظونها.

(2:221)

الرّمّانيّ: من وثب الوثبة.(الماورديّ 5:39)

الثّعلبيّ: مسارق فسمع الكلمة.(8:140)

ص: 471

الطّوسيّ: أي استلب السّماع استلابا، و اَلْخَطْفَةَ :الاستلاب بسرعة.(8:484)

الواحديّ: اختلس الكلمة من كلام الملائكة مسارقة.(3:522)

مثله البغويّ.(4:27)

الميبديّ: أي إلاّ مسترق يختطف كلمة من لسان ملك مسارقة،فيزيد فيها أكاذيب.(8:260)

الزّمخشريّ: و قرئ: (خطّف) بكسر الخاء و الطّاء و تشديدها و (خطّف) بفتح الخاء و كسر الطّاء و تشديدها و أصلها:اختطف.(3:336)

ابن عطيّة: إلاّ من شدّ فخطف خبرا و نبأ.

(4:467)

الطّبرسيّ: إلاّ من وثب الوثبة إلى قريب من السّماء،فاختلس خلسة من الملائكة،و استلب استلابا بسرعة.(4:439)

العكبريّ: اَلْخَطْفَةَ :مصدر،و الألف و اللاّم فيه للجنس،أو للمعهود منهم.(2:1088)

ابن عربيّ: في الاستراق:فموّه كلامه بهيئة جليّة، و أوهم الحقّ بصورة نوريّة،استفادها من كلمة حقّة ملكيّة.(2:337)

البيضاويّ: الخطف:الاختلاس،و المراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة و لذلك عرّف اَلْخَطْفَةَ.

و قرئ (خطّف) بالتّشديد مفتوح الخاء و مكسورها،و أصله:اختطف.(2:289)

نحوه النّسفيّ(4:17)،و أبو السّعود(5:321)، و الكاشانيّ(4:265)،و المشهديّ(8:448)،و شبّر (5:244).

ابن جزيّ: (من)في موضع رفع بدل من الضّمير في قوله: لا يَسَّمَّعُونَ الصّافّات:8،و المعنى لا تسمع الشّياطين أخبار السّماء إلاّ الشّيطان الّذي خطف الخطفة.(3:169)

نحوه أبو حيّان.(7:353)

السّمين:فيه وجهان:

أحدهما:أنّه مرفوع المحلّ بدلا من ضمير لا يَسَّمَّعُونَ الصّافّات:8،و هو أحسن؛لأنّه غير موجب.

و الثّاني:أنّه منصوب على أصل الاستثناء،و المعنى أنّ الشّياطين لا يسّمّعون الملائكة إلاّ من خطف.

قلت:و يجوز أن تكون(من)شرطيّة،و جوابها (فاتبعه)،أو موصولة و خبرها(فاتبعه)و هو استثناء منقطع.و قد نصّوا على أنّ مثل هذه الجملة تكون استثناء منقطعا،كقوله: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلاّ مَنْ تَوَلّى وَ كَفَرَ الغاشية:22،و اَلْخَطْفَةَ :

مصدر معرّف بال الجنسيّة أو العهديّة.

و قرأ العامّة (خطف) بفتح الخاء و كسر الطّاء مخفّفة،و قتادة و الحسن بكسرهما و تشديد الطّاء، و هي لغة تميم بن مرّ و بكر بن وائل.و عنهما أيضا و عن عيسى بفتح الخاء و كسر الطّاء مشدّدة.و عن الحسن أيضا خطف كالعامّة.

و أصل القراءتين:اختطف،فلمّا أريد الإدغام سكّنت التّاء و قبلها الخاء ساكنة،فانكسرت الخاء

ص: 472

لالتقاء السّاكنين،ثمّ كسرت الطّاء إتباعا لحركة الخاء.

و هذه واضحة.

و أمّا الثّانية فمشكلة جدّا؛لأنّ كسر الطّاء إنّما كان لكسر الخاء و هو مفقود.و قد وجّه على التّوهّم، و ذلك أنّهم لمّا أرادوا الإدغام نقلوا حركة التّاء إلى الخاء ففتحت،و هم يتوهّمون أنّها مكسورة لالتقاء السّاكنين-كما تقدّم تقريره-فأتبعوا الطّاء لحركة الخاء المتوهّمة.و إذا كانوا قد فعلوا ذلك في مقتضيات الإعراب،فلأن يفعلوه في غيره أولى.و بالجملة فهو تعليل شذوذ.

و قرأ ابن عبّاس (خطف) بكسر الخاء و الطّاء خفيفة،و هو إتباع كقولهم:«نعم»بكسر النّون و العين.(5:496)

نحوه ملخّصا الشّربينيّ(3:371)،و الآلوسيّ (23:71).

ابن كثير :أي إلاّ من اختطف من الشّياطين، اَلْخَطْفَةَ و هي الكلمة يسمعها من السّماء فيلقيها إلى الّذي تحته و يلقيها الآخر إلى الّذي تحته،فربّما أدركه الشّهاب قبل أن يلقيها،و ربما ألقاها بقدر اللّه تعالى قبل أن يأتيه الشّهاب فيحرقه،فيذهب بها الآخر إلى الكاهن-كما تقدّم في الحديث-و لهذا قال:

إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ أي مستنير.(6:5)

البروسويّ: استثناء من واو لا يَسَّمَّعُونَ الصّافّات:8،و(من)بدل منه.و الخطف:الاختلاس بسرعة،و المراد:اختلاس الكلام،أي كلام الملائكة مسارقة،كما يعرب عنه تعريف اَلْخَطْفَةَ، أي لا يسمع جماعة الشّياطين إلاّ الشّيطان الّذي خطف، أي اختلس الخطفة،أي المرّة الواحدة،يعني كلمة واحدة من كلام الملائكة.(7:449)

المراغيّ: أي إلاّ من لاحت له بارقة من ذلك الجمال،و عنّت له سانحة منه،فتخطّفت بصيرته كالشّهاب الثّاقب فحنّ إلى مثلها،و صبت نفسه إلى أختها،و هام بذلك الملكوت العظيم،باحثا عن سرّ عظمته،و معرفة كنه جماله،و هم من اصطفاهم اللّه من عباده،و آتاهم الحكمة من لدنه،و أيّدهم بروح من عنده،و هم أنبياؤه و أولياؤه الّذين أنعم عليهم من الصّدّيقين و الشّهداء و الصّالحين.

و الخلاصة:إنّ الدّنيا بيت فرشه الأرض،و سقفه السّماء،و سراجه الكوكب،و البيوت الرّفيعة العماد، العظيمة البناء كما تزيّن بالأنوار تزيّن بالنّقوش الّتي تكسبها لآلاء و بهجة في عيون النّاظرين.و لكن لن يصل إلى إدراك تلك المحاسن إلاّ الملائكة الصّافّون، و الأنبياء و العلماء المخلصون.أمّا الجهّال و الشّياطين المتمرّدون من الجنّ و الإنس فأولئك عن معرفة محاسنها غافلون،فلقد يعيش المرء منهم و يموت و هو لاه عن درك هذا الجمال،إذ لا ينال العلم إلاّ عاشقوه، و قد تبدو لهم أحيانا بارقة من محاسن هذا الجمال، فتخطف بصائرهم كالشّهاب الثّاقب،فيخطفون منها خطفة يتبعها قبس من ذلك النّور يضيء قلوبهم، و ينير ألبابهم،فيكونون ممّن كتب اللّه لهم السّعادة، و قيّض لهم التّوفيق و الهداية،و ممّن اصطفاهم ربّهم

ص: 473

برضوانه،و الفوز بنعيمه.(23:44)

ابن عاشور : مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ مستثنى من ضمير لا يَسَّمَّعُونَ الصّافّات:8،فهو في محل رفع على البدليّة منه.

و الخطف:ابتدار تناول شيء بسرعة،و اَلْخَطْفَةَ المرّة منه.فهو مفعول مطلق خَطِفَ لبيان عدد مرّات المصدر،أي خطفة واحدة،و هو هنا مستعار للإسراع بسمع ما يستطيعون سمعه من كلام غير تامّ، كقوله تعالى: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ البقرة:

20.(23:15)

الطّباطبائيّ: و المراد ب اَلْخَطْفَةَ اختلاس السّمع و قد عبّر عنه في موضع آخر باستراق السّمع قال تعالى: إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ الحجر:18.و الاستثناء من ضمير الفاعل في قوله:

لا يَسَّمَّعُونَ الصّافّات:8،و جوّز بعضهم كون الاستثناء منقطعا.(17:124)

المصطفويّ: التّعبير في الآيتين الكريمتين بالتّخطّف إشارة إلى جعلهم ذوي قدرة و اختيار، و أنّهم يخطفون بالاختيار و الحرّيّة من دون مانع و إباء. إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ...، أي من أخذ و استرق كلمات و مطالب ناقصة بسرعة و خفية من الملإ الأعلى،ثمّ يتبعه شهاب ثاقب معنويّ.و يجعل ما استرقه و أخذه باطلا و منمحيا و زائلا،فيطردون و يصيرون مدحورين.

و تدلّ الآية الكريمة على أنّ الشّيطان و كلّ روح شيطانيّ من إنس و جنّ،فهو مدحور و محروم عن الاطّلاع على المعارف و القضايا و الأحكام الغيبيّة الّتي هي من وراء عالم المادّة و خارجة عن السّماء الدّنيا إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا... الصّافّات:6، فالشّياطين كما أنّهم مدحورون عن السّماء الدّنيا بواسطة وجود نظم في حركات الكواكب و القوى الجاذبة و الدّافعة بينها،كذلك مدحورون عن استماع المطالب من الملإ الأعلى.(3:87)

عبد الكريم الخطيب :هو استثناء من الفاعل في قوله تعالى: لا يَسَّمَّعُونَ، أي إنّ هؤلاء الشّياطين لا يسّمّعون إلى الملإ الأعلى إلاّ خطفا من بعضهم،ممّن يلقي بنفسه منهم في سبيل ذلك إلى التّهلكة،حيث يرمى بشهاب راصد لكلّ من حام حول هذا الحمى.

(12:965)

مكارم الشّيرازيّ: أي اختلاس الشّيء بسرعة.(14:262)

فضل اللّه :فمرّ مرورا سريعا خاطفا بطريقة الاختلاس.(19:178)

يخطف

يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. البقرة:20

ابن عبّاس: يذهب بأبصار الكافرين،كذلك البيان أراد أن يذهب بأبصار ضلالتهم.(5)

يلتمع (1)أبصارهم و لمّا يفعل.(الطّبريّ 1:193)

ص: 474


1- يختلس..يقال:يلتمع الشّيء:يختلسه.

الطّبريّ: يعني يذهب بها و يستلبها و يلتمعها من شدّة ضيائه و نور شعاعه.

و الخطف:السّلب،و منه الخبر الّذي روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه نهى عن الخطفة»يعني بها النّهبة.و منه قيل:للخطّاف الّذي يخرج به الدّلو من البئر:خطّاف، لاختطافه و استلابه ما علق به.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:193)

نحوه الطّوسيّ.(1:96)

ابن قتيبة :يذهب بها.و أصل الاختطاف:

الاستلاب،و يقال:اختطف الذّئب الشّاة من الغنم.

و منه يقال:لما يخرج به الدّلو،لأنّه يختطف ما علق به.

[ثمّ استشهد بشعر](42)

القمّيّ: أي يعمي.(1:34)

الثّعلبيّ: أي يخطفها و يشغلها،و منه الخطّاف.

و قرأ أبيّ (يتخطّف) ،و قرأ ابن أبي إسحاق:نصب الخاء و التّشديد (يخطّف) فأدغم.و قرأ الحسن:كسر الخاء و الطّاء مع التّشديد أتبع الكسرة الكسرة.

و قرأ العامّة:التّخفيف لقوله: فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ الحجّ:31.و قوله: إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ الصّافّات:

10.(1:164)

نحوه ابن الجوزيّ(1:45)،و البيضاويّ(1:30)، و الزّمخشريّ(1:219)،و أبو السّعود(1:75)، و الميبديّ(1:92).

الماورديّ: معناه يستلّها بسرعة.(1:83)

نحوه البغويّ(1:92)،و الخازن(1:32).

الواحديّ: الخطف:أخذ باستلاب،يقال:خطف يخطف خطفا،و منه الخطّاف.و هذه الآية من تمام التّمثيل،و المعنى يكاد ما في القرآن من الحجج النّيّرة يخطف قلوبهم،من شدّة إزعاجها إلى النّظر في أمر دينهم.(1:97)

نحوه الطّبرسيّ.(1:58)

ابن عطيّة: الخطف:الانتزاع بسرعة.

و اختلفت القراءة في هذه اللّفظة،فقرأ جمهور النّاس (يخطف ابصارهم) بفتح الياء و الطّاء و سكون الخاء على قولهم في«الماضي»«خطف»بكسر الطّاء و هي أفصح لغات العرب و هي القرشيّة.

و قرأ عليّ بن الحسين و يحيى بن وثّاب (يخطف) بفتح الياء و سكون الخاء و كسر الطّاء على قول بعض العرب في الماضي«خطف»بفتح الطّاء.و نسب المهدويّ هذه القراءة إلى الحسن و أبي رجاء؛و ذلك و هم.

و قرأ الحسن و أبو رجاء و عاصم الجحدريّ و قتادة : (يخطّف) بفتح الياء و كسر الخاء و الطّاء و تشديد الطّاء،و هذه أصلها«يختطف»أدغمت التّاء في الطّاء، و كسرت الخاء لالتقاء السّاكنين.

و حكى ابن مجاهد قراءة لم ينسبها إلى أحد (يخطّف) بفتح الياء و الخاء و تشديد الطّاء المكسورة، قال أبو الفتح:«أصلها:يختطف نقلت حركة التّاء إلى الخاء و أدغمت التّاء في الطّاء».

و حكى أبو عمرو الدّاني عن الحسن أيضا أنّه قرأ:

(يخطّف) بفتح الياء و الخاء و الطّاء و شدّها.

و روي أيضا عن الحسن و الأعمش (يخطّف)

ص: 475

بكسر الثّلاثة و شدّ الطّاء منها.و هذه أيضا أصلها «يختطف»أدغم و كسرت الخاء للالتقاء،و كسرت الياء إتباعا.

و قال عبد الوارث:رأيتها في مصحف أبيّ بن كعب (يتخطّف) بالتّاء بين الياء و الخاء.

و قال الفرّاء:«قرأ بعض أهل المدينة بفتح الياء و سكون الخاء و شدّ الطّاء مكسورة».

قال أبو الفتح:«إنّما هو اختلاس و إخفاء، فيلطف عندهم فيرون أنّه إدغام و ذلك لا يجوز».لأنّه جمع بين ساكنين دون عذر.

و حكى الفرّاء:قراءة عن بعض النّاس بضمّ الياء و فتح الخاء و شدّ الطّاء مكسورة.كأنّه تشديد مبالغة لا تشديد تعدية.(1:103)

نحوه السّمين.(1:141)

العكبريّ: موضع يَخْطَفُ نصب،لأنّه خبر«كاد»،و المعنى قارب البرق خطف الأبصار.[ثمّ نقل القراءات كما تقدّم عن ابن عطيّة](1:36)

القرطبيّ: الخطف:الأخذ بسرعة،و منه سمّي الطّير خطّافا لسرعته.

فمن جعل القرآن مثلا للتّخويف،فالمعنى أنّ خوفهم ممّا ينزل بهم يكاد يذهب أبصارهم.

و من جعله مثلا للبيان الّذي في القرآن،فالمعنى أنّهم جاءهم من البيان ما بهرهم.[ثمّ ذكر أقوال اللّغويّين](1:222)

نحوه ملخّصا الشّوكانيّ.(1:63)

النّيسابوريّ: الخطف:الأخذ بسرعة.(1:187)

نحوه الشّربينيّ.(1:29)

مثله ابن عاشور(1:316)،و أبو حيّان(1:88).

البروسويّ: أي يختلسها و يستلبها بسرعة،من شدّة ضوئه.(1:71)

نحوه المراغيّ.(1:61)

الآلوسيّ: إسناد الخطف و هو في الأصل:الأخذ بسرعة أو الاستلاب إليه،من باب إسناد الإحراق إلى النّار.[ثمّ نقل القراءات نحو ما تقدّم عن ابن عطيّة]

(1:175)

فضل اللّه :و يستلبها لشدّة لمعانه.و لكنّهم ينطلقون ليهتدوا به في الظّلام الكثيف الدّامس.

(1:164)

فتخطفه

حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ. الحجّ:31

ابن عبّاس: فتأخذه الطّير،و تذهب به حيث يشاء.(280)

يريد تخطف لحمه.(الطّبرسيّ 4:83)

الفرّاء: و قوله: فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ... ممّا ردّ من «يفعل»على«فعل».و لو نصبتها فقلت:(فتخطفه الطّير)كان وجها.و العرب قد تجيب ب«كأنّما» و ذلك أنّها في مذهب«يخيّل إليّ و أظنّ»فكأنّها مردودة على تأويل(انّ)أ لا ترى أنّك تقول:يخيّل إليّ أن تذهب فأذهب معك.و إن شئت جعلت في(كانّما) تأويل جحد؛كأنّك قلت:كأنّك عربيّ فتكرم،

ص: 476

و التّأويل:لست بعربيّ فتكرم.(2:225)

الزّجّاج: و يقرأ: فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ و (فتخطّفه) ، و قرأ الحسن (فتخطّفه) بكسر التّاء و الخاء و الطّاء.

فمن قرأ فَتَخْطَفُهُ بالتّخفيف،فهو من خطف يخطف،و الخطف:الأخذ بسرعة.و من قرأ (فتخطّفه) -بكسر الطّاء،و التّشديد-فالأصل:فتختطفه،فأدغم التّاء في الطّاء،و ألقي حركة التّاء على الخاء ففتحها.

و من قال بكسر الخاء و الطّاء،كسر الخاء لسكونها و سكون الطّاء.و من كسر التّاء و الخاء و الطّاء-و هي قراءة الحسن-فهو على أنّ الأصل:تختطفه.

(3:425)

نحوه أبو زرعة(476)،و القيسيّ(2:98)،و الميبديّ (6:366)،و الزّمخشريّ(3:12)،و ابن عطيّة(4:

120)،و ابن الجوزيّ(5:429).

الثّعلبيّ: الخطف و الاختطاف:تناول الشّيء بسرعة،و قرأ أهل المدينة (فتخطّفه) بفتح الخاء و تشديد الطّاء،أي تتخطّفه،فأدغم،و تصديق قراءة العامّة قوله تعالى: إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ الصّافّات:10.

(7:21)

الطّوسيّ: أي تتناوله بسرعة و تستلبه، و الاختطاف و الاستلاب واحد.يقال:خطفه يخطفه خطفا،و تخطّفه تخطّفا،إذا أخذه من كلّ جهة بسرعة.

[ثمّ قال نحو الزّجّاج](7:313)

الواحديّ: أي تأخذه بسرعة،من قولهم:خطف يخطف خطفا،إذا سلبه.(3:270)

نحوه الطّبرسيّ(4:83)،و النّسفيّ(3:101).

ابن عربيّ: فَتَخْطَفُهُ طير الدّواعي النّفسانيّة، و الأهواء الشّيطانيّة،فتمزّقه قطعا جذاذا. أَوْ تَهْوِي بِهِ ريح هوى النّفس فِي مَكانٍ بعيد من الحقّ، و مهلكة عمياء متلفة.(2:104)

القرطبيّ: أي تقطعه بمخالبها.و قيل:هذا عند خروج روحه و صعود الملائكة بها إلى سماء الدّنيا، فلا يفتح لها،فيرمى بها إلى الأرض.(12:55)

البيضاويّ: فإنّ الأهواء الرّديئة توزّع أفكاره.

و قرأ نافع بفتح الخاء و تشديد الطّاء.(2:91)

مثله المشهديّ(6:91)،و نحوه أبو السّعود(4:

380).

الخازن :يعني تسلبه و تذهب.(5:13)

نحوه طنطاوي.(11:29)

أبو حيّان :[نقل جميع القراءات المعروفة و الشّاذّة فلاحظ](6:366)

البروسويّ: الخطف:الاختلاس بالسّرعة، و صيغة المضارع لتصوير هذه الحالة الهائلة الّتي اجترأ عليها المشرك للسّامعين.(6:31)

شبّر:تأخذه بسرعة،فترفعه قطعا في حواصلها.

و شدّده نافع.(4:241)

الآلوسيّ: فإنّ الأهواء المردية توزّع أفكاره.

و في ذلك تشبيه الأفكار الموزّعة بخطف جوارح الطّير، و هو مأخوذ من قوله تعالى: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ الزّمر:29،و أصل الخطف:الاختلاس بسرعة.[ثمّ ذكر نحو الزّجّاج و أضاف:]

ص: 477

و في إيثار المضارع إشعار باستحضار تلك الحالة العجيبة في مشاهدة المخاطب تعجيبا له.و جوّز أبو البقاء أن يكون الكلام بتقدير:فهو يخطفه و العطف من عطف الجملة على الجملة.(17:149)

المراغيّ: ففرّقت أجزاءه في حواصلها إربا إربا أو عصفت به الرّيح فهوت به في المهاوي البعيدة الّتي لا رجعة له منها.(17:110)

سيّد قطب :و الملحوظ هو سرعة الحركة مع عنفها و تعاقب خطواتها في اللّفظ بالفاء و في المنظر بسرعة الاختفاء،على طريقة القرآن الكريم في التّعبير بالتّصوير.

و هي صورة صادقة لحال من يشرك باللّه،فيهوي من أفق الإيمان السّامق إلى حيث الفناء و الانطواء،إذ يفقد القاعدة الثّابتة الّتي يطمئنّ إليها.قاعدة التّوحيد و يفقد المستقرّ الآمن الّذي يثوب إليه، فتتخطّفه الأهواء تخطّف الجوارح،و تتقاذفه الأوهام تقاذف الرّياح.و هو لا يمسك بالعروة الوثقى، و لا يستقرّ على القاعدة الثّابتة الّتي تربطه بهذا الوجود الّذي يعيش فيه.(4:2421)

ابن عاشور :(فتخطّفه)مضاعف«خطف» للمبالغة.الخطف و التّخطّف:أخذ شيء بسرعة،سواء كان في الأرض أم كان في الجوّ،و منه تخطّف الكرة.(17:185)

فضل اللّه :لتذهب به حيث تشاء،فتطرحه في الأرض،أو تأكله،أو تمزّقه و تتركه للرّياح،فلا يملك أن يستقرّ من موقع إراديّ.(16:65)

يتخطّفكم

وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ فَآواكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. الأنفال:26

ابن عبّاس: أن يطردكم أهل مكّة أو يأسروكم.

(147)

الثّعلبيّ: يذهب بكم، اَلنّاسُ كفّار مكّة.

(4:345)

نحوه البغويّ.(2:284)

الواحديّ: يستلبكم المشركون من العرب.

(2:453)

نحوه الطّبرسيّ(2:535)،و النّيسابوريّ(9:143)

الفخر الرّازيّ: المعنى أنّهم كانوا إذا أخرجوا من بلدهم خافوا أن يتخطّفهم العرب،لأنّهم كانوا يخافون من مشركي العرب،لقربهم منهم و شدّة عداوتهم لهم.

(15:150)

أبو حيّان :نزلت عقب بدر،فقيل:خطاب للمهاجرين خاصّة،كانوا بمكّة قليلي العدد مقهورين فيها،يخافون أن يسلبهم المشركون.(4:485)

الشّربينيّ: أي تأخذكم الكفّار بسرعة،كما تتخطّف الجوارح الصّيد.(1:565)

البروسويّ: التّخطّف:الأخذ و الاستلاب بسرعة،و هم كانوا يخافون أن يخرجوا من مكّة حذرا من أن يستلبهم كفّار قريش و يذهبوا بهم.(3:334)

الآلوسيّ: و التّخطّف كالخطف:الأخذ بسرعة، و فسّر هنا باستلاب،أي و اذكروا حالكم وقت قلّتكم

ص: 478

و ذلّتكم و هوانكم على النّاس،و خوفكم من اختطافكم،أو و اذكروا ذلك الوقت.(9:195)

رشيد رضا :أي تخافون من أوّل الإسلام إلى وقت الهجرة أن يتخطّفكم مشركو قومكم من قريش و غيرها من العرب،أي أن ينتزعوكم بسرعة فيفتكوا بكم،كما كان يتخطّف بعضهم بعضا خارج الحرم، و تتخطّفهم الأمم من أطراف جزيرتهم.قال تعالى في أهل الحرم: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ العنكبوت:67.(9:639)

مثله المراغيّ.(9:190)

ابن عاشور :و التّخطّف شدّة الخطف،و الخطف:

الأخذ بسرعة،و قد تقدّم عند قوله تعالى: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ البقرة:20.

و هو هنا مستعار للغلبة السّريعة،لأنّ الغلبة شبه الأخذ،فإذا كانت سريعة أشبهت الخطف،قال تعالى:

وَ يُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ العنكبوت:67،أي يأخذكم أعداؤكم بدون كبرى مشقّة،و لا طول محاربة:إذ كنتم لقمة سائغة لهم،و كانوا أشدّ منكم قوّة، لو لا أنّ اللّه صرفهم عنكم.

و قد كان المؤمنون خائفين في مكّة،و كانوا خائفين في طرق هجرتيهم،و كانوا خائفين يوم بدر، حتّى أذاقهم اللّه نعمة الأمن من بعد النّصر يوم بدر.

(9:74)

مكارم الشّيرازيّ: هذه عبارة لطيفة تشير إلى الضّعف و قلّة العدد الّتي كان عليها المسلمون في ذلك الزّمن،و كأنّهم كانوا شيئا صغيرا معلّقا في الهواء:بحيث يمكن للأعداء أخذه متى أرادوا،و هي إشارة لحال المسلمين في مكّة قبل الهجرة قبال المشركين الأقوياء.

أو إشارة لحال المسلمين في المدينة بعد الهجرة في مقابل القوى الكبرى كالفرس و الرّوم.(5:364)

فضل اللّه :في ما يمثّل ضعفكم في العدّة و العدد، بحيث كنتم عرضة للاختطاف في ما يمثّله ذلك من ذلّ و مهانة و استضعاف.

و لكنّ هذا الواقع قد تبدّل إلى واقع جديد بعد الهجرة،فقد أعطاكم اللّه القوّة من خلال دينه،و هيّأ لكم الأرض الطّيّبة الّتي استقبلتكم بكلّ محبّة و إيمان.

(10:359)

يتخطّف

أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللّهِ يَكْفُرُونَ.

العنكبوت:67

ابن عبّاس: يطردهم و يذهب بهم عدّوهم، فلا يدخل عليهم في الحرم.(338)

إنّهم قالوا:يا محمّد ما يمنعنا أن ندخل في دينك إلاّ مخافة أن يتخطّفنا النّاس لقلّتنا،و العرب أكثر منّا، فمتى بلغهم أنّا قد دخلنا في دينك اختطفنا فكنّا أكلة رأس.(الدّرّ المنثور 6:477)

الضّحّاك: يقتل بعضهم بعضا،و يسبي بعضهم بعضا،فأذكرهم اللّه بهذه النّعمة ليذعنوا له بالطّاعة.

(الماورديّ 4:295)

قتادة :كان لهم في ذلك آية أنّ النّاس يغزون

ص: 479

و يتخطّفون و هم آمنون.(10:160)

الطّبريّ: يقول:و تسلب النّاس من حولهم قتلا و سباء.(10:160)

نحوه النّسفي.(3:246)

الواحديّ: يعني العرب يسبي بعضهم بعضا،و أهل مكّة آمنون.(3:426)

مثله ابن الجوزيّ(6:285)و نحوه البغويّ(3:

568)و الخازن(5:166).

الميبديّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و قيل:إنّ أهل مكّة كانوا غير آمنين قبل خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فلمّا خرج آمنهم اللّه من الخوف، و أطعمهم من الجوع،و ذلك قوله: اَلَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قريش:4،أي لا أحد فعل ذلك غير اللّه،فكيف يكفرون نعمتي الّتي هي حقّ و يصدّقون الباطل،فيجعلون الأوثان آلهة؟!(7:414)

الطّبرسيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

ذكّرهم سبحانه النّعمة بذلك،ليذعنوا له بالطّاعة، و ينزجروا عن عبادة غيره.(4:293)

القرطبيّ: أي جعلت لهم حرما آمنا آمنوا فيه من السّبي و الغارة و القتل و خلّصتهم في البرّ كما خلّصتهم في البحر،فصاروا يشركون في البرّ و لا يشركون في البحر،فهذا تعجّب من تناقض أحوالهم.(13:364)

البيضاويّ: يختلسون قتلا و سبيا؛إذ كانت العرب في تغاور و تناهب.(2:215)

نحوه أبو السّعود(5:161)،و الكاشانيّ(4:

123)،و المشهديّ(7:552)،و البروسويّ(6:495) ،و شبّر(5:74)،و القاسميّ(13:4763).

ابن جزيّ: عبارة عمّا يصيب غير أهل مكّة من القتال،أو أخذ الأموال.(3:119)

ابن كثير :و من دخله كان آمنا،فهم في أمن عظيم، و الأعراب حوله ينهب بعضهم بعضا،و يقتل بعضهم بعضا.(5:339)

الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و الظّاهر أنّ الجملة حاليّة بتقدير مبتدإ،أي و هم يتخطّف.(21:14)

المراغيّ: أي أ و لم ير هؤلاء المشركون من قريش ما خصّصناهم به من النّعمة دون سائر عبادنا، فأسكنّاهم بلدا حرّمنا على النّاس أن يدخلوه لغارة أو حرب،و آمنا من سكنه من القتل و السّبي،و النّاس من حولهم يقتلون و يسبون في كلّ حين،فيشكرونا على ذلك،و يزدجروا عن كفرهم بنا،و إشراكهم ما لا ينفعهم و لا يضرّهم.(21:22)

سيّد قطب :و لقد كان أهل الحرم المكّيّ يعيشون في أمن،يعظّمهم النّاس من أجل بيت اللّه،و من حولهم القبائل تتناحر،و يفزع بعضهم بعضا،فلا يجدون الأمان إلاّ في ظلّ البيت الّذي آمنهم اللّه به و فيه.فكان عجيبا أن يجعلوا من بيت اللّه مسرحا للأصنام،و لعبادة غير اللّه أيّا كان.(5:2752)

نحوه عزّة دروزه.(7:34)

ابن عاشور :و قد كان أهل مكّة في بحبوحة من الأمن،و كان غيرهم من القبائل حول مكّة و ما بعد منها يغزو بعضهم بعضا،و يتغاورون و يتناهبون،

ص: 480

و أهل مكّة آمنون لا يعدو عليهم أحد مع قلّتهم، فذكّرهم اللّه هذه النّعمة عليهم.(20:204)

الطّباطبائيّ: و التّخطّف كالخطف:استلاب الشّيء بسرعة و اختلاسه.و قد كانت العرب يومئذ تعيش في التّغاور و التّناهب،و لا يزالون يغير بعضهم على بعض بالقتل و السّبي و النّهب،لكنّهم يحترمون الحرم،و لا يتعرّضون لمن أقام بها فيها.(16:150)

مكارم الشّيرازيّ: فاللّه المقتدر على أن يجعل في هذا البحر-المتلاطم و الطّوفان المحدق بأرض الحجاز من الفتن-حرم مكّة،كالجزيرة الهادئة الآمنة وسط البحر.كيف لا يمكنه أن يحفظهم من أعدائهم؟! و كيف يخافون النّاس الضّعاف قبال قدرة اللّه العظيمة جلّ و علا؟(12:414)

فضل اللّه :في ما كان يعيشه العرب من حالة استلاب و خطف في أوضاع الغزو الّتي يغير فيها بعضهم على بعض بالقتل و السّلب و النّهب و السّبي، بحيث لا يشعر أحد بالأمن في مكانه.فكيف يغفلون عن هذه النّعمة العظيمة الّتي كانت هبة من اللّه، استجابة لدعاء نبيّه إبراهيم عليه السّلام،و لا يشكرونها بالانفتاح على رسالة اللّه الّتي جاء بها محمد صلّى اللّه عليه و آله، ليخرجهم من الظّلمات إلى النّور؟!(18:88)

نتخطّف

وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. القصص:57

ابن عبّاس: نطرد.(328)

إنّ الحارث بن نوفل،الّذي قال: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى... و زعموا أنّهم قالوا:قد علمنا أنّك رسول اللّه،و لكنّا نخاف أن نتخطّف من أرضنا.

[و في رواية]هم أناس من قريش قالوا لمحمّد:إن نتّبعك يتخطّفنا النّاس(الطّبريّ 10:89)

ابن زيد :كان يغير بعضهم على بعض.

(الطّبريّ 10:89)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و قالت كفّار قريش:

إن نتّبع الحقّ الّذي جئتنا به معك،و نتبرّأ من الأنداد و الآلهة،يتخطّفنا النّاس من أرضنا،بإجماع جميعهم على خلافنا و حربنا.(10:89)

الزّجّاج: كانوا قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّا نعلم أنّ ما أتيت به حقّ،و لكنّا نكره-إن آمنّا بك-أن نقصد و نتخطّف من أرضنا،فأعلمهم اللّه أنّه قد تفضّل عليهم بأن آمنهم بمكّة،فأعلمهم أن قد آمنهم بحرمة البيت، و منع منهم العدوّ،أي فلو آمنوا لكان أولى بالتّمكّن و الأمن و السّلامة.(4:149)

الثّعلبيّ: الآية نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف،و ذلك أنّه قال للنّبيّ عليه السّلام:إنّا لنعلم أنّ الّذي تقول حقّ،و لكن يمنعنا اتّباعك أنّ العرب تتخطّفنا من أرضنا،لإجماعهم على خلافنا،و لا طاقة لنا بهم،فأنزل اللّه سبحانه وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا مكّة.(7:255)

نحوه الماورديّ(4:260)،و الطّوسيّ(8:164)، و البغويّ(3:539)،و الفخر الرّازيّ(25:3)،

ص: 481

و القرطبيّ(13:300)،و النّسفيّ(3:240)، و النّيسابوريّ(20:55)،و الخازن(5:148)،و ابن جزيّ(3:108)،أبو السّعود(5:130)،و البروسويّ (6:417).

القشيريّ: قالوا نخاف الأعراب على أنفسنا إن صدّقناك،و آمنّا بك،لإجماعهم على خلافنا و لا طاقة لنا بهم،فقال اللّه تعالى:«و كيف تخافونهم و ترون اللّه أظفركم على عدوّكم،و حكمنا بتعظيم بيتكم،و جعلنا مكّة تجبى إليها ثمرات كلّ شيء من أقطار الدّنيا؟»

و يقال من قام بحقّ اللّه سبحانه سخّر له الكون بجملته،و من اشتغل برعاية سرّه للّه،و قام بحقّ اللّه، و استفرغ أوقاته في عبادة اللّه مكّن من التّصرّف بهمّته في مملكة اللّه.فالخلق مسخّر له،و الوقت طوع أمره، و الحقّ سبحانه متولّ أيّامه و أعماله يحقّق ظنّه، و لا يضيّع حقّه.

أمّا الّذي لا يطيعه فيهلك في أودية ضلاله،و يتيه في مفازات خزيه،و يبوء بوزر هواه.(5:74)

الواحديّ: قال المفسّرون:قالت قريش لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:إن اتّبعناك على دينك خفنا العرب على أنفسنا أن يخرجونا من أرضنا مكّة إن تركنا ما يعبدون.و معنى التّخطّف:الانتزاع بسرعة.(3:404)

الطّبرسيّ: أي نستلبّ من أرضنا[ثمّ ذكر نحو الثّعلبيّ](4:260)

البيضاويّ: نخرج منها.[إلى أن قال:]

و نحن أكلة رأس أن يتخطّفونا من أرضنا.

(2:197)

نحوه أبو حيّان.(7:126)

السّمين:قوله: نُتَخَطَّفْ العامّة على الجزم جوابا للشّرط،و المنقريّ بالرّفع على حذف الفاء.

(5:349)

ابن كثير :يقول تعالى مخبرا عن اعتذار بعض الكفّار في عدم اتّباع الهدى؛حيث قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أي نخشى إن اتّبعنا ما جئت به من الهدى،و خالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين،أن يقصدونا بالأذى و المحاربة،و يتخطّفونا أينما كنّا.(5:291)

الشّربينيّ: أي من أيّ خاطف أرادنا،لأنّا نصير قليلا في كثير من غير نصير مِنْ أَرْضِنا كما تتخطّف العصافير،لمخالفة كافّة العرب لنا،و ليس لنا نسبة إلى كثرتهم و لا قوّتهم،فيسرعوا إلينا فيتخطّفونا، أي يقصدون خطفنا واحدا واحدا،فإنّه لا طاقة لنا على إدامة الاجتماع،و أن لا يشذّ بعضنا عن بعض.

(3:108)

الآلوسيّ: أي نخرج من بلادنا و مقرّنا.و أصل الخطف:الاختلاس بسرعة،فاستعير لما ذكر.[ثمّ ذكر نحو الثّعلبيّ](20:97)

نحوه المراغيّ.(20:73)

عزّة دروزة :بمعنى نصبح عرضة للعدوان،و نهبا للنّاهبين.(3:195)

ابن عاشور :و التّخطّف:مبالغة في الخطف،و هو انتزاع شيء بسرعة،و تقدّم في قوله تعالى: تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ في سورة الأنفال:26،و المراد:

ص: 482

يأسرنا الأعداء معهم إلى ديارهم.فردّ اللّه عليهم بأنّ قريشا مع قلّتهم عدّة أو عدّة أتاح اللّه لهم بلدا هو حرم آمن يكونون فيه آمنين من العدوّ،على كثرة قبائل العرب و اشتغالهم بالغارة على جيرتهم،و جبى إليهم ثمرات كثيرة قرونا طويلة،فلو اعتبروا لعلموا أنّ لهم منعة ربّانيّة و أنّ اللّه الّذي آمنهم في القرون الخالية يؤمنهم إن استجابوا للّه و رسوله.(20:81)

الطّباطبائيّ: التّخطّف:الاختلاس بسرعة، و قيل:الخطف و التّخطّف:الاستلاب من كلّ وجه، و كأنّ تخطّفهم من أرضهم استعارة أريد به القتل و السّبي و نهب الأموال،كأنّهم و ما يتعلّق بهم من أهل و مال يؤخذون،فتخلو منهم أرضهم.

و المراد بالأرض:أرض مكّة و الحرم،بدليل قوله بعد: أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً و القائل بعض مشركي مكّة.

و الجملة مسوقة للاعتذار عن الإيمان بأنّهم إن آمنوا تخطّفتهم العرب من أرضهم،أرض مكّة،لأنّهم مشركون لا يرضون بإيمانهم و رفض أوثانهم،فهو من قبيل إبداء المانع،ففيه اعتراف بحقّيّة أصل الدّعوة، و أنّ الكتاب بما يشتمل عليه حقّ،لكن خطر التّخطّف مانع من قبوله و الإيمان به،و لهذا عبّر بقوله: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ و لم يقل:إن نتّبع كتابك أو دينك،أو ما يقرب من ذلك.(16:60)

المصطفويّ: يراد:الأخذ و الجذب،و الاختلاس بسرعة.(3:87)

فضل اللّه :إنّهم يفكّرون الآن في مواقعهم،كموقع اقتصاديّ يحافظون على قوّته،و كموقع سياسيّ يعملون على الحفاظ على سلامته،و هذا ما يناقشه القرآن في هذا الفصل:

وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا هذه هي الحجّة الّتي خرجوا بها بعد أن أبطل القرآن في آياته،و النّبيّ في أحاديثه،كلّ ما قدّموه من حجج مضادّة في مسألة العقيدة؛فها هم الآن يتحدّثون عن موقعهم الثّابت كقوّة كبيرة مهيمنة على الواقع كلّه،و على النّاس كلّهم،في ما حولهم من المناطق، و فيمن حولهم من العرب،و ذلك من خلال قيادتهم لخطّ الشّرك،و إشرافهم على القيم المنحرفة الّتي تتحكّم بالذّهنيّة العامّة للنّاس،بالإضافة إلى الكعبة الّتي تكرّست،كموقع توحيديّ من لدن إبراهيم، و لكنّها تحوّلت كمركز للأصنام في دائرة الجاهليّة، و ذلك في مزج غامض بين الإيمان باللّه الّذي تمثّله الكعبة،و بين الشّرك به،الّذي تمثّله الأصنام.و قد استطاعوا أن يستفيدوا من ذلك موقعا اقتصاديّا متقدّما،و موقعا ثقافيّا بارزا،فكانوا سادة العرب، و أشراف المنطقة.إنّهم حرّاس القيم العربيّة المنحرفة المتخبّطة في أجواء الشّرك و الجاهليّة،و لأنّ كلّ امتيازاتهم تقوم على هذا الدّور،فقد كانوا يراجعون حساباتهم المادّيّة قبل أن يفكّروا بالدّخول في الإسلام، لأنّهم بذلك سوف يفقدون كلّ دور مميّز،لأنّ الدّين سيكون للّه،و ستكون الحياة كلّها في خدمة القيم الّتي أوحى بها اللّه،و ستتحرّك قيم جديدة لا مجال فيها للباحثين عن ذواتهم في حركة الواقع،لأنّ الذّات

ص: 483

سوف تكون في دائرة الإيمان في خدمة اللّه و الحياة، لتؤكّد وجودها لدى اللّه،بقدر ذوبانها في خدمة عباده في ساحة رسالاته.

و لكنّهم كانوا يريدون التّعبير عمّا في داخلهم بطريقة أخرى،فهم يحتجّون بالخوف من التّشريد و الابتعاد عن أرضهم عند ما يهجم عليهم النّاس انتقاما منهم،لأنّهم تركوا الشّرك و اتّبعوا التّوحيد،و تحوّلوا من دائرة الضّلال إلى رحاب الهدى.

وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا فلا يبقى منّا أحد فيها،و لا يبقى لنا شيء منها عند ما تهجم علينا العرب من كلّ جانب فتقتلنا،و تنهب أموالنا،لأنّنا سوف نواجههم معك عند ما تنشب الحرب بينك و بينهم،فنكون في موقع الضّعف، و يكونون في موقع القوّة.و هذا ما يمنعنا من الدّخول في دينك،لأنّنا لا نتحمّل النّتائج الصّعبة المترتّبة على ذلك،.و لكن،هل هم جادّون في ذلك؟و هل أنّ العرب ستقف هذا الموقف لو دخلت قريش في الإسلام؟أو أنّ المسألة ستطوّر لمصلحة الإسلام،باعتبار التّأثير الكبير لقريش على القرار العربيّ-آنذاك-لما تمثّله من موقع متقدّم في مصالح النّاس هناك؟

إنّ منطقهم هو منطق التّهرّب من المسئوليّة،لأنّهم يعرفون أنّهم يملكون أكثر من موقع قوّة في المنطقة المحيطة بهم،و أنّ العرب سوف تدخل في الإسلام إذا سارت قريش معه.فإنّ أكثر الحروب الّتي خاضها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كانت بتدبير قريش و تآمرها على الإسلام و المسلمين،و إذا كان النّبيّ قد انتصر على العرب بدون قريش،فكيف إذا كانت معه؟!(17:316)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخطف،أي الأخذ في سرعة و استلاب.يقال:خطف الشّيء يخطفه خطفا، و اختطفه و تخطّفه،أي اجتذبه بسرعة،و هو خاطف و خيطف،و ذئب خاطف:يختطف الفريسة،و هي الخواطف،و باز مخطف:يخطف الصّيد.

و الخطّاف:اللّصّ الّذي يدغر نفسه على الشّيء فيختلسه،و العصفور الأسود،لأنّه يخطب الذّباب و البعوض.

و الخطّاف أيضا:الحديدة المعوجّة يختطف بها الشّيء،و حديدة حجناء تعقل بها البكرة من جانبيها فيها المحور،و سمة على شكل خطّاف البكرة.يقال:

بعير مخطوف،إذا كان به هذه السّمة؛و الجمع:

خطاطيف،و الخطاطيف:مخاليب السّباع.

و الخاطوف:شبيه بالمنجل يشدّ في حبالة الصّائد، يختطف الظّبي.

و الخطف:المرّ السّريع.يقال:مرّ يخطف خطفا منكرا،أي مرّ مرّا سريعا،و جمل خيطف:سريع المرّ، و قد خطف و خطف يخطف و يخطف خطفا،و عنق خيطف و خطفى.

و الخيطف و الخيطفى:سرعة انجذاب السّير،كأنّه يختطف في مشيه عنقه،أي يجتذبه،و منه:خطفت السّفينة و خطفت:سارت.يقال:خطفت اليوم من عمان،أي سارت.

ص: 484

و الخطيفة:دقيق يذرّ على لبن،ثمّ يطبخ فيلعق، لأنّه ينطبخ بسرعة و يؤكل بسرعة.

و الخطف:الذّهاب بالبصر.يقال:خطف البرق البصر،و خطفه يخطفه خطفا،أي ذهب به،و سيف مخطف:يخطف البصر بلمعه.

و الخطف أيضا:استراق السّمع.يقال:خطف الشّيطان السّمع و اختطفه،أي استرقه،و هو خطّاف.

و الإخطاف:أن ترمي الرّمية فتخطئ قريبا،كأنّها تمرّ قرب الهدف مرّا سريعا.يقال:رمى الرّمية فأخطفها،أي أخطأها.

و الإخطاف:انطواء الحشى،و هو عيب في الخيل، كأنّ حشاها قد خطف منها.يقال:فرس مخطف الحشى،إذا كان لاحق ما خلف المحزم من بطنه، و الخطف و الخطف:الضّمر و خفّة لحم الجنب،و رجل مخطف و مخطوف.

و أخطف الرّجل:مرض يسيرا ثمّ برأ سريعا.يقال:أخطفته الحمّى،أي أقلعت عنه،و ما من مرض إلاّ و له خطف،أي يبرأ منه،و الخطف و الخطّف:

مثل الجنون.

و الإخطاف:قطع الحديث.يقال:أخطف لي من حديثه شيئا ثمّ سكت،و هو الرّجل يأخذ في الحديث، ثمّ يبدو له فيقطع حديثه،فكأنّه يخطف منه خطفا.

2-و من كلام المولّدين:انخطف لونه،أي تغيّر نحو الصّفرة،و لونه مخطوف،و كأنّه من قول العرب:

أخطف الرّجل،إذا مرض يسيرا ثمّ برأ سريعا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا«الماضي»مرّة،و«المضارع» مرّتين،و المصدر:(الخطفة)مرّة،و مزيدا من الافتعال «المضارع»معلوما مرّة،و مجهولا مرّتين،في 6 آيات:

1- إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ

الصّافّات:10

2- وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ

الحجّ:31

3- يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ...

البقرة:20

4- ...تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ فَآواكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ... الأنفال:26

5- وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا... القصص:57

6- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ... العنكبوت:67

يلاحظ أوّلا:أنّ الخطف جاء بمعنى الاستلاب في هذه الآيات،و فيها بحوث:

1-عبّر عن التّسمّع إلى الملائكة بالخطف في(1):

إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ، أي استلب السّمع استلابا، و فيه إشارة إلى شدّة بأس الشّياطين و كيدهم،فهم يستلبون السّمع رغم اتّخاذ التّدابير المشدّدة ضدّهم، كحفظ السّماء من الاقتراب إليها،و رميهم بالشّهب من كلّ جانب منها.غير أنّ ذلك لا ينفعهم،لإصابتهم بنار محرقة فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ.

ص: 485

2-شبّه المشرك بمن خرّ من السّماء في(2): وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ، ثمّ قسّم خروره إلى قسمين:خطف الطّير له،و هويّ الرّيح به في مكان سحيق فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ، و كلا الأمرين عذاب له.

و ذهب أغلب المفسّرين إلى أنّ خطف الطّير للمشرك:تقطيع لحمه و هلاكه،و لكن لا شاهد لهم من القرآن؛إذ جاء فيه العذاب عقوبة له،كما في قوله:

لِيُعَذِّبَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ وَ يَتُوبَ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً الأحزاب:73.

3-فسّر بعضهم اَلْبَرْقُ في(3)بالقرآن: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ، أي يكاد خوفهم ممّا ينزل بهم يذهب أبصارهم،أو يكاد بيانه يبهر أبصارهم، و هو على المثل.و فسّره بعضهم على الحقيقة،أي يكاد البرق من شدّة ضيائه يذهب بأبصارهم و يستلبها، و كأنّ هذا المعنى أقرب إلى السّياق.

4-ذكّر اللّه المسلمين بحالهم حين كانوا في مكّة في (4): وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ، فمنّ عليهم برأب صدعهم و لمّ شعثهم،فبدّل خوفهم من التّخطّف بإسكانهم في المدينة(فآواكم،)و بدّل استضعافهم في الأرض بتقويتهم بالنّصر يوم بدر وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ،و بدّل قلّة عددهم برزقهم من الغنائم وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، فابتدئ ترتيب المنن بما انتهى إليه ترتيب المحن.

5-تنصّلت قريش من الإقبال على الإسلام و الانصراف عن الضّلال بحجّة واهية في(5): وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا، فجاء الفعل نَتَّبِعِ مضارعا ليدلّ على الاستمرار،و كذا نُتَخَطَّفْ، حيث يدلّ زمانه و وزنه على الاستمرار، أي لا نزال نخطف و نستلب من مكّة على مدى الأيّام، لأنّ«التّفعّل»يفيد وقوع الفعل باستمرار،كقولهم:

تجرّع الماء،أي تابع الجرع مرّة بعد أخرى كالمتكاره.

و لكنّ اللّه دحض حجّتهم منكرا عليهم أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

6-أنكر عليهم أيضا غفلتهم عن الحرم الآمن في مكّة،و النّاس خارجها يتخطّفون في(6): أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللّهِ يَكْفُرُونَ.

و يلحظ أنّ«التّفعّل»في هذه الآية و الآيتين اللّتين سبقتاها جاء في سياق الامتنان على سكّان مكّة؛حيث ذكّر اللّه المسلمين بخوفهم من تخطّف المشركين لهم،في(4)حينما كانوا في مكّة،رغم أنّ هذه الآية من سورة مدنيّة.و أنكر على المشركين تشبّثهم بعبادة الأصنام و هم ينعمون بالأمن في مكّة و غيرهم يتخطّف خارجها،في(5)و(6).

ثانيا:من هذه الآيات السّتّ اثنتان:(1)و(5) مكّيّتان يقينا:

فالأولى منهما: إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ في منع الشّياطين من خطف الوحي.

ص: 486

و ثانيتهما: نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا في المنّ على أهل مكّة بتأمينهم من خطف النّاس إيّاهم.

و اثنتان:(3)و(4)مدنيّتان يقينا أيضا:

فالأولى منهما يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ تمثيل لحالة المنافقين.و ثانيتهما: تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ فَآواكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ، في المنّ على المؤمنين في المدينة بإيوائهم و نصرهم.

لكن اثنتان منها:(2)و(6)خلاف في سورتيهما في كونهما كلاّ أو بعضا مكّيّة أو مدنيّة.-لاحظ المدخل بحث المكّيّ و المدنيّ-مع أنّ الآيتين نفسهما مكّيّتان سياقا:فالأولى منهما: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ في وصف المشركين، و ثانيتهما: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً في المنّ على أهل مكّة بتأمينهم.

ثالثا:جاء«اللّقف»نظيرا للخطف،في عصا موسى عليه السّلام ثلاث مرّات:

فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ الأعراف:117، و الشّعراء:45

وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا طه:69.

ص: 487

ص: 488

خ ط و

اشارة

خطوات

لفظ واحد،5 مرّات:1 مكّيّة،4 مدنيّة في 3 سور:1 مكّيّة،2 مدنيّتان

النّصوص اللّغويّة

الخليل :خطوت خطوة واحدة؛و الاسم:الخطوة، و جمعها:خطى.

و قوله تعالى: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ الأنعام:142،و من خفّف قال:خطوات،أي آثار الشّيطان،أي لا تقتدوا به.

و من همز جعل الواحدة«خطأة»من الخطيئة،أي مأثما.(4:292)

الفرّاء: العرب تجمع«فعلة»من الأسماء على «فعلات»مثل:«حجرة و حجرات»،فرقا بين الاسم و النّعت.

النّعت:يخفّف مثل:حلوة و حلوات،فلذلك صار التّثقيل الاختيار.

و ربّما خفّف الاسم،و ربّما فتح ثانية،فقيل:

«حجرات».(الأزهريّ 7:496)

أبو زيد :يقال:ناقتك هذه من المتخطّيات الجيف، أي ناقة قويّة جلدة تمضي و تخلّف الّتي قد سقطت.

(الأزهريّ 7:496)

الأصمعيّ: تخطّى فلان النّاس غير مهموز.

و تخطّيت تخطّيا و لا يكون تخطّأت.

و خطوت أخطو،و أنا خاط،مقصور.

و مكان مخطوّ فيه،و مختطى فيه،غير مهموز.[ثمّ استشهد بشعر](الحربيّ 2:724)

ابن السّكّيت: الخطوة:ما بين القدمين.

و الخطوة:الفعل.(الأزهريّ 7:495)

نحوه ابن قتيبة.(68)

ص: 489

ابن أبي اليمان:الخطوة بضمّ الخاء ما بين القدمين،و الخطوة بالفتح الفعلة الواحدة،قال اللّه تعالى: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ الأنعام:

142،جمع:خطوة بالضّمّ.(686)

نحوه الطّبريّ(2:81)

المبرّد: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ أي في الشّرّ...يثقّل.و اختاروا التّثقيل لما فيه من الإشباع...

و خفّف بعضهم.

و إنّما ترك التّثقيل من تركه استثقالا للضّمّة مع الواو،يذهبون إلى أنّ«الواو»أجزتهم من الضّمّة.

(الأزهريّ 7:495)

ابن دريد :و الخطو:جمع:خطوة.و يقال:خطى و خطا يخطو خطوا.

و الخطو أيضا مصدر خطا خطوة واحدة.

و الخطوة:هي المسافة بين القدمين في المشي.

(2:233)

الصّاحب:خطوت خطوة واحدة،و الاسم:

الخطوة،و الجميع:الخطى.

و الخطأة:الخطوة.

و خطوات الشّيطان:آثاره.(4:389)

الجوهريّ: الخطوة بالضّمّ:ما بين القدمين.و جمع القلّة:خطوات و خطوات و خطوات.و الكثير:خطى.

و الخطوة بالفتح:المرّة الواحدة،و الجمع:خطوات بالتّحريك،و خطاء،مثل ركوة و ركاء.

و قولهم في الدّعاء إذا دعوا للإنسان:«خطّي عنه السّوء»،أي دفع عنه السّوء.يقال خطّي عنك، أي أميط.

و خطوت و اختطيت بمعنى،و أخطيت غيري،إذا حملته على أن يخطو.

و تخطّيته،إذا تجاوزته.يقال:تخطّيت رقاب النّاس،و تخطّيت إلى كذا.(6:2328)

نحوه الرّازيّ.(200)

الهرويّ: خُطُواتِ الشَّيْطانِ البقرة:168، يعني مسالكه و مذاهبه،المعنى:لا تسلكوا الطّريق الّذي يدعوكم إليها الشّيطان.

و واحد الخطوات:خطوة،و هي ما بين القدمين، فالخطوة-بالفتح-المصدر،يقال:خطوت خطوة واحدة،و جمعها:خطوات.

و تخطّى إلينا فلان.و منه الحديث:«أنّه رأى رجلا يتخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة».(2:573)

ابن سيده: خطا خطوا،و اختطى،و اختاط مقلوب:مشى.

و الخطوة:ما بين القدمين.

و الجمع:خطا،و خطوات،و خطوات.

قال سيبويه:و خطوات،لم يقلبوا«الواو»لأنّهم لم يجمعوا فعلا،و لا فعلة،على«فعل»،و إنّما يدخل التّثقيل في«فعلات»،أ لا ترى أنّ الواحدة:«خطوة»، فهذا بمنزلة«فعلة»،و ليس لها مذكّر.

و قيل:الخطوة،و الخطوة.لغتان.

و تخطّى النّاس،و اختطاهم:ركبهم و جاوزهم.

و فلان لا يتخطّى الطّنب،أي لا يبعد عن البيت للتّغوّط،جبنا و لؤما و قذرا.

ص: 490

و في الدّعاء:«خطّي عنك السّوء»أي دفع.

و الخطوطى:النّزق.(5:285)

الطّوسيّ: و الخطوة:بعد ما بين قدمي الماشي.

و الخطوة:المرّة من الخطو:و هو نقل قدم الماشي.

و تقول:خطوة،و خطوة واحدة.و الاسم:الخطوة، و جمعها:خطى.

و قوله تعالى: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ الأنعام:142،أي لا تتّبعوا آثاره و لا تقتدوا به.

و أصل الباب:الخطو:نقل القدم قدما.(2:71)

نحوه الطّبرسيّ.(1:252)

الرّاغب: خطوت أخطو خطوة،أي مرّة، و الخطوة ما بين القدمين،

قال تعالى: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ البقرة:168،أي لا تتّبعوه،و ذلك نحو قوله: وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى ص:26.(152)

الزّمخشريّ: خطا خطوة واحدة و خطوة واسعة،و هو فسيح الخطى و بعيد الخطى.

و من المجاز:تخطّاه المكروه،و تخطّيت إليه بالمكروه.

و بين القولين خطّى يسيرة إذا كانا متقاربين.

و قرّب اللّه عليك الخطوة،فانصرف إلى أهلك،أي المسافة.(أساس البلاغة:116)

ابن الشّجريّ: إذا قلت خطوت خطوة و غرفت غرفة،بفتح أوّله:أردت المرّة...

فإن ضممت فقلت:الخطوة و الغرفة،فالخطوة ما بين القدمين...(2:294)

ابن الأثير:في حديث الجمعة:«رأى رجلا يتخطّى رقاب النّاس»أي يخطو خطوة خطوة.

و الخطوة بالضّمّ:بعد ما بين القدمين في المشي،و بالفتح:

المرّة.و جمع الخطوة في الكثرة:خطى،و في القلّة خطوات،بسكون الطّاء،و ضمّها و فتحها.

و منه الحديث:«و كثرة الخطى إلى المساجد» و خطوات الشّيطان (1).(2:51)

أبو حيّان :الخطوة،بضمّ الخاء:ما بين قدمي الماشي من الأرض،و الخطوة،بفتحها:المرّة من المصدر.يقال:خطا يخطو خطوا:مشى.و يقال:هو واسع الخطو.

فالخطوة بالضّمّ،عبارة عن المسافة الّتي يخطو فيها، كالغرفة و القبضة،و هما عبارتان عن الشّيء المعروف و المقبوض.

و في جمعها بالألف و الياء لغى ثلاث:إسكان الطّاء كحالها في المفرد،و هي لغة تميم و ناس من قيس.

و ضمّة الطّاء اتباعا لضمّة الخاء،و فتح الطّاء.و يجمع تكسيرا على خطى،و هو قياس مطّرد في«فعلة» الاسم.(1:477)

نحوه مجمع اللّغة.(1:344)

الفيّوميّ: خطوت أخطو خطوا:مشيت،الواحدة:

خطوة،مثل ضرب و ضربة.ا.

ص: 491


1- جاء في هامش الكتاب:كذا في الأصل.و الّذي في اللّسان: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ قيل:هي طرقه، أي لا تسلكوا الطّريق الّتي يدعوكم إليها.

و الخطوة بالضّمّ:ما بين الرّجلين.

و جمع المفتوح.خطوات،على لفظه،مثل:شهوة و شهوات.و جمع المضموم:خطى و خطوات،مثل:

غرف و غرفات في وجوهها.

و تخطّيته و خطّيته،إذا خطوت عليه.(1:174)

الفيروزآباديّ: خطا خطوا و اختطى،و اختاط مقلوبة:مشى.

و الخطوة و يفتح:ما بين القدمين؛جمعه خطى و خطوات.

و بالفتح:المرّة؛جمعه:خطوات.

و تخطّى النّاس و اختطاهم:ركبهم و جاوزهم.

(4:326)

الطّريحيّ: يقال:«اتّبع خطواته و وطئ على عقبه»في معنى اقتدى به و استنّ سنّته.[ثمّ ذكر نحو الفيّوميّ و أضاف:]

خطا خطوا:مشى،و منه«قصّر اللّه خطوك»أي مشيك.

و«يخطو في مشيه»،أي يتمايل و يمشي مشية المعجب.

و«تخطّيت الشّيء»:تجاوزته،و لا يقال:

«تخطّأته».(1:125)

العدنانيّ: الخطوة و الخطوة

و يسمّون مسافة ما بين القدمين عند الخطوة للمرّة الواحدة:خطوة،و يرون أنّ الصّواب هو:الخطوة،كما قال:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و الأساس،و النّهاية،و المختار،و المصباح،و المدّ.

و ممّن ذكر أنّ«الخطوة»تعني مسافة ما بين القدمين،دون أن تكون للمرّة الواحدة:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس،و النّهاية، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و هناك من ذكر أنّ الخطوة لغة في«الخطوة»، و تعني المرّة الواحدة أيضا،كاللّسان،و القاموس، و التّاج،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.

و قال المتن:إنّ خاء«الخطوة»قد تفتح.

و ذكر الوسيط:الخطوة و الخطوة كلتيهما،و قال:إنّهما تعنيان مسافة ما بين القدمين عند الخطو.

و تجمع الخطوة على:خطى،و خطواتو خطوات و خطوات.قال تعالى في الآية:168 من سورة البقرة:

وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ

و تجمع الخطوة على:خطوات و خطاء.

سارت المفاوضات خطوة خطوة،أو خطوة بخطوة.

و يخطّئون من يقول:سارت المفاوضات خطوة خطوة،أو خطوة بخطوة.

و لكن:

قالت لجنة الأساليب،التّابعة لمجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة في مؤتمره،في دورته الثّالثة و الأربعين، و المنتهية في 17 ربيع الأوّل 1397 ه،الموافق ل 7 آذار(مارس)1977،ما يأتي:تشيع هذه الأيّام عبارة:

ص: 492

أ-سارت المفاوضات خطوة خطوة.

ب-و سارت المفاوضات خطوة بخطوة.

و قد درستهما اللّجنة،ثمّ انتهت إلى أنّهما صحيحتان،على أن تكون«خطوة خطوة»في العبارة الأولى حالا مؤوّلة بمشتقّ،أي مرتّبة أو متتابعة.مثلها مثل قولهم:دخلوا رجلا رجلا،أي متتابعين.

و في العبارة الثّانية تكون«خطوة»حالا أيضا، و«بخطوة»بعدها صفة لها،و المعنى خطوة متبوعة بخطوة،فالباء بمعنى«بعد»،و يؤيّده قول امرئ القيس:

فلأيا بلأي ما حملنا غلامنا

على ظهر محبوك السّراة محنّب

قال الأعلم الشّنتمري:لأيا بلأي أي جهدا بعد جهد.و بعد المناقشة وافق المؤتمرون على العبارتين.

(195)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو المشي قدما قدما،لا المشي المطلق.و يدلّ عليه مفهوم«فعلة»للمرّة منها،و«فعلة»لما يفعل و سائر مشتقّاتها.

و أمّا التّجاوز و التّعدّي و الذّهاب عنه،فمن لوازم الأصل.(3:89)

النّصوص التّفسيريّة

خطوات

1- ...وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. البقرة:168

ابن عبّاس: [أي]تزيين الشّيطان و وسوسته في تحريم الحرث و الأنعام.(23)

عمله.(الطّبريّ 2:81)

مجاهد :خطاياه.

مثله قتادة.(الطّبريّ 2:81)

الضّحّاك: خطايا الشّيطان الّتي يأمر بها.

(الطّبريّ 2:81)

الحسن :نزلت فيما سنّوه من البحيرة و السّائبة و نحوه.(ابن عطيّة 1:237)

الإمام الباقر و الصّادق عليهما السّلام:إنّ من خطوات الشّيطان:الحلف بالطّلاق،و النّذور في المعاصي،و كلّ يمين بغير اللّه تعالى.(الطّبرسيّ 1:252)

[و جاءت بهذا المعنى روايات اخرى فلاحظ]

عطاء:زلاّته.(أبو حيّان 1:479)

زيد بن عليّ: معناه:آثاره.و واحدها:خطوة.

(141)

نحوه مؤرّج السّدوسيّ.(أبو حيّان 1:479)

السّدّيّ: أي طاعته.(137)

أبو عبيدة :معناها أثر الشّيطان.(1:63)

ابن قتيبة :أي لا تتّبعوا سبيله و مسلكه.

و هي جمع خطوة.و الخطوة:ما بين القدمين-بضمّ الخاء-و الخطوة:الفعلة الواحدة،-بفتح الخاء- و اتّباعهم خطواته:أنّهم كانوا يحرّمون أشياء قد أحلّها اللّه،و يحلّون أشياء حرّمها اللّه.(68)

الجبّائيّ: ما يتخطّى بكم إليه بالأمر و التّرغيب.

(الطّوسيّ 2:72)

الطّبريّ: و المعنى في النّهي عن اتّباع خطواته:

ص: 493

النّهي عن طريقه و أثره فيما دعا إليه،ممّا هو خلاف طاعة اللّه تعالى ذكره.

و اختلف أهل التّأويل في معنى«الخطوات».فقال بعضهم: خُطُواتِ الشَّيْطانِ :عمله.

قال بعضهم: خُطُواتِ الشَّيْطانِ: :خطاياه.

و قال آخرون: خُطُواتِ الشَّيْطانِ :طاعته.

و قال آخرون: خُطُواتِ الشَّيْطانِ :النّذور في المعاصي.

و هذه الأقوال الّتي ذكرناها،عمّن ذكرناها عنه في تأويل قوله: خُطُواتِ الشَّيْطانِ :،قريب معنى بعضها من بعض،لأنّ كلّ قائل منهم قولا في ذلك،فإنّه أشار إلى نهي اتّباع الشّيطان في آثاره و أعماله.غير أنّ حقيقة تأويل الكلمة هو ما بيّنت،من أنّها بعد ما بين قدميه،ثمّ تستعمل في جميع آثاره و طرقه،على ما قد بيّنت.(2:81)

الزّجّاج: و معنى خُطُواتِ الشَّيْطانِ :طرقه، أي لا تسلكوا الطّريق الّذي يدعوكم إليه الشّيطان.

(1:241)

أبو زرعة: قرأ نافع و أبو عمرو و حمزة و أبو بكر و البزيّ (خطوات) ساكنة الطّاء،و حجّتهم،أنّهم استثقلوا الضّمّتين بعدهما«واو»في كلمة واحدة فسكّنوا الطّاء طلبا للتّخفيف.

و قرأ الباقون خُطُواتِ بضمّ الطّاء.و حجّتهم أنّ أصل«فعلة»إذا جمعت أن تحرّك العين بحركة الفاء،هذا المستعمل في العربيّة مثل ظلمة و ظلمات، و حجرة و حجرات،و قربة و قربات،و خطوة و خطوات،و قالوا:و لم تستثقل العرب ضمّة العين.

(120)

عبد الجبّار: الّذي يزيّن لكم اللّهو و الهوى،فإنّه عدوّ مبين.(40)

يريد وساوس الشّيطان و خواطره.

(الطّبرسيّ 1:252)

الماورديّ: و هي جمع«خطوة»و اختلف أهل التّفسير في المراد بها على أربعة أقاويل.[ثمّ ذكر الأقوال المتقدّمة عن الطّبريّ].(1:220)

الطّوسيّ: [ذكر الأقوال و قال:]

و روي أنّ هذه الآية نزلت لما حرّم أهل الجاهليّة- من ثقيف،و خزاعة،و بني مدلج-من الأنعام، و الحرث،و البحيرة (1)و السّائبة و الوصيلة،فنهى اللّه تعالى عمّا كانوا يفعلونه،و أمر المؤمنين بخلافه.

و الإذن في الحلال يدلّ على حظر الحرام على اختلاف ضروبه (2)،و أنواعه،فحملها على العموم أولى.

(2:72)

القشيريّ: كلّ ما يحملك على نسيان الحقّ أو عصيان الحقّ،فهو من خطوات الشّيطان.(1:158)

الزّمخشريّ: و قرئ خُطُواتِ بضمّتين و(خطوات)بضمّة و سكون و(خطوات)بضمّتين و همزة،-جعلت الضّمّة على«الطّاء»كأنّها على «الواو»-و(خطوات)بفتحتين و(خطوات)بفتحة!!

ص: 494


1- في الأصل:و الحرث:البحيرة.!!
2- في الأصل:ضرور به.!!

و سكون.

و الخطوة:المرّة من الخطو،و الخطوة:ما بين قدمي الخاطئ،و هما كالغرفة و الغرفة،و القبضة و القبضة، يقال:اتّبع خطواته و وطئ على عقبه؛إذا اقتدى به و استنّ بسنّته.(1:327)

نحوه ابن الجوزيّ(1:172)،و البيضاويّ(1:

95).

ابن عطيّة: خُطُواتِ جمع:خطوة و هي ما بين القدمين في المشي.فالمعنى:النّهي عن اتّباع الشّيطان و سلوك سبله و طرائقه.(1:237)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:قرأ ابن عامر و الكسائيّ،و هي إحدى الرّوايتين عن ابن كثير و حفص عن عاصم خُطُواتِ بضمّ الخاء و الطّاء،و الباقون بسكون الطّاء.

أمّا من ضمّ العين فلأنّ الواحدة:خطوة،فإذا جمعت حرّكت العين للجمع،كما فعل بالأسماء الّتي على هذا الوزن،نحو غرفة و غرفات،و تحريك العين للجمع،كما فعل في نحو هذا الجمع للفصل بين الاسم و الصّفة.و ذلك أنّ ما كان«اسما»جمعته بتحريك العين،نحو تمرة و تمرات و غرفة و غرفات و شهوة و شهوات،و ما كان«نعتا»جمع بسكون العين،نحو ضخمة و ضخمات و عبلة و عبلات،و«الخطوة»من الأسماء لا من الصّفات،فيجمع بتحريك العين.

و أمّا من خفّف العين،فبقّاه على الأصل و طلب الخفّة.

المسألة الثّانية:قال ابن السّكّيت فيما رواه عنه الجبّائيّ:الخطوة و الخطوة بمعنى واحد،و حكي عن الفرّاء:خطوت خطوة،و الخطوة:ما بين القدمين،كما يقال:حثوت حثوة،و الحثوة:اسم لما تحثّيت،و كذلك غرفت غرفة و الغرفة:اسم لما اغترفت،و إذا كان كذلك فالخطوة المكان المتخطّى،كما أنّ الغرفة هي الشّيء المغترف بالكفّ،فيكون المعنى لا تتّبعوا سبيله و لا تسلكوا طريقه،لأنّ الخطوة اسم مكان،و هذا قول الزّجّاج و ابن قتيبة،فإنّهما قالا: خُطُواتِ الشَّيْطانِ طرقه.و إن جعلت«الخطوة»بمعنى«الخطوة»كما ذكره الجبّائيّ،فالتّقدير:لا تأتّموا به و لا تقفوا أثره، و المعنيان متقاربان و إن اختلف التّقديران،هذا ما يتعلّق باللّغة.

و أمّا المعنى:فليس مراد اللّه هاهنا ما يتعلّق باللّغة، بل كأنّه قيل لمن أبيح له الأكل على الوصف المذكور:

احذر أن تتعدّاه إلى ما يدعوك إليه الشّيطان،و زجر المكلّف بهذا الكلام عن تخطّي الحلال إلى الشّبه،كما زجره عن تخطّيه إلى الحرام،لأنّ الشّيطان إنّما يلقي إلى المرء ما يجري مجرى الشّبهة،فيزيّن بذلك ما لا يحلّ له،فزجر اللّه تعالى عن ذلك.

ثمّ بيّن العلّة في هذا التّحذير،و هو كونه عدوّا مبينا،أي متظاهرا بالعداوة؛و ذلك لأنّ الشّيطان التزم أمورا سبعة في العداوة:أربعة منها في قوله تعالى:

وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ النّساء:119، و ثلاثة منها في قوله تعالى: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ الأعراف:16،17،فلمّا التزم الشّيطان هذه الأمور كان عدوّا متظاهرا بالعداوة،فلهذا وصفه اللّه تعالى بذلك.(5:3)

ص: 495

وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ النّساء:119، و ثلاثة منها في قوله تعالى: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ الأعراف:16،17،فلمّا التزم الشّيطان هذه الأمور كان عدوّا متظاهرا بالعداوة،فلهذا وصفه اللّه تعالى بذلك.(5:3)

نحوه النّيسابوريّ.(2:64)

العكبريّ: يقرأ بضمّ الطّاء على اتباع الضّمّ، الضّمّ،و بإسكانها للتّخفيف و يجوز في غير القرآن فتحها.

و قرئ في الشّاذّ بهمز الواو لمجاورتها الضّمّة،و هو ضعيف.

و يقرأ شاذّا بفتح الخاء و الطّاء،على أن يكون الواحد خطوة.و الخطوة بالفتح:مصدر خطوت، و بالضّمّ:ما بين القدمين.و قيل:هما لغتان بمعنى واحد.

(1:139)

القرطبيّ: خُطُواتِ :جمع خطوة و خطوة بمعنى واحد.[ثمّ ذكر القراءات و قال:]

و المعنى على قراءة الجمهور:و لا تقفوا أثر الشّيطان و عمله،و ما لم يرد به الشّرع،فهو منسوب إلى الشّيطان.[ثمّ ذكر الأقوال و قال:]

و الصّحيح:أنّ اللّفظ عامّ في كلّ ما عدا السّنن و الشّرائع،من البدع و المعاصي.(2:208)

النّسفيّ: و الخطوة في الأصل:ما بين قدمي الخاطئ.

يقال:اتّبع خطواته،إذا اقتدى به و استنّ بسنّته.

(1:87)

أبو حيّان:و النّهي عن اتّباع خطوات الشّيطان كناية عن ترك الاقتداء به،و عن اتّباع ما سنّ من المعاصي.[ثمّ نقل الأقوال و قال:]

و هذه أقوال متقاربة المعنى صدرت من قائلها على سبيل التّمثيل.و المعنيّ بها كلّها النّهي عن معصية اللّه،و كأنّه تعالى لمّا أباح لهم الأكل من الحلال الطّيّب، نهاهم عن معاصي اللّه و عن التّخطّي إلى أكل الحرام، لأنّ الشّيطان يلقي إلى المرء ما يجري مجرى الشّبهة، فيزيّن بذلك ما لا يحلّ،فزجر اللّه عن ذلك.

و اَلشَّيْطانِ هنا إبليس،و النّهي هنا عن اتّباع كلّ فرد فرد من المعاصي،لا أنّ ذلك يفيد الجمع،فلا يكون نهيا عن المفرد.(1:479)

أبو السّعود :أي لا تقتدوا بها في اتّباع الهوى،فإنّه صريح في أنّ الخطاب للكفرة،كيف لا،و تحريم الحلال على نفسه تزهيدا ليس من باب اتّباع خطوات الشّيطان،فضلا عن كونه تقوّلا و افتراء على اللّه تعالى،و إنّما الّذي نزل فيهم ما في سورة المائدة من قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ الآية 87.(1:229)

الكاشانيّ: ما يخطو بكم إليه و يغريكم به،من مخالفة اللّه عزّ و جلّ.(1:192)

نحوه شبّر.(1:172)

البروسويّ: الخطوة بالفتح:المرّة من نقل القدم، و بالضّمّ:بعد ما بين قدمي الماشي.يقال:اتّبع خطواته و وطئ على عقبه،إذا اقتدى به و استنّ بسنّته.

أي لا تقتدوا بآثاره و طرقه و مذاهبه في اتّباع

ص: 496

الهوى،و هي وساوسه،فتحرّموا الحلال و تحلّلوا الحرام.(1:272)

نحوه الآلوسيّ.(2:39)

القاسميّ: و هي طرائقه و مسالكه فيما أضلّ أتباعه فيه،من تحريم البحائر و السّوائب و الوصائل و نحوها،ممّا زيّنه لهم في جاهليّتهم.(3:367)

طنطاوي:لا تقتدوا به في اتّباع الهوى تحريما و تحليلا.(1:158)

المراغيّ: أي و لا تتّبعوا سيرته في الإغواء، و وسوسته في الأمر بالسّوء و الفحشاء.(2:43)

ابن عاشور :و اتّباع الخطوات تمثيليّة،أصلها:أنّ السّائر إذا رأى آثار خطوات السّائرين تبع ذلك المسلك،علما منه بأنّه ما سار فيه السّائر قبله إلاّ لأنّه موصل للمطلوب،فشبّه المقتدي الّذي لا دليل له سوى المقتدي به-و هو يظنّ مسلكه موصلا-بالّذي يتّبع خطوات السّائرين.و شاعت هاته التّمثيليّة حتّى صاروا يقولون:هو يتّبع خطى فلان،بمعنى يقتدي به و يمتثل له.

و الخطوات:بضمّ فسكون جمع:«خطوة»مثل الغرفة و القبضة بضمّ أوّلهما،بمعنى المخطوّ و المغروف و المقبوض،فهي بمعنى مخطوة اسم لمسافة ما بين القدمين عند مشي الماشي،فهو يخطوها،و أمّا «الخطوة»بفتح الخاء فهي المرّة،من مصدر«الخطو» و تطلق على المخطوّ من إطلاق المصدر على المفعول.

و قرأ الجمهور(خطوات)بضمّ فسكون على أصل جمع السّلامة،و قرأه ابن عامر و قنبل عن ابن كثير و حفص عن عاصم:بضمّ الخاء و الطّاء على الاتباع،و الاتباع يساوي السّكون في الخفّة على اللّسان.(2:101)

مغنيّة: بعد أن أباح اللّه للنّاس الحلال،حذّرهم من التّعدّي إلى الحرام،و عبّر عن هذا التّحذير بالنّهي عن اتّباع الشّيطان و وسوسته الّتي تزيّن للإنسان ما لا يحلّ له.و كلّ خاطر يغري بارتكاب الحرام،كالخمر و الزّنى و الكذب و الرّياء،أو يحذر من فعل الواجب، كالخوف من الفقر إذا أدّى ما عليه من حقّ،أو من الضّرر إذا جاهد أو قال الحقّ،كلّ ذلك و ما إليه هو من وحي الشّيطان.و قد حكى اللّه عن الشّيطان قوله:

وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ النّساء:119،و قوله:

لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ الأعراف:16،17.

(1:258)

الطّباطبائيّ: خُطُواتِ الشَّيْطانِ هي الأمور الّتي نسبتها إلى غرض الشّيطان،و هو الإغواء بالشّرك.[إلى أن قال:]

يفيد:أنّ هاهنا أمورا تسمّى خطوات الشّيطان- متعلّقة بهذا الأكل الحلال الطّيّب-إمّا كفّ عن الأكل اتّباعا للشّيطان،و إمّا إقدام عليه اتّباعا للشّيطان.

(1:417)

طه الدّرّة: خُطُواتِ الشَّيْطانِ :زخارفه و وساوسه و أحابيله.و تزيينه:تحليل الحرام و تحريم الحلال.(1:261)

ص: 497

حجازي:يقال:اتّبع خطواته،إذا استنّ بسنّته و سار على طريقته.(2:16)

حسنين مخلوف:آثاره و زلاّته،و طرقه الّتي يحرّم بها الحلال و يحلّل الحرام.جمع:«خطوة»كغرفة.

و أصلها:ما بين القدمين،ثمّ استعيرت لما ذكر،و قرئ بسكون الطّاء.(1:55)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو المشي قدما قدما،لا المشي المطلق،و يدلّ عليه مفهوم«فعلة»للمرّة منها،و«فعلة»لما يفعل و سائر مشتقّاتها.و أمّا التّجاوز و التّعدّي و الذّهاب عنه:فمن لوازم الأصل.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و لمّا كان الاتّباع و المشي التّامّ خلف شخص يقتضي أن يسلك مسلكه و أثره في أيّ طريق و بأيّ طريق و إلى أيّ طريق و في كلّ قدم و إلى كلّ جانب قدما فقدما،فكذلك الاتّباع في الأعمال و الأخلاق و السّلوك المعنويّ للشّيطان،فإنّ اتّباعه يسوق إلى الضّلال و ارتكاب الفحشاء و المنكر و التّعدّي إلى ما حرّم اللّه،و الخروج عن طاعة اللّه و صراطه المستقيم، و عن التّسليم و الطّاعة له تعالى.

فخطواته:عبارة عن قطعات سيره و سلوكه و جزئيّات حركاته و سكونه،و لا يخفى أنّ أوّل قدم منه هو رؤية النّفس و التّوجّه إليها و تكبيرها و تجليلها،و هذا يخالف العبوديّة و يجرّ الإنسان إلى أيّ واد مظلم مضلّ مهلك.(3:89)

مكارم الشّيرازيّ: و«الخطوات»جمع:

«خطوة»و هي المرحلة الّتي يقطعها الشّيطان للوصول إلى هدفه،و للتّغرير بالنّاس.

عبارة لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ تكرّرت خمس مرّات في القرآن الكريم،و كانت في موضعين بشأن الاستفادة من الأطعمة و الرّزق الإلهيّ.و هي تحذير من استهلاك هذه النّعم الإلهيّة في غير موضعها.

و حثّ على الاستفادة منها على طريق العبوديّة و الطّاعة لا الفساد و الطّغيان في الأرض.

النّهي عن اتّباع خطوات الشّيطان في استثمار مواهب الطّبيعة،توضّحه آيات اخرى تنهى أيضا عن الإفساد في استثمار ما وهبه اللّه للنّاس،كقوله تعالى:

كُلُوا وَ اشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ البقرة:60،و كقوله سبحانه: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ طه:81.هذه المواهب و الإمكانات ينبغي أن تكون طاقة دافعة نحو الطّاعة،لا وسيلة لارتكاب الذّنوب.[إلى أن قال:]

قد تشير إلى مسألة تربويّة دقيقة،هي أنّ الانحرافات تدخل ساحة الإنسان بشكل تدريجيّ،لا دفعيّ فوريّ.فتلوّث شابّ بالقمار،أو شرب الخمر، أو بالمخدّرات يتمّ على مراحل:

يشترك أوّلا متفرّجا في جلسة من جلسات الخمّارين أو المقامرين،ظانّا أنّه عمل اعتياديّ لا ضير فيه.ثمّ يشترك في القمار للتّرويح عن النّفس دون ربح أو خسارة،أو يتناول شيئا من المخدّرات بحجّة رفع التّعب أو المعالجة،أو أمثالها من الحجج.

و في الخطوة الأخرى يمارس العمل المحرّم قاصدا أنّه يمارسه مؤقّتا.و هكذا تتوالى الخطوات واحدة بعد

ص: 498

أخرى،و يصبح الفرد مقامرا محترفا أو مدمنا خطرا.

وساوس الشّيطان تدفع بالفرد على هذه الصّورة التّدريجيّة نحو هاوية السّقوط،و ليست هذه طريقة الشّيطان الأصلي فحسب،بل كلّ الأجهزة الشّيطانيّة تنفّذ خططها المشئومة على شكل«خطوات»لذلك يحذّر القرآن كثيرا من اتّخاذ الخطوة الأولى على طريق الانزلاق.

جدير بالذّكر أنّ الأعمال الخرافيّة غير القائمة على أساس منطقيّ اعتبرتها النّصوص الإسلاميّة من خطوات الشّيطان.

و قد ورد في رجل أقسم أن يذبح ابنه،قال الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام:«ذلك من خطوات الشّيطان».

و عن الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السّلام:«كلّ يمين بغير اللّه فهو من خطوات الشّيطان».

و عن الإمام الصّادق أيضا:«إذا حلف الرّجل على شيء،و الّذي حلف عليه إتيانه خير من تركه فليأت الّذي هو خير و لا كفّارة له،و إنّما ذلك من خطوات الشّيطان».(1:417)

فضل اللّه :في إيحاءاته و وساوسه و خططه الإغوائيّة الإغرائيّة ممّا يزيّن به للإنسان من أقوال و أفعال و أفكار بعيدة عن خطّ الاستقامة،و عن مواقع رضى اللّه،و قريبة من موارد سخطه الّتي تؤدّي إلى عذابه و إبعاده عن رحمته.(3:167)

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.

البقرة:208

ابن عبّاس: تزيين الشّيطان في تحريم السّبت و لحم الجمل و غير ذلك.(28)

الفرّاء: أي لا تتّبعوا آثاره،فإنّها معصية.

(1:124)

الطّبريّ: دعوا طرائق الشّيطان و آثاره أن تتّبعوها،فإنّه لكم عدوّ مبين لكم عداوته.و طريق الشّيطان الّذي نهاهم أن يتّبعوه،هو ما خالف حكم الإسلام و شرائعه،و منه تسبيت السّبت،و سائر سنن أهل الملل الّتي تخالف ملّة الإسلام.(2:339)

الزّجّاج: أي لا تقتفوا آثاره،لأنّ ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتّباع الشّيطان.(1:280)

البروسويّ: أي لا تسلكوا مسالكه،و لا تطيعوه فيما دعاكم إليه من السّبل الزّائغة،و الوساوس الباطلة.(1:325)

الآلوسيّ: بمخالفة ما أمرتم به،أو بالتّفرّق في جملتكم،أو بالتّفريق بالشّرائع أو الشّعب.(2:98)

رشيد رضا :الخطوات جمع:خطوة بالضّمّ و بالفتح،و هما ما بين قدمي من يخطو بنقلهما في المشي، أي لا تسيروا سيره و تتّبعوا سبله في التّفرّق في الدّين أو الخلاف و التّنازع مطلقا.و سبل الشّيطان و خطواته:

هي كلّ أمر يخالف سبيل الحقّ و الخير و المصلحة، و هي ما عبّر عنه بالسّبل في قوله تعالى: وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ الأنعام:153،فذكر تعالى أنّ له

ص: 499

سبيلا واحدة سمّاها صراطا مستقيما،لأنّها أقرب طريق إلى الحقّ و الخير و السّلام،و أنّ هناك سبلا متعدّدة يتفرّق متّبعوها عن ذلك الصّراط،و هي طرق الشّيطان.و قد علم من جعل التّفرّق تابعا لاتّباع سبل هي غير صراط اللّه،أنّ الّذين يتّبعون سبيل اللّه لا يتفرّقون إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ الأنعام:159،نعم قد يطرأ عليهم سبب الخلاف و التّنازع،و لكنّهم متى شعروا بأنّ التّنازع قد دبّ إليهم في أمر،فزعوا إلى تحكيم اللّه و رسوله فيه بردّه إلى حكمهما،كما أمرهم بقوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً النّساء:59، أي مالا و عاقبة.فالآيات يفسّر بعضها بعضا،إذا نحن أخذنا القرآن بجملته،كما أمرنا.

و قال الأستاذ الإمام: هذه الآيات حجّة لعلماء الأصول القائلين بأنّ الحقّ واحد لا يتعدّد.و يا ليت أصحاب هذا الأصل فرضوا على أنفسهم الاجتماع لكلّ خلاف يعرض لهم،و البحث عن وجه الحقّ فيه بلا تعصّب و لا مراء حتّى إذا ما ظهر لهم أجمعوا عليه، و إذا هو لم يظهر لبعضهم ثابر من لم يظهر له على تطلابه بإخلاص،لا يعادي فيه أحدا،و لا يجعله ذريعة لتفريق الكلمة.

طريق الحقّ هو الوحدة و الإسلام،و طرق الشّيطان هي مثارات التّفرّق و الخصام،و هي معروفة في كلّ الأمم،و لكنّ الشّيطان يزيّن طرقه و يسوّل للنّاس المنافع و المصالح في التّفرّق و الخلاف،فقد كانت يهود أمّة واحدة مجتمعة على كتاب واحد هو صراط اللّه،فسوّل لهم الشّيطان فتفرّقوا و جعلوا لهم مذاهب و طرقا،و أضافوا إلى الكتاب ما أضافوا،و حرّفوا من كلمه ما حرّفوا،و اتّبعوا السّبل فتفرّقت بهم عن سبيل اللّه،حتّى حلّ بهم الهلاك و الدّمار،و مزّقوا كلّ ممزّق.

و كذلك فعل غيرهم،كأنّهم رأوا دينهم ناقصا فكمّلوه، و قليلا فكثّروه،و واحدا فعدّدوه،و سهلا فصعّبوه، فثقل عليهم بذلك فوضعوه،فذهب اللّه بوحدتهم،حتّى لم تغن عنهم كثرتهم،و سلّط عليهم الأعداء،و أنزل بهم البلاء، سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ المؤمن:85،

هذا هو المتبادر من خُطُواتِ الشَّيْطانِ في هذا المقام.و من خطواته طرق الفواحش و المنكرات كلّها، و لذلك قال تعالى في سورة النّور:21: وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ و أمّا كون الشّيطان عدوّا مبينا،فذاك أنّ جميع ما يدعو إليه ظاهر البطلان بيّن الضّرر لمن تأمّل و عقل،فمن لم يدرك ذلك في مبدإ الخطوات أدركه في غايتها،عند ما يذوق مرارة مغبّتها،لا سيّما بعد تذكير اللّه تعالى و هدايته عباده إلى ذلك،فلا عذر لمن بلغته هذه الهداية إذا بقي على ضلالته و استحبّ العمى على الهدى.

(2:259)

ابن عاشور :و قوله: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ، تحذير ممّا يصدّهم عن الدّخول في السّلم المأمور به بطريق النّهي،عن خلاف المأمور به، و فائدته:التّنبيه على أنّ ما يصدر عن الدّخول في السّلم هو من مسالك الشّيطان المعروف بأنّه لا يشير

ص: 500

بالخير.

فهذا النّهي إمّا أخصّ من المأمور به مع بيان علّة الأمر إن كان المراد بالسّلم غير شعب الإسلام،مثل أن يكون إشارة إلى ما خامر نفوس جمهورهم من كراهيّة إعطاء الدّنيّة للمشركين بصلح الحديبيّة...

و إمّا لمجرّد بيان علّة الأمر بالدّخول في السّلم إن كان المراد بالسّلم شعب الإسلام،و الكلام على معنى:

لا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين،و ما فيه من الاستعارة تقدّم عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً البقرة:168.

(2:262)

الطّباطبائيّ: إنّ المراد من اتّباع خطوات الشّيطان ليس اتّباعه في جميع ما يدعو إليه من الباطل،بل اتّباعه فيما يدعو إليه من أمر الدّين،بأن يزيّن شيئا من طرق الباطل بزينة الحقّ،و يسمّى ما ليس من الدّين باسم الدّين فيأخذ به الإنسان من غير علم،و علامة ذلك عدم ذكر اللّه و رسوله إيّاه في ضمن التّعاليم الدّينيّة.(2:101)

3- ...وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. الأنعام:142

ابن عبّاس: تزيين الشّيطان بتحريم الحرث و الأنعام.(121)

ابن زيد :لا تتّبعوا طاعته،هي ذنوب لكم،و هي طاعة للخبيث.(الطّبريّ 5:374)

الطّبريّ: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ كما اتّبعها باحر و البحيرة،و مسيّبو السّوائب،فتحرّموا على أنفسكم من طيّب رزق اللّه الّذي رزقكم ما حرّموه،فتطيعوا بذلك الشّيطان،و تعصوا به الرّحمن.

(5:374)

الزّجّاج: في خُطُواتِ ثلاثة أوجه:ضمّ الطّاء و فتحها و إسكانها.و معنى خُطُواتِ الشَّيْطانِ :

طرق الشّيطان.قال بعضهم:تخطّي الشّيطان الحلال إلى الحرام.و الّذي تدلّ عليه اللّغة أنّ المعنى:لا تسلكوا الطّريق الّذي يسوّله لكم الشّيطان.(2:298)

الماورديّ: فيها قولان:

أحدهما:أنّها طريقه الّتي يدعوكم إليها من كفر و ضلال.

و الثّاني:أنّها تخطّيه إلى تحريم الحلال و تحريم (1)الحرام.(2:180)

الآلوسيّ: أي طرقه،فإنّ ذلك منهم بإغوائه و استتباعه إيّاهم.(8:39)

ابن عاشور :و معنى وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ النّهي عن شئون الشّرك فإنّ أوّل خطوات الشّيطان في هذا الغرض هي تسويله لهم تحريم بعض ما رزقهم اللّه على أنفسهم.و خطوات الشّيطان تمثيل.

(7:95)

مكارم الشّيرازيّ: هذه العبارة إشارة إلى أنّه.

ص: 501


1- هكذا في الأصل،و جاء في الهامش:لعلّه و«تحليل الحرام»،فإنّ السّياق يقتضي ذلك،و هو الصّواب،فإنّ ما ذكر هنا في النّسخة لا معنى له.

هذه الأحكام و المقرّرات العارية عن الدّليل،و الّتي تنبع فقط من الهوى و الجهل،ما هي إلاّ وساوس شيطانيّة،من شأنها أن تبعّدكم عن الحقّ خطوة فخطوة،و تؤدّي بكم إلى متاهات الحيرة و الضّلالة.

(4:454)

4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ. النّور:21

يحيى بن سلاّم: خطايا الشّيطان.

(الماورديّ 4:83)

أبو عبيدة :مجازه:آثار الشّيطان و مذاهبه و مسالكه،و هو من«خطوت».(2:65)

ابن شجرة:آثاره.(الماورديّ 4:83)

الرّمّانيّ: هو تخطّي الشّيطان الحلال إلى الحرام، و الطّاعة إلى المعصية.(الماورديّ 4:83)

الطّبريّ: لا تسلكوا سبيل الشّيطان و طرقه، و لا تقتفوا آثاره،بإشاعتكم الفاحشة في الّذين آمنوا، و إذاعتكموها فيهم،و روايتكم ذلك عمّن جاء به،فإنّ الشّيطان يأمر بالفحشاء،و هي الزّنى،و المنكر من القول.(9:288)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه:[ذكر ثلاثة ثمّ قال:]

الرّابع:هو النّذور في المعاصي،قاله أبو مجلز.

و يحتمل خامسا:أن تكون خُطُواتِ الشَّيْطانِ :الانتقال من معصية إلى أخرى،مأخوذ من نقل القدم بالخطو من مكان إلى مكان.(4:83)

الفخر الرّازيّ: و المراد بذلك:السّيرة و الطّريقة، و المعنى:لا تتّبعوا آثار الشّيطان و لا تسلكوا مسالكه في الإصغاء إلى الإفك و التّلقّي له،و إشاعة الفاحشة في الّذين آمنوا،و اللّه تعالى و إن خصّ بذلك المؤمنين فهو نهي لكلّ المكلّفين،و هو قوله: وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ.

و معلوم أنّ كلّ المكلّفين ممنوعون من ذلك.و إنّما قلنا:

إنّه تعالى خصّ المؤمنين بذلك،لأنّه توعّدهم على اتّباع خطواته بقوله: وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ و ظاهر ذلك أنّهم لم يتّبعوه.و لو كان المراد به الكفّار لكانوا قد اتّبعوه،فكأنّه سبحانه لما بيّن ما على أهل الإفك من الوعيد،أدّب المؤمنين أيضا،بأن خصّهم بالذّكر ليتشدّدوا في ترك المعصية،لئلاّ يكون حالهم كحال أهل الإفك و الفحشاء.و الفاحشة:ما أفرط قبحه،و المنكر:ما تنكره النّفوس فتنفر عنه،و لا ترتضيه.(23:185)

الآلوسيّ: أي لا تسلكوا مسالكه في كلّ ما تأتون و ما تذرون.و الكلام كناية عن اتّباع الشّيطان و امتثال وساوسه،فكأنّه قيل:لا تتّبعوا الشّيطان في شيء من الأفاعيل الّتي من جملتها إشاعة الفاحشة و حبّها.(18:123)

ابن عاشور :هذه الآية نزلت بعد العشر الآيات المتقدّمة،فالجملة استئناف ابتدائيّ،و وقوعه عقب الآيات العشر الّتي في قضيّة الإفك مشير إلى أنّ ما تضمّنته تلك الآيات من المناهي و ظنون السّوء و محبّة شيوع الفاحشة كلّه من وساوس الشّيطان،فشبّه حال

ص: 502

فاعلها في كونه متلبّسا بوسوسة الشّيطان بهيئة الشّيطان يمشي،و العامل بأمره يتّبع خطى ذلك الشّيطان.

ففي قوله: لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ تمثيل مبنيّ على تشبيه حالة محسوسة بحالة معقولة؛إذ لا يعرف السّامعون للشّيطان خطوات حتّى ينهوا على اتّباعها.

و فيه تشبيه وسوسة الشّيطان في نفوس الّذين جاءوا بالإفك بالمشي.

و خُطُواتِ جمع خطوة بضمّ الخاء.قرأه نافع و أبو عمرو و حمزة و أبو بكر عن عاصم،و البزيّ عن ابن كثير بسكون الطّاء،كما هي في المفرد،فهو جمع سلامة.و قرأه من عداهم بضمّ الطّاء،لأنّ تحريك العين السّاكنة أو الواقعة بعد فاء الاسم المضمومة أو المكسورة،جائز كثير.

و الخطوة بضمّ الخاء:اسم لنقل الماشي إحدى قدميه الّتي كانت متأخّرة عن القدم الأخرى،و جعلها متقدّمة عليها.(18:149)

مكارم الشّيرازيّ: و إذا فسّرنا«الشّيطان»بأنّه كلّ مخلوق مؤذ و فاسد و مخرّب،يتّضح لنا شموليّة هذا التّحذير لأبعاد حياتنا كلّها،و حيث لا يمكن جرّ أيّ إنسان مؤمن متطهّر مرّة واحدة إلى الفساد،فإنّ ذلك يتمّ خطوة بعد أخرى في طريق الفساد:

الخطوة الأولى:مرافقة الملوّثين و المنحرفين.

الخطوة الثّانية:المشاركة في مجالسهم.

الخطوة الثّالثة:التّفكير بارتكاب الذّنوب.

الخطوة الرّابعة:ارتكاب الأعمال المشتبه بها.

الخطوة الخامسة:ارتكاب الذّنوب الصّغيرة.

و أخيرا الابتلاء بالكبائر.و كأنّ الإنسان في هذه المرحلة يسلّم نفسه لمجرم ليقوده نحو الهاوية.أجل هذه خُطُواتِ الشَّيْطانِ. (11:49)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الخطوة:ما بين القدمين؛ و الجمع:خطى و خطوات و خطوات و خطوات.

و الخطوة:الفعل من الخطو،و المرّة الواحدة منه، و الجمع:خطاء و خطوات.يقال:خطا يخطو خطوا، و اختطى و اختاط،أي مشى،و أخطيت غيري:حملته على أن يخطو،و فلان يتخطّى رقاب النّاس:يخطو خطوة خطوة.

و تخطّى النّاس و اختطاهم:ركبهم و جاوزهم، و تخطّى إلى كذا:تجاوز،و فلان لا يتخطّى الطّنب:لا يبعد عن البيت للتّغوّط جبنا و لؤما و قذرا.

و في الدّعاء له:خطّي عنك السّوء:دفع،و خطّي عنك:أميط،كأنّه خطا عنك و تجاوزك.

2-و جعل ابن فارس الخطاء من هذه المادّة، و علّل ذلك بقوله:«لأنّه مجاوزة حدّ الصّواب»،و ليس ببعيد.

و عدّى الزّبيديّ الفعل:«تخطّى»ب«عن»،فقال:

فلان لا يتخطّى عن الطّنب:لا يبعد عن البيت للتّغوّط جبنا و لؤما و قذرا،و هو سهو منه؛إذ المأثور عن العرب بدون«عن»،كما تقدّم.

ص: 503

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها اسم المصدر جمعا:(خطوات)5 مرّات في 4 آيات:

1- يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ... البقرة:168

2- ...كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ... الأنعام:142

3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ

البقرة:208

4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ... النّور:21

يلاحظ أوّلا:أنّه أسند لفظ خُطُواتِ -جمع:

خطوة-إلى اَلشَّيْطانِ في هذه الآيات،-و كلّها تمثيل و مجاز-و فيها بحوث:

1-خاطب اللّه النّاس في(1)و أمرهم بالأكل ممّا في الأرض حلالا طيّبا،و نهاهم عن اتّباع خطوات الشّيطان: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ.

و خاطب المؤمنين بالمعنى دون اللّفظ في(2)،لأنّه ورد ما يدلّ على ذلك في الآية السّابقة كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، فأمرهم بالأكل ممّا رزقهم،و نهاهم عن اتّباع خطوات الشّيطان: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ.

و خاطب المؤمنين في(3)و أمرهم بالدّخول في السّلم كافّة،و نهاهم عن اتّباع خطوات الشّيطان وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ.

و خاطب المؤمنين في(4)أيضا،و نهاهم عن اتّباع خطوات الشّيطان دون واو العطف لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ -لأنّه أوّل الكلام و ليس عطفا على ما قبله-ثمّ عطف عليه جملة الشّرط: وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ. و يريد بالنّاس في(1)المؤمنين، لأنّه أمرهم بالأكل الحلال الطّيّب،و هو قوت المؤمنين -و لأنّ السّورة مدنيّة-فحينما يأمر اللّه بأكل الحلال الطّيّب،فالمأمور و المخاطب هو المؤمن-لاحظ«ح ل ل»و«ط ي ب»-و هذا لا يمنع من شمولها لغير المؤمنين أيضا،فإنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كما أنّهم مكلّفون بالأصول.

2-كثّرت الخطوات و وحّد الشّيطان في هذه الآيات،لكثرة وساوسه و تفرّق طرقه و تنوّع أحابيله،و هو يقوم بها وحده فأفرد.و نظيره ما أضيف إليه و هو جمع لفظا و معنى: فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً النّساء:76،و ما أضيف إليه و هو جمع معنى: أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ المجادلة:19.و فيه نكات أخرى،سنتناولها في«ش طن»إن شاء اللّه.

3-أسند الاتّباع إلى الخطوات للتّخصيص،فلو قيل:لا تتّبعوا الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين،لأفاد التّعميم،أي كلّ ما يمتّ إلى الشّيطان بصلة،مثل كيده و رجسه و وسوسته و فتنته و نزغه و همزه و قوله و فعله،و نظيره قوله: وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً النّساء:83.

ص: 504

3-أسند الاتّباع إلى الخطوات للتّخصيص،فلو قيل:لا تتّبعوا الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين،لأفاد التّعميم،أي كلّ ما يمتّ إلى الشّيطان بصلة،مثل كيده و رجسه و وسوسته و فتنته و نزغه و همزه و قوله و فعله،و نظيره قوله: وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً النّساء:83.

و يراد بالتّخصيص-و اللّه أعلم-ما دلّ على الفعل و الحركة،لأنّ الخطوة-كما تقدّم-ما بين القدمين، و منه:الخطو،أي المشي،و هو يدلّ على الفعل.

و يحتمل فيها كون الجمع للتّعميم،فيشمل جميع ما ذكر و ما لم يذكر،و هو الأظهر.

4-كثير منهم عمّوا«الخطوات»بكلّ آثار الشّيطان،فقالوا في تفسير الخطوات:خطاياه الّتي أمر بها،زلاّته،آثاره،طاعته،سبيله و مسلكه،ما يتخطّى بكم إليه بالأمر و التّرغيب،الّذي يزيّن لكم اللّهو و الهوى،و وساوسه و خواطره،ما يحملك على نسيان الحقّ أو عصيان الحقّ،الاقتداء به و الاستنان بسنّته، عامّ لما عدا السّنن و الشّرائع من البدع و المعاصي،ما سنّ من المعاصي،ما يخطو بكم إليه و يغريكم به من مخالفة اللّه،سيرته في الإغواء،وسوسته في الأمر بالسّوء و الفحشاء،و هي الأمور الّتي نسبتها إلى غرض الشّيطان،و هو الإغواء بالشّرك،أفعال و أفكار بعيدة عن خطّ الاستقامة،طرائقه،ما خالف حكم الإسلام،و نحوها.

و منهم من خصّها في كلّ آية بما يناسبها،فقالوا في (1): كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ :تزيين الشّيطان و وسوسته في تحريم الحرث و الأنعام،ما سنّوه من البحيرة و السّائبة و نحوه،كأنّه لمّا أباح لهم الأكل من الحلال الطّيّب نهاهم عن أكل الحرام،فيما أضلّ من تحريم البحائر و السّوائب و الوسائل و نحوها،ممّا زيّنه الشّيطان لهم في جاهليّتهم،تزيينه لهم:تحليل الحرام و تحريم الحلال، طرقه الّتي يحرّم بها الحلال و يحلّل الحرام،و نحوها.

و قالوا في(2)أيضا: كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ... :

تزيين الشّيطان بتحريم الحرث و الأنعام،طاعته و هي طاعة للخبيث،كما اتّبعها باحر و البحيرة و مسيّبو السّوائب،فتحرّموا على أنفسكم من طيّب رزق اللّه الّذي رزقكم ما حرّموه،تخطّي الشّيطان الحلال إلى الحرام،و نحوها.

و قالوا في(3): اُدْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ بمخالفة ما أمرتم به بالتّفريق في جملتكم،لا تسيروا سيره و سبله في التّفريق،تحذير ممّا يصدّهم عن الدّخول في السّلم المأمور به.

و أمّا ما جاء عن بعضهم فيها:تزيين الشّيطان في تحريم السّبت و لحم الجمل،ما خالف حكم الإسلام، و منه تسبيت السّبت...فلا وجه لاختصاصها بتحريم السّبت و لحم الجمل،لعدم ذكر لهما قبلها و لا بعدها.

و قالوا في(4): لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ :

لا تقتفوا آثاره بإشاعتكم الفاحشة في الّذين آمنوا، الأفاعيل الّتي من جملتها:إشاعة الفاحشة و حبّها.

و هذا إشارة إلى آيات الإفك المتقدّمة عليها.قال ابن عاشور ما حاصله:إشارة إلى أنّ ما تضمّنته تلك الآيات من المناهي و ظنون السّوء،و محبّة شيوع الفاحشة،كلّه من وساوس الشّيطان.

5-قال ابن عاشور أيضا:«إنّ اتّباع خطوات الشّيطان تشبيه لهيئة الشّيطان يمشي و العامل بأمره

ص: 505

يتّبع خطى ذلك الشّيطان،ففيها تمثيل مبنيّ على تشبيه حالة محسوسة بحالة معقولة،إذ لا يعرف السّامعون للشّيطان خطوات حتّى ينهوا على اتّباعها».

و قد عبّر غيره أيضا عنها بالتّمثيل،و بعضهم بالكناية و لا بأس بهما.

6-قال الماورديّ: «يحتمل أن تكون خطوات الشّيطان:الانتقال من معصية إلى أخرى،مأخوذ من نقل القدم بالخطو من مكان إلى مكان».

و قد وضّحه مكارم الشّيرازيّ،فقال:«و حيث لا يمكن جرّ أيّ إنسان مؤمن متطهّر مرّة واحدة إلى الفساد،فإنّ ذلك يتمّ خطوة بعد أخرى في طريق الفساد:

الخطوة الأولى:مرافقة الملوّثين و المنحرفين.

الخطوة الثّانية:المشاركة في مجالسهم.

الخطوة الثّالثة:التّفكير بارتكاب الذّنوب.

الخطوة الرّابعة:ارتكاب الأعمال المشتبه بها.

الخطوة الخامسة:ارتكاب الذّنوب الصّغيرة.

و أخيرا الابتلاء بالكبائر:و كأنّ الإنسان في هذه المرحلة يسلّم نفسه لمجرم...».

و هذا أيضا يجري مجرى التّمثيل،و إلاّ فلا يتعيّن كون الخطوات بهذا الطّريق بالذّات.

7-و قال أيضا تعميما للشّيطان:«و إذا فسّرنا «الشّيطان»بأنّه كلّ مخلوق مؤذ و فاسد و مخرّب يتّضح لنا شموليّة هذا التّحذير لأبعاد حياتنا كلّها».

8-و قد فسّر رشيد رضا الآية(3): اُدْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً بآيات تدعو إلى الوحدة و تحذّر عن التّفرقة مثل: وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ الأنعام:153.ثمّ حكى عن الأستاذ الإمام ما حاصله:أنّ طريق الحقّ هو الوحدة و الإسلام،و طرق الشّيطان هي مثارات التّفرّق و الخصام...و استنتج منها أنّ هذه الآيات حجّة لعلماء الأصول[أصول الفقه]القائلين بأنّ الحقّ واحد لا يتعدّد،أي يتّقون القول بالتّصويب،فيا ليتهم فرضوا على أنفسهم الاجتماع لكلّ خلاف يعرض لهم،و البحث عن وجه الحقّ فيه بلا تعصّب.

و هذا ترغيب لهم إلى الاجتهاد و الاستنباط جمعا لا فردا،حتّى يتوحّد رأيهم في المسائل الخلافيّة الفقهيّة، و يرتفع تعدّد المذاهب.و فيه بحث طويل لاحظ:

ف ق ه:«ليتفقّهوا»،و،ن ب ط:«يستنبطونه».

9-و قد جاءت خُطُواتِ الشَّيْطانِ في كلّ منها مرّة و خصّت الآية(4)بتكرارها مرّتين بصورة القياس اهتماما بالتّحذير عن الفحشاء و المنكر و كلّ ما جاء في آيات الإفك من المنكرات

ثانيا:من هذه الآيات:ثلاث مدنيّة،و واحدة(2) مكّيّة،و اثنتان منها(1)و(2)رغم أنّ إحداهما مدنيّة، و الأخرى مكّيّة فموضوعهما واحد،و هو أكل الحلال و الحرام.و هذا من التّشريع المشترك بين المكّيّ و المدنيّ،فهاتان تؤكّدان على الأكل ممّا في الأرض أو ممّا رزق اللّه،و أنّ الأكل من غيره ممّا حرّموه في الجاهليّة اتّباع لخطوات الشّيطان.

و اثنتان:(3)و(4)-و كلاهما مدنيّة-يختلف موضوعهما،فهو في(3)الدّعوة إلى السّلم و الوحدة،

ص: 506

و أنّ الاختلاف ناشئ عن اتّباع خطوات الشّيطان، و في(4)الاجتناب عن الفحشاء و المنكر،و أنّهما من خطوات الشّيطان.

و هذان أنسب بالتّشريع المدنيّ،لا سيّما أنّ(4)من تتمّة آيات حادثة الإفك المدنيّة.

ثالثا:ورد ما يناظر الخطو في القرآن،و هو:

السّير: وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ سبأ:81

الإسراء: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى... الإسراء:1

المشي: وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ لقمان:19

المضيّ: لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً الكهف:60

الذّهاب: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ الأنبياء:87

المرور: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88

ص: 507

ص: 508

خ ف ت

اشارة

لفظان،في 3 سور:2 مكّيّتان،واحدة مدنيّة

تخافت 1:-1 يتخافتون 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :صوت خفيت،و خفت خفوتا،أي خفض خفوضا.

و يقال للرّجل إذا مات:قد خفت،أي انقطع كلامه.

و زرع خافت:كأنّه بقي فلم يبلغ غاية الطّول.

و مات خفاتا:أي لم يشعر بموته،و أخفته اللّه.

و الرّجل تخافت بقولته:إذا لم يبيّنها برفع الصّوت، و هم يتخافتون إذا تشاوروا سرّا.

و امرأة خفوت لفوت:و هي الّتي تأخذها العين ما دامت وحدها،أي تستحسنها،فإذا صارت بين النّساء غمرنها.و لفوت:فيها التواء و انقباض.

و يقال:اللّفوت:الكثيرة الالتفات إلى الرّجال، و الخفوت:الّتي تخفت في جنب من كان أحسن منها.

(4:239)

اللّيث:الخفوت:خفوض الصّوت من الجوع.

(الأزهريّ 7:304)

الأصمعيّ: و الخفات و الخفاع واحد،و هو الضّعف من جوع أو مرض.(ابن دريد 3:470)

اللّحيانيّ: و الخفوت من النّساء:المهزولة.

(ابن سيده 5:152)

أبو عبيد: في حديث أبي هريرة:«مثل المؤمن الضّعيف كمثل خافت الزّرع يميل مرّة و يعتدل أخرى».

قوله:«الخافت»يعني الّذي قد لان و مات،و لهذا قيل للميّت:قد خفت،إذا انقطع كلامه و سكت.[ثمّ استشهد بشعر].

و هذا مثل الحديث المرفوع:«مثل المؤمن كمثل

ص: 509

الخامة (1)من الزّرع تميلها الرّياح مرّة هكذا و مرّة هكذا»يعني الغضّة الرّطبة.

و إنّما يراد من هذا الحديث،أنّ المؤمن مرزّأ تصيبه المصائب في نفسه و ماله و أهله،و ليس كما جاء الحديث في الكافر:«مثله كالأرزة المجذية على الأرض،حتّى يكون انجعافها مرّة».فالأرزة:شجر طوال يكون في جبل اللّكام و تلك الجبال.و بعضهم يروي حديث أبي هريرة:«كمثل خافة الزّرع»بالهاء، فإن كان هذا هكذا،فلا أدري ما هو؟و من روى «خافتة الزّرع»فهو مثل«خافت»و هو الصّواب.

(2:287)

ابن الأعرابيّ: «الخفت»بضمّ الخاء و سكون الفاء السّذاب،و هو الفيجل و الفيجن.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:306)

ابن أبي اليمان :الخفت:مصدر،خفت الرّجل، أي سكت.

الخفت:خفض الصّوت.(218-220)

ابن دريد :و الخفت من قولهم:خفت الرّجل،إذا أصابه ضعف من مرض أو جوع،و به خفات:أي ضعف.

الاسم:الخفات.(2:7)

الأزهريّ: و الإبل تخافت المضغ،إذا اجترّت.

يقال:خفت من النّعاس:أي سكن.

و زرع خافت،إذا كان غضّا طريّا ناعما.

(7:305)

الهرويّ: المخافتة و التّخافت:السّرارة،و أصل الخفوت:السّكون،و منه يقال للميّت:قد خفت أي سكن.

و في الحديث:«فنومه سبات و سمعه خفات»أي ضعيف لا خير له.و الخفوت:خفض الصّوت.

(2:573)

الصّاحب:الخفوت:خفوض الصّوت من الجوع، و صوت خفيت.

و إذا مات الرّجل فقد خفت.

و زرع خافت:نكد لم يطل.

و القارئ يخافت بقراءته.

و الإبل تخافت المضغ للجرّة.

و امرأة خفوت لفوت:تأخذها العين ما دامت وحدها.

و الخفت:المطمئنّ من الأرض.

و أخفتت النّاقة:و هو إذا نتجت ليوم ملقحها سواء.(4:313)

نحوه الحربيّ.(2:850)

الخطّابيّ: في حديث لمعاوية:«...و سمعه خفات و فهمه تارات».

و الخفات:ضعف الحسّ،يريد أنّه لا يدرك الصّوت إلاّ كهيئة السّرار.و الخفوت:خفض الصّوت، و منه المخافتة في الكلام.قال اللّه تعالى: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها الإسراء:110.».

ص: 510


1- جاء هذا الحديث في نصّ الزّمخشريّ الآتي و غيره هكذا:«مثل المؤمن الضّعيف مثل خافت الزّرع».

و إنّما قيل:للميّت خافت،لانقطاع صوته.

و الخفات:من خفت،بمنزلة الصّمات:من صمت، و السّكات:من سكت.(2:524)

الجوهريّ: خفت الصّوت خفوتا:سكن.و لهذا قيل للميّت:خفت،إذا انقطع كلامه و سكت؛فهو خافت.

و خفت خفاتا،أي مات فجأة.

و المخافتة و التّخافت:إسرار المنطق.

و الخفت مثله.[ثمّ استشهد بشعر].(1:248)

ابن فارس: الخاء و الفاء و التّاء أصل واحد، و هو إسرار و كتمان.

فالخفت:إسرار النّطق.و تخافت الرّجلان.قال اللّه تعالى: يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ طه:103.[ثمّ استشهد بشعر](2:202)

الثّعالبيّ: خفت المريض:إذا انقطع صوته.(233)

ابن سيده: الخفت،و الخفات:الضّعف من الجوع و نحوه،و قد خفت.

الخفوت:ضعف الصّوت من شدّة الجوع.

و المخافتة:إخفاء الصّوت.

و خافت بصوته:خفّضه.

و خافتت الإبل المضغ:خفتته.

و خفت صوته يخفت:رقّ.

و تخافت القوم:تشاوروا سرّا،و في التّنزيل:

يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً. طه:103.

و خفت الرّجل خفوتا:مات.

و الخفات:موت البغتة.

و قيل:[الخفوت]هي الّتي لا تكاد تبين من الهزال.

و قيل:هي الّتي تستحسنها ما دامت وحدها،فإذا رأيتها في جماعة النّساء غمزتها (1).

و زرع خافت:نكد لم يطل.

و الخفت:السّذاب،لغة في«الختف».(5:152)

الرّاغب: المخافتة و الخفت:إسرار المنطق.[ثمّ استشهد بشعر](152)

الزّمخشريّ: خفت صوته خفوتا،و صوته خافت و خفيت.

و خفت الرّجل:سكت فلم يتكلّم.

و أخذه السّكات و الخفات:السّكوت.

و منطقه خفات،و خافت بقراءته، وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ.

و يقال للميّت:قد خفت،إذا انقطع كلامه.

و من المجاز:زرع خافت:ميّت.و في الحديث:

«مثل المؤمن الضّعيف مثل خافت الزّرع».

و مات خفاتا:فجأة.

و امرأة خفوت لفوت:تأخذها العين ما دامت وحدها،فإذا صارت بين النّساء غمرنها.و اللّفوت:

النّمّامة.(أساس البلاغة:116)

ابن الأثير: في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه:

«مثل المؤمن كمثل خافت الزّرع يميل مرّة و يعتدل أخرى»و في رواية:«كمثل خافت الزّرع»الخافت و الخافتة:مالان و ضعف من الزّرع الغضّ،و لحوقا.

ص: 511


1- و عند الخليل و الأزهريّ:غمرنها.

الهاء على تأويل السّنبلة.و منه خفت الصّوت:إذا ضعف و سكن.يعني أنّ المؤمن مرزّأ في نفسه و أهله و ماله،ممنوّ بالأحداث في أمر دنياه.و يروى:«كمثل خامة الزّرع».

و منه الحديث:«نوم المؤمن سبات،و سمعه خفات» أي ضعيف لا حسّ له.

و منه حديث معاوية و عمرو بن مسعود:«سمعه خفات،و فهمه تارات».

و منه حديث عائشة رضي اللّه عنها قالت:«ربّما خفت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بقراءته،و ربّما جهر».

و حديثها الآخر:«أنزلت: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها في الدّعاء».و قيل:في القراءة.

و الخفت:ضدّ الجهر.

و في حديثها الآخر:«نظرت إلى رجل كاد يموت تخافتا،فقالت:ما لهذا؟فقيل:إنّه من القرّاء».

التّخافت:تكلّف الخفوت،و هو الضّعف و السّكون و إظهاره من غير صحّة.

و منه حديث صلاة الجنازة:«كان يقرأ في الرّكعة الأولى بفاتحة الكتاب مخافتة»هو«مفاعلة»منه.

(2:52)

الفيّوميّ: خفت الصّوت خفتا،من باب «ضرب»و يعدّى بالباء فيقال:خفت الرّجل بصوته، إذا لم يرفعه،و خافت بقراءته مخافتة،إذا لم يرفع صوته بها.و خفت الزّرع و نحوه:مات،فهو خافت.(1:175)

الفيروزآباديّ: خفت خفوتا:سكن و سكت، و خفاتا:مات فجأة.

و الخفت:إسرار المنطق،كالمخافتة و التّخافت.

و الخبت (1)،و بالضّمّ:السّذاب.

و الخافت:السّحاب ليس فيه ماء،و زرع لم يطل.

و الخفوت:المرأة المهزولة،أو الّتي تستحسن وحدها،لا بين النّساء.

و أخفتت النّاقة:نتجت ليوم ملقحها.(1:152)

مجمع اللّغة :خافت الرّجل بصوته:لم يرفعه.

و خافت بقراءته مخافتة و خفت بها يخفت:لم يرفع صوته بها.

تخافتوا تخافتا:تحادثوا بطريق المسارّة.(1:344)

النّصوص التّفسيريّة

تخافت

قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً. الإسراء:110

ابن عبّاس: و لا تسرّ بقراءة القرآن فلا تسمع أصحابك.(243)

نحوه سعيد بن جبير و قتادة(الطّبريّ 8:169)، و الزّجّاج(3:264).

مجاهد :لا تجهر بدعائك،و لا تخافت بها،و لكن بين ذلك.

مثله عطاء و مكحول.(الطّبرسيّ 3:446)

الحسن :أي لا تراء بها علانية،و لا تخفها سرّا.

ص: 512


1- كذا و الصّحيح«الخفت»كما في التّاج.

مثله قتادة.(الطّبريّ 8:170)

الإمام الباقر عليه السّلام:الإجهار:أن ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك،و لا تسمع من معك إلاّ سرّا (1).

(العروسيّ 3:234)

الإمام الصّادق عليه السّلام:الجهر بها رفع الصّوت، و التّخافت:ما لم تسمع نفسك.(العروسيّ 3:234)

ابن زيد :قوله: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها... قال:السّبيل بين ذلك،الّذي سنّ له جبرائيل من الصّلاة الّتي عليها المسلمون.و كان أهل الكتاب يخافتون،ثمّ يجهر أحدهم بالحرف فيصيح به، و يصيحون هم به وراءه،فنهى أن يصيح كما يصيح هؤلاء،و أن يخافت كما يخافت القوم،ثمّ كان السّبيل الّذي بين ذلك،الّذي سنّ له جبرائيل من الصّلاة.

(الطّبريّ 8:171)

أبو عبيدة :لا تخفت بها،و لا تفوّه بها،و لكن أسمعها نفسك،و لا تجهر بها فترفع صوتك،و هذه في صلاة النّهار العجمى،كذلك تسمّيها العرب،و لم نسمع في كلام العرب شيئا.(1:392)

ابن قتيبة :أي لا تخفها.(262)

نحوه السّجستانيّ.(110)

القشيريّ: لا تجهر بجميعها،و لا تخافت بكلّها، و ارفع صوتك في بعضها دون بعض.

و يقال:و لا تجهر بها جهرا يسمعه الأعداء، و لا تخافت بها حيث لا يسمع الأولياء.

وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً :يكون للأحباب مسموعا،و عن الأجانب ممنوعا.

و يقال: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ :بالنّهار وَ لا تُخافِتْ بِها باللّيل.(4:46)

البغويّ: أي لا ترفع صوتك بقراءتك أو بدعائك، و لا تخافت بها.

و المخافتة:خفض الصّوت و السّكوت. وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أي بين الجهر و الخفاء.(3:169)

الزّمخشريّ: و المعنى:و لا تجهر حتّى تسمع المشركين وَ لا تُخافِتْ حتّى لا تسمع من خلفك وَ ابْتَغِ بَيْنَ الجهر و المخافتة سَبِيلاً وسطا.

(2:470)

نحوه النّسفيّ(2:331)،و البيضاويّ(1:601).

ابن عطيّة: أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن لا يجهر بصلاته، و أن لا يخافت بها،و هو الإسرار الّذي لا يسمعه المتكلّم به هذه هي حقيقته،و لكنّه في الآية عبارة عن خفض الصّوت و إن لم ينته إلى ما ذكرناه.[إلى أن قال:]

و قال عبد اللّه بن مسعود:لم يخافت من أسمع أذنيه،و ما روي من أنّه قيل لأبي بكر:«ارفع أنت قليلا»يردّ هذا،و لكنّ الّذي قال ابن مسعود هو أصل اللّغة.

و يستعمل الخفوت بعد ذلك في ارفع من ذلك.

(3:493)

الطّبرسيّ: [اكتفى بنقل الأقوال](3:446)

ابن الجوزيّ: المخافتة:الإخفاء،يقال:صوتا»

ص: 513


1- كذا،و الظّاهر:«الإخفات أن لا تسمع من معك إلاّ سرّا»

خفيت.(5:101)

ابن عربيّ: وَ لا تَجْهَرْ في صلاة الشّهود،بإظهار صفة الصّلاة عن نفسك،فيؤذن بالطّغيان،و ظهور الأنائيّة. وَ لا تُخافِتْ غاية الإخفات،فيؤذن بالانطماس في محلّ الفناء،دون الرّجوع إلى مقام البقاء،فلا يمكن أحدا الاقتداء بك. وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً يدلّ على الاستقامة،و لزوم سيرة العدالة في عالم الكثرة.و ملازمة الصّراط المستقيم بالحقّ.(1:736)

الكلبيّ: المخافتة:هي الإسرار.[ثمّ ذكر في سبب الآية نحو ما مرّ عن ابن عبّاس]

و قيل:المعنى:لا تجهر بصلاتك كلّها،و لا تخافت بها كلّها،و اجعل منها سرّا و جهرا حسبما أحكمته السّنّة.و قيل:الصّلاة هنا:الدّعاء.(2:181)

أبو حيّان :[اكتفى بنقل الأقوال](6:90)

الآلوسي:و المخافتة:إسرار الكلام بحيث لا يسمعه المتكلّم،و من هنا قال ابن مسعود:-كما أخرجه عنه ابن أبي شيبة و ابن جرير-:لم يخافت من أسمع أذنيه و خفت-و هو من باب ضرب-و خافت بمعنى.يقال:خفت يخفت خفتا و خفوتا،و خافت مخافتة:إذا أسرّ و أخفى.(15:194)

القاسميّ: أي تسرّ و تخفي.(10:4012)

عزّة دروزة :لا تكتمها،و لا تسرّها كلّ الإسرار.

(3:274)

فريد وجدي:أي و لا تخفض صوتك بها حتّى لا تسمع من خلفك.

و المخافتة و الخفت:إسرار المنطق.(379)

لاحظ:ج ه ر:«و لا تجهر».

يتخافتون

1- يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً. طه:103

ابن عبّاس: يتسارّون فيما بينهم في هذا القول.(266)

نحوه مجاهد(القرطبيّ 11:244)،و قتادة(الطّبريّ 8:456)،و ابن قتيبة(282)،و الزّجّاج(3:376)، و الماورديّ(3:425)،و الواحديّ(3:221)، و الطّبرسيّ(4:29)،و القرطبيّ(11:244)،و حجازي (16:62).

يتشاورون.(الطّوسيّ 7:207)

مثله زيد بن عليّ(273)،و الخازن(4:226).

مقاتل:يعني يتساءلون.(3:41)

أبو عبيدة :يتسارّون و يهمس بعضهم إلى بعض بالكلام.(2:29)

الطّبريّ: يتهامسون بينهم،و يسرّ بعضهم إلى بعض.(8:456)

البغويّ: أي يتشاورون بينهم،و يتكلّمون خفية.

(3:274)

الزّمخشريّ: تخافتهم لما يملأ صدورهم من الرّعب و الهول.(2:553)

نحوه البيضاويّ(2:60)و الشّربينيّ(2:484)، و أبو السّعود(4:308).

ابن عطيّة: أي يتخافت المجرمون بَيْنَهُمْ أي

ص: 514

يتسارّون،المعنى أنّهم لهول المطّلع و شدّة ذهاب أذهانهم قد عزب عنهم قدر المدّة الّتي لبثوها.(4:64)

نحوه النّسفيّ(3:65)،و أبو حيّان(6:277).

الفخر الرّازيّ: المسألة الأولى: يَتَخافَتُونَ أي يتسارّون.يقال:خفت يخفت و خافت مخافتة.

و التّخافت:السّرار،و هو نظير قوله تعالى: فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً طه:108،و إنّما يتخافتون لأنّه امتلأت صدورهم من الرّعب و الهول،أو لأنّهم صاروا بسبب الخوف في نهاية الضّعف فلا يطيقون الجهر.(22:115)

نحوه النّيسابوريّ.(16:156)

ابن جزيّ: أي يقول بعضهم لبعض في السّرّ.

(3:19)

البروسويّ: و التّخافت:إسرار المنطق و إخفاؤه أي يقول بعضهم لبعض:خفية من غير رفع صوت، بسبب امتلاء صدورهم من الخوف و الهوان،و استيلاء الضّعف.(5:425)

الآلوسيّ: أي يخفضون أصواتهم و يخفونها، لشدّة هول المطّلع.

و الجملة:استئناف لبيان ما يأتون و ما يذرون حينئذ،أو حال أخرى من(المجرمين).

(16:261)

القاسميّ: أي يتسارّون من الرّعب و الهول،أو من الضّعف.(11:4209)

المراغيّ: أي يخفضون أصواتهم و يهمس بعضهم في أذن بعض،لما امتلأت به قلوبهم من الرّعب و الذّعر.

و بمعنى الآية قوله تعالى: فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً طه:108.(16:149)

فريد وجدي:أي يخفضون أصواتهم.(416)

عزّة دروزة :يتحاورون فيما بينهم محاورة خافية.(3:87)

بنت الشّاطئ:التّخافت:أن يتحدّث بعضهم إلى بعض في خفوت،قصدا إلى الحيلولة،دون سماع أحد لما يتخافتون به.(2:65)

مغنيّة:من صفات المجرمين يوم القيامة،أنّهم لشدّة ما يعانون من الأهوال،يذهلون عن مدّة مكثهم في الحياة الدّنيا،و يقول بعضهم لبعض بلسان المقال أو الحال،و بصوت خافت:ما لبثنا إلاّ عشر ليال،أو ساعات،أو لحظات.(5:244)

الطّباطبائيّ: التّخافت:تكليم القوم بعضهم بعضا بخفض الصّوت،و ذلك من أهل المحشر لهول المطّلع.(14:210)

عبد الكريم الخطيب :أي يتحدّثون بحديث خافت،يسترونه بينهم.(8:826)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(10:67)

فضل اللّه :يتحدّثون بصوت خفيّ،يتهامسون...

عند ما يدور الحديث بينهم بشكل خافت،لهول الموقف،الّذي يمنعهم من الجهر.(15:154)

2- فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ. القلم:23

ابن عبّاس: يتسارّون فيما بينهم كلاما خفيّا.

(481)

ص: 515

نحوه النّيسابوريّ(29:23)،و جعفر شرف الدّين (10:109).

عكرمة :يتكلّمون.(الماورديّ 6:68)

عطاء:يخفون كلامهم و يسرّونه،لئلاّ يعلم بهم أحد.

مثله قتادة.(الماورديّ 6:68)

زيد بن عليّ: معناه:يتشاورون.(427)

مثله مقاتل.(4:406)

أبو عبيدة :أي يتسارّون.(2:265)

مثله ابن قتيبة.(479)

الطّبريّ: فمضوا إلى حرثهم و هم يتسارّون بينهم.(12:191)

الزّجّاج: أي يسرّون الكلام بينهم.(5:208)

مثله الواحديّ.(4:337)

الماورديّ: فيه أربعة أقوال:

أحدها:[قول عكرمة المتقدّم]

الثّاني:[قول عطاء و قتادة المتقدّم]

الثّالث:يخفون أنفسهم من النّاس حتّى لا يروهم.

الرّابع:يتشاورون بينهم.(6:67)

الطّوسيّ: التّخافت:التّقابل في إخفاء الحركة، و أصله:الخفات.من خفت فلان يخفت،إذا أخفى نفسه.و معناه هاهنا:يتسارّون بينهم.(10:81)

البغويّ: يتسارّون،يقول بعضهم لبعض سرّا.

(5:138)

مثله الخازن.(7:112)

الزّمخشريّ: يتسارّون فيما بينهم،و خفي، و خفت،و خفد،ثلاثتها في معنى الكتم،منه الخفدود:

للخفّاش.(4:144)

مثله الفخر الرّازيّ(30:89)،و البيضاويّ(2:

495)،و نحوه الطّبرسيّ(5:337)،و أبو السّعود(6:

287).

ابن عطيّة: معناه:يتكلّمون كلاما خفيّا.

(5:350)

القرطبيّ: [اكتفى بنقل بعض أقوال المتقدّمين]

(18:242)

النّسفيّ: يتسارّون فيما بينهم،لئلاّ يسمعوا المساكين.(4:281)

ابن جزيّ: يكلّم بعضهم بعضا في السّرّ.(4:139)

البروسويّ: أي يتشاورون فيما بينهم بطريق المخافتة و السّرّ،كيلا يسمع أحد،و لا يدخل عليهم.

(10:115)

نحوه الآلوسيّ(29:31)،و المراغيّ(29:34).

القاسميّ: أي يكتمون ذهابهم،و يتسارّون فيما بينهم.(16:68)

فريد وجدي:و هم يخفضون أصواتهم حتّى لا يعلم بهم أحد.(759)

عزّة دروزة :يتهامسون.(1:52)

مغنيّة:أسرعوا و هم يتسارّون مغتبطين:لن يذوق اليوم من ثمار بستاننا،محروم.(7:392)

الطّباطبائيّ: و الخفت:الإخفاء و الكتمان أي

ص: 516

و الحال أنّهم يأتمرون فيما بينهم بطريق المخافتة و المكاتمة.(19:374)

عبد الكريم الخطيب :أي إنّهم سرعان ما اجتمع أمرهم،فانطلقوا مسرعين،يتحدّث بعضهم إلى بعض في صوت خفيض هامس،حتّى لا يحسّ بهم أحد، و لا يستيقظ على خطوهم أو صوتهم من يشهد ما يفعلون،و هم يجنون ثمر جنّتهم.(15:1097)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(18:491)

فضل اللّه :في حديث خافت يحذرون فيه أن يسمعهم أحد،و هم يتآمرون و يتواصون فيما بينهم.

(23:49)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخفوت،و هو خفض الصّوت.يقال:خفت الصّوت خفوتا،أي سكن،فهو صوت خفيت.و خافت بصوته:خفّضه.يقال:خافتت الإبل المضغ،أي خفتته،و خفت الرّجل خفوتا:مات و انقطع كلامه،فهو خافت،و خفت خفاتا:مات فجأة، و خفت من النّعاس:سكن.

و المخافتة و التّخافت:إسرار المنطق،و هو الخفت:

ضدّ الجهر.يقال:تخافت القوم،أي تشاوروا سرّا.

و الرّجل يخافت بقراءته،إذا لم يبيّن قراءته برفع الصّوت.

و الخافت:السّحاب الّذي ليس فيه ماء،لأنّه ساكن لا يبرح مكانه،و زرع خافت:كأنّه بقي،فلم يبلغ غاية الطّول.

و الخفوت من النّساء:المهزولة،تشبيها بالزّرع الخافت.

2-و امرأة خفوت لفوت،فالخفوت:الّتي تأخذها العين ما دامت وحدها فتقبلها،فإذا صارت بين النّساء غمرنها،لأنّها لا تكاد تبين من الهزال، و اللّفوت:الّتي فيها التواء و انقباض.

و جاء في«المحكم»:«غمزتها»بدل«غمرنها»، فأسند الفعل إلى العين،و ليس بشيء،و كذا جاء في اللّسان و تاج العروس.و الصّواب ما ذكرناه،و به يستقيم المعنى،أي أنّ النّساء يعلونّها و يسترنها،و به قال الخليل و الأزهريّ و الزّمخشريّ و الصّغانيّ و غيرهم.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت مضارعا من«المفاعلة»مرّة،و من «التّفاعل»مرّتين في 3 آيات:

1- وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها...

الإسراء:110

2- يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً

طه:103

3- فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ* أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ القلم:23،24.

يلاحظ أوّلا:أنّه جاء من هذه المادّة فعلان:

لا تُخافِتْ نهيا،و يَتَخافَتُونَ خبرا،و فيها بحوث:

ص: 517

1-أنّها للمشاركة و هي الأصل في وزني «المفاعلة»و«التّفاعل»مع تفاوت بينهما.

ففي مثل«ضارب زيد عمروا»،و«تضارب زيد و عمرو»الأوّل دلّ على أنّ زيدا هو الّذي بدأ بالضّرب دون الثّاني،حيث دلّ على المساوات بينهما.

و بين الآيتين فرق أيضا،فالأولى جاءت بشأن صلاة النّبيّ عليه السّلام جماعة مع النّاس-كما هو الظّاهر من السّياق-فكانوا يماشونه في صلاتهم خلفه،و يسمعون صوته و هم خافتون،فجرى ذلك مجرى المشاركة، فلهذا قال: وَ لا تُخافِتْ أي لا تشاركهم و لا تبدوهم في الإخفات،و لم يكونوا يجهرون بصلاتهم جماعة قطّ، حتّى يقول له:لا تجاهر،بل كان الجهر خاصّا به عليه السّلام، و المخافتة:مشتركة بينه و بينهم اشتراكا خفيّا يشعر به «المفاعلة» لا تُخافِتْ.

و هذا هو السّرّ في الفرق بين لا تَجْهَرْ و لا تُخافِتْ في(1)من جانب،و بين لا تُخافِتْ و يَتَخافَتُونَ في(1)و(2)من جانب آخر،فإنّ المشاركة في الأولى خفيّة و مؤوّلة،و في الثّانية صريحة و حقيقيّة كما يأتي.

و يشهد لما قلنا:«إنّ الآية(1)جاءت بشأن صلاة الجماعة»،ما روي عن الإمامين الباقر و الصّادق عليهما السّلام:«الإجهار:أن ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك،و لا تسمع من معك إلاّ سرّا»و كذلك ما جاء عن ابن زيد:من أنّ هذا الحكم كان ردّا لطريقة أهل الكتاب من تشديد الجهر و الإخفات في صلواتهم.

2-جاء تُخافِتْ في(1)طباقا للفعل تَجْهَرْ : وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها، و فسّره أغلب المفسّرين بالإسرار،نظرا إلى قوله: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ الرّعد:10، و فسّره بعض بالخفاء،نظرا إلى قوله: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى الأعلى:7،و فسّره آخر بالكتمان،نظرا إلى قوله: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَ يَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ

الأنبياء:110،و كذا فسّرت الآيتان(2)و(3).

3-فسّر ابن عبّاس و من تبعه لا تُخافِتْ بِها ب «لا تسرّ بقراءة القرآن فلا تسمع أصحابك»فإن أراد قراءة القرآن في الصّلاة فقد أصاب،و إن أراد القراءة في غير الصّلاة فلا،لقوله: لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها، حيث إنّ الضّمير في(بها)يرجع إلى (صلاتك).

و فسّرها مجاهد ب«لا تجهر بدعائك و لا تخافت بها»،قال:«المراد بالصّلاة الدّعاء»،و نحن نسلّم أنّ الصّلاة لغة:الدّعاء،إلاّ أنّها خصّت في الشّريعة بعبادة خاصّة هي الصّلوات المفروضة-و هي المراد في هذه الآية-و المسنونة.فهي من جملة ما يعبّر عنه في علم الأصول ب«الحقيقة الشّرعيّة».

و قد جمع البغويّ بين القراءة و الدّعاء،فقال:«أي لا ترفع صوتك بقراءتك أو بدعائك و لا تخافت بها» و هذا أقرب إلى الصّواب،لو أريد به الدّعاء خلال الصّلاة.

ص: 518

4-صرّح القشيريّ و غيره بأنّ المراد بها:لا تجهر بجميع الصّلوات،و لا تخافت بكلّها،بل ارفع صوتك في بعض دون بعض،و أضاف الكلبيّ:«و اجعل منها سرّا و جهرا حسبما أحكمته السّنّة»،و خصّ بعضهم:

الإخفات بصلاة النّهار،و الجهر بصلاة اللّيل، أو الإخفات ببعض أجزاء الصّلاة،و الجهر ببعض، أو المراد:المنع عن المداومة على أحدهما في الصّلوات، و الأمر بالتّحوّل من أحدهما إلى الآخر فيها.

و ليس في الآية،سوى الأمر برعاية الحدّ الوسط بين الجهر و الإخفات في الصّلاة وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً، و ما سوى ذلك فكلّها مستفاد من السّنّة.

و يؤيّده ما جاء في سبب نزولها،من أنّها ردّ لطريقة اليهود من التّشديد فيها.

5-ذكروا في حدّ الجهر و الإخفات:أنّ الجهر:

إسماع من خلفه،و الإخفات:عدم إسماعه إيّاهم،و إن سمعه المتكلّم به.

و شذّ ما روي عن ابن مسعود:«لم يخافت من أسمع أذنيه»و أيّده ابن عطيّة حيث قال:«الإخفات:

هو الإسرار الّذي لا يسمعه المتكلّم به،هذه هي حقيقته،و لكنّه في الآية عبارة عن خفض الصّوت، و إن لم ينته إلى ما ذكرناه-إلى أن قال:-و لكنّ الّذي قال ابن مسعود:هو أصل اللّغة،و يستعمل الخفوت بعد ذلك في أرفع من ذلك»و يظهر من الآلوسيّ أنّه قال:بقول ابن مسعود تماما.

و عن الإمامين الباقر و الصّادق عليهما السّلام:

ما تقدّم من أنّ الإجهار:أن ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك،و لا تسمع من معك إلاّ سرّا.

و في معناه ما عن الزّمخشريّ:«لا تجهر حتّى تسمع المشركين،و لا تخافت حتّى لا تسمع من خلفك...».

6-و عند العرفاء رأي آخر حسب ذوقهم،فعن الحسن:أنّه أوّل الجهر و الإخفات بالرّياء في الصّلاة و تركه،حيث قال:«أي لا تراء بها علانية و لا تخفها سرّا»،و قال:«لا تحسّن علانيتها و تسيء سريرتها».

و نظيره عن سعيد بن جبير و الإمامين الباقر و الصّادق عليهما السّلام و الضّحّاك-كما تقدّم في «ج ه ر»-:«لا تصلّ مراءاة النّاس،و لا تدعها مخافة».

و قال القشيريّ: «و يقال:و لا تجهر بها جهرا يسمعه الأعداء،و لا تخافت بها حيث لا يسمع الأولياء: وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً، يكون للأحباب مسموعا،و عن الأجانب ممنوعا».

و قال ابن عربيّ: لا تَجْهَرْ في صلاة الشّهود، بإظهار صفة الصّلاة عن نفسك،فيؤذن بالطّغيان، و ظهور-الأنانيّة- وَ لا تُخافِتْ غاية الإخفات، فيؤذن بالانطماس في محلّ الفناء،دون الرّجوع إلى مقام البقاء،فلا يمكّن أحدا لاقتداء بك،و يدلّ على الاستقامة،و لزوم سيرة العدالة في عالم الكثرة، و ملازمة الصّراط المستقيم بالحقّ».

7-و قد تقدّم في«ج ه ر»ذيل هذه الآية نصوص أخرى،فيها فوائد كثيرة،و قد جاء في بعضها:

أنّ الآية بقرينة صدرها لا تعني الجهر و الإخفات المصطلحين عند الفقهاء،بل المراد بها المنع عن الإفراط

ص: 519

و التّفريط كنموذج للاعتدال في كلّ الأمور.و لنا بحث فيها في«الاستعمال القرآنيّ»فلاحظ.

8-فسّروا يَتَخافَتُونَ في(2)و(3)ب«يتسارّون همسون،يسرّون،يخفضون أصواتهم و نحوها،و فسّره بعض كبار المفسّرين من الرّعيل الأوّل كابن عبّاس و زيد بن عليّ:بالتّشاور،و هو عزيز لغة و استعمالا، اللّهمّ إلاّ أن يكون التّشاور،الهمس بلغة بعض العرب في هذا اليوم،يقولون:شاوره،أي همس في أذنه،و هم يتشاورون،أي يتكلّمون بكلام خفيّ،لا يكاد يسمع.

و هذا بعيد،لطول الفترة بيننا و بينهم،و تراخي زماننا عن زمانهم.

ثانيا:يبدو أنّ هذه المادّة كانت في الأصل لغة أهل مكّة،فكلّ آياتها مكّيّة،و واحدة منها و هي(3)جاءت في سورة«القلم»ثانية السّور نزولا بعد سورة «العلق»،و الخفت و الإخفات يعكس حال المسلمين أيضا في مكّة،حيث كانوا يخفون صلواتهم،بل و إسلامهم في خوف من المشركين،فإنّ«خفت»قريب الاشتقاق من«خوف»و تتبادر منه حالة الخوف عند من يسمعه.فهذه المادّة تناسب حالة المؤمنين في مكّة تماما.

ثالثا:اتّضح من كلام المفسّرين أنّ الخفوت إمّا خفض صوت كلام الإنسان،و إمّا خفض حركته، و على هذا،فإنّ بينه و بين الأصول التّالية الواردة في القرآن اشتقاقا أكبر:

الخفاء: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا مريم:3.

الخبء: يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ

النّمل:25.

الخفض: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ

الحجر:88

الخبت: فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الحجّ:34

الخمود: إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ يس:29

الخبوّ: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً الإسراء:97

كما أنّ لهذه المادّة-أي«خ ف ت»-نظائر في القرآن،مع تفاوت دقيق بينها،يعلم من النّظر في موادّها،و هي:

الهمس: وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً طه:108

الرّكز: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً مريم:98

الحسيس: لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها الأنبياء:102

الوسوسة: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ق:16

ص: 520

خ ف ض

اشارة

لفظان،4 مرّات،في 4 سور مكّيّة

اخفض 3:3 خافضة 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخفض:نقيض الرّفع.و عيش خفض:

ذو دعة و خصب.

و خفضت الشّيء فانخفض و اختفض.

و خفضت الجارية،و ختن الغلام.

و التّخفيض:مدّك رأس البعير إلى الأرض لتركبه.[ثمّ استشهد بشعر](4:178)

نحوه الصّاحب.(4:237)

ابن شميّل: عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ اللّه يخفض القسط و يرفعه»القسط:العدل.و من ثقلت موازينه:

خفضت،و من خفّت موازينه:شالت.

الخافضة:التّلعة المطمئنّة،و جمعها:الخوافض، و الرّافعة:المتن من الأرض؛و جمعها:الرّوافع.

(الأزهريّ 7:114)

ابن الأعرابيّ: يقال للقوم:هم خافضون، إذا كانوا وادعين مقيمين على الماء.

و إذا انتجعوا لم يكونوا في النّجعة خافضين،لأنّهم لا يزالون ظاعنين في طلب الكلإ و مساقط الغيث.

الخفض:العيش الطّيّب.

و الخفض:الانحطاط بعد العلوّ.

و الخفض:ختان الجارية.(الأزهريّ 7:113)

أصيب بمصائب تخفض الموت،أي بمصائب تقرّب إليه الموت،لا يفلت منها.(ابن سيده 5:44)

الأصمعيّ: يقال للجارية:أعذرت و خفضت.

(الحربيّ 1:270)

أبو حاتم: تقول العرب:ختنت الغلام و خفضت الجارية،و لا يكادون يقولون:ختنت الجارية،

ص: 521

و لا خفضت الغلام.

و الخافضة:الخاتنة.(ابن دريد 2:229)

الحربيّ: عن عكرمة:«رأيت رجلا يصلّي خلف المقام يكبّر في كلّ خفض و رفع،فأخبرت ابن عبّاس،فقال:تلك صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم».

عن أبي مليح:«أنّ ختّانة خفضت جارية فماتت، فرفعت إلى عمر،فقال:كيف خفضتيها؟قالت:كما كنت أخفض.قال:لو ما أبقيت،فضمّنها».

قوله:«يكبّر في كلّ خفض»هو خلاف الرّفع، يريد حين يهبط للرّكوع و السّجود.

و قوله:«خفضت جارية»الخفض للجارية بمنزلة الختان للغلام.(2:553)

ابن دريد :و الخفض:ضدّ الرّفع،خفضته أخفضه خفضا.

و عيش خافض رافع،إذا كان واسعا سهلا.

و القوم في خفض من العيش،إذا كانوا في عيش واسع.

و يقال للرّجل إذا أمر بتسهيل الشّيء عليه:خفّض عليك.(2:229)

و يقال:عذرت الغلام و خفضت الجارية،و لا يقال:خفضت الغلام و لا عذرت الجارية(2:309)

الأزهريّ: روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال لأمّ عطيّة:

«إذا خفضت فأشمّي»يقول:إذا ختنت جارية فلا تسحتي نواتها،و لكن اقطعي من طرفها حزّة يسيرة.

[و ذكر كلام ابن شميّل في حديث النّبيّ و أضاف:]

قلت:ذهب ابن شميّل إلى أنّ«القسط»هاهنا:

الموازين الّتي ذكرها اللّه تعالى فقال: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ. الأنبياء:47.

و قال غيره في تفسير قوله:«إنّ اللّه يخفض القسط و يرفعه»إنّ القسط معناه:العدل،و إنّ اللّه جلّ و عزّ يحطّه في الأرض مرّة،و يظهر عليه أهل الجور ابتلاء و تطهيرا و استعتابا،و كما شاء اللّه.فإذا تابوا و أنابوا رفع العدل و أظهر أهله على أهل الجور.

و هذا القول عندي صحيح إن شاء اللّه.

و العرب تقول:أرض خافضة السّقيا،إذا كانت سهلة السّقي،و أرض رافعة السّقيا،إذا كانت على خلاف ذلك.

و فلان خافض الجناح،و خافض الطّير،إذا كان وقورا ساكنا.

و امرأة خافضة الصّوت،و خفيضة الصّوت، إذا كانت ذات وقار،لا سلاطة في لسانها.(7:113)

الجوهريّ: الخفض:الدّعة.يقال:عيش خافض، و هم في خفض من العيش.

و الخفض:السّير اللّيّن،و هو ضدّ الرّفع.يقال:

بيني و بينك ليلة خافضة،أي هيّنة السّير.

و خفضت الجارية،مثل ختنت الغلام.و اختفضت هي.

و الخافضة:الخاتنة.

و خفض الصّوت:غضّه.يقال:خفّض عليك القول،و خفّض عليك الأمر،أي هوّن.

و الخفض و الجرّ واحد،و هما في الإعراب بمنزلة

ص: 522

الكسر في البناء في مواضعات النّحويّين.

و الانخفاض:الانحطاط.

و اللّه يخفض من يشاء و يرفع،أي يضع.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:1074)

نحوه ملخّصا الرّازيّ.(201)

ابن سيده: الخفض:ضدّ الرّفع،خفضه يخفضه خفضا فانخفض و اختفض.

و التّخفيض:مدّك رأس البعير إلى الأرض.

و امرأة خافضة الصّوت و خفيضة الصّوت:خفيّته ليّنته،و قد خفضت.و خفض صوتها:لان و سهل.

و الخفض و الخفيضة جميعا:لين العيش و سعته.

و عيش خفض،و خافض،و مخفوض،و خفيض:

خصيب في دعة و لين و قد خفض.

و خفّض عليك،أي سهّل.

و خفّض عليك جأشك،أي سكّن قلبك.

و خفّض الطّائر جناحه:ألانه هو ضمّه إلى جنبه، ليسكن من طيرانه.

و خفض الجارية يخفضها خفضا،و هو كالختان للغلام.

و قيل:خفض الصّبيّ خفضا:ختنته،فاستعمل في الرّجل.و الأعرف أنّ الخفض للمرأة،و الختان للصّبيّ.

و الخفض:المطمئنّ من الأرض؛و جمعه:خفوض.

و خفض الرّجل:مات.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](5:43)

اختفض الشّيء و انخفض:انحطّ بعد علوّ.

(الإفصاح 2:1028)

الرّاغب:الخفض:ضدّ الرّفع.و الخفض:الدّعة و السّير اللّيّن.(152)

ابن القطّاع:خفض الشّيء خفضا:ضدّ رفعه، و الحرف بالإعراب:أضجعه عن النّصب،و الجارية خفاضا:ختنها،و العيش:أخصب،و بالمكان:أقام.

و الصّوت:غضّه،و العيش:كان صاحبه في دعة، و أيضا سار سيرا ليّنا،و هو ضدّ الرّفع.(1:300)

البطليوسيّ: الخفض:ضدّ الرّفع و مكان خفض، أي منخفض[ثمّ استشهد بشعر](263)

الزّمخشريّ: خفض الشّيء و رفعه فانخفض، و هو في حال رفعة و حال خفضة.

و ختن الغلام،و خفضت الجارية.و فلانة خافضة.و نعمت الخافضة،و خفّض رأس البعير إلى الأرض.

و من المجاز:خفض صوته و رفعه و كلام مخفوض و خفيض.و خفض له جناحه:تواضع له.

و لفلان جناح مخفوض و خفيض،و هو منقاد لك خافض الجناح،و هو خافض الطّير،و واقع الطّير، و ساكن الطّير:وقور.

و خفضت الإبل:نقيض رفعت،إذا لان سيرها، و لها خفض و رفع،و مخفوض و مرفوع.

و خفّض عليك:هوّن الأمر على نفسك و سهّله.

و أرض خافضة السّقيا،و رافعة السّقيا،أي سهلة السّقي و صعبته،و منه خفض عيشه:سهل و وطؤ،يخفض خفضا،و هو في خفض من العيش و مخفوض و خفيض:بارد.

ص: 523

و قولهم:عيش خافض،كعيشة راضية.و ما زالت تخفضني أرض و ترفعني أرض حتّى وصلت إليكم

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(أساس البلاغة:116)

قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«يا أمّ عطيّة إذا خفضت فأشمّي،و لا تنهكي فإنّه أسرى للوجه و أحظى عند الزّوج» الخفض:ختن المرأة خاصّة،شبّه القطع إلى اليسير بإشمام الرّائحة،و النّهك:المبالغة فيه.(الفائق 1:385)

المدينيّ: في حديث أبي بكر:«خفّضي عليك»أي هوّني الأمر عليك.(1:597)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الخافض»هو الّذي يخفض الجبّارين و الفراعنة،أي يضعهم و يهينهم،و يخفض كلّ شيء يريد خفضه.و الخفض:

ضدّ الرّفع.

و منه الحديث:«إنّ اللّه يخفض القسط و يرفعه» القسط:العدل،ينزله إلى الأرض مرّة و يرفعه أخرى.

و منه حديث الدّجّال:«فرفّع فيه و خفّض»أي عظّم فتنته و رفع قدرها،ثمّ وهّن أمره و قدره و هوّنه.

و قيل:أراد أنّه رفع صوته و خفضه في اقتصاص أمره.

و منه حديث وفد تميم:«فلمّا دخلوا المدينة بهش إليهم النّساء و الصّبيان يبكون في وجوههم فأخفضهم ذلك»أي وضع منهم.قال أبو موسى:أظنّ الصّواب بالحاء المهملة و الظّاء المعجمة،أي أغضبهم.

و في حديث الإفك:«و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يخفّضهم» أي يسكّنهم و يهوّن عليهم الأمر،من الخفض:الدّعة و السّكون.(2:53)

الفيّوميّ: خفض الرّجل صوته خفضا،من باب «ضرب»:لم يجهر به.

و خفض اللّه الكافر:أهانه.

و خفض الحرف في الإعراب،إذا جعله مكسورا.

و خفضت الخافضة الجارية خفاضا:ختنتها، فالجارية مخفوضة.و لا يقال:الخفض إلاّ على الجارية دون الغلام.

و هو في خفض من العيش،أي في سعة و راحة.

(1:175)

الفيروزآباديّ: الخفض:الدّعة،و عيش خافض،و قد خفض،ككرم،و السّير اللّيّن،ضدّ الرّفع،و بمعنى الجرّ في الإعراب،و غضّ الصّوت.

و الخافض في الأسماء الحسنى:من يخفض الجبّارين و الفراعنة و يضعهم.

و خفض بالمكان يخفض:أقام.

و الخافضة:التّلعة المطمئنّة،و الخاتنة.

و خفضت الجارية:كختن الغلام،خاصّ بهنّ.

و خافِضَةٌ رافِعَةٌ الواقعة:3؛أي ترفع قوما إلى الجنّة،و تخفض قوما إلى النّار.

و هو خافض الطّير،أي وقور.

وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ الإسراء:24؛تواضع لهما،أو من المقلوب،أي جناح الرّحمة من الذّلّ.

و«يخفض القسط و يرفعه»،يبسط لمن يشاء، و يقدر على من يشاء.

و أرض خافضة السّقيا:سهلة السّقي.

ص: 524

و خفّض القول يا فلان:ليّنه،و الأمر:هوّنه، و رأس البعير:مدّه إلى الأرض لتركبه.

و اختفض:انحطّ،و الجارية:اختتنت.

و الحروف المنخفضة:ما عدا«قغضخصطظ».

(2:341)

مجمع اللّغة :خفض الشّيء يخفضه خفضا:

هبط به.و يقال:خفض له جناحه،إذا تواضع له،و ألان جانبه.(1:344)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:167)

العدنانيّ: أسعار مخفوضة أو مخفّضة

و يخطّئون من يقول:«يبيع فلان أثاث بيته بأسعار مخفّضة»،و يقولون:إنّ الصّواب هو:يبيعه بأسعار مخفوضة أو منخفضة أو مختفضة،لأنّ المعاجم تقول:إنّ معنى خفض الشّيء:ضدّ رفعه».

و يقول مدّ القاموس:إنّ الفعل«خفّض»يكاد يكون مرادفا للفعل«خفض»في كلّ معانيه.و يتيح لنا المجاز أيضا أن نقول:خفّض السّعر:نقص منه.أمّا انخفض السّعر أو اختفض،فمعناه:انحطّ،و لكن «الوسيط»يقول:إنّ الفعل«خفّض»يحمل معنى الفعل «خفض».

و من معاني الفعل«خفّض»:

1-خفّض القول:ليّنه.

2-خفّض الأمر:هوّنه،و منه قولهم:«خفّض عنك»أي هوّن عليك.

3-خفّض رأس البعير:مدّه إلى الأرض ليركبه.

(معجم الأخطاء الشّائعة:80)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّواضع مقارنا بالعطوفة و الرّحمة،كما أنّ الخضوع كان تواضعا مع التّسليم.

و مفهوم الخفض هو مطلق ما يقابل الرّفع،سواء كان في مقابل أمر مادّيّ أو معنويّ،و يدلّ على الأصل:

البيان و التّوضيح في آية وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ الإسراء:24،فذكر الذّلّ و الرّحمة للمبالغة و البيان.

و أمّا مفاهيم:الانحطاط و الإهانة و اللّينة و الانقياد فمن آثار ذلك الأصل.

و أمّا السّعة و الدّعة في العيش،فإنّ ترك القيود و الانحطاط في الجهات المادّيّة و تخفيف العلائق الظّاهريّة و الانخفاض،توجب سعة في العيش و حرّيّة.

و أمّا الختن في الجارية،فإنّ الختن أوّل مرحلة في جريان حياة الجارية،و أوّل تصرّف في وجودها و جسمها،و هذا أوّل وسيلة في اللّينة و الانخفاض للتّهيّؤ و الاستعداد للتّعيّش المادّيّ،و الورود إلى صراط الانقياد في مقابل الوظائف المربوطة بها.

و يدلّ على كونه في مقابل الرّفع قوله تعالى:

إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ* لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ* خافِضَةٌ رافِعَةٌ الواقعة:1-3.(3:92)

النّصوص التّفسيريّة

اخفض

1- وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ.

الحجر:88

ص: 525

ابن عبّاس: ليّن جانبك للمؤمنين،كن رحيما عليهم.(220)

نحوه مقاتل(2:436)،و الطّبريّ(7:542)، و الزّجّاج(3:186)،و الثّعلبيّ(5:352) و الماورديّ(3:171)،و الطّوسيّ(6:353)، و البغويّ(3:66)و ابن جزيّ(2:149)و ابن كثير(4:172)،و شبّر(3:395)،و المراغيّ(14:46)، و مجمع اللّغة(1:344).

سعيد بن جبير: اخضع لهم.(الماورديّ 3:171)

الشّريف الرّضيّ: و هذه استعارة،و المراد بها:

ألن كنفك لهم،و دم على لطفك بهم.و جعل سبحانه خفض الجناح هاهنا في مقابلة قول العرب إذا وصفوا الرّجل بالحدّة عند الغضب:«قد طار طيره،و قد هفا حلمه،و قد طاش وقاره».

فإذا قيل:قد خفض جناحه،فإنّما المراد به:وصف الإنسان بلين الكنف و الكظم عند الغضب،و ذلك ضدّ وصفه بطيره المغضب و نزوه المتوثّب.

(تلخيص البيان:75)

نحوه ملخّصا ابن عطيّة.(3:374)

عبد الجبّار:أمره بالتّواضع لمن آمن به.

(تنزيه القرآن:215)

الميبديّ: أي تواضع لهم و ارفق بهم ليحبّوك و يجالسوك،و لا ينفضّوا من حولك.(5:340)

نحوه البيضاويّ.(1:546)

الزّمخشريّ: و تواضع لمن معك من فقراء المؤمنين و ضعفاءهم و طب نفسا عن إيمان الأغنياء و الأقوياء.(2:398)

نحوه النّسفيّ(2:278)،و أبو السّعود(4:33) و الكاشانيّ(3:121)،و المشهديّ(2:282)، و البروسويّ(4:487)،و القاسميّ(10:3770)، و فريد وجدي(344).

القشيريّ: أي ألن لهم جانبك،و كان عليه السّلام إذا استعانت به الوليدة في الشّفاعة إلى مواليها يمضي معها، إلى غير ذلك من حسن خلقه صلوات اللّه عليه،و كان في الخبر:إنّه كان يخدم بيته،و كان في مهنة أهله، و تولّي خدمة الوفد،و كان يقول:«سيّد القوم خادمهم».(3:281)

الواحديّ: [نحو ابن عبّاس و أضاف:]و العرب تقول:فلان خافض الجناح،إذا كان وقورا ساكنا.

(3:52)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:416)

الطّبرسيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و أصله:أنّ الطّائر إذا ضمّ فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثمّ خفض،فالمعنى تواضع للمؤمنين لكي يتّبعك النّاس في دينك.(3:345)

نحوه القرطبيّ(10:57)،و أبو حيّان(5:466)، و الشّوكانيّ(3:179)و الآلوسيّ(14:80)،و حجازي (14:21).

الفخر الرّازيّ: الخفض معناه في اللّغة:نقيض الرّفع،و منه قوله تعالى في صفة القيامة: خافِضَةٌ رافِعَةٌ أي أنّها تخفض أهل المعاصي،و ترفع أهل الطّاعات،فالخفض معناه الوضع،و جناح

ص: 526

الإنسان يده...

و خفض الجناح:كناية عن اللّين و الرّفق و التّواضع.و المقصود أنّه تعالى لمّا نهاه عن الالتفات إلى أولئك الأغنياء من الكفّار،أمره بالتّواضع لفقراء المسلمين.و نظيره قوله تعالي: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ المائدة:54، و قال في صفة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ الفتح:29.(19:211)

نحوه الخازن.(4:62)

النّيسابوريّ: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ بهذا المقام ليصلوا بجناح همّتك إليه.(14:39)

الشّربينيّ: أي ألن جانبك(للمؤمنين)أي العريقين في هذا الوصف،و أصبر نفسك معهم،و ارفق بهم.(2:212)

سيّد قطب :و التّعبير عن اللّين و المودّة و العطف ب«خفض الجناح»تعبير تصويريّ،يمثّل لطف الرّعاية،و حسن المعاملة،و رقّة الجانب،في صورة محسوسة،على طريقة القرآن الفنّيّة في التّعبير.

(4:2154)

ابن عاشور :و لمّا كان هذا النّهي يتضمّن شدّة قلب و غلظة،لا جرم اعترضه بالأمر بالرّفق للمؤمنين، بقوله: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ. و هو اعتراض مراد منه الاحتراس.و هذا كقوله: أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ الفتح:29.

و خفض الجناح:تمثيل للرّفق و التّواضع بحال الطّائر إذا أراد أن ينحطّ للوقوع خفض جناحه يريد الدّنوّ،و كذلك يصنع إذا لاعب أنثاه فهو راكن إلى المسالمة و الرّفق،أو الّذي يتهيّأ لحضن فراخه.و في ضمن هذه التّمثيليّة استعارة مكنيّة،و الجناح تخييل.

و قد بسطناه في سورة الإسراء في قوله: وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ الإسراء:24.

و قد شاعت هذه التّمثيليّة حتّى صارت كالمثل في التّواضع و اللّين في المعاملة،و ضدّ ذلك رفع الجناح تمثيل للجفاء و الشّدّة.(13:66)

مغنيّة:تواضع للطّيّبين المخلصين،لأنّ التّواضع لهؤلاء تواضع للّه،و التّكبّر على الخونة المفسدين جهاد في سبيل اللّه.(4:490)

الطّباطبائيّ: و قوله: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ قالوا:هو كناية عن التّواضع و لين الجانب.و الأصل فيه:أنّ الطّائر إذا أراد أن يضمّ إليه أفراخه بسط جناحه عليها ثمّ خفضه لها.هذا،و الّذي ذكروه و إن أمكن أن يتأيّد بآيات أخر،كقوله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ آل عمران:159 و قوله في صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ التّوبة:

128،لكنّ الّذي وقع في نظير الآية ممّا يمكن أن يفسّر به«خفض الجناح»هو صبر النّفس مع المؤمنين،و هو يناسب أن يكون كناية عن ضمّ المؤمنين إليه،و قصر الهمّ على معاشرتهم و تربيتهم و تأديبهم بأدب اللّه، أو كناية عن ملازمتهم و الاحتباس فيهم من غير مفارقة،كما أنّ الطّائر إذا خفض الجناح لم يطر و لم يفارق،قال تعالى: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا الآية الكهف:28.

ص: 527

128،لكنّ الّذي وقع في نظير الآية ممّا يمكن أن يفسّر به«خفض الجناح»هو صبر النّفس مع المؤمنين،و هو يناسب أن يكون كناية عن ضمّ المؤمنين إليه،و قصر الهمّ على معاشرتهم و تربيتهم و تأديبهم بأدب اللّه، أو كناية عن ملازمتهم و الاحتباس فيهم من غير مفارقة،كما أنّ الطّائر إذا خفض الجناح لم يطر و لم يفارق،قال تعالى: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا الآية الكهف:28.

(12:192)

طه الدّرّة:أي ألن جانبك لمن آمن بك،و تواضع لهم،و في هذه الجملة استعارة مكنيّة،و هي ما حذف فيها المشبّه به،و رمز إليه بشيء من لوازمه،فقد استعير الطّائر للذّلّ،ثمّ حذفه و دلّ عليه بشيء من لوازمه و هو الجناح.و إثبات الجناح للذّلّ يسمّونه استعارة تخييليّة.(7:352)

عبد الكريم الخطيب :احتفاء بشأن المؤمنين و رفع لمنزلتهم،و أنّ على النّبيّ أن يلقاهم حفيّا بهم مكرما لهم،متجاوزا عن هناتهم.(7:262)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هذا التّعبير كناية جميلة عن التّواضع و المحبّة و الملاطفة،فالطّيور حينما تريد إظهار حنانها لفراخها تجعلها تحت أجنحتها بعد خفضها،فتجسّم بذلك أعلى صور العاطفة و الحنان، و تحفظهم من الحوادث و الأعداء،و تحميهم من التّشتّت.

و التّعبير المذكور عبارة عن كناية مختصرة بليغة ذات مغزى،و معاني كثيرة جدّا.

و يمكن أن يحمل ذكر هذه الجملة بعد الأوامر الثّلاثة المتقدّمة،إشارة تحذير بعدم إظهار التّواضع و الانكسار أمام الكفّار المتنعّمين بزهو الحياة الدّنيا، بل لا بدّ للتّواضع و الحبّ و العاطفة الفيّاضة لمن آمن، و إن كان محروما من مال الدّنيا.(8:101)

فضل اللّه : وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ الّذين أخلصوا للّه إيمانهم،و تحمّلوا الكثير في سبيل الوصول إليه،و جاهدوا من أجل الثّبات على إيمانهم،و عملوا الكثير من أجل الدّعوة إليه،إنّ عليك أن تعطيهم الرّحمة كلّ الرّحمة،و التّواضع كلّ التّواضع في روحك و كلماتك و أسلوبك في التّعامل معهم.

حاول أن تجعلهم يسكنون إليك،و ينفتحون عليك،فلا يشعرون بالحرج من الحديث معك،عن كلّ ما يحسّون به من آلام و هموم و آمال،بل يجدون عندك القلب المفتوح الّذي يستقبل كلّ أمورهم،ليواجهها بالرّفق و الانفتاح و الحنان،لتحلّ لهم ما أشكل عليهم من قضايا،و تقضي لهم ما يريدونه من حاجات،لأنّهم جناحك الّذي به تطير،و قاعدتك الّتي تنطلق منها نحو المستقبل الّذي تتحرّك فيه أجيال المؤمنين،لتحمل عبء الرّسالة في الدّعوة و الحركة و الجهاد.

(13:177)

2- وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

الشّعراء:215.

نحو ما قبلها.

3- وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ.

الإسراء:24

ابن عبّاس: ليّن جانبك لهما.(235)

نحوه مقاتل(2:528)،و الزّجّاج(3:235)، و البغويّ(3:127)،و ابن الجوزي(5:25).

كن كالعبد المذنب الذّليل الضّعيف للسّيّد الفظّ الغليظ.

نحوه سعيد بن المسيّب.(النّحّاس 4:141)

ص: 528

عروة بن الزّبير:أن تلين لهما حتّى لا تمتنع من شيء أحبّاه.(الطّبريّ 8:61)

نحوه الخازن.(4:126)

عطاء:يداك لا ترفعهما على أبويك،و لا تحدّ بصرك إليهما إجلالا و إعظاما.(الجصّاص 3:256)

الإمام الصّادق عليه السّلام:لا تملأ عينيك من النّظر إليهما إلاّ برحمة و رقّة،و لا ترفع صوتك فوق أصواتهما و لا يديك فوق أيديهما،و لا تتقدّم قدّامهما.

(العيّاشيّ 3:43)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و كن لهما ذليلا رحمة منك بهما،تطيعهما فيما أمراك به،ممّا لم يكن للّه معصية،و لا تخالفهما فيما أحبّا.(8:61)

نحوه المراغيّ(15:35)،و عزّة دروزة(3:229).

النّحّاس: هو أن يطيعهما و لا يمتنع من شيء أراده.

(4:141)

القفّال:في معنى«خفض الجناح»وجهان:

الأوّل أنّ الطّائر إذا أراد ضمّ فرخه إليه للتّربية خفض له جناحه،و لهذا السّبب صار خفض الجناح:

كناية عن حسن التّربية،فكأنّه قال للولد:اكفل والديك،بأن تضمّهما إلى نفسك،كما فعلا ذلك بك حال صغرك.

و الثّاني:أنّ الطّائر إذا أراد الطّيران و الارتفاع نشر جناحه،و إذا أراد ترك الطّيران و ترك الارتفاع خفض جناحه،فصار خفض الجناح:كناية عن فعل التّواضع من هذا الوجه.(الفخر الرّازيّ 20:191)

نحوه حجازي.(15:19)

الجصّاص:هو مجاز،لأنّ الذّلّ ليس له جناح، و لا يوصف بذلك،و لكنّه أراد المبالغة في التّذلّل و التّواضع لهما.[ثمّ استشهد بشعر](3:256)

الشّريف المرتضى:هذه استعارة عجيبة و عبارة شريفة،و المراد بذلك:الإخبات للوالدين، و إلانة القول لهما،و الرّفق و اللّطف بهما.و«خفض الجناح»في كلامهم عبارة عن الخضوع و التّذلّل،و هما ضدّ العلوّ و التّعزّز،إذ كان الطّائر إنّما يخفض جناحه إذا ترك الطّيران،و الطّيران هو العلوّ و الارتفاع.

و قد يستعار ذلك لفرط الغضب و الاستشاط، فيقال:قد طار فلان طيرة،إذا غضب و استشاط.

و إنّما قال سبحانه: وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ليبيّن تعالى أنّ سبب الذّلّ لهما الرّأفة و الرّحمة،لئلاّ يقدّر أنّه الهوان و الضّراعة،و هذا من الأعراض الشّريفة و الأسرار اللّطيفة.

(تلخيص البيان:87)

الطّوسيّ: تواضع لهما و اخضع لهما.(6:467)

نحوه الطّبرسيّ(3:409)،و ابن كثير(4:298)

القشيريّ: اخفض لهما جناح الذّلّ بحسن المداراة،و لين المنطق،و البدار إلى الخدمة و سرعة الإجابة،و ترك البرم بمطالبهما،و الصّبر على أمرهما، و ألاّ تدّخر عنهما ميسورا.(3:16)

الواحديّ: ألن لهما جانبك متذلّلا لهما من رحمتك إيّاهما و شفقتك عليهما.و خفض الجناح من السّكون و ترك التّعصّب و الإباء عليهما.(3:104)

الرّاغب: هو حثّ على تليين الجانب و الانقياد،

ص: 529

كأنّه ضدّ قوله: أَلاّ تَعْلُوا عَلَيَّ النّمل:31.(152)

مثله الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:555)

الميبديّ: خفض الجناح كناية عن وضع النّفس موضع الطّاعة مع المودّة و الإكرام،مأخوذة من خفض الفراخ عند زقّة الأمّات أجنحتها.(5:541)

الزّمخشريّ: إن قلت:ما معنى قوله: جَناحَ الذُّلِّ؟ قلت:فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون المعنى و اخفض جناحك، كما قال: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ فأضافه إلى (الذّلّ)أو(الذّلّ)،كما أضيف حاتم إلى الجود،على معنى و اخفض لهما جناحك الذّليل أو الذّلول.

و الثّاني:أن تجعل لذلّه أو لذلّه لهما جناحا خفيضا،كما جعل لبيد (1)للشّمال يدا و للقرّة زماما، مبالغة في التّذلّل و التّواضع لهما.(2:445)

ابن العربيّ: المعنى تذلّل لهما تذليل الرّعيّة للأمير،و العبيد للسّادة؛و ضرب خفض الجناح و نصبه مثلا لجناح الطّائر حين ينتصب بجناحه لولده أو لغيرهم من شدّة الإقبال.(3:1198)

ابن عطيّة: استعارة،أي اقطعهما جانب الذّلّ منك،و دمّث لهما نفسك و خلقك،و بولغ بذكر(الذّلّ) هنا و لم يذكر في قوله: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الشّعراء:215،و ذلك بحسب عظم الحقّ هنا[إلى أن قال:]

و ينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلّة،في أقواله و استكانته و نظره،و لا يحدّ إليهما بصره،فإنّ تلك هي نظرة الغاضب.

و الحديث:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«أبعده اللّه و أسحقه، قالوا:من يا رسول اللّه؟قال:من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يغفر له».(3:449)

القرطبيّ: هذه استعارة في الشّفقة و الرّحمة بهما، و التّذلّل لهما تذلّل الرّعيّة للأمير و العبيد للسّادة؛كما أشار إليه سعيد بن المسيّب.و ضرب خفض الجناح و نصبه مثلا لجناح الطّائر حين ينتصب بجناحه لولده.

(10:243)

الفخر الرّازيّ: المقصود منه المبالغة في التّواضع [ثمّ ذكر قول القفّال و أضاف:]

فإن قيل:كيف أضاف الجناح إلى الذّلّ و الذّلّ لا جناح له؟قلنا:فيه وجهان:

الأوّل:أنّه أضيف الجناح إلى الذّلّ كما يقال:

حاتم الجود[و ذكر نحو الزّمخشريّ فيه].

و الثّاني:أنّ مدار الاستعارة على الخيالات،فها هنا تخيّل للذّلّ جناحا،و أثبت لذلك الجناح ضعفا تكميلا لأمر هذه الاستعارة.[و استشهد بشعر لبيد (2)]

و قوله: مِنَ الرَّحْمَةِ معناه:ليكن خفض جناحك لهما بسبب فرط رحمتك لهما و عطفك عليهما بسبب كبرهما و ضعفهما.(20:190)

نحوه النّيسابوريّ(14:27)،و القاسميّ(10:

3919).ا.

ص: 530


1- و استشهد الآلوسىّ بشعر لبيد...و.سيأتي.
2- إذا أصبحت بيد الشّمال زمامها.

البيضاويّ: تذلّل لهما و تواضع فيهما.جعل للذّلّ جناحا.[ثمّ استشهد بشعر]و أمره بخفضه مبالغة، أو أراد جناحه كقوله تعالى: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ و إضافته إلى(الذّلّ)للبيان و المبالغة، كما أضيف حاتم إلى الجود.و المعنى و اخفض لهما جناحك الذّليل.(1:582)

نحوه النّسفيّ(2:311)،و ابن جزيّ(2:170)،و الكاشانيّ(3:185)،و المشهديّ(5:495)،و شبّر (4:17)،و طنطاوي(9:10).

أبو حيّان :[ذكر كلام القفّال و ابن عطيّة و الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و المعنى أنّه جعل اللّين ذلاّ و استعار له جناحا،ثمّ رشّح هذا المجاز بأن أمر بخفضه.فالمعنى:و اخفض لهما جانبك و لا ترفعه فعل المتكبّر عليهما.(6:28)

نحوه ملخّصا السّمين(4:385)،و البروسويّ (5:147).

الشّربينيّ: أي لا من أجل الامتثال للأمر و خوف العار فقط،بل من أجل الرّحمة لهما بأن لا تزال تذكّر نفسك بالأوامر و النّواهي و بما تقدّم لهما من الإحسان إليك،و المقصود المبالغة في التّواضع.و هذه استعارة بليغة.(2:297)

أبو السّعود :عبارة عن إلانة الجانب و التّواضع و التّذلّل لهما،فإنّ إعزازهما لا يكون إلاّ بذلك[ثمّ ذكر نحو الوجه الثّاني للزّمخشريّ و أضاف:]

و أمّا جعل خفض الجناح عبارة عن ترك الطّيران -كما فعله القفّال-فلا يناسب المقام.(4:123)

الآلوسي:أي تواضع لهما و تذلّل،و فيه وجهان:

الأوّل:أن يكون على معنى جناحك الذّليل و يكون(جناح الذّلّ)بل خفض الجناح تمثيلا في التّواضع.و جاز أن يكون استعارة في المفرد و هو الجناح،و يكون الخفض ترشيحا تبعيّا أو مستقلا.

الثّاني:أن يكون من قبيل قول لبيد:

و غداة ريح قد كشفت و قرّة

إذا أصبحت بيد الشّمال زمامها

فيكون في الكلام استعارة مكنيّة و تخييليّة بأن يشبّه الذّلّ بطائر منحطّ من علوّ تشبيها مضمرا، و يثبت له الجناح تخييلا و الخفض ترشيحا،فإنّ الطّائر إذا أراد الطّيران و العلوّ نشر جناحيه و رفعهما ليرتفع، فإذا ترك ذلك خفضهما.و أيضا هو إذا رأى جارحا يخافه لصق بالأرض و ألصق جناحيه،و هي غاية خوفه و تذلّله.

و قيل المراد بخفضهما:ما يفعله إذا ضمّ فراخه للتّربية و أنّه أنسب بالمقام.و في«الكشف»:أنّ في الكلام استعارة بالكناية ناشئة من جعل الجناح الذّلّ ثمّ المجموع،كما هو مثل في غاية التّواضع.و لمّا أثبت لذلّه جناحا أمره بخفضه تكميلا.

و ما عسى يختلج في بعض الخواطر من أنّه لمّا أثبت لذلّه جناحا فالأمر برفع ذلك الجناح أبلغ في تقوية الذّلّ من خفضه،لأنّ كمال الطّائر عند رفعه، فهو ظاهر السّقوط إذا جعل المجموع تمثيلا،لأنّ الغرض تصوير الذّلّ كأنّه مشاهد محسوس.و أمّا على التّرشيح فهو وهم،لأنّ جعل الجناح المخفوض

ص: 531

للذّلّ يدلّ على التّواضع و أمّا جعل الجناح وحده فليس بشيء و لهذا جعل تمثيلا فيما سلف.(15:56)

سيّد قطب :و هنا يشفّ التّعبير و يلطف،و يبلغ شغاف القلب و حنايا الوجدان،فهي الرّحمة ترقّ و تلطف حتّى لكأنّه الذّلّ الّذي لا يرفع عينا،و لا يرفض أمرا،و كأنّما للذّلّ جناح يخفضه إيذانا بالسّلام و الاستسلام.(4:2221)

ابن عاشور :فكان ذكر رحمة العبد مناسبة للانتقال إلى رحمة اللّه،و تنبيها على أنّ التّخلّق بمحبّة الولد الخير لأبويه يدفعه إلى معاملته إيّاهما به فيما يعلمانه و فيما يخفى عنهما،حتّى فيما يصل إليهما بعد مماتهما.(14:59)

الطّباطبائيّ: خفض الجناح:كناية عن المبالغة في التّواضع و الخضوع قولا و فعلا،مأخوذ من خفض فرخ الطّائر جناحه ليستعطف أمّه لتغذيته،و لذا قيّده ب(الذّلّ)فهو دأب أفراخ الطّيور إذا أرادت الغذاء من أمّهاتها،فالمعنى واجههما في معاشرتك و محاورتك مواجهة يلوح منها تواضعك و خضوعك لهما،و تذلّلك قبالهما رحمة بهما.

هذا إن كان(الذّلّ)بمعنى المسكنة،و إن كان بمعنى المطاوعة،فهو مأخوذ من خفض الطّائر جناحه، ليجمع تحته أفراخه رحمة بها و حفظا لها.(13:80)

محمود صافي:استعارة مكنيّة و التّخييليّة في قوله تعالى: وَ اخْفِضْ حيث شبّه الذّلّ بطائر منحطّ من علوّ تشبيها مضمرا،و أثبت له الجناح تخييلا، و الخفض ترشيحا،فإنّ الطّائر إذا أراد الطّيران و العلوّ نشر جناحيه و رفعهما ليرتفع،فإذا ترك ذلك خفضهما.

و أيضا هو إذا رأى جارحا يخافه لصق بالأرض و ألصق جناحيه،و هي غاية خوفه و تذلّله.

و قيل:المراد بخفضهما:ما يفعله إذا ضمّ فراخه للتّربية،و أنّه أنسب بالمقام.(15:34)

عبد الكريم الخطيب :و خفض الجناح:كناية عن لين الجانب،و لطف المعاشرة،و رقّة الحديث.

و الإنسان فيه جانبان من كلّ شيء:جانب الخير و جانب الشّرّ،جانب القوّة و جانب الضّعف،جانب الشّدّة و جانب اللّين،و هكذا.

و بين جانبي الإنسان إرادة هي الّتي تنزع به إلى أيّ الجانبين،فهو في هذا أشبه بالطّائر حين يريد الاتّجاه إلى أيّة جهة،يخفض جناحه لها،على حين يفرد الجناح الآخر.فكأنّ الإنسان حين دعي إلى أن يلين لأبويه و أن يرقّ لهما،قد مثّل بطائر أراد أن يأخذ هذا الجانب من جانبيه،و هو جانب الرّحمة و العطف، فخفض جناحه و مال إليه.(8:473)

فضل اللّه :و ذلك يمثّل التّواضع و الخضوع قولا و فعلا،برّا بهما و شفقة عليهما،كما يخفض الطّائر جناحه إذا ضمّ فرخه إليه،فكأنّه-سبحانه-قال:

ضمّ أبويك إلى نفسك كما كانا يفعلان بك و أنت صغير.و بذلك نفهم كيف لا يريد اللّه للولد أن يستثير حسّ الكرامة في نفسه تجاه أبويه كما يستثيره تجاه الآخرين،بل لا بدّ له من أن يشعر بالذّلّ النّاشئ من الشّعور بالرّحمة لهما،لا من الشّعور بالانسحاق الذّاتيّ

ص: 532

و الانحطاط الرّوحيّ،كما يخضع الإنسان لمن يحبّه حبّا له و رحمة به،فيتحمّل منه ما لا يتحمّل من غيره.

و يتنازل له عمّا لا يتنازل عنه للآخرين.و يعيش العفو و التّسامح معه إذا أخطأ.

إنّها الرّوح الإنسانيّة الّتي تنفتح على مواقع الرّحمة،فتهفو و ترقّ و تلين،و تنساب بالخير و المحبّة و السّماع،و تعرف كيف تميّز بين مشاعر الرّحمة و مشاعر الذّلّ أمام الآخرين،فتواجه الّذين أحسنوا إليها و احتضنوها بالمحبّة و الرّحمة بالشّعور الطّاهر الخيّر نفسه،لتستمرّ حركة الإنسانيّة نحو العطاء،من خلال مواجهتها بالاعتراف الحيّ بالجميل بالمشاعر الّتي تحفظ لها كلّ ما عملته من الخير.(14:84)

خافضة

إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ* لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ* خافِضَةٌ رافِعَةٌ. الواقعة:1-3

ابن عبّاس: تخفض قوما بأعمالهم فتدخلهم النّار.(453)

نحوه الحسن(الطّوسيّ 9:488)،و السّجستانيّ (185)،و الهرويّ(2:574)،و الثّعلبيّ(9:200)، و البغويّ(5:5)،و البيضاويّ(2:445)،و الخازن (7:12).

سمّعت القريب و البعيد.(الطّبريّ 11:623)

نحوه مقاتل.(4:215)

تخفض ناسا و ترفع آخرين.(الواحديّ 4:232)

الإمام السّجّاد عليه السّلام: خافِضَةٌ خفضت و اللّه بأعداء اللّه إلى النّار رافِعَةٌ رفعت و اللّه أولياء اللّه إلى الجنّة.(الكاشانيّ 5:119)

نحوه عبد اللّه بن سراقة(الطّبريّ 11:623)، و الكلبيّ(مقاتل 4:215)،و الإمام الصّادق عليه السّلام (القمّيّ 2:346).

عكرمة :خفضت و أسمعت الأدنى و رفعت فأسمعت الأقصى،فكان القريب و البعيد من اللّه سواء.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 11:623)

و نحوه السّدّيّ و مقاتل.(الثّعلبيّ 9:200)

الحسن :تخفض أقواما إلى النّار،و ترفع أقواما إلى الجنّة.مثله الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 5:214)

ابن كعب القرظيّ: تخفض رجالا كانوا في الدّنيا مرتفعين،و ترفع رجالا كانوا في الدّنيا مخفوضين.(الماورديّ 5:446)

قتادة :تخلّلت كلّ سهل و جبل،حتّى أسمعت القريب و البعيد،ثمّ رفعت أقواما في كرامة اللّه، و خفضت أقواما في عذاب اللّه.(الطّبريّ 11:623)

السّدّيّ: خفضت المتكبّرين،و رفعت المتواضعين.

(448)

ابن عطاء:خفضت قوما بالعدل،و رفعت قوما بالفضل.(الثّعلبيّ 9:200)

الفرّاء: [نحو الإمام السّجّاد عليه السّلام:و أضاف:]

و لو قرأ قارئ (خافضة رافعة) ،يريد:إذا وقعت وقعت خافضة لقوم رافعة لآخرين،و لكنّه يقبح،لأنّ العرب لا تقول:إذا أتيتني زائرا حتّى يقولوا:إذا أتيتني فأتني زائرا،و لكنّه حسن في الواقعة،لأنّ النّصب قبله

ص: 533

آية يحسن عليها السّكوت،فحسن الضّمير في المستأنف.(3:121)

ابن السّكّيت: المعنى أنّها تخفض أهل المعاصي، و ترفع أهل الطّاعة.(الأزهريّ 7:114)

نحوه مجمع اللّغة(1:344)،و الميبديّ(9:436)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:الواقعة حينئذ خافضة أقواما،كانوا في الدّنيا أعزّاء إلى نار اللّه.

(11:622)

الزّجّاج: [مثل ابن السّكّيت و أضاف:]

خافِضَةٌ رافِعَةٌ القراءة بالرّفع،و النّصب جائز، و لم يقرأ به إمام من القرّاء،و قد رويت عن الزّيديّ صاحب أبي عمرو ابن العلاء،فمن رفع و هو الوجه، فالمعنى هي خافضة رافعة،و من نصب فعلى وجهين:

أحدهما:إذا وقعت الواقعة خافضة رافعة على الحال،و يجوز على إضمار«تقع»و يكون المعنى:

إذا وقعت تقع خافضة رافعة على الحال من «تقع»المضمر.(5:107)

أبو البركات: يقرأ بالرّفع و النّصب،فالرّفع على تقدير مبتدإ محذوف،و تقديره:فهي خافضة رافعة، و هي جواب(اذا).و النّصب:على الحال من (الواقعة)،و تقديره:وقعت الواقعة في حال الخفض و الرّفع.(2:413)

نحوه العكبريّ.(2:1202)

القيسي:قوله: خافِضَةٌ رافِعَةٌ رفع على إضمار مبتدإ،أي هي خافضة رافعة،خبر بعد خبر.

و من قرأ بالنّصب فعلى الحال من الواقعة و فيه بعد، لأنّ الحال في أكثر أحوالها إنّما تكون لما يمكن أن يكون و يمكن أن لا يكون،و القيامة لا شكّ في أنّها ترفع قوما إلى الجنّة و تخفض آخرين إلى النّار،لا بدّ من ذلك،فلا فائدة في الحال.و قد أجازه الفرّاء على إضمار:وقعت خافضة رافعة.(2:349)

الماورديّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و يحتمل رابعا:أنّها خفضت بالنّفخة الأولى من أماتت،و رفعت بالنّفخة الثّانية من أحيت.(5:446)

الطّوسيّ: قيل:تخفض قوما بالمعصية و ترفع قوما بالطّاعة،لأنّها إنّما وقعت للمجازاة،فاللّه تعالى يرفع أهل الثّواب و يخفض أهل العقاب،فهو مضاف إلى(الواقعة)على هذا المعنى.[ثمّ ذكر القراءة نحو أبي البركات](9:488)

القشيريّ: خافِضَةٌ لأهل الشّقاوة، رافِعَةٌ لأهل الوفاق، خافِضَةٌ لأصحاب الدّعاوي، رافِعَةٌ لأرباب المعاني، خافِضَةٌ للنّفوس، رافِعَةٌ للقلوب، خافِضَةٌ لأهل الشّهوة، رافِعَةٌ لأهل الصّفوة، خافِضَةٌ لمن جحد، رافِعَةٌ لمن وحّد.(6:85)

الواحديّ: [ذكر أقوالا و أضاف:]

و المعنى:أنّها تخفض أقواما إلى أسفل السّافلين في النّار،و ترفع أقواما آخرين إلى أعلى علّيّين في الجنّة.

(4:232)

الرّاغب: أي تضع قوما و ترفع آخرين،ف خافِضَةٌ إشارة إلى قوله: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ التّين:5.(152)

ص: 534

نحوه النّسفيّ(4:214)،و الفيروزآباديّ(بصائر ذوي التّمييز 2:555)،و فريد وجدي(713)، و عزّة دروزة(3:100).

الزّمخشريّ: هي خافضة رافعة ترفع أقواما و تضع آخرين:إمّا وصفا لها بالشّدّة،لأنّ الواقعات العظام كذلك،يرتفع فيها ناس إلى مراتب.و يتّضع ناس.

و إمّا لأنّ الأشقياء يحطّون إلى الدّركات، و السّعداء يرفعون إلى الدّرجات.

و إمّا أنّها تزلزل الأشياء و تزيلها عن مقارّها فتخفض بعضا؛ترفع بعضا:حيث تسقط السّماء كسفا و تنتثر الكواكب و تتكدّر،و تسير الجبال فتمرّ في الجوّ مرّ،السّحاب.

و قرئ: (خافضة رافعة) بالنّصب على الحال.

(4:51)

نحوه النّيسابوريّ(27:76)،و أبو السّعود(6:

185)،و البيضاويّ(2:445)،و البروسويّ(9:

316)،و المشهديّ(10:185)،و شبّر(6:140)، و القاسميّ(16:5645)،و طنطاوي(24:78)، و المراغيّ(27:132).

ابن عطيّة: رفع على خبر ابتداء،أي هي خافِضَةٌ رافِعَةٌ. و قرأ الحسن و عيسى الثّقفيّ و أبو حيوة(خافضة رافعة)بالنّصب على الحال بعد الحال الّتي هي لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ. و لك أن تتابع الأحوال كما لك أن تتابع أخبار المبتدإ.و القراءة الأولى أشهر و أبرع معنى؛و ذلك أنّ موقع الحال من الكلام موقع ما لم يذكر لا ستغني عنه،و موقع الجمل الّتي يجزم الخبر بها موقع ما يتهمّم به.

و اختلف النّاس في معنى هذا الخفض و الرّفع في هذه الآية.[و ذكر أقوالا و أضاف:]

و قال جمهور من المتأوّلين:القيامة بتفطّر السّماء و الأرض و الجبال انهدام هذه البنية ترفع طائفة من الأجرام و تخفض أخرى،فكأنّها عبارة عن شدّة الهول و الاضطراب.(5:238)

نحوه الثّعالبي(3:280)،و أبو حيّان(8:201).

الطّبرسيّ: أي تخفض ناسا و ترفع آخرين عن ابن عبّاس.و قيل:تخفض أقواما إلى النّار،و ترفع أقواما إلى الجنّة عن الحسن و الجبّائيّ.

و المعنى الجامع للقولين:أنّها تخفض رجالا كانوا في الدّنيا مرتفعين،و تجعلهم أذلّة بإدخالهم النّار، و ترفع رجالا كانوا في الدّنيا أذلّة،و تجعلهم أعزّة بإدخالهم الجنّة.(5:214)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

أحدها: خافِضَةٌ رافِعَةٌ صفتان للنّفس الكاذبة أي ليس لوقعتها من يكذب و لا من يغيّر الكلام فتخفض أمرا فيه و ترفع آخر،فهي خافضة.أو يكون هو زيادة لبيان صدق الخلق في ذلك اليوم،و عدم إمكان كذبهم.و الكاذب يغيّر الكلام،ثمّ إذا أراد نفي الكذب عن نفسه يقول:ما عرفت ممّا كان كلمة واحدة.و ربّما يقول:ما عرفت حرفا واحدا،و هذا لأنّ الكاذب قد يكذب في حقيقة الأمر،و ربّما يكذب في صفة من صفاته.

ص: 535

و الصّفة قد يكون ملتفتا إليها و قد لا يكون ملتفتا إليها التفاتا معتبرا،و قد لا يكون ملتفتا إليها أصلا:

مثال الأوّل:قول القائل:«ما جاء زيد»و يكون قد جاء.و مثال الثّاني:ما جاء يوم الجمعة،و مثال الثّالث:

ما جاء بكرة يوم الجمعة،و يكون قد جاء بكرة يوم الجمعة.و ما جاء أوّل بكرة يوم الجمعة.و الثّاني دون الأوّل،و الرّابع دون الكلّ.

فإذا قال القائل:ما أعرف كلمة كاذبة،نفى عنه الكذب في الإخبار و في صفته.و الّذي يقول:ما عرفت حرفا واحدا نفى أمرا وراءه.و الّذي يقول:ما عرفت إعرافة (1)واحدة،يكون فوق ذلك،فقوله: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ* خافِضَةٌ رافِعَةٌ أي من يغيّره تغييرا و لو كان يسيرا.(29:141)

ابن عربيّ: تخفض الأشقياء إلى الدّركات،و ترفع السّعداء إلى الدّرجات.(2:585)

القرطبيّ: [نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]

و الخفض و الرّفع يستعملان عند العرب في المكان و المكانة و العزّ و المهانة.و نسب سبحانه الخفض و الرّفع للقيامة توسّعا و مجازا،على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحلّ و الزّمان و غيرهما،ممّا لم يكن منه الفعل.يقولون:«ليل نائم و نهار صائم»و في التّنزيل بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ سبأ:33.و الخافض و الرّافع على الحقيقة إنّما هو اللّه وحده فرفع أولياءه في أعلى الدّرجات و خفض أعداءه في أسفل الدّركات.[ثمّ ذكر القراءات و إعراب الآية](17:195)

ابن جزيّ: تقديره:هي خافضة رافعة،فينبغي أن يوقف على ما قبله لبيان المعنى.و المراد بالخفض و الرّفع:أنّها تخفض أقواما إلى النّار و ترفع أقواما إلى الجنّة.(4:87)

السّمين:[نقل القراءة بالنّصب و قال:]و يروى عن الكسائيّ أنّه قال:«لو لا أنّ اليزيديّ سبقني إليه لقرأت به»انتهى.و لا أظنّ مثل هذا يصحّ من مثل هذا.

(6:253)

الشّربينيّ: تقرير لعظمتها،و هو خبر لمبتدإ محذوف،أي هي.[ثمّ ذكر الأقوال و أضاف:]

و لا مانع أنّ كلّ ذلك موجود فيها.[ثمّ أدام الكلام نحو القرطبيّ](4:179)

الآلوسيّ: [نقل الأقوال و أضاف:]

و قدّر أبو عليّ المبتدأ مقرونا بالفاء أي فهي «خافضة»و جعل الجملة جواب(إذا)فكأنّه قيل: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ خفضت قوما و رفعت آخرين.و قرأ زيد بن عليّ و الحسن و عيسى و أبو حيوة و ابن أبي عبلة و ابن مقسم و الزّعفرانيّ و اليزيديّ في اختياره (خافضة رافعة)بنصبهما و وجهه أن يجعلا حالين عن (الواقعة)على أنّ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ اعتراض، أو حالين عن وقعتها.(27:130)

سيّد قطب :...و يلبّي السّياق هذا التّوقّع،فإذا هي: خافِضَةٌ رافِعَةٌ، و إنّها لتخفض أقدارا كانت رفيعة في الأرض،و ترفع أقدارا كانت خفيضة في دار الفناء،حيث تختلّ الاعتبارات و القيم،ثمّ تستقيم في!.

ص: 536


1- كذا!!.

ميزان اللّه.(6:3462)

ابن عاشور :أي هي خافضة رافعة،أي يحصل عندها خفض أقوام كانوا مرتفعين و رفع أقوام كانوا منخفضين و ذلك بخفض الجبابرة و المفسدين الّذين كانوا في الدّنيا في رفعة و سيادة،و برفع الصّالحين الّذين كانوا في الدّنيا لا يعبئون بأكثرهم،و هي أيضا خافضة جهات كانت مرتفعة كالجبال و الصّوامع، رافعة ما كان منخفضا بسبب الانقلاب بالرّجّات الأرضيّة.

و إسناد الخفض و الرّفع إلى(الواقعة)مجاز عقليّ؛ إذ هي وقت ظهور ذلك.و في قوله: خافِضَةٌ رافِعَةٌ محسّن الطّباق مع الإغراب بثبوت الضّدّين لشيء واحد.(27:262)

مغنيّة: تخفض المجرمين و ترفع المتّقين.(7:220)

الطّباطبائيّ: خبران مبتدؤهما الضّمير الرّاجع إلى(الواقعة)،و الخفض خلاف الرّفع.و كونها خافِضَةٌ رافِعَةٌ، كناية عن تقليبها نظام الدّنيا المشهود،فتظهر السّرائر و هي محجوبة اليوم و تحجب و تستر آثار الأسباب و روابطها و هي ظاهرة اليوم، و تذلّ الأعزّة من أهل الكفر و الفسق و تعزّ المتّقين.

(19:115)

حجازي: هي خافضة لأقوام كانوا أعزّة بالباطل،رافعة لأقوام كانت عزّتهم باللّه و رسولهم و إن كانوا في الدّنيا فقراء المال و الجاه.(27:54)

المصطفويّ: أي ينخفض في تلك الواقعة من كان من جهة الاعتبارات الدّنيويّة و العناوين الظّاهريّة مرتفعا،و يرتفع من كان من هذه الجهات منخفضا فهذه الواقعة توجد تحوّلا في الأوضاع و مقامات الأفراد، و تخفض طائفة،و ترفع آخرين.و لا يخفى أنّ هذا الخفض فيه معنى الرّحمة،إذ القيود الاعتباريّة و العناوين الظّاهريّة غير الحقيقيّة لا أثر لها في عالم الواقع و الحقّ إلاّ الحجاب و المستوريّة،و لا تغني عن الحقّ شيئا،و لا تثمر إلاّ تقيّدا و مزاحمة و ابتلاء.(3:92)

عبد الكريم الخطيب :أي هي خافضة رافعة لأقدار النّاس و منازلهم،حيث ينزل كلّ إنسان منزله في هذا اليوم:فريق في الجنّة و فريق في السّعير.

(14:705)

مكارم الشّيرازيّ: نعم،إنّه سبحانه يذلّ المستكبرين المتطاولين،و يسقط الظّالمين المتجرّئين إلى حيث الهاوية و الدّرك الأسفل..و في نفس الوقت فإنّه سبحانه:يعزّ المحرومين المؤمنين و يرفع المستضعفين الصّادقين،و يجعلهم في أعلى علّيّين في الجنّة.

إنّه تعالى يهلك الجبّارين في قاع جهنّم،و يرحم المساكين الصّادقين في جنّة الخلد.و هذه هي خاصيّة المبادئ الإلهيّة العظيمة.(17:413)

فضل اللّه :فقد تخفض قدر قوم كانت لهم درجات عليا في الدّنيا لأعمالهم السّيّئة الّتي يراها بعض من يلتزمون قيم الباطل باسم الحقّ حسنة،و قد ترفع قدر قوم كانوا في الدّرجة السّفلى من السّلّم الاجتماعيّ، في عالم يعتمد الطّبقيّة الاجتماعيّة،لسلوكهم الخطّ المستقيم و طاعتهم للّه،ممّا يرفع درجتهم عنده،

ص: 537

و يقرّبهم منه عند ما تقع الواقعة.(21:327)

الأصول اللّغويّة

الأصل في هذه المادّة الخفض،و هو المطمئنّ من الأرض،و الجمع:خفوض،و الخافضة:التّلعة المطمئنّة من الأرض،و أرض خافضة السّقيا،إذا كانت سهلة السّقيا،و رافعة السّقيا،إذا كانت على خلاف ذلك.

و منه خفض جناح الطّائر؛يقال:خفض الطّائر جناحه،أي ألانه و ضمّه إلى جنبه ليسكن من طيرانه، و خفض جناحه يخفضه خفضا:ألان جانبه،و فلان خافض الجناح و خافض الطّير،إذا كان وقورا ساكنا،على المثل بخفض الطّائر لجناحه؛لأنّه يخفضه نحو الأرض.

و الخفض:ضدّ الرّفع؛يقال:خفضه يخفضه خفضا،فانخفض و اختفض،و الانخفاض:الانحطاط بعد العلوّ،و التّخفيض:مدّك رأس البعير إلى الأرض، و الخفض في الإعراب:الجرّ،ضدّ الرّفع.

و الخفض:السّير اللّيّن،و هو ضدّ الرّفع؛يقال:

بيني و بينك ليلة خافضة،أي هيّنة السّير.

و الخفض:غضّ الصّوت؛يقال:خفّض عليك القول،و امرأة خافضة الصّوت و خفيضة الصّوت:

خفيّته ليّنته،و قد خفضت و خفض صوتها:لان و سهل.

و الخفض:الدّعة و لين العيش،و هو الخفيضة أيضا؛يقال:عيش خافض و خفض و مخفوض و خفيض،أي خصيب في دعة و خصب و لين،و قد خفض عيشه،و مخفض القوم:الموضع الّذي فيه هم في خفض و دعة،و هم في خفض من العيش،و هم خافضون،إذا كانوا وادعين على الماء مقيمين.

2-و خفض الجارية:كختن الصّبيّ؛يقال:خفضت الخافضة الجارية تخفضها خفضا،و أخفضت هي، و الخافضة:الخاتنة،و قد يقال للخاتن:خافض.

و كان ختن الذّكور و خفض الإناث سائدا في بلاد العرب قبل الإسلام،و لا زالت هذه العادة جارية في الحبشة إلى هذا اليوم،رغم أنّ الأحباش نصارى، و النّصارى لا يختتنون.

و لمّا جاء الإسلام أقرّ الختن و جعله من الفرائض، و لكنّه ما أقرّ الخفض فريضة،و ما شجّع المسلمين عليه،و هذا ما يلحظ بوضوح في قول الرّسول صلّى اللّه عليه و آله لأمّ عطيّة:«إذا خفضت فأشمّي»أي لا تسحتي الجارية عند الخفض،بل اترك من نوفها قليلا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«الأمر»3 مرّات،و اسم الفاعل:

(خافضة)مرّة في 4 آيات:

1- ...وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ الحجر:88

2- وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

الشّعراء:215

3- وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً الإسراء:24

4- لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ* خافِضَةٌ رافِعَةٌ

الواقعة:2،3

ص: 538

يلاحظ أوّلا:أنّ الخفض جاء في محورين:

الأوّل:اللّين في(1-3)،و فيها بحوث:

1-أمر اللّه النّبيّ في(1)و(2)بملاينة المؤمنين و ملاطفتهم،و أمر المؤمنين في(3)بمداراة الوالدين و ملاينتهما،و ملاطفتهما أيضا.و الجناح هنا:الجانب يقال:رجل ليّن الجانب و الجنب،أي سهل القرب،كما تقدّم في«ج ن ب».

قال الشّريف الرّضيّ: «و هذه استعارة و تشبيه بخفض جناح الطّائر...».

و قال الشّريف المرتضى في(3):«هذه استعارة عجيبة و عبارة شريفة،و المراد بذلك:الإخبات للوالدين،و إلانة القول لهما،و الرّفق و اللّطف بهما، و خفض الجناح في كلامهم عبارة عن الخضوع و التّذلّل،و هما ضدّ العلوّ و التّعزّز،إذ كان الطّائر إنّما يخفض جناحه إذا ترك الطّيران...».

و قال الطّبرسيّ: «و أصله:أنّ الطّائر إذا ضمّ فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثمّ خفض»،لكن القفّال ذكر في المشبّه به أمرين:خفض الجناح لفرخه للتّربية، أو خفض الجناح إذا ترك الطّيران أيضا.و لكلّ من الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ و القرطبيّ و غيرهم كلام في(3)فلاحظ.

و قال سيّد قطب:«و التّعبير عن اللّين و المودّة و العطف ب«خفض الجناح»تعبير تصويريّ يمثّل لطف الرّعاية،و حسن المعاملة،و رقّة الجانب،في صورة محسوسة،على طريقة القرآن الفنّيّة».

و قال ابن عاشور-و نحوه طه الدّرّة-:

«و خفض الجناح تمثيل للرّفق و التّواضع بحال الطّائر، إذا أراد أن ينحطّ للوقوع خفض جناحه يريد الدّنوّ.

و كذلك يصنع إذا لاعب أنثاه،فهو راكن إلى المسالمة و الرّفق،أو الّذي يتهيّأ لحصن فراخه،و في ضمن هذه التّمثيليّة استعارة مكنيّة،و الجناح تخييل و قد بسطناه في سورة الإسراء...».

و قال الطّباطبائيّ: [بعد أن حكى عنهم أنّه كناية عن التّواضع و لين الجانب]:«لكنّ الّذي وقع في نظير الآية ممّا يمكن أن يفسّر به«خفض الجناح»هو صبر النّفس مع المؤمنين،و هو يناسب أن يكون كناية عن ضمّ المؤمنين إليه،و قصر الهمّ على معاشرتهم، و تربيتهم و تأديبهم بآداب اللّه.أو كناية عن ملازمتهم و الاحتباس فيهم من غير مفارقة،كما أنّ الطّائر إذا خفض الجناح لم يطر و لم يفارق.قال تعالى: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا الكهف:28»،لكنّ مكارم الشّيرازيّ و فضل اللّه فسّروها باللّين و الرّحمة في بسط و توضيح فلاحظ.

و عندنا أنّ«خفض الجناح»شامل لكلّ ما قالوه، لأنّ الأحوال تختلف فيراعى في بعض الأحوال لين الجانب و الذّلّ لهم و في بعضها الطّير معهم.

2-و فسّر بعضهم خفض الجناح بالذّلّ و الخضوع و الضّعة،استنادا إلى قوله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ المائدة:54.و هو ليس بسديد،لأنّ(اذلّة)من الذّلّ،أي اللّين،لا من الذّلّ،أي الهوان.[لاحظ:ذ ل ل]و هذا نظير قوله

ص: 539

تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ الفتح:29.نعم هذا المعنى أي الذّلّ لا بدّ منه في(3)لقوله: وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ و الذّلّ مشتركان في كونهما ناشئا من الرّحمة،مستعارا من خفض جناح الطّائر،كما سبق.

3-ورد فعل الأمر وَ اخْفِضْ و اسم الفاعل خافِضَةٌ في سورة مكّيّة،و كذلك لفظ(جناح)- بفتح الجيم-إفرادا و تثنية و جمعا،فكأنّ اصطلاح خفض الجناح كان جاريا على ألسن أهل مكّة،دون أهل المدينة الّذين كانوا يستعملون ألفاظا أخرى بهذا المعنى،نحو:الطّاعة في قوله: وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا النّور:54،و الذّلّ: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ المائدة:54،و اللّين: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ آل عمران:159،و الرّحمة: أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ الفتح:29،كما وردت هذه الألفاظ في السّور المكّيّة أيضا.

4-خاطب اللّه نبيّه في(1)و(2)بلفظ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ، فأسند«جناح»إلى الكاف العائد عليه، بينما خاطب أمّته في(3)بلفظ وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ، فأسند(جناح)إلى(الذّلّ)،فهل اختلاف المسند إليه يدلّ على اختلاف المعنى؟

لا شكّ أنّه تعالى بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رحمة للخلق أجمعين،و هو قوله: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:107،و قوله: جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ، أي ليكن خفض جناحك لهما بسبب فرط رحمتك لهما،لأنّ(من)للتّعليل.فاختلاف المسند إليه ليس دليلا على اختلاف المعنى في(3)،اللّهمّ إلاّ اختلافا راجعا إلى اختلاف الذّلّ و الذّلّ،و اللّه أعلم.

المحور الثّاني:ضدّ الرّفعة في(4) خافِضَةٌ رافِعَةٌ اجتمع الخفض و الرّفعة خبرين لمبتدإ محذوف، و التّقدير:هي خافضة رافعة،فكانا طباقا في وصف يوم القيامة،أي تحطّ قوما و تعلي آخرين،فأمّا من حطّته فالنّار مثواه،و أمّا من أعلته فالجنّة مأواه.و نظير هذه الآية في الطّباق قوله: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً التّوبة:82، تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى الحشر:14،و تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ الكهف:18.

ثانيا:الآيات كلّها مكّيّة ثلاثة منها راجعة إلى معاشرة النّبيّ عليه السّلام المؤمنين في مكّة،أو معاشرة المؤمنين للوالدين.و هما تشريعان أخلاقيّان شاملان لمكّة و المدينة،و الرّابعة إنذار للكفّار و المشركين.

ثالثا:وردت بعض نظائر هذه المادّة في القرآن لكلا المحورين،فأمّا نظائر المحور الأوّل-أي اللّين- فقد تقدّمت في الرّقم(2)منه،و أمّا نظائر المحور الثّاني -أي الضّعة-فهي:

الحطّ: وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ

البقرة:58

السّفول: وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَ كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيا التّوبة:40

الوضع: وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الانشراح:2

ص: 540

خ ف ف

اشارة

10 ألفاظ،17 مرّة،9 مكّيّة،8 مدنيّة

في 13 سورة،8 مكّيّة،5 مدنيّة

خفت 3:3 تخفيف 1:-1

خفيفا 1:1 خفافا 1:-1

خفّف 1:-1 فاستخفّ 1:-1

يخفّف 2:1-1 يستخفّنّك 1:1

يخفّف 5:2-3 تستخفّونها 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخفّ:مجمع فرسن البعير،و الجمع:

أخفاف.

و الخفّ:ما يلبسه الإنسان،و تخفّ فت بالخفّ، أي لبسته.

و الخفّ:كلّ شيء خفّ حمله.

و الخفّة:خفّة الوزن،و خفّة الحال.

و خفّة الرّجل:طيشه،و خفّته في عمله.و الفعل من ذلك كلّه:خفّ يخفّ خفّة فهو خفيف،فإذا كان خفيف القلب في توقّده فهو خفاف،ينعت به الرّجل،كالطّويل و الطّوال.و العجيب و العجاب، و كأنّ

الخفاف أخفّ من الخفيف.و كذلك بعير خفاف.

و أخفّ فلان إذا خفّت حاله،أي رقّت.

و أخفّ الرّجل:قلّ ثقله في سفر أو حضر.كما قال مالك بن دينار:«فاز المخفّون»فهو مخفّ.

و خفّان:موضع كثير الأسد.و الخفّانة:النّعامة السّريعة.

و الخفوف:سرعة السّير من المحلّة،تقول:حان الخفوف.

و خفّ القوم:إذا ارتحلوا مسرعين.

و الخفّ:كلّ شيء خفّ حمله.

ص: 541

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](4:143)

سيبويه :و أمّا استخفّه،فإنّه يقول:طلب خفّته.

(4:70)

أبو زيد :و يقال:جاءت الإبل على خفّ واحد، و على طرقة واحدة،إذا أتبع بعضها بعضا كأنّها قطا، كلّ بعير رأسه عند ذنب صاحبه.(220)

و أخفّ القوم،إذا كانت دوابّهم خفافا.

(الجوهريّ 4:1353)

الأصمعيّ: الخفّ:الجمل المسنّ.

(الخطّابيّ 1:478)

أبو عبيد: في حديث عطاء:«خفّوا على الأرض»وجهه عندي أنّه يريد بذلك في السّجود، يقول:لا ترسل نفسك على الأرض إرسالا ثقيلا فيؤثّر في جبهتك أثر السّجود،و يبيّن ذلك حديث مجاهد أنّ حبيب بن أبي ثابت سأله فقال:إنّي أخاف أن يؤثّر السّجود في جبهتي،فقال:إذا سجدت فتخافّ،يعني خفّف نفسك و جبهتك على الأرض.

و بعض النّاس يقول:فتجافّ.و المحفوظ عندي بالخاء من التّخفيف.(2:445)

ابن الأعرابيّ: خفخف،إذا حرّك قميصه الجديد فسمعت له خفخفة،أي صوتا.(الأزهريّ 7:10)

ابن السّكّيت: و رجل خفيف و خفاف و عريض و عراض و طويل و طوال،فإذا أفرط في الطّول قيل:

طوّال.(إصلاح المنطق:108)

يقال:فلان خفيف الشّفة،إذا كان قليل السّؤال للنّاس.(الخطّابيّ 3:200)

الجاحظ:و يقال:خفّ البعير،و الجمع:أخفاف.

(4:341)

الحربيّ: البعير...و فيها الخفّ،و هو ما أصاب الأرض من الجلد إذا مشى.(1:280)

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا سبق إلاّ في خفّ أو حافر أو نصل».

[و في رواية]عن الحسن«تذاكر أبو موسى و أبو رهم الفتنة،فكأنّ أبا رهم خفّ فيها».

عن عبد اللّه:«أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقلت:إنّي قتلت أبا جهل،فاستخفّه الفرح،و قال:أرنيه».

[و في حديث]عن زينب:«كان عبد اللّه خفيف ذات اليد».

[و في حديث]ابن عمر:«أنّ نخّاسا من أهل الكوفة أتاه و نحن عنده،و قد كان باع جارية بثمانمائة فقال له:إنّه قد كان منّي خفوف،فإن كنتم رضيتم فأمسكوا،و إن كرهتم فردّوا».قوله:«لا سبق إلاّ في خفّ»يريد الإبل،لأنّ لها أخفافا و للبقر أظلاف، و للخيل حوافر.

و منه قوله:«ليبلغنّ الإسلام مبلغ الخفّ و الحافر» يريد الإبل و الخيل.و خفّ البعير:مجمع فرسنه.يقال:

هذا خفّه و هذه فرسنه.

قوله:«خفّ فيها»خفّة الرّجل:طيشه في عمله.

و رجل خفاف،قال:الخفيف:القلب.

قوله:«فاستخفّه الفرح»تحرّك لذلك و خفّ له، كأنّه كان ثقيلا فخفّ.و أصله:السّرعة.

قوله:«خفيف ذات اليد»أخفّ:إذا خفّت حاله،

ص: 542

و أخفّ:إذا كان قليل الثّقل.

قوله:«كان منّي خفوف»:الخفوف سرعة السّير.

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](2:852)

ابن دريد :خفّ البعير و خفّ النّعامة:معروفان، و ليس في الحيوان شيء له خفّ إلاّ البعير و النّعامة.

و الخفّ:الملبوس،معروف.

و خفّ الضّبع خفّا،إذا صاح،و قد ألحق هذا بالرّباعيّ فقيل:خفخفت الضّبع و هو صوتها.

و ذكر عن أبي الخطّاب الأخفش أنّه قال:

الخفخوف:طائر،و لم يذكره أحد من أصحابنا غيره، و لا أدري ما صحّته.

و الخفّ:الخفيف من كلّ شيء.[ثمّ استشهد بشعر]

و خفّ:المتاع:خفيفه.

و خفّ الشّيء خفّا و خفّة،فهو خفيف و خفاف.

و خفّ القوم عن منزلهم خفوفا،إذا ارتحلوا عنه.

(1:68)

القاليّ: الخفاف:الخفيف.(1:146)

ما له مسحه اللّه برصا و استخفّه رقصا،و لا ترك له خفّا يتبع خفّا.(ذيل الأمالي:61)

قالت امرأة لأخرى:خفّ حجرك و طاب نشرك، أي لا كان لك ولد.(ذليل الأمالي:62)

الأزهريّ: و في الحديث:«نجا المخفّون».و أخفّ الرّجل،إذا كان قليل الثّقل في سفره أو حضره.

و يقال:جاءت الإبل علي خفّ واحد،إذا تبع بعضها بعضا،مقطورة كانت أو غير مقطورة.

و خفّ فلان لفلان،إذا أطاعه و انقاد له.و خفّت الأتن لعيرها،إذا أطاعته.[ثمّ استشهد بشعر]

و استخفّ فلان بحقّي،إذا استهان به.

و استخفّه الفرح،إذا ارتاح لأمر.

و استخفّه فلان،إذا استجهله فحمله على اتّباعه في غيّه.(7:9)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الخفّان:موضع أشب أسد.

و الخفّانة:النّعامة و يقال:حفّانة بالحاء غير معجمة أيضا:السّريعة.

و الخفيف:ضرب من العروض.

و خفّت الضّبع:صاحت،و سمعت خفخفتها، و الخفاخف نحوه.

و خفّوف على وزن سفّود:من أسماء الضّبع.

(4:181)

الخطّابيّ: حديث أبيض بن حمّال قال:«سألت رسول اللّه:ما ذا يحمى من الأراك؟قال:ما لم تنله أخفاف الإبل».فإنّ أبا عبيد ذكره في كتابه،قال:

و إنّما نهى أن يحمى ما نالته أخفاف الإبل من الأراك، لأنّه مرعى لها،فرآه مباحا لابن السّبيل،و ذلك لأنّه كلأ،و النّاس شركاء في الماء و الكلأ،و ما لم تنله أخفاف الإبل كان لمن شاء أن يحميه حماه.

و هذا كما قاله أبو عبيد إلاّ أنّه مع ذلك لم يبيّن ما تناله أخفاف الإبل ممّا لا تناله،فيعلم ما يجوز أن يحمى ممّا لا يجوز حماه،و بيان ذلك ما أخبرناه...

[عن]محمّد بن الحسن المخزوميّ:«ما لم تنله أخفاف الإبل»هو أنّ الإبل تأكل منتهى رءوسها و يحمى

ص: 543

ما فوقه.

و فيه وجه آخر،و هو أن يراد بأخفاف الإبل:

مسانّها.(1:477)

جاء في الحديث:«من سعادة المرء خفّة عارضيه» يتأوّل على وجهين:

أحدهما:أن يخفّ عارضاه عن الشّعر.

و الوجه الآخر:أن تكون خفّة العارضين كناية عن كثرة الذّكر،لا يزال يحرّكهما بذكر اللّه.(3:200)

الجوهريّ: الخفّ:واحد أخفاف البعير،و الخفّ:

واحد الخفاف الّتي تلبس،و الخفّ في الأرض:أغلظ من النّعل.

و الخفّ بالكسر:الخفيف.

و يقال أيضا:خرج فلان في خفّ من أصحابه،أي في جماعة قليلة.

و التّخفيف:ضدّ التّثقيل.

و استخفّه:خلاف استثقله.و استخفّ به:أهانه.

و رجل خفيف و خفاف بالضّمّ.

و خفّ الشّيء يخفّ خفّة:صار خفيفا.

و خفّ القوم خفوفا،أي قلّوا.و قد خفّت زحمتهم.

و خفّ له في الخدمة يخفّ خفّة.

و أخفّ الرّجل،أي خفّت حاله.

و في الحديث:«إنّ بين أيدينا عقبة كئودا لا يجوزها إلاّ المخفّ».

و خفّان:موضع،و هو مأسدة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](4:1353)

ابن فارس: الخاء و الفاء أصل واحد،و هو شيء يخالف الثّقل و الرّزانة.يقال:خفّ الشّيء يخفّ خفّة، و هو خفيف و خفاف.

و يقال:أخفّ الرّجل،إذا خفّت حاله،و أخفّ، إذا كانت دابّته خفيفة.و خفّ القوم:ارتحلوا.

فأمّا الخفّ فمن الباب،لأنّ الماشي يخفّ و هو لابسه،و خفّ البعير منه أيضا.

و أمّا الخفّ في الأرض و هو أطول من النّعل،فإنّه تشبيه.

و الخفّ:الخفيف.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا أصوات الكلاب فيقال لها:الخفخفة،فهو قريب من الباب.(2:154)

أبو هلال :الفرق بين النّقص و التّخفيف:أنّ النّقص الأخذ من المقدار كائنا ما كان،و التّخفيف فيما له اعتماد.و استعمل التّخفيف في العذاب،لأنّه يجثم على النّفوس جثوم ما له ثقل.(147)

الهرويّ: يقال:استخفّه عن رأيه،إذا حمله على الجهل،و أزاله عمّا كان عليه من الصّواب،و استخفّه الطّرب،و أخفّه،إذا أزال حلمه،و حمله على الخفّة.

و منه قول عبد الملك لبعض جلسائه:«لا تغتابنّ عندي الرّعيّة،فإنّه لا يخفّني».يقال:أخفّني الشّيء، إذا أغضبك حتّى حملك على خفّة الطّيش.

و في حديث عليّ: «قال يا رسول اللّه:يزعم المنافقون أنّك استثقلتني و تخفّفت منّي»أي طلبت الخفّة بتخليفك إيّاي و ترك استصحابي.

و في الحديث:«نجا المخفّون»يقال:أخفّ الرّجل الرّجل،إذا خفّت حاله فهو مخفّ(2:575)

ص: 544

ابن سيده:الخفّة و الخفّة:ضدّ الثّقل و الرّجوح، يكون في الجسم و العقل و العمل،خفّ يخفّ خفّا و خفّة،فهو خفيف و خفاف.

و قيل:الخفيف في الجسم،و الخفاف في التّوقّد و الذّكاء،و جمعهما:خفاف.

و شيء خفّ:خفيف.

و خفّ المتاع:خفيفه.

و خفّ المطر:نقص.

و استخفّه الفزع و الطّرب:خفّ لهما فاستطار و لم يثبت.

و استخفّه:طلب خفّته.

و استخفّه:رآه خفيفا،و منه قول بعض النّحويّين:

استخفّ الهمزة الأولى فخفّفها،أي أنّها لم تثقل عليه فخفّفها لذلك.

و النّون الخفيفة:خلاف الثّقيلة،و يكنّى بذلك عن التّنوين أيضا،و يقال:الخفيّة،و سيأتي ذكره.

و أخفّ الرّجل،إذا كانت دوابّه خفافا.

و المخفّ:القليل المال،الخفيف الحال.

و الخفيف:ضرب من العروض،سمّي بذلك لخفّته.

و خفّ القوم عن منزلهم خفوفا:ارتحلوا مسرعين، و قيل:ارتحلوا عنه،فلم يخصّوا السّرعة.

و نعامة خفّانة:سريعة.

و الخفّ:مجتمع فرسن البعير و النّاقة،و قد يكون الخفّ للنّعام،سوّوا بينهما للتّشابه.

و خفّ الإنسان:ما أصاب الأرض من باطن قدمه،و قيل:لا يكون الخفّ للحيوان إلاّ للبعير و النّعامة.

و الخفّ:الّذي يلبس.

و الجمع من كلّ ذلك:أخفاف و خفاف.

و تخفّف خفّا:لبسه.

و جاءت الإبل على خفّ واحد،إذا تبع بعضها بعضا كأنّها قطار (1)،كلّ بعير رأسه عند ذنب صاحبه.

و أخفّ الرّجل:ذكر قبيحه و عابه.

و خفّان:موضع أشب الغياض كثير الأسد.

و خفاف:اسم رجل.

و الخفخفة:صوت الحبارى و الضّبع و الخنزير، و قد خفخف،و هو الخفاخف.

و الخفخفة أيضا:صوت الثّوب الجديد،أو الفرو الجديد،إذا لبس أو نشر.

و الخفخفة أيضا:صوت القرطاس،إذا حرّكته و قلّبته.

و إنّها لخفخافة الصّوت،أي كأنّ صوتها يخرج من أنفها.

و الخفخوف:طائر.قال ابن دريد:ذكر ذلك عن أبي الخطّاب الأخفش،قال:و لا أدري ما صحّته، و لا ذكره أحد من أصحابنا.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](4:522)

الطّوسيّ: و التّخفيف:هو النّقصان من المقدار الّذي له اعتماد.(2:52)

و أصل التّخفيف:خفّة الوزن،و التّخفيف على».

ص: 545


1- قد سبق عن أبي زيد«كأنّها قطا»و هو جمع«قطاء».

النّفس بالتّيسير،كخفّة الحمل بخفّة الوزن،و منه:

الخفافة:النّعامة السّريعة،لأنّها تسرع إسراع الخفيف الحركة.

و الخفوف:السّرعة،و منه:الخفّ الملبوس،لأنّه يخفّ به التّصرّف،و منه خفّ البعير.(3:177)

و التّخفيف:رفع المشقّة بالخفّة،نقيض الثّقل.

و الخفّة و السّهولة بمعنى واحد.(5:181)

مثله الطّبرسيّ.(2:556)

الرّاغب: الخفيف بإزاء الثّقيل،و يقال ذلك:تارة باعتبار المضايفة بالوزن،و قياس شيئين أحدهما بالآخر،نحو:درهم خفيف،و درهم ثقيل.

و الثّاني:يقال:باعتبار مضايفة الزّمان،نحو:فرس خفيف و فرس ثقيل،إذا عدا أحدهما أكثر من الآخر في زمان واحد.

الثّالث:يقال:خفيف فيما يستحليه النّاس،و ثقيل فيما يستوخمه،فيكون الخفيف مدحا و الثّقيل ذمّا، و منه:قوله تعالى: اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ الأنفال:

66، فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ البقرة:86،و أرى أنّ من هذا قوله: حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً الأعراف:189.

الرّابع:يقال:خفيف فيمن يطيش،و ثقيل فيما فيه وقار،فيكون الخفيف ذمّا و الثّقيل مدحا.

الخامس:يقال:خفيف في الأجسام الّتي من شأنها أن ترجحن إلى أسفل كالأرض و الماء،يقال:خفّ يخف خفّا و خفّة و خفّفه تخفيفا و تخفّف تخفّفا، و استخففته،و خفّ المتاع:الخفيف منه،و كلام خفيف على اللّسان،قال تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ الزّخرف:54،أي حملهم أن يخفّوا معه أو وجدهم خفافا في أبدانهم و عزائمهم،و قيل معناه:وجدهم طائشين.

و قوله تعالى: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ الأعراف:8،9، فإشارة إلى كثرة الأعمال الصّالحة و قلّتها. وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الرّوم:60،أي لا يزعجنّ و يزيلنّك عن اعتقادك بما يوقعون من الشّبه.

و خفّوا عن منازلهم:ارتحلوا منها في خفّة.

و الخفّ:الملبوس،و خفّ النّعامة و البعير تشبيها بخفّ الإنسان.(152)

الزّمخشريّ: خفّ الشّيء خفّة،فهو خفيف و خفاف و خفّ.

و خفّ الميزان:شال.

و شيء خفّ:خفيف المحمل.

و خفّفه،و خفّف عنه.

و استخفّه:استفزّه.استخفّه.

«و خفّوا على الأرض»يعني في السّجود حتّى لا يؤثّر الاعتماد بالجبهة.

«و إذا سجدت فتخافّ»و تخفّفوا:تلحقوا.

و كأنّهم ليوث خفّان و هي أجمة في سواد الكوفة.

و سمعت خفخفة الكلاب،و هي صوت أكلها.

و من المجاز:خفّت حاله و رقّت.

و أخفّ فلان:صار خفيف الحال.

و أقبل فلان مخفّا.و فاز المخفّون.

و في الحديث:«إنّ بين أيدينا عقبة كئودا لا يجوزها

ص: 546

إلاّ المخفّ»و خفّ القوم عن أوطانهم خفوفا.و هو خفيف العارضين.و هو خفيف،و فيه خفّة و طيش.

و خفيف الرّوح:ظريف.و خفيف القلب:ذكيّ.

و خفّ فلان على الملك،إذا قبله و استأنس به.

و غلام خفّ:جلد.

و خفّ فلان في عمله و في خدمته.

و خفّ فلان لفلان:أطاعه.

و خفّت الأتن للفحل:ذلّت له و انقادت.

و استخفّه الهمّ و الفزع،و استخفّ به:استهان به.

و ماله خفّ و لا حافر و لا ظلف.

و جاءت الإبل على خفّ واحد،و على وظيف واحد،إذا تبع بعضها بعضا كالقطار،و وقعن في خفّ من الأرض و هو أطول من النّعل.

(أساس البلاغة:117)

الطّبرسيّ: الخفّة:نقيض الثّقل،و التّخفيف و التّسهيل و التّهوين نظائر.

و اختلف في الخفّة و الثّقل،فقيل:إنّه يرجع إلى تناقص الجواهر و تزايدها.و قيل:إنّ الاعتماد اللاّزم سفلا يسمّى:ثقلا،و الاعتماد اللاّزم المختصّ لجهة العلوّ يسمّى:خفّة(1:154)

المدينيّ: في صفة عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه:

«أنّه كان خفيف ذات اليد».

يقال:أخفّ فلان،إذا خفّت حاله و دابّته،و إذا كان قليل الثّقل،فهو خفّ و خفيف كحبّ و حبيب.

و منه الحديث:«خرج شبّان أصحابه و أخفافهم حسّرا».الأخفاف:جمع الخفّ،يعني الّذين لا سلاح معهم و لا متاع.

في الحديث:«نهى عن حمي الأراك إلاّ ما لم تنله أخفاف الإبل»أي ما كان كلأ لها و تصل إليه.

و قال الأصمعيّ: الخفّ:الجمل المسنّ،أي ما قرب من المرعى لا يحمى،بل يترك لمسانّ الإبل،و ما في معناها من الضّعاف الّتي لا تقوى على الإمعان في طلب المرعى.[ثمّ استشهد بشعر](1:598)

ابن الأثير: فيه:«إنّ بين أيدينا عقبة كئودا لا يجوزها إلاّ المخفّ».

يقال:أخفّ الرّجل فهو مخفّ و خفّ و خفيف:

إذا خفّت حاله و دابّته،و إذا كان قليل الثّقل،يريد به المخفّ من الذّنوب و أسباب الدّنيا و علقها.

و في حديث خطبته في مرضه:«أيّها النّاس إنّه قد دنا منّي خفوف من بين أظهركم»أي حركة و قرب ارتحال،يريد الإنذار بموته صلّى اللّه عليه و سلّم.

و فيه:«كان إذا بعث الخرّاص قال:خفّفوا الخرص،فإنّ في المال العريّة و الوصيّة»أي لا تستقصوا عليهم فيه،فإنّهم يطعمون منها و يوصون.

و في حديث المغيرة:«غليظة الخفّ»استعار خفّ البعير لقدم الإنسان مجازا.[و فيه أحاديث أخرى]

(2:54)

الفيّوميّ: خفّ الشّيء خفّا،من باب«ضرب» و خفّة:ضدّ ثقل فهو خفيف،و خفّفته بالتّثقيل:جعلته كذلك.

و خفّ الرّجل:طاش.

و خفّ إلى العدوّ خفوفا:أسرع.

ص: 547

و شيء خفّ بالكسر،أي خفيف.

و استخفّ الرّجل بحقّي:استهان به.

و استخفّ قومه:حملهم علي الخفّة و الجهل.

و أخفّ هو بالألف،إذا لم يكن معه ما يثقله.

و خفاف:وزان«غراب»من أسماء الرّجال.

و بنو خفاف:قبيلة من بني سليم.

و الخفّ:الملبوس،جمعه:خفاف مثل كتاب.

و خفّ البعير:جمعه:أخفاف،مثل قفل و أقفال.

و في حديث:«يحمى من الأراك ما لم تنله أخفاف الإبل».قال في«العباب»:المراد مسانّ الإبل.

و المعنى لا يحمى ما قرب من المرعى بل يترك للمسانّ و الضّعاف الّتي لا تقوى على الإمعان في طلب المرعى رفقا بأربابها.قال بعضهم:هذا مثل قولهم:

أخذته سيوفنا و رماحنا،و السّيوف لا تأخذ،بل المعنى:أخذناه بقوّتنا مستعينين بسيوفنا.و كذلك ما لم تصل إليه الإبل مستعينة بأخفافها،فأباح ما تصل إليه على قرب،و أجاز أن يحمى ما سواه.(1:175)

الفيروزآباديّ: الخفّ:بالضّمّ مجمع فرسن البعير،و قد يكون للنّعام،أو الخفّ لا يكون إلاّ لهما، الجمع:أخفاف،و واحد الخفاف الّتي تلبس.و تخفّف:

لبسه،و من الأرض:الغليظة،و من الإنسان:ما أصاب الأرض من باطن قدمه،و الجمل المسنّ.

و ساوم أعرابيّ حنينا الإسكاف بخفّين حتّى أغضبه،فلمّا ارتحل الأعرابيّ أخذ حنين أحد خفّيه فطرحه في الطّريق،ثمّ ألقى الآخر في موضع آخر،فلمّا مرّ الأعرابيّ بأحدهما قال:ما أشبه هذا بخفّ حنين، و لو كان معه الآخر لأخذته،و مضى،فلمّا انتهى إلى الآخر ندم على تركه الأوّل،و قد كمن له حنين،فلمّا مضى الأعرابيّ في طلب الأوّل عمد حنين إلى راحلته و ما عليها فذهب بها،و أقبل الأعرابيّ و ليس معه إلاّ خفّان،فقيل:ما ذا جئت به من سفرك؟فقال:جئتكم بخفّي حنين،فذهب مثلا يضرب عند اليأس من الحاجة و الرّجوع بالخيبة.

و الخفّ بالكسر:الخفيف،و الجماعة القليلة.

و كغراب:الخفيف،و قد خفّ يخفّ خفّا و خفّة بكسرها و تفتح.

و خفّان كعفّان:مأسدة قرب الكوفة.

و خفّت الأتن لعيرها:أطاعته.

و الضّبع تخفّ خفّا بالفتح:صاحت،و القوم:

ارتحلوا مسرعين.

و كتنّور:الضّبع.

و كأمير:ما كان من العروض على:«فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن»ستّ مرّات.

و امرأة خفخافة:كأنّ صوتها يخرج من منخريها.

و الخفخوف بالضّمّ:طائر يصفّق بجناحيه.

و ضبعان خفاخف:كثير و الصّوت (1).

و أخفّ:خفّت حاله،و القوم صارت لهم دوابّ خفاف،و فلانا أزال حلمه،و حمله على الخفّة.

و التّخفيف:ضدّ التّثقيل.3)

ص: 548


1- كذا،و الصّواب:«خفاخف»كعلابط و كثير الصّوت بالإفراد.(الزّبيديّ 6:93)

و الخفخفة:صوت الضّباع و الكلاب عند الأكل، و تحريك القميص الجديد.

و استخفّه:ضدّ استثقله،و فلانا عن رأيه:حمله على الجهل و الخفّة،و أزاله عمّا كان عليه من الصّواب.

و التّخافّ:ضدّ التّثاقل.(3:139)

الطّريحيّ: و في الحديث:«من استخفّ بصلاته لا يرد عليّ الحوض لا و اللّه»أي من استهان بها و لم يعبأ بها و لم يعظّم شعائرها،مثل قولهم:استخفّ بدينه، إذا أهانه و لم يعبأ به و لم يعظّم شعائره.

و الاستخفاف بالشّيء:الإهانة به.

و في حديث الصّادق عليه السّلام:«إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّا بالصّلاة»أي مستهينا بها مستحقرا لها على جهة التّكذيب و الإنكار لا مطلقا.

و في حديث عليّ عليه السّلام«تخفّفوا تلحقوا»أي تخفّفوا من الذّنوب تلحقوا من سبقكم في العمل الصّالح.

قال بعض الشّارحين:فما سمع كلام أقلّ منه مسموعا و لا أكثر محصولا،و ما أبعد غورها من كلمة و أنفع نطقها من حكمة.

و في الخبر:«بين أيدينا عقبة كئود لا يجوزها إلاّ المخفّ»أي من الذّنوب و أسباب الدّنيا و علقها،و هو من قولهم:«أخفّ الرّجل فهو مخفّ»،إذا خفّت حاله و دابّته،و إذا كان قليل الثّقل.

و شيء خفّ بالكسر:أي خفيف.

و في الحديث:«استخففتها و نلت بها»و ربّما قرئ «استحققتها» بقافين،أي نظرت فيها حقّ النّظر فوجدتها لائقة.

و الخفّ بالضّمّ:للإبل،و منه قوله عليه السّلام:«لم ترفع راحلتك خفّا إلاّ كتب لك كذا»و جمعه أخفاف،كقفل و أقفال.

و قوله:«صدقة الخفّ تدفع إلى المتجمّلين»يريد بالخفّ:الإبل،كما في قوله:«لا سبق إلاّ في خفّ أو نصل أو حافر»و لا بدّ هنا من حذف مضاف،أي في ذي خفّ و في ذي نصل و ذي حافر،و منه:«الرّهان في الخفّ».

و الخفّ أيضا:ما يلبس في الرّجل،و جمعه:خفاف ككتاب.

و منه الحديث:«سبق الكتاب الخفّين»يريد أنّ الكتاب أمر بالمسح على الرّجل لا الخفّ،فالمسح على الخفّين حادث بعده.

و في الحديث:«لم يعرف للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله خفّ إلاّ خفّا أهداه له النّجاشيّ».قال بعض الشّارحين:ظهر عندي من إطلاقات أهل الحرمين و من تتبّع الأحاديث إطلاق الخفّ على ما يستر ظهر القدمين سواء كان له ساق أ و لم يكن.

و في الحديث:«أما لو لا الخفاف إلى التّجمير لكان كذا»هي بالخاء المعجمة و الفاءين بعدها،لعلّ المراد بها الإبل الخفاف المسرعات إلى رمي الجمار، و من خفّ إلى العدوّ و أسرع إليه،و اللّه أعلم.

قال بعض الشّارحين و لم أقف لمعنى مناسب لذلك،و لعلّ صوابه الحفاف بالحاء المهملة و الفاءين، بمعنى الزّمان المستطيل.هذا كلامه و هو كما ترى.

و في الخبر:«أيّها النّاس إنّه قد دنا منّي خفوف من

ص: 549

بين أظهركم»أي حركة و قرب ارتحال،يريد الإنذار بموته.(5:48)

مجمع اللّغة :1-خفّ الشّيء يخفّ خفّا و خفّة:

ضدّ ثقل.فهو خفيف،و جمعه:خفاف،و تكون الخفّة في الحسّيّات و المعنويّات.

و خفّ الرّجل:حمق و طاش.

2-خفّف عنه تخفيفا:ضدّ ثقّل عليه تثقيلا.

3-استخفّه استخفافا:

أ-في الحسّيّات:وجد حمله خفيفا عليه.

ب-في المعنويّات:استضعف عقله أو أزاله عمّا كان عليه من الصّواب.(1:344)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خفّ الشّيء:قلّ ثقله، و الخفّة تكون في الحسّيّات و المعنويّات.

و خفّ عقله:طاش و حمق.

و خفّ إلى العدوّ:أسرع.

و خفّ من المكان:ارتحل مسرعا.

و خفّف العذاب:قلّله.

و استخفّه:ضدّ استثقله أو استجهله.

و استخفّه الطّرب:حمله على المجون.(1:168)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل الثّقل،و هو أعمّ من أن يكون خفّة مادّيّة محسوسة أو معقولة معنويّة.

و يدلّ عليه تقارنهما في آية: اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً التّوبة:41، فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ... وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ الأعراف:8،9،و الخفاف:جمع:

خفيف،كالثّقال:جمع:ثقيل،و الميزان:ما يعادل في الوزن ليعرف الوزن و المقدار،و هو العدل.

و باعتبار الخفّة المعنويّة:تستعمل في مورد الرّقة و سرعة الحركة و قلّة الشّيء و الطّيش و الجهل و الاستهانة و الحمق.و الأصل:ما ذكرناه.

و مفهوم التّخفيف:جعل الشّيء ذا خفّة،أي خفيفا.و الاستخفاف:هو طلب كونه خفيفا و إرادته.

و باقي الصّيغ معلومة.(3:94)

النّصوص التّفسيريّة

خفّت

1- وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا...

الأعراف:9

2- وَ أَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ... القارعة:8

راجع:وزن:«موازينه».

خفيفا

...فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ...

الأعراف:189

ابن عبّاس: حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً :هيّنا.

(143)

السّدّيّ: حَمْلاً خَفِيفاً :النّطفة.(275)

نحوه الزّجّاج(2:395)و الواحديّ(2:434)

و الفخر الرّازيّ(15:89)،و النّيسابوريّ(9:102).

الفرّاء: الماء خفيف على المرأة إذا حملت.

(1:400)

مثله السّجستانيّ.(73)

الطّبريّ: يعني بخفّة الحمل،الماء الّذي حملته

ص: 550

حوّاء في رحمها من آدم،أنّه كان حملا خفيفا،و كذلك هو حمل المرأة،ماء الرّجل خفيف عليها.(6:142)

الطّوسيّ: حَمْلاً خَفِيفاً، لأنّ الحمل أوّل ما يكون خفيفا،لأنّه الماء الّذي يحصل في رحمها.

(5:61)

نحوه الطّبرسيّ.(2:508)

البغويّ: و هو أنّ أوّل ما تحمل المرأة من النّطفة يكون خفيفا عليها.(2:257)

الزّمخشريّ: خفّ عليها و لم تلق منه ما يلقى بعض الحبالى من حملهنّ من الكرب و الأذى،و لم تستثقله كما يستثقلنه،و قد تسمع بعضهنّ تقول في ولدها:ما كان أخفّ على كبدي حين حملته؟.

(2:136)

نحوه النّسفيّ(2:89)،و أبو حيّان(4:439).

ابن عطيّة: الحمل الخفيف:هو المنيّ الّذي تحمله المرأة في فرجها.(2:486)

البيضاويّ: خفّ عليها و لم تلق منه ما تلقى منه الحوامل غالبا من الأذى،أو محمولا خفيفا و هو النّطفة.(1:380)

مثله الشّربينيّ(1:544)،و المشهديّ(3:665).

أبو السّعود : حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً في مبادئ الأمر،فإنّه عند كونه نطفة أو علقة أو مضغة أخفّ عليها بالنّسبة إلى ما بعد ذلك من المراتب،لذكر خفّته للإشارة إلى نعمته تعالى عليهم في إنشائه تعالى إيّاهم، متدرّجين في أطوار الخلق من العدم إلى الوجود،و من الضّعف إلى القوّة.[إلى أن قال:]

و أمّا ما قيل:من أنّ المعنى حملت حملا خفّ عليها و لم تلق منه ما يلقى بعض الحبالى من حملهنّ من الكرب و الأذيّة،و لم تستثقله كما يستثقلنه فمرّت به، أي فمضت به إلى ميلاده من غير إخداج و لا إزلاق، فيردّه قوله تعالى: فَلَمّا أَثْقَلَتْ إذ معناه فلمّا صارت ذات ثقل لكبر الولد في بطنها،و لا ريب في أنّ الثّقل بهذا المعنى ليس مقابلا للخفّة بالمعنى المذكور،إنّما يقابلها الكرب الّذي يعتري بعضهنّ من أوّل الحمل إلى آخره دون بعض أصلا.(3:65)

نحوه البروسويّ.(3:294)

الآلوسيّ: حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً أي محمولا خفيفا و هو الجنين عند كونه نطفة أو علقة أو مضغة، فإنّه لا ثقل فيه بالنّسبة إلى ما بعد ذلك من الأطوار...

[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](9:138)

المراغيّ: و كان الحمل أوّل عهده خفيفا لا تكاد تشعر به،و قد تستدلّ على وجوده بارتفاع الحيض فحسب.(9:139)

الطّباطبائيّ: و المحمول:النّطفة و هي خفيفة.

(8:374)

فضل اللّه :و ذلك من خلال بداية النّطفة في النّموّ،في ما تمثّله من حمل خفيف لا يثقل بدن المرأة.

(10:305)

يخفّف

1- يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً. النّساء:28

ابن عبّاس: أن يهوّن عليكم في تزوّج الولائد

ص: 551

عند الضّرورة.(69)

مجاهد :في نكاح الأمة،و في كلّ شيء فيه يسر.

(الطّبريّ 4:32)

نحوه طاوس و ابن زيد.(ابن عطيّة 2:40)

مقاتل:إذ رخّص في تزويج الأمة،لمن لم يجد طولا لحرّة.(1:368)

الطّبريّ: يريد اللّه أن ييسر عليكم بإذنه لكم في نكاح الفتيات المؤمنات،إذا لم تستطيعوا طولا لحرّة.

(4:32)

الطّوسيّ: و المراد بالتّخفيف هاهنا:تسهّل التّكليف بخلاف التّصعّب فيه،فتحليل نكاح الإماء تيسير بدلا من تصعيب،و كذلك جميع ما يسّره اللّه لنا إحسانا منه إلينا،و لطفا بنا.

فإن قيل:هل يجوز التّثقيل في التّكليف،مع خلق الإنسان ضعيفا عن القيام به بدلا من التّخفيف؟

قيل:نعم،إذا أمكنه القيام به،و إن كان فيه مشقّة، كما ثقل التّكليف على بني إسرائيل في قتل أنفسهم، غير أنّ اللّه لطف بنا فكلّفنا ما يقع به صلاحنا،بدلا من فسادنا.

و في الآية دلالة على فساد قول المجبّرة:إنّ اللّه يكلّف عباده ما لا يطيقون،لأنّ ذلك مناف لإرادة التّخفيف عنهم في التّكليف،من حيث إنّه غاية التّثقيل.(3:177)

البغويّ: يسهّل عليكم أحكام الشّرع،و قد سهّل،كما قال جلّ ذكره: وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ الأعراف:157،قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«بعثت بالحنيفيّة السّمحة السّهلة».(1:601)

مثله الشّربينيّ.(1:297)

الميبديّ: و معنى التّخفيف هاهنا:الرّخصة الّتي أعطى الشّرع في نكاح الإماء.(2:480)

الزّمخشريّ: بإحلال نكاح الأمة و غيره من الرّخص.(1:521)

ابن عطيّة: المقصد الظّاهر بهذه الآية،أنّها في تخفيف اللّه تعالى ترك نكاح الإماء بإباحة ذلك،و أنّ إخباره عن ضعف الإنسان إنّما هو في باب النّساء،أي لمّا علمنا ضعفكم عن الصّبر عن النّساء خفّفنا عنكم بإباحة الإماء،و كذلك قال مجاهد و ابن زيد و طاوس.

ثمّ بعد هذا المقصد تخرج الآية في مخرج التّفضّل، لأنّها تتناول كلّ ما خفّف اللّه تعالى عن عباده،و جعله الدّين يسرا،و يقع الإخبار عن ضعف الإنسان عامّا، حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب.

(2:40)

الطّبرسيّ: يعني في التّكليف في أمر النّساء، و النّكاح بإباحة نكاح الإماء،عن مجاهد و طاوس.

و يجوز أن يريد التّخفيف بقبول التّوبة و التّوفيق لها.

و يجوز أن يريد التّخفيف في التّكليف على العموم، و ذلك أنّه تعالى خفّف عن هذه الأمّة ما لم يخفّف عن غيرها من الأمم الماضية.(2:36)

نحوه الآلوسيّ.(5:14)

الفخر الرّازيّ: في التّخفيف قولان:

الأوّل:المراد منه إباحة نكاح الأمة عند الضّرورة،

ص: 552

و هو قول مجاهد و مقاتل،و الباقون قالوا:هذا عامّ في كلّ أحكام الشّرع،و في جميع ما يسّره لنا و سهّله علينا إحسانا منه إلينا،و لم يثقّل التّكليف علينا كما ثقّل على بني إسرائيل،و نظيره قوله تعالى: وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ الأعراف:

157،و قوله: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ البقرة:185،و قوله: وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ 78،و قوله عليه الصّلاة و السّلام:«جئتكم بالحنيفيّة السّهلة السّمحة».

(10:68)

القرطبيّ: أَنْ يُخَفِّفَ في موضع نصب ب يُرِيدُ و المعنى:يريد توبتكم،أي يقبلها فيتجاوز عن ذنوبكم،و يريد التّخفيف عنكم.قيل:هذا في جميع أحكام الشّرع،و هو الصّحيح.(5:148)

أبو حيّان :لم يذكر متعلّق التّخفيف و في ذلك أقوال:

أحدها:أن يكون في إباحة نكاح الأمة و غيره من الرّخص.

الثّاني:في تكليف النّظر و أزلّة الحيرة فيما بيّن لكم ممّا يجوز لكم من النّكاح و ما لا يجوز.

الثّالث:في وضع الإصر المكتوب على من قبلنا، و بمجيء هذه الملّة الحنيفيّة سهلة سمحة.

الرّابع:بإيصالكم إلى ثواب ما كلّفكم من تحمّل التّكاليف.

الخامس:أن يخفّف عنكم إثم ما ترتكبون من المآثم لجهلكم.

و أعربوا هذه الجملة حالا من قوله: وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ النّساء:27،و العامل في الحال يُرِيدُ التّقدير:و اللّه يريد أن يتوب عليكم مريدا أن يخفّف عنكم.

و هذا الإعراب ضعيف،لأنّه قد فصل بين العامل و الحال بجملة معطوفة على الجملة الّتي في ضمنها العامل،و هي جملة أجنبيّة من العامل و الحال،فلا ينبغي أن تجوز إلاّ بسماع من العرب،و لأنّه رفع الفعل الواقع حالا الاسم الظّاهر،و ينبغي أن يرفع ضميره لا ظاهره،فصار نظير«زيد يخرج يضرب زيد عمرا» و الّذي سمع من ذلك إنّما هو في الجملة الابتدائيّة،أو في شيء من نواسخها،أمّا في جملة الحال فلا أعرف ذلك.

و جواز ذلك في ما ورد إنّما هو فصيح،حيث يراد التّفخيم و التّعظيم،فيكون الرّبط في الجملة الواقعة خبرا بالظّاهر،أمّا جملة الحال أو الصّفة فيحتاج الرّبط بالظّاهر فيها إلى سماع من العرب.

و الأحسن أن تكون الجملة مستأنفة فلا موضع لها من الإعراب،أخبر بها تعالى عن إرادته التّخفيف عنّا، كما جاء: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ البقرة:185.(3:227)

أبو السّعود :بما مرّ من الرّخص فيما في عهدتكم من مشاقّ التّكاليف.و الجملة مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب.(2:127)

البروسويّ: ما في عهدتكم من مشاقّ التّكاليف، فلذلك شرع لكم الشّرعة الحنيفيّة السّمحة السّهلة، و رخّص لكم في المضايق كإحلال نكاح الأمة و غيره

ص: 553

من الرّخص.(2:193)

القاسميّ: أي في شرائعه و أوامره و نواهيه، و ما يقدّره لكم.و لهذا أباح نكاح الإماء بشروطه، و نظير هذا قوله تعالى: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ البقرة:185،و قوله: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78.(5:1201)

سيّد قطب :أمّا في هذا المجال الّذي تستهدفه الآيات السّابقة،و ما فيها من تشريعات و أحكام و توجيهات،فإرادة التّخفيف واضحة،تتمثّل في الاعتراف بدوافع الفطرة،و تنظيم الاستجابة لها، و تصريف طاقتها في المجال الطّيّب المأمون المثمر،و في الجوّ الطّاهر النّظيف الرّفيع دون أن يكلّف اللّه عباده عنتا في كبتها حتّى المشقّة و الفتنة،و دون أن يطلقهم كذلك،ينحدرون في الاستجابة لها بغير حدّ و لا قيد.

و أمّا في المجال العامّ الّذي يمثّله المنهج الإلهيّ لحياة البشر كلّها،فإرادة التّخفيف تبدو كذلك واضحة، و بمراعاة فطرة الإنسان و طاقته،و حاجته الحقيقيّة.

و إطلاق كلّ طاقاته البانية و وضع السّياج الّذي يقيها التّبدّد و سوء الاستعمال.

[ثمّ أطال البحث حول حرّيّة الشّهوات و مضرّاتها فراجع](2:632)

الطّباطبائيّ: كون الإنسان ضعيفا لما ركّب اللّه فيه القوى الشّهويّة الّتي لا تزال تنازعه،في ما تتعلّق به من المشتهيات،و تبعثه إلى غشيانها.فمنّ اللّه عليهم بتشريع حلّيّة ما تنكسر به سورة شهوتهم،بتجويز النّكاح بما يرتفع به غائلة الحرج،حيث قال: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ النّساء:24،و هو النّكاح و ملك اليمين،فهداهم بذلك سنن الّذين من قبلهم،و زادهم تخفيفا منه لهم لتشريع نكاح المتعة،إذ ليس معه كلفة النّكاح و ما تستتبعه من أثقال الوظائف،من صداق (1)و نفقة و غير ذلك.

و ربّما قيل:إنّ المراد به إباحة نكاح الإماء عند الضّرورة تخفيفا.و فيه:أنّ نكاح الإماء عند الضّرورة كان معمولا به بينهم قبل الإسلام على كراهة و ذمّ، و الّذي ابتدعته هذه الآيات هو التّسبّب إلى نفي هذه الكراهة و النّفرة ببيان أنّ الأمة كالحرّة إنسان لا تفاوت بينهما،و أنّ الرّقّيّة لا توجب سقوط صاحبها عن لياقة المصاحبة و المعاشرة.

و ظاهر الآيات-بما لا ينكر-أنّ الخطاب فيها متوجّه إلى المؤمنين من هذه الأمّة،فالتّخفيف المذكور في الآية تخفيف على هذه الأمّة،و المراد به ما ذكرناه.

و على هذا،فتعليل التّخفيف بقوله: وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً، مع كونه وصفا مشتركا بين جميع الأمم-هذه الأمّة و الّذين من قبلهم-و كون التّخفيف مخصوصا بهذه الأمّة،إنّما هو من قبيل ذكر المقتضى العامّ و السّكوت عمّا يتمّ به في تأثيره،فكأنّه قيل:إنّا خفّفنا عنكم لكون الضّعف العامّ في نوع الإنسان سببا مقتضيا للتّخفيف لو لا المانع،لكن لم تزل الموانع تمنع عن فعليّة التّخفيف و انبساط الرّحمة في سائر الأممم.

ص: 554


1- كذا قال،و لكنّ الصّداق موجود في نكاح المتعة أيضا،كالنّكاح الدّائم.

حتّى وصلت النّوبة إليكم،فعمّتكم الرّحمة،و ظهرت فيكم آثاره،فبرز حكم السّبب المذكور،و شرع فيكم حكم التّخفيف،و قد حرمت الأمم السّابقة من ذلك، كما يدلّ عليه قوله: رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا البقرة:286،و قوله:

هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78.

و من هنا يظهر أنّ النّكتة في هذا التّعليل العامّ بيان ظهور تمام النّعم الإنسانيّة في هذه الأمّة.(4:281)

مكارم الشّيرازيّ: و هذه الآية إشارة إلى أنّ النّقطة التّالية و هي أنّ الحكم السّابق في مجال حرّيّة التّزوّج بالإماء بشروط معيّنة ما هو-في الحقيقة-إلاّ تخفيف و توسعة،ذلك لأنّ الإنسان خلق ضعيفا،فلا بدّ -و هو يواجه طوفان الغرائز المتنوّعة الجامحة الّتي تحاصره و تهجم عليه من كلّ صوب و حدب-أن تطرح عليه طرق و وسائل مشروعة لإرضاء غرائزه، ليتمكّن من حفظ نفسه من الانحراف و السّقوط.

(3:177)

تخفيف

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى... فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ. البقرة:178

ابن عبّاس: تهوين.(24)

خفّف عنكم،و كان على من قبلكم أنّ الدّية لم تكن تقبل،فالّذي يقبل الدّية ذلك منه عفو.الطّبريّ 2:115)

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بقوله ذلك:هذا الّذي حكمت به و سننته لكم-من إباحتي لكم أيّتها الأمّة، العفو عن القصاص من قاتل قتيلكم على دية تأخذونها فتملكونها ملككم سائر أموالكم الّتي كنت منعتها من قبلكم من الأمم السّالفة-تخفيف من ربّكم.

يقول:تخفيف منّي لكم ممّا كنت ثقّلته على غيركم بتحريم ذلك عليهم،و رحمة منّي لكم.(2:115)

الزّجّاج: و ذكر أنّ من كان قبلنا لم يفرض عليهم إلاّ النّفس،كما قال عزّ و جلّ: وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ المائدة:45.أي في التّوراة،فتفضّل اللّه على هذه الأمّة بالتّخفيف و الدّية إذا رضي بها وليّ الدّم.(1:248)

الماورديّ: يعني خيار الوليّ في القود أو الدّية، قال قتادة:و كان أهل التّوراة يقولون:إنّما هو قصاص أو عفو ليس بينهما أرش،و كان أهل الإنجيل يقولون:

إنّما هو أرش أو عفو ليس بينهما قود،فجعل لهذه الأمّة القود و العفو و الدّية إن شاءوا،أحلّها لهم و لم تكن لأمّة قبلهم،فهو قوله تعالى: ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ. (1:230)

الطّوسيّ: معناه أنّه جعل لكم القصاص،أو الدّية أو العفو،و كان لأهل التّوراة قصاص،و عفو،و لأهل الإنجيل عفو،أودية.(1:103)

نحوه الطّبرسيّ.(1:265)

البغويّ: أي ذلك الّذي ذكرت من العفو عن القصاص و أخذ الدّية،تخفيف من ربّكم و رحمة،

ص: 555

و ذلك أنّ القصاص في النّفس و الجرح كان حتما في التّوراة على اليهود،و لم يكن لهم أخذ الدّية،و كان في شرع النّصارى الدّية و لم يكن لهم فيها القصاص،فخيّر اللّه هذه الأمّة بين القصاص و بين العفو عن الدّية تخفيفا منه و رحمة.(1:210)

الميبديّ: هذا العفو و القصاص و الدّية تخفيف تامّ و رحمة واسعة من اللّه عليكم،و الدّية خاصّة لهذه الأمّة ليس لأحد من بني آدم،و في التّوراة قصاص أو العفو،و في الإنجيل أمر على العفو،و في القرآن قصاص و عفو و دية.(1:475)

الزّمخشريّ: لأنّ أهل التّوراة كتب عليهم القصاص البتّة و حرّم العفو و أخذ الدّية،و على أهل الإنجيل العفو و حرّم القصاص و الدّية،و خيّرت هذه الأمّة بين الثّلاث:القصاص و الدّية و العفو،توسعة عليهم و تيسرا.(1:333)

نحوه الشّربينيّ(1:116)،و أبو السّعود(1:238)

القرطبيّ: لأنّ أهل التّوراة كان لهم القتل و لم يكن لهم غير ذلك،و أهل الإنجيل كان لهم العفو و لم يكن لهم قود و لا دية،فجعل اللّه ذلك تخفيفا لهذه الأمّة،فمن شاء قتل،و من شاء أخذ الدّية،و من شاء عفا.

(2:255)

أبو حيّان :أشار بذلك إلى ما شرعه تعالى من العفو و الدّية،إذ أهل التّوراة كان مشروعهم القصاص فقط،و أهل الإنجيل مشروعهم العفو فقط.و قيل:لم يكن العفو في أمّة قبل هذه الأمّة،و قد تقدّم طرق من هذا النّقل.

و هذه الأمّة خيّرت بين القصاص و بين العفو و الدّية،و كان العفو و الدّية تخفيفا من اللّه،إذ فيه انتفاع الوليّ بالدّية،و حصول الأجر بالعفو استبقاء مهجة القاتل،و بذل ما سوى النّفس هيّن في استبقائها.

و أضاف هذا التّخفيف إلى الرّبّ،لأنّه المصلح لأحوال عبيده،النّاظر لهم في تحصيل ما فيه سعادتهم الدّينيّة و الدّنيويّة.و عطف(و رحمة)على(تخفيف) لأنّ من استبقى مهجتك بعد استحقاق إتلافها فقد رحمك،و أيّ رحمة أعظم من ذلك.و لعلّ القاتل المعفوّ عنه يستقلّ من الأعمال الصّالحة في المدّة الّتي عاشها بعد استحقاق قتله ما يمحو به هذه الفعلة الشّنعاء،فمن الرّحمة إمهاله،لعلّه يصلح أعماله.

(2:14)

البروسويّ: أي تيسير و توسعة لكم.(1:285)

الآلوسيّ: لما في شرعيّة العفو تسهيل على القاتل،و في شرعيّة الدّية نفع لأولياء المقتول.(2:51)

الطّباطبائيّ: أي الحكم بانتقال القصاص إلى الدّية تخفيف من ربّكم فلا يتغيّر،فليس لوليّ الدّم أن يقتصّ بعد العفو فيكون اعتداء،فمن اعتدى فاقتصّ بعد العفو فله عذاب أليم.(1:433)

فضل اللّه :و الإشارة إلى تشريع العفو بدلا من القصاص فقد أراده اللّه تخفيفا على النّاس،فلا ينغلقوا على الأخذ بحقّهم في قتل القاتل،بعيدا عن التّسامح و العفو اللّذين قد يفتحان للإنسان أكثر من نافذة على الحلول الهادئة السّليمة،الّتي تنزع عن النّفس كلّ المؤثّرات السّلبيّة في عمليّة احتواء لكلّ الآثار النّفسيّة

ص: 556

المؤلمة،لتلتقي الأوضاع الاجتماعيّة على الطّريقة الحكيمة الّتي يتخفّف فيها الإنسان من ذاتيّات الألم و الانتقام في شخصيّته،و ذلك هو التّخفيف الإلهيّ من حدّة الحلّ الحاسم.(3:218)

خفافا

اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً... التّوبة:41

لاحظ:ث ق ل:«ثقالا».

فاستخفّ

فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ

الزّخرف:54

ابن عبّاس: فاستزلّ.(414)

الكلبيّ: استجهلهم فأظهروا طاعة جهلهم.

(الماورديّ 5:231)

الفرّاء: يريد استفزّهم.(3:35)

حرّكهم بالرّغبة فخفّوا معه في الإجابة.

(الماورديّ 5:231)

الرّمّانيّ: دعاهم إلى باطله فخفّوا في إجابته.

(الماورديّ 5:231)

ابن الأعرابيّ: المعنى فاستجهل قومه.

(القرطبيّ 16:101)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه:

أحدها:استفزّهم بالقول فأطاعوه على التّكذيب.

قاله ابن زياد.

[باقي الأقوال قول الكلبيّ و الفرّاء و الرّمّانيّ و قد تقدّم](5:231)

البغويّ: أي استخفّ فرعون قومه القبط،أي وجدهم جهّالا،و قيل:حملهم على الخفّة و الجهل، يقال:استخفّه عن رأيه،إذا حمله على الجهل و أزاله عن الصّواب.(4:165)

الميبديّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

و قيل:طلب منهم الخفّة في الطّاعة،و هي الإسراع إليها فأطاعوه،يقال:أخفّ إلى كذا،أي أسرع إليه، و استخفّه غيره:دعاه إلى ذلك،أي و استخفّهم بهذا الكلام المزخرف.(9:72)

الزّمخشريّ: فاستفزّهم،و حقيقته حملهم على أن يخفّوا له و لما أراد منهم،و كذلك«استفزّ»من قولهم للخفيف:فزّ.(3:493)

الفخر الرّازيّ: أي طلب منهم الخفّة في الإتيان بما كان يأمرهم به فأطاعوه.(27:219)

القرطبيّ: [نقل قول ابن الأعرابيّ ثمّ قال:]

فَأَطاعُوهُ لخفّة أحلامهم و قلّة عقولهم.يقال:

استخفّه الفرح،أي أزعجه،و استخفّه،أي حمله على الجهل،و منه: وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ الرّوم.60.

و قيل:استفزّهم بالقول فأطاعوه على التّكذيب.

و قيل:استخفّ قومه،أي وجدهم خفاف العقول.

و هذا لا يدلّ على أنّه يجب أن يطيعوه،فلا بدّ من إضمار بعيد،تقديره:وجدهم خفاف العقول فدعاهم إلى الغواية فأطاعوه.

و قيل:استخفّ قومه و قهرهم حتّى اتّبعوه،يقال:

ص: 557

استخفّه خلاف استثقله،و استخفّ به:أهانه.

(16:101)

النّيسابوريّ: أي حملهم على أن يخفّوا له في الطّاعة،أو استخفّ عقولهم و استجهلهم.(25:54)

نحوه أبو حيّان.(8:23)

الشّربينيّ: أي بسبب هذه الخدع الّتي سحّرهم بها في هذا الكلام الّذي هو في الحقيقة محقّر له موهن لأمره،قاصم لملكه عند من له لبّ.(3:568)

أبو السّعود :فاستفزّهم و طلب منهم الخفّة في مطاوعته،أو فاستخفّ أحلامهم.(6:37)

نحوه القاسميّ.(14:5278)

البروسويّ: أي فاستفزّهم بالقول و طلب منهم الخفّة في إطاعته،فالمطلوب بما ذكره من التّلبيسات و التّمويهات خفّة عقولهم حتّى يطيعوه فيما أراد منهم ممّا يأباه أرباب العقول السّليمة،لا خفّة أبدانهم في امتثال أمره،أو فاستخفّ أحلامهم،أي وجدها خفيفة،يغترّون بالتّلبيسات الباطلة.

و قال الرّاغب:حملهم على أن يخفّوا معه أو وجدهم خفافا فى أبدانهم و عزائمهم.(8:379)

الآلوسيّ: فطلب منهم الخفّة في مطاوعته،على أنّ «السّين»للطّلب على حقيقتها،و معنى الخفّة:السّرعة لإجابته و مطاوعته،كما يقال:«هم خفوف إذا دعوا» و هو مجاز مشهور.و قال ابن الأعرابيّ:استخفّ أحلامهم،أي وجدهم خفيفة أحلامهم،أي قليلة عقولهم.فصيغة«الاستفعال»للوجدان ك«الإفعال» كما يقال:أحمدته:وجدته محمودا.و في نسبته ذلك للقوم تجوّز.(25:91)

عبد الكريم الخطيب :أي إنّ فرعون استخفّ بعقول قومه و استصغر أحلامهم،فتحدّث إليهم بهذا الحديث الّذي لا يقبله عقل و لا يستسيغه عاقل.

(13:146)

مكارم الشّيرازيّ: تشير الآية إلى نكتة لطيفة، و هي أنّ فرعون لم يكن غافلا عن واقع الأمر تماما، و كان ملتفتا إلى أن لا قيمة لهذه القيم و المعايير،قلّ هذا الالتفات أم كثر،إلاّ أنّه: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ.

إنّ طريقة كلّ الحكومات الجبّارة الفاسدة من أجل الاستمرار في تحقيق أهدافها و أنا نيّاتها،هي الإبقاء على النّاس في مستوى متردّ من الفكر و الثّقافة و الوعي،و تسعى إلى تركهم حمقى لا يعون ما حولهم باستخدام أنواع الوسائل،فتجعلهم غرقى في حالة من الغفلة عن الوقائع و الأحداث و الحقائق،و تنصب لهم قيما و موازين كاذبة بدلا من الموازين الحقيقيّة،كما تمارس عمليّة غسل دماغ تامّ متواصل لهذه الشّعوب، و ذلك لأنّ يقظتها و وعيها،و تنامي رشدها الفكريّ يشكل أعظم خطر على الحكومات،و يعتبر أكبر عدوّ للحكومات المستبدّة،فهذا الوعي بمثابة مارد يجب أن تحاربه بكلّ ما أوتيت من قوّة.

إنّ هذا الأسلوب الفرعونيّ-أي استخفاف العقول-حاكم على كلّ المجتمعات الفاسدة في عصرنا الحاضر،بكلّ قوّة و استحكام،و إذا كان تحت تصرّف فرعون وسائل محدودة توصله إلى نيل هدفه،فإنّ طواغيت اليوم يستخفّون عقول الشّعوب بوساطة

ص: 558

وسائل الاتّصال الجماعيّة:الصّحف و المطبوعات شبكات الرّاديو و التّلفزيون،أنواع الأفلام،بل و حتّى الرّياضة في قالب الانحراف،و ابتداع أنواع الأساليب المضحكة المستهجنة،لتغرق هذه الشّعوب في بحر الغفلة،فيطيعوهم و يستسلموا لهم،و لهذا كانت المسئوليّة-الملقاة على عاتق علماء الدّين و الملتزمين به و الّذين يحيون خطّ الأنبياء الفكريّ و العقائديّ- ثقيلة في محاربة برامج استخفاف العقول،فهي من أهمّ واجباتهم.(16:71)

فضل اللّه :أي استفزّهم بأسلوبه القريب من سطح عقولهم،فحملهم على أن يخفّوا له و لما أراد منهم.(20:251)

يستخفّنّك

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ. الرّوم:60

ابن عبّاس: لا يستنزلنّك عن الإيمان يوم القيامة.

(343)

نحوه النّقّاش.(الماورديّ 4:324)

يحيى بن سلاّم:لا يستفزّنّك.(الماورديّ 4:324)

الجبّائيّ: أي لا يحملنّك كفر هؤلاء على الخفّة و العجلة،لشدّة الغضب عليهم لكفرهم بآياتك،فتفعل خلاف ما أمرت به من الصّبر و الرّفق.

(الطّبرسيّ 4:311)

الطّبريّ: و لا يستخفّنّ حلمك و رأيك هؤلاء المشركون باللّه،الّذين لا يوقنون بالمعاد،و لا يصدّقون بالبعث بعد الممات،فيثبّطوك عن أمر اللّه،و النّفوذ لما كلّفك من تبليغهم رسالته.(10:200)

الزّجّاج: لا يستفزّنّك عن دينك الّذين لا يوقنون، أي هم ضلاّل شاكّون.(4:192)

نحوه الطّبرسيّ(4:311)،و القرطبيّ(14:49).

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:لا يستعجلنّك،قاله ابن شجرة.

الثّاني:[قول يحيى بن سلاّم]

الثّالث:[قول النّقّاش](4:324)

الطّوسيّ: أي و لا يستفزّنّك اَلَّذِينَ لا يُوقِنُونَ فالاستخفاف طلب الخفّة.(8:267)

البغويّ: و لا يستجهلنّك،معناه:لا يحملنّك الّذين لا يوقنون على الجهل و اتّباعهم في الغيّ،و قيل:

لا يستخفّنّ رأيك و حلمك.(3:583)

الميبديّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

و قيل:لا يستخفّنّ رأيك و حلمك الّذين لا يؤمنون بالبعث و الحساب.

و قيل:لا يتداخلنّك خفّة و عجلة،لشدّة غضبك على الكفّار،فتفعل بخلاف ما أمرك اللّه به من الصّبر،فليس لوعده خلف و لا تبديل.(7:473)

الزّمخشريّ: و لا يحملنّك على الخفّة و القلق جزعا ممّا يقولون و يفعلون،فإنّهم قوم شاكّون ضالّون لا يستبدع منهم ذلك.و قرئ بتخفيف النّون،و قرأ ابن أبي إسحاق و يعقوب (و لا يستحقّنّك) أي لا يفتننّك فيملكوك،و يكونوا أحقّ بك من المؤمنين.(3:228)

نحوه البيضاويّ(2:226)،و النّسفيّ(3:278)

ص: 559

ابن عطيّة:و قرأ ابن أبي إسحاق (يستحقّنّك) بحاء غير معجمة و قاف من«الاستحقاق»و الجمهور على الخاء المعجمة و الفاء من«الاستخفاف»إلاّ أنّ ابن أبي إسحاق و يعقوب سكّنا النّون من يَسْتَخِفَّنَّكَ. (4:344)

أبو حيّان :[نقل قول ابن عطيّة ثمّ قال:]

و المعنى لا يفتننّك و يكونوا أحقّ بك من المؤمنين.

(7:182)

الشّربينيّ: أي يحملنّك على الخفّة،و يطلب أن تخفّ باستعجال النّصر،خوفا من عواقب تأخيره، و تنفيرك عن التّبليغ.(3:179)

البروسويّ: و في التّأويلات النّجميّة:...يشير به إلى استخفاف أهل البطالة،و استجهالهم أهل الحقّ و طلبه،و هم ليسوا أهل الإيقان و إن كانوا أهل الإيمان التّقليديّ،يعني لا يقطعون عليك الطّريق بطريق الاستهزاء و الإنكار،كما هو عادة أهل الزّمان يستخفّون طالبي الحقّ،و ينظرون إليهم بنظر الحقارة، و يزرونهم و ينكرون عليهم في ما يفعلون من ترك الدّنيا،و تجرّدهم عن الأهالي و الأولاد و الأقارب؛ و ذلك لأنّهم لا يوقنون بوجوب طلب الحقّ تعالى.

(7:61)

الآلوسيّ: لا يحملنّك على الخفّة و القلق.قيل:

لا تخفّ لهم جزعا.(21:62)

مثله القاسميّ.(13:4791)

عبد الكريم الخطيب :و الاستخفاف:أصله من الخفّة،و المراد به التّحوّل من حال إلى حال،و الانتقال من وضع إلى وضع عند كلّ خاطرة،و لأيّة مسّة فإنّ الخفيف من الشّيء هدف سهل لكلّ عارض يعرض له،و يريد زحزحته عن موضعه الّذي هو عليه.

(11:550)

مكارم الشّيرازيّ: كلمة لا يَسْتَخِفَّنَّكَ مشتقّة من الخفّة و هي خلاف الثّقل،أي كن رزينا قائما على قدميك،لئلاّ يهزّك مثل هؤلاء الأفراد و يحرّكوك من مكانك،و كن ثابتا و مواصلا للمسيرة باطمئنان،إذ أنّهم فاقدوا اليقين و أنت مركز اليقين و الإيمان.(12:528)

فضل اللّه :ليهزّوا موقفك،و ليثيروا القلق في مشاعرك،و ليجعلوا موقعك من الموقف الحقّ،موقفا خفيفا مهتزّا غير ثابت،من خلال هؤلاء الّذين لا يوقنون باللّه سبحانه.(18:167)

تستخفّونها

وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ... النّحل:80

ابن عبّاس: تستخفّون حملها.(228)

الطّبريّ: تستخفّون حملها و نقلها.(7:626)

الزّجّاج: معنى تَسْتَخِفُّونَها أي يخفّ عليكم حملها في أسفاركم و إقامتكم.(3:215)

الطّوسيّ: أي يخفّ عليكم حملها.(6:412)

[و هذا المعنى جاء في جلّ التّفاسير]

الآلوسيّ: أي تجدونها خفيفة سهلة المأخذ،

ص: 560

فالسّين ليست للطّلب بل للوجدان،كأحمدته:وجدته محمودا.(14:204)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الخفيف:على وجهين:

أحدهما:ضدّ الثّقل كقوله: فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً (الأعراف:189)

و الثّاني:غير مثقّل كقوله: اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً التّوبة:41.(240)

الدّامغانيّ: الخفيف على خمسة أوجه:الهيّن، الشّباب،التّيسير،النّقصان،الخفّة بعينه.

فوجه منها:الخفيف:يعني الهيّن قوله: حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً الأعراف:189،يعني هيّنا.

و الوجه الثّاني: خِفافاً يعني شبابا.قوله تعالى: اِنْفِرُوا خِفافاً التّوبة:4،يعني شبابا وَ ثِقالاً أي خفافا من المال.

و الوجه الثّالث:التّخفيف:التّيسير،قوله: يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ النّساء:28،أي يهوّن عليكم تزويج الولائد عند الضّرورة.

و الوجه الرّابع:التّخفيف:نقصان العذاب،قوله:

وَ قالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ المؤمن:49،يعني يرفع عنّا يوما من النّار يعني عذاب يوم واحد.

و الوجه الخامس:الخفّة في الوزن،قوله: وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ المؤمنون:103،و أمثاله كثير.(312)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخفّة:ضدّ الثّقل و الرّجوع.يقال:خفّ يخفّ خفّا و خفّة،أي صار خفيفا،فهو خفيف و خفاف؛و الجمع:خفاف،و أخفّ الرّجل،إذا كانت دوابّه خفافا،و إذا كان قليل الثّقل في سفره أو حضره أيضا.

و الخفّ:الخفيف.يقال:شيء خفّ،أي خفيف، و خفّ المتاع:خفيفه،و التّخفيف:ضدّ التّثقيل.

و الخفّة:خفّة الوزن و خفّة الحال،و منه:خفّة الرّجل:طيشه و خفّته في عمله.يقال:خفّ يخفّ خفّة،فهو خفيف،فإذا كان خفيف القلب متوقّدا فهو خفاف.

و المخفّ:القليل المال،الخفيف الحال.يقال:أخفّ الرّجل،أي خفّت حاله و رقّت،فهو مخفّ و خفيف و خفّ.

و الخفوف:القلّة.يقال:خفّ القوم خفوفا،أي قلّوا،و قد خفّف زحمتهم،و خرج فلان في خفّ من أصحابه:في جماعة قليلة،و خفّ المطر:نقص.

و الخفوف أيضا:سرعة السّير من المنزل.يقال:

حان الخفوف،و خفّ القوم عن منزلهم خفوفا:ارتحلوا مسرعين،و نعامة خفّانة:سريعة.

و منه:الخفّ:مجمع فرسن البعير و النّاقة،لأنّه يجعلها خفيفين عند المشي.يقال:هذا خفّ البعير و هذه فرسنه؛و الجمع:أخفاف و خفاف،و جاءت الإبل على خفّ واحد:تبع بعضها بعضا كأنّها قطار،و الخفّ:

الجمل المسنّ لخفّته.

ص: 561

و الخفّ:النّعل الّذي يلبس،إلاّ أنّه أغلظ منه، على التّشبيه بخفّ البعير و النّاقة،لأنّ الماشي يخفّ و هو لابسه،كما قال ابن فارس.يقال:تخفّف خفّا، أي لبسه.

و الخفيف:ضرب من العروض،سمّي بذلك لخفّته.

و النّون الخفيفة:خلاف الثّقيلة،و يقال لها:

الخفيّة،و يكنّى بذلك عن التّنوين أيضا.

و يقال مجازا:استخفّه الطّرب و أخفّه،أي حمله على الخفّة و أزال حلمه،و استخفّه الفرح،إذا ارتاح لأمر،و استخفّه:طلب خفّته،و رآه خفيفا،و استخفّه فلان:استجهله فحمله على اتّباعه في غيّه،و استخفّه عن رأيه:حمله على الجهل و أزاله عمّا كان عليه من الصّواب،و استخفّ به:أهانه،و استخفّ فلان بحقّي:

استهان به،و خفّ فلان لفلان:أطاعه و انقاد له، و خفّت الأتن لعيرها:أطاعته،و خفّ له في الخدمة يخفّ:خدمه،و أخفّه الشّيء:حمله على الطّيش.

2-و من أقوال العوامّ:اللّه يرحم من زار و خفّ، و رحم اللّه من زار و خفّف،أي من زار فلم يطل الزّيارة،و فلان خفيف الدّم:ظريف لطيف رقيق العشرة،و كذلك قولهم:خفيف الرّوح،و فلان خفيف:

طائش و عابث،كما يطلقون الخفّة على السّوائل، فيقولون:سائل خفيف،أي خلاف كثيف.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا«الماضي»3 مرّات،و«فعيل» مفردا و جمعا كلّ منهما مرّة،و من التّفعيل«الماضي» مرّة و«المضارع»معلوما مرّتين،و مجهولا 4 مرّات، و«المصدر»مرّة،و من الاستفعال«الماضى»مرّة، و«المضارع»مرّتين في 17 آية:

الخفّ

1- ...فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ الأعراف:8،9

2- فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ المؤمنون:102،103

3- وَ أَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ* فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ

القارعة:8،9

التّخفيف

4- ...فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ ... الأعراف:189

5- اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً... التّوبة:41

6- اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً

الأنفال:66

7- يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً النّساء:28

8- وَ قالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ المؤمن:49

9- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ البقرة:86

10،11- خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ البقرة:162،و آل عمران:88

ص: 562

12- وَ إِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ النّحل:85

13- ...لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ فاطر:36

الاستخفاف

14- ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ

البقرة:178

15- فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ الزّخرف:54

16- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ الرّوم:60

17- ...وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها... النّحل:80

يلاحظ أوّلا:أنّ مشتقّات هذه المادّة جاءت خلافا للثّقل في الموارد الآتية:

أ:خفّة الموازين في(1)و(2): وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، و(3):

وَ أَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ* فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ و فيها بحوث:

1-استعملت خفّة الموازين و ثقلها في هذه الآيات المكّيّة الثّلاث فقط،و هي تهديد و وعيد لعتاة قريش و جبابرتها بما يجري يوم الحساب.و ينبئ هذا الاستعمال كثرة تداول الميزان بين المكّيّين في البيع و الشّراء و المبادلات التّجاريّة،و كذا ما يخصّه كالخفّة و الثّقل،و البخس و التّطفيف،و الكيل و المكيال، و الصّواع،و القسطاس،و مثقال حبّة،انظر هذه الألفاظ في مواضعها.

2-ذكر الفلاح في(1)و(2)مكافأة لثقل الموازين: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، و ذكر خسران النّفس فيها عقوبة لخفّة الموازين.

غير أنّه ذكر سبب هذه العقوبة في(1): بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ، و لم يذكر في(2)بل ذكرت عاقبة ذلك فحسب: فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ و هو تأكيد لخسران،النّفس الّذي يؤول إلى جهنّم أيضا.

و أمّا آية(3)فيختلف سياقها عن(1)و(2) لرويّ السّورة،إلاّ أنّها تلائمهما في المعنى،فقد سبقتها آيتان جاء فيهما رضا العيش مكافأة لثقل الموازين:

فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ القارعة:6،7،و تلتها آيات جاء فيها ذكر النّار الحامية عقوبة لخفّة الموازين: وَ أَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ * فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ* وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ القارعة:8-11.و هذا تفسير الآيتين السّابقتين(1) و(2)،فالعيش الرّضيّ هو الفلاح،و النّار هي خسارة النّفس.

3-أوجز الكلام في من ثقلت موازينه،و أسهب في من خفّت موازينه في الآيات الثّلاث جميعا،و هذا يدلّ على أنّ الغرض منها-كما ذكرنا آنفا-التّهديد و الوعيد،و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يكابد أذى المشركين و كيدهم،فواساه اللّه بذلك تصبيرا له.

ب:خفّة الحمل في(16): حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً :

أصفق المفسّرون قاطبة على أنّ الحمل الخفيف هو الجنين حينما يكون في الرّحم نطفة أو علقة أو مضغة،

ص: 563

إلاّ الزّمخشريّ،فقد ذهب إلى أنّه الحمل الّذي لا تستثقله الحبلى و لا تتأذّى به،و تبعه البيضاويّ الّذي يحذو حذوه دائما حذو النّعل بالنّعل.

و ردّ أبو السّعود هذا الرّأي مستدلاّ بقوله:«فلمّا أثقلت»فقال:«إذ معناه فلمّا صارت ذات ثقل لكبر الولد في بطنها،و لا ريب في أنّ الثّقل بهذا المعنى ليس مقابلا للخفّة بالمعنى المذكور،إنّما يقابلها الكرب الّذي يعتري بعضهنّ من أوّل الحمل إلى آخره دون بعض أصلا».

ج-خفّة النّفار في(5): اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً :

جاء الخفاف فيها طباقا للثّقال،و هذا التّقابل من خصائص الخفّة،كما في(1-4)،و تشاكلا هنا في الوزن أيضا،فكلاهما جمع،فالخفاف:جمع خفيف،و الثّقال:

جمع ثقيل.

التّخفيف:

أ:تخفيف الأحكام في(6): اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ، و(7) يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ، و(14):

ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ، و فيها بحوث:

1-قرن التّخفيف في(7)بالضّعف،أي كان تخفيف الحكم في الجهاد لضعف المسلمين،و قرن في(7) بالضّعف أيضا،لعدم إطاقة الإنسان على التّكليف، و قرن في(14)بالرّحمة،لأنّ القصاص في الإسلام تخفيف و رحمة-خلافا لما كان في الأديان السّابقة- فإنّها من تتمّة آية القصاص: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ...

2-جاء الفعل ماضيا في(6)و في غيرها-كما يأتي-مضارعا،كما جاء الفعل بعده(علم)ماضيا أيضا: اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً بيد أنّ(خفف)هنا بمعنى«يخفّف»،لأن(الئن) ظرف للزّمان الحاضر،فكان حكم الجهاد شاقّا أوّل الأمر،ثمّ خفّفه عنهم.و أمّا(علم)فهو على أصله، لأنّ علمه تعالى بحالهم سبق صدور حكمه إليهم.

3-أسند التّخفيف إلى لفظ الجلالة في(6)و(7) و وصل في(14)بشبه الجملة مِنْ رَبِّكُمْ أي تخفيف من اللّه،و الفعل فيها مثبت جاء لتخفيف الأحكام من اللّه،و في تخفيف العذاب-كما يأتي-منفيّ لفظا أو معنى مثل(8): اُدْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ، حيث دلّ على نفي التّخفيف حين ذاك.

و يهدينا هذا الاستعمال إلى أنّ التّخفيف أمر مرغوب فيه في الدّنيا فضلا عن الآخرة دون الخفّة.

ب-تخفيف العذاب في(9)-(13):

لعلّ تخفيف العذاب عن أصحاب النّار يبيّن نوع العذاب،فطلب أهل النّار من خزنة جهنّم في(8):

اُدْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ، يوضّح أنّ عذابهم كان شديدا،و هذا كقوله: اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ فاطر:7، وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ فصّلت:50،و فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً الكهف:

87.

و يدلّ عدم النّصرة في(9): فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ، على ذلّتهم و خزيهم، كقوله: اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ الأنعام:93، و فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ الحجّ:57.

ص: 564

و يدلّ عدم النّصرة في(9): فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ، على ذلّتهم و خزيهم، كقوله: اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ الأنعام:93، و فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ الحجّ:57.

و يبيّن عدم التّأخير و الإمهال في(10)و(11):

خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ، و في(12): فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ، أنّهم خالدون في النّار،و قد جاء هذا المعنى في(10)و(11): خالِدِينَ فِيها، و نظيره قوله: وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ المائدة:37،و ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ يونس:52،و وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ الصّافّات:9.

و ذكر مكوثهم في النّار أحياء في(13): لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها، يدلّ على خلودهم فيها أيضا،و له نظائر كثيرة في القرآن.

لاحظ:خ ل د:«خالدين».

الاستخفاف:

أ:استخفاف فرعون قومه في(12): فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ، و فيه بحوث:

1-قالوا في فَاسْتَخَفَّ :فاستزلّ،استجهلهم فأظهروا طاعة جهلهم،استفزّهم:حرّكهم بالرّغبة فخفّوا معه في الإجابة،دعاهم إلى باطله فخفّوا في إجابته،طلب منهم الخفّة في الطّاعة-و هي الإسراع- فأطاعوه،حملهم على أن يخفّوا له،و لما أراد منهم، استخفّ عقولهم و استجهلهم،استخفّ أحلامهم،أي وجدهم خفيفة أحلامهم،أي قليلة عقولهم،فصيغة «الاستفعال»للوجدان،كالإفعال،كما يقال:أحمدته:

وجدته محمودا.استفزّهم بأسلوبه القريب من سطح عقولهم فحملهم على أن يخفّوا له و لما أراد منهم، و نحوها،و هي راجعة إلى أمرين:طلب الاستخفاف منهم،و وجدانهم خفيفة العقول.و الظّاهر هو الثّاني.

2-يريد بالاستخفاف هنا:أنّ فرعون حسبهم غير فهمين،بسطاء في قوله لهم في الآيات قبلها : وَ نادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ -إلى- أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ،الزّخرف:51،53،فاستخفّ قومه بهذه الكلمات إلى طاعته،فإنّها كلمات تقال:للبسطاء من النّاس إغفالا لهم،كما كان فرعون يستفيد من علاقتهم بوطنهم.

فيحذّرهم من موسى و قومه: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ الأعراف:110،و مثله آيات أخرى.

و قد كان قد سبق علمه بحال قومه؛إذ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ، أي خارجين عن الفطرة الإنسانيّة العاقلة.

3-الفاء في فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ، تفريع على ما قاله لهم،أي تلك الأقوال تقال لمن كان خفيف العقل.

ب-استخفاف قريش النّبيّ في(16): وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ :

حذّر اللّه رسوله من أن يستخفّه قومه ب«لا» النّاهية،و شدّد النّهي بنون التّوكيد.و الاستخفاف هنا:

الحمل على الخفّة،أي لا يحملونك على الخفّة،لأنّه تعالى أمره بالصّبر قبل النّهي بقوله: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ

ص: 565

اَللّهِ حَقٌّ.

ج-الاستخفاف بمعنى عدّ البيوت خفيفة الوزن في (17): وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ.

إن قيل:فأمّا خفّة البيوت في الظّعن و السّفر فظاهر،فما وجه خفّتها في الإقامة و الحضر؟

يقال:تظهر خفّتها حين نصبها و جمعها أيضا.

ثانيا:سبع منها مدنيّة،و الباقي مكّيّة،و المكّيّات كلّها،راجع إلى الثّواب و العذاب في الآخرة، و تشاركها في ذلك ثلاث من المدنيّات،و هي(9)- (11)و أربع منها و هي(5)-(7)و(14)تشريع.

و قد ظهر منها أنّ«الخفّة»في(4)و(5)،و «التّخفيف»في(6)و(7)و(14)أمور دنيويّة و كذا «الاستخفاف»و هو أمر ممقوت في اثنتين منها و هما (15)و(16)و مطلوب في واحدة و هي(17).

ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الخفيف خلاف الثّقيل:

النّشيط: وَ النّاشِطاتِ نَشْطاً النّازعات:2.

الاستخفاف:الخسف و التّحقير:

الذّلّ: وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ الشّورى:45.

الكبت: كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

المجادلة:5.

الصّغار: سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللّهِ الأنعام:124

الاستكانة: فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا آل عمران:146.

الدّخور: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60.

الضّراعة: وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ المؤمنون:76.

الإهانة: وَ أَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ الفجر:16.

الخضوع: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ

الشّعراء:4

الإذعان: وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ النّور:49

الاستخفاف:الذّعر:

الفزع: فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ النّمل:87

التّخويف: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ

آل عمران:175

الرّوع: فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى هود:74

الرّعب: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللّهِ آل عمران:151

الوجل: قالُوا لا تَوْجَلْ إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ

الحجر:53

الاسترهاب: وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ الأعراف:116

الخشية: لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى طه:77

ص: 566

خ ف ي

اشارة

22 لفظا،34 مرّة:18 مكّيّة،16 مدنيّة

في 21 سورة:13 مكّيّة،8 مدنيّة.

يخفى 4:3-1 تخفى 3:1-2

يخفون 1:1 يخفين 1:-1

تخفى 1:1 تخفون 3:2-1

خافية 1:1 تخفوا 1:-1

خفيّ 1:1 تخفوه 3:-3

خفيّا 1:1 تخفوها 1:-1

خفية 2:2 اخفيها 1:1

اخفى 1:1 نخفى 1:1

اخفيتم 1:-1 يستخفون 2:-2

اخفى 1:-1 ليستخفوا 1:1

يخفون 2:1-1 مستخف 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخفية،من قولك:أخفيت الصّوت إخفاء،و فعله اللاّزم:اختفى.

و الخافية:ضدّ العلانية.و لقيته خفيّا،أي سرّا.

و الخفاء:الاسم،خفي يخفى خفاء.

و الخفا،مقصور:الشّيء الخافي،و الموضع الخافي.

و الخفاء:رداء تلبسه المرأة فوق ثيابها.و يجمع الخفاء في أدنى العدد:أخفية.

و كلّ شيء غطّيت به شيئا فهو خفاء.

و الخفيّة:غيضة ملتفّة من النّبات،يتّخذ فيها الأسد عرينه.

و الخفيّة:بئر كانت عاديّة فادّفنت،ثمّ حفرت؛ و يجمع:خفايا.

ص: 567

و الخوافي من الجناحين:ممّا دون القوادم لكلّ طائر؛الواحدة:خافية.

و الخفا:إخراجك الشّيء الخفيّ و إظهاركه.

و خفيت الخرزة من تحت التّراب أخفيها خفيا.

و خفا البرق يخفو خفوا و يخفى خفيا،أي ظهر من الغيم.و من قرأ: (اكاد اخفيها) طه:15،فهو يريد:

أظهرها،و أخفيها،أي أسرّها من الإخفاء.

و المختفي:النّبّاش.

و الخفيّة:عرين الأسد.

و الخفية:اسم الاختفاء،و الفعل اللاّزم:الاختفاء.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](4:313)

اللّيث:الخفية من قولك:أخفيت الشّيء،أي سترته.(الأزهريّ 7:598)

الكسائيّ: خفا يخفو خفوا بمعناه.

(الأزهريّ 7:599)

أبو عمرو الشّيبانيّ: خفي المال،أو الدّراهم،أو الماء،أو الطّعام،حتّى كرهوه،أي كثر عليهم حتّى كرهوه و أجموه.(1:225)

خفي البرق يخفى خفيا،إذا برق برقا ضعيفا.

(الأزهريّ 7:599)

أبو زيد :و يسمّى النّبّاش بالحجاز المختفي،لأنّه يخرج الموتى من قبورهم فينزع ثيابهم.(9)

أبو حاتم: يخفي:يظهر و يستخرج.[ثمّ استشهد بشعر](أبو زيد:9)

الأصمعيّ: أخفيت الشّيء:كتمته،و أخفيته:

أظهرته.و في القرآن: إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها طه:15،أي أظهرها.

و خفيت و أخفيت أيضا:أظهرت.

و يقال للرّكيّة الّتي قد اندفعت ثمّ استخرجت:

خفيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:خفي البرق يخفى،إذا ظهر و لمع.

و جاء في الحديث:«ليس على المختفي قطع» و هو النّبّاش،و سمّي مختفيا،لأنّه يختفي الكفن أي يظهره.(الأضداد:21)

نحوه ابن السّكّيت(الأضداد:177)،و السّجستانيّ (الأضداد:115).

الخافي:هم الجنّ.(الأزهريّ 7:597)

الخوافي:ما دون الرّيشات العشر من مقدّم الجناح.

(الجوهريّ 6:2330)

خفى البرق يخفي،إذا ظهر.(الحربيّ 2:841)

يقال:برح الخفاء،و ذلك إذا ظهر.و أصله من البراح.(الحربيّ 2:844)

الخوافي:السّعفات اللّواتي يلين القلبة عند أهل نجد،و هي العواهن عند أهل الحجاز.

و خوافي الرّيش قوادمه؛الواحد:خافية و قادمة.[ثمّ استشهد بشعر](الحربيّ 2:849)

اللّحيانيّ: خفيت له خفية و خفية،أي اختفيت.

(ابن سيده 5:266)

حكي عن العرب:أصابه بريح من الخوافي،هو جمع الخافي،يعني الّذي هو الجنّ.(ابن سيده 5:267)

أبو عبيد: في حديث أبي ذرّ رحمه اللّه عند إسلامه، و كان قدم مكّة هو أخوه،فذكر أنّه كان يمشي نهاره

ص: 568

«فإذا كان اللّيل سقطت كأنّي خفاء».

فالخفاء ممدود:و هو الغطاء و كلّ شيء غطّيته بشيء من كساء أو ثوب أو غيره،فذلك الغطاء هو خفاء؛و جمعه:أخفية.(2:183)

ابن الأعرابيّ: [في حديث أبي ذرّ المتقدّم]

الخفاء:الكساء.(الحربيّ 2:838)

رجل خفيّ البطن:ضامره خفيفه.

(ابن سيده 5:268)

ابن السّكّيت: قد أخفيت الشّيء،إذا كتمته، و قد خفيته،إذا أظهرته.فهذا المعروف من كلام العرب.(إصلاح المنطق:235)

كلّ ركيّة كانت حفرت ثمّ تركت حتّى اندفنت،ثمّ حفروها و نثلوها فهي خفيّة.

قال بعض العرب:«إذا حسن من المرأة خفيّاها حسن سائرها»يعني صوتها و أثر وطئها الأرض، لأنّها إذا كانت رخيمة الصّوت،دلّ ذلك على خفرها و إذا كانت مقاربة الخطى و تمكّن أثر وطئها في الأرض، دلّ ذلك على أنّ لها أردافا و أوراكا.

(الجوهريّ 6:2329)

ابن أبي اليمان :و الخفاء:ما يخفى.و الاختفاء:

الاستخراج،يقال:أخفيت الشّيء،إذا استخرجته.

و الاستخفاء:التّواري.(49)

الحربيّ: الاختفاء:اللّبس.(2:840)

[في حديث:]«خير الذّكر الخفيّ»ذهب قوم إلى أنّ الذّكر الدّعاء،و قالوا:خيره ما أخفاه الرّجل.

و الّذي عندي أنّه الشّهرة و انتشار خبر الرّجل،فقال:

خيره ما كان خفيّا ليس بظاهر،لأنّ سعدا أجاب ابنه على نحو ما أراده عليه،و دعاه إليه من الظّهور و طلب الخلافة،فحدّثه بما سمع.(2:845)

[في حديث:]«السّنّة أن تقطع اليد المستخفية و لا تقطع اليد المستعلنة».

قوله:«تقطع اليد المستخفية»هذا ليس فيه اختلاف أنّه من الاستخفاء:الاستتار و التّغيّب،كما قال اللّه تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ النّساء:108.

و الخفيّة:غيضة ملتفّة يتّخذ فيها الأسد عرّيسته.

و يقال:بل هي موضع معروف من مسابع الأسد.

و كذلك:شرى.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخفيّة:بئر كانت قديمة فاندفنت،ثمّ حفرت، و الجميع:خفايا و الخفيّات.(2:850)

الزّجّاج: خفيت الشّيء:أظهرته،و أخفيته:

سترته.(فعلت و أفعلت:15)

ابن دريد :يقال:خفيت الشّيء،إذا أظهرته، و اختفى«افتعل»من ذلك.(1:52)

خفيت الشّيء أخفيه،إذا أظهرته و استخرجته خفيا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أخفيته،إذا سترته.(2:239)

الخفاء من قولهم:برح الخفاء،أي ظهر ما أخفيت و برح الخفاء،أي زال.

و أخفيت الشّيء إخفاء،إذا سترته،و خفيت الشّيء:أظهرته.(3:239)

الأزهريّ: [نقل كلام الخليل ثمّ قال:]

ص: 569

و فعله اللاّزم«اختفى»قلت:الأكثر من كلام العرب:«استخفى»لا«اختفى».و اختفى:لغة ليست بالعالية.

و أمّا الاختفاء فله معنيان:

أحدهما:بمعنى الاستخراج،و منه قيل:للنّبّاش:

المختفي.

و الثّاني:بمعنى الاستخفاء،و هو الاستتار.

و جاء«خفيت»بمعنيين متضادّين،و كذلك «أخفيت».

و كلام العرب الجيّد:أن يقال:خفيت الشّيء أخفيه،أي أظهرته.[ثمّ استشهد بشعر]

و أخفيت الشّيء،أي سترته.قال اللّه جلّ و عزّ:

إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ... البقرة:284، معناه أو تسرّوه.

و اختفيت الشّيء،أي أظهرته،و استخفيت منه، أي تواريت.هذا هو المعروف في كلام العرب.

يقال:برح الخفاء،و ذلك إذا ظهر و صار في براح، أي أمر منكشف.و قيل:برح الخفاء،أي زال الخفاء.

و الأوّل أجود.(7:595)

و العرب تقول:«إذا حسن من المرأة خفيّاها حسن سائرها»يعنون رخامة صوتها و أثر وطئها.

(7:600)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الخافية و الخوافي من الجناحين:ما دون القوادم، و هي من النّخل:العواهن و السّعف و يقال:خافية الغراب و خوافي الغراب جمعه...

و الخافي:الجنّ؛و الجميع:الخوافي،و كذلك الخافياء.(4:424)

ابن جنّيّ: يقال أخفيته،إذا أزلت عنه الإخفاء، كما يقال:أشكيته،إذا أزلت شكايته.(المدينيّ 1:600)

الجوهريّ: يقال:خفى المطر الفأر،إذا أخرجهنّ من أنفاقهنّ،أي من جحرتهنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و أخفيت الشّيء:سترته و كتمته.

قال ابن مناذر:الخافية:ما يخفى في البدن من الجنّ.يقال:به خفيّة،أي لمم و مسّ.

و قولهم:أسود خفيّة،كقولهم أسود حلية،و هما مأسدتان.

و شيء خفيّ،أي خاف.و يجمع على:خفايا.

و الخفيّة أيضا:الرّكيّة.

و خفي عليه الأثر يخفى خفاء،ممدود.

و يقال أيضا:برح الخفاء،أي وضح الأمر.

و استخفيت منك،أي تواريت.و لا تقل اختفيت.

و خفا البرق يخفو خفوا،و يخفي خفيا،إذا لمع لمعا ضعيفا معترضا في نواحي الغيم.

و استخفيت الشّيء،أي استخرجته.

و المختفي:النّبّاش،لأنّه يستخرج الأكفان.

و الأخفية:الأكسية؛و الواحد:خفاء،لأنّها تلقى على السّقاء.

و قوله تعالى: إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها طه:

15،و يقرأ: (اخفيها) ،أي أزيل عنها خفاءها،أي غطاءها.و هو كقولهم:أشكيته،أي أزلته عمّا يشكوه.

(6:2329)

ص: 570

ابن فارس:الخاء و الفاء و الياء أصلان متباينان متضادّان؛فالأوّل:السّتر،و الثّاني:الإظهار.

فالأوّل:خفي الشّيء يخفى،و أخفيته،و هو في خفية و خفاء،إذا سترته.

و يقولون:برح الخفاء،أي وضح السّرّ و بدا.

و يقال:لما دون ريشات الطّائر العشر،اللّواتي في مقدّم جناحه:الخوافي.و الخوافي:سعفات يلين قلب النّخلة.و الخافي:الجنّ.

و يقال للرّجل المستتر:مستخفّ.

و الأصل الآخر:خفا البرق خفوا،إذا لمع،و يكون ذلك في أدنى ضعف.

و يقال:خفيت الشّيء بغير ألف،إذا أظهرته.

و خفا المطر الفأر من جحرتهنّ:أخرجهنّ.(2:202)

أبو هلال :الفرق بين الكتمان و الإخفاء و السّتر و الحجاب،و ما يقرب من ذلك:أنّ الكتمان هو السّكوت عن المعنى،و قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ البقرة:159،أي يسكتون عن ذكره.

و الإخفاء يكون في ذلك و في غيره،و الشّاهد أنّك تقول:أخفيت الدّرهم في الثّوب،و لا تقول:كتمت ذلك،و تقول:كتمت المعنى و أخفيته.فالإخفاء أعمّ من الكتمان.(237)

الهرويّ: في حديث بعضهم:«قال تشتريها (1)أكايس النّساء للخافية و الإقلات».الخافية:الجنّ، سمّوا بذلك لاستتارهم عن أبصار النّاس.

و منه الحديث:«لا تصلّوا في القرع،فإنّه مصلّى الخافين»يريد الجنّ.[ثمّ استشهد بشعر](2:578)

أبو سهل الهرويّ: تقول:استخفيت منك،أي تواريت،و في التّنزيل: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ النّساء:108،و لا تقل:

اختفيت،إنّما الاختفاء الإظهار.[ثمّ استشهد بشعر]

(التّلويح:98)

ابن سيده: خفي الشّيء خفيا و خفيّا:أظهره و استخرجه.

و الخفيّة:الرّكيّة الدّفين و المستخرجة.

و قيل:هي الرّكيّة الّتي حفرت ثمّ تركت حتّى اندفنت،ثمّ انتثلت و احتفرت و نقّيت.

و اختفى الشّيء كخفاه:«افتعل»منه.

و المختفي:النّبّاش،لاستخراجه أكفان الموتى، «مدنيّة».

و خفي الشّيء خفاء فهو خاف و خفيّ: لم يظهر.

و خفاه هو و أخفاه:ستره و كتمه.

و الخفاء،و الخافي،و الخافية:الشّيء الخفيّ.

و الخافية:نقيض العلانية.

و فعله خفيّا و خفية،و خفوة،على المعاقبة.

و خفية.

و استخفى منه:استتر و توارى،و في التّنزيل:

يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ النّساء:108،و كذلك:اختفى.س.

ص: 571


1- في النّهاية:«إنّ الحزاءة تشتريها أكايس النّساء...» و الحزاءة:نبت يشبه الكرفس.

و اختفى دمه:قتله من غير أن يعلم به،هو من ذلك،و منه قول الغنويّ لأبي العالية:إنّ بني عامر أرادوا أن يختفوا دمي.

و النّون الخفيّة:النّون السّاكنة،و يقال لها:الخفيفة، أيضا.

و الخفاء:رداء تلبسه العروس على ثوبها فتخفيه به.

و كلّما ستر شيئا،فهو له خفاء.

و أخفية النّور:أكمّته.

و أخفية الكرى:الأعين.

و الخافي:الجنّ،و قيل:الإنس.

و الخافية،و الخافياء،كالخافي؛و الجمع من كلّ ذلك:خواف.

و عندي أنّهم إذا عنوا بالخافي الجنّ،فهو من الاستتار،و إذا عنوا به الإنس،فهو من الظّهور و الانتشار.

و أرض خافية:بها جنّ.

و الخوافي:ريشات إذا ضمّ الطّائر جناحيه خفيت.

قال اللّحيانيّ: هي الرّيشات الأربع اللّواتي بعد المناكب،و القولان مقتربان.

و قال ابن جبلّة:الخوافي:سبع ريشات يكنّ في الجناح بعد السّبع المقدّمات،هكذا وقع في الحكاية عنه.

و إنّما حكى النّاس أربع قوادم و أربع خواف؛ واحدتها:خافية.

و الخوافي:السّعفات اللّواتي يلين القلبة،«نجديّة».

و قال اللّحيانيّ: هي السّعفات اللّواتي دون القلبة.

و الواحدة كالواحدة.و كلّ ذلك من السّرّ.

و الخفيّة:غيضة ملتفّة يتّخذ فيها الأسد عرّيسا فيستتر هنالك.

و قيل:خفيّة و شرى:اسمان لموضعين علمان.

و الخفيّة:البئر القعيرة،لخفاء مائها.

و خفا البرق،و خفى،خفيا فيهما-الأخيرة عن كراع:برق برقا خفيّا ضعيفا.

و قولهم:برح الخفاء،قال بعضهم:الخفاء:

المتطأطئ من الأرض الخفيّ،و البراح:المرتفع الظّاهر، يقول:صار ذلك المتطأطئ مرتفعا.

و قال بعضهم:الخفاء،هنا:السّرّ،فيقول:ظهر السّرّ،لأنّا قد قدّمنا أنّ البراح:الظّاهر المرتفع.

[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](5:265)

الطّوسيّ: و الإخفاء:هو السّتر تقول:أخفيت الشّيء أخفيه إخفاء،إذا سترته.و الخفيّ:

الإظهار،خفيته أخفيه خفيا،إذا أظهرته،لأنّه إظهار يخفى.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخفاء:الغطاء.

و الخوافي من ريش الطّائر:ما دون القوادم،لأنّها يخفى بها،و الخفيّة:عريش الأسد،لأنّه يختفي فيها.

تقول:اختفى اختفاء،و خفّى تخفية،و تخفّى تخفّيا، و استخفى استخفاء.و أصل الباب:السّتر.

و الإبداء،و الإظهار،و الإعلان،نظائر.و الإخفاء و الإسرار،و الإغماض،نظائر.(2:352)

الاستخفاء:طلب خفاء النّفس،تقول:استخفى استخفاء،و تخفّى تخفّيا،و نظيره:استغشى و تغشّى.

ص: 572

[ثمّ استشهد بشعر](5:516)

الاستخفاء:طلب الاختفاء،خفي يخفى،نقيض ظهر يظهر ظهورا.و اختفى اختفاء،و أخفاه إخفاء، و تخفّى تخفّيا.(6:226)

الرّاغب: خفي الشّيء خفية:استتر،قال تعالى:

اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً الأعراف:55،

و الخفاء:ما يستر به كالغطاء.

و خفيته:أزلت خفاه،و ذلك إذا أظهرته،و أخفيته:

أوليته خفاء،و ذلك إذا سترته،و يقابل به الإبداء و الإعلان.[ثمّ ذكر بعض الآيات و قال:]

و الاستخفاء:طلب الإخفاء،و منه قوله تعالى:

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ هود:5.

و الخوافي:جمع خافية،و هي ما دون القوادم من الرّيش.(152)

الزّمخشريّ: خفا البرق:لمع بضعف،خفوا و خفوا.و أخفيت الشّيء.

و خفي الشّيء و اختفى و استخفى و تخفّى:استتر.

و هو يخفي صوته.

و أمر خاف و خفيّ،و اللّه عالم الخفيّات و الخفايا.

و لا يخفى عليه خافية.

و برح الخفاء:زالت الخفية فظهر الأمر.

و فعل ذلك في خفية،و هو أخفّ من الخافية.

و ليس القوادم كالخوافي.

و عرف ذلك البشر و الخافي،و هم الجنّ.

و أصابته ريح من الخوافي.

و هو من أسود خفيّة.

«و إذا حسن من المرأة خفيّاها حسن سائرها» و هما صوتها و أثر وطئها،لأنّ رخامة صوتها تدلّ على خفرها،و تمكّن وطئها يدلّ على ثقل أوراكها و أردافها.

و خفي الشّيء الخفيّ و اختفاه:أخرجه،يقال:

خفيت الخرزة من تحت التّراب.

و اختفى النّبّاش الكفن.(أساس البلاغة:117)

[و نقل حديث أبي ذرّ المتقدّم عند كلام أبي عبيد ثمّ قال:]

هو[الخفاء]الكساء الّذي يلبس وطب اللّبن،من «خفي».(الفائق 1:386)

ابن الشّجريّ: الأخفية، (1)واحدها:خفاء،و هو كساء يغطّى به وطب اللّبن.و سمّى[الشّاعر]العيون على سبيل الاستعارة:أخفية،لأنّها كالأغطية للرّقاد، كما أنّ الأخفية أغطية للوطاب.(1:106)

المدينيّ: في حديث إسلام أبي ذرّ رضى اللّه عنه:«سقطت كأنّي خفاء».قال ابن الأعرابيّ:هو الكساء،و قيل:

هو ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها غطاء لثيابها،و كلّ شيء غطّيت به شيئا فهو خفاء؛و جمعه:أخفية،و هو من«خفي»...

في حديث عليّ بن رباح: «السّنّة أن تقطع اليد المستخفية و لا تقطع اليد المستعلنة».قال الحربيّ:ليس فيه اختلاف أنّه الاستخفاء الّذي هو الاستتار و التّغيّب يعني أنّ السّارق و النّبّاش و من في معناهما تقطعه.

ص: 573


1- و هذا شرح لشعر ذكره.

أيديهم،و المنتهب و الغاصب و من في معناهما لا تقطع أيديهم.

في حديث أبي سفيان:«و معي خنجر مثل خافية النّسر»و هي ضدّ القادمة من الجناح؛و الجمع:

الخوافي،يريد صغره.

و منه حديث مدينة قوم لوط:«حملها جبريل عليه الصّلاة و السّلام على خوافي جناحه».و الخوافي:

الجنّ،لخفائهم.(1:600)

ابن الأثير: فيه:«أنّه سأل عن البرق فقال:أخفوا أم وميضا؟»خفا البرق يخفو و يخفى خفوا و خفيا،إذا برق برقا ضعيفا.

و فيه:«ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا،أو تختفوا بقلا» أي تظهرونه.يقال:اختفيت الشّيء،إذا أظهرته، و أخفيته إذا سترته.و يروى بالجيم و الحاء.

و منه الحديث:«أنّه كان يخفي صوته بآمين».

رواه بعضهم بفتح الياء من خفى يخفي إذا أظهر،كقوله تعالى: إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها طه:15،في إحدى القراءتين.

و فيه:«أنّه لعن المختفي و المختفية».المختفي:

النّبّاش عند أهل الحجاز،و هو من الاختفاء:

الاستخراج،أو من الاستتار،لأنّه يسرق في خفية.

و منه الحديث الآخر:«من اختفى ميّتا فكأنّما قتله».

و فيه:«إنّ اللّه يحبّ العبد التّقيّ الغنيّ الخفيّ»هو المعتزل عن النّاس الّذي يخفى عليهم مكانه.

و منه حديث الهجرة:«أخف عنّا»أي استر الخبر لمن سألك عنّا.(2:56)

الفيّوميّ: خفي الشّيء يخفى خفاء بالفتح و المدّ:استتر أو ظهر،فهو من الأضداد.

و بعضهم يجعل حرف الصّلة فارقا،فيقول:خفي عليه،إذا استتر،و خفي له،إذا ظهر،فهو خاف و خفيّ أيضا.

و يتعدّى بالحركة،فيقال:خفيته أخفيه،من باب «رمي»إذا سترته و أظهرته،و فعلته خفية بضمّ الخاء و كسرها.

و يتعدّى بالهمزة أيضا،فيقال:أخفيته.

و بعضهم يجعل الرّباعيّ للكتمان،و الثّلاثيّ للإظهار،و بعضهم يعكس.

و استخفى من النّاس:استتر.

و اختفيت الشّيء:استخرجته.و منه قيل لنبّاش القبور:المختفي،لأنّه يستخرج الأكفان.

قال ابن قتيبة-و تبعه الجوهريّ-:و لا يقال:

اختفى بمعنى توارى،بل يقال:استخفى،و كذلك قال ثعلب:استخفيت منك،أي تواريت،و لا تقل:اختفيت.

و فيه لغة حكاها الأزهريّ،قال:أخفيته بالألف، إذا سترته فخفي،ثمّ قال:و أمّا اختفى بمعنى خفي،فهي لغة ليست بالعالية و لا بالمنكرة.

و قال الفارابيّ أيضا:اختفى الرّجل البئر،إذا احتفرها.

و اختفى:استتر.(1:176)

الفيروزآباديّ: خفا البرق خفوا و خفوا:لمع، و الشّيء:ظهر.و الخفوة بالكسر:الخفية.

ص: 574

خفاه يخفيه خفيا و خفيّا:أظهره و استخرجه كاختفاه.

و خفي كرضي خفاء فهو خاف و خفيّ: لم يظهر.

و خفاه هو و أخفاه:ستره و كتمه.

و الخافية:ضدّ العلانية.

و الشّيء الخفيّ: كالخافي و الخفا.

و خفيت له كرضيت خفية بالضّمّ و الكسر:

اختفيت.

و يأكله خفوة بالكسر:يسرقه.

و اختفى:استتر و توارى،كأخفى و استخفى.

و دمه:قتله من غير أن يعلم به.

و النّون الخفيّة:الخفيفة.

و أخفية النّور:أكمّته.و أخفية الكرى:الأعين.

و الخافي و الخافية و الخافياء:الجنّ.جمعه:خواف.

و أرض خافية:بها جنّ.

و الخوافي:ريشات إذا ضمّ الطّائر جناحيه خفيت أو هي الأربع اللّواتي بعد المناكب،أو هي سبع ريشات بعد السّبع المقدّمات.

و الخفاء:كالكساء لفظا و معنى جمعه:أخفية.

و الخفيّة كغنيّة:الرّكيّة و الغيضة الملتفّة.

و به خفيّة:لمم.

و برح الخفاء:وضح الأمر.

«و إذا حسن من المرأة خفيّاها حسن سائرها» يعني صوتها و أثر وطئها الأرض.

و المختفي:النّبّاش.(4:326)

الطّريحيّ: الخفية:الاسم من الاستخفاء،أعني الاستتار،و خفي الشّيء خفاء إذا استتر.

و فى الحديث:«إنّ اللّه يحبّ العبد التّقيّ الغنيّ الخفيّ»يعنى المعتزل عن النّاس،الّذي يخفي عليهم مكانه،أو المنقطع إلى العبادة،المشتغل بأمور نفسه.

و«المخفي للصّدقات»:المستتر بها.

ذكر المؤرّخون أنّ زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يعول أربعمائة بيت في المدينة،و كان يوصل قوتهم إليهم باللّيل،و هم لا يعرفون من أين يأتيهم، فلمّا مات عليه السّلام انقطع عنهم ذلك،فعلموا أنّ ذلك منه.

و في الحديث:«تصدّق إخفاء حتّى لا تعلم شماله».قيل:هو ضرب مثل،و المعنى حتّى لا يعلم ملك شماله.(1:126)

مجمع اللّغة :خفي الشّيء و خفي عليه الشّيء يخفى خفاء و خفية،بضمّ الخاء أو كسرها:استتر و لم يظهر،فهو خاف و خفيّ.

و هذا الشّيء أخفى من ذاك،أي أكثر منه استتارا.

و أخفى الشّيء يخفيه إخفاء:ستره و كتمه،فهو ضدّ:أبداه و أعلنه.

و أخفى الشّيء يخفيه إخفاء:أزال خفاءه،أي غطاءه كما يقال:أشكيته و أعتبته:أزلت شكواه و عتبه.

استخفى:استتر فهو مستخف.(1:345)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خفي الشّيء فهو خفيّ:

استتر.

و أخفى الأمر:ستره و كتمه،و الخفاء:ضدّ الظّهور.

ص: 575

و«أخفى»من أفعال الأضداد،في نظر بعض اللّغويّين،فتكون بمعنى كتم و ستر،أو بمعنى أظهر.

و على ذلك يحمل تفسير قوله تعالى: إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها طه:15،أي أزيل خفاءها.

و استخفى:توارى و استتر فهو مستخف، يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ الشّورى:45،عين خفيت حدقتها من الخوف تحت الجفن،بمعنى أنّهم يسارقون النّظر،أو لا يرفعون أبصارهم للنّظر رفعا تامّا،لأنّهم ناكسوا الرّءوس،و المراد تصوير حالتهم.

و خفية:سرّا،ضدّ جهرة.(1:168)

العدنانيّ: [بحث مستوفى عن تعدية كلمة «لا يخفى»ب(على)و(عن)و غيرهما و إبدال كلّ منهما عن الآخر إلى أن قال:]

من معاني خفي يخفى خفاء،و خفية و خفية:

خفي الشّيء:استتر.

هو خفيّ البطن:ضامره.

و خفي له يخفى خفوة:استتر.و يقال:يأكل هذا خفوة.

و خفي البرق يخفي خفيا:لمع خفيفا معترضا السّحاب.

و خفي الشّيء:أظهره و استخرجه.و في الحديث:

«أنّه كان يخفي صوته بآمين»:يظهر صوته.

أخفي الشّيء:ستره،أظهره.و يخطّئون من يقول:

أخفيت الشّيء،أي أظهرته،و يقولون إنّ معنى أخفاه:

ستره،معتمدين على قول الصّحاح،و المختار، و القاموس،و الوسيط:أخفى الشّيء:ستره و كتمه.

و كلا المعنيين صحيح،لأنّ الفعل،أخفى من الأضداد.

قال ابن السّكّيت في«إصلاح المنطق»و قطرب في «أضداده»:يقال أخفيت الشّيء إذا كتمته.و أخفيته أيضا إذا أظهرته.

و قال التّوّزيّ: خفيت الشّيء و أخفيته لغتان في الإظهار و الكتمان جميعا.و من ذلك قوله تعالى في الآية:15،من سورة طه: إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها يقرأ بضمّ الهمزة و فتحها و قال قوم:معناه أظهرها،و قال المفسّرون:معناه أكتمها من نفسي.

و اللّه أعلم.

و قال أبو حاتم السّجستانيّ: أمّا من قرأ (اكاد اخفيها) بفتح الألف،فذلك معروف في معنى أظهرها.

و من ذلك قول امرئ القيس:

فإن تكتموا الدّاء لا نخفه

فإن تبعثوا الحرب لا نقعد

و قال ابن الأنباريّ كما قال قطرب،و استشهد ببيت امرئ القيس،واضعا»تدفنوا»بدلا من«تكتموا» و قال إنّ المراد بقوله:«لا نخفه»:لا نظهره.و استشهد بقول عبدة ابن الطّبيب في ذكر ثور يحفر كناسا، و يستخرج ترابه فيظهره:

يخفي التّراب بأظلاف ثمانية

في أربع مسّهنّ الأرض تحليل

أراد:يظهر التّراب.

و أيّدهم في رأيهم هذا ابن قتيبة و أبو عليّ القاليّ، و اللّسان،و المصباح،و المدّ،و المتن،و التّضادّ.

و جاء في معجم مقاييس اللّغة:«الخاء و الفاء

ص: 576

و الياء أصلان متباينان متضادّان.

فالأوّل:السّتر،و الثّاني:الإظهار».

و يقال:خفيت الشّيء إذا أظهرته.

و كان ابن السّكّيت قد قال قبله:إنّ معنى خفيت الشّيء هو:أظهرته.و نقل علي راتب عنه ذلك في «تذكرة عليّ»في المنطق العربيّ.

و هنالك الفعل:خفا الشّيء يخفو خفوا و خفوا:

ظهر:«اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و المتن، و الوسيط».

و الفعل خفي الشّيء يخفى خفاء:استتر«اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المتن،و الوسيط».

و الفعل خفى الشّيء يخفيه خفيا و خفيّا:أظهره، ستره،من الأضداد«التّوّزيّ،و الصّحاح،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و المتن».

و اكتفى قطرب،و ابن الأنباريّ،و أبو عليّ القاليّ، و الصّحاح،و الوسيط بذكر الفعل خفي الشّيء يخفيه:

أظهره.

و انفرد المصباح بقوله:خفي الشّيء يخفى خفاء:

ظهر و استتر.

و انفرد المختار و الوسيط بقولهما:أخفى الشّيء:

ستره.

أمّا الفعل«اختفى»،فهنالك الفعل اللاّزم منه:

اختفى الشّيء:استتر:المصباح،و التّاج،و المدّ،و المتن، و الوسيط.

و المتعدّي اختفاه:أظهره:«اللّسان،و المختار، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و المتن، و الوسيط».

و المتعدّي اختفاه:أظهره و ستره«متن اللّغة».

و أنا أنصح بالتقيّد-قدر المستطاع-بالمعاني الّتي نعرفها للفعل«خفي»و مشتقّاته،حماية للفصحى و عقول النّاس من الفوضى،و الغموض و التّشويش.

راجع مادّة الأضداد في هذا المعجم.

أخفى عنه الأمر،أخفى منه الأمر،و يقولون:

أخفى عليه الأمر،و الصّواب:

أ-أخفى عنه الأمر.

ب-أخفى منه الأمر.

و جلّ معجماتنا تكتفي بذكر:أخفى الأمر،دون أن تهتمّ بذكر حرف الجرّ بعده.

فممّن ذكر:أخفى عنه الأمر:تفسير الجلالين للآية:15،من سورة طه: إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها، إذ قال في تفسيرها:أكاد أخفيها عن النّاس.

و جاء في حديث الهجرة:«أخف عنّا خبرك».

و ممّن ذكر:أخفى عنه الأمر أيضا:النّهاية، و مستدرك التّاج،و المدّ.

و ممّن ذكر:أخفى منه الأمر:الفرّاء،و التّاج، و المدّ.

راجع مادّة«لا يخفى على القرّاء»في هذا المعجم.

(199)

استخفى و خفي و اختفى

أنكر الجوهريّ و ابن قتيبة و ثعلب صحّة استعمال الفعل«اختفى»و لم ينكرها الأزهريّ،و لكنّه قال:إنّها

ص: 577

لغة ليست بالعالية و لا بالمنكرة.و أيّد الفارابيّ:

استعمال الفعل«اختفى»و نقل«المصباح»إنكار ابن قتيبة و الجوهريّ،و تأييد الأزهريّ و الفارابيّ.

و أيّد صحّة استعمال«اختفى»:الأساس،و اللّسان ،و التّاج،و متن اللّغة،و مدّ القاموس،و الوسيط،و ابن الأعرابيّ،و الحريريّ في المقامة الطّيبيّة،و ابن برّيّ، و الكرمانيّ في«الجامع»و الفرّاء الّذي استشهد بقول الشّاعر،على أنّ«اختفيت»قد جاء بمعنى«استخفيت» و أنشد:

أصبح الثّعلب يسمو للعلا

و اختفى من شدّة الخوف الأسد

و لا شكّ في أنّ استعمال الفعلين:استخفى و خفي أعلى من اختفى.(معجم الأخطاء الشّائعة:83)

محمود شيت:أ-أخفى موضع سلاحه:ستره و كتمه،فلا يراه العدوّ.و أخفى نيّاته:كتمها.

ب-الاختفاء:التّخفّي عن نظر العدوّ و عن سمعه.

و تدريب الاختفاء:تدريب الجنديّ على إخفاء نفسه عن رصد العدوّ،و إخفاء حركته و نيّاته عن سمعه و عيونه.و وسائل الاختفاء:الحذر،و اليقظة، و شبكات الغشّ.(1:222)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل الإبداء،و يدلّ عليه تقابلهما في الآيات الكريمة.

إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ البقرة:28،و إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ الأحزاب:37،و وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ الأحزاب:37،و بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ. الأنعام:28،.و قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ آل عمران:118.

و إذا كان النّظر إلى البدوّ و ظهور الأمر بالنّسبة إلى شخص فيعبّر بكلمة الإعلان كما في الآيات الشّريفة. تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ الممتحنة:1،و وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ النّمل:25،و رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ إبراهيم:38،فالفرق بين الإبداء و الإعلان هو ذلك المعنى،فانّ مفهوم الإعلان يقتضى تعديته الى مفعولين،فيقال أعلنته الأمر.

و ليعلم أنّ الخفاء غير السّتر و المستوريّة،فإنّ النّظر في السّتر إلى كون الشّيء تحت ساتر،و ليس النّظر في الخفاء إلاّ إلى جهة الاختفاء من حيث هو هو، من دون توجّه إلى كونه مستورا.كما أنّ النّظر في البدوّ إلى ظهور الشّيء من حيث هو هو،من دون نظر إلى خصوصيّة.

و أمّا مفهوم الإظهار،فهو ضدّ الأصل،و يستعمل في مورد شدّة المفهوم،و تأكّده الموجب لانعكاس المفهوم،فإنّ الشّيء إذا تجاوز حدّه انعكس إلى ضدّه، و في المورد إذا تجاوز الخفاء حدّه من جهة الشّدّة و التّأكّد،فقد يصل إلى حدّ الإظهار،فليس الإظهار من مفاهيم هذه الكلمة،بل من آثار الأصل.كما أنّ قوّة البرق من شدّة كمونه و انضباطه و تجمّعه ينجلي و يظهر أثره في الخارج،و الفأر من شدّة التّحفّظ و التّخفّي في أثر المطر ينقضي صبره و تحمّله و يخرج من جحره.و هذا المعنى يناسب استعمال المادّة بحرف اللاّم،كما لا يخفى.(3:95)

ص: 578

النّصوص التّفسيريّة

يخفى-نخفى

1- إِنَّ اللّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ. آل عمران:5

أبو سليمان الدّمشقيّ: هذا تعريض بنصارى أهل نجران فيما كانوا ينطوون عليه من كيد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و ذكر التّصوير في الأرحام تنبيه على أمر عيسى.

(ابن الجوزيّ 1:350)

الطّبريّ: إنّ اللّه لا يخفى عليه شيء هو في الأرض و لا شيء هو في السّماء،يقول:فكيف يخفى عليّ،يا محمّد-و أنا علاّم جميع الأشياء-ما يضاهي به هؤلاء الّذين يجادلونك في آيات اللّه،من نصارى نجران في عيسى بن مريم،في مقالتهم الّتي يقولونها فيه؟! كما...عن محمّد بن جعفر بن الزّبير،أي قد علم ما يريدون و ما يكيدون و ما يضاهون بقولهم في عيسى؛إذ جعلوه ربّا و إلها،و عندهم من علمه غير ذلك غرّة باللّه و كفرا به.(3:169)

الزّجّاج: أي هو ظاهر له،و هو جلّ و عزّ أنشأه.

(1:375)

الماتريديّ: لا يخفى عليه شيء من الأمور الخفيّة عن الخلق،فكيف تخفى عليه أعمالكم الّتي هي ظاهرة عندكم؟!(أبو حيّان 2:380)

الطّوسيّ: لمّا ذكر اللّه تعالى الوعيد على الإخلال بمعرفته،مع نصب الأدلّة على توحيده و صفاته، اقتضى أن يذكر أنّه لا يخفى عليه شيء في الأرض،و لا في السّماء،فيكون في ذلك تحذير من الاغترار بالاستسرار بمعصيته،لأنّ المجازي لا تخفى عليه خافية،فجرى ذلك موصولا بذكر التّوحيد في أوّل السّورة،لأنّه من الصّفات الدّالّة على ما لا تحقّ إلاّ له.

فإن قيل لم قال: لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ و لم يقل:لا يخفى عليه شيء على وجه من الوجوه،إذ كان أشدّ مبالغة؟

قيل:ليعلمنا أنّ الغرض علم ما يستسرّ به في الأرض أو في السّماء،و لأنّ الإفصاح بذكر ذلك أعظم في النّفس و أهول في الصّدر،مع الدّلالة على أنّه عالم بكلّ شيء،إلاّ أنّه على وجه التّصرّف في العبارة عن وجوه الدّلالة.

فإن قيل:لم قال: لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ و لم يقل:

عالم بكلّ شيء في الأرض و السّماء؟

قيل:لأنّ الوصف بأنّه لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ يدلّ على أنّه يعلمه من كلّ وجه،يصحّ أن يعلم منه مع ما فيه من التّصرّف في العبارة.

و إنّما قلنا: لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ من حيث كان عالما لنفسه.و العالم للنّفس يجب أن يعلم كلّ ما يصحّ أن يكون معلوما،و ما يصحّ أن يكون معلوما لا نهاية له،فوجب أن يكون عالما به.و إنّما يجوز أن يعلم الشّيء من وجه دون وجه،و يخفى عليه شيء من وجه دون وجه،من كان عالما بعلم يستفيده-العلم حالا بعد حال-فأمّا من كان عالما لنفسه،فلا يجوز أن يخفى عليه شيء بوجه من الوجوه.(2:392)

نحوه الطّبرسيّ.(1:407)

ص: 579

القشيريّ: لا يتنفّس عبد نفسا إلاّ و اللّه سبحانه و تعالى محصيه،و لا تحصل في السّماء و الأرض ذرّة إلاّ و هو سبحانه محدثه و مبديه،و لا يكون أحد بوصف و لا نعت إلاّ هو متولّيه.

هذا على العموم،فأمّا على الخصوص:فلا رفع أحد إليه حاجة إلاّ و هو قاضيها،و لا رجع أحد إليه في نازلة إلاّ و هو كافيها.(1:231)

الزّمخشريّ: لا يخفى عليه شيء في العالم،فعبّر عنه بالسّماء و الأرض،فهو مطّلع على كفر من كفر و إيمان من آمن،و هو مجازيهم عليه.(1:411)

نحوه النّسفيّ(1:145)،و البروسويّ(2:4).

الفخر الرّازيّ: المراد أنّه لا يخفى عليه شيء.

فإن قيل:ما الفائدة في قوله: فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ مع أنّه لو أطلق كان أبلغ؟

قلنا:الغرض بذلك إفهام العباد كمال علمه، و فهمهم هذا المعنى عند ذكر السّماوات و الأرض أقوى؛و ذلك لأنّ الحسّ يرى عظمة السّماوات و الأرض،فيعين العقل على معرفة عظمة علم اللّه عزّ و جلّ،و الحسّ متى أعان العقل على المطلوب كان الفهم أتمّ و الإدراك أكمل،و لذلك فإنّ المعاني الدّقيقة إذا أريد إيضاحها ذكر لها مثال،فإنّ المثال يعين على الفهم.(7:177)

ابن عربيّ: لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ في العالمين فيعلم مواقع الانتقام.(1:166)

القرطبيّ: هذا خبر عن علمه تعالى بالأشياء على التّفصيل،و مثله في القرآن كثير،فهو العالم بما كان،[و] ما يكون و ما لا يكون،فكيف يكون عيسى إلها أو ابن إله،و هو تخفى عليه الأشياء.(4:7)

البيضاويّ: أيّ شيء كائن في العالم،كلّيّا كان أو جزئيّا أو كفرا (1)،فعبّر عنه بالسّماء و الأرض،؛إذ الحسّ لا يتجاوزهما.و إنّما قدّم الأرض ترقّيا من الأدنى إلى الأعلى،و لأنّ المقصود بالذّكر ما اقترف فيها،و هو كالدّليل على كونه حيّا.(1:148)

نحوه الشّربينيّ.(1:195)

النّيسابوريّ: لمّا ذكر أنّه حيّ قيّوم-و القيّوم هو القائم بإصلاح مصالح الخلق-و كونه كذلك يتوقّف على مجموع أمرين:أن يكون عالما بكمّيّات حاجاتهم و كيفيّاتها و كلّيّاتها و جزئيّاتها،ثمّ أن يكون قادرا على ترتيبها.

و الأوّل:لا يتمّ إلاّ إذا كان عالما بجميع المعلومات،أشار إلى ذلك بقوله: إِنَّ اللّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ.

و الثّاني:لا يتأتّى إلاّ إذا كان قادرا على جميع الممكنات،فأشار إليه بقوله: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ

ثمّ فيه لطيفة أخرى،و هي أنّه لمّا ادّعى كمال علمه بقوله: إِنَّ اللّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ و الطّريق إلى إثبات كونه تعالى عالما،لا يجوز أن يكون هو السّمع،لأنّ معرفة صحّة السّمع موقوفة على العلم بكونه تعالى عالما بجميع المعلومات،بل الطّريق إلى ذلك ليس إلاّ الدّليل العقليّ.(3:123)ا.

ص: 580


1- غطاء أو سترا.

أبو حيّان:(شىء)نكرة في سياق النّفي،فتعمّ، و هي دالّة على كمال العلم بالكلّيّات و الجزئيّات.

و عبّر عن جميع العالم بالأرض و السّماء؛إذ هما أعظم ما نشاهده،و التّصوير على ما شاء من الهيئات دالّ على كمال القدرة،و بالعلم و القدرة يتمّ معنى القيّوميّة؛إذ هو القائم بمصالح الخلق و مهمّاتهم.

و في ذلك ردّ على النّصارى؛إذ شبهتهم في ادّعاء إلهيّة عيسى،كونه:يخبر بالغيوب،و هذا راجع إلى العلم،و كونه:يحيي الموتى،و هو راجع إلى القدرة، فنبّهت الآية على أنّ الإله هو العالم بجميع الأشياء فلا يخفى عليه شيء.و لا يلزم من كون عيسى عالما ببعض المغيبات أن يكون إلها،و من المعلوم بالضّرورة أنّ عيسى لم يكن عالما بجميع المعلومات،و نبّهت على أنّ الإله هو ذو القدرة التّامّة فلا يمتنع عليه شيء.

و لا يلزم من كون عيسى قادرا على الإحياء في بعض الصّور أن يكون إلها،و من المعلوم بالضّرورة أنّ عيسى لم يكن قادرا على تركيب الصّور و إحيائها،بل إنباؤه ببعض المغيبات،و خلقه و إحياؤه بعض الصّور، إنّما كان ذلك بإنباء اللّه له على سبيل الوحي،و إقداره تعالى له على ذلك،و كلّها على سبيل المعجزة الّتي أجراها و أمثالها على أيدي رسله.[ثمّ ذكر بعض الأقوال]

و كلّ هذه تخصيصات،و اللّفظ عامّ فيندرج فيه هذا كلّه.(2:379)

أبو السّعود :استئناف كلام سيق لبيان سعة علمه تعالى،و إحاطته بجميع ما في العالم من الأشياء الّتي من جملتها ما صدر عنهم من الكفر و الفسوق سرّا و جهرا،إثر بيان كمال قدرته و عزّته تربية لما قبله من الوعيد،و تنبيها على أنّ الوقوف على بعض المغيبات كما كان في عيسى عليه السّلام بمعزل من بلوغ رتبة الصّفات الإلهيّة.

و إنّما عبّر من علمه عزّ و جلّ بما ذكر بعدم خفائه عليه،كما في قوله سبحانه: وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ إبراهيم:38، إيذانا بأنّ علمه تعالى بمعلوماته و إن كانت في أقصى الغايات الخفيّة،ليس من شأنه أن يكون على وجه يمكن أن يقارنه شائبة خفاء بوجه من الوجوه،كما في علوم المخلوقين،بل هو في غاية الوضوح و الجلاء.

و الجملة المنفيّة خبر ل(انّ)،و تكرير الإسناد لتقوية الحكم،و كلمة(فى)متعلّقة بمحذوف وقع صفة ل(شىء)،مؤكّدة لعمومه المستفادة من وقوعه في سياق النّفي،أي لا يخفى عليه شيء ما كائن في الأرض و لا في السّماء،أعمّ من أن يكون ذلك بطريق الاستقرار فيهما أو الجزئيّة منهما.

و قيل:متعلّقة ب(يخفى.)

و إنّما عبّر بهما عن كلّ العالم،لأنّهما قطراه، و تقديم(الارض)على(السماء)لإظهار الاعتناء بشأن أحوال أهلها،و توسيط حرف النّفي بينهما للدّلالة على التّرقّي من الأدنى إلى الأعلى،باعتبار القرب و البعد منّا المستدعيين للتّفاوت بالنّسبة إلى علومنا.(1:334)

نحوه الآلوسيّ.(3:78)

ص: 581

ابن عاشور:استئناف يتنزّل منزلة البيان لوصف(الحى)،لأنّ عموم العلم يبيّن كمال الحياة.

و جيء ب(شىء)هنا،لأنّه من الأسماء العامّ.(3:12)

الطّباطبائيّ: قد علّل تعالى عذاب الّذين كفروا بآياته بأنّه عزيز ذو انتقام،لكن لمّا كان هذا التّعليل لا يخلو عن حاجة إلى ضميمة تنضمّ إليه ليتمّ المطلوب،فإنّ العزيز ذا الانتقام يمكن أن يخفى عليه كفر بعض من كفر بنعمته،فلا يبادر بالعذاب و الانتقام، فعقّب لذلك الكلام بقوله: إِنَّ اللّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ..

فبيّن أنّه عزيز لا يخفى عليه شيء ظاهر على الحواسّ، و لا غائب عنها.

و من الممكن أن يكون المراد:ممّا في الأرض و ما في السّماء:الأعمال الظّاهرة القائمة بالجوارح و الخفيّة الكامنة في القلوب،على حدّ ما نبّهنا عليه في قوله تعالى: لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ البقرة:284.(3:13)

عبد الكريم الخطيب :هنا استعراض لقدرة اللّه، و كشف لمظاهر هذه المقدرة،فيما أبدعت و صوّرت، من آيات مبثوثة في ملكوت السّماوات و الأرض.

فهذه القدرة محيطة بكلّ شيء،عالمة بكلّ شيء،و هو سبحانه خالق كلّ شيء،فما من شيء إلاّ و هو من فيض صنعه و تدبيره،فكيف لا يعلم ما خلق؟ أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الملك:14.

(2:397)

مكارم الشّيرازيّ: هذه الآية تكمّل الآية السّابقة،لأنّنا قرأنا في الآيات السّابقة أنّ اللّه خالد و قيّوم،و هو مدبّر عالم الوجود،و من البديهيّ أنّ القيام بهذا كلّه يعني أنّ اللّه قدير و عليم،كما أشير في الآية السّابقة إلى قدرته المطلقة،و هنا الإشارة إلى علمه اللاّمتناهي (1)إِنَّ اللّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ و هذا المضمون يرد في آيات أخرى في القرآن الكريم.

إنّ الدّليل على سعة علم اللّه واضح،فهو في كلّ مكان حاضر و ناظر،و بما أنّ وجوده لا تحدّه حدود و لا ينتهي،فهو لا يخلو منه مكان،أي إنّه،و إن لم يكن له مكان معيّن،محيط بكلّ شيء.إنّ هذه الإحاطة الإلهيّة و الحضور الدّائم في كلّ مكان يستلزمان أن يعلم بكلّ شيء و في كلّ مكان،علما حضوريّا لا علما حصوليّا.(2:284)

فضل اللّه :فهو المطّلع على كلّ عباده في سرّهم و علانيتهم،في كفرهم و إيمانهم،في طاعتهم و معصيتهم كما هو مطّلع على كلّ شيء في الكون في الأرض و في السّماء.فلا بدّ للنّاس من أن يراقبوه في كلّ ما يعملون، و في ما يسرّون و ما يعلنون،و أن يحسبوا حساب عذابه في ذلك كلّه.(5:214)

2- رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ وَ ما يَخْفىف.

ص: 582


1- الصّحيح:غير المتناهي،لأنّ«لا»النّافية لا تدخل على «أل»التّعريف.و هذا من الأخطاء الّتي شاعت حديثا عند بعض للأسف.

عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ.

إبراهيم:38

ابن عبّاس: إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي من حبّ إسماعيل وَ ما نُعْلِنُ من حبّ إسحاق وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ من عمل خير أو شرّ.(214)

ما نُخْفِي من الوجد بمفارقة إسماعيل وَ ما نُعْلِنُ من الحبّ له.(ابن الجوزيّ 4:368)

الجبّائيّ: إنّما هو إخبار منه سبحانه بذلك، و ابتداء كلام من جهته،لا على سبيل الحكاية عن إبراهيم عليه السّلام،بل هو اعتراض.(الطّبرسيّ 3:319).

الطّبريّ: و هذا خبر من اللّه تعالى ذكره عن استشهاد خليله إبراهيم إيّاه،على ما نوى و قصد بدعائه و قيله: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35،و أنّه إنّما قصد بذلك رضى اللّه عنه في محبّته أن يكون ولده من أهل الطّاعة للّه،و إخلاص العبادة له،على مثل الّذي هو له،فقال:ربّنا إنّك تعلم ما تخفي قلوبنا عند مسألتنا ما نسألك،و في غير ذلك من أحوالنا،و ما نعلن من دعائنا،فنجهر به،و غير ذلك من أعمالنا،و ما يخفى عليك يا ربّنا من شيء يكون في الأرض و لا في السّماء،لأنّ ذلك كلّه ظاهر لك متجلّ باد،لأنّك مدبّره و خالقه،فكيف يخفى عليك!(7:466)

الطّوسيّ: اعتراف من إبراهيم للّه تعالى بأنّه عزّ و جلّ يعلم ما يخفى الخلق و ما يظهرونه،و أنّه لا يخفى عليه شيء من ذلك ممّا يكون في الأرض،و ممّا يكون في السّماء،مع عظمها و بعد ما بينهما،لأنّه عالم لنفسه بجميع المعلومات.

و قال قوم:إنّ قوله: وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ إخبار منه تعالى بذلك دون الحكاية.(6:301)

نحوه الطّبرسيّ.(3:319)

القشيريّ: استأثرت بعلم الغيب فلا يعزب عن علمك معلوم،و حالي لا تخفى عليك،فهي كما عرفت أنت تعلم سرّي و علني...و من عرف هذه الجملة استراح من طوارق الأغيار،و استروح قلبه عن ترجّم الأفكار،و التّقسّم في كون الحوادث من الأغيار.

(3:257)

الزّمخشريّ: النّداء المكرّر دليل التّضرّع و اللّجأ إلى اللّه تعالى إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ تعلم السّرّ كما تعلم العلن علما لا تفاوت فيه،لأنّ غيبا من الغيوب لا يحتجب عنك.و المعنى أنّك أعلم بأحوالنا و ما يصلحنا و ما يفسدنا منّا،و أنت أرحم بنا و أنصح لنا منّا بأنفسنا و لها،فلا حاجة إلى الدّعاء و الطّلب، و إنّما ندعوك إظهارا للعبوديّة لك و تخشّعا لعظمتك، و تذلّلا لعزّتك،أو افتقارا إلى ما عندك،و استعجالا لنيل أياديك،و و لها إلى رحمتك،و كما يتملّق العبد بين يدي سيّده رغبة في إصابة معروفه،مع توفّر السّيّد على حسن الملكة.

و عن بعضهم:أنّه رفع حاجته إلى كريم فأبطأ عليه النّجح،فأراد أن يذكّره فقال:مثلك لا يذكّر استقصارا و لا توهّما للغفلة عن جواب السّائلين،و لكن ذا الحاجة لا تدعه حاجته أن لا يتكلّم فيها.

ص: 583

و قيل:ما نخفي من الوجد لما وقع بيننا من الفرقة، و ما نعلن من البكاء و الدّعاء.

و قيل:ما نخفي من كآبة الافتراق،و ما نعلن:

يريد ما جرى بينه و بين هاجر حين قالت له عند الوداع:إلى من تكلنا؟قال:إلى اللّه أكلكم.قالت:

اللّه أمرك بهذا؟قال:نعم.قالت:إذن لا نخشى،تركتنا إلى كاف: وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ من كلام اللّه عزّ و جلّ تصديقا لإبراهيم عليه السّلام،كقوله: وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ أو من كلام إبراهيم،يعني و ما يخفى على اللّه الّذي هو عالم الغيب من شيء،في كلّ مكان.و(من) للاستغراق،كأنّه قيل:و ما يخفى عليه شيء ما.

(2:381)

نحوه البيضاويّ(1:533)،و النّسفيّ(2:264)، و الخازن(4:41)،و الكاشانيّ(3:94).

ابن عطيّة: مقصد إبراهيم عليه السّلام بقوله: رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ التّنبيه على اختصاره في الدّعاء،و تفويضه إلى ما علم اللّه من رغائبه،و حرصه على هداية بنيه،و الرّفق بهم و غير ذلك،ثمّ انصرف إلى الثّناء على اللّه تعالى بأنّه علاّم الغيوب،و إلى حمده على هباته.و هذه من الآيات المعلمة أنّ علم اللّه تعالى بالأشياء هو على التّفصيل التّامّ.(3:342)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه عليه السّلام لمّا طلب من اللّه تيسير المنافع لأولاده و تسهيلها عليهم،ذكر أنّه لا يعلم عواقب الأحوال و نهايات الأمور في المستقبل،و أنّه تعالى هو العالم بها المحيط بأسرارها،فقال: رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ و المعنى:إنّك أعلم بأحوالنا و مصالحنا و مفاسدنا منّا.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ]

(19:137)

ابن عربيّ: رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي ممّا فينا بالقوّة وَ ما نُعْلِنُ ممّا أخرجناه إلى الفعل من الكمالات وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فى أرض الاستعداد،و لا في سماء الرّوح.(1:658)

النّيسابوريّ: أثنى على اللّه سبحانه تمهيدا لدعوة أخرى،و تعريضا ببقيّة الحاجات،فقال: رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ على الإطلاق لأنّ الغيب و الشّهادة بالإضافة إلى العالم بالذّات سيّان.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](13:136)

أبو حيّان :كرّر النّداء للتّضرّع و الالتجاء، و لا يظهر تفاوت بين إضافة(ربّ)إلى ياء المتكلّم و بين إضافته إلى جمع المتكلّم،و ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ عامّ فيما يخفونه و ما يعلنونه.[إلى أن قال:]

و الظّاهر أنّ قوله: وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ من كلام إبراهيم، لاكتناف ما قبله و ما بعده بكلام إبراهيم،لما ذكر أنّه تعالى عمّم ما يخفى هو و من كنّى عنه تمّم جميع الأشياء،و أنّها غير خافية عنه تعالى.

و قيل: وَ ما يَخْفى... من كلام اللّه عزّ و جلّ تصديقا لإبراهيم عليه السّلام،كقوله تعالى: وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ النّمل:34.(5:433)

الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ و قال:]

و اختلف في قوله تعالى: وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ فقيل:من تتمّة قول

ص: 584

إبراهيم عليه السّلام،يعني و ما يخفى على اللّه الّذي هو عالم الغيب من شيء في أيّ مكان.و الأكثرون على أنّه قول اللّه تعالى تصديقا لإبراهيم فيما قال،كقوله تعالى:

وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ النّمل:34،و لفظة(من)تفيد الاستغراق،كأنّه قيل:و ما يخفى عليه شيء ما.

(2:186)

أبو السّعود : رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ من الحاجات و غيرها،و المراد ب ما نُخْفِي :

ما يقابل ما نُعْلِنُ، سواء تعلّق به الإخفاء أو لا،أي تعلم ما نظهره و ما لا نظهره.فإنّ علمه تعالى متعلّق بما لا يخطر بباله ممّا فيه من الأحوال الخفيّة،فضلا عن إخفائه.و تقديم ما نُخْفِي على ما نُعْلِنُ لتحقيق المساواة بينهما في تعلّق العلم بهما على أبلغ وجه،فكأنّ تعلّقه بما يخفى أقدم منه بما يعلن،أو لأنّ مرتبة السّرّ و الخفاء متقدّمة على مرتبة العلن؛إذ ما من شيء يعلن إلاّ و هو قبل ذلك خفيّ،فتعلّق علمه سبحانه بحالته الأولى أقدم من تعلّقه بحالته الثّانية.

و قصده عليه السّلام أنّ إظهار هذه الحاجات و ما هو من مباديها و تتمّاتها ليس لكونها غير معلومة لك،بل إنّما هو لإظهار العبوديّة و التّخشّع لعظمتك،و التّذلّل لعزّتك،و عرض الافتقار إلى ما عندك،و الاستعجال لنيل أياديك.

و تكرير النّداء للمبالغة في الضّراعة و الابتهال.

و ضمير الجماعة،لأنّ المراد ليس مجرّد علمه تعالى بسرّه و علنه،بل بجميع خفايا الملك و الملكوت،و قد حقّقه بقوله على وجه الاعتراض: وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ لما أنّه العالم بالذّات،فما من أمر يدخل تحت الوجود كائنا ما كان في زمان من الأزمان إلاّ و وجوده في ذاته علم بالنّسبة إليه سبحانه.

و إنّما قال: وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ... دون أن يقول:و يعلم ما في السّماوات و الأرض تحقيقا لما عناه بقوله: تَعْلَمُ ما نُخْفِي من أنّ علمه تعالى بذلك ليس على وجه يكون فيه شائبة خفاء بالنّسبة إلى علمه تعالى،كما يكون ذلك بالنّسبة إلى علوم المخلوقات.و كلمة(فى)متعلّقة بمحذوف وقع صفة ل(شيء،)أي من شيء كائن فيهما أعمّ من أن يكون ذلك على وجه الاستقرار فيهما،أو على وجه الجزئيّة منهما،أو ب(يخفى.)

و تقديم(الارض)على(السماء)مع توسيط (لا)بينهما باعتبار القرب و البعد منّا المستدعيين للتّفاوت بالنّسبة إلى علومنا.

و الالتفات من الخطاب إلى اسم الذّات المستجمعة للصّفات لتربية المهابة،و الإشعار بعلّة الحكم،على نهج قوله تعالى: أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الملك:14،و الإيذان بعمومه،لأنّه ليس بشأن يختصّ به أو بمن يتعلّق به،بل شامل لجميع الأشياء،فالمناسب ذكره تعالى بعنوان مصحّح لمبدإ الكلّ.

و قيل:هو من كلام اللّه عزّ و جلّ وارد بطريق الاعتراض لتصديقه عليه السّلام،كقوله سبحانه: وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ و(من)للاستغراق على الوجهين.(3:494)

ص: 585

نحوه البروسويّ.(5:429)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أبي السّعود ثمّ قال:]

و قد أشار السّهرورديّ إلى أنّ ظهور الحال يغني عن السّؤال بقوله:

و يمنعني الشّكوى إلى النّاس أنّ

ني عليل و من أشكو إليه عليل

و يمنعني الشّكوى إلى اللّه أنّه

عليم بما أشكوه قبل أن أقول

و تكرير النّداء للمبالغة في الضّراعة و الابتهال.

و ضمير الجماعة-كما قال بعض المحقّقين-لأنّ المراد ليس مجرّد علمه تعالى بما يخفى و ما يعلن،بل بجميع خفايا الملك و الملكوت،و قد حقّقه عليه السّلام بقوله على وجه الاعتراض: وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ لما أنّ علمه تعالى ذاتيّ فلا يتفاوت بالنّسبة إليه معلوم دون معلوم.

و قال أبو حيّان:«لا يظهر تفاوت بين إضافة (ربّ)إلى ياء المتكلّم و بين إضافته إلى جمع المتكلّم» انتهى.

و ممّا نقلنا يعلم وجه إضافة(ربّ)هنا إلى ضمير الجمع،و لا أدري ما ذا أراد أبو حيّان بكلامه هذا،و ما يردّ عليه أظهر من أن يخفى.و إنّما قال عليه السّلام: وَ ما يَخْفى... دون أن يقول:و يعلم ما في السّماوات و الأرض،تحقيقا لما عناه بقوله: تَعْلَمُ ما نُخْفِي من أنّ علمه تعالى بذلك ليس على وجه يكون فيه شائبة خفاء بالنّسبة إلى علمه تعالى،كما يكون ذلك بالنّسبة إلى علوم المخلوقات.

و كلمة(فى)متعلّقة بمحذوف وقع صفة ل(شىء) أي ل(شىء)كائن فيهما،أعمّ من أن يكون ذلك على وجه الاستقرار فيهما،أو على وجه الجزئيّة منهما.و جوّز أن تتعلّق ب(يخفى)و هو كما ترى.

و تقديم(الارض)على(السماء)مع توسيط (لا)بينهما باعتبار القرب و البعد منّا المستعدّين (1)للتّفاوت بالنّسبة إلى علومنا.(13:241)

المراغيّ: أي أنت تعلم ما تخفي قلوبنا حين سؤالك ما نسأل،و ما نعلن من دعائنا فنجهر به.

وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ أي و لا يخفى على اللّه شيء يكون في الأرض أو في السّماء،لأنّ ذلك كلّه ظاهر متجلّ له، لأنّه مدبّره و خالقه،فكيف يخفى عليه؟!(13:161)

ابن عاشور :جاء بهذا التّوجّه إلى اللّه جامعا لما في ضميره،و فذلكة للجمل الماضية لما اشتملت عليه من ذكر ضلال كثير من النّاس،و ذكر من اتّبع دعوته و من عصاه،و ذكر أنّه أراد من إسكان أبنائه بمكّة رجاء أن يكونوا حرّاس بيت اللّه،و أن يقيموا الصّلاة، و أن يشكروا النّعم المسئولة لهم.و فيه تعليم لأهله و أتباعه بعموم علم اللّه تعالى،حتّى يراقبوه في جميع الأحوال و يخلصوا النّية إليه.

و جملة وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ تذييل لجملة إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ أي تعلمد.

ص: 586


1- الظّاهر:المستدعيين كما ذكره أبو السّعود.

أحوالنا و تعلم كلّ شيء.و لكونها تذييلا أظهر فيها اسم الجلالة ليكون التّذييل مستقلاّ بنفسه،بمنزلة المثل و الكلام الجامع.(12:264)

مغنيّة:بعد أن سأل إبراهيم اللّه أن يتوافد النّاس إلى بيته يحملون لأهله الخبز و الفاكهة،ليعبدوا اللّه حقّ عبادته بقوة و نشاط،بعد هذا قال للّه:ما سؤالي و طلبي إلاّ تضرّعا لك و خشوعا،و إلاّ اعترافا بأنّك الخالق الرّازق.أمّا حاجتنا و مصالحنا فأنت أعلم بها منّا، سألناها منك،أو لم نسأل.فقول إبراهيم: ما نُعْلِنُ معناه:ما نسأل و نطلب،و معنى: ما نُخْفِي ما لم نسأل و نطلب.(4:453)

الطّباطبائيّ: و قوله: وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ من تمام كلام إبراهيم عليه السّلام أو من كلامه تعالى،و على الأوّل ففي قوله: عَلَى اللّهِ التفات،وجهه الإشارة إلى علّة الحكم،كأنّه قيل:إنّك تعلم ما نخفي و ما نعلن،لأنّك اللّه الّذي ما يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السّماء.

و لا يبعد أن يستفاد من هذا التّعليل أنّ المراد ب(السماء)ما هو خفيّ علينا غائب عن حسّنا، و(الارض)بخلافه،فافهم ذلك.(12:77)

عبد الكريم الخطيب :تشير هذه الآية إلى أنّ تقوى اللّه،و شكره،ليس بأعمال الجوارح الظّاهرة وحدها،و إنّما بأن يسلم الإنسان للّه وجوده كلّه، ظاهرا و باطنا،و أن يخلص له العبادة،فاللّه سبحانه و تعالى: تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ و حساب أعمالنا عنده،بما تحمل من صدق و إخلاص،فإذا تلبّس بتلك الأعمال رياء،أو نفاقا،ردّت على صاحبها،و كانت وبالا عليه.(7:195)

المصطفويّ: [ذكر الآيات ثمّ قال:]

فتدلّ على أنّ البداء و الخفاء و السّرّ و العلن،و ما في الظّاهر و الباطن عند اللّه المتعال،و في قبال علمه، متساوية،و لا شيء عنده تعالى خافية،و لا يخفى عليه شيء،و هذه الأمور بالنّسبة إلينا،فهو تعالى أزليّ أبديّ،حيّ،محيط،قيّوم،ظاهر باطن،قريب إلى الأشياء من أنفسها.(3:97)

مكارم الشّيرازيّ: فإنّك تعلم إن كنت مغتمّا لفراق ابني و زوجتي،و ترى دموع عيني المنهملة، و تعلم أيضا أنّ قلبي قد ملأه همّ الفراق،و امتزج بفرح العمل بالتّكليف و الطّاعة لأوامرك.

و أنت مطّلع على خطاب زوجتي عند مفارقتها؛ حيث قالت:«إلى من تكلني»؟و في ساحة علمك ظاهر مستقبلها و مستقبل هذه الأرض.(7:460)

فضل اللّه : رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ من نوايا و أفكار،و تطلّعات و حاجات تختفي في زوايا قلوبنا و مشاعرنا،أو تظهر في كلماتنا و أفعالنا،فلا نحتاج إلى الكلام الكثير معك من أجل أن نظهر لك ما نريد،أو نفسّر لك ما نخفي،لأنّك العالم بكلّ شيء.

و إذا كنّا ندعوك و نبتهل إليك،و نزيد في الإلحاح بطلباتنا عليك،فلأنّنا نعرف أنّك تحبّ منّا ذلك لما يمثّله من معنى العبادة و الخشوع و الخضوع،و لما يوحيه إلينا من حقيقة العبوديّة في فقرها إلى المعبود، و حاجتها المطلقة إليه،بمقدار غناه المطلق عنها.

ص: 587

فليس عندنا ما نخفيه عنك،لأنّه ليس هناك في أيّة زاوية من زوايا الوجود ما يخفى عليك وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ فكيف تخفى عليه حاجاتنا الخفيّة و الظّاهرة،تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.(13:120)

3- يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ. المؤمن:16

ابن مسعود:لا يخفى عليه منهم شيء.

(الزّمخشريّ 3:419)

ابن عبّاس: لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ و لا من أعمالهم شيء.(394)

قتادة :و لكنّهم برزوا له يوم القيامة،فلا يستترون بجبل و لا مدر.(الطّبريّ 11:48)

الطّبريّ: أي و لا من أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا شيء.(11:48)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّه أبرزهم جميعا،لأنّه لا يخفى على اللّه منهم شيء.

الثّاني:معناه يجازيهم من لا يخفى عليه من أعمالهم شيء.(5:148)

الطّوسيّ: إنّما خصّهم بأنّه لا يخفى عليه منهم شيء،و إن كان لا يخفى عليه لا منهم و لا من غيرهم شيء،لأحد أمرين:

أحدهما:أن تكون(من)لتبيين الصّفة،لا للتّخصيص و التّبعيض.

و الآخر:أن يكون بمعنى يجازيهم من لا يخفى عليه شيء منهم،فذكر بالتّخصيص لتخصيص الجزاء بمن يستحقّه دون ما لا يستحقّه،و لا يصحّ له من المعلوم.

و قيل:لا يخفى على اللّه منهم شيء،فلذلك صحّ أنّه أنذرهم جميعا.(9:63)

الزّمخشريّ: أي من أعمالهم و أحوالهم.

فإن قلت قوله: لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ بيان و تقرير لبروزهم،و اللّه تعالى لا يخفى عليه منهم شيء برزوا أو لم يبرزوا فما معناه؟

قلت:معناه أنّهم كانوا يتوهّمون في الدّنيا إذا استتروا بالحيطان و الحجب،أنّ اللّه لا يراهم و يخفى عليه أعمالهم،فهم اليوم صائرون من البروز و الانكشاف إلى حال لا يتوهّمون فيها مثل ما كانوا يتوهّمونه،قال اللّه تعالى: وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّا تَعْمَلُونَ فصّلت:22،و قال تعالى:

يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ النّساء:

108،و ذلك لعلمهم أنّ النّاس يبصرونهم،و ظنّهم أنّ اللّه لا يبصرهم،و هو معنى قوله: وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ إبراهيم:48.(3:419)

نحوه الخازن.(6:77)

ابن عطيّة: أي من بواطنهم و سرائرهم و دعوات صدورهم.(4:551)

الفخر الرّازيّ: و المراد:يوم لا يخفى على اللّه منهم شيء.و المقصود منه الوعيد،فإنّه تعالى بيّن أنّهم إذا برزوا من قبورهم و اجتمعوا و تلاقوا،فإنّ اللّه تعالى يعلم ما فعله كلّ واحد منهم،فيجازي كلاّ بسببه،إن

ص: 588

خيرا فخير،و إن شرّا فشرّ،فهم و إن لم يعلموا تفصيل ما فعلوه فاللّه تعالى عالم بذلك،و نظيره قوله: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ الحاقّة:18،و قال:

يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9،و قال: إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ* وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ العاديات:9، 10،و قال: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها الزّلزال:4.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](27:46)

نحوه المراغيّ.(24:54)

العكبريّ: و(لا يخفى)يجوز أن يكون خبرا آخر،و أن يكون حالا من الضّمير في بارِزُونَ و أن يكون مستأنفا.(2:1117)

القرطبيّ: قيل:إنّ هذا هو العامل في يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ أي لا يخفى عليه شيء منهم و من أعمالهم يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ. (15:300)

البيضاويّ: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ خارجون من قبورهم،أو ظاهرون لا يسترهم شيء،أو ظاهرة نفوسهم لا تحجبهم غواشي الأبدان،أو أعمالهم و سرائرهم لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ من أعيانهم و أعمالهم و أحوالهم،و هو تقرير لقوله: هُمْ بارِزُونَ و إزاحة لنحو ما يتوهّم في الدّنيا.(2:333)

نحوه الشّربينيّ.(3:474)

النّيسابوريّ: و قوله: لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ تأكيد لذلك،و هذا و إن كان عامّا في جميع الأحوال و شاملا للدّنيا و الآخرة،إلاّ أنّه خصّص بالآخرة،لأنّهم في الدّنيا كانوا يظنّون أنّ بعض الأعمال تخفى على اللّه عند الاستتار بالحجب،كما قال: وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّا تَعْمَلُونَ فصّلت:،22،فهو نظير قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الفاتحة:4.(24:32)

أبو السّعود : لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ استئناف لبيان بروزهم و تقرير له،و إزاحة لما يتوهّمه المتوهّمون في الدّنيا من الاستتار توهّما باطلا،أو خبر ثان.

و قيل:حال من ضمير بارِزُونَ أي لا يخفى عليه تعالى شيء ما،من أعيانهم و أعمالهم و أحوالهم الجليلة و الخفيّة السّابقة و اللاّحقة.(5:413)

نحوه البروسويّ(8:167)،و الآلوسيّ(24:

56).

مكارم الشّيرازيّ: الوصف الثّاني لذلك اليوم المهول،هو انكشاف أمر النّاس؛بحيث لا يخفى شيء منها على اللّه تعالى لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ، بالطّبع في هذه الحياة لا يخفى من أمر الإنسان شيء على اللّه العالم المطلق؛إذ يتساوى لدى ذاته المطلقة غير المتناهية و الممتدّة بلا حدود،الخفيّ و الظّاهر، و الشّاهد و الغائب.فلما ذا-إذا-ذكر القرآن الجملة هذه على أنّها تفسير لجملة يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ؟

إنّ سبب ذلك يعود إلى أنّ البروز في ذلك اليوم يحتاج إلى تأكيد أكثر؛بحيث أنّ الجمع سيطّلع على أسرار بعضهم البعض.أمّا بالنّسبة للّه فالمسألة لا تحتاج إلى بحث أو كلام.(15:206)

لاحظ:ب ر ز:«بارزون».

ص: 589

4- ..سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى* إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى. الأعلى:6،7

ابن عبّاس: ما أخفى من السّرّ ممّا لم تحدّث به نفسك بعد.(508)

و ما يخفى ما سيتعلّمه من بعد.

(الماورديّ 6:253)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّ اللّه يعلم الجهر يا محمّد من عملك،ما أظهرته و أعلنته،(و ما يخفى) يقول:و ما يخفى منه فلم تظهره ممّا كتمته.يقول:هو يعلم جميع أعمالك،سرّها و علانيتها،يقول:فاحذره أن يطّلع عليك و أنت عامل في حال من أحوالك بغير الّذي أذن لك به.(12:545)

القمّيّ: يريد ما يكون إلى يوم القيامة في قلبك و نفسك.(2:417)

الواحديّ: يعلم السّرّ و العلانية.(4:470)

مثله البغويّ.(5:242)

ابن عطيّة: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ من الأشياء وَ ما يَخْفى منها،و ذلك لإحاطته بكلّ شيء علما،و بهذا يصحّ الخبر بأنّه لا ينسى شيئا إلاّ ذكّره اللّه تعالى به.

(5:469)

أبو حيّان : وَ ما يَخْفى أي في نفسك من خوف التّلف،و قد كفاك ذلك بكونه تكفّل بإقرائك إيّاه، و إخباره أنّك لا تنسى إلاّ ما استثناه،و تضمّن ذلك إحاطة علمه بالأشياء.(8:459)

ابن عاشور :و جملة إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى معترضة،و هي تعليل لجملة فَلا تَنْسى* إِلاّ ما شاءَ اللّهُ فإنّ مضمون تلك الجملة ضمان اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم حفظ القرآن من النّقص العارض.

و مناسبة الجهر و ما يخفى أنّ ما يقرؤه الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم من القرآن هو من قبيل الجهر فاللّه يعلمه،و ما ينساه فيسقطه من القرآن هو من قبيل الخفيّ،فيعلم اللّه أنّه اختفى في حافظته حين القراءة،فلم يبرز إلى النّطق به.

(30:249)

لاحظ:ج ه ر:«الجهر».

تخفى-خافية

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ. الحاقّة:18

ابن عبّاس: لا يترك منكم أحد.

و يقال:لا تخفي على اللّه منكم خافية أحد.

و يقال:لا يخفى على اللّه من أعمالكم شيء.

(483)

الفرّاء: قرأها يحيى بن وثّاب بالياء،و قرأها النّاس بعد-بالتّاء- (لا تخفى) ،و كلّ صواب،و هو مثل قوله: وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ هود:67، و(اخذت).(3:181)

الطّبريّ: لا تخفى على اللّه منكم خافية،لأنّه عالم بجميعكم،محيط بكلّكم.(12:217)

الماورديّ: فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها:لا يخفى المؤمن من الكافر،و لا البرّ من الفاجر،قاله عبد اللّه بن عمرو بن العاص.

الثّاني:لا تستتر منكم عورة،كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم «يحشر النّاس حفاة عراة».

ص: 590

الثّالث:أنّ خافِيَةٌ بمعنى:خفيّة،كانوا يخفونها من أعمالهم،حكاه ابن شجرة.(6:82)

نحوه القرطبيّ.(18:268)

الميبديّ: قرأ حمزة و الكسائيّ: (لا يخفى) بالياء، أي لا يستتر على اللّه شيء منكم،و لا من أحوالكم.

(10:211)

الزّمخشريّ: خافِيَةٌ :سريرة،و حال كانت تخفى في الدّنيا بستر اللّه عليكم.(4:152)

نحوه القاسميّ.(16:5916)

الطّبرسيّ: أي نفس خافية،أو فعلة خافية.

و قيل:«الخافية»مصدر،أي خافية أحد.(5:346)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:في الآية وجهان:

الأوّل:تقرير الآية:تعرضون لا يخفى أمركم،فإنّه عالم بكلّ شيء،و لا يخفى عليه منكم خافية،و نظيره قوله: لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ فيكون الغرض منه المبالغة في التّهديد،يعني تعرضون على من لا يخفى عليه شيء أصلا.

الوجه الثّاني:المراد لا يخفى يوم القيامة ما كان مخفيّا منكم في الدّنيا،فإنّه تظهر أحوال المؤمنين فيتكامل بذلك سرورهم،و تظهر أحوال أهل العذاب فيظهر بذلك حزنهم و فضيحتهم،و هو المراد من قوله:

يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ* فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَ لا ناصِرٍ الطّارق:9،10،و في هذا أعظم الزّجر و الوعيد، و هو خوف الفضيحة.

المسألة الثّانية:قراءة العامّة لا تَخْفى بالتّاء المنقّطة من فوقها،و اختار أبو عبيد:الياء و هي قراءة حمزة و الكسائيّ.قال:لأنّ الياء تجوز للذّكر و الأنثى و التّاء لا تجوز إلاّ للأنثى،و هاهنا يجوز إسناد الفعل إلى المذكّر و هو أن يكون المراد ب«الخافية»شيء ذو خفاء.و أيضا فقد وقع الفصل هاهنا بين الاسم و الفعل بقوله مِنْكُمْ. (30:110)

نحوه النّيسابوريّ: (29:38)،و الخازن(7:120)، و البروسويّ(10:140).

البيضاويّ: لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ سريرة على اللّه حتّى يكون العرض للاطّلاع عليها،و إنّما المراد منه إفشاء الحال و المبالغة في العدل،أو على النّاس،كما قال اللّه تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9.(2:500)

نحوه أبو السّعود(6:296)،و الآلوسيّ(29:46).

الشّربينيّ: لا تَخْفى مِنْكُمْ أي في ذلك اليوم على أحد بوجه من الوجوه... خافِيَةٌ أي من السّرائر الّتي كان من حقّها أن تخفى في دار الدّنيا،فإنّه عالم بكلّ شيء من أعمالكم،و نظيره قوله تعالى: لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ المؤمن:16.(4:374)

ابن عاشور :و معنى لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ لا تخفى على اللّه و لا على ملائكته.و تأنيث خافِيَةٌ لأنّه وصف لموصوف مؤنّث يقدّر بالفعلة من أفعال العباد،أو يقدّر بنفس،أي لا تختبئ من الحساب نفس، أي أحد،و لا يلتبس كافر بمؤمن،و لا بارّ بفاجر.

(29:119)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ جملة: لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ الأسرار الخاصّة بالإنسان و ما يحاول إخفاءه يتحوّل في ذلك اليوم إلى حالة من الظّهور و الوضوح،كما يقول تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9.

ص: 591

مكارم الشّيرازيّ: إنّ جملة: لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ الأسرار الخاصّة بالإنسان و ما يحاول إخفاءه يتحوّل في ذلك اليوم إلى حالة من الظّهور و الوضوح،كما يقول تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9.

إنّ في ذلك اليوم سوف لن يقتصر الوضوح، و الظّهور على أعمال البشر الخفيّة فحسب،بل على صفات و روحيّات و أخلاقيّات و نيّات الجميع،فإنّها هي الأخرى تبرز و تظهر.و هذا أمر عظيم جدّا،بل إنّه أعظم من انفجار الأجرام السّماوية،و تلاشي الجبال- كما يقول البعض-حيث الفضيحة الكبرى للطّالحين، و العزّة و الرّفعة للمؤمنين بشكل لا نظير له،يوم يكون الإنسان عريانا ليس من حيث الجسم فقط،بل أعماله و أسراره الخفيّة تكون على رءوس الأشهاد،نعم، لا يبقى أمر مخفيّ من وجودنا و كياننا أجمع في ذلك اليوم العظيم.(18:534)

فضل اللّه :لأنّه اليوم الّذي تبلى فيه السّرائر و تتمزّق،فلا يبقى هناك شيء منها ممّا كان الإنسان يستره عن النّاس،حيث سيواجههم بالموقف الّذي تشهد فيه الجوارح على ما عملت،و يشهد الحافظان على ما كتبا...

و هناك الشّاهد لما خفي عنهم،و الرّقيب على النّاس من ورائهم،و هو اللّه الّذي يعلم ما يسرّون و ما يعلنون،و لا تخفى عليه خافية في الأرض و لا في السّماء.الأمر الّذي يفرض على الإنسان أن يحافظ في الدّنيا على أن تكون أسراره الّتي تمثّل خلفيّات أعماله ممّا لا يخجل منها أمام اللّه،و أن تكون أعماله ممّا لا يخاف من عقابها بين يدي اللّه.(23:74)

خفىّ

وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ. الشّورى:45

ابن عبّاس: مسارقة الأعين.(410)

يعنى بالخفيّ: الذّليل.

نحوه مجاهد.(الطّبريّ 11:159)

الحسن :يسارقون النّظر.(الطّوسيّ 9:172)

مثله قتادة(الطّبريّ 11:159)،و السّدّيّ(433).

أي خفيّ النّظر لما عليهم من الهوان،يسارقون النّظر إلى النّار خوفا منها،و ذلّة في نفوسهم.

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 5:35)

نحوه الخازن.(6:106)

الفرّاء: قال بعضهم:يخفونه من الذّلّ الّذي بهم.

و قال بعضهم:نظروا إلى النّار بقلوبهم،و لم يروها بأعينهم،لأنّهم يحشرون عميا.(3:26)

أبو عبيد: لا يفتح عينه إنّما ينظر ببعضها.(2:201)

أبو سليمان الدّمشقيّ: ينظرون بأبصار قلوبهم دون عيونهم،لأنّهم يحشرون عميا.

(الماورديّ 5:210)

ابن قتيبة:أي قد غضّوا أبصارهم من الذّلّ.

(394)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى قوله:

مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ فقال بعضهم:معناه:من طرف ذليل.و كأنّ معنى الكلام:من طرف قد خفي من ذلّة.

ص: 592

و قال آخرون:بل معنى ذلك،أنّهم يسارقون النّظر.

و اختلف أهل العربيّة في ذلك،فقال بعض نحويّي البصرة في ذلك:جعل الطّرف:العين،كأنّه قال:

و نظرهم من عين ضعيفة،و اللّه أعلم.

و قال آخر منهم:إنّما قيل: مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ لأنّه لا يفتح عينيه،إنّما ينظر ببعضها.

و قال آخرون منهم:إنّما قيل: مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ لأنّهم ينظرون إلى النّار بقلوبهم،لأنّهم يحشرون عميا.

و الصّواب من القول في ذلك،القول الّذي ذكرناه عن ابن عبّاس و مجاهد،و هو أنّ معناه:أنّهم ينظرون إلى النّار من طرف ذليل،وصفه اللّه جلّ ثناؤه بالخفاء للذّلة الّتي قد ركبتهم،حتّى كادت أعينهم أن تغور فتذهب.(11:159)

الزّجّاج: يعني ينظرون إلى النّار من طرف خفيّ.

(4:402)

السّجستانيّ: لا يرفع عينيه،إنّما ينظر ببعضها، أي يغضّون أبصارهم استكانة و ذلاّ.(167)

الشّريف الرّضيّ: و هذه استعارة،و قد أشرنا إليها فيما تقدّم لمعنى جرّ ذكرها،و المراد بذلك:أنّ نظرهم نظر الخائف الذّليل،و المرتاب الظّنين،فهو لا ينظر إلاّ مسترقا،و لا يغضي إلاّ مشفقا،و هذا معنى قولهم:«فلان لا يملأ عينيه من فلان»إذا وصفوه بعظم الهيبة له،و شدّة المخافة منه،و كأنّهم لا ينظرون بمتّسعات عيونهم،و إنّما ينظرون بشفافاتها من ذلّهم و مخافتهم،و قد يجوز أن يكون«الطّرف»هاهنا بمعنى العين نفسها،فكأنّه تعالى وصفهم بالنّظر من عين ضعيفة،على المعنى الّذي أشرنا إليه.أو يكون «الطّرف»مصدر قولك:طرفت أطرف طرفا،إذا لحظت،فيكون المعنى أنّ لحظهم خفيّ،لأنّ نظرهم استراق كما قلنا أوّلا من عظيم الخيفة و توقّع العقوبة.

(177)

الواحديّ: يعني خفيّ النّظر لما عليها من الذّلّ، يسارقون النّظر إلى النّار خوفا منها،و ذلّة في أنفسهم، و عرف المؤمنون خسران الكافرين.(4:59)

البغويّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و قيل:(من)بمعنى الباء،أي بطرف خفيّ ضعيف من الذّلّ.(4:152)

الزّمخشريّ: أي يبتدئ نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفيّ بمسارقة،كما ترى المصبور ينظر إلى السّيف،و هكذا نظر النّاظر إلى المكاره لا يقدر أن يفتح أجفانه عليها،و يملأ عينيه منها،كما يفعل في نظره إلى المحابّ.

و قيل:يحشرون عميا فلا ينظرون إلاّ بقلوبهم؛ و ذلك نظر من طرف خفيّ.و فيه تعسّف.(3:474)

نحوه البيضاويّ(2:360)،و النّسفيّ(4:110)، أبو السّعود(6:22)،و الكاشانيّ(4:380)،و الآلوسيّ (25:51).

ابن عطيّة: قال ابن عبّاس«خفيّ:ذليل»لمّا كان نظرهم ضعيفا و لحظهم بمهانة،وصفه بالخفاء.[ثمّ استشهد بشعر](5:41)

ص: 593

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أدام:]

فإن قيل:أ ليس أنّه تعالى قال في صفة الكفّار:إنّهم يحشرون عميا،فكيف قال هاهنا:إنّهم يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ؟

قلنا:لعلّهم يكونون في الابتداء هكذا،ثمّ يجعلون عميا،أو لعلّ هذا في قوم،و ذلك في قوم آخرين.

(27:182)

نحوه الشّربينيّ.(3:547)

القرطبيّ: أي لا يرفعون أبصارهم للنّظر رفعا تامّا،و أنّهم ناكسوا الرّءوس.و العرب تصف الذّليل بغضّ الطّرف،كما يستعملون في ضدّه:حديد النّظر، إذا لم يتّهم لريبة،فيكون عليه منها غضاضة.(16:45)

ابن جزيّ: فيه قولان:

أحدهما:أنّه عبارة عن الذّلّ،لأنّ نظر الذّليل بمهانة و استكانة.

و الآخر:أنّهم يحشرون عميا،فلا ينظرون بأبصارهم،و إنّما ينظرون بقلوبهم.و استبعد هذا ابن عطيّة و الزّمخشريّ.(4:23)

ابن كثير :أي ينظرون إليها مسارقة خوفا منها، و الّذي يحذرون منه واقع بهم لا محالة،و ما هو أعظم ممّا في نفوسهم.(6:212)

البروسويّ: الطّرف:مصدر في الأصل،و لهذا لم يجمع،و هو تحريك الجفن،و عبّر به عن النّظر؛إذ كان تحريك الجفن يلازم النّظر،كما في«المفردات»[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ و قال:]

لا حاجة إلى حمل الآية على ما ذكر من الوجهين، لأنّ لهم يوم القيامة أحوالا شتّى بحسب المواطن،فكلّ من النّظر و السّحب و الحشر أعمى ثابت صحيح.

و في الآية إشارة إلى أنّ النّفوس الّتي لم تقبل الصّلاح بالعلاج في الدّنيا تتمنّى الرّجوع إلى الدّنيا يوم القيامة،لتقبل الصّلاح بعلاج الرّياضيّات الشّرعيّة،و المجاهدات الطّريقيّة،و تخشع،إذ لم تخشع في الدّنيا من القهّار،فلا تنفعها ندامة،و لا تسمع منها دعوة،و لها نظر من طرف خفيّ من خجالة المؤمنين؛إذ يعيّرونها بما ذكّروها فلم تسمع،و هي نفوس الظّالمين.

(8:338)

ابن عاشور :و جملة يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ في موضع الحال من الضّمير(خاشعين)لأنّ النّظر من طرف خفيّ حالة للخاشع الذّليل.و المقصود من ذكرها تصوير حالتهم الفظيعة.[إلى أن قال:]

و الطّرف:أصله مصدر،و هو تحريك جفن العين، يقال:طرف من باب«ضرب»،أي حرّك جفنه،و قد يطلق على العين من تسمية الشّيء بفعله،و لذلك لا يثنّى و لا يجمع،قال تعالى: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ إبراهيم:43.

و وصفه في هذه الآية ب(خفى)يقتضي أنّه أريد به حركة العين،أي ينظرون نظرا خفيّا،أي لا حدّة له، فهو كمسارقة النّظر؛و ذلك من هول ما يرونه من العذاب،فهم يحجمون عن مشاهدته للرّوع الّذي يصيبهم منها،و يبعثهم ما في الإنسان من حبّ الاطّلاع على أن يتطلّعوا لما يساقون إليه،كحال الهارب الخائف ممّن يتّبعه،فتراه يمعن في الجري و يلتفت وراءه

ص: 594

الفينة بعد الفينة،لينظر هل اقترب منه الّذي يجري وراءه،و هو في تلك الالتفاتة أفات خطوات من جريه، لكن حبّ الاطّلاع يغالبه.

و(من)في قوله: مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ للابتداء المجازيّ،و المعنى:ينظرون نظرا منبعثا من حركة الجفن الخفيّة.و حذف مفعول(ينظرون)للتّعميم،أي ينظرون العذاب،و ينظرون أهوال الحشر،و ينظرون نعيم المؤمنين من طرف خفيّ.(25:184)

الطّباطبائيّ: و خفيّ الطّرف:ضعيفه،و إنّما ينظر من طرف خفيّ،إلى المكاره مهولة من ابتلى بها، فهو لا يريد أن ينصرف فيغفل عنها،و لا يجترئ أن يمتلئ بها بصره كالمصبور ينظر إلى السّيف.(18:66)

عبد الكريم الخطيب :أي لا يستطيعون أن يفتحوا أبصارهم على هذا الهول الّذي يفغر لهم فاه،بل إنّ أبصارهم ليصعقها هذا الهول،فترتدّ عنه،و يدعوها الخوف منه،و محاذرة الوقوع ليده أن تنظر لترى أين موقعها منه،فلا تكاد تلمحه حتّى ترتدّ عنه.و هكذا تظلّ أبصارهم مشدودة إلى هذا الهول،تتحسّسه،في مخالسة،كما يتحسّس الأعمى حيّة التفّت بعنقه.

(13:82)

مكارم الشّيرازيّ: هذه صورة لحالة شخص يخشى من شيء ما أشدّ خشية،و لا يريد أن ينظر إليه بعينين مفتوحتين،و في نفس الوقت لا يستطيع أن يتغافل عنه،لذا فهو مجبور على النّظر إليه،لكن بطرف خفيّ.بعض المفسّرين قالوا:إنّ جملة طَرْفٍ خَفِيٍّ تعني هنا النّظر بعين نصف مفتوحة،لأنّهم لا يستطيعون فتح العين كاملة من شدّة الخوف و الهول العظيم،أو أنّهم من شدّة الانهيار و الإعياء لا يستطيعون فتح العين بشكل كامل.

فعند ما تكون حالة الإنسان هكذا قبل أن يدخل النّار،فما ذا سيجري عليه عند ما يطؤها و يكون في لبّها و عذابها الأليم؟!(15:516)

فضل اللّه :لا يملكون فتح عيونهم ليحدّقوا بها بنظرة واسعة مملوءة بالمشهد الّذي يواجههم،لأنّهم لا يطيقون تصوّر ما توحي به من رعب و فزع، فيسترقون النّظر استراقا حبّا بمعرفة ما فيها،و يغضّون الطّرف هربا منه و لو بعض الشّيء.(20:197)

خفيّا

إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا. مريم:3

ابن عبّاس: دعا زكريّا ربّه في المحراب نِداءً خَفِيًّا أسرّه و أخفاه من قومه.(253)

الحسن :نداء لا رياء فيه.(الزّمخشريّ 2:502)

قتادة :أي سرّا،و إنّ اللّه يعلم القلب النّقيّ،و يسمع الصّوت الخفيّ.(الطّبريّ 8:306)

مقاتل:إذ دعا ربّه دعاء سرّا،و إنّما دعا ربّه عزّ و جلّ سرّا لئلاّ يقول النّاس:انظروا إلى هذا الشّيخ الكبير يسأل الولد على كبره.(2:620)

ابن جريج:أي حين دعا ربّه دعاء خفيّا،أي سرّا غير جهر،لا يريد به رياء.(الطّوسيّ 7:103)

الطّبريّ: يقول:حين دعا ربّه،و سأله بنداء خفيّ،يعني و هو مستسرّ بدعائه و مسألته إيّاه،ما

ص: 595

سأل كراهته منه للرّياء.(8:306)

الماورديّ: [نقل قول قتادة و مقاتل ثمّ قال:]

و يحتمل ثالثا:أنّ إخفاء الدّعاء أخلص للدّعاء و أرجى للإجابة،للسّنّة الواردة فيه:«إنّ الّذي تدعونه،ليس بأصمّ».(3:354)

القشيريّ: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا و إنّما ذلك لئلاّ يطّلع أحد على سرّ حاله،فأخفى نداءه عن الأجانب،و قد أمكنه أن يخفيه عن نفسه بالتّعامي عن شهود محاسنه و الاعتقاد بالسّوء في نفسه،ثمّ أخفى سرّه عن الخلق،لئلاّ يقع لأحد إشراف على حاله، و لئلاّ يشمت بمقالته أعداؤه.(4:91)

الواحديّ: خافيا،يخفي ذلك في نفسه لا يريد رياء.و هذا يدلّ على أنّ المستحبّ في الدّعاء الإخفاء.

(3:175)

البغويّ: دعا سرّا من قومه في جوف اللّيل.

(3:225)

الزّمخشريّ: راعى سنّة اللّه في إخفاء دعوته، لأنّ الجهر و الإخفاء عند اللّه سيّان،فكان الإخفاء أولى،لأنّه أبعد من الرّياء،و أدخل في الإخلاص.

و عن الحسن:نداء لا رياء فيه،أو إخفاء لئلاّ يلام على طلب الولد في إبّان الكبرة و الشّيخوخة،أو أسرّه من مواليه الّذين خافهم،أو خفت صوته لضعفه و هرمه،كما جاء في صفة الشّيخ:«صوته خفات و سمعه تارات».(2:502)

نحوه البيضاويّ(2:28)،و النّسفيّ(3:28)، و الخازن(4:193)،و أبو السّعود(4:227).

الطّبرسيّ: [نحو الواحديّ ثمّ قال:]

و إنّ ذلك أقرب إلى الإجابة.و في الحديث:«خير الدّعاء الخفيّ،و خير الرّزق ما يكفي».(3:502)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

فإن قيل:من شرط النّداء،الجهر،فكيف الجمع بين كونه نداء و خفيّا؟

و الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّه أتى بأقصى ما قدر عليه من رفع الصّوت،إلاّ أنّ الصّوت كان ضعيفا لنهاية الضّعف بسبب الكبر،فكان نداء نظرا إلى قصده،و خفيّا نظرا إلى الواقع.

الثّاني:أنّه دعا في الصّلاة،لأنّ اللّه تعالى أجابه في الصّلاة،لقوله تعالى: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى آل عمران:

39،و كون الإجابة في الصّلاة يدلّ على كون الدّعاء في الصّلاة،فوجب أن يكون النّداء فيها خفيّا.

(21:180)

الشّربينيّ: أي سرّا جوف اللّيل،لأنّه أسرع إلى الإجابة،و إن كان الجهر و الإخفاء عند اللّه سيّان.

[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ](2:413)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

النّداء و إن كان بمعنى الصّوت لكن الصّوت قد يتّصف بالضّعف،و يقال:صوت خفيّ و هو الهمس، فكذا النّداء.

و قد صحّ عن الفقهاء أنّ بعض المخافتة يعدّ من أدنى مراتب الجهر و تفصيله في تفسير الفاتحة للفناريّ.

ص: 596

و لي فيه وجه خفيّ لاح عند المطالعة،و هو أنّ النّداء الخفيّ عند الخواصّ كالذّكر الخفيّ-هو ما خفي عن الحفظة فضلا عن النّاس-لا يخفض به الصّوت،و الوجه في عبارة النّداء الإشارة إلى شدّة الإقبال و التّوجّه في الأمر المتوجّه إليه،كما هو شأن الأنبياء،و من له بهم أسوة حسنة من كمّل الأولياء.

(5:313)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و على ما ذكرنا لا منافاة بين النّداء،و كونه خفيّا، بل لا منافاة بينهما أيضا،إذا فسّر النّداء برفع الصّوت، لأنّ الخفاء غير الخفوت،و من رفع صوته في مكان ليس بمرأى و لا مسمع من النّاس فقد أخفاه.و قيل:

هو مجاز عن عدم الرّياء،أي الإخلاص،و لم ينافه النّداء،بمعنى رفع الصّوت لهذا.

و في«الكشف»:أنّ الأشبه أنّه كناية مع إرادة الحقيقة،لأنّ الخفاء في نفسه مطلوب أيضا،لكنّ المقصود بالذّات الإخلاص.و قيل:مستورا عن النّاس بالمخافتة،و لا منافاة بناء على ارتكاب المجاز،أو بناء على أنّ النّداء لا يلزمه رفع الصّوت،و لذا قيل:

*يا من ينادى بالضّمير فيسمع*

(16:59)

ابن عاشور :و النّداء:أصله:رفع الصّوت بطلب الإقبال.[إلى أن قال:]و معنى الكلام:أنّ زكريّاء قال:

يا ربّ،بصوت خفيّ.

و إنّما كان خفيّا،لأنّ زكريّاء رأى أنّه أدخل في الإخلاص مع رجائه أنّ اللّه يجيب دعوته،لئلاّ تكون استجابته ممّا يتحدّث به النّاس،فلذلك لم يدعه تضرّعا،و إن كان التّضرّع أعون على صدق التّوجه غالبا.فلعلّ يقين زكريّاء كاف في تقوية التّوجّه، فاختار لدعائه السّلامة من مخالطة الرّياء.و لا منافاة بين كونه نداء و كونه خفيّا،لأنّه نداء من يسمع الخفاء.

(16:9)

عبد الكريم الخطيب :النّداء الخفيّ،هو الدّعاء في سرّ،دون الجهر و معالنة؛إذ كان ذلك فيما بينه و بين ربّه،بعيدا عن أعين النّاس و أسماع النّاس.(8:722)

مكارم الشّيرازيّ: طرح هذا السّؤال بين المفسّرين،و هو أنّ(نادى)تعني الدّعاء بصوت عال،في حين أنّ خَفِيًّا تعني الإخفات و خفض الصّوت،و هذان المعنيان لا يناسب أحدهما الآخر.

إلاّ أنّنا إذا علمنا أنّ خَفِيًّا لا تعني الإخفات،بل تعني الإخفاء فسيكون من الممكن أنّ زكريّا حين خلوته،حيث لا يوجد أحد سواه،كان ينادي و يدعو اللّه بصوت عال.

و البعض قال:إنّ طلبه هذا كان في جوف اللّيل حيث كان النّاس يغطّون في النّوم.(9:362)

فضل اللّه :فقد كان يعيش الإحساس بحضور اللّه في حياته و هيمنته على وجدانه؛بحيث يناديه بشكل طبيعيّ،كما ينادي أيّ موجود حيّ في عالم الحسّ و الشّهود،لأنّ غياب اللّه عن العيان لا يحجب رؤيته في عالم الوجدان.و هكذا وقف زكريّا لينادي ربّه، ليسمعه حاجته،و لكنّه لم يطلق صوته عاليا،بل تحدّث بما يشبه الهمس الخفيّ،لشعوره بالخشوع عند

ص: 597

الحديث معه،و إدراكه بأنّ اللّه لا يحتاج إلى الجهر بالصّوت،ليسمع نداء عبده،لأنّه يعلم السّرّ و أخفى، و يسمع وساوس الصّدور،فكيف لا يسمع تمتمات الشّفاء؟!(15:11)

خفية

1- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً. الأنعام:63

ابن عبّاس: سرّا و علانية.(111)

مثله الحسن.(الطّبرسيّ 2:314)

الفرّاء: يقال:خفية و خيفة.و فيها لغة بالواو- و لا تصلح في القراءة-خفوة و خفوة،كما قيل:قد حلّ حبوته و حبوته و حبيته.(1:338)

أبو عبيدة :أي تخفون في أنفسكم.(1:194)

الطّبريّ: إخفاء للدّعاء أحيانا،و إعلانا و إظهارا.(5:216)

الزّجّاج: بالضّمّ و الكسر في خُفْيَةً و المعنى تدعونه مظهرين الضّراعة،و هي شدّة الفقر إلى الشّيء و الحاجة،و تدعونه خفية،أي تدعونه في أنفسكم تضمرون في فقركم و حاجاتكم إليه كما تضمرون.

(2:259)

نحوه الطّوسيّ(4:174)،و الواحديّ(2:282).

النّحّاس: أي تظهرون التّضرّع،و هو أشدّ الفقر إلى الشّيء و الحاجة إليه، خُفْيَةً أي و تبطنون مثل ذلك.(2:440)

ابن عطيّة: معناه الاختفاء و السّرّ،فكأنّ نسق القول:تدعونه جهرا و سرّا،هذه العبارة بمعان زائدة.

و قرأ الجميع غير عاصم: وَ خُفْيَةً بضمّ الخاء، و قرأ عاصم في رواية أبي بكر (و خفية) بكسر الخاء، و قرأ الأعمش: (و خفية) من الخوف.(2:302)

الطّبرسيّ: أي علانية و سرّا،عن ابن عبّاس و الحسن.و قيل:معناه:تدعونه مخلصين متضرّعين تضرّعا بألسنتكم،و خفية في أنفسكم.و هذا أظهر.

(2:314)

النّيسابوريّ: تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً مفعول لأجلها أو تمييز أو مصدر خاصّ،و المراد:أنّ الإنسان عند حصول هذه الشّدائد يأتي بأمور:أحدها:الدّعاء.

الثّاني:التّضرّع.و الثّالث:الإخلاص بالقلب،و هو المعنيّ بقوله: وَ خُفْيَةً. (7:129)

الخازن :يعني فإذا اشتدّ بكم الأمر تخلصون له الدّعاء تضرّعا منكم إليه و استكانة جهرا و خفية، -يعني سرّا-حالا و حالا.(2:118)

أبو حيّان :أي تنادونه مظهري الحاجة إليه و مخفيها.و التّضرّع وصف باد على الإنسان،و الخفية:

الإخفاء.(4:150)

أبو السّعود :و قوله تعالى: تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إمّا حال من فاعل تَدْعُونَهُ أو مصدر مؤكّد له،أي تدعونه متضرّعين جهارا و مسرّين،أو تدعونه دعاء إعلان و إخفاء.(2:396)

نحوه البروسويّ.(3:47)

الآلوسيّ: أي إعلانا و إسرارا،كما روي عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما.و الحسن فنصبهما

ص: 598

على المصدريّة.و قيل:بنزع الخافض.و الإعلان و الإسرار يحتمل أن يراد بهما ما باللّسان،و يحتمل أن يراد بهما ما باللّسان و القلب.

و جوّز أن يكونا منصوبين على الحال من فاعل( تدعون)أي معلنين و مسرّين.(7:179)

رشيد رضا :و الخفية بالضّمّ و الكسر:الخفاء و الاستتار،فإذا كان التّضرّع إظهار الحاجة إلى اللّه تعالى و التّذلّل له بالجهر بالدّعاء،و رفع الصّوت به مع البكاء،فالخفية في الدّعاء عبارة عن إسراره هربا من الرّياء،و هاتان حالتان تعرضان للإنسان عند شعوره بالحاجة إلى اللّه تعالى،و يأسه من الأسباب،تارة يجأر بالدّعاء رافعا صوته متضرّعا مبتهلا.و تارة يسرّ الدّعاء و يخفيه مخلصا محتسبا،و يتحرّى أن لا تسمعه أذن،و لا يعلم به أحد،و يرى أنّه يكون بذلك أجدر بالقبول،و أرجى لنيل السّؤال.(7:488)

مثله المراغيّ.(7:151)

ابن عاشور :و عطف خُفْيَةً على تَضَرُّعاً إمّا عطف الحال على الحال،كما تعطف الأوصاف، فيكون مصدرا مؤوّلا باسم الفاعل،و إمّا أن يكون عطف المفعول المطلق على الحال،على أنّه مبيّن لنوع الدّعاء،أي تدعونه في الظّلمات مخفين أصواتكم، خشية انتباه العدوّ من النّاس أو الوحوش.(6:145)

الطّباطبائيّ: و التّضرّع:إظهار الضّراعة،و هو الذّلّ و الخضوع على ما ذكره الرّاغب،و لذلك قوبل بالخفية و هو الخفاء و الاستتار،فالتّضرّع و الخفية في الدّعاء هما الإعلان و الإسرار فيه،و الإنسان إذا نزلت به المصيبة يبتدئ فيدعو للنّجاة بالإسرار و المناجاة،ثمّ إذا اشتدّت به و لاح بعض آثار اليأس و الانقطاع من الأسباب،لا يبالي بمن حوله ممّن يطّلع على ذلّته و استكانته،فيدعو بالتّضرّع و المناداة.ففي ذكر التّضرّع و الخفية إشارة إلى أنّه تعالى هو المنجي من مصائب البرّ و البحر شديدتها و يسيرتها.(7:133)

مكارم الشّيرازيّ: لعلّ ذكر التّضرّع-و هو الدّعاء علانية-و الخفية-و هي الدّعاء في السّرّ- إشارة إلى أنّ المصائب تختلف،فالّتي لم تصل مرحلة شديدة قد تستدعي الدّعاء خفية،و عند ما تكون شديدة تحمل المرء على أن يرفع يديه بالدّعاء جهرا، و قد يصاحب ذلك البكاء و الصّراخ،أي إنّ اللّه يحلّ مشاكلكم خفيفها و شديدها.(4:301)

2- اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. الأعراف:55

نحو ما قبلها.

اخفى

وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى. طه:7

ابن عبّاس: فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ من القول و الفعل، وَ أَخْفى من السّرّ:ما هو كائن منك لم يك بعد أو يكون،يعلم اللّه ذلك كلّه.(260)

اَلسِّرَّ :ما أسرّ ابن آدم في نفسه. وَ أَخْفى :ما أخفى ابن آدم ممّا هو فاعله قبل أن يعمله.فاللّه يعلم ذلك،فعلمه فيما مضى من ذلك،و ما بقي،علم واحد،

ص: 599

و جميع الخلائق عنده في ذلك كنفس واحدة،و هو قوله: ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ لقمان:28.(الطّبريّ 8:393)

السّرّ:ما تسرّ في نفسك،و أخفى من السّرّ:ما يلقيه عزّ و جلّ في قلبك من بعد،و لا تعلم أنّك ستحدّث به نفسك،لأنّك تعلم ما تسرّ به اليوم و لا تعلم ما تسرّ به غدا،و اللّه يعلم ما أسررت اليوم و ما تسرّ به غدا.

مثله سعيد بن جبير.(البغويّ 3:256)

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 8:393)

سعيد بن جبير: السّرّ:ما أسررت في نفسك، و أخفى من ذلك:ما لم تحدّث به نفسك.

(الطّبريّ 8:393)

مجاهد : اَلسِّرَّ :العمل الّذي يسرّون من النّاس، وَ أَخْفى :الوسوسة.(الثّعلبيّ 6:238)

عكرمة : أَخْفى :حديث نفسك.

(الطّبريّ 8:393)

الحسن :السّرّ:ما أسرّ الرّجل إلى غيره،و أخفى من ذلك:ما أسرّه في نفسه.(الثّعلبيّ 6:238)

الإمام الباقر عليه السّلام: اَلسِّرَّ :ما أخفيته في نفسك وَ أَخْفى :ما خطر ببالك ثمّ أنسيته.(الطّبرسيّ 4:3)

قتادة :كنّا نحدّث أنّ السّرّ:ما حدّثت به نفسك، و أنّ أخفى من السّرّ:ما هو كائن ممّا لم تحدّث به نفسك.

(الطّبريّ 8:393)

زيد بن أسلم:معناه يعلم أسرار العباد،و أخفى سرّه فلا يعلم.(الثّعلبيّ 6:238)

مثله ابن زيد.(الطّبريّ 8:393)

الفرّاء: يَعْلَمُ السِّرَّ ما أسررته وَ أَخْفى ما حدّثت به نفسك.(2:174)

مثله ابن قتيبة.(277)

أبو عبيدة :يعني و الخفيّ الّذي حدّثت به نفسك و لم تسرّه إلى أحد.(2:16)

الطّبريّ: يقول:فإنّه لا يخفى عليه ما استسررته في نفسك فلم تبده بجوار حك،و لم تتكلّم بلسانك، و لم تنطق به؛و أخفى.

ثمّ اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله: وَ أَخْفى فقال بعضهم:معناه و أخفى من السّرّ،قال:و الّذي هو أخفى من السّرّ ما حدّث به المرء نفسه و لم يعلمه.

و قال آخرون:بل معناه و أخفى من السّرّ:ما لم تحدّث به نفسك.

و قال آخرون:بل معنى ذلك إنّه يعلم سرّ العباد و أخفى سرّ نفسه،فلم يطّلع عليه أحدا.

و كأنّ الّذين وجّهوا تأويل ذلك إلى أنّ اَلسِّرَّ هو ما حدّث به الإنسان غيره سرّا،و أنّ أَخْفى معناه ما حدّث به نفسه،وجّهوا تأويل أَخْفى إلى الخفيّ،و قال بعضهم:قد توضع«أفعل»موضع «الفاعل»و استشهدوا لقيلهم ذلك بقول الشّاعر:

تمنّى رجال أن أموت و إن أمت

فتلك طريق لست فيها بأوحد

و الصّواب من القول في ذلك قول من قال:معناه يعلم السّرّ و أخفى من السّرّ،لأنّ ذلك هو الظّاهر من الكلام،و لو كان معنى ذلك ما تأوّله ابن زيد.لكان الكلام:و أخفى اللّه سرّه،لأنّ أَخْفى فعل واقع

ص: 600

متعدّ إذ كان بمعنى«فعل»على ما تأوّله ابن زيد.و في انفراد أَخْفى من مفعوله،و الّذي يعمل فيه لو كان بمعنى«فعل»الدّليل الواضح على أنّه بمعنى«أفعل»، و أنّ تأويل الكلام:فإنّه يعلم السّرّ و أخفى منه.فإذ كان ذلك تأويله،فالصّواب من القول في معنى:أخفى من السّرّ أن يقال:هو ما علم اللّه ممّا أخفى عن العباد و لم يعلموه ممّا هو كائن و لمّا يكن،لأنّ ما ظهر و كان فغير سرّ،و أنّ ما لم يكن و هو غير كائن فلا شيء،و أنّ ما لم يكن و هو كائن فهو أخفى من السّرّ،لأنّ ذلك لا يعلمه إلاّ اللّه ثمّ من أعلمه ذلك من عباده.(8:394)

الزّجّاج: ف اَلسِّرَّ :ما أكننته في نفسك وَ أَخْفى :ما يكون من الغيب الّذي لا يعلمه إلاّ اللّه.

(3:350)

القمّيّ: اَلسِّرَّ :ما أخفيته وَ أَخْفى :ما خطر ببالك ثمّ نسيته.(2:59)

الماورديّ: [نقل الأقوال الأربعة المتقدّمة ثمّ أدام:]

الخامس:أنّ اَلسِّرَّ :ما أسرّه من علمه و عمله السّالف، وَ أَخْفى :ما يعلمه من عمله المستأنف، و هذا معنى قول الكلبيّ.

السّادس:السّرّ:العزيمة،و ما هو أخفى:هو الهمّ الّذي دون العزيمة.(3:394)

الطّوسيّ: معناه:و إن تجهر بالقول لحاجتك لسمعه،أي تجهر به،فإنّه تعالى يعلم السّرّ و أخفى من السّرّ.و لم يقل:و أخفى منه،لأنّه دالّ عليه،كما يقول القائل:فلان كالفيل أو أعظم،و هذا كالحبّة أو أصغر...

و اَلسِّرَّ ما حدّث به الإنسان غيره في خفية، و أخفى منه:ما أضمره في نفسه و لم يحدّث به غيره، هذا قول ابن عبّاس.

و قال قتادة و ابن زيد و سعيد بن جبير: اَلسِّرَّ :

ما أضمره العبد في نفسه.و أخفى منه:ما لم يكن و لا أضمره أحد.و قال قوم:معناه يعلم السّرّ و الخفيّ.

و ضعّف هذا،لأنّه ترك الظّاهر و عدول بلفظة (أفعل)إلى غير معناها من غير ضرورة،و لأنّ حمله على معنى أَخْفى أبلغ إذا كان بمعنى:أخفى من السّرّ.[ثمّ استشهد بشعر](7:161)

القشيريّ: و الّذي هو أخفى من السّرّ،فهو ما لا يطّلع عليه إلاّ الحقّ.

و يقال:الّذي هو أخفى من السّرّ،لا يفسده الشّيطان،و لا يكتبه الملكان،و يستأثر بعلمه الجبّار، و لا تقف عليه الأغيار.(4:118)

الواحديّ: أي فلا تجهد نفسك برفع الصّوت، فإنّك و إن لم تجهر علم اللّه السّرّ و أخفى.[ثمّ نقل القول الثّالث لابن عبّاس و قال:]

و التّقدير:و أخفى منه،إلاّ أنّه حذف للعلم به، و هذا كقولك فلان كالفيل أو أعظم منه.(3:201)

الزّمخشريّ: أي يعلم ما أسررته إلى غيرك، و أخفى من ذلك:و هو ما أخطرته ببالك،أو ما أسررته في نفسك،و أخفى منه:و هو ما ستسرّه فيها.

و عن بعضهم:أنّ أَخْفى فعل:يعني أنّه يعلم أسرار العباد و أخفى عنهم ما يعلمه هو،كقوله تعالى:

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110،و ليس بذاك.(2:530)

ص: 601

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110،و ليس بذاك.(2:530)

نحوه النّسفيّ.(3:49)

ابن عطيّة: و اختلف النّاس في ترتيب السّرّ و ما هو أخفى منه؛فقالت فرقة: اَلسِّرَّ هو الكلام الخفيّ الخافت،كقراءة السّرّ في الصّلاة،و«الأخفى» هو ما في النّفس.

و قالت فرقة:هو ما في النّفس متحصّلا، و«الأخفى»هو ما سيكون فيها في المستأنف.

و قالت فرقة: اَلسِّرَّ هو ما في نفوس البشر و كلّ ما يمكن أن يكون فيها في المستأنف،بحسب الممكنات من معلومات البشر،و«الأخفى»هو ما من معلومات اللّه لا يمكن أن يعلمه البشر،البتّة،فهذا كلّه معلوم للّه عزّ و جلّ.

و قد تؤوّل على بعض السّلف أنّه جعل وَ أَخْفى فعلا ماضيا،و هذا ضعيف.(4:37)

الفخر الرّازيّ: و فيه قولان:

أحدهما:أنّ قوله: وَ أَخْفى بناء المبالغة،و على هذا القول نقول:إنّه تعالى قسّم الأشياء إلى ثلاثة أقسام:الجهر،و السّرّ،و الأخفى.فيحتمل أن يكون المراد من الجهر:القول الّذي يجهر به،و قد يسرّ في النّفس و إن ظهر البعض،و قد يسرّ و لا يظهر على ما قال بعضهم.

و يحتمل أن يكون المراد بالسّرّ و بالأخفى:ما ليس بقول،و هذا أظهر،فكأنّه تعالى بيّن أنّه يعلم السّرّ- الّذي لا يسمع-و ما هو أخفى منه،فكيف لا يعلم الجهر.و المقصود منه زجر المكلّف عن القبائح ظاهرة كانت أو باطنة،و التّرغيب في الطّاعات ظاهرة كانت أو باطنة.فعلى هذا الوجه ينبغي أن يحمل السّرّ و الأخفى على ما فيه ثواب أو عقاب،و السّرّ هو الّذي يسرّه المرء في نفسه من الأمور الّتي عزم عليها،و الأخفى هو الّذي لم يبلغ حدّ العزيمة،

و يحتمل أن يفسّر«الأخفى»بما عزم عليه و ما وقع في وهمه الّذي لم يعزم عليه،و يحتمل ما لم يقع في سرّه بعد فيكون أخفى من السّر،و يحتمل أيضا ما سيكون من قبل اللّه تعالى من الأمور الّتي لم تظهر،و إن كان الأقرب ما قدّمناه ممّا يدخل تحت الزّجر و التّرغيب.

القول الثّاني:أنّ أَخْفى، فعل،يعني أنّه يعلم أسرار العباد و أخفى عنهم ما يعلمه،و هو كقوله:

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ البقرة:255.(22:8)

العكبريّ: يجوز أن يكون فعلا و مفعوله محذوف، أي و أخفى السّرّ عن الخلق.و يجوز أن يكون اسما،أي و أخفى منه.(2:885)

النّيسابوريّ: فالسّرّ:ما أسررته إلى غيرك، و أخفى من ذلك:ما أخطرته ببالك.أو السّر هذا، و أخفى منه:ما استسرّه.و قيل: أَخْفى فعل ماض، أي يعلم أسرار العباد،و أخفى عنهم ما يعلم هو.

قلت:هذا المعنى صحيح،لأنّه تعالى محيط بجميع الأشياء فلا يعزب عنه شيء قطّ و لا يحيط به شيء من الأشياء،فلا يطّلع على غيوبه أحد،إلاّ أنّ اللّفظ يحصل فيه بشاعة إذا حمل على هذا التّفسير،فلهذا قال صاحب«الكشّاف»:و ليس بذاك.(16:92)

ص: 602

نحوه أبو السّعود(4:269)،و البروسويّ(5:366) و الآلوسيّ(16:162).

ابن عاشور :و أَخْفى اسم تفضيل،و حذف المفضّل عليه،لدلالة المقام عليه،أي و أخفى من السّرّ،و المراد بأخفى منه:ما يتكلّم اللّسان من حديث النّفس و نحوه من الأصوات الّتي هي أخفى من كلام السّرّ.(16:99)

مغنيّة:و الأخفى هو الّذي يمرّ بخيالك دون أن تتفوّه به،و أوضح تفسير للأخفى قوله تعالى: وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ آل عمران:154.(5:205)

الطّباطبائيّ: و اَلسِّرَّ :هو حديث المكتوم في النّفس،و قوله: وَ أَخْفى أفعل التّفضيل من الخفاء، على ما يعطيه سياق التّرقّي في الآية.و لا يصغى إلى قول من قال:إنّ أَخْفى فعل ماض فاعله ضمير راجع إليه تعالى،و المعنى أنّه يعلم السّرّ و أخفى علمه هذا.و في تنكير أَخْفى تأكيد للخفاء.[ثمّ أدام الكلام لإثبات علمه تعالى بجميع الأشياء فراجع.

(14:122)

مكارم الشّيرازيّ: و هناك نقاش و بحث بين المفسّرين في المراد من أَخْفى هنا:

فالبعض قالوا: اَلسِّرَّ هو أن يتحدّث إنسان مع آخر بصورة خفيّة،و أَخْفى هو أن يحتفظ الإنسان بذلك القول و الأمر في قلبه،و لا يحدّث به أحدا.

و البعض قالوا: اَلسِّرَّ هو ما أضمره الإنسان في قلبه،و أَخْفى هو الّذي لم يخطر على باله إلاّ أنّ اللّه سبحانه مطّلع عليه و عالم به.

و البعض الآخر قال:إنّ اَلسِّرَّ هو ما يقوم به الإنسان من عمل في الخفاء،و أَخْفى هي النّيّة الّتي في قلبه.

و البعض قالوا:إنّ اَلسِّرَّ يعني أسرار النّاس، و أَخْفى هي الأسرار الّتي في ذات اللّه المقدّسة.

في حديث عن الإمامين الباقر و الصّادق عليهما السّلام:

«السِّرَّ ما أخفيته في نفسك،و أَخْفى ما خطر ببالك ثمّ أنسيته»إنّ هذا الحديث يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ ما يتعلّمه الإنسان يودع في مخزن الحافظة،غاية الأمر أنّ ارتباط الإنسان قد ينقطع أحيانا مع زاوية من هذا المخزن،فتنتج حالة النّسيان، و لذلك فإنّه إذا ما تذكّر ذلك المنسيّ بطريقة ما، فسيرى هذا المطلب واضحا و معروفا لديه،و بناء على هذا فإنّ ما ينساه الإنسان هو أخفى أسراره الّتي أخفيت في زوايا الحافظة،و قطع ارتباطه بها بصورة مؤقّتة،أو دائمة.

و لكن لا مانع على كلّ حال من أن تجمع كلّ هذه التّفاسير الّتي ذكرت في مفهوم الكلمة و معناها الواسع.

و على هذا فقد رسمت صورة واضحة عن علم اللّه اللاّمتناهي،و عرف منزل القرآن من مجموع الآيات أعلاه معرفة إجماليّة في الأبعاد الأربعة:الخلقة، و الحكومة،و المالكيّة،و العلم.(9:467)

فضل اللّه : وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى و هكذا يتمثّل حضور سلطته الإلهيّة المطلقة في كلّ موقع من مواقع وجود خلقه؛بحيث يشرف عليه إشرافا مباشرا من دون أن يغيب عنه شيء من

ص: 603

أمورهم،فيما يفعلون و يتكلّمون،و ليس هناك شيء أقرب إليه من شيء،لأنّ الأشياء تتساوى لديه في جميع شئونها.

و هذا ما يجعل مسألة الجهر بالقول أو الإسرار به واحدة في علمه،لأنّه يعلم السّرّ و أخفى،و يسمع وساوس الصّدور،و لا يفوته شيء من كلام عباده مهما كان خفيّا،في مواقع السّرّ العميقة الهامسة.

(15:94)

اخفيتم

...تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ... الممتحنة:1

ابن عبّاس: يعني بما أخفيت يا حاطب من الكتاب.(466)

الطّبريّ: أنا أعلم منكم بما أخفى بعضكم من بعض،فأسرّه منه.(12:56)

الطّوسيّ: أي بسرّكم و علانيتكم،و ظاهركم و باطنكم،لا يخفى عليّ من ذلك شيء،فكيف تسرّون بمودّتكم إيّاهم منّي؟!(9:577)

القشيريّ: أنا أعلم بِما أَخْفَيْتُمْ من دقائق التّصنّع و خفيّات الرّياء، وَ ما أَعْلَنْتُمْ من التّزيّن للنّاس.

(ما اخفيتم)من الاستسرار بالزّلّة، وَ ما أَعْلَنْتُمْ من الطّاعة و البرّ.

(ما اخفيتم)من الخيانة، وَ ما أَعْلَنْتُمْ من الأمانة.

(ما اخفيتم)من الغلّ و الغشّ للنّاس، وَ ما أَعْلَنْتُمْ من الفضيحة للنّاس.

(ما اخفيتم)من ارتكاب المحظورات، وَ ما أَعْلَنْتُمْ من الأمر بالمعروف.

(ما اخفيتم)من ترك الحشمة منّي و قلّة المبالاة باطّلاعي، وَ ما أَعْلَنْتُمْ من تعليم النّاس و وعظهم.

(6:138)

الزّمخشريّ: أيّ طائل لكم في إسراركم؟و قد علمتم أنّ الإخفاء و الإعلان سيّان في علمي لا تفاوت بينهما.و أنا مطّلع رسولي على ما تسرّون.(4:89)

نحوه أبو السّعود(6:235)،و البروسويّ (9:474).

الطّبرسيّ: لا يخفى عليّ شيء من ذلك فأطّلع رسولي عليه.(5:270)

الفخر الرّازيّ: قال تعالى: بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ و لم يقل:بما أسررتم و ما أعلنتم،مع أنّه أليق بما سبق و هو(تسرون.)

فنقول:فيه من المبالغة ما ليس في ذلك،فإنّ الإخفاء أبلغ من الإسرار دلّ عليه قوله: يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى طه:7،أي أخفى من السّرّ.

قال: بِما أَخْفَيْتُمْ قدّم العلم بالإخفاء على الإعلان،مع أنّ ذلك مستلزم لهذا من غير عكس.

فنقول:هذا بالنّسبة إلى علمنا،لا بالنّسبة إلى علمه تعالى؛إذ هما سيّان في علمه كما مرّ،و لأنّ المقصود بيان ما هو الأخفى و هو الكفر،فيكون مقدّما.

(29:299)

ص: 604

الآلوسيّ: و قوله تعالى: وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ في موضع الحال،و أَعْلَمُ أفعل تفضيل،و المفضّل عليه محذوف،أي منكم.(28:68)

ابن عاشور :و جملة وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ في موضع الحال من ضمير تُسِرُّونَ أو معترضة،و الواو اعتراضيّة.

و هذا مناط التّعجيب من فعل المعرّض به و هو حاطب بن أبي بلتعة.و تقديم الإخفاء لأنّه المناسب لقوله: وَ أَنَا أَعْلَمُ و لموافقته للقصّة.و أَعْلَمُ اسم تفضيل و المفضّل عليه معلوم،من قوله: تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ فالتّقدير:أعلم منهم و منكم بما أخفيتم و ما أعلنتم،و الباء متعلّقة باسم التّفضيل،و هي بمعنى المصاحبة.(28:123)

الطّباطبائيّ: أنا أعلم بما أخفيتم و ما أظهرتم،أي أنا أعلم بقولكم و فعلكم علما يستوي بالنّسبة إليه إخفاؤكم و إظهاركم.

و منه يعلم أنّ قوله: بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ معا يفيدان معنى واحدا،و هو استواء الإخفاء و الإعلان عنده تعالى،لإحاطته بما ظهر و ما بطن، فلا يرد أنّ ذكر(ما اخفيتم)يغني عن ما أَعْلَنْتُمْ لأنّ العالم بما خفي عالم بما ظهر بطريق أولى.

(19:228)

اخفى

فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. السّجدة:17

الحسن :أخفوا عملا في الدّنيا،فأثابهم اللّه بأعمالهم.(الطّبريّ 10:244)

أخفى لهم بالخفية خفية،و بالعلانية:علانية.

(الحربيّ 2:846)

الفرّاء: و قوله: ما أُخْفِيَ و كلّ ينصب بالياء، لأنّه فعل ماض،كما تقول:أهلك الظّالمون.

و قرأها حمزة: (ما اخفى لهم من قرّة اعين) بإرسال«الياء»و في قراءة عبد اللّه (ما نخفى لهم من قرّة اعين) فهذا اعتبار و قوّة لحمزة.و كلّ صواب.

و إذا قلت: أُخْفِيَ لَهُمْ و جعلت(ما)في مذهب «أيّ»كانت(ما)رفعا بما لم تسمّ فاعله.و من قرأ (اخفى لهم) بإرسال«الياء»و جعل(ما)في مذهب «أيّ»كانت نصبا في(اخفى)و(نخفى).و من جعلها بمنزلة الشّيء أوقع عليها(تعلم)فكانت نصبا في كلّ الوجوه.(2:332)

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ فقرأ ذلك بعض المدنيّين و البصريّين و بعض الكوفيّين: أُخْفِيَ بضمّ الألف و فتح الياء،بمعنى«فعل»،و قرأ بعض الكوفيّين (اخفى لهم) بضمّ الألف و إرسال الياء،بمعنى«أفعل»، أخفى لهم أنا.

و الصّواب من القول في ذلك عندنا:أنّهما قراءتان مشهورتان،متقاربتا المعنى،لأنّ اللّه إذا أخفاه فهو مخفيّ، و إذا أخفي فليس له مخف غيره.و(ما)في قوله:

فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ فإنّها إذا جعلت بمعنى«الّذي»كانت نصبا بوقوع تَعْلَمُ عليها،كيف قرأ القارئ(اخفى)،و إذا وجّهت إلى معنى«أيّ»كانت

ص: 605

رفعا إذا قرئ أُخْفِيَ بنصب الياء و ضمّ الألف،لأنّه لم يسمّ فاعله،و إذا قرئ(اخفى)بإرسال الياء كانت نصبا بوقوع(اخفى)عليها.(10:245)

نحوه الزّجّاج.(4:207)

الطّوسيّ: تحتمل(ما)في قوله: ما أُخْفِيَ أن تكون بمعنى«الّذي»و يكون موضعها النّصب،و يحتمل أن تكون بمعنى«أن»و يكون موضعها الرّفع،و تكون الجملة في موضع نصب،و المعنى ليس يعلم أحد كنه ما أعدّ اللّه لهؤلاء المؤمنين الّذين تقدّم وصفهم من أنواع اللّذّات و الأشياء الّتي تقرّ أعينهم بها على كنه معرفتها.

(8:303)

الزّمخشريّ: ما أُخْفِيَ لَهُمْ على البناء للمفعول،(ما اخفى لهم)على البناء للفاعل،و هو اللّه سبحانه.و(ما اخفى لهم)و(ما نخفى لهم)و(ما اخفيت لهم)،الثّلاثة للمتكلّم،و هو اللّه سبحانه،و(ما) بمعنى«الّذي»أو بمعنى«أيّ»...

و المعنى:لا تعلم النّفوس كلّهنّ و لا نفس واحدة منهنّ،لا ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل أيّ نوع عظيم من الثّواب ادّخر اللّه لأولئك،و أخفاه من جميع خلائقه، لا يعلمه إلاّ هو ممّا تقرّ به عيونهم،و لا مزيد على هذه العدّة و لا مطمح وراءها.(3:243)

نحوه النّيسابوريّ.(21:66)

الطّبرسيّ: أي لا يعلم أحد ما خبئ لهؤلاء الّذين ذكروا ممّا تقرّ به أعينهم...

و قد قيل:في فائدة الإخفاء وجوه:

أحدها:أنّ الشّيء إذا عظم خطره و جلّ قدره لا تستدرك صفاته على كنهه إلاّ بشرح طويل،و مع ذلك فيكون إبهامه أبلغ.

و ثانيها:أنّ قرّة العيون غير متناهية،فلا يمكن إحاطة العلم بتفاصيلها.

و ثالثها:أنّه جعل ذلك في مقابلة صلاة اللّيل و هي خفيّة،فكذلك ما بإزائها من جزائها.(4:331)

البروسويّ: في الحقيقة أنّ ما أُخْفِيَ لَهُمْ إنّما هو جمالهم،فقد أخفي عنهم لعينهم،فإنّ العين حقّ.

فاعلم أنّه ما دام أن تكون عينكم الفانية باقية، يكون جمالكم الباقي مخفيّا عنكم،لئلاّ تصيبه عينكم، فلو طلع صبح سعادة التّلاقي،و ذهب بظلمة البين من البين،و تبدّلت العين بالعين،فذهب الجفاء و ظهر الخفاء و دام اللّقاء.(7:121)

ابن عاشور :أي لا تبلغ نفس من أهل الدّنيا معرفة ما أعدّ اللّه لهم.و عبّر عن تلك النّعم ب ما أُخْفِيَ لأنّها مغيبة لا تدرك إلاّ في عالم الخلود.

(21:162)

عبد الكريم الخطيب :و في قوله تعالى: ما أُخْفِيَ لَهُمْ إشارة إلى أنّ هذا النّعيم،لا يخطر على بالهم،و لا يقع في تصوّرهم،لأنّه ممّا لا شبيه له،فيما يعرف النّاس من نعيم الدّنيا،فهو-و الحال كذلك- أشبه بالشّيء الخفيّ،الّذي لا تعلم حقيقته.(11:619)

و لاحظ:ق ر ر:«قرّة».

يخفين

...وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ... النّور:31

ص: 606

المصطفويّ: يشير بإخفاء الزّينة إلى ما يحرّم عليهنّ من إبداء الزّينة(و لا يبدين زينتهن)و قلنا:

إنّ الإخفاء ضدّ الإبداء،و سبق في«الحليّ»:أنّ الزّينة أعمّ ممّا يكون من عضو داخليّ أو بعارض خارجيّ.

و المراد من الزّينة هنا:ما يعلم في أثر الحركة من صوت الخلخال أو زينة أخرى داخليّة.و هذه الجملة آكد دلالة و أبلغ في لزوم الحجاب و وجوبه.(3:96)

راجع:ض ر ب:«لا يضربن»و:ر ج ل:«ارجلهنّ»

تخفون

1- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ.

..المائدة:15

ابن عبّاس: من صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و نعته و الرّجم و غير ذلك.(90)

نحوه الزّمخشريّ.(1:601)

القمّيّ: يبيّن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما أخفيتموه ممّا في التّوراة من أخباره،و يدع كثيرا لا يبيّنه.(1:164)

القشيريّ: وصف الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بإظهار بعض ما أخفوه،و ذلك علامة على صدقه؛إذ لو لا صدقة لما عرف ذلك.(2:108)

الفخر الرّازيّ: وصف الرّسول بأمرين:

الأوّل:أنّه يبيّن لهم كثيرا ممّا كانوا يخفون.[و نقل قول ابن عبّاس و أضاف:]

و هذا معجز لأنّه عليه الصّلاة و السّلام لم يقرأ كتابا و لم يتعلّم علما من أحد،فلمّا أخبرهم بأسرار ما في كتابهم كان ذلك إخبارا عن الغيب،فيكون معجزا.

الوصف الثّاني:للرّسول قوله: وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (11:189)

و هكذا جاء في أكثر التّفاسير،لاحظ:الآلوسيّ (6:97)،و رشيد رضا(6:303)،و الطّباطبائيّ(5:

243).

2- ...قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَ هُدىً لِلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً... الأنعام:91

ابن عبّاس: يعني تكتمون كثيرا ما فيه صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و نعته.(114)

الفرّاء: تبدون ما تحبّون،و تكتمون صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:343)

الطّبريّ: يبدون كثيرا ممّا يكتبون في القراطيس فيظهرونه للنّاس،و يخفون كثيرا ممّا يثبتونه في القراطيس فيسرّونه و يكتمونه النّاس.(5:265)

الزّجّاج: يظهرون ما يحبّون من ذلك و يخفون كثيرا.(2:271)

القمّيّ: يعني تقرءون ببعضها، وَ تُخْفُونَ كَثِيراً يعني من أخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.(1:210)

الماورديّ: يعني أنّهم يخفون ما في كتابهم من نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و صفته و صحّة رسالته.(2:142)

الطّوسيّ: موضع قوله: تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً يحتمل أمرين:

أحدهما:أن يكون صفة القراطيس،لأنّ النّكرة

ص: 607

توصف بالجمل.

و الآخر:أن نجعله حالا من ضمير الكتاب من قوله: تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ على أن تجعل القراطيس الكتاب في المعنى،لأنّه مكتوب فيها.

تبدون بعضها و تخفون بعضها يعني ما في الكتب من صفات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و البشارة به.(4:213)

نحوه الطّبرسيّ.(2:333)

البغويّ: أي تبدون ما تحبّون،و تخفون كثيرا من نعت محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و آية الرّجم.(2:143)

نحوه الخازن.(2:131)

ابن عطيّة: توبيخهم بالإبداء و الإخفاء،هو على إخفائهم آيات محمّد عليه السّلام و الإخبار بنبوّته،و جميع ما عليهم فيه حجّة.(2:321)

نحوه أبو حيّان.(4:178)

البيضاويّ: إنّما قرأ بالياء ابن كثير و أبو عمرو، حملا على(قالوا)و(ما قدروا)و تضمين ذلك توبيخهم على سوء جهلهم بالتّوراة،و ذمّهم على تجزئتها بإبداء بعض ما انتخبوه و كتبوه في و رقات متفرّقة،و إخفاء بعض لا يشتهونه.(1:320)

نحوه النّسفيّ(2:22)،و الكاشانيّ(2:138).

الشّربينيّ: أي يظهرون ما يحبّون إظهاره منها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً أي ممّا كتبوه في القراطيس،و هو ما عندهم من صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و ممّا أخفوه أيضا آية الرّجم،و كانت مكتوبة عندهم في التّوراة.(1:435)

نحوه البروسويّ.(3:63)

أبو السّعود :قوله تعالى: تُبْدُونَها صفة ل قَراطِيسَ، و قوله تعالى: وَ تُخْفُونَ كَثِيراً معطوف عليه،و العائد إلى الموصول محذوف،أي كثيرا منها.

و قيل:كلام مبتدأ لا محلّ له من الإعراب،و المراد بالكثير نعوت النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،و سائر ما كتموه من أحكام التّوراة.و قرئ الأفعال الثّلاثة بالياء حملا على(قالوا)و(ما قدروا).(2:414)

نحوه الآلوسيّ.(7:220)

ابن عاشور :و قوله: تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً صفة ل قَراطِيسَ، أي تبدون بعضها و تخفون كثيرا منها،ففهم أنّ المعنى:تجعلونه قراطيس لغرض إبداء بعض و إخفاء بعض.

و هذه الصّفة في محلّ الذّمّ،فإنّ اللّه أنزل كتبه للهدى،و الهدى بها متوقّف على إظهارها و إعلانها، فمن فرّقها ليظهر بعضا و يخفي بعضا فقد خالف مراد اللّه منها.فأمّا لو جعلوه قراطيس لغير هذا المقصد،لما كان فعلهم مذموما،كما كتب المسلمون القرآن في أجزاء منفصلة لقصد الاستعانة على القراءة،و كذلك كتابة الألواح في الكتاتيب لمصلحة.(6:213)

مغنيّة:أي إنّكم حرّفتم التّوراة،فأبديتم ما يتّفق مع أهوائكم،و أخفيتم ما لا يتّفق معها،و معلوم أنّ الّذين حرّفوا التّوراة هم اليهود،لا مشركو العرب.

(3:223)

فضل اللّه :لعلّ من الواضح أنّ الذّمّ لليهود لم يكن لكتابتهم التّوراة في القراطيس،بل إنّ المسألة تتّصل بهذا النّوع من توزيع آيات التّوراة على القراطيس

ص: 608

المتفرّقة،لا في كتاب واحد،ممّا يمكنهم من إبداء البعض و إخفاء الآخر،إذا طالبهم النّاس بالحجّة على بعض ما يختلفون فيه معهم،ممّا أثبتته التّوراة و أنكروه.

(9:222)

اخفيها

إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى. طه:15

ابن عبّاس: لا أظهر عليها أحدا غيري.

(الطّبريّ 8:401)

من نفسي.

مثله مجاهد و سعيد بن جبير.(الطّبريّ 8:402)

قتادة :قوله: أَكادُ أُخْفِيها و هي في بعض القراءة (اخفيها من نفسى) .و لعمري لقد أخفاها اللّه من الملائكة المقرّبين،و من الأنبياء المرسلين.

(الطّبريّ 8:402)

زيد بن عليّ: و قوله: أَكادُ أُخْفِيها معناه:

أظهرها.و أخفيها:أكتمها و هما ضدّ،و خفيت:

أظهرت.(270)

السّدّيّ: ليس من أهل السّماوات و الأرض أحد إلاّ قد أخفى اللّه عنه علم السّاعة.(344)

الفرّاء: قرأت القرّاء أَكادُ أُخْفِيها بالضّمّ.و في قراءة ابيّ (انّ السّاعة آتية اكاد اخفيها من نفسى فكيف اظهركم عليها) .و قرأ سعيد بن جبير(اخفيها) بفتح الألف.من خفيت.و خفيت:أظهرت و خفيت:

سترت.(2:176)

أبو عبيدة : أَكادُ أُخْفِيها له موضعان:موضع كتمان و موضع إظهار،كسائر حروف الأضداد.

[و استشهد بشعرين](2:17)

ابن قتيبة :أي أسترها من نفسي.(277)

الطّبريّ: أَكادُ أُخْفِيها فعلى ضمّ الألف من أخفيها قراءة جميع قرّاء أمصار الإسلام،بمعنى أكاد أخفيها من نفسي،لئلاّ يطّلع عليها أحد،و بذلك جاء تأويل أكثر أهل العلم.

و قال آخرون:إنّما هو(اكاد اخفيها)بفتح الألف من(اخفيها)بمعنى أظهرها.

و الّذي هو أولى بتأويل الآية من القول،قول من قال:معناه أكاد أخفيها من نفسي،لأنّ تأويل أهل التّأويل بذلك جاء.و الّذي ذكر عن سعيد بن جبير:

من قراءة ذلك بفتح الألف،قراءة لا أستجيز القراءة بها،لخلافها قراءة الحجّة الّتي لا يجوز خلافها،فيما جاءت به نقلا مستفيضا.

فإن قال قائل:و لم وجّهت تأويل قوله: أَكادُ أُخْفِيها بضمّ الألف إلى معنى أكاد أخفيها من نفسي، دون توجيهه إلى معنى أكاد أظهرها،و قد علمت أنّ للإخفاء في كلام العرب وجهين:أحدهما:الإظهار، و الآخر:الكتمان،و أنّ الإظهار في هذا الموضع أشبه بمعنى الكلام؛إذ كان الإخفاء من نفسه يكاد عند السّامعين أن يستحيل معناه؛إذ كان محالا أن يخفي أحد عن نفسه شيئا هو به عالم،و اللّه تعالى ذكره لا يخفى عليه خافية؟

قيل:الأمر في ذلك بخلاف ما ظننت،و إنّما وجّهنا معنى أُخْفِيها بضمّ الألف إلى معنى أسترها من

ص: 609

نفسي،لأنّ المعروف من معنى الإخفاء في كلام العرب:

السّتر.يقال:قد أخفيت الشّيء،إذا سترته.و إنّ الّذين وجّهوا معناه إلى الإظهار،اعتمدوا على بيت لامرئ القيس ابن عابس الكنديّ.

حدّثت عن معمر بن المثنّى أنّه قال:أنشدنيه أبو الخطّاب عن أهله في بلده:

فإن تدفنوا الدّاء لا نخفه

و إن تبعثوا الحرب لا نقعد

بضمّ النّون من«لا نخفه»،و معناه لا نظهره،فكان اعتمادهم في توجيه الإخفاء في هذا الموضع إلى الإظهار،على ما ذكروا من سماعهم هذا البيت،على ما وصفت من ضمّ النّون من«نخفه».

و قد أنشدني الثّقة عن الفرّاء:

*فإن تدفنوا الدّاء لا نخفه*

بفتح النّون من«نخفه»من خفيته أخفيه،و هو أولى بالصّواب،لأنّه المعروف من كلام العرب.فإذا كان ذلك كذلك،و كان الفتح في الألف من أُخْفِيها غير جائز عندنا لما ذكرنا،ثبت و صحّ الوجه الآخر، و هو أنّ معنى ذلك أكاد أسترها من نفسي.

و أمّا وجه صحّة القول في ذلك،فهو أنّ اللّه تعالى ذكره،خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم و جرى به خطابهم بينهم،فلمّا كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مسرّ:قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدّة استسراري به،و لو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته.خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم،و ما قد عرفوه في منطقهم.

و قد قيل في ذلك أقوال غير ما قلنا،و إنّما اخترنا هذا القول على غيره من الأقوال،لموافقة أقوال أهل العلم من الصّحابة و التّابعين،إذ كنّا لا نستجيز الخلاف عليهم،فيما استفاض القول به منهم،و جاء عنهم مجيئا يقطع العذر.

فأمّا الّذين قالوا في ذلك غير قولنا،ممّن قال فيه على وجه الانتزاع من كلام العرب،من غير أن يعزوه إلى إمام من الصّحابة أو التّابعين،و على وجه يحتمل الكلام غير وجهه المعروف،فإنّهم اختلفوا في معناه بينهم،فقال بعضهم:يحتمل معناه:أريد أخفيها،قال:

و ذلك معروف في اللّغة،و ذكر أنّه حكي عن العرب أنّهم يقولون:«أولئك أصحابي الّذين أكاد أنزل عليهم» و قال:معناه لا أنزل إلاّ عليهم.

قال:و حكي«أكاد أبرح منزلي»أي ما أبرح منزلي و احتجّ ببيت أنشده لبعض الشّعراء:

كادت و كدت و تلك خير إرادة

لو عاد من عهد الصّبابة ما مضى

و قال:يريد ب«كادت»:أرادت،قال:فيكون المعنى أريد أخفيها لتجزى كلّ نفس بما تسعى.

قال:و ممّا يشبه ذلك قول زيد الخيل:

سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه

فما إن يكاد قرنه يتنفّس

و قال:كأنّه قال:فما يتنفّس قرنه،و إلاّ ضعف المعنى.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

ص: 610

و قال آخرون:بل معنى ذلك إنّ السّاعة آتية أكاد،قال:و انتهى الخبر عند قوله:«أكاد»،لأنّ معناه:

أكاد أن آتي بها،قال:ثمّ ابتدأ فقال:و لكنّي أخفيها لتجزى كلّ نفس بما تسعى.

قال:و ذلك نظير قول ابن ضابئ:

هممت و لم أفعل و كدت و ليتني

تركت على عثمان تبكي أقاربه

فقال:«كدت»،و معناه:كدت أفعل.

و قال آخرون:معنى أُخْفِيها أظهرها.و قالوا:

الإخفاء و الإسرار قد توجّههما العرب إلى معنى الإظهار،و استشهد بعضهم لقوله ذلك ببيت الفرزدق:

فلمّا رأى الحجّاج جرّد سيفه

أسرّ الحروريّ الّذي كان أضمرا

و قال:عنى بقوله:«أسرّ»:أظهر.قال:و قد يجوز أن يكون معنى قوله: وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ يونس:54، و سبأ:33 و أظهروها.قال:و ذلك أنّهم قالوا: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا الأنعام:27.

و قال:جميع هؤلاء الّذين حكينا قولهم جائز أن يكون قول من قال:معنى ذلك:أكاد أخفيها من نفسي، أن يكون:أراد أخفيها من قبلي و من عندي.

و كلّ هذه الأقوال الّتي ذكرنا عمّن ذكرنا توجيه منهم للكلام إلى غير وجهه المعروف،و غير جائز توجيه معاني كلام اللّه إلى غير الأغلب عليه من وجوهه عند المخاطبين به،ففي ذلك مع خلافهم تأويل أهل العلم فيه شاهد عدل على خطإ ما ذهبوا إليه فيه.

(8:401)

السّجستانيّ: أُخْفِيها :أسترها و أظهرها أيضا و هو من الأضداد من أخفيت،و أخفيها:أظهرها أيضا لا غير،من خفيت.(119)

ابن الأنباريّ: و المعنى في إخفائها:التّهويل و التّخويف،لأنّ النّاس إذا لم يعلموا متى تقوم السّاعة كانوا على حذر منها كلّ وقت.(الواحديّ 3:203)

الشّريف الرّضيّ: و هذه استعارة على أحد التّأويلين،و هو ممّا سمعته من شيخنا أبي الفتح النّحويّ-عفا اللّه عنه-قال:الّذي عليه حذّاق أصحابنا:أنّ(كاد)هاهنا على بابها من معنى المقاربة.

إلاّ أنّ قوله تعالى: أُخْفِيها يؤول إلى معنى الإظهار.

لأنّ المراد به:أكاد أسلبها خفاءها.

و الخفاء:الغشاء و الغطاء.مأخوذ من خفاء القربة،و هو الغشاء الّذي يكون عليها.

فإذا سلب عن السّاعة غطاؤها المانع من تجلّيها، ظهرت للنّاس فرأوها،فكأنّه تعالى قال:أكاد أظهرها.[ثمّ استشهد بشعر]

و على التّأويل الآخر:يبعد الكلام عن طريق الاستعارة،و هو أن يكون أَكادُ هاهنا بمعنى«أريد»،كما قلنا فيما مضى،و من الشّواهد على ذلك قول الشّاعر:

أ منخرم شعبان لم تقض حاجة

من الحاجّ كنّا في الأصمّ نكيدها

أي كنّا نريدها في رجب.و يكون أُخْفِيها على موضوعه من غير أن يعكس عن وجهه،و يكون المعنى إنّ السّاعة آتية أريد أستر وقت مجيئها،لما في

ص: 611

ذلك من المصلحة.لأنّه إذا كان المراد بإقامتها المجازاة على الأفعال،و المؤاخذة بالأعمال،كان الحكمة في إخفاء وقتها،ليكون الخلق في كلّ حين و زمان على حذر من مجيئها،و وجل من بغتتها،فيستعدّوا قبل حلولها،و يمهّدوا قبل نزولها.و يقوّي ذلك قوله سبحانه: لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى طه:15.

(تلخيص البيان:107)

الطّوسيّ: أي لا أذكرها بأنّها آتية،كما قال تعالى: لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً الأعراف:187،

و قيل: أُخْفِيها بضمّ الألف بمعنى أظهرها.[ثمّ استشهد بشعر](7:165)

الواحديّ: قال أكثر المفسّرين:أخفيها من نفسي،و هو قول سعيد بن جبير و مجاهد و قتادة.قال قطرب و المبرّد:هذا على عادة مخاطبة العرب،يقولون إذا بالغوا في كتمان الشّيء:كتمته حتّى من نفسي،أي لم أطّلع عليه أحدا،و معنى الآية أنّ اللّه بالغ في إخفاء السّاعة فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب.(3:203)

نحوه الطّبرسيّ.(4:6)

الزّمخشريّ: أي أكاد أخفيها فلا أقول:هي آتية،لفرط إرادتي إخفاءها،و لو لا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللّطف لما أخبرت به.

و قيل:معناه:أكاد أخفيها من نفسي،و لا دليل في الكلام على هذا المحذوف،و محذوف لا دليل عليه مطرح،و الّذي غرّهم منه أنّ في مصحف أبيّ(اكاد اخفيها من نفسى)،و في بعض المصاحف(اكاد أخفيها من نفسى فكيف اظهركم عليها).[ثمّ نقل قول سعيد بن جبير و أضاف:]و قد جاء في بعض اللّغات:أخفاه بمعنى خفاه،و به فسّر بيت امرئ القيس:

فإن تدفنوا الدّاء لا نخفيه

و إن تبعثوا الحرب لا نقعد

ف أَكادُ أُخْفِيها محتمل للمعنيين.(2:532)

نحوه النّسفيّ.(3:50)

ابن عطيّة: قرأ ابن كثير و الحسن و عاصم (اكاد اخفيها) بفتح الهمزة بمعنى أظهرها،أي إنّها من صحّة وقوعها و تيقّن كونه تكاد تظهر،لكن تنحجب إلى الأجل المعلوم.و العرب تقول:خفيت الشّيء،بمعنى أظهرته.[إلى أن قال:]

و اختلف المتأوّلون في معنى الآية،فقالت فرقة:

معناه أظهرها،و«أخفيت»من الأضداد،و هذا قول مختلّ.

و قالت فرقة:معناه،أكاد أخفيها من نفسي،على معنى العبارة عن شدّة غموضها على المخلوقين.

فقالت فرقة:المعنى إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ و ثمّ الكلام،بمعنى:أكاد أنفذها لقربها و صحّة وقوعها،ثمّ استأنف الإخبار بأنّه يخفيها؛و هذا قلق.

و قالت فرقة: أَكادُ زائدة لا دخول لها في المعنى،بل تضمّنت الآية الإخبار بأنّ السّاعة آتية، و أنّ اللّه يخفي وقت إتيانها عن النّاس.

و قالت فرقة: أَكادُ بمعنى أريد،فالمعنى:أريد إخفاءها عنكم.

و قالت فرقة: أَكادُ على بابها بمعنى أنّها مقاربة ما لم يقع،لكنّ الكلام جار على استعارة العرب

ص: 612

و مجازها،فلمّا كانت الآية عبارة عن شدّة خفاء أمر القيامة و وقتها،و كان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النّفوس،بالغ قوله تعالى في إبهام وقتها، فقال: أَكادُ أُخْفِيها حتّى لا تظهر البتّة.و لكن ذلك لا يقع،و لا بدّ من ظهورها.

هذا تلخيص هذا المعنى الّذي أشار إليه بعض المفسّرين،و هو الأقوى عندي.و رأى بعض القائلين بأنّ المعنى أكاد أخفيها من نفسي ما في القول من القلق، فقالوا:معنى من نفسي:من تلقائي و من عندي،و هذا رفض للمعنى الأوّل،و رجوع إلى هذا القول الّذي اخترناه أخيرا فتأمّله.(4:40)

أبو البركات: أُخْفِيها فيه وجهان:

أحدهما:أن تكون الهمزة فيه همزة السّلب،أي أريد:إخفائها،كما تقول:أشكيت الرّجل،إذا أزلت شكايته،و أعجمت الكتاب،إذا أزلت عجمته.

و الثّاني:أن يكون المعنى،أنّ السّاعة أكاد أخفيها عن نفسي،فكيف أظهرها لكم؟(2:139)

الفخر الرّازيّ: فيه سؤالان:

السّؤال الأوّل:هو أنّ«كاد»نفيه إثبات و إثباته نفي،بدليل قوله: وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ البقرة:71، أي و فعلوا ذلك،فقوله: أَكادُ أُخْفِيها يقتضي أنّه ما أخفاها؛و ذلك باطل لوجهين:

أحدهما:قوله: إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ لقمان:34.

و الثّاني:أنّ قوله: لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى إنّما يليق بالإخفاء لا بالإظهار.

و الجواب من وجوه:

أحدها:أنّ«كاد»موضوع للمقاربة فقط من غير بيان النّفيّ و الإثبات،فقوله: أَكادُ أُخْفِيها معناه:

قرب الأمر فيه من الإخفاء.و أمّا أنّه هل حصل ذلك الإخفاء أو ما حصل؟فذلك غير مستفاد من اللّفظ،بل من قرينة قوله: لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى فإنّ ذلك إنّما يليق بالإخفاء لا بالإظهار.

و ثانيها:أنّ«كاد»من اللّه واجب،فمعنى قوله:

أَكادُ أُخْفِيها أي أنا أخفيها عن الخلق كقوله:

عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً الإسراء:51،أي هو قريب قاله الحسن.

و ثالثها:قال أبو مسلم: أَكادُ بمعنى أريد،و هو كقوله: كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ يوسف:76،و من أمثالهم المتداولة:لا أفعل ذلك و لا أكاد،أي و لا أريد أن أفعله.

و رابعها:معناه أكاد أخفيها من نفسي.و قيل:إنّها كذلك في مصحف أبيّ،و في حرف ابن مسعود(اكاد اخفيها من نفسي فكيف اعلنها لكم).قال القاضي:

هذا بعيد،لأنّ الإخفاء إنّما يصحّ فيمن يصلح له الإظهار،و ذلك مستحيل على اللّه تعالى،لأنّ كلّ معلوم معلوم له،فالإظهار و الإسرار منه مستحيل.

و يمكن أن يجاب عنه:بأنّ ذلك واقع على التّقدير، يعني لو صحّ منّي إخفاؤه على نفسي لأخفيته عنّي.

و الإخفاء و إن كان محالا في نفسه إلاّ أنّه لا يمتنع أن يذكر ذلك على هذا التّقدير،مبالغة في عدم اطّلاع الغير عليه.قال قطرب:هذا على عادة العرب في

ص: 613

مخاطبة بعضهم بعضا،يقولون:إذا بالغوا في كتمان الشّيء:كتمته حتّى من نفسي،فاللّه تعالى بالغ في إخفاء السّاعة،فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب في مثله.

و خامسها: أَكادُ صلة في الكلام،و المعنى أنّ السّاعة آتية أخفيها.

و سادسها:قال أبو الفتح الموصليّ: أَكادُ أُخْفِيها تأويله:أكاد أظهرها.و تلخيص هذا اللّفظ أَكادُ :أزيل عنها إخفاءها،لأنّ«أفعل»قد يأتي بمعنى السّلب و النّفي،كقولك:أعجمت الكتاب، و أشكلته،أي أزلت عجمته و إشكاله،و أشكيته أي أزلت شكواه.

و سابعها:قرئ (اخفيها) ،بفتح الألف،أي أكاد أظهرها من خفاه إذا أظهره،أي قرب إظهارها،كقوله:

اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ القمر:1.

قال الزّجّاج:و هذه القراءة أبين،لأنّ معنى أَكادُ :أظهرها،يفيد أنّه قد أخفاها.

و ثامنها:أراد أنّ السّاعة آتية أكاد،و انقطع الكلام،ثمّ قال: أُخْفِيها ثمّ رجع الكلام الأوّل،إلى أنّ الأولى،الإخفاء: لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى و هذا الوجه بعيد،و اللّه أعلم.

السّؤال الثّاني:ما الحكمة في إخفاء السّاعة و إخفاء وقت الموت؟

الجواب:لأنّ اللّه تعالى وعد قبول التّوبة،فلو عرف وقت الموت لاشتغل بالمعصية إلى قريب من ذلك الوقت،ثمّ يتوب فيتخلّص من عقاب المعصية،فتعريف وقت الموت كالإغراء بفعل المعصية،و إنّه لا يجوز.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](22:21)

نحوه النّيسابوريّ.(16:99)

القرطبيّ: قوله تعالى: إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى آية مشكلة، فروي عن سعيد بن جبير أنّه قرأ (اكاد اخفيها) بفتح الهمزة،قال:أظهرها. لِتُجْزى أي الإظهار للجزاء...

قلت:و أمّا قراءة ابن جبير (اخفيها) ...قال الفرّاء:

معناه أظهرها من خفيت الشّيء أخفيه،إذا أظهرته.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قد قال بعض اللّغويين:يجوز أن يكون أُخْفِيها بضمّ الهمزة،معناه أظهرها،لأنّه يقال:

خفيت الشّيء و أخفيته،إذا أظهرته،ف«أخفيته»من حروف الأضداد يقع على السّتر و الإظهار.

و قال أبو عبيدة:خفيت و أخفيت بمعنى واحد.

النّحّاس:و هذا حسن،و قد حكاه عن أبي الخطّاب و هو رئيس من رؤساء اللّغة لا يشكّ في صدقه،و قد روى عنه سيبويه...

و قال أبو بكر الأنباريّ: و تفسير للآية آخر: (1)

إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ انقطع الكلام على أَكادُ و بعده مضمر:أكاد آتى بها،و الابتداء أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ. [ثمّ استشهد بشعر]

قلت:هذا الّذي اختاره النّحّاس،و زيّف القول الّذي قبله،فقال:يقال:خفى الشّيء يخفيه،إذا أظهره،ة.

ص: 614


1- الظّاهر:و تفسير آخر للآية.

و قد حكى أنّه يقال:أخفاه أيضا،إذا أظهره،و ليس بالمعروف.قال:و قد رأيت عليّ بن سليمان لمّا أشكل عليه معنى أُخْفِيها عدل إلى هذا القول،و قال:

معناه كمعنى(أخفيها).

قال النّحّاس:ليس المعنى على أظهرها و لا سيّما و (أخفيها) قراءة شاذّة،فكيف تردّ القراءة الصّحيحة الشّائعة إلى الشّاذّة،و معنى المضمر أولى،و يكون التّقدير:إنّ السّاعة آتية أكاد آتي بها،و دلّ:(آتية) على آتي بها،ثمّ قال: أُخْفِيها على الابتداء.

و هذا معنى صحيح،لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد أخفى السّاعة الّتي هي القيامة،و السّاعة الّتي يموت فيها الإنسان،ليكون الإنسان يعمل،و الأمر عنده مبهم،فلا يؤخّر التّوبة.

قلت:و على هذا القول تكون«اللاّم»في لِتُجْزى متعلّقة ب أُخْفِيها.

و قال أبو عليّ: هذا من باب السّلب و ليس من باب الأضداد،و معنى أُخْفِيها :أزيل عنها خفاءها، و هو سترها كخفاء الأخفية و هي الأكسية-و الواحد:

خفاء بكسر الخاء:ما تلفّ به القربة-و إذا زال عنها سترها ظهرت.و من هذا قولهم:أشكيته،أي أزلت شكواه،و أعديته،أي قبلت استعداءه و لم أحوجه إلى إعادته.

و حكى أبو حاتم عن الأخفش:أنّ«كاد»زائدة مؤكّدة.قال:و مثله إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها :

النّور:40،لأنّ الظّلمات الّتي ذكرها اللّه تعالى بعضها يحول بين النّاظر و المنظور إليه.و روى معناه عن ابن جبير،و التّقدير:إنّ السّاعة آتية أخفيها لتجزى كلّ نفس بما تسعى.

و قيل:المعنى أَكادُ أُخْفِيها أي أقارب ذلك، لأنّك إذا قلت:كاد زيد يقوم،جاز أن يكون قام،و أن يكون لم يقم.و دلّ على أنّه قد أخفاها بدلالة غير هذه على هذا الجواب.

قال اللّغويّون:«كدت أفعل»معناه عند العرب:

قاربت الفعل و لم أفعل،و«ما كدت أفعل»معناه:

فعلت بعد إبطاء.و شاهد قول اللّه عزّت عظمته:

فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ البقرة:71،معناه:

و فعلوا بعد إبطاء،لتعذّر وجدان البقرة عليهم.و قد يكون«ما كدت أفعل»بمعنى:ما فعلت و لا قاربت إذا أكّد الكلام ب أَكادُ. و قيل معنى أَكادُ أُخْفِيها :

أريد أخفيها...

و قال ابن عبّاس و أكثر المفسّرين فيما ذكره الثّعلبيّ: إنّ المعنى:أكاد أخفيها من نفسي،و كذلك هو في مصحف أبيّ.و في مصحف ابن مسعود:(اكاد اخفيها من نفسى فكيف يعلمها مخلوق.)

و في بعض القراءات(فكيف أظهرها لكم).و هذا محمول على أنّه جاء على ما جرت به عادة العرب في كلامها،من أنّ أحدهم إذا بالغ في كتمان الشّيء قال:

كدت أخفيه من نفسي.و اللّه تعالى لا يخفى عليه شيء، قال معناه قطرب و غيره.

و من هذا الباب قوله صلّى اللّه عليه و سلّم و رجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ:و قيل:معناه...ثمّ قال:]

ص: 615

قلت:و قيل إنّ معنى قول من قال:أكاد أخفيها من نفسى،أي أنّ إخفاءها كان من قبلي و من عندي لا من قبل غيري.[ثمّ حكى قول ابن عبّاس و قال:]

و روي عن سعيد بن جبير قال:قد أخفاها.و هذا على أنّ«كاد»زائدة،.أي إنّ السّاعة آتية أخفيها.

و الفائدة في إخفائها:التّخويف و التّهويل.(11:182)

نحوه الخازن(4:215)،و أبو حيّان(6:230) و الآلوسيّ(16:176).

البيضاويّ: أريد:إخفاء وقتها أو أقرب أن أخفيها،فلا أقول:إنّها آتية،و لو لا ما في الإخبار بإتيانها من اللّطف و قطع الأعذار لما أخبرت به، أو(اكاد اظهرها)،من أخفاه إذا سلب خفاه،و يؤيّده القراءة بالفتح من:خفاه،إذا أظهره.(2:47)

نحوه أبو السّعود.(4:274)

ابن عاشور :جملة أَكادُ أُخْفِيها في موضع الحال من(الساعة)،أو معترضة بين جملة و علّتها.

و الإخفاء:السّتر و عدم الإظهار،و أريد به هنا المجاز عن عدم الإعلام.

و المشهور في الاستعمال أنّ«كاد»تدلّ على مقاربة وقوع الفعل المخبر به عنها،فالفعل بعدها في حيّز الانتفاء،فقوله تعالى: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً الجنّ:19،يدلّ على أنّ كونهم لبدا غير واقع،و لكنّه اقترب من الوقوع.

و لمّا كانت السّاعة مخفيّة الوقوع،أي مخفيّة الوقت،كان قوله: أَكادُ أُخْفِيها غير واضح المقصود،فاختلفوا في تفسيره على وجوه كثيرة،أمثلها ثلاثة:

فقيل:المراد إخفاء الحديث عنها،أي من شدّة إرادة إخفاء وقتها،أي يراد ترك ذكرها،و لعلّ توجيه ذلك أنّ المكذّبين بالسّاعة لم يزدهم تكرّر ذكرها في القرآن إلاّ عنادا على إنكارها.

و قيل:وقعت أَكادُ زائدة هنا بمنزلة زيادة «كان»في بعض المواضع تأكيدا للإخفاء،و المقصود:

أنا أخفيها فلا تأتي إلاّ بغتة.

و تأوّل أبو عليّ الفارسيّ معنى أُخْفِيها بمعنى أظهرها،و قال:همزة أُخْفِيها للإزالة،مثل همزة:

أعجم الكتاب،و أشكى زيدا،أي أزيل خفاءها.

و الخفاء:ثوب تلفّ فيه القربة مستعار للسّتر.

فالمعنى أكاد أظهرها،أي أظهر وقوعها،أي وقوعها قريب.و هذه الآية من غرائب استعمال «كاد»فيضمّ إلى استعمال نفيها في قوله: وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ في سورة البقرة:71.(16:107)

مغنيّة:المراد ب أَكادُ أُخْفِيها أنا أخفيها، و المعنى إنّ اللّه سبحانه أخفى علم السّاعة عن عباده، ليترقّبوا مجيئها في كلّ وقت،فيخافوا منها و يعملوا لها، ثمّ يستوفوا جزاء عملهم،و لا يظلموا شيئا.(5:208)

الطّباطبائيّ: ظاهر إطلاق الإخفاء:أنّ المراد يقرب أن أخفيها و أكتمها،فلا أخبر عنها أصلا حتّى يكون وقوعها أبلغ في المباغتة و أشدّ في المفاجأة،و لا تأتي إلاّ فجأة،كما قال تعالى: لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً الأعراف:187،أو يقرب أن لا أخبر بها حتّى يتميّز المخلصون من غيرهم،فإنّ أكثر النّاس إنّما يعبدونه

ص: 616

تعالى رجاء في ثوابه أو خوفا من عقابه،جزاء للطّاعة و المعصية.و أصدق العمل ما كان لوجه اللّه،لا طمعا في جنّة أو خوفا من نار،و لو أخفى و كتم يوم الجزاء تميّز عند ذلك من يأتي بحقيقة العبادة من غيره.

و قيل:معنى أَكادُ أُخْفِيها أقرب من أن أكتمها من نفسي،و هو مبالغة في الكتمان إذا أراد أحدهم المبالغة في كتمان شيء قال:كدت أخفيه من نفسي، أي فكيف أظهره لغيري؟و عزّي إلى الرّواية.

(14:142)

مكارم الشّيرازيّ: في هذه الجملة نقطتان يجب الالتفات إليهما:

الأولى:أنّ معنى جملة أَكادُ أُخْفِيها يقرب أن أخفي تاريخ قيام القيامة،و لازم هذا التّعبير أنّي لم أخفه من قبل،و نحن نعلم بصريح كثير من آيات القرآن،أنّ أحدا لم يطّلع على تاريخ القيامة،كما في الآية:187،سورة الأعراف؛حيث نقرأ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي. لقد وقع المفسّرون في البحث و النّقاش للإجابة عن هذا السّؤال،فالكثير منهم يعتقد أنّ هذا التّعبير نوع من المبالغة،و معناه:أنّ وقت بدء و قيام القيامة مخفيّ و مجهول إلى الحدّ الّذي أكاد أخفيه حتّى عن نفسي.

و قد وردت في هذا الباب رواية أيضا.و يحتمل أنّ هذه الفئة من المفسّرين قد اقتبسوا رأيهم من تلك الرّواية.

و التّفسير الآخر:هو أنّ مشتقّات«كاد»لا تعني دائما الاقتراب،بل تأتي أحيانا بمعنى التّأكيد بدون أن يكون له معنى الاقتراب،و لذلك فإنّ بعض المفسّرين قد فسّر أَكادُ ب«أريد»و قد جاء هذا المعنى صريحا في بعض متون اللّغة.

و النّقطة الأخرى:أنّ علّة إخفاء تاريخ القيامة حسب الآية،هي لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى و بتعبير آخر:فإنّ كون السّاعة مخفيّة سيوجد نوعا من حرّيّة العمل للجميع.و من جهة أخرى،فإنّ وقتها لمّا لم يكن معلوما بدقّة،و يحتمل أن يكون في أيّ وقت و ساعة،فإنّ نتيجة هذا الخفاء هي حالة الاستعداد الدّائم و التّقبّل السّريع للبرامج التّربويّة،كما قالوا في فلسفة إخفاء ليلة القدر:إنّ المراد أن يحيي النّاس كلّ ليالي السّنة،أو كلّ ليالي شهر رمضان المبارك، و يتوجّهوا إلى اللّه سبحانه.(9:473)

يستخفون-لا يستخفون

يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً. النّساء:108

ابن عبّاس: يَسْتَخْفُونَ يستحون مِنَ النّاسِ بالسّرقة وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ :لا يستحون من اللّه.(79)

الطّبريّ: يستخفي هؤلاء الّذين يختانون أنفسهم،ما أتوا من الخيانة و ركبوا من العار و المعصية، مِنَ النّاسِ الّذين لا يقدرون لهم على شيء إلاّ ذكرهم بقبيح ما أتوا من فعلهم،و شنيع ما ركبوا من جرمهم إذ اطّلعوا عليه،حياء منهم و حذرا من قبيح الأحدوثة، وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ الّذي هو مطّلع

ص: 617

عليهم،لا يخفى عليه شيء من أعمالهم،و بيده العقاب و النّكال و تعجيل العذاب،و هو أحقّ أن يستحى منه من غيره،و أولى أن يعظّم بأن لا يراهم حيث يكرهون أن يراهم أحد من خلقه، وَ هُوَ مَعَهُمْ يعني و اللّه شاهدهم.[إلى أن قال:]

و قد قيل:عنى بقوله: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ :الرّهط الّذين مشوا إلى رسول اللّه في مسألة المدافعة عن ابن أبيرق،و الجدال عنه.

(4:271)

نحوه الطّوسيّ(3:318)،و الطّبرسيّ(2:107).

الثّعلبيّ: أي يستترون و يستحيون من النّاس وَ لا يَسْتَخْفُونَ أي لا يستترون و لا يستحيون.

(3:382)

الواحديّ: الاستخفاء:الاستتار،يقال استخفيت من فلان،أي تواريت منه،قال اللّه تعالى: وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ الرّعد:10،أي مستتر و المعنى يستترون من النّاس،يعني طعمة و قومه كيلا يطّلعوا على كذبهم و خيانتهم وَ لا يَسْتَخْفُونَ و لا يستترون مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ أي عالم بما يخفون و ما يعلنون.(2:112)

نحوه البغويّ.(1:699)

الزّمخشريّ: يَسْتَخْفُونَ :يستترون مِنَ النّاسِ :حياء منهم و خوفا من ضررهم وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ :و لا يستحيون منه وَ هُوَ مَعَهُمْ :و هو عالم بهم مطّلع عليهم،لا يخفى عليه خاف من سرّهم،و كفى بهذه الآية ناعية على النّاس ما هم فيه من قلّة الحياء و الخشية من ربّهم،مع علمهم-إن كانوا مؤمنين-أنّهم في حضرته،لا سترة و لا غفلة و لا غيبة، و ليس إلاّ الكشف الصّريح و الافتضاح.

(1:562)

نحوه النّسفيّ(1:249)،و البروسويّ(2:279)، و أبو السّعود(2:194)،و القاسميّ(5:1539).

ابن عطيّة: الضّمير في يَسْتَخْفُونَ للصّنف المرتكب للمعاصي،مستسرّين بذلك عن النّاس مباهتين لهم،و اندرج في طيّ هذا العموم.و دخل تحت هذه الأنحاء أهل الخيانة في النّازلة المذكورة،و أهل التّعصب لهم و التّدبير في خدع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و التّلبّس عليه،و يحتمل أن يكون الضّمير لأهل هذه النّازلة، و يدخل في معنى هذا التّوبيخ كلّ من فعل نحو فعلهم.

(2:110)

البيضاويّ: يستترون منهم حياء و خوفا وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ و هو أحقّ بأن يستحيا و يخاف منه وَ هُوَ مَعَهُمْ لا يخفى عليه سرّهم، فلا طريق معه إلاّ ترك ما يستقبحه و يؤاخذ عليه.

(1:242)

نحوه الكاشانيّ.(1:460)

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

لأنّ الاستخفاء لازم الاستحياء.(5:139)

الخازن :يعني يستترون حياء من النّاس،يريد بذلك بني ظفر بن الحرث و هو قوم طعمة ابن أبيرق، وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ يعني و لا يستترون من اللّه و لا يستحيون منه.و أصل الاستخفاء:الاستتار،و إنّما

ص: 618

فسّر بالاستخفاء (1)الاستحياء على المعنى،لأنّ الاستحياء من النّاس يوجب الاستتار منهم.(1:495)

أبو حيّان :الضّمير في يَسْتَخْفُونَ الظّاهر أنّه يعود على الّذين يختانون و في ذلك توبيخ عظيم و تقريع؛حيث يرتكبون المعاصي مستترين بها عن النّاس إن اطّلعوا عليها،و دخل معهم في ذلك من فعل مثل فعلهم.

[ثمّ نقل كلام ابن عطيّة و أضاف:]

و قيل:يعود على(من)باعتبار المعنى،و تكون الجملة نعتا،و هو معهم،أي عالم بهم مطّلع عليهم، لا يخفى عنه تعالى شيء من أسرارهم،و هي جملة حاليّة.(3:344)

ابن كثير :هذا إنكار على المنافقين،في كونهم يستخفون بقبائحهم من النّاس،لئلاّ ينكروا عليهم و يجاهرون اللّه بها،لأنّه مطّلع على سرائرهم،و عالم بما في ضمائرهم.(2:388)

الآلوسيّ: أي يستترون منهم حياء و خوفا من ضررهم.و أصل ذلك:طلب الخفاء،و ضمير الجمع عائد على الّذين يَخْتانُونَ على الأظهر،و الجملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب.

و قيل:هي في موضع الحال من(من) وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ أي و لا يستحيون منه سبحانه و هو أحقّ بأن يستحى منه و يخاف من عقابه،و إنّما فسّر الاستخفاء منه تعالى بالاستحياء،لأنّ الاستتار منه عزّ شأنه محال،فلا فائدة في نفيه و لا معنى للذّمّ في عدمه.و ذكر بعض المحقّقين أنّ التّعبير بذلك من باب المشاكلة.(5:141)

رشيد رضا :أي إنّ شأن هؤلاء الخوانين الرّاسخين في الإثم،أنّهم يستترون من النّاس عند ارتكاب خيانتهم و اجتراحهم الإثم،لأنّهم يخافون ضرّهم،و لا يستترون من اللّه تعالى بتركه،لأنّهم لا إيمان لهم؛إذ الإيمان يمنع من الإصرار و التّكرار،و لا تقع الخيانة من صاحبه إلاّ عن غفلة أو جهالة عارضة، لا تدوم و لا تتكرّر حتّى تحيط بصاحبها خطيئته،على أنّه لا يمكن الاستخفاء منه تعالى،فمن يعلم أنّه تعالى يراه وراء الأستار في حنادس الظّلمات-و هو المؤمن الصّادق-فلا بدّ أن يترك الذّنب و الخيانة حياء منه تعالى أو خوفا من عقابه.(5:398)

نحوه المراغيّ.(5:149)

ابن عاشور :و جملة يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ بيان ل يَخْتانُونَ و جملة وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ حال؛و ذلك هو محلّ الاستغراب من حالهم و كونهم يختانون أنفسهم.و الاستخفاء من اللّه مستعمل مجازا في الحياء؛إذ لا يعتقد أحد يؤمن باللّه أنّه يستطيع أن يستخفي من اللّه.

و جملة: وَ هُوَ مَعَهُمْ حال من اسم الجلالة، و المعيّة هنا معيّة العلم و الاطّلاع.(4:249)

الطّباطبائيّ: و هذا أيضا من الشّواهد على ما قدّمناه من أنّ الآيات(105-126)جميعا ذات سياقّ.

ص: 619


1- كذا و الظّاهر:فسّر«الاستخفاء بالاستحياء»كما جاء في كلام الآلوسيّ.

واحد،نازلة في قصّة واحدة،و هي الّتي يشير إليها قوله: وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً النّساء:112،و ذلك أنّ الاستخفاء إنّما يناسب الأعمال الّتي يمكن أن يرمى بها الغير،كالسّرقة و أمثال ذلك،فيتأيّد به أنّ الّذي تشير إليه هذه الآية و ما تقدّمها من الآيات هو الّذي يشير إليه قوله:

وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ...

و الاستخفاء من اللّه أمر غير مقدور؛إذ لا يخفى على اللّه شيء في الأرض و لا في السّماء،فطرفه المقابل له أعني عدم الاستخفاء أيضا أمر اضطراريّ غير مقدور، و إذا كان غير مقدور لم يتعلّق به لوم و لا تعيير،كما هو ظاهر الآية.

لكنّ الظّاهر أنّ الاستخفاء كناية عن الاستحياء، و لذلك قيّد قوله: وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ أوّلا بقوله: وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ فدلّ على أنّهم كانوا يدبّرون الحيلة ليلا للتّبرّي من هذه الخيانة المذمومة،و يبيّتون في ذلك قولا لا يرضى به اللّه سبحانه،ثمّ قيّده ثانيا بقوله: وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً و دلّ على إحاطته تعالى بهم في جميع الأحوال،و منها حال الجرم الّذي أجرموه،و التّقييد بهذين القيدين أعني قوله: وَ هُوَ مَعَهُمْ، و قوله:

وَ كانَ اللّهُ تقييد بالعامّ بعد الخاصّ،و هو في الحقيقة تعليل لعدم استخفائهم من اللّه بعلّة خاصّة ثمّ بأخرى عامّة.(5:74)

عبد الكريم الخطيب :هو تهديد و وعيد لهؤلاء الّذين يدبّرون السّوء،و يؤامرون أنفسهم و أصحابهم على المنكر،في خفاء و حذر،بعيدا عن أعين النّاس، حتّى لا ينكشف أمرهم،و ينفضح حالهم،و يفسد تدبيرهم...

و لكن أين يذهب هؤلاء الّذين أخفوا مكرهم السّيئ عن النّاس؟إنّهم إن استخفوا من النّاس فلن يستخفوا من اللّه،الّذي لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السّماء،فهو سبحانه: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ المؤمن:19 و هو سبحانه: مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ. (3:891)

مكارم الشّيرازيّ: لقد تعرّض الخائنون في الآية الأخرى إلى التّوبيخ؛حيث قالت:إنّ هؤلاء يستحيون أن تظهر بواطن أعمالهم و سرائرهم و تنكشف إلى النّاس،لكنّهم لا يستحيون لذلك من اللّه سبحانه و تعالى؛إذ تقول الآية: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ... فلا يتورّع هؤلاء من تدبير الخطط الخيانيّة في ظلام اللّيل،و التّحدّث بما لا يرضى اللّه الّذي يراهم و يراقب أعمالهم،أينما كانوا:

وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً النّساء:108.(3:358)

يستخفوا

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ.. .هود:5

راجع:ث ن ي:«يثنون».

مستخف

سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ. الرّعد:10

ص: 620

ابن عبّاس: مستتر.(206)

مثله الشّربينيّ.(2:149)

هو صاحب ريبة مستخف باللّيل،فإذا خرج بالنّهار رأى النّاس أنّه برئ من الإثم.الثّعلبيّ 5:274)

مجاهد :أي مستتر بالمعاصي.(النّحّاس 3:476)

الطّبريّ: و اختلف أهل العربيّة في معنى قوله:

وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ فقال بعض نحويّي أهل البصرة:معنى قوله: وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ و من هو ظاهر باللّيل،من قولهم:خفيت الشّيء إذا أظهرته.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قد قرئ (اكاد اخفيها) طه:15،بمعنى أظهرها.

و قال بعض نحويّي البصرة و الكوفة:إنّما معنى ذلك:

وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ أي مستتر باللّيل،من الاستخفاء.(7:357)

الزّجّاج: أي من هو مستتر باللّيل،و اللّيل أستر من النّهار.[إلى أن قال:]

فالمعنى الظّاهر في الطّرقات،و المستخفي في الظّلمات،و الجاهر بنطقه و المضمر في نفسه علم اللّه فيهم جميعا سواء.

و ذكر قطرب وجها آخر،ذكر أنّه يجوز أن يكون:

مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ ظاهرا باللّيل،و هذا في اللّغة جائز، و يكون مع هذا وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ أي مستتر.

و الأوّل بيّن،و هو أبلغ في وصف علم الغيب.(3:141)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:309)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:يعلم من استخفى بعمله في ظلمة اللّيل، و من أظهره في ضوء النّهار.

الثّاني:يرى ما أخفته ظلمة اللّيل،كما يرى ما أظهره ضوء النّهار،بخلاف المخلوقين الّذين يخفى عليهم اللّيل أحوال أهلهم.(3:97)

نحوه الطّبرسيّ.(3:280)

الفخر الرّازيّ: في المستخفي و السّارب قولان:

القول الأوّل:يقال:أخفيت الشّيء أخفيه إخفاء فخفي،و استخفى فلان من فلان،أي توارى و استتر.

[إلى أن قال:]

و القول الثّانيّ: [قول قطرب]قال الواحديّ (1):

و هذا الوجه صحيح في اللّغة،إلاّ أنّ الاختيار هو الوجه الأوّل،لإطباق أكثر المفسّرين عليه،و أيضا فاللّيل يدلّ على الاستتار،و النّهار على الظّهور و الانتشار.(19:17)

البيضاويّ: طالب للخفاء في مختبإ باللّيل.

(1:515)

نحوه الكاشانيّ.(3:60)

أبو حيّان :[نقل قول ابن عبّاس و مجاهد و أدام:]

و تفسير الأخفش و قطرب:المستخفي هنا بالظّاهر و إن كان موجودا في اللّغة ينبو عنه اقترانه باللّيل و اقتران السّارب بالنّهار،و تقابل الوصفان في قوله: وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ إذ قابل مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ و في قوله: سارِبٌ بِالنَّهارِ إذ قابل وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ و المعنى-و اللّه أعلم-أنّه تعالى محيط علمه بأقوالا.

ص: 621


1- لم نجده في الوسيط الموجود عندنا.

المكلّفين و أفعالهم،لا يعزب عنه شيء من ذلك.

و ظاهر التّقسيم يقتضي تكرار(من)لكنّه حذف للعلم به،إذ تقدّم قوله: مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ لكن ذلك لا يجوز على مذهب البصريّين و أجازه الكوفيّون.(5:370)

ابن كثير :أي مختف في قعر بيته في ظلام اللّيل.

(4:72)

نحوه المراغيّ.(13:76)

أبو السّعود :مبالغ في الاختفاء كأنّه مختف، باللّيل و طالب للزّيادة.(3:442)

نحوه الآلوسيّ.(13:110)

ابن عاشور :و الاستخفاء:هنا الخفاء،فالسّين و التّاء للمبالغة في الفعل،مثل استجاب.[إلى أن قال:]

و ذكر الاستخفاء مع اللّيل لكونه أشدّ خفاء، و ذكر السّروب مع النّهار لكونه أشدّ ظهورا.و المعنى أنّ هذين الصّنفين سواء لدى علم اللّه تعالى.

(12:152)

الطّباطبائيّ: سواء منكم من هو مستخف باللّيل يستمدّ بظلمة اللّيل و إرخاء سدولها،لأن يخفى من أعين النّاظرين،و من هو سارب بالنّهار ذاهب في طريقه،متبرّز غير مخف لنفسه،فاللّه يعلم بهما من غير أن يخفي المستخفي باللّيل بمكيدته.(11:308)

فضل اللّه :لأنّ الإنسان هو الّذي يختلف عنده حال الجهر و حال السّرّ،من خلال ارتباط وعيه للمسموعات بأدوات السّمع عنده.أمّا اللّه الّذي أحاط بسرّ الإنسان،حتّى عند ما يكون قوله فكرة في الذّهن،فإنّ الجهر و السّرّ يتساويان في موقع علمه.

وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ يستتر بظلامه فلا يراه أحد وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ بما يظهره نور النّهار في ملامحه و مظاهر حركته،لأنّ الظّلام قد يحجب عن الإنسان معرفة ما في داخله،و لكنّه لا يحجب عن اللّه ذلك،لأنّه مطّلع عليه بحضوره عنده،لأنّ الأشياء كلّها حاضرة لديه في كلّ مواقع علمه.(13:27)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: أخفى على وجهين:أسرّ،أظهر.

فوجه منها:أخفى:أسرّ،قوله تعالى في سورة مريم:3، إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا أي سرّا و إخفاء، كقوله في الأعراف:55، اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً أي سرّا،كقوله في طه:7، يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى من السّرّ ما لم يكن و يكون.

و الوجه الثّاني:أخفى،أي أظهر،قوله في سورة طه:15، إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها أي أظهرها.

(316)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الخفاء،و هو رداء تلبسه المرأة فوق ثيابها،و كلّ ما ستر شيئا فهو له خفاء، و الجمع:أخفية،و منه:أخفية السّقاء:أكسيته الّتي تلقى عليه،و أخفية النّور:أكمّته،أخفية الكرى:

الأعين.

و الخفيّة:غيضة ملتفّة يتّخذها الأسد عرينه،و هي

ص: 622

خفيّته؛يقال:أسود خفيّة.

و الخفيّة:الرّكيّة الّتي حفرت ثمّ تركت حتّى اندفنت،ثمّ انثلت و احتفرت و نقّيت،و هي البئر القعيرة أيضا؛لخفاء مائها،و الجمع:خفايا و خفيّات.

و الخفاء:المتطأطئ من الأرض الخفيّ،و قولهم:

برح الخفاء،أي وضح السّرّ،و ذلك إذا ظهر.و رجل خفيّ البطن:ضامره خفيفه.

و الخوافي:ريشات إذا ضمّ الطّائر جناحيه خفيت، و هي السّعفات اللّواتي دون القلبة،و كلّ ذلك من السّتر،و الواحدة خافية.

و الخافي و الخافية و الخافياء:الجنّ،و الجمع من كلّ ذلك:خواف؛يقال:أصابه ريح من الخوافي،أي من الجنّ،و به خفيّة:لمم و مسّ،و أرض خافية:بها جنّ.

و الخفاء:السّتر،و هو الخافي و الخافية أيضا؛يقال:

خفيت الشّيء و أخفيته،أي سترته و كتمته،و خفي الشّيء خفاء:لم يظهر،فهو خاف و خفيّ،و الجمع:

خفايا،و كذلك اختفى و استخفى،و اختفى الشّيء:

خفاه،و المختفي:النّبّاش،و هو من الإخفاء و الاستتار؛ لأنّه يسرق في خفية،و خفي عليه الأمر يخفى خفاء:

ستر،و خفيت له خفية و خفية:اختفيت،و استخفى منه:استتر و توارى،و أخفيت الصّوت أخفيه إخفاء.

و الخفيّ: السّرّ؛يقال:لقيته سرّا،و الخافية:نقيض العلانية،و اختفى دمه:قتله من غير أن يعلم به.

2-و الخفي و الإخفاء:الإظهار و الاستخراج،فهو من الأضداد؛يقال:خفي الشّيء خفيا و خفيا:أظهره و استخرجه،و خفى المطر الفئار:أخرجهنّ من أنفاقهنّ، أي من جحرتهنّ،و اختفيت الشّيء:استخرجته.

و عدّ ابن فارس الضّدّين أصلين،و أضاف إلى الإظهار خفو البرق،أي بريقه،و هو من«خ ف و» و الأصحّ أنّه أصل واحد؛لأنّ أحد الضّدّين أصل و الآخر عرض على الأغلب.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا«المضارع»6 مرّات،و اسم الفاعل:(خافية)مرّة،و الصّفة(خفيّ)مرّتين، و التّفضيل مرّة،و المصدر(خفية)مرّتين.

و مزيدا من الإفعال«الماضي»معلوما و مجهولا كلّ منهما مرّة،و«المضارع»3 مرّات،و اسم الفاعل مرّة،في 32 آية:

1-يخفى و خافية

1- يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ

الحاقّة:18

2- إِنَّ اللّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ. آل عمران:5

3- ...وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ إبراهيم:38

4- يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ... المؤمن:16

5- إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا... فصّلت:40

6- سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى* إِلاّ ما شاءَ اللّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى الأعلى:6،7

ص: 623

2-الإخفاء

7- ...تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ... الممتحنة:1

8- ...وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ

النّمل:25

9- إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً الأحزاب:54

10- قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ... آل عمران:29

11- ...وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ... البقرة:284

12- ...قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ... آل عمران:118

13- يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ

المؤمن:19

14- ...قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ آل عمران:154

15- رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ

إبراهيم:38

16- بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ...

الأنعام:28

17- ...وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ...

الأحزاب:37

18- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ... المائدة:15

19- ...تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً... الأنعام:91

20- إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً النّساء:149

21- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ... البقرة:271

22- ...وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ... النّور:31

23- إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى طه:15

24- فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ السّجدة:17

3-الاستخفاء

25- أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ... هود:5

26- يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ... النّساء:108

27- سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ الرّعد:10

4-اخفى

28- وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى

طه:7

5-خفىّ

29- وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ الشّورى:45

30- ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا* إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا مريم:2،3

ص: 624

30- ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا* إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا مريم:2،3

6-خفية

31- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً... الأنعام:63

32- اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ الأعراف:55

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها خمسة محاور:

المحور الأوّل:ما يرجع إلى أنّه لا يخفى شيء على اللّه،و أنّه عالم بكلّ شيء في 21،آية،و هي أصناف:

الأوّل:ستّة،منها(1-6)تنفي خفاء أعمال النّاس على اللّه تعالى بصيغة المضارع:«لا يخفى،لا تخفى،و لا يخفون»تعميما و استدامة للماضي و المستقبل،و مؤكّدا في(1)ب لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ، و في(2-4)ب لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ، أو لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ، و في (5) لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا، و في(6) يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى، أي يعلم أنفسهم فيعمّ أعمالهم.

و جاءت واحدة منها(28)مؤكّدا بصيغة التّفضيل منضمّا ب فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى.

و الفرق بينها-مع وحدة المعنى-أنّه نفى في الأربع الأولى خفاء الأشياء على اللّه،و في(5)خفاء أنفسهم، و في الأخيرتين بدّله بعلم اللّه بالجهر و ما يخفى، أو بالسّرّ و أخفى.

الثّاني:و جاءت إحدى عشرة منها:(7-17)في علم اللّه تعالى بما يخفيه النّاس من الأعمال عن الأبصار،أو بما في صدورهم من النّيّات و العقائد، بتفاوت في التّعبير و التّأكيد،فقال في(7): وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ، فسوّى بين ما أخفوا و ما أعلنوا تعميما و تأكيدا لعلمه.

و نظيرها(8): وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ، و(9): إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً. و هذا آكد ممّا قبله شمولا لعلمه تعالى؛ حيث جاء بكلمة(شىء)مرّتين بدوا و ختما:

(شيئا)و بِكُلِّ شَيْءٍ، و(15): رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ وَ ما يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ، و هذا آكد و أشمل من جميعها؛حيث عمّم أوّلا علمه بما نخفي و ما نعلن،ثمّ أكّده بأنّه لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السّماء.

و جاءت واحدة منها(12)-و هي مدنيّة-في إخفاء المنافقين أو الكفّار ما في صدورهم أيضا من الكفر و البغضاء إضافة إلى ما بدت من أفواههم من دون التّصريح بعلمه تعالى بذلك،لكنّه مفهوم من السّياق: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ لاحظ:ب ط ن:

«بطانة».

الثّالث:ظاهر هذه الآيات الأربع شمول علمه لما يخفيه العباد من الأعمال،و لما في صدورهم من النّيّات و العقائد.و لكن خصّت أربع منها أيضا- و كلّها مدنيّة-بما يخفونه في صدورهم بتفاوت في التّعبير و التّأكيد أيضا،و هي(10): قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ، و(11): وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ، و(14): قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ، و(17): وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ.

ص: 625

الثّالث:ظاهر هذه الآيات الأربع شمول علمه لما يخفيه العباد من الأعمال،و لما في صدورهم من النّيّات و العقائد.و لكن خصّت أربع منها أيضا- و كلّها مدنيّة-بما يخفونه في صدورهم بتفاوت في التّعبير و التّأكيد أيضا،و هي(10): قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ، و(11): وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ، و(14): قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ، و(17): وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ.

فعمّم علمه في اثنتين منها:(8)و(10)مع تفاوت بينهما؛حيث صرّح بشمول علمه لهما في(8)،و بدّله ب يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ في(11)،فهي كالكناية عن علمه تعالى بما في الصّدور.

و اثنتان منها(14)و(17)خطاب للنّبيّ عليه السّلام، فجاءت الأولى منهما بشأن المنافقين ذمّا و تقبيحا لهم، و الثّانية بشأنه عليه السّلام عتابا لإخفائه علاقته النّفسيّة بزوجة زيد بن الحارثة الّذي تبنّاه،و ما كانت هذه معصية و ذنبا،و إنّما هي من قبيل ترك الأولى الّذي قد يصدر عن المعصوم،و بتعبير أقرب إلى الواقع:إنّها أمر قهريّ خارج عن الاختيار،و كان يخفيه حياء من النّاس.و ليست فيهما و لا سيّما في الثّانية تلك الغلظة و الخشونة في التّعبير،احتراما و مداراة له عليه السّلام.

و جاءت واحدة منها(13)-و هي مكّيّة-في علمه تعالى بما تخفيه الصّدور أيضا،منضمّا بعلمه بخائنة الأعين قبله يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ. و هذه الضّميمة كالتّأكيد لشمول علمه تعالى بكلّ الأمور الخفيّة،و أخفاها خيانة الأعين.

و هذه خاصّة بهذه الآية،و ليس لها نظير في القرآن.

لاحظ:ع ي ن:«الأعين».

الرّابع:و هذه كلّها في ذمّ إخفاء الأعمال و ما في الصّدور من اللّه تعالى،و جاءت ثلاث منها ذمّا لإخفاء النّاس أنفسهم-بدل أعمالهم نظير(5)-عن اللّه تعالى بلفظ الاستخفاء الدّالّ على الطّلب تأكيدا أنّهم يسعون في طلب الخفاء،و السّين و التّاء-كما قال ابن عاشور و غيره-للمبالغة مثل«استجاب».

الأولى(25)-و هي مكّيّة-: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

و هذه تعيير و ذمّ للمشركين باستخفائهم عن اللّه تعالى لئلاّ يعلم حالهم،و الحال إنّه يعلم ما يسرّون و ما يعلنون و أكّد شمول علمه بقوله بعدها: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُها وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ هود:6.لاحظ:

ث ن ي:«يثنون».

الثّانية(26): يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً و فيها بحثان:

1-و هذه-مع كونها مدنيّة-ذمّ أيضا للمشركين الّذين كانوا يقاتلون النّبيّ عليه السّلام،كما دلّت عليه الآيات قبلها في سورة النّساء ابتداء من الآية:104، وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ... إلى هذه الآية،و كذا الآيات بعدها.

و ذكر بعضهم أنّها نزلت في العاصين من المسلمين، أو في المنافقين،و هذا الأخير أنسب بقوله فيها: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ. قال ابن كثير:«هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من

ص: 626

النّاس،لئلاّ ينكروا عليهم،و يجاهرون اللّه بها،لأنّه مطّلع على سرائرهم،و عالم بما في ضمائرهم».

و أيضا إنّها نزلت في نازلة في المدينة،كما قال الطّباطبائيّ:«إنّ الآيات ذات سياق واحد نازلة في قصّة واحدة»فلاحظ.

2-و الاستخفاء:الاستتار،يقال:استخفيت من فلان أي تواريت منه.و استخفوا من النّاس-كما ذكروا-حياء منهم،و خوفا من ضررهم،و لا يستخفون من اللّه،لعدم حيائهم و خوفهم منه،زعما منهم أنّ اللّه غافل عنهم،مع أنّه معهم و عالم بحالهم، حتّى بما يبيّتونه من القول.

و من أجل ذلك فسّر بعضهم(يستخفون)ب «يستحيون»تفسيرا باللاّزم.

قال الخازن:«و أصل الاستخفاء:الاستتار،و إنّما فسّر الاستخفاء بالاستحياء،لأنّ الاستحياء من النّاس يوجب الاستتار منهم».

و قال ابن عاشور:«و الاستخفاء من اللّه مجاز في الحياء؛إذ لا يعتقد أحد يؤمن باللّه أنّه يستطيع أن يستخفي من اللّه».

و عندنا أنّه لا داعي لهذا التّفسير أصلا.و أنّ استخفاءهم كان للخوف من المؤمنين دون الحياء منهم.

الثّالثة:(27)-و هي مكّيّة-: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ و فيها بحثان أيضا:

1-هذه تؤكّد شمول علم اللّه بكلّ شيء،كالآيتين قبلها:8 و 9 من سورة الرّعد: اَللّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ* عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ.

و صدرها خاصّ بالّذي أسرّ القول أو جهر به،و هذا نظير الآيات(9-11)و غيرها،تعميما لعلمه بالجهر و الخفاء.

أمّا ذيلها: وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ فظاهر في إخفاء أنفسهم،مثل الآيتين:24 و 25،و لكنّ الماورديّ ذكر وجها ثانيا أنّهم يخفون أعمالهم في اللّيل،و هو لازم لإخفاء أنفسهم.

2-ففناء«اللّيل»و ظلمته و ظهور النّهار و ضوئه يناسبان حملها على الاستتار ليلا و الظّهور نهارا.قال الزّجّاج:«فالمعنى:الظّاهر في الطّرقات،و المستخفي في الظّلمات».و قال ابن كثير:«أي مختف في قعر بيته في ظلام اللّيل».إلاّ أنّ بعضهم عكس الأمر فقال:ظاهر باللّيل،من قولهم:«خفيت الشّيء إذا أظهرته»،كما قالوا في(23): أَكادُ أُخْفِيها أي أظهرها-و يأتي- و بناء عليه فمعنى سارِبٌ بِالنَّهارِ :مستتر بالنّهار.

و حكى الفخر الرّازيّ عن الواحديّ أنّه قال:

«و هذا وجه صحيح في اللّغة،إلاّ أنّ الاختيار هو الوجه الأوّل،و لإطباق أكثر المفسّرين عليه.و أيضا فاللّيل-كما سبق-يدلّ على الاستتار،و النّهار على الظّهور و الانتشار».

و قال أبو حيّان:«و تفسير الأخفش و قطرب:

«المستخفي»هنا بالظّاهر-و إن كان موجودا في اللّغة -ينبو عنه اقترانه باللّيل و اقتران«السّارب»بالنّهار،

ص: 627

و تقابل الوصفان في قوله: وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ إذ قابل مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ في قوله: سارِبٌ بِالنَّهارِ إذ قابل وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ و المعنى-و اللّه أعلم-أنّه تعالى محيط علمه بأقوال المكلّفين و أفعالهم،لا يعزب عنه شيء من ذلك.و ظاهر التّقسيم يقتضي تكرار(من) لكنّه حذف للعلم به؛إذ تقدّم قوله: مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ لكن لا يجوز على مذهب البصريّين و أجازه الكوفيّون».

و المسألة بعد قابلة للبحث،من حيث إنّ اللّيل بنفسه خفيّ فلا يحتاج إلى الإخفاء،و إنّما النّهار لظهوره يحتاج إلى الإخفاء،و هذا مؤيّد للوجه الثّاني.

و من جهة أخرى«السّارب»كما قال الطّبرسيّ(3:

279):«الجاري،أو الذّاهب في الأرض،فناسب النّهار، أيضا هذان اللّفظان: مُسْتَخْفٍ و سارِبٌ كأنّهما مرادفان للفظين قبلهما:(اسر)و(جهر) و هذا يؤيّد الوجه الأوّل،فلاحظ.

الخامس:و جاءت آيتان منها(18)و(19)في ذمّ إخفاء ما أنزل اللّه من الكتاب،و هو التّوراة:

إحداهما:مكّيّة خطاب للمشركين،و هي: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَ هُدىً لِلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً وَ عُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَ لا آباؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ، و هذه صريحة في وجود التّوراة عند المشركين بمكّة.[لاحظ:ك ت ب:«الكتاب»].

و يؤيّده ما بعده إشارة إلى القرآن: وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها...

و ثانيتهما:مدنيّة خطاب لليهود: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ.

و ذيل هذه الآية: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ مثل بعد الآية الأولى،بيان واضح لوجود العلاقة بين التّوراة و القرآن فإنّه مصدّق للتّوراة.

[لاحظ:ك ت ب:«الكتاب»،و:ص د ق:«مصدّق»]

السّادس:تلك الآيات السّتّ عشرة من(7-19) و من(24-26)لسانها ذمّ و تهويل لمن يخفي من اللّه شيئا من الأعمال و الأشياء،أو شيئا ممّا في الصّدور، أو الّذين يخفون أنفسهم.

و في قبالها آيتان مدنيّتان خطابا للمؤمنين مدحا لهم بإخفاء الخير:

إحداهما(20): إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً، و ظاهرها بشهادة ما قبلها أنّ المراد بها القول الخير،و العفو عن القول السّوء من قبل الآخرين؛حيث قال: لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً النّساء:148،و ذيلها: وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً شاهد على علم اللّه بكلّ من الخير و السّوء المذكورين قبلها في(20)،كما أنّ سَمِيعاً عَلِيماً يعمّ القول و الفعل،لكنّه عوض فيها عن علمه بهما بقدرته على جزائهما،و بعفوه عن السّوء فقال: فَإِنَّ اللّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً

ص: 628

ثانيتهما(21): إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، و قد جاءت قبلها و بعدها آيات في الإنفاق،و في أنّه خير.

فلاحظ.

و قد جمع اللّه تعالى في هاتين الآيتين ككثير من الآيات السّابقة بين«ما يبدون و ما يخفون»تعميما و شمولا لعلمه بكلّ شيء.و إصراره تعالى في كثير من آيات التّشريع و العقيدة و الموعظة على علمه بما يعملون،يعدّ من أحسن طرق الإنذار و التّبشير و التّبليغ و التّذكير،وصولا إلى إصلاح النّاس و ترغيبهم إلى الخير،و تحذيرهم عن الشّرّ.[لاحظ:

ع ل م:«عليم بما يعملون»]،و نظيرها في علمه بما يعملون قوله في(25)و غيرها،بل دلالته على شمول علمه أبلغ و أقوى لحضوره معهم دائما.

المحور الثّاني:إخفاء اللّه السّاعة و ما يتعلّق بها، و فيه آيتان مكّيّتان:

الأولى(23): إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى

اختلفت كلماتهم في تفسير(اخفيها)و في قراءتها:

لا أحضر عليها أحدا غيري،أخفيها من نفسي- و جاءت(اخفيها من نفسى)في بعض القراءة-كما عن قتادة،و أضاف:«و لعمري لقد أخفاها اللّه من الملائكة المقرّبين،و من الأنبياء المرسلين»،ليس من أهل السّماوات و الأرض أحد إلاّ قد أخفى اللّه عنه علم السّاعة،أخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها و قرء سعيد بن جبير(اخفيها)بفتح الألف،معناه:أظهرها، و أخفيها:أكتمها،و هما ضدّ و خفيت:أظهرت،له موضعان:موضع كتمان،و موضع إظهار،كسائر حروف الأضداد،أسترها من نفسي و نحوها.

و حكى الطّبريّ القراءتين في أُخْفِيها :بضمّ الألف و فتحها،و ردّ قراءة الفتح،و قال:«لا أستجيز القراءة بها».و فسّر قراءة الضّمّ ب«اخفيها من نفسى»، و قراءة الفتح ب«أظهرها»،و علّل تفسيره قراءة الضّمّ ب«أسترها»دون«أظهرها»-مع أنّه أشبه بمعنى الكلام؛إذ الإخفاء من نفسه محال-«بأنّ المعروف من معنى الإخفاء في كلام العرب السّتر،و أنّ اللّه خاطبهم بالقرآن على ما يعرفونه من كلامهم،فأراد به المبالغة في الخبر عن إخفائه،أي كدت أخفيها عن نفسي من شدّة استسراري به،و لو قدرت أخفيه عن نفسي، أخفيه...».

و أيّده أيضا بموافقته لأقوال أهل العلم من الصّحابة و التّابعين،و قال:«إذ كنّا لا نستجيز الخلاف عليهم فيما استفاض القول به منهم،و جاء عنهم مجيئا يقطع العذر...»،و قد أطال الكلام في ذلك،فلاحظ.

و قال الشّريف الرّضيّ: «و هذه استعارة على أحد التّأويلين،و هو ممّا سمعته من شيخنا أبي الفتح النّحويّ -عفا اللّه عنه-قال:الّذي عليه حذّاق أصحابنا أنّ «كاد»هاهنا على بابها من معنى المقاربة،إلاّ أنّ قوله تعالى: أُخْفِيها يؤول إلى معنى الإظهار،لأنّ المراد به:أكاد أسلبها خفاءها.و الخفاء:الغشاء و الغطاء، مأخوذان من خفاء القربة،و هو الغشاء الّذي يكون

ص: 629

عليها،فإذا سلب عن السّاعة غطاؤها المانع من تجلّيها، ظهرت للنّاس فرأوها،فكأنّه تعالى قال:أكاد أظهرها -إلى أن قال-:و على التّأويل الأوّل يبعد الكلام عن طريق الاستعارة،و هو أن يكون أَكادُ هاهنا بمعنى «أريد»...».

و قال الطّوسيّ: «أي لا أذكرها بأنّها آتية،كما قال تعالى: لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً الأعراف:187، و قيل: أُخْفِيها بضمّ الألف بمعنى أظهرها...».

و ذكر الواحديّ قول قتادة:أخفيها من نفسي، حكى عن قطرب و المبرّد:«أنّ على عادة مخاطبة العرب يقولون إذا بالغوا في كتمان الشّيء:كتمته حتّى من نفسي،أي لم أطّلع عليه أحدا.ثمّ قال:«و معنى الآية:أنّ اللّه بالغ في إخفاء السّاعة فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب».

و قال الزّمخشريّ: «أي أكاد أخفيها فلا أقول:

هي آتية،لفرط إرادتي إخفائها،و لو لا ما في الإخبار بإتيانها-مع تعمية وقتها-من اللّطف،لما أخبرت به.

و قيل:معناه أكاد أخفيها من نفسي.و لا دليل في الكلام على هذا المحذوف،و محذوف لا دليل عليه مطرح.و الّذي غرّهم منه أنّ في مصحف أبيّ(اكاد اخفيها من نفسى)و في بعض المصاحف(اكاد اخفيها من نفسى فكيف اظهركم عليها)...».و حكي نظيرها عن الآخرين فلاحظ النّصوص.

و قال الفخر الرّازيّ: «فيه سؤالان:

السّؤال الأوّل أنّ«كاد»نفيه إثبات،و إثباته نفي، بدليل قوله: وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ البقرة:71،أي و فعلوا ذلك،فقوله: أَكادُ أُخْفِيها يقتضي أنّه ما أخفاها؛و ذلك باطل بوجهين:أحدهما:قوله: إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ لقمان:34.و الثّاني أنّ قوله:

لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى طه:15،إنّما يليق بالإخفاء لا بالإظهار،و الجواب من وجوه...».و قد أطال البحث في الجواب،فلاحظ.

ثمّ قال:«السّؤال الثّاني:ما الحكمة في إخفاء السّاعة و إخفاء وقت الموت؟

الجواب:لأنّ اللّه تعالى وعد قبول التّوبة،فلو عرف وقت الموت لاشتغل بالمعصية إلى قريب من ذلك الوقت،ثمّ يتوب،فيتخلّص من عقاب المعصية، فتعريف وقت الموت كالإغراء بفعل المعصية،و إنّه لا يجوز».

و قال القرطبيّ في هذه الآية:«آية مشكلة»،ثمّ أطال الكلام فيها كالآخرين،و في خلالها حكى عن ابن الأنباريّ تفسيرا آخرا للآية،و هو أنّه انقطع الكلام على(اكاد)في إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ و بعده مضمر:أكاد آتي بها،و الابتداء أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ، و أدام البحث في كلام طويل،فلاحظ.

و قال ابن عاشور:«جملة أَكادُ أُخْفِيها في موضع الحال من اَلسّاعَةَ أو معترضة بين جملة و علّتها.و الإخفاء:السّتر و عدم الإظهار،أو أريد به هنا المجاز عن عدم الإعلام...»في كلام طويل.

و قال مغنيّة:«و المعنى أنّ اللّه سبحانه أخفى علم السّاعة عن عباده ليترقّبوا مجيئها في كلّ وقت، فيخافوا منها و يعملوا لها،ثمّ يستوفوا جزاء عملهم،

ص: 630

و لا يظلمون شيئا».

و قال الطّباطبائيّ: «ظاهر إطلاق الإخفاء:أنّ المراد يقرب أن أخفيها و أكتمها،فلا أخبر عنها أصلا، حتّى يكون وقوعها أبلغ في المبالغة،و أشدّ في المفاجاة، و لا تأتي إلاّ فجأة،كما قال تعالى: لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً الأعراف:187،أو يقرب أن لا أخبر بها حتّى يتميّز المخلصون من غيرهم...».و قد أطال الكلام فيها،و نظيره مكارم الشّيرازيّ.

و هذه نموذج من كلماتهم في تفسير الآية،و في جملتها أُخْفِيها و في قراءتها.و ليس عندنا شيء زائد عليها،مع العلم بأنّ اللّه عنده علم السّاعة،و أنّه يجلّيها لوقتها،و أنّه لم يخبر بها غيره لا من الملائكة المقرّبين،و لا من الأنبياء المرسلين،و أنّ في إخفائها حكمة يعلمها اللّه تعالى.

الآية الثّانية(24): فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ و فيها بحوث:

1-في قراءتها حكى الطّبريّ و غيره:في أُخْفِيَ قراءتين:(اخفى)-بفتح الياء-ماضيا مجهولا، و(اخفى)-بسكونها-مضارعا معلوما.و قال الطّبريّ:

«إنّهما قراءتان مشهورتان،متقاربتا المعنى،لأنّ اللّه إذا أخفاه فهو مخفيّ،و إذا أخفي فليس له مخف غيره».

و قال الفرّاء:«و في قراءة عبد اللّه: (ما نخفى لهم) فهذا اعتبار و قوّة لحمزة،و كلّ صواب»و لم يذكرها الطّبريّ.

2-و قالوا:(ما)في ما أُخْفِيَ لَهُمْ إمّا موصولة، أعني الّذي أخفي لهم،فموضعها نصب مفعولا ل (تعلم)،أو بمعنى«أن»أو«أي»فموضعها رفع بالابتداء،و الجملة و هي ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ محلّها النّصب مفعولا ل(تعلم.)و عند الطّبريّ إذا جعلت بمعنى«الّذي»و كانت نصبا بوقوع(تعلم) عليها-على القراءتين،و إذا وجّهت إلى«أيّ»كانت رفعا-بناء على القراءة الأولى-و كانت نصبا-بناء على الثّانية-و نظيره كلام الفرّاء على إبهامه، فلاحظ.

3-و قالوا في تفسيرها:أخفوا عملا في الدّنيا، فأثابهم بأعمالهم،بالخفية خفية،و بالعلانية علانية، و ليس يعلم أحد كنه معرفتها،لا تعلم النّفوس كلّهنّ و لا نفس واحدة منهنّ،لا ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل، أيّ نوع عظيم من الثّواب ادّخر اللّه لأولئك،و أخفاه من جميع خلائقه،لا يعلمه إلاّ هو ممّا تقرّبه عيونهم،و لا مزيد على هذه العدّة و لا مطمح وراءها،لا يعلم أحد ما خبئ لهؤلاء الّذين ذكروا ممّا تقرّ به أعينهم،لا تبلغ نفس من أهل الدّنيا معرفة ما أعدّ اللّه لهم،و عبّر عن تلك النّعم ب ما أُخْفِيَ لأنّها مغيبة لا تدرك إلاّ في عالم الخلود،إشارة إلى أنّ هذه النّعم لا يخطر على بالهم و لا يقع في تصوّرهم،لأنّه ممّا لا شبيه له فيما يعرف النّاس من نعيم الدّنيا فهو-و الحال كذلك-أشبه بالشّيء الخفيّ الّذي لا تعلم حقيقته.

4-و قد فسّرها البروسويّ بأسلوب عرفانيّ، فقال:«في الحقيقة أنّ ما أُخْفِيَ لَهُمْ إنّما هو جمالهم، فقد أخفي عنهم لعينهم،فإنّ العين حقّ.فأعلم أنّه ما دام أن تكون عينكم الفانية باقية،يكون جمالكم

ص: 631

الباقيّ مخفيّا عنكم،لئلاّ تصيبه عينكم،فلو طلع سعادة التّلاقي،و ذهب بظلمة البين من البين،و تبدّلت العين بالعين،فذهب الخفاء،و ظهر الخفاء و دام اللّقاء».

5-و قد ذكر الطّبرسيّ في فائدة الإخفاء وجوها:

أ-إنّ الشّيء إذا عظم خطره و جلّ قدره لا تستدرك صفاته على كنهه إلاّ بشرح طويل،و مع ذلك فيكون إبهامه أبلغ.

ب-إنّ قرّة العيون غير متناهية،فلا يمكن إحاطة العلم بتفاصيلها.

ج-إنّه جعل ذلك في مقابلة صلاة اللّيل و هي خفيّة،فكذلك ما بإذائها من جزائها.

و الظّاهر أنّ الإخفاء للمبالغة في عظمها،ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن.و أمّا الحذر عن إصابة العين-كما قيل-فبعيد جدّا.

6-سوى هاتين الآيتين ثلاث آيات أخرى نزلت في وصف الآخرة أيضا:

أحدها:الآية(1): يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ، فإنّها من تتمّة ما قبلها من الآيات في وصف الحاقّة و هي القيامة،فلاحظ.

ثانيتها الآية(16): بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ الّتي بحثناها في المحور الأوّل ذمّا للمشركين، باعتبار أنّهم كانوا في الدّنيا يخفون أعمالهم،فإنّها راجعة إلى السّاعة أيضا،كما دلّت عليه سياقها: وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ الأنعام:27،28.

و ثالثها الآية(29): وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها فإنّها تتمّة ما قبلها،وصف للظّالمين في الآخرة:

وَ تَرَى الظّالِمِينَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ، و سنبحثها في المحور الخامس.

المحور الثّالث:التّشريع في واحدة مدنيّة(22):

وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ و هذه ذيل آيتي غضّ البصر للرّجال و النّساء، و سترهنّ عن الرّجال،ابتداء من: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ... إلى لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النّور:30،31،و قد أكّد اللّه إخفاء زينتهنّ ثلاث مرّات في الآية الأخيرة،و هي: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ -إلى أن قال-: وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ. لاحظ:ب ع ل:«بعولتهنّ»،و:خ م ر:

«خمرهنّ»،و:ر ج ل:«ارجلهنّ»،و:ز ي ن:

«زينتهنّ»،و:ض ر ب:«يضربن».

المحور الرّابع:النّداء و الدّعاء في ثلاث آيات:(30 -32)،و كلّها مكّيّة

الأولى(30): ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا* إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا هذه ابتداء نداء زكريّا ربّه، و تدوم إلى الآية:6،من سورة مريم: يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا، و قد سأل اللّه في ندائه الطّويل أن يهبه ولدا،فأجابه اللّه تعالى بقوله

ص: 632

بعدها نداء إيّاه: يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا و فيها بحوث:

1-قد ذكروا في سبب ندائه خفاء أمورا:

أ-حذرا من الرّياء،و لأنّ الخفاء أدخل في الإخلاص،مع رجائه أنّ اللّه يجيب دعوته لئلاّ تكون استجابته ممّا يتحدّث به النّاس.

ب-حذرا من أن يشتمه قومه،فيقولوا:انظروا إلى هذا الشّيخ الكبير يسأل الولد على كبره!!

ج-لأنّه ناداه في جوف اللّيل،أو في أثناه الصّلاة، و خوف اللّيل و حالة الصّلاة يناسبان الخفاء في السّؤال.

د-الخفاء في الدّعاء أقرب إلى الإجابة،و جاء في الحديث:«خير الدّعاء الخفيّ،و خير الرّزق ما يكفي»، و إن كان الجهر و الخفاء عند اللّه سيّان.

ه-لأنّه كان فيما بينه و بين اللّه بعيدا عن أعين النّاس و أسماعهم.

و-لأنّه كان يعيش الإحساس بحضور اللّه في حياته،و هيمنته على وجدانه،بحيث يناديه بشكل طبيعيّ،كما ينادي أيّ موجود حيّ في عالم الحسّ و الشّهود،لأنّ غياب اللّه عن العيان لا يحجب رؤيته في عالم الوجدان،فلم يطلق صوته عاليا،بل تحدّث بما يشبه الهمس الخفيّ،لشعوره بالخشوع عند الحديث معه،و إدراكه بأن لا يحتاج إلى الجهر بالصّوت،ليسمع نداء عبده...قاله فضل اللّه.

ز-لئلاّ يطّلع أحد على سرّ حياته فأخفى نداءه عن الأجانب،و قد أمكنه أن يخفيه عن نفسه بالتّعامي عن شهود محاسنه و الاعتقاد بالسّوء في نفسه،ثمّ أخفى سرّه عن الخلق لئلاّ يقع لأحد إشراف على حاله،قاله القشيريّ.

ح-و نزيد نحن وجها آخر و هو:الحذر عن شرّ من كان من أهله،طمعوا في ميراثه لأولاد كانوا يحرمهم من الإرث.

و لكلّ منها وجه وجيه،و لا مانع من الجمع بينها، و أنّ اللّه أطلقه ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن،تدبّرا في كلام اللّه.

2-طرح الفخر الرّازيّ سؤالا و تبعه الآخرون، و هو أنّ النّداء:الجهر،فكيف الجمع بين كونه نداء و خفيّا؟و قال:«الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّه أتى بأقصى ما قدر عليه من رفع الصّوت،إلاّ أنّ الصّوت كان ضعيفا لنهاية ضعفه بسبب الكبر،فكان نداء نظرا إلى قصده،و خفيّا نظرا إلى الواقع.

الثّاني:لأنّه دعا في الصّلاة،لأنّ اللّه أجابه في الصّلاة لقوله تعالى: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى آل عمران:39.

و كون الإجابة في الصّلاة يدلّ على كون الدّعاء في الصّلاة،فوجب أن يكون النّداء خفيّا».

و قد أجاب البروسويّ عنه بقوله:«النّداء،و إن كان بمعنى الصّوت لكنّ الصّوت قد يتّصف بالضّعف، و يقال:صوت خفيّ،و هو الهمس،فكذا النّداء.و قد صحّ عن الفقهاء أنّ بعض المخافتة يعدّ من أدنى مراتب الجهر...».

ص: 633

ثمّ قال:«و لي فيه وجه خفيّ لاح عند المطالعة، و هو أنّ النّداء الخفيّ عند الخواصّ كالذّكر الخفيّ-هو ما خفي عن الحفظة فضلا عن النّاس-لا يخفض به الصّوت،و الوجه في عبارة النّداء،الإشارة إلى شدّة الإقبال،و التّوجّه في الأمر المتوجّه إليه،كما هو شأن الأنبياء و من له بهم أسوة حسنة من كمّل الأولياء».

و أضاف الآلوسيّ بقوله:«لا منافاة بين النّداء و كونه خفيّا،بل لا منافاة بينهما أيضا إذا فسّر النّداء برفع الصّوت،لأنّ الخفاء غير الخفوت،و من رفع صوته في مكان ليس بمرأى و لا مسمع من النّاس فقد أخفاه.و قيل:هو مجاز عن عدم الرّياء أي الإخلاص، و لم ينافه النّداء بمعنى رفع الصّوت لهذا...»،ثمّ قال:

«و في«الكشف»أنّ الأشبه أنّه كناية مع إرادة الحقيقة،لأنّ الخفاء في نفسه مطلوب أيضا لكنّ المقصود بالذّات الإخلاص.و قيل:مستورا عن النّاس بالمخافتة،و لا منافاة بناء على ارتكاب المجاز،أو بناء على أنّ النّداء لا يلزم رفع الصّوت و لذا قيل:

*يا من ينادي بالضّمير فيسمع*

و نحن نضيف إلى ما ذكروه أنّ النّداء هو قول «يا فلان»من دون شرط علوّ الصّوت،و لهذا قال ابن عاشور:«إنّ زكريّا قال يا ربّ بصوت خفيّ».و عليه فليس في الكلام مجاز و لا كناية-كما قال صاحب الكشف-بل هو حقيقة تماما.

3-و قد استفاد الواحديّ من هذه الآية أنّ المستحبّ في الدّعاء الإخفاء.و تؤيّده الآيتان على وجه يأتي،و كذا السّنّة،فقد جاء عن الماورديّ:«إنّ الّذي تدعونه ليس بأصمّ»،و تقدّم عن الطّبرسيّ:

«خير الدّعاء الخفيّ»،فلاحظ آداب الدّعاء في الأحاديث.

الآية الثّانية(31): قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً. و النّداء خطاب إلى المشركين،و الاستفهام تقرير و توبيخ لهم،ليعترفوا بأنّ اللّه ينجّيهم،لكنّ اللّه قد أجاب عنه مزيدا في التّوبيخ لهم،فقال بعدها: قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ، و فيها بحوث أيضا:

1-قرأ الجميع غير عاصم خُفْيَةً بضمّ الخاء، و قرأ عاصم في رواية عنه بكسرها،و قرأ الأعمش (خيفة)من الخوف،و لم يذكر الطّبريّ الخلاف في القراءة.و قال الفرّاء:«و فيها لغة بالواو-و لا تصلح القراءة بها-:خفوة و خفوة كما قيل:قد حلّ حبوته و حبوته و حبيته».

2-قد فسّر أكثرهم تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً ب«علانية و سرّا»فحمّلوا تَضَرُّعاً على العلانية و خُفْيَةً على السّرّ مع تفاوت في التّعبير:

فقال الطّبريّ: «إخفاء للدّعاء أحيانا و إعلانا و إظهارا».

و قال الزّجّاج:«تدعونه مظهرين الضّراعة- و هي شدّة الفقر إلى الشّيء و الحاجة-و تدعونه خفية،أي تدعونه في أنفسكم تضمرون في فقركم و حاجاتكم إليه كما تضمرون»،و نحوه النّحّاس.

و قال الطّبرسيّ: «علانية و سرّا...و قيل:معناه مخلصين متضرّعين تضرّعا بألسنتكم،و خفية في

ص: 634

أنفسكم،و هذا أظهر»

و قال النّيسابوريّ: «...و المراد أنّ الإنسان عند حصول هذه الشّدائد يأتي بأمور:أحدها:الدّعاء، و الثّاني:التّضرّع،و الثّالث:الإخلاص بالقلب،و هو المعنيّ بقوله: خُفْيَةً» .

و قال الخازن:«يعني فإذا اشتدّ بكم الأمر تخلصون له الدّعاء تضرّعا منكم إليه،و استكانة جهرا و خفية،يعني سرّا حالا و حالا».

و قال أبو حيّان:«تنادونه مظهري الحاجة إليه و مخفيها،و التّضرّع وصف باد على الإنسان،و الخفية:

الإخفاء».

و قال الآلوسيّ: «و الإعلان و الإسرار يحتمل أن يراد بهما ما باللّسان،و يحتمل أن يراد بهما ما باللّسان و القلب».

و قال رشيد رضا:«فإذا كان التّضرّع إظهار الحاجة إلى اللّه تعالى،و التّذلّل له بالجهر بالدّعاء، و رفع الصّوت به مع البكاء،فالخفية في الدّعاء عبارة عن إسراره هربا من الرّياء.و هاتان حالتان تعرضان للإنسان عند شعوره بالحاجة إلى اللّه تعالى،و يأسه من الأسباب،تارة يجأر بالدّعاء رافعا صوته متضرّعا مبتهلا،و تارة يسرّ الدّعاء و يخفيه مخلصا محتسبا، و يتحرّى أن لا تسمعه أذن،و لا يعلم به أحد،و يرى أنّه يكون بذلك أجدر بالقبول،و أرجى لنيل السّؤال».

و قال ابن عاشور:«أي تدعونه في الظّلمات مخفين أصواتكم خشية انتباه العدوّ من النّاس أو الوحوش».

و قال الطّباطبائيّ: «و التّضرّع:إظهار الضّراعة و هو الذّلّ و الخضوع-على ما قاله الرّاغب-و لذلك قوبل بالخفية،و هو الخفاء و الاستتار،فالتّضرّع و الخفية في الدّعاء:هما الإعلان و الإسرار فيه.

و الإنسان إذا نزلت المصيبة يبتدئ فيدعو للنّجاة بالإسرار و المناجاة،ثمّ إذا اشتدّت به و لاح بعض آثار اليأس و الانقطاع من الأسباب،لا يبالي بمن حوله ممّن يطّلع على ذلّته و استكانته،فيدعو بالتّضرّع و المناداة.

ففي ذكر التّضرّع و الخفية إشارة إلى أنّه تعالى هو المنجي من مصائب البرّ و البحر،شديدتها و يسيرتها».

و قال مكارم الشّيرازيّ: «لعلّ ذكر التّضرّع- و هو الدّعاء علانية-و الخفية-و هي الدّعاء في السّرّ -إشارة إلى أنّ المصائب تختلف،فالّتي لم تصل مرحلة شديدة قد تستدعي الدّعاء خفية،و عند ما تكون شديدة تحمل المرء على أن يرفع يديه بالدّعاء جهرا.

و قد يصاحب ذلك البكاء و الصّراخ،أي إنّ اللّه يحلّ مشاكلكم خفيفها و شديدها».

هذه نموذج من كلماتهم،و نرى أنّهم جميعا حملوا التّضرّع على الدّعاء بصوت خفيّ،و بعضهم على الدّعاء قلبا دون أيّ صوت،و الأوّل أظهر بالسّياق.

و لكنّ الطّبرسيّ-كما سبق-عدّ الثّاني أظهر.

فرق آخر:أنّ بعضهم كالخازن عمّم الإخلاص للجهر و السّرّ،و خصّه بعضهم كالنّيسابوريّ بالسّرّ.

و أيضا بعضهم كابن عاشور علّل الخفية بخشية انتباه العدوّ،و بعضهم كرشيد رضا علّلها بالهرب من

ص: 635

الرّياء،و أنّه يتحرّى أن لا يسمعه أحد،و أنّه أجدر بالقبول.

و بعضهم كالطّباطبائيّ-و تبعه مكارم-حمل «الخفية»على خفيف المصائب و«الجهر»على شديدها،و كلّ محتمل.

3-اختلفوا في إعراب تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً فعدّهما النّيسابوريّ مفعولا لأجله،أو تمييزا،أو مصدرا خاصّا، و عدّهما أبو السّعود إمّا حالا من فاعل تَدْعُونَهُ أو مصدرا مؤكّدا له،أي تدعونه بالجهر و السّرّ.و عدّهما ابن عاشور إمّا عطف حال على حال-كما تعطف الأوصاف-أو مصدرا مؤوّلا باسم الفاعل،أو عطف المفعول المطلق على الحال،على أنّه مبيّن لنوع الدّعاء، أي تدعونه في الظّلمات مخفين أصواتكم.

و كلّ محتمل و لا يختلف بها المعنى إلاّ أن جعلهما حالا يكلّفنا-كما قال ابن عاشور-تأويل المصدر و هو تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إلى الوصف«متضرّعين و مختفين»بخلاف سائر الوجوه،فليس فيها تأويل.

الآية الثّالثة: اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ و هذه أيضا خطاب للمشركين و لا تخلو من توبيخ لهم،كما يومئ إليه قوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، و ما بعدها: وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ...، و الكلام فيها كما قبلها،لاحظ:د ع و:

«تدعونه»و«ادعوا»،و:ض ر ع:«تضرّعا».

المحور الخامس:النّظر من طرف خفيّ في آية(29):

وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ هذه وصف للكفّار في الآخرة ابتداء من قوله: وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَ تَرَى الظّالِمِينَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ* وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ... و فيها بحوث:

1-اختلفت أقوالهم في يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ بوجهين:

الأوّل:إرجاعها إلى خفاء العين على تفاوت في تعابيرهم عنه،فقالوا:مسارقة العين،يسارقون النّظر إلى النّار خوفا منها و ذلّة في نفوسهم،يخفونه من الذّلّ بهم،لا يفتح عينه إنّما ينظرون ببعضها،قد غضّوا أبصارهم من الذّلّ من طرف ذليل،و كأنّ معنى الكلام:من طرف قد خفي من ذلّة،اختلف أهل العربيّة في ذلك:فقال بعض نحويّي البصرة في ذلك:

جعل الطّرف العين،كأنّه قال:و نظرهم من عين ضعيفة.و قال آخرون:لأنّه لا يفتح عينيه إنّما ينظر ببعضها،وصفه اللّه جلّ بقاؤه بالخفاء للذّلّة الّتي قد ركبتهم حتّى كادت أعينهم أن تغور فتذهب،يغضّون أبصارهم استكانة و ذلاّ،لمّا كان نظرهم ضعيفا، و لحظهم بمهانة وصفه بالخفاء،لا يرفعون أبصارهم للنّظر رفعا تامّا،و أنّهم ناكسوا الرّءوس و العرب تصف الذّليل بغضّ الطّرف كما يستعملون في ضدّه:

«حديد النّظر»إذا لم يتّهم لريبة فيكون عليه منها غضاضة،إنّه عبارة عن الذّلّ لأنّ النّظر الذّليل بمهانة و استكانة،ينظرون إليها-أي إلى النّار-مسارقة خوفا منها،و«الطّرف»مصدر في الأصل و لهذا لم يجمع،و هو تحريك الجفن و عبّر به عن النّظر إذ كان تحريك الجفن يلازم النّظر،خفيّ الطّرف:ضعيفه،و إنّما

ص: 636

ينظرون من طرف خفيّ إلى المكاره مهولة من ابتلى بها:فهو لا يريد أن ينصرف فيغفل عنها،و لا يجترئ أن يمتلئ بها بصره،كالمصبور ينظر إلى السّيف،لا يستطيعون أن يفتحوا أبصارهم على هذا الهول الّذي يغفر لهم فاه لا يملكون فتح عيونهم ليحدّقوا بها بنظرة واسعة مملوءة بالمشهد الّذي يواجههم إلى آخر كلماته.

و قد فصّلها بعضهم:

فقال الشّريف الرّضيّ: «و هذه استعارة...و المراد بذلك أنّ نظرهم نظر المخالف الذّليل،و المرتاب الظّنين،فهو لا ينظر إلاّ مسترقا،و لا يغضي إلاّ مشفقا، و هذا معنى قولهم:فلان لا يملأ عينيه من فلان،إذا وصفوه بعظم الهيبة و شدّة المخافة منه،و كأنّهم لا ينظرون بمتّسعات عيونهم،و إنّما ينظرون بشفافاتها من ذلّهم و مخافتهم.[ثمّ جوّز أن يكون الطّرف بمعنى العين،فلاحظ]

و جوّز البغويّ أن يكون(من)في مِنْ طَرْفٍ بمعنى«الباء»أي بطرف خفيّ ضعيف من الذّلّ.

و قال الزّمخشريّ: «أي يبتدئ نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفيّ بمسارقة،كما ترى المصبور ينظر إلى السّيف...».

و قال الفخر الرّازيّ بعد أن ذكر في معناها إخفاء العين:«فإن قيل:أ ليس أنّه تعالى قال في صفة الكفّار:

إنّهم يحشرون عميا،فكيف قال هاهنا: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ؟ قلنا:لعلّهم يكونون في الابتداء هكذا، ثمّ يجعلون عميا،أو لعلّ هذا في قوم،و ذلك في قوم آخرين».

و قال ابن عاشور:«و جملة يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ في موضع الحال من الضّمير(خاشعين) لأنّ النّظر من طرف خفيّ حالة للخاشع الذّليل، و المقصود من ذكرها تصوير حالتهم الفظيعة.

و(طرف)أصله:مصدر،و هو تحريك جفن العين، يقال:«طرف»من باب«ضرب»أي حرّك جفنه،و قد يطلق على العين تسمية الشّيء بفعله،و لذلك لا يثنّى و لا يجمع-إلى أن قال-:و(من)في قوله: مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ للابتداء المجازيّ،و المعنى ينظرون نظرا منبعثا من حركة الجفن الخفيّة،و حذف مفعول (ينظرون)للتّعميم...».

و قال مكارم الشّيرازيّ: «هذه صورة لحالة شخص يخشى من شيء ما أشدّ خشية،و لا يريد أن ينظر إليه بعينين مفتوحتين،و في نفس الوقت لا يستطيع أن يتغافل عنه،لذا فهو مجبور على النّظر إليه لكن بطرف خفيّ...».هذا كلّه في الوجه الأوّل، و هو إخفاء العين.

الوجه الثّاني:الإخفاء في القلوب على اختلاف تعابيرهم أيضا،فقالوا:نظروا إلى النّار بقلوبهم و لم يروها بأعينهم،لأنّهم يحشرون عميا،ينظرون بأبصار قلوبهم دون عيونهم...،و قيل:يحشرون عميا فلا ينظرون إلاّ بقلوبهم.

و قد ضعّف بعضهم الوجه الثّاني أو الوجهين جميعا:

فقال الطّبريّ بعد ذكر الوجهين:«و الصّواب من القول في ذلك القول الّذي ذكرناه عن ابن عبّاس»أي

ص: 637

الوجه الأوّل.

و قال ابن جزيّ في الوجه الثّاني:«و استبعد هذا ابن عطيّة و الزّمخشريّ».

و قال البروسويّ: «لا حاجة إلى حمل الآية على ما ذكر من الوجهين،لأنّ لهم يوم القيامة أحوالا شتّى بحسب المواطن،فكلّ من النّظر و السّحب و الحشر أعمى ثابت صحيح،و في الآية إشارة إلى أنّ النّفوس الّتي لم تقبل الصّلاح بالعلاج في الدّنيا،تتمنّى الرّجوع إلى الدّنيا يوم القيامة لتقبل الصّلاح-إلى أن قال- و لها نظر من طرف خفيّ من خجالة المؤمنين إذ يعيّرونها بما ذكّروها فلم تسمع...».

و عندنا أنّ ظاهر الآية هو الوجه الأوّل،و لا يجوز حملها على الوجه الثّاني،و لا على ما قاله البروسويّ، أنّه قولهم بعد رجوعهم إلى الدّنيا خجالة من المؤمنين.

و يلاحظ ثانيا:من هذه الآيات 19 آية مكّيّة، و 13 مدنيّة،فالمكّيّة تزيد على المدنيّة بستّ آيات.

و ذلك لأنّ أكثرها جاءت في صعيد العقيدة من التّرغيب إلى التّوحيد و رفض الشّرك و الكفر، أو بشأن الآخرة،أو طلب الحاجة من اللّه تعالى،و هذه مواضع مكّيّة في الأصل،و أكثر الآيات المدنيّة جاءت إدانة للمنافقين و ضعفة الإيمان.و واحدة منها في التّشريع،و هي مواضع مدنيّة فلاحظ.

و يلاحظ ثالثا:و من نظائر الخفاء في القرآن:

الخبء: أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ النّمل:25

الجنّ: فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً الأنعام:76

الحجب: كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ

المطفّفين:15

الخمر: وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ

النّور:31

السّتر: وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ فصّلت:22

الإسرار: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ الرّعد:10

الإكنان: وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ البقرة:235

المواراة: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ المائدة:31

ص: 638

خ ل د

اشارة

14 لفظا،87 مرّة:42 مكّيّة،45 مدنيّة

في 40 سورة:24 مكّيّة،16 مدنيّة

يخلد 1:-1 خالدين 43:18-25

تخلدون 1:1 الخالدين 1:1

خالد 1:-1 الخلد 6:6

خالدا 3:-3 الخلود 1:1

خالدين 1:-1 اخلد 1:1

خالدون 24:11-13 اخلده 1:1

الخالدون 1:1 مخلّدون 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخلد:من أسماء الجنان،و الخلود:البقاء فيها،و هم فيها خالدون و مخلّدون.

و تفسير وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ الواقعة:17، مقرّطون.

و أخلد فلان إلى كذا،أي ركن إليه و رضي به.

و الخلد:البال،تقول:ما يقع ذلك في خلدي.

و الخلد:ضرب من الجرذان عمي،لم يخلق لها عيون؛واحدتها:خلدة؛و الجميع:خلدان.

و الخوالد:الأثافيّ،و تسمّى الجبال و الحجارة:

خوالد.[ثمّ استشهد بشعر](4:231)

الكسائيّ: يقول:خلد و أخلد؛و خلّد إلى الأرض،و هي قليلة.(الأزهريّ 7:277)

الفرّاء: و يقال للرّجل إذا بقي سواد رأسه و لحيته على الكبر:إنّه لمخلد.(الأزهريّ 7:277)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أخلد به إخلادا،و أعصم به إعصاما،إذا لزمه،و بنو خويلد:بطن من عقيل.

ص: 639

خلّد جاريته،إذا حلّأها بالخلد،و هي القرطة، و خلّد الرّجل،إذا أسنّ و لم يشب.(الأزهريّ 7:279)

أبو زيد :من أسماء النّفس:الرّوع و الخلد.

(الأزهريّ 7:278)

أخلد الرّجل بصاحبه:لزمه.(الجوهريّ 2:469)

ابن السّكّيت: يقال:قد أخلد بالمكان يخلد إخلادا،إذا أقام.و قد خلد يخلد خلودا،إذا بقي.

و يقال:رجل مخلد،إذ أسنّ و لم يشب.

(إصلاح المنطق:240)

الزّجّاج: و خلد الرّجل إلى الأرض و أخلد،أي مال إليها و لزمها،و رجل مخلد،إذا أبطأ عنه الشّيب.

و الفعل منه:أخلد الرّجل لا غير.(فعلت و أفعلت:13)

ابن دريد :و خلد الرّجل يخلد و يخلد خلدا و خلودا،إذا أبطأ عنه الشّيب.و قد قالوا:أخلد الرّجل إخلادا،إذا أبطأ عنه الشّيب،فهو مخلد.

و خلد يخلد خلودا من دوام البقاء لا غير.

و الخلود لا يكون في الدّنيا.

و أخلد إلى الأرض إخلادا،إذا ألصق بها نفسه، هكذا فسّر أبو عبيدة قوله تبارك: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ الأعراف:176،إذا لصق بها.

و قد سمّت العرب:خالدا و خويلدا و مخلدا و خليدا و يخلد و خلاّدا،و خلدة:من أسماء النّساء.

و دار الخلد و الخلود:الآخرة و الجنّة.

و الخلد:دويبّة تشبه الفأرة.و مثل من أمثالهم:

«أصاب خلد النّطف»إذا أصاب مالا،و له حديث.

و وقع ذلك في خلدي،أي في قلبي.

و قوله عزّ و جلّ: وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ الواقعة:

17،قال أبو عبيدة:مسوّرون،لغة يمانيّة.(2:201)

و خلد في الأرض و أخلد،إذا لزم الأرض، لم يتكلّم فيه الأصمعيّ.فأمّا قولهم:رجل مخلد،إذا أبطأ عنه الشّيب،فإنّ الأصمعيّ يجيزه.(3:437)

الأزهريّ: و يقال للرّجل إذا لم تسقط أسنانه من الهرم:إنّه لمخلد.(7:277)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و رجل مخلد،إذا أسنّ و لم يشب،و مخلّدا أيضا، إذا كان ثابت الحال.

و الخلد:القلائد،من قوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ الواقعة:17،و قيل:مقرطون.

و المخلد:الّذي لا يسقط له سنّ البتّة،أي دائم شبابهم لا يتغيّرون.(4:303)

الجوهريّ: الخلد:دوام البقاء.تقول:خلد الرّجل يخلد خلودا،و أخلده اللّه،و خلّده تخليدا.

و قيل لأثافيّ الصّخور:خوالد،لبقائها بعد دروس الأطلال.

و الخلد أيضا:ضرب من الجرذان أعمى.

و أخلدت إلى فلان،أي ركنت إليه.و منه قوله تعالى: وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ الأعراف:176.

و أخلد بالمكان:أقام به.

و الخلد:البال،يقال:وقع ذلك في خلدي:أي في روعي و قلبي.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:469)

ابن فارس: الخاء و اللاّم و الدّال أصل،واحد يدلّ على الثّبات و الملازمة.فيقال:خلد:أقام،و أخلد

ص: 640

أيضا،و منه جنّة الخلد.

و يقولون:رجل مخلد و مخلد،إذا أبطأ عنه المشيب.و هو من الباب،لأنّ الشّباب قد لازمه و لازم هو الشّباب.

و يقال:أخلد إلى الأرض،إذا لصق بها،قال اللّه تعالى: وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ الأعراف:176.

فأمّا قوله تعالى: وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ الواقعة:17،فهو من الخلد،و هو البقاء،أي لا يموتون.

و قال آخرون:من الخلد،و الخلد:جمع:خلدة و هي القرط،فقوله: مُخَلَّدُونَ أي مقرّطون مشنّفون.

و هذا قياس صحيح،لأنّ الخلدة ملازمة للأذن.

و الخلد:البال،و سمّي بذلك،لأنّه مستقرّ في القلب ثابت.[و استشهد بالشّعر مرتين](2:207)

أبو هلال :الفرق بين الدّوام و الخلود:أنّ الدّوام هو استمرار البقاء في جميع الأوقات،و لا يقتضي أن يكون في وقت دون وقت؛أ لا ترى أنّه يقال:إنّ اللّه لم يزل دائما و لا يزال دائما.

و الخلود:هو استمرار البقاء من وقت مبتدإ،و لهذا لا يقال:إنّه خالد،كما أنّه دائم.

الفرق بين الخلود و البقاء:أنّ الخلود:استمرار البقاء من وقت مبتدإ على ما وصفنا،و البقاء:يكون وقتين فصاعدا.و أصل الخلود:اللّزوم،و منه:أخلد إلى الأرض و أخلد إلى قوله:أي لزم معنى ما أتى به.

فالخلود اللّزوم المستمرّ،و لهذا يستعمل في الصّخور و ما يجري مجراها،و منه قول لبيد:

*حمر خوالد ما يبين كلاهما*

و قال عليّ بن عيسى:الخلود:مضمر بمعنى في كذا، و لهذا يقال:خلّده في الحبس و في الدّيوان،و من أجله قيل للأثافيّ:خوالد،فإذا زالت لم تكن خوالد، و يقال:اللّه تعالى دائم الوجود،و لا يقال:خالد الوجود.(95)

ابن سيده: خلد يخلد خلدا و خلودا:بقي و أقام.

و دار الخلد:الآخرة،لبقاء أهلها.و قد أخلد اللّه أهلها فيها،و خلّدهم،و قوله تعالى: يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ الهمزة:3،أي يعمل عمل من لا يظنّ مع يساره أنّه يموت.

و الخلد:اسم من أسماء الجنّة.

و خلد بالمكان يخلد خلودا،و أخلد:أقام،و هو من ذلك.

و المخلّد (1)من الرّجال:الّذي أسنّ و لم يشب، كأنّه مخلّد لذلك.

و خلد يخلد و يخلد،خلدا و خلودا:أبطأ عنه الشّيب،كأنّما خلق ليخلد.

و الخوالد:الأثافيّ في مواضعها.

و الخوالد:الجبال،و الحجارة،و كلّ ذلك لبقائها.

و خلد إلى الأرض،و أخلد:أقام فيها و مال إليها، و في التّنزيل: وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ الأعراف:

176.

و أخلد إلى الأمر:مال إليه و رضي به.ة.

ص: 641


1- هكذا في الأصل،و الظّاهر:«المخلد»بفتح اللاّم،كما في كتب اللّغة.

و أخلد بصاحبه:لزمه.

و الخلدة:جماعة الحلي،و قوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ الدّهر:19،قال الزّجّاج:

محلّون.

و الخلد:البال،و القلب،و النفس؛و جمعه:أخلاد.

و الخلد،و الخلد:ضرب من الفئرة.

و قيل:الخلد:الفأرة العمياء؛و جمعها:مناجد، على غير لفظ الواحد،كما أنّ واحدة المخاض من الإبل:خلفة.

و قد سمّت:خالدا،و خويلدا،و مخلدا،و خليدا، و يخلد،و خلاّدا،و خلدة،و خالدة،و خليدة.

و الخالدي:ضرب من المكاييل،عن ابن الأعرابيّ.

و الخويلديّة من الإبل:نسبت إلى خويلد،من بني عقيل.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](5:138)

الطّوسيّ: و الخلود:اللّزوم أبدا،و البقاء:

الوجود وقتين فصاعدا،و لذلك لم يجز في صفات اللّه:

خالد،و جاز باق،و لذلك يقال:أخلد إلى قوله،أي لزم معنى ما أتى به،و منه قوله تعالى: وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ الأعراف:176،أي مال إليها ميل اللاّزم لها،كأنّه قبل الخلد فيها.

و الفرق بين الخلود و الدّوام:أنّ الدّوام:هو الوجود في الأوّل،و لا يزال،و إذا قيل:دام المطر، فهو على المبالغة،و حقيقته لم يزل من وقت كذا إلى وقت كذا،و الخلود:هو اللّزوم أبدا.(2:52)

الخلود في اللّغة:هو طول المكث،و لذلك يقال:

خلّده في السّجن و خلّد الكتاب في الدّيوان.

و قيل للأثافيّ: خوالد ما دامت في موضعها،فإذا زالت لا تسمّى خوالد.

و الفرق بين الخلود و الدّوام:أنّ الخلود يقتضي «في»كقولك:خلد في الحبس و لا يقتضي ذلك الدّوام، و لذلك جاز وصفه تعالى بالدّوام دون الخلود،إلاّ أنّ خلود الكفّار المراد به:التّأبيد بلا خلاف بين الأمّة.

(2:524)

و الخلود في العرف:الدّوام في الشّيء كالخلود في الجنّة،مأخوذ من قولهم:خلد هذا الكتاب في الدّيوان، على تقدير الدّوام من غير انقطاع.[و بيّن معنى الأبد ثمّ قال:]

فأمّا الخلود،فليس في كلام العرب ما يدلّ على أنّه بقاء لا غاية له،و إنّما يخبرون به عن البقاء إلى مدّة.[ثمّ استشهد بشعر](5:226)

الرّاغب: الخلود:هو تبرّي الشّيء من اعتراض الفساد،و بقاؤه على الحالة الّتي هو عليها،و كلّ ما يتباطأ عنه التّغيير و الفساد تصفه العرب بالخلود، كقولهم للأثافيّ:خوالد؛و ذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها.يقال:خلد يخلد خلودا،قال تعالى: لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ الشّعراء:129.

و الخلد:اسم للجزء الّذي يبقى من الإنسان على حالته،فلا يستحيل ما دام الإنسان حيّا استحالة سائر أجزائه.و أصل المخلد:الّذي يبقى مدّة طويلة،و منه قيل:رجل مخلد لمن أبطأ عنه الشّيب،و دابّة مخلدة:

هي الّتي تبقى ثناياها حتّى تخرج رباعيّتها،ثمّ استعير للمبقيّ دائما.

ص: 642

و الخلود في الجنّة:بقاء الأشياء على الحالة الّتي عليها من غير اعتراض الفساد عليها،قال تعالى:

أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:

86[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و الخلدة:ضرب من القرطة.و إخلاد الشّيء:

جعله مبقى،و الحكم عليه بكونه مبقى،و على هذا قوله سبحانه: وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ الأعراف:

176،أي ركن إليها ظانّا أنّه يخلد فيها.(154)

الزّمخشريّ: و الخلد:الثّبات الدّائم و البقاء اللاّزم الّذي لا ينقطع،قال اللّه تعالى: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ الأنبياء:

34.(1:262)

خلد بالمكان و أخلد:أطال به الإقامة.و ما بالدّار إلاّ صمّ خوالد،و هي الأثافي.و خلد في السّجن، و خلد في النّعيم:بقي فيه أبدا خلودا و خلدا.

و خلّد اللّه و أخلده.

و من المجاز:فلان مخلد:للّذي أبطأ عنه الشّيب، و الّذي لا تسقط له سنّ،لإخلاده على حالته الأولى و ثباته عليها.و قيل:هو بفتح اللاّم،كأنّ اللّه أخلده عليها.

و أخلد إلى الأرض:اطمأنّ إليها و سكن.

(أساس البلاغة:118)

ابن الأثير: في حديث عليّ يذمّ الدّنيا:«من دان لها و أخلد إليها»أي ركن إليها و لزمها.و منه قوله تعالى: وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ الأعراف:176.(2:61)

الفيّوميّ: خلد بالمكان خلودا،من باب«قعد»:

أقام،و أخلد بالألف مثله.

و خلد إلى كذا و أخلد:ركن.

و الخلد،وزان قفل:نوع من الجرذان خلقت عمياء تسكن الفلوات.

و مخلد وزان جعفر:من أسماء الرّجال.(1:177)

الفيروزآباديّ: الخلد بالضّمّ:البقاء و الدّوام كالخلود،و الجنّة،و ضرب من القبّرة،و الفأرة العمياء؛ و يفتح،أو دابّة عمياء تحت الأرض تحبّ رائحة البصل و الكرّاث،فإن وضع على جحره خرج له فاصطيد،و تعليق شفته العلياء على المحموم بالرّبع يشفيه و دماغه مدوفا بدهن الورد يذهب البرص و البهق و القوابي و الجرب و الكلف و الخنازير،و كلّ ما يخرج بالبدن طلاء؛الجمع:مناجد،من غير لفظه، كالمخاض جمع:خلفة.و السّوار و القرط كالخلدة محرّكة الجمع:كقردة.

و بالتّحريك:البال و القلب و النّفس.

و خلد خلودا:دام،و خلدا و خلودا:أبطأ عنه الشّيب،و قد أسنّ،و بالمكان و إليه،أقام كأخلد و خلّد فيهما.

و الخوالد:الأثافيّ،و الجبال،و الحجارة.

و أخلد بصاحبه:لزمه،و إليه:مال.

و ولدان مخلّدون:مقرّطون أو مسوّرون،أو لا يهرمون أبدا،و لا يجاوزون حدّ الوصافة.(1:302)

الطّريحيّ: و أخلد بالمكان أقام به،و خلد أيضا، و بابه«قعد».و منه جنّة الخلد،أي دار الإقامة.

ص: 643

و الخلد بالتّحريك:البال،يقال:وقع ذلك في خلدي،أي في روعي و قلبي.

و المخلّد إلى الشّيء:المستند إليه.

و أخلد إلى الدّنيا:ركن إليها و لزمها،و منه حديث عليّ عليه السّلام في ذمّ الدّنيا«من دان لها و آثرها و أخلد إليها فكذا».(3:44)

مجمع اللّغة :1-الخلد:دوام البقاء خلد يخلد خلودا و خلدا:دام بقاؤه،فهو خالد و هما خالدان و هم خالدون.

2-خلّده تخليدا فهو مخلّد و هم مخلّدون:

أ-أدام بقاؤه.

ب-حلاّه بالخلد و هي نوع من الأقراط.

3-أخلده إخلادا:أدام بقاؤه.

4-أخلد إليه إخلادا:سكن إليه و ركن.

(1:347)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خلد يخلد خلودا:دام و بقي،و خلد فلان و أخلد:أسنّ و لم يشب.

و خلد بالمكان و أخلد:أطال فيه الإقامة.و أخلد إليه:ركن و اطمأنّ إليه،و أخلد إلى الأرض:لصق بها.

الخلد:الدّوام و البقاء،و أخلده:جعله يدوم و يبقى.

و خلّد الفتاة و غيرها:حلاّها بسوار أو قرط، و منه قوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ الواقعة:17.(1:169)

العدنانيّ: و يقولون:خلّدوا معركة الكرامة بطون الأوراق،و الصّواب:خلّدوها في بطون الأوراق، اعتمادا على اللّسان،و المدّ،و أقرب الموارد،و الوسيط.

و هنالك من ذكر الفعل«خلد»،أو اسم الفاعل منه«خالد»متلوّين،أو مسبوقين بحرف الجرّ«في»أو «الباء»فقد قال سبحانه و تعالى في الآية:257،من سورة البقرة: أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ و قد ورد«خلد في المكان،أو خالد فيه» سبعا و ستّين مرّة أخرى في آي الذّكر الحكيم.

و جاء في مفردات الرّاغب الأصفهانيّ: فِيها خالِدُونَ.

و في الأساس:«خلد في المكان».

و في اللّسان أيضا:«خلد بالمكان».

و في المصباح:«خلد بالمكان».

و في المدّ أيضا:«خلد بالمكان».

و في أقرب الموارد:«خلد الرّجل بالمكان»، و«خلّد به و إليه».

و من معاني خلّد:

خلّد الفتاة أو الفتى:حلاّه بسوار أو قرط،و في الآية السّابعة عشرة من سورة الواقعة: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ.

الخلد:حيوان من القوارض،أعمى،يشبه الفأر، يجمعونه على«مناجذ»على غير قياس،كما جمعوا الخلفة:الحامل من النّوق،على مخاض:اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و الفرائد الدّرّيّة،و أقرب الموارد،و المتن.

و جمع«الخلد»في نسخ بعض المعجمات على

ص: 644

«مناجد»-بالدّال-و أعتقد أنّ هذا تصحيف.

و يسمّون هذا الحيوان أيضا:

أ-الخلد:اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و المتن.

ب-و الخلد:اللّيث بن سعد،و اللّسان،و التّاج، و المدّ،و المتن.

و يجمعون الخلد أيضا على خلدان،و يقولون:إنّ مفرده هو خلد،أو خلدة،أو كلاهما:اللّيث بن سعد، و التّهذيب،و اللّسان،و التّاج،و المدّ،و المتن،و باد جر.

و يجمع الفرائد الدّرّيّة«الخلد»على«خلود» أيضا.و هو جمع قياسيّ،لأنّ كلّ اسم ثلاثيّ ساكن العين،صحيحها غير معتلّ العين،يجمع على«فعول» مثل:خلد و خلود،و جند و جنود،و برد و برود.

و جمع«الخلد»على«خلود»جمع قياسيّ أيضا، لأنّ كلّ اسم ثلاثيّ،مفتوح الفاء،ساكن العين-على أن لا تكون معتلّة بالواو-،يجمع على«فعول»،مثل:

خلد و خلود،و كعب و كعوب،و رأس و رءوس، و عين و عيون.

و جمع«الخلد»على«خلود»جمع قياسيّ أيضا، لأنّ كلّ اسم ثلاثيّ،مكسور الفاء،ساكن العين يجمع على«فعول»،نحو:خلود و خلود،و علم و علوم، و حلم و حلوم و ضرس و ضروس.

و أنا أرى أنّ كلّ من يجمع الخلد أو كلّ من تجمعه على مناجذ،و الخلفة على مخاض يكونان شاذّين كهذين الجمعين،و إن كنت لا أستطيع تخطئتها لغويّا، لأنّه يكون مصيبا و تكون مصيبة:و أرجو أن نكتفي بالجمع:

أ-خلدان:ما دامت سبعة مصادر موثّقة قد سمحت لنا بذلك.

ب-و خلود:ما دام جمعا قياسيّا لفعل و فعل.

(200)

دار في خلده:

و يقولون:دار في خلد فلان،أي في باله أو قلبه أو نفسه،و الصّواب:دار في خلد فلان كذا و كذا؛ و جمعه:أخلاد.

خلد إليه و أخلد إليه:

و يخطّئون من يقول:خلد إلى السّكينة،و يقولون:

إنّ الصّواب هو:أخلد إلى السّكينة،أي ركن إليها، و الفعلان الثّلاثيّ«خلد»،و الرّباعيّ«أخلد» صحيحان.

1-جاء في المصباح:خلد بالمكان:أقام،و أخلد بالألف مثله.و خلد إلى كذا و أخلد:ركن.و عبارة اللّسان،و التّاج،و المتن،شبيهة بعبارة المصباح.

2-و جاء في الأساس،و القاموس،و المدّ، و الوسيط:خلد بالمكان.و أخلد:أطال به الإقامة.

3-و جاء في كتاب الزّجّاج:«فعلت و أفعلت».

و جاء في الآية:176،من سورة الأعراف:

وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ أي سكن إلى الأرض.

و فعله:خلد يخلد خلودا و خلدا.

(معجم الأخطاء الشّائعة:83)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة،هو الدّوام و البقاء،و دوام كلّ شيء بحسبه و بمقتضى

ص: 645

موضوعه و ظرفه،فالدّوام في الدّنيا و في هذه الدّار الفانية و للأجساد البالية:هو طول العمر و المكث الطّويل؛و الدّوام في الآخرة-و هي دار القرار- و للأجسام و الأرواح المستديمة:هو البقاء ما دام تلك الدّار باقية،فهي تدلّ على مطلق الدّوام و البقاء.

أمّا الفرق بين الخلود و البقاء و الدّوام:أنّ البقاء هو استدامة حالة سابقة في وقتين فصاعدا،و يقابله النّفاد.و الدّوام:استمرار البقاء في جميع الأوقات.

و الخلود:استمرار البقاء من وقت مبتدإ معيّن،فهو لزوم مستمرّ.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

فالخلود:مطلق الدّوام و الاستمرار من وقت مبتدإ،و إذا أريد الاستمرار الدّائم فيقيّد بقرينة لفظيّة كالأبد،و نحوه خالِدِينَ فِيها أَبَداً [ثمّ ذكر الآيات في:عذاب الخلد و شجرة الخلد و جنّة الخلد و قال:]

فالخلد في هذه الموارد مستعمل بمعناه اللّغويّ لا الاسميّ،فليس مفهوم«جنّة الخلد»عبارة عن الجنّة الّتي اسمها الخلد،حتّى يكون«الخلد»من أسماء الجنّة.

ثمّ إنّ«الفعل»إذا لوحظ من حيث«هو»:فيعبّر عنه بصيغة المجرّد،و إذا لوحظ من جهة النّظر إلى الفاعل و قيامه به،فيعبّر بصيغة«الإفعال»،و إذا كان النّظر إلى جهة وقوع الفعل و تعلّقه بالمفعول،فيعبّر بصيغة«التّفعيل»،كما في قوله تعالى: وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ الواقعة:17.

ثمّ إنّ الخلود في الجنّة أو النّار:إذا رسخت العقائد الباطلة و الصّفات الرّذيلة في القلب و صارت ملكة،أو العقائد الحقّة و الصّفات الحسنة الرّوحانيّة فيه حتّى تصير ملكة،و هاتان الحالتان إنّما تتحصّلان بالممارسة في الأعمال،طالحة أو صالحة وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :البقرة:39، وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:82،فالنّفس إذا كانت ذات ملكة راسخة و متقوّمة بها،و حصلت لها صورة خاصّة،فهي خالدة في هذه الحالة،و على هذه الصّورة.[ثمّ ذكر بعض الآيات و قال:]

و لا يخفى أنّ التّعبير بالخلود في النّار أو في العذاب أو في جهنّم،أو في الجنّة،أو في الفردوس،أو في الرّحمة، كلّ منها بمناسبة أعمال و أمور مخصوصة.(3:98)

النّصوص التّفسيريّة

يخلد

يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً.

الفرقان:69

الطّبريّ: و يبقى فيه إلى ما لا نهاية في هوان.

(9:418)

الفارسيّ: يقال:خلد في المكان يخلد إذا عطن به و أقام.و حكى أبو زيد:أخلد به،و ما حكاه عن حسين الجعفيّ عن أبي عمرو:(و يخلد)بضمّ الياء و فتح اللاّم و أنّه غلط،فإنّه يشبه أن يكون غلطه من طريق الرّواية،و أمّا من جهة المعنى فلا يمتنع،فيكون المعنى:خلد هو،و أخلده اللّه،و يكون(يخلد)مثل يكرم و يعطى،في أنّه مبنيّ من«أفعل»،و يكون قد

ص: 646

عطف فعلا مبنيّا للمفعول على مثله.إلاّ أنّ الرّواية إذا لم تكن صحيحة لم يجز أن تنسب إلى الّذي تروى عنه.

(3:216)

الزّمخشريّ: و قرئ (يضعف) و (نضعف له العذاب) بالنّون و نصب (العذاب) ،و قرئ بالرّفع على الاستئناف أو على الحال،و كذلك (يخلد) .و قرئ (و يخلد) على البناء للمفعول مخفّفا و مثقّلا من الإخلاد و التّخليد،و قرئ (و تخلد) بالتّاء على الالتفات.(3:101)

مثله الفخر الرّازيّ(24:111)،و نحوه الشّربينيّ (2:674).

ابن عطيّة: و قرأ نافع و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ (يضاعف و يخلد) جزما،و قرأ ابن كثير و أبو جعفر و الحسن (يضعّف) بشدّ العين و طرح الألف،و بالجزم في (يضعّف و يخلد) »

و قرأ طلحة بن سليمان(نضعّف)بضمّ النّون و كسر العين المشدّدة، (العذاب) نصب، (و يخلد) جزم،و هي قراءة أبي جعفر و شيبة،و قرأ عاصم في رواية أبي بكر (يضاعف و يخلد) بالرّفع فيهما،و قرأ طلحة بن سليمان (و تخلد) بالتّاء على معنى مخاطبة الكافر بذلك،و روي عن أبي عمرو (و يخلّد) بضمّ الياء من تحت و فتح اللاّم،قال أبو عليّ:و هي غلط من جهة الرّواية.(4:22)

نحوه القرطبيّ.(13:76)

الطّبرسيّ: أي و يدوم في العذاب مستحقّا به

(4:179)

أبو حيّان:و قرأ نافع و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ (يضاعف له العذاب) مبنيّا للمفعول و بألف،و (يخلد) مبنيّا للفاعل،و الحسن و أبو جعفر و ابن كثير كذلك، إلاّ أنّهم شدّدوا العين و طرحوا الألف.و قرأ أبو جعفر أيضا و شيبة و طلحة بن سليمان (نضعّف) بالنّون مضمومة و كسر العين مشدّدة(العذاب)نصب،و طلحة بن مصرّف(يضاعف)بالياء مبنيّا للفاعل(العذاب) نصبا.

و قرأ طلحة بن سليمان (و تخلد) بتاء الخطاب على الالتفات مرفوعا،أي و تخلد أيّها الكافر.و قرأ أبو حيوة(و يخلّد)مبنيّا للمفعول مشدّد اللاّم مجزوما.

و رويت عن أبي عمرو و عنه كذلك مخفّفا،و قرأ أبو بكر عن عاصم (يضاعف) و (يخلد) بالرّفع عنهما، و كذا ابن عامر و المفضّل عن عاصم (يضاعف) و (يخلد) مبنيّا للمفعول مرفوعا مخفّفا،و الأعمش بضمّ الياء مبنيّا للمفعول مرفوعا مخفّفا،و الأعمش بضمّ الياء مبنيّا للمفعول مشدّدا مرفوعا.فالرّفع على الاستئناف أو الحال،و الجزم على البدل من يَلْقَ.

(6:515)

نحوه الآلوسيّ.(19:48)

الطّباطبائيّ: أي يخلد في العذاب،و قد وقعت عليه الإهانة.

و الخلود في العذاب:في الشّرك لا ريب فيه،و أمّا الخلود فيه عند قتل النّفس المحترمة و الزّنى و هما من الكبائر،و قد صرّح القرآن بذلك فيهما،و كذا في أكل الرّبا،فيمكن أن يحمل على اقتضاء طبع المعصية ذلك،

ص: 647

كما ربّما استفيد من ظاهر قوله: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:116 أو يحمل الخلود على المكث الطّويل أعمّ من المنقطع و المؤبّد،أو يحمل قوله: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ النّساء:114،على فعل جميع الثّلاثة،لأنّ الآيات في الحقيقة تنزّه المؤمنين عمّا كان الكفّار مبتلين به،و هو الجميع دون البعض.(15:241)

مكارم الشّيرازيّ: تتّكئ الآية أيضا على ما سبق،من أنّ لهذه الذّنوب الثّلاثة أهمّيّة قصوى،فيقول تعالى: يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً.

يتجسّد هنا سؤالان:

الأوّل:لما ذا يتضاعف عذاب هذا النّوع من الأشخاص؟لما ذا لا يجازون على قدر ذنوبهم؟و هل ينسجم هذا مع أصول العدالة؟

الثّاني:أنّ الكلام هنا عن الخلود في العذاب،في حين أنّنا نعلم أنّ الخلود هنا مرتبط بالكفّار فقط.و من هذه الذّنوب الثّلاثة الّتي ذكرت في الآية فإنّ الذّنب الأوّل فقط،يكون كفرا،و أمّا قتل النّفس و الزّنى فليسا سببا للخلود في العذاب.

بحث المفسّرون كثيرا في الإجابة على السّؤال الأوّل،و أصحّ ما أوردوه هو أنّ المقصود من مضاعفة العذاب،أنّ كلّ ذنب من هذه الذّنوب الثّلاثة المذكورة في هذه الآية سيكون له عقاب منفصل،فتكون العقوبات بمجموعها عذابا مضاعفا.

فضلا عن أنّ ذنبا ما يكون أحيانا مصدر الذّنوب الأخرى،مثل الكفر الّذي يسبّب ترك الواجبات و ارتكاب المحرّمات،و هذا نفسه موجب لمضاعفة العذاب الإلهيّ.

لهذا اتّخذ بعض المفسّرين هذه الآية دليلا على هذا الأصل المعروف:«إنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كما أنّهم مكلّفون بالأصول».

و أمّا في الإجابة على السّؤال الثّاني،فيمكن القول:إنّ بعض الذّنوب عظيم إلى درجة يكون عندها سببا في الخروج من هذه الدّنيا بلا إيمان،كما قلنا في مسألة قتل النّفس،في ذيل الآية:93،من سورة النّساء.

من الممكن أن يكون الأمر هكذا في مورد الزّنى أيضا،خاصّة إذا كان الزّنى بمحصنة.

و من المحتمل أيضا أنّ الخلود في الآية،في حالة من يرتكب هذه الذّنوب الثّلاثة معا:الشّرك،و قتل النّفس،و الزّنا،و الشّاهد على هذا المعنى الآية التّالية؛ حيث تقول: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً الفرقان:70.

اعتبر بعض المفسّرين أيضا أنّ الخلود هنا بمعنى:

المدّة الطّويلة لا الخالدة،لكن التّفسير الأوّل و الثّاني أصحّ.(11:277)

فضل اللّه :و قد نلاحظ في الآية التّأكيد على الخلود في النّار للمشرك و الزّاني و القاتل للنّفس المحترمة،ممّا قد يتنافى مع الآية الكريمة: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ... النّساء:116،الّتي تدلّ على اختصاص الخلود في النّار بالمشرك،و أمّا غيره فإنّ

ص: 648

المغفرة تلحقه في نهاية الأمر،بالإضافة إلى ما اشتهر بين العلماء،بأنّ المسلم لا يخلّد في النّار حتّى لو كان زانيا أو قاتلا.

و قد أجاب عنه بعض المفسّرين بأنّه محمول على اقتضاء طبع المعصية،لذلك فالقاتل و الزّاني يستحقّان الخلود في النّار،باعتبار أنّ الزّنى و قتل النّفس المحترمة من الكبائر،و لكن المغفرة تلحقهما،أو يحمل الخلود على المكث الطّويل الّذي هو أعمّ من المؤبّد أو المنقطع أو غير ذلك.

و لكن يمكن أن يقال:إنّ هذه المحامل ليست بأولى من حمل المغفرة لما دون الشّرك،على قابليّة ذلك للمغفرة،لا على فعليّتها،و إلاّ لكان مقتضيا لعدم دخول النّار،لأنّ ذلك ينافي المغفرة للذّنب،مع ملاحظته أنّ الإشارة إلى الخلود في النّار قد صرّح بها في القرآن في هذه الآية و في غيرها،في القتل غير المشروع و في الزّنى،ممّا يرجّح ما استظهرناه على ما ذكر من المحامل في الاتّجاه الآخر.فتكون النّتيجة أنّ كلّ شيء قابل للمغفرة ما عدا الشّرك،و لكن بعض الجرائم قد لا تلحقها المغفرة بطبيعتها بل لا بدّ في الحصول عليها من التّوبة،كما هو الحال في الشّرك، فالأمر فيها قد يكون مثل الشّرك في النّتيجة مع اختلافه عنه في الطّبيعة،و المسألة محتاجة إلى التّأمّل الدّقيق،و اللّه العالم.(17:78)

تخلدون

وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. الشّعراء:129

ابن عبّاس: كأنّكم تَخْلُدُونَ في الدّنيا.(311)

الفرّاء:كي ما تخلدوا.(2:281)

الطّبريّ: كأنّكم تخلدون،فتبقون في الأرض.

(9:462)

الزّجّاج: و معنى لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ أي لأن تخلدوا،أي و تتّخذون مباني للخلود،لا تتفكّرون في الموت.(4:96)

الماورديّ: أي كأنّكم تخلدون باتّخاذكم هذه الأبنية،و حكى قتادة:أنّها في بعض القراءات:(كانّكم خالدون).(4:181)

الطّوسيّ: معناه:تفعلون ذلك لكي تبقوا فيها مؤبّدين.(8:45)

الميبديّ: أي كأنّ هذه الأبنية تخلّدكم في الدّنيا.

(7:141)

الزّمخشريّ: ترجون الخلود في الدّنيا،أو تشبه حالكم حال من يخلد،و في حرف أبيّ(كانّكم).

و قرئ (تخلدون) بضمّ التّاء،مخفّفا و مشدّدا.(3:122)

ابن عطيّة: إمّا أن يريد على أملكم و رجائكم، و إمّا أن يريد الاستفهام،على معنى التّوبيخ و الهزء بهم.قرأ الجمهور تَخْلُدُونَ بفتح التّاء و ضمّ اللاّم، و قرأ قتادة (تخلدون) بضمّ التّاء و فتح اللاّم،يقال:

خلد الشّيء و أخلده غيره.و قرأ أبيّ و علقمة (لعلّكم تخلّدون) بضمّ التّاء و فتح الخاء و فتح اللاّم و شدّها، و روي عن أبيّ (كانّكم تخلدون) و روي عن ابن مسعود (كي تخلدون) .(4:238)

الطّبرسيّ: كأنّكم تخلدون فيها فلا تموتون،فإنّ هذه الأبنية بناء من يطمع في الخلود.(4:198)

ص: 649

الفخر الرّازيّ: ترجون الخلد في الدّنيا،أو يشبه حالكم حال من يخلد،و في مصحف أبيّ:(كانّكم) و قرئ (تخلد) بضمّ التّاء،مخفّفا و مشدّدا.

و اعلم أنّ الأوّل:إنّما صار مذموما،لدلالته إمّا على السّرف،أو الخيلاء.و الثّاني:إنّما صار مذموما لدلالته على الأمل الطّويل،و الغفلة عن أنّ الدّنيا دار ممرّ لا دار مقرّ.(24:157)

القرطبيّ: أي كي تخلدوا.و قيل:(لعلّ)استفهام بمعنى التّوبيخ،أي فهل تخلدون؟كقولك:لعلّك تشتمني،أي هل تشتمني؟روي معناه عن ابن زيد.

و قال الفرّاء:كي ما تخلدون،لا تتفكّرون في الموت.

و قال ابن عبّاس و قتادة:كأنّكم خالدون باقون فيها،و في بعض القراءات:(كانّكم تخلّدون)،ذكره النّحّاس.حكى قتادة:أنّها كانت في بعض القراءات:

(كانّكم خالدون).(13:124)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ(لعلّ)على بابها من الرّجاء و كأنّه تعليل للبناء و الاتّخاذ،أي الحامل لكم على ذلك هو الرّجاء للخلود و لا خلود.و في قراءة عبد اللّه:

(كى تخلدون) ،أو يكون المعنى يشبه حالكم حال من يخلد،فلذلك بنيتم و اتّخذتم...

و قرأ الجمهور تَخْلُدُونَ مبنيّا للفاعل،و قتادة مبنيّا للمفعول و يقال:خلد الشّيء و أخلده غيره.و قرأ أبيّ و علقمة و أبو العالية:مبنيّا للمفعول مشدّدا.[ثمّ استشهد بشعر](7:32)

الشّربينيّ: تخلدون فيها فلا تموتون.(3:25)

أبو السّعود:أي راجين أن تخلدوا في الدّنيا،أي عاملين عمل من يرجو ذلك،فلذلك تحكمون بنيانها.

(5:54)

نحوه البروسويّ.(6:295)

الآلوسيّ: أي راجين أن تخلدوا في الدّنيا،أو عاملين عمل من يرجو الخلود فيها،ف(لعلّ)على بابها من الرّجاء،و قيل:هي للتّعليل.و في قراءة عبد اللّه:

(كى تخلدون) .

و قال ابن زيد:هي للاستفهام على سبيل التّوبيخ و الهزء بهم،أي هل أنتم تخلدون،و كون(لعلّ) للاستفهام مذهب كوفيّ،و قال ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما:المعنى كأنّكم خالدون،و قرئ بذلك كما روي عن قتادة،و في حرف أبيّ:(كانّكم تخلدون)، و ظاهر ما ذكر أنّ(لعلّ)هنا للتّشبيه،و حكى ذلك صريحا الواقديّ عن البغويّ.

و في«البرهان»:هو معنى غريب لم يذكره النّحاة، و وقع في صحيح البخاريّ: أنّ(لعلّ)في الآية للتّشبيه، انتهى.(19:110)

القاسميّ: أي راجين الخلود في الدّنيا إشارة إلى أنّ عملهم ذلك،لقصر نظرهم على الدّنيا، و الإعجاب بالآثار،و التّباهي بالمشيّدات،و الغفلة عن أعمال المجدّين البصيرين بالعواقب الصّالحين المصلحين.

الطّباطبائيّ: في مقام التّعليل لما قبله،أي تتّخذون هذه المصانع بسبب أنّكم ترجون الخلود، و لو لا رجاء الخلود ما عملتم مثل هذه الأعمال

ص: 650

الّتي من طبعها أن تدوم دهرا طويلا،لا يفي به أطول الأعمار الإنسانيّة،و قيل:في معنى الآية و مفرداتها وجوه أخرى أغمضنا عنها.(15:300)

عبد الكريم الخطيب :و هذا وجه آخر من الوجوه الّتي يصرف القوم فيها جهدهم،و هو أنّهم يجوّدون في صناعة منازلهم و أمتعتهم و أدوات ركوبهم،حتّى لكأنّهم خالدون في هذه الدّنيا، لا يموتون أبدا،فليتهم إذ أجادوا الصّنعة و أحسنوا العمل فيما هو لدنياهم أن يجيدوا بعض الإجادة و يحسنوا بعض الإحسان لما بعد هذه الحياة الفانية.

(10:145)

فضل اللّه :إذ يخيّل إليكم أنّ خلود البناء و تمرّده عن السّقوط،يؤدّي إلى خلود الإنسان الّذي يقيم فيه، أو أنّ خلوده يوحي بامتداد الذّكر الخالد في التّاريخ، أو ما أشبه ذلك.(17:140)

خالد

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَ أَنْهارٌ... كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ... محمّد:15

ابن عبّاس: لا يموت فيها و لا يخرج منها و هو أبو جهل.(428)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:أمّن هو في هذه الجنّة الّتي وصفها ما وصفنا،كمن هو خالد في النّار.و ابتدئ الكلام بصفة الجنّة،فقيل: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ، و لم يقل:«أمّن هو في الجنّة»،ثمّ قيل بعد انقضاء الخبر عن الجنّة و صفتها: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ و إنّما قيل ذلك كذلك:استغناء بمعرفة السّامع معنى الكلام،و لدلالة قوله: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ على معنى قوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ.

(11:314)

الزّجّاج: المعنى أ فمن كان على بيّنة من ربّه و أعطى هذه الأشياء،كمن زيّن له سوء عمله،و هو خالد في النّار؟(5:10)

الطّوسيّ: و قوله: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ أي يتساوى من له نعيم الجنّة على ما وصفناه و من هو في النّار مؤبّدا؟و مع ذلك سُقُوا ماءً حَمِيماً أي حارّا فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ من حرارتها،و لم يقل:«أمّن هو في الجنّة»لدلالة قوله: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ عليه.

و قيل:معنى قوله: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ أي هل يكون صفتهما و حالهما سواء؟و يتماثلان فيه؟فإنّه لا يكون ذلك أبدا.(9:296)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:المسألة الأولى:على قول من قال: مَثَلُ الْجَنَّةِ معناه وصف الجنّة، فقوله: كَمَنْ هُوَ بما ذا يتعلّق؟نقول:قوله: لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ يتضمّن كونهم فيها،فكأنّه قال:هو فيها كمن هو خالد في النّار،فالمشبّه يكون محذوفا مدلولا عليه بما سبق.و يحتمل أن يقال:ما قيل في تقرير قول الزّمخشريّ:أنّ المراد هذه الجنّة الّتي مثلها ما ذكرنا كمقام من هو خالد في النّار.

المسألة الثّانية:قال الزّجّاج قوله تعالى: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ راجع إلى ما تقدّم،كأنّه قال:أ فمن

ص: 651

كان على بيّنة من ربّه كمن زيّن له سوء عمله و هو خالد في النّار،فهل هو صحيح أم لا؟

نقول:لنا نظر إلى اللّفظ،فيمكن تصحيحه بتعسّف و نظر إلى المعنى لا يصحّ إلاّ بأن يعود إلى ما ذكرناه.

أمّا التّصحيح فبحذف(كمن)في المرّة الثّانية، أو جعله بدلا عن المتقدّم،أو بإضمار عاطف يعطف كَمَنْ هُوَ خالِدٌ على كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ أو كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ.

و أمّا التّعسّف فبيّن نظرا إلى الحذف و إلى الإضمار،مع الفاصل الطّويل بين المشبّه و المشبّه به.

و أمّا طريقة البدل ففاسدة و إلاّ لكان الاعتماد على الثّاني،فيكون كأنّه قال:أ فمن كان على بيّنة كمن هو خالد؟و هو سمج في التّشبيه،تعالى كلام اللّه عن ذلك.

و القول في إضمار العاطف كذلك،لأنّ المعطوف أيضا يصير مستقلاّ في التّشبيه،اللّهمّ إلاّ أن يقال:

يقابل المجموع بالمجموع،كأنّه يقول:أ فمن كان على بيّنة من ربّه،و هو في الجنّة الّتي وعد المتّقون فيها أنهار، كمن زيّن له سوء عمله و هو خالد في النّار.و على هذا تقع المقابلة بين من هو على بيّنة من ربّه،و بين من زيّن له سوء عمله،و بين من في الجنّة،و بين من هو خالد في النّار،و قد ذكرناه فلا حاجة إلى خلط الآية بالآية، و كيف؟و على ما قاله تقع المقابلة بين من هو في النّار و سقوا ماء حميما،و بين من هو على بيّنة من ربّه،و أيّة مناسبة بينهما؟بخلاف ما ذكرناه من الوجوه الأخر، فإنّ المقابلة فيها بين الجنّة الّتي فيها الأنهار،و بين النّار الّتي فيها الماء الحميم،و ذلك تشبيه إنكار مناسب.

المسألة الثّالثة:قال: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ حملا على اللّفظ الواحد،و قال: وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً على المعنى و هو جمع،و كذلك قال من قبل: كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ على التّوحيد و الإفراد وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ محمّد:16،على الجمع،فما الوجه فيه؟

نقول:المسند إلى(من)إذا كان متّصلا فرعاية اللّفظ أولى،لأنّه هو المسموع،و إذا كان مع انفصال فالعود إلى المعنى أولى،لأنّ اللّفظ لا يبقى في السّمع، و المعنى يبقى في ذهن السّامع،فالحمل في الثّاني على المعنى أولى،و حمل الأوّل على اللّفظ أولى.

فإن قيل:كيف قال في سائر المواضع: وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً طه:82، ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ الأنعام:54؟.

نقول:إذا كان المعطوف مفردا أو شبيها بالمعطوف عليه في المعنى،فالأولى أن يختلفا كما ذكرت،فإنّه عطف مفرد على مفرد،و كذلك لو قال:كمن هو خالد في النّار و معذّب فيها،لأنّ المشابهة تنافي المخالفة.أمّا إذا لم يكن كذلك-كما في هذا الموضع-فإنّ قوله:

وَ سُقُوا ماءً جملة غير مشابهة لقوله: هُوَ خالِدٌ و قوله تعالى: وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً بيان لمخالفتهم في سائر أحوال أهل الجنّة،فلهم أنهار من ماء غير آسن، و لهم ماء حميم.

فإن قيل:المشابهة الإنكاريّة بالمخالفة على ما ثبت،و قد ذكرت البعض و قلت:بأنّ قوله: عَلى بَيِّنَةٍ في مقابلة زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ و مِنْ رَبِّهِ في مقابلة قوله: وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ، و الجنّة في مقابلة

ص: 652

النّار في قوله: خالِدٌ فِي النّارِ، و الماء الحميم في مقابلة الأنهار،فأين ما يقابل قوله: وَ لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَ مَغْفِرَةٌ؟

فنقول:«تقطّع الأمعاء»في مقابلة«مغفرة»،لأنّا بيّنّا على أحد الوجوه:أنّ المغفرة الّتي في الجنّة هي تعرية أكل الثّمرات عمّا يلزمه من قضاء الحاجة و الأمراض و غيرها،كأنّه قال:للمؤمن أكل و شرب مطهّر طاهر لا يجتمع في جوفهم فيؤذيهم،و يحوجهم إلى قضاء حاجة،و للكافر ماء حميم في أوّل ما يصل إلى جوفهم يقطّع أمعاءهم،و يشتهون خروجه من جوفهم.و أمّا الثّمار فلم يذكر مقابلها،لأنّ في الجنّة زيادة مذكورة،فحقّقها بذكر أمر زائد.(28:56)

الشّربينيّ: خبر مبتدإ مقدّر،أي أمّن هو في هذا النّعيم كمن هو مقيم إقامة لا انقطاع معها في النّار الّتي لا ينطفئ لهيبها،و لا ينفكّ أسيرها؟و وحّده لأنّ الخلود يعمّ من فيها على حدّ سواء.(4:28)

أبو السّعود :خبر لمبتدإ محذوف،تقديره:أمّن هو خالد في هذه الجنّة-حسبما جرى به الوعد-كمن هو خالد في النّار،كما نطق به قوله تعالى: وَ النّارُ مَثْوىً لَهُمْ محمّد:12.

و قيل:هو خبر ل مَثَلُ الْجَنَّةِ على أنّ في الكلام حذفا،تقديره:أمثل الجنّة كمثل جزاء من هو خالد في النّار.أو أمثل أهل الجنّة كمثل من هو خالد في النّار، فعرّي عن حرف الإنكار،و حذف ما حذف تصويرا لمكابرة من يسوّي بين المتمسّك بالبيّنة و بين التّابع للهوى،بمكابرة من سوّى بين الجنّة الموصوفة بما فصّل من الصّفات الجليلة و بين النّار.(6:87)

نحوه ملخّصا البروسويّ(8:508)،و الآلوسيّ (49:26).

القاسميّ: مَثَلُ الْجَنَّةِ مبتدأ،خبره كَمَنْ هُوَ خالِدٌ بتقدير حرف إنكار و مضاف،أي أمثل أهل الجنّة كمثل من هو خالد،أو أمثل الجنّة كمثل جزاء من هو خالد.فلفظ الآية و إن كان في صورة الإثبات هو في معنى الإنكار و النّفي،لانطوائه تحت حكم كلام مصدّر بحرف الإنكار،و انسحاب حكمه عليه،و هو قوله: أَ فَمَنْ كانَ... و ليس في اللّفظ قرينة على هذا،و إنّما هو من السّياق،و إنّ فيه جزالة المعنى.و ثمّ أعاريب أخر،هذا أمتنها.(15:5381)

الطّباطبائيّ: و قوله: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ قياس محذوف أحد طرفيه،أي أمّن يدخل الجنّة الّتي هذا مثلها كمن هو خالد في النّار،و شرابهم الماء الشّديد الحرارة الّذي يقطّع أمعاءهم،و ما في جوفهم من الأحشاء إذا سقوه،و إنّما يسقونه و هم مكرهون، كما في قوله: وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ.

و قيل:قوله: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ... بيان لقوله في الآية السّابقة: كَمَنْ زُيِّنَ، و هو كما ترى.

(18:233)

خالدا

1- وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ. النّساء:14

ابن عبّاس: دائما في النّار إلى ما شاء اللّه.(66)

الطّبريّ: يقول:باقيا فيها أبدا دائما لا يموت،

ص: 653

و لا يخرج منها أبدا.(3:633)

الزّجّاج: خالِداً من نعت«النّار»و يجوز أن يكون منصوبا على الحال،أي يدخله مقدّرا له الخلود فيها.(2:27)

عبد الجبّار:يدلّ على أنّ من فعل ذلك من أهل الصّلاة يخلد في النّار ما لم يتب.

فإن قال:فليس فيه ذكر التّوبة،فيجب أن يكون مخلّدا في النّار و إن تاب.

قيل له:إنّ اشتراط التّوبة معلوم بالعقل،لأنّه تعالى لا يجوز أن يعاقب من بذل مجهوده في تلافي ما كان منه،كما لا يحسن ممّن أسيء إليه-و قد بذل المسيء مجهوده في الاعتذار على الوجه الصّحيح-أن يذمّه.

و ما دلّ العقل على اشتراطه هو في حكم المتّصل بالقول،و إن كان تعالى قد بيّن كونه شرطا في مواضع.

فإذا صحّ ذلك جعلناه مشروطا،و حملنا الكلام في ما عدا ذلك على ظاهره.[لاحظ:ع ص و،و:ع د ي]

(متشابه القرآن 1:178)

الطّوسيّ: و خالِداً نصب على أحد وجهين:

أحدهما:أن يكون حالا من الهاء في يُدْخِلْهُ.

و الآخر:أن يكون صفة ل«نار»في قول الزّجّاج،كقولك:زيد مررت بدار ساكن فيها،على حذف الضّمير،و التّقدير:ساكن هو فيها،لأنّ اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له لم يتضمّن الضّمير كما يتضمّنه الفعل،لو قلت:يسكن فيها.

و استدلّت المعتزلة بهذه الآية على أنّ فاسق أهل الصّلاة مخلّد في النّار،و معاقب لا محالة.و هذا لا دلالة لهم فيه من وجوه،لأنّ قوله: وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ إشارة إلى من يتعدّى جميع حدود اللّه،و من كان كذلك فعندنا يكون كافرا،و أيضا فلا خلاف أنّ الآية مخصوصة بصاحب الصّغيرة،و إن كان فعل المعصية،و تعدّى حدّا،فإنّه خارج منها،فإن جاز لهم إخراج الصّغيرة منها لدليل،جاز لنا أن نخرج من يتفضّل اللّه عليه بالعفو،أو يشفع فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و أيضا فإنّ التّائب لا بدّ من إخراجه من هذه الآية،لقيام الدّلالة على وجوب قبول التّوبة،فكذلك يجب أن يشترط من يتفضّل اللّه بإسقاط عقابه.

فإن قالوا:قبول التّوبة واجب،و العفو ليس بواجب قلنا:قبول التّوبة واجب إذا حصلت،و كذلك سقوط العقاب واجب إذا حصل العفو.

فإن قالوا:يجوز أن لا يختار اللّه العفو.

قلنا:و كذلك يجوز ألاّ يختار العاصي التّوبة،فإن جعلوا الآية دالّة على أنّ اللّه لا يختار العفو،جاز لغيرهم أن يجعل الآية دالّة على أنّ العاصي لا يختار التّوبة،على أنّ هذه الآية معارضة بآيات كثيرة،في وقوع العفو،كقوله: وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48،على ما سنبيّنه فيما بعد.و قوله: إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً الزّمر:53،و قوله: وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ الرّعد:6،فإن شرطوا في آياتنا التّوبة،شرطنا في آياتهم ارتفاع العفو و الكلام في ذلك مستقصى في الوعيد،لا نطول بذكره[في] هذا الكتاب.

و يمكن-مع تسليم ذلك-أن تحمل الآية على

ص: 654

من يتعدّى الحدود مستحلاّ لها،فإنّه يكون كافرا، و يتناوله الوعيد،على أنّ عند كثير من المرجئة العموم لا صيغة له،فمن أين أنّ(من)يفيد جميع العصاة؟و ما المنكر أن تكون الآية مختصّة بالكفّار.(3:140)

نحوه الطّبرسيّ.(2:20)

الميبديّ: قال أهل المعاني:إنّ معنى الخلود غير معنى التّأبيد،و كلّما ذكر الخلود لا يفيد معنى التّأبيد.قال اللّه تعالى: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ الأنبياء:34،و معلوم أنّ(الخلد)هاهنا بمعنى الفناء و الزّوال للدّنيا،لا بمعنى التّأبيد،و قال في موضع آخر: أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ الأنبياء:34،يعنى إلى أن تزول الدّنيا و تفنى؛فعلم بطلان قول المعتزليّ؛ حيث قال:المؤمن بقتل المؤمن خالد في النّار أبدا.

و أمّا قول المرجئة القائلون:بأنّ المؤمن لا يدخل النّار بقتل المؤمن،و لا يضرّ كبائره بإيمانه،فهذا قول باطل و مخالف لكتاب اللّه،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:

إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48،فلم يطلق المغفرة بل قيّده بمشيئته، ليعلم العباد أنّه يغفر ذنوبا و لا يغفر ذنوبا أخر حتّى يعذّب صاحبه،ثمّ ينجّيه و لا يخلّده في النّار.(2:641)

الزّمخشريّ: و انتصب(خالدين)و(خالدا) على الحال،فإن قلت:هل يجوز أن يكونا صفتين ل (جنات)و(نارا)البقرة:13،14؟

قلت:لا لأنّهما جريا على غير من هما له،فلا بدّ من الضّمير،و هو قولك:خالدين هم فيها،و خالدا هو فيها.(1:511)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:...

المسألة الثّالثة:قرأ نافع و ابن عامر (ندخله جنّات) (ندخله نارا)بالنّون في الحرفين،و الباقون بالياء.

أمّا الأوّل:فعلى طريقة الالتفات كما في قوله:

بَلِ اللّهُ مَوْلاكُمْ ثمّ قال: سَنُلْقِي بالنّون آل عمران:150،151.

و أمّا الثّاني:فوجهه ظاهر.

المسألة الرّابعة:هاهنا سؤال،و هو أنّ قوله:

يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ إنّما يليق بالواحد،ثمّ قوله بعد ذلك خالِدِينَ فِيها إنّما يليق بالجمع،فكيف التّوفيق بينهما؟

الجواب:أنّ كلمة(من)في قوله: وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ مفرد في اللّفظ،جمع في المعنى،فلهذا صحّ الوجهان.

المسألة الخامسة:انتصب(خالدين)و(خالدا) على الحال من الهاء في(ندخله)و التّقدير:ندخله خالدا في النّار.

المسألة السّادسة:قالت المعتزلة:هذه الآية تدلّ على أنّ فسّاق أهل الصّلاة يبقون مخلّدين في النّار؛ و ذلك لأنّ قوله: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ إمّا أن يكون مخصوصا بمن تعدّى في الحدود الّتي سبق ذكرها-و هي حدود المواريث-أو يدخل فيها ذلك و غيره،و على التّقديرين يلزم دخول من تعدّى في المواريث في هذا الوعيد؛و ذلك عامّ فيمن تعدّى و هو من أهل الصّلاة أو ليس من أهل الصّلاة، فدلّت هذه الآية على القطع بالوعيد،و على أنّ الوعيد مخلّد.

ص: 655

و لا يقال:هذا الوعيد مختصّ بمن تعدّى حدود اللّه، و ذلك لا يتحقّق إلاّ في حقّ الكافر،فإنّه هو الّذي تعدّى جميع حدود اللّه.

فإنّا نقول:هذا مدفوع من وجهين:

الأوّل:أنّا لو حملنا هذه الآية على تعدّي جميع حدود اللّه خرجت الآية عن الفائدة،لأنّ اللّه تعالى نهى عن اليهوديّة و النّصرانيّة و المجوسيّة،فتعدّي جميع حدوده هو أن يترك جميع هذه النّواهي،و تركها إنّما يكون بأن يأتي اليهوديّة و المجوسيّة و النّصرانيّة معا، و ذلك محال؛فثبت أنّ تعدّي جميع حدود اللّه محال،فلو كان المراد من الآية ذلك لخرجت الآية عن كونها مفيدة،فعلمنا أنّ المراد منه أيّ حدّ كان من حدود اللّه.

الثّاني:هو أنّ هذه الآية مذكورة عقيب آيات قسمة المواريث،فيكون المراد من قوله: وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ :تعدّي حدود اللّه في الأمور المذكورة في هذه الآيات.و على هذا التّقدير يسقط هذا السّؤال.

هذا منتهى تقرير المعتزلة،و قد ذكرنا هذه المسألة على سبيل الاستقصاء في سورة البقرة.و لا بأس بأن نعيد طرفا منها في هذا الموضع،فنقول:

أجمعنا على أنّ هذا الوعيد مختصّ بعدم التّوبة،لأنّ الدّليل دلّ على أنّه إذا حصلت التّوبة لم يبق هذا الوعيد،فكذا يجوز أن يكون مشروطا بعدم العفو، فإنّ (1)بتقدير قيام الدّلالة على حصول العفو،امتنع بقاء هذا الوعيد عند حصول العفو،و نحن قد ذكرنا الدّلائل الكثيرة على حصول العفو.

ثمّ نقول:هذا العموم مخصوص بالكافر،و يدلّ عليه وجهان:

الأوّل:أنّا إذا قلنا لكم:ما الدّليل على أنّ كلمة (من)في معرض الشّرط تفيد العموم؟

قلتم:الدّليل عليه أنّه يصحّ الاستثناء منه، و الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل فيه.

فنقول:إنّ صحّ هذا الدّليل فهو يدلّ على أنّ قوله:

وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ مختصّ بالكافر،لأنّ جميع المعاصي يصحّ استثناؤها من هذا اللّفظ،فيقال:و من يعص اللّه و رسوله إلاّ في الكفر،و إلاّ في الفسق.

و حكم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل،فهذا يقتضي أنّ قوله: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ في جميع أنواع المعاصي و القبائح؛و ذلك لا يتحقّق إلاّ في حقّ الكافر.

و قوله:الإتيان بجميع المعاصي محال،لأنّ الإتيان باليهوديّة و النّصرانيّة معا محال.

فنقول:ظاهر اللّفظ يقتضي العموم إلاّ إذا قام مخصّص عقليّ أو شرعيّ،و على هذا التّقدير يسقط سؤالهم و يقوى ما ذكرناه.

الوجه الثّاني:في بيان أنّ هذه الآية مختصّة بالكافر:أنّ قوله: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ يفيد كونه فاعلا للمعصية و الذّنب،و قوله: وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ لو كان المراد منه عين ذلك للزم التّكرار، و هو خلاف الأصل،فوجب حمله على الكفر.و قوله:

بأنّا نحمل هذه الآية على تعدّي الحدود المذكورة في المواريث.ه.

ص: 656


1- كذا و الظّاهر:فإنّه.

قلنا:هب أنّه كذلك إلاّ أنّه يسقط ما ذكرناه من السّؤال بهذا الكلام،لأنّ التّعدّي في حدود المواريث تارة يكون بأن يعتقد أنّ تلك التّكاليف و الأحكام حقّ و واجبة القبول إلاّ أنّه يتركها،و تارة يكون بأن يعتقد أنّها واقعة لا على وجه الحكمة و الصّواب،فيكون هذا هو الغاية في تعدّي الحدود،و أمّا الأوّل فلا يكاد يطلق في حقّه أنّه تعدّى حدود اللّه،و إلاّ لزم وقوع التّكرار كما ذكرناه،فعلمنا أنّ هذا الوعيد مختصّ بالكافر الّذي لا يرضى بما ذكره اللّه في هذه الآية،من قسمة المواريث.

فهذا ما يختصّ بهذه الآية من المباحث،و أمّا بقيّة الأسئلة فقد تقدّم ذكرها في سورة البقرة،و اللّه أعلم.

(9:228)

نحوه النّيسابوريّ.(4:202)

القرطبيّ: و العصيان إن أريد به الكفر فالخلود على بابه،و إن أريد به الكبائر و تجاوز أوامر اللّه تعالى، فالخلود مستعار لمدّة ما،كما تقول:خلّد اللّه ملكه.و قد تقدّم هذا المعنى في غير موضع.(5:82)

أبو حيّان :[نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و ما ذكره ليس مجمعا عليه،بل فرع على مذهب البصريّين،و أمّا عند الكوفيّين فيجوز ذلك،و لا يحتاج إلى إبراز الضّمير،إذا لم يلبس على تفصيل لهم في ذلك ذكر في النّحو.و قد جوّز ذلك في الآية الزّجّاج و التّبريزيّ أخذا بمذهب الكوفيّين.(3:192)

نحوه الشّربينيّ.(1:289)

أبو السّعود :حال كما سبق،و لعلّ إيثار الإفراد هاهنا نظرا إلى ظاهر اللّفظ،و اختيار الجمع هناك نظرا إلى المعنى،للإيذان بأنّ الخلود في دار الثّواب بصفة الاجتماع أجلب للأنس،كما أنّ الخلود في دار العذاب بصفة الانفراد أشدّ في استجلاب الوحشة.

(2:109)

نحوه البروسويّ.(2:175)

الآلوسيّ: خالِداً فِيها حال كما سبق، و أفرد هنا و جمع هناك،لأنّ أهل الطّاعة أهل الشّفاعة،و إذا شفّع أحدهم في غيره دخلها معه،و أهل المعاصي لا يشفعون فلا يدخل بهم غيرهم،فيبقون فرادى.أو للإيذان بأنّ الخلود في دار الثّواب بصيغة الاجتماع الّذي هو أجلب للأنس،و الخلود في دار العقاب بصيغة الانفراد الّذي هو أشدّ في استجلاب الوحشة.

و جوّز الزّجّاج و التّبريزيّ كون(خالدين) هناك و(خالدا)هنا،صفتين ل(جنات)أو (نارا.)و اعترض بأنّه لو كان كذلك لوجب إبراز الضّمير،لأنّهما جريا على غير من هما له.و تعقّبه أبو حيّان بأنّ هذا على مذهب البصريّين.و مذهب الكوفيّين جواز الوصفيّة في مثل ذلك،و لا يحتاج إلى إبراز الضّمير؛إذ لا لبس.(4:233)

رشيد رضا :و قد جيء بالحال هنا مفردا كالضّمير المنصوب في قوله:(يدخله)فقال:(خالدا)مراعاة للفظ(من)،و قد اختار الأستاذ في نكتة ذلك أنّ في ذكر أهل الجنّة بلفظ الجمع،إشارة إلى تمتّعهم بالاجتماع و أنس بعضهم ببعض،و المنعم يسّره أن يكون مع غيره.

ص: 657

[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا من قذفه عصيانه للّه و لرسوله في النّار،فإنّ له من العذاب ما يمنعه عن الأنس بغيره،فهو وحيد لا يجد لذّة في الاجتماع بغيره و لا أنسا.فلمّا كان لا يتمتّع بمنفعة من منافع الاجتماع،كان كأنّه وحيد، و التّعبير بلفظ(خالدا)يشير إلى ذلك.

و يؤيّد هذا المعنى الّذي اختاره شيخنا قوله:

وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ الزّخرف:39.

و ظاهر الآية أنّ العاصي المتعدّي للحدود يكون خالدا في النّار،و في المسألة الخلاف المشهور بين الأشعريّة و غيرهم من أهل السّنّة،و بين المعتزلة و من على رأيهم،فهؤلاء يقولون:إنّ مرتكب المعصية القطعيّة الكبيرة يخلد في النّار.و أولئك يقولون:إنّه لا يخلد في النّار إلاّ من مات كافرا،و أمّا من مات عاصيا فأمره إلى اللّه،و هو بين أمرين:إمّا أن يعفو اللّه عنه و يغفر له،و إمّا أن يعذّبه على قدر ذنبه ثمّ يدخله الجنّة،لقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:116،و ستأتي الآية في تفسير هذه السّورة.و كلّ فريق من المختلفين يجعل الآية الّتي تدلّ على مذهبه أصلا يرجع إليه سائر الآيات،و لو بإخراجها عن ظاهرها الّذي يعبّرون عنه بالتّأويل.(4:431)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ الملفت للنّظر في الآية السّابقة أنّ اللّه عبّر عن أهل الجنّة بصيغة الجمع؛حيث قال تعالى: خالِدِينَ فِيها بينما عبّر عن أهل النّار بصيغة المفرد؛حيث قال: خالِداً فِيها.

إنّ هذا التّفاوت في التّعبير في الآيتين المتلاحقتين شاهد واضح على أنّ لأهل الجنّة اجتماعات،أو بعبارة أخرى أنّ هناك حالة اجتماعيّة بين أهل الجنّة و نزلائها،و تلك هي في حدّ ذاتها نعمة من نعمة الجنّة، ينعم بها ساكنوها و أصحابها،بينما يكون الوضع بالنّسبة إلى أهل النّار مختلفا عن هذا،فكلّ واحد من أهل النّار مشغول بنفسه-لما فيه من العذاب-بحيث لا يلتفت إلى غيره،و لا يفكّر فيه،بل هو مهتمّ بنفسه، يعمل لوحده.و هذه هي حالة المستبدّين المتفرّدين بالرّأي و الموقف،و الجماعات المتّحدة و المجتمعة في المقابل،في هذه الدّنيا أيضا فالفريق الأوّل يمثّل أهل جهنّم،بينما يمثّل الفريق الثّاني أهل الجنّة.(3:129)

فضل اللّه :ربما توحي هذه الآية كغيرها من الآيات الّتي تتحدّث عن عذاب المتعدّي لحدود اللّه في أجواء المعصية،بخلود العاصي في النّار،و أنّ المسلم يمكن أن يخلد في النّار بفعل معصيته،و هذا هو ما استدلّ به القائلون بأنّ مرتكب الكبيرة من أهل الصّلاة مخلّد في النّار و معاقب فيها لا محالة-كما جاء في مجمع البيان-و لكنّه أشكل عليهم بأنّ الظّاهر أنّ قوله: وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يراد به جميع حدوده في العقيدة و العمل،و هذه هي صفة الكفّار،لأنّ المؤمن يقف عند حدود اللّه في العقيدة و في بعض مواقع الشّريعة، و يتجاوزها في البعض الآخر،فلا تنطبق عليه الآية.

هذا من جهة،و من جهة أخرى فإنّ صاحب الصّغيرة- بلا خلاف-خارج من عموم الآية.و إن كان فاعلا

ص: 658

للمعصية و متعدّيا حدّا من حدود اللّه،و إذا جاز لهذا القائل إخراجه منه بدليل،جاز لغيره أن يخرج من عمومها من يشفع له النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو يتفضّل عليه اللّه سبحانه بالعفو بدليل آخر.

أيضا،فإنّ التّائب لا بدّ من إخراجه من عموم الآية،لقيام الدّليل على وجوب قبول التّوبة،فكذلك يجب إخراج من يتفضّل اللّه عليه بإسقاط عقابه منها، لقيام الدّلالة على جواز وقوع التّفضّل بالعفو،فإن جعلوا الآية دالّة على أنّ اللّه سبحانه لا يختار العفو، جاز لغيرهم أن يجعلها دالّة على أنّ العاصي لا يختار التّوبة.على أنّ في المفسّرين من حمل الآية على من تعدّى حدود اللّه و عصاه مستحلاّ لذلك،و من كان كذلك،لا يكون إلاّ كافرا.

و لكن من الممكن أن تكون هذه الآية و أمثالها واردة على سبيل تحديد الاستحقاق للعذاب الخالد،لا على بيان الفعليّة،فلا تنافي ما دلّ على عدم خلود المسلم في النّار،لأنّ إسلامه قد يكون سببا في العفو الإلهيّ عنه،و اللّه العالم.(7:131)

2- وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ. النّساء:93

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنّ من يقتل مؤمنا متعمّدا-يعني قاصدا إلى قتله-أنّ جزاؤه جهنّم خالدا فيها،أي مؤبّدا في جهنّم،و غضب اللّه عليه.[إلى أن قال:]

و استدلّت المعتزلة بهذه الآية على أنّ مرتكب الكبيرة مخلّد في نار جهنّم،و أنّه إذا قتل مؤمنا،فإنّه يستحقّ الخلود،و لا يعفى عنه بظاهر اللّفظ.و لنا أن نقول:ما أنكرتم أن يكون المراد بالآية للكفّار و من لا ثواب له أصلا،فأمّا من هو مستحقّ للثّواب،فلا يجوز أن يكون مرادا بالخلود أصلا،لما بيّنّاه فيما مضى من نظائره،و قد روى أصحابنا أنّ الآية متوجّهة إلى من يقتل المؤمن لإيمانه؛و ذلك لا يكون إلاّ كافرا.

و قال عكرمة و ابن جريج:أنّ الآية نزلت في إنسان بعينه ارتدّ ثمّ قتل مسلما،فأنزل اللّه تعالى فيه الآية،لأنّه كان مستحلاّ لقتله.على أنّه قد قيل:إنّ قوله: خالِداً فِيها لا يفهم من الخلود في اللّغة إلاّ طول اللّبث،فأمّا البقاء ببقاء اللّه،فلا يعرف في اللّغة.ثمّ لا خلاف أنّ الآية مخصوصة بمن لا يتوب،لأنّه إن تاب فلا بدّ من العفو عنه إجماعا و به قال مجاهد.[ثمّ بسط الكلام في التّوبة و عدم التّوبة،فلاحظ.](3:294)

الميبديّ: قال أهل المعاني:إنّ معنى الخلود غير معنى التّأبيد،و لا أنّ ذكر الخلود في كلّ مكان بمعنى التّأبيد،قال اللّه تعالى: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ الأنبياء:34،و معلوم أنّ اَلْخُلْدَ هاهنا بمعنى الفناء و الزّوال للدّنيا لا بمعنى التّأبيد،و قال:

أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ الأنبياء:34،إلى أن تزول الدّنيا و تفنى.

و علم بطلان قول المعتزليّ قال:إنّ المؤمن يخلد في النّار بقتل المؤمن.و أمّا قول المرجئة:المؤمن لا يدخل النّار بقتل المؤمن،و لا يضرّ كبائره إيمانه.فهذا قول باطل،و خلاف كتاب اللّه،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ما قال يغفر مطلقا،بل قيّده بمشيئته،حتّى يعلم أنّه من الذّنوب الّتي قد يغفر،و من الذّنوب الّتي لا يغفر، و يعذّب صاحبه،ثمّ يطلقه بسبب من الأسباب حتّى لا يبقى في النّار مخلّدا.(2:641)

ص: 659

و علم بطلان قول المعتزليّ قال:إنّ المؤمن يخلد في النّار بقتل المؤمن.و أمّا قول المرجئة:المؤمن لا يدخل النّار بقتل المؤمن،و لا يضرّ كبائره إيمانه.فهذا قول باطل،و خلاف كتاب اللّه،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ما قال يغفر مطلقا،بل قيّده بمشيئته،حتّى يعلم أنّه من الذّنوب الّتي قد يغفر،و من الذّنوب الّتي لا يغفر، و يعذّب صاحبه،ثمّ يطلقه بسبب من الأسباب حتّى لا يبقى في النّار مخلّدا.(2:641)

الزّمخشريّ: إن قلت:هل فيها دليل على خلود من لم يتب من أهل الكبائر؟

قلت:ما أبين الدّليل و هو تناول قوله: وَ مَنْ يَقْتُلْ أيّ قاتل كان من مسلم أو كافر،تائب أو غير تائب،إلاّ أنّ التّائب أخرجه الدّليل،فمن ادّعى إخراج المسلم غير التّائب،فليأت بدليل مثله.

(1:554)

ابن عطيّة: يكون قوله: خالِداً إذا كانت في المؤمن بمعنى باق مدّة طويلة،على نحو دعائهم للملوك بالتّخليد و نحو ذلك،و يدلّ على هذا سقوط قوله:

«أبدا»فإنّ التّأبيد لا يقترن بالخلد إلاّ في ذكر الكفّار.

(2:95)

الفخر الرّازيّ: [راجع:ق ت ل:«يقتل»]

(10:237)

القرطبيّ: و الخلود لا يقتضي الدّوام،قال اللّه تعالى: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ الأنبياء:

34،و قال تعالى: يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ الهمزة:3، و قال زهير:

*و لا خالدا إلاّ الجبال الرّواسيا*

و هذا كلّه يدلّ على أنّ الخلد يطلق على غير معنى التّأبيد،فإنّ هذا يزول بزوال الدّنيا.و كذلك العرب تقول:لأخلّدنّ فلانا في السّجن،و السّجن ينقطع و يفنى،و كذلك المسجون.و مثله قولهم في الدّعاء:

«خلّد اللّه ملكه و أبّد أيّامه».و قد تقدّم هذا كلّه لفظا و معنى،و الحمد للّه.(5:335)

أبو حيّان :و يكون الخلود عبارة في حقّ المؤمن العاصي عن المكث الطّويل لا المقترن بالتّأبيد؛إذ لا يكون كذلك إلاّ في حقّ الكفّار.و ذهبت المعتزلة إلى عموم هذه الآية و أنّها مخصّصة بعمومها،لقوله:

وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. (3:326)

الشّربينيّ: و المراد بالخلود:المكث الطّويل،فإنّ الدّلائل متظاهرة على أنّ عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم،و لهذا لم يذكر في الآية«أبدا».(1:324)

أبو السّعود :حال مقدّرة من فاعل فعل مقدّر يقتضيه المقام،كأنّه قيل:فجزاؤه أن يدخل جهنّم خالدا فيها.و قيل:هو حال من ضمير«يجزاها»، و قيل:من مفعول«جازاه»،و أيّد ذلك بأنّه أنسب بعطف ما بعده عليه،لموافقته له صيغة.و لا يخفى أنّ ما يقدّر للحال أو للعطف عليه،حقّه أن يكون ممّا يقتضيه المقام اقتضاء ظاهرا،و يدلّ عليه الكلام دلالة بيّنة.

و ظاهر أنّ كون جزائه ما ذكر لا يقتضيه وقوع الجزاء البتّة-كما ستقف عليه-حتّى يقدّر«يجزاه» أو«جازاه»بطريق الإخبار عن وقوعه.(2:180)

نحوه ملخّصا البروسويّ.(2:261)

الآلوسيّ: أي ماكثا إلى الأبد،أو مكثا طويلا إلى حيث شاء اللّه تعالى،و هو حال مقدّرة من فاعل فعل مقدّر يقتضيه المقام،كأنّه قيل:فجزاؤه أن يدخل جهنّم

ص: 660

خالدا.

و قال أبو البقاء:هو حال من الضّمير المرفوع، أو المنصوب في«يجزاها»المقدّر،و قيل:هو من المنصوب لا غيره،و يقدّر«جازاه»،و أيّد بأنّه أنسب بعطف ما بعده عليه،لموافقته له صيغة،و منع جعله حالا من الضّمير المجرور في فَجَزاؤُهُ لوجهين:

أحدهما:أنّه حال من المضاف إليه.

و ثانيهما:أنّه فصل بين الحال و ذيها بخبر المبتدإ.

(5:115)

رشيد رضا :قد استكبر الجمهور خلود القاتل في النّار،و أوّله بعضهم بطول المكث فيها،و هذا يفتح باب التّأويل لخلود الكفّار،فيقال:إنّ المراد به طول المكث أيضا.

و قال بعضهم:إنّ هذا جزاؤه الّذي يستحقّه إن جازاه اللّه تعالى،و قد يعفوه عنه فلا يجازيه،رواه ابن جرير عن أبي مجلز.و فيه أنّ الأصل في كلّ جزاء أن يقع لاستحالة كذب الوعيد كالوعد.و إنّ العفو و التّجاوز قد يقع عن بعض الأفراد لأسباب يعلمها اللّه، فليس في هذا التّأويل تفصّ من خلود بعض القاتلين في النّار.و الظّاهر أنّهم يكونون الأكثرين،لأنّ الاستثناء إنّما يكون في الغالب للأقلّين.

و قال بعضهم:إنّ هذا الوعيد مقيّد بقيد الاستحلال،و المعنى:و من يقتل مؤمنا متعمّدا لقتله مستحلاّ له،فجزاؤه جهنّم خالدا فيها،و فيه أنّ الآية ليس فيها هذا القيد و لو أراده اللّه تعالى لذكره،كما ذكر قيد العمد،و أنّ الاستحلال كفر،فيكون الجزاء متعلّقا به لا بالقتل،و السّياق يأبى هذا.

و قال بعضهم:إنّ هذا نزل في رجل بعينه فهو خاصّ به.و هذا أضعف التّأويلات،لا لأنّ العبرة بعموم اللّفظ دون خصوص السّبب فقط،بل لأنّ نصّ الآية على مجيئه بصيغة العموم من الشّرطيّة جاء بفعل الاستقبال،فقال: وَ مَنْ يَقْتُلْ و لم يقل«و من قتل».

و قال آخرون:إنّ هذا الجزاء حتم،إلاّ من تاب و عمل من الصّالحات ما يستحقّ به العفو عن هذا الجزاء كلّه أو بعضه.و فيه أنّه اعتراف بخلود غير التّائب المقبول التّوبة في النّار.

و لعلّ أظهر هذه التّأويلات قول من قال:إنّ المراد بالخلود:طول المكث،لأنّ أهل اللّغة استعملوا لفظ الخلود،و هم لا يعتقدون أنّ شيئا يدوم دواما لا نهاية له،و كون حياة الآخرة لا نهاية لها لم يؤخذ من هذا اللّفظ وحده،بل من نصوص أخرى.(5:341)

ابن عاشور :و قوله: خالِداً فِيها محمله عند جمهور علماء السّنّة على طول المكث في النّار،لأجل قتل المؤمن عمدا،لأنّ قتل النّفس ليس كفرا باللّه و رسوله،و لا خلود في النّار إلاّ للكفر،-على قول علمائنا من أهل السّنّة-فتعيّن تأويل الخلود بالمبالغة في طول المكث،و هو استعمال عربيّ.

و محمله عند من يكفّر بالكبائر من الخوارج،و عند من يوجب الخلود على أهل الكبائر،على وتيرة إيجاب الخلود بارتكاب الكبيرة.

و كلا الفريقين متّفقون على أنّ التّوبة ترد على جريمة قتل النّفس عمدا،كما ترد على غيرها من

ص: 661

الكبائر،إلاّ نفرا من أهل السّنّة شذّ شذوذا بيّنا في محمل هذه الآية.[ثمّ بسّط الكلام في أنّ القاتل المتعمّد هل يقبل توبته أم لا؟](4:222)

الطّباطبائيّ: و قد أغلظ اللّه سبحانه و تعالى في وعيد قاتل المؤمن متعمّدا بالنّار الخالدة،غير أنّك عرفت في الكلام على قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ النّساء:48،أنّ تلك الآية،و كذا قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً الزّمر:53، تصلحان لتقييد هذه الآية،فهذه الآية توعد بالنّار الخالدة،لكنّها ليست بصريحة في الحتم،فيمكن العفو بتوبة أو شفاعة.

حسنين مخلوف:المراد من الخلود هنا:المكث الطّويل لا الدّوام،لتظاهر النّصوص على أنّ عصاة المؤمنين لا يخلّدون في النّار.و الجمهور على أنّ القاتل إذا تاب و أناب،و عمل عملا صالحا،بدّل اللّه سيّئاته حسنات،و عوّض المقتول من ظلامته،و أرضاه عن طلابته.و ما قيل من أنّه:لا توبة لقاتل المؤمن عمدا، محمول على التّغليظ في الزّجر.(1:163)

مكارم الشّيرازيّ: و قد قرّرت الآية أربع عقوبات أخرويّة لمرتكب القتل العمد،و عقوبة أخرى دنيويّة هي القصاص،و العقوبات الأخرويّة هي:

1-الخلود و البقاء الأبديّ في نار جهنّم؛حيث تقول الآية: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها.

2-إحاطة غضب اللّه و سخطه بالقاتل وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ.

3-الحرمان من رحمة اللّه: وَ لَعَنَهُ.

4-العذاب العظيم الّذي ينتظره يوم القيامة وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً. و الملاحظ هنا أنّ العقاب الأخرويّ الّذي خصّصه اللّه للقاتل في حالة العمد،هو أشدّ أنواع العذاب و العقاب؛بحيث لم يذكر القرآن عقابا أشدّ منه في مجال آخر،أو لذنب آخر.

أمّا العقاب الدّنيويّ الّذي وردت تفاصيله في الآية:179،من سورة البقرة،فهو القصاص،و قد تطرّقنا إليه لدى تفسير هذه الآية،في الجزء الأوّل من كتابنا هذا.

جريمة القتل العمد و العقاب الأبديّ: (5:41)

يرد سؤال في هذا المجال،و هو أنّ الخلود في العذاب قد ورد بالنّسبة إلى من يموت كافرا،بينما قد يكون مرتكب جريمة القتل العمد مؤمنا،كما يحتمل أن يندم على ما ارتكبه من إثم،و يتوب عن ذلك في الدّنيا،و يسعى إلى تعويض و تلافي ما حصل بسبب جريمته،فكيف إذن يستحقّ مثل هذا الإنسان عذابا أبديّا و عقابا يخلّد فيه؟!

إنّ جواب هذا السّؤال يشتمل على ثلاث حالات هي:

1-قد يكون المراد بقتل المؤمن-الوارد في الآية موضوع البحث-هو القتل بسبب إيمان الشّخص،أي استباحة دم المؤمن،و واضح من هذا أنّ الّذي يعمد إلى ارتكاب جريمة قتل كهذه إنّما هو كافر عديم الإيمان،و إلاّ كيف يمكن لمؤمن أن يستبيح دم أخيه المؤمن،و بناء على هذا يستحقّ القاتل الخلود في النّار

ص: 662

و يستحقّ العذاب و العقاب المؤبّد،و قد نقل عن الإمام الصّادق عليه السّلام حديث بهذا الفحوى.

2-كما يحتمل أن يموت مرتكب جريمة القتل العمد مسلوب الإيمان بسبب تعمّده قتل إنسان مؤمن بريء،فلا يحظى بفرصة للتّوبة عن جريمته،فينال في الآخرة العذاب العظيم المؤبّد.

3-و يمكن أيضا أن يكون المراد بعبارة«الخلود» الواردة في الآية هو العذاب الّذي يستمرّ لآماد طويلة،و ليس العذاب المؤبّد.

و يمكن أن يطرح سؤال آخر في هذا المجال،و هو:

هل أنّ جريمة القتل العمد قابلة للتّوبة؟!

لقد ردّ جمع من المفسّرين بالنّفي صريحا على هذا السّؤال،و قالوا:إنّ هذه الجريمة الّتي ورد ذكرها في الآية موضوع البحث غير قابلة للتّوبة مطلقا؛حيث أشارت الرّوايات الواردة في هذا الأمر إلى ذلك،فقد صرّحت الرّوايات بأن لا توبة لقاتل المؤمن عمدا.

و لكنّ الّذي نستنتجه من روح التّعاليم الإسلاميّة و روايات الأئمّة:عليهم السّلام،و غيرهم من علماء الدّين الكبار،و كذلك من فلسفة التّوبة القائمة على أساس التّربية،و الوقاية من الوقوع في الذّنوب و الخطايا في مستقبل الفرد المسلم...المستخلص من ذلك كلّه،هو أنّه لا يوجد ذنب غير قابل للتّوبة،لكنّ التّوبة من بعض الذّنوب تكون مقيّدة بشروط قاسية جدّا، يصعب بل يستحيل أحيانا على الفرد تحقيقها.

و الدّليل على هذا الأمر هو قوله: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:

48.[لاحظ:ق ت ل:«يقتل»](3:342)

فضل اللّه :..أمّا قضيّة الحديث عن الخلود في النّار للقاتل،فإنّها تتّصل بالاستحقاق كأيّة معصية كبيرة،و لا تتّصل بالفعليّة،كأيّ ذنب من الذّنوب الّتي يستحقّ الإنسان عليها العقاب،و لكن يمكن للعفو الإلهيّ أن ينال المذنبين إذا تابوا،و إذا انفتحت عليهم رحمة اللّه.و على ضوء هذا،فلا بدّ من تأويل الرّوايات الدّالّة على أنّه«لا توبة لقاتل المؤمن إلاّ إذا قتله في حال الشّرك ثمّ أسلم و تاب»كما عن ابن عبّاس بحملها على عدم سقوط القصاص بتوبته،باعتبار أنّ ذلك يدخل في حقوق النّاس لا في حقّ اللّه المجرّد،ممّا يجعل القضيّة خاضعة لموقف أولياء الدّم.و ربّما تحمل هذه الرّوايات على سلوك سبيل التّغليظ في القتل...

و فيها مباحث أخرى لاحظ:ق ت ل:«يقتل».

خالدين

فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ. الحشر:17

ابن عبّاس: مقيمين في النّار.(465)

الفرّاء: و هي في قراءة عبد اللّه:(فكان عاقبتهما انّهما خالدان فى النّار)،و في قراءتنا خالِدَيْنِ فِيها نصب،و لا أشتهي الرّفع،و إن كان يجوز؛و ذلك أنّ الصّفة قد عادت على اَلنّارِ مرّتين،و المعنى للخلود،فإذا رأيت الفعل بين صفتين قد عادت إحداهما على موضع الأخرى نصبت الفعل،فهذا من ذلك،و مثله في الكلام قولك:مررت برجل على بابه

ص: 663

متحمّلا به.[ثمّ استشهد بشعر]

فإذا اختلفت الصّفتان،جاز الرّفع و النّصب على حسن.من ذلك قولك:عبد اللّه في الدّار راغب فيك.أ لا ترى أنّ«في»الّتي في الدّار مخالفة(ل«في»الّتي تكون في الرّغبة،و الحجّة ما يعرف به النّصب من الرّفع؛ أ لا ترى الصّفة الآخرة تتقدّم قبل الأولى،إلاّ أنّك تقول:هذا أخوك في يده درهم قابضا عليه،فلو قلت:

هذا أخوك قابضا عليه في يده درهم،لم يجز،و أنت تقول:هذا رجل في يده درهم قائم إلى زيد،أ لا ترى أنّك تقول:هذا رجل قائم إلى زيد في يده درهم،فهذا يدلّ على المنصوب إذا امتنع تقديم الآخر،و يدلّ على الرّفع إذا سهل تقديم الآخر.(3:146)

الطّبريّ: و اختلف أهل العربيّة في وجه نصب قوله: خالِدَيْنِ فِيها فقال بعض نحويّ البصرة نصب على الحال،و فِي النّارِ الخبر،قال:و لو كان في الكلام لكان الرّفع أجود في خالِدَيْنِ قال:

و ليس قولهم:إذا جئت مرّتين فهو نصب لشيء،إنّما فيها توكيد،جئت بها أو لم تجئ بها فهو سواء،إلاّ أنّ العرب كثيرا ما تجعله حالا إذا كان فيها للتّوكيد و ما أشبهه في غير مكان،قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها البيّنة:6.[ثمّ نقل كلام الفرّاء](12:49)

الزّجّاج: و قرأ عبد اللّه بن مسعود (انّهما فى النّار خالدان فيها) ،و هو في العربيّة جائز إلاّ أنّه خلاف المصحف،فمن قال خالِدِينَ فِيها فنصب على الحال،و من قرأ (خالدان) فهو خبر(انّ).(5:149)

الطّوسيّ: أي مؤبّدين فيها و معذّبين.(9:571)

الميبديّ: مقيمين لا يبرحان.(10:54)

الزّمخشريّ: و قرأ ابن مسعود (خالدان فيها)

علي أنّه خبر(انّ)،و فِي النّارِ لغو،و على القراءة المشهورة الظّرف مستقرّ و خالِدَيْنِ فِيها حال.(4:86)

نحوه ابن عطيّة(5:290)،و أبو السّعود(6:231).

القرطبيّ: نصب على الحال.و التّثنية ظاهرة فيمن جعل الآية مخصوصة في الرّاهب و الشّيطان.

و من جعلها في الجنس،فالمعنى:و كان عاقبة الفريقين أو الصّنفين و قرأ الأعمش (خالدان فيها) بالرّفع؛ و ذلك خلاف المرسوم،و رفعه على أنّه خبر(انّ) و الظّرف ملغى.(18:42)

الشّربينيّ: لأنّهما ظلما ظلما لا فلاح معه.

(4:255)

البروسويّ: مقيمين لا يبرحان،و هو حال من الضّمير المقدّر في الجارّ و المجرور المستقرّ.و روي (خالدان)على أنّه خبر(انّ)و فِي النّارِ لغو لتعلّقه ب(خالدان).(9:444)

الآلوسىّ:أبد الآبدين.(28:59)

مكارم الشّيرازيّ: و هذا أصل كلّيّ،فإنّ عاقبة تعاون الكفر و النّفاق،و الشّيطان و حزبه،هو الهزيمة و الخذلان،و عدم الموفّقيّة،و عذاب الدّنيا و الآخرة،في الوقت الّذي تكون ثمره تعاون المؤمنين و أصدقائهم تعاون وثيق و بنّاء،و عاقبة الخير و نهاية الانتصار،و التّمتّع بالرّحمة الإلهيّة الواسعة في عالم

ص: 664

الدّنيا و الآخرة.(8:198)

فضل اللّه :لأنّ الإنسان يتحمّل مسئوليّة نفسه بما يملكه من العقل الّذي يبيّن له الحقيقة،كما يتحمّل الشّيطان المسئوليّة بفعل ما يمارسه من تضليل و إغواء و تهويل.(22:127)

خالدون

1- ...وَ لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

البقرة:25

ابن عبّاس: دائمون،لا يموتون فيها و لا يخرجون منها.(6)

مثله البغويّ.(1:95)

الطّبريّ: خلودهم فيها:دوام بقائهم فيها،على ما أعطاهم اللّه من الحبرة و النّعيم المقيم.(1:213)

الطّوسيّ: أي دائمون يبقون ببقاء اللّه،لا انقطاع لذلك و لا نفاد.(1:110)

نحوه الزّمخشريّ.(1:262)

ابن عطيّة: و الخلود:الدّوام في الحياة أو الملك و نحوه.و خلد بالمكان،إذا استمرّت إقامته فيه.و قد يستعمل الخلود مجازا فيما يطول،و أمّا هذا الّذي في الآية فهو أبديّ حقيقة.(1:109)

نحوه القرطبيّ.(1:241)

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ قالت المعتزلة:الخلد هاهنا:هو الثّبات اللاّزم و البقاء الدّائم الّذي لا ينقطع،و احتجّوا عليه بالآية و الشّعر:

أمّا الآية فقوله: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ الأنبياء:34،فنفى الخلد عن البشر مع أنّه تعالى أعطى بعضهم العمر الطّويل، و المنفيّ غير المثبت،فالخلد:هو البقاء الدّائم.و أمّا الشّعر فقول امرئ القيس:

و هل يعمن إلاّ سعيد مخلّد

قليل هموم ما يبيت بأوجال

و قال أصحابنا:الخلد،هو الثّبات الطّويل سواء دام أو لم يدم،و احتجّوا فيه بالآية و العرف:أمّا الآية فقوله تعالى: خالِدِينَ فِيها أَبَداً و لو كان التّأبيد داخلا في مفهوم الخلد لكان ذلك تكرارا.و أمّا العرف، فيقال:حبس فلان فلانا حبسا مخلّدا،و لأنّه يكتب في صكوك الأوقاف:«وقف فلان وقفا مخلّدا»،فهذا هو الكلام في أنّ هذا اللّفظ هل يدلّ على دوام الثّواب أم لا؟

و قال آخرون:العقل يدلّ على دوامه،لأنّه لو لم يجب دوامه لجوّزوا انقطاعه،فكان خوف الانقطاع ينغّص عليهم تلك النّعمة،لأنّ النّعمة كلّما كانت أعظم كان خوف انقطاعها أعظم وقعا في القلب؛و ذلك يقتضي أن لا ينفكّ أهل الثّواب البتّة من الغمّ و الحسرة، و اللّه تعالى أعلم.(2:131)

البيضاويّ: دائمون،الخلد و الخلود في الأصل:

الثّبات المديد دام أو لم يدم،و لذلك قيل للأثافيّ و الأحجار:خوالد،و للجزء الّذي يبقى من الإنسان على حاله ما دام حيّا:خلد.و لو كان وضعه للدّوام، كان التّقييد بالتّأبيد في قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها أَبَداً النّساء:57،لغوا.و استعماله حيث لا دوام،

ص: 665

كقولهم:«وقف مخلّد»يوجب اشتراكا أو مجازا، و الأصل ينفيهما،بخلاف ما لو وضع للأعمّ منه، فاستعمل فيه بذلك الاعتبار كإطلاق الجسم على الإنسان،مثل قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ الأنبياء:34،لكنّ المراد به الدّوام هاهنا عند الجمهور،لما يشهد له من الآيات و السّنن.

فإن قيل:الأبدان مركّبة من أجزاء متضادّة الكيفيّة،معرّضة للاستحالات المؤدّية إلى الانفكاك و الانحلال،فكيف يعقل خلودها في الجنان؟

قلت:إنّه تعالى يعيدها بحيث لا تعتورها الاستحالة،بأن يجعل أجزاءها مثلا متقاومة في الكيفيّة،متساوية في القوّة،لا يقوى شيء منها على إحالة الآخر متعانقة متلازمة،لا ينفكّ بعضها عن بعض،كما يشاهد في بعض المعادن.(1:39)

نحوه أبو السّعود.(1:96)

صدر المتألهين :و اعلم أنّ الّذين يريدون أن يقتنصوا حقائق المعاني من الألفاظ و المباني،اختلفوا في معنى«الخلود»هل هو بمعنى الزّمان الممتدّ مطلقا،أم بمعنى الدّوام المؤبّد؟

فالمعتزلة على أنّه بمعنى الثّبات اللاّزم و البقاء الدّائم الّذي لا ينقطع؛مستدلّين بقوله تعالى: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ الأنبياء:34،فنفى الخلد عن البشر مع تحقّق العمر الطّويل لبعضهم،فالمنفيّ غير المثبت.

و الأشاعرة على أنّه بمعنى:الثّبات المديد-دام،أم لم يدم-و احتجّوا بقوله تعالى: خالِدِينَ فِيها أَبَداً النّساء:57،و لو كان التّأبيد داخلا في معني الخلود لكان ذلك تكرارا؛و لذلك قيل للأثافيّ و الأحجار:

«خوالد»و للجزء الّذي يبقى من الإنسان على حاله ما دام حيّا:«خلد»،و يستعمل أيضا فيما لا دوام له، كقولهم:«وقف مخلّد».و الاشتراك و المجاز خلاف الأصل،و لا يلزم شيء منهما إذا كان موضوعا للأعمّ، فاستعمل في الأخصّ من جهة اندراجه تحت الأعمّ، كإطلاق الجسم على الإنسان.

و المراد به هاهنا:المعنى الأخصّ،لدلالة الآيات و الأخبار،و شهادة العقل على أنّه بمعنى الدّوام الّذي لا ينقطع،و إلاّ لكان خوف الانقطاع ينغّص عليهم تلك النّعمة،و كلّما كانت النّعمة أعظم كان خوف انقطاعه أشدّ،فيلزم أن لا ينفكّ أهل الثّواب البتّة عن الغمّ و الحسرة؛و الجهل بسوء العاقبة أو عدمها غير جائز عليهم،لأنّ الدّار دار اليقين لا دار الشّكّ و التّخمين،فضلا عن اعتقاد خلاف الحقّ.

و اعترض هاهنا بأنّ الأبدان مركّبة من أجزاء متضادّة الكيفيّة،معرّضة للاستحالات و الانقلابات المؤدّية إلى الانفكاك و الانحلال،فكيف يعقل خلودها في الجنان؟

و أجاب بعضهم عنه بأنّه تعالى يعيدها بحيث لا يعتريها الاستحالة،و لا يعتورها الانفساد،بأن يجعل أجزاؤها متقاومة في الكيفيّة،متساوية في القوّة، لا يقوى شيء منها على إحالة الآخر،متعانقة لا ينفكّ بعضها عن بعض،كما يشاهد في بعض المعادن.

و هذا الجواب في غاية الضّعف،فإنّ تجويز كون

ص: 666

الأجزاء العنصريّة غير قابلة للاستحالة و الانقلاب، خروج بها عن طبائعها الأصليّة.و استحكامها في المزاج-كبعض المعدنيّات-لا يفيد التّأبيد.و التّساوي في الكيفيّة،و القوّة بحسب الاعتدال الحقيقيّ-على تقدير إمكانه و حدوثه-ممّا يستحيل بقاؤها أبدا، لتناهي الأفاعيل و الانفعالات«في»القوى الجسمانيّة، كما برهن في مقامه،لا سيّما و قد حقّقنا في موضعه:أنّ الجواهر الطّبيعيّة المادّيّة كلّها لازمة السّيلان و التّجدّد،غير منفكّة عن الانتقال و الحدثان في كلّ آن بحسب جوهرها و طبيعتها،كما في قوله تعالى: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88.

نعم،يمكن دوامها من جهة الإمداد العلويّ و الإيجاد الفاعليّ،إمدادا بعد إمداد و إيجادا بعد إيجاد.

و الحقّ أنّ الحافظ للمزاج-أيضا-و المديم لأجزاء المركّب عن التّبدّد و الافتراق،ليس صور تلك الأجزاء كلاّ،لأنّها متداعية إلى الانفكاك،مقتضية للحركة إلى أحيازها الطّبيعيّة،و إنّما هي مجبورة بقسر قاسر و جبر جابر سلّطه اللّه عليها،يجبرها على الالتئام،و يمنعها عن الافتراق و الانهزام،و هي صورة، أو نفس،أو ملك جسمانيّ متعلّق بها،حافظ لها و مبق إيّاها-لا بالعدد،بل بالنّوع-و نوعيّتها و تجدّدها العدديّ لا ينافي شخصيّة المركّب و بقائه بالصّورة،لأنّ مناط الشّخصيّة بالصّورة،لا بالمادّة.

فالحيوان-مثلا-بدنه في التّحلّل و الذّوبان، لعكوف الحرارة الغريزيّة و الغريبيّة،و نار الطّبيعة على تحليلها و إذابتها ما دام حياته،و مع ذلك شخصيّته باقية تلك المدّة بالصّورة الحيوانيّة،و هي نفسه أو أمر آخر،لكنّ الفاعل المديم إن كان أمرا قائما بالجسم في وجوده أو في فاعليّته فلا يمكن دوامه بالشّخص، و إلاّ فيمكن،و لهذا يجب الحشر فيما يحتمل البقاء من النّفوس.

فالصّواب أن يقال في كيفيّة بقاء الأبدان الأخرويّة و صيرورة هذه تلك،مع انحفاظ الشّخصيّة بالعدد:إنّ العبرة في ذلك بالنّفس لا بالبدن،فالنّفس باقية، حافظة للبدن.

أمّا في الدّنيا فبإيراد البدل عليه،لانضياف الأجسام الغذائيّة إليه.

و أمّا في الآخرة فبإنشاء النّشأة الآخرة بمجرّد التّصوّرات و الجهات الفاعليّة،فإنّ إنشاء الجسم و تصويرها-لا عن مادّة و حركة بل بمجرّد التّصوّر- من ديدن القوى المجرّدة،فإنّ وجود الأفلاك عن مباديها من الملائكة الفعّالة بإذن اللّه من هذا القبيل.

و كذا الحكم فيما يحضرها نفس الإنسان في عالم باطنه و غيبه من الأجسام العظيمة و الأشكال العجيبة الّتي لم يعهد من هذه الأجساد،و البساتين النّزهة الّتي لم يخلق مثلها في البلاد،فإنّ جميعها حصلت من جانب الفاعل بلا مشاركة القابل.و سينكشف لك إن شاء اللّه سرّ المعاد و حشر الأجساد على وجه لم يبق لأحد فيه مجال الشّكّ و الارتياب،و يزول به التّشوّش في الكلام و الاضطراب.

و الحقّ أنّ قياس أمور الآخرة و أحوالها على ما

ص: 667

يجده الإنسان و يشاهده من هذا العالم،من نقص العقل، و قصور الحكمة،و ضعف البصيرة،و اللّه أعلم.

(2:188)

البروسويّ: أي دائمون أحياء و لا يخرجون منها [إلى أن قال:]

و اعلم أنّ معظم اللّذّات الحسّيّة لمّا كان مقصورا على المساكن،و المطاعم،و المناكح،حسبما يقضي به الاستقراء،و كان ملاك جميع ذلك الدّوام و الثّبات؛إذ كلّ نعمة و إن جلّت حيث كانت في شرف الزّوال و معرض الاضمحلال،فإنّها منغّصة غير صافية من شوائب الألم،بشّر المؤمنون بها و بدوامها تكميلا للبهجة و السّرور.(1:84)

الآلوسيّ: و الخلود عند المعتزلة:البقاء الدّائم الّذي لا ينقطع،و عندنا:البقاء الطّويل،انقطع أو لم ينقطع.و استعماله في المكث الدّائم من حيث إنّه مكث طويل،لا من حيث خصوصه حقيقة،و هو المراد هنا،و قد شهدت له الآيات و السّنن.

و الجهميّة يزعمون أنّ الجنّة و أهلها يفنيان،و كذا النّار و أصحابها.و الّذي دعاهم إلى هذا أنّه تعالى وصف نفسه بأنّه اَلْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ الحديد:3، و الأوّليّة تقدّمه على جميع المخلوقات،و الآخريّة تأخّره،و لا يكون إلاّ بفناء السّوى،و لو بقيت الجنّة و أهلها كان فيه تشبيه لمن لا شبيه له سبحانه،و هو محال،و لأنّه إن لم يعلم أنفاس أهل الجنّة كان جاهلا- تعالى عن ذلك-و إن علم لزم الانتهاء،و هو بعد الفناء.

و لنا النّصوص الدّالّة على التّأبيد و العقل معها، لأنّها دار سلام و قدس،لا خوف و لا حزن.و المرء لا يهنأ بعيش يخاف زواله،بل قيل:البؤس خير من نعيم زائل،و الكفر جريمة خالصة،فجزاؤها عقوبة خالصة لا يشوبها نقص.و معنى اَلْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ ليس كما في الشّاهد،بل بمعنى لا ابتداء و لا انتهاء له في ذاته،من غير استناد لغيره،فهو الواجب القدم المستحيل العدم.و الخلق ليسوا كذلك فأين الشّبه؟

و العلم لا يتناهى فيتعلّق بما لا يتناهى،و ما أنفاس أهل الجنّة إلاّ كمراتب الأعداد،أ فيقال:إنّ اللّه سبحانه لا يعلمها،أو يقال:إنّها متناهية.تبّا للجهميّة ما أجهلهم! و أجهل منهم من قال:إنّ الأبدان مؤلّفة من الأجزاء المتضادّة في الكيفيّة،معرّضة للاستحالات المؤدّية إلى الانحلال و الانفكاك،فكيف يمكن التّأبيد؟و ذلك،لأنّ مدار هذا على قياس هاتيك النّشأة على هذه النّشأة، و هيهات هيهات كيف يقاس ذلك العالم الكامل على عالم الكون و الفساد؟!على أنّه إذا ثبت كونه تعالى قادرا مختارا،و لا فاعل في الوجود إلاّ هو،فلم لا يجوز أن يعيد الأبدان بحيث لا تتحلّل،أو إن تحلّلت فلم لا يجوز أن يخلق بدل ما تحلّل دائما أبدا؟و سبحان القادر الحكيم الّذي لا يعجزه شيء.(1:205)

رشيد رضا :الخلود في اللّغة:طول المكث،و من كلامهم خلد في السّجن،كما في«الأساس»،و في الشّرع:الدّوام الأبديّ،أي لا يخرجون منها،و لا هي تفنى بهم فيزولوا بزوالها،و إنّما هي حياة أبديّة لا نهاية لها،وفّقنا اللّه لما يجعلنا من خيار أهلها من العلوم الصّحيحة،و الأعمال الصّالحة،الّتي ترتقي بها

ص: 668

الأرواح،و تستعدّ لذلك الفلاح.(1:234)

فضل اللّه :لأنّ الجنّة هي دار البقاء،من خلال ما يعلمه اللّه من ذلك،في ما قدّره لعباده في الآخرة.

(1:194)

2- بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. البقرة:81

هنا بحث في وعيد أهل الكبائر،فلاحظ:ص ح ب:

«اصحاب».

3- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا... أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. البقرة:257

صدر المتألهين :في قوله تعالى: هُمْ فِيها خالِدُونَ و فيه مناظر:

المنظر الأوّل:في فائدة لفظ«الخلود»هاهنا.

اعلم أنّ بعض الممكورين بالعقل-من ضلاّل الملاحدة و جهّال الفلاسفة و الطّباعيّة و غيرهم- لفرط غفلتهم و غلبة مغاليط ظنونهم،قد ظنّوا أنّ قبائح أعمالهم و فضائح أفعالهم و أقوالهم لا يؤثّر في صفاء أرواحهم و تغيّر أحوالهم،فإذا فارقت الأرواح الأجساد يرجع كلّ شيء إلى أصله،فالأجساد ترجع إلى العناصر،و الأرواح ترجع إلى حظائر القدس، و لا يزاحمها شيء من نتائج الأعمال إلاّ أيّاما معدودة،كما حكى اللّه عنهم في قوله: وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً البقرة:80،و ذلك بقدر فطام الأرواح عن لبان التّمتّعات الحيوانيّة.

و هذا ظنّ فاسد و كفر صريح من وساوس الشّيطان و هواجس النّفس،و ليس بمعقول،لأنّ العاقل يشاهد حسّا و عقلا أنّ تتبّع الشّهوات الحيوانيّة و استيفاء اللّذّات النّفسانيّة يورث الأخلاق الذّميمة من الحرص و الحقد و الحسد و البغض و الغضب و البخل و الكبر و الكذب و غير ذلك،و أنّ الّذي يرتاض نفسه بالمجاهدات و ترك الشّهوات و نهي الهوى عن المألوفات و المستلذّات،و يمنعها من الأخلاق المذمومات،يورث هذه المعاملات (1)مكارم الأخلاق و صفاء القلب و دقّة النّظر و صدق الفراسة و إصابة الرّأي و نور العقل و علوّ الهمّة و خلوّ السّرّ عن محبّة الباطل،و شوق الرّوح إلى درك الحقّ، و تحنّنه إلى وطنه الأصليّ،و غير ذلك من المقامات العليّة و الأحوال السّنيّة.

فالعاقل لا يشكّ في أنّ الرّوح المتّبع للنّفس الأمّارة -كما يكون للعوامّ-لا يكون مساويا بعد المفارقة مع الرّوح المتّبع لإلهامات الحقّ-كما يكون للخواصّ- كقوله تعالى: أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الملك:22.

و بعضهم قالوا:و إن تكدّرت الأرواح بقبائح أعمال الأشباح (2)و تدنّست (3)بقدر تعلّقها بمحبوبات طباعها،فبعد المفارقة بقيت في العذاب أيّاما معدودات،ت.

ص: 669


1- خ:المقابلات.
2- خ:الأشياع:الأتباع.
3- خ:نزلت.

على قدر انقطاع التّعلّقات عنها و زوال الكدورات،ثمّ يتخلّص من العذاب و يرجع إلى حسن المآب.

و هذا أيضا و هم فاسد و خيال كاسد،فكذّبهم

بقوله: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:81،يعني من كسب سيّئة يظهر بقدرها على مرآة قلبه رينا،فإن تاب محا عنه،و إن لم يتب و يصير على السّيّئات حتّى أحاطت بمرآة قلبه رين سيّئاته بحيث لا يبقى فيه صفاؤه الفطريّ،و خرج منه نور الإيمان و ضياء الطّاعات،فأحبط أعماله الصّالحات و أحاطت به الخطيئات،فهو خالد في النّار مؤبّدا،يدلّ على هذا قوله: بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ المطفّفين:14.

المنظر الثّاني:في بيان أنّ منشأ الخلود في النّار هو الكفر لا غير،خلافا للمعتزلة القائلين بأنّ صاحب الكبيرة يخلد في النّار.

و التّحقيق في هذا أنّ رؤساء أتباع الشّيطان في خلقة الإنسان-كما مرّ-ثلاثة:القوّة الوهميّة الّتي هي رئيس المدارك الجزئيّة الحسّيّة،ينبعث منها الشّوق إلى اللّذّات النّفسانيّة،و القوّة الشّهويّة الّتي هي رئيس سائر القوى الخياليّة للمقاصد الحيوانيّة الصّارفة للنّفس عن طريق الآخرة و المطالب الأخرويّة، و القوّة الغضبيّة الّتي هي منشأ الموذيّات الضّارّة، و مبدأ الجناية و الجور و القهر و الغلبة على بني النّوع و الجنس.

و كلّ منها يدعو الإنسان بحسب طبعها و ناريّتها المكمونة فيها،فإذن هي كأنّها نيرانات كائنة في أحجار كبريتيّة،وقودها المشتهيات من ملاذّ الدّنيا و نعيمها،و استعمال تلك النّيران عند الوقود كأنّها حريق لا يطفأ و لهب لا يخمد،كأمواج بحر متلاطمة، أو كرياح عاصفة تدمّر كلّ شيء.

أو لا ترى أنّ حرارة شهوة المأكولات عند الجوع كأنّها لهيب نيران لا يطفأ،و حرارة شهوة المنكوحات عند هيجان الحركة كأنّها حريق نار ترمي بشرر كالقصر،و حرارة نار الكبر و الغضب كأنّها تدّعي الرّبوبيّة،و حرارة نار الافتخار و المباهات كأنّها أعلى موجود و أفضل معبود،و النّاس عبيد و خدم لها.

ألا إنّ منبع جميع هذه النّيرانات،و كبريت هذه الشّعلات هي القوّة الوهميّة الّتي هي مبدأ الغواية و الضّلالة و المغالطة و سوء الظّنّ،و الدّاعي إلى الشّرّ بكفره و غلطه و تغليطه و وسوسته،فإنّ الوهم ما لم يتروّج الباطل في صورة الحقّ لم ينبض عرق الجاهليّة و القباحة في شيء من القوى،فهو أوّل من قرع باب الكفر و الإنكار و الجحود و العناد و الاستكبار،ثمّ عمل بوفقه القوى العمّالة الّتي هي من توابعها،كما قال اللّه تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ إبراهيم:28،29.

و إنّما عظّم اللّه تعالى أمر الأفعال القبيحة المنسوبة إلى المبدإ الإدراكيّ الوهميّ ما لم يعظّم في قبائح أفاعيل القوى الغضبيّة كالقتل،و الشّهويّة كالزّنى و أمثالهما، أو لا ترى أنّه قد عظّم أمر الإفك في الوعيد ما لم يغلظ

ص: 670

في غيره؛حيث قال: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ... النّور:11،فبالغ عليه بما لم يبالغ في باب الزّنى (1)و قتل النّفس المحرّمة،لأنّ عظم الرّذيلة و كره المعصية إنّما يكون على حسب القوّة الّتي هي مصدرها،فيتفاوت حال الرّذائل في حجب صاحبها عن الحضرة الإلهيّة و الأنوار القدسيّة، و توريطه في المهالك الهيولانيّة و المهاوي الظّلمانيّة، على حسب تفاوت مبادئها.فكلّما كانت القوّة الّتي هي مصدرها و مبدؤها أشرف،كانت الرّذيلة الصّادرة منها أردأ أو بالعكس،لأنّ الرّذيلة ممّا يقابل الفضيلة، فكلّما كانت الفضيلة أشرف كان ما يقابلها من الرّذيلة أخسّ،و الإفك رذيلة القوّة النّاطقة الوهمانيّة،و الزّنى رذيلة القوّة الشّهويّة،و القتل رذيلة القوّة الغضبيّة، فبحسب فضل الأولى على الباقين تزداد رداءة رذيلتها و دوام عقابها.

و ذلك أنّ الإنسان إنّما يكون إنسانا بالأولى،و بها يكون ترقّيه إلى العالم العلويّ و توجّهه إلى الجناب الإلهيّ،و تحصيله للمعارف و الكمالات،و اكتسابه للخيرات و السّعادات،و إذا فسدت بغلبة الشّيطان عليها،و احتجبت عن النّور باستيلاء الظّلمة،و نزلت عن رتبة الأرواح إلى درجة الشّيطان،حصلت الشّقاوة،و وجبت العقوبة بالنّار الكبرى،و هو الرّين و الحجاب الكلّيّ كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ* كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ المطفّفين:14،15.

و لهذا حكم على الكفّار بالخلود في النّار في قوله:

هُمْ فِيها خالِدُونَ فبان دوام العذاب و خلود العقاب بفساد الاعتقاد،دون فساد الأعمال،فإنّ الصّفات النّاشئة من الأعمال و إن كانت نفسانيّة إلاّ أنّها كالعوارض،و الفساد في العارض للشّيء يرجى زواله،بخلاف سوء الاعتقاد في اللّه و حقائق الملكوت و إنكار المعاد و إنكار الأنبياء و الأولياء،و الجهل بأحوالهم و طريقتهم إلى الحقّ،فإنّه داخلة في قوام الرّوح كما قرّرناه.و الفساد في ذات الشّيء و قوامه يوجب الهلاك،و موت الرّوح بالجهل لا ينافي بقاء النّفس المنكوسة لأجل خلود العقاب-كما هو التّحقيق عند أرباب الحكمة الإيمانيّة-.

فرذيلة النّاطقة النّفسانيّة الإنسانيّة توجب خلود العقاب،بخلاف رذيلة القوّتين الباقيتين،كما قال اللّه تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48.

و ذلك لأنّ رذيلة كلّ منهما إنّما تصدر بظهورها على القوّة النّطقيّة،ثمّ ربّما محيت بانقهارها و تسخّرها لك عند سكون هيجانها و فتور سلطانها،باستيلاء غلبة النّور و تسلّطها عليها بالطّبع،كحال النّفس اللّوّامة عند التّوبة و النّدامة.

و إن فرض أنّها بقيت في الإضرار و ترك الاستغفار، و لكن لا تبلغ رذيلتها مقام رذيلة الرّوح الّذي هو محلّ معرفة اللّه و مناجاة الرّبّ،و لا تتجاوز حدّ الصّدر و لا تصير الفطرة بها محجوبة و الحقيقة منكوسة،ء.

ص: 671


1- خ:الرّياء.

بخلاف رذيلة النّاطقة،أ لا ترى أنّ الشّيطنة المعنويّة للأولى أبعد عن الحضرة الإلهيّة من السّبعيّة و البهيميّة بما لا يقدر قدره.فالإنسان برسوخ الرّذيلة النّطقيّة يصير شيطانا مريدا-و الشّيطان الّذي هو إبليس إنّما أبعد الخلق عن اللّه تعالى،و موضع اللّعن هو إبليس و مظهر اسم«المضلّ»لأنّه كان جبرئيل الأصل، فبالجهل المركّب انقلب عن كونه ملكا كريما إلى كونه شيطانا لعينا-و برسوخ الرّذيلتين الأخريين يصير حيوانا كالبهيمة أو السّبع،و كلّ حيوان أرجى صلاحا و أقرب فلاحا من الشّيطان،و لهذا قال تعالى:

هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ الشّعراء:221،222،و ذلك لكونه أبعد عن قبول التّغيّرات و الاستحالات،بخلاف الحيوان لكونه أقرب إلى أفسق ما يتغيّر و يستحيل، فينجو عن العذاب.

فثبت ممّا ذكرنا أنّ ذنوب القوّة النّطقيّة و معاصيها أعظم عند اللّه من ذنوب القوّة الجسمانيّة،و أمّا عند جمهور النّاس حيث يكون نظرهم مقصورة على الأمور المحسوسة فالأمر بعكس ذلك،و لهذا المعنى قال سبحانه في باب الإفك: وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظِيمٌ النّور:15.

فعلم ممّا ذكرنا فساد مذهب المعتزلة و الزّيديّة القائلين بخلود صاحب الكبيرة مطلقا في النّار،و قد أشرنا سابقا أنّ ضربا من الكبائر الّتي توجب للنّفس رذيلة نطقيّة راسخة أو يكون نفس تلك المعصية كاشفة عن ذلك-كصدور بعض المعاصي من بعض النّاس في بعض الأمكنة و الأزمنة،مثل شيخ كبير السّنّ في زمرة المنتسبين إلى العلم يباشر الملاهي و الغناء عند جوار الرّوضات المقدّسات-فمثل هذه المعصية و إن كانت من ذنوب القوى الحيوانيّة إلاّ أنّها دالّة على فساد الاعتقاد بحرمة الرّسول و أولاده الأمجاد-عليهم عظائم التّسليمات من الملائكة الجواد -فمنشأ الخلود في العقاب بالحقيقة ليس إلاّ رذيلة النّاطقة كالكفر و ما يوجبه.

المنظر الثّالث:في تقرير الجواب عن حجّة من يعتقد اشتراك أصحاب الكبائر مع الكفّار في الخلود في النّار،كالمعتزلة و غيرهم.

اعلم أنّ في إثبات الوعيد لأصحاب الكبائر-غير الكفر باللّه و آياته و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر-إذا ماتوا قبل التّوبة خلافا لأهل القبلة و بين علماء الإسلام:

فمنهم من قطع لوعيدهم إمّا مخلّدا-و هو قول جمهور المعتزلة و الخوارج-و إمّا منقطعا-و هو قول البشر المريسيّ و الخالديّ-و منهم من قطع بأنّه لا وعيد لهم و ينسب إلى مقاتل بن سليمان المفسّر.

و الّذي عليه أكثر المحقّقين و الصّحابة و التّابعين و أصحابنا الإماميّة و أهل السّنّة:القطع،لجواز العفو عنه تعالى،و بأنّه سبحانه يعفو عن بعض العصاة،و أنّه إذا عذّب أحدا منهم فلا يعذّبه أبدا،و لكنّا نتوقّف في حقّ البعض المعفوّ عنه و البعض المعذّب على التّعيين.

أمّا المعتزلة كصاحب«الكشّاف»و غيره، فاستدلّوا بأدلّة سمعيّة كالعمومات الواردة في وعيد

ص: 672

الفسّاق،كقوله تعالى: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:81،و قوله: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها النّساء:14،و قوله:

إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ المطفّفين:7،و قوله:

إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً النّساء:10.

و من الحديث:«من شرب الخمر في الدّنيا و لم يتب منها لم يشربها في الآخرة»،و«من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنّة»،«الّذي يشرب في آنية الذّهب و الفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم»،و عن أبي سعيد الخدريّ: قال صلّى اللّه عليه و آله:«و الّذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلاّ دخل النّار»و إذا استحقّوا النّار ببغضهم فلأن يستحقّوا بقتلهم أولى.

و أجيب بالمنع من أنّ هذا صيغ العموم بدليل صحّة إدخال الكلّ و البعض عليها،نحو«كلّ من دخل داري فله كذا،و بعض من دخل»و لا يلزم تكريره و لا تناقض،و لأنّ الأكثر قد يطلق عليه لفظ الكلّ و لاحتمال المخصّصات.

و القاطعون بنفي العذاب عن الكبائر احتجّوا بقوله تعالى: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ النّحل:27، يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ الزّمر:53، وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ الرّعد:6، لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى* اَلَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلّى الليل:

15،16.

و بالعمومات الواردة في الوعد مثل: وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ البقرة:4، حكم بالفلاح على كلّ من آمن.

و عورض بالعمومات.

و أمّا المحقّقون الّذين قطعوا بالعفو في حقّ البعض فقد تمسّكوا بنحو قوله عزّ من قائل: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48، و بأنّ عمومات الوعد و الوعيد لمّا تعارضتا فلا بدّ من التّرجيح لجانب الوعد بصرف التّأويل،لأنّ العفو عن الوعيد مستحسن عند العقل،و المعتزلة أيضا معترفون بأنّ العفو مستحسن عقلا إلاّ أنّ النّقل لم يساعده- على زعمهم-فإهمال الوعد يكون بالضّدّ،أي يكون غير مستحسن،فترجيح الوعيد يوجب ترجيح الجانب المرجوح.

و أيضا القرآن مملوء من نحو قوله:«غفورا،رحيما ،كريما»كذا الأخبار في هذا المعنى يكاد يبلغ حدّ التّواتر.

و أيضا إنّ صاحب الكبيرة أتى بما هو أفضل الخيرات-و هو الإيمان-و لم يأت بما هو أقبح القبائح- و هو الكفر-فلا يهدمه ما سوى الكفر عن المعاصي، و لهذا قال يحيى بن معاذ الرّازيّ: «إلهي إذا كان توحيد ساعة يهدم كفر خمسين سنة فتوحيد خمسين سنة كيف لا يهدم معصية سنة؟إلهي لمّا كان الكفر لا ينفع معه شيء من الطّاعات،كان مقتضى العدل أنّ الإيمان لا يضرّ معه شيء من المعاصي».

فإذا دلّت الآيات على الوعد و الوعيد فلا بدّ من

ص: 673

التّوفيق بينهما،فإمّا أن يصل العبد إلى دار الثّواب ثمّ إلى دار العقاب-و هو باطل بالإجماع-أو يصل إليه العقاب ثمّ ينقل إلى دار الثّواب،و يبقى هنالك أبد الآباد،و هو المطلوب.

المنظر الرّابع:في تقرير الإشكال في خلود العذاب بالنّار لأهل النّكال من الكفّار،و الجواب عن هذا السّؤال حسب ما يتأتّى لأحد من المقال.

اعلم أنّ في تعذيب اللّه بعض عباده عذابا أبديّا إشكالا عظيما،خصوصا عند القائلين بالتّحسين و التّقبيح العقليّين،فإنّ اللّه خالق العباد و موجدهم و مبدئهم و معادهم،و شأن العلّة الفاعلة الإفاضة و الإيجاد على معلوله؛إذ ليس المعلول إلاّ رشحة من رشحات جوده،و لمعة من لمعات وجوده،و تعذيب الأبديّ منافي الإيجاد و العلّيّة.

و أيضا فإنّ ذاته محض الرّحمة و الخير و النّور، و كلّ ما يصدر عنه يجب أن يكون من باب الجود و اللّطف و الكرم،و وجود العاهات و الشّرور إنّما يكون عنه بالعرض و على سبيل الشّذوذ و النّدور، و لأنّه سبقت رحمته غضبه،فإنّ الرّحمة ذاتيّة و الغضب أمر عارض،و العرض الاتّفاقيّ لا يكون دائميّا كما حقّق في مقامه.

قال العلاّمة القيصريّ في«شرح الفصوص»:

«و اعلم أنّ من اكتحلت عينه بنور الحقّ يعلم أنّ العالم بأسره عباد اللّه،و ليس لهم وجود و صفة و فعل إلاّ باللّه و حوله و قوّته،و كلّهم محتاجون إلى رحمته،و هو الرّحمن الرّحيم،و من شأن من هو موصوف بهذه الصّفات أن لا يعذّب أحدا عذابا أبديّا.

فهذا تقرير الإشكال،و لصعوبته أنكر الشّيخ محي الدّين العربيّ الخلود في العذاب من اللّه تعالى لأحد من العباد،زاعما«أنّه ليس في شيء من الآيات نصّ لا يقبل التّأويل في خلود التّعذيب بالنّار،بل في خلود الكون فيها للكفّار».

قال في«الفصّ اليونسيّ»من فصوص الحكم:

«و أمّا أهل النّار فمآلهم إلى النّعيم و لكن في النّار،إذ لا بدّ لصورة النّار بعد انتهاء مدّة العذاب أن يكون بردا و سلاما على من فيها،و هذا نعيمهم،فنعيم أهل النّار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل اللّه عليه السّلام حين ألقي في النّار،فإنّه عليه السّلام تعذّب برؤيتها و بما تعود في علمه، و تقرّر من أنّها صورة تؤلم من جاورها من الحيوان، و ما علم مراد اللّه فيها و منها في حقّه،فبعد وجود هذه الآلام وجد بردا و سلاما مع شهود الصّورة النّاريّة في حقّه،و هي نار في عيون النّاس،فالشّيء الواحد قد يتنوّع في عيون النّاظرين.

و غاية ما يتأتّى لأحد أن يقول في التّفصّي عن هذا الإشكال:إنّ مراتب العذاب مختلفة بالإضافة إلى الآحاد،فربّ عذاب يكون شديدا لأحد ضعيفا لغيره، و مراتب الشّدّة و الضّعف مختلفة باختلاف المشاعر و المدارك،كما تجد هذه التّفرقة في الأشخاص المعذّبين في هذه الدّنيا،بل ربّ عذاب لأحد يكون راحة و لذّة لآخر،كما ترى من اشتغال بعض النّاس بأمور دنيّة و مناصب خسيسة،يكون فيها غاية الألم و العذاب للنّفوس الشّريفة،و مع ذلك يفتخرون بها

ص: 674

و يباهون على غيرهم.

كيف لا،و جميع الشّهوات و اللّذّات الدّنيويّة عند أرباب المعارف الإلهيّة يكون من قبيل الآلام و الغموم، و يكون مباشرتها و التّلذّذ بها كمباشرة الكناسيّ و الأتونيّ بالرّوث و السّرجين و تلذّذهم عن رائحتها، كما أنّ تنفّر أكثر النّاس عن العلوم الحقيقيّة و المعارف الإلهيّة كنفر الجعل من روائح الورد.

ثمّ إنّ العذاب كما قد يراد منه المعنى المصدريّ،أي التّعذّب،كذا يراد منه اسم ما يتعذّب به كالنّار مثلا، و هذا غير مستلزم لذاك،فالنّصوص الواردة في الخلود في العذاب أيضا لو كانت مثل قوله تعالى: لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ البقرة:162،يمكن أن يؤوّل فيها العذاب بالمعنى الاسميّ لا المصدريّ،و إن كان الثّاني أظهر بحسب اللّفظ.

ثمّ لا يذهب على أحد أنّ الكون في الجحيم غير مستلزم للعذاب الأليم،فإنّ الزّبانية و السّدنة من سكّانها ليسوا معذّبين بها-كما مرّ ذكره آنفا-و القول بانتهاء مدّة التّعذيب للكفّار و إن كان باطلا عند جمهور الفقهاء و المتكلّمين و بدعة و ضلالة-لادّعائهم تحقّق النّصوص الجليّة في خلود العذاب،و وقوع الإجماع من الأمّة في هذا الباب-إلاّ أنّ كلاّ منها غير قطعيّ الدّلالة؛بحيث تعارض الكشف الصّريح أو البرهان النّيّر الصّحيح.

أمّا النّصّ:فما من لفظ إلاّ و يمكن حمله على معنى آخر غير ما هو الموضوع له بأحد الدّلالات،و إن كان الأصل و المعتبر هو المعنى المطابقيّ،لكنّ الكلام هنا ليس في الأصل و التّرجيح،كما في الفروعات الظّنّيّة الّتي يكفي للعمل بها مجرّد الأصل و الرّجحان،بل في اليقينيّات الّتي لا ينجح فيها إلاّ العلم بالبرهان، و الشّهود بالعيان.

و أمّا الإجماع:-و خصوصا بالمعنى الّذي ذهب إليه أصحابنا رضوان اللّه عليهم أجمعين-فليعلم أنّ إجماع علماء الظّاهر في أمر يخالف مقتضى الكشف الصّحيح،الموافق للكشف الصّريح النّبويّ،و الفتح الصّحيح المصطفويّ-على الصّادع به و آله أفضل الصّلوات و التّسليمات-لا يكون حجّة عليهم،فلو خالف من له هذه المشاهدة و الكشف إجماع من ليس له ذلك،لا يكون ملاما في المخالفة و لا خارجا عن قانون الشّريعة،لأخذه ذلك عن باطن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فيجب على الطّالب،الإيمان باللّه و كتبه و رسله و أوليائه و اليوم الآخر و الجنّة و النّار و الحساب و الثّواب و العقاب.و على أنّ كلّ ما أخبروا به فهو حقّ و صدق،لا شكّ فيه و لا شبهة تعتريه،و العمل بمقتضى ما أمروا به،و الانتهاء عمّا نهوا عنه على سبيل التّقليد،لتنكشف له حقيقة الأمر،و يظهر له السّرّ المصون في كلّ من المأمورات و المنهيّات عن علم و يقين،بل عن الشّهود و العيان،لا بمجرّد التّقليد و الإيمان،فيتفطّن إلى أمور أعلى منها،فيزيد في العبادة،كما كان يعبد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فإنّه قام اللّيل حتّى تورّمت قدماه،فقيل له في ذلك:«إنّ اللّه قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر»فقال عليه و آله الصّلاة و السّلام:«أ فلا أكون عبدا شكورا»؟

ص: 675

اعلم أنّ الفقهاء و إن كانوا عالمين بأحكام اللّه إلاّ أنّهم في معرفة الذّات و الصّفات و الأفعال الإلهيّة كباقي المقلّدين من المؤمنين،بخلاف أهل التّوحيد الشّهوديّ،لشهودهم بالنّور الإلهيّ الحقّ و صفاته و أفعاله،و كيفيّة تصرّفاته في الوجود،لا يتطرّق عليهم الشّبهة و لا يدخل في قلوبهم الرّيبة و لا يحكم عليهم الأوهام،و لا يطرأ على مرايا قلوبهم الرّين و الظّلام، فهم الموحّدون حقّا و العارفون بربّهم صدقا و يقينا، لا ظنّا و تخمينا.

فلا يظنّنّ أحد أنّ ورعهم في أمور الدّين، و احتياطهم في عدم القول في مسألة شرعيّة بمجرّد الظّنّ و التّخمين،يكون أقلّ من ورع غيرهم و احتياطه-هيهات هذا من بعض الظّنّ-إنّما بلوغهم إلى هذه المرتبة الّتي كانوا عليها بطاعة الشّريعة و خدمة الدّين و اتّباع سيّد المرسلين عليه و آله أفضل صلوات المصلّين،بالذّهن الصّافي،و القلب النّقيّ الخاشع،الخاشي عن اللّه،و الضّمير الخالص عن كلّ شوب و غرض.

و أنّى يوجد لغيرهم ما كان لهم؟و هم في الحقيقة أولياء اللّه و قوام الدّين و فقهاء شريعة سيّد المرسلين، و الحكماء في معارف الحقّ و اليقين،و هم في الحقيقة ما وصفهم اللّه تعالى في آية: يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ المائدة:

54،و هم الّذين أمر اللّه رسوله بمجالستهم و الصّبر معهم في السّرّاء و الضّرّاء في قوله: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ الكهف:28،و هم الّذين رفع اللّه قدرهم عن سائر الأمّة،لقوله تعالى: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ الأنعام:52.

و هم الّذين قال خاتم النّبيّين في حقّهم تفخيما و تعظيما و إجلالا و تكريما لشأنهم:«إنّي لأجد نفس الرّحمن من جانب اليمن»و هم الّذين وصفهم أمير المؤمنين و سيّد الأوصياء الموحّدين في حديث كميل بن زياد بما وصفهم.

فإذا كان حالهم على هذا المنوال من العلم و المعرفة،و الورع و التّقوى،فالقدح من أحد فيهم في مسألة اعتقاديّة دينيّة،يدلّ على قصور رتبة القادح، و سوء فهمه،و قلّة انصافه،بل الأولى له السّكوت عمّا لا يصل إليه عقله،من درك مقالهم و فهم حالهم،و اللّه أعلم بسرائر عباده و بواطن أقوالهم.

قال القيصريّ: و اعلم أنّ المقامات الكلّيّة الجامعة لجميع العباد في الآخرة ثلاثة-و إن كان كلّ منها مشتملا على مراتب كثيرة لا تحصى-و هي:الجنّة، و النّار،و الأعراف الّذي بينهما-على ما نطق به الكلام الإلهيّ-و لكلّ منهما اسم حاكم عليه يطلب بذاته أهل ذلك المقام،لأنّه رعاياه و عمارة ذلك الملك بهم.

و الوعد شامل للكلّ؛إذ وعده في الحقيقة عبارة عن إيصال كلّ واحد منهما إلى كماله المعيّن له أزلا، فكما أنّ الجنّة موعود بها،كذلك النّار و الأعراف

ص: 676

موعود بهما.

و الإيعاد أيضا شامل للكلّ،فإنّ أهل الجنّة يدخلون الجنّة بالجاذب و السّائق،قال اللّه تعالى: وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ ق:21.

و الجاذب:المناسبة الجامعة بينهما بواسطة الأنبياء و الأولياء،و السّائق:هو الرّحمن بالإيعاد و الابتلاء بأنواع المصائب و المحن،كما أنّ الجاذب إلى النّار:

المناسبة الجامعة بينهما و بين أهلها،و السّائق:

الشّيطان،فعين الجحيم موعود لهم لا متوعّد بها.

و الوعيد:هو العذاب الّذي يتعلّق بالاسم «المنتقم»و تظهر أحكامه في خمس طوائف لا غير،لأنّ أهل النّار إمّا مشرك أو كافر أو منافق أو عاص من المؤمنين،و هو ينقسم إلى الموحّد العارف الغير العامل، و المحجوب،و عند تسلّط سلطان«المنتقم»عليهم يتعذّبون بنيران الجحيم،كما قال تعالى: أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها الكهف:29، وَ نادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ الزّخرف:77، لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ البقرة:162.

و قال: إِنَّكُمْ ماكِثُونَ الزّخرف:77، اِخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ المؤمنون:108.

فلمّا مرّ عليهم السّنون و الأحقاب و اعتادوا بالنّيران و نسوا نعيم الرّضوان،قالوا: سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ إبراهيم:21، فعند ذلك تعلّقت الرّحمة بهم و رفع عنهم العذاب،مع أنّ العذاب بالنّسبة إلى العارف الّذي دخل فيها بسبب الأعمال الّتي تناسبها عذب من وجه و إن كان عذابا من وجه آخر،كما قيل:

و تعذيبكم عذب و سخطكم رضى

و قطعكم وصل،و جوركم عدل

لأنّه يشاهد المعذّب في تعذيبه،فيصير التّعذيب سببا لشهود الحقّ،و هو أعلى ما يمكن من النّعيم حينئذ في حقّه.

و بالنّسبة إلى المحجوبين الغافلين عن اللّذّات الحقيقيّة أيضا عذب من وجه،كما جاء في الحديث:

«إنّ بعض أهل النّار يتلاعبون فيها بالنّار».

و«الملاعبة»لا تنفكّ عن التّلذّذ-و إن كان معذّبا- لعدم وجدانه ما أمن به من جنّة الأعمال الّتي هي الحور و القصور.

و بالنّسبة إلى قوم يطلب استعدادهم البعد من الحقّ و القرب من النّار،و هو المعنيّ بجهنّم أيضا عذب، و إن كان في نفس الأمر عذابا،كما يشاهد هاهنا ممّن يقطع سواعدهم و يرمي أنفسهم من القلاع-مثل بعض الملاحدة-و لقد شاهدت رجلا سمّر في أصول أصابع إحدى يديه خمسة مسامير غلظ،كلّ مسمار مثل غلظ القلم،و اجتهد المسمّر ليخرجه من يده فما رضي بذلك،و كان يفتخر به و بقي علي حاله إلى أن أدركه الأجل.

و بالنّسبة إلى المنافقين الّذين لهم استعداد بالكمال و استعداد النّقص،و إن كان أليما لإدراكهم الكمال و عدم إمكان وصولهم إليه،لكن لمّا كان استعداد نقصهم أغلب،رضوا بنقصانهم و زال عنهم تألّمهم بعد انتقام«المنتقم»منهم بتعذيبهم،و انقلب العذاب عذبا،

ص: 677

كما نشاهد ممّن لا يرضى بأمر خسيس أوّلا،ثمّ إذا وقع فيه و ابتلى به و تكرّر صدوره منه تألّف به و اعتاد، فصار يفتخر به بعد أن كان يستقبحه.

و بالنّسبة إلى المشركين الّذين يعبدون غير اللّه من الموجودات،فينتقم منهم«المنتقم»لكونهم حصروا الحقّ فيما عبدوه،و جعلوا الإله المطلق مقيّدا،و أمّا من حيث إنّ معبودهم عين الوجود الحقّ الظّاهر في تلك الصّورة فما يعبدون إلاّ اللّه،فرضي اللّه عنهم من هذا الوجه،فينقلب عذابهم عذبا في حقّهم.

و بالنّسبة إلى الكافرين أيضا و إن كان العذاب عظيما،لكنّهم لم يتعذّبوا به لرضاهم بما هم فيه،فإنّ استعدادهم يطلب ذلك،كالأتونيّ الّذي يفتخر بما هو فيه،و عظم عذابه بالنّسبة إلى من يعرف أنّ وراء مرتبتهم مرتبة،و أنّ ما هم فيه عذاب بالنّسبة إليها.

و أنواع العذاب غير مخلّد على أهله من حيث إنّه عذاب،لانقطاعه بشفاعة الشّافعين،و آخر من يشفع هو أرحم الرّاحمين-كما جاء في الحديث الصّحيح- لذلك ينبت الجرجير في قعر جهنّم لانطفاء النّار و انقطاع العذاب،و بمقتضى«سبقت رحمتي غضبي» فظاهر الآيات الّتي جاء في حقّهم بالتّعذيب كلّها حقّ، و كلام الشّيخ رضى اللّه عنه لا ينافي ذلك،لأنّ كون الشّيء من وجه عذابا لا ينافي كونه من وجه آخر عذبا.

(4:305-321)

مغنيّة:نصّ القرآن الكريم في أكثر من آية على أنّ نوعا من العصاة مخلّدون في النّار،و بيّن أنّ من هذا النّوع من كفر باللّه و كذّب بآياته،قال جلّت كلمته:

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:39.و من قتل مؤمنا متعمّدا،قال جلّ جلاله: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها النّساء:93، وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها النّساء:14،و من أحاطت به خطيئته: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:81.

و ليس من شك أنّ اللّه بموجب عدله لا يعذّب إلاّ من يستحقّ العذاب،و إنّ عذابه يختلف شدّة و ضعفا على حسب الجريمة و المعصية،فجريمة من سعى في الأرض فسادا،و أهلك الحرث و النّسل غير جريمة من سرق درهما،أو استغاب منافسا له في المهنة.و مع هذا لنا أن نتساءل:أنّ في خلود الإنسان في النّار إلى ما لا نهاية،تقذف رأسه بشرر كالقصر،و تلهب ظهره بمقامع من حديد،و تملأ جوفه بماء الصّديد،ثمّ لا يقضى عليه فيستريح،و لا يخفّف عنه فيستردّ بعض أنفاسه،و هو على ما هو من الضّعف:«تؤلمه البقّة، و تقتله الشّرقة،و تنتنه العرقة»،كما قال عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام.

نتساءل:هل هذا الأليم العظيم من العذاب لهذا العاجز الضّعيف يلتئم مع ذات اللّه الّتي هي محض الخير و الرّحمة،و الكرم و الامتنان،و اللّطف و الإحسان؟..

و من المعقول أن يعذّب إلى حين،أو يحرم إطلاقا من النّعيم.أمّا هكذا أبدا كلّما نضجت جلودهم بدّلهم جلودا غيرها،دون انقطاع و بلا فترة استراحة،أمّا

ص: 678

هكذا أبدا و دائما فمحلّ تساؤل.

و إذا قال قائل:و أيّ عذاب مهما كان نوعه، و طال أمده يكثر على قاتل الحسين بن عليّ عليه السّلام،أو على من ألقى قنبلة ذرّيّة أو هيدروجينيّة على شعب فأفناه بكامله،أو على من سنّ سنّة سيّئة طال أمدها، و كثرت مفاسدها؟

قلنا في جوابه:أجل،لا يكثر على من ذكرت أيّ أليم من العذاب،و لكن ليس كلّ العصاة«يزيد»و لا كلّ القنابل ذرّيّة و هيدروجينيّة،و لا كلّ السّنن تفرّق النّاس شيعا و أحزابا متناحرة.و لكنّ السّؤال لم يقع عن هؤلاء و من إليهم بل عن تخليد من هو دونهم بمراتب و مراتب.

و تقول:و ما ذا تصنع بنصوص القرآن و السّنّة النّبويّة على التّخليد بالنّار؟

و أجيب:لا شيء منها يرفض التّأويل و يأباه.

و تقول ثانية:كلّ ما جاء به النّصّ،و كان الأخذ به ممكنا يجب بقاؤه على ظاهره،و تخليد بعض العصاة في النّار ليس محالا في ذاته؟

و أقول:أجل،و لكن حمل الخلود على طول الأمد،دون الأبد جمعا بين النّصّ و بين أدلّة الرّحمة لا تأباه الصّناعة،و لا يرفضه الشّرع و العقل.

و تقول مرّة ثالثة:أنّ الفقهاء لا يرتضون هذا الجواب،لأنّهم لا يجيزون حمل اللّفظ على غير ظاهره إلاّ بأسباب ثلاثة:قرينة عرفيّة،كحمل العامّ على الخاصّ،أو شرعيّة،كالنّقل الصّريح الثّبت عن المعصوم،أو عقليّة لا تقبل احتمال الخلاف،و لا شيء منها فيما نحن فيه.

الجواب أوّلا:أحسب أنّ الفقهاء الّذين اطّلعوا على أدلّة رحمة اللّه تعالى يوافقونني على أنّها تصلح لصرف أدلّة الخلود في النّار عن ظاهرها بالنّسبة إلى بعض العصاة.و من تلك الأدلّة الحديث القدسيّ:

«سبقت رحمتي غضبي»و الحديث الشّريف:«إنّ الشّفعاء يوم القيامة كثيرون،و آخر من يشفع هو أرحم الرّاحمين.و أنّ اللّه ينشر رحمته يوم القيامة،حتّى يطمع بها إبليس،و يمتدّ لها عنقه».و في بعض الرّوايات:أنّ الحسن البصريّ قال:ليس العجب ممّن هلك كيف هلك؟و لكنّ العجب ممّن نجا كيف نجا؟ فقال الإمام زين العابدين عليه السّلام«أمّا أنا فأقول:ليس العجب ممّن نجا كيف نجا؟و إنّما العجب ممّن هلك كيف هلك؟مع سعة رحمة اللّه».فإذا عطفنا هذه الرّوايات على الآية:53،من سورة الزّمر: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إذا عطفنا روايات الرّحمة على هذه الآية تشكّل لدينا قرينة قطعيّة على صرف أدلّة الخلود في النّار عن ظاهرها و اختصاصها ببعض العصاة.

ثانيا:نحن نتكلّم في الأمور العقائديّة القطعيّة،لا في المسائل الفرعيّة الظّنّيّة،و الفقهاء على ورعهم و قوّة إيمانهم،فإنّهم علماء بأحكام اللّه الشّرعيّة،لا بالأمور العقائديّة،بل أنّ الكثير منهم بمنزلة المقلّدين فيما يعود إلى صفات اللّه و أفعاله،أمّا فيما يعود إلى الأدلّة على وجود الباري سبحانه،فيعلمون منها دليل الدّور

ص: 679

و التّسلسل،و البعرة و البعير.-ملحوظة نحن من القائلين بصحّة التّقليد في أصول العقائد،مع موافقتها للواقع-.

ثالثا:أنّ العقل يستقبح الخلف بالوعد دون الوعيد فإذا قلت لآخر:سأحسن إليك،ثمّ أخلفت كنت ملوما عند العقل و العقلاء،أمّا إذا قلت لمن يلزمه أداء حقّك:سآخذ حقّي منك،ثمّ سامحت و صفحت، فأنت ممدوح عند اللّه و النّاس،بخاصّة إذا كان من له الحقّ غنيّا عنه،و من عليه الحقّ فقيرا إلى التّسامح، و اللّه غنيّ عن العالمين و عذابهم،و هم في أمسّ الحاجة إلى رحمته و عفوه.

سؤال رابع و أخير:بما ذا تؤوّل آيات الخلود في النّار؟و على أيّ معنى تحملها؟

الجواب:يمكن حملها على طول الأمد،لا على الأبد،أو على البقاء في النّار من غير عذاب،تماما كخيمة حاتم الطّائيّ أو وجود إبراهيم في النّار.و يعزّز هذا ما جاء في بعض الأحاديث أنّ بعض أهل النّار يتلاعبون بجمراتها كالأكرة،و يقذف بها بعضهم بعضا.

و ليس من شك أنّ هذه اللّعبة لا تجتمع أبدا مع خفيف العذاب فضلا عن شدّته،و ليس على اللّه بعزيز أن يجعل النّار بردا و سلاما على غير إبراهيم كما جعلها على إبراهيم عليه السّلام.

قال محيي الدّين ابن العربيّ في الجزء الثّاني من كتاب:الفتوح المكّيّة ص:127،«لا يبقى في النّار موحّد ممّن يبعث إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأنّ النّار ترجع بردا و سلاما على الموحّدين ببركة أهل البيت في الآخرة،فما أعظم بركة أهل البيت».(1:400)

خالدين

1- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ* خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ. البقرة:161،162

ابن عبّاس: في اللّعنة.(22)

مثله الطّباطبائيّ.(1:391)

الطّبريّ: إن قال لنا قائل:ما الّذي نصب خالِدِينَ فِيها؟

قيل:نصب على الحال من«الهاء و الميم»اللّتين في عَلَيْهِمْ و ذلك أنّ معنى قوله: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ البقرة:161،أولئك يلعنهم اللّه و الملائكة و النّاس أجمعون خالِدِينَ فِيها و لذلك قرأ ذلك:

(اولئك عليهم لعنة اللّه و الملائكة و النّاس اجمعون) من قرأه كذلك،توجيها منه إلى المعنى الّذي وصفت.

و ذلك و إن كان جائزا في العربيّة،فغير جائزة القراءة به،لأنّه خلاف لمصاحف المسلمين،و ما جاء به المسلمون من القراءة مستفيضا فيهم،فعير جائز الاعتراض بالشّاذّ من القول،على ما قد ثبتت حجّته بالنّقل المستفيض.

و أمّا«الهاء و الألف»اللّتان في قوله:(فيها)، فإنّهما عائدتان على«اللّعنة»،و المراد بالكلام:ما صار إليه الكافر باللّعنة من اللّه و من ملائكته و من النّاس،و الّذي صار إليه بها،نار جهنّم.و أجرى

ص: 680

الكلام على«اللّعنة»،و المراد بها:ما صار إليه الكافر.

(2:63)

الزّجّاج: (فيها)أي في اللّعنة،و خلودهم فيها خلود في العذاب.(1:236)

الثّعلبيّ: مقيمين في اللّعنة و النّار.(2:31)

الطّوسيّ: و الخلود في اللّعنة يحتمل أمرين:

أحدهما:استحقاق اللّعنة،بمعنى أنّها تحقّ عليهم أبدا.

و الثّاني:في عاقبة اللّعنة و هي النّار الّتي لا تفنى.

و(خالدين)نصب على الحال من الهاء و الميم في (عليهم)كقولك:عليهم المال صاغرين،و العامل فيه الاستقرار في(عليهم.)(2:51)

الميبديّ: أي خالدين في اللّعنة و هم في النّار، يعني أنّهم بعيدون عن الرّحمة و الخير دائما،و قريبون من العذاب أبدا،فلن يرفع عنهم.(1:429)

الزّمخشريّ: في اللّعنة،و قيل:في النّار،إلاّ أنّها أضمرت تفخيما لشأنها و تهويلا.(1:225)

نحوه أبو السّعود(1:224)،و القاسميّ(3:353).

ابن عطيّة: و الضّمير عائد على اللّعنة،و قيل:

على النّار،و إن كان لم يجر لها ذكر،لثبوتها في المعنى.

(1:232)

الطّبرسيّ: أي دائمين فيها،أي في تلك اللّعنة، عن الزّجّاج و الجبّائيّ.

و قيل:في النّار؛لأنّه كالمذكور،لشهرته في حال المعذّبين،و لأنّ اللّعن إبعاد من الرّحمة و إيجاب للعقاب،و العقاب يكون في النّار.[ثمّ أدام مثل الطّوسيّ](1:243)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى:(خالدين فيها)فيه مسائل:

المسألة الأولى:الخلود:اللّزوم الطّويل،و منه يقال:أخلد إلى كذا،أي لزمه و ركن إليه.

المسألة الثّانية:العامل في(خالدين)الظّرف من

قوله:(عليهم)لأنّ فيه معنى الاستقرار للّعنة، فهو حال من الهاء و الميم في(عليهم)كقولك:عليهم المال صاغرين.

المسألة الثّالثة:(خالدين فيها)أي في اللّعنة، و قيل:في النّار،إلاّ أنّها أضمرت تفخيما لشأنها تهويلا كما في قوله تعالى: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ القدر:

1،و الأوّل أولى لوجوه:

الأوّل:أنّ الضّمير إذا وجد له مذكور متقدّم،فردّه إليه أولى من ردّه إلى ما لم يذكر.

الثّاني:أنّ حمل هذا الضّمير على اللّعنة أكثر فائدة من حمله على النّار،لأنّ اللّعن هو الإبعاد من الثّواب بفعل العقاب في الآخرة و إيجاده في الدّنيا،فكان اللّعن يدخل فيه النّار و زيادة،فكان حمل اللّفظ عليه أولى.

الثّالث:أنّ قوله:(خالدين فيها)إخبار عن الحال،و في حمل الضّمير على اللّعن يكون ذلك حاصلا في الحال،و في حمله على النّار لا يكون حاصلا في الحال،بل لا بدّ من التّأويل،فكان ذلك أولى.

و اعلم أنّه تعالى وصف هذا العذاب بأمور ثلاثة:

أحدها:الخلود و هو المكث الطّويل عندنا.

و المكث الدّائم عند المعتزلة،على ما تقدّم القول فيه في

ص: 681

تفسير قوله تعالى: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:81.

و ثانيها:عدم التّخفيف،و معناه أنّ الّذي ينالهم من عذاب اللّه فهو متشابه في الأوقات كلّها،لا يصير بعض الأوقات أقلّ من بعض.

فإن قيل:هذا التّشابه ممتنع لوجوه:

الأوّل:أنّه إذا تصوّر حال غيره في شدّة كالعقاب، كان ذلك كالتّخفيف منه.

الثّاني:أنّه تعالى يوفّر عليهم ما فات وقته من العذاب،ثمّ تنقطع تلك الزّيادة فيكون ذلك تخفيفا.

الثّالث:أنّهم حيثما يخاطبون بقوله: اِخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ المؤمنون 108،لا شكّ أنّه يزداد غمّهم في ذلك الوقت.

أجابوا عنه:بأنّ التّفاوت في هذه الأمور القليلة، فالمستغرق بالعذاب الشّديد لا ينتبه لهذا القدر القليل من التّفاوت،قالوا:و لمّا دلّت الآية على أنّ هذا العقاب متشابه،وجب أن يكون دائما،لأنّهم لو جوّزوا انقطاع ذلك،لكان ذلك ممّا يخفّف عنهم إذا تصوّروه.

و بيان ذلك أنّ الواقع في محنة عظيمة في الدّنيا إذا بشّر بالخلاص بعد أيّام،فإنّه يفرح و يسرّ و يسهل عليه موقع محنته،و كلّما كانت محنته أعظم،كان ما يلحقه من الرّوح و التّخفيف بتصوّر الانقطاع أكثر.

(4:188)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(2:44)

القرطبيّ: يعني في اللّعنة،أي في جزائها.و قيل:

خلودهم في اللّعنة أنّها مؤبّدة عليهم.(2:190)

أبو حيّان :أي في اللّعنة،و هو الظّاهر إذا لم يتقدّم ما يعود عليها في اللّفظ إلاّ اللّعنة.

و قيل:يعود على النّار،أضمرت لدلالة المعنى عليها،و لكثرة ما جاء في القرآن من قوله: خالِدِينَ فِيها و هو عائد على النّار،و لدلالة اللّعنة على النّار،لأنّ كلّ من لعنه اللّه فهو في النّار.(1:462)

البروسويّ: حال من المضمر في(عليهم)أي دائمين في اللّعنة،لأنّهم خلّدوا في النّار،خلّدوا في الإبعاد عن رحمة اللّه.(1:265)

الآلوسيّ: أي في اللّعنة،و هو يؤكّد ما تفيده اسميّة الجملة من الثّبات.و جوّز رجوع الضّمير إلى النّار،و الإضمار قبل الذّكر يدلّ على حضورها في الذّهن المشعر بالاعتناء المفضي إلى التّفخيم و التّهويل.

و قيل:إنّ اللّعن يدلّ عليها؛إذ استقرار الطّرد عن الرّحمة يستلزم الخلود في النّار خارجا و ذهنا.و الموت على الكفر و إن استلزم ذلك خارجا،لكنّه لا يستلزمه ذهنا،فلا يدلّ عليه.و(خالدين)على كلا التّقديرين في المرجع حال مقارن لاستقرار اللّعنة،لا كما قيل:إنّه على الثّاني حال مقدّرة.(2:29)

رشيد رضا :أي ماكثين في هذه اللّعنة،و ما تقتضيه من شدّة العذاب،لا يخرجون منها.(2:53)

ابن عاشور :و قوله: خالِدِينَ فِيها تصريح بلازم اللّعنة الدّائمة،فالضّمير عائد لجهنّم،لأنّها معروفة من المقام،مثل حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ص:

ص: 682

32، كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ القيمة:26،و يجوز أن يعود إلى«اللّعنة»و يراد أثرها و لازمها.(2:72)

مغنيّة:و معنى الخلود في اللّعنة:الخلود في أثرها، و هو النّار.(1:248)

خليل ياسين:ما الفرق بين الخلود و الدّوام؟

الدّوام هو الوجود في الأوّل و لا يزال،و إطلاقه على غير اللّه سبحانه تسامح أو مبالغة،و إذا قيل:دام المطر،فهو على المبالغة،و حقيقته لم يزل من وقت كذا إلى وقت كذا،و الخلود هو اللّزوم أبدا.(1:84)

الطّالقانيّ: «خالد»اسم فاعل من الخلود،و لمّا كان الخلود و الدّوام من أوصاف الزّمان،لا يطلق على اللّه عزّ و جلّ.(2:27)

فضل اللّه :في اللّعنة الّتي تختزن العذاب في مضمونها العمليّ على مستوى النّتائج،و توحي به.

(3:141)

2- قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ.

آل عمران:15

ابن عبّاس: مقيمين في الجنّة،لا يموتون و لا يخرجون منها.(44)

الطّبريّ: قوله: خالِدِينَ فِيها منصوب على القطع.(3:206)

الطّوسيّ: خالِدِينَ نصب على الحال.

(2:414)

مثله ابن عطيّة.(1:411)

الميبديّ: خالدين في الجنّة بالنّعيم.و قال في موضع آخر: وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ الحجر:48، لن يخرجوا من النّعيم و من عزّ الوصال بالذّلّ.(2:39)

الطّبرسيّ: أي مقيمين في تلك الجنّات.(1:418)

الفخر الرّازيّ: و المراد كون تلك النّعم دائمة.

(7:214)

العكبريّ: حال،إن شئت من الهاء في(تحتها) و إن شئت من الضّمير في(اتقوا،)و العامل الاستقرار و هي حال مقدّرة.(1:246)

أبو السّعود :حال مقدّرة من المستكنّ في (للذين)و العامل ما فيه من معنى الاستقرار.

(1:345)

الآلوسيّ: [مثل ما قال أبو السّعود و أضاف:]

و جوّز أبو البقاء كونه حالا من الهاء في(تحتها) أو من الضّمير في(اتقوا)و لا يخفى ما فيه.(3:101)

القاسميّ: أي ماكثين فيها أبد الآباد،لا يبغون عنها حولا.(4:807)

مكارم الشّيرازيّ: و نعمها دائمة أبديّة،لا كنعم الدّنيا السّريعة الزّوال.(2:307)

3- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً...

النّساء:57

الطّبريّ: يقول:باقين فيها أبدا بغير نهاية و لا انقطاع،دائما ذلك لهم فيها أبدا.(4:147)

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى وصفها بالخلود

ص: 683

و التّأبيد،و فيه ردّ على جهم بن صفوان؛حيث يقول:

إنّ نعيم الجنّة و عذاب النّار ينقطعان.و أيضا إنّه تعالى ذكر مع الخلود التّأبيد،و لو كان الخلود عبارة عن التّأبيد لزم التّكرار و هو غير جائز،فدلّ هذا أنّ الخلود ليس عبارة عن التّأبيد،بل هو عبارة عن طول المكث من غير بيان أنّه منقطع أو غير منقطع.

و إذا ثبت هذا الأصل فعند هذا يبطل استدلال المعتزلة بقوله تعالى: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها النّساء:93،على أنّ صاحب الكبيرة يبقى في النّار على سبيل التّأبيد،لأنّا بيّنّا بدلالة هذه الآية أنّ الخلود لطول المكث لا للتّأبيد.(10:137)

4- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً.

..النّساء:122

الطّوسيّ: نصب على الحال،و المعنى:أنّ هذه الحال ستدوم لهم،و تتأبّد.و أنّ ذلك وعد حقّ من اللّه لهم.(3:336)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى في أكثر آيات الوعد ذكر خالِدِينَ فِيها أَبَداً و لو كان الخلود يفيد التّأبيد و الدّوام للزم التّكرار،و هو خلاف الأصل، فعلمنا أنّ الخلود عبارة عن طول المكث لا عن الدّوام.

و أمّا في آيات الوعيد فإنّه يذكر الخلود و لم يذكر التّأبيد إلاّ في حقّ الكفّار،و ذلك يدلّ على أنّ عقاب الفسّاق منقطع.(11:51)

الشّربينيّ: و لمّا كان الخلود يطلق على المكث الطّويل،دفع ذلك بقوله تعالى: أَبَداً أي لا إلى آخر.(1:334)

5- ...لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. المائدة:119

الفخر الرّازيّ: و قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها أَبَداً إشارة إلى الدّوام.و اعتبر هذه الدّقيقة،فإنّه أينما ذكر الثّواب قال: خالِدِينَ فِيها أَبَداً و أينما ذكر عقاب الفسّاق من أهل الإيمان ذكر لفظ«الخلود» و لم يذكر معه«التّأبيد».(12:138)

6- خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ. هود:107

ابن عبّاس: دائمين في النّار.(191)

مكارم الشّيرازيّ: مسألة الخلود في القرآن

معنى الخلود لغة:البقاء الطّويل،كما جاء بمعنى الأبد أيضا،فكلمة«الخلود»لا تعني الأبد وحده،لأنّها تشمل كلّ بقاء طويل.

و لكن ذكرت في كثير من آيات القرآن مع قيود يفهم منها معنى الأبد،فمثلا في الآية(100)من سورة التّوبة،و الآية(11)من سورة الطّلاق،و الآية(9)من سورة التّغابن،حين تذكر هذه الآيات أهل الجنّة تأتي بالتّعبير عنهم خالِدِينَ فِيها أَبَداً و مفهومها أبديّة الجنّة لهؤلاء،كما نقرأ في آيات القرآن الأخرى وصف

ص: 684

أهل النّار كالآية(169)من سورة النّساء،و الآية (23)من سورة الجنّ هذا التّعبير أيضا خالِدِينَ فِيها أَبَداً و هو دليل على عذابهم الأبديّ.

و تعبيرات أخرى مثل الآية(3)من سورة الكهف ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً و الآية(108)من سورة الكهف أيضا لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً و أمثالها تدلّ بصورة قطعيّة على أنّ طائفة من أهل الجنّة و طائفة من أهل النّار سيبقون في العذاب أو النّعمة.

و لم يستطع البعض أن يحلّ الإشكالات في الخلود و الجزاء الأبديّ،فاضطرّ إلى الرّجوع إلى معناه اللّغويّ و فسّره بالبقاء الطّويل،على حين أنّ تعابير كالتّعابير الواردة في الآيات المتقدّمة لا تفسّر بمثل هذا التّفسير.

سؤال مهمّ:

هنا ترتسم في ذهن كلّ سامع علامة استفهام كبيرة؛إذ كيف نتصوّر عدم التّعادل عند اللّه بين الذّنب و العقاب؟!و كيف يمكن القبول بأنّ يقضي الإنسان كلّ عمره الّذي لا يتجاوز ثمانين سنة أو مائة سنة على الأكثر بالعمل الصّالح أو بالإثم،ثمّ يثاب على ذلك أو يعاقب ملايين الملايين من السّنين.

و هذا الأمر ليس مهمّا بالنّسبة للثّواب لأنّ الأجر و الثّواب كلّما ازداد كان دليلا على كرم المثيب و المعطي،فلا مجال للمناقشة في هذا الأمر.

و لكن السّؤال يرد في العمل السّيّئ و الذّنب و الظّلم و الكفر،و هو:هل ينسجم العذاب الدّائم مقابل ذنب محدود مع أصل العدل عند اللّه؟فالّذي لم تتجاوز مرحلة ظلمه و طغيانه و عناده في أقصى ما يمكن احتماله مائة سنة،كيف يعذّب في النّار عذابا دائما؟أ فلا تقتضي العدالة أن يكون هناك نوع من التّعادل؟فمثلا يعاقب مائة سنة بمقدار أعماله السّيّئة.

الأجوبة غير المقنعة

إنّ تعقيد المسألة كان السّبب في توجيه معاني آيات الخلود عند البعض و تفسيرها بما لا يستفاد منه العقاب الدّائم الّذي هو على خلاف أصل العدالة في عقيدتهم.

1-ذهب البعض:إنّ المقصود ب«الخلود»هو المعنى المجازيّ أو الكنائيّ عنه،أي مدّة طويلة نسبيّا، كما يقال مثلا لأولئك الّذين يحكم عليهم بالسّجن طول عمره:محكوم عليه بالسّجن المؤبّد،مع أنّه من المسلّم به لا أبديّة في السّجن؛حيث ينتهي السّجن،مع انتهاء العمر،و يقال في العربيّة أيضا:يخلّد في السّجن و هو مأخوذ من الخلود في هذه الموارد.

2-و قال آخرون:إنّ أمثال هؤلاء الطّغاة و المعاندين الّذين اكتنفت وجودهم الآثام،فتحوّل وجودهم إلى ماهيّة الكفر أو الإثم،هؤلاء و إن بقوا في نار جهنم دائمين،إلاّ أنّ جهنّم لا تبقى على حالها، فسيأتي يوم تنطفئ نارها.كأيّة نار أخرى،و يعمّ أهل النّار نوع من الهدوء و الرّاحة.

3-و احتمل آخرون أنّه مع مرور الزّمان و بعد معاناة العذاب الطّويل ينسجم أهل النّار مع محيطهم، أي إنّهم يتطبّعون و يتعوّدون على هذا المحيط شيئا فشيئا حتّى تبلغ بهم الحالة ألاّ يحسّوا بالعذاب

ص: 685

و الشّقاء.

و بالطّبع فإنّ الدّاعي إلى هذه التّوجيهات هو عجزهم و عدم استطاعتهم أن يحلّوا مشكلة خلود العذاب و دوامه،و إلاّ فإنّ ظهور آيات الخلود في ديمومة العذاب و بقائه غير قابلة للإنكار.

الحلّ النهائيّ للإشكال

و من أجل حلّ هذا الإشكال ينبغي أن نعود إلى البحوث السّالفة و نعالج الاشتباهات النّاشئة من قياس مجازاة يوم القيامة بالمجازاة الأخرى،ليعلم أنّ مسألة الخلود لا تنافي عدالة اللّه أبدا.

و لتوضيح هذا البحث ينبغي الالتفات إلى ثلاثة أصول:

1-إنّ العذاب الدّائم-و كما أشرنا إليه من قبل- هو لأولئك الّذين أو صدوا أبواب النّجاة بوجوههم، و أوضحوا غرقى الفساد و الانحراف عامدين،و غشي الظلّ المشئوم للإثم قلوبهم و أرواحهم فاصطبغوا بلون الكفر،و كما نقرأ عنهم في سورة البقرة الآية(81) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

2-يخطئ من يتصوّر أنّ مدّة العقاب و زمانه

ينبغي أن تكون على قدر مدّة الإثم و زمانه،لأنّ العلاقة بين الإثم و العقاب ليست علاقة زمانيّة بل كيفيّة،أي إنّ زمان العقاب يتناسب مع كيفيّة الإثم لا مع زمانه.

فمثلا قد يقدم شخص في لحظة على قتل نفس محترمة،و طبقا لما في بعض القوانين يحكم عليه بالحبس الدّائم،فهنا نلاحظ أنّ زمن الإثم لحظة واحدة،في حين أنّ العقاب قد يبلغ ثمانين سنة.إذن المهمّ في الإثم هو كيفيّته لا كميّة زمانه.

3-قلنا:إنّ العقاب و المحاسبات في يوم القيامة لها أثر طبيعيّ للعمل و خصوصيّة الذّنب،و بعبارة أوضح:

إنّ ما يجده المذنبون من ألم و أذى يوم القيامة هو نتيجة أعمالهم الّتي أحاطت بهم في الدّنيا.

نقرأ في القرآن كما في سورة يس الآية(54):

فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ و نقرأ في الآية(33)من سورة الجاثية:

وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ و في سورة القصص الآية(84): فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

و الآن و بعد أن اتّضحت مقدمات هذه الأصول، فإنّ الحلّ النّهائيّ لهذا الإشكال لم يعد بعيدا،و يكفي للوصل إليه أن نجيب على الأسئلة التّالية.

و لنفرض أنّ شخصا يبتلى بالقرحة المعدية نظرا لإدمانه على المشروبات الكحوليّة لمدّة سبعة أيّام تباعا،فيكون مجبورا على تحمّل الألم و الأذى إلى آخر عمره،ترى هل هذه المعادلة بين هذا العمل السّيّئ و نتيجته مخالفة للعدالة؟!و لو كان عمر هذا الإنسان«بدل الثّمانين سنة»ألف سنة أو مليون سنة، و لأجل نزوته النّفسيّة بشرب الخمر أسبوعا يتألّم طول عمره،ترى هل هذا التّألّم لمليون سنة-مثلا- مخالف لأصل العدالة.في حين أنّه أبلغ حال شرب الخمر بوجود هذا الخطر و اعلم بنتيجته؟

ص: 686

و لنفرض أيضا أنّ سائق سيّارة لا يلتزم بأوامر المرور و ضوابطه،و الالتزام بها ينفع الجميع قطعا و يقلل من الحوادث المؤسفة،لكنّه يتجاهلها و لا يصغي لتحذير أصدقائه.و في لحظة قصيرة تقع له حادثة-و كلّ الحوادث تقع في لحظة-و يفقد بذلك عينه أو يده أو رجله في هذه اللّحظة.و نتيجة لما وقع يعاني الألم سنين طويلة لفقده البصر أو اليد أو الرّجل، فهل تتنافى هذه الظّاهرة فيه مع أصل عدالة اللّه؟!

و نأتي هنا بمثال آخر-و الأمثلة تقرب الحقائق

العقليّة الى الذّهن و تهيّئ لنيل النّتيجة النّهائيّة- فلنفرض أنّنا نثرنا على الأرض عدّة غرامات من بذور الشّوك،و بعد عدّة أشهر أو عدّة سنوات نواجه صحراء مليئة بالشّوك الّذي يدمي أقدامنا و على العكس ننثر بذور الزّهور-مع اطّلاعنا-و لا تمرّ فترة حتّى نواجه خميلة مليئة بالأزهار العطرة،فهي تعطّرنا و تنعش قلوبنا،فهل في هذه الأمور الّتي هي آثار لأعمالنا منافاة لأصل العدالة،في حين أنّه لا مساواة بين كميّة هذا العمل و نتيجته؟

و من مجموع ما بيّناه نستنتج ما يلي:

حين يكون الجزاء و الثّواب نتيجة و أثرا لعمل المرء نفسه،فإنّ مسألة المساواة من حيث الكميّة و الكيفيّة لا تؤخذ بنظر الاعتبار.فما أكثر ما يكون العمل صغيرا في الظّاهر،و لكنّه يحوّل حياة الإنسان إلى جحيم و عذاب و ألم طيلة العمر،و كذلك ما أكثر ما يكون العمل صغيرا في الظّاهر،و لكنّه يكون سببا للخيرات و البركات طيلة عمر الإنسان!

ينبغي أن لا يتوهّم أنّ المقصود من صغر العمل «من حيث مقدار الزّمان»لأنّ الأعمال و الذّنوب الدّاعية إلى خلود الإنسان في العذاب ليست صغيرة من حيث الأهميّة و الكيفيّة.

فعلى هذا حين يحيط الذّنب و الكفر و الطّغيان و العناد بوجود الإنسان و يحرق جميع أجنحته و ريشه و روحه في نار ظلمه و نفاقه،فأيّ مكان للعجب أن يحرم في الدّار الآخرة من التّحليق في سماء الجنّة و أن يكون مبتلى هناك بالعذاب و البلاء.

ترى أ ما حذّروه و أبلغوه و أنذروه من هذا الخطر الكبير؟!

أجل فأنبياء اللّه من جهة،و ما يأمره العقل من جهة أخرى جميعا حذّروه بما يلزم،فهل كان ما أقدم عليه من دون اختياره فلقي هذا المصير،أم كان عن علم و عمد و اختيار؟الحقيقة هو أنّه كان عالما عامدا.

و كانت نفسه و نتيجة أعماله المباشرة قد ساقته إلى هذا المصير؟!بل إنّ كلّ ما حدث له فهو من آثار أعماله!

فلهذا لم يبق مجال للشّكوى،و لا إيراد أو إشكال مع أحد،و لا منافاة مع قانون عدالة اللّه سبحانه.

مفهوم الخلود في هذه الآيات

هل الخلود في الآيات-محلّ البحث-بمعنى البقاء الدّائم؟!أو هو بالمعنى اللّغويّ المراد منه المدّة الطّويلة؟

قال بعض المفسّرين:بما أنّ الخلود مقيّد هنا بقوله:

ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ فإنّ الخلود ليس معناه البقاء الأبديّ الدّائم،لأنّ السّماوات

ص: 687

و الأرض لا أبديّة لهما.و طبقا لصريح القرآن فإنّ يوما سيأتي تنطوي فيه السّماوات،و تبدّل الأرض الى أرض أخرى. (1).

و لكن،مع ملاحظة أنّ مثل هذه التّعابير في

اللّغة العربيّة يراد بها البقاء الدّائم،فالآيات-محلّ البحث-أيضا تبيّن الدّوام.

فمثلا تقول العرب:هذا الأمر قائم ما لاح كوكب، أو ما كرّ الجديدان«اللّيل و النّهار»أو ما أضاء فجر،أو ما اختلف اللّيل و النّهار،و أمثالها.و هي كناية عن البقاء الدّائم،و نقرأ عن الإمام علي عليه السّلام في نهج البلاغة و ذلك حين أشكل عليه بعض المنتقدين الجهلة على تقسيمه من بيت المال بالسّويّة،و عدم التّمييز بين مقامات النّاس،لتوطيد دفّة الحكم.

فانزعج الإمام عليه السّلام و قال:«أ تأمرني أن أطلب النّصر بالجور في من ولّيت عليه؟و اللّه لا أطور به ما سمر سمير و ما أمّ نجم في السّماء نجما». (2)

و نقرأ في قصيدة دعبل الخزاعيّ المعروفة الّتي أنشدها في حضرة الإمام علي بن موسى الرّضا عليه السّلام

هذا البيت:

سأبكيهم ما ذرّ في الأفق شارق

و نادى منادي الخير في الصّلوات (3)

و بالطّبع فإنّ هذا الاستعمال ليس مخصوصا بلغة العرب و آدابها،ففي اللّغات الأخرى يوجد مثل هذا الاستعمال أيضا على كلّ حال فإنّ دلالة الآية على الدّوام قطعيّة و غير قابلة للنّقاش.(7:61)

لاحظ:د و م:«دامت».

و جاءت كلمة(خالدين)بمعنى دائمين أو ماكثين في كثير من الآيات،لاحظ قائمة الآيات في الاستعمال القرآنيّ.

الخلد

1- ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ. يونس:52

الطّبريّ: تجرّعوا عذاب اللّه الدّائم لكم أبدا، الّذي لا فناء له و لا زوال.(6:566)

الطّوسيّ: يعني الدّائم.(5:449)

نحوه الميبديّ(4:299)،و الطّبرسيّ(3:115).

القرطبيّ: أي الّذي لا ينقطع.(8:351)

الشّربينيّ: أي الّذي تخلدون فيه.(2:24)

أبو السّعود :المؤلم على الدّوام.(3:250)

مثله الآلوسيّ(11:135)،و نحوه البروسويّ (4:52).

لاحظ:ع ذ ب:«عذاب».

ص: 688


1- كما في سورة إبراهيم،الآية(48)،و الأنبياء، الآية(104).
2- نهج البلاغة،الخطبة:126.
3- نور الأبصار للشّبلنجيّ،ص 140 و كتاب الغدير، و كتب اخرى.

2- فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى. طه:120

لاحظ:ش ج ر:«شجرة الخلد».

3- وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ. الأنبياء:34

الفرّاء: فَهُمُ الْخالِدُونَ دخلت الفاء في الجزاء -و هو(ان)و في جوابه-لأنّ الجزاء متّصل بقرآن قبله،فأدخلت فيه ألف الاستفهام على الفاء من الجزاء،و دخلت الفاء في قوله: فَهُمُ لأنّه جواب للجزاء.و لو حذفت الفاء من قوله: فَهُمُ كان صوابا من وجهين:

أحدهما:أن تريد الفاء فتضمرها،لأنّها لا تغيّر (هم)عن رفعها،فهناك يصلح الإضمار.

و الوجه الآخر أن يراد تقديم(هم)إلى الفاء، فكأنّه قيل:أفهم الخالدون إن متّ؟(2:202)

نحوه الطّبريّ.(9:25)

الزّجّاج: و الفاء دخلت على(ان)جواب الجزاء، كما تدخل في قولك:«إن زرتني فأنا أخوك»و دخلت الفاء على(هم)لأنّها جواب(ان).(3:392)

الطّوسيّ: أي البقاء دائما في الدّنيا. أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ أي لم يجعل لهم الخلود،حتّى لو متّ أنت لبقوا أولئك مخلّدين؟بل ما أولئك مخلّدين.ثمّ أكّد ذلك،و بيّن بأن قال: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ آل عمران:185.(7:246)

الميبديّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و هذا جواب المشركين من قريش الّذين كانوا يتمنّون موت الرّسول،و يقولون: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ الطّور:30،حتّى نجّينا منه،و كما قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ الزّمر:30.

(6:239)

نحوه البغويّ(3:288)،و الطّبرسيّ(4:46)، و القرطبيّ(11:287).

الزّمخشريّ: أي قضى اللّه أن لا يخلد في الدّنيا بشرا،فلا أنت و لا هم (1)عرضة للموت،فإذا كان الأمر كذلك فإن متّ أنت أ يبقى هؤلاء؟(2:572)

ابن عطيّة: و المعنى:لم نخلد أحدا و لا أنت لا نخلدك،و ينبغي أن لا ينتقم أحد من المشركين عليك في هذا،أهم مخلّدون إن متّ أنت فيصحّ لهم الانتقام، [إلى أن قال:]

و ألف الاستفهام داخلة في المعنى على جواب الشّرط،و قدّمت في أوّل الجملة،لأنّ الاستفهام له صدر الكلام،و التّقدير:أفهم الخالدون إن متّ،و الفاء في قوله:(فان)عاطفة جملة على جملة.(4:81)

الفخر الرّازيّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:قال مقاتل:إنّ أناسا كانوا يقولون:إنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم لا يموت فنزلت هذه الآية.

و ثانيها:كانوا يقدّرون أنّه سيموت فيشمتون بموته،فنفى اللّه تعالى عنه الشّماتة بهذا،أي قضى اللّهّ.

ص: 689


1- كذا و الصّحيح:«إلاّ عرضة»كما جاء في نصّ الفخر الرّازيّ.

تعالى أن لا يخلّد في الدّنيا بشرا،فلا أنت و لا هم إلاّ عرضة للموت،أ فإن متّ أنت أ يبقى هؤلاء؟لا.و في معناه قول القائل:

فقل للشّامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشّامتون كما لقينا

و ثالثها:يحتمل أنّه لمّا ظهر أنّه عليه السّلام خاتم الأنبياء جاز أن يقدّر مقدّر أنّه لا يموت؛إذ لو مات لتغيّر شرعه،فنبّه اللّه تعالى على أنّ حاله كحال غيره من الأنبياء عليهم السّلام في الموت.(22:169)

الشّربينيّ: أي البقاء في الدّنيا(أ فإن)أي أ يتمنّون موتك. أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ فيها،لا و اللّه ليسوا بخالدين.فالجملة الأخيرة محلّ الاستفهام الإنكاريّ.(2:504)

أبو السّعود :أي في الدّنيا،لكونه مخالفا للحكمة التّكوينيّة و التّشريعيّة، أَ فَإِنْ مِتَّ بمقتضى حكمتنا فَهُمُ الْخالِدُونَ نزلت حين قالوا: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ الطّور:30.و الفاء لتعليق الشّرطيّة بما قبلها، و الهمزة لإنكار مضمونها بعد تقرّر القاعدة الكلّيّة النّافية لذلك بالمرّة.و المراد بإنكار خلودهم و نفيه:

إنكار ما هو مدار له وجودا و عدما من شماتتهم بموته عليه السّلام،فإنّ الشّماتة بما يعتريه أيضا ممّا لا ينبغي أن يصدر عن العاقل،كأنّه قيل:أ فإن متّ فهم الخالدون حتّى يشمتوا بموتك؟و قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ الأنبياء:35،أي ذائقة مرارة مفارقتها جسدها،برهان على ما أنكر من خلودهم.

(4:335)

البروسويّ: و الخلد:تبرّي الشّيء من اعتراض الفساد و بقاؤه على الحالة الّتي عليها.[إلى أن قال:]

و المعنى:و ما جعلنا لفرد من أفراد الإنسان من قبلك يا محمّد دوام البقاء في الدّنيا،أي ليس من سنّتنا أن نخلد آدميّا في الدّنيا و إن كنّا قادرين على تخليده، فلا أحد إلاّ و هو عرضة للموت.فإذا كان الأمر كذلك أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ في الدّنيا بقدرتنا؟ لا،بل أنت و هم ميّتون كما هو من سنّتنا،دليله قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. [ثمّ قال نحو أبي السّعود و أدام:]

قال في«بحر العلوم»:المراد بالخلود المكث الطّويل سواء كان معه دوام أم لا،و جيء بالشّرطيّة الّتي لا تقتضي تحقّق الطّرفين،فلم يوصف عليه السّلام بالموت قبلهم،بل فرض موته قبلهم كما يفرض المحال؛و ذلك لما علم اللّه تعالى أنّهم يموتون قبله،و أنّه يبقى بعدهم بمدّة مديدة،كما يشهده وقعة بدر.(5:475)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و زعم يونس أنّ تلك الجملة مصبّ الإنكار، و الشّرط معترض بينهما،و جوابه محذوف تدلّ عليه تلك الجملة،و ليس بذاك.و يتضمّن إنكار ما ذكر إنكار ما هو مدار له وجودا و عدما،من شماتتهم بموته صلّى اللّه عليه و سلّم،كأنّه قيل:أ فإن متّ فهم الخالدون حتّى يشمتوا بموتك؟و في معنى ذلك قول الإمام الشّافعيّ عليه الرّحمة:

تمنّى رجال أن أموت و إن أمت

فتلك سبيل لست فيها بأوحد

ص: 690

فقل للّذي يبغي خلاف الّذي مضى

تزوّد لأخرى مثلها فكأن قد

و قول ذي الأصبع العدوانيّ:

إذا ما الدّهر جرّ على أناس

كلاكله أناخ بآخرينا

فقل للشّاميتين بنا أفيقوا

سيلقى الشّامتون كما لقينا

و ذكر العلاّمة الطّيّبيّ-و نقله صاحب«الكشف» بأدنى زيادة-أنّ هذا رجوع إلى ما سيق له السّورة الكريمة من حيث النّبوّة،ليتخلّص منه إلى تقرير مشرع آخر؛و ذلك لأنّه تعالى أفحم القائلين باتّخاذ الولد،و المتّخذين له سبحانه شركاء،و بكّتهم ذكر ما يدلّ على إفحامهم،و هو قوله تعالى: أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ...، لأنّ الخصم إذا لم يبق له متشبّث تمنّى هلاك خصمه.(17:44)

المراغيّ: أي و ما كتب لأحد من قبلك البقاء في الدّنيا حتّى نبقيك فيها،بل قدّر لك أن تموت كما مات رسلنا من قبلك أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ ؟ أي أ فهؤلاء المشركون بربّهم هم الخالدون بعدك؟لا،ما ذلك كذلك،بل هم ميّتون،عشت أو متّ.(17:30)

ابن عاشور :فلمّا كان تمنّيهم موته،و تربّصهم به ريب المنون،يقتضي أنّ الّذين تمنّوا ذلك و تربّصوا به، كأنّهم واثقون بأنّهم يموتون بعده فتتمّ شماتتهم، أو كأنّهم لا يموتون أبدا فلا يشمت بهم أحد،وجّه إليهم استفهام الإنكار على طريقة التّعريض بتنزيلهم منزلة من يزعم أنّهم خالدون.

و في الآية إيماء إلى أنّ الّذين لم يقدّر اللّه لهم الإسلام ممّن قالوا ذلك القول،سيموتون قبل موت النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،فلا يشمتون به،فإنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لم يمت حتّى أهلك اللّه رءوس الّذين عاندوه و هدى بقيّتهم إلى الإسلام.

ففي قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ طريقة القول بالموجب،أي أنّك تموت كما قالوا،و لكنّهم لا يرون ذلك،و هم بحال من يزعمون أنّهم مخلّدون،فأيقنوا بأنّهم يتربّصون بك ريب المنون من فرط غرورهم.

فالتّفريع كان على ما في الجملة الأولى من القول بالموجب،أي ما هم بخالدين حتّى يوقنوا أنّهم يرون موتك.و في الإنكار الّذي هو في معنى النّفي إنذار لهم بأنّهم لا يرى موته منهم أحد.(17:46)

الطّباطبائيّ: يلوح من الآية أنّهم كانوا يسلّون أنفسهم بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سيموت،فيتخلّصون من دعوته،و تنجو آلهتهم من طعنه،كما حكي ذلك عنهم في مثل قولهم: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ الطّور:30، فأجاب عنه:بأنّا لم نجعل لبشر من قبلك الخلد حتّى يتوقّع ذلك لك،بل إنّك ميّت و إنّهم ميّتون،و لا ينفعهم موتك شيئا،فلا أنّهم يقبضون على الخلود بموتك- فالجميع ميّتون-و لا أنّ حياتهم القصيرة المؤجّلة تخلو من الفتنة و الامتحان الإلهيّ،فلا يخلو منه إنسان في حياته الدّنيا،و لا أنّهم خارجون بالآخرة من سلطاننا، بل إلينا يرجعون،فنحاسبهم و نجزيهم بما عملوا.

و قوله: أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ و لم يقل:

ص: 691

فهم خالدون،و الاستفهام للإنكار يفيد نفي قصر القلب،كأنّه قيل:إنّ قولهم:نتربّص به ريب المنون كلام من يرى لنفسه خلودا أنت مزاحمه فيه،فلو متّ لذهب بالخلود و قبض عليه،و عاش عيشة خالدة طيّبة ناعمة.و ليس كذلك،بل كلّ نفس ذائقة الموت.

و الحياة الدّنيا مبنيّة على الفتنة و الامتحان،و لا معنى للفتنة الدّائمة و الامتحان الخالد،بل يجب أن يرجعوا إلى ربّهم،فيجازيهم على ما امتحنهم و ميّزهم.

(14:284)

عبد الكريم الخطيب :كان المشركون يستثقلون مقام النّبيّ الكريم فيهم،و قد ساقوا إليه من ضروب السّفه،و ألوان الأذى النّفسيّ و المادّيّ،في نفسه،و في أصحابه،ما لا يحتمله إلاّ أولو العزم من الرّسل.فلمّا ضاقوا به ذرعا،و أعيتهم الوسائل في صدّه عن دعوته إلى اللّه،كان ممّا يعزّون به أنفسهم،و يمنّونها الأمانيّ فيه،أن ينتظروا به تلك الأيّام أو السّنين الباقية من عمره،و قد ذهب أكثره،و لم يبق إلاّ قليله،فقد التقى بهم الرّسول الكريم و قد جاوز الأربعين،و ها هو ذا صلوات اللّه و سلامه عليه،لا يزال بينهم و قد نيّف على الخمسين،و إذن فهي سنوات قليلة ينتظرونها على مضض،حتّى يأتيه المنون.

و هذا ما حكاه القرآن عنهم في قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ الطّور:30.

فجاء قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ مسفّها هذا المنطق السّقيم،الّذي جعلوه أداة من أدوات الغلب في أيديهم.فالموت حكم قائم على كلّ نفس،فإذا مات النّبيّ،فليس وحده هو الّذي يصير إلى هذا المصير،و إنّما النّاس جميعا صائرون إلى هذا المصير.فكيف يكون الموت أداة من أدوات المعركة بينهم و بين النّبيّ؟و كيف يكون سلاحا عاملا في أيديهم على حين يكون سلاحا مفلولا في يده،إذا صحّ أن يكون من أسلحة المعركة؟و لهذا ردّ اللّه عليهم بقوله: أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ ؟ فما جوابهم على هذا؟إنّهم لن يخلّدوا في هذه الدّنيا،فما هذه الدّنيا دار خلود لحيّ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ الزّمر:30،إنّ المعركة بين حقّ و باطل،فما سلاحهم الّذي يحاربون به في هذا الميدان؟إنّه الباطل، و إنّه لمهزوم مخذول: إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً الإسراء:81.(9:871)

مكارم الشّيرازيّ: ..و كانوا يظنّون تارة أخرى أنّ هذا الرّجل لمّا كان يعتقد أنّه خاتم النّبيّين فيجب أن لا يموت أبدا ليحفظ دينه،و بناء على هذا فإنّ موته في المستقبل سيكون دليلا على بطلان ادّعائه،فيجيبهم القرآن في أوّل آية بجملة قصيرة فيقول: وَ ما جَعَلْنا...

إنّ قانون الخلقة هذا الّذي لا يقبل التّغيير،يعني أنّ أيّ أحد لا يكتب له الخلود،و إذا كان هؤلاء يفرحون بموتك أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ، ربّما لا نحتاج إلى توضيح،أنّ بقاء الشّريعة و الدّين لا يحتاج إلى بقاء المرسل بهما،فإنّ شرائع إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السّلام و إن لم تكن خالدة،إلاّ أنّها بقيت بعد وفاة هؤلاء الأنبياء العظام-و بالنّسبة لعيسى فإنّه

ص: 692

استمرّ بعد صعوده إلى السّماء-لقرون طويلة.و بناء على هذا فإنّ خلود المذهب لا يحتاج إلى حراسة النّبيّ الدّائمة له،فمن الممكن أن يستمرّ خلفاؤه في إقامة دينه،و السّير على خطاه.

و أمّا ما تصوّره أولئك من أنّ كلّ شيء سينتهي بموت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّهم أخطأ و في ظنّهم،لأنّ هذا الكلام يصحّ في المسائل الّتى تقوم بشخص ما،و الإسلام لم يكن قائما بالنّبيّ و لا بأصحابه.فقد كان دينا حيّا ينطلق متقدّما بحركة الذّاتيّة الدّاخليّة،و يخترق حدود الزّمان و المكان،و يواصل طريقه.(10:145)

فضل اللّه :قد خلق اللّه النّاس في آجال محدودة، لا يملكون الامتداد في الحياة إلى ما هو أبعد منها،من دون فرق بين الأنبياء و غيرهم،فليس للمقرّبين عند اللّه أيّ امتياز في هذا الجانب،إذا كان لك امتياز في النّبوّة أو غيرها من خلال درجات القرب إليه فستموت،كما مات من قبلك،و سيموت من بعدك من هؤلاء و غيرهم، أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ ليخطّطوا ما شاءوا من الخطط الممتدّة في المستقبل بعيدا عنك،في مواجهة دينك،لذلك فإنّ كلّ هذه التّمنّيات في انتظار موتك لا تنفعهم في شيء،فقد يموتون قبلك، و قد يموتون معك،و مهما امتدّت بهم الحياة بعدك فسيموتون إن عاجلا أو آجلا.

(15:221)

الخلود

اُدْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ق:34

قتادة :خلّدوا و اللّه،فلا يموتون،و أقاموا فلا يظعنون،و نعموا فلا يبأسون.(الطّبريّ 11:429)

الطّبريّ: و قوله: ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ يقول:

هذا الّذي وصفت لكم أيّها النّاس صفته من إدخالي الجنّة من أدخله،هو يوم دخول النّاس الجنّة،ماكثين فيها إلى غير نهاية.(11:429)

الطّوسيّ: أي الوقت الّذي يبقون فيه في النّعيم مؤبّدين لا إلى غاية.(9:371)

مثله الطّبرسيّ.(5:149)

الميبديّ: ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ إمّا في الجنّة و إمّا في النّار،و التّقدير:أدخلوها خالدين،ذلك يوم الخلود.(9:292)

الزّمخشريّ: أي يوم تقدير الخلود،كقوله تعالى: فَادْخُلُوها خالِدِينَ الزّمر:73،أي المقدّرين الخلود.(4:11)

ابن عطيّة: قوله تعالى: ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ معادل لقوله قبل في الكفّار: ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ق:20.(5:166)

نحوه أبو حيّان.(8:128)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ حتّى لا يدخل في قلبهم أنّ ذلك ربما ينقطع عنهم فتبقى في قلبهم حسرته.

فإن قيل:المؤمن قد علم أنّه إذا دخل الجنّة خلّد فيها،فما الفائدة في التّذكير؟

و الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:أنّ قوله: ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ قول قاله اللّه في الدّنيا إعلاما و إخبارا،و ليس ذلك قولا يقوله

ص: 693

عند قوله:(ادخلوها)فكأنّه تعالى أخبرنا في يومنا أنّ ذلك اليوم يَوْمُ الْخُلُودِ.

ثانيهما:اطمئنان القلب بالقول أكثر.[و نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]و يحتمل أن يقال:اليوم يذكر، و يراد الزّمان المطلق سواء كان يوما أو ليلا،تقول:يوم يولد لفلان ابن يكون السّرور العظيم،و لو ولد له باللّيل لكان السّرور حاصلا،فتريد به الزّمان،فكأنّه تعالى قال:ذلك زمان الإقامة الدّائمة.(28:180)

الشّربينيّ: أي الدّوام في الجنّة الّذي لا آخر له و لا نفاد لشيء من لذّاته أصلا،و لذلك وصل به قوله تعالى جوابا لمن قال:على أيّ وجه خلودهم؟(4:90)

أبو السّعود :(ذلك)إشارة إلى الزّمان الممتدّ الّذي وقع في بعض منه ما ذكر من الأمور يَوْمُ الْخُلُودِ إذ لا انتهاء له أبدا.(6:130)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود إلى أن قال:]

و قال سعدي المفتي:و لا يبعد-و اللّه أعلم-أن تكون الإشارة إلى زمان السّلم،فتحصل الدّلالة على أنّ السّلامة من العذاب و زوال النّعم حاصلة لهم مؤبّدا مخلّدا،لا أنّها مقتصرة على وقت الدّخول.(9:132)

الآلوسيّ: البقاء الّذي لا انتهاء له أبدا،أو إشارة إلى وقت الدّخول بتقدير مضاف،أي ذلك يوم ابتداء الخلود و تحقّقه،أو يوم تقدير الخلود،أو إشارة إلى وقت السّلام بتقدير مضاف،أيضا أي ذلك يوم إعلام الخلود،أي الإعلام به.(26:190)

ابن عاشور :و جملة ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ يجوز أن تكون ممّا يقال للمتّقين،على حدّ قوله: فَادْخُلُوها خالِدِينَ الزّمر:73،و الإشارة إلى اليوم الّذي هم فيه.و كان اسم الإشارة للبعيد للتّعظيم.و يجوز أن تكون الإشارة إلى اليوم المذكور في قوله: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ ق:30،فإنّه بعد أن ذكر ما يلاقيه أهل جهنّم و أهل الجنّة،أعقبه بقوله: ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ترهيبا و ترغيبا.و على هذا الوجه الثّاني تكون هذه الجملة معترضة اعتراضا موجّها إلى المتّقين يوم القيامة،أو إلى السّامعين في الدّنيا.و على كلا الوجهين فإضافة(يوم)إلى(الخلود)باعتبار أنّ أوّل أيّام الخلود هي أيّام ذات مقادير غير معتادة،أو باعتبار استعمال(يوم)بمعنى مطلق الزّمان.

و بين كلمة(ادخلوها)و كلمة(الخلود) الجناس المقلوب النّاقص.(26:267)

الطّباطبائيّ: ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ بشرى يبشّرون بها.(18:355)

اخلد

وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ... الأعراف:176

ابن عبّاس: مال إلى الأرض.(142)

كان في بني إسرائيل بلعام بن باعر،أوتي كتابا، فأخلد إلى شهوات الأرض و لذّتها و أموالها،لم ينتفع بما جاء به الكتاب.(الطّبرىّ 6:126)

سعيد بن جبير: يعني ركن إلى الأرض.

[و في رواية]نزع إلى الأرض.(الطّبريّ 6:126)

ركن إلى الدّنيا،و مال إليها.(الطّبرسيّ 2:500)

ص: 694

نحوه السّدّيّ(الطّبريّ 6:126)،و الشّربينيّ(1:

536).

مجاهد :سكن.(الطّبريّ 6:126)

مقاتل:رضي بالدّنيا.(الثّعلبيّ 4:308)

الفرّاء: ركن إليها و سكن.و لغة يقال:خلد إلى الأرض بغير ألف،و هي قليلة.و يقال للرّجل إذا بقي سواد رأسه و لحيته:إنّه مخلد،و إذا لم تسقط أسنانه قيل:إنّه لمخلد.(1:399)

أبو عبيدة : أَخْلَدَ لزم و تقاعس و أبطأ،يقال:

فلان مخلد،أي بطيء الشّيب و المخلد:الّذي تبقى ثنيّتاه حتّى تخرج رباعيّتاه،و هو من ذاك أيضا.

(1:233)

الأخفش: و لا نعلم أحدا يقول:«خلد»و قوله:

أَخْلَدَ أي لجأ إليها.(2:539)

الطّبريّ: يقول:سكن إلى الحياة الدّنيا في الأرض،و مال إليها،و آثر لذّتها و شهواتها على الآخرة.[إلى أن قال:]

و أصل الإخلاد في كلام العرب:الإبطاء و الإقامة.

يقال منه:أخلد فلان بالمكان،إذا أقام به،و أخلد نفسه إلى المكان،إذا أتاه من مكان آخر.

و كان بعض البصريّين يقول:[ثمّ ذكر نحو أبي عبيد](6:123،126)

الزّجّاج: معناه:و لكنّه سكن إلى الدّنيا،يقال:

أخلد فلان إلى كذا و كذا،و خلد إلى كذا و كذا، و«أخلد»أكثر في اللّغة.و المعنى:أنّه سكن إلى لذّات الأرض.(2:391)

الماورديّ: أي ركن إليها،و في ركونها إليها وجهان:

أحدهما:أنّه ركن إلى أهلها في استنزالهم له و مخادعتهم إيّاه.

الثّاني:أنّه ركن إلى شهوات الأرض فشغلته عن طاعة اللّه،و قد بيّن ذلك قوله تعالى: وَ اتَّبَعَ هَواهُ.

(2:280)

الطّوسيّ: معناه سكن إلى الدّنيا و ركن إليها، و لم يسم إلى الغرض الأعلى.يقال:أخلد فلان إلى كذا و كذا و خلد،و بالألف أكثر في كلام العرب.و المعنى:

أنّه سكن إلى لذّات الدّنيا و اتّبع هواه،أي لم نرفعه بالآيات لاتّباع هواه.

و قيل:معنى أخلد:قعد.و يقال:فلان مخلد،إذا أبطأ عنه الشّيب،و مخلد إذا لم تسقط أسنانه،هكذا ذكره الفرّاء.و من الدّوابّ الّذي تبقى ثناياه حتّى تخرج رباعيّتاه،و أخلد بالمكان،إذا أقام به.(5:38)

الواحديّ: سكن إلى الدّنيا و مال إليها، و(الارض)في هذه الآية عبارة عن الدّنيا؛و ذلك أنّ الدّنيا هي الأرض،لأنّ ما فيها من العقار و الرّياع و الضّياع كلّها أرض،و سائر متاعها يستخرج منه.

(2:427)

نحوه البغويّ.(2:251)

الزّمخشريّ: مال إلى الدّنيا و رغب فيها،و قيل:

مال إلى السّفالة.(2:130)

نحوه البيضاويّ(1:377)،و النّسفيّ(2:86)، و القاسميّ(7:2904).

ص: 695

ابن عطيّة: أَخْلَدَ معناه لازم،و تقاعس، و ثبت،و المخلد الّذي يثبت شبابه فلا يغشاه الشّيب،

و منه الخلد(2:478)

الطّبرسيّ: [ذكر قول سعيد بن جبير و قال:]

و معناه:و لكنّه مال إلى الدّنيا بإيثار الرّاحة و الدّعة في لذّة.(2:500)

ابن الجوزيّ: أي ركن إلى الدّنيا و سكن...

و(الارض)هاهنا عبارة عن الدّنيا،لأنّ الدّنيا هي الأرض بما عليها.و في معنى الكلام قولان:

أحدهما:أنّه ركن إلى أهل الدّنيا.و يقال:إنّه أرضى امرأته بذلك،لأنّها حملته عليه.و قيل:أرضى بني عمّه و قومه.

و الثّاني:أنّه ركن إلى شهوات الدّنيا،و قد بيّن ذلك بقوله: وَ اتَّبَعَ هَواهُ. (3:290)

الفخر الرّازيّ: قال أصحاب العربيّة:أصل الإخلاد:اللّزوم على الدّوام.و كأنّه قيل:لزم الميل إلى الأرض،و منه يقال:أخلد فلان بالمكان،إذا لزم الإقامة به.[و نقل أقوال ابن عبّاس و الزّجّاج و الواحديّ ثمّ قال:]

فالدّنيا كلّها هي الأرض،فصحّ أن يعبّر عن الدّنيا بالأرض.و نقول:لو جاء الكلام على ظاهره،لقيل:

لو شئنا لرفعناه،و لكنّا لم نشأ،إلاّ أنّ قوله: وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ لمّا دلّ على هذا المعنى لا جرم أقيم مقامه قوله: وَ اتَّبَعَ هَواهُ معناه:أنّه أعرض عن التّمسّك بما آتاه اللّه من الآيات و اتّبع الهوى،فلا جرم وقع في هاوية الرّدى.و هذه الآية من أشدّ الآيات على أصحاب العلم.(15:55)

نحوه القرطبيّ.(7:322)

أبو حيّان :أي ترامى إلى شهوات الدّنيا و رغب فيها،و اتّبع ما هو ناشئ عن الهوى.و جاء الاستدراك هنا تنبيها على السّبب الّذي لأجله لم يرفع و لم يشرف، كما فعل بغيره ممّن أوتي الهدى،فآثره و اتّبعه.

و أَخْلَدَ معناه:رمى بنفسه إلى الأرض،أي إلى ما فيها من الملاذّ و الشّهوات،قال معناه ابن عبّاس و مجاهد و السّدّيّ.

و يحتمل أن يريد بقوله: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ أي مال إلى السّفاهة و الرّذالة،كما يقال:فلان في الحضيض،عبارة عن انحطاط قدره بانسلاخه من الآيات،قال معناه الكرمانيّ.(4:425)

ابن كثير :أي مال إلى زينة الحياة الدّنيا و زهرتها و أقبل على لذّاتها و نعيمها،و غرّته كما غرّت غيره من غير أولي البصائر و النّهى.

و قال أبو الرّاهويه (1)في قوله تعالى: وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ :تراءى له الشّيطان على علوة من قنطرة بليناس،فسجدت الحمارة للّه و سجد بلعام للشّيطان.(3:252)

الثّعالبيّ: أي تقاعس إلى الحضيض الأسفل الأخسّ من شهوات الدّنيا و لذّاتها،و ذلك أنّ الأرض و ما ارتكن فيها هي الدّنيا،و كلّ ما عليها فان،و من أخلد إلى الفاني فقد حرم حظّ الآخرة الباقية...».

ص: 696


1- هكذا في الأصل،و لعلّه:راهويه،من دون«أبو».

قال عبد الحقّ الإشبيليّ رحمه اللّه في«العاقبة»:

و اعلم-رحمك اللّه-أنّ لسوء الخاتمة-أعاذنا اللّه منها- أسبابا،و لها طرق و أبواب،أعظمها الإكباب على الدّنيا و الإعراض عن الآخرة.

و قد سمعت بقصّة بلعام بن باعوراء و ما كان أتاه اللّه تعالى من آياته،و أطلعه عليه من بيّناته،و ما أراه من عجائب ملكوته،أخلد إلى الأرض و اتّبع هواه، فسلبه اللّه سبحانه جميع ما كان أعطاه،و تركه مع من استماله و أغواه،انتهى.(1:588)

البروسويّ: أي مال إلى الدّنيا فلم نشأ رفعه لمباشرته لسبب نقيضه،و الإخلاد إلى الشّيء:الميل إليه مع الاطمئنان.[ثمّ قال نحو الواحديّ و أضاف:]

و الإخلاد إلى الأرض:كناية عن الإعراض عن ملازمة الآيات و العمل بمقتضاها،و الكناية أبلغ من التّصريح.(3:278)

نحوه ملخّصا الآلوسيّ.(9:114)

الشّوكانيّ: أصل الإخلاد:اللّزوم.يقال:أخلد فلان بالمكان،إذا أقام به و لزمه.و المعنى هنا:أنّه مال إلى الدّنيا و رغب فيها و آثرها على الآخرة.(2:332)

رشيد رضا :أي و لكنّه اختار لنفسه التّسفّل المنافي لتلك الرّفعة،بأن أخلد و مال إلى الأرض و زينتها،و جعل كلّ حظّه من حياته التّمتّع بما فيها من اللّذائذ الجسديّة،فلم يرفع إلى العالم العلويّ رأسا، و لم يوجّه إلى الحياة الرّوحيّة الخالدة عزما،و اتّبع هواه في ذلك،فلم يراع فيه الاهتداء بشيء ممّا آتيناه من آياتنا،و قد مضت سنّتنا في خلق نوع الإنسان بأن يكون مختارا في عمله،المستعدّ له في أصل فطرته، ليكون الجزاء عليه بحسبه،و أن نبتليه و نمتحنه بما خلقنا في هذه الأرض من الزّينة و المستلذّات إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً الكهف:7،و نولّي كلّ إنسان منهم ما تولّى مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ... وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً الإسراء:

18-21.

و قد مضت سنّتنا أيضا بأنّ اتّباع الإنسان لهواه بتحرّيه و تشهّيه ما تميل إليه نفسه في كلّ عمل من أعماله،دون ما فيه المصلحة و الفائدة له،من حيث هو جسد و روح،يضلّه عن سبيل اللّه الموصلة إلى سعادة الدّنيا و الآخرة،و يتعسّف به في سبل الشّيطان المردية المهلكة.قال تعالى لخليفته داود عليه السّلام: وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ص:26،و قال تعالى في أوّل ما أوحاه إلى كليمه موسى عليه السّلام بعد ذكر السّاعة: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى طه:16،و قال جلّ جلاله لخاتم أنبيائه عليه صلواته و سلامه: أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَ فَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً الفرقان:43.

و الآيات في ذمّ الهوى و النّهي عنه كثيرة،و حسبك منها قوله: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ المؤمنون:71.

و حاصل معنى الشّرط و الاستدراك أنّ من شأن من أوتي آيات اللّه تعالى أن ترتقي نفسه،و ترتفع في مراقي الكمال درجته،لما فيها من الهداية و الإرشاد و الذّكرى،و إنّما يكون ذلك لمن أخذ هذه الآيات

ص: 697

و تلقّاها بهذه النّيّة«و إنّما لكلّ امرئ ما نوى»و أمّا من لم ينو ذلك و لم تتوجّه إليه نفسه و إنّما تلقّى الآيات الإلهيّة اتّفاقا بغير قصد،أو بنيّة كسب المال و الجاه،و وجد مع ذلك في نفسه ما يصرفه عن الاهتداء بها،فلن يستفيد منها،و أسرع به أن ينسلخ منها،فهو يقول: لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها لأنّها في نفسها هدى و نور،و لكن تعارض المقتضي و المانع و هو إخلاده إلى الأرض و اتّباع هواه.

قالوا فلان عالم فاضل* فأكرموه مثلما يقتضي

فقلت لمّا لم يكن عاملا* تعارض المانع و المقتضي

(9:406)

نحوه المراغيّ.(9:108)

عزّة دروزة :أخلد إلى الأرض:لصق بها أو انحطّ إليها،و الجملة بمعنى اختار الانحطاط على الارتفاع،أو الشّرّ على الخير،أو الضّلال على الهدى، أو أعراض الدّنيا و شهواتها.(2:183)

ابن عاشور :و قد وقع الاستدراك على مضمون قوله: وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها بذكر ما يناقض تلك المشيئة الممتنعة،و هو الاستدراك بأنّه انعكست حاله فأخلد إلى الأرض،أي ركن و مال إلى الأرض.

و الكلام تمثيل لحال المتلبّس بالنّقائص و الكفر بعد الإيمان و التّقوى،بحال من كان مرتفعا عن الأرض فنزل من اعتلاء إلى أسفل،فبذكر(الارض)علم أنّ الإخلاد هنا ركون إلى السّفل،أي تلبّس بالنّقائص و المفاسد.

و اتّباع الهوى ترجيح ما يحسن لدى النّفس من النّقائص المحبوبة،على ما يدعو إليه الحقّ و الرّشد.

فالاتّباع مستعار للاختيار و الميل،و الهوى شاع في المحبّة المذمومة الخاسرة عاقبتها.

و قد تفرّع على هذه الحالة تمثيله بالكلب اللاّهث، لأنّ اتّصافه بالحالة الّتي صيّرته شبيها بحال الكلب اللاّهث،تفرّع على إخلاده إلى الأرض و اتّباع هواه، فالكلام في قوّة أن يقال:و لكنّه أخلد إلى الأرض فسار في شقاء و عناد،كمثل الكلب...(8:352)

الطّباطبائيّ: الإخلاد:اللّزوم على الدّوام.

و الإخلاد إلى الأرض اللّصوق بها،و هو كناية عن الميل إلى التّمتّع بالملاذّ الدّنيويّة و التزامها.(8:333)

عبد الكريم الخطيب :أي لصق بالأرض،و نزل منزل الحشرات و الهوامّ فيها،و لم يرد أن يسمو بنفسه، و يرتفع بوجوده و يعلو بإنسانيّته.و لو أنّه فعل لأعانه اللّه على ذلك،و سدّد خطاه،و أمسك به على الطّريق المستقيم،الّذي وضع قدمه عليه.

فمطلوب من الإنسان أن تكون له إرادة عاملة، تلتقي مع إرادة اللّه،فإن أراد خيرا،و عمل له،و تمسّك به،أراد له الخير،و أعانه عليه،و وفّقه له إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ الرّعد:11.(5:523)

مكارم الشّيرازيّ: و كلمة أَخْلَدَ من الإخلاد،و هي تعني السّكن الدّائم في مكان واحد مع حرّيّة الإرادة،فجملة أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ تعني اللّصوق الدّائم بالأرض،و هي كناية عن عالم المادّة

ص: 698

و بهارجها،و اللّذائذ غير المشروعة للحياة المادّيّة.

[إلى أن قال:]

العالم الدّنيوىّ المنحرف بلعم بن باعورا.

كما لاحظنا أنّ الآيات السّالفة لم تذكر اسم أحد بعينه،بل تحدّثت عن عالم كان يسير في طريق الحقّ ابتداء و بشكل لا يفكّر معه أحد بأنّه سينحرف يوما، إلاّ أنّه نتيجة لاتّباعه لهوى النّفس و بهارج الدّنيا، انتهى إلى السّقوط في جماعة الضّالّين،و أتباع الشّياطين.

غير أنّنا نستفيد من أغلب الرّوايات و أحاديث المفسّرين أنّ هذا الشّخص يسمّى«بلعم بن باعورا» الّذي عاصر النّبيّ موسى عليه السّلام و كان من مشاهير علماء بني إسرائيل،حتّى أنّ موسى عليه السّلام كان يعوّل عليه،على أنّه داعية مقتدر،و بلغ أمره أنّ دعاءه كان مستجابا لدى الباري جلّ و علا،لكنّه مال نحو فرعون و إغراءاته و وعده إيّاه،فانحرف عن الصّواب، و فقد مناصبه تلك.حتّى صار بعدئذ في جبهة أعداء موسى عليه السّلام.

إلاّ أنّنا نستبعد ما يحتمله بعضهم من أنّ المقصود هو أميّة بن الصّلت الشّاعر المعروف في زمان الجاهليّة الّذي كان بادئ أمره و نتيجة لاطّلاعه على الكتب السّماويّة ينتظر نبيّ آخر الزّمان،ثمّ حصل له هاجس أنّ النّبيّ قد يكون هو نفسه و لذلك بعد أن بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أصابه الحسد له و عاداه.

أو ما يحتمل بعضهم من أنّه كان أبا عامر الرّاهب المعروف في الجاهليّة،الّذي كان يبشّر النّاس بظهور رسول الإسلام صلّى اللّه عليه و آله لكنّه بعد ظهوره صار من أعدائه، لأنّ جملة(و اتل)و كلمة(نبا)و جملة فَاقْصُصِ الْقَصَصَ تدلّ على أنّ تلك الأمور لا تتعلّق بأشخاص عاصروا الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بل بأقوام سابقين، و إضافة إلى ذلك فإنّ سورة الأعراف من السّور المكّيّة و قضيّة أبي عامر الرّاهب و أميّة بن أبي الصّلت تتعلّقان بحوادث المدينة.

و لأنّ أشخاصا ك«بلعم»هذا كانوا موجودين في عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كأبي عامر و أميّة بن الصّلت،فإنّ الآيات تنطبق على من يشابهه في كلّ عصر و زمان، مع أنّ أهل القصّة لا تتعلّق بغير بلعم بن باعوراء.

و قد نقل تفسير«المنار»عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ مثل بلعم باعوراء في بني إسرائيل كأميّة بن أبي الصّلت في هذه الأمّة.

و ورد عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال:الأصل من ذلك«بلعم»،ثمّ ضربه اللّه مثلا لكلّ مؤثر هواه على هوى اللّه من أهل القبلة.

فلا خطر يهدّد المجتمعات الإنسانيّة كخطر المثقّفين و العلماء الّذين يسخّرون معارفهم للفراعنة و الجبّارين،لأجل أهوائهم و ميولهم نحو بهارج الدّنيا، و الإخلاد إلى الأرض،و يضعون كلّ طاقاتهم الفكريّة في سبيل الطّاغوت الّذي يعمل ما في وسعه لاستغلال مثل هذه الشّخصيّات،ليجعل عامّة النّاس مغفّلين ضالّين.

و لا يختصّ الأمر بزمن النّبيّ موسى عليه السّلام أو غيره من الأنبياء،بل حتّى بعد عصر النّبيّ الكريم صلّى اللّه عليه و آله إلى

ص: 699

يومنا هذا نجد أمثال بلعم بن باعوراء و أبي عامر الرّاهب و أميّة بن الصّلت،يضعون علومهم و معارفهم و نفوذهم الاجتماعيّ في مقابل الدّرهم و الدّينار، أو المقام،أو لأجل الحسد،و في سبيل النّفاق و أعداء الحقّ و الفراعنة،أمثال بني أميّة و بني العبّاس و الطّواغيت.

و يمكن معرفة أولئك العلماء من خلال أوصاف أشارت إليها الآيات،فإنّهم ممّن نسي ربّه و اتّبع هواه، و هم ذو و نزوات سخّروها للرّذيلة بدل التّوجّه نحو اللّه و خدمة خلقه،و بسبب هذا التّسافل،فإنّهم يفقدون كلّ شيء و يقعون تحت سلطة الشّيطان و وساوسه، فيسهل بيعهم و شرائهم،و هم كالكلاب المسعورة الّتي لا ترتوي أبدا،و لهذه الأمور ترك هؤلاء سبيل الحقيقة و ضلّوا عن الطّريق،حتّى غدوا قادة الضّالّين.

و يجب معرفة مثل هؤلاء الأشخاص و الحذر منهم و اجتنابهم،و الآيتان التّاليتان في الواقع تستنتجان من قضيّة«بلعم»و العلماء الدّنيويّين نتيجة عامّة شاملة،فتقول أولاهما: ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ أَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ الأعراف:177.

و يجب الحذر لأنّ الخلاص من مثل هذا الانحراف و ما يكيده الشّياطين لا يمكن إلاّ بتوفيق و تسديد من اللّه عزّ و جلّ مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَ مَنْ يُضْلِلْ فاولئك هم الخاسرون.الأعراف:178.

و قد قلنا مرارا:إنّ الهداية و الإضلال الإلهيّين لا يعدّان إجبارا و لا بدون الحساب أو دليل،و يقصد بهما إعداد الأرضيّة للهداية و فتح سبلها أو إيصادها، و كلّ ذلك هو للأعمال الصّالحة أو الطّالحة الّتي صدرت من قبل الإنسان من قبل،و على أيّة حال فالتّصميم النّهائيّ بيد الإنسان نفسه.

فبناء على هذا فإنّ الآية تنسجم مع الآيات المتقدّمة الّتي تذهب إلى أصل حرّيّة الإرادة،و لا منافاة بين هذه الآية و تلكم الآيات بتاتا.(5:269)

فضل اللّه :و التصق بها،و أقبل عليها في عبادة و خضوع و نهم إلى التّراب.و الالتصاق بالأرض، يعني الانغماس في القيم المادّيّة الّتي لا تنبض فيها خفقة من قلب،و لهفة من روح،و نبضة من وحي،بل تتجمّع فيها كلّ أنانيّة النّفس الأمّارة بالسّوء،و شهوات الجسد الباحث أبدا عن المتعة الحسّيّة،و أطماع الذّات الّتي لا تفكّر إلاّ بمطامعها،و لو على حساب الآخرين.

و بذلك يسترخي الإنسان مع أجواء السّعادة الحسّيّة المادّيّة،و يستريح للخطوات اللاّهثة وراء الرّغبة، و يبتعد رويدا رويدا عن كلّ آفاق الرّوح الباحثة أبدا عن المطلق في رحاب اللّه؛حيث يعيش الإنسان إنسانيّته في أريحيّة القيم.(10:286)

اخلده

يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ. الهمزة:3

ابن عبّاس: يخلده في الدّنيا.(519)

عكرمة :يزيده في عمره.(الماوردىّ 6:336)

الحسن :يحسب أنّ ماله أخلده حتّى يفنيه.

(الطّوسيّ 10:407)

السّدّيّ: يمنعه الموت.(الماوردىّ 6:336)

ص: 700

الفرّاء:يريد:يخلده،و أنت قائل للرّجل:أ تحسب أنّ مالك أنجاك من عذاب اللّه؟ما أنجاك من عذابه إلاّ الطّاعة،و أنت تعني:ما ينجيك.و من ذلك قولك للرّجل يعمل الذّنب الموبق:دخل و اللّه النّار،و المعنى:

وجبت له النّار.(3:290)

الطّبريّ: يحسب أنّ ماله الّذي جمعه و أحصاه، و بخل بإنفاقه،مخلده في الدّنيا،فمزيل عنه الموت.

و قيل:أخلده،و المعنى:يخلده،كما يقال للرّجل الّذي يأتي الأمر الّذي يكون سبيلا لهلاكه:«عطب و اللّه فلان،و هلك و اللّه فلان»،بمعنى أنه يعطب من فعله ذلك،و لمّا يهلك بعد و لم يعطب،و كالرّجل يأتي الموبقة من الذّنوب:دخل و اللّه فلان النّار.(12:688)

الزّجّاج: أي يعمل عمل من لا يظنّ مع يساره أنّه يموت.(5:362)

مثله الواحديّ(4:553)،و نحوه البغويّ(5:304) و الميبديّ(10:610)،و ابن الجوزيّ(9:229).

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:[و هو قول عكرمة]

الثّاني:[و هو قول السّدّيّ]

و يحتمل ثالثا:ينفعه بعد موته.(6:336)

الطّوسيّ: معناه:يظنّ هذا الّذي جمع المال، و لا يخرج حقّ اللّه منه أنّه سيخلده.و قوله: أَخْلَدَهُ يخلده،كما قيل:أهلك إذا حدث به سبب الهلاك من غير أن يقع هلاكه بعد.و إنّما ذلك بمعنى أوجب إخلاده و هلاكه.

و قيل:ليس المراد أنّه يظنّ أنّه لا يموت،و لكن يحبّ أنّه يبقى من ماله إلى أن يموت.

و قيل:معناه إنّه يعمل عمل من يحسب أنّ ماله أخلده.(10:407)

الزّمخشريّ: أخلده و خلّده بمعنى،أي طوّل المال أمله و منّاه الأمانيّ البعيدة،حتّى أصبح لفرط غفلته و طول أمله يحسب أنّ المال تركه خالدا في الدّنيا لا يموت،أو يعمل من تشييد البنيان الموثّق بالصّخر و الآجرّ و غرس الأشجار و عمارة الأرض، عمل من يظنّ أنّ ماله أبقاه حيّا،أو هو تعريض بالعمل الصّالح و أنّه هو الّذي أخلد صاحبه في النّعيم،فأمّا المال فما أخلد أحدا فيه.(4:283)

نحوه النّيسابوريّ.(30:176)

ابن عطيّة: معناه:يحسب أنّ ماله هو معنى حياته و قوامها و أنّه حفظه مدّة عمره و يحفظه،ثمّ ردّ على هذه الحسبة و أخبر إخبارا مؤكّدا أنّه ينبذ فِي الْحُطَمَةِ. (5:521)

الطّبرسيّ: أي يظنّ أنّ ماله الّذي جمعه يخلده في الدّنيا و يمنعه من الموت،ف أَخْلَدَهُ في معنى يخلده، لأنّ قوله:(يحسب)يدلّ عليه.و إنّما قال ذلك.- و إن كان الموت معلوما-عند جميع النّاس،لأنّه يعمل عمل من يتمنّى ذلك.

و قيل: أَخْلَدَهُ بمعنى أوجب إخلاده،و هذا كما يقال:هلك فلان إذا حدث به سبب الهلاك و إن لم يقع هلاكه بعد،ثمّ قال سبحانه:(كلا)أي لا يخلده ماله و لا يبقى له.(5:538)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ«أخلده»و«خلّده»

ص: 701

بمعنى واحد،ثمّ في التّفسير وجوه:

أحدها:يحتمل أن يكون المعنى طوّل المال أمله، حتّى أصبح لفرط غفلته و طول أمله،يحسب أنّ ماله تركه خالدا في الدّنيا لا يموت.و إنّما قال: أَخْلَدَهُ و لم يقل:«يخلده»لأنّ المراد يحسب هذا الإنسان أنّ المال ضمن له الخلود و أعطاه الأمان من الموت،و كأنّه حكم قد فرغ منه،و لذلك ذكره على الماضي.قال الحسن:ما رأيت يقينا لا شكّ فيه أشبه بشكّ لا يقين فيه كالموت.

و ثانيها:يعمل الأعمال المحكمة،كتشييد البنيان بالآجرّ و الجصّ،عمل من يظنّ أنّه يبقى حيّا،أو لأجل أن يذكر بسببه بعد الموت.

و ثالثها:أحبّ المال حبّا شديدا حتّى اعتقد أنّه إن انتقص مالي أموت،فلذلك يحفظه من النّقصان ليبقى حيّا،و هذا غير بعيد من اعتقاد البخيل.

و رابعها:أنّ هذا تعريض بالعمل الصّالح،و أنّه هو الّذي يخلّد صاحبه في الدّنيا بالذّكر الجميل،و في الآخر،في النّعيم المقيم.(32:93)

القرطبيّ: [نقل قول السّدّيّ و عكرمة ثمّ قال:]

و قيل:أحياه فيما مضى،و هو ماض بمعنى المستقبل.يقال:هلك و اللّه فلان و دخل النّار،أي يدخل.(20:184)

البيضاويّ: تركه خالدا في الدّنيا فأحبّه كما يحبّ الخلود،أو حبّ المال أغفله عن الموت،أو طول أمله حتّى حسب أنّه مخلّد،فعمل عمل من لا يظنّ الموت و فيه تعريض بأنّ المخلّد هو السّعي للآخرة.(2:575)

نحوه شبّر.(6:450)

الشّربينيّ: أي أوصله إلى رتبة الخلد في الدّنيا، فيصير خالدا فيها لا يموت.أو يعمل...[و أدام نحو الزّمخشريّ](4:586)

أبو السّعود :أي يعمل عمل من يظنّ أنّ ماله يبقيه حيّا،و الإظهار في موقع الإضمار لزيادة التّقرير.

[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](6:469)

البروسويّ: إظهار المال لزيادة التّقرير،أي يعمل من تشييد البنيان و إيثاقه بالصّخر و الآجرّ و غرس الأشجار و كري الأنهار عمل من يظنّ أنّه لا يموت،بل ماله يبقيه حيّا.فالحسبان ليس بحقيقيّ بل محمول على التّمثيل.و قال أبو بكر ابن طاهر رحمه اللّه:

يظنّ أنّ ماله يوصله إلى مقام الخلد.[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ](10:508)

الشّوكانيّ: و جملة يَحْسَبُ... مستأنفة لتقرير ما قبلها،و يجوز أن تكون في محلّ نصب على الحال، أي يعمل عمل من يظنّ أنّ ماله يتركه حيّا مخلّدا لا يموت...

و الإظهار في موضع الإضمار للتّقريع و التّوبيخ.

و قيل:هو تعريض بالعمل الصّالح،و أنّه الّذي يخلّد صاحبه في الحياة الأبديّة لا المال.(5:611)

الآلوسيّ: يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ جملة حاليّة أو استئنافيّة و«أخلده»و«خلّده»بمعنى،أي تركه خالدا،أي ماكثا مكثا لا يتناهى،أو مكثا طويلا جدّا.

ص: 702

و الكلام من باب الاستعارة التّمثيليّة،و المراد أنّ المال طوّل أمله و منّاه الأمانيّ البعيدة،فهو يعمل من تشييد البنيان و غرس الأشجار و كري الأنهار و نحو ذلك عمل من يظنّ أنّ ماله أبقاه حيّا.و الإظهار في مقام الإضمار لزيادة التّقرير.و التّعبير بالماضي للمبالغة في المعنى المراد.

و جوّز أن يراد أنّه حاسب ذلك حقيقة لفرط غروره و اشتغاله بالجمع و التّكاثر،عمّا أمامه من قوارع الآخرة،أو لزعمه أنّ الحياة و السّلامة عن الأمراض و الآفات تدور على مراعاة الأسباب الظّاهرة،و أنّ المال هو المحور لكرّتها،و الملك المطاع في مدينتها.

و قيل:المراد أنّه يحسب المال من المخلّدات، و لا نظر فيه إلى أنّ الخلود دنيويّ أو أخرويّ ذكرا أو عينا،إنّما النّظر في إثبات هذه الخاصّة للمال.

و الغرض منه التّعريض بأنّ ثمّ مخلّدا ينبغي للعاقل أن يكبّ عليه.و هو السّعي للآخرة.و هو بعيد جدّا،و لذا لم يجعل بعض الأجلّة التّعريض وجها مستقلاّ.

و زعم«عصام الدّين»أنّه يحتمل أن يكون فاعل أَخْلَدَ الحاسب و مفعوله«المال»أي ظنّ أن يحفظ ماله أبدا و لا يعرف أنّه معرض للحوادث أو للمفارقة بالموت،كما قيل:«بشّر مال البخيل بحادث أو وارث» و هو لعمري ممّا لا عصام له.(30:230)

القاسميّ: أي يظنّ أنّ ماله الّذي جمعه و أحصاه، و بخل بإنفاقه،مخلّده في الدّنيا،فمزيل عنه الموت.[إلى أن قال:]

و في قوله تعالى: وَ عَدَّدَهُ إشارة أيضا إلى الجهل.لأنّ الّذي جعل المال عدّة للنّوائب،لا يعلم أنّ نفس ذلك المال يجرّ إليه النّوائب.لاقتضاء حكمة اللّه تفريقه في النّائبات،فكيف يدفعها؟و كذا في قوله:

يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ أي لا يشعر أنّ المقتنيات المخلّدة لصاحبها هي العلوم و الفضائل النّفسانيّة الباقية،لا العروض و الذّخائر الجسمانيّة الفانية.

و لكنّه مخدوع بطول الأمل،مغرور بشياطين الوهم عن بغتة الأجل.

و الحاصل أنّ الجهل الّذي هو رذيلة القوّة الملكيّة، أصل جميع الرّذائل،و مستلزم لها.فلا جرم أنّه يستحقّ صاحبه المغمور فيها،العذاب الأبديّ المستولي على القلب المبطل لجوهره.(17:6255)

المراغيّ: أي يظنّ هذا الهمّاز العيّاب أنّ ما عنده من المال قد ضمن له الخلود في الدّنيا،و أعطاه الأمان من الموت،فهو لذلك يعمل عمل من يظنّ أنّه باق حيّا أبد الدّهر،و لا يعود إلى حياة أخرى يعاقب فيها على ما كسب من سيّئ الأعمال.(30:238)

مغنيّة:أ يظنّ أنّ هذا المال الّذي جمعه و عدّده يدفع عنه الموت إذا نزل بساحته؟أو ينجيه من حساب اللّه و عذابه؟(7:608)

عبد الكريم الخطيب :جملة حاليّة تكشف عن ظنون هذا الإنسان و أوهامه،و هو أنّه على ظنّ من أنّ هذا المال الّذي جمعه،سيخلّده،و يمدّ له في الحياة، و أنّه بقدر ما يستكثر من المال بقدر ما يكون له من بقاء في هذه الدّنيا.هكذا شأن الحريصين على المال،

ص: 703

الّذين اتّجه همّهم كلّه إلى جمعه،إنّهم لا يذكرون الموت أبدا،و لا يغشون مكانا يذكّرهم به،و لا يستمعون إلى حديث يذكّر فيه،إنّ الموت عندهم هو عدوّ قد قتلوه بأمانيّهم الباطلة،و أراحوا أنفسهم منه،فما لهم و الحديث عنه؟و ما لهم و ما يذكّرهم به؟(15:1673)

ابن عاشور :و جملة: يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ يجوز أن تكون حالا من هُمَزَةٍ فيكون مستعملا في التّهكّم عليه في حرصه على جمع المال و تعديده،لأنّه لا يوجد من يحسب أنّ ماله يخلده،فيكون الكلام من قبيل التّمثيل،أو تكون الحال مرادا بها التّشبيه،و هو تشبيه بليغ.

و يجوز أن تكون الجملة مستأنفة و الخبر مستعملا في الإنكار،أو على تقدير همزة استفهام محذوفة، مستعملا في التّهكّم أو التّعجيب.

و جيء بصيغة المضيّ في أَخْلَدَهُ لتنزيل المستقبل منزلة الماضي لتحقّقه عنده؛و ذلك زيادة في التّهكّم به بأنّه موقن بأنّ ماله يخلده حتّى كأنّه حصل إخلاده و ثبت.و الهمزة في أَخْلَدَهُ للتّعدية،أي جعله خالدا.

و معنى الآية:أنّ الّذين جمعوا المال يشبه حالهم حال من يحسب أنّ المال يقيهم الموت و يجعلهم خالدين،لأنّ الخلود في الدّنيا أقصى متمنّاهم؛ إذ لا يؤمنون بحياة أخرى خالدة.(30:473)

الطّباطبائيّ: قوله: يَحْسَبُ... أي يخلده في الدّنيا و يدفع عنه الموت و الفناء،فالماضي أريد به المستقبل بقرينة قوله: يَحْسَبُ.

فهذا الإنسان لإخلاده إلى الأرض،و انغماره في طول الأمل،لا يقنع من المال بما يرتفع به حوائج حياته القصيرة،و ضروريّات أيّامه المعدودة،بل كلّما زاد مالا زاد حرصا إلى ما لا نهاية له.فظاهر حاله أنّه يرى أنّ المال يخلده،و لحبّه الغريزيّ للبقاء يهتمّ بجمعه و تعديده،و دعاه ما جمعه و عدّده من المال و ما شاهده من الاستغناء إلى الطّغيان،و الاستعلاء على غيره من النّاس،كما قال تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى العلق:7،و يورثه هذا الاستكبار و التّعدّي الهمز و اللّمز.

و من هنا يظهر أنّ قوله: يَحْسَبُ... بمنزلة التّعليل لقوله: اَلَّذِي جَمَعَ مالاً وَ عَدَّدَهُ. و قوله:

اَلَّذِي جَمَعَ...، بمنزلة التّعليل لقوله: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ. (20:359)

مكارم الشّيرازيّ: أَخْلَدَهُ جاء في الآية بصيغة الماضي،و يعني أنّ هذا الهمزة اللّمزة يحسب أنّ ماله قد صيّر منه موجودا خالدا،لا يستطيع الموت أن يصل إليه،و لا عوامل المرض و الحوادث قادرة أن تنال منه.فالمال في نظره هو المفتاح الوحيد لحلّ كلّ مشكلة،و هو يملك هذا المفتاح.

ما أسفه هذا التّفكير،قارون-بكلّ ما كان يملكه من كنوز لا تستطيع العصبة أولو القوّة أن تحمل مفاتحها-لم يستطع أن يستخدم أمواله لتأخير مصيره الأسود ساعة واحدة: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81،الأموال الّتي كان يمتلكها الفراعنة:

...مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ*

ص: 704

وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ الدّخان:25-27،تحوّلت في ساعة إلى غيرهم: كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ الدّخان:28.

لذلك فإنّ هؤلاء اللاّهين بأموالهم،حين تزول من أمام أعينهم الحجب و الأستار يوم القيامة يرفعون عقيرتهم بالقول: ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ الحاقّة:28،29.

الإنسان-أساسا-يهرب من الفناء و العدم و يميل إلى الخلود،و هذه الرّغبة الدّاخليّة هي من أدلّة المعاد، و من الأدلّة على أنّ الإنسان مخلوق للخلود،و إلاّ ما كانت فيه غريزة حبّ الخلود.

لكنّ الإنسان المغرور الأنانيّ الدّنيويّ يخال خلوده كامنا في أشياء،هي ذاتها عامل فنائه و انعدامه.على سبيل المثال:المال و المقام اللّذان هما غالبا من أعداء بقائه،يحسبهما وسيلة لخلوده.

و من هنا يتبيّن أنّ الظنّ بقدرة المال على الإخلاد، هو الّذي يدفع إلى جمع المال،و جمع المال أيضا عامل على الاستهزاء و السّخريّة بالآخرين عند هؤلاء الغافلين.(20:408)

فضل اللّه :لأنّه يلبّي له الكثير من حاجاته الحياتيّة فيخيّل له أنّ من الممكن أن يلبّي له الحاجة إلى الخلود فى الدّنيا،و لكنّه يعيش الوهم الكبير فى ذلك،لأنّ المال قد يلبّي بعض حاجات الحياة، و لكنّه لن يمنح الحياة نفسها،أو الامتداد فيها.

(24:414)

مخلّدون

1- يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ. الواقعة:17

ابن عبّاس: خلّدوا،لا يموتون فيها و لا يخرجون منها.(453)

سعيد بن جبير: مقرّطون.(الثّعلبيّ 9:204)

مجاهد :لا يموتون.(الطّبريّ 11:629)

عكرمة :منعّمون.(الثّعلبيّ 9:204)

الحسن :أنّهم الباقون على صغرهم لا يموتون و لا يتغيّرون.(الماورديّ 5:450)

نحوه البغويّ(5:7)،و الخازن(7:14)

أنّهم على حالة واحدة لا يهرمون.

(الطّوسيّ 9:493)

نحوه النّيسابوريّ.(27:78)

الكلبيّ: لا يهرمون و لا يكبرون و لا ينقصون و لا يتغيّرون،و ليس كخدم الدّنيا يتغيّرون من حال إلى حال.(الثّعلبيّ 9:204)

نحوه أبو عبيدة.(2:249)

الفرّاء: يقال:إنّهم على سنّ واحدة لا يتغيّرون.

و العرب تقول للرّجل إذا كبر و لم يشمط:إنّه لمخلّد،و إذا لم تذهب أسنانه عن الكبر قيل أيضا:

إنّه لمخلد.و يقال:مخلّدون مقرّطون،و يقال:

مسوّرون.(3:122)

ابن كيسان :يعني ولدانا مخلّدين لا يتحوّلون من حالة إلى حالة.(الثّعلبيّ 9:204)

ابن قتيبة :يقال:على سنّ واحدة لا يتغيّرون.

و لا يموتون.و من خلّد و خلق للبقاء:لم يتغيّر.(446)

ص: 705

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:يطوف على هؤلاء السّابقين الّذين قرّبهم اللّه في جنّات النّعيم،ولدان على سنّ واحدة،لا يتغيّرون،و لا يموتون.

و قال آخرون:عنى بذلك أنّهم مقرّطون مسوّرون.

و الّذي هو أولى بالصّواب في ذلك قول من قال معناه:أنّهم لا يتغيّرون،و لا يموتون،لأنّ ذلك أظهر معنييه،و العرب تقول للرّجل إذا كبر و لم يشمط:إنّه لمخلد،و إنّما هو«مفعل»من الخلد.(11:629)

القمّي:أي مسرورون.(2:348)

الماورديّ: في قوله تعالى: مُخَلَّدُونَ قولان:

[هما قول الفرّاء و الحسن]

و يحتمل ثالثا:أنّهم الباقون معهم لا يصبرون عليهم و لا ينصرفون عنهم،بخلافهم في الدّنيا.

(5:450)

الطّوسيّ: [نقل بعض الأقوال و أضاف:]

يقال:رجل مخلد أي باق زمانا أسود اللّحية لا يشيب.(9:493)

نحوه الطّبرسيّ.(5:216)

الميبديّ: أي باقون لا يموتون،خلقوا للخلد.

و قيل:يبقون على غلومتهم لا يتغيّر نضارتهم و لا يحوّلون من إلى إلي حالة.و قيل: مُخَلَّدُونَ مستورون مقرّطون.يقال:خلّد جاريته،إذا زيّنها و حلاّها بالخلد،و هو القرط و الخلادة:القلادة لغة قحطانيّة.(9:445)

الزّمخشريّ: مبقون أبدا على شكل الولدان و حدّ الوصافة،لا يتحوّلون عنه.(4:53)

نحوه النّسفيّ(4:215)،و أبو السّعود(6:188).

ابن عطيّة: لا تكبر بهم سنّ.و قال مجاهد:

لا يموتون.قال الفرّاء: مخلدون معناه:مقرّطون بالخلدات،و هي ضرب من الأقراط.و الأوّل أصوب، لأنّ العرب تقول للّذي كبر و لم يشب:إنّه لمخلد.

(5:241)

ابن الجوزيّ: و في المخلّدين قولان:

أحدهما:أنّه من الخلد،و المعنى أنّهم مخلوقون للبقاء لا يتغيّرون،و هم على سنّ واحد.[و ذكر قول الفرّاء و قال:]هذا قول الجمهور.

الثّاني:[قول الفرّاء و ابن قتيبة](8:135)

الفخر الرّازيّ: و في قوله تعالى: مُخَلَّدُونَ وجهان:

أحدهما:أنّه من الخلود و الدّوام،و على هذا الوجه يظهر وجهان آخران:

أحدهما:أنّهم مخلّدون،و لا موت لهم و لا فناء.

و ثانيهما:لا يتغيّرون عن حالهم،و يبقون صغارا دائما،لا يكبرون و لا يلتحون.

و الوجه الثّاني:أنّه من الخلدة و هو القرط،بمعنى في آذانهم حلق.و الأوّل أظهر و أليق.(29:149)

أبو حيّان :وصفوا بالخلد و إن كان من في الجنّة مخلّدا،ليدلّ على أنّهم يبقون دائما في سنّ الولدان لا يكبرون،و لا يتحوّلون عن شكل الوصافة.(8:205)

الشّربينيّ: قد حكم اللّه تعالى ببقائهم على ما هم عليه من الهيئة،على شكل الأولاد.قال الحسن و الكلبيّ:لا يهرعون و لا يتغيّرون،و منه قول امرئ

ص: 706

القيس:

و هل ينعمن إلاّ سعيد مخلّد

قليل الهموم ما يبيت بأوجال

قال سعيد بن جبير:مخلّدون:مقرّطون،يقال:

للقرط الخلد،و القرط:ما يجعل في الأذنين من الحلق، و قيل:مقرطون أي ممنطقون من المناطق،و المنطقة ما يجعل في الوسط.و أكثر المفسّرين:أنّهم على سنّ واحد أنشأهم اللّه تعالى لأهل الجنّة،يطوفون عليهم، نشئوا من غير ولادة فيها،لأنّ الجنّة لا ولادة فيها.

(4:183)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

لأنّهم خلقوا للبقاء،و من خلق للبقاء لا يتغيّر.قال في«الأسئلة المقحمة»:هؤلاء هل يدخلون تحت قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ؟ آل عمران:185.

و الجواب:أنّهم لا يموتون فيها،بل يلقى عليهم بين النّفختين،و من هذا علم أنّ هؤلاء خلقوا للخدمة لأهل الجنّة،فهم للخدمة لا غير،و الحور العين للخدمة و المتعة.(9:321)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]و إلاّ فكلّ أهل الجنّة مخلّد لا يموت.(27:136)

عزّة دروزة :مخلّدون:دائمون على حالهم لا يتغيّرون.و قيل:مزيّنون بالأقراط.لأنّ«الخلدة» تأتي بمعنى القرط،على ما قاله الزّمخشريّ.(3:102)

المراغيّ: أي يطوف عليهم غلمان و خدم على صفة واحدة،لا يكبرون و لا يتغيّرون،فهم دائما على الصّفة الّتي تسرّ المخدوم إذا رأى الخادم.(27:136)

ابن عاشور:و وصف الولدان بالمخلّدين،أي دائمين على الطّواف عليهم و مناولتهم لا ينقطعون عن ذلك.و إذ قد ألفوا رؤيتهم فمن النّعمة دوامهم معهم.

و قد فسّر مُخَلَّدُونَ بأنّهم مخلّدون في صفة الولدان،أي بالشّباب و الغضاضة،أي ليسوا كولدان الدّنيا يصيرون قريبا فتيانا فكهولا فشيوخا.

و فسّره أبو عبيدة بأنّهم مقرّطون بالأقراط.

و القرط يسمّى خلدا و خلدا و جمعه خلدة كقردة، و هي لغة حميريّة استعملها العرب كلّهم،و كانوا لغة يحسّنون غلمانهم بالأقراط في الآذان.(27:270)

الطّباطبائيّ: و المخلّدون من الخلود بمعنى الدّوام،أي باقون أبدا على هيئتهم من حداثة السّنّ.

و قيل:من الخلد بفتحتين و هو القرط،و المراد أنّهم مقرّطون بالخلد.(19:122)

عبد الكريم الخطيب :أي خالدون في هذا الشّباب الدّائم،الّذي لا يتحوّل أبدا،فهم مخلّدون في حالهم تلك،كما يخلّد أهل الجنّة في الجنّة،و أهل النّار في النّار،أو أنّهم مخلّدون،أي تزيّن آذانهم بقروط من كريم المعادن،و نفيس الجواهر.[إلى أن قال:]

و المعنى أنّ هؤلاء الولدان المخلّدين الّذين يلبسون ثوب الصّبا أبدا،و الّذين تزيّن آذانهم بالقروط،دلالا و تنعّما يطوفون على هؤلاء المقرّبين بأكواب،و أباريق،و كئوس من معين،أي من عيون جارية من الخمر.(14:709)

مكارم الشّيرازيّ: و التّعبير ب مُخَلَّدُونَ إشارة إلى خلود شبابهم و نشاطهم و جمالهم

ص: 707

و طراوتهم،و الأصل:أنّ جميع أهل الجنّة مخلّدون و باقون.(17:421)

فضل اللّه :في إشراقة الرّوح و جمال الوجه و دوام الحيويّة،فلا يهرمون،و لا يموتون و لا يضعفون،و تبقى مهمّتهم الطّواف على هؤلاء المتّقين السّابقين إلى الخيرات،فيما يريده اللّه لهم من الكرامة.(21:329)

2- وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً. الدّهر:19

ابن عبّاس: في الجنّة لا يموتون و لا يخرجون و يقال:محلّون.(496)

أي مسوّرون.(الماورديّ 6:171)

الضّحّاك: صغار لا يكبرون،و شباب لا يهرمون.

مثله الحسن.(الماورديّ 6:171)

الحسن :خلّدوا على هيئة الوصفاء،فلا يشيبون أبدا.(الطّوسيّ 10:215)

قتادة :لا يموتون.(الطّبريّ 12:369)

الفرّاء: يقول:محلّون مسوّرون،و يقال:

مقرّطون،و يقال:مخلّدون دائم شبابهم،لا يتغيّرون عن تلك السّنّ،و هو أشبهها بالصّواب-و اللّه أعلم- و ذلك أنّ العرب إذا كبر الرّجل،و ثبت سواد شعره.

قيل:إنّه لمخلد،و كذلك يقال:إذا كبر و نبتت له أسنانه و أضراسه قيل:إنّه لمخلد ثابت الحال،كذلك الولدان ثابتة أسنانهم.(3:218)

نحوه ملخّصا القاسميّ.(17:6014)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و يطوف على هؤلاء الأبرار ولدان،و هم الوصفاء،مخلّدون.

اختلف أهل التّأويل في معنى مُخَلَّدُونَ فقال بعضهم:معنى ذلك:أنّهم لا يموتون.[ثمّ نقل قول قتادة و قال:]

و قال آخرون:عنى بذلك وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ مسوّرون.

و قال آخرون:بل عنى به أنّهم مقرّطون.و قيل:

عنى به أنّهم دائم شبابهم،لا يتغيّرون عن تلك السّنّ.[ثمّ ذكر نحو الفرّاء و قال:]

و هذا تصحيح لما قال قتادة من أنّ معناه:

لا يموتون،لأنّهم إذا ثبتوا على حال واحدة فلم يتغيّروا بهرم و لا شيب و لا موت،فهم مخلّدون.

و قيل:إنّ معنى قوله: مُخَلَّدُونَ مسوّرون، بلغة حمير.(12:369)

الزّجّاج: أي يخدمهم و صفاء مخلّدون،و تأويل مخلّدين،أي لا يجوز واحد منهم حدّ الوصافة أبدا هو وصيف،و العرب تقول للرّجل الّذي لا يشيب:هو مخلّد.و يقال مخلّدون:مجلّون عليهم الحلى،و يقال لجماعة الحلى:الخلدة.(5:261)

الطّوسيّ: قيل:مسوّرون بلغة حمير.(10:215)

ابن عطيّة: مُخَلَّدُونَ قال جمهور النّاس:

معناه باقون من الخلود،و جعلهم ولدانا،لأنّهم في هيئة الولدان في السّنّ،لا يتغيّرون عن تلك الحال.و قال أبو عبيدة و غيره: مُخَلَّدُونَ معناه:مقرّطون، و الخلدات:حليّ يعلق في الآذان.(5:413)

الفخر الرّازيّ: و قد تقدّم تفسير هذين الوصفين

ص: 708

في سورة الواقعة،و الأقرب أنّ المراد به دوام كونهم على تلك الصّورة الّتي لا يراد في الخدم أبلغ منها؛ و ذلك يتضمّن دوام حياتهم و حسنهم و مواظبتهم على الخدمة الحسنة الموافقة.(30:251)

القرطبيّ: بيّن من الّذي يطوف عليهم بالآنية،أي و يخدمهم ولدان مخلّدون،فإنّهم أخفّ في الخدمة.ثمّ قال: مُخَلَّدُونَ أي باقون على ما هم عليه من الشّباب و الغضاضة و الحسن،لا يهرمون و لا يتغيّرون، و يكونون على سنّ واحدة،على مرّ الأزمنة.

(19:141)

الشّربينيّ: أي قد حكم من لا يردّ حكمه بأن يكونوا كذلك دائما من غير علّة و لا ارتفاع عن ذلك الحدّ،مع أنّهم مزيّنون بالحليّ و هو الحلق و الأساور و القروط و الملابس الحسنة.(4:457)

أبو السّعود :أي دائمون على ما هم عليه من الطّراوة و البهاء.(6:344)

مثله الآلوسيّ.(29:161)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و الخلد:القرط،و في«التّاج»:أنّه من الخلد و هو الرّوح،كأنّهم روحانيّون لا جسم لهم.(10:273)

المراغيّ: أي يطوف على أهل الجنّة للخدمة ولدان من ولدان الجنّة،يأتون على ما هم عليه من الشّباب و الطّراوة و النّضارة،لا يهرمون و لا يتغيّرون.

و لا تضعف أجسامهم عن الخدمة.(29:170)

الطّباطبائيّ: أي ولدان دائمون على ما هم عليه من الطّراوة و البهاء و صباحة المنظر.(20:130)

عبد الكريم الخطيب:و«المخلّدون»:الّذين لا يتحوّلون عن حالهم تلك أبدا،و لا يتأثّرون بمرور الدّهور و الأزمان،و هو من الخلد:أي الثّبات و عدم التّحوّل،و الانتقال من مكان إلى مكان.يقال:أخلد فلان في مكانه،أي لزمه،و أخلد إلى الرّاحة،أي أقام في ظلّها.و منه جنّة الخلد،أي الخلود و الدّوام فيها.

(15:1370)

مكارم الشّيرازيّ: إنّهم مخلّدون في الجنان، و طراوة شبابهم و جمالهم و نشاطهم خالد أيضا،و كذا استقبالهم للأبرار،لأنّ عبارة مُخَلَّدُونَ و عبارة يَطُوفُ عَلَيْهِمْ من جهة أخرى تبيان لهذه الحقيقة.

(19:236)

فضل اللّه :يتحرّكون في خدمة هؤلاء الأبرار في الجنّة بما يريدونه من الطّعام و الشّراب في أجمل صورة.

(23:274)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الخلود على وجهين:

أحدهما:الدّوام،كقوله في البقرة:25، وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ و فيها خالِدِينَ فِيها البقرة:162.

و الثّاني:المقيم،كقوله: يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها النّساء:14،و قوله: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها النّساء:93.(226)

الأصول اللّغويّة

الأصل في هذه المادّة:الخلد،أي البقاء و الدّوام.

يقال:خلد يخلد خلدا و خلودا،أي بقي و أقام،و خلد

ص: 709

بالمكان يخلد خلودا و أخلد:أقام،و خلد إلى الأرض و أخلد:أقام فيها،و أخلد إلى فلان:ركن إليه و مال

إليه و رضي به،و أخلد الرّجل بصاحبه إخلادا:

لزمه.

و دار الخلد:الآخرة،لبقاء أهلها فيها،و قد أخلد اللّه أهل دار الخلد فيها و خلّدهم،و خلّده اللّه تخليدا و أخلده،و أهل الجنّة خالدون مخلّدون آخر الأبد، و أخلد اللّه أهل الجنّة إخلادا.

و المخلد من الرّجال:الّذي أسنّ و لم يشب،كأنّه مخلّد لذلك،و كذلك الّذي لم تسقط أسنانه من الهرم.

يقال:خلد يخلد خلدا و خلودا،أي أبطأ عنه الشّيب، كأنّما خلق ليخلد.و بعضهم أطلق على الأوّل «المخلد»بالفتح و على الثّاني«المخلد»بالكسر.أو بالعكس.

و الخوالد:الأثافيّ في مواضعها،و كذا الجبال و الحجارة و الصّخور،لطول بقائها بعد دروس الأطلال.

و الخلدة:القرط،لأنّه يلازم الأذن.يقال:خلّد جاريته،أي حلاّها بالخلدة؛و الجمع:خلدة.

و الخلد:البال و القلب و النّفس،لأنّه يستقرّ فيها و يثبت.يقال:وقع ذلك في خلدي،أي في روعي و قلبي؛و الجمع:أخلاد.

و الخلد:ضرب من الجرذان عمي لم يخلق لها عيون؛واحدها:خلد،و الجمع:خلدان،سمّي بذلك لأنّه يلازم الأرض،كما يلازم السّمك الماء.

2-و استعمل بعض العلماء الفعل«خلّد»متعدّيا إلى مفعولين.قالوا:«خلّده السّجن»و هو قول ابن الأثير في«الكامل»و الشّيخ الصّدوق في«المقنع» و«من لا يحضره الفقيه»،و الشّيخ المفيد في«الإرشاد» و غيرهم.و قالوا:أيضا:«خلّده النّار»،كما في «روضة الواعظين»للفتّال النّيسابوريّ،و في«مناقب آل أبي طالب»لابن شهرآشوب.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء من المجرّد«المضارع»مرّتين،و«اسم الفاعل» مفردا 4 مرّات،و جمعا 70 مرّة،و المصدر:(الخلد)6 مرّات،و(الخلود)مرّة،و مزيدا من الإفعال«الماضي» مرّتين،و«اسم المفعول»جمعا مرّتين أيضا في 86 آية:

1-شجرة الخلد في الجنّة

1- ...يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى طه:120

2- ...ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ الأعراف:20

2-الخلد في الدّنيا و الإخلاد إلى الأرض

3- وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ الأنبياء:34

4- وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ ما كانُوا خالِدِينَ الأنبياء:8

5- وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ

الشّعراء:129

6- اَلَّذِي جَمَعَ مالاً وَ عَدَّدَهُ* يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ الهمزة:2،3

7- وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ... الأعراف:176

ص: 710

7- وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ... الأعراف:176

3-الخلد في الجنّة

8- قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ... الفرقان:15

9- وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَ لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ

البقرة:25

10- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:82

11- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ الأعراف:42

12- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ هود:23

13- يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ...* وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ آل عمران:106،107

14- ...وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يونس:26

15- إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ* لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ الأنبياء:101

16- أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* اَلَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ المؤمنون:10،11

17- اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ * وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَ أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ الزّخرف:70،71

18- ...فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ*... وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ... هود:105-108

19- قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِيراً* لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً.

الفرقان:15،16

20- ...وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً* أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً * خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً

الفرقان:74-76

21- وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ

الزّمر:73

22- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ

الأحقاف:13،14

23- مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ* اُدْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ

ق:33،34

ص: 711

24- اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ...* خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

التّوبة:20-22

25- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً* خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً الكهف:107،108

26- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ جَنّاتُ النَّعِيمِ* خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لقمان:8،9

4-ولدان مخلّدون

27- عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ...* وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ الدّهر:6-19

28- وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ*... يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ الواقعة:10-17

5-الخلد في العذاب

29- ...وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً* يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً

الفرقان:68،69

30- ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ... يونس:52

31- ...وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ...* إِنّا نَسِيناكُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

السّجدة:12-14

32- فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا...* ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللّهِ النّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ... فصّلت:28،27

33- ...كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ محمّد:15

34- وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها... النّساء:14

35- وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها النّساء:93

36- أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها... التّوبة:63

37- فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النّارِ خالِدَيْنِ فِيها... الحشر:17

38- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:39

39- بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:81

40- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ خالِدِينَ فِيها وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ

التّغابن:10

41- ...فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

البقرة:217

42- ...وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:257

43- ...وَ مَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:275

44- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ آل عمران:116

ص: 712

44- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ آل عمران:116

45- تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ المائدة:80

46- وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

الأعراف:36

47- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِي النّارِ هُمْ خالِدُونَ التّوبة:17

48- ...وَ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يونس:27

49- ...وَ أُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ الرّعد:5

50- لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

المجادلة:17

51- لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَ كُلٌّ فِيها خالِدُونَ الأنبياء:99

52- وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ المؤمنون:103

53- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ الزّخرف:74

54- وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها... التّوبة:68

55- فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ النّحل:29

56- قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها...

الزّمر:72

57- اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ المؤمن:76

58- ...وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً الجنّ:23

59- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها... البيّنة:6

60- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً* إِلاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً... النّساء:168،169

61- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ* خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ

البقرة:161،162

62- كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ* أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ* خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ آل عمران:86-88

63- مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً* خالِدِينَ فِيهِ وَ ساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً

طه:100،101

64- إِنَّ اللّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً

ص: 713

64- إِنَّ اللّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً

الأحزاب:64،65

65- ...عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ*... قالَ النّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاّ ما شاءَ اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ الأنعام:125-128

66- فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ* خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ... هود:106،107

و تضاف إلى آيات الخلد في الجنّة ...جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها... عشرون مرّة،و هي:آل عمران:15 و 136 و 198،النّساء:

13 و 57 و 122،المائدة:85 و 119،التّوبة:72 و 89 و 100،إبراهيم:23،طه:76،العنكبوت:58 ،الفتح:5،الحديد:12،المجادلة:22،التّغابن:9، الطّلاق:11،البيّنة:8.قد تقدّمت في:ت ح ت:

«تحت».

يلاحظ أوّلا أنّها جاءت في محورين:الخلود في الدّارين،و الإخلاد إلى الأرض.

المحور الأوّل:خمسة أصناف:الخلود في الجنّة قبل الهبوط،و الخلود في الدّنيا بعد الهبوط،و الإنداد على تمنّي الخلود فيها،و الخلود في الجنّة أو في النّار بعد الموت،و جاء التّعبير عنها جميعا بإضافتها إلى(الخلد) أو(الخلود)في ستّ آيات:

1-شجرة الخلد(1): يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ

2-جنّة الخلد(8): قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ

3-يوم الخلود(23): اُدْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ

4 و 5-عذاب الخلد(30): ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ و(31): وَ ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

6-دار الخلد(32): ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللّهِ النّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ

الصّنف الأوّل:الخلود في الجنّة قبل الهبوط بادّعاء إبليس في آيتين:

1- قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ

2- ...ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ، و فيها بحوث:

1-الآيتان مكّيّتان جاءتا في قصّة واحدة من قصص آدم و زوجه حوّاء،و هي إغواء إبليس إيّاهما بأن يأكلان من الشّجرة المنهيّة،كما جاء تفصيلها في الآيات قبلهما و بعدهما من سورتي«طه و الأعراف»،و إغواؤه إيّاهما قد تحقّق بتلبيس الأمر عليهما أنّ تلك الشّجرة هي شجرة الخلد،و أنّ من أكلها فهو من الخالدين في الجنّة،فجاء في إحداهما:

هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى، و في الأخرى: إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ

2-إنّ الخلود في الجنّة كان ادّعاء إبليس و لم يقع، و إنّما صار سببا لهبوطهما،و لم يكن وعدا لهما من اللّه، فهذا من القسم المنفيّ

ص: 714

3-الخطاب في الآيتين لهما جميعا،و إنّما وجّه في (1)إلى آدم،لأنّه الأصل في هذه القصّة.

4-لاحظ تفصيل القصّة في ش ج ر:«شجرة الخلد».

الصّنف الثّاني:نفي الخلود في الدّنيا عن البشر عامّة،و عن الأنبياء خاصّة في آيتين مكّيّتين أيضا من سورة واحدة-الأنبياء-:

(3): وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ.

(4): وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ ما كانُوا خالِدِينَ، و فيها بحوث أيضا:

1-يظهر من سياقهما أنّ المشركين في مكّة كانوا يدّعون-رفضا لدعوة النّبيّ عليه السّلام-أنّ الأنبياء ليسوا من البشر،و لا يأكلون الطّعام،و لا يموتون أبدا،بل هم مخلّدون في الدّنيا،فنفى اللّه تعالى زعمهم الباطل بتّا مكرّرا،و أنّه لم يجعل الخلد لبشر قبل النّبيّ عليه السّلام،و أنّ الأنبياء كانوا بشرا يأكلون الطّعام،و لم يكونوا خالدين.

2-و أيّد ذلك قبل(4)بقوله: وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ -و المراد ب أَهْلَ الذِّكْرِ هنا اليهود أهل التّوراة،و ذلك كان قبل الهجرة،لأنّ اليهود حين ذاك، كانوا يعترفون بالحقّ رغما للمشركين،لكنّهم رفضوا اعترافهم بذلك بعد الهجرة رغما للنّبيّ و للمؤمنين- و أيّده أيضا بعد(3)بقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ و ما جاء في بعض الرّوايات أنّ«أهل الذّكر»هم أهل البيت تأويل لهما.

3-و الإصرار على ذلك تكرارا في سورة واحدة -الأنبياء-دليل على إصرار المشركين على قولهم إبطالا لدعوة النّبيّ عليه السّلام حين نزول هذه السّورة...

4-فهذه الخلود كالخلود الأوّل الّذي،كان ادّعاء كاذبا من إبليس إغواء لهما،و هذا ادّعاء كاذب من المشركين إبطالا لدعوة الحقّ بإغواء إبليس أيضا.

الصّنف الثّالث:تنديد أكيد على حول توقّع النّاس الخلود في الدّنيا في آيتين مكّيّتين أيضا:

(5): أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ

(6): وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ* اَلَّذِي جَمَعَ مالاً وَ عَدَّدَهُ* يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ، و فيهما بحثان:

1-سياقهما توبيخ و تنديد بجمع المال وصولا إلى الخلود،فجاء في الأولى: وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، و في الثّانية: يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ

2-يستظهر منهما أنّ بين جمع المال و بناء الأبنية الفخمة،و بين تمنّي الخلود،علاقة وثيقة،كأنّ الّذين يمارسون هذين الأمرين غفلوا عن الموت الّذي سيقطع حياتهم،بل حالهم حال من يزعم الخلود و البقاء في الدّنيا أبدا،فالحرص على هذين الأمرين خصلة سيّئة تستتبع خصلة سيّئة أخرى و رغبة باطلة،و هي تمنّي الخلود في الدّنيا،هذا ما يشترك بين الآيتين،و تخصّ الأولى أمور:

1-أنّهم فسّروا مَصانِعَ ب«أبنية»فقالوا:

تتّخذون مباني للخلود،كأنّكم تخلدون باتّخاذكم هذه الأبنية،و لا تتفكّرون في الموت،لكي تبقوا فيها مؤبّدين

ص: 715

،كأنّ هذه الأبنية تخلّدكم في الدّنيا،و تخلدون فيها فلا تموتون،فإنّ هذه الأبنية الفخمة عمل من يطمع في الخلود.

و قال فضل اللّه:«إذ يخيّل إليكم أنّ خلود البناء و تمرّده عن السّقوط يؤدّي إلى خلود الإنسان الّذي يقيم فيه،و نحوها».

و إنّما عمّم بعض المتأخّرين مَصانِعَ لكلّ ما يتّخذه الإنسان من الأعمال و الآلات للبقاء،و هذا التّعميم منبعث من توسيع الصّنائع،و تفنّن وسائل الحياة في العصر الحاضر ففسّروها طبق حاجة العصر.

فقال الطّباطبائيّ: «تتّخذون هذه المصانع بسبب أنّكم ترجون الخلود،و لو لا رجاء الخلود ما عملتم مثل هذه الأعمال الّتي من طبعها أن تدوم دهرا طويلا، لا يفي به أطول الأعمار الإنسانيّة».

و قال عبد الكريم الخطيب:«...إنّهم يجوّدون في صناعة منازلهم و أمتعتهم و أدوات ركوبهم،حتّى لكأنّهم خالدون في هذه الدّنيا و لا يموتون أبدا...».

2-اختلفوا في قراءة تَخْلُدُونَ بفتح التّاء و ضمّ اللاّم مخفّفا و هي-قراءة الجمهور-،و (تخلدون) بضمّ التّاء و فتح اللاّم مخفّفا أيضا،و (لعلّكم تخلّدون) بضمّ التّاء و فتح الخاء و اللاّم مشدّدا،و (كأنّكم تخلدون) و (كى تخلدون) بفتح التّاء مخفّفا.

3-فسّروا لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ب«كأنّكم تخلدون» و«كي ما تخلدون»،و«لكي تبقوا فيها مؤبّدين»، و«لأن تخلدوا»،و«كأنّها تخلدكم»،و«كيما تخلدون لا تتفكّرون الموت»و نحوها،و هذه كلّها تشبيه.

و تردّد الفخر الرّازيّ بين التّشبيه و الرّجاء و فرّق بينهما،فقال:«ترجون الخلود في الدّنيا،أو يشبه حالكم حال من يخلد...».و الأوّل إنّما صار مذموما، لدلالته على السّرف أو الخيلاء،و الثّاني إنّما صار مذموما،لدلالته على الأمل الطّويل و الغفلة عن أنّ الدّنيا دار ممرّ لا مقرّ.

و قال أبو حيّان:«الظّاهر أنّ«لعلّ»على بابها من الرّجاء،كأنّه تعليل للبناء و الاتّخاذ،أي الحامل لكم على ذلك هو الرّجاء للخلود و لا خلود».

و كذلك أبو السّعود و الآلوسيّ و القاسميّ قالوا:

«أي راجين أن تخلدوا في الدّنيا أو عاملين عمل من يرجو ذلك».

و اختار الطّباطبائيّ أيضا الرّجاء،و عبد الكريم التّشبيه،و فضل اللّه التّخيّل-كما سبق عنهم-و قيل:

للتّعليل،و قيل:للاستفهام على سبيل التّوبيخ و الهزء بهم،أي هل أنتم تخلدون؟لاحظ كلام الآلوسيّ.

لكنّ الرّجاء أوفق بلفظ الآية و أبلغ في التّنديد بهم بناء على قراءة(لعلكم)،و أقرب إلى التّشبيه على قراءة(كانّكم)،و إلى التّعليل بناء على قراءة (كى).أمّا الاستفهام فلا وجه له،و كأنّها جميعا تفسير باللاّزم و بالمعنى،و لا بأس بها.

4-و أكثرهم-كما سبق-ضمّوا الغفلة عن الموت إلى تمنّي الخلود،و هذا كالتّفسير باللاّزم.

و تخصّ الآية الثّانية أمور أيضا:

1-قالوا نزلت السّورة في أشخاص معيّنين سمّوهم.[لاحظ الطّبريّ(12:687)و لكن لفظ

ص: 716

الآية: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ يعمّ كلّ من وصف بالهمز و اللّمز.

2-قالوا في إعراب يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ :

إنّه جملة مستأنفة لتقرير ما قبلها،أو حاليّة تكشف عن ظنون هذا الإنسان،فيكون مستعملا في التّهكّم عليه لحرصه على جمع المال و تعديده،أو أنّه على تقدير همزة استفهاميّة محذوفة مستعملا في التّهكّم،أو التّعجيب.لاحظ نصّ ابن عاشور.

و قال الطّباطبائيّ بعد بحث طويل:«إنّ قوله يَحْسَبُ بمنزلة التّعليل لقوله: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ» .

3-قالوا في معنى يَحْسَبُ :يظنّ هذا الّذي جمع المال أنّه سيخلّده،أو يعمل عمل من يحسب أنّ ماله أخلده،أو عمل من يحبّ أن يخلّد؛و ذلك لفرط غفلته أو جهله.

و قال البروسويّ: «فالحسبان ليس بحقيقيّ بل محمول على التّمثيل».

و قال الآلوسيّ: «و الكلام من باب الاستعارة التّمثيليّة».

و قال ابن عاشور:«...فيكون الكلام من قبيل التّمثيل،أو تكون الحال مرادا بها التّشبيه،و هو تشبيه بليغ».

و قال فضل اللّه:«لأنّ المال يلبّي له الكثير من حاجاته الحياتيّة فيخيّل له أنّ من الممكن أن يلبّي له الحاجة إلى الخلود في الدّنيا،لكنّه يعيش الوهم الكبير في ذلك...».

و قال أبو السّعود:«الإظهار-ماله-في موضع الإضمار،لزيادة التّقرير».

4-قالوا في أَخْلَدَهُ :إنّه في معنى«يخلده» فالماضي بمعنى المستقبل،لأنّ يَحْسَبُ يدلّ عليه.و قيل: أَخْلَدَهُ بمعنى أوجب عليه إخلاده، و هذا كما يقال:هلك فلان،إذا حدث به سبب الهلاك و إن لم يقع هلاكه بعد.

و قال الفخر الرّازيّ: «و إنّما قال: أَخْلَدَهُ و لم يقل:«يخلده»لأنّ المراد يحسب هذا الإنسان أنّ المال ضمن له الخلود و أعطاه الأمان من الموت،و كأنّه حكم قد فرغ منه،و لذلك ذكره على الماضي».و هو قد ذكر لهذه الجملة أربعة وجوه:اثنان منها ما سبق.

و الثّالث:أحبّ المال حبّا شديدا حتّى اعتقد أنّه إن انتقص مالي أموت،فلذلك يحفظه من النّقصان ليبقى حيّا.و هذا غير بعيد من اعتقاد البخيل.

و الرّابع:أنّ هذا تعريض بالعمل الصّالح،و أنّه هو الّذي يخلّد صاحبه في الدّنيا بالذّكر الجميل،و في الآخرة بالنّعيم المقيم.

و قال الزّمخشريّ: «أخلده و خلّده بمعنى،أي طوّل المال أمله و منّاه الأمانيّ البعيدة،حتّى أصبح لفرط غفلته و طول أمله،يحسب أنّ المال تركه خالدا».و لا بأس بما ذكروه و أكثرها تفسير باللاّزم.

الصّنف الرّابع:الخلد في الجنّة بوعد اللّه في 19 آية:

15 مكّيّة،و 4 مدنيّة،و أكثرها جاءت في قبال أهل النّار.

و هذا دأب القرآن حيث يجمع كثيرا بين التّبشير

ص: 717

و الإنذار،زيادة في التّرغيب و التّرهيب و الإرجاء و التّخويف،و في جملة منها تنويع الصّنفين قبل بيان جزاء كلّ صنف منهم،كما جاء في آية قبل(13):

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ، و قبل(18):

فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ، و قبل(25): وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً* فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ* وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ* وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ الواقعة:

7-11.

و هي أصناف أيضا بحسب الوصف الموجب لاستحقاق الخلود في الجنّة،و أوصاف من دخل الجنّة، و ما رزقوا فيها من النّعيم.

أوّلها:موجبات الخلود في الجنّة-و هي أمور:

1-التّقوى في خمس آيات:

(8): قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ

(20): وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً... خالِدِينَ فِيها (21): وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ... فَادْخُلُوها خالِدِينَ

آل عمران(15) لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها

آل عمران(198) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ... خالِدِينَ فِيها نُزُلاً

2-الإيمان و العمل الصّالح في 19 آية:

(9): وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ.. .

وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ

(10): وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

(11): وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

(12): اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

(27): وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ.. .* خالِدِينَ فِيها...

(28): إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ جَنّاتُ النَّعِيمِ* خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

و قد تقدّم في«ت ح ت».

النّساء(57) وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ .. .خالِدِينَ فِيها أَبَداً...

النّساء(122) وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ .. .خالِدِينَ فِيها...

إبراهيم(23) وَ أُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ

طه(75 و 76) وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ.. .خالِدِينَ فِيها

العنكبوت(58) وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ.. .خالِدِينَ فِيها...

التّغابن(9) وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ وَ يَعْمَلْ صالِحاً .. .خالِدِينَ فِيها أَبَداً

الطّلاق(11) وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ وَ يَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً

ص: 718

الطّلاق(11) وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ وَ يَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً

البيّنة(7 و 8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ .. .خالِدِينَ فِيها أَبَداً

المجادلة(22) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ.. .خالِدِينَ فِيها...

التّوبة(72) وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ.. .خالِدِينَ فِيها...

الفتح(5) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ .. .خالِدِينَ فِيها

الحديد(12) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ.. .

خالِدِينَ فِيها

المائدة(84 و 85) وَ نَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ* خالِدِينَ فِيها

3-الإيمان و الهجرة و الجهاد في سبيل اللّه في آية:

(26): اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ.. .خالِدِينَ فِيها أَبَداً

4-الصّدق و الاستغفار و الصّبر و عبادة اللّه في خمس آيات:

(20): أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا .. .خالِدِينَ فِيها

المائدة(119) قالَ اللّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.. .خالِدِينَ فِيها...

آل عمران(135 و 136): ...فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ.. .*أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ.. .

خالِدِينَ فِيها

الدّهر(6-19): عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ .. .وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ

5 و 6-الّذين سعدوا،و الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى في آيتين:

(18): وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ

(15): إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ* لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ

7-الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا في آية:

(22): إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا.. .

أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها

8-من خشي الرّحمن بالغيب في آية:

(23): مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ.. .ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ

9-الّذين أخبتوا إلى ربّهم في آية:

(12): إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ

ثانيها:أوصافهم في الجنّة:

1-«هم أصحاب الجنّة»:جاءت في(10-12) و(14)و(22)و غيرها ممّا تقدّمت في ت ح ت.

ثالثها:نعيمهم فيها:

1-جنّات تجري من تحتها الأنهار في آيات كثيرة.

لاحظ:ت ح ت:«تحتها».

2-رزقهم في الجنّة و أزواجهم و خدّامهم و ما اشتهت أنفسهم في ستّ آيات:

ص: 719

(9): كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَ لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ

(15): وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ

(17): وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَ أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ

(19): لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ

(20): حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً

(24): يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً

رابعها:إكرامهم بتحيّتهم بالسّلام،و تبييض وجوههم،و إيراثهم الفردوس ضيوفا،و دخولهم الجنّة مع أزواجهم مزيّنين بلا ذلّة و لا خوف و حزن في ثمان آيات:

(20): وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً

(21): حَتّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ

(23): اُدْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ

(13): وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللّهِ

(27): كانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً أي هم ضيوف في الجنّة

(14): وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ

(22): فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ

(15): أُولئِكَ عَنْها -أي النار- مُبْعَدُونَ* لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها

خامسها:إكرامهم بالوعد و التّبشير و الجزاء في الآيات عامّة معنى،و في ما يأتي لفظا.

الوعد في ثلاث آيات:(8) جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ، و(19): كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً، و(28): وَعْدَ اللّهِ حَقًّا

التّبشير في آية:(9) وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ

الجزاء في ثلاث آيات:(20) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ، و(22) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، و(26) إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

الصّنف الخامس:الخلد في النّار في 32 آية،منها 14 آية مكّيّة،و 18 مدنيّة،فالمدنيّة تزيد على المكّيّة بأربع آيات،لأنّ سورة الإنسان مختلف فيها،فتقرب المكّيّات من المدنيّات في جانب العذاب،مع أنّ التّفاوت بين رقم الآيات المكّيّة و المدنيّة في جانب الثّواب كثيرة،فإنّ المدنيّة منها-كما سبق-محصورة في أربع،و هذا دليل على أنّ التّبشير في المدنيّة أقلّ من الإنذار،و كأنّ المؤمنين في المدينة كانوا مستعدّين للعقوبة أكثر من المشركين في مكّة،و هي أصناف أيضا:

أوّلها:موجبات الخلود في النّار و هي أمور:

منها ما أشير إليها في(29): وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً، و هي المحرّمات الّتي ذكرت أضدادها في أوصاف عباد اللّه في الآيات قبلها في سورة الفرقان، ابتداء من: وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً و انتهاء ب وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ. و من أهمّها الشّرك و الاستكبار و الإسراف و التّقتير في الإنفاق،و دعاء غير اللّه،و قتل النّفس المحرّمة،و الزّنى،فلاحظ.

ص: 720

منها ما أشير إليها في(29): وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً، و هي المحرّمات الّتي ذكرت أضدادها في أوصاف عباد اللّه في الآيات قبلها في سورة الفرقان، ابتداء من: وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً و انتهاء ب وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ. و من أهمّها الشّرك و الاستكبار و الإسراف و التّقتير في الإنفاق،و دعاء غير اللّه،و قتل النّفس المحرّمة،و الزّنى،فلاحظ.

و منها الظّلم:(30) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ، و(60) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا.

و(36): فَكانَ عاقِبَتَهُما -الشيطان و من كفر بأمره - أَنَّهُما فِي النّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ

و منها الإجرام:(31) وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ.. .

إِنّا نَسِيناكُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ، و(53) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ

و منها الكفر و الشّرك و التّكذيب و الاستكبار:

(32) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا.. .لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ، و(38) وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، و(42) وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ.. .هُمْ فِيها خالِدُونَ، و(44) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ.. .أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، و(45) اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ، و(46) وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا.. .هُمْ فِيها خالِدُونَ، و(49) وَ أُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ...، و(54) خالِدِينَ فِيها، و(59) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها، و(61) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفّارٌ، و(62) كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ...، و(64) إِنَّ اللّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ...، و(65)في الّذين لا يؤمنون قالَ النّارُ مَثْواكُمْ

و جاءت في المشركين:(49) وَ أُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ، و(51) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَ كُلٌّ فِيها خالِدُونَ

و جاءت في المتكبّرين و ظالمي أنفسهم:(56) اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها، و(47) ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّهِ...، و(57) اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ، و(55) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ

و منها النّفاق:(54) وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها

و منها الإعراض عن الذّكر:(63) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ -الذكر- فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً...

و منها الشّقاق:(66) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّارِ...

و منها خفّة الموازين:(52) وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ...

و منها العصيان و كسب السّيّئات،و إحاطة خطيئاتهم بهم،و تعدّي حدود اللّه،و نحوها:

(34) وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ

و(39) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ...

و(48) وَ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ.. .كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً

و جاء في الحلف على الكذب:(50) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئاً

ص: 721

و جاء في الحلف على الكذب:(50) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئاً

و في القتال في الشّهر الحرام:(41) فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ....

و في قتل المؤمن متعمّدا:(35) وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها

و في أكل الرّبا:(43) وَ مَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

ثانيها:أوصافهم في النّار و هي أمور:

منها:مضاعفة العذاب و عدم تخفيفه،و لا ينظرون و لا يغفر لهم و لا يهديهم طريقا:

(29): يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً

(61): لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ

(60): إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً* إِلاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً...

و منها إهانتهم و الاستهزاء بهم ب(ذوقوا،) و نسيانهم و عدّهم أعداء اللّه:

(30): ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ

(31): إِنّا نَسِيناكُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ

(32): فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا.. .ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللّهِ

و منها حبط أعمالهم:(41) فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ

(47) شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِي النّارِ هُمْ خالِدُونَ

و منها لعنهم أو السّخط عليهم،و بئس مثواهم و مصيرهم،و لا يجدون وليّا و لا نصيرا:

(64): إِنَّ اللّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً

(61): إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ

(45): لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ

(40): خالِدِينَ فِيها وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ

(55): فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ

(57): فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ

(65): قالَ النّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها

و منها أنّهم يدخلون أبواب جهنّم:

(55): فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها

(56): قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها...

(57): اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها

و منها أنواع العذاب:

(29): وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً

(33): وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ

(48): كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً

(49): وَ أُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ

(52): وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ

(63): فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً

ص: 722

(66): فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ

و منها تأكيد خلودهم في النّار بالتّأبيد،أو بما دامت السّماوات و الأرض و الاستثناء ب إِلاّ ما شاءَ اللّهُ

(58): وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً

(60): وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً* إِلاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً

(66): خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ

و قد جاء ذلك كلّه في أهل الجنّة أيضا

(18): وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ

و(26): اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ.. .خالِدِينَ فِيها أَبَداً

المحور الثّاني:الإخلاد إلى الأرض(7): وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ و فيها بحوث:

1-الإخلاد لغة:

قال أبو عبيدة:«أخلد:لزم و تقاعس و أبطأ،يقال:

فلان مخلد أي بطيء الشّيب،و المخلد الّذي تبقى ثنياته حتّى تخرج رباعيّاته،و هو من ذاك أيضا».

و قال الأخفش:«و لا نعلم أحدا يقول:خلد».

و قال الطّبريّ: «أصل الإخلاد في كلام العرب:

الإبطاء و الإقامة،يقال منه:«أخلد فلان بالمكان»إذا أقام به،«و أخلد نفسه إلى المكان»إذا أتاه من مكان آخر،و كان بعض البصريّين يقول:[و ذكر قول أبي عبيدة]».

و قال الزّجّاج:«يقال أخلد فلان إلى كذا و كذا، و خلد إلى كذا و كذا،و«أخلد»أكثر في اللّغة»و نحوه الطّوسيّ.

و قال الفخر الرّازيّ: «قال أصحاب العربيّة:

أصل الإخلاد:اللّزوم على الدّوام».

2-و قالوا في تفسير أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ :مال إلى الأرض،ركن إلى الأرض،نزع إلى الأرض،لجأ إليها،قعد،لصق بها أو انحطّ إليها،بمعنى اختار الانحطاط على الارتفاع،أو الشّرّ على الخير،أو الضّلال على الهدى،أو أعراض الدّنيا و شهواتها.

إلى ركن إلى الدّنيا و مال إليها،رضي بالدّنيا، سكن الحياة الدّنيا في الأرض و مال إليها،و آثر شهواتها على الآخرة،سكن إلى الدّنيا و ركن إليها، و لم يسم إلى الغرض الأعلى،مال إلى الدّنيا و رغب فيها،مال إلى السّفالة،و(الارض)في الآية:الدّنيا؛ و ذلك أنّ الدّنيا هي الأرض،لأنّ ما فيها من العقار و الرّياع و الضّياء كلّها أرض،و سائر متاعها يستخرج منه.

و قال الماورديّ: «و في ركونها إليها وجهان:

أحدهما:أنّه ركن إلى أهلها في استنزالهم له و مخادعتهم إيّاه.

و الثّاني:أنّه ركن إلى شهوات الأرض فشغلته عن طاعة اللّه،و قد بيّن ذلك قوله تعالى: وَ اتَّبَعَ

ص: 723

هَواهُ» .

و قال الفخر الرّازيّ: «فالدّنيا كلّها هي الأرض، فصحّ أن يعبّر عن الدّنيا بالأرض،و نقول:لو جاء الكلام على ظاهره لقيل:لو شئنا لرفعناه،و لكنّا لم نشأ،إلاّ أنّ قوله: وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ لمّا دلّ على هذا المعنى لا جرم أقيم مقامه قوله: وَ اتَّبَعَ هَواهُ معناه:أنّه أعرض عن التّمسّك بما آتاه اللّه من الآيات و اتّبع الهوى،فلا جرم وقع في هاوية الرّدى.

و هذه الآية من أشدّ الآيات على أصحاب العلم».

و قال أبو حيّان:«ترامى إلى شهوات الدّنيا، و رغب فيها و اتّبع ما هو ناشئ عن الهوي-إلى أن قال:

-معناه رمى بنفسه إلى الأرض،أي إلى ما فيها من الملاذّ و الشّهوات...و يحتمل:ما إلى السّفاهة و الرّذالة، كما يقال:فلان في الحضيض:عبارة عن انحطاط قدره بانسلاخه من الآيات،قال:معناه الكرمانيّ».

و قال ابن كثير:«مال إلى زينة الحياة الدّنيا و زهرتها،و أقبل على لذّاتها و نعيمها،و غرّته كما غرّت غيره من غير أولى البصائر و النّهى»،و نحوها آخرون و منهم رشيد رضا،فقد فصّل فيها الكلام، فلاحظ.

و قال ابن عاشور:«و قد وقع استدراك على مضمون قوله: وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها بذكر ما يناقض تلك المشيئة الممتنعة»،ثمّ أطال الكلام فيها.

و قال الطّباطبائيّ: «الإخلاد إلى الأرض:اللّصوق بها،و هو كناية عن الميل إلى التّمتّع بالملاذّ الدّنيويّة و التزامها».و قد طوّل مكارم و فضل اللّه الكلام فيها أيضا،فلاحظ.

3-و منهم من ربط بين وَ اتَّبَعَ هَواهُ بين أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ بجعله بيانا له أو قائما مقامه، و هو في محلّه،فلاحظ.

و يلاحظ ثانيا:جاء الخلود في الجنّة في حوالي 40 آية أكثرها مدنيّة،و في النّار حوالي 32 آية أكثرها مدنيّة أيضا،فالتّبشير و التّرهيب بالخلود قد تضاعفا في المدينة،لأنّها كانت دار المؤمنين الصّالحين حين نزول القرآن،و دار المنافقين المفسدين،فلاحظ.

و ثالثا:من نظائر الخلود في القرآن:

الإقامة: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ وَ جَنّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ التّوبة:21

السّكنى: وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ البقرة:35

المكث: وَ نادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ الزّخرف:77

اللّبث: لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ

الرّوم:56

الاستقرار: إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً

الفرقان:66

العدن: جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ البيّنة:8

ص: 724

خ ل ص

اشارة

12 لفظا،31 مرّة:26 مكّيّة،5 مدنيّة

في 17 سورة:13 مكّيّة،4 مدنيّة

خلصوا 1:1 مخلصا 3:3

خالصا 1:1 مخلصون 1:-1

الخالص 1:1 مخلصين 7:6-1

خالصة 5:3-2 مخلصا 1:1

اخلصوا 1:-1 المخلصين 8:8

اخلصناهم 1:1 استخلصه 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :خلص الشّيء خلوصا،إذا كان قد نشب، ثمّ نجا و سلم.

و خلصت إليه:وصلت إليه.

و الخلاص يكون مصدرا كالخلوص،للنّاجي، و يكون مصدرا للشّيء الخالص.

و تقول:هو خالصتي و خلصاني،و هؤلاء خلصاني و خلصائي،أي أخلاّئي.

و هذا الشّيء خالصة لك،أي خالص لك خاصّة، و فلان لي صافية و خالصة.

و الإخلاص:التّوحيد للّه خالصا،و لذلك قيل للسّورة قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ :سورة الإخلاص.

و أخلصت للّه ديني:أمحضته،و خلص له ديني.

إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:24،المخلصون:

المختارون.

و المخلصون:الموحّدون.

و خلّصته:نحّيته من كلّ شيء ينشب تخليصا، و تخلّصته كما يتخلّص الغزل إذا التبس.

و الخلاص:زبد اللّبن يستخلص منه،أي يستخرج.

و بعير مخلص:سمين المخّ.

ص: 725

و الخلاص:ربّ يتّخذ من التّمر.و السّمن يطبخ فإذا أرادوا أن يخلّصوه ألقوا فيه،نحو التّمر و السّويق، ليخلّص السّمن من اللّبن،فالّذي يلقى فيه:هو الخلاص.

و الخلاصة:ما بقي من الخلاص و غيره.

و الخلصاء:ماء بالبادية.

و ذو الخلصة:موضع بالبادية كان به صنم.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:186)

الفرّاء: خلّص الرّجل،إذا أخذ الخلاصة.

و خلّص،إذا أعطى الخلاص.و هو مثل الشّيء،و منه خبر شريح:«أنّه قضى في قوس كسرها رجل لرجل بالخلاص»أي بمثلها.(الأزهريّ 7:140)

أبو زيد :الزّبد حين يجعل في البرمة ليطبخ سمنا:فهو الإذواب و الإذوابة،فإذا جاء و خلص اللّبن من الثّفل فذلك اللّبن:الأثر و الخلاص و الثّفل الّذي يكون أسفل هو الخلوص.(الأزهريّ 7:139)

اللّحيانيّ: و الخالص من الألوان:ما صفا و نصع، أيّ لون كان.(ابن سيده 5:59)

أبو عبيد: خلاصة السّمن بالضّمّ:ما خلص منه، لأنّهم إذا طبخوا الزّبد ليتّخذوه سمنا طرحوا فيه شيئا من سويق أو تمر أو أبعار غزلان،فإذا جاد و خلص من الثّفل فذلك السّمن هو:الخلاصة و الخلاص،بكسر الخاء.(الجوهريّ 3:1037)

ابن السّكّيت: يقال:هو خلصاني،و هم خلصاني.

و حواريّ الرّجل:خلصانه،و منه قيل للزّبير:

حواريّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أي خلصانه.(468)

شمر:عن الهوازنيّ،قال:إذا تشظّى العظام في اللّحم فذلك الخلص.

و ذلك في قصب العظام في اليد و الرّجل.يقال:

خلص العظم يخلص خلصا،إذا برأ و في خلله شيء من اللّحم.(الأزهريّ 7:140)

الدّينوريّ: أخلص العظم:كثر مخّه.

أخبرني أعرابيّ: أنّ الخلص:شجر ينبت نبات الكرم،يتعلّق بالشّجر فيعلق،و له ورق أغبر رقاق مدوّرة واسعة،و له وردة كورد المرو،و أصوله مشرفة، و هو طيّب الرّيح،و له حبّ كحبّ عنب الثّعلب، يجتمع الثّلاث و الأربع معا،و هو أحمر كخرز العقيق، لا يؤكل،و لكنّه مرعى.(ابن سيده 5:60)

الطّبريّ: خلص لي فلان،بمعنى صار لي وحدي و صفا لي.يقال منه خلص لي هذا الشّيء فهو يخلص خلوصا و خالصة،

و الخالصة مصدر مثل العافية.

و يقال للرّجل:هذا خلصاني،يعني خالصتي من دون أصحابي.(1:470)

نحوه الطّوسيّ(1:358)،و الطّبرسيّ(1:163).

ابن دريد :خلص الشّيء يخلص خلوصا و خلاصا و خلّصته أنا تخليصا،إذا صفّيته من كدر أو درن.

و خلاصة السّمن:ما ألقي فيه من تمر أو سويق حتّى يخلص،و هي الخلاصة أيضا.

تخلّصت من الشّيء تخلّصا،إذا سلمت منه،

ص: 726

و تخلّص الظّبي من الحبالة،إذا سلم منها.

و الخلصاء:موضع.

و خذ هذه خالصة لك.

و أخلص فلان لفلان الودّ إخلاصا،فهو مخلص.

و شهادة الإخلاص:شهادة«أن لا إله إلاّ اللّه» لأنّها أخلصت الإيمان.

و فلان من خلصاء فلان و من خلصانه،إذا كان من خاصّته.

و في كلام فاطمة رضي اللّه تعالى عنها:«و بحتم بكلمة الإخلاص مع النّفر البيض الخماص».

و ذو الخلصة:صنم كان يعبد في الجاهليّة.

(2:226)

الأزهريّ: [حكى قول أبي زيد ثمّ قال:]

و سمعت العرب تقول لما يخلّص به السّمن في البرمة من اللّبن و الماء و الثّفل:الخلاص؛و ذلك إذا ارتجن و اختلط اللّبن بالزّبد،فيؤخذ تمر أو دقيق أو سويق،فيطرح فيه ليخلّص السّمن من بقيّة اللّبن المختلط به.و ذلك الّذي به يخلّص هو الخلاص بكسر الخاء.

و أمّا الخلاصة فهو ما بقي في أسفل البرمة من الخلاص و غيره،من ثفل و لبن و غيره.

[قيل:]الخلصاء:بلد بالدّهناء معروف،و ذو الخلصة موضع آخر كان فيه بيت لصنم لهم فهدم.

و[قيل:]الخالص:الأبيض من الألوان،ثوب خالص:أبيض،و ماء خالص:أبيض.(7:139)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و المخلص:المختار.

و الخلاّص في لغة هذيل:الخصاص،و الخلل في البيت.

و الخلوص:جمع الخلص و هو الخلل في الشّيء و الشّقّ فيه.

و الخلص:أن ينشقّ خفّ الإنسان حتّى يدمى قدمه؛و الجميع:الإخلاص.

و خلصا الشّنّة:عراقاها؛و هما ما خلص من الماء من خلل سورها.(4:247)

الخطّابيّ: في حديث سلمان:«أنّه كاتب أهله على ثلاثمائة و ستّين عذقا و على أربعين أوقية خلاص، فأعانه سعد بن عبادة بستّين عذقا».

الخلاص و الخلاصة:ما أخلصته النّار من الذّهب.

و منه خلاصة السّمن إذا سلي و خلاصه.قال أبو الدّقيش:الزّبد خلاص اللّبن.(2:355)

الجوهريّ: خلص الشّيء بالفتح يخلص خلوصا،أي صار خالصا.

و خلص إليه الشّيء:وصل.

و خلّصته من كذا تخليصا،أي نجّيته فتخلّص.

و خلاصة السّمن بالضّمّ:ما خلص منه.و هو الإثر.و الثّفل الّذي يبقى أسفل هو الخلوص،و القلدة، و القشدة،و الكدادة.

و المصدر منه:الإخلاص.و قد أخلصت السّمن.

و الإخلاص أيضا في الطّاعة:ترك الرّياء،و قد أخلصت للّه الدّين.

و خالصه في العشرة،أي صافاه.

ص: 727

و هذا الشّيء خالصة لك،أي خاصّة.

و فلان خلصي،كما تقول:خدني،و خلصاني،أي خالصتي.و هم خلصاني،يستوي فيه الواحد و الجماعة.

و استخلصه لنفسه،أي استخصّه.

و الخلصاء:أرض بالبادية فيها عين ماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و ذو الخلصة بالتّحريك:بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمامة،و كان فيه صنم يدعى الخلصة،فهدم.

(3:1037)

أبو هلال :الفرق بين النّجاة و التّخلّص:أنّ التّخلّص يكون من تعقيد و إن لم يكن أذى،و النّجاة لا تكون إلاّ من أذى.

و لا يقال لمن لا خوف عليه:نجا،لأنّه لا يكون ناجيا إلاّ ممّا يخاف.(174)

الفرق بين المحض و الخالص:أنّ المحض هو الّذي يكون على وجهه لم يخالطه شيء.

و الخالص هو المختار من الجملة،و منه سمّي الذّهب النّقيّ عن الغشّ خالصا.

و من الأوّل قولهم:لبن محض،أي لم يخالطه ماء.

(245)

ابن فارس: الخاء و اللاّم و الصّاد أصل واحد مطّرد،و هو تنقية الشّيء و تهذيبه.يقولون:خلّصته من كذا،و خلص هو.

و خلاصة السّمن:ما ألقي فيه من تمر أو سويق ليخلص به.(2:208)

الهرويّ: و في الحديث:«لا تقوم السّاعة حتّى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة».

قال محمّد بن إسحاق:ذو الخلصة:بيت فيه صنم كان يقال له:الخلصة لدوس،و قال غيره:ذو الخلصة هي الكعبة اليمانيّة،أنفذ إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم جرير بن عبد اللّه فخرّبها،أراد حتّى يرجع دوس عن الإسلام فتطوف نساؤهم بذي الخلصة،فتضطرب ألياتها لذلك،فعلهم في الجاهليّة.

و في حديث سلمان:«إنّه كاتب أهله على كذا و على أربعين أوقيّة خلاص».قال بعض أهل اللّغة:

الخلاص ما أخلصته النّار من الذّهب،و كذلك الخلاصة.(2:582)

ابن سيده: خلص الشّيء يخلص خلوصا و خلاصا:نجا.و أخلصه،و خلّصه.

و أخلص للّه دينه:أمحضه.

و أخلص الشّيء:اختاره.

و استخلص الشّيء،كأخلصه.

و الخالصة:الإخلاص.

و كلمة الإخلاص:التّوحيد.

و أخلصه النّصيحة و الحبّ،و أخلصه له.

و هم يتخالصون:يخلص بعضهم بعضا.

و الخلاص،و الخلاصة،و الخلوص:ربّ يتّخذ من تمر.

و الخلاصة،و الخلاص:التّمر و السّويق يلقى في السّمن.

و أخلصه:فعل به ذلك.

ص: 728

و الخلاص:ما خلص من السّمن إذا طبخ.

و الخلاص،و الإخلاص،و الإخلاصة:الزّبد إذا خلص من الثّفل.

و الخلوص:الثّفل الّذي يكون أسفل اللّبن.

قال أبو حنيفة:و يقول الرّجل لصاحبة السّمن:

اخلصي لنا.لم يفسّره أبو حنيفة.و عندي أنّ معناه:

أعطينا الخلاصة،أو الخلاص.

و الخلاص:ما أخلصته النّار من الفضّة و الذّهب، و في حديث سلمان:«أنّه كاتب أهله على كذا و كذا، و على أربعين أوقيّة خلاص».

و استخلص الرّجل،إذا اختصّه بدخلله،و هو خالصتي،و خلصاني.

و أخلص البعير:سمن،و كذلك النّاقة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخلص:شجر طيّب الرّيح له ورد كورد المرو طيّب زكّي.

و الخلصاء:ماء بالبادية.و قيل:موضع.

و ذو الخلصة،أيضا:موضع.

و خالصة:اسم امرأة.(5:58)

الطّوسيّ: و الإخلاص و الإفراد و الاختصاص نظائر.و ضدّ الخالص المشوب.(1:487)

و الاستخلاص:طلب خلوص الشّيء من شائب الاشتراك.(6:156)

و أصل الخلوص:حصول الشّيء من غير شائب فيه من غيره،كخلوص الذّهب من الشّئاب،و سمّي الخلاص لذلك.(6:178)

و الخالص في اللّغة:ما لا يشوبه شيء غيره،و منه خلاصة السّمن لأنّه تخلّصه.(9:5)

الرّاغب: الخالص كالصّافي إلاّ أنّ الخالص هو ما زال عنه شوبه بعد أن كان فيه،و الصّافي قد يقال لما لا شوب فيه.

و يقال:خلّصته فخلص،[ثمّ استشهد بشعر]

قال تعالى: وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا الأنعام:139،و يقال هذا خالص و خالصة نحو داهية و راوية،

و قوله تعالى: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا يوسف:80،أي انفردوا خالصين عن غيرهم.

و قوله: وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ البقرة:139، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:24،فإخلاص المسلمين أنّهم قد تبرّءوا ممّا يدّعيه اليهود من التّشبيه، و النّصارى من التّثليث،قال تعالى: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يونس:22،و قال: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ المائدة:73،و قال: وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ النّساء:146،و هو كالأوّل،و قال: إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا مريم:51.

فحقيقة الإخلاص:التّبريّ عن كلّ ما دون اللّه تعالى.(154)

البطليوسيّ: خلص الشّيء خلوصا و خلاصا، بالصّاد،إذا نجا.

و خلص الشّيء لي،إذا انفردت به.

و خلص القوم:انفردوا،قال اللّه تعالى: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا يوسف:80،و خلس

ص: 729

الشّيء،بالسّين،و اختلسه:أخذه مسارقة.

أخلص العبد إخلاصا للّه،إذا أفرده بعمله.

و أخلص الشّيء لنفسه،و استخلصه.قال اللّه تعالى: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ ص:

46،و قال أيضا: وَ قالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي يوسف:54.

و أخلس الشّعر بالسّين،و استخلس:صار سواده و بياضه نصفين،و كذلك النّبات.[ثمّ استشهد بشعر]

المخالصة،بالصّاد:المصافاة.

و المخالسة بالسّين:المسارقة.و اسم الفاعل منهما:مخالص و مخالس.(352)

و خلصت من الأمر خلاصا و خلوصا.

و شيء خالص،إذا لم يخالطه غيره.

و فلان خلصاني،أي صديقي الّذي أخلصه لنفسي.

و أخلص للّه في دينه،إذا لم يشبه بشيء من الشّرك.

و ذو الخلصة،بفتح الخاء و اللاّم:صنم كانوا يستقسمون عنده بالأزلام في الجاهليّة.

و كان المبرّد يرويه،بضمّ الخاء،و المعروف الفتح.

و أمّا قول امرئ القيس بن حجر:

لو كنت يا ذا الخلصة الموتورا

دوني و كان شيخك المقبورا

فإنّه سكّن اللاّم للضّرورة.(508)

الزّمخشريّ: خلص الشّيء خلوصا فهو خالص،و خلّصته:صفّيته.

و استخلص الشّيء لنفسه.

و ياقوت متخلّص:متنقّى.

و هذه خلاصة السّمن،أي ما خلص منه.

و من المجاز:أخلص له المودّة،و أخلص للّه دينه، و خلّص للّه دينه،و هو عبد مخلص و مخلّص.

و خالصته الودّ،و خالص اللّه دينه.

و يقال:خالص المؤمن و خالق الكافر.

و تخالصوا.

و هو خالصتي و خلصاني،و هؤلاء خلصاني، و هذا الشّيء خالصة لك.

و نطق بشهادة الإخلاص،و هي كلمة الشّهادة.

و هذا ثوب خالص،إذا كان صافي البياض.

و عليه قباء أزرق خالص البطانة:أبيضها.[ثمّ استشهد بشعر]

و خلص من الورطة خلاصا:سلم منها سلامة الشّيء الّذي يصفو من كدره.و تخلّص منها.

و تخلّص الظّبي و الطّائر من الحبالة و خلّصه اللّه.

و خلّص الغزل الملتبس.

و خلص بنفسه.

و الزّبد:خلاص اللّبن أي منه يستخلص،بمعنى يستخرج.

و خلص من القوم:اعتزلهم.

و خلص إليهم:وصل.و خلص إليه الحزن و السّرور.(أساس البلاغة:118)

و في الحديث:«و تنقل الأعراب بأبهائها إلى ذي الخلصة».

ص: 730

ذو الخلصة:بيت فيه صنم كان يقال له:الخلصة لدوس و خثعم و بجيلة.و قيل:هو الكعبة اليمانيّة.

(الفائق 1:141)

[في حديث:]«لا تقوم السّاعة حتّى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة».هو بيت أصنام كان لدوس و خثعم و بجيلة،و من كان ببلادهم من العرب بتبالة أو صنم لهم.

و قيل:كان عمرو بن لحيّ بن قمعة،نصبه بأسفل مكّة حين نصب الأصنام في مواضع شتّى،فكانوا يلبسونه القلائد و يعلّقون عليه بيض النّعام و يذبحون عنده.و كأنّ معناهم في تسميته بذلك أنّ عبّاده و الطّائفين به خلصة.

و قيل:هو الكعبة اليمانيّة.

و في قول من زعم أنّه بيت كان فيه صنم يسمّى:

الخلصة،نظر،لأنّ ذو لا يضاف إلاّ إلى الأسماء الأجناس.

و المعنى أنّهم يرتدّون و يعودون إلى جاهليّتهم في عبادة الأوثان فترمل نساء بني دوس طائفات حول ذي الخلصة،فترتجّ أكفالهنّ.[ثمّ نقل حديثين و قال:]

و فيه دليل على أنّه بيت أصنام.(الفائق 1:389)

[في الحديث:]«قضى في قوس كسرها رجل لرجل بالخلاص».قيل:هو مثل الشّىء المتوى.

و خلّص،إذا أعطى الخلاص و منّاه ما يتخلّص به من الخصومة.(الفائق 1:394)

[في حديث الاستسقاء عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:]«...ألا فليخلص هو و ولده...»

فليخلص أي فليتميّز هو و ولده من النّاس،من قوله تعالى: خَلَصُوا نَجِيًّا يوسف:80.

(الفائق 3:161)

الطّبرسيّ: الاستخلاص:طلب خلوص الشّيء من شائب الاشتراك،كأنّه يريد أن يكون خالصا له.

و في حديث سلمان الفارسيّ رضى اللّه عنه:«إنّه كاتبه أهله على أربعين أوقيّة خلاص»أي ما أخلصته النّار من الذّهب.و كذلك الخلاصة.(3:241)

ابن الأثير: فيه:«قل هو اللّه أحد هي سورة الإخلاص»سمّيت به لأنّها خاصّة في صفة اللّه تعالى خاصّة،أو لأنّ اللاّفظ بها قد أخلص التّوحيد للّه تعالى.

و فيه:«أنّه ذكر يوم الخلاص،قالوا يا رسول اللّه ما يوم الخلاص؟قال:يوم يخرج إلى الدّجّال من المدينة كلّ منافق و منافقة،فيتميّز المؤمنون منهم و يخلص بعضهم من بعض»

و في حديث الاستسقاء:«فليخلص هو و ولده» ليتميّز من النّاس».

و منه قوله تعالى: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا أي تميّزوا عن النّاس متناجين.

و في حديث الإسراء:«فلمّا خلصت بمستوى»أي وصلت و بلغت.يقال:خلص فلان إلى فلان:أي وصل إليه.و خلص أيضا إذا سلم و نجا.

و منه حديث هرقل:«إنّي أخلص إليه»و قد تكرّر في الحديث بالمعنيين.

و في حديث عليّ رضى اللّه عنه:«أنّه قضى في حكومة

ص: 731

بالخلاص»،أي الرّجوع بالثّمن على البائع إذا كانت العين مستحقّة و قد قبض ثمنها،أي قضى بما يتخلّص به من الخصومة.(2:61)

الفيّوميّ: خلص الشّيء من التّلف خلوصا،من باب«قعد»و خلاصا و مخلصا:سلم و نجا.

و خلص الماء من الكدر:صفا.

و خلّصته بالتّثقيل:ميّزته من غيره.

و خلاصة الشّيء بالضّمّ:ما صفا منه،مأخوذ من خلاصة السّمن،و هو ما يلقى فيه تمر أو سويق ليخلص به من بقايا اللّبن.

و أخلص للّه العمل.

و سورة الإخلاص إذا أطلقت: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ، و سورتا الإخلاص: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ و قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ.

و الخلصاء،وزان حمراء،موضع بالدّهناء.

(1:177)

الجرجانيّ: الإخلاص في اللّغة:ترك الرّياء في الطّاعات،و في الاصطلاح:تخليص القلب عن شائبة الشّوب المكدّر لصفائه.

و تحقيقه:أنّ كلّ شيء يتصوّر أن يشوبه غيره، فإذا صفا عن شوبه،و خلص عنه يسمّى:خالصا، و يسمّى الفعل المخلص:إخلاصا،قال اللّه تعالى: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً فإنّما خلوص اللّبن ألاّ يكون فيه شوب من الفرث و الدّم.

و قال الفضيل بن عياض:ترك العمل لأجل النّاس رياء،و العمل لأجلهم شرك،و الإخلاص:

الخلاص من هذين.

الإخلاص:أن لا تطلب لعملك شاهدا غير اللّه.

و قيل:الإخلاص تصفية الأعمال من الكدورات.

و قيل:الإخلاص:ستر بين العبد و بين اللّه تعالى لا يعلمه ملك فيكتبه،و لا شيطان فيفسده،و لا هوى فيميله.

و الفرق بين الإخلاص و الصّدق:أنّ الصّدق أصل،و هو الأوّل،و الإخلاص فرع،و هو تابع.و فرق آخر:الإخلاص لا يكون إلاّ بعد الدّخول في العمل.

(5)

الفيروزآباديّ: خلص خلوصا و خالصة:صار خالصا،و إليه خلوصا:وصل.

و العظم كفرح:نشط في اللّحم،و ذلك في قصب عظام اليد و الرّجل.

و الخلص محرّكة:شجر كالكرم،يتعلّق بالشّجر فيعلو،طيّب الرّيح،و حبّه كخرز العقيق؛واحدته ب«هاء».

و الخالص:كلّ شيء أبيض،و نهر شرقيّ بغداد عليه كورة كبيرة تسمّى:الخالص.

و خالصة:بلدة بجزيرة صقلّية و بركة بين الأجفر و الخزيميّة.و الخلصاء:موضع بالدّهناء.

و أخلصناهم بخالصة:خلّة خلّصناها لهم.

و خلص موضع بآرة.

و كزبير:حصن بين عسفان و قديد،و كلّ أبيض، و خلصا الشّنّة:عرفاها و هو ما خلص من الماء من خلل سيورها.

ص: 732

و خلصك بالكسر:خدنك؛جمعه:خلصاء.

و خلاصة السّمن بالضّمّ و الكسر:ما خلص منه.

و الخلاص بالكسر:الإثر،و ما أخلصته النّار من الذّهب و الفضّة،و الزّبد.

و كرمّان:الخلل في البيت.

و الخلوص بالضّمّ:القشدة و الثّفل يبقى في أسفل خلاصة السّمن.

و ذو الخلصة محرّكة،و بضمّتين:بيت كان يدعى:

الكعبة اليمانيّة لخثعم،كان فيه صنم اسمه«الخلصة» أو لأنّه كان منبت الخلصة.

و أخلص للّه:ترك الرّياء،و السّمن:أخذ خلاصته و البعير:صار مخّه قصيدا سمينا.

و خلّص تخليصا:أعطى الخلاص،و أخذ الخلاصة،و فلانا:نجّاه فتخلّص.

و خالصة:صافاه؟

و استخلصه لنفسه:استخصّه.(2:312)

الطّريحيّ: و في الحديث ذكر العمل الخالص.

و الخالص في اللّغة:كلّما صفا و تخلّص و لم يمتزج بغيره،سواء كان ذلك الغير أدون منه أم لا،و قد خصّ العمل الخالص في العرف بما تجرّد قصد التّقرّب فيه عن جميع الشّوائب،و لا تريد أن يحمدك عليه إلاّ اللّه، و هذا التّجريد يسمّى:إخلاصا...

و المخلص من العباد:هو الّذي لا يسأل النّاس شيئا حتّى يجد،و إذا وجد رضي،و إذا بقي عنده شيء أعطاه في اللّه،فإن لم يسأل المخلوق فقد أمر اللّه بالعبوديّة،و إذا وجد فرضي فهو عن اللّه راض و اللّه عنه راض،و إذا أعطى اللّه فهو على حدّ الثّقة بربّه،كذا في«معاني الأخبار».

و في الحديث:«إنّي لا أخلص إلى الحجر الأسود من ازدحام النّاس»أي لا أصل إليه،من قولهم:

خلص فلان إلى كذا،أي وصل إليه.

منه قوله:«لم يجد الماء و لم يخلص إلى الصّعيد» أي لا يصل إليه.

و خالصه في المودّة،أي صافاه فيها.

و خلاصة الشّيء:جيّده و ما صفا منه،مأخوذ من خلاصة السّمن،و هو ما يلقى فيه تمر أو سويق، ليخلّص من بقايا اللّبن.

و خلص الشّيء من التّلف من باب«قعد» خلوصا و خلاصا:سلم و نجا.

و خلص الماء من الكدر:صفا.

و خلّصته من غيره بالتّثقيل:ميّزته عنه.

و في حديث عليّ عليه السّلام:أنّه قضى في حكومة بالإخلاص،أي بما يتخلّص به من الخصومة.

(4:169)

مجمع اللّغة :الخالص:الصّافي الّذي ليس به شائبة من غيره،حسّيّة كانت أو معنويّة.

خلص يخلص خلوصا،فهو خالص و هي خالصة.و يقال:هذا الشّيء خالصة لك،أي خالص لك خاصّة.

خلص من القوم:اعتزلهم و انفرد عنهم.

أخلص دينه للّه،محضه،فلم تشبه شائبة من شرك أو رياء،فهو مخلص و هم مخلصون.

ص: 733

أخلصه اللّه إخلاصا:جعله مختارا خالصا من الدّنس.

و اسم المفعول:مخلص؛و جمعه:مخلصون.

(1:349)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خلص الشّيء:صفا و زالت عنه شوائبه.

و خلص من الهلاك:نجا و سلم.

خلص الماء من الكدر:صفا.

و خلص إلى المكان و بالمكان:وصل إليه.

خلص من القوم:اعتزلهم،و انفرد عنهم.

و أخلص الشّيء:نقّاه من شوبه،أو أخذ خلاصته.

و أخلصه اللّه:جعله مختارا خالصا من الدّنس.

و أخلص الطّاعة و في الطّاعة:ترك الرّياء فيها.

و أخلص له القول أو الودّ:خلصهما من الغشّ.

و استخلصه:اختاره و اصطفاه.

و الخالص:المحض الصّافي.

و المخلص:هو صافي الأخلاق،نقيّ السّريرة.

(1:169)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة،هو تصفية الشّيء و تنقيته عن الشّوب و الخلط.

و الخلاصة«فعالة»:ما يتحصّل من التّخليص، فإنّ وزان«فعالة»تأتي كثيرا في فضلة الشّيء فيما يسقط،كالقلامة و الخلالة و القمامة،أي يتحصّل من أفعالها.

و الإخلاص:فيما إذا كان النّظر إلى صدور الفعل، و نسبته إلى الفاعل.

و التّخليص:فيما إذا كان النّظر إلى جهة وقوع الفعل،و نسبته إلى المفعول.

ثمّ إنّ الإخلاص:إمّا في الموضوع،أو في نفس العمل،أو في النّيّة و الفكر؛فالأوّل: لَبَناً خالِصاً النّحل:66، إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ص:46.

و الثّاني: وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ النّساء:146،و الثّالث:

لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البيّنة:5،على وجه.

و الإخلاص من العبد في مقابل اللّه عزّ و جلّ،هو إخلاص النّيّة من الشّوائب،و توحيده في التّوجّه إليه، و الانقطاع عمّا سواه.

و أمّا الإخلاص من اللّه المتعال في مقابل العبد،فهو التّخليص التّكوينيّ،و اختيار العبد تكوينا من بين سائر العباد على صفات ممتازة،و استعداد خاصّ و صدر منشرح،يليق بأن يجعل فيه الولاية و الرّسالة، و حقيقة الإيمان و أنوار المعرفة.و هذا المعنى هو المراد من الآيات الكريمة: إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا مريم:51، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:

24، إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ الحجر:40،أي المختارون تكوينا.

و لا يخفى أنّ«المخلص»من الخلوص،و هو نقاء الذّات و صفاؤها ذاتا و من حيث هي،و بهذا الاعتبار اختيرت هذه المادّة،دون مادّة:الاصطفاء و الاجتباء و الاختيار و الامتياز و أمثالها،فإنّها راجعة إلى جهة خارجيّة و خصوصيّة زائدة على الذّات.[ثمّ ذكر الآيات و تفسيرها](3:103)

ص: 734

النّصوص التّفسيريّة

خلصوا

فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا... يوسف:80

ابن عبّاس: خلوا.(201)

[و بهذا المعنى جاء في أكثر التّفاسير،و فيها مباحث أخرى راجع:ن ج و:«نجيّا».]

خالصا

وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ.

النّحل:66

الطّبريّ: خلص من مخالطة الدّم و الفرث،فلم يختلطا به.(7:607)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّ المراد من الخالص هنا:الأبيض.(الماورديّ 3:197)

الماورديّ: خالصا من الفرث و الدّم.(3:197)

الطّوسيّ: اللّبن الصّافي.(6:400)

البغويّ: من الدّم و الفرث،ليس عليه لون دم و لا رائحة فرث.(3:85)

الزّمخشريّ: سئل شقيق عن الإخلاص،فقال:

تمييز العمل من العيوب،كتمييز اللّبن من بين فرث و دم.(2:416)

الفخر الرّازيّ: إنّ عند تولّد اللّبن في الضّرع أحدث تعالى في حلمة الثّدي ثقوبا صغيرة و مسامّ ضيّقة،و جعلها بحيث إذا اتّصل المصّ أو الحلب بتلك الحلمة انفصل اللّبن عنها في تلك المسامّ الضّيّقة، و لمّا كانت تلك المسامّ ضيّقة جدّا،فحينئذ لا يخرج منها إلاّ ما كان في غاية الصّفاء و اللّطافة،و أمّا الأجزاء الكثيفة فإنّه لا يمكنها الخروج من تلك المنافذ الضّيّقة،فتبقى في الدّاخل.

و الحكمة في إحداث تلك الثّقوب الصّغيرة، و المنافذ الضّيّقة في رأس حلمة الثّدي أن يكون ذلك كالمصفاة،فكلّ ما كان لطيفا خرج،و كلّ ما كان كثيفا احتبس في الدّاخل و لم يخرج.فبهذا الطّريق يصير ذلك اللّبن خالصا،موافقا لبدن الصّبيّ،سائغا للشّاربين.(20:66)

القرطبيّ: يريد من حمرة الدّم و قذارة الفرث، و قد جمعهما وعاء واحد.

و قال ابن بحر:خالصا بياضه.قال النّابغة:

*بخالصة الأردان خضر المناكب*

أي بيض الأكمام.و هذه قدرة لا تنبغي إلاّ للقائم على كلّ شيء بالمصلحة.

[ثمّ حكى أنّ هذا دليل على أنّ المنيّ ليس بنجس، و أطال القول فيه،لاحظ:م ن ي:«منيّ يمنى».]

(10:125)

البيضاويّ: صافيا،لا يستصحب لون الدّم و لا رائحة الفرث،أو مصفّى عمّا يصحفه من الأجزاء الكثيفة بتضييق مخرجه.(1:561)

مثله الآلوسيّ(14:178)،و نحوه البروسويّ(5:

48).

ابن عاشور :خلوصه:نزاهته ممّا اشتمل عليه البول و الثّفل،و سوغه للشّاربين:سلامته ممّا يشتمل

ص: 735

عليه الدّم من المضارّ لمن شربه،فلذلك لا يسيغه الشّارب و يتجهّمه

و هذا الوصف العجيب من معجزات القرآن العلميّة؛إذ هو وصف لم يكن لأحد من العرب يومئذ أن يعرف دقائق تكوينه،و لا أن يأتي على وصفه بما لو وصف به العالم الطبيعيّ لم يصفه بأوجز من هذا و أجمع...

و الخالص:المجرّد ممّا يكدّر صفاءه،فهو الصّافي.

(13:162)

[و فيه مباحث أخرى راجع:ل ب ن:«لبنا».]

الخالص

أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى. الزّمر:3

لاحظ:د ي ن:«الدّين».

خالصة

1- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

البقرة:94

ابن عبّاس: خاصّة.(14)

مثله البغويّ.(1:143)

الطّبريّ: إنّه يعني به صافية.(1:470)

مثله الطّوسيّ.(1:358)

الزّمخشريّ: نصب على الحال من اَلدّارُ الْآخِرَةُ، و المراد:الجنّة،أي سالمة لكم خاصّة بكم، ليس لأحد سواكم فيها حقّ.(1:297)

القرطبيّ: نصب على خبر«كان»،و إن شئت كان حالا،و يكون عِنْدَ اللّهِ في موضع الخبر.

(2:33)

و هكذا جاء في أكثر التّفاسير

2- وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا... الأنعام:139

فيها مباحث راجع:ب ط ن:«بطون»،و:ن ع م:

«الانعام».

3- قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. الأعراف:32

ابن عبّاس: خاصّة.(126)

يعني يشارك المسلمون المشركين في الطّيّبات في الحياة الدّنيا،ثمّ يخلص اللّه الطّيّبات في الآخرة للّذين آمنوا،و ليس للمشركين فيها شيء.

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 5:474)

سعيد بن جبير: ينتفعون بها في الدّنيا،و لا يتبعهم إثمها.(الطّبريّ 5:475)

الضّحّاك: اليهود و النّصارى يشركونكم فيها في الدّنيا،و هي للّذين آمنوا خالصة يوم القيامة.

(الطّبريّ 5:474)

الحسن :خالصة للمؤمنين في الآخرة،لا يشاركهم فيها الكفّار.فأمّا في الدّنيا فقد شاركوهم.

(الطّبريّ 5:474)

ص: 736

قتادة:من عمل بالإيمان في الدّنيا خلصت له كرامة اللّه يوم القيامة،و من ترك الإيمان في الدّنيا قدم على ربّه لا عذر له.(الطّبريّ 5:474)

السّدّيّ: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يشترك فيها معهم المشركون خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ للّذين آمنوا.(الطّبريّ 5:474)

ابن جريج:الدّنيا يصيب منها المؤمن و الكافر، و يخلص خير الآخرة للمؤمنين،و ليس للكافر فيها نصيب.(الطّبريّ 5:474)

ابن زيد :هذه يوم القيامة للّذين آمنوا، لا يشركهم فيها أهل الكفر،و يشركونهم فيها في الدّنيا.

و إذا كان يوم القيامة،فليس لهم فيها قليل و لا كثير.

(الطّبريّ 5:475)

الفرّاء: نصبت خالِصَةً على القطع،و جعلت الخبر في اللاّم الّتي في(الذين)،و الخالصة ليست بقطع من اللاّم،و لكنّها قطع من لام أخرى مضمرة.

و المعنى-و اللّه أعلم-: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يقول:مشتركة،و هي لهم في الآخرة خالِصَةً. و لو رفعتها كان صوابا،تردّها على موضع الصّفة الّتي رفعت،لأنّ تلك في موضع رفع.

و مثله في الكلام قوله:إنّا بخير كثير صيدنا.و مثله قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً المعارج:

19-21،المعنى:خلق هلوعا،ثمّ فسّر حال الهلوع بلا نصب؛لأنّه نصب في أوّل الكلام.و لو رفع لجاز،إلاّ أنّ رفعه على الاستئناف،لأنّه ليس معه صفة ترفعه.

و إنّما نزلت هذه الآية أنّ قبائل من العرب في الجاهليّة كانوا لا يأكلون أيّام حجّهم إلاّ القوت، و لا يأكلون اللّحم و الدّسم،فكانوا يطوفون بالبيت عراة،الرّجال نهارا و النّساء ليلا،و كانت المرأة تلبس شيئا شبيها بالحوف ليواريها بعض المواراة؛و لذلك قالت العامريّة:

اليوم يبدو بعضه أو كلّه و ما بدا منه فلا أحلّه

قال المسلمون:يا رسول اللّه،نحن أحقّ بالاجتهاد لربّنا،فأرادوا أن يفعلوا كفعل أهل الجاهليّة،فأنزل اللّه تبارك و تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ يعنى اللّباس. وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا الأعراف:

31،حتّى يبلغ بكم ذلكم تحريم ما أحللت لكم.

و الإسراف هاهنا:الغلوّ في الدّين.(1:377)

الجبّائيّ: معناه:قل:هي في الحياة الدّنيا للّذين آمنوا غير خالصة من الهموم و الأحزان و المشقّة، و هي خالصة يوم القيامة من ذلك.(الطّبرسيّ 2:413)

الطّبريّ: يقول اللّه تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:قل يا محمّد لهؤلاء الّذين أمرتك أن تقول لهم: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ، إذ عيوا بالجواب،فلم يدروا ما يجيبونك:زينة اللّه الّتي أخرج لعباده،و طيّبات رزقه،للّذين صدّقوا اللّه و رسوله،و اتّبعوا ما أنزل إليك من ربّك،في الدّنيا، و قد شركهم في ذلك فيها من كفر باللّه و رسوله و خالف أمر ربّه،و هي للّذين آمنوا باللّه و رسوله خالصة يوم القيامة،لا يشركهم في ذلك يومئذ أحد كفر باللّه و رسوله و خالف أمر ربّه.[إلى أن قال:]

ص: 737

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: خالِصَةً.

فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة (خالصة) ،برفعها، بمعنى:قل هي خالصة للّذين آمنوا.

و قرأه سائر قرّاء الأمصار خالِصَةً، بنصبها على الحال من(لهم)،و قد ترك ذكرها من الكلام اكتفاء منها بدلالة الظّاهر عليها،على ما قد وصفت في تأويل الكلام أنّ معنى الكلام:قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا مشتركة،و هي لهم في الآخرة خالصة.

و من قال ذلك بالنّصب،جعل خبر(هى)في قوله:

لِلَّذِينَ آمَنُوا.

و أولى القراءتين عندي بالصّحّة،قراءة من قرأ نصبا،لإيثار العرب النّصب في الفعل إذا تأخّر بعد الاسم و الصّفة،و إن كان الرّفع جائزا،غير أنّ ذلك أكثر في كلامهم.(5:473)

الزّجّاج: و تقرأ خالِصَةً و (خالصة) يوم القيامة.

المعنى أنّها حلال للمؤمنين،و قد يشركهم فيها الكافرون.

أعلم عزّ و جلّ أنّ الطّيّبات تخلص للمؤمنين في الآخرة،و لا يشركهم فيها كافر.

فأمّا إعراب(خالصة)فهو أنّه خبر بعد خبر،كما تقول:زيد عاقل لبيب.فالمعنى قل هي ثابتة للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة.و من قرأ خالِصَةً جعل خالصة منصوبا على الحال،على أنّ العامل في قولك: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا في تأويل الحال:كأنّك قلت:هي ثابتة للمؤمنين مستقرّة في الحياة الدّنيا،خالصة يوم القيامة.(2:333)

نحوه الواحديّ.(2:364)

ابن الأنباريّ: خالِصَةً نصب على الحال من لام مضمرة،تقديرها:هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا مشتركة،و هي لهم في الآخرة خالصة،فحذفت اللاّم لوضوح معناها،كما تحذف العرب أشياء لا يلبس سقوطها.(ابن الجوزيّ 3:189)

الفارسيّ: قرأ نافع وحده (خالصة) رفعا،و قرأ الباقون: خالِصَةً نصبا.[إلى أن قال:]

فأمّا قوله:(خالصة)فمن رفعه جعله خبرا للمبتدإ الّذي هو(هى)،و يكون لِلَّذِينَ آمَنُوا تثبيتا للخلوص،و لا شيء فيه على هذا.و من قال:

هذا حلو حامض،أمكن أن يكون لِلَّذِينَ آمَنُوا خبرا،و(خالصة)خبر آخر،و يكون الذّكر فيه على ما تقدّم وصفه في هذا الكتاب.

و من نصب خالِصَةً كان حالا ممّا في قوله:

لِلَّذِينَ آمَنُوا أ لا ترى أنّ فيه ذكرا يعود إلى المبتدإ الّذي هو(هى)؟ف خالِصَةً حال عن ذلك الذّكر، و العامل في الحال ما في اللاّم من معنى الفعل،و هي متعلّقة بمحذوف،و فيه الذّكر الّذي كان يكون في المحذوف،و لو ذكر و لم يحذف.و ليس متعلّقا بالخلوص،كما تعلّق به في قول من رفع.

قال سيبويه:و قد قرءوا هذا الحرف على وجهين:

بالرّفع و النّصب،فجعل اللاّم الجارّة لغوا في قول من رفع،و مستقرّا في قول من نصب.(2:235)

الطّوسيّ: [نحو الفارسيّ و أضاف:]

ص: 738

و حجّة من رفع أنّ المعنى:هي خالصة للّذين آمنوا يوم القيامة،و إن شركهم فيها غيرهم من الكافرين في الدّنيا.

و من نصب فالمعنى عنده:هي ثابتة للّذين آمنوا في حال خلوصها يوم القيامة لهم،و انتصابه على الحال أشبه بقوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* اُدْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ الحجر:45،46،و نحو ذلك ممّا انتصب الأمر فيه على الابتداء و خبره،و ما يجري مجراه إذا كان فيه معنى«فعل».(4:416)

ابن عطيّة: قرأ نافع وحده (خالصة) بالرّفع، و الباقون خالِصَةً بالنّصب،و الآية تتأوّل على معنيين:

أحدهما:أن يخبر أنّ هذه الطّيّبات الموجودات في الدّنيا هي خالصة يوم القيامة للمؤمنين في الدّنيا، و خلوصها أنّهم لا يعاقبون عليها و لا يعذّبون،فقوله:

فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلّق ب آمَنُوا و إلى هذا يشير تفسير سعيد بن جبير فإنّه قال: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ينتفعون بها في الدّنيا و لا يتبعهم إثمها،و قوله:(خالصة)بالرّفع خبر(هى)، و لِلَّذِينَ تبيين للخلوص،و يصحّ أن يكون (خالصة)خبرا بعد خبر و يَوْمَ الْقِيامَةِ يريد به وقت الحساب.

و قرأ قتادة و الكسائي (قل هى لمن آمن فى الحياة الدّنيا)

و المعنى الثّاني:هو أن يخبر أنّ هذه الطّيّبات الموجودات هي في الحياة الدّنيا للّذين آمنوا-و إن كانت أيضا لغيرهم معهم-و هي يوم القيامة خالصة لهم،أي لا يشركهم أحد في استعمالها في الآخرة.و هذا قول ابن عبّاس و الضّحّاك و الحسن و قتادة و السّدّيّ و ابن جريج و ابن زيد.

فقوله: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا على هذا التّأويل متعلّق بالمحذوف المقدّر في قوله: لِلَّذِينَ آمَنُوا كأنّه قال:هي خالصة أو ثابتة في الحياة الدّنيا للّذين آمنوا.

و(خالصة)بالرّفع خبر بعد خبر أو خبر ابتداء مقدّر، تقديره:و هي خالصة يوم القيامة،و يَوْمَ الْقِيامَةِ يراد به استمرار الكون في الجنّة.

و أمّا من نصب خالِصَةً فعلى الحال من الذّكر الّذي في قوله: لِلَّذِينَ آمَنُوا، التّقدير:هي ثابتة أو مستقرّة للّذين آمنوا في حال خلوص لهم،و العامل فيها ما في اللاّم من معنى الفعل في قوله: لِلَّذِينَ.

(2:393)

نحوه القرطبيّ.(7:199)

الماورديّ: و في قوله:وجهان:

أحدهما:خالصة لهم من دون الكفّار.

و الثّانيّ: خالصة من مضرّة أو مأثم.(2:219)

الزّمخشريّ: غير خالصة لهم،لأنّ المشركين شركاؤهم فيها خالِصَةً لهم يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يشركهم فيها أحد.

فإن قلت:هلاّ قيل:هي للّذين آمنوا و لغيرهم؟

قلت:لينبّه على أنّها خلقت للّذين آمنوا على طريق الأصالة،و أنّ الكفرة تبع لهم،كقوله تعالى:

وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ

ص: 739

البقرة:126.

و قرئ خالِصَةً بالنّصب على الحال،و بالرّفع على أنّها خبر بعد خبر.(2:76)

نحوه الفخر الرّازيّ(14:64)،و البيضاويّ(1:

347)،و النّسفيّ(2:51)،و الشّربينيّ(1:472)، و أبو السّعود(2:489).

البروسويّ: لا يشاركهم فيها غيرهم و إن اشترك فيها المؤمنون و الكفّار فى الدّنيا.و انتصابها على الحال من المنويّ في قوله: لِلَّذِينَ آمَنُوا و يَوْمَ الْقِيامَةِ متعلّق ب خالِصَةً.

و الإشارة في الآية:من يمنعكم عن طلب كمالات أخرجها اللّه تعالى من غيب الغيب لخواصّ عباده من الأنبياء و الأولياء؟و من حرّم عليكم نيل هذه الكرامات و المقامات؟فمن تصدّى لطلبها و سعى لها سعيا فهي مباحة له من غير تأخير و لا قصور.

و إضافة الزّينة إلى(اللّه)لأنّه أخرجها من خزائن ألطافه و حقائق أعطافه،فزيّن الأبدان بالشّرائع و آثارها،و زيّن النّفوس بالآداب و أقدارها،و زيّن القلوب بالشّواهد و أنوارها،و زيّن الأرواح بالمعارف و أسرارها،و زيّن الأسرار بالطّوالع و أثمارها.بل زيّن الظّواهر بآثار التّوفيق،و زيّن البواطن بأنوار التّحقيق.بل زيّن الظّواهر بآثار التّوفيق،و زيّن البواطن بأنوار الشّهود.بل زيّن الظّواهر بآثار الجود، و زيّن البواطن بأنوار الوجود و الطّيّبات من الرّزق، و إنّ أرزاق النّفوس بحكم إفضاله،و أرزاق القلوب بموجب إقباله،و الطّيّبات من الرّزق على الحقيقة ما لم يكن مشوبا بحقوق النّفس و حظوظها،و يكون خالصا من مواهبه و حقوقه.

قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي هذه الكرامات و المقامات لهؤلاء السّادات في الدّنيا، مشوبة بشوائب الآفات النّفسانيّة و كدورات الصّفات الحيوانيّة، خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ من هذه الآفات و الكدورات،كما قال: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ الأعراف:43.(3:156)

شبّر:قوله:(خالصة)بالرّفع خبر(هى) و بالنّصب حال عاملها ما في اللاّم من معنى الفعل،أي هي مستقرّة للّذين آمنوا في الدّنيا،خالصة لهم يوم القيامة،لا يشاركهم فيها غيرهم.(2:359)

رشيد رضا :أي قل أيّها الرّسول لأمّتك(هى)- أي الزّينة و الطّيّبات من الرّزق-ثابتة للّذين آمنوا بالأصالة و الاستحقاق في الحياة الدّنيا،و لكن يشاركهم غيرهم فيها بالتّبع لهم،و إن لم يستحقّها مثلهم،و هي خالصة لهم يوم القيامة،أو حال كونها خالصة لهم يوم القيامة.

فقد قرأ نافع (خالصة) بالرّفع على أنّها خبر، و الباقون بالنّصب على الحاليّة.

و قيل:إنّ المعنى هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا غير خالصة من المنغّصات،و لكنّها تكون لهم يوم القيامة خالصة منها.و هذا المعنى صحيح في نفسه.

و لكنّ المتبادر هو الأوّل.كما تدلّ عليه الآيات النّاطقة بأنّ دين اللّه الحقّ يورث أهله سعادة الدّنيا و الآخرة جميعا،كقوله تعالى: فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى* وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى طه:123،124،و قوله تعالى: وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً الجنّ:

ص: 740

و لكنّ المتبادر هو الأوّل.كما تدلّ عليه الآيات النّاطقة بأنّ دين اللّه الحقّ يورث أهله سعادة الدّنيا و الآخرة جميعا،كقوله تعالى: فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى* وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى طه:123،124،و قوله تعالى: وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً الجنّ:

16،و قد بيّنّا هذا المعنى مرارا.(8:390)

نحوه المراغيّ.(8:136)

القاسميّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

قال المهايميّ: إنّما خلقت للمؤمنين ليعلموا بها لذّات الآخرة،فيرغبوا فيها مزيد رغبة.لكن شاركهم الكفرة فيها لئلاّ يكون هذا الفرق ملجأ لهم إلى الإيمان.

فإذا ذهب هذا المعنى،تصير خالصة لهم يوم القيامة، فلو حرّمت على المؤمنين لكانت مخلوقة للكافرين، و هو خلاف مقتضى الحكمة.و إن خلقت للمؤمنين فأولى أوقات الانتفاع بها وقت جريانهم على مقتضى الإيمان،و هو العبادة و التّقوى،لكن من غير انهماك في الشّهوات.(7:2672)

ابن عاشور :قرأه نافع وحده برفع (خالصة) على أنّه خبر ثان عن قوله:(هى)أي هي لهم في الدّنيا و هي لهم خالصة يوم القيامة،و قرأه باقي العشرة:

بالنّصب على الحال من المبتدإ،أي هي لهم الآن حال كونها خالصة في الآخرة.و معنى القراءتين واحد، و هو أنّ الزّينة و الطّيّبات تكون خالصة للمؤمنين يوم القيامة.

و الأظهر أنّ الضّمير المستتر في خالِصَةً عائد إلى الزّينة و الطّيّبات الحاصلة في الحياة الدّنيا بعينها، أي هي خالصة لهم في الآخرة،و لا شكّ أنّ تلك الزّينة و الطّيّبات قد انقرضت في الدّنيا،فمعنى خلاصها:

صفاؤها.و كونه في يوم القيامة:هو أنّ يوم القيامة مظهر صفائها،أي خلوصها من التّبعات المنجرّة منها، و هي تبعات تحريمها،و تبعات تناول بعضها مع الكفر بالمنعم بها،فالمؤمنون لمّا تناولوها في الدّنيا تناولوها بإذن ربّهم،بخلاف المشركين فإنّهم يسألون عنها فيعاقبون على ما تناولوه منها في الدّنيا،لأنّهم كفروا نعمة المنعم بها،فأشركوا به غيره كما قال تعالى فيهم:

وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ الواقعة:82.

و إلى هذا المعنى يشير تفسير سعيد بن جبير.

و الأمر فيه على قراءة رفع (خالصة) أنّه إخبار عن هذه الزّينة و الطّيّبات،بأنّها لا تعقب المتمتّعين بها تبعات و لا أضرارا،و على قراءة النّصب فهو نصب على الحال المقدّرة.

و يحتمل أن يكون الضّمير في خالِصَةً عائدا إلى الزّينة و الطّيّبات،باعتبار أنواعها لا باعتبار أعيانها،فيكون المعنى:و لهم أمثالها يوم القيامة خالصة.

و معنى الخلاص:التّمحّض،و هو هنا التّمحّض عن مشاركة غيرهم من أهل يوم القيامة،و المقصود:

أنّ المشركين و غيرهم من الكافرين لا زينة لهم،و لا طيّبات من الرّزق يوم القيامة،أي إنّها في الدّنيا كانت لهم مع مشاركة المشركين إيّاهم فيها،و هذا المعنى مرويّ عن ابن عبّاس و أصحابه.(8:74)

مغنيّة:أي إنّ الّذين آمنوا الآن و في هذه الحياة سوف يتنعّمون غدا بزينة اللّه و الطّيّبات من الرّزق

ص: 741

وحدهم،لا يشاركهم فيها أحد من الّذين كفروا و أشركوا،أمّا في الحياة الدّنيا فيتنعّم بها الجميع، المؤمنون و الكافرون.(3:322)

الطّباطبائيّ: خالِصَةً حال عن الضّمير المؤنّث،و قدّمت على قوله: يَوْمَ الْقِيامَةِ لتكون فاصلة بين قوليه: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و يَوْمَ الْقِيامَةِ. و المعنى قل:هي للمؤمنين يوم القيامة،و هي خالصة لهم لا يشاركهم فيها غيرهم،كما شاركوهم في الدّنيا،فمن آمن في الدّنيا ملك نعمها يوم القيامة.

و بهذا البيان يظهر ما في قول بعضهم:إنّ المراد بالخلوص:إنّما هو الخلوص من الهموم و المنغّصات.

و المعنى:هي في الحياة الدّنيا للّذين آمنوا غير خالصة من الهموم و الأحزان و المشقّة،و هي خالصة يوم القيامة من ذلك.

و ذلك أنّه ليس في سياق الآية و لا في سياق ما تقدّمها من الآيات إشعار باحتفاف النّعم الدّنيويّة بما ينغّص عيش المتنعّمين بها و يكدّرها عليهم،حتّى يكون قرينة على إرادة ما ذكره من معنى الخلوص.

و كذا ما في قول بعض آخر:إنّ قوله: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلّق بما تعلّق به قوله: لِلَّذِينَ آمَنُوا و المعنى هي ثابتة للّذين آمنوا بالأصالة و الاستحقاق في الحياة الدّنيا،و لكن يشاركهم غيرهم فيها بالتّبع لهم و إن لم يستحقّها مثلهم،و هي خالصة لهم يوم القيامة-أو حال كونها خالصة لهم يوم القيامة،فقد قرأ نافع (خالصة) بالرّفع على أنّها خبر،و الباقون بالنّصب على الحاليّة-و ذلك أنّ المؤمنين هم الّذين ينتهي إليهم العلوم النّافعة في الحياة الصّالحة،و الأوامر المحرّضة لإصلاح الحياة،بأخذ الزّينة و الارتزاق بالطّيّبات،و القيام بواجبات المعاش،ثمّ التّفكّر في آيات الآفاق و الأنفس،المؤدّي إلى إيجاد الصّناعات و الفنون المستخدمة في الرّقي في المدنيّة و الحضارة، و معرفة قدرها و الشّكر عليها.كلّ ذلك من طريق الوحي و النّبوّة.

وجه فساده:أنّه إن أراد أنّ ما ذكره من الأصالة و التّبعيّة هو مدلول الآية،فمن الواضح أنّ الآية أجنبيّة عن الدّلالة على ذلك،و إن أراد أنّ الآية تفيد أنّ النّعم الدّنيويّة للمؤمنين،ثمّ بيّنت مشاركة الكفّار لهم فيها،و أنّ ذلك بالأصالة و التّبعيّة،فقد عرفت أنّ الآية لا تدلّ إلاّ على اشتراك الطّائفتين معا في النّعم الدّنيويّة،لا اختصاص المؤمنين بها في الدّنيا،فأين حديث الأصالة و التّبعيّة؟.

بل ربما كان الظّاهر من أمثال قوله: وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ* وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ* وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ الزّخرف:33-35،خلاف ذلك،و أنّ زهرة الحياة الدّنيا أجدر أن يخصّوا به.(8:84)

4- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ... وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ.... الأحزاب:50

ص: 742

4- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ... وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ.... الأحزاب:50

أنس بن مالك:إنّها خالصة له إذا وهبت له نفسها أن لا يلزمه له صداق،و ليس ذلك لغيره من المؤمنين.

مثله ابن المسيّب.(الماورديّ 4:415)

ابن عبّاس: خصوصيّة لك و رخصة لك.(355)

مجاهد :للنّبىّ بغير صداق،فلم يكن يفعل ذلك، و أحلّ له خاصّة من دون المؤمنين.

(الطّبريّ 10:310)

قتادة :يقول:ليس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر وليّ و لا مهر،إلاّ للنّبيّ،كانت له خالصة من دون النّاس.و يزعمون أنّها نزلت في ميمونة بنت الحارث،أنّها الّتي وهبت نفسها للنّبيّ.

(الطّبريّ 10:310)

إنّها خالصة له إذا وهبت له نفسها أن ينكحها بغير أمر وليّ و لا مهر.و ليس ذلك لأحد من المؤمنين.

(الماورديّ 4:415)

ابن زيد :كان كلّ امرأة آتاها مهرا فقد أحلّها اللّه له إلى أن وهب هؤلاء أنفسهنّ له،فأحللن له دون المؤمنين بغير مهر،خالصة لك من دون المؤمنين، إلاّ امرأة لها زوج.(الطّبريّ 10:310)

الشّافعيّ: إنّها خالصة له أن يملك عقد نكاحها بلفظ الهبة،و ليس ذلك لغيره من المؤمنين.

(الماورديّ 4:415)

الفرّاء: يقول:هذه الخصلة خالصة لك و رخصة دون المؤمنين،فليس للمؤمنين أن يتزوّجوا امرأة بغير مهر.و لو رفعت خالِصَةً لَكَ على الاستئناف كان صوابا،كما قال: لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ الأحقاف:35،أي هذا بلاغ،و ما كان من سنّة اللّه، و صبغة اللّه و شبهه،فإنّه منصوب لاتّصاله بما قبله على مذهب«حقّا»و شبهه.و الرّفع جائز،لأنّه كالجواب؛ أ لا ترى أنّ الرّجل يقول:قد قام عبد اللّه،فتقول:حقّا، إذا وصلته.و إذا نويت الاستئناف رفعته و قطعته ممّا قبله.و هذه محض القطع الّذي تسمعه من النّحويّين.

(2:345)

الطّبريّ: يقول:لا يحلّ لأحد من أمّتك أن يقرب امرأة وهبت نفسها له،و إنّما ذلك لك يا محمّد خالصة أخلصت لك من دون سائر أمّتك.

و أمّا قوله: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ليس ذلك للمؤمنين،و ذكر أنّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قبل أن تنزل عليه هذه الآية أن يتزوّج أيّ النّساء شاء، فقصره اللّه على هؤلاء،فلم يعدهنّ،و قصّر سائر أمّته على مثنى و ثلاث و رباع.(10:310)

الزّجّاج: خالِصَةً منصوب على الحال.المعنى إنّا أحللنا لك هؤلاء،أحللنا لك من وهبت نفسها لك.

و إنّما قيل:(للنبى)هاهنا،لأنّه لو قيل:إن وهبت نفسها لك،كان يجوز أن يتوهّم أنّ في الكلام دليلا أنّه يجوز ذلك لغير النّبيّ عليه السّلام،كما جاز في قوله: وَ بَناتِ عَمِّكَ وَ بَناتِ عَمّاتِكَ الأحزاب:50،لأنّ بنات العمّ و بنات الخال يحللن للنّاس.(4:233)

الطّوسيّ: [ذكر الأقوال في الواهبة نفسها للنّبيّ ثمّ قال:]

ص: 743

فبيّن أنّ هذا الضّرب من النّكاح خاصّ له دون غيره من المؤمنين.(8:352)

البغويّ: أي أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق،فأمّا غير المؤمنة فلا تحلّ له إذا وهبت نفسها منه...و كان النّكاح ينعقد في حقّه بمعنى الهبة من غير وليّ و لا شهود و لا مهر،و كان ذلك من خصائصه صلّى اللّه عليه و سلّم في النّكاح،لقوله تعالى: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ كالزّيادة على الأربع،و وجوب تخيير النّساء كان من خصائصه،و لا مشاركة لأحد معه فيه.

(3:651)

الزّمخشريّ: خالِصَةً مصدر مؤكّد كوعد اللّه و صبغة اللّه،أي خلص لك إحلال ما أحللنا لك خالصة،بمعنى خلوصا،و الفاعل و الفاعلة في المصادر غير عزيزين كالخارج و القاعد و العافية و الكاذبة.

و الدّليل على أنّها وردت في أثر الإحلالات الأربعة مخصوصة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على سبيل التّوكيد لها قوله: قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ بعد قوله: مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ و هي جملة اعتراضيّة،و قوله: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ متّصل ب خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ و معنى هذه الجملة الاعتراضيّة أنّ اللّه قد علم ما يجب فرضه على المؤمنين في الأزواج و الإماء،و على أيّ حدّ و صفة يجب أن يفرض عليهم،ففرضه،و علم المصلحة في اختصاص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بما اختصّه به، ففعل.و معنى لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ لئلاّ يكون عليك ضيق في دينك،حيث اختصصناك بالتّنزيه و اختيار ما هو أولى و أفضل،و في دنياك،حيث أحللنا لك أجناس المنكوحات،و زدنا لك الواهبة نفسها.

و قرئ: (خالصة) بالرّفع.أي ذاك خلوص لك و خصوص من دون المؤمنين.و من جعل خالِصَةً نعتا للمرأة فعلى مذهبه:هذه المرأة خالصة لك من دونهم.(3:268)

ابن عطيّة: أي هبة النّساء أنفسهنّ خالصة، و مزيّة لا يجوز أن تهب المرأة نفسها لرجل.و أجمع النّاس على أنّ ذلك لا يجوز،و أنّ هذا اللّفظ من الهبة لا يتمّ عليه نكاح،إلاّ ما روي عن أبي حنيفة،و محمّد ابن الحسن،و أبي يوسف،أنّهم قالوا:إذا وهبت فأشهد هو على نفسه بمهر،فذلك جائز فليس في قولهم إلاّ تجويز العبارة و لفظة الهبة،و إلاّ فالأفعال الّتي اشترطها هي أفعال النّكاح بعينه.

و يظهر من لفظ أبيّ بن كعب أنّ معنى قوله:

خالِصَةً لَكَ يراد به جميع هذه الإباحة،لأنّ المؤمنين قصّروا على مثنى و ثلاث و رباع.(4:392)

الفخر الرّازيّ: قال الشّافعيّ رضى اللّه عنه:معناه إباحة الوطء بالهبة،و حصول التّزوّج بلفظها من خواصّك.

و قال أبو حنيفة:تلك المرأة صارت خالصة لك زوجة و من أمّهات المؤمنين،لا تحلّ لغيرك أبدا.و التّرجيح يمكن أن يقال:بأنّ على هذا،فالتّخصيص بالواهبة لا فائدة فيه،فإنّ أزواجه كلّهنّ خالصات له،و على ما ذكرنا يتبيّن للتّخصيص فائدة.(25:220)

العكبريّ: و خالِصَةً يجوز أن يكون حالا من الضّمير في وَهَبَتْ، و أن يكون صفة لمصدر

ص: 744

محذوف،أي هبة خالصة.

و يجوز أن يكون مصدرا،أي أخلصت ذلك لك إخلاصا.و قد جاءت«فاعلة»مصدرا مثل العاقبة و العافية.(2:1059)

القرطبيّ: أي هبة النّساء أنفسهنّ خالصة و مزيّة لا تجوز،فلا يجوز أن تهب المرأة نفسها لرجل.و وجه الخاصيّة أنّها لو طلبت فرض المهر قبل الدّخول لم يكن لها ذلك.فأمّا فيما بيننا فللمفوّضة طلب المهر قبل الدّخول،و مهر المثل بعد الدّخول.(14:210)

البيضاويّ: و في قوله: خالِصَةً لَكَ... إيذان، بأنّه ممّا خصّ به لشرف نبوّته،و تقرير لاستحقاقه الكرامة لأجله.و احتجّ به أصحابنا على أنّ النّكاح لا ينعقد بلفظ الهبة.لأنّ اللّفظ تابع للمعنى،و قد خصّ عليه الصّلاة و السّلام بالمعنى فيخصّ باللّفظ...

و خالِصَةً :مصدر مؤكّد،أي خلص إحلالها أو إحلال ما أحللنا لك على القيود المذكورة خلوصا لك،أو حال من الضّمير في وَهَبَتْ أو صفة لمصدر محذوف،أي هبة خالصة.(2:249)

النّسفيّ: خالِصَةً بلا مهر،حال من الضّمير في وَهَبَتْ أو مصدر مؤكّد،أي خاصّ لك إحلال ما أحللنا لك خالصة،بمعنى خلوصا،و«الفاعلة»في المصادر غير عزيز،كالعافية و الكاذبة.(3:309)

نحوه أبو السّعود(5:233)،و البروسويّ(7:

205).

أبو حيّان :رجع إلى الخطاب في قوله: خالِصَةً لَكَ، للإيذان بأنّه ممّا خصّ به و أوثر.

و مجيؤه على لفظ«النّبيّ»للدّلالة على أنّ الاختصاص تكرمة له لأجل النّبوّة،و تكريره تفخيم له،و تقرير لاستحقاقه الكرامة لنبوّته...

و قرأ الجمهور خالِصَةً، بالنّصب،و هو مصدر مؤكّد،ك وَعْدَ اللّهِ يونس:55،و صِبْغَةَ اللّهِ البقرة:138،أي أخلص لك إخلاصا. أَحْلَلْنا لَكَ، خالِصَةً بمعنى خلوصا،و يجيء المصدر على «فاعل»و على«فاعلة».

و قال الزّمخشريّ: و الفاعل و الفاعلة في المصادر على غير عزيزين،كالخارج و القاعد و العاقبة و الكاذبة،انتهى.

و ليس كما ذكر،بل هما عزيزان،و تمثيله ك«الخارج»يشير إلى قول الفرزدق:

*و لا خارجا من فيّ زور كلام*

و«القاعد»إلى أحد التّأويلين في قوله:

*أ قاعدا و قد سار الرّكب؟*

و الكاذبة إلى قوله تعالى: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ الواقعة:2.

و قد تتأوّل هذه الألفاظ على أنّها ليست مصادر.

و قرئ: (خالصة) بالرّفع،فمن جعله مصدرا، قدّره:ذلك خلوص لك،و خلوص من دون المؤمنين.

و الظّاهر أنّ قوله: خالِصَةً لَكَ من صفة الواهبة نفسها لك،فقراءة النّصب على الحال،قاله الزّجّاج،أي أحللناها خالصة لك،و الرّفع خبر مبتدإ،أي هي خالصة لك،أي هبة النّساء أنفسهنّ مختصّ بك،لا يجوز أن تهب المرأة نفسها لغيرك.

ص: 745

و أجمعوا على أنّ ذلك غير جائز لغيره عليه السّلام.

و يظهر من كلام أبيّ بن كعب أنّ معنى قوله:

خالِصَةً لَكَ يراد به جميع هذه الإباحة،لأنّ المؤمنين قصّروا على مثنى و ثلاث و رباع.(7:242)

الشّربينيّ: في إعراب خالِصَةً أوجه:

أحدها:أنّه منصوب على الحال من فاعل وَهَبَتْ أي حالة كونها خالصة لك دون غيرك.

ثانيها:أنّه نعت مصدر مقدّر أي هبة خالصة فنصبه ب وَهَبَتْ.

ثالثها:أنّه حال من(امرأة)،لأنّها وصفت فتخصّصت،و هو بمعنى الأوّل،و إليه ذهب الزّجّاج، و قيل:غير ذلك.

و المعنى أنّا أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق.[إلى أن ذكر أشياء كثيرة من مختصّاته صلّى اللّه عليه و آله فراجع](3:259)

الآلوسيّ: و نصب خالِصَةً على أنّه مصدر مؤكّد للجملة قبله.و«فاعلة»،في المصادر-على ما قال الزّمخشريّ-غير عزيز،كالعافية و الكاذبة، و ادّعى أبو حيّان عزّتها.و الكثير على تعلّق ذلك بإحلال الواهبة،أي خلص لك إحلالها خالصة،أي خلوصا.[ثمّ ذكر قول الزّجّاج و العكبريّ و قال:]

و قوله تعالى: خالِصَةً لَكَ يرجع إلى عدم المهر،بقرينة إعقابه بالتّعليل بنفي الحرج،فإنّ الحرج ليس في ترك لفظ إلى غيره،خصوصا بالنّسبة إلى أفصح العرب،بل في لزوم المال،و بقرينة وقوعه في مقابلة المؤتى أجورهنّ،فصار الحاصل:أحللنا لك الأزواج المؤتى مهورهنّ و الّتي وهبت نفسها لك فلم تأخذ مهرا خالصة،هذه الخصلة لك من دون المؤمنين.

أمّا هم،فقد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم إلخ من المهر و غيره.و أبدى صدر الشّريعة:جواز كونه متعلّقا ب أَحْلَلْنا قيدا في إحلال أزواجه له صلّى اللّه عليه و سلّم،لإفادة عدم حلّهنّ لغيره صلّى اللّه عليه و سلّم انتهى.

و جوّز بعضهم:كونه قيدا في إحلال الإماء أيضا، لإفادة عدم حلّ إمائه كأزواجه لأحد بعده عليه الصّلاة و السّلام.

و بعض آخر:كونه قيدا لإحلال جميع ما تقدّم على القيود المذكورة،أي خلص إحلال ما أحللنا لك من المذكورات على القيود المذكورة خلوصها من دون المؤمنين،فإنّ إحلال الجميع على القيود المذكورة غير متحقّق في حقّهم،بل المتحقّق فيه إحلال بعض المعدود على الوجه المعهود،و اختاره الزّمخشريّ.

و أيّاما كان فقوله تعالى: قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ اعتراض بين المتعلّق و المتعلّق،و الأوّل على جميع الأوجه قوله سبحانه: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ، و الثّاني على الوجه الأخير،و هو تعلّق خالِصَةً بجميع ما سلف من الإحلالات الأربعة.قوله تعالى: خالِصَةً و هو مؤكّد معنى اختصاصه عليه الصّلاة و السّلام بما اختصّ به،بأنّ كلاّ من الاختصاص عن علم،و أنّ هذه الخطوة ممّا يليق بمنصب الرّسالة فحسب.

فالمعنى أنّ اللّه تعالى قد علم ما ينبغي من حيث الحكمة فرضه على المؤمنين في حقّ الأزواج و الإماء،

ص: 746

و على أيّ حدّ و صفة ينبغي أن يفرض عليهم،ففرضه، و اختصّك سبحانه بالتّنزيه و اختيار ما هو أولى و أفضل في دنياك؛حيث أحلّ جلّ شأنه لك أجناس المنكوحات،و زاد لك الواهبة نفسها من غير عوض، لئلاّ يكون عليك ضيق في دينك.و هو على الوجه الأوّل الّذي ذكرناه،و هو تعلّق(خالصة)بالواهبة خاصّة قوله عزّ و جلّ: إِنّا أَحْلَلْنا و هو الّذي استظهره أبو حيّان،و أمر الاعتراض عليه في حاله.

و بعضهم يجعل المتعلّق(خالصة)على سائر الأوجه،و التّعلّق به باعتبار ما فيه من معنى ثبوت الإحلال و حصوله له صلّى اللّه عليه و سلّم لا باعتبار اختصاصه به عليه الصّلاة و السّلام،لأنّ مدار انتفاء الحرج هو الأوّل لا الثّاني الّذي هو عبارة عن عدم ثبوته لغيره صلّى اللّه عليه و سلّم.(22:60)

ابن عاشور :أي خاصّة لك أن تتّخذها زوجة بتلك الهبة،أي دون مهر،و ليس لبقيّة المؤمنين ذلك.

[إلى أن قال:]

و انتصب(خالصة)على الحال من(امرأة)أي خالصة لك تلك المرأة،أي هذا الصّنف من النّساء.

و الخلوص معنيّ به عدم المشاركة،أي مشاركة بقيّة الأمّة في هذا الحكم؛إذ مادّة الخلوص تجمع معاني التّجرّد عن المخالطة.فقوله: مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ لبيان حال من ضمير الخطاب في قوله:(لك)ما في الخلوص من الإجمال في نسبته.(21:24)

مغنيّة:من خصائص النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يتزوّج امرأة- إن شاء-وهبت له نفسها بلا مهر،شريطة أن تكون مؤمنة...أجل،يجوز لغيره أن يتزوّج بمهر،ثمّ تهبه الزّوجة مهرها،كما يهب أيّ إنسان لمن يشاء ما يشاء من المال.(6:232)

الطّباطبائيّ: إيذان بأنّ هذا الحكم-أي حلّيّة المرأة للرّجل ببذل النّفس-من خصائصه لا يجري في المؤمنين،و قوله بعده: قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ تقرير لحكم الاختصاص.(16:335)

مكارم الشّيرازيّ: لا شكّ أنّ جواز اتّخاذ زوجة من دون مهر كان من مختصّات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و الآية صريحة في هذه المسألة،و لذلك فهي من مسلّمات الفقه الإسلاميّ،و بناء على هذا فلا يحقّ لأيّ امرئ أن يتزوّج امرأة بدون مهر،قلّ أم كثر، و حتّى إذا لم يرد ذكر المهر أثناء إجراء صيغة العقد،و لم تكن هناك قرينة تعيّنه،فيجب أن يدفع مهر المثل، و المراد من مهر المثل:المهر الّذي تجعله النّساء اللاّتي تشابهها في الأوصاف و الخصوصيّات لأنفسهنّ عادة.

(13:284)

فضل اللّه :أحكام خاصّة بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الزّواج و الطّلاق:

في هذه الآيات حديث عن بعض جوانب الحياة الخاصّة للنّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله في طبيعة التّشريع الإسلاميّ المتّصل بالدّائرة الّتي يجوز له فيها اختيار زوجاته،ممّا قد يعتبر في بعضها نوعا من خصوصيّاته الّتي لا تجوز لغيره،بالإضافة إلى ما يشترك فيه مع الآخرين..و هي المرأة الّتي قدّمت نفسها من دون مهر للنّبيّ ليتزوّجها،

ص: 747

فقد أحلّها اللّه له و لم يحلّ ذلك لغيره.(18:333)

5- إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ. ص:46

ابن عبّاس: اختصصناهم...يقول: بِخالِصَةٍ ذكر اللّه و ذكر الآخرة.(383)

مجاهد :بذكر الآخرة،فليس لهم همّ غيرها.

(الطّبريّ 10:593)

اصطفيناهم بذكر الآخرة فأخلصناهم بذكرها.

(الواحديّ 3:562)

قتادة :بهذه أخلصهم اللّه،كانوا يدعون إلى الآخرة و إلى اللّه.(الطّبريّ 10:593)

السّدّيّ: بذكرهم الدّار الآخرة،و عملهم للآخرة.(الطّبريّ 10:593)

أخلصوا بخوف الآخرة.(الواحديّ 3:562)

مالك بن دينار:نزع اللّه ما في قلوبهم من الدّنيا و ذكرها،و أخلصهم بحبّ الآخرة و ذكرها.

(الماورديّ 5:105)

مقاتل:أخلصناهم بالنّبوّة و ذكر الدّار الآخرة.

(الماورديّ 5:105)

ابن زيد :بأفضل ما في الآخرة أخلصناهم به، و أعطيناهم إيّاه...

و أخلصناهم بخير الآخرة.(الطّبريّ 10:594)

الفرّاء: ردّ ذِكْرَى الدّارِ و هي معرفة على (خالصة)و هي نكرة.و هي كقراءة مسروق بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ الصّافّات:6،و مثله قوله: هذا وَ إِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها ص:55،56، فردّ(جهنم)و هي معرفة على(شر مآب)و هي نكرة.و كذلك قوله: وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ* جَنّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً ص:49،50،و الرّفع في المعرفة كلّها جائز على الابتداء.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد قرأ أهل الحجاز: (بخالصة ذكرى الدّار) أضافوها،و هو وجه حسن.و منه: كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ المؤمن:35،و من قال:

قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جعل القلب هو المتكبّر.(2:407)

أبو عبيدة :تنوين(خالصة)عمل في(ذكرى)

(2:185)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّا خصصناهم بخالصة ذكر الدّار.

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ فقرأته عامّة قرّاء المدينة(بخالصة ذكرى الدّار)بإضافة خالصة إلى ذِكْرَى الدّارِ بمعنى أنّهم أخلصوا بخالصة الذّكرى،و الذّكرى إذا قرئ كذلك غير الخالصة،كما المتكبّر إذا قرئ (على كلّ قلب متكبّر) بإضافة القلب إلى المتكبّر،هو الّذي له القلب و ليس بالقلب.

و قرأ ذلك عامّة قرّاء العراق بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ بتنوين قوله:(خالصة)و ردّ(ذكرى) عليها،على أنّ الدّار هي الخالصة،فردّوا«الذّكر» و هي معرفة على«خالصة»،و هي نكرة،كما قيل:

(لشرّ مآب جهنّم)فرد«جهنّم»و هي معرفة على «المآب»و هي نكرة.

و الصّواب من القول في ذلك عندي أنّهما قراءتان

ص: 748

مستفيضتان في قراءة الأمصار،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.

و قد اختلف أهل التّأويل،في تأويل ذلك،فقال بعضهم:معناه إنّا أخلصناهم بخالصة هي ذكرى الدّار، أي أنّهم كانوا يذكّرون النّاس الدّار الآخرة، و يدعونهم إلى طاعة اللّه،و العمل للدّار الآخرة.

و قال آخرون:معنى ذلك أنّه أخلصهم بعملهم للآخرة و ذكرهم لها.

و قال آخرون:معنى ذلك إنّا أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة.

و هذا التّأويل على قراءة من قرأه بالإضافة.و أمّا القولان الأوّلان فعلى تأويل قراءة من قرأه بالتّنوين.

و قال آخرون:بل معنى ذلك خالصة عقبى الدّار.

و قال آخرون:بل معنى ذلك بخالصة أهل الدّار.

و كان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريّين يتأوّل ذلك على القراءة بالتّنوين(خالصة)عمل في ذكر الآخرة.

و أولى الأقوال بالصّواب في ذلك على قراءة من قرأه بالتّنوين أن يقال:معناه إنّا أخلصناهم بخالصة هي ذكرى الدّار الآخرة،فعملوا لها في الدّنيا،فأطاعوا اللّه و راقبوه،و قد يدخل في وصفهم بذلك أن يكون من صفتهم أيضا الدّعاء إلى اللّه و إلى الدّار الآخرة،لأنّ ذلك من طاعة اللّه،و العمل للدّار الآخرة،غير أنّ معنى الكلمة ما ذكرت.

و أمّا على قراءة من قرأه بالإضافة،فأن يقال:

معناه:إنّا أخلصناهم بخالصة ما ذكر في الدّار الآخرة، فلمّا لم تذكّر«في»أضيفت«الذّكرى»إلى«الدّار»كما قد بيّنّا قبل في معنى قوله: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ فصّلت:49،و قوله: بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ ص:24.(10:593)

الزّجّاج: و يقرأ (بخالصة ذكرى الدّار) على إضافة(خالصة)إلى(ذكرى،)و من قرأ بالتّنوين جعل ذِكْرَى الدّارِ بدلا من(خالصة)،و يكون المعنى إنّا أخلصناهم بذكرى الدّار.و معنى الدّار هاهنا:

الدّار الآخرة،و تأويله يحتمل وجهين:

أحدهما:إنّا أخلصناهم:جعلناهم لنا خالصين، بأن جعلناهم يذكّرون بالدّار الآخرة،و يزهّدون في الدّنيا،و كذلك شأن الأنبياء صلوات اللّه عليهم.

و يجوز أن يكون بأنّهم يكثرون ذكر الآخرة و الرّجوع إلى اللّه عزّ و جلّ.(4:336)

النّقّاش:أخلصناهم من العاهات و الآفات، و جعلناهم ذاكرين الدّار الآخرة.(الماورديّ 5:105)

أبو زرعة:قرأ نافع: (انّا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدّار) مضافا،و قرأ الباقون: بِخالِصَةٍ بالتّنوين.من نوّن جعل ذِكْرَى الدّارِ بدلا من (خالصة)بدل المعرفة من النّكرة،و يكون المعنى:إنّا أخلصناهم بذكرى الدّار فموضع(ذكرى)جرّ.

و يجوز أن يكون نصبا بإضمار«أعني»و يجوز أن يكون رفعا بإضمار«هي ذكرى»كما قال تعالى:

قُلْ أَ فَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النّارُ الحجّ:72،أي هي النّار.و من لم ينوّن جعل(خالصة)مضافة إلى (ذكرى)كقولك اختصصت زيدا بخالصة خير،

ص: 749

فأراد بخالصة ذكر لا يشوبها شيء من رياء و لا غيره.

(613)

نحوه الطّوسيّ.(8:569)

الماورديّ: فيه خمسة أوجه:

أحدها:[قول مالك بن دينار]

الثّاني:اصطفيناهم لأفضل ما في الآخرة و أعطيناهم،قاله ابن زياد.

الثّالث:أخلصناهم بخالصة الكتب المنزلة الّتي فيها ذكرى الدّار الآخرة،و هذا قول مأثور.

الرّابع:[قول مقاتل]

الخامس:[قول النّقّاش](5:105)

الواحديّ: [نقل الأقوال الماضية ثمّ أضاف:]

فمن قرأ بالتّنوين في بِخالِصَةٍ كان المعنى:

جعلناهم لنا خالصين بأن خلصت لهم ذكرى الدّار.

و الخالصة:مصدر بمعنى الخلوص،و الذّكرى بمعنى التّذكير،أي خلص لهم تذكير الدّار،و هو أنّهم يذكّرون بالتّأهّب لها و يزهّدون في الدّنيا،و ذلك شأن الأنبياء صلوات اللّه عليهم.

و أمّا من أضاف فالمعنى:أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدّار.و الخالصة:مصدر مضاف إلى الفاعل.

قال ابن عبّاس:أخلصوا بذكر الدّار الآخرة،و أن يعملوا لها.و«الذّكرى»على هذا بمعنى الذّكر.

(3:562)

البغويّ: [نقل القراءات و الأقوال و أضاف:]

و قيل:أخلصناهم:جعلناهم مخلصين،بما أخبرناهم عنهم من ذكر الآخرة.(4:74)

الزّمخشريّ: أَخْلَصْناهُمْ جعلناهم خالصين بِخالِصَةٍ :بخصلة خالصة لا شوب فيها.ثمّ فسّرها ب ذِكْرَى الدّارِ شهادة لذكرى الدّار بالخلوص و الصّفاء و انتفاء الكدورة عنها.

و قرئ:على الإضافة.و المعنى بما خلص من ذكرى الدّار،على أنّهم لا يشوبون ذكرى الدّار بهمّ آخر،إنّما همّهم ذكرى الدّار لا غير...

فإن قلت:ما معنى أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ؟

قلت:معناه:أخلصناهم بسبب هذه الخصلة و بأنّهم من أهلها،أو أخلصناهم بتوفيقهم لها و اللّطف بهم في اختيارها.

و تعضد الأوّل قراءة من قرأ (بخالصتهم).

(3:378)

نحوه الفخر الرّازيّ(26:217)و النّسفيّ(4:44).

ابن عطيّة: و قرأ نافع وحده إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ على إضافة(خالصة)إلى (ذكرى)و هي قراءة أبي جعفر و الأعرج و شيبة و قرأ الباقون و النّاس: بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ على تنوين(خالصة.)و قرأ الأعمش (بخالصتهم ذكرى الدّار) و هي قراءة طلحة.

و قوله: بِخالِصَةٍ يحتمل أن يكون(خالصة) اسم فاعل،كأنّه عبّر بها عن مزيّة أو رتبة.فأمّا من أضافها إلى(ذكرى)ف(ذكرى)مخفوض بالإضافة،و من نوّن(خالصة)ف(ذكرى)بدل من(خالصة)و يحتمل قوله: بِخالِصَةٍ أن يكون

ص: 750

(خالصة)مصدرا كالعاقبة و خائنة الأعين و غير ذلك،ف(ذكرى)على هذا إمّا أن يكون في موضع نصب بالمصدر على تقدير: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بأن أخلصنا لهم ذكرى الدّار،و يكون(خالصة)مصدرا من أخلص على حذف الزّوائد و إمّا أن يكون (ذكرى)في موضع رفع بالمصدر على تقدير: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بأن خلصت لهم ذكرى الدّار،و تكون (خالصة)من خلص.(4:509)

نحوه القرطبيّ(15:218)،و السّمين(5:538).

الطّبرسيّ: و قرأ أهل المدينة،و هشام: (بخالصة ذكرى الدّار) غير منوّن على الإضافة.و الباقون بالتّنوين...

و قوله: بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ يحتمل أمرين:

أحدهما:أن يكون(ذكرى)بدلا من الخالصة، تقديره:إنّا أخلصناهم بذكرى الدّار.و يجوز أن يقدّر في قوله:(ذكرى)التّنوين،فيكون(الدار)في موضع نصب تقديره:بأن يذكروا الدّار بالتّأهّب للآخرة.

و الثّاني:أن لا يقدّر البدل،و لكن يكون الخالصة مصدرا،فيكون مثل قوله: مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ، و يكون المعنى بخالصة تذكّر الدّار.و يقوّي هذا الوجه ما روي من قراءة الأعمش (بخالصتهم ذكرى الدّار).

و هذا يقوّي النّصب،فكأنّه قال:بأن أخلصوا تذكير الدّار.

فإذا نوّنت(خالصة)احتمل أمرين:

أحدهما:أن يكون المعنى:بأن خلصت لهم ذكرى الدّار،فيكون(ذكرى)في موضع رفع بأنّه فاعل.

و الآخر:أن يقدّر المصدر الّذي هو خالصة من الإخلاص،فحذفت الزّيادة،فيكون المعنى:بإخلاص ذكرى،فيكون(ذكرى)في موضع نصب.(4:479)

العكبريّ: قوله تعالى: بِخالِصَةٍ يقرأ بالإضافة،و هي هاهنا من باب إضافة الشّيء إلى ما يبيّنه،لأنّ الخالصة قد تكون ذكرى و غير ذكرى.

و(ذكرى)مصدر،و(خالصة)مصدر أيضا بمعنى الإخلاص كالعافية،

و قيل:(خالصة)مصدر مضاف إلى المفعول،أي بإخلاصهم ذكرى الدّار.

و قيل:(خالصة)بمعنى خلوص،فيكون مضافا إلى الفاعل،أي بأن خلصت لهم ذكرى الدّار.

و قيل(خالصة)اسم فاعل،تقديره:بخالص ذكرى الدّار،أي خالص من أن يشاب بغيره.

و قرئ بتنوين(خالصة)فيجوز أن يكون (ذكرى)بدلا منها.و أن يكون في موضع نصب مفعول(خالصة)،أو على إضمار أعني.

و أن يكون في موضع رفع فاعل(خالصة)،أو على تقدير:هي ذكرى.(2:1102)

البيضاويّ: جعلناهم خالصين لنا بخصلة لا شوب فيها هي ذِكْرَى الدّارِ تذكّرهم الدّار الآخرة دائما،فإنّ خلوصهم في الطّاعة بسببها؛و ذلك لأنّ مطمح نظرهم فيما يأتون و يذرون جوار اللّه و الفوز بلقائه،و ذلك في الآخرة.و إطلاق(الدّار) للإشعار بأنّها الدّار الحقيقة و الدّنيا معبر.

ص: 751

و أضاف نافع و هشام(بخالصة)إلى(ذكرى) للبيان،أو لأنّه بمعنى الخلوص فأضيف إلى فاعله.

(2:312)

نحوه الشّربينيّ.(4:422)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة إلاّ أنّه قال:]

و(خالصة)يحتمل-و هو الأظهر-أن يكون اسم فاعل عبّر به عن مزيّة أو رتبة.(7:402)

أبو السّعود :تعليل لما وصفوا به من شرف العبوديّة و علوّ الرّتبة في العلم و العمل،أي جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة عظيمة الشّأن،كما ينبئ عنه التّنكير التّفخيميّ.[ثمّ أدام نحو البيضاويّ و الزّمخشريّ](5:366)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

فإن قيل:كيف يكونون خالصين للّه تعالى و هم مستغرقون في الطّاعة و فيما هو سبب لها و هو تذكّر الآخرة؟

قلت:إنّ استغراقهم في الطّاعة إنّما هو لاستغراقهم في الشّوق إلى لقاء اللّه.و لمّا لم يكن ذلك إلاّ في الآخرة استغرقوا في تذكّرها و في الآخرة؛و ذلك لأنّ مطمح نظرهم فيما يأتون و يذرون جوار اللّه و الفوز بلقائه،و ذلك في الآخرة.

و في«التّأويلات»:إنّا صفّيناهم عن شوب صفات النّفوس و كدورة الأنانيّة،و جعلناهم لنا خالصين بالمحبّة الحقيقيّة،ليس لغيرنا فيهم نصيب،و لا يميلون إلى الغير بالمحبّة العارضة،لا إلى أنفسهم و لا إلى غيرهم بسبب خصلة خالصة غير مشوبة بهمّ آخر هي ذكرى الدّار الباقية و المقرّ الأصليّ،أي استخلصناهم لوجهنا بسبب تذكّرهم لعالم القدس و إعراضهم عن معدن الرّجس،مستشرفين لأنواره لا التفات لهم إلى الدّنيا و ظلماتها أصلا،انتهى.

يقول الفقير:أراد أنّ الدّنيا ظلمة لأنّها مظهر جلاله تعالى،و الآخرة نور لأنّها مجلى جماله تعالى.

و التّاء للتّخصيص،و الأصل الآخر الّذي هو اللّه تعالى.و لذا يرجع العباد إليه بالآخرة.(8:46)

الآلوسيّ: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ... تعليل لما وصفوا به،و الباء للسّببيّة.و(خالصة)اسم فاعل،و تنوينها للتّفخيم،و قوله تعالى: ذِكْرَى الدّارِ بيان لها بعد إبهامها للتّفخيم.و جوّز أن يكون خبرا عن ضميرها المقدّر،أي هي ذكرى الدّار،و أيّا ما كان ف(ذكرى) مصدر مضاف لمفعوله،و تعريف(الدّار)للعهد،أي الدّار الآخرة،و فيه إشعار بأنّها الدّار في الحقيقة،و إنّما الدّنيا مجاز،أي جعلناهم خالصين لنا بسبب خصلة خالصة جليلة الشّأن لا شوب فيها،هي تذكّرهم دائما الدّار الآخرة،فإنّ خلوصهم في الطّاعة بسبب تذكّرهم إيّاها؛و ذلك لأنّ مطمح أنظارهم و مطرح أفكارهم في كلّ ما يأتون و يذرون جوار اللّه عزّ و جلّ و الفوز بلقائه،و لا يتسنّى ذلك إلاّ في الآخرة.

و قيل:أخلصناهم بتوفيقهم لها و اللّطف بهم في اختيارها،و الباء-كما في الوجه الأوّل-للسّببيّة، و الكلام نحو قولك:أكرمته بالعلم،أي بسبب أنّه عالم أكرمته،أو أكرمته بسبب أنّك جعلته عالما.و قد

ص: 752

يتخيّل في الثّاني أنّه صلة،و يعضد الوجه الأوّل قراءة الأعمش،و طلحة (بخالصتهم) ...

و قرأ أبو جعفر و شيبة و الأعرج و نافع و هشام بإضافة(خالصة)إلى(ذكرى)للبيان،أي بما خلص من ذكرى الدّار،على معنى أنّهم لا يشوبون ذكراها بهمّ آخر أصلا،أو على غير ذلك من المعاني.

و جوّز على هذه القراءة أن تكون(خالصة) مصدرا كالعاقبة و الكاذبة مضافا إلى الفاعل،أي أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدّار.و ظاهر كلام أبي حيّان أنّ احتمال المصدريّة ممكن في القراءة الأولى أيضا،لكنّه قال:الأظهر أن تكون اسم فاعل.

(23:210)

المراغيّ: أي إنّا جعلناهم خالصين لطاعتنا، عاملين بأوامرنا و نواهينا،لاتّصافهم بخصلة جليلة الشّأن لا يساويها غيرها من الخصال،و هي تذكّرهم الدّار الآخرة،فهي مطمح أنظارهم و مطرح أفكارهم في كلّ ما يأتون و ما يذرون،ليفوزوا بلقاء ربّهم، و ينالوا رضوانه في جنّات النّعيم.(23:127)

ابن عاشور :و جملة إِنّا أَخْلَصْناهُمْ علّة للأمر بذكرهم،لأنّ ذكرهم يكسب الذّاكر الاقتداء بهم في إخلاصهم،و رجاء الفوز بما فازوا به من الاصطفاء و الأفضليّة في الخير.و أَخْلَصْناهُمْ :جعلناهم خالصين،فالهمزة للتّعدية،أي طهّرناهم من درن النّفوس،فصارت نفوسهم نقيّة من العيوب العارضة للبشر،و هذا الإخلاص هو معنى العصمة اللاّزمة للنّبوة.

و العصمة:قوّة يجعلها اللّه في نفس النّبيّ،تصرفه عن فعل ما هو في دينه معصية للّه تعالى عمدا أو سهوا، و عمّا هو موجب للنّفرة و الاستصغار عند أهل العقول الرّاجحة من أمّة عصره.و أركان العصمة أربعة:

الأوّل:خاصيّة للنّفس يخلقها اللّه تعالى تقتضي ملكة مانعة من العصيان.

الثّاني:حصول العلم بمثالب المعاصي و مناقب الطّاعات.

الثّالث:تأكّد ذلك العلم بتتابع الوحي و البيان من اللّه تعالى.

الرّابع:العتاب من اللّه على ترك الأولى و على النّسيان.

و إسناد الإخلاص إلى اللّه تعالى،لأنّه أمر لا يحصل للنّفس البشريّة إلاّ بجعل خاصّ من اللّه تعالى و عناية لدنيّة؛بحيث تنزع من النّفس غلبة الهوى في كلّ حال،و تصرف النّفس إلى الخير المحض،فلا تبقى في النّفس إلاّ نزعات خفيفة تقلع النّفس عنها سريعا بمجرّد خطورها،قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّي ليغان على قلبي فأستغفر اللّه في اليوم سبعين مرّة».

و الباء في بِخالِصَةٍ للسّببيّة،تنبيها على سبب عصمتهم.و عبّر عن هذا السّبب تعبيرا مجملا،تنبيها على أنّه أمر عظيم دقيق لا يتصوّر بالكنه،و لكن يعرف بالوجه،و لذلك استحضر هذا السّبب بوصف مشتقّ من فعل أَخْلَصْناهُمْ على نحو قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمن سأله عن اقتناعه من أكل لحم الضّبّ«أنّي تحضرني من اللّه حاضرة».أي حاضرة لا توصف،ثمّ

ص: 753

بيّنت هذه الخالصة بأقصى ما تعبّر عنه اللّغة و هي أنّها ذِكْرَى الدّارِ...

و أشار قوله تعالى: بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ إلى أنّ مبدأ العصمة هو الوحي الإلهيّ بالتّحذير ممّا لا يرضي اللّه،و تخويف عذاب الآخرة و تحبيب نعيمها، فتحدث في نفس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم شدّة الحذر من المعصية و حبّ الطّاعة،ثمّ لا يزال الوحي يتعهّده و يوقظه و يجنّبه الوقوع فيما نهي عنه،فلا يلبث أن تصير العصمة ملكة للنّبيّ يكره بها المعاصي،فأصل العصمة هي منتهى التّقوى الّتي هي ثمرة التّكليف،و بهذا يمكن الجمع بين قول أصحابنا:العصمة عدم خلق المعصية مع بقاء القدرة على المعصية،و قول المعتزلة:إنّها ملكة تمنع عن إرادة المعاصي،فالأوّلون نظروا إلى المبدإ، و الأخيرون نظروا إلى الغاية.و به يظهر أيضا أنّ العصمة لا تنافي التّكليف و ترتّب المدح على الطّاعات.

و قرأ نافع و هشام عن ابن عامر و أبو جعفر (خالصة) بدون تنوين لإضافته إلى ذِكْرَى الدّارِ و الإضافة بيانيّة،لأنّ ذِكْرَى الدّارِ هي نفس الخالصة،فكأنّه قيل:بذكرى الدّار،و ليست من إضافة الصفة إلى الموصوف،و لا من إضافة المصدر إلى مفعوله و لا إلى فاعله،و إنّما ذكر لفظ(خالصة) ليقع إجمال،ثمّ يفصّل بالإضافة للتّنبيه على دقّة هذا الخلوص،كما أشرنا إليه.و التّعريف بالإضافة،لأنّها أقصى طريق للتّعريف في هذا المقام.

و قرأ الجمهور (خالصة)فيكون ذِكْرَى الدّارِ عطف بيان أو بدلا مطابقا.و غرض الإجمال و التّفصيل ظاهر.و إضافة(خالصة)إلى ذِكْرَى الدّارِ في قراءة نافع من إضافة الصّفة إلى الموصوف،و إبدالها منها في قراءة الجمهور من إبدال الصّفة من الموصوف.(23:170)

الطّباطبائيّ: الخالصة:وصف قائم مقام موصوفه و الباء للسّببيّة،و التّقدير بسبب خصلة خالصة، و ذِكْرَى الدّارِ بيان للخصلة،و(الدّار)هي الدّار الآخرة.

و الآية أعني قوله: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ... لتعليل ما في الآية السّابقة من قوله: أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ أو لقوله:(عبادنا)أو لقوله:(و اذكر).

و أوجه الوجوه أوّلها؛و ذلك لانّ استغراق الإنسان في ذكرى الدّار الآخرة و جوار ربّ العالمين، و ركوز همّه فيها يلازم كمال معرفته في جنب اللّه تعالى،و إصابة نظره في حقّ الاعتقاد و التّبصّر في سلوك سبيل العبوديّة،و التّخلّص عن الجمود على ظاهر الحياة الدّنيا و زينتها،كما هو شأن أبنائها.قال تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا* ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ النّجم:29، 30.

و معنى الآية:و إنّما كانوا أولي الأيدي و الأبصار، لأنّا أخلصناهم بخصلة خالصة غير مشوبة عظيمة الشّأن،هي ذكرى الدّار الآخرة.(17:211)

المصطفويّ: أي إنّا جعلناهم مخلصين بأمر من الرّبّ و فيض منه تعالى،خالص روحانيّ غير مشوب بخلط؛و ذلك لتكون ذكرى في الدّار الدّنيويّة لأهلها،

ص: 754

فإنّ العبد المخلص كالمرآة الصّافية،و هي مجلى الحقّ و الحقيقة،ففيها معرفة الرّبّ المتعال.فكلمة بِخالِصَةٍ متعلّقة بقوله: أَخْلَصْناهُمْ، و ذِكْرَى الدّارِ مفعول لأجله.و إطلاق(الدّار)على الدّنيا كما في فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:24، وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ المؤمن:52، وَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ القصص:37،و هي المنصرف إليها عند الإطلاق.

و أمّا الذّكرى،فكما في: إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ التّكوير:27، وَ ما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ القلم:52، وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاّ لَها مُنْذِرُونَ* ذِكْرى وَ ما كُنّا ظالِمِينَ الشّعراء:208،209.و لمّا لم يكن الإخلاص من العبد متعلّقا باللّه المتعال،حتّى يكون اللّه مفعولا به و يكون في المعنى مخلصا،فاستعمل متعلّقا بالدّين.

و قيل:أخلص الدّين للّه.و الدّين هو برنامج يتّخذ في جريان الحياة و ينقاد له.[راجع:د ي ن:«الدّين».]

و هذا حقيقة تعلّق الإخلاص بالدّين، وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ النّساء:146، فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ الزّمر:2، وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الأعراف:29، دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يونس:

22، وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البيّنة:5،أي جعلوا دينهم خالصا من الشّوائب و صافيا من الأخلاط،و ينوي أن يكون جريان أمره للّه المتعال.

ثمّ إنّ الدّين على ثلاث مراحل:الاعتقادات المربوطة بالجنان و الأخلاقيّات،و الأعمال المربوطة بالأركان و اللّسان،و الخلوص فيها:أن تكون متحقّقة على الصّحّة و الواقعيّة،من دون شائبة و خليطة زائدة على المتن،و هذا معنى الآية الكريمة: أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ الزّمر:3،فكلّما اختلط و خرج عن الواقعيّة و ازداد على المتن،و الحقيقة،فهو لغير اللّه، و راجعة إلى ما دونه تعالى.(3:102)

فضل اللّه : بِخالِصَةٍ صفة خالصة من كلّ شائبة.[إلى أن قال:]

إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ فهؤلاء يتمتّعون بالصّفات الرّوحيّة الصّافية الخالصة الّتي لا يخالطها شيء من الزّيف و الرّيب و الالتواء.(19:273)

اخلصوا

إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ...* إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ.... النّساء:145،146

الحسن :طلبوا بإيمانهم رحمة اللّه و رضاه مخلصين.

(الطّبرسيّ 2:130)

مقاتل:إنّه الإسلام،و إخلاصه:رفع الشّرك عنه.

(ابن الجوزيّ 2:235)

أبو سليمان الدّمشقيّ: إنّه العمل،و إخلاصه:

رفع شوائب النّفاق و الرّياء منه.(ابن الجوزيّ 2:235)

الطّبريّ: و أخلصوا طاعتهم و أعمالهم الّتي يعملونها للّه،فأرادوه بها،و لم يعملوها رياء النّاس، و لا على شكّ منهم في دينهم،و امتراء منهم في أنّ اللّه محص عليهم ما عملوا،فمجازي المحسن بإحسانه،

ص: 755

و المسيء بإساءته،و لكنّهم عملوها على يقين منهم في ثواب المحسن على إحسانه،و جزاء المسيء على إساءته،أو يتفضّل عليه ربّه فيعفو،متقرّبين بها إلى اللّه، مريدين بها وجه اللّه،فذلك معنى إخلاصهم للّه دينهم.

(4:337)

الطّوسيّ: أخلصوا الدّين للّه،و تبرّءوا من الآلهة و الأنداد.(3:368)

نحوه الطّبرسيّ.(2:131)

الواحديّ: من شائب الرّياء.

قال عليّ بن أبي طالب رضى اللّه عنه:«المنافقون شرّ من كفر باللّه و أولاهم بمقته،و أبعدهم من الإنابة إليه،لأنّه شرط عليهم في التّوبة:الإصلاح و الاعتصام، و لم يشرط ذلك على غيرهم ثمّ شرط الإخلاص،لأنّ النّفاق ذنب القلب و الإخلاص توبة القلب».

(2:133)

البغويّ: أراد الإخلاص بالقلب،لأنّ النّفاق كفر القلب،فزواله يكون بإخلاص القلب.(1:716)

الزّمخشريّ: لا يبتغون بطاعتهم إلاّ وجهه.

(1:575)

مثله النّسفيّ(1:259)،و أبو حيّان(3:380)، و نحوه البيضاويّ(2:252)،و الشّربينيّ(1:340)، و شبّر(2:118).

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ هذه الآية فيها تغليظات عظيمة على المنافقين،و ذلك لأنّه تعالى شرط في إزالة العقاب عنهم أمورا أربعة:[إلى أن قال:]

و رابعها:الإخلاص،و السّبب فيه أنّه تعالى أمرهم أوّلا:بترك القبيح،و ثانيا:بفعل الحسن،و ثالثا:أن يكون غرضهم في ذلك التّرك و الفعل طلب مرضاة اللّه تعالى،و رابعا:أن يكون ذلك الغرض و هو طلب مرضاة اللّه تعالى خالصا،و أن لا يمتزج به غرض آخر.

(11:88)

أبو السّعود :أي جعلوه خالصا.(2:212)

مثله البروسويّ.(2:310)

الآلوسيّ: لا يريدون بطاعتهم إلاّ وجهه و رضاه سبحانه لا رياء النّاس،و دفع الضّرر كما في النّفاق.

و أخرج أحمد و التّرمذيّ و غيرهما عن أبي ثمامة،قال:

قال الحواريّون لعيسى عليه السّلام:يا روح اللّه من المخلص للّه؟قال:الّذي يعمل للّه تعالى لا يحبّ أن يحمده النّاس عليه.(5:178)

القاسميّ: فلم يبق لهم فيه تردّد.و لم يريدوا بطاعتهم إلاّ وجهه سبحانه،لا رياء النّاس،كما كانوا قبل.(5:1623)

رشيد رضا :إخلاص الدّين للّه عزّ و جلّ بأن يتوجّه إليه وحده فلا يدعى من دونه أحد،و لا يدعى معه أحد،لا لكشف ضرّ،و لا لجلب نفع،و لا يتّخذ من دونه أولياء يجعلون وسطاء عنده،بل يكون كلّ ما يتعلّق بالدّين و العبادة-و أعظمها و أهمّ أركانها الدّعاء-خالصا له وحده،لا تتوجّه فيه النّفس إلى غيره،و لا يسأل اللّسان سواه،و لا يستعان فيما وراء الأسباب العامّة بين البشر بمن عداه إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ، هذا أهمّ ما يقال:في إخلاص الدّين للّه.قال تعالى: فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ الزّمر:

ص: 756

رشيد رضا :إخلاص الدّين للّه عزّ و جلّ بأن يتوجّه إليه وحده فلا يدعى من دونه أحد،و لا يدعى معه أحد،لا لكشف ضرّ،و لا لجلب نفع،و لا يتّخذ من دونه أولياء يجعلون وسطاء عنده،بل يكون كلّ ما يتعلّق بالدّين و العبادة-و أعظمها و أهمّ أركانها الدّعاء-خالصا له وحده،لا تتوجّه فيه النّفس إلى غيره،و لا يسأل اللّسان سواه،و لا يستعان فيما وراء الأسباب العامّة بين البشر بمن عداه إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ، هذا أهمّ ما يقال:في إخلاص الدّين للّه.قال تعالى: فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ الزّمر:

2،3،فالمنافقون في الدّرك الأسفل من الهاوية إلاّ من استثني.(5:475

نحوه المراغيّ.(5:190)

الطّباطبائيّ: و قد وصف اللّه هؤلاء الّذين استثناهم من المنافقين بأوصاف عديدة ثقيلة،و ليست تنبت أصول النّفاق و أعراقه إلاّ بها،فذكر التّوبة و هي الرّجوع إلى اللّه تعالى،و لا ينفع الرّجوع و التّوب وحده حتّى يصلحوا كلّ ما فسد منهم من نفس و عمل، و لا ينفع الإصلاح إلاّ أن يعتصموا باللّه،أي يتّبعوا كتابه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله،إذ لا سبيل إلى اللّه إلاّ ما عيّنه،و ما سوى ذلك فهو سبيل الشّيطان.

و لا ينفع الاعتصام المذكور إلاّ إذا أخلصوا دينهم -و هو الّذي فيه الاعتصام-للّه،فإنّ الشّرك ظلم لا يعفى عنه و لا يغفر،فإذا تابوا إلى اللّه،و أصلحوا كلّ فاسد منهم،و اعتصموا باللّه،و أخلصوا دينهم للّه،كانوا عند ذلك مؤمنين لا يشوب إيمانهم شرك،فأمنوا النّفاق و اهتدوا،قال تعالى: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ الانعام:82.

و يظهر من سياق الآية أنّ المراد بالمؤمنين:هم المؤمنون محضا المخلصون للإيمان،و قد عرّفهم اللّه تعالى بأنّهم الّذين تابوا و أصلحوا و اعتصموا باللّه و أخلصوا دينهم للّه.و هذه الصّفات تتضمّن تفاصيل جميع ما عدّه اللّه تعالى في كتابه من صفاتهم و نعوتهم، كقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ إلى آخر الآيات،المؤمنون 1-10،و قوله تعالى:

وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً* وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً الفرقان:63-64،و قوله:

فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً النّساء:65.

فهذا هو مراد القرآن بالمؤمنين إذا أطلق اللّفظ إطلاقا من غير قرينة تدلّ على خلافه.(5:118)

فضل اللّه : وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ، فلم يحوّلوا الدّين إلى سلعة في المزاد،فإنّ اللّه سيحشرهم مع المؤمنين الّذين يتحرّكون في طريق الإيمان من موقع الإصلاح في العمل،و الاعتصام باللّه في جميع الأمور، و إخلاص الدّين له في كلّ المواقف و التّطلّعات، و سيجدون هناك مع المؤمنين الأجر العظيم الّذي يؤتيهم اللّه إيّاه برحمته و رضاه.(7:521)

مخلصا-الخالص

إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى

الزّمر:2،3

ابن عبّاس: مخلصا له بالعبادة و التّوحيد.

الدّين بالإخلاص لا يخالطه شيء.(385)

ص: 757

قتادة:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه.(الطّبريّ 10:611)

السّدّيّ: التّوحيد.(416)

إنّه الإخلاص بالتّوحيد.(الماورديّ 5:114)

الفرّاء: منصوب بوقوع الإخلاص عليه.و كذلك ما أشبهه في القرآن مثل: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ المؤمن:13،ينصب كما نصب في هذا.و لو رفعت (الدّين)ب(له)و جعلت الإخلاص مكتفيا غير واقع، كأنّك قلت:اعبد اللّه مطيعا،فله الدّين.(2:414)

شمر:يؤتى بالرّجل يوم القيامة للحساب،و في صحيفته أمثال الجبال من الحسنات،فيقول ربّ العزّة جلّ و عزّ:صلّيت يوم كذا و كذا ليقال:صلّى فلان،أنا اللّه لا إله إلاّ أنا،لي الدّين الخالص،صمت يوم كذا و كذا ليقال:صام فلان،أنا اللّه لا إله إلاّ أنا،لي الدّين الخالص،تصدّقت يوم كذا و كذا ليقال:تصدّق فلان، أنا اللّه لا إله إلاّ أنا لي الدّين الخالص،فما يزال يمحو شيئا بعد شيء حتّى تبقى صحيفته ما فيها شيء، فيقول ملكاه:يا فلان!أ لغير اللّه كنت تعمل؟.

(الطّبريّ 10:611)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فاخشع للّه يا محمّد بالطّاعة،و أخلص له الألوهة،و أفرده بالعبادة، و لا تجعل له في عبادتك إيّاه شريكا،كما فعلت عبدة الأوثان.

يقول تعالى ذكره:ألا للّه العبادة و الطّاعة...لا يملك منه شيئا.(10:610)

الزّجّاج: (الدين)منصوب بوقوع الفعل عليه.

و(مخلصا)منصوب على الحال،أي فاعبد اللّه موحّدا لا تشرك به شيئا.

و زعم بعض النّحويّين أنّه يجوز(مخلصا له الدّين)،و قال:يرفع(الدّين)على قولك مخلصا له الدّين،و يكون مخلصا تمام الكلام،و يكون له الدّين ابتداء.

و هذا لا يجوز من جهتين:إحداهما:أنّه لم يقرأ به، و الأخرى:أنّه يفسده. أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ، فيكون لَهُ الدِّينَ مكرّرا في الكلام،لا يحتاج إليه، و إنّما الفائدة في أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ تحسن بقوله: مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ.

و معنى إخلاص الدّين هاهنا:عبادة اللّه وحده لا شريك له،و هذا جرى تثبيتا للتّوحيد،و نفيا للشّرك؛أ لا ترى قوله: وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ -إلى قوله:- إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ الزّمر:3.

أي فأخلص أنت الدّين،و لا تتّخذ من دونه أولياء،فهذا كلّه يؤكّد مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ. (4:343)

الماورديّ: إخلاص النّيّة لوجهه،ما لا رياء فيه من الطّاعات.(5:114)

الطّوسيّ: معناه توجّه عبادتك إليه تعالى وحده مخلصا من شرك الأوثان و الأصنام.و قوله: مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ. نصب مُخْلِصاً على الحال.و نصب (الدين)بأنّه مفعول ل(مخلصا).و قال الفرّاء:

يجوز أن يرفع(الدّين)،و لم يجزه الزّجّاج،قال:لأنّه يصير ما بعده تكريرا.

و الإخلاص للّه:أن يقصد العبد بطاعته و عمله

ص: 758

وجه اللّه،لا يقصد الرّياء و السّمعة،و لا وجها من وجوه الدّنيا.

و الخالص:-في اللّغة-ما لا يشوبه شيء غيره، و منه خلاصة السّمن،لأنّه تخلصه.

و قال الحسن:معناه الإسلام.و قال:غيره:معناه أنّ له التّوحيد في طاعة العباد الّتي يستحقّ بها الجزاء، فهذا للّه وحده،لا يجوز أن يكون لغيره،لاستحالة أن يملك هذا الأمر سواه.(9:4)

الواحديّ: موحّدا له لا تشرك به شيئا.

و الإخلاص:أن يقصد العبد بنيّته و عمله إلى خالقه، لا يجعل ذلك لعرض الدّنيا. أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ يعني أنّ الدّين الخالص من الشّرك هو للّه تعالى،و ما سواه من الأديان،فليس بدين اللّه الّذي أمر به.

(3:569)

الميبديّ: الخطاب للنّبيّ،و المراد به هو و أمّته،أي اعبدوه مخلصين له الطّاعة من غير شائبة شكّ و نفاق، أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ، (الدين)هاهنا كلمة لا إله إلاّ اللّه،و قيل:هو الإسلام.و قيل:هو الطّاعة، يعني:ألا للّه الطّاعة الخالصة الّتي تقع موقع القبول.

و قيل:معناه لا يستحقّ الدّين الخالص إلاّ للّه.قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«قال اللّه سبحانه:من عمل لي عملا أشرك فيه معي غيري،فهو له كلّه،و أنا منه بريء،و أنا أغنى الأغنياء عن الشّرك».و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يقبل اللّه عملا فيه مقدار ذرّة من رياء».(8:379)

[و قال في النّوبة الثّالثة]:فكن معنا و افش لنا أسرارك،و اجتنب من التّوسّل إلى غيرنا،و احترز من نفسك و هيمنتها عليك.و قد تأدّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بهذا الخطاب حين نزل عليه جبرئيل،و قال له:«يا محمّد أ تختار أن تكون ملكا نبيّا أو عبدا نبيّا؟».

فقال:إلهي أريد أن أكون عبدا لا ملكا،فالملك لك و العبوديّة لنا،و لا مأوى لي غير لطفك،و لا ملجأ لي غير عزّتك،فإن اخترت الملك عكفت عليه،فيكون فخري و عظمتي.و لكنّي أختار العبوديّة حتّى أكون عبدك،و يكون افتخاري بملكك،إذ قال:«أنا سيّد ولد آدم و لا فخر».

إنّ فخرنا بوجوده،لا بغيره؛إذ الفخر بالأسنى لا بالأدنى،و ليس في العالمين لنا شيء،فلا فخر لنا إلاّ بالخالق؛إذ لا مولى لنا إلاّ هو،فإن افتخرنا بغيره، توجّهنا إلى غيره.و عصينا أمر فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً، فلا تنظر إلى غيره،فلا جرم أنّه لا فخر بغيره:

فإن سمّيتني مولى فمولاي الّذي تدري

فإن فتّشت عن قلبي ترى ذكراك في صدري

أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ :حريّ بالعباد أن يعبدوا اللّه مخلصين دون نفاق،و يطيعون مخلصين دون رياء.

و لؤلؤ الإخلاص المكنون في صدف القلوب قد استكنّ في بحر الصّدور،و لذلك قال حذيفة رضى اللّه عنه:

«سألت سيّد الكائنات صلوات اللّه و سلامه عليه:ما الإخلاص؟قال:سألت جبرئيل:ما الإخلاص؟قال:

سألت ربّ العزّة:ما الإخلاص؟قال:سرّ من سرّي استودعته قلب من أحببت من عبادي».

إنّ الإخلاص ثمرة المودّة و أثر العبادة،فمن ارتدى ثوب المحبّة،و تلفّع بخلعة العبادة.فما يعمله نابع

ص: 759

من قلبه.و لا يجتمع حبّ اللّه جلّ جلاله مع الآمال المشتّتة في قلب واحد.ففرض البدن الصّلاة و الصّيام، و فرض القلب حبّ اللّه.و أمارة الحبّ أن يتقبّل المحبّ ما يصيبه من حبيبه من مكروه يخالف الطّبيعة و النّحيزة.(8:386)

الزّمخشريّ: ممحّضا له الدّين من الشّرك و الرّياء بالتّوحيد و تصفية السّرّ.و قرئ: (الدّين) بالرّفع.و حقّ من رفعه أن يقرأ (مخلصا) -بفتح اللاّم- كقوله تعالى: وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ النّساء:146، حتّى يطابق قوله: أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ.

و الخالص و المخلص:واحد إلاّ أن يصف الدّين بصفة صاحبه على الإسناد المجازيّ،كقولهم:شعر شاعر.

و أمّا من جعل(مخلصا)حالا من العابد،و(له الدين)مبتدأ و خبرا،فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك:للّه الدّين أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ، أي هو الّذي وجب اختصاصه بأن تخلص له الطّاعة من كلّ شائبة كدر،لاطّلاعه على الغيوب و الأسرار، و لأنّه الحقيق بذلك لخلوص نعمته عن استجرار المنفعة بها.(3:386)

نحوه البيضاويّ(2:316)،و النّسفيّ(4:49)، و الشّربينيّ(3:431)،و القاسميّ(14:5127)، و المراغيّ(23:142).

ابن العربيّ: هي دليل على وجوب النّيّة في كلّ عمل،و أعظمه الوضوء الّذي هو شطر الإيمان،خلافا لأبي حنيفة،و الوليد بن مسلم عن مالك اللّذين يقولان:إنّ الوضوء يكفي من غير نيّة،و ما كان ليكون من الإيمان شطره،و لا ليخرج الخطايا من بين الأظافر و الشّعر بغير نيّة،و قد حقّقناه في مسائل الخلاف.(4:1656)

الطّبرسيّ: [نحوه الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:هو الاعتقاد الواجب في التّوحيد و العدل و النّبوّة و الشّرائع،و الإقرار بها و العمل بموجبها، و البراءة من كلّ دين سواها،فهذا تفصيل قول الحسن:إنّه الإسلام.(4:488)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:أنّه تعالى لمّا بيّن في قوله: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ أنّ هذا الكتاب مشتمل على الحقّ و الصّدق و الصّواب،أردف هنا بعض ما فيه من الحقّ و الصّدق،و هو أن يشتغل الإنسان بعبادة اللّه تعالى على سبيل الإخلاص،و يتبرّأ عن عبادة غير اللّه تعالى بالكلّيّة،فأمّا اشتغاله بعبادة اللّه تعالى على سبيل الإخلاص،فهو المراد من قوله تعالى: فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً و أمّا براءته من عبادة غير اللّه تعالى،فهو المراد بقوله: أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ، لأنّ قوله: أَلا لِلّهِ يفيد الحصر،و معنى الحصر أن يثبت الحكم في المذكور،و ينتفي عن غير المذكور.

و اعلم أنّ العبادة مع الإخلاص لا تعرف حقيقة إلاّ إذا عرفنا أنّ العبادة ما هي،و أنّ الإخلاص ما هو، و أنّ الوجوه المنافية للإخلاص ما هي،فهذه أمور ثلاثة لا بدّ من البحث عنها:

أمّا العبادة:فهي فعل أو قول أو ترك فعل أو ترك قول،و يؤتى به لمجرّد اعتقاد أنّ الأمر به عظيم يجب

ص: 760

قبوله.

و أمّا الإخلاص:فهو أن يكون الدّاعي له إلى الإتيان بذلك الفعل أو التّرك مجرّد هذا الانقياد و الامتثال،فإن حصل منه داع آخر فإمّا أن يكون جانب الدّاعي إلى الطّاعة راجحا على الجانب الآخر أو معادلا له أو مرجوحا.و أجمعوا على أنّ المعادل و المرجوح ساقط،و أمّا إذا كان الدّاعي إلى طاعة اللّه راجحا على الجانب الآخر،فقد اختلفوا في أنّه هل يفيد أم لا؟و قد ذكرنا هذه المسألة مرارا،و لفظ القرآن يدلّ على وجوب الإتيان به على سبيل الخلوص،لأنّ قوله: فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً صريح في أنّه يجب الإتيان بالعبادة على سبيل الخلوص،و تأكّد هذا بقوله تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البيّنة:5.

و أمّا بيان الوجوه المنافية للإخلاص،فهي الوجوه الدّاعية للشّريك،و هي أقسام:

أحدها:أن يكون للرّياء و السّمعة فيه مدخل.

و ثانيها:أن يكون مقصوده من الإتيان بالطّاعة الفوز بالجنّة و الخلاص من النّار.

و ثالثها:أن يأتي بها و يعتقد أنّ لها تأثيرا في إيجاب الثّواب أو دفع العقاب.

و رابعها:و هو أن يخلص تلك الطّاعات عن الكبائر حتّى تصير مقبولة،و هذا القول إنّما يعتبر على قول المعتزلة.

المسألة الثّانية:من النّاس من قال: فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ المراد منه شهادة أن لا إله إلاّ اللّه.

و احتجّوا بما روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«لا إله إلاّ اللّه حصني و من دخل حصني أمن من عذابي»و هذا قول من يقول:لا تضرّ المعصية مع الإيمان،كما لا تنفع الطّاعة مع الكفر.و أمّا الأكثرون فقالوا:الآية متناولة لكلّ ما كلّف اللّه به من الأوامر و النّواهي.و هذا هو الأولى؛لأنّ قوله: فَاعْبُدِ اللّهَ عامّ.

و روي أنّ امرأة الفرزدق لمّا قرب وفاتها أوصت أن يصلّي الحسن البصريّ عليها،فلمّا صلّى عليها و دفنت،قال للفرزدق:يا أبا فراس ما الّذي أعددت لهذا الأمر؟قال:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،فقال الحسن رضى اللّه عنه:هذا العمود فأين الطّنب؟

فبيّن بهذا أنّ عمود الخيمة لا ينتفع به إلاّ مع الطّنب حتّى يمكن الانتفاع بالخيمة.

قال القاضي:فأمّا ما يروى أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لمعاذ و أبي الدّرداء:«و إن زنى و إن سرق على رغم أنف أبي الدّرداء»فإن صحّ،فإنّه يجب أن يحمل عليه بشرط التّوبة،و إلاّ لم يجز قبول هذا الخبر،لأنّه مخالف للقرآن،و لأنّه يوجب أن لا يكون الإنسان مزجورا عن الزّنى و السّرقة،و أن لا يكون متعدّيا بفعلهما،لأنّه مع شدّة شهوته للقبيح يعلم أنّه لا يضرّه مع تمسّكه بالشّهادتين،فكأنّ ذلك إغراء بالقبيح،و الكلّ ينافي حكمة اللّه تعالى،و لا يلزم أن يقال ذلك،فالقول بأنّه يزول ضرره بالتّوبة،يوجب أيضا الإغراء بالقبيح؛ لأنّا نقول:إنّ من اعتقد أنّ ضرره يزول بالتّوبة،فقد اعتقد أنّ فعل القبيح مضرّة إلاّ أنّه يزيل ذلك الضّرر بفعل التّوبة،بخلاف قول من يقول:إنّ فعل القبيح

ص: 761

لا يضرّ مع التّمسّك بالشّهادتين.هذا تمام كلام القاضي، فيقال له:

أمّا قولك:«إنّ القول بالمغفرة مخالف للقرآن» فليس كذلك،بل القرآن يدلّ عليه،قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48،و قال: وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ الرّعد:6،أي حال ظلمهم كما يقال:رأيت الأمير على أكله و شربه،أي حال كونه آكلا و شاربا.

و قال: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً الزّمر:53.

و أمّا قوله:إنّ ذلك يوجب الإغراء بالقبيح،فيقال له:إن كان الأمر كذلك،وجب أن يقبح غفرانه عقلا، و هذا مذهب البغداديّين من المعتزلة،و أنت لا تقول به، لأنّ مذهب البصريّين أنّ عذاب المذنب جائز عقلا، و أيضا فيلزم عليه أن لا يحصل الغفران بالتّوبة،لأنّه إذا علم أنّه إذا أذنب ثمّ تاب غفر اللّه له لم ينزجر.

و أمّا الفرق الّذي ذكره القاضي فبعيد،لأنّه إذا عزم على أن يتوب عنه في الحال،علم أنّه لا يضرّه ذلك الذّنب البتّة.

ثمّ نقول:مذهبنا أنّا نقطع بحصول العفو عن الكبائر في الجملة.

فأمّا في حقّ كلّ واحد من النّاس فذلك مشكوك فيه،لأنّه تعالى قال: وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فقطع بحصول المغفرة في الجملة،إلاّ أنّه سبحانه و تعالى لم يقطع بحصول هذا الغفران في حقّ كلّ أحد،بل في حقّ من شاء،و إذا كان كذلك،كان الخوف حاصلا فلا يكون الإغراء حاصلا،و اللّه أعلم.

المسألة الثّالثة:قال صاحب«الكشّاف»قرئ (الدّين) بالرّفع[و حكاه إلى قوله:«شعر شاعر» فلاحظ](26:241)

القرطبيّ: فيه مسألتان:الأولى:(مخلصا)نصب على الحال،أي موحّدا لا تشرك به شيئا،(له الدين) أي الطّاعة،و قيل:العبادة،و هو مفعول به. أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ أي الّذي لا يشوبه شيء.

و في حديث الحسن عن أبي هريرة أنّ رجلا قال:

يا رسول اللّه إنّي أتصدّق بالشّيء و أصنع الشّيء أريد به وجه اللّه و ثناء النّاس.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:

«و الّذي نفس محمّد بيده لا يقبل اللّه شيئا شورك فيه» ثمّ تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ، و قد مضى هذا المعنى في«البقرة»و«النّساء»و«الكهف» مستوفى.

الثّانية:[قول ابن العربيّ](15:233)

أبو حيّان :أي ممحّضا(له الدين)من الشّرك و الرّياء و سائر ما يفسده.

و قرأ الجمهور: اَلدِّينُ بالنّصب.و قرأ ابن أبي عبلة:بالرّفع فاعلا ب(مخلصا)،و الرّاجع لذي الحال محذوف على رأي البصريّين،أي الدّين منك،أو يكون«أل»عوضا من الضّمير،أي دينك.[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ:و حق من رفعه...و أضاف:]

و قد قدّمنا تخريجه على أنّه فاعل ب(مخلصا) و قدّرنا ما يربط الحال بصاحبها.و ممّن ذهب إلى أنّ

ص: 762

(له الدين)مستأنف مبتدأ و خبر،الفرّاء.

أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ أي من كلّ شائبة و كدر،فهو الّذي يجب أن تخلص له الطّاعة،لاطّلاعه على الغيوب و الأسرار و لخلوص نعمته على عباده من غير استجرار منفعة منهم.(7:414)

أبو السّعود :أي فاعبده تعالى ممحّضا له الدّين من شوائب الشّرك و الرّياء،حسبما بيّن في تضاعيف ما أنزل إليك.

و قرئ برفع (الدّين) على أنّه مبتدأ،خبره الظّرف المقدّم عليه لتأكيد الاختصاص المستفاد من اللاّم.

و الجملة استئناف وقع تعليلا للأمر بإخلاص العبادة، و قوله تعالى: أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ استئناف مقرّر لما قبله من الأمر بإخلاص الدّين له تعالى،و وجوب الامتثال به.و على القراءة الأخيرة مؤكّد لاختصاص الدّين به تعالى،أي ألا هو الّذي يجب أن يخصّ بإخلاص الطّاعة له،لأنّه المتفرّد بصفات الألوهيّة الّتي من جملتها الاطّلاع على السّرائر و الضّمائر.

(5:377)

نحوه ملخّصا شبّر.(5:299)

البروسويّ: الإخلاص أن يقصد العبد بنيّته و عمله إلى خالقه لا يجعل ذلك لغرض من الأغراض، أى ممحّضا له الطّاعة من شوائب الشّرك و الرّياء،فإنّ الدّين الطّاعة،كما في«الجلالين»و غيره.

قال في«عرائس البيان»أمر حبيبه عليه السّلام بأن يعبده بنعت أن لا يرى نفسه في عبوديّته،و لا الكون و أهله، و لا يتجاوز عن حدّ العبوديّة في مشاهدة الرّبوبيّة، فإذا سقط عن العبد حظوظه من العرش إلى الثّرى، فقد سلك مسلك العبوديّة الخالصة:

*گر نباشد نيّت خالص چه حاصل از عمل*

قال بعض الكبار:العبادة الخالصة معانقة الأمر على غاية الخضوع،و تكون بالنّفس:فإخلاصها فيها التّباعد عن الانتقاص،و بالقلب:فإخلاصه فيها العمى عن رؤية الأشخاص،و بالرّوح:فإخلاصه فيها التّنقّي عن طلب الاختصاص.و أهل هذه العبادة موجود في كلّ عصر،لما قال عليه السّلام:«لا يزال اللّه يغرس في هذا الدّين غرسا يستعملهم في طاعته».

قال الكاشفيّ: الخطاب للنّبيّ،و المراد أمّته المأمورين أن يخلصوا طاعتهم من الشّرك و الرّياء.

[إلى أن قال:]

(الا):اعلموا أنّه(للّه)أي من حقّه و واجباته اَلدِّينُ الْخالِصُ من الشّرك،أي ألا هو الّذي يجب أن يخصّ بإخلاص الطّاعة له،يعني هو الّذي يحقّ أن تكون طاعته خالصة له،لتفرّده بصفات الألوهيّة و اطّلاعه على الغيوب و الأسرار،و خلوص نعمته عن استجرار النّفع.

و في«الكواشي»:ألا للّه الدّين الخالص من الهوى و الشّكّ و الشّرك،فيتقرّب به إليه رحمة،لا أنّ له حاجة إلى إخلاص عبادته.

و في«التّأويلات النّجميّة»:الدّين الخالص:ما يكون جملته للّه و ما للعبد فيه نصيب،و المخلص:من خلّصه اللّه من حبس الوجود بجوده لا بجهده.

و عن الحسن:الدّين الخالص:الإسلام،لأنّ غيره

ص: 763

من الأديان ليس بخالص من الشّرك،فليس بدين اللّه الّذي أمر به،فاللّه تعالى لا يقبل إلاّ دين الإسلام.

[ثمّ نقل بعض الأحاديث المتقدّم عن القرطبيّ و الميبديّ](8:69)

الشّوكانيّ: انتصاب(مخلصا)على الحال من فاعل(اعبد)،و الإخلاص أن يقصد العبد بعمله وجه اللّه سبحانه،و الدّين:العبادة و الطّاعة،و رأسها توحيد اللّه،و أنّه لا شريك له.

قرأ الجمهور(الدين)بالنّصب على أنّه مفعول (مخلصا).و قرأ ابن أبي عبلة برفعه على أنّ مخلصا مسند إلى الدين على طريقة المجاز.

قيل:و كان عليه أن يقرأ مخلصا بفتح اللاّم.

و في الآية دليل على وجوب النّيّة و إخلاصها عن الشّوائب،لأنّ الإخلاص من الأمور القلبيّة الّتي لا تكون إلاّ بأعمال القلب،و قد جاءت السّنّة الصّحيحة أنّ ملاك الأمر في الأقوال و الأفعال النّيّة، كما في حديث:«إنّما الأعمال بالنّيّات»،و حديث:

«لا قول و لا عمل إلاّ بنيّة».

و جملة أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ مستأنفة مقرّرة لما قبلها من الأمر بالإخلاص،أي إنّ الدّين الخالص من شوائب الشّرك و غيره هو للّه،و ما سواه من الأديان فليس بدين اللّه الخالص الّذي أمر به.(4:562)

الآلوسيّ: و الفاء في قوله تعالى: فَاعْبُدِ اللّهَ لترتيب الأمر بالعبادة على إنزال الكتاب إليه-عليه الصّلاة و السّلام-بالحقّ،أي فاعبده تعالى ممحّضا له الدّين،من شوائب الشّرك و الرّياء حسبما بيّن في تضاعيف ما أنزل إليك.و العدول إلى الاسم الجليل ممّا يلائم هذا الأمر أتمّ ملائمة.

و قرأ ابن أبي عبلة (الدّين) بالرّفع،كما رواه الثّقات،فلا عبرة بإنكار الزّجّاج،و خرّج ذلك الفرّاء على أنّه مبتدأ،خبره الظّرف المقدّم للاختصاص أو لتأكيده.و اعترض بأنّه يتكرّر مع قوله تعالى: أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ.

و أجيب بأنّ الجملة الأولى استئناف وقع تعليلا للأمر بإخلاص العبادة،و هذه الجملة تأكيد لاختصاص الدّين به تعالى،أي ألا هو سبحانه الّذي يجب أن يخصّ بإخلاص الدّين له تعالى،لأنّه المتفرّد بصفات الألوهيّة الّتي من جملتها الاطّلاع على السّرائر و الضّمائر.و هي على قراءة الجمهور استئناف مقرّر لما قبله من الأمر بإخلاص الدّين له عزّ و جلّ،و وجوب الامتثال به.و في الإتيان ب(الا)و اسميّة الجملة، و إظهار الجلالة و الدّين،و وصفه بالخالص،و التّقديم المفيد للاختصاص مع اللاّم الموضوعة له عند بعض، ما لا يخفى من الدّلالة على الاعتناء بالدّين الّذي هو أساس كلّ خير.

قيل:و من هنا يعلم أنّه لا بأس بجعل الجملة تأكيدا للجملة قبلها على القراءة الأخيرة،و إليه ذهب صاحب«التّقريب»و قال:بتغاير دلالتي الجملتين إجمالا و تفصيلا،و ردّ بذلك زعم إباء هذه الجملة صحّة تخريج الفرّاء.

و الحقّ أنّه تخريج لا يعوّل عليه،ففي«الكشف» لمّا كان قوله تعالى: لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ بمنزلة

ص: 764

التّعليل لقوله سبحانه: فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً كان الأصل أن يقال:فللّه الدّين الخالص،ثمّ ترك إلى أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ مبالغة لما عرفت من أنّه أقوى الوصلين،ثمّ صدّر بحرف التّنبيه زيادة على زيادة، و تحقيقا بأنّ غير الخالص كالعدم،فلو قدّر الاستئناف التّعليليّ أوّلا من دون الوصف المطلوب الّذي هو الأصل في العلّة،و من دون حرف التّنبيه للفائدة المذكورة،كان كلاما متنافرا،و يلزم زيادة التّنافر من وصف الدين بالخلوص ثانيا،لدلالته على العيّ في الأوّل؛إذ ليس فيه ما يرشد إلى هذا الوصف حتّى يجعل من باب الإجمال و التّفصيل.و أمّا جعله تأكيدا فلا وجه له للوصف المذكور،و لأنّ حرف التّنبيه لا يحسن موقعها حينئذ،فإنّها يؤتى بها في ابتداء الاستئناف المضادّ،لقصد التّأكيد،انتهى.

و نصّ العلاّمة الثّاني أيضا-على أنّ كون الجملة الثّانية تأكيدا للأولى-فاسد عند من له معرفة بأساليب الكلام و صياغات المعاني،ففيها ما ينبو عنه مقام التّأكيد،و لا يكاد يقترن به المؤكّد.لكن في قول صاحب«الكشف»:ليس في الأوّل ما يرشد إلى وصف الخلوص حتّى يجعل من باب الإجمال و التّفصيل بحثا،إذ لقائل أن يقول:إنّ(له الدين) على معنى له الدّين الكامل،و من المعلوم أنّ كمال الدّين بكونه خالصا،فيكون في الأوّل ما يرشد إلى هذا الوصف.نعم وهن ذلك التّخريج على حاله قبل هذا البحث،أم لم يقبل.

و قال أبو حيّان:«(الدّين)مرفوع على أنّه فاعل ب(مخلصا)الواقع حالا،و الرّاجع لذي الحال محذوف على رأي البصريّين،أي الدّين منك،أو تكون «أل»عوضا من الضّمير،أي دينك.».و عليه يكون وصف(الدين)بالإخلاص و هو وصف صاحبه من باب الإسناد المجازيّ،كقولهم:شعر شاعر.

و في الآية دلالة على شرف الإخلاص بالعبادة، و كم من آية تدلّ على ذلك.

و أخرج ابن مردويه عن يزيد الرّقاشيّ أنّ رجلا قال:«يا رسول اللّه!إنّا نعطي أموالنا التماس الذّكر، فهل لنا من أجر؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:لا،قال:يا رسول اللّه!إنّا نعطي التماس الأجر و الذّكر فهل لنا أجر؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّ اللّه تعالى لا يقبل إلاّ من أخلص له،ثمّ تلا رسول اللّه عليه الصّلاة و السّلام هذه الآية: أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ» .و يؤيّد هذا أنّ المراد ب اَلدِّينُ في الآية:الطّاعة،لا كما روي عن قتادة من أنّه شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و عن الحسن من أنّه الإسلام.(23:233)

ابن عاشور :استئناف للتّخلّص إلى استحقاقه تعالى الإفراد بالعبادة و هو غرض السّورة،و أفاد التّعليل للأمر بالعبادة الخالصة للّه،لأنّه إذا كان الدّين الخالص مستحقّا للّه و خاصّا به،كان الأمر بالإخلاص له مصيبا محزّه، (1)فصار أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بإخلاص العبادة له مسبّبا عن نعمة إنزال الكتاب إليه،ع.

ص: 765


1- أي بوضع الحزّ،و الحزّ:قطع الحلقوم،يقال:تكلّم فأصاب المحزّ:أي تكلّم فأقنع.

و مقتضى لكونه مستحقّ الإخلاص في العبادة اقتضاء الكليّة لجزئيّاتها.و بهذا العموم أفادت الجملة معنى التّذييل،فتحمّلت ثلاثة مواقع كلّها تقتضي الفصل.

و افتتحت الجملة بأداة التّنبيه تنويها بمضمونها، لتتلقّاه النّفس بشراشرها،و ذلك هو ما رجّح اعتبار الاستئناف فيها،و جعل معنى التّعليل حاصلا تبعا من ذكر إخلاص عامّ بعد إخلاص خاصّ،و موردهما واحد.

و اللاّم في لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ لام الملك الّذي هو بمعنى الاستحقاق،أي لا يحقّ الدّين الخالص،أي الطّاعة غير المشوبة إلاّ له،على نحو اَلْحَمْدُ لِلّهِ الفاتحة:2،و تقديم المسند لإفادة الاختصاص،فأفاد قوله: لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ أنّه مستحقّه،و أنّه مختصّ به.

و الدّين:الطّاعة-كما تقدّم-و الخالص:السّالم من أن يشوبه تشريك غيره في عبادته،فهذا هو المقصود من الآية.

و ممّا يتفرّع على معنى الآية إخلاص المؤمن الموحّد في عبادة ربّه،أي أن يعبد اللّه لأجله،أي طلبا لرضاه،و امتثالا لأمره،و هو آيل إلى أحوال النّيّة في العبادة المشار إليها بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّما الأعمال بالنّيّات،و إنّما لكلّ امرئ ما نوى،فمن كانت هجرته إلى اللّه و رسوله،فهجرته إلى اللّه و رسوله،و من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها،فهجرته إلى ما هاجر إليه».

و عرّف الغزاليّ الإخلاص بأنّه تجريد قصد التّقرّب إلى اللّه عن جميع الشّوائب.و الإخلاص في العبادة أن يكون الدّاعي إلى الإتيان بالمأمور و إلى ترك المنهيّ إرضاء اللّه تعالى،و هو معنى قولهم:«لوجه اللّه»،أي لقصد الامتثال؛بحيث لا يكون الحظّ الدّنيويّ هو الباعث على العبادة،مثل أن يعبد اللّه ليمدحه النّاس؛بحيث لو تعطّل المدح لترك العبادة.و لذا قيل:

الرّياء:الشّرك الأصغر،أي إذا كان هو الباعث على العمل.و مثل ذلك أن يقاتل لأجل الغنيمة،فلو أيس منها ترك القتال.فأمّا إن كان للنّفس حظّ عاجل و كان حاصلا تبعا للعبادة و ليس هو المقصود،فهو مغتفر،و خاصّة إذا كان ذلك لا تخلو عنه النّفوس،أو كان ممّا يعين على الاستزادة من العبادة.

و في«جامع العتبيّة»في ما جاء من أنّ النّيّة الصّحيحة لا تبطلها الخطرة الّتي لا تملك،حدّث العتبيّ عن عيسى بن دينار عن ابن وهب عن عطاء الخراسانيّ أنّ معاذ بن جبل قال لرسول اللّه:صلّى اللّه عليه و سلّم إنّه ليس من بني سلمة إلاّ مقاتل،فمنهم من القتال طبيعته،و منهم من يقاتل رياء،و منهم من يقاتل احتسابا،فأيّ هؤلاء الشّهيد من أهل الجنّة؟فقال:«يا معاذ بن جبل من قاتل على شيء من هذه الخصال أصل أمره أن تكون كلمة اللّه هي العليا،فقتل،فهو شهيد من أهل الجنّة».

قال ابن رشد في«شرحه»:هذا الحديث فيه نصّ جليّ على أنّ من كان أصل عمله للّه و على ذلك عقد نيّته،لم تضرّه الخطرات الّتي تقع في القلب و لا تملك، على ما قاله مالك خلاف ما ذهب إليه ربيعة،و ذلك

ص: 766

أنّهما سئلا عن الرّجل يحبّ أن يلقى في طريق المسجد و يكره أن يلقى في طريق السّوق،فأنكر ذلك ربيعة و لم يعجبه أن يحبّ أحد أن يرى في شيء من أعمال الخير.و قال مالك:«إذا كان أوّل ذلك و أصله للّه،فلا بأس به إن شاء اللّه»قال اللّه تعالى: وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي طه:39،و قال: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ الشّعراء:84.قال مالك:و إنّما هذا شيء يكون في القلب لا يملك؛و ذلك من وسوسة الشّيطان ليمنعه من العمل،فمن وجد ذلك فلا يكسله عن التّمادي على فعل الخير،و لا يؤيسه من الأجر، و ليدفع الشّيطان عن نفسه ما استطاع-أي إذا أراد تثبيطه عن العمل-و يجدّد النّيّة،فإنّ هذا غير مؤاخذ به إن شاء اللّه،انتهى.

و ذكر قبل ذلك عن مالك أنّه رأى رجلا من أهل مصر يسأل عن ذلك ربيعة،و ذكر أنّ ربيعة أنكر ذلك.

قال مالك:فقلت له:ما ترى في التّهجير إلى المسجد قبل الظّهر؟قال:ما زال الصّالحون يهجّرون.

و في«جامع المعيار»:سئل مالك عن الرّجل يذهب إلى الغزو و معه فضل مال ليصيب به من فضل الغنيمة-أي ليشتري من النّاس ما صحّ لهم من الغنيمة-فأجاب:لا بأس به،و نزع بآية التّجارة في الحجّ قوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ البقرة:198،و أنّ ذلك غير مانع و لا قادح في صحّة العبادة،إذا كان قصده بالعبادة وجه اللّه،و لا يعدّ هذا تشريكا في العبادة،لأنّ اللّه هو الّذي أباح ذلك و رفع الحرج عن فاعله،مع أنّه قال: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً الكهف:110،فدلّ أنّ هذا التّشريك ليس بداخل بلفظه و لا بمعناه تحت آية الكهف،انتهى.

و أقول:إنّ القصد إلى العبادة ليتقرّب إلى اللّه، فيسأله ما فيه صلاحه في الدّنيا أيضا لا ضير فيه،لأنّ تلك العبادة جعلت وسيلة للدّعاء و نحوه،و كلّ ذلك تقرّب إلى اللّه تعالى،و قد شرّعت صلوات لكشف الضّرّ و قضاء الحوائج،مثل صلاة الاستخارة و صلاة الضّرّ و الحاجة،و من المغتفر أيضا أن يقصد العامل من عمله أن يدعو له المسلمون و يذكروه بخير.و في هذا المعنى قال عبد اللّه بن رواحة رضى اللّه عنه:حين خروجه إلى غزوة مؤتة،و دعا له المسلمون حين ودّعوه و لمن معه بأن يردّهم اللّه سالمين:

لكنّني أسأل الرّحمن مغفرة

و ضربة ذات فرع يقذف الزّبدا

أو طعنة من يدي حرّان مجهزة

بحربة تنفذ الأحشاء و الكبدا

حتّى يقولوا إذا مرّوا على حدثي

أرشدك اللّه من غاز و قد رشدا

و قد علمت من تقييدنا الحظّ بأنّه حظّ دنيويّ،أنّ رجاء الثّواب و اتّقاء العقاب هو داخل في معنى الإخلاص،لأنّه راجع إلى التّقرّب لرضى اللّه تعالى.

و ينبغي أن تعلم أنّ فضيلة الإخلاص في العبادة هي قضيّة أخصّ من قضيّة صحّة العبادة و إجزائها في ذاتها؛إذ قد تعرو العبادة عن فضيلة الإخلاص،و هي مع ذلك صحيحة مجزئة،فللإخلاص أثر في تحصيل

ص: 767

ثواب العمل و زيادته،و لا علاقة له بصحّة العمل.

و في«مفاتيح الغيب»:و أمّا الإخلاص فهو...

[و قد تقدّم كلامه]

و ذكر أبو إسحاق الشّاطبيّ: أنّ الغزاليّ في كتاب النّيّة من الرّبع الرّابع من«الإحياء»يذهب إلى أنّ ما كان فيه داعي غير الطّاعة مرجوحا أنّه ينافي الإخلاص،و علامته أن تصير الطّاعة أخفّ على العبد بسبب ما فيها من غرض،و أنّ أبا بكر ابن العربيّ في كتاب«سراج المريدين»كما نقله في«المعيار» يذهب إلى أنّ ذلك لا يقدح في الإخلاص.

قال الشّاطبيّ: و كان مجال النّظر في المسألة يلتفت إلى انفكاك القصدين أو عدم انفكاكهما،فالغزاليّ يلتفت إلى مجرّد وجود اجتماع القصدين سواء كان القصدان ممّا يصحّ انفكاكهما أو لا،و ابن العربيّ يلتفت إلى وجه الانفكاك.

فهذه مسألة دقيقة ألحقناها بتفسير الآية،لتعلّقها بالإخلاص المراد في الآية،و للتّنبيه على التّشابه العارض بين المقاصد الّتي تقارن قصد العبادة،و بين إشراك المعبود في العبادة بغيره.(24:10)

مغنيّة:قد يقال:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:على يقين بأنّ القرآن من لدن عزيز حكيم،و إنّه يعبد اللّه مخلصا له الدّين،إذن،فما الغرض من هذا الأمر و ذاك الإخبار؟

الجواب:لقد أوذي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و تحمّل الكثير، فقال له سبحانه:إنّك تدعو إلى الحقّ،و من دعا إليه في محيط مثل بلدك لا بدّ أن يدفع الثّمن من نفسه أو أهله أو ماله.و أيضا أنت مخلص للّه في جميع أقوالك و أفعالك،و من أخلص للّه لاقى الكثير من أعدائه.

و بتعبير ثان ليس قوله تعالى: أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ مجرّد إخبار،و لا قوله: فَاعْبُدِ اللّهَ مجرّد أمر،بل هما شهادة للنّبيّ بالعظمة،و تسلية عمّا يقاسي من أعداء اللّه و الحقّ.

أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ من كلّ شائبة،أمّا الدّين المشوب بالرّياء و الأهواء فهو للشّيطان،لا للرّحمن،و لا يكون هذا الدّين الخالص إلاّ لمن يجعل منه مثله الأعلى،و يضحّي من أجله بنفسه و جميع منافعه،و لا يضحّي به لأجل منفعته و مصلحته.

(6:393)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ

إظهار و إعلان لما أضمر و أجمل في قوله: بِالْحَقِّ و تعميم لما خصّص في قوله: فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أي إنّ الّذي أوحيناه إليك من إخلاص الدّين للّه واجب على كلّ من سمع هذا النّداء،و لكون الجملة نداء مستقلا أظهر اسم الجلالة،و كان مقتضى الظّاهر أن يضمر،و يقال:له الدّين الخالص.

و معنى كون الدّين الخالص له،أنّه لا يقبل العبادة ممّن لا يعبده وحده،سواء عبده و غيره،أو عبد غيره وحده.(17:233)

مكارم الشّيرازيّ: قد يكون المراد هنا من كلمة«دين»هو عبادة اللّه،لأنّ الجملة الّتي وردت قبلها فَاعْبُدِ اللّهَ فيها أمر بالعبادة،و لذا فإنّ العبارة الّتي تليها مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ تبيّن شروط صحّة العبادة،و الّتي تتمثّل في الإخلاص و في الشّرك

ص: 768

و الرّياء.

على كلّ حال فإنّ اتّساع مفهوم اَلدِّينَ و عدم ذكر قيد أو شرط له،يعطي معنى واسعا:بحيث يشمل العبادات و بقيّة الأعمال إضافة إلى العقائد.

و بعبارة أخرى،فإنّ اَلدِّينَ يتناول مجموعة شئون الحياة الماديّة و المعنويّة للإنسان،و يجب على عباد اللّه المخلصين أن يخلصوا كلّ حياتهم للّه،و أن يطهّروا قلوبهم و أرواحهم و ساحة عملهم و دائرة حديثهم عن كلّ ما هو لغير اللّه،و أن يفكّروا به و يعشقوه،و أن يتحدّثوا عنه و يعملوا من أجله،و أن يسيروا دائما في سبيل رضاه،و هذا هو إخلاص الدّين.

و لذا لا يوجد أيّ داع أو دليل واضح لتحديد مفهوم الآية في شهادة:لا إله إلاّ اللّه،أو بخصوص العبادة و الطّاعة.

الآية التّالية تؤكّد مرّة أخرى على مسألة الإخلاص،و تقول: أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ و هذه العبارة ذات معنيين:

الأوّل:هو أنّ البارئ عزّ و جلّ لا يقبل سوى الدّين الخالص،و الاستسلام الكامل له من دون أيّ قيد أو شرط،و لا يقبل أيّ عمل فيه رياء أو شرك،أو خلط للقوانين الإلهيّة بغيرها من القوانين الوضعيّة.

و الثّاني:هو أنّ الدّين و الشّريعة الخالصة يجب أخذها من اللّه فقط،لأنّ أفكار الإنسان ناقصة و ممزوجة بالأخطاء و الأوهام.

و لكن وفق ما جاء في ذيل الآية السّابقة فإنّ المعنى الأوّل أنسب،لأنّ الّذين يؤدّون المطلوب منهم بإخلاص هم العباد،و لهذا فإنّ هذا الخلوص في الآية، يجب أن يراعى من جانب أولئك.

و هناك دليل آخر على هذا الكلام،و هو حديث ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،جاء فيه أنّ رجلا قال لرسول اللّه:[و ذكر مثل ما حكاه الآلوسيّ عن ابن مردويه].

و على أيّة حال،فإنّ هذه الآية في الواقع استدلال للآية الّتي جاءت قبلها،فهناك تقول:

فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ و هنا تقول: أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ.

مسألة الإخلاص تناولتها الكثير من الآيات القرآنيّة و الأحاديث الإسلاميّة،و بدء الجملة مورد بحثنا ب(الا)الّتي تستعمل عادة لجلب الانتباه،هو دليل آخر على أهمّيّة هذا الموضوع.(15:13)

فضل اللّه : فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ و ذلك بالقلب الّذي يتحرّك إخلاصه بالنّبض الشّعوريّ، بحبّ اللّه أكثر من حبّ أحد غيره،و بالعقل الّذي يطوف باحثا عن أسرار عظمة اللّه في الكون،ليكتشف فيه الرّبّ الخالق القادر الحكيم العليم الرّحيم المهيمن المالك لكلّ ما في الوجود من موقع خلقه له،فيعيش الخضوع المطلق في كلّ حركة فكره المشدود إلى هذه العظمة بعمق و انفتاح،و في كلّ حياته الّتي تلتزم باللّه التزاما شاملا،فلا تخضع إلاّ لشريعته،و نهجه بعيدا عن كلّ شرائع الآخرين و مناهج الكافرين؛و ذلك هو معنى عبادة اللّه في ما يريده اللّه من عبادة خلقه له، بأن يكون الكيان كلّه في داخله و خارجه له،فلا يكون

ص: 769

فيه أيّ شيء لغيره.

الصّورة القرآنيّة للشّرك:

أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ الّذي ينطلق من موقع الفكر و الوعي و الممارسة،لا من موقع الكلمة المجرّدة، و التّمثيل المصطنع،و الحركة الغارقة بالأطماع و الشّهوات،و الارتباطات المشبوهة بالأصنام الّتي اتّخذها النّاس أربابا من دون اللّه،بسبب الجهل و التّخلّف و التّصوّرات الوهميّة الّتي تصنع للأشياء أسرارا لا حقيقة لها،و دورا لا أساس له،و معنى لا عمق له،و عظمة لا أفق لها،لأنّهم يريدون الارتباط بالحسّ الّذي يفرض نفسه على الجانب المادّيّ من وجودهم.

فإذا ارتبطوا بالغيب من خلال مؤثّرات معيّنة، كأن يؤمن بعضهم باللّه،فإنّهم يصنعون لأنفسهم أربابا صغارا،يمنحونهم صفة الوسائط بين اللّه و بين عباده- على أساس ما يتعارفون عليه بينهم من أنّ الشّخص الكبير لا يمكن أن يصل النّاس إليه بشكل مباشر، لأنّهم دون مستوى الحديث معه،و الجلوس إليه، فلا بدّ من أن يكون هناك أشخاص أقلّ درجة منه ممّن يقتربون في درجتهم من النّاس،ليتعبّد النّاس إليهم، ليقرّبوهم إلى الشّخص الكبير-و بهذا يختلط الإيمان باللّه،بالإيمان بالنّاس،أو بغير النّاس من الأصنام المزعومة،فتتحرّك العبادة في مزيج من الإيمان و الثّنائيّة،و لكن بطريقة مختلفة.و هذه هي الصّورة القرآنيّة للشّرك الّذي ينفذ إلى عمق التّوحيد،فيذهب صفاؤه و نقاؤه.(19:295)

2- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ.

الزّمر:11

3- قُلِ اللّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي. الزّمر:14

فيهما مباحث لاحظ:د ي ن:«الدّين».

مخلصون

قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللّهِ وَ هُوَ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ وَ لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ.

البقرة:139

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّ لكلّ حقّ حقيقة،و ما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتّى لا يحبّ أن يحمد على شيء من عمل للّه.(الطّبرسيّ 1:220)

حذيفة بن اليمان:سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الإخلاص ما هو؟قال:«سألت جبرئيل عليه السّلام عن ذلك.

قال:سألت ربّ العزّة عن ذلك،فقال:هو سرّ من سرّي استودعته قلب من أحببته من عبادي».

(الطّبرسيّ 1:220)

ابن عبّاس: مقرون بالعبادة و التّوحيد.(20)

سعيد بن جبير: الإخلاص:أن يخلص العبد دينه و عمله،فلا يشرك به في دينه،و لا يرائي بعمله.

(البغويّ 1:174)

الجنيد البغداديّ: الإخلاص:سرّ بين العبد و بين اللّه،لا يعلمه ملك فيكتبه،و لا شيطان فيفسده، و لا هوى فيميله.(القرطبيّ 2:146)

الطّبريّ: يعني و نحن للّه مخلصو العبادة و الطّاعة، لا نشرك به شيئا،و لا نعبد غيره أحدا،كما عبد أهل

ص: 770

الأوثان،و أصحاب العجل معه العجل.(1:624)

الزّجّاج: ثمّ أعلموهم أنّهم مخلصون،و إخلاصهم:

إيمانهم بأنّ اللّه عزّ و جلّ واحد،و تصديقهم جميع رسله،فأعلموا أنّهم مخلصون،دون من خالفهم.

(11:217)

ابن الأنباريّ: و في الآية إضمار و هو و أنتم غير مخلصين،فحذف اكتفاء بقوله: وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ كقوله: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ النّحل:81.

(الواحديّ 1:223)

الطّوسيّ: فيه احتجاج بأنّ المخلص للّه أولى بالحقّ من المشرك به.و قيل:معناه:الرّدّ عليهم بما احتجّوا به من عبادة العرب للأوثان،بأنّه لا عيب علينا في ذلك إذا كنّا مخلصين،كما لا عيب عليكم بفعل من عبد العجل من الأسلاف إذا اعتقدتم الإنكار عليهم،بأنّهم على الإشراك باللّه بالتّشبيه له،و الكفر بآياته.(1:487)

الواحديّ: موحّدون.(1:223)

البغويّ: و أنتم به مشركون...قال الفضيل:ترك العمل من أجل النّاس رياء،و العمل من أجل النّاس شرك،و الإخلاص:أن يعافيك اللّه منهما.(1:174)

الزّمخشريّ: أي و نحن له موحّدون نخلصه بالإيمان،فلا تستبعدوا أن يؤهّل أهل إخلاصه لكرامته بالنّبوّة،و كانوا يقولون:نحن أحقّ بأن تكون النّبوّة فينا،لأنّا أهل كتاب،و العرب عبدة أوثان.(1:316)

الطّبرسيّ: [نحوه الطّوسيّ،و نقل حديثين عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كذا قول سعيد بن جبير و أضاف:]

و قيل:الإخلاص:أن تستوي أعمال العبد في الظّاهر و الباطن،و قيل:هو ما استتر من الخلائق و استصفى من العلائق،و قيل:هو أن يكتم حسناته، كما يكتم سيّئاته.(1:220)

القرطبيّ: أي مخلصون العبادة،و فيه معنى التّوبيخ،أي و لم تخلصوا أنتم فكيف تدّعون ما نحن أولى به منكم.

و الإخلاص:حقيقته تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين،قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه تعالى يقول:أنا خير شريك،فمن أشرك معي شريكا فهو لشريكي،يا أيّها النّاس أخلصوا أعمالكم للّه تعالى،فإنّ اللّه تعالى لا يقبل إلاّ ما خلص له،و لا تقولوا:هذا للّه و للرّحم، فإنّها للرّحم و ليس للّه منها شيء،و لا تقولوا:هذا للّه و لوجوهكم،فإنّها لوجوهكم و ليس للّه تعالى منها شيء»...

و قال رويم:الإخلاص من العمل هو ألاّ يريد صاحبه عليه عوضا في الدّارين و لا حظّا من الملكين.

(2:146)

البيضاويّ: موحّدون،نخلصه بالإيمان و الطّاعة دونكم.(1:86)

نحوه شبّر.(1:153)

النّسفيّ: أي نحن له موحّدون،نخصّه بالإيمان و أنتم به مشركون،و المخلص أحرى بالكرامة و أولى بالنّبوّة من غيره.(1:78)

أبو حيّان :و لمّا بيّن القدر المشترك من الرّبوبيّة و الجزاء،ذكر ما يميّز به المؤمنون من الإخلاص للّه

ص: 771

تعالى في العمل و الاعتقاد،و عدم الإشراك الّذي هو موجود في النّصارى و في اليهود،لأنّ من عبد موصوفا بصفات الحدوث و النّقص،فقد أشرك مع اللّه إلها آخر.و المعنى أنّا لم نشب عقائدنا و أفعالنا بشيء من الشّرك،كما ادّعت اليهود في العجل،و النّصارى في عيسى.

و هذه الجملة من باب التّعريض بالذّمّ،لأنّ ذكر المختصّ بعد ذكر المشترك نفي لذلك المختصّ عمّن شارك في المشترك،و يناسب أن يكون استطرادا،و هو أن يذكر معنى يقتضي أن يكون مدحا لفاعله و ذمّا لتاركه.

و إنّا لقوم ما نرى القتل سبّة

إذا ما رأته عامر و سلوم

و هي منبّهة على أنّ من أخلص للّه،كان حقيقا أن يكون منهم الأنبياء و أهل الكرامة،و قد كثرت أقوال أرباب المعاني في الإخلاص.[ثمّ ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

و قال ابن معاذ:تمييز العمل من الذّنوب،كتمييز اللّبن من بين الفرث و الدّم.

و قال البوشنجيّ: هو معنى لا يكتبه الملكان، و لا يفسده الشّيطان،و لا يطّلع عليه الإنسان،أي لا يطّلع عليه إلاّ اللّه.

و قال رويم:هو ارتفاع عملك عن الرّؤية.

و قال حذيفة المرعشيّ: أن تستوي أفعال العبد في الظّاهر و الباطن.

و قال أبو يعقوب المكفوف:أن يكتم العبد حسناته،كما يكتم سيّئاته.

و قال سهل:هو الإفلاس،و معناه أن يرجع إلى احتقار العمل.

و قال أبو سليمان الدّارانيّ: للمرائي ثلاث علامات:يكسل إذا كان وحده،و ينشط إذا كان في النّاس،و يزيد في العمل إذا أثني عليه.

و هذا القول الّذي أمر به صلّى اللّه عليه و سلّم أن يقوله على وجه الشّفقة و النّصيحة في الدّين،لينبّهوا على أنّ تلك المجادلة منكم ليست واقعة موقع الصّحّة،و لا هي ممّا ينبغي أن تكون.و ليس مقصودنا بهذا التّنبيه دفع ضرر منكم،و إنّما مقصودنا نصحكم و إرشادكم إلى تخليص اعتقادكم من الشّرك،و أن تخلصوا كما أخلصنا،فنكون سواء في ذلك.(1:413)

الشّربينيّ: في الدّين و العمل دونكم،و نحن أولى بالاصطفاء فلا تستبعدوا أن يؤهّل أهل إخلاصه لكرامته بالنّبوّة.(1:98)

أبو السّعود :في تلك الأعمال لا نبتغي بها إلاّ وجهه،فأنّى لكم المحاجّة و ادّعاء حقّيّة ما أنتم عليه، و الطّمع في دخول الجنّة بسببه،و دعوة النّاس إليه؟

(1:207)

البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و الإخلاص:تصفية العمل عن الشّرك و الرّياء، و حقيقته:تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين.

(1:245)

الآلوسيّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و الجملة حاليّة كالّتي قبلها،و ذهب بعض المحقّقين

ص: 772

[إلى]أنّ هذه الجملة كجملتي وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ البقرة:136، وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ البقرة:138، اعتراض و تذييل للكلام الّذي عقّب به،مقول على ألسنة العباد بتعليم اللّه تعالى لا عطف،و تحريره أنّ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ مناسب ل(آمنّا)أي نؤمن باللّه و بما أنزل على الأنبياء صلوات اللّه تعالى و سلامه عليهم،و نستسلم له و ننقاد لأوامره و نواهيه.و قوله تعالى: وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ ملائم لقوله تعالى:

صِبْغَةَ اللّهِ البقرة:138،لأنّها بمعنى دين اللّه، فالمصدر كالفذلكة لما سبق،و هذه الآية موافقة لما قبلها و لعلّ الذّوق السّليم لا يأباه...و قد اختلف النّاس في الإخلاص.[فذكر الأقوال السّابقة](1:399)

القاسميّ: في العبادة و التّوجّه،لا نشرك به شيئا و أنتم تشركون به عزيرا و المسيح و الأحبار و الرّهبان.

(2:275)

رشيد رضا :من دونكم،فإنّكم اتّكلتم على أنسابكم و أحسابكم،و اغتررتم بما كان من صلاح آبائكم و أجدادكم،و اتّخذتم لكم وسطاء و شفعاء منهم تعتمدون على جاههم،مع انحرافكم عن صراطهم،و ما هو إلاّ التّقرّب إلى اللّه تعالى بإحسان الأعمال،مع الإخلاص المبنيّ على صدق الإيمان،و هو ما ندعوكم إليه الآن،فكيف تزعمون أنّ الإدلاء إلى ذلك السّلف الصّالح بالنّسب،و التّوسّل إليهم بالقول هو الّذي ينفع عند اللّه تعالى،و أنّ الاستقامة على صراطهم المستقيم و التّوسّل إلى اللّه تعالى بما كانوا يتوسّلون إليه به من صالح الأعمال و الإخلاص في القلب لا ينفع و لا يفيد،و ما كان سلفكم مرضيّا عند اللّه تعالى إلاّ به؟!(1:488)

نحوه المراغيّ بتفاوت يسير.(1:229)

ابن عاشور :جملة وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ، عطف آخر على جملة الحال،و هي ارتقاء ثالث لإظهار أنّ المسلمين أحقّ بإفاضة الخير،فإنّهم و إن اشتركوا مع الآخرين في المربوبيّة و في الصّلاحيّة لصدور الأعمال الصّالحة،فالمسلمون قد أخلصوا دينهم للّه،و مخالفوهم قد خلطوا عبادة اللّه بعبادة غيره، أي فلما ذا لا نكون نحن أقرب إلى رضى اللّه منكم إليه؟

و الجملة الاسميّة مفيدة الدّوام على الإخلاص، كما تقدّم في قوله: وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. (1:726)

مغنيّة: مُخْلِصُونَ من دونكم،لأنّكم تتحكّمون على اللّه،و تريدونه أن ينزل على رغبتكم، أمّا نحن فنفوّض الأمر كلّه إليه،و نستسلم لحكمه.

(1:215)

فضل اللّه : مُخْلِصُونَ في إيماننا به و توحيدنا له و عبادتنا إيّاه،و هذا ما يجعلنا في الخطّ المستقيم الّذي أرشدنا إليه و هدانا له.(3:57)

مخلصين

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ.

الأعراف:29

الرّبيع بن أنس:أن تخلصوا له الدّين و الدّعوة و العمل،ثمّ توجّهون إلى البيت الحرام.

(الطّبريّ 5:465)

ص: 773

الطّبريّ: و اعملوا لربّكم مخلصين له الدّين و الطّاعة،لا تخلطوا ذلك بشرك،و لا تجعلوا في شيء ممّا تعملون له شريكا.(5:465)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:يعني أقرّوا له بالوحدانيّة و إخلاص الطّاعة.

و الثّاني:ارغبوا إليه في الدّعاء بعد إخلاصكم له الدّين.(2:217)

الطّوسيّ: أمرهم بالدّعاء،و التّضرّع إليه تعالى على وجه الإخلاص.و أصل الإخلاص:إخراج كلّ شائب من الخبث،و منه إخلاص الدّين للّه عزّ و جلّ، و هو توجيه العبادة إليه خالصا دون غيره.(4:413)

الزّمخشريّ: أي الطّاعة مبتغين بها وجه اللّه خالصا.(2:75)

مثله النّسفيّ.(2:50)

الطّبرسيّ: و هذا أمر بالدّعاء،و التّضرّع إليه سبحانه على وجه الإخلاص،أي ارغبوا إليه في الدّعاء بعد إخلاصكم له الدّين.و قيل:معناه:

و اعبدوه مخلصين له الدّين.(2:411)

ابن الجوزيّ: و في قوله: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ قولان:

أحدهما:مفردين له العبادة.

و الثّاني:موحّدين غير مشركين.(3:185)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا أمر في الآية الأولى بالتّوجّه إلى القبلة،أمر بعده بالدّعاء،و الأظهر عندي أنّ المراد به:أعمال الصّلاة،و سمّاها دعاء،لأنّ الصّلاة في أصل اللّغة عبارة عن الدّعاء،و لأنّ أشرف أجزاء الصّلاة هو الدّعاء و الذّكر،و بيّن أنّه يجب أن يؤتى بذلك الدّعاء مع الإخلاص.و نظيره قوله تعالى:

وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البيّنة:5.(14:58)

القرطبيّ: أي وحّدوه و لا تشركوا به.(7:188)

البيضاويّ: أي الطّاعة فإنّ إليه مصيركم.

(1:346)

نحوه الشّربينيّ(1:471)،و أبو السّعود(2:488)

و البروسويّ(3:152).

و فيها مباحث لاحظ:د ي ن:«الدّين»و:د ع و:

«ادعوه».

2- وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ. يونس:22

ابن عبّاس: مفردين له بالدّعاء.(172)

تركوا الشّرك،و أخلصوا للّه الرّبوبيّة.

(الواحديّ 2:543)

الحسن :الإخلاص:الإيمان.

(الفخر الرّازيّ 17:70)

قتادة :إذا مسّهم الضّرّ في البحر أخلصوا له الدّعاء.(الطّبريّ 6:545)

ابن زيد :هؤلاء المشركون يدعون مع اللّه ما يدعون،فإذا جاء الضّرّ و البلاء لم يدعوا إلاّ اللّه.

(الفخر الرّازيّ 17:70)

ص: 774

أبو عبيدة:«هيا شراهيا»تفسيره يا حيّ يا قيّوم.

(الطّبريّ 6:545)

الطّبريّ: يقول:أخلصوا الدّعاء للّه هنالك،دون أوثانهم و آلهتهم،و كان مفزعهم حينئذ إلى اللّه دونها.

(6:544)

نحوه البغويّ.(2:415)

الطّوسيّ: أي عند هذه الشّدائد و الأحوال التجئوا إلى اللّه و دعوه على وجه الإخلاص،و لم يذكروا الأوثان و الأصنام،لعلمهم بأنّها لا تنفع هاهنا شيئا.(5:414)

نحوه الطّبرسيّ(3:101)،و شبّر(3:148).

الزّمخشريّ: دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ... من غير إشراك به،لأنّهم لا يدعون حينئذ غيره معه.

(2:232)

مثله النّسفيّ.(2:158)

الفخر الرّازيّ: ما المراد من الإخلاص؟

و الجواب:قال ابن عبّاس:يريد تركوا الشّرك، و لم يشركوا به من آلهتهم شيئا،و أقرّوا للّه بالرّبوبيّة و الوحدانيّة.

قال الحسن:الإخلاص:الإيمان،لكن لأجل العلم بأنّه لا ينجيهم من ذلك إلاّ اللّه تعالى،فيكون جاريا مجرى الإيمان الاضطراريّ.[ثمّ ذكر قول ابن زيد و أبي عبيدة](17:70)

البيضاويّ: من غير إشراك،لتراجع الفطرة و زوال المعارض من شدّة الخوف،و هو بدل من ظَنُّوا بدل اشتمال،لأنّ دعاءهم من لوازم ظنّهم.(1:444)

أبو حيّان :معنى الإخلاص:إفراده بالدّعاء من غير إشراك أصنام و لا غيرها.(5:139)

الشّربينيّ: أي من غير إشراك به لَهُ الدِّينَ أي الدّعاء،لأنّهم لا يدعون حينئذ غيره،لأنّ الإنسان في هذه الحالة لا يطمع إلاّ في فضل اللّه و رحمته،و يصير منقطعا عن جميع الخلق،و يصير بقلبه و روحه و جميع أجزاءه متضرّعا إلى اللّه تعالى.(2:13)

نحوه ملخّصا القاسميّ.(9:3338)

أبو السّعود :من غير أن يشركوا به شيئا من آلهتهم،لا مخصّصين لدعاء به تعالى فقط،بل للعبادة أيضا،فإنّهم بمجرّد تخصيص الدّعاء به تعالى لا يكونون مخلصين له الدّين.(3:228)

البروسويّ: من غير أن يشركوا به شيئا من آلهتهم،فإنّ إخلاص الدّين و الطّاعة له تعالى عبارة عن ترك الشّرك.و هذا الإخلاص ليس مبنيّا على الإيمان،بل جار مجرى الإيمان الاضطراريّ.و قيل:

المراد بذلك الدّعاء قولهم:«أهيا شراهيا»،فإنّ تفسيره يا حىّ يا قيّوم،و هذان الاسمان من أوراد البحر،كما سبق في تفسير آية الكرسيّ.(4:32)

الآلوسيّ: و قوله سبحانه: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حال من ضمير دَعَوُا، و(له)متعلّق ب مُخْلِصِينَ و اَلدِّينَ مفعوله،أي دعوه تعالى من غير إشراك، لرجوعهم من شدّة الخوف إلى الفطرة الّتي جبل عليها كلّ أحد من التّوحيد،و أنّه لا متصرّف إلاّ اللّه سبحانه المركوز في طبائع العالم.و روي ذلك عن ابن عبّاس.

ص: 775

و ظاهر الآية أنّه ليس المراد تخصيص الدّعاء فقط به سبحانه،بل تخصيص العبادة به تعالى أيضا، لأنّهم بمجرّد ذلك لا يكونون مخلصين له الدّين.(11:97)

ابن عاشور :ممحّضين له العبادة في دعائهم،أي دعوه و لم يدعوا معه أصنامهم.و ليس المراد أنّهم أقلعوا عن الإشراك في جميع أحوالهم،بل تلك حالتهم في الدّعاء عند الشّدائد.و هذا إقامة حجّة عليهم ببعض أحوالهم،مثل قوله تعالى: أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ الأنعام:40،41.

(11:57)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى:

3- فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ.

العنكبوت:65

4- وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ. لقمان:32

5- فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ. المؤمن:14

6- هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. المؤمن:65

راجع:د ع و:«دعوا»و«فادعوه»و:د ي ن:

«الدّين».

7- وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ. البيّنة:5.راجع:ح ن ف:«حنفاء».

مخلصا

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا. مريم:51

ابن عبّاس: معصوما من الكفر و الشّرك و الفواحش.(257)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم:و اذكر يا محمّد في كتابنا الّذي أنزلناه إليك موسى بن عمران، و اقصص على قومك أنّه كان مخلصا.

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و البصرة و بعض الكوفيّين (انّه كان مخلصا) بكسر اللاّم من:المخلص،بمعنى أنّه كان يخلص للّه العبادة،و يفرده بالألوهيّة،من غير أن يجعل له فيها شريكا.و قرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة خلا عاصم إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً بفتح اللاّم من مخلص،بمعنى أنّ موسى كان اللّه قد أخلصه و اصطفاه لرسالته،و جعله نبيّا مرسلا.

و الصّواب من القول في ذلك عندي:أنّه كان صلّى اللّه عليه و سلّم مخلصا عبادة اللّه،مخلصا للرّسالة و النّبوّة،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب الصّواب.(8:350)

نحوه ابن عطيّة(4:20)،و أبو حيّان(6:198).

الزّجّاج: و مُخْلَصاً يقرءان جميعا.و المخلص -بفتح اللاّم-الّذي أخلصه اللّه عزّ و جلّ،أي جعله مختارا خالصا من الدّنس.و المخلص:-بكسر اللاّم- الّذي وحّد اللّه عزّ و جلّ،و جعل نفسه خالصة في طاعة اللّه غير دنسة.(3:333)

نحوه الواحديّ(3:186)،و الزّمخشريّ(2:513)

ص: 776

و الطّبرسيّ(3:518).

الطّوسيّ: قرأ أهل الكوفة إلاّ أبا بكر مُخْلَصاً بفتح اللاّم،بمعنى أخلصه اللّه للنّبوّة.الباقون بالكسر بمعنى أخلص هو العبادة للّه.(7:132)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى وصف موسى عليه السّلام بأمور:أحدها:أنّه كان مخلصا،فإذا قرئ بفتح اللاّم فهو من الاصطفاء و الاجتباء،كأنّ اللّه تعالى اصطفاه و استخلصه.و إذا قرئ بالكسر،فمعناه أخلص للّه في التّوحيد في العبادة.و الإخلاص:هو القصد في العبادة إلى أن يعبد المعبود بها وحده،و متى ورد القرآن بقراءتين فكلّ واحدة منهما ثابت مقطوع به،فجعل اللّه تعالى من صفة موسى عليه السّلام كلا الأمرين...

(21:231)

نحوه الشّربينيّ.(2:431)

القرطبيّ: (مخلصا) في عبادته غير مرائي.و قرأ أهل الكوفة بفتح اللاّم،أي أخلصناه فجعلناه مختارا.

(11:114)

البيضاويّ: موحّدا أخلص عبادته عن الشّرك و الرّياء،أو أسلم وجهه للّه و أخلص نفسه عمّا سواه.قرأ الكوفيّون بالفتح على أنّ اللّه أخلصه.(2:36)

مثله أبو السّعود(4:245)،و الآلوسيّ(103:16) و نحوه شبّر(4:123)،و القاسميّ(11:4149).

النّسفيّ: مُخْلَصاً كوفيّ،غير المفضّل،أي أخلصه اللّه و اصطفاه.و(مخلصا)بالكسر-غيرهم- أي أخلص هو العبادة للّه تعالى،فهو مخلص بماله من السّعادة بأصل الفطرة،و مخلص فيما عليه من العبادة بصدق الهمّة.(3:38)

ابن كثير :قرأ بعضهم بكسر اللاّم من:الإخلاص في العبادة.قال الثّوريّ عن عبد العزيز بن رفيع،عن أبي لبابة،قال:قال الحواريّون:يا روح اللّه أخبرنا عن المخلص للّه؟قال:الّذي يعمل للّه لا يحبّ أن يحمده النّاس.و قرأ الآخرون بفتحها،بمعنى أنّه كان مصطفى، كما قال تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ الأعراف:144.(4:462)

البروسويّ: مُخْلَصاً أخلصه اللّه من الأدناس و النّقائص و ممّا سواه،و هو معنى الفتح الموافق للصّديق،فإنّ أهل الإشارة قالوا:إنّ الصّادق و المخلص بالكسر من باب واحد،و هو التّخلّص من شوائب الصّفات النّفسانيّة مطلقا،و الصّديق و المخلص بالفتح من باب واحد،و هو التّخلّص أيضا من شوائب الغيريّة.

قال في«التّأويلات النّجميّة»:اعلم أنّ الإخلاص في العبوديّة مقام الأولياء،فلا يكون وليّ إلاّ و هو مخلص،و لا يكون كلّ مخلص نبيّا،و لا يكون رسولا إلاّ و هو نبيّ،و لا يكون كلّ نبيّ رسولا.و المخلص بكسر اللاّم:من أخلص نفسه في العبوديّة بالتّزكية عن الأوصاف النّفسانيّة الحيوانيّة.و المخلص بفتح اللاّم:

من أخلصه اللّه بعد التّزكية بالتّحلية بالصّفات الرّوحانيّة الرّبانيّة،كما قال النّبيّ عليه السّلام:«من أخلص للّه أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»،و قال تعالى:«الإخلاص سرّ بيني و بين عبدي،لا يسعه فيه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل،أنا

ص: 777

الّذي أتولّى تحلية قلوب المخلصين بتجلّي صفات جمالي و جلالي لهم».و في الحقيقة لا تكون العبوديّة مقبولة إلاّ من المخلصين،لقوله تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البيّنة:5.

و لإخلاص المخلصين مراتب:أدناها:أن تكون العبوديّة للّه خالصة،لا يكون لغير اللّه فيها شركة، و أوسطها:أن يكون العبد مخلصا في بذل الوجود للّه إلى اللّه،و أعلى درجة المخلصين:أن يخلّصهم من حبس وجودهم،بأن يفنيهم عنهم و يبقيهم بوجوده.

(5:339)

ابن عاشور :و قرأ الجمهور (مخلصا) بكسر اللاّم من:أخلص القاصر،إذا كان الإخلاص صفته.

و الإخلاص في أمر ما:الإتيان به غير مشوب بتقصير و لا تفريط و لا هوادة،مشتقّ من الخلوص،و هو التّمحّض و عدم الخلط.و المراد هنا:الإخلاص فيما هو شأنه،و هو الرّسالة بقرينة المقام.

و قرأه حمزة،و عاصم،و الكسائيّ،و خلف بفتح اللاّم من أخلصه،إذا اصطفاه.

و خصّ موسى بعنوان«المخلص»على الوجهين، لأنّ ذلك مزيّته،فإنّه أخلص في الدّعوة إلى اللّه، فاستخفّ بأعظم جبّار و هو فرعون،و جادله مجادلة الأكفاء،كما حكى اللّه عنه في قوله تعالى: قالَ أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ* وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ الشّعراء:18، 19،إلى قوله: قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ الشّعراء:30.و كذلك ما حكاه اللّه عنه بقوله: قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ القصص:17،فكان الإخلاص في أداء أمانة اللّه تعالى ميزته.و لأنّ اللّه اصطفاه لكلامه مباشرة قبل أن يرسل إليه الملك بالوحي،فكان مخلصا بذلك،أي مصطفى، لأنّ ذلك مزيّته،قال تعالى: وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي طه:41.(16:54)

مغنيّة: مُخْلَصاً بفتح اللاّم،معناه:أنّ اللّه قد أخلصه من كلّ ما يشين،و اصطفاه لنفسه،و معناه بكسر اللاّم:أنّ أقوال موسى و أفعاله كلّها خالصة لوجه اللّه.(5:187)

الطّباطبائيّ: قد تقدّم معنى«المخلص»بفتح اللاّم،و أنّه الّذي أخلصه اللّه لنفسه،فلا نصيب لغيره تعالى فيه،لا في نفسه و لا عمله.و هو أعلى مقامات العبوديّة.(14:63)

مكارم الشّيرازيّ: من هو المخلص؟

قرأنا في الآيات السّابقة أنّ اللّه سبحانه جعل موسى بن العباد المخلصين بفتح اللاّم،و هذا المقام عظيم جدّا كما أشرنا إلى ذلك،مقام مقترن بالضّمان الإلهيّ عن الانحراف،مقام محكم لا يستطيع الشّيطان اختراقه،و لا يمكن تحصيله إلاّ بالجهاد الدّائم للنّفس، و الطّاعة المستمرّة المتلاحقة لأوامر اللّه سبحانه.

إنّ كبار علماء الأخلاق يعتبرون هذا المقام مقاما ساميا جدّا،و يستفاد من آيات القرآن أنّ للمخلصين امتيازات و خصائص خاصّة،سنتطرّق إليها إن شاء اللّه تعالى.(9:414)

فضل اللّه : مُخْلَصاً أخلصه اللّه لنفسه،فلم

ص: 778

يكن فيه شيء لغيره،لا في نفسه و لا في عمله،تتمثّل فيه العبوديّة الخالصة للّه في أعلى الدّرجات و أرفع المستويات.(15:56)

المخلصين

وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ. يوسف:24

ابن عبّاس: المعصومين من الزّنى.(195)

الطّبريّ: اختلفت القراء في قراءة ذلك:فقرأته عامّة قرأة المدينة و الكوفة إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ بفتح اللاّم،من اَلْمُخْلَصِينَ بتأويل:إنّ يوسف من عبادنا الّذين أخلصناهم لأنفسنا،و اخترناهم لنبوّتنا و رسالتنا.

و قرأ بعض قرأة البصرة: (انّه من عبادنا المخلصين) بكسر اللاّم،بمعنى أنّ يوسف من عبادنا الّذين أخلصوا توحيدنا و عبادتنا فلم يشركوا بنا شيئا،و لم يعبدوا شيئا غيرنا.

و الصّواب من القول في ذلك أن يقال:إنّهما قراءتان معروفتان قد قرأ بهما جماعة كثيرة من القراء، و هما متّفقتا المعنى؛و ذلك أنّ من أخلصه اللّه لنفسه فاختاره فهو مخلص للّه التّوحيد و العبادة،و من أخلص توحيد اللّه و عبادته فلم يشرك باللّه شيئا،فهو ممّن أخلصه اللّه،فبأيّتهما قرأ القارئ فهو للصّواب مصيب.(7:189)

البغويّ: قرأ أهل المدينة و الكوفة: اَلْمُخْلَصِينَ بفتح اللاّم حيث كان إذا لم يكن بعده ذكر الدّين،زاد الكوفيّون مُخْلَصاً في سورة مريم عليها السّلام:51 ،ففتحوا.و معنى اَلْمُخْلَصِينَ :المختارين للنّبوّة، دليله: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ ص:46 و قرأ الآخرون بكسر اللاّم،أي المخلصين للّه الطّاعة و العبادة.(2:486)

الزّمخشريّ: (المخلصين):الّذين أخلصوا دينهم للّه؛و بالفتح:الّذين أخلصهم اللّه لطاعته بأن عصمهم..و قوله: مِنْ عِبادِنَا معناه بعض عبادنا، أي هو مخلص من جملة المخلصين.أو هو ناشئ منهم لأنّه من ذرّيّة إبراهيم الّذين قال فيهم: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ. (2:312)

نحوه النّسفيّ.(2:217)

ابن عطيّة: و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر و الحسن بن أبي الحسن و أبو رجاء (المخلصين) بكسر اللاّم في كلّ القرآن،و كذلك (مخلصا) في سورة مريم.

و قرأ نافع (مخلصا) كذلك بكسر اللاّم،و قرأ سائر القرّاء (1)اَلْمُخْلَصِينَ بفتح اللاّم.و قرأ حمزة و الكسائيّ و جمهور من القرّاء المخلصين بفتح اللاّم و(مخلصا)كذلك في كلّ القرآن.(3:235)

نحوه البيضاويّ.(1:492)

الطّبرسيّ: اَلْمُخْلَصِينَ أي المصطفين المختارين للنّبوّة.و بكسر اللاّم:المخلصين في العبادة

ص: 779


1- و في الأصل:القرآن!!.

و التّوحيد،أي من عبادنا الّذين أخلصوا الطّاعة للّه، و أخلصوا أنفسهم له و هذا يدلّ على تنزيه يوسف، و جلالة قدره عن ركوب القبيح،و العزم عليه.

(3:226)

الفخر الرّازيّ: فيه قراءتان:تارة باسم الفاعل، و أخرى باسم المفعول؛فوروده باسم الفاعل يدلّ على كونه آتيا بالطّاعات و القربات مع صفة الإخلاص.

و وروده باسم المفعول يدلّ على أنّ اللّه تعالى استخلصه لنفسه و اصطفاه لحضرته،و على كلا الوجهين فإنّه من أدلّ الألفاظ على كونه منزّها عمّا أضافوه إليه.

و أمّا بيان أنّ إبليس أقرّ بطهارته،فلأنّه قال:

فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ص:82،83،فأقرّ بأنّه لا يمكنه إغواء المخلصين،و يوسف من المخلصين،لقوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ فكان هذا إقرارا من إبليس بأنّه ما أغواه و ما أضلّه عن طريقة الهدى...[إلى أن ذكر نحو الزّمخشريّ](18:116-121)

نحوه البروسويّ.(4:238)

الشّربينيّ: أي في عبادتنا الّذين هم خير صرف لا يخالطهم غشّ.(2:102)

أبو السّعود :تعليل لما سبق من مضمون الجملة بطريق التّحقيق،و المخلصون:هم الّذين أخلصهم اللّه تعالى لطاعته،بأن عصمهم عمّا هو قادح فيها،و قرئ على صيغة الفاعل،و هم الّذين أخلصوا دينهم للّه سبحانه،و على كلا المعنيين فهو منتظم في سلكهم، داخل في زمرتهم من أوّل أمره بقضيّة الجملة الاسميّة، لا أنّ ذلك حدث له بعد أن لم يكن كذلك،فانحسم مادّة احتمال صدور الهمّ بالسّوء منه عليه السّلام بالكلّيّة.

(3:381)

نحوه الآلوسيّ.(12:217)

المراغيّ: أي إنّه من جماعة المخلصين،و هم آباؤه الّذين أخلصهم بهم و صفّاهم من الشّوائب،و قال فيهم: وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ* إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ ص:45،46.(12:131)

ابن عاشور :و جملة إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ تعليل لحكمة صرفه عن السّوء و الفحشاء،الصّرف الخارق للعادة،لئلاّ ينتقص اصطفاء اللّه إيّاه في هذه الشّدّة على النّفس.[ثمّ نقل القراءتين و قال:]

و معنى التّعليل على القراءتين واحد.(12:49)

الطّباطبائيّ: و قوله: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ في مقام التّعليل لقوله: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ...، و المعنى:

عاملنا يوسف كذلك،لأنّه من عبادنا المخلصين،و هم يعاملون هذه المعاملة.

و يظهر من الآية أنّ من شأن المخلصين من عباد اللّه أن يروا برهان ربّهم و أنّ اللّه سبحانه يصرف كلّ سوء و فحشاء عنهم،فلا يقترفون معصية و لا يهمّون بها بما يريهم اللّه من برهانه،و هذه هي العصمة الإلهيّة.

و يظهر أيضا أنّ هذا البرهان سبب علميّ يقينيّ، لكن لا من العلوم المتعارفة المعهودة لنا.(11:130)

مكارم الشّيرازيّ: ثواب الإخلاص:

ص: 780

كما أشرنا في تفسير الآيات المتقدّمة،فإنّ القرآن المجيد عزا نجاة يوسف-من هذه الأزمة الخطرة الّتي أوقعته امرأة العزيز فيها-إلى اللّه،إذ قال: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ.

و لكن مع ملاحظة الجملة الّتي تليها: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ تتجلّى هذه الحقيقة،و هي أنّ اللّه سبحانه لا يترك عباده المخلصين في اللّحظات المتأزّمة وحدهم،و لا يقطع عنهم إمداداته المعنويّة.بل يحفظ عباده بألطافه الخفيّة.و هذا الثّواب في الواقع هو ما يمنحه اللّه جلّ جلاله لأمثال هؤلاء العباد،و هو ثواب الطّهارة و التّقوى و الإخلاص.

و هناك مسألة جديرة بالتّنويه،و هي أنّ يوسف مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ و مفرد الكلمة«مخلص» على وزن«مطلق»و هو اسم مفعول.و لم تأت الكلمة على وزن اسم الفاعل أي«مخلص»على وزن «محسن».

و الدّقّة في آيات القرآن تكشف عن أنّ كلمة «مخلص»بكسر اللاّم غالبا ما تستعمل في مراحل تكامل الإنسان الأولى و في حال بناء شخصيّته،كقوله تعالى: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ العنكبوت،65.و كقوله تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البيّنة،5.

غير أنّ كلمة«مخلص»بفتح اللاّم استعملت في المرحلة العالية،الّتي تحصل بعد مدّة مديدة من جهاد النّفس،تلك المرحلة الّتي ييأس الشّيطان فيها من نفوذه و وسوسته داخل الإنسان،و في الحقيقة تكون نفس الإنسان مؤمّنا عليها من قبل اللّه،يقول القرآن في هذا الصّدد: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ص:82،83.

و كان يوسف قد بلغ هذه المرحلة بحيث وقف كالجبل أمام تلك الأزمة،فينبغي على كلّ فرد السّعي لبلوغ هذه المرحلة.(7:167)

فضل اللّه :الّذين أخلصوا للّه الإيمان،فاقتربوا من وحيه،و التزموا بشريعته،و انسجموا مع هداه، فرعاهم اللّه و احتضن روحهم و فكرهم،و حياتهم العامّة و الخاصّة.و لا بدّ لنا أن نثير في هذا المجال،أنّ الصّرف عن السّوء و الفحشاء ليس أمرا بعيدا عن حرّيّة الإرادة و الاختيار،بل هو قريب منها كلّ القرب،لأنّ اللّه لم يجبره على الابتعاد عن المعصية،بل أثار أمامه الأفكار الّتي تبعّده عنها بشكل تلقائيّ و عفويّ.(12:189)

2- قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ.

الحجر:39،40

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:[في حديث:]«جاء جبرئيل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال له النّبيّ:يا جبرئيل ما تفسير الإخلاص؟ قال:المخلص الّذي لا يسأل النّاس شيئا حتّى يجد، و إذا وجد رضي،و إذا بقي عنده شيء أعطاه،فإنّ من لم يسأل المخلوق أقرّ للّه بالعبوديّة،و إذا وجد فرضي فهو عن اللّه راض،و اللّه تبارك و تعالى عنه راض،و إذا أعطى للّه عزّ و جلّ فهو على حدّ الثّقة بربّه عزّ

ص: 781

و جلّ».(العروسيّ 3:15)

سألت جبريل عليه السّلام عن الإخلاص ما هو؟قال:

سألت ربّ العزّة عن الإخلاص ما هو؟قال:سرّ استودعته قلب من أحبّ من عبادي.

(الشّربينيّ 2:202)

ابن عبّاس: المعصومين منّي.(218)

الضّحّاك: يعني المؤمنين.(الطّبريّ 7:516)

الفرّاء: و يقرأ (المخلصين) فمن كسر اللاّم جعل الفعل لهم،كقوله تبارك و تعالى: وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ النّساء:146،و من فتح فاللّه أخلصهم،كقوله: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ ص:46.(2:89)

الجنيد البغداديّ: الإخلاص سرّ بين العبد و بين اللّه تعالى،لا يعلمه ملك فيكتبه،و لا شيطان فيفسده، و لا هوى فيميله.(الشّربينيّ 2:202)

الطّبريّ: يقول:إلاّ من أخلصته بتوفيقك فهديته، فإنّ ذلك ممّن لا سلطان لي عليه،و الطّاعة لي به.و قد قرئ (الاّ عبادك منهم المخلصين) فمن قرأ ذلك كذلك،فإنّه يعني به إلاّ من أخلص طاعتك،فإنّه لا سبيل لي عليه.(7:516)

الماورديّ: و هم الّذين أخلصوا العبادة من فساد أو رياء،حكى أبو ثمامة أنّ الحواريّون سألوا عيسى عليه السّلام عن المخلص للّه،فقال:الّذي يعمل للّه و لا يحبّ أن يحمده النّاس.(3:161)

الطّوسيّ: اَلْمُخْلَصِينَ الّذين أخلصوا عباد تهم للّه و امتنعوا من إجابة الشّيطان،في ارتكاب المعاصي،لأنّه ليس للشّيطان عليهم سبيل،كما قال تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ الإسراء:

65،يعني عباد اللّه الّذين فعلوا ما أمرهم به،و انتهوا عمّا نهاهم عنه.

و من كسر اللاّم فلقوله: وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ النّساء:146.

و من فتحها أراد أنّ اللّه أخلصهم بأن وفّقهم لذلك، و لطف لهم فيه.(6:336)

نحوه الطّبرسيّ.(3:337)

القشيريّ: الإخلاص:هو تصفية الأعمال عن الغين و عن الآفات المانعة من صالح الأعمال،قد علم اللّعين أنّه لا سبيل له إليهم بالإغواء لما تحقّق من عناية الحقّ بشأنهم.(3:271)

الواحديّ: الّذين أخلصوا دينهم و عبادتهم عن كلّ شائب يناقض الإيمان و التّوحيد.(3:45)

البغويّ: المؤمنين الّذين أخلصوا لك بالطّاعة و التّوحيد،و من فتح اللاّم أي من أخلصته بتوحيدك فهديته و اصطفيته.(3:58)

ابن عطيّة: قرأ ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر و الحسن و الأعرج اَلْمُخْلَصِينَ بفتح اللاّم،أي الّذين أخلصتهم أنت لعبادتك و تقواك،و قرأ الجمهور (المخلصين) بكسر اللاّم،أي الّذين أخلصوا الإيمان بك و برسلك.(3:362)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:المسألة الأولى:

اعلم أنّ إبليس استثنى اَلْمُخْلَصِينَ، لأنّه علم أنّ كيده لا يعمل فيهم،و لا يقبلون منه،و ذكرت في مجلس التّذكير أنّ الّذي حمل إبليس على ذكر هذا الاستثناء

ص: 782

أن لا يصير كاذبا في دعواه،فلمّا احترز إبليس عن الكذب علمنا أنّ الكذب في غاية الخساسة.

المسألة الثّانية:قرأ ابن كثير و ابن عامر و أبو عمرو:

(الْمُخْلَصِينَ) بكسر اللاّم في كلّ القرآن،و الباقون بفتح اللاّم.

وجه القراءة الأولى أنّهم الّذين أخلصوا دينهم و عبادتهم عن كلّ شائب يناقض الإيمان و التّوحيد.

و من فتح اللاّم فمعناه:الّذين أخلصهم اللّه بالهداية و الإيمان،و التّوفيق،و العصمة.و هذه القراءة تدلّ على أنّ الإخلاص و الإيمان ليس إلاّ من اللّه تعالى.

المسألة الثّالثة:الإخلاص:جعل الشّيء خالصا عن شائبة الغير،فنقول:كلّ من أتى بعمل فإمّا أن يكون قد أتى به للّه فقط،أو لغير اللّه فقط،أو لمجموع الأمرين،و على هذا التّقدير الثّالث،فإمّا أن يكون طلب رضوان اللّه راجحا أو مرجوحا أو معادلا.

و التّقدير الرّابع أن يأتي به لا لغرض أصلا،و هذا محال، لأنّ الفعل بدون الدّاعية محال.

أمّا الأوّل:فهو الإخلاص في حقّ اللّه تعالى،لأنّ الحامل له على ذلك الفعل طلب رضوان اللّه،و ما جعل هذه الدّاعية مشوبة بداعية أخرى،بل بقيت خالصة عن شوائب الغير،فهذا هو الإخلاص.

و أمّا الثّاني:و هو الإخلاص في حقّ غير اللّه، فظاهر أنّ هذا لا يكون إخلاصا في حقّ اللّه تعالى.

و أمّا الثّالث:و هو أن يشتمل على الجهتين إلاّ أنّ جانب اللّه يكون راجحا،فهذا يرجى أن يكون من المخلصين،لأنّ المثل يقابله المثل.فيبقى القدر الزّائد خالصا عن الشّوب.

و أمّا الرّابع و الخامس:فظاهر أنّه ليس من المخلصين في حقّ اللّه تعالى.

و الحاصل:أنّ القسم الأوّل:إخلاص في حقّ اللّه تعالى قطعا.

و القسم الثّاني:يرجى من فضل اللّه أن يجعله من قسم الإخلاص.و أمّا سائر الأقسام فهو خارج عن الإخلاص قطعا،و اللّه أعلم.(19:188)

القرطبيّ: قرأ أهل المدينة و أهل الكوفة بفتح اللاّم،أي الّذين استخلصتهم و أخلصتهم.و قرأ الباقون بكسر اللاّم،أي الّذين أخلصوا لك العبادة من فساد أو رياء.(10:28)

نحوه أبو حيّان.(5:454)

البيضاويّ: الّذين أخلصتهم لطاعتك،و طهّرتهم من الشّوائب،فلا يعمل فيهم كيدي.و قرأ ابن كثير و ابن عامر و أبو عمرو بالكسر في كلّ القرآن،أي الّذين أخلصوا نفوسهم للّه.(1:542)

مثله أبو السّعود(4:22)،و نحوه النّسفيّ(2:273).

الشّربينيّ: [نحو ابن عطيّة و أضاف:]

تنبيه:قال رويم:الإخلاص في العمل:هو أن لا يريد صاحبه عنه عوضا من الدّارين و لا عوضا من الملكين.(2:203)

البروسويّ: الّذين أخلصتهم لطاعتك،و طهّرتهم من شوائب الشّرك الجليّ و الخفيّ،فلا يعمل فيهم كيدي،فإنّهم أهل التّوحيد الحقيقيّ،على بصيرة من أمرهم و يقظة.

ص: 783

و في«التّأويلات النّجميّة»أخلصتهم من حبس الوجود بجذبات الألطاف،و أفنيتهم عنهم بهويّتك.

و ممّا كتب لي حضرة شيخي و سندي قدّس سرّه في بعض مكاتيبه الشّريفة:أنّ الصّادق و المخلص بالكسر من باب واحد،و هو التّخلّص من شوائب الصّفات النّفسانيّة مطلقا،و الصّدّيق و المخلص بالفتح من باب واحد،و هو التّخلّص أيضا من شوائب الغيريّة.و الثّاني أوسع فلكا و أكثر إحاطة،فاجتهد في اللّحوق بأصحاب الثّاني حتّى تأمن من جميع الأغيار و الأكدار.و كفاك في شرف الصّدق أنّ اللّعين ما رضي لنفسه الكذب،حتّى استثنى اَلْمُخْلَصِينَ، قال الحافظ:

طريق صدق بياموز از آب صافى دل

به راستى طلب آزادگى چو سرو چمن

(4:468)

الآلوسيّ: بفتح اللاّم،و هو قراءة الكوفيّين و نافع و الحسن و الأعرج،أي الّذين أخلصتهم لطاعتك،و طهّرتهم من كلّ ما ينافي ذلك.

و كان الظّاهر و إنّ منهم من لا أغويه مثلا،و عدل عنه إلى ما ذكر،لكون الإخلاص و التّمحّض للّه تعالى يستلزم ذلك،فيكون من ذكر السّبب و إرادة مسبّبه و لازمه على طريق الكناية،و فيه إثبات الشّيء بدليله،فهو من التّصريح به.و قرأ باقي السّبعة و الجمهور بكسر اللاّم،أي الّذين أخلصوا العمل لك و لم يشركوا معك فيه أحدا.(14:50)

سيّد قطب :و اللّه يستخلص لنفسه من عباده من يخلص نفسه للّه،و يجرّدها له وحده،و يعبده كأنّه يراه.و هؤلاء ليس للشّيطان عليهم من سلطان.

هذا الشّرط الّذي قرّره إبليس اللّعين،قرّره و هو يدرك أن لا سبيل إلى سواه،لأنّه سنّة اللّه أن يستخلص لنفسه من يخلص له نفسه،و أن يحميه و يرعاه.و من ثمّ كان الجواب: هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ...

(4:2142)

المراغيّ: أي قال إبليس:ربّ بسبب إغوائك إيّاي و إضلالي لأزيّننّ لذرّيّة آدم و أحبّبنّ إليهم المعاصي و أرغبنّهم فيها و لأغوينّهم كما أغويتني، و قدّرت عليّ ذلك إلاّ من أخلص منهم لطاعتك، و وفّقته لهدايتك،فإنّ ذلك ممّن لا سلطان لي عليه،و لا طاقة لي به.(14:23)

الطّباطبائيّ: و قوله: إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ استثنى من عموم الإغواء طائفة خاصّة من البشر،و هم (المخلصون) بفتح اللاّم على القراءة المشهورة.و السّياق يشهد أنّهم الّذين أخلصوا للّه،و ما أخلصهم إلاّ اللّه سبحانه.

و قد قدّمنا في الكلام على«الإخلاص»في تفسير سورة يوسف أنّ المخلصين:هم الّذين أخلصهم اللّه لنفسه بعد ما أخلصوا أنفسهم للّه،فليس لغيره سبحانه فيهم شركة،و لا في قلوبهم محلّ،فلا يشتغلون بغيره تعالى،فما ألقاه إليهم الشّيطان من حبائله و تزييناته عاد ذكرا اللّه مقرّبا إليه.

و من هنا يترجّح أنّ الاستثناء إنّما هو من الإغواء

ص: 784

فقط لا منه و من التّزيين،بمعنى أنّه-لعنه اللّه-يزيّن للكلّ لكن لا يغوي إلاّ غير المخلصين.

و يستفاد من استثناء«العباد»أوّلا،ثمّ تفسيره ب اَلْمُخْلَصِينَ أنّ حقّ العبوديّة إنّما هو بأن يخلص اللّه العبد لنفسه،أي أن لا يملّكه إلاّ هو،و يرجع إلى أن لا يرى الإنسان لنفسه ملكا و أنّه لا يملك نفسه و لا شيئا من صفات نفسه و آثارها و أعمالها،و أنّ الملك بكسر الميم و ضمّها للّه وحده.(12:165)

مكارم الشّيرازيّ: من البديهيّ أنّ اللّه سبحانه منزّه عن تضليل خلقه،إلاّ أنّ محاولة إبليس لتبرير ضلاله و تبرئة نفسه،جعلته ينسب ذلك إلى اللّه سبحانه و تعالى.هذا الموقف هو ديدن جميع الأبالسة و الشّياطين،فهم يلقون تبعة ذنوبهم على الآخرين أوّلا،و من ثمّ يسعون لتبرير أعمالهم القبيحة بمنطق مغلوط ثانيا،و المصيبة أنّ مواقفهم تلك إنّما يواجهون بها ربّ العزة و الجبروت،و كأنّهم لا يعلمون أنّه لا تخفى عليه خافية.

و ينبغي ملاحظة أنّ اَلْمُخْلَصِينَ جمع:مخلص بفتح اللاّم،و هو-كما بيّنّاه في تفسير سورة يوسف- المؤمن الّذي وصل إلى مرحلة عالية من الإيمان و العمل بعد تعلّم و تربية و مجاهدة مع النّفس،فيكون ممتنعا من نفوذ وساوس الشّيطان و أيّ وسواس أخر.(8:59)

فضل اللّه :الّذين أدركوا الحقيقة في عمق المعرفة، فأخلصوا لك من خلال صفاء العقيدة،و روحيّة الإيمان،و صلابة الموقف،و صدق الالتزام،فراقبوك في سرّهم و علانيتهم،فخلصت لك نيّاتهم و أعمالهم، و أحسّوا تجاه ربوبيّتك المطلقة إحساس العبوديّة المطلقة،فكان لهم في طاعتك شأن عظيم،و في الإخلاص لك دور كبير،حتّى تحوّلت الحياة عندهم إلى موقف عبادة،في كلّ حركة حياة،فلم أستطع النّفاذ إليهم من أيّة زاوية من زوايا فكرهم،و لم أتمكّن من الدّخول إلى خلفيّات مواقفهم،أو إلى عمق مشاعرهم،و لم أقترب من أحلامهم و تطلّعاتهم و أهدافهم في الحياة،لأنّهم كانوا معك في كلّ ذلك،فلم يتركوا لي فراغا أملك فيه حرّيّة الحركة،و إمكانات الإغواء و الإضلال.هؤلاء الّذين أعطاهم الإيمان قوّة روحيّة في الدّاخل،فاستطاعوا أن يحقّقوا لحياتهم مناعة في الخارج.هؤلاء لا يملك الغيّ إليهم سبيلا،و لا يلتقي بهم الانحراف في أيّ موقع.(13:161)

3- وَ ما تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ. الصّافّات:39،40

ابن عبّاس: المعصومين من الكفر و الشّرك.

(375)

قتادة :هذه ثنية اللّه.(الطّبريّ 10:484)

الطّبريّ: يقول:إلاّ عباد اللّه الّذين أخلصهم يوم خلقهم لرحمته،و كتب لهم السّعادة في أمّ الكتاب، فإنّهم لا يذوقون العذاب،لأنّهم أهل طاعة اللّه،و أهل الإيمان به.(10:483)

الطّوسيّ: هم الّذين أخلصوا العبادة للّه و أطاعوه في كلّ ما أمرهم به،فإنّهم لا يذوقون العذاب،و إنّما

ص: 785

ينالون الثّواب الجزيل.(8:494)

مثله الطّبرسيّ.(4:442)

الواحديّ: يعني الموحّدين.(3:525)

مثله البغويّ(4:31)،و ابن الجوزيّ(7:55).

ابن عطيّة: استثنى«عباد اللّه»استثناء منقطعا، و هم المؤمنون الّذين أخلصهم اللّه تعالى لنفسه.

و قرأ الجمهور اَلْمُخْلَصِينَ بفتح اللاّم،و قرأ الحسن و قتادة و أبو رجاء و أبو عمرو بكسر اللاّم.

و قد رويت هذه الّتي في الصّافّات عن الحسن بفتح اللاّم.(4:471)

القرطبيّ: استثناء ممّن يذوق العذاب...

و قيل:هو استثناء منقطع،أي أنّكم أيّها المجرمون ذائقون العذاب،لكن عباد اللّه المخلصين لا يذوقون العذاب.(15:76)

الشّربينيّ: أي المؤمنين.[ثمّ أدام نحو ابن عطيّة في القراءة](3:376)

البروسويّ: و«المخلصون»بالفتح:من أخلصه اللّه لدينه و طاعته،و اختاره لجناب حضرته،كقوله تعالى: وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى النّمل:

59،أي اصطفاهم اللّه تعالى،فلهم سلامة من الأزل إلى الأبد.و«المخلص»بالكسر:من أخلص عبادته للّه تعالى و لم يشرك بعبادته أحدا،كقوله تعالى:

وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ النّساء:146.

و حقيقة الفرق بينهما-على ما قال بعض العارفين-:أنّ الصّادق و المخلص بالكسر من باب واحد،و هو من تخلّص من شوائب الصّفات النّفسانيّة مطلقا،و الصّدّيق و المخلص بالفتح من باب واحد، و هو من تخلّص من شوائب الغيريّة أيضا.و الثّاني أوسع فلكا و أكثر إحاطة،فكلّ صدّيق و مخلص بالفتح صادق و مخلص بالكسر من غير عكس،فرحم اللّه حفصا حيث قرأ بالفتح حيثما وقع في القرآن.

(7:458)

الآلوسيّ: إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ استثناء منقطع من ضمير(ذائقو،)و ما بينهما اعتراض جيء به مسارعة إلى تحقيق الحقّ،ببيان أنّ ذوقهم العذاب ليس إلاّ من جهتهم لا من جهة غيرهم أصلا، ف(الاّ)مؤوّلة ب«لكن»و ما بعد كخبرها،فيصير التّقدير:لكن عباد اللّه المخلصين أولئك لهم رزق و فواكه...

و يجوز أن يكون المعنى:لكن عباد اللّه المخلصين ليسوا كذلك.

و قيل:استثناء منقطع من ضمير(تجزون)على أنّ المعنى:تجزون بمثل ما عملتم،لكن عباد اللّه المخلصين يجزون أضعافا مضاعفة بالنّسبة إلى ما عملوا.و لا يخفى بعده،و أبعد منه جعل الاستثناء من ذلك متّصلا بتعميم الخطاب في(تجزون)لجميع المكلّفين،لما فيه-مع احتياجه إلى التّكلّف الّذي في سابقه-من تفكيك الضّمائر.و اَلْمُخْلَصِينَ صفة مدح حيث كانت الإضافة للتّشريف.(23:85)

المراغيّ: أي لكن عباد اللّه الّذين أخلصوا له العمل و أنابوا إليه،أولئك لهم جنّات يتمتّعون فيها بكلّ ما لذّ و طاب،فيمتّعون بلذيذ الفواكه ذات الطّعم

ص: 786

الجميل و الرّائحة الشّذيّة،و تأتيهم و هم مكرمون، كما تقدّم للملوك المترفين و ذوي اليسار في الدّنيا.

و في ذلك إيماء إلى أنّ ما يأكلونه في الجنّة إنّما هو للتّفكّه و التّلذّذ لا للقوت،لأنّهم في غنى عنه،لعدم تحلّل شيء من أجسامهم بالحرارة الغريزيّة حتّى يحتاجوا إلى بدل منه.

و ما جاء في قوله: وَ فاكِهَةٍ مِمّا يَتَخَيَّرُونَ* وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ فهو بيان لأنواع ما يأكلون.

(23:56)

ابن عاشور :صفة عباد اللّه،و هو بفتح اللاّم إذا أريد الّذين أخلصهم اللّه لولايته،و بكسرها،أي الّذين أخلصوا دينهم للّه.[ثمّ ذكر القراءات](23:30)

الطّباطبائيّ: قوله: إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ استثناء منقطع من ضمير لَذائِقُوا أو من ضمير ما تُجْزَوْنَ و لكلّ وجه،و المعنى على الأوّل:لكن عباد اللّه المخلصين أولئك لهم رزق معلوم و ليسوا بذائقي العذاب الأليم،و المعنى على الثّاني:لكن عباد اللّه المخلصين أولئك لهم رزق معلوم وراء جزاء عملهم،و سيجيء الإشارة إلى معناه.

و احتمال كون الاستثناء متّصلا ضعيف لا يخلو من تكلّف.

و قد سمّاهم اللّه سبحانه عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ فأثبت لهم عبوديّة نفسه،و العبد هو الّذي لا يملك لنفسه شيئا من إرادة و لا عمل،فهؤلاء لا يريدون إلاّ ما أراده اللّه،و لا يعملون إلاّ له.

ثمّ أثبت لهم أنّهم مخلصون بفتح اللاّم،أي إنّ اللّه تعالى أخلصهم لنفسه فلا يشاركه فيهم أحد،فلا تعلّق لهم بشيء غيره تعالى من زينة الحياة الدّنيا،و لا من نعم العقبى،و ليس في قلوبهم إلاّ اللّه سبحانه.

و من المعلوم أنّ من كانت هذه صفته كان التذاذه و تنعّمه غير ما يلتذّ و يتنعّم غيره،و ارتزاقه بغير ما يرتزق به سواه،و إن شاركهم في ضروريّات المأكل و المشرب.و من هنا يتأيّد أنّ المراد بقوله: أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ الإشارة إلى أنّ رزقهم في الجنّة- و هم عباد مخلصون-رزق خاصّ لا يشبه رزق غيرهم،و لا يختلط بما يتمتّع به من دونهم و إن اشتركا في الاسم.(17:135)

مكارم الشّيرازيّ: «مخلص»بفتح اللاّم جاءت بصيغة اسم مفعول،و تعني الشّخص الّذي أخلصه اللّه سبحانه و تعالى لنفسه،أخلصه من كلّ أشكال الشّرك و الرّياء،و من وساوس الشّياطين و هوى النّفس.نعم فهذه المجموعة لا تحاسب على أعمالها،و إنّما يعاملها اللّه سبحانه و تعالى بفضله و كرمه،و يمنحها من الثّواب بغير حساب.

ملاحظة:

الإمعان في آيات القرآن الكريم يبيّن أنّ كلمة «مخلص»بكسر اللاّم،قد استخدمت بكثرة في المواقع الّتي تتحدّث عن حالة الإنسان الّذي يعيش مراحل بناء نفسه،و لم يصل إلى التّكامل.أمّا كلمة«مخلص» فتح اللاّم،فتطلق على مرحلة وصل فيها الإنسان إلى مرتبة يصان فيها من نفوذ وساوس الشّيطان إلى قلبه، بعد أن اجتاز مرحلة جهاد النّفس و مراحل المعرفة

ص: 787

و الإيمان،كما أنّ القرآن ينقل عن إبليس الخطاب التّالي للّه سبحانه و تعالى: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ص:82،83.

هذه الآية تكرّرت عدّة مرّات في القرآن،و هي توضّح عظمة مقام المخلصين،مقام يوسف الصّدّيق بعد أن عبر ساحة الاختبار الكبيرة بنجاح،و أمثاله من المخلصين كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:24،أي نحن أظهرنا البراهين ليوسف لنبعّد عنه الفحشاء و السّوء، لأنّه من عبادنا المخلصين.

فمقام(المخلصين)لا يناله إلاّ من انتصر في الجهاد الأكبر،و شمله اللّطف الإلهيّ بإزالة كلّ شيء غير خالص من وجوده،و لا تبقى فيه سوى النّفس الطّاهرة الخالصة كالذّهب الخالص،عند إذابتها في أفران الحوادث و الاختبار.و هنا،فإنّ مكافأتهم لا تتمّ وفق معيار أعمالهم،و إنّما معيار مكافأتهم هو الفضل و الرّحمة الإلهيّة.(14:283)

فضل اللّه :فهم النّاجون من العذاب،لأنّهم لم يفعلوا ما يستحقّون ذلك،بل فعلوا ما يستحقّون به الرّضوان و النّعيم و الكرامة من اللّه،انطلاقا من إحساسهم بالمعنى العميق للعبوديّة له،و بالإخلاص له في تحقيق كلّ مواقع إرادته،في ما أمر به أو نهى عنه، و هما معنيان متلازمان في الفكر و الشّعور و الحركة، فإذا عاش الإنسان العبوديّة الخالصة المطلقة بين يدي اللّه،فإنّه يخلص له في كلّ مواقفه الخاصّة و العامّة.

(19:189)

و بهذا المعنى جاء:

4- فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ* إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ. الصّافّات:73،74

استخلصه

وَ قالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ. يوسف:54

ابن عبّاس: أخصّه لنفسي دون العزيز.(199)

نحوه القاسميّ.(9:3557)

قتادة :يقول:أتّخذه لنفسي.(الطّبريّ 7:240)

السّدّيّ: لمّا وجد الملك له عذرا قال: اِئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي. (الطّبريّ 7:240)

الطّبريّ: حين تبيّن عذر يوسف،و عرف أمانته و علمه،قال لأصحابه: اِئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي

(7:240)

الزّجّاج: جزم جواب الأمر،و معنى أَسْتَخْلِصْهُ أي أجعله خالصا لي،لا يشركني فيه أحد.(3:116)

نحوه الواحديّ(2:618)،و البغويّ(2:496)، و ابن الجوزيّ(4:242)،و البيضاويّ(1:499)، و النّسفيّ(2:227)،و الشّربينيّ(2:116)،و أبو السّعود (3:405)و البروسويّ(4:276)،و الآلوسيّ(13:4).

الزّمخشريّ: يقال:استخلصه و استخصّه،إذا جعله خالصا لنفسه و خاصّا به.(2:328)

نحوه أبو حيّان(5:319)،و الطّباطبائيّ(11:200)

الطّبرسيّ: أي أجعله خالصا لنفسي أرجع إليه في تدبير مملكتي،و أعمل على إشارته في مهمّات

ص: 788

أموري.(3:242)

الفخر الرّازيّ: قوله: أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي يدلّ على أنّه قبل ذلك ما كان خالصا له،و قد كان يوسف عليه السّلام قبل ذلك خالصا للعزيز،فدلّ هذا على أنّ هذا الملك هو الملك الأكبر.[إلى أن قال:]

روي أنّ الرّسول قال ليوسف عليه السّلام:قم إلى الملك متنظّفا من درن السّجن بالثّياب النّظيفة و الهيئة الحسنة،فكتب على باب السّجن:«هذه منازل البلوى،و قبور الأحياء،و شماتة الأعداء،و تجربة الأصدقاء».و لمّا دخل عليه قال:«اللّهم إنّي أسألك بخيرك من خيره،و أعوذ بعزّتك و قدرتك من شرّه» ثمّ دخل عليه و سلّم و دعا له بالعبرانيّة.

و الاستخلاص:طلب خلوص الشّيء من شوائب الاشتراك.

و هذا الملك طلب أن يكون يوسف له وحده،و أنّه لا يشاركه فيه غيره،لأنّ عادة الملوك أن ينفردوا بالأشياء النّفيسة الرّفيعة،فلمّا علم الملك أنّه وحيد زمانه و فريد أقرانه،أراد أن ينفرد به.

روي أنّ الملك قال ليوسف عليه السّلام:ما من شيء إلاّ و أحبّ أن تشركني فيه إلاّ في أهلي و في أن لا تأكل معي،فقال يوسف عليه السّلام:أ ما ترى أن آكل معك،و أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق الذّبيح بن إبراهيم الخليل عليه السّلام؟(18:158)

المراغيّ: أي و قال الملك:أحضروه من السّجن إليّ بعد أن وفيت له بما طلب:أجعله خالصا لي و موضع ثقتي،فلا يشاركه أحد في إدارة ملكي،و لا تكون وساطة بينه و بيني.و قد جرت عادة الملوك أن يجعلوا الأشياء النّفيسة خالصة لهم دون غيرهم.

(13:5)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ الملك أمر بإحضاره لكي يجعله مستشاره الخاصّ و نائبه في المهمّات، فيستفيد من علمه و معرفته و خبرته في الإرادة لحلّ المشاكل المستعصية.(7:211)

الوجوه و النّظائر

الفيروزآباديّ: بصيرة في الإخلاص،و قد ورد فى القرآن على وجوه:

الأوّل:قال في حقّ الكفّار عند مشاهدتهم البلاء:

دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يونس:22.

الثّاني:في أمر المؤمنين: فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ المؤمن:65.

الثّالث:في أنّ المؤمنين لم يؤمروا إلاّ به: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ البيّنة:5.

الرّابع:في حقّ الأنبياء: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ص:46.

الخامس:في المنافقين إذا تابوا: وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ النّساء:146.

السّادس:أنّ الجنّة لم تصلح إلاّ لأهله: إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ الصّافّات:40.

السّابع:لم ينج من شرك تلبيس إبليس إلاّ أهله:

إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ص:83.(2:172)

ص: 789

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الخلاص،أي الزّبد إذا نقّي من الثّفل،و هو الإخلاص و الإخلاصة أيضا؛ يقال:الزّبد خلاص اللّبن،أي منه يستخلص و يستخرج.

و الخلاص:ما خلص من السّمن،أي ما نقّي،و هو الخلاصة و الخلاصة و الخلاص أيضا،و قد أخلصت السّمن،و يقول الرّجل لصاحبة السّمن:أخلصي لنا و الثّفل الّذي يكون أسفل السّمن و اللّبن هو الخلوص.

و أخلص البعير:سمن،كأنّه خلص سمنا،و كذلك النّاقة،و هو بعير مخلص،أي قصيد سمين،و أخلص العظم:كثر مخّه،على التّشبيه.

و الخلاص و الخلاصة و الخلاصة:ربّ يتّخذ من تمر،و التّمر و السّويق يلقى في السّمن،و أخلصه:فعل به ذلك،و أخلص الرّجل:أخذ الخلاصة و الخلاصة.

و الخلاص:ما أخلصته النّار من الذّهب و الفضّة و غيره،و كذلك الخلاصة و الخلاصة،تشبيها بخلاص الزّبد.

و الخلاص:مثل الشّيء،كأنّه تخلّص ممّا يميّزه عن مثيله؛يقال:خلّص الرّجل،أي أعطى الخلاص.

و الخلوص:الصّفاء،على التّشبيه؛يقال:خلص الشّيء يخلص خلوصا و خلاصا،أي صار خالصا، و الخالص من الألوان:ما صفا و نصع،كاللّون الأبيض يقال:ثوب خالص،أي أبيض،و ماء خالص:أبيض.

و أخلص الشّيء و استخلصه:اختاره، و استخلص الرّجل:اختصّه بدخلله،و هو خلصي و خلصاني و خالصتي،إذا خلصت مودّتهما،و هم خلصاني و خلصائي،و الخالصة:الإخلاص؛يقال:

هذا الشّيء خالصة لك،أي خالص لك خاصّة.

و الإخلاص في الطّاعة:ترك الرّياء،و قد أخلصت للّه الدّين و خلّصته،أي أمحضته،و أخلصه النّصيحة و الحبّ و أخلصه له:صافاه،و خالصه في العشرة:

صافاه،و هم يتخالصون:يخلص بعضهم بعضا.

و التّخليص:التّنجية من كلّ منشب؛يقال:

خلّصته من كذا تخليصا،أي نجّيته تنجية فتخلّص، و تخلّصه تخلّصا كما يتخلّص الغزل إذا التبس،و خلص العظم يخلص خلصا:برأ و في خلله شيء من اللّحم.

2-و تصرّف العامّة و المولّدون في بعض مشتقّات هذه المادّة؛يقولون:خلص فلان،أي نجا، (1)و خلّصني، أي دعني، (2)و خلّصت العصا من يده:انتزعتها، (3)و«فاء»خالصة:مقابل«فاء»معقودة،أي«پ». (4)

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا«الماضي»مرّة و«اسم الفاعل» مذكّرا مرّة أيضا،و مؤنّثا 5 مرّات،و مزيدا من الإفعال «الماضي»مرّتين،و«اسم الفاعل»مفردا 3 مرّات، و جمعا 8 مرّات،و«اسم المفعول»مفردا مرّة،و جمعا

ص: 790


1- انظر«محيط المحيط».
2- لهجة شائعة في بلاد الشّام.
3- ألف ليلة و ليلة 2:25.
4- رحلة ابن بطّوطة 2:43.

8 مرّات،و من الاستفعال«الماضي»مرّة،في 31 آية:

1-الخلاص في الدّنيا

1- فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا...

يوسف:80

2- وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ

النّحل:66

3- وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا... الأنعام:139

4- وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ...

الأحزاب:50

5- وَ قالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي...

يوسف:54

2-الخلاص في الآخرة

6- ...قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ... الأعراف:32

7- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ البقرة:94

8- إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ

ص:46.

3-الإخلاص في الدّين

9- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ...

النّساء:146

10 و 11- إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ...

الزّمر:2،3

12- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ الزّمر:11

13- قُلِ اللّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي الزّمر:14

14- وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ... البيّنة:5

15- ...وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الأعراف:29

16- ...وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ... يونس:22

17- فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ... العنكبوت:65

18- وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ... لقمان:32

19- فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ المؤمن:14

20- هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ... المؤمن:65

21- ...وَ لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ البقرة:139

4-العباد المخلصين

22- وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا مريم:51

23- ...كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:24

ص: 791

23- ...كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:24

24- ...وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ الحجر:39،40

25- وَ ما تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ الصّافّات:39،40

26- فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ* إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ الصّافّات:73،74

27- فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ* إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ الصّافّات:127،128

28- سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ* إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ الصّافّات:159،160

29- لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ* لَكُنّا عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ الصّافّات:168،169

30- قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ص:82،83

31- قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ الحجر:39،40

يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت في محورين:الخلاص و الإخلاص:

الأوّل:الخلاص في 8 آيات،و هي صنفان:

الخلاص في الدّنيا في خمس:(1-5)،و الخلاص في الآخرة في ثلاث(6-8)،و المراد بالخلاص فيها إمّا التّميّز و الانفراد و التّمحّض أو الاختصاص،أي اختصاص شيء بشيء أو بشخص،أو شخص بشخص أو شخص بشيء،فهو أربعة أقسام،و سنشير في كلّ آية أنّها من أيّ هذه الأقسام.

أمّا التّميّز ففيه آيتان:الأولى(1): فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا و قد جاءت بشأن إخوة يوسف،أي أصرّوا عليه أن يأخذ أحدهم مكان أخيه«بن يامين» الّذي أخذه عنده بتهمة السّرقة،فلم يوافقهم،فأيسوا منه خَلَصُوا نَجِيًّا.

و قال الطّبرسيّ(3:255):«أي انفردوا عن النّاس من غير أن يكون معهم من ليس منهم يتناجون فيها،يعملون في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم، و يتدبّرون في أنّهم يرجعون أم يقيمون.و تلخيصه:

اعتزلوا عن النّاس متناجين،و هذا من الفصاحة و الإيجاز في اللّفظ مع كثرة المعنى».

و الثّانية(2): وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ و فيها بحثان:

1-قالوا في تفسير لَبَناً خالِصاً :خلص من مخالطة الدّم و الفرث،فلم يختلطا به،المراد من الخالص هنا:الأبيض،و خالصا من الفرث و الدّم،اللّبن الصّافي،و من الدّم و الفرث ليس عليه لون دم و لا رائحة فرث،من حمرة الدّم و قذارة الفرث،و قد جمعها وعاء واحد،خالصا بياضه،صافيا لا يستصحب لون الدّم و لا رائحة الفرث،أو مصفّى عمّا يصحفه من الأجزاء الكثيفة يتضيّق مخرجه،خلوصه:نزاهته ممّا اشتمل عليه البول و الثّفل...،الخالص:المجرّد ممّا يكدّر صفاءه فهو الصّافي.

2-جاء في هذا الوصف الرّائع للبن الثّدي في

ص: 792

الآية:

أوّلا عن الفخر الرّازيّ: «أنّ في كلمة«الثّدي» و ما جعل اللّه فيها من ثقوب صغيرة لئلاّ يخرج منها إلاّ ما كان في غاية الصّفاء،و ليكون الثّدي كالمصفّاة» فلاحظ كلامه.

و ثانيا عن ابن عاشور:«و هذا الوصف العجيب من معجزات القرآن العلميّة؛إذ هو وصف لم يكن لأحد من العرب يومئذ أن يعرف دقائق تكوينه،و لا أن يأتي على وصفه بما لو وصف به العالم الطّبيعيّ لم يصفه بأوجز من هذا و أجمع.

و الخلاص في(1)و(2)بمعنى:التّمييز و الانفراد، فالأولى في الأشخاص،و الثّانية في الأشياء،و كلاهما في الدّنيا.أمّا في ما يليهما إلى(8)فبمعنى الاختصاص، و لم يصرّحوا بالفرق بين الأمرين،أي بين التّمييز و الاختصاص،و لكنّه يعلم من السّياق.

و أمّا الاختصاص فجاء بلفظ(خالصة)مرّتين بشأن الدّنيا،و ثلاث مرّات بشأن الآخرة.أمّا آيتا الدّنيا فإحداهما(3): وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا و هذه من قبيل اختصاص شيء بشخص و فيها بحوث:

1-قرئ خالصة بالرّفع-و هي القراءة المشهورة-خبرا للمبتدإ،و هو(ما).قال الطّبرسيّ(2 :373):«أي خالص،فأنّث للمبالغة في الخلوص، كما يقال:فلان خالصة فلان،أي صفيّه و المبالغ في الصّفاء و الثّقة عنده.و التّاء للمبالغة،و ليكون أيضا للفظ المصدر نحو«العافية»و«العاقبة».و يدلّ على ذلك قراءة من قرأ (خالص) .

و قرئ بالنّصب إمّا حالا من المضمر في الظّرف الّذي هو صلة ل(ما)،كقولهم:«الّذي في الدّار قائما زيد»فيكون قوله: لِذُكُورِنا خبر لمبتدإ،و إمّا حالا من(ما)،قاله الطّبرسيّ أيضا.

و قرئ (خالصا) أيضا رفعا و نصبا لما ذكر.

2-و قال الطّبرسيّ أيضا خالصة :أي لا يشركهم فيها أحد من الإناث.

3-و هذه الآية مكّيّة تصف إحدى تشريعات الجاهليّة عند المشركين-و هي كثيرة في السّور المكّيّة-

و الآية الأخرى(4): وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ... و هذه من قبيل اختصاص شخص بشخص.و فيها بحوث:

1-قال قتادة:«و يزعمون أنّها نزلت في ميمونة بنت الحارث أنّها الّتي وهبت نفسها للنّبيّ»كما أنّهم اتّفقوا على أنّ ذلك كان من خصائص النّبيّ عليه السّلام و سنبحثه.

2-قرئ (خالصة) بالنّصب و الرّفع:أمّا النّصب فذكروا له أربعة وجوه:

إمّا كونه حالا من الضّمير في وَهَبَتْ أي حالة كونها خالصة لك دون غيرك.و هذا أصحّ الوجوه.

و إمّا نعت لمصدر مقدّر مؤكّد لفعل وَهَبَتْ أي هبة خالصة.و العامل فيه على الوجهين وَهَبَتْ.

و إمّا حال من امرأة لأنّها وصفت فتخصّصت.

و هو بمعنى الأوّل و لكن لم يذكروا العامل فيه.و هذا

ص: 793

أضعف الوجوه.

و إمّا مصدر مؤكّد مثل: وَعْدَ اللّهِ النّساء:

122،و صِبْغَةَ اللّهِ البقرة:138،فيكون(خالصة) بمعنى خلوصا،و«الفاعل»في المصادر غير عزيز عند الزّمخشريّ ك«العاقبة»و«الكافية»،و قال النّسفيّ:

«إنّه عزيز».و هذا الوجه أيضا فيه تكلّف.

و أمّا الرّفع خبرا لمبتدإ محذوف،أي هي خالصة لك،أي هبة النّساء أنفسهنّ مختصّ بك،لا يجوز أن تهب المرأة نفسها لغيرك.و قال الفرّاء:«و لو رفعت (خالصة لك)على الاستئناف كان صوابا،كما قال: لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ الأحقاف:

35،أي هذا بلاغ...»فلاحظ.

3-قالوا في تفسير خالِصَةً لَكَ :خصوصيّة لك و رخصة لك،إنّها خالصة له إذا وهبت نفسها أن لا يلزمه صداق-للنّبيّ بغير صداق-ليس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر وليّ و لا مهر،إلاّ للنّبيّ، كانت له خالصة من دون النّاس،خالصة لك من دون المؤمنين،إلاّ امرأة لها زوج،إنّها خالصة له أن يملك عقد نكاحها بلفظ الهبة و ليس لغيره من المؤمنين،هذه الخصلة خالصة لك و رخصة دون المؤمنين،إذا وهبت نفسها لك بغير صداق...و كان النّكاح ينعقد في حقّه بمعنى الهبة من غير وليّ و لا شهود و لا مهر،و كان ذلك من خصائصه،خلص لك إحلال ما أحللنا لك خالصة،هبة النّساء أنفسهنّ خالصة و مزيّة لا يجوز أن تهب المرأة نفسها لرجل.

معناه:إباحة الوطء بالهبة و حصول التّزوّج بلفظها من خواصّك،(خالصة)بلا مهر،الخطاب يرجع إلى عدم المهر بقرينة إعقابه ينفي الحرج...،للّتي وهبت نفسها لك فلم تأخذ مهرا،خالصة هذه الخصلة لك من دون المؤمنين،خاصّة لك أن تتّخذها زوجة بتلك الهبة أي دون مهر،إيذانا بأنّ هذا الحكم-أي حلّيّة المرأة للرّجل ببذل النّفس-من خصائصه لا يجري في المؤمنين،و نحوها.

4-و قد أكّد أكثرهم أنّ الهبة هنا بمعنى عدم المهر، و قال بعضهم:هي بمعنى أنّه يجوز له النّكاح بلفظ الهبة، و الأوّل متيقّن دون الثّاني.

قال ابن عطيّة:و أجمع النّاس على أنّ ذلك لا يجوز.و أنّ هذا اللّفظ لا يتمّ عليه نكاح،إلاّ ما روي عن أبي حنيفة و محمّد بن الحسن و أبي يوسف أنّهم قالوا:«إذا وهبت فأشهد هو على نفسه بمهر،فذلك جائز»فليس في قولهم إلاّ تجويز العبارة و لفظة «الهبة»،و إلاّ فالأفعال الّتي اشترطها هي أفعال النّكاح بعينه.

و قال البيضاويّ: «و احتجّ به أصحابنا على أنّ النّكاح لا ينعقد بلفظ«الهبة»،لأنّ اللّفظ تابع للمعنى، و قد خصّ عليه الصّلاة و السّلام بالمعنى،فيخصّ باللّفظ...».

5-و في وجه الاختصاص به قال البيضاويّ:

«و في قوله: خالِصَةً لَكَ إيذان بأنّه ممّا خصّ به لشرف نبوّته،و تقرير لاستحقاقه الكرامة لأجله».

و قال أبو حيّان:«رجع إلى الخطاب في قوله:

خالِصَةً لَكَ للإيذان بأنّه ممّا خصّ به و أوثر.

ص: 794

و مجيؤه على لفظ«النّبيّ»للدّلالة على أنّ الاختصاص تكرمة له لأجل النّبوّة،و تكريره للتّفخيم،و تقرير لاستحقاقه الكرامة للنّبوّة».

6-و أكثرهم أرجع الاختصاص به إلى هبة المرأة نفسها.و حكي عن بعضهم إرجاعه إلى جميع ما تقدّم من النّكاح له،لأنّ المؤمنين قصّروا على مثنى و ثلاث و رباع،حكاه أبو حيّان.

و عن بعضهم جواز كونه متعلّقا ب أَحْلَلْنا قيدا في إحلال أزواجه له،لإفادة عدم حلّهنّ لغيره.حكاه الآلوسيّ.و الظّاهر ما عليه الأكثر،فلاحظ.

و أمّا آيات الآخرة-و هي ثلاث-فالأولى منها (6): قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، و هذه من قبيل اختصاص شيء بشخص أيضا.و الآية مكّيّة تحكي إحدى تشريعات الجاهليّة.

قال الفرّاء:«إنّ قبائل من العرب في الجاهليّة كانوا لا يأكلون أيّام حجّهم إلاّ القوت،و لا يأكلون اللّحم و الدّسم،فكانوا يطوفون بالبيت عراة،الرّجال نهارا و النّساء ليلا،و كانت المرأة تلبس شيئا شبيها بالحوف ليواريها بعض المواراة»،ثمّ ذكر شعرا و أنّ المسلمين أرادوا أن يفعلوا كفعل الجاهليّة،فأنزل اللّه الآية.

و قال الطّبرسيّ(2:413):«...إنّهم كانوا يحرّمون السّمون و الألبان في الإحرام،و كانوا يحرّمون السّوائب و البحائر،فأنكر اللّه عليهم بذلك»،و فيها بحوث:

1-قرئت(خالصة)نصبا و رفعا حكاها الطّبريّ و رجّح النّصب،و قال:«لإيثار العرب النّصب في الفعل إذا تأخّر بعد الاسم و الصّفة،و إن كان الرّفع جائزا،غير أنّ ذلك أكثر في كلامهم».

و قال في وجه النّصب:«على الحال من«لهم» و قد ترك ذكرها من الكلام اكتفاء منها بدلالة الظّاهر عليها...».و قال في وجه الرّفع:«بمعنى:قل هي خالصة للّذين آمنوا».

و قال الفرّاء:«نصبت(خالصة)على القطع، و جعلت الخبر في اللاّم الّتي هي(الذين)و الخالصة ليست بقطع من اللاّم،و لكنّها قطع من لام أخرى مضمرة...و لو رفعتها كان صوابا تردّ على موضع الصّفة الّتي رفعت،لأنّ تلك في موضع رفع،و مثله في الكلام قوله:إنّا بخير كثير صيدنا...»،و في كلامه تكلّف.

و قال الزّجّاج في وجه الرّفع:«إنّه خبر بعد خبر، كما تقول:زيد عاقل لبيب.و قال في وجه النّصب:

منصوبا على الحال،على أنّ العامل في قولك: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا في تأويل الحال،كأنّك قلت:هي ثابتة للمؤمنين،مستقرّة في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة».

و قال ابن الأنباريّ: «هي لهم في الآخرة خالصة، فحذفت اللاّم لوضوح معناها،كما تحذف العرب أشياء لا يلبس سقوطها».و لسيبويه و الفارسيّ و غيرهما أيضا كلام طويل في إعرابها،فلاحظ.

ص: 795

2-قالوا في تفسير(خالصة):خاصّة،يشارك المسلمون المشركين في الطّيّبات في الحياة الدّنيا،ثمّ يخلص اللّه الطّيّبات في الآخرة للّذين آمنوا،و ليس للمشركين فيها شيء ينتفعون بها في الدّنيا،و لا يتبعهم إثمها،اليهود و النّصارى يشركونهم في الدّنيا،و هي للّذين آمنوا خالصة يوم القيامة،يشترك فيها معهم المشركون،خالصة يوم القيامة للمؤمنين،الدّنيا يصيب منها المؤمن و الكافر،و يخلص خير الآخرة للمؤمنين و ليس للكافر فيها نصيب،هذه يوم القيامة للّذين آمنوا لا يشركهم فيها أهل الكفر،و يشركونهم في الدّنيا،في الدّنيا مشتركة،و هي لهم في الآخرة خالصة،في الدّنيا للّذين آمنوا غير خالصة من الهموم و الأحزان و المشقّة،و هي خالصة يوم القيامة من ذلك،هي للّذين آمنوا باللّه و رسوله خالصة يوم القيامة،لا يشركهم في ذلك يومئذ أحد كفر باللّه و رسوله و خالف أمر ربّه،هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا مشتركة،و هي لهم في الآخرة خالصة،و نحوها.

و قد ذكر ابن عطيّة لها معنيين:

أحدهما:أنّها خالصة للمؤمنين في الدّنيا لا يعاقبون عليها،و فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلّق ب آمَنُوا أي ينتفعون بها في الدّنيا بلا إثم.

و ثانيهما:أنّها في الحياة الدّنيا للّذين آمنوا،و إن كانت أيضا لغيرهم معهم،و على هذا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلّق بالمحذوف المقدّر في لِلَّذِينَ آمَنُوا، كأنّه قال:هي خالصة و ثابتة في الحياة الدّنيا للّذين آمنوا.

و قد ذكر الوجهين الماورديّ أيضا و كذا رشيد رضا و أضاف:«هذا المعنى صحيح في نفسه،لكنّ المتبادر هو الأوّل،كما تدلّ عليه الآيات النّاطقة بأنّ دين اللّه الحقّ يورث أهله سعادة الدّنيا و الآخرة جميعا...».

3-و قال الزّمخشريّ: «غير خالصة لهم،لأنّ المشركين شركاؤهم فيها،خالصة لهم يوم القيامة لا يشركهم فيها أحد.فإن قلت:هلاّ قيل:هي للّذين آمنوا و لغيرهم؟

قلت:لينبّه على أنّها خلقت للّذين آمنوا على طريق الأصالة،و أنّ الكفرة تبع لهم،كقوله تعالى:

وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ البقرة:126».

و تبعه رشيد رضا،فقال:«هي ثابتة للّذين آمنوا بالأصالة و الاستحقاق في الحياة الدّنيا،و لكن يشاركهم غيرهم فيها بالتّبع لهم،و إن لم يستحقّها مثلهم...».

و حكى القاسميّ عن المهايميّ أنّه قال:«إنّما خلقت للمؤمنين ليعلموا بها لذّات الآخرة،فيرغبوا فيها مزيد رغبة،لكن شاركهم الكفرة فيها لئلاّ يكون الفرق ملجأ لهم إلى الإيمان،فإذا ذهب هذا المعنى،تصير خالصة لهم يوم القيامة...».

4-و قد بحث ابن عاشور طويلا في مرجع الضّمير المستتر في(خالصة)فذكر فيه وجهين:

أحدهما:أنّه عائد إلى الزّينة و الطّيّبات الحاصلة في الدّنيا بعينها:أي هي حاصلة لهم في الآخرة،و قد انقرضت في الدّنيا،فمعنى خلاصها:صفاؤها،و يوم

ص: 796

القيامة مظهر صفائها،أي خلوصها من التّبعات المنجرّة منها،و هي تبعات تحريمها و تبعات بعضها مع الكفر بالمنعم بها.فالمؤمنون تناولوها في الدّنيا بإذن ربّهم بخلاف المشركين،فإنّهم يسألون عنها فيعاقبون عليها، لأنّهم كفروا نعمة المنعم.

و ثانيهما أنّه عائد إليها باعتبار أنواعها لا باعتبار أعيانها،فالمعنى:و لهم أمثالها يوم القيامة خالصة.

5-و قال أيضا-مثل ما قلنا نحن في الآيتين(1 و 2)و نسبه إلى ابن عبّاس-:«معنى الخلاص:

التّمحّض و هو هنا التّمحّض عن مشاركة غيرهم من الكافرين،لا زينة لهم و لا طيّبات من الرّزق يوم القيامة،أي إنّها في الدّنيا كانت لهم مع مشاركة المشركين إيّاهم فيها».

6-و قال الطّباطبائيّ في(خالصة):«قدّمت على قوله: يَوْمَ الْقِيامَةِ لتكون فاصلة بين قوليه:

فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و يَوْمَ الْقِيامَةِ. و المعنى:قل هي للمؤمنين يوم القيامة،و هي خالصة لهم لا يشاركهم فيها غيرهم،كما شاركوهم في الدّنيا،فمن آمن ملك نعمها يوم القيامة-ثمّ قال-و بهذا البيان يظهر ما في قول بعضهم-و قد سبق-:إنّ المراد بالخلوص هو الخلوص من الهموم و المنغّصات...»و قد أطال الكلام في إبطاله،فلاحظ.

7-و قد أوّل البروسويّ-كعادته-الآية و عبّر عنه بالإشارة،فقال:و الإشارة في الآية:«من يمنعكم عن طلب كمالات أخرجها اللّه تعالى من غيب الغيب لخواصّ عباده من الأنبياء و الأولياء؟و من حرّم عليكم نيل هذه الكرامات و المقامات؟فمن تصدّى لطلبها و سعى لها سعيا،فهي مباحة له من غير تأخير و لا قصور».

كما أبدى نكتة لإضافة«الزّينة»إلى اللّه،فقال:

«لأنّه أخرجها من خزائن ألطافه و حقائق أعطافه، فزيّن الأبدان بالشّرائع و آثارها،و زيّن الأرواح بالمعارف و أسرارها...»فلاحظ.

و الآية الثّانية(7): قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ خطاب لليهود في جملة الآيات الكثيرة بشأن بني إسرائيل في سورة البقرة،و هي جواب عن ادّعائهم اختصاص الجنّة بهم في مثل قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ البقرة:111،و هذه من قبيل اختصاص شيء بشخص أيضا و فيها بحثان:

1-ذكروا في نصب(خالصة)وجهين:إمّا حال من اَلدّارُ الْآخِرَةُ و الخبر(عند الله،)أو خبر (كان)فيكون(لكم)متعلّقا ب(خالصة)مقدّما عليها،و هو بعيد.و الظّاهر أنّه خبر مقدّم ل(خالصة) قدّمت على اسمها و هو اَلدّارُ الْآخِرَةُ حصرا و اهتماما بهم،فتكون خالِصَةً حالا مؤكّدا للحصر.

2-قالوا في تفسير خالِصَةً وجهين:خاصّة و صافية،و الأوّل بمعنى الاختصاص،و الثّاني بمعنى

ص: 797

التّميّز.

الآية الثّالثة(8): إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ و قبلها: وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ و بعدها: وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ فالآية خاصّة بهؤلاء الثّلاثة:الجدّ و الابن و الحفيد و هي نظير آيات اَلْمُخْلَصِينَ الآتية في كونها مدحا للأنبياء بالإخلاص.و هي من قبيل اختصاص شخص بشيء و فيها بحوث:

1-اختلفت قراءتها(بخالصة ذكرى)بالإضافة، أو خالصة ذكرى بالتّنوين،و قد اعتبرهما الطّبريّ قراءتين مستفيضتين و كلاهما صواب،و فرّق بينهما بأنّ(خالصة)غير«الذّكرى»بناء على الإضافة، و عينها بناء على التّنوين،كما في: كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ المؤمن:35،فإنّ قَلْبِ غير مُتَكَبِّرٍ بناء على الإضافة أي قلب الّذي هو متكبّر،و نفسه بناء على التّنوين،أي قلب هو متكبّر.

2-قالوا في إعراب ذِكْرَى :إنّه جرّ بناء على الإضافة،أي أخلصناهم بذكر الدّار،أو نصب بناء على التّنوين:فيكون ذِكْرَى بدلا عن(خالصة) بدل المعرفة عن النّكرة،أو بتقدير«أعني»،أو رفع بإضمار(هى ذكرى)،مثل: أَ فَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النّارُ الحجّ:72،أي هي النّار.

3-قالوا في معناها:اختصصناهم بذكر اللّه و ذكر الآخرة،بذكر الآخرة فليس لهم همّ غيرها،بهذه أخلصهم اللّه كانوا يدعون إلى الآخرة إلى اللّه،يذكّرهم الدّار الآخرة و عملهم للآخرة،أخلصوا بخوف الآخرة،نزع اللّه ما في قلوبهم من الدّنيا و ذكرها، و أخلصهم بحبّ الآخرة و ذكرها،أخلصناهم بالنّبوّة و ذكر الدّار الآخرة،بأفضل ما في الآخرة أخلصناهم به،و أعطيناهم إيّاه أخلصناهم بخير الآخرة،إنّهم كانوا يذكّرون النّاس الدّار الآخرة و يدعونهم إلى طاعة اللّه و العمل للدّار الآخرة-بناء على قراءة التّنوين-أخلصهم لعملهم للآخرة و ذكرهم لها-بناء على قراءة الإضافة-خالصة عقبى الدّار و بخالصة أهل الدّار-بناء على الإضافة-عمل في ذكر الآخرة -بناء على التّنوين-جعلناهم لنا خالصين بأن جعلناهم يذكّرون بالدّار الآخرة و يزهدون في الدّنيا.

و كذلك شأن الأنبياء صلوات اللّه عليهم،يكثرون ذكر الآخرة و الرّجوع إلى اللّه،أخلصناهم من العادات و الآفات،و جعلناهم ذاكرين الدّار الآخرة، أخلصناهم بخالصة ذكر لا يشوبها شيء من رياء و لا غيره،أخلصناهم بخالصة الكتب المنزّلة الّتي فيها ذكرى الدّار الآخرة-و هذا قول مأثور-،«الخالصة» مصدر بمعنى الخلوص،و«الذّكرى»بمعنى التّذكير،أي خلّص لهم تذكير الدّار،و هو أنّهم يذكّرون بالتّأهّب لها،جعلناهم مخلصين بما أخبرناهم عنهم من ذكر الآخرة،و بخصلة خالصة لا شوب فيها،شهادة لذكرى الدّار بالخلوص و الصّفاء و انتفاء الكدورة عنها-بناء على التّنوين-و بما خلّص من ذكرى الدّار على أنّهم لا يشوبون ذكرى الدّار بهمّ آخر،إنّما همّهم ذكرى الدّار لا غير-بناء على الإضافة،و تؤيّده قراءة

ص: 798

( بخالصتهم )،أخلصناهم بسبب هذه الخصلة و بأنّهم من أهلها،أو أخلصناهم بتوفيقهم لها و اللّطف بهم في اختيارها،و نحوها غيرها،فنراهم فسّروا الآية بناء على القراءتين بتفاوت في اللّفظ فقط،أو في المعنى أيضا.

و من جملتها قول البيضاويّ: «جعلناهم خالصين لنا بخصلة لا شوب فيها هي ذِكْرَى الدّارِ تذكّرهم الدّار الآخرة دائما،فإنّ خلوصهم في الطّاعة بسببها؛ و ذلك لأنّ مطمح نظرهم فيما يأتون و يذرون جوار اللّه و الفوز بلقائه و ذلك في الآخرة،و إطلاق الدّار لإشعار بأنّها الدّار الحقيقيّة و الدّنيا معبر».

و منها قول العكبريّ: «إنّ(خالصة)مصدر مضاف إلى المفعول:أي بإخلاصهم ذكرى الدّار،أو مضاف إلى الفاعل،أي بأن خلّصت لهم ذكرى الدّار، أو اسم فاعل تقديره:بخالص ذكرى الدّار،أي خالص من أن يشاب بغيره.

و منها قول أبي السّعود-و نحوه البروسويّ-:

«إنّه تعليل لما وصفوه به-قبلها و بعدها-من شرف العبوديّة و علوّ الرّتبة في العلم و العمل،أي جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة عظيمة الشّأن،كما ينبئ عنه التّنكير التّفخيميّ في(خالصة)

4-قال البروسويّ: «فإن قيل:كيف يكونون خالصين للّه تعالى و هم مستغرقون في الطّاعة،و فيما هو سبب لها،و هو تذكّر الآخرة؟

قلت:إنّ استغراقهم في الطّاعة إنّما هو لاستغراقهم في الشّوق إلى لقاء اللّه،و لمّا لم يكن ذلك إلاّ في الآخرة استغرقوا في تذكّرها و في الآخرة...»ثمّ ذكر مثل البيضاويّ.

ثمّ حكى البروسويّ عن«التّأويلات»:«أنّا صفّيناهم عن شوب صفّات النّفوس و كدورة الأنانيّة، و جعلناهم لنا خالصين بالمحبّة الحقيقيّة،ليس لغيرنا فيهم نصيب،و لا يميلون إلى الغير بالمحبّة العارضة،لا إلى أنفسهم و لا إلى غيرهم...استخلصناهم لوجهنا بسبب تذكّرهم لعالم القدس،و إعراضهم عن معدن الرّجس...».و هذا تحويل للآية إلى المعاني العرفانيّة، و لا بأس بها.

5-و الفرق بينها و بين ما تقدّمها من آيات (خالصة)أنّها ميّزت بسبق فعل أَخْلَصْناهُمْ عليها تأكيدا،و(خالصة)فيها من قبيل المصدر التّأكيديّ للفعل مثل«ضرب ضربا»فهي متوسّطة و مشتركة بين المحورين،هذا تمام الكلام في المحور الأوّل:(خالصة).

و أمّا المحور الثّاني:الإخلاص،فجاء مرّة فعلا ماضيا مزيدا(9): وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ، و اسما فاعلا مفردا ثلاث مرّات:(10 و 12 و 13)و مرّة اسما فاعلا مجرّدا(11): أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ، و هذه داخلة في المحور الأوّل«الخلوص»باعتبار اللّفظ،و في المحور الثّاني باعتبار المعنى.

أمّا في غير هذه الخمس فجاء بصيغتين:اسم الفاعل و اسم المفعول جمعا.و الإخلاص في صيغة الفاعل فعل العباد،و كلّها إخلاص منهم في الدّين في نصّ الآيات،و في صيغة المفعول فعل اللّه تعالى؛إذ جعلهم مخلصين لنفسه فهي قسمان.

ص: 799

القسم الأوّل:الإخلاص في الدّين في 12 آية:

(9-21)و كلّها مكّيّة-سوى آيتين-نزلت في توحيد العبادة للّه الّذي كان الرّكن الأوّل في الدّعوة الإسلاميّة بمكّة،خطابا إلى المشركين،و كان أيضا الأصل الأوّل من أصول الدّين على العموم.

و استثنيت منها آيتان(9 و 12)فمدنيّتان:الأولى:

نزلت بشأن المنافقين.و الثّانية:بشأن أهل الكتاب.

و جاء الإخلاص في الدّين مرّة:(9)بصيغة الماضي أَخْلَصُوا دِينَهُمْ، و مرّة(10)بصيغة اسم الفاعل المجرّد اَلدِّينُ الْخالِصُ، و 3 مرّات باسم الفاعل مزيدا(10 و 12 و 13) مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، و مرّة(21)(مخلصين)بدون(الدين)و سنبحثها حسب الأرقام.

(9): إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً* إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً.

نزلت في المنافقين ترهيبا لهم بأشدّ العذاب،و أنّ موضعهم من النّار الدّرك الأسفل منها،و لا يوجد نصير لهم.ثمّ استثني منهم الّذين وصفوا بأربعة أوصاف جميعا:التّوبة،و الإصلاح،و الاعتصام باللّه،و إخلاص دينهم للّه،و أعلن أنّهم إذا وصفوا بها سوف يكونوا مع المؤمنين و في زمرتهم،و سوف يؤتيهم أجرا عظيما.

و البحث فيها تفصيلا موضعه:ن ف ق:«المنافقين» و ما لحق بها من الموادّ في الآية،و البحث هنا ينحصر في«الإخلاص في الدّين»:

فذكر فيها الإخلاص في الدّين بعد ثلاثة أوصاف تتميما لها،فإنّهم إذا تابوا عن نفاقهم،و أصلحوا ما أفسدوه حول نفاقهم،و اعتصموا باللّه و استعينوا به لينصرهم على ذلك،ثمّ أخلصوا دينهم للّه من كلّ شرك و شرّ،فحينئذ يدخلون في زمرة المؤمنين وصفا و أجرا و عاقبة.

(10 و 11): إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى... و فيهما بحوث:

1-قالوا في(10): مُخْلِصاً حال و فعله فَاعْبُدِ و اَلدِّينَ منصوب مفعولا ل مُخْلِصاً و جوّز بعض النّحويّين رفعه بالابتداء و(له)خبره.

حكاه الزّجّاج و قال:«و هذا لا يجوز من جهتين:

إحداهما:أنّه لم يقرأ به،و الأخرى:أنّه يفسده أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ فيكون لَهُ الدِّينَ مكرّرا في الكلام لا يحتاج إليه،و إنّما الفائدة في(الا للّه...)تحسن بقوله: مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ» .

و عندنا أنّ الجهة الأولى-و هو أنّه لم يقرأ به- كافية في بطلانه.لكنّ الزّمخشريّ قال:«إنّه قرئ به، و حقّ من رفعه أن يقرأ (مخلصا) بفتح اللاّم كقوله تعالى(9): وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ حتّى يطابق قوله:

أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ و الخالص و المخلص واحد.

إلاّ أن يصف الدّين بصفة صاحبه على الإسناد المجازيّ كقولهم:شعر شاعر.

و أمّا من جعل(مخلصا)حالا من العابد و لَهُ الدِّينَ مبتدأ و خبرا،فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك: لِلّهِ الدِّينُ.

ص: 800

و أمّا من جعل(مخلصا)حالا من العابد و لَهُ الدِّينَ مبتدأ و خبرا،فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك: لِلّهِ الدِّينُ.

و قال أبو حيّان:«قرأ الجمهور اَلدِّينَ بالنّصب، و قرأ ابن أبي عبلة بالرّفع فاعلا ب مُخْلِصاً، و الرّاجع لذي الحال محذوف على رأي البصريّين،أي الدّين منك،أو يكون(أل)-في(الدّين)-عوضا من الضّمير،أي دينك».[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ في رفع (الدّين)إنّه مبتدأ و كرّر قوله إنّه فاعل ب مُخْلِصاً و لا يخفى ما في قوله من التّكلّف.

و حكى أبو السّعود أيضا قراءة الرّفع على أنّ (له الدّين) مبتدأ و خبر،و أنّ«اللاّم»للاختصاص،و أنّه اعتراض وقع تعليلا للأمر بإخلاص العبادة،و أنّ لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ استئناف مقرّر لما قبله من الأمر بالإخلاص،و أنّه بناء قراءة الرّفع مؤكّد لاختصاص الدّين باللّه و للآلوسيّ أيضا كلام طويل في قراءة الرّفع،فلاحظ.

و قد بحث الفخر الرّازيّ تفصيلا في العبادة مع الإخلاص من النّاحية الفقهيّة،و أنّ العبادة فعل أو قول،أو تركهما لمجرّد أمر اللّه،و أنّ الإخلاص أن يكون الدّاعي له مجرّد هذا الانقياد،ثمّ بحث في ما ينافي الإخلاص،كما يأتي عنه.

2-قالوا في مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ و في أمثاله من سائر الآيات:مخلصا له بالعبادة و التّوحيد،مطيعا له الدّين،الإخلاص بالتّوحيد،أخشع له بالطّاعة، و أخلص له الألوهيّة،و أفرده بالعبادة،و لا تجعل له في عبادتك إيّاه شريكا كما فعلت عبدة الأوثان،فاعبد اللّه موحّدا لا تشرك به شيئا،إخلاص الدّين هنا:عبادة اللّه وحده لا شريك له،هذا جرى تثبيتا للتّوحيد و نفيا للشّرك،إخلاص النّيّة لوجهه،مخلصا له من شرك الأوثان،موحّدا له لا تشرك به شيئا،مخلصا له الطّاعة من غير شائبة شكّ و نفاق،مخلصا له الدّين من الشّرك و الرّياء بالتّوحيد و تصفية السّرّ،موحّدا لا تشرك به شيئا،ممحّضا لَهُ الدِّينَ من الشّرك و الرّياء و سائر ما يفسده،ممحّضا له الطّاعة من شوائب الشّرك و الرّياء،فإنّ الدّين الطّاعة،الدّين العبادة و الطّاعة، و رأسها توحيد اللّه و أنّه لا شريك له،و نحوها موجزا و تفصيلا،فلاحظ.

3-قال الميبديّ-و نحوه الكاشفيّ و الشّوكانيّ-:

«الخطاب للنّبيّ و المراد به هو و أمّته،أي اعبدوه مخلصين له الطّاعة...».

و ما قاله يجري في كثير من خطابات القرآن.و في هذا المجال سأل مغنيّة أنّ النّبيّ على يقين بأنّ القرآن من اللّه و يعبده مخلصا له الدّين،فما الغرض من هذا الأمر؟

و أجاب:«بأنّه عليه السّلام أوذي و تحمّل الكثير،فقال له اللّه:إنّك تدعو إلى الحقّ،و من دعا إلى الحقّ لا بدّ و أن يدفع الثّمن،و إنّك مخلص للّه في جميع أقوالك و أفعالك،و من أخلص للّه لاقى الكثير من أعدائه، فليس قوله: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ مجرّد إخبار، و قوله: فَاعْبُدِ اللّهَ مجرّد أمر،بل شهادة له بالعظمة، و تسلية عمّا يقاسي من أعداء اللّه و الحقّ».

4-قال ابن العربيّ-و مثله القرطبيّ-:«هي دليل

ص: 801

على وجوب النّيّة في كلّ عمل و أعظمه الوضوء الّذي هو شطر الإيمان خلافا لأبي حنيفة-إلى أن قال- و قد حقّقناه في مسائل الخلاف.

5-بحثوا كثيرا فيما ينافي الإخلاص في الآيات من النّاحية الفقهيّة و ما لا ينافيه،فقال الفخر الرّازيّ:

«و أمّا الإخلاص فهو أن يكون الدّاعي له إلى الإتيان بذلك الفعل أو التّرك،مجرّد هذا الانقياد و الامتثال، فإن حصل من داع آخر فإمّا أن يكون جانب الدّاعي إلى الطّاعة راجحا على الجانب الآخر،أو معادلا له أو مرجوحا.و أجمعوا على أنّ المعادل و المرجوح ساقط، و أمّا إذا كان الدّاعي إلى طاعة اللّه راجحا على الجانب الآخر،فقد اختلفوا في أنّه هل يفيد أم لا؟».ثمّ ذكر أنّ للمسألة أقساما،و بحث عن كلّ قسم،و في ذيلها تحدّث عن غفران الكبائر،فلاحظ.

و قد حكى ابن عاشور كلاما عن الغزاليّ في معنى الإخلاص بأنّه تجريد مقصد التّقرّب إلى اللّه عن جميع الشّوائب،و أنّه أن يكون الدّاعي إلى الإتيان بالمأمور به،و إلى ترك المنهيّ عنه إرضاء اللّه تعالى.ثمّ بحث في ما يقابله فقال:«فأمّا إن كان للنّفس حظّ عاجل و كان حاصلا تبعا للعبادة-و ليس هو المقصود-فهو مغتفر، و خاصّة إذا كان ذلك لا تخلو عنه النّفوس،أو كان ممّا يعين على الاستزادة من العبادة».

و حكى عن«جامع العتيبيّة»فيما جاء أنّ النّيّة الصّحيحة لا تبطلها الخطرة الّتي لا تملك و ذكر حديثا.

ثمّ حكى عن ابن رشد في شرحه أنّه نصّ جليّ على أنّ من كان أصل عمله للّه و على ذلك عقد نيّته لم تضرّه الخطرات.و قد أطال فيه و نقل عن الآخرين،فلاحظ.

6-بحثوا كثيرا في حقيقة الإخلاص في الآيات من ناحية السّلوك العرفانيّ.

فقال الجنيد البغداديّ: «الإخلاص سرّ بين العبد و بين اللّه تعالى،لا يعلمه ملك فيكتبه،و لا شيطان فيفسده،و لا هوى فيميله».

و في حديث رواه الماورديّ(3:161):«الحواريّون سألوا عيسى عليه السّلام عن المخلص للّه،فقال:الّذي يعمل للّه،و لا يحبّ أن يحمده النّاس».

و قال القشيريّ(3:45):«الإخلاص هو تصفية الأعمال عن الغين،و عن الآفات المانعة من صالح الأعمال».

و قال الميبديّ في(22):«فكن معنا و افش لنا أسرارك،و اجتنب من التّوسّل إلى غيرك،و احترز من نفسك و هيمنتها عليك.و قد تأدّب رسول اللّه بهذا الخطاب حين نزل عليه جبرئيل،و قال له:يا محمّد أ تختار أن تكون ملكا نبيّا أو عبدا نبيّا»إلى آخر الحديث.

ثمّ ذكر حذيفة أنّه سئل النّبيّ عليه السّلام ما الإخلاص؟ [إلى أن قال:]

«قال النّبيّ عليه السّلام:سألت ربّي ما الإخلاص؟قال:

سرّ من سرّي استودعته قلب من أحببت من عبادي».

ثمّ قال:«إنّ الإخلاص ثمرة المودّة،و أثر العبادة» إلى آخره.

و حكى الشّربينيّ عن رويم:«الإخلاص في العمل:

أن لا يريد صاحبه عنه عوضا من الدّارين و لا عوضا

ص: 802

من الملكين».

و حكى البروسويّ عن«عرائس البيان»:«أمر حبيبه عليه السّلام بأن يعبده بنعت أن لا يرى نفسه في عبوديّته،و لا الكون و أهله،و لا يتجاوز عن حدّ العبوديّة في مشاهدة الرّبوبيّة،فإذا سقط عن العبد حظوظه من العرش إلى الثّرى،فقد سلك مسلك العبوديّة الخالصة...».

و حكى عن بعض الكبار:«العبادة الخالصة معانقة الأمر على غاية الخضوع،و تكون بالنّفس، فإخلاصها فيها:التّباعد عن الانتقاص،و بالقلب فإخلاصه فيها:العمى عن رؤية الأشخاص،و بالرّوح فإخلاصه فيها:التّنقّي عن طلب الاختصاص.و أهل هذه العبادة موجود في كلّ عصر لما قال عليه السّلام:«لا يزال اللّه يغرس في هذا الدّين غرسا يستعملهم في طاعته».

و حكى عن«التّأويلات النّجميّة»:«الدّين الخالص ما يكون جملته للّه،و ما للعبد نصيب، و المخلص من خلّصه اللّه من حبس الوجود بجوده لا بجهده».

و حكى عنه أيضا في(29):«أخلصتهم من حبس الوجود بجذبات الألطاف،و أمنيتهم عنهم بهويّتك».

و قال فضل اللّه:«و ذلك بالقلب الّذي يتحرّك إخلاصه بالنّبض الشّعوريّ،بحبّ اللّه أكثر من حبّ أحد غيره،بالعقل الّذي يطوف باحثا عن أسرار عظمة اللّه في الكون»إلى آخر كلامه،فلاحظ.

7-و قالوا في(11): أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ :

الإسلام،التّوحيد،له العبادة و الطّاعة وحده لا شريك له،و لا شريك لأحد معه فيهما،فلا ينبغي ذلك لأحد، لأنّ كلّ ما دونه ملكه،و على المملوك طاعة مالكه لا من لا يملك شيئا،الدّين الخالص من الشّرك هو للّه،و ما سواه من الأديان فليس بدين اللّه الّذي أمر به،لا يحقّ الدّين الخالص إلاّ اللّه،و للّه الطّاعة بالعبادة الّتي يستحقّ بها الجزاء،هو الاعتقاد الواجب في التّوحيد، و العدل و النّبوّة و الشّرائع...،الخالص من شوائب الشّرك و غيره.

و قد خصّ الفخر الرّازيّ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ بعبادة اللّه على سبيل الإخلاص،و أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ بالبراءة من عبادة غير اللّه،لأنّ أَلا لِلّهِ يفيد الحصر،و معنى الحصر أن يثبت الحكم في المذكور و ينتفي عن غير المذكور.

و فيه نظر،لأنّ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أيضا يفيد الحصر المستفاد من مُخْلِصاً و من لَهُ الدِّينَ، لأنّ تقديم الخبر-بناء على قراءة الرّفع-يفيد الحصر، و الظّاهر أنّها جملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها من الأمر بالإخلاص-كما قال الشّوكانيّ و غيره-و أنّ (مخلصا)و(الخالص)كلاهما يفيدان الإخلاص في العبادة و البراءة من عباده غير اللّه معا.

و قال أبو حيّان:«الخالص من كلّ شائبة و كدر، فهو الّذي يجب أن تخلص له الطّاعة لاطّلاعه على الغيوب و الأسرار،و لخلوص نعمته على عباده من غير استجرار منفعة منهم».

و قال:«(للّه)أي من حقّه و واجباته اَلدِّينُ الْخالِصُ من الشّرك،أي ألا هو الّذي يجب أن

ص: 803

يخصّ بإخلاص الطّاعة له،و هو الّذي يحقّ أن تكون طاعته خالصة له،لتفرّده بصفات الألوهيّة،و اطّلاعه على الغيوب،ثمّ نقل عن«الكواشيّ»:الخالص من الهوى و الشّرك فيتقرّب به إليه رحمة،لا أنّ له حاجة إلى إخلاص عبادته.

و للآلوسيّ فيها بحث طويل،فلاحظ.

و قال ابن عاشور:«و افتتحت الجملة بأداة التّنبيه تنويها بمضمونها،لتتلقّاه النّفس بشراشرها،و ذلك هو ما رجّح اعتبار الاستئناف فيها،و جعل معنى التّعليل حاصلا تبعا من ذكر إخلاص عامّ بعد إخلاص خاصّ،و موردهما واحد.و اللاّم في لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ لام الملك الّذي هو بمعنى الاستحقاق و تقديم المسند لإفادة الاختصاص.و الدّين:الطّاعة، و الخالص:السّالم».

و قال الطّباطبائيّ: «إظهار و إعلان لما أضمر و أجمل في قوله: بِالْحَقِّ و تعميم لما خصّص في قوله:

فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، أي إنّ الّذي أوحيناه إليك من إخلاص الدّين للّه واجب على كلّ من سمع هذا النّداء،و لكون الجملة نداء مستقلاّ أظهر اسم الجلالة...».

و قد بحث مكارم الشّيرازيّ في المراد من«الدّين» هنا،فلاحظ.

و قال فضل اللّه: «الْخالِصُ الّذي ينطلق من موقع الفكر و الوعي و الممارسة،لا من موقع الكلمة المجرّدة و التّمثيل المصطنع،و الحركة الغارقة بالأطماع و الشّهوات،و الارتباطات المشبوهة بالأصنام الّتي اتّخذها النّاس أربابا من دون اللّه بسبب الجهل...».

و أمّا الآيات(12-21)فقد جاء في ثلاث منها (12-14)التّرغيب إلى العبادة مخلصا له الدّين، و البحث فيها كما سبق في(10 و 11).و جاء في ستّ منها(14-19)التّرغيب إلى دعاء اللّه مخلصا له الدّين مع تفاوت بينها سياقا:

فجاء في(15): ...وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الأمر بالدّعاء عقيب الأمر بإقامة الوجوه،أي إقامة الصّلاة عند كلّ مسجد-على ما في تفسيرها من خلاف،لاحظ الطّبرسيّ(3:411)-فينصرف الدّعاء إلى عبادة اللّه مخلصا له الدّين،و يجري فيها ما جرى في(10 و 11).

و جاء في ثلاث منها(16-18)حكاية دعاء المشركين عند الابتلاء بالموج في البحر،فينصرف الدّعاء فيها إلى طلب النّجاة و الخلاص:

فجاء في(16): هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ، فقد حكى اللّه فيها حال المشركين أنّهم إذا ابتلوا في الفلك بالموج من كلّ مكان دعوا اللّه مخلصين له الدّين، فليس هذا دعاء حال العبادة بل هي دعاء للنّجاة من البلاء،كما أنّه ليس ترغيبا إلى الدّعاء صراحة بل حكاية حال للمشركين،فإنّهم-كما جاء في التّفاسير -كانوا يلتجئون إلى اللّه وحده عند الابتلاء في البحر

ص: 804

فقط دون سائر الحاجات،لكنّهم كانوا يتخلّفون عنه بعد النّجاة كما قال تعالى بعدها: فَلَمّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ...

و نظيرها(17): فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ. و(18): وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ.

و الفرق بينها أنّ التجاءهم إلى الدّعاء في(16) و(18)إنّما كان بعد أن غشيهم الموج،أمّا في(17) فالالتجاء كان عند الرّكوب قبل أن يغشاهم الموج، كأنّهم كانوا على يقين من غشيان الموج لدى ركوبهم.

و هذا كان حال البحر الأحمر،فإنّ الأمواج فيها كبيرة و دائمة و عجيبة-كما ابتلي بها أبي رحمه اللّه و كان يقصّها تفصيلا بإعجاب كبير،حتّى كان يقول:«أنا أمسك عن حكايتها،لأنّ النّاس لا يقبلون مثلها».و إنّي وقفت في كتاب«رحلة ابن بطّوطة»على ما بيّنه من صعوبة العبور على البحر الأحمر عرضا من ناحية مصر إلى جدّة لشدّة الأمواج و الطّوفان فيه.

و فرق آخر بينها أنّهم كانوا جميعا في(16)و(17) يبغون و يشركون بعد أن نجّاهم اللّه تعالى،أمّا في(18) فجماعة منهم كانوا يلتزمون بها،كما قال: فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ. قال الطّبرسيّ(7:

323):«مقتصد»،أي عدل في الوفاء في البرّ بما عاهد اللّه في البحر من التّوحيد له».[لاحظ:ق ص د:

«مقتصد».]

و جاء في اثنتين منها(19 و 20)-و كلاهما من سورة المؤمن-أمر النّاس بدعاء اللّه تعالى مخلصين له الدّين،من غير ذكر الابتلاء في البحر:

فقال في(19): هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَ يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَ ما يَتَذَكَّرُ إِلاّ مَنْ يُنِيبُ* فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ.

و قال في(20): هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فقد فرّع الأمر بالدّعاء في(19)على إرادة آياته و تنزيل رزقه شكرا له تعالى و رغما لأنف الكافرين.و في(20) على اتّصافه بأنّه الحيّ و أنّه لا إله إلاّ هو مذيّلا ب اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فالدّعاء إيّاه بإخلاص في الأولى شكر و عنف للكافرين،و في الأخيرة تعظيم و توحيد و حمد للّه ربّ العالمين.

على أنّ الدّعاء في الأخيرة أيضا لا يخلو عن شكر للّه،لأنّ الآية قبلها تعدّ نعم اللّه على العباد: اَللّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ. و أيضا جاء في ذيلها: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. و«الحمد» و«الرّبّ»كلاهما مشعران بالشّكر.

و جاء في واحدة منها(21) مُخْلِصُونَ من دون ذكر«الدّين»،فقال خطابا لأهل الكتاب: قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللّهِ وَ هُوَ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ وَ لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ، و الآية مدنيّة بخلاف سائر الآيات المتقدّمة فكلّها مكّيّة خطاب للمشركين.

ص: 805

و إطلاق مُخْلِصُونَ ينصرف إلى الإخلاص في الدّين أو في العبادة المنصوص في غيرها من الآيات.

القسم الثّاني من آيات الإخلاص:الإخلاص بصيغة المفعول في تسع آيات(22-30)و فيها بحوث:

1-اثنتان منها(22 و 23)جاءتا بشأن نبيّين معيّنين موسى و يوسف عليهما السّلام:

(22): وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا

(23): وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ

و الفرق بينهما أنّ الأولى جاءت خاصّة بموسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً، و في الثّانية عدّ يوسف من جملة عباد اللّه،و لهذا جاء مُخْلَصاً مفردا في موسى، و جمعا في الثّانية و فيما بعدها من الآيات.كما أنّ اسم الفاعل«مخلص»أيضا جاء مفردا ثلاث مرّات:(10 و 12 و 13)،و جمعا في غيرها.

2-قرئت(22)و(23)و غيرهما من الآيات بفتح اللاّم-و هي القراءة المشهورة فيها-و بكسرها:

قال البغويّ في(23):«قرأ أهل المدينة و الكوفة:

المخلصين بفتح اللاّم حيث كان إذا لم يكن بعده ذكر الدّين،زاد الكوفيّون مُخْلَصاً في سورة مريم ففتحوا».

و قال ابن عطيّة-و نحوه البيضاويّ-:«و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر و الحسين بن أبي الحسن و أبو رجاء (المخلصين) بكسر اللاّم في كلّ القرآن، و كذلك (مخلصا) في سورة مريم.و قرأ نافع (مخلصا) كذلك بكسر اللاّم،و قرأ سائر القرّاء المخلصين بفتح اللاّم،و قرأ حمزة و الكسائيّ و جمهور من القرّاء اَلْمُخْلَصِينَ بفتح اللاّم في كلّ القرآن».

و قد اعترف الطّبريّ بأنّهما قراءتان معروفتان بأيّتهما قرأ القارئ فهو مصيب.و قال الفخر الرّازيّ:

«و متى ورد القرآن بقراءتين فكلّ واحدة منهما ثابت مقطوع به».

3-و لهم في الفرق بين القراءتين معنى آراء:فقال الطّبريّ في(22):«و الصّواب من القول عندي أنّه- أي موسى-كان مخلصا عبادة اللّه،مخلصا للرّسالة و النّبوّة».

و قال في(23):«...و هما متّفقا المعنى،و ذلك أنّ من أخلصه اللّه لنفسه فاختاره،فهو مخلص للّه التّوحيد و العبادة،و من أخلص توحيد اللّه و عبادته فلم يشرك باللّه شيئا،فهو ممّن أخلصه اللّه».

و قال الفرّاء في(24):«من كسر اللاّم جعل الفعل لهم،كقوله: وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ و من فتح فاللّه أخلصهم كقوله(8): إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ.

و قال البغويّ: «معنى اَلْمُخْلَصِينَ المختارين للنّبوّة،دليله: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ و بكسر اللاّم:

أي المخلصين للّه الطّاعة و العبادة».و كذا الطّوسيّ -و نحوه الطّبرسيّ-قال:(مخلصا)أخلصه اللّه للنّبوّة،و بالكسر بمعنى أخلص هو العبادة للّه».

و قال الزّجّاج:«إنّ«المخلص»الّذي أخلصه اللّه أي جعله مختارا خالصا من الدّنس،و«المخلص»:

ص: 806

الّذي وحّد اللّه و جعل نفسه خالصة في طاعة اللّه غير دنسة».

و قال الزّمخشريّ: «بالكسر الّذين أخلصوا دينهم للّه،و بالفتح الّذين أخلصهم اللّه لطاعته بأن عصمهم».

و قال الفخر الرّازيّ أيضا:«المخلص»من الاصطفاء و الاجتباء،كأنّ اللّه تعالى اصطفاه و استخلصه،و في«المخلص»أنّه أخلص للّه التّوحيد في العبادة-و ذكر القراءتين كما سبق-ثمّ قال:فجعل اللّه تعالى من صفة موسى عليه السّلام كلا الأمرين...».

و قال في(23):«و وروده باسم الفاعل يدلّ على كونه آتيا بالطّاعات و القربات مع صفة الإخلاص، و وروده باسم الفاعل يدلّ على أنّ اللّه تعالى استخلصه لنفسه و اصطفاه لحضرته،و على كلا الوجهين فإنّه من أدلّ الألفاظ على كونه منزّها عمّا أضافوه إليه».

و قال البروسويّ: («مخلصا)أخلصه اللّه من الأدناس و النّقائص و ممّا سواه،و معنى الفتح الموافق للصّديق،فإنّ أهل الإشارة قالوا:إنّ الصّادق و المخلص بالكسر من باب واحد،و هو التّخلّص من شوائب الصّفات النّفسانيّة مطلقا،و الصّديق و المخلص بالفتح من باب واحد،و هو التّخلّص أيضا من شوائب الغيريّة»،ثمّ حكى عن«التّأويلات النّجميّة»كلاما لطيفا في الفرق بينهما،و في مراتب الإخلاص،فلاحظ.

و قال ابن عاشور فيها-بعد أن ذكر معنى الإخلاص و الفرق بين الفتح و الكسر بنحو ممّا سبق-:«و خصّ موسى بعنوان المخلص على الوجهين،لأنّ ذلك مزيّته، فإنّه أخلص في الدّعوة إلى اللّه فاستخفّ بأعظم جبّار و هو فرعون،و جادله مجادلة الأكفّاء-و ذكر الآيات- فكان الإخلاص في أداء أمانة اللّه تعالى ميزته،و لأنّ اللّه اصطفاه لكلامه مباشرة قبل أن يرسل إليه الملك بالوحي،فكان(مخلصا)بذلك،أي مصطفى،لأنّ ذلك مزيّته،قال تعالى: وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي طه:

41.

و قال مكارم الشّيرازيّ فيما وهبه اللّه لموسى:

«و هذا المقام عظيم جدّا،مقام مقترن بالضّمان الإلهيّ عن الانحراف،مقام محكم لا يستطيع الشّيطان اختراقه، و لا يمكن تحصيله إلاّ بالجهاد الدّائم للنّفس و الطّاعة المستمرّة المتلاحقة لأوامر اللّه سبحانه...».

و قال فضل اللّه:«أخلصه اللّه لنفسه فلم يكن فيه شيء لغيره،لا في نفسه و لا في عمله تتمثّل فيه العبوديّة الخالصة للّه في أعلى الدّرجات و أرفع المستويات».

و قال أبو السّعود في(23)-بعد أن ذكر المعنيين بنحو ممّا سبق-:«و على كلا المعنيين فهو منتظم في سلكهم داخل في زمرتهم من أوّل أمره بقضيّة الجملة الاسميّة،لا أنّ ذلك حدث له بعد أن لم يكن كذلك، فانحسم مادّة احتمال صدور الهمّ بالسّوء منه عليه السّلام بالكلّيّة».

و يظهر من الآية أنّ من شأن المخلصين من عباد اللّه أن يروا برهان ربّهم،و أنّ اللّه يصرف كلّ سوء و فحشاء عنهم،فلا يقترفون معصية و لا يهمّون بها بما يريهم اللّه من برهانه.و هذه هي العصمة الإلهيّة.

ص: 807

و قال مكارم الشّيرازيّ: «تتجلّى من إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ هذه الحقيقة،و هي أنّ اللّه سبحانه لا يترك عباده المخلصين في اللّحظات المتأزّمة وحدهم،و لا يقطع عنهم إمداداته المعنويّة بل يحفظ عباده بألطافه الخفيّة...».

و ذكر في الفرق بين«المخلص و المخلص»بكسر اللاّم و فتحها:«أنّ الكسر غالبا جاء في مراحل تكامل الإنسان الأولى و في حال تكامل شخصيّته،كقوله (17): فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، و الفتح في المرحلة العالية الّتي تحصل بعد مدّة مديدة من جهاد النّفس مثل(30): إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ» فلاحظ.

4-و جاء خمس منها:(24-28)خطابا للمشركين أو حكاية عنهم إنذارا لهم و استثناء عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ منهم بألفاظ متفاوتة.

(25): وَ ما تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

(26): فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ

(27): فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ

(28): سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ

(29): لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ* لَكُنّا عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ

و قد قارن اللّه تعالى فيها عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ بهؤلاء المعاقبين إهانة بهم و تكريما للعباد المخلصين.

و جاءت آيتان من هذا النّوع-أي الإنذار للكافرين مع استثناء المخلصين بلسان إبليس في سياقين:

(30): قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ

(31): قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، فسياق الأولى مؤكّد بالقسم فَبِعِزَّتِكَ و سياق الثّانية مؤكّد بمقابلة إغوائه لهم بإغواء اللّه إيّاه، و تزيينه لهم الأعمال بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ.

و الفرق بينهما و بين ما تقدّمتهما:أنّ تلك كانت كلّها حكاية عن اللّه تعالى،و هاتان من لسان إبليس، فإنّه كان يعلم أن لا سلطان له على المخلصين،و هذه مزيّة لهم خاصّة بهم أن عصمهم اللّه من إغواء الشّيطان،و هذا معنى العصمة،فإنّها من اللّه،لا من عند المعصومين أنفسهم.

و قد جاء في حديث رواه الفيض الكاشانيّ في تفسير الصّافي:«المعصوم من عصمه اللّه».لاحظ:ع ص م:«عصمهم».

و الآيتان مشتركتان في أمرين:

أوّلهما:أنّهما جاءتا عقيب لعن اللّه إبليس و إنظاره إلى يوم يبعثون،فجاء قبل الأولى: قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ* قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ص:77- 81.

و جاء مثلها قبل الثّانية،و فيها(اللعنة)بدل (لعنتى).

ثانيهما:أنّ اللّه أكّد على عقابه و عقاب من اتّبعه

ص: 808

بعد الآيتين،فجاء بعد الأولى: قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ* لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ص:84 و 85.

و جاء بعد الثّانية: قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ* وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ* لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ الحجر:41 -44.

و التّأكيد لنجاة المخلصين و عقاب الغاوين في الثّانية أشدّ و أغلظ؛حيث جاءت فيها أربع آيات،منها الآية الأولى جاءت في استقامة صراط المخلصين:

قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ، و الثّالثة في التّأكيد أنّه ليس له سلطان إلاّ على من اتّبعه من الغاوين.

و خصّت آيتان بعقابهم في جهنّم،مع توصيف جهنّم بأنّ لهم سبعة أبواب...

و يلحظ تناسب قول إبليس و التّعقيب عليه من اللّه من حيث العدد:فقد جاءت في الآية الأولى جملتان من إبليس و من اللّه كليهما،و جاءت في الثّانية ثلاث جمل فيهما علاوة على قوله: هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ مع توصيف جهنّم في الآية الأخيرة بوصفين بلاغا في الرّدّ على قول إبليس،فلاحظ.

و جاءت هذه الحكاية بين إبليس و بين اللّه مرّة ثالثة في سورة الأعراف الآيات(16-18)بتفصيل أكثر ممّا في الآيتين،و منها: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ* قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ فجاء فيها حكاية عن إبليس ثلاث جمل،و عن اللّه جملتان، لكن مع قيود أكثر.

و يلاحظ ثانيا أنّ في هذه المادّة نكاتا:

1-من هذه الكلمات الكثيرة جاء الفعل ماضيا فقط أربع مرّات:مرّة مجرّدا(1)و ثلاث مرّات مزيدا:

مرّتين من باب الإفعال(8 و 9)و مرّة من باب الاستفعال(5)و يبدو أنّ في الاكتفاء بصيغة الماضي دون غيرها من الصّيغ سرّا،و لعلّه لتأكيد صدوره من اللّه حتما.كأنّه قد مضى و فرغ منه.

2-جاء منها مُخْلَصاً بالكسر 11 مرّة،في القراءة المشهورة،و مُخْلَصاً بالفتح 9 مرّات، و«المخلص»من فعل العباد،و«المخلص»من فعل اللّه، و هو غاية الإخلاص.فيبدو أنّ بعض مساعي العباد في تحصيل الإخلاص لا ينتهي إلى غايتها،فلا يأتيه الإخلاص من اللّه.

3-من جملة آيات مُخْلَصاً بالكسر جاءت ثلاث منها في سورة«الزّمر»:(10 و 12 و 13)، و من مُخْلَصاً بالفتح خمس آيات في سورة الصّافّات:(24-28)فهاتان السّورتان لهما اختصاص بالإخلاص،بقسميه فلاحظ.

4-من هذه الآيات ثلاث مدنيّة:(7 و 9 و 21) و الخطاب فيها لأهل الكتاب القاطنين في المدينة، و الباقي-و هي 27 آية-مكّيّة موردها المشركون، و كلّها راجعة إلى التّوحيد،و هو ركن الدّعوة

ص: 809

الإسلاميّة في مكّة.

ثالثا:نظائر هذه المادّة في القرآن:

الاختيار: وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا الأعراف:155

الاصطفاء: يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ

آل عمران:42.

الاختصاص: وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ البقرة:105

ص: 810

خ ل ط

اشارة

4 ألفاظ،6 مرّات:4 مكّيّة،2 مدنيّتان

في 6 سور:4 مكّيّة،2 مدنيّتان

خلطوا 1:-1 تخالطوهم 1:-1

الخلطاء 1:1 اختلط 3:3

النّصوص اللّغويّة

الخليل :اختلط الشّيء بالشّيء،و خلطته خلطا.

و الخلط:اسم كلّ نوع من الأخلاط،كالدّواء و نحوه.

و الخليط أيضا:من السّمن،فيه لحم و شحم.

و الخليط:تبن و قتّ مختلطان.

و الخلّيطى:تخليط الأمر،إنّه لفي خلّيطى من أمره.

و الخلاط:مخالطة الذّئب بالغنم.

و خليط الرّجل:مخالطه.

و الخليط:القوم الّذين أمرهم واحد.

و الخلاط:مخالطة الفحل النّاقة أيضا،إذا خالط ثيله حياءها.

و أخلط الرّجل للفحل،إذا أدخل قضيبه و سدّده.

و خولط في عقله خلاطا فهو خلط.

و خلط:مختلط بالنّاس متحبّب،و امرأة بالهاء.

«و نهي عن الخليطين في الأنبذة»و هو أن يجمع بين صنفين تمر و زبيب أو عنب و رطب.

و قوله:«لا خلاط و لا وراط»أي لا يجمع بين متفرّق و لا يفرّق بين مجتمع.و الوراط:الخديعة.

و إذا حلبت على الحامض محضا،فهو الخليط.

و الخلاط:مخالطة الدّاء الجوف.

و أخلط الفحل،إذا خالط،و أخلطه الرّجل.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](4:218)

و الخليط من السّمن:الّذي فيه شحم و لحم.

(الأزهريّ 7:235)

ص: 811

ابن شميّل:جمل مختلط،و ناقة مختلطة:إذا سمنا،حتّى اختلط الشّحم باللّحم.

(الأزهريّ 7:239)

الشّافعيّ: في حديث:«و ما كان من خليطين فإنّهما يتراجعان بينهما بالسّويّة».

الخليطان:الشّريكان لم يقسما الماشية،و تراجعهما بينهما بالسّويّة:أن يكونا خليطين في الإبل يجب فيها الغنم،فتوجد الإبل في يد أحدهما،فتؤخذ منها صدقتهما،فترجع على شريكه بالسّويّة.

مثله أبو عبيد.(الهرويّ 2:583)

[و في حديث:]«لا خلاط»،أي لا يجمع بين المتفرّق.

[و في حديث آخر:]«في الخليطين من الأشربة.» إنّه الشّراب،يتّخذ من التّمر و البسر أو من العنب، و الزّبيب و التّمر.(الهرويّ 2:583)

و قد يكون الخليطان:الرّجلين يتخالطان بماشيتهما،و إن عرف كلّ واحد منهما ماشيته.

و لا يكونان«خليطين»حتّى يريحا و يسرحا و يسقيا معا.و تكون فحولهما مختلطة،فإذا كانا هكذا صدّقا صدقة الواحد،بكلّ حال.

و إن تفرّقا في مراح أو سقي أو فحول،فليسا «خليطين»،و يصدّقان صدقة الاثنين.

و لا يكونان.«خليطين»حتّى يحول عليهما الحول،من يوم اختلطا فإذا حال عليهما حول من يوم اختلطا زكّيا زكاة الواحد.(الأزهريّ 7:236)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخليط:الرّثيئة.(1:219)

هذا سهم خلط:الّذي لا يستقيم،و رجل خلط، مثله.(1:235)

أبو زيد :و يقال:مال القوم خليطا،إذا كان مختلطا.و يقال:خليطا.(218)

إذا قعا الفحل على النّاقة فلم يسترشد لحيائها حتّى يدخله الرّاعي،أو غيره،قيل:قد أخلطه إخلاطا،و ألطفه إلطافا،فهو يخلطه و يلطفه فإن فعل الجمل ذلك من تلقاء نفسه،قيل:قد استخلط و استلطف.يقال:«اختلط اللّيل بالتّراب»إذا اختلط على القوم أمرهم،«و اختلط المرعيّ بالهمل».

(الأزهريّ 7:239)

الأصمعيّ: الخلط من السّهام:الّذي ينبت عوده على عوج؛فلا يزال يعوجّ و إن قوّم.

(الأزهريّ 7:239)

فإذا ضبط الفحل الضّراب،قيل:قد استخلط.

(الكنز اللّغويّ: 68)

ابن الأعرابيّ: الخلاط:أن يأتي الرّجل إلى مراح آخر فيأخذ منه جملا،فينزيه على ناقته سرّا من صاحبه.

و الخلاط أيضا:أن لا يحسن الجمل القعوّ على طروقته،فيأخذ الرّاعي قضيبه و يهديه للمأتى حتّى يولجه.(الأزهريّ 7:238)

الخلط:الموالي و الخلط:الشّركاء،و الخلط:جيران الصّفاء.(الأزهريّ 7:240)

رجل خلط:في معنى خليط.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 5:116)

ص: 812

خلط يخلط خلطا،و أخلط،إذا غضب.[ثمّ استشهد بشعر](القاليّ 2:177)

خلط الثّلاثة رجل يخلطهم خلطا،أي خالطهم.

(الصّغانيّ 4:125)

ابن السّكّيت:و يقال:أوباش من النّاس،أي أخلاط.و واحد الأخلاط:خلط.(38)

الدّينوريّ: يلقى الرّجل الرّجل الّذي قد أورد إبله فأعجل الرّطب،و لو شاء لأخّره،فيقول:لقد فارقت خليطا لا تلقى مثله أبدا!يعني الجزّ.

(ابن سيده 5:116)

ابن أبي اليمان :و الخلط:مصدر خلط.(511)

و الشّميط،و الخليط بمعنى.

و الخليط أيضا:الجيران المختلطون.(519)

الحربيّ: العشير:الخليط،و لا يقال:«خليط»إلاّ في شركة مال أو تجارة.(1:157)

ابن دريد :و الخلط:خلطك الشّيء بعضه ببعض، معروف.خلطت الشّيء أخلطه خلطا،و اختلط القوم اختلاطا،إذا تشابكوا في الحرب خاصّة،و الاسم:

الخلاط.

و رجل مخلط مزيل:يخالط الأمور و يزايلها، عارف بها.

و الخليط:المحالّ في الموضع،و من ذلك قولهم:

«بان الخليط»،و يجمع خلطا.

و يجمع الخليط:خلطاء أيضا.و كذلك فسّر في التّنزيل: وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ص:24،أي الرّجلين اللّذين قد خلطا أموالهما بعضها ببعض نحو الشّريكين.

و أخلاط النّاس:أشابتهم،من قولهم:شبت الشّيء بالشّيء،إذا خلطته.

و على ماء بني فلان أخلاط من النّاس،أي من قبائل شتّى.

و اختلط الفرس و أخلط،إذا قصّر في جريه.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:231)

نفطويه:الخلطاء واحدها خليط،و هو من خالطك في متجر،أو دين،أو معاملة،أو جوار،و قد يقال:خليط،للواحد و الجمع.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله تعالى: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ البقرة:220،يعني اليتامى،أي خالطوهم على الأخوّة في الإسلام،فإنّها توجب النّصح.(الهرويّ 2:583)

الأزهريّ: [ذكر قول الخليل :«...إنّه لفي خلّيطى من أمره»ثمّ أضاف:]

و قد تخفّف اللاّم،فيقال:خليطى.

و يقال للقوم إذا خلطوا مالهم بعضه ببعض:

خليطى.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«لا خلاط و لا شناق في الصّدقة».

و في حديث آخر:«و ما كان من خليطين فإنّهما يتراجعان بينهما بالسّويّة».[إلى أن قال:]

و الخليط:الصّاحب.و الخليط:الجار.و يكون واحدا و جمعا.

و يقال:خولط الرّجل،فهو مخالط،و اختلط عقله.فهو مختلط،إذا تغيّر عقله.

ص: 813

و الخلاط:مخالطة الرّجل أهله،إذا جامعها، و كذلك مخالطة الجمل النّاقة،إذا خالط ثيله حياءها.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](7:235)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و جاء خليطى من النّاس و خليطى و خليط،أي أخلاط.

و في المثل:«ليس أوان يكره الخلاط»أي ليس أوان التّنحّي عن الأمر.

و فلان خلط ملط،أي مختلط النّسب.(4:289)

الخطّابيّ: [في حديث:]«...و كان المدّعي قبله حوّلا قلّبا مخلطا مزيلا...»

قال أبو عمرو:فالمزيل:الجدل في الخصومات الّذي يزول من حجّة إلى حجّة،و المخلط:الّذي يخلط شيئا بشيء فيلبّسه على السّامعين.(2:527)

الجوهريّ: خلطت الشّيء بغيره خلطا فاختلط.

و خالطه مخالطة و خلاطا.

و اختلط فلان،أي فسد عقله.

و التّخليط في الأمر:الإفساد فيه.

و قولهم:وقعوا في الخلّيطى،مثال السّمّيهى،أي اختلط عليهم أمرهم.

و الخليط:المخالط،كالنّديم:المنادم،و الجليس:

المجالس.و هو واحد و جمع.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و قد يجمع على:خلطاء و خلط.

و إنّما كثر ذلك في أشعارهم،لأنّهم كانوا ينتجعون أيّام الكلإ فيجتمع منهم قبائل شتّى في مكان واحد،فتقع بينهم ألفة،فإذا افترقوا و رجعوا إلى أوطانهم ساءهم ذلك.

و أمّا الحديث:«لا خلاط و لا وراط»،فيقال:هو كقوله:«لا يجمع بين متفرّق و لا يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة».

و الخلطة،بالضّمّ:الشّركة.

و الخلطة،بالكسر:العشرة.

و الخلط أيضا:واحد أخلاط الطّيب.

و الخلط أيضا:السّهم ينبت عوده على عوج،فلا يزال يتعوّج و إن قوّم.

و رجل مخلط بكسر الميم:يخالط الأمور.يقال:

فلان مخلط مزيل،كما يقال:هو راتق فاتق.

و استخلط البعير،أي قعا.و أخلطه صاحبه،إذا جعل قضيبه في الحياء.

و الخليط من العلف:قتّ و تبن.

«و نهي عن الخليطين في الأنبذة»و هو أن يجمع بين صنفين:تمر و زبيب،أو عنب و رطب.

و خولط الرّجل في عقله خلاطا.(3:1124)

ابن فارس: الخاء و اللاّم و الطّاء أصل واحد مخالف للباب الّذي قبله[خلص]،بل هو مضادّ له.

تقول:خلطت الشّيء بغيره فاختلط.و رجل مخلط، أي حسن المداخلة للأمور.و خلافه المزيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخليط:المجاور.

و يقال:الخلط:السّهم ينبت عوده على عوج، فلا يزال يتعوّج و إن قوّم.

و هذا من الباب؛لأنّه ليس يخالط في الاستقامة.

ص: 814

و يقال:استخلط البعير،و ذلك أن يعيا بالقعو على النّاقة و لا يهتدي لذلك،فيخلط له و يلطف له.

(2:208)

أبو هلال :الفرق بين الخلط و اللّبس:أنّ اللّبس يستعمل في الأعراض،مثل الحقّ و الباطل و ما يجري مجراهما،و تقول:في الكلام لبس،.و الخلط يستعمل في العرض و الجسم،فتقول:خلطت الأمرين و لبستهما، و خلطت النّوعين من المتاع،و لا يقال:لبستهما.

و حدّ اللّبس:منع النّفس من إدراك المعنى بما هو كالسّتر له.و قلنا ذلك؛لأنّ أصل الكلمة السّتر.

(249)

الهرويّ: يقال:هو خليطي و شريكي،بمعنى واحد.

و في الحديث:«لا خلاط»قال أبو بكر:معناه:

لا يخلطنّ رجل إبله بإبل غيره ليمنع حقّ اللّه منها، و يبخس المصدّق كلّما يجب له.(2:583)

الثّعالبيّ: الخليط:[خلط]السّمن بالشّحم،و هو أيضا:الطّين المختلط بالتّبن أو بالقتّ.(266)

أوّل مراتبها[أحوال الغضب]:السّخط، و هو خلاف الرّضا،ثمّ:الاخرنطام،ثمّ:البرطمة،ثمّ:

الغيظ،ثمّ:الحرد،ثمّ:الحنق،ثمّ:الاختلاط،و هو أشدّ الغضب (1).(189)

ابن سيده: خلط الشّيء بالشّيء يخلطه خلطا، و خلّطه فاختلط:مزجه.

و خالط الشّيء بالشّيء مخالطة و خلاطا:

مازجه.

و الخلط:ما خالط الشّيء.و جمعه:أخلاط.

و أخلاط الإنسان:أمزجته الأربعة.

و سمن خليط:فيه شحم و لحم.

و الخليط:تبن و قتّ،و هو أيضا طين و تبن يخلطان.

و لبن خليط:مختلط من حلو و حازر (2).

و الخليطة:أن تحلب الضّأن على لبن المعزى، و المعزى على لبن الضّأن،أو تحلب النّاقة على لبن الغنم.

و الخلاط:اختلاط الإبل و النّاس و المواشي.

و بها أخلاط من النّاس،و خليط،و خليطى، و خلّيطى،أي أوباش مختلطون،لا واحد لشيء من ذلك.

و وقع القوم في خليطى،و خلّيطى،أي:اختلاط.

و ما لهم بينهم خلّيطى:مختلط.

و رجل مخلط:مزيل يخالط الأمور و يزايلها.

و مخلاط،كمخلط.

و خلط القوم خلطا،و خالطهم:داخلهم.

و خليط القوم:مخالطهم،و لا يكون إلاّ في الشّركة.

و قد يكون«الخليط»جمعا.

و الخليط:الزّوج،و ابن العمّ.ض.

ص: 815


1- نقلناه بتلخيص.
2- :حامض.

و الخليط:القوم الّذين أمرهم واحد،و الجمع:

خلطاء،و خلط.

و الخلاط:أن يكون بين الخليطين مائة و عشرون شاة،لأحدهما ثمانون و للآخر أربعون،فإذا جاء المصدّق فأخذ منها شاتين ردّ صاحب الثّمانين على صاحب الأربعين ثلث شاة،فيكون عليه شاة و ثلث و على الآخر ثلثا شاة.و إن أخذ المصدّق من العشرين و المائة شاة واحدة ردّ صاحب الثّمانين على صاحب الأربعين ثلث شاة،فيكون عليه ثلثا شاة و على الآخر ثلث شاة؛و منه الحديث:«لا خلاط و لا وراط».

الوراط:الخديعة و الغشّ.

و قيل:«لا خلاط و لا وراط»لا يجمع بين متفرّق و لا يفرّق بين مجتمع.

و الخلط:المختلط بالنّاس،يكون الّذي يتملّقهم و يتحبّب إليهم،و يكون الّذي يلقي نساءه و متاعه بين النّاس؛و الأنثى:خلطة.

و حكى سيبويه:خلط،بضمّ اللاّم،و فسّره السّيرافيّ بمثل ذلك.

و العرب تقول:«أخلط من الحمّى»يريدون:أنّها كأنّها متحبّبة إليه متملّقة بورودها إيّاه و اعتيادها له، كما يفعل المحبّ الملق.

و رجل خلط:بيّن الخلاطة أحمق،مخالط العقل، عن أبي العميثل الأعرابيّ.

و قد خولط في عقله خلاطا،و اختلط.

و خالطه الدّاء خلاطا:خامره.

و خالط الذّئب الغنم خلاطا:وقع فيها.

و خالط الرّجل امرأته خلاطا:جامعها.

و أخلط الفحل:خالط الأنثى.

و أخلطه صاحبه،و أخلط له،-الأخيرة عن ابن الأعرابيّ-:إذا أخطأ فسدّده.

و استخلط هو:فعل ذلك من تلقاء نفسه.

و الأخلاط:الجماعة من النّاس.

و الخلط،و الخلط:السّهم الّذي ينبت عوده على عوج فلا يزال يتعوّج و إن قوّم،و كذلك القوس.

و قد فسّر به هذا البيت الّذي أنشده ابن الأعرابيّ:

«و أنت امرؤ خلط»أي إنّك لا تستقيم أبدا،و إنّما أنت كالقدح الّذي لا يزال يتعوّج و إن قوّم.و الأوّل أجود.

و الخلط:الأحمق،و الجمع:أخلاط.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](5:114)

الخلط:أخلاط الإنسان:أمزجته الأربعة الّتي عليها بنيته،و هي صفراء،و البلغم،و الدّم،و السّوداء.

(الإفصاح 1:109)

خلط الشّيء بالشّيء يخلطه خلطا،و خلّطه به و خالطه به:ضمّه إليه.و قد يمكن التّمييز بعد ذلك كما في خلط الحيوانات،و قد لا يمكن كخلط المائعات، فيكون مزجا.و أصل الخلط:تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض.

و قد توسّع فيه حتّى قيل:رجل خليط،إذا اختلط بالنّاس كثيرا.و الجمع:خلطاء.

و الخلطة:اسم من الاختلاط.

(الإفصاح 2:1365)

الرّاغب: الخلط:هو الجمع بين أجزاء الشّيئين

ص: 816

فصاعدا،سواء كانا مائعين أو جامدين،أو أحدهما مائعا و الآخر جامدا،و هو أعمّ من المزج.و يقال:

اختلط الشّيء،قال تعالى: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ الكهف:45.

و يقال للصّديق و المجاور و الشّريك:خليط، و«الخليطان»في الفقه من ذلك،قال تعالى: وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ص:24.

و يقال:الخليط للواحد و الجمع.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال: خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً التّوبة:

102،أي يتعاطون هذا مرّة و ذاك مرّة،

و يقال:أخلط فلان في كلامه إذا صار ذا تخليط، و أخلط الفرس في جريه كذلك،و هو كناية عن تقصيره فيه.(155)

نحوه الفيروزآباديّ.(2:559)

الزّمخشريّ: خلط الماء بالشّراب و خالطه الماء و خلّطه و اختلط به.و جمع أخلاط الدّواء.الواحد:

خلط.

و علفته الخليط،و هو تبن و قتّ مختلطان.

و هو يبيع مخلّط خراسان.

و من المجاز:خالطت فلانا و هو خليطي،و هم الخليط:المجاور.

و هو خليطه في التّجارة و في الغنم،أي شريكه.

و بينهما خلطة.و هم خلطاؤه.

و رجل مخلط مزيل.

و اختلط القوم في الحرب و تخالطوا:تشابكوا.

و خالط الذّئب الغنم.

و هو في تخليط من أمره.

و جمع ماله من تخاليط.

و خالط المرأة خلاطا،و خالط الفحل النّاقة، و استخلط الفحل،و أخلطه صاحبه:أدخل قضيبه في الحياء.

و خالط الدّواء جوفه.و خالطه السّهم.

و خولط في عقله،و اختلط.

و رجل خلط:يتحبّب إلى النّاس و يختلط بهم، و قد خالطهم و خالفهم.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(أساس البلاغة:118)

[في حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم]«...و في السّيوب الخمس،لا خلاط و لا وراط».الخلاط:أن يخالط صاحب الثّمانين صاحب الأربعين في الغنم،و فيهما شاتان لتؤخذ واحدة.(الفائق 1:14،16)

[و في حديث:]«سئل عن موجب الجناية،فقال:

الخنق و الخلاط»و الخلاط:مخالطة الرّجل المرأة.

(الفائق 1:386)

الحجّاج في خطبته:«...ليس أوان يكثر الخلاط» الخلاط:السّفاد،أي ليس وقت السّفاد و التّعشيش.

(الفائق 4:130)

الطّبرسيّ: المخالطة:مجامعة يتعذّر معه التّمييز، كمخالطة الخلّ للماء،و ما أشبهه،و الخليطان:

الشّريكان،لاختلاط أموالهما.

و الخليط:القوم أمرهم واحد.(1:315)

المدينيّ: في حديث الوسوسة:«رجع-يعني

ص: 817

الشّيطان-يلتمس الخلاط».

أي يخالط قلب المصلّي بالوسوسة.

في حديث الحسن في صفة الأبرار:«يظنّ النّاس أن قد خولطوا و ما خولطوا،و لكن خالط قلبهم همّ عظيم».يقال:خولط فلان في عقله مخالطة و خلاطا، إذا اختلّ عقله.

في الحديث:«ما خالطت الصّدقة مالا إلاّ أهلكته».

قال الشّافعيّ: يعني أنّ خيانة الصّدقة يتلف المال المخلوط بالخيانة في الصّدقة.

و قيل:هو حثّ على تعجيل أدائها قبل أن تختلط بماله.

و قيل:هو تحذير للعمّال عن اختزال شيء منها.

(1:605)

ابن الأثير: في حديث الزّكاة:«لا خلاط و لا وراط».

الخلاط:مصدر خالطه يخالطه مخالطة و خلاطا.

و المراد به:أن يخلط الرّجل إبله بإبل غيره،أو بقره أو غنمه ليمنع حقّ اللّه منها،و يبخس المصدّق فيما يجب له،و هو معنى قوله في الحديث الآخر:«لا يجمع بين متفرّق و لا يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة».

أمّا الجمع بين المتفرّق فهو الخلاط،و ذلك أن يكون ثلاثة نفر مثلا،و يكون لكلّ واحد أربعون شاة، و قد وجب على كلّ واحد منهم شاة،فإذا أظلّهم المصدّق جمعوها لئلاّ يكون عليهم فيها إلاّ شاة واحدة.

و أمّا تفريق المجتمع فأن يكون اثنان شريكان، و لكلّ واحد منهما مائة شاة و شاة،فيكون عليهما في ماليهما ثلاث شياه،فإذا أظلّهما المصدّق فرّقا غنمهما، فلم يكن على كلّ واحد منهما إلاّ شاة واحدة.

قال الشّافعيّ: الخطاب في هذا للمصدّق و لربّ المال.قال:و الخشية خشيتان:خشية السّاعي أن تقلّ الصّدقة،و خشية ربّ المال أن يقلّ ماله،فأمر كلّ واحد منهما أن لا يحدث في المال شيئا من الجمع و التّفريق.هذا على مذهب الشّافعيّ،إذ الخلطة مؤثّرة عنده.

أمّا أبو حنيفة فلا أثر لها عنده،و يكون معنى الحديث نفي الخلاط لنفي الأثر،كأنّه يقول:لا أثر للخلطة في تقليل الزّكاة و تكثيرها.

و منه حديث الزّكاة أيضا:«و ما كان من خليطين فإنّهما يتراجعان بينهما بالسّويّة».

الخليط:المخالط،و يريد به الشّريك الّذي يخلط ماله بمال شريكه.و التّراجع بينهما هو أن يكون لأحدهما مثلا أربعون بقرة و للآخر ثلاثون بقرة، و مالهما مختلط،فيأخذ السّاعي عن الأربعين مسنّة، و عن الثّلاثين تبيعا،فيرجع باذل المسنّة بثلاثة أسباعها على شريكه،و باذل التّبيع بأربعة أسباعه على شريكه،لأنّ كلّ واحد من السّنّين واجب على الشّيوع،كأنّ المال ملك واحد.

و في قوله:«بالسّويّة»،دليل على أنّ السّاعي إذا ظلم أحدهما فأخذ منه زيادة على فرضه،فإنّه لا يرجع بها على شريكه،و إنّما يغرم له قيمة ما يخصّه من الواجب دون الزّيادة.و في التّراجع دليل على أنّ

ص: 818

الخلطة تصحّ مع تمييز أعيان الأموال عند من يقول به.

و في حديث النّبيذ:«أنّه نهي عن الخليطين أن ينبذا»يريد ما ينبذ من البسر و التّمر معا،أو من العنب و الزّبيب،أو من الزّبيب و التّمر،و نحو ذلك ممّا ينبذ مختلطا.و إنّما نهى عنه،لأنّ الأنواع إذا اختلفت في الانتباذ كانت أسرع للشّدّة و التّخمير.

و النّبيذ المعمول من خليطين،ذهب قوم إلى تحريمه و إن لم يسكر أخذا بظاهر الحديث،و به قال مالك و أحمد.و عامّة المحدّثين قالوا:من شربه قبل حدوث الشّدّة فيه،فهو آثم من جهة واحدة،و من شربه بعد حدوثها،فهو آثم من جهتين:شرب الخليطين و شرب المسكر.و غيرهم رخّص فيه و علّلوا التّحريم بالإسكار.

و فيه:«ما خالطت الصّدقة مالا إلاّ أهلكته».قال الشّافعيّ:يعني أنّ خيانة الصّدقة تتلف المال المخلوط بها.

و قيل:هو تحذير للعمّال عن الخيانة في شيء منها.

و قيل:هو حثّ على تعجيل أداء الزّكاة قبل أن تختلط بماله.

و في حديث الشّفعة:«الشّريك أولى من الخليط، و الخليط أولى من الجار».الشّريك:المشارك في الشّيوع.و الخليط:المشارك في حقوق الملك كالشّرب و الطّريق و نحو ذلك.

و في حديث الوسوسة:«رجع الشّيطان يلتمس الخلاط»أي يخالط قلب المصلّي بالوسوسة.

و منه حديث عبيدة:«و سئل ما يوجب الغسل؟ قال:الخفق و الخلاط»أي الجماع،من المخالطة.

و في حديث سعد:«و إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشّاة،ما له خلط»أي لا يختلط نجوهم بعضه ببعض لجفافه و يبسه،فإنّهم كانوا يأكلون خبز الشّعير و ورق الشّجر لفقرهم و حاجتهم.

و منه حديث أبي سعيد:«كنّا نرزق تمر الجمع على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم».و هو الخلط من التّمر أي المختلط من أنواع شتّى.

و في حديث شريح:«جاءه رجل فقال:إنّي طلّقت امرأتي ثلاثا و هي حائض،فقال:أمّا أنا فلا أخلط حلالا بحرام»أي لا أحتسب بالحيضة الّتي وقع فيها الطّلاق من العدّة،لأنّها كانت له حلالا في بعض أيّام الحيضة و حراما في بعضها.

و في حديث الحسن يصف الأبرار:«و ظنّ النّاس أن قد خولطوا و ما خولطوا،و لكن خالط قلبهم همّ عظيم».يقال:خولط فلان في عقله مخالطة،إذا اختلّ عقله.(2:62)

الصّغانيّ: الخليطى،بتخفيف اللاّم مقصورا:

اختلاط الأمر.

و امرأة خلطة،بالكسر،أي مختلطة بالنّاس.

و خلاط،بالكسر،:مدينة من مدائن إرمينية.

و يقال للأحمق:إنّه لخلط،و هم أخلاط سوء.

و الاسم:الخلاطة،و إنّ فيه لخلاطة،أي حمقا.

و الخلط،أيضا:الحسن الخلق.

و الخلط،أيضا الموصوم النّسب.(4:125)

الفيّوميّ: خلطت الشّيء بغيره خلطا،من باب

ص: 819

«ضرب»:ضممته إليه،فاختلط هو.و قد يمكن التّمييز بعد ذلك كما في خلط الحيوانات،و قد (1)لا يمكن كخلط المائعات،فيكون مزجا.

قال المرزوقيّ: أصل الخلط تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض.و قد توسّع فيه حتّى قيل:رجل خليط،إذا اختلط بالنّاس كثيرا؛و الجمع:الخلطاء، مثل:شريف و شرفاء.و من هنا قال ابن فارس:

الخليط:المجاور،و الخليط:الشّريك.

و الخلط:طيب معروف؛و الجمع:أخلاط مثل:

حمل و أحمال.

و الخلطة مثل:العشرة وزنا و معنى.

و الخلطة بالضّمّ:اسم من الاختلاط،مثل:الفرقة من الافتراق.

و قد يكنى بالمخالطة عن الجماع.و منه قول الفقهاء خالطها مخالطة الأزواج،يريدون الجماع.

(1:177)

الفيروزآباديّ: خلطه يخلطه و خلّطه:مزجه فاختلط.

و خالطه مخالطة و خلاطا:مازجه.

و الخلط،بالكسر:السّهم و القوس المعوجّان، و يكسر اللاّم فيهما،و الأحمق،و كلّ ما خالط الشّيء، و من التّمر:المختلط من أنواع شتّى.جمعه:أخلاط.

و رجل خلط ملط:مختلط النّسب.و امرأة خلطة:

مختلطة بالنّاس.

و أخلاط الإنسان:أمزجته الأربعة.

و الخليط:الشّريك،أو المشارك في حقوق الملك كالشّرب و الطّريق.

و منه الحديث:«الشّريك أولى من الخليط، و الخليط أولى من الجار».و أراد بالشّريك:المشارك في الشّيوع،و الزّوج،و ابن العمّ،و القوم الّذين أمرهم واحد.

و المخالط جمعه:خلط و خلطاء،و طين مختلط بتبن أو بقتّ،و لبن حلو مختلط بخازر،و سمن فيه شحم و لحم.

و بهاء:أن تحلب النّاقة على لبن الغنم،أو الضّأن على المعزى،و عكسه.

و الخلاط،بالكسر:اختلاط الإبل و النّاس و المواشي،و مخالطة الفحل النّاقة،و أن يخالط الرّجل في عقله،و قد خولط،و أن يكون بين الخليطين مائة و عشرون شاة،لأحدهما ثمانون،فإذا جاء المصدّق، و أخذ منها شاتين،ردّ صاحب الثّمانين على صاحب الأربعين ثلث شاة،فيكون عليه شاة و ثلث،و على الآخر ثلثا شاة.و إن أخذ المصدّق من العشرين و المائة شاة واحدة،ردّ صاحب الثّمانين على صاحب الأربعين ثلثي شاة،فيكون عليه ثلثا شاة،و على الآخر ثلث شاة.

أو الخلاط،بالكسر،في الصّدقة:أن تجمع بين متفرّق،بأن يكون ثلاثة نفر مثلا،و لكلّ أربعون شاة، و وجب على كلّ شاة.فإذا أظلّهم المصدّق،جمعوهاة.

ص: 820


1- الصّواب بدون«قد»لأنّ«قد»لا تدخل على الجمل المنفيّة.

لكيلا يكون عليهم إلاّ شاة واحدة.

و في الحديث:«و ما كان من خليطين،فإنّهما يتراجعان بينهما بالسّويّة».

الخليطان:الشّريكان لم يقتسما الماشية.و تراجعهما أن يكونا خليطين في الإبل،تجب فيها الغنم،فتوجد الإبل في يد أحدهما،فتؤخذ منه صدقتها،فيرجع على شريكه بالسّويّة.و«نهي عن الخليطين أن ينبذا»،أي ما ينبذ من البسر و التّمر معا،أو من العنب و الزّبيب، أو منه و من التّمر،و نحو ذلك ممّا ينبذ مختلطا،لأنّه يسرع إليه التّغيّر و الإسكار.

و أخلاط من النّاس،و خليط و خلّيطى،كسمّيهى و يخفّف:أوباش مختلطون،لا واحد لهنّ.و وقعوا في خلّيطى،و يخفّف،أي:اختلاط.و مالهم خلّيطى، كخلّيفى:مختلط.

و المخلط،كمنبر و محراب:من يخالط الأمور.

و هو مخلط مزيل،كما يقال:راتق فاتق.

و الخلط،بالفتح،و ككتف و عنق:المختلط بالنّاس،المتملّق إليهم،و من يلقي نساءه و متاعه بين النّاس.و رجل خلط،بيّن الخلاطة،بالفتح:أحمق.

و خالطه الدّاء:خامره،و الذّئب الغنم:وقع فيها، و المرأة:جامعها.

و أخلط الفرس:قصّر في جريه،كاختلط، و الفحل:خالط الأنثى.

و أخلطه الجمّال،و أخلط له:أخطأ في الإدخال، فسدّد قضيبه.و استخلط هو:فعل من تلقاء نفسه.

و اختلط:فسد عقله،و الجمل:سمن.

و«اختلط اللّيل بالتّراب،و الحابل بالنّابل، و المرعيّ بالهمل،و الخاثر بالزّباد»:أمثال تضرب في استبهام الأمر و ارتباكه.

و خلاط،ككتاب:بلدة بإرمينيّة،و لا تقل:

أخلاط.و جمل مختلط،و ناقة مختلطة:سمنا حتّى اختلط الشّحم باللّحم.(2:371)

الطّريحيّ: [قال نحو ما مضى عن الفيّوميّ إلاّ أنّه أضاف:]

و المخلط:هو الّذي يحبّ عليّ عليه السّلام و لا يبرأ من عدوّه،و من هذا الباب قول بعضهم:«إنّ صاحبي كان مخلطا،كان يقول طورا بالجبر و طورا بالقدر،و ما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه».(4:246)

مجمع اللّغة :1-خلط الشّيء بالشّيء يخلطه خلطا:ضمّهما و مزجهما.يستعمل في الحسّيّات و المعنويّات.

2-خالط فلان فلانا:عاشره و داخله.

3-اختلط الشّيء بالشّيء:امتزج.

4-الخليط:الشّريك،يقال للواحد و الجمع،كما يجمع على:خلطاء.(1:350)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:170)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو تداخل الأجزاء و انضمامها من شيئين أو أشياء،سواء كانت الأجزاء بعد التّداخل متمايزة أو غير متمايزة، كما في امتزاج المائعين،كاللّبن و الماء،و يسمّى مزجا.

ثمّ إنّ مفهوم الاختلاط يختلف باختلاف الموضوعات:ففي المائعات يسمّى امتزاجا،و هو

ص: 821

الاختلاط الكامل.و في الحبوبات تكون الأجزاء متمايزة،و يسمّى تداخلا،و هو اختلاط متوسّط.و في الإنسان تتحقّق بنحو الارتباط الخارجيّ و المعاشرة و المجاورة المخصوصة.(3:104)

النّصوص التّفسيريّة

خلطوا

وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً... التّوبة:102

الطّوسيّ: معناه أنّهم يفعلون أفعالا جميلة و يفعلون أفعالا سيّئة قبيحة،فيجتمعان و ذلك يدلّ على بطلان القول بالإحباط،لأنّه لو كان صحيحا لكان أحدهما إذا طرأ على الآخر أبطله فلا يجتمعان، فكيف يكون خلطا؟[إلى أن قال:]

و قال أهل اللّغة:«خلط»في الخير مخفّفا و«خلّط»في الشّرّ مشدّدا.(5:335)

نحوه الطّبرسيّ.(3:66)

الواحديّ: العرب تقول:خلط الماء باللّبن و خلطت الماء و اللّبن،كما تقول:جمعت زيدا و عمرا، و الواو في الآية أحسن من الباء،لأنّه أريد معنى الجمع لا حقيقة الخلط؛أ لا ترى أنّ العمل الصّالح لا يختلط بالسّيّئ كما يختلط الماء باللّبن،لكن قد يجمع بينهما.

(الخازن 3:117)

الزّمخشريّ: فإن قلت:قد جعل كلّ واحد منهما مخلوطا فما المخلوط به؟

قلت:كلّ واحد منهما مخلوط و مخلوط به؛لأنّ المعنى خلط كلّ واحد منهما بالآخر كقولك:خلطت الماء و اللّبن،تريد خلطت كلّ واحد منهما بصاحبه، و فيه[من المبالغة]ما ليس في قولك:خلطت الماء

باللّبن،لأنّك جعلت الماء مخلوطا و اللّبن مخلوطا به،و إذا قلته بالواو جعلت الماء و اللّبن مخلوطين و مخلوطا بهما،كأنّك قلت:خلطت الماء باللّبن و اللّبن بالماء.

و يجوز أن يكون من قولهم:بعت الشّاء شاة و درهما،بمعنى شاة بدرهم.(2:212)

نحوه الرّازيّ(مسائل الرّازيّ:123)،و البيضاويّ ملخّصا(1:430)،و النّسفيّ(2:143).

الفخر الرّازيّ: لقائل أن يقول:قد جعل كلّ واحد من العمل الصّالح و السّيّئ مخلوطا فما المخلوط به؟

و جوابه:أنّ الخلط عبارة عن الجمع المطلق،و أمّا قولك:«خلطته»فإنّما يحسن في الموضع الّذي يمتزج كلّ واحد منهما بالآخر،و يتغيّر كلّ واحد منهما بسبب تلك المخالطة عن صفته الأصليّة،كقولك:

خلطت الماء باللّبن.و اللاّئق بهذا الموضع هو الجمع المطلق،لأنّ العمل الصّالح و العمل السّيّئ إذا حصلا بقي كلّ واحد منهما كما كان على مذهبنا،فإنّ عندنا القول بالإحباط باطل،و الطّاعة تبقى موجبة للمدح و الثّواب،و المعصية تبقى موجبة للذّمّ و العقاب، فقوله تعالى: خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً فيه تنبيه على نفي القول بالمحابطة،و أنّه بقي كلّ واحد منهما كما كان من غير أن يتأثّر أحدهما بالآخر.

ص: 822

و ممّا يعين هذه الآية على نفي القول بالمحابطة أنّه تعالى وصف العمل الصّالح و العمل السّيّئ بالمخالطة، و المختلطان لا بدّ و أن يكونا باقيين حال اختلاطهما، لأنّ الاختلاط صفة للمختلطين،و حصول الصّفة حال عدم الموصوف محال،فدلّ على بقاء العملين حال الاختلاط.(16:175)

العكبريّ: وَ آخَرَ سَيِّئاً معطوف على عَمَلاً و لو كان بالباء جاز أن تقول:خلطت الحنطة و الشّعير،و خلطت الحنطة بالشّعير.(2:658)

ابن عربيّ: خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً أي كانوا في رتبة النّفس اللّوّامة،الّتي لم يصر اتّصالها بالقلب،و تنوّرها بنوره ملكة،و لم يتذلّل بعد في طاعتها للقلب،فتارة يستولي عليها القلب فتتذلّل، و تنقاد،و تتنوّر بنوره،و تعمل أعمالا صالحة؛و تارة تظهر بصفاتها الحاجبة لنور القلب عنها،و تحتجب بظلمتها،و تفعل أفعالا سيّئة.

فإن توجّهت الأنوار القلبيّة،و الأعمال الصّالحة، و تعاقبت عليها الخواطر الملكيّة حتّى صار اتّصالها بالقلب و طاعتها إيّاه ملكة،صلح أمرها و نجت، و ذلك معنى قوله: عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ. و إن ارتكمت عليها الهيئات المظلّة المكتسبة من غلباتها، و كثرة إقدامها على السّيّئات،كان الأمر بالعكس، فزال استعدادها بالكلّيّة،و حقّ عذابها أبدا.

و ترجّح أحد الجانبين على الآخر لا يكون إلاّ بالصّحبة،و مجالسة أصحاب كلّ واحد من الصّنفين، و مخالطة الأخيار و الأشرار،فإن أدركه التّوفيق،ساقه القدر إلى صحبة الصّالحين،و متابعة أخلاقهم و أعمالهم،فيصير منهم،و إن لحقه الخذلان،ساقه إلى صحبة المفسدين،و اختلاطه بهم،فيصير من الخاسرين،أعاذنا اللّه من ذلك.(1:505)

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و يجوز أن يقال:الخلط هاهنا بمعنى الجمع.

قال أهل السّنّة:فيه دليل على نفي القول بالمحابطة،لأنّه لو لم يبق العملان لم يتصوّر اختلاطهما.

(11:15)

الخازن :فإن قلت:جعل كلّ واحد من الصّالح و السّيّئ مخلوطا،فما المخلوط به؟

قلت:إنّ الخلط عبارة عن الجمع المطلق،فأمّا قولك:«خلطته»فإنّما يحسن في الموضع الّذي يمتزج كلّ واحد من الخليطين بالآخر و يتغيّر به عن صفته الأصليّة،كقولك:خلطت الماء باللّبن،و خلطت الماء و اللّبن،فتنوب الواو عن الباء،فيكون معنى الآية على هذا:خلطوا عملا صالحا بآخر سيّئ،ذكره غالب المفسّرين،و أنكره الإمام فخر الدّين الرّازيّ.[ثمّ نقل قوله](3:117)

أبو حيّان :و عطف أحدهما على الآخر دليل على أنّ كلّ واحد منهما مخلوط و مخلوط به،كقولك:

خلطت الماء و اللّبن،و هو بخلاف خلطت الماء باللّبن، فليس فيه إلاّ أنّ الماء خلط باللّبن،قال معناه الزّمخشريّ.و متى خلطت شيئا بشيء صدق على كلّ واحد منهما أنّه مخلوط و مخلوط به،من حيث مدلوليّة الخلط،لأنّها أمر نسبيّ.(5:95)

ص: 823

السّمين:[ذكر قول الزّمخشريّ:«و يجوز أن يكون...»ثمّ قال:]

قلت:لا يريد أنّ الواو بمعنى الباء،و إنّما هذا تفسير معنى.(3:500)

أبو السّعود : خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً هو ما سبق منهم من الأعمال الصّالحة،و الخروج إلى المغازي السّابقة و غيرها،و ما لحق من الاعتراف بذنوبهم في التّخلّف عن هذه المرّة،و تذمّمهم و ندامتهم على ذلك.و تخصيصه بالاعتراف لا يناسب الخلط لا سيّما على وجه يؤذّن بتوارد المختلطين،و كون كلّ منهما مخلوطا و مخلوطا به،كما يؤذن به تبديل الواو بالباء في قوله تعالى: وَ آخَرَ سَيِّئاً.

فإنّ قولك:خلطت الماء باللّبن يقتضي إيراد الماء على اللّبن دون العكس.و قولك:خلطت الماء و اللّبن معناه إيقاع الخلط بينهما،من غير دلالة على اختصاص أحدهما بكونه مخلوطا و الآخر بكونه مخلوطا به.و ترك تلك الدّلالة للدّلالة على جعل كلّ منهما متّصفا بالوصفين جميعا؛و ذلك فيما نحن فيه بورود كلّ من العملين على الآخر مرّة بعد أخرى.

(3:187)

المشهديّ: و الواو[في وَ آخَرَ سَيِّئاً ]إمّا بمعنى الباء كما في قولهم:بعت الشّاة و درهما،أو للدّلالة على أنّ كلّ واحد منهما مخلوط بالآخر.(4:266)

الآلوسيّ: خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً خروجا إلى الجهاد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وَ آخَرَ سَيِّئاً تخلّفا عنه عليه الصّلاة و السّلام.روي هذا عن الحسن و السّدّيّ،و عن الكلبيّ: أنّ الأوّل التّوبة و الثّاني الإثم.و قيل:العمل الصّالح يعمّ جميع البرّ و الطّاعة،و السّيّئ ما كان ضدّه.

و الخلط:المزج،و هو يستدعي مخلوطا و مخلوطا به،و الأوّل هنا هو الأوّل،و الثّاني هو الثّاني عند بعض.و الواو بمعنى الباء،كما نقل عن سيبويه في قولهم:بعت الشّاء شاة و درهما،و هو من باب الاستعارة،لأنّ الباء للإلصاق و الواو للجمع،و هما من واد واحد.

و نقل«شارح اللّباب»عن ابن الحاجب:أنّ أصل المثال:بعت الشّاء شاة بدرهم،أي مع درهم،ثمّ كثر ذلك فأبدلوا من باء المصاحبة،واوا،فوجب أن يعرب ما بعدها بإعراب ما قبلها،كما في قولهم:كلّ رجل و ضيعته.و لا يخفى ما فيه من التّكلّف.

و ذكر الزّمخشريّ أنّ كلّ واحد من المتعاطفين مخلوط و مخلوط به،لأنّ المعنى خلط كلّ واحد منهما بالآخر،كقولك:خلطت الماء و اللّبن،تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه،و فيه ما ليس في قولك:

خلطت الماء باللّبن،لأنّك جعلت الماء مخلوطا و اللّبن مخلوطا به.و إذا قلته بالواو و جعلت الماء و اللّبن مخلوطين و مخلوطا بهما،كأنّك قلت:خلطت الماء باللّبن و اللّبن بالماء.

و حاصله:أنّ المخلوط به في كلّ واحد من الخلطين هو المخلوط في الآخر،لأنّ الخلط لمّا اقتضى مخلوطا به فهو إمّا الآخر أو غيره،و الثّاني منتف بالأصل و القرينة،لدلالة سياق الكلام إذا قيل:

خلطت هذا و ذاك،على أنّ كلاّ منهما مخلوط و مخلوط

ص: 824

به،و هو أبلغ من أن يقال:خلطت أحدهما بالآخر؛إذ فيه خلط واحد و في الواو خلطان.

و اعترض بأنّ خلط أحدهما بالآخر يستلزم خلط الآخر به،ففي كلّ من الواو و الباء خلطان فلا فرق.

و أجيب بأنّ«الواو»تفيد الخلطين صريحا بخلاف «الباء»فالفرق متحقّق،و فيه تسليم حديث الاستلزام،و لا يخفى أنّ فيه خلطا،حيث لم يفرق فيه بين الخلط و الاختلاط.و الحقّ أنّ اختلاط أحد الشّيئين بالآخر مستلزم لاختلاط الآخر به،و أمّا خلط أحدهما بالآخر فلا يستلزم خلط الآخر به،لأنّ خلط الماء باللّبن مثلا معناه أن يقصد الماء أوّلا،و يجعل مخلوطا باللّبن،و ظاهر أنّه لا يستلزم أن يقصد اللّبن أوّلا بل ينافيه.

فعلى هذا معنى:خلط العمل الصّالح بالسّيّئ،أنّهم أتوا أوّلا بالصّالح ثمّ استعقبوه سيّئا،و معنى:خلط السّيّئ بالصّالح،أنّهم أتوا أوّلا بالسّيّئ ثمّ أردفوه بالصالح.و إلى هذا يشير كلام السّكّاكيّ،حيث جعل تقدير الآية:خلطوا عملا صالحا بسيّئ و آخر سيّئا بصالح،أي تارة أطاعوا و أحبطوا الطّاعة بكبيرة، و أخرى عصوا و تداركوا المعصية بالتّوبة،و هو ظاهر في أنّ العمل الصّالح و السّيّئ في أحد الخلطين غيرهما في الخلط الآخر،و كلام الزّمخشريّ ظاهر في اتّحاد هما،و فيه ما فيه،و لذلك رجّح ما ذهب إليه السّكّاكيّ لكن ما ذكره من الإحباط ميل إلى مذهب المعتزلة.

و ادّعى بعضهم:أنّ ما في الآية نوع من البديع يسمّى الاحتباك،و الأصل خلطوا عملا صالحا بآخر سيّئ،و خلطوا سيّئا بعمل صالح.و هو خلاف الظّاهر.

و استظهر ابن المنير كون الخلط مضمّنا معنى العمل و العدول عن الباء لذلك،كأنّه قيل:عملوا عملا صالحا و آخر سيّئا.

و أنا أختار أنّ الخلط بمعنى الجمع هنا،و إذا اعتبر السّياق و سبب النّزول يكون المراد من العمل الصّالح:

الاعتراف بالذّنوب من التّخلّف عن الغزو،و ما معه من السّيّئ تلك الذّنوب أنفسها،و يكون المقصود بالجمع المتوجّه إليه أوّلا بالضّمّ هو الاعتراف، و التّعبير عن ذلك بالخلط للإشارة إلى وقوع ذلك الاعتراف على الوجه الكامل،حتّى كأنّه تخلّل الذّنوب و غيّر صفتها،و إذا لم يعتبر سبب النّزول يجوز أن يراد من العمل الصّالح:الاعتراف بالذّنوب مطلقا، و من السّيّئ:الذّنوب كذلك،و تمام الكلام بحاله.

و يجوز أن يراد من العمل الصّالح و السّيّئ:ما صدر من الأعمال الحسنة و السّيّئة مطلقا،و لعلّ المتوجّه إليه أولى على هذا أيضا،ليجمع العمل الصّالح.إذ بضمّه يفتح باب الخير،ففي الخبر:«أتبع السّيّئة بالحسنة تمحها»و قد حمل بعضهم الحسنة فيه على مطلقها.

و أخرج ابن سعد عن الأسود بن قيس قال:لقي الحسن بن عليّ رضي اللّه تعالى عنهما يوما حبيب بن مسلمة،فقال:يا حبيب ربّ مسير لك في غير طاعة اللّه تعالى!فقال:أمّا مسيري إلى أبيك فليس من ذلك.

قال:بلى و لكنّك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة، فلئن قام بك في دنياك فلقد قعد بك في دينك،و لو كنت

ص: 825

إذ فعلت شرّا فعلت خيرا،كان ذلك كما قال اللّه تعالى:

خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً و لكنّك كما قال اللّه تعالى: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ المطفّفين:14.

و التّعبير بالخلط:حينئذ يمكن أن يكون لما في ذلك من التّعبير أيضا،و ربّما يراد بالخلط مطلق الجمع من غير اعتبار أوّليّة في البين،و التّعبير بالخلط لعلّه لمجرّد الإيذان بالتّخلّل،فإنّ الجمع لا يقتضيه.و يشعر بهذا الحمل ما أخرجه أبو الشّيخ و البيهقيّ عن مطرف قال:

إنّي لأستلقي من اللّيل على فراشي و أتدبّر القرآن، فأعرض أعمالي على أعمال أهل الجنّة،فإذا أعمالهم شديدة كانوا قليلا من اللّيل ما يهجعون،يبيتون لربّهم سجّدا و قياما،أمّن هو قانت آناء اللّيل ساجدا و قائما فلا أراني منهم فأعرض نفسي على هذه الآية: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، إلى قوله سبحانه: وَ كُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ المدّثّر:42 -46،فأرى القوم مكذّبين فلا أراني فيهم،فأمرّ بهذه الآية وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ... و أرجو أن أكون أنا و أنتم يا إخوتاه منهم،و كذا ما أخرجاه غيرهما عن أبي عثمان النّهديّ،قال:ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمّة من قوله سبحانه: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا... (11:12)

القاسميّ: [ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و ناقشه النّاصر في«الانتصاف»فقال:التّحقيق في هذا أنّك إذا قلت:خلطت الماء باللّبن فالمصرّح به في هذا الكلام أنّ الماء مخلوط،و اللّبن مخلوط به، و المدلول عليه لزوما،لا تصريحا،كون الماء مخلوطا به، و اللّبن مخلوطا.و إذا قلت:خلطت الماء و اللّبن، فالمصرّح به جعل كلّ واحد منهما مخلوطا.و أمّا ما خلط به كلّ واحد منهما،فغير مصرّح به،بل من اللاّزم أنّ كلّ واحد منهما له مخلوط به،يحتمل أن يكون قرينه أو غيره.فقول الزّمخشريّ:إنّ قولك:«خلطت الماء و اللّبن»يفيد ما يفيده مع«الباء»و زيادة،ليس كذلك.فالظّاهر في الآية-و اللّه أعلم-أنّ العدول عن الباء إنّما كان لتضمين الخلط معنى العمل،كأنّه قيل:

عملوا صالحا و آخر سيّئا،ثمّ انضاف إلى العمل معنى «الخلط»فعبّر عنهما معا به،انتهى.

قال التّحرير:يريد الزّمخشريّ أنّ«الواو» كالصّريح في خلط كلّ بالآخر،بمنزلة ما إذا قلت:

خلطت الماء باللّبن،و خلطت اللّبن بالماء،بخلاف «الباء»فإنّ مدلولها لفظا ليس إلاّ خلط الماء مثلا باللّبن.و أمّا خلط اللّبن بالماء،فلو ثبت لم يثبت إلاّ بطريق الالتزام و دلالة العقل.انتهى.

و هو متّجه و لا حاجة للتّضمين المذكور.

ثمّ قال الزّمخشريّ: و يجوز أن يكون من قولهم:

بعت الشّاء شاة و درهما،بمعنى شاة بدرهم،أي فالواو بمعنى الباء،و نقل ذلك عن سيبويه.

و قالوا:إنّه استعارة،لأنّ«الباء»للإلصاق، و«الواو»للجمع،و هما من واد واحد.

و قال ابن الحاجب في قولهم المذكور:أصله:شاة بدرهم،أي كلّ شاة بدرهم،و هو بدل من الشّاء،أي مع درهم،ثمّ كثر،فأبدلوا من باء المصاحبة واوا،

ص: 826

فوجب نصبه و إعرابه بإعراب ما قبله،كقولهم:كلّ رجل و ضيعته.

قال الشّهاب:و هو تكلّف،و لذا قالوا:إنّه تفسير معنى،لا إعراب،انتهى.

قال الواحديّ: العرب تقول:خلطت الماء باللّبن، و خلطت الماء و اللّبن،كما تقول:جمعت زيدا و عمرا، و الواو في الآية أحسن من الباء،لأنّه أريد معنى الجمع،لا حقيقة الخلط،أ لا ترى أنّ العمل الصّالح لا يختلط بالسّيّئ كما يخلط الماء باللّبن،لكن قد يجمع بينهما،انتهى.

و في الآية نوع من البديع يسمّى الاحتباك،و هو مشهور،لأنّ المعنى:خلطوا عملا صالحا بالسّيّئ و آخر سيّئا بصالح.(8:3249)

رشيد رضا :أي خلطوا في أعمالهم بأن عملوا عملا صالحا و عملا سيّئا.

و قيل:معناه خلطوا صالحا بسيّئ و سيّئا بصالح،أو خلطوا في كلّ منهما ما ليس منه،فكان ناقصا.و لكنّه لم يغلب الآخر و يندغم فيه،فلم يكونوا من الصّالحين الخلّص و لا من الفاسقين أو المنافقين،ذلك بأنّهم آمنوا و عملوا الصّالحات،و اقترفوا بعض السّيّئات،و هم أو منهم بعض الّذين تخلّفوا عن النّفر و الخروج إلى غزوة تبوك،من غير عذر صحيح،كالضّعفاء و المرضى و غير الواجدين،و لا استئذان كاستئذان المرتابين، و لا اعتذار كاذب كالمنافقين،ثمّ كانوا ناصحين للّه في أثناء قعودهم،شاعرين بذنبهم،خائفين من ربّهم، فكان كلّ من قعودهم و نصحهم مقترنا بالآخر، كالّذي يدخل أرضا مغصوبة فيصلح فيها،و يعترف بأنّه مذنب بدخولها،و يأتي بالإصلاح لتكفير ذنب الاعتداء.

و هذا المعنى لا يؤدّيه قولك:خلط العمل الصّالح بالسّيّئ،كما تقول:خلط القمح بالشّعير أو الماء باللّبن،لأنّ هذا الضّرب من الخلط يصير فيه المخلوط و المخلوط به شيئا واحدا أو كالشّيء الواحد،فلا يقول صاحبه عندي ماء فرات،و لا لبن محض.

و أمّا الضّرب الأوّل المراد من الآية فقد بقي فيه كلّ من النّوعين ممتازا بنفسه،و إنّما خلطه مع الآخر عبارة عن الجمع بينهما،و عدم انفراد أحدهما دون الآخر،و الواو العاطفة هي الّتي تؤدّي هذا المعنى من الجمع،و هو من دقائق بلاغة القرآن بالعدول عن التّعدية بالباء إلى العطف.(11:20)

المراغيّ: أي و هناك فريق آخر ممّن حولكم من الأعوان و من أهل المدينة ليسوا منافقين و لا من السّابقين الأوّلين،بل من المذنبين الّذين خلطوا الصّالح من العمل بالسّيّئ منه،و السّيّئ بالصّالح،فلم يكونوا من الصّالحين الخلّص و لا من الفاسقين،فهم قد آمنوا و عملوا الصّالحات و اقترفوا بعض السّيّئات،كالّذين تخلّفوا عن الخروج إلى غزوة تبوك من غير عذر صحيح،و لم يستأذنوا كاستئذان المرتابين،و لم يعتذروا بالكذب كالمنافقين،ثمّ كانوا حين قعودهم ناصحين للّه و رسوله شاعرين بذنوبهم،خائفين من ربّهم.

(11:14)

نحوه ملخّصا الطّباطبائيّ.(9:376)

ص: 827

ابن عاشور:و خلطهم العمل الصّالح و السّيّئ، هو خلطهم حسنات أعمالهم بسيّئات التّخلّف عن الغزو و عدم الإنفاق على الجيش.و قوله: خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً جاء ذكر الشّيئين المختلطين بالعطف بالواو،على اعتبار استوائهما في وقوع فعل الخلط عليهما.و يقال:خلط كذا بكذا على اعتبار أحد الشّيئين المختلطين متلابسين بالخلط،و التّركيبان متساويان في المعنى،و لكنّ العطف بالواو أوضح و أحسن،فهو أفصح.(10:195)

مغنيّة:هؤلاء هم المؤمنون الّذين يحسنون أحيانا بدافع من إيمانهم،و يتغلّب الهوى حينا على إيمانهم، فيسيئون،و هم الأكثريّة الغالبة.

*و من ذا الّذي ترضى سجاياه كلّها*

و لا ينتقل من خير إلاّ إلى خير إلاّ من عصم ربّك.

(4:96)

فضل اللّه :وقفوا بين موقع يبعث فيهم الأمل، و موقع يقودهم إلى اليأس،و لكنّ الأمل يتغلّب على اليأس،لأنّ المؤمن لا ييأس من روح اللّه،فيبقى في خطّ الرّحمة و العفو،و في أجواء الأمل.(11:199)

الخلطاء

وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ... ص:24

ابن عبّاس: من الشّركاء و الإخوان.(380)

نحوه الطّبريّ(10:569)،و أكثر المفسّرين.

الجصّاص :قوله تعالى: وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ و هو يعني الشّركاء،يدلّ على أنّ العادة في أكثر الشّركاء الظّلم و البغي،و يدلّ عليه أيضا قوله:

إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا... (3:500)

الواحديّ: و هم الشّركاء.واحدهم:خليط،و هم المخالط في المال.(3:547)

نحوه الطّبرسيّ(4:471)،و البيضاويّ(2:308) ،و أبو السّعود(5:356)،و الطّباطبائيّ(17:193).

الزّمخشريّ: الشّركاء الّذين خلطوا أموالهم.

الواحد:خليط،و هي الخلطة.و قد غلبت في الماشية.

[إلى أن قال:]

فإن قلت:ما ذا أريد بذكر حال الخلطاء في ذلك المقام؟

قلت:قصد به الموعظة الحسنة،و التّرغيب في إيثار عادة الخلطاء الصّلحاء الّذين حكم لهم بالقلّة، و أن يكرّه إليهم الظّلم و الاعتداء الّذي عليه أكثرهم، مع التّأسّف على حالهم،و أن يسلّي المظلوم عمّا جرى عليه من خليطه،و أنّ له في أكثر الخلطاء أسوة.

(3:371)

نحوه أبو حيّان.(7:393)

أبو البركات: و اَلْخُلَطاءِ :جمع خليط، كشريف و شرفاء،و«فعيل»إذا كان صفة،فإنّه يجمع على«فعلاء»إلاّ أن يكون فيه واو،فإنّه يجمع على «فعال»،نحو طويل و طوال.(2:314)

ابن عطيّة: الأشراك،و المتعاقبون في الأملاك و الأمور،و هذا القول من داود وعظ و بسط،لقائده حقّ ليحذّر من الوقوع في خلاف الحقّ.(4:500)

ص: 828

القرطبيّ: يقال:خليط و خلطاء،و لا يقال:

طويل و طولاء؛لثقل الحركة في الواو.و فيه وجهان:

أحدهما:أنّهما الأصحاب،الثّاني:أنّهما الشّركاء.

قلت:إطلاق الخلطاء على الشّركاء فيه بعد.و قد اختلف العلماء في صفة الخلطاء،فقال أكثر العلماء:هو أن يأتي كلّ واحد بغنمه فيجمعهما راع واحد و الدّلو و المراح.و قال طاوس،و عطاء:لا يكون الخلطاء إلاّ الشّركاء.و هذا خلاف الخبر،و هو قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يجمع بين مفترق و لا يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة، و ما كان من خليطين فإنّهما يتراجعان بينهما بالسّويّة.

و روي«فإنّهما يترادّان الفضل»و لا موضع لترادّ الفضل بين الشّركاء،فاعلمه.(15:178)

الآلوسيّ: أى الشّركاء الّذين خلطوا أموالهم.

الواحد:خليط،و هي الخلطة.و قد غلبت في الماشية.

و في حكمها عند الفقهاء كلام،ذكر بعضا منه الزّمخشريّ.[إلى أن قال:]

و الظّاهر:أنّ قوله تعالى: وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ...، من كلام داود عليه السّلام،تتمّة لما ذكره أوّلا،و قد نظر فيه ما كان عليه التّداعي،كما هو ظاهر التّعبير بالخلطاء،فإنّه غالب في الشّركاء الّذين خلطوا أموالهم في الماشية.و جعل وجه استعارة النّعجة ابتداء تمثيل لم ينظر فيه إلى ما كان عليه التّداعي،كأنّه قيل:و إنّ البغي أمر يوجد فيما بين المتلابسين،و خصّ الخلطاء،لكثرته فيما بينهم،فلا عجب ممّا شجر بينكم، و يترتّب عليه قصد الموعظة الحسنة...[فأدام نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

أو كأنّه قيل:إنّ هذا الأمر الّذي جرى بينكما أيّها الخليطان كثيرا ما يجري بين الخلطاء،فينظر فيه إلى خصوص حالهما.

قال في الكشف:و المحمل الأظهر هذا.و على التّقديرين هو تذييل يترتّب عليه ما ذكر.ثمّ قال:

و لعلّ الأظهر حمل الخلطاء على المتعارفين و المتضادّين و أضرابهم،ممّن بينهم ملابسة شديدة و امتزاج على نحو:

*إنّ الخليط أجدوا البين فانجردوا*

و الغلبة في الشّركاء الّذين خلطوا أموالهم في عرف الفقهاء،فذكر الخلطاء لا ينافي ذكر الحلائل، إذ لم ترد الخلطة،انتهى.

و أنت خبير بأنّ ذلك و إن لم يناف ذكر الحلائل، لكنّ أولويّة عدم إرادة الحلائل و إبقاء النّعجة على معناها الحقيقيّ،ممّا لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان.

(23:181)

المصطفويّ: التّعبير ب اَلْخُلَطاءِ إشارة إلى مجرّد الارتباط الصّوريّ و الاختلاط الظّاهريّ،من دون تحقّق مفهوم الرّفاقة و الصّداقة و العشرة و المحبّة بينهم.(3:105)

تخالطوهم

...وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ. البقرة:220

عائشة:إنّي لأكره أن يكون مال اليتيم عندي عرّة،حتّى أخلط طعامه بطعامي و شرابه بشرابي.

ص: 829

نحوه النّخعيّ.(الطّبريّ 2:385)

ابن عبّاس: في الطّعام،و الشّراب،و المسكن.

(30)

نحوه أكثر المفسّرين.

الشّعبيّ: من خالط يتيما،فليتوسّع عليه،و من خالطه ليأكل من ماله،فلا يفعل.(الطّبريّ 2:383)

مجاهد :مخالطة اليتيم في المراعي و الأدم.

(الطّبريّ 2:383)

الضّحّاك: يعني ب«المخالطة»:ركوب الدّابّة، و خدمة الخادم،و شرب اللّبن.(الطّبريّ 2:384)

ابن زيد :قد يخالط الرّجل أخاه.

(الطّبريّ 2:385)

ابن قتيبة :فتؤاكلوهم.(83)

أبو عبيد: (1) مخالطة اليتامى:أن يكون لأحدهما المال و يشقّ على كافله أن يفرد طعامه عنه،و لا يجد بدّا من خلطه بعياله،فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنّه كافيه بالتّحرّي،فيجعله مع نفقة أهله،و هذا قد يقع فيه الزّيادة و النّقصان،فجاءت هذه الآية النّاسخة بالرّخصة فيه.

و هذا عندي أصل لما يفعله الرّفقاء في الأسفار، فإنّهم يتخارجون النّفقات بينهم بالسّويّة،و قد يتفاوتون في قلّة المطعم و كثرته،و ليس كلّ من قلّ مطعمه تطيب نفسه بالتّفضّل على رفيقه،فلمّا كان هذا في أموالهم لليتامى واسعا كان في غيرهم أوسع،و لو لا ذلك لخفت أن يضيق فيه الأمر على النّاس.

(القرطبيّ 3:65)

الطّبريّ: فتشاركوهم بأموالكم أموالهم في نفقاتكم و مطاعمكم و مشاربكم و مساكنكم،فتضمّوا من أموالهم عوضا من قيامكم بأمورهم و أسبابهم و إصلاح أموالهم،فهم إخوانكم،و الإخوان يعين بعضهم بعضا،و يكنف بعضهم بعضا،فذو المال يعين ذا الفاقة،و ذو القوّة في الجسم يعين ذا الضّعف،يقول تعالى ذكره:فأنتم أيّها المؤمنون و أيتامكم كذلك...

(2:384)

نحوه الثّعلبيّ.(2:154)

الزّجّاج: و قوله عزّ و جلّ: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى هذا ممّا نحكم تفسيره في سورة النّساء إن شاء اللّه،إلاّ أنّ جملته أنّهم كانوا يظلمون اليتامى، فيتزوّجون العشر،و يأكلون أموالهم مع أموالهم،فشدّد عليهم في أمر اليتامى،تشديدا خافوا معه التّزويج بنساء اليتامى و مخالطتهم،فأعلمه اللّه أنّ الإصلاح لهم هو خير الأشياء،و أنّ مخالطتهم في التّزويج و غيره جائزة مع تحرّي الإصلاح،فقال: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ أي فهم إخوانكم.

فالرّفع على هذا؛و النّصب جائز(و ان تخالطوهم فاخوانكم)أي فإخوانكم تخالطون،و لا أعلم أحدا قرأ بها،فلا تقر أنّ بها،إلاّ أن تثبت رواية صحيحة.

(1:294)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّ المراد بالخلط المصاهرة!!

ص: 830


1- و الشّوكانيّ نسب هذا القول خطأ إلى أبي عبيدة،بدل أبي عبيد!!

في النّكاح،على نحو قوله: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا... النّساء:3،و قوله عزّ من قائل:

وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ النّساء:

127.

و هذا القول راجح على غيره من وجوه:

أحدها:أنّ هذا القول خلط لليتيم نفسه و الشّركة خلط لماله.

و ثانيها:أنّ الشّركة داخلة في قوله: قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، و الخلط من جهة النّكاح،و تزويج البنات منهم لم يدخل في ذلك،فحمل الكلام على هذا الخلط أقرب.

و ثالثها:أنّ قوله تعالى:(فاخوانكم)،يدلّ على أنّ المراد بالخلط هو هذا النّوع من الخلط،لأنّ اليتيم لو لم يكن من أولاد المسلمين لوجب أن يتحرّى صلاح أمواله كما يتحرّاه إذا كان مسلما،فوجب أن تكون الإشارة بقوله:(فاخوانكم)إلى نوع آخر من المخالطة.

و رابعها:أنّه تعالى قال بعد هذه الآية: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ البقرة:221،فكان المعنى أنّ المخالطة المندوب إليها إنّما هي في اليتامى الّذين هم لكم إخوان بالإسلام،فهم الّذين ينبغي أن تناكحوهم لتأكيد الألفة،فإن كان اليتيم من المشركات فلا تفعلوا ذلك.(الفخر الرّازيّ 6:55)

الطّوسيّ: و معنى الآية الإذن لهم فيما كانوا متحرّجون منه من مخالطة الأيتام في الأموال:من المأكل،و المشرب،و المسكن،و نحو ذلك،فأذن اللّه لهم في ذلك إذا تحرّوا الإصلاح بالتّوفير على الأيتام في قول الحسن،و غيره،و هو المرويّ في أخبارنا.(2:215)

نحوه الطّبرسيّ.(1:317)

الواحديّ: [ذكر قول الضّحّاك و أضاف:]

هذا،إذا قام على مال اليتيم.(1:326)

البغويّ: هذه إباحة المخالطة،أي إن تشاركوهم في أموالهم و تخلطوها بأموالكم،في نفقاتكم و مساكنكم و خدمكم و دوابّكم،فتصيبوا من أموالهم عوضا عن قيامكم بأمورهم،أو تكافئوهم على ما تصيبون من أموالهم.(1:283)

نحوه الخازن.(1:179)

الزّمخشريّ: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ و تعاشروهم و لم تجانبوهم،فهم إخوانكم في الدّين،و من حقّ الأخ أن يخالط أخاه،و قد حملت المخالطة على المصاهرة.

(1:360)

مثله القاسميّ(3:556)،و نحوه البيضاويّ(1:

116)،و الشّربينيّ(1:143)،و أبو السّعود(1:264)، و الكاشانيّ(1:230)،و البروسويّ(1:343).

ابن عطيّة: ...و رفع تعالى المشقّة في تجنّب اليتيم و مأكله و مشربه،و أباح الخلطة في ذلك إذا قصد الإصلاح و رفق اليتيم،مثال ذلك،أن يكتفي اليتيم دون خلطة بقدر ما في الشّهر،فإن دعت خلطة الوليّ إلى أن يزاد في ذلك القدر فهي مخالطة فساد،و إن دعت إلى الحطّ من ذلك القدر فهي مخالطة إصلاح.

(1:296)

ص: 831

الفخر الرّازيّ: في تفسير الآية وجوه:

أحدها:المراد:و إن تخالطوهم في الطّعام و الشّراب و المسكن و الخدم،فإخوانكم.

و المعنى:أنّ القوم ميّزوا طعامه عن طعام أنفسهم، و شرابه عن شراب أنفسهم،و مسكنه عن مسكن أنفسهم،فاللّه تعالى أباح لهم خلط الطّعامين و الشّرابين،و الاجتماع في المسكن الواحد،كما يفعله المرء بمال ولده،فإنّ هذا أدخل في حسن العشرة و المؤالفة،و المعنى و إن تخالطوهم بما لا يتضمّن إفساد أموالهم فذلك جائز.

و ثانيها:أن يكون المراد بهذه المخالطة أن ينتفعوا بأموالهم بقدر ما يكون أجرة مثل ذلك العمل.

و القائلون بهذا القول،منهم من جوّز ذلك،سواء كان القيّم غنيّا أو فقيرا،و منهم من قال:إذا كان القيّم غنيّا لم يأكل من ماله،لأنّ ذلك فرض عليه.و طلب الأجرة على العمل الواجب لا يجوز،و احتجّوا عليه بقوله تعالى: وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ النّساء:6.و أمّا إن كان القيّم فقيرا،فقالوا:إنّه يأكل بقدر الحاجة و يردّه إذا أيسر، فإن لم يوسر تحلّله من اليتيم...

القول الثّالث:أن يكون معنى الآية:أن يخلطوا أموال اليتامى بأموال أنفسهم على سبيل الشّركة، بشرط رعاية جهات المصلحة و الغبطة للصّبيّ.

و القول الرّابع:[و هو قول أبي مسلم و قد مضى](6:54)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(2:237)

القرطبيّ: هذه المخالطة كخلط المثل بالمثل كالتّمر بالتّمر.[ثمّ ذكر قول أبي عبيد و قد سبق.]

(3:65)

أبو حيّان : وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ هذا التفات من غيبة إلى خطاب،لأنّ قبله وَ يَسْئَلُونَكَ فالواو ضمير للغائب.و حكمة هذا الالتفات ما في الإقبال بالخطاب على المخاطب،ليتهيّأ لسماع ما يلقى إليه و قبوله و التّحرّز فيه،ف«الواو»ضمير الكفلاء،و(هم)ضمير اليتامى،و المعنى:أنّهم إخوانكم في الدّين،فينبغي أن تنظروا لهم كما تنظرون لإخوانكم من النّسب من الشّفقة و التّلطّف و الإصلاح لذواتهم و أموالهم.

و المخالطة«مفاعلة»من الخلط و هو الامتزاج.

و المعنى:في المأكل،فتجعل نفقة اليتيم مع نفقة عياله بالتّحرّي،إذ يشقّ عليه إفراده وحده بطعامه،فلا يجد بدّا من خلطه بماله لعياله،فجاءت الآية بالرّخصة في ذلك،قاله أبو عبيد.أو المشاركة في الأموال و المتاجرة لهم فيها،فتتناولون من الرّبح ما يختصّ بكم،و تتركون لهم ما يختصّ بهم.أو:المصاهرة،فإن كان اليتيم غلاما زوّجه ابنته،أو جارية زوّجها ابنه.و رجّح هذا القول بأنّ هذا خلطة لليتيم نفسه،و الشّركة خلطة لماله،و لأنّ الشّركة داخلة في قوله: قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ و لم يدخل فيه الخلط من جهة النّكاح،فحمله على هذا الخلط أقرب.

و بقوله: فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ، فإنّ اليتيم إذا كان من أولاد الكفّار وجب أن يتحرّى صلاح ماله

ص: 832

كما يتحرّى في المسلم،فوجب أن تكون الإشارة بقوله: فَإِخْوانُكُمْ إلى نوع آخر من المخالطة، و بقوله بعد: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ، فكأنّ المعنى:إنّ المخالطة المندوب إليها في اليتامى الّذين هم لكم إخوان بالإسلام.أو الشّرب من لبنه و شربه من لبنك،و أكلك في قصعته و أكله في قصعتك،قاله ابن عبّاس.

أو خلط المال بالمال في النّفقة و المطعم و المسكن و الخدم و الدّواب،فيتناولون من أموالهم عوضا عن قيامكم بأمورهم،بقدر ما يكون أجرة مثل ذلك في العمل.و القائلون بهذا منهم من جوّز له ذلك،سواء كان القيّم غنيّا أو فقيرا،و منهم من قال:إذا كان غنيّا لم يأكل من ماله.أو المضاربة الّتي يحصل بها تنمية أموالهم.

و الّذي يظهر أنّ المخالطة لم تقيّد بشيء،لم يقل في كذا فتحمل على أيّ مخالطة كانت ممّا فيه إصلاح لليتيم،و لذلك قال: فَإِخْوانُكُمْ، أي تنظرون لهم نظركم إلى إخوانكم ممّا فيه إصلاحهم.

و قد اكتنف هذه المخالطة الإصلاح قبل و بعد؛ فقبل بقوله: قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، و بعد بقوله:

وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ، فالأولى أن يراد بالمخالطة ما فيه إصلاح لليتيم بأيّ طريق كان،من مخالطة في مطعم أو مسكن أو متاجرة أو مشاركة أو مضاربة أو مصاهرة أو غير ذلك.و جواب الشّرط فَإِخْوانُكُمْ. (2:161)

السّمين:و في قوله: تُخالِطُوهُمْ التفات من ضمير الغيبة في قوله: وَ يَسْئَلُونَكَ إلى الخطاب، لينبّه السامع إلى ما يلقى إليه.و وقع جواب السّؤال بجملتين:إحداهما:من مبتدإ و خبر،و أبرزت ثبوتيّة منكّرة المبتدإ،لتدلّ على تناوله كلّ إصلاح على طريق البدليّة،و لو أضيف لعمّ أو لكان معهودا في إصلاح خاصّ،و كلاهما غير مراد:أمّا العموم فلا يمكن،و أمّا المعهود فلا يتناول غيره؛فلذلك أوثر التّنكير الدّالّ على عموم البدل.و أخبر عنه ب(خير) الدّالّ على تحصيل الثّواب،ليتبادل المسلم إليه.

و الآخر:من شرط و جزاء،دالّ على جواز الوقوع،لا على طلبه و ندبيّته.(1:539)

الشّوكانيّ: اختلف في تفسير المخالطة لهم...

[و ذكر بعض الأقوال ثمّ قال:]

و الأولى عدم قصر المخالطة على نوع خاصّ،بل تشمل كلّ مخالطة،كما يستفاد من الجملة الشّرطيّة.

(1:281)

الآلوسيّ: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ عطف على سابقه،و المقصود الحثّ على المخالطة المشروطة بالإصلاح مطلقا،أي إن تخالطوهم في الطّعام و الشّراب و المسكن و المصاهرة تؤدّوا اللاّئق بكم، لأنّهم إخوانكم،أي في الدّين،و بذلك قرأ ابن عبّاس رضى اللّه عنه و أخرج عبد بن حميد عنه:المخالطة:أن يشرب من لبنك و تشرب من لبنه،و يأكل في قصعتك و تأكل في قصعته،و يأكل من تمرتك و تأكل من تمرته.و اختار أبو مسلم الأصفهانيّ:أنّ المراد بالمخالطة:المصاهرة، و أيّد بما نقله الزّجّاج أنّهم كانوا يظلمون اليتامى

ص: 833

فيتزوّجون منهم العشرة،و يأكلون أموالهم،فشدّد عليهم في أمر اليتامى تشديدا خافوا معه التّزوّج بهم، فنزلت هذه الآية،فأعلمهم سبحانه أنّ الإصلاح لهم خير الأشياء،و أنّ مخالطتهم في التّزويج مع تحرّي الإصلاح جائزة،و بأنّ فيه على هذا الوجه تأسيسا؛إذ المخالطة بالشّركة فهمت ممّا قبل.

و بأنّ المصاهرة مخالطة مع اليتيم نفسه بخلاف ما عداها.

و بأنّ المناسبة حينئذ لقوله تعالى: فَإِخْوانُكُمْ ظاهرة،لأنّها المشروطة بالإسلام،فإنّ اليتيم إذا كان مشركا يجب تحرّي الإصلاح في مخالطته،فيما عدا المصاهرة.

و بأنّه ينتظم على ذلك النّهي الآتي بما قبله،كأنّه قيل:المخالطة المندوبة إنّما هي في اليتامى الّذين هم إخوانكم،فإن كان اليتيم من المشركات،فلا تفعلوا ذلك.

و لا يخفى أنّ ما نقله الزّجّاج أضعف من الزّجّاج؛ إذ لم يثبت ذلك في أسباب النّزول في كتاب يعوّل عليه، و الزّجّاج و أمثاله ليسوا من فرسان هذا الشّأن.

و بأنّ التّأسيس لا ينافي الحثّ على المخالطة،لما أنّ القوم تجنّبوا عنها كلّ التّجنّب،و أنّ إطلاق المخالطة أظهر من تخصيصها بخلط نفسه،و أنّ المناسبة و الانتظام حاصلان بدخول المصاهرة في مطلق المخالطة.(2:116)

رشيد رضا :قوله: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ معناه أنّه لا وجه للتّأثّم من مخالطتهم في المأكل و المشرب و المكسب،فهم إخوانكم في الدّين،و من شأن الإخوة أن يكونوا خلطاء و شركاء في الملك و المعاش،و لا ضرر على أحد منهم في ذلك،بل هو نافعهم،لأنّ كلّ واحد منهم يسعى في مصلحة الجميع، و المخالطة مبنيّة بينهم على المسامحة،لانتفاع مظنّة الطّمع و تحقّق الإخلاص و حسن النّيّة.كأنّه يقول:

و إن تخالطوهم فعليكم أن تعاملوهم معاملة الإخوة في ذلك،فيكون اليتيم في البيت كالأخ الصّغير تراعى مصلحته بقدر الإمكان،و يتحرّى أن يكون في كفّته الرّجحان.و قيل:إنّ المراد بالمخالطة:المصاهرة، و إخوة الإسلام علّة لحلّها،و قد أطال أبو مسلم في ترجيح هذا الوجه.(2:343)

المراغيّ: [و معنى الآية]أي قل لمن يسأل عن المصلحة في معاملة اليتامى من عزل أو مخالطة،إنّ كلّ ما فيه صلاح لهم فهو خير،فعليكم أن تصلحوا نفوسهم بالتّربية و التّهذيب،و أموالهم بالتّنمية و التّثمير، و لا تهملوا شئونهم فتفسد أخلاقهم،و تضيع حقوقهم.

[ثمّ أدام نحو رشيد رضا](2:149)

ابن عاشور :جملة وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ عطف على جملة إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ و المخالطة «مفاعلة»من الخلط،و هو جمع الأشياء جمعا يتعذّر معه تمييز بعضها عن بعض،فيما تراد له،فمنه خلط الماء بالماء و القمح و الشّعير و خلط النّاس،و منه«اختلط الحابل بالنّابل»و هو هنا مجاز في شدّة الملابسة و المصاحبة،و المراد بذلك ما زاد على إصلاح المال و التّربية عن بعد،فيشمل المصاحبة و المشاركة و الكفالة

ص: 834

و المصاهرة،إذ الكلّ من أنواع المخالطة.(2:338)

الطّالقانيّ: يجري هذا الأمر المشروط في المواضع و الأوقات الّتي لا تتهيّأ فيها وسيلة مستقلّة،لإصلاح حال اليتامى و تربيتهم.و يجوز لكم عندئذ مخالتطهم و ضمّهم إليكم،و لكن لا تنتهجوا معهم نهج الجاهليّة الجهلاء،و لا تنظروا إليهم نظرة الأجانب الغرباء.

و لا تتّخذوهم أولادا،فتكون لكم الولاية عليهم،بل تعدّوهم إخوة صغارا،تعطفوا عليهم و ترفقوا بهم.

(2:129)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ إشارة إلى المساواة المجعولة بين المؤمنين جميعا،بإلغاء جميع الصّفات المميّزة الّتي هي المصادر، لبروز أنواع الفساد بين النّاس في اجتماعهم،من الاستعباد و الاستضعاف و الاستذلال و الاستكبار، و أنواع البغي و الظّلم،و بذلك يحصل التّوازن بين أثقال الاجتماع،و المعادلة بين اليتيم الضّعيف و الوليّ القويّ،و بين الغنيّ المثري و الفقير المعدم،و كذا كلّ ناقص و تامّ.

و قد قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10،فالّذي تجوّزه الآية في مخالطة الوليّ لليتيم أن يكون كالمخالطة بين الأخوين المتساويين في الحقوق الاجتماعيّة بين النّاس،يكون المأخوذ من ماله كالمعطي له،فالآية تحاذي قوله تعالى: وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً النّساء:2.

و هذه المحاذاة من الشّواهد على أنّ في الآية نوعا من التّخفيف و التّسهيل،كما يدلّ عليه أيضا ذيلها، و كما يدلّ عليه أيضا بعض الدّلالة قوله تعالى: وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ، فالمعنى أنّ المخالطة إن كانت-و هذا هو التّخفيف-فلتكن كمخالطة الأخوين،على التّساوي في الحقوق،و لا ينبغي عند ذلك الخوف و الخشية،فإنّ ذلك لو كان بغرض الإصلاح حقيقة لا صورة كان من الخير،و لا يخفى حقيقة الأمر على اللّه سبحانه حتّى يؤاخذكم بمجرّد المخالطة،فإنّ اللّه سبحانه يميّز المفسد من المصلح.

(2:198)

عبد الكريم الخطيب :أي و إن تضمّوهم إليكم و تتولّوا عنهم رعاية أمورهم فهم إخوانكم،لهم مكان الإخوة بينكم،و ما لهذه الإخوة من حقوق.

و في التّعبير عن الإشراف على اليتامى بالمخالطة، إشارة إلى أنّ هذا الإشراف ينبغي أن يقوم على صلات روحيّة و نفسيّة،تمتزج فيها مشاعر الأوصياء على اليتامى بمشاعر هؤلاء اليتامى،و يختلط إحساسهم بإحساسهم،حتّى لكأنّهم كيان واحد؛ و ذلك هو الّذي يعطي اليتيم مكانا متمكّنا في قلب الوصيّ و في أهله الّذين يعيش معهم،مختلطا و ممتزجا، لا منفصلا و معتزلا...(1:248)

مكارم الشّيرازيّ: و إن اختلطت معيشتهم بمعيشتكم،فعاملوهم معاملة الأخ لأخيه،و إن كانت بواعثكم إصلاحيّة فلا حرج في اختلاط الأموال.

(2:80)

ص: 835

فضل اللّه:المراد بها في الآية:المعاشرة على نحو التّداخل في الواقع الاجتماعيّ.(4:212)

المصطفويّ: ضمير التّذكير للتّغليب و لظاهر اليتامى،(و اليتامى)جمع لليتيم و اليتيمة معا.

و التّعبير بالإخوان دون الأولاد و الأبناء:إشارة إلى نفي التّسلّط و الولاية و الحكومة عليهم،كما هي في الأبوين بالنّسبة إلى أبنائهم،فلا يجوز المعاملة و المخالطة لهم كمخالطة الآباء.و التّعبير بالمخالطة:

للإشارة إلى أنّ الاختلاط الظّاهريّ كاف في المورد، فإنّ العشرة الزّائدة توجب خسارة عليهم.(3:105)

اختلط

1- إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ... الأنعام:146

ابن عبّاس: مثل الألية،فهذا ما كان حلالا عليهم.(121)

نحوه الزّمخشريّ(2:58)،و الشّربينيّ(1:456).

السّدّيّ: ممّا كان من شحم على عظمه.(254)

نحوه ابن كثير.(3:117)

شحم الجنب و الألية،لأنّه على العصعص.

مثله ابن جريج.(الماورديّ 2:184)

نحوه،البيضاويّ(1:336)،و المشهديّ(3:408)، و فضل اللّه(9:357).

ابن جريج:شحم الألية بالعصعص،فهو حلال.

و كلّ شيء في القوائم و الجنب و الرّأس و العين قد اختلط بعظم،فهو حلال.(الطّبريّ 5:385)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و من البقر و الغنم حرّمنا على الّذين هادوا شحومهما،سوى ما حملت ظهورهما،أو ما حملت حواياهما،فإنّا أحللنا ذلك لهم، و إلاّ ما اختلط بعظم،فهو لهم أيضا حلال،فردّ قوله:

أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ على قوله: إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما ف(ما)الّتي في قوله: أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ في موضع نصب عطفا على(ما)الّتي في قوله:

إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما و عنى بقوله: أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ شحم الألية و الجنب،و ما أشبه ذلك.

(5:385)

الزّجّاج: نحو شحم الألية.و هذا أكثر القولين، و قال قوم:حرّمت عليهم الثّروب،و أحلّ لهم ما حملت الظّهور و صارت الحوايا.أو ما اختلط بعظم إلاّ ما حملت الظّهور،فإنّه غير محرّم.و(او)دخلت على طريق الإباحة،كما قال جلّ و عزّ: وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً الدّهر:24.

فالمعنى كلّ هؤلاء أهل أن يعصى،فاعص هذا،و أعص هذا.و(او)بليغة في هذا المعنى،لأنّك إذا قلت:

لا تطع زيدا و عمرا فجائز أن تكون نهيتني عن طاعتهما معا،في حال إن أطعت زيدا على حدته لم أكن عصيتك،و إذا قلت:لا تطع زيدا أو عمرا أو خالدا،فالمعنى أنّ هؤلاء كلّهم أهل أن لا يطاع فلا تطع واحدا منهم،و لا تطع الجماعة.

و مثله جالس الحسن أو ابن سيرين أو الشّعبيّ، فليس المعنى أنّي آمرك بمجالسة واحد منهم،و لكن معنى«أو»الإباحة.المعنى كلّهم أهل أن يجالس،فإن

ص: 836

جالست واحدا منهم فأنت مصيب،و إن جالست الجماعة فأنت مصيب.(2:301)

الثّعلبيّ: مثل لحم الألية.(4:202)

الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:أنّه شحم الجنب.و الثّانيّ:[قول السّدّيّ و ابن جريج]

(2:184)

الطّوسيّ: و استثني أيضا من جملة ما حرّم مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ و هو شحم الجنب و الألية؛لأنّه على العصعص،في قول ابن جريج و السّدّيّ.و قال الجبّائيّ:الألية تدخل في ذلك،لأنّها لم تستثن و ما اعتدّ بعظم العصعص.[ثمّ قال في(او)نحو الزّجّاج ملخّصا.](4:330)

نحوه الطّبرسيّ.(2:379)

الواحديّ: يعني شحم الألية في قول جميعهم.

(2:333)

البغويّ: يعني شحم الألية،هذا كلّه داخل في الاستثناء،و التّحريم مختصّ بالثّروب و شحم الكلية.

(2:168)

ابن عطيّة: يريد في سائر الشّخص.(2:358)

ابن الجوزيّ: [ذكر قول السّدّيّ و ابن جريج ثمّ قال:]

و اتّفقوا على أنّ ما حملت ظهورها حلال بالاستثناء من التّحريم،فأمّا ما حملت الحوايا أو ما اختلط بعظم،ففيه قولان:

أحدهما:أنّه داخل في الاستثناء فهو مباح، و المعنى:و أبيح لهم ما حملت الحوايا من الشّحم و ما اختلط بعظم،هذا قول الأكثرين.

و الثّانيّ: أنّه نسق على ما حرّم،لا على الاستثناء،فالمعنى:حرّمنا عليهم شحومهما،أو الحوايا،أو ما اختلط بعظم،إلاّ ما حملت الظّهور،فإنّه غير محرّم،قاله الزّجّاج.فأمّا(او)المذكورة هاهنا، فهي بمعنى الواو،كقوله: آثِماً أَوْ كَفُوراً. (3:143)

الفخر الرّازيّ: و الاستثناء الثّالث قوله: مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ قالوا:إنّه شحم الألية،في قول جميع المفسّرين.[ثمّ ذكر قول ابن جريج و أضاف:]

و على هذا التّقدير،فالشّحم الّذي حرّمه اللّه عليهم هو الثّرب و شحم الكلية.(13:224)

نحوه النّيسابوريّ.(8:48)

القرطبيّ: (ما)في موضع نصب عطف على ما حَمَلَتْ أيضا،هذا أصحّ ما قيل فيه.و هو قول الكسائيّ،و الفرّاء،و أحمد بن يحيى.و النّظر يوجب أن يعطف الشّيء على ما يليه،إلاّ ألاّ يصحّ معناه،أو يدلّ دليل على غير ذلك.

و قيل:إنّ الاستثناء في التّحليل إنّما هو ما حملت الظّهور خاصّة،و قوله: أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ معطوف على المحرّم.و المعنى حرّمت عليهم شحومها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم،إلاّ ما حملت الظّهور،فإنّه غير محرّم.(7:125)

النّسفيّ: و هو الألية أو المخّ.(2:38)

الخازن :[نحو ابن جريج ثمّ قال:]فحاصل هذا أنّ الّذي حرّم عليهم شحم الثّروب و شحم الكلية،و ما عدا ذلك فهو حلال عليهم.(2:162)

ص: 837

أبو السّعود: أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ عطف على ما حَمَلَتْ و هو شحم الألية،و اختلاطه بالعظم اتّصاله بعجب الذّنب.

و قيل:هو كلّ شحم متّصل بالعظم من الأضلاع و غيرها.(2:456)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]

العصعص:و هو عجب الذّنب أي عظمه و أصله.

و يقال:إنّه أوّل ما يخلق و آخر ما يبلى.(3:115)

الشّوكانيّ: قوله: أَوْ مَا اخْتَلَطَ معطوف على(ما)في ما حَمَلَتْ كذا قال الكسائيّ،و الفرّاء، و ثعلب.

و قيل:إنّ اَلْحَوايا و مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ معطوفة على الشّحوم،و المعنى حرّمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم،إلاّ ما حملت ظهورهما،فإنّه غير محرّم.

و لا وجه لهذا التّكلّف،و لا موجب له،لأنّه يكون المعنى إن اللّه حرّم عليهم إحدى هذه المذكورات.و المراد ب مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ما لصق بالعظام من الشّحوم في جميع مواضع الحيوان،و منه الألية،فإنّها لاصقة بعجب الذّنب.(2:218)

الآلوسيّ: و هو شحم الألية لاتّصالها بالعصعص.و قيل:هو المخّ،و لا يقول أحد:إنّه شحم عليه،و يقول بتحريمه أيضا.(8:48)

القاسميّ: بِعَظْمٍ كالمخّ،و العصعص.

(6:2539)

ابن عاشور :هو الشّحم الّذي يكون ملتفّا على عظم الحيوان من السّمن،فهو معفوّ عنه لعسر تجريده عن عظمه.(7:106)

2- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَ الْأَنْعامُ...

يونس:24

ابن عبّاس: اختلط بنبات الأرض.(172)

ابن قتيبة :يريد أنّ الأرض أنبتت بنزول المطر، فاختلط النّبات بالمطر،و اتّصل كلّ واحد بصاحبه.

(195)

الطّبريّ: يقول:فنبت بذلك المطر أنواع من النّبات،مختلط بعضها ببعض.(6:546)

النّحّاس: اختلط النّبات مع المطر،و المطر مع النّبات.(3:287)

الطّوسيّ: الاختلاط:تداخل الأشياء بعضها في بعض،فربّما كان على صفة مدح،و ربّما كان على صفة ذمّ.(5:417)

الواحديّ: يعني التفّ و كثر،و تداخل بذلك الماء من كلّ نوع،من المرعى و الكلإ و البقول و الحبوب و الثّمار.(2:543)

البغويّ: فَاخْتَلَطَ بِهِ، أي بالمطر.(2:416)

مثله الخازن.(3:150)

الميبديّ: أي بالماء اختلاط جوار،لأنّ الاختلاط تداخل الأشياء بعضها في بعض.و قيل:(اختلط به) أي بسببه نَباتُ الْأَرْضِ فطالت و امتدّت.

(4:275)

ص: 838

الزّمخشريّ: فاشتبك بسببه حتّى خالط بعضه بعضا.(2:233)

نحوه البيضاويّ(1:444)،و النّسفيّ(2:159)، و الشّربينيّ(2:14)،و البروسويّ(4:34)،و طه الدّرّة(6:113).

ابن عطيّة: (اختلط)و وقف هنا بعض القرّاء على معنى:فاختلط الماء بالأرض،ثمّ استأنف بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ على الابتداء و الخبر المقدّم،و يحتمل على هذا أن يعود الضّمير في(به)على«الماء»أو على الاختلاط الّذي يتضمّنه القول.و وصلت فرقة فرفع النّبات على ذلك بقوله:(اختلط)أي اختلط النّبات بعضه ببعض بسبب الماء.(3:114)

ابن الجوزيّ: يعني التفّ النّبات بالمطر،و كثر.

(4:21)

الفخر الرّازيّ: و هذا الكلام يحتمل وجهين:

أحدهما:أن يكون المعنى:فاختلط به نبات الأرض بسبب هذا الماء النّازل من السّماء؛و ذلك لأنّه إذا نزل المطر ينبت بسببه أنواع كثيرة من النّبات، و تكون تلك الأنواع مختلطة،و هذا فيما لم يكن نابتا قبل نزول المطر.

و الثّاني:أن يكون المراد منه الّذي نبت،و لكنّه لم يترعرع،و لم يهتزّ.

و إنّما هو في أوّل بروزه من الأرض و مبدإ حدوثه،فإذا نزل المطر عليه،و اختلط بذلك المطر،أي اتّصل كلّ واحد منهما بالآخر،اهتزّ ذلك النّبات و ربا و حسن،و كمل و اكتسى كمال الرّونق و الزّينة، و هو المراد من قوله تعالى: حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ... (17:72)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ(11:72)،و الشّوكانيّ (2:546).

العكبريّ: الباء للسّبب،أي اختلط النّبات بسبب اتّصال الماء به.

و قيل:المعنى خالطه نبات الأرض،أي اتّصل به فربّاه.(2:671)

القرطبيّ: روي عن نافع أنّه وقف على فَاخْتَلَطَ أي فاختلط الماء بالأرض،ثمّ ابتدأ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ أي بالماء نبات الأرض،فأخرجت ألوانا من النّبات،ف(نبات)على هذا ابتداء،و على مذهب من لم يقف على فَاخْتَلَطَ مرفوع ب(اختلط)أي اختلط النّبات بالمطر،أي شرب منه فتندّى و حسن و اخضرّ.و الاختلاط:تداخل الشّيء بعضه في بعض.

(8:327)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ النّبات اختلط بالماء.

و معنى الاختلاط:تشبّثه به،و تلقّفه إيّاه،و قبوله له، لأنّه يجري له مجرى الغذاء،فتكون الباء للمصاحبة.

و كلّ مخلطين يصحّ في كلّ منهما أن يقال:اختلط بصاحبه،فلذلك فسّره بعضهم بقوله:خالطه الماء و داخله،فغذّى كلّ جزء منه.

و قال الكرمانيّ: فاختلط به اختلاط مجاورة،لأنّ الاختلاط تداخل الأشياء بعضها في بعض،انتهى.

و لا يمتنع اختلاط النّبات بالماء على سبيل التّداخل، فلا تقول:إنّه اختلاط مجاورة.

ص: 839

و قيل:(اختلط):اختلف و تنوّع بالماء،و ينبو لفظ(اختلط)عن هذا التّفسير.

و قيل:معنى(اختلط):تركّب.و قيل:امتدّ و طال.

و قال الزّمخشريّ: فاشتبك بسببه حتّى خالط بعضه بعضا.

و قال ابن عطيّة:وصلت فرقة النّبات بقوله:

فَاخْتَلَطَ، أي اختلط النّبات بعضه ببعض بسبب الماء،انتهى.

و على هذه الأقوال،الباء في«بماء»للسّببيّة، و أبعد من ذهب إلى أنّ الفاعل في قوله: فَاخْتَلَطَ، هو ضمير يعود على الماء،أي فاختلط الماء بالأرض.

و يقف هذا الذّاهب على قوله: فَاخْتَلَطَ، و يستأنف بِهِ نَباتُ على الابتداء و الخبر المقدّم.

قال ابن عطيّة:يحتمل على هذا أن يعود الضّمير في (به)على«الماء»و على الاختلاط الّذي تضمّنه الفعل، انتهى.

و الوقف على قوله: فَاخْتَلَطَ، لا يجوز، و خاصّة في القرآن،لأنّه تفكيك للكلام المتّصل الصّحيح المعنى،الفصيح اللّفظ،و ذهاب إلى اللّغز و التّعقيد،و المعنى الضّعيف.أ لا ترى أنّه لو صرّح بإظهار الاسم الّذي الضّمير في كناية عنه،فقيل:

بالاختلاط نبات الأرض،أو بالماء نبات الأرض، لم يكد ينعقد كلاما من مبتدإ و خبر،لضعف هذا الإسناد و قربه من عدم الإفادة،و لو لا أنّ ابن عطيّة ذكره و خرّجه على ما ذكرناه عنه،لم نذكره في كتابنا.

(5:143)

شبّر:لأنّ المطر يدخل في خلل النّبات فيختلط به،أو المعنى:اختلط بسببه النّبات بعضه ببعض، فاختلط ما يأكل النّاس بما تأكل الأنعام.(3:149)

الآلوسيّ: أي فكثر بسببه نَباتُ الْأَرْضِ حتّى التفّ بعضه ببعض،فالباء للسّببيّة،و منهم من أبقاها على المصاحبة،و جعل الاختلاط بالماء نفسه، فإنّه كالغذاء للنّبات،فيجري فيه و يخالطه.و الأوّل هو الّذي يقتضيه كلام ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما.(11:100)

القاسميّ: أي امتزج به لسريانه فيه،فالباء للمصاحبة،أو هي للسّببيّة،أي اختلط بسببه حتّى خالط بعضه بعضا،أي التفّ بعضه ببعض،و الأوّل أظهر.(9:3339)

رشيد رضا :أي فأنبتت الأرض أزواجا شتّى من النّبات،تشابكت بسببه و اختلط بعضها ببعض في تجاورها و تقاربها،على كثرتها و اختلاف أنواعها.

(11:347)

نحوه المراغيّ(11:93)،و مغنيّة(4:149).

ابن عاشور :و قوله: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ شبّه به طور ابتداء نضارة العيش و إقبال زهرة الحياة،فذلك يشبه خروج الزّرع بعيد المطر فيما يشاهد من بوارق المأمول،و لذلك عطف ب«فاء» التّعقيب للإيذان بسرعة ظهور النّبات عقب المطر، فيؤذن بسرعة نماء الحياة في أوّل أطوارها.

و عبّر عنه بالاختلاط بالماء بحيث ظهر قبل جفاف الماء،أي فاختلط النّبات بالماء،أي جاوره

ص: 840

و قارنه.(11:60)

عبد الكريم الخطيب :...في هذا التّشبيه إعجاز من إعجاز القرآن،و آية من الآيات الدّالّة على علوّ متنزّله.

فالإنسان عنصر من عناصر هذه الحياة،و مادّة من موادّها.إنّه ماء من هذا الماء،هكذا هو في أصله و مادّة تكوينه،يقول تبارك و تعالى: أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ المرسلات:20،و يقول سبحانه: خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً الفرقان:54،و يقول جلّ شأنه: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ الطّارق:5،6.

هذا الإنسان الّذي هو ابن الماء،يخالط الحياة، و يتحرّك في أحشاء الوجود،و سرعان ما يصبح هذا الكائن،أو هذا الكون الّذي يمشي على الأرض،و كأنّه جنّة قد أخذت زخرفها و ازّيّنت،بملإ الأرض تيها و عجبا،و يمشي عليها مختالا فخورا،يكاد يخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولا.

و هذا الماء الّذي ينزل من السّماء،و يختلط به نبات الأرض-و قد عرفت شأنه،و ما يصنع من هذا النّبات-أ ليس هو هو الإنسان ابن الماء و الطّين؟

ثمّ أ ليس هذا الإنسان الّذي هو محصول هذا الماء، و منبت ذلك الطّين،يصير حصيدا هشيما،كما يصير النّبات ابن الماء،و الطّين،حصيدا هشيما؟

إنّ التّطابق بين الصّورتين على هذا التّصوير المعجز،هو آية من آيات اللّه،ليس في مقدور البشر أن يمسك بخيط من خيوط نصّه المحكم الرّائع!

و هل هذا كلّما هنالك من هذا الإعجاز في هذه الصّورة؟و معاذ اللّه أن ينفد إعجاز كلامه،أو ينقطع جني ثمره،على مدى الزّمان،و على كثرة الواردين و الطّاعمين.

انظر في قوله تعالى: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ..

و أكاد أدعك لتكشف عن سرّ هذا النّظم،الّذي جعل اختلاط نبات الأرض بالماء،و لم يجعل اختلاط الماء بالنّبات،هكذا:فاختلط بنبات الأرض،على ما يقتضيه مفهوم النّظر الإنسانيّ لهذه الظّاهرة.

فالماء هو الّذي يختلط بنبات الأرض،و يسري في كيانه،فيبعث فيه الحياة،و يخرجه من عالم الموات.

هكذا نرى،و هكذا نقدّر!و لكنّ عين (1)المقدرة ترى ما لا نرى،و تعلم ما لا نعلم!

فإن كنت تنكر هذه القدرة،أو تشكّ في هذا العلم، فهات قدرتك،و استحضر علمك،و قل لي:ما ذا ترى هناك؟و ما ذا تعلم ممّا بين الماء و النّبات؟أيّهما المختلط و أيّهما المختلط به،و أيّهما الفاعل،و أيّهما المفعول به؟

ودع عنك ما أنت فيه من نظر و علم،و انظر في كلمات اللّه تلك،و خذ العلم الحقّ منها.و لن أدعك كما قلت لك،بل سأنظر معك،و أتلقّى العلم في صحبتك!

الماء و النّبات حين يلتقيان،ما ذا يحدث عند التقائهما؟و ما ذا يكون من هذا اللّقاء؟

و ليكن في تقديرك-قبل الإجابة على هذاة.

ص: 841


1- كذا و الصّحيح:العين المقدّرة.

التّساؤل-أنّ المراد بالنّبات هنا،هو نبات الأرض،أي بذرة النّبات الّتي تغرس في الأرض،لا النّبات حين يكون نباتا.فإنّه في تلك الحال لا يكون مجرّد النّبات، بل هو الماء و النّبات معا.و أنّ لقاء قد كان بين الماء و بذرة النّبات حتّى أصبح نباتا،و إلاّ فهو بذرة،أو حبّة،و ليس نباتا.

و إذا تقرّر هذا فلنجب على هذا السّؤال:ما ذا يحدث من التقاء الماء بالبذرة أو الحبّة؟البذرة أو الحبّة الّتي تقلّبها بين يديك،ليست شيئا ميّتا-كما يبدو لنا- بل هي كائن حيّ،يحتفظ في كيانه بكلّ عناصر الحياة، الّتي تنتظر من يثيرها،و يدفع بها إلى الظّهور؛و ذلك لا يكون إلاّ بأمرين:

أوّلا غرسها في الأرض،و ثانيا:وصول الماء إليها، و تحوّل تراب الأرض إلى طين بهذا الماء.

هنا تبدأ الحياة الكامنة في البذرة،أو الحبّة تتحرّك، و تأخذ طريقها إلى الماء المختلط بالتّراب،أعني الطّين، فتجذبه إليها،و تفتح له الطّريق إلى الحياة الكامنة فيه، و تأخذ منه ما يروي ظمأها إلى الحياة،و إلى الإعلان عن وجودها،و إظهار آيات الخالق الّتي ائتمنها عليها.

فالبذرة أو النّبتة إذن هي الطّالبة للحياة،و المهيّئة لها،و المتشوّقة إليها.و ما الماء،و ما التّراب،و ما الطّين،إلاّ عناصر مساعدة.فالحبّة إذن هي الدّاعية لتلك العناصر،الطّالبة للاختلاط بها.و من هنا جاء النّظم القرآنيّ: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ.

أ رأيت إذن سرّ هذا النّظم،الّذي أسند الاختلاط بالماء إلى البذرة أو الحبّة.و الّذي لو جاء على عكس هذا،فأسند الاختلاط بالحبّة إلى الماء،لكان خطأ علميّا،يناقض ما كشف عنه علم الأحياء اليوم.

و هذا الّذي حدّثتك عنه لا يمثّل إلاّ وجها واحدا من السّورة،هو وجه الماء و النّبات.

أمّا الوجه الآخر،و هو الإنسان المقابل لهذا الوجه،فهذا ما نقصّ عليك من أمره:

هذا الإنسان و إن كان نبتة من نبات الأرض،فإنّه هو الماء الّذي يبعث الحياة في موجوداتها،و يكشف عن القوى الكامنة،فهو-بهذا-قائم على ذلك الوصف الّذي أنبأ عنه التّشبيه في قوله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا... و يكون من هذا أنّ الحيات الدّنيا هي هذا الإنسان،و أنّه لو لا هذا الإنسان لما كانت تلك الحيات الدّنيا،و ما تنبض به عروقها من حياة دافقة،في كلّ وجه من وجوهها!

فالإنسان هو الحياة الدّنيا،و هو الماء الّذي يثير الحياة،بل و يخلق الحياة في كلّ ما على هذه الدّنيا،كما يبعث الماء الحياة في الأحياء،بل و كما تتخلّق منه الحياة،كما يقول اللّه تعالى: ...وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ الأنبياء:30.(6:988)

مكارم الشّيرازيّ: الاختلاط في الأصل-كما قال الرّاغب في«المفردات»-هو الجمع بين شيئين أو أكثر،سواء كانت سائلة أو جامدة.و الاختلاط أعمّ من الامتزاج،لأنّ الامتزاج يطلق عادة على السّوائل، و على هذا يكون معني الجملة أنّ النّباتات يختلط بعضها بالبعض الآخر بواسطة ماء المطر،سواء

ص: 842

النّباتات الّتي تنفع الإنسان،أو الّتي تأكلها الحيوانات.

[و قال في الهامش:]يتّضح ممّا قيل أعلاه أنّ الباء في(به)سببيّة،و لكن قد احتمل البعض أنّها بمعنى «مع»،أي إنّ ماء ينزل من السّماء و يختلط بالنّباتات، و ينميها و ينضجها.إلاّ أنّ هذا الاحتمال الثّاني لا يناسب آخر الآية الّذي يقول: مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَ الْأَنْعامُ لأنّ ظاهر هذه الجملة أنّ المقصود هو الاختلاط بين أنواع الأعشاب،لا اختلاط الماء و النّبات.دقّقوا ذلك.(6:311)

فضل اللّه : كَماءٍ :كالمطر الّذي ينهمر من السّماء على الأرض فينفذ إلى أعماقها،فيتفاعل مع البذور المنتشرة فيها،فيختلط بها في عمليّة نموّ و تفاعل،فإذا به يتمثّل نباتا.(11:294)

3- وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ... الكهف:45

الزّجّاج: تأويله أنّه نجع (1)في النّبات حتّى خالطه،فأخذ النّبات زخرفه.(3:291)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:أنّ الماء اختلط بالنّبات حين استوى.

الثّانيّ: أنّ النّبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء حتّى نما.(3:309)

الطّوسيّ: أي نبت بذلك الماء المنزل من السّماء نبات،فالتفّت بعضه ببعض يروق حسنا و غضاضة.

(7:51)

نحوه الطّبرسيّ.(3:473)

البغويّ: خرج منه كلّ لون و زهرة.(3:194)

مثله الخازن.(4:174)

الميبديّ: يعني فنبت بالماء نبات الأرض مختلطا.

(5:694)

الزّمخشريّ: فالتفّ بسببه و تكاثف حتّى خالط بعضه بعضا.و قيل:نجع في النّبات الماء فاختلط به حتّى روي و رفّ رفيفا،و كان حقّ اللّفظ على هذا التّفسير:فاختلط بنبات الأرض.و وجه صحّته أنّ كلّ مختلطين موصوف كلّ واحد منهما بصفة صاحبه.

(2:486)

نحوه الفخر الرّازيّ(21:130)،و النّيسابوريّ (15:135)،و النّسفيّ(3:15)،و الشّربينيّ(2:379) و أبو السّعود(4:192)،و ملخّصا شبّر(4:79).

ابن عطيّة: أي فاختلط النّبات بعضه ببعض بسبب الماء،فالباء في(به)باء السّبب.(3:519)

نحوه الكاشانيّ(3:244)،و البروسويّ(5:250).

البيضاويّ: [نحو الزّمخشريّ،إلاّ أنّه قال:]

لكن لمّا كان كلّ من المختلطين موصوفا بصفة صاحبه،عكس للمبالغة في كثرته.(2:14)

الشّوكانيّ: أي اختلط بالماء نبات الأرض حتّى استوى.و قيل:المعنى إنّ النّبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء،لأنّ النّبات إنّما يختلط و يكثر بالمطر،فتكون الباء في(به)سببيّة.(3:364)

الآلوسيّ: أي فاشتبك و خالط بعضه بعضا لكثرته و تكاثفه،بسبب كثرة سقي الماء إيّاه.أو المراد:ل.

ص: 843


1- أي دخل.

فدخل الماء في النّبات حتّى روي و رفّ،و كان الظّاهر في هذا المعنى فاختلط بنبات الأرض،لأنّ المعروف في عرف اللّغة و الاستعمال دخول«الباء»على الكثير غير الطّارئ،و إن صدق بحسب الوضع على كلّ من المتداخلين أنّه مختلط و مختلط به،إلاّ أنّه اختير ما في النّظم الكريم للمبالغة في كثرة الماء،حتّى كأنّه الأصل الكثير.و في الكلام قلب مقبول.(15:285)

عزّة دروزة :ارتوى به،و كان سبب تكاثفه و نموّه.(6:23)

نحوه القاسميّ.(11:4065)

الطّباطبائيّ: قوله: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ و لم يقل:اختلط بنبات الأرض إشارة إلى غلبته في تكوين النّبات على سائر أجزاءه،و لم يذكر مع ماء السّماء غيره من مياه العيون و الأنهار،لأنّ مبدأ الجميع ماء المطر.(13:318)

ابن عاشور :و اختلاط النّبات:وفرته و التفاف بعضه ببعض من قوّة الخصب و الازدهار.

و الباء في قوله:(به)باء السّببيّة،و الضّمير عائد إلى(ماء)أي فاختلط النّبات بسبب الماء،أي اختلط بعض النّبات ببعض.و ليست الباء لتعدية فعل (اختلط)إلى المفعول،لعدم وضوح المعنى عليه.

(15:75)

مكارم الشّيرازيّ: هذه القطرات الواهبة للحياة تسقط على الجبال و الصّحراء،و تعيد الحياة للبذور المستعدّة الكامنة في الأرض المستعدّة بدورها، لتبدأ حركتها التّكامليّة.

إنّ الطّبقة الخارجيّة السّميكة للبذور تلين قبال المطر،و تسمح للبراعم في الخروج منها،و أخيرا تشقّ هذه البراعم التّراب و تخترقه،الشّمس تشع،النّسيم يهب،الموادّ الغذائيّة في الأرض تقدّم ما تستطيع، تتقوّى البراعم بسبب عوامل الحياة هذه،ثمّ تواصل نموّها،بحيث-بعد فترة-نرى أنّ نباتات الأرض تتشابك فيما بينها: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ الجبل و الصّحراء يتحوّلان إلى قوّة حياتيّة دافعة،أمّا البراعم و الفواكه و الأوراد فإنّها تزيّن الأغصان، و كأنّ الجميع يضحك،يصرخون صراخ الفرح، يرقصون فرحا.(9:251)

فضل اللّه : فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ في ما تحتويه من البذور المتنوّعة المتناثرة في داخلها و خارجها،فتتحرّك فيها الحياة،و يهتزّ فيها النّموّ، و تتنوّع فيها الألوان،و تمتدّ فيها الأغصان،و تمتلئ بالأوراق،و تتدلّى منها الثّمار الشّهيّة،و تدخل الأرض في موسم عرس جديد للورود و الرّياحين و الأشجار،و الزّرع الأخضر الممتدّ في ساحاتها، بمختلف أنواع العشب و النّبات.و لكنّ الحياة مهما امتدّت،و اخضرّت،و تحركت،و اهتزّت،و أنتجت، و أعطت النّموّ و الحيويّة و الجمال للأرض،فإنّ لها أمدا معيّنا و أجلا محدودا،تجفّ فيه الحيويّة،و ينتهي موسم الورود،و تتهاوى على الأرض،و تتفتّت فتتحوّل إلى ما يشبه الفتات التّرابيّ. فَأَصْبَحَ هَشِيماً

(14:336)

ص: 844

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخلاط،أي امتزاج الإبل و النّاس و المواشي.يقال:بها أخلاط من النّاس و خليط و خليطى،و خلّيطى،أي أوباش مجتمعون مختلطون،و يقال للقوم إذا خلطوا ما لهم بعضه ببعض:

خلّيطى،و ما لهم بينهم خلّيطى:مختلط.

و الخلاط:مخالطة الذّئب الغنم.يقال:خالط الذّئب الغنم خلاطا،أي وقع فيها.

و الخلاط:أن يأتي الرّجل إلى مراح آخر،فيأخذ منه جملا فينزيه على ناقته سرّا من صاحبه.

و الخلاط:أن لا يحسن الجمل القعو على طروقته، فيأخذ الرّجل قضيبه فيولجه،فيخلط له و يلطف له، و قد أخلطه إخلاطا،فهو يخلطه،و أخلط الفحل:

خالط الأنثى،و استخلط:قعا.

و الخلاط:مخالطة الدّاء الجوف.يقال:خالطه الدّاء خلاطا،أي خامره.

و الخلط و الخلط من السّهام:السّهم الّذي ينبت عوده على عوج،فلا يزال يتعوّج و إن قوّم،و كذلك القوس،لأنّه-كما قال ابن فارس-يخالط في الاستقامة.

و الخلط:ما خالط الشّيء،كأخلاط الطّيب و الدّواء و نحوهما،و الجمع:أخلاط،و منه:أخلاط الإنسان:أمزجته الأربعة.و الخلط:الأحمق.يقال:

رجل خلط بيّن الخلاطة،أي أحمق مخالط العقل،و قد خولط في عقله خلاطا و اختلط.و كذا المختلط النّسب،و ولد الزّنى.

و الخليط:أن تحلب الضّأن على لبن المعزى أو بالعكس،أو تحلب النّاقة على لبن الغنم،و لبن خليط:

مختلط من حلو و حازر،و سمن خليط:فيه شحم و لحم،و الخليط من العلف:تبن و قتّ،و طين و تبن يخلطان،و خليط الرّجل و القوم:المخالط،و كذا الصّاحب،و الجار،و الزّوج،و ابن العمّ،و الشّريك، و المولى،و القوم الّذين أمرهم واحد،يأتي مفردا و جمعا.و الجمع:خلطاء و خلط.

و الخلط:المزج.يقال:خلط الشّيء بالشّيء خلطا و خلّطه فاختلط،أي مزجه،و خالط الشّيء مخالطة و خلاطا:مازجه،و جمل مختلط و ناقة مختلطة،إذا سمنا حتّى اختلط الشّحم باللّحم.

و وقع القوم في خليطى و خلّيطى اختلاطا، فاختلط عليهم أمرهم،و إنّه لفي خلّيطى من أمره.

و يقال:للقوم إذا خلطوا مالهم بعضه ببعض:خلّيطى، و مالهم بينهم خلّيطى:مختلط،و اختلط اللّيل بالتّراب:

اختلط على القوم أمرهم،و اختلط المرعيّ بالهمل، و رجل مخلط مزيل:يخالط الأمور و يزايلها.

و الخلطة:العشرة،و الخلطة:الشّركة،يقال:خلط القوم خلطا و خالطهم،أي داخلهم،و الخلط:المختلط بالنّاس المتحبّب،يكون للّذي يتملّقهم و يتحبّب إليهم،و يكون للّذي يلقي نساءه و متاعه بين النّاس؛ و الأنثى:خلطة،و يقال:أخلط من حمّى،أي متحبّبة إليه،متملّقة بورودها إيّاه و اعتياده له،كما يفعل المحبّ الملق.

و التّخليط في الأمر:الإفساد فيه،و كذا الخلّيطى،

ص: 845

و اختلط فلان:فسد عقله،و خولط الرّجل فهو مخالط،و اختلط عقله فهو مختلط،إذا تغيّر عقله.

2-و التّخليط عند المولّدين:إنزاء الهجين على الهجين في إسفاد الدّواجن،و أمّا إنزاء النّجيب من الإبل عند العرب فهو الخلاط-كما تقدّم-و فعله الإخلاط.يقال:أخلط الرّجل الفحل إخلاطا،و نحوه قولهم:أخلط الرّجل البعير،أي أدخل قضيبه في حياء النّاقة،قال ابن سيده:«و المعروف بالخاء معجمة».

و لعلّه إبدال،لأنّ الحاء تعاقب الخاء في لغات كثيرة،كما تعاقب الرّاء اللاّم أيضا.يقال:اختلط السّيف،أي سلّه من غمده.قال الجرجانيّ: «الأصل:

اخترطه،و كأنّ اللاّم مبدلة منه».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا«الماضي»،و«الفعيل»جمعا:

«الخلطاء»،و من المفاعلة«المضارع»،كلّ منها مرّة، و من الافتعال«الماضي»3 مرّات،في 6 آيات:

1- وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ...

الأنعام:146

2- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَ الْأَنْعامُ... يونس:24

3- وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً... الكهف:45

4- وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّوبة:102

5- ...وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ... البقرة:220

6- ...وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ...

ص:24

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه المادّة استعملت في الأشياء المادّيّة و الأمور المعنويّة بأنماط مختلفة:

أ:خلط الأشياء في(1): أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ، و(2)و(3): فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ، و فيها بحوث:

1-ذهب أغلب المفسّرين إلى أنّ قوله في(1):

أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ، عطف على المستثنى:

إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما، أي أنّه حلال،-و اختاره الطّبريّ و الطّوسيّ و غيرهما-.و ذهب بعض إلى أنّه عطف على قوله: حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما، أي أنّه حرام،و هذا تمحّل ظاهر،لأنّه لو أراد ذلك لأخّر المستثنى دفعا للإبهام،و التّقدير:و من البقر و الغنم حرّمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم إلاّ ما حملت ظهورهما.

2-لعلّ المراد بالنّبات في(2)و(3):البقول و الأعشاب من النّباتات الحوليّة،كالحنطة و الشّعير و الحشيش،لأنّ حاجتها إلى الماء أشدّ من الأشجار

ص: 846

و سائر النّباتات،لرقّتها و غضارتها.فحينما تختلط بذورهما بماء المطر تنمو و تزهر،ثمّ تذوي و تيبس، فلا تمكث في الأرض إلاّ بضعة أشهر،و لذا شبّه اللّه بها الحياة الدّنيا.

و اعتبر بعض المفسّرين المشبّه به الماء،و هذا المعنى لا يلائم المشبّه،أي الحياة الدّنيا،لأنّ النّبات يشبه الحيوان في جميع مراحله،و ليس كذلك الماء.

3-جاء الفعل(اختلط)في الآيات الثّلاث بمعنى خالط،فالتّقدير في(1):و ما خالط عظما،و التّقدير في(2)و(3):فخالط نبات الأرض.و لعلّ معناه في(2)و(3)تخالط،أي تخالط ماء السّماء و نبات الأرض،أو لعلّه بمعنى المبالغة،أي بالغ في الخلط،نحو:

اكتسب.

ب:خلط الأعمال في(4): خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً :و فيه بحوث:

1-يبدو من السّياق أنّ خلط العمل الصّالح و السّيّئ كان عمدا لا غفلة،و دليله إقرارهم بالسّيّئ من الأعمال: اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، و جعل اللّه توبته عليهم رجاء لا مبادرة: عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ.

2-و جملة: خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً، إمّا صفة للفظ«آخرون»،و إمّا خبر له،و معنى الخبر أقرب من الصّفة،لأنّ الآيات السّابقة و اللاّحقة لها فيها أخبار تفصح عن أعمال الأعراب و المنافقين.

3-للطّوسيّ فيها نكتتان:

أولاهما:«أهل اللّغة قالوا:«خلط»،مخفّفا في الخير،و«خلّط»مشدّدا في الشّرّ».و لم يذكرها غيره، و لا تدلّ الآية عليها،لو لم تدلّ على عكسها؛حيث دلّت على خلط الصّالح بالسّيّئ ذمّا.لكنّه قال في(2) فَاخْتَلَطَ :«الاختلاط ربّما كان صفة مدح،و ربّما كان صفة ذمّ»،مع أنّه في الآيات الثّلاث(1-3)جاء وصفا لنعم اللّه،و هو مدح.

ثانيتهما:أنّهما تدلّ على بطلان القول بالإحباط، و هو أنّ اللّه يجمع الأعمال الحسنة و السّيّئة و يحكم بحاصل الجمع،مستدلا بأنّه إذا طرأ أحدهما على الآخر أبطله فلا يجتمعان،فكيف يكون خلطا؟و وافقه الفخر الرّازيّ حيث حمل الاختلاط على الجمع المطلق دون الامتزاج،و قال:«لأنّ العمل الصّالح و العمل السّيّئ إذا حصلا بقي كلّ واحد منهما كما كان-على مذهبنا-فإنّ عندنا القول بالإحباط باطل،و الطّاعة تبقى موجبة للمدح و الثّواب،و المعصية تبقى موجبة للذّمّ و العقاب.ففيه تنبيه على نفي القول بالمحابطة و أنّه بقي كلّ منهما كما كان من غير أن يتأثّر أحدهما بالآخر»،ثمّ بيّن أنّ المخاطبة بين شيئين لا بدّ و أن يكونا باقيين.و مثله قال من تأخّر عنه،و قال بمذهبه.

و نحن نعتقد أنّ إبطال القول بالإحباط له أدلّة أخرى من ظاهر القرآن و غيره،و لولاها لما دلّت هذه الآية عليه دلالة قطعيّة،فإنّ الإحباط عند القائل به إنّما يتحقّق في الآخرة عند الحساب،و هذه الآية دلّت على خلط الصّالح و السّيّئ في الدّنيا.

4-قال الزّمخشريّ-و تبعه غيره-:«فإن قلت:

قد جعل كلّ واحد منهما مخلوطا فما المخلوط به؟

قلت:كلّ واحد منهما مخلوط و مخلوط به،لأنّ

ص: 847

المعنى خلط كلّ واحد منهما بالآخر،كقولك:خلطت الماء باللّبن،تريد خلطت كلّ واحد منهما بصاحبه.

و فيه من المبالغة ما ليس في قولك:خلطت الماء باللّبن، لأنّك جعلت الماء مخلوطا و اللّبن مخلوطا به،و إذا قلت ب«الواو»جعلت الماء و اللّبن مخلوطين و مخلوطا بهما، كأنّك قلت:خلطت الماء باللّبن و اللّبن بالماء.و يجوز أن يكون من قولهم:بعت الشّاء شاة و درهما بمعنى شاة بدرهم».

و قد ذكر السّمين قول الزّمخشريّ و قال:«لا يريد أنّ الواو بمعنى الباء و إنّما هو تفسير معنى».و هذا هو الصّواب فلا وجه لقول المشهديّ: «و الواو في وَ آخَرَ سَيِّئاً إمّا بمعنى الباء كما في قولهم:بعت الشّاة و درهما،أو للدّلالة على أنّ كلّ واحد منهما مخلوط بالآخر»،و الأخير هو المتعيّن.و قد أطالوا الكلام في هذا الواو فلاحظ.

ج:خلط الإخوة في(5): وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ، و الشّركاء في(6): وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ، و فيهما بحوث:

1-تدلّ صيغة تُخالِطُوهُمْ، (5)على المشاركة،أي مشاركة اليتامى في المأكل و المشرب و المسكن،و قصره بعضهم على المصاهرة،و ليس في الآية ما يشير إلى هذا المعنى سوى ما ذكره الرّاغب و الفخر الرّازيّ من الوجوه.و شيء منها لا ينفي إرادة العموم لو لم يكن السّياق من ذكر الإصلاح و المصلح- كما قال أبو حيّان-إلاّ على العموم،فلاحظ.

فالأولى أن يحمل على العموم،أي مشاركتهم في المأكل و المشرب و المسكن و المصاهرة و العمل،و نحو ذلك.

2-يدلّ سياق الآية: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ، على الحضّ على المخالطة،فهو حثّ و ترغيب في إطار الشّرط.و ذكر لفظ(اخوان) و إسناده إلى المخاطبين إثارة لعاطفتهم،و إنهاض لهممهم.أي إنّهم إخوانكم في الدّين أو كإخوانكم في النّسب-و هو الأظهر-و من حقّ الأخ أن يخالط الأخ

3-في وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ، التفات من الغيبة في وَ يَسْئَلُونَكَ، و سرّه-كما قال أبو حيّان-هو الإقبال بالخطاب على المخاطب ليتهيّأ لسماع ما يلقى إليه حضورا.

4-وصف اللّه الخلطاء على لسان داود عليه السّلام في(6) بأنّهم بغاة: وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ، فجعل هذه الصّفة لأغلبهم،ثمّ استثنى منهم المؤمنين و الصّالحين و أنّهم قليلون: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ قَلِيلٌ ما هُمْ، و كان قد وصف الشّريكين بالخصومة على لسان الفريقين المتخاصمين: خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ ص:

22،ثمّ بيّن أنّهما أخوان على لسان المدّعي: إِنَّ هذا أَخِي ص:23.

و هذه إشارة منه تعالى إلى أنّ الشّريكين يختصمان في ما بينهما و لو كانا أخوين،كما أنّ أحدهما يبغي على شريكه إن كانا كافرين،و لكنّ الشّركاء المؤمنين لا يبغي بعضهم على بعض،و لذا استثناهم هنا،و هو استثناء من البغي فقط دون الخصومة.

ص: 848

5-و الآية تدلّ دلالة واضحة على آثار الإيمان الاجتماعيّة و آداب العشرة.

6-استظهر الآلوسيّ أنّ قوله: إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ، من كلام داود عليه السّلام لكن ذيّلها: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ قَلِيلٌ ما هُمْ، أشبه بكلام اللّه تعالى،و عليه فهذه كالجملة المعترضة،و لها نظائر في القرآن،فلاحظ.

و يلاحظ ثانيا أنّ فيها نكتتين:

الأولى:استعمل الخلط وصفا أو خبرا أو مثلا أو حكما في شئون الدّنيا،بينما استعمل المزج- بلفظ المزاج-في شئون الآخرة،فمزاج كأس أهل الجنّة أنواع:

1-الكافور: إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً الدّهر:5

2-الزّنجبيل: وَ يُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً الدّهر:17

3-التّسنيم: وَ مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ المطفّفين:27

الثّانية:الآيات أكثرها مكّيّة،فهي في(1 و 4) حكاية حال بني إسرائيل،و منهم داود و سليمان.

و توصيف للحياة الدّنيا،كما في(2 و 3).و اثنتان منها (5 و 6)مدنيّتان و تشريع.

ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

المزج: إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً الدّهر:5

اللّبس: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:42

ص: 849

ص: 850

خ ل ع

اشارة

اخلع

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخلع اسم،خلع رداءه و خفّه و خفّه و قيده و امرأته.

و الخلع كالنّزع،إلاّ أنّ في الخلع مهلة.

و اختلعت المرأة اختلاعا و خلعة.

و خلع العذار،أي الرّسن،فعدا على النّاس بالشّرّ لا طالب له،فهو مخلوع الرّسن.

و الخلعة:كلّ ثوب تخلعه عنك.و يقال:هو ما كان على الإنسان من ثيابه تامّا.

و الخلعة:أجود مال الرّجل،يقال:أخذت خلعة ماله،أي خيّرت فيها فأخذت الأجود فالأجود منها.

و الخليع:اسم الولد الّذي يخلعه أبوه مخافة أن يجني عليه،فيقول:هذا ابني قد خلعته،فإن جرّ (1)لم أضمن،و إن جرّ عليه[فلم]أطلب.فلا يؤخذ بعد ذلك بجريرته.كانوا يفعلونه في الجاهليّة،و هو المخلوع أيضا،و الجمع:الخلعاء،

و منه يسمّى كلّ شاطر و شاطرة خليعا و خليعة، و فعله اللاّزم:خلع خلاعة،أي صار خليعا.

و الخليع:الصّيّاد،لانفراده عن النّاس.

و يقال:الخليع هاهنا الصّيّاد،و يقال:هو هاهنا الشّاطر.

و المخلّع من النّاس:الّذي كأنّ به هبّة (2)أو مسّا.

و رجل مخلّع:ضعيف رخو.

و في الحديث:«خلع ربقة الإسلام من عنقه»إذا ضيّع ما أعطى من العهد و خرج على النّاس.

ص: 851


1- جاء في الهامش:أمّا في«ك»جرم.
2- الظّاهر:هبتة،كما في كتب اللّغة...و قد قاله اللّيث أيضا.

و الخولع:فزع يبقى في الفؤاد حتّى يكاد يعتري صاحبه الوسواس منه.و قيل:الضّعف و الفزع.

و المتخلّع:الّذي يهزّ منكبيه إذا مشى و يشير بيديه.

و المخلوع الفؤاد:الّذي انخلع فؤاده من فزع.

و الخلع:زوال في المفاصل من غير بينونة،يقال:

أصابه خلع في يده و رجله.

و الخلع:القديد يشوى،فيجعل في وعاء بإهالته.

و الخالع:البسرة إذا نضجت كلّها،و الخالع:

السّنبل إذا سفا.و خلع الزّرع خلاعة.

و المخلّع من الشّعر:ضرب من البسيط يحذف من أجزائه.

قلت للخليل (1)ما ذا تقول في المخلّع؟قال:المخلّع من العروض ضرب من البسيط و أورده.

و الخليع:القدح الّذي يفوز أوّلا.و الجمع:أخلعة.

و الخليع:من أسماء الغول،قال عرّام:هي «الخلوع»لأنّها تخلع قلوب النّاس،و لم نعرف «الخليع».[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](1:118)

اللّيث:المخلّع من النّاس:الّذي كأنّ به هبتة أو مسّا.

و يقال فلان يتخلّع في مشيه،و هو هزّه يديه.

و رجل مخلوع الفؤاد،إذا كان فزعا.

(الأزهريّ 1:165)

ابن شميّل: في حديث عثمان«أنّه كان إذا أتي بالرّجل الّذي قد تخلّع في الشّراب المسكر جلده ثمانين جلدة».

معنى قوله:«تخلّع في الشّراب»هو أن يدمن فيشرب اللّيل و النّهار.

و الخليع:الّذي قد خلعه أهله و تبرّءوا منه.

(الأزهريّ 1:166)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخالع:داء إذا برك البعير مالت عصبة العرقوب،أو كلتاهما،فلا يستطيع النّهوض حتّى ترفع عصبته فتسوّيها.فيقال:به خالع.

(1:237)

الأصمعيّ: الخالع من الشّجر:الهشيم السّاقط.

(الأزهريّ 1:165)

ابن الأعرابيّ: الخولع:الفزع.

و الخولع:الرّجل الأحمق.

و الخولع:الحنظل المدقوق الملتوت بما يطيّبه،ثمّ يؤكل،و هو المبسّل.

الخولع:اللّحم يغلى بالخلّ،ثمّ يحمل في الأسفار.

و الخولع:الغول.

و الخولع:الذّئب.

و الخولع:المقامر المحدود الّذي يقمر أبدا.

و الخولع:الغلام الكثير الجنايات،مثل الخليع.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 1:164)

خلعت العضاه،إذا أورقت.(الأزهريّ 1:165)

و تخلّع القوم:تسلّلوا و ذهبوا.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 1:140)

ابن السّكّيت: و الخلع بفتح الخاء:اللّحم،يؤخذتن

ص: 852


1- كذا في المتن

من العظام و يطبخ و يبزّر،ثمّ يجعل في وعاء يقال له القرف و يتزوّد في الأسفار.(الأزهريّ 1:164)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ:صلّى اللّه عليه و سلّم«...شحّ هالع و جبن خالع».

و الجبن الخالع:الّذي يخلع قلبه من شدّته.

(1:452)

الحربيّ: عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«المختلعات هنّ المنافقات».

عن أبي سعيد:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يصلّي بأصحابه فخلع نعليه فوضعهما عن يساره».

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«من خلع يدا من طاعة لقي اللّه لا حجّة له».

قوله:«المختلعات»يعني اللّواتي يطلبن الخلع من أزواجهنّ لغير عذر،يقال:خلع امرأته خلعا.

قوله:«خلع نعليه»يقول:رمى بهما،فيقال:خلع نعليه و خفّيه وراءه خلعا.

قوله:«من خلع يدا من طاعة»يريد أخرج نفسه من طاعة سلطانه،وعدا عليهم بالشّرّ.

و الرّجل الخليع:الّذي يبرأ قومه من جنايته، و الجميع:الخلعاء.و الصّائد يسمّى:خليعا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخلع:القديد المشويّ.و الخليع:الثّوب،ثوب غير مخيط الفرجين.

قال أبو عمرو:الخيعل:القميص لا كمّي له.

و إذا نضجت البسرة فهي خالع.و خلع السّنبل، إذا صار له سفا.

و الخليع:القدح يفوز أوّلا.(3:1052)

كراع النّمل:الخيلع:الزّيت.

و الخلعلع:من أسماء الضّباع.(ابن سيده 1:141)

ابن دريد :الخيعل:ثوب تخيطه المرأة من أحد شقّيه و تلبسه كالقميص،و أصله من«الخعل»فثقل عليهم اجتماع الخاء و العين،ففصلوا بينهما بالياء.

و الخلع من قولهم:خلعت ثوبي و نعلي،إذا نزعتهما.

و الخلاع:كالخبل يصيب الإنسان.

و الخولع:الضّعف و الجبن.

و الخليع:الّذي يخلعه قومه فلا يطلبون بجنايته، و لا ينصرونه إن جني عليه،و الجمع:الخلعاء.

و الخلعاء:بطن من بني عامر،لقب لهم.

و ثوب خليع،إذا أخلق.

و الخلع:لحم يطبخ بإهالة،ثمّ يحقن في الزّقاق، فيؤكل في السّفر.

و يقال:بفلان خلعة و فكك،أي ضعف.

و الشّعر المخلّع:ما تقاربت أجزاؤه و قصرت.

و خيلع:موضع.

و الخليع:رجل من العرب من بني عامر،كان له خطر فيهم.

و تخالع القوم،إذا نقضوا الحلف بينهم.

و يقال:أخلع السّنبل،إذا صار فيه الحبّ.

و المخلّع:الّذي تخلّع أوصاله.

و يقال:ألقى فلان على فلان خلعته،إذا كساه ثيابه.

و الخلاع،من قولهم:خالع فلان امرأته خلاعا

ص: 853

و اختلعت هي،إذا نشزت عنه،و الاسم:الخلع.

و الخليع:المقامر المراهن في القمار.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](2:234)

و الخليع:الضّعيف،و ربّما قالوا به خولع و خيلع:

إذا كان منزوع الفؤاد.[ثمّ استشهد بشعر](3:357)

الأزهريّ: يقال:خلع الرّجل ثوبه،و خلع امرأته و خالعها،إذا افتدت منه بمالها فطلّقها و أبانها من نفسه.و سمّي ذلك الفراق:خلعا،لأنّ اللّه جلّ و عزّ جعل النّساء لباسا للرّجال و الرّجال لباسا لهنّ،فقال:

هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ البقرة:187، و هي ضجيعته و ضجيعه،فإذا افتدت المرأة بمال تعطيه لزوجها ليبينها منه فأجابها إلى ذلك،فقد بانت منه، و خلع كلّ واحد منهما لباس صاحبه،و الاسم من ذلك:الخلع؛و المصدر:الخلع.و قد اختلعت المرأة منه اختلاعا،إذا افتدت بمالها.فهذا معنى الخلع عند الفقهاء.

و خلعة المال و خلعته:خياره.أبو سعيد:سمّي «خلعة»لأنّه يخلع قلب النّاظر إليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخلعة من الثّياب:ما خلعته فطرحته على آخر، أ و لم تطرحه.

و الخليع:الّذي يجني الجنايات،يؤخذ بها أولياؤه، فيتبرّءون منه و من جناياته،و يقولون:إنّا قد خلعنا فلانا،فلا نأخذ أحدا بجناية تجنى عليه،و لا نؤاخذ بجناياته الّتي يجنيها.و كان يسمّى في الجاهليّة:الخليع.

و يقال للذّئب:خليع.و يقال للشّاطر من الفتيان:

خليع،لأنّه خلع رسنه.و يقال للصّيّاد:خليع.

و الخلع كالنّزع إلاّ أنّ فيه مهلة.

و الخلعلع من أسماء الضّباع.

و يقال:خلع الشّيخ،إذا أصابه الخالع،و هو التواء العرقوب.

و خلع الشّجر،إذا أنبت ورقا طريّا.

و الخالع:داء يأخذ في عرقوب الدّابّة.

و يقال:خلع فلان من الدّين و الحياء.و قوم مبيّنو الخلاعة.(1:164)

الصّاحب:الخلع كالنّزع،إلاّ أنّ في النّزع مهلة.

و خلع قليده و دابّته خلعا.

و خلع امرأته خلعا و خلعة،و اختلعت هي،و هي خالع.

و خلع العذار:مثل،أي رفع الحشمة.

و الخليع:الشّاطر.و الّذي أعيا خبثا فتبرأ منه العشيرة،و قد خلع خلاعة،و الصّيّاد،و القدح الهائر (1)أوّلا؛و القداح:أخلعة،و الغول.

و المخلّع:الّذي كأنّ به مسّا.و الضّعيف الرّخو.

و لقب في العروض لضرب من البسيط،حذف من أجزائه.

و تخلّع في مشيه:هزّ منكبه و أشار بيديه.

و أصابه خلع و خلع:لزوال المفاصل من مواضعها.

و الخلع:القديد المشويّ.

و خلع الزّرع:أسفى سنبله،خلاعة.ح.

ص: 854


1- يعني به السّهم الّذي لا يفوز أوّلا...كما في الصّحاح.

و الخالع:البسرة إذا نضجت.

و بعير خالع:لا يقدر على النّهوض،لالتواء عرقوبه أو زوال فرسنه.و قد يقال:في رجله خالع و خالعان،و ذلك يكون خلقة.

و ناقة خلعاء،و لا يقال:جمل أخلع؛و لكن به خالع،و هو ذو خوالع.

و الخالع:العود إذا يبس فتساقط لحاؤه،و إذا أورق و نبت قضبانه أيضا.

و الخالع من العضاه:الّذي لا يسقط ورقه أبدا.

و من الضّريع:الّذي خلع نبته و طال،و قد أخلع النّاس:وجدوه فرعوه.

و الغلام المترعرع.

و خلع الفحل و الغلام:طال قضيبهما عن قصر.

و الخولع:فزع يبقى في الفؤاد كالوسواس.و الهبيد حين يخرج دسمه.

و الخلعلع:الضّبع.

و الخيلع:درع المرأة؛و قد خيلعته.و الذّئب.

و أخلع القوم:قاربوا أن يرسلوا الفحل في الطّروقة.

و امرأة مختلعة:شبقة.

و المخالعة:القمار.(1:125)

الجوهريّ: خلع ثوبه و نعله و قائده خلعا.

و خلع عليه خلعة.

و خالع امرأته خلعا بالضّمّ.

و الخلعة:خيار المال.

و خلع الوالي،أي عزل.

و خالعت المرأة بعلها:أرادته على طلاقها ببذل منها له،فهي خالع.و الاسم:الخلعة،و قد تخالعا، و اختلعت فهي مختلعة.

و الخلع:لحم يطبخ بالتّوابل،ثمّ يجعل في القرف، و هو وعاء من جلد.

و خلع السّنبل،أي صار له سفا.

و خلع الغلام:كبر زبّه.

و تخالع القوم،إذا نقضوا الحلف بينهم.

و الخالع من الرّطب:المنسبت.

و يقال:بعير به خالع،هو الّذي لا يقدر على أن يثور إذا جلس الرّجل على غراب وركه.

و التّخلّع:التّفكّك في المشية.

و رجل مخلّع الأليتين،إذا كان منفكّهما.

و غلام خليع بيّن الخلاعة بالفتح،و هو الّذي قد خلعه أهله،فإن جنى لم يطلبوا بجنايته.

و الخليع:الصّيّاد،و القدح الّذي لا يفوز أوّلا، و الغول،و الذّئب.

و قولهم:به خولع و خيلع،أي فزع يعتري فؤاده كأنّه مسّ.

و التّخليع في باب العروض:قطع«مستفعلن»في عروض البسيط و ضربه جميعا،فينقل إلى«مفعولن» و يسمّى البيت مخلّعا.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(3:1205)

ابن فارس: الخاء و اللاّم و العين أصل واحد مطّرد،و هو مزايلة الشّيء الّذي كان يشتمل به أو عليه.

ص: 855

تقول:خلعت الثّوب أخلعه خلعا،و خلع الوالي يخلع خلعا.و هذا لا يكاد يقال إلاّ في الدّون ينزل من هو أعلى منه،و إلاّ فليس يقال:خلع الأمير واليه على بلد كذا.

أ لا ترى أنّه إنّما يقال عزله.

و يقال طلّق الرّجل امرأته.فإن كان ذلك من قبل المرأة يقال:خالعته و قد اختلعت،لأنّها تفتدي نفسها منه بشيء تبذله له.

و في الحديث:«المختلعات هنّ المنافقات»يعني اللّواتي يخالعن أزواجهنّ من غير أن يضارّهنّ الأزواج.

و الخالع:البسر النّضيج،لأنّه يخلع قشره من رطوبته،كما يقال:فسقت الرّطبة،إذا خرجت من قشرها.

و من الباب:خلع السّنبل،إذا صار له سفا،كأنّه خلعه فأخرجه.

و الخليع:الّذي خلعه أهله،فإن جنى لم يطلبوا بجنايته،و إن جني عليه لم يطلبوا به.و هو قوله:

و واد كجوف العير قفر قطعته

به الذّئب يعوي كالخليع المعيّل

و الخليع:الذّئب،و قد خلع أيّ خلع!و يقال:

الخليع:الصّائد.

و يقال:فلان يتخلّع في مشيته،أي يهتزّ،كأنّ أعضاءه تريد أن تتخلّع.

و الخالع:داء يصيب البعير.يقال:به خالع،و هو الّذي إذا برك لم يقدر على أن يثور،و ذلك أنّه كأنّه تخلّعت أعضاؤه حتّى سقطت بالأرض.

و الخولع.فزع يعتري الفؤاد كالمسّ؛و هو قياس الباب،كأنّ الفؤاد قد خلع.

و يقال قد تخالع القوم:إذا نقضوا ما كان بينهم من حلف.(2:209)

ابن سيده: خلع الشّيء يخلعه خلعا،و اختلعه:

ك«نزعه»،إلاّ أنّ في الخلع مهلة.و سوّى بعضهم بين الخلع و النّزع.

و خلع الثّوب و الرّداء و النّعل يخلعه خلعا:

جرّده.

و في التّنزيل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً طه:12،روي أنّه أمر بخلعهما،ليطأ بقدميه الوادي المقدّس.و روي«قدّس مرّتين»

و كلّ ثوب تخلعه عنك خلعة.

و خلع قائده خلعا:أداله.

و خلع الرّبقة عن عنقه:نقض عهده.

و تخالع القوم:نقضوا العهد بينهم.

و خلع دابّته يخلعها خلعا،و خلّعها:أطلقها من قيدها.و كذلك خلع قيده.

و خلع عذاره:ألقاه عن نفسه،فعدا بشرّ،و هو على المثل بذلك.

و خلع امرأته خلعا و خلاعا،فاختلعت:أزالها عن نفسه،و طلّقها.

و خلعه عن النّسب:أزاله.

و رجل خليع:مخلوع عن نسبه،و قيل:هو المخلوع من كلّ شيء،و الجمع:خلعاء،كما قالوا:

ص: 856

قتيل و قتلاء.

و خلع خلاعة،فهو خليع:تباعد.و الخليع:

الشّاطر،و هو منه،و الأنثى بالهاء.

و الخليع:الصّيّاد لانفراده.

و الخليع:الملازم للقمار.

و الخليع:القدح الفائز أوّلا،و قيل:الّذي لا يفوز أوّلا،عن كراع.و جمعه:خلعة.

و الخلاع،و الخيلع،و الخولع:كالخبل و الجنون يصيب الإنسان.و قيل:هو فزع يبقى في الفؤاد،يكاد يعتري منه الوسواس.و قيل:الضّعف و الفزع.

و الخولع:داء يأخذ الفصال.

و المخلّع:الّذي كأنّ به مسّا.

و رجل مخلّع و خيلع:ضعيف،و فيه خلعة:أي ضعف.

و المخلّع من الشّعر:«مفعولن»في الضّرب السّادس من البسيط،مشتقّ منه.سمّي بذلك،لأنّه خلعت أوتاده،في ضربه و عروضه،لأنّ أصله «مستفعلن»في العروض و الضّرب،فقد حذف منه جزءان،لأنّ أصله ثمانية.و في الجزءين و تدان،و قد حذفت من«مستفعلن»نونه،فقطع هذان الوتدان، فذهب من البيت و تدان،و كأنّ البيت خلع،إلاّ أنّ اسم التّخليع لحقه،بقطع نون«مستفعلن»لأنّهما للبيت كاليدين،فكأنّهما يدان خلعتا منه.

و تخلّع في مشيته:هزّ منكبيه،و أشار بيديه.

و الخلع و الخلع:زوال المفصل من اليد أو الرّجل، من غير بينونة.

و خلّع أوصاله:أزالها.

و ثوب خليع:خلق.

و بعير به خالع:لا يقدر أن يثور إذا جلس الرّجل على غراب وركه.و قيل:إنّما ذلك لانخلاع عصبة عرقوبه.

و خلع الزّرع خلاعة:أسفى.و أخلع:صار فيه الحبّ.

و بسرة خالع و خالعة:نضيجة.

و قيل الخالع بغير هاء:البسرة إذا نضجت كلّها.

و خلع الشّيح خلعا:أورق.و كذلك العضاه.

و خلع:سقط ورقه.

و الخلع:القديد المشويّ.و قيل:القديد يشوى، و اللّحم يطبخ،و يجعل في وعاء بإهالته.

و الخولع:الهبيد حين يهبد،حتّى يخرج دسمه، و ذلك أن يطبخ حتّى يخرج سمنه،ثمّ يصفّى فينحّى، و يجعل عليه رضيض التّمر المنزوع النّوى و الدّقيق، و يساط حتّى يختلط،ثمّ ينزل فيوضع،فإذا برد أعيد عليه سمنه.

و الخالع:الجدي.

و الخليع و الخيلع:الغول.

و الخليع:اسم رجل من العرب.

و الخلعاء:بطن من بني عامر.

و الخيلع من الثّياب و الذّئاب:لغة في الخيعل.

و الخيلع:الزّيت،عن كراع.

و الخيلع:القبّة من الأدم.و قيل:الخيلع:الأدم عامّة.

ص: 857

و الخلعلع:من أسماء الضّباع،عنه أيضا.(1:139)

الطّوسيّ: و الخلع:نزع الملبوس،يقال:خلع ثوبه عن بدنه،و خلع نعله عن رجله.و قد ينزع المسمار، فلا يكون خلعا،لأنّه غير ملبوس.

و يقال:خلع عليه رداءه،كأنّه نزعه عن نفسه و ألبسه إيّاه.(7:164)

الرّاغب: الخلع:خلع الإنسان ثوبه،و الفرس جلّه و عذاره.

قال تعالى: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ طه:12، قيل:هو على الظّاهر،و أمره بخلع ذلك عن رجله، لكونه من جلد حمار ميّت.و قال بعض الصّوفيّة:هذا مثل،و هو أمر بالإقامة و التّمكّن،كقولك لمن رمت أن يتمكّن:انزع ثوبك و خفّك و نحو ذلك،و إذا قيل:

خلع فلان على فلان،فمعناه:أعطاه ثوبا،و استفيد معنى العطاء من هذه اللّفظة،بأن وصل به على فلان بمجرّد الخلع.(155)

نحوه الفيروزآباديّ(بصائر ذوي التّمييز 2:560)

الزّمخشريّ: خلع الرّجل ثوبه و نعله.و خلع الفرس عذاره.و خلع عليه:إذا نزع ثوبه و طرحه عليه.

و كساه الخلعة و الخلع.

و شواء مخلّع:خلعت عظامه.

و تزوّدوا الخلع:و هو اللّحم تخلع عظامه ثمّ يطبخ و يبزّر.

و من المجاز:خلع فلان رسنه و عذاره فعدا على النّاس بشرّ.

و خلع دابّته في الجشر:أرسله.

و خلع الوالي العامل.و خلع الخليفة.و قيل للأمين:المخلوع.

و خالعت فلانة بعلها:و اختلعت منه،و هي خالع و مختلعة.و خلعها زوجها.

و في الحديث:«المختلعات هنّ المنافقات»و هنّ اللّواتي يخالعن أزواجهنّ من غير مضارّة منهم.

و نساء خوالع.

و كان الرّجل في الجاهليّة إذا غلبه ابنه أو من هو منه بسبيل،جاء به إلى الموسم،ثمّ نادى:«يا أيّها النّاس هذا ابني فلان،و قد خلعته، فإن جرّ لم أضمن،و إن جرّ عليه لم أطلب» يريد قد تبرّأت منه.ثمّ قيل لكلّ شاطر خليع.

و قد خلع خلاعة،و هي خليعة.

«و نخلع و نترك من يفجرك»أي نتبرّأ منه.

و اختلعوا ماله:أخذوه.

و تخالعوا:تناكثوا العهود بينهم.

و خالعه:قامره،لأنّ المقامر يخلع مال صاحبه.

و فلان مخلّع:مجنون و به خولع مثل أولق.

و المجنون يتخلّع في مشيته:يتفكّك.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:118)

[في حديث]عثمان:«كان إذا أتي بالرّجل قد تخلّع في الشّراب المسكر،جلده ثمانين».أي انهمك في معاقرته،و خلع رسنه فيها،و بلغ به الثّمل إلى أن استرخت مفاصله استرخاء يشبه التّخلّع و التّفكّك.

ص: 858

[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 1:392)

ابن الأثير: «من خلع يدا من طاعة لقي اللّه تعالى لا حجّة له»أي خرج من طاعة سلطانه،وعدا عليه بالشّرّ،و هو من:خلعت الثّوب،إذا ألقيته عنك.شبّه الطّاعة و اشتمالها على الإنسان به،و خصّ اليد،لأنّ المعاهدة و المعاقدة بها.

و منه الحديث:«و قد كانت هذيل خلعوا خليعا لهم في الجاهليّة»كانت العرب يتعاهدون و يتعاقدون على النّصرة و الإعانة،و أن يؤخذ كلّ منهم بالآخر، فإذا أرادوا أن يتبرّءوا من إنسان قد حالفوه أظهروا ذلك إلى النّاس،و سمّوا ذلك الفعل:خلعا،و المتبرّأ منه:خليعا،أي مخلوعا،فلا يؤخذون بجنايته،و لا يؤخذ بجنايتهم،فكأنّهم قد خلعوا اليمين الّتي كانوا قد لبسوها معه،و سمّوه:خلعا و خليعا مجازا و اتّساعا.

و به يسمّى الإمام و الأمير إذا عزل:خليعا،كأنّه قد لبس الخلافة و الإمارة ثمّ خلعها.

و منه حديث عثمان:«قال له:إنّ اللّه سيقمّصك قميصا،و إنّك تلاص على خلعه».أراد الخلافة و تركها،و الخروج منها.

و منه حديث كعب:«إنّ من توبتي أن أ نخلع من مالي صدقة»أي أخرج منه جميعه و أتصدّق به و أعرى منه،كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه.

و في حديث ابن الصّبغاء:«فكان رجل منهم خليع»أي مستهتر بالشّرب و اللّهو،أو من الخليع:

الشّاطر الخبيث الّذي خلعته عشيرته و تبرّءوا منه.

و فيه:«المختلعات هنّ المنافقات»يعنى اللاّتي يطلبن الخلع و الطّلاق من أزواجهنّ بغير عذر.يقال:

خلع امرأته خلعا،و خالعها مخالعة،و اختلعت هي منه،فهي خالع.و أصله من خلع الثّوب.

و الخلع:أن يطلّق زوجته على عوض تبذله له، و فائدته إبطال الرّجعة إلاّ بعقد جديد.و فيه عند الشّافعيّ خلاف:هل هو فسخ أو طلاق؟و قد يسمّى الخلع:طلاقا.

و منه حديث عمر:«إنّ امرأة نشزت على زوجها، فقال له عمر:اخلعها»أي طلّقها و اتركها.

و فيه:«من شرّ ما أعطى الرّجل شحّ هالع،و جبن خالع»أي شديد،كأنّه يخلع فؤاده من شدّة خوفه، و هو مجاز في الخلع.و المراد به:ما يعرض من نوازع الأفكار و ضعف القلب عند الخوف.(2:64)

الفيّوميّ: خلعت النّعل و غيره خلعا:نزعته.

و خالعت المرأة زوجها مخالعة،إذا افتدت منه و طلّقها على الفدية،فخلعها هو خلعا؛و الاسم:الخلع بالضّمّ،و هو استعارة من:خلع اللّباس،لأنّ كلّ واحد منهما لباس للآخر،فإذا فعلا ذلك فكأنّ كلّ واحد نزع لباسه عنه.

و في الدّعاء«و نخلع و نهجر من يكفرك»أي نبغض و نتبرّأ منه.

و خلعت الوالي عن عمله،بمعنى عزلته.

و الخلعة:ما يعطيه الإنسان غيره من الثّياب منحة،و الجمع:خلع مثل:سدرة و سدر.(1:178)

الفيروزآباديّ: الخلع كالمنع:النّزع.إلاّ أنّ في

ص: 859

الخلع مهلة.

و لحم يطبخ بالتّوابل في وعاء من جلد،أو القديد المشويّ في وعاء بإهالته.

و بالضّمّ:طلاق المرأة ببدل منها أو من غيرها، كالمخالعة و التّخالع،و قد اختلعت هي؛و الاسم:

الخلعة،بالضّمّ.

و الخالع:كلّ من المتخالعين،و البسرة النّضيجة، و الرّطب المنسبت،و بعير لا يقدر على أن يثور، و السّاقط الهشيم من الشّجر،و من العضاه:ما لا يسقط ورقه أبدا،و التواء العرقوب.و خلع،كعني:أصابه ذلك.

و خلع السّنبل كمنع:صار له سفا،و الغلام:كبر زبّه.

و كان في الجاهليّة إذا قال قائل:هذا ابني قد خلعته:كان لا يؤخذ بعد بجريرته،و هو خليع و مخلوع، و قد خلع،ككرم.

و الخلعاء:جماعتهم،و بطن من بني عامر بن صعصعة كانوا لا يعطون أحدا طاعة.

و كأمير:الصّيّاد،و الشّاطر.و هي:ب«هاء»، و الغول،و الذّئب،كالخيلع،و قدح لا يفوز،و المقامر المراهن و الثّوب الخلق،و لقب أبي عبد اللّه الحسين بن الضّحّاك الشّاعر...

و الخلعلع،كسفرجل:الضّبع.

و كغراب:شبه خبل يصيب الإنسان.

و الخيلع،كصيقل:القميص بلا كمّ،و الفزع يعتري الفؤاد،كأنّه مسّ،كالخولع،و موضع،و الذّئب.

و الخولع،كجوهر:المقامر المجدود الّذي يقمر أبدا، و الغلام الكثير الجنايات كالخليع،و الأحمق،و الدّليل الماهر،و الذّئب،و الغول.

و خلعت العضاه:أورقت،كأخلعت.

و الخلعة،بالكسر:ما يخلع على الإنسان،و خيار المال،و يضمّ.

و أخلع السّنبل:صار فيه الحبّ،و القوم وجدوا الخالع من العضاه.

و المخلّع الأليتين،كمعظّم:المنفكّهما.

و التّخليع:مشيه،و قطع«مستفعلن»في عروض البسيط و ضربه جميعا،فينقل إلى«مفعولن».

و المخلّع،كمعظّم:بيته،و الرّجل الضّعيف الرّخو، و من به شبه هبتة أو مسّ.

و امرأة مختلعة:شبقة.

و اختلعوه:أخذوا ماله.

و تخالعوا:نقضوا الحلف بينهم.

و تخلّع في الشّراب:انهمك،و في المشي:تفكّك.

(3:19)

الطّريحيّ: و خلع ربقة الإسلام عن عنقه،أي نزعها.

و الخلع:ترك المحاسن الظّاهرة.

و الخلعة:ما يعطيه الإنسان غيره من الثّياب منحة،و الجمع:خلع،مثل سدرة و سدر.

و المخلوع:من يتبرّأ أبوه من عند السّلطان من ميراثه و جريرته.

و المخلوع:أخو الخليفة،و منه:«و لمّا انقضى

ص: 860

أمر المخلوع و استوى الأمر للمأمون كان كذا».

و«الخليعيّ»:الشّاعر المشهور،أدرك آخر البرامكة،و له مع الفضل بن يحيى بن خالد قائد الرّشيد قصّة غريبة.(4:323)

مجمع اللّغة :خلع الشّيء يخلعه خلعا:نزعه.

(1:350)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:171)

المصطفويّ: ظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو نزع شيء كان مشتملا،و إزالته و تنحيته.

و الفرق بينها و بين القلع و النّزع:أنّ القلع:هو النّزع من أصل الشّيء،و يلاحظ في مفهومه:الجذب، و النّزع:هو جذب شيء و اقتلاعه من مكان أو من داخل شيء آخر.فيعتبر في«الخلع»التّنحية و الاشتمال،و في«القلع»الجذب و النّزع من الأصل، و في«النّزع»الجذب و كونه من داخل شيء. فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً طه:12،فظهر لطف التّعبير بهذه المادّة دون النّزع و القلع،و ما يقاربها.

و لمّا كانت الجملة الكريمة في مقام القرب و السّير إلى اللّه المتعال،و السّير الظّاهريّ إنّما يتحصّل بالأقدام و بوسيلة الأرجل:فيناسب خلع النّعل من الرّجل،ليكون السّالك منخلعا عن العلائق في سلوكه،و متجرّدا عمّا يتوجّه إليه في السّير للتّحفّظ، و لتحقّق الخضوع و التّذلّل و الصّفار و الخلوص.

(3:106)

النّصوص التّفسيريّة

اخلع

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً. طه:12

النّبىّ صلّى اللّه عليه و آله:كانت نعلا موسى من جلد حمار ميّت.(الواحديّ 3:202)

نحوه كعب الأحبار و عكرمة و قتادة.

(الماورديّ 3:396)

الإمام عليّ عليه السّلام: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ كانتا من جلد حمار فقيل له:اخلعهما.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 8:397)

و هو المرويّ عن الصّادق عليه السّلام.(الطّبرسيّ 4:5)

ليباشر بقدميه بركة الوادي المقدّس.

مثله الحسن و ابن جريج.(الماورديّ 3:396)

سعيد بن جبير: كانتا من جلد بقرة ذكيّة،و لكن أمر بخلعهما ليباشر تراب الأرض المقدّسة فتناله بركتها.

مثله مجاهد و الحسن و قتادة.

(الواحديّ 3:202)

قيل له:طإ الأرض حافيا كما تدخل الكعبة حافيا.(القرطبيّ 11:173)

الحسن :يقول:أفض بقدميك إلى بركة هذا الوادي.(الواحديّ 3:202)

مثله ابن أبي نجيح.(الطّبريّ 8:397)

وهب بن منبّه:فخلعها فألقاها.

(الطّبريّ 8:396)

ص: 861

قتادة:أمر بخلع النّعلين،لأنّهما كانتا من جلد حمار ميّت غير مدبوغ.

مثله السّدّيّ.(الزّمخشريّ 2:531)

الإمام الصّادق عليه السّلام:ارفع خوفيك،يعني خوفه من ضياع أهله و قد خلّفها تمخض،و خوفه من فرعون.(الكاشانيّ 3:302)

ابن جريج:و قيل لمجاهد:زعموا أنّ نعليه كانتا من جلد حمار أو ميتة،قال:لا،و لكنّه أمر أن يباشر بقدميه بركة الأرض.(الطّبريّ 8:397)

الإمام المهديّ عليه السّلام:[في حديث قيل له:أخبرني يا ابن رسول اللّه عن أمر اللّه لنبيّه موسى عليه السّلام فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ فإنّ فقهاء الفريقين يزعمون أنّها كانت من إهاب الميتة،قال صلوات اللّه عليه:]

من قال ذلك:فقد افترى على موسى عليه السّلام و استجهله في نبوّته،لأنّه ما خلا الأمر فيها من خصلتين:إمّا أن يكون صلاة موسى عليه السّلام فيها جائزة أو غير جائزة،فإن كانت صلاته جائزة،جاز له لبسها في تلك البقعة،إذا لم تكن مقدّسة،و إن كانت مقدّسة مطهّرة،فليست بأقدس و أطهر من الصّلاة،و إن كانت صلاته غير جائزة فيها،فقد أوجب على موسى أنّه لم يعرف الحلال من الحرام،و علم ما جاز فيه الصّلاة و ما لم تجز،و هذا كفر.

[قيل:و أخبرني يا مولاي عن التّأويل فيها،قال صلوات اللّه عليه:]

إنّ موسى عليه السّلام ناجى ربّه بالوادي المقدّس،فقال:

يا ربّ إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي و غسلت قلبي عمّن سواك،و كان شديد الحبّ لأهله.فقال اللّه تعالى:(اخلع نعليك)أي انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبّتك لي خالصة،و قلبك من الميل إلى من سواي مغسول.(الكاشانيّ 3:302)

الطّبريّ: و اختلف أهل العلم في السّبب الّذي من أجله أمر اللّه موسى بخلع نعليه،فقال بعضهم:أمره بذلك،لأنّهما كانتا من جلد حمار ميّت فكره أن يطأ بهما الوادي المقدّس،و أراد أن يمسّه من بركة الوادي.

و قال آخرون:كانتا من جلد بقر،و لكن اللّه أراد أن يطأ موسى الأرض بقدميه،ليصل إليه بركتها.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال:

أمره اللّه تعالى ذكره بخلع نعليه،ليباشر بقدميه بركة الوادي،إذ كان واديا مقدّسا.

و إنّما قلنا ذلك أولى التّأويلين بالصّواب:لأنّه لا دلالة في ظاهر التّنزيل على أنّه أمر بخلعهما من أجل أنّهما من جلد حمار،و لا لنجاستهما.و لا خبر بذلك عمّن يلزم بقوله الحجّة،و إنّ في قوله: إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ بعقبه،دليلا واضحا على أنّه إنّما أمره بخلعهما لما ذكرنا.(8:396)

الزّجّاج: روي أنّه أمر بخلعهما،لأنّهما كانتا من جلد حمار ميّت،و روي أنّه أمر بخلعهما،ليطأ بقدميه الوادي المقدّس،و روي أنّه قدّس مرّتين.(3:351)

البلخيّ: إنّه أمر بذلك على وجه الخضوع و التّواضع،لأن التّحفّي في مثل ذلك أعظم تواضعا و خضوعا.(الطّوسيّ 7:164)

ص: 862

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّ موسى عليه السّلام إنّما لبس النّعل اتّقاء من الأنجاس،و خوفا من الحشرات،فأمّنه اللّه ممّا يخاف،و أعلمه بطهارة الموضع.(الطّبرسيّ 4:5)

الأصمّ:إنّ الحفاء من علامة التّواضع،و لذلك كانت السّلف تطوف حفاة.(الطّبرسيّ 4:5)

عبد الجبّار:و ربّما قيل:ما فائدة قوله تعالى:

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ و إذا جاز أن يكون عليه سائر ثيابه،فما المانع من أن يكون لابسا لنعليه مع كونه في الوادي المقدّس؟

و جوابنا:أنّ النّعلين تلبسان لا على حدّ ما يلبس سائر الثّياب،و لذلك لا يلبسهما المرء في بيته،و إنّما يلبسها لدفع الأذى في المواضع الّتي تخشى فيها النّجاسات و غيرها،و على هذا الوجه جرت العادة فيمن يعظّم المكان أنّه يخلع نعله،فأراد تعالى تنبيه موسى على عظم محلّ الوادي المقدّس،و أحبّ أن تلحقه بركة ذلك الوادي و هو يباشره برجله،و أحبّ أن يعرّفه عظم محلّه بهذا الصّنيع.و قد روي في نعليه أنّهما كانا من جلد حمار ميّت،فإن كان كذلك فهما أولى ما يخلع،و إلاّ فالّذي قدّمناه وجه صحيح.

(254)

الثّعلبيّ: كان السّبب في أمره بخلع نعليه،ما أخبرنا...عن عبد اللّه بن مسعود عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في قوله: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ قال:كانتا من جلد حمار ميّت، و في بعض الأخبار:غير مدبوغ.

و قال الحسن:ما بال خلع النّعلين في الصّلاة، و صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في نعليه؟

و إنّما أمر موسى عليه السّلام أن يخلع نعليه إنّهما كانتا من جلد حمار.

و قال أبو الأحوص:أتى عبد اللّه أبا موسى في داره،فأقيمت الصّلاة،فقال لعبد اللّه:تقدّم:فقال له عبد اللّه:تقدّم أنت في دارك،فتقدّم فنزع نعله،فقال له عبد اللّه:أ بالوادي المقدّس أنت؟...

و قال أهل الإشارة:معناه:فرّغ قلبك من شغل الأهل و الولد.قالوا:و كذلك هو في التّعبير،من رأى عليه نعلين تزوّج.فخلعهما موسى و ألقاهما من وراء الوادي.(6:240)

الواحديّ: روي عن ابن مسعود عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

«كانت نعلا موسى من جلد حمار ميّت»و هذا قول أكثر المفسّرين.قيل لموسى:لا تدخل الوادي و هما عليك.(3:202)

الزّمخشريّ: و قيل:ليباشر الوادي بقدميه متبرّكا به.

و قيل:لأنّ الحفوة تواضع للّه،و من ثمّ طاف السّلف بالكعبة حافّين.

و منهم من استعظم دخول المسجد بنعليه،و كان إذا ندر منه الدّخول منتعلا تصدّق.و القرآن يدلّ على أنّ ذلك احترام للبقعة،و تعظيم لها،و تشريف لقدسها.

و روي:أنّه خلع نعليه و ألقاهما من وراء الوادي.

(2:531)

نحوه النّسفيّ.(3:49)

ابن عطيّة: و اختلف المتأوّلون في السّبب الّذي من أجله أمر بخلع النّعلين،فقالت فرقة:كانتا من جلد

ص: 863

حمار ميّت فأمر بطرح النّجاسة.

و قالت فرقة:بل كانت نعلاه من جلد بقرة ذكيّ، لكن أمر بخلعهما لينال بركة الوادي المقدّس،و تمسّ قدماه تربة الوادي.

و تحتمل الآية معنى آخر هو الأليق بها عندي؛ و ذلك أنّ اللّه تعالى أمره أن يتواضع لعظم الحالّ الّتي حصل فيها،و العرف عند الملوك أن تخلع النّعلان و يبلغ الإنسان إلى غاية تواضعه،فكأن موسى عليه السّلام أمر بذلك على هذا الوجه،و لا نبالي كانت نعلاه من ميتة أو غيرها.(4:39)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في قوله: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ وجوها:

أحدها:كانتا من جلد حمار ميّت،فلذلك أمر بخلعهما صيانة للوادي المقدّس،و لذلك قال عقيبه:

إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً و هذا قول عليّ عليه السّلام و قول مقاتل و الكلبيّ و الضّحّاك و قتادة و السّدّيّ.

و الثّاني:إنّما أمر بخلعهما لينال قدميه بركة الوادي.و هذا قول الحسن و سعيد بن جبير و مجاهد.

و ثالثها:أن يحمل ذلك على تعظيم البقعة من أن[لا]يطأها إلاّ حافيا،ليكون معظّما لها و خاضعا عند سماع كلام ربّه،و الدّليل عليه أنّه تعالى قال عقيبه: إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً و هذا يفيد التّعليل،فكأنّه قال تعالى:اخلع نعليك لأنّك بالوادي المقدّس طوى.

و أمّا أهل الإشارة:فقد ذكروا فيها وجوها:

أحدها:أن النّعل في النّوم يفسّر بالزّوجة و الولد، فقوله: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إشارة إلى أن لا يلفت خاطره إلى الزّوجة و الولد،و أن لا يبقى مشغول القلب بأمرهما.

و ثانيها:المراد بخلع النّعلين:ترك الالتفات إلى الدّنيا و الآخرة،كأنّه أمره بأن يصير مستغرق القلب بالكلّيّة في معرفة اللّه تعالى،و لا يلتفت بخاطره إلى ما سوى اللّه تعالى،و المراد من(الواد المقدس):قدس جلال اللّه تعالى و طهارة عزّته،يعني أنّك لمّا وصلت إلى بحر المعرفة فلا تلتفت إلى المخلوقات.

و ثالثها:أنّ الإنسان حال الاستدلال على الصّانع لا يمكنه أن يتوصّل إليه إلاّ بمقدّمتين،مثل أن يقول:

العالم المحسوس محدث،أو ممكن،و كلّ ما كان كذلك فله مدبّر و مؤثّر و صانع.و هاتان المقدّمتان تشبهان النّعلين،لأنّ بهما يتوصّل العقل إلى المقصود،و ينتقل من النّظر في الخلق إلى معرفة الخالق.ثمّ بعد الوصول إلى معرفة الخالق وجب أن لا يبقى ملتفتا إلى تينك المقدّمتين،لأنّ بقدر الاشتغال بالغير يبقى محروما عن الاستغراق فيه،فكأنّه قيل له:لا تكن مشتغل القلب و الخاطر بتينك المقدّمتين،فإنّك وصلت إلى الوادي المقدّس الّذي هو بحر معرفة اللّه تعالى و لجّة ألوهيّته.

(22:17)

نحوه الشّربينيّ.(2:452)

القرطبيّ: و اختلف العلماء في السّبب الّذي من أجله أمر بخلع النّعلين.و الخلع:النّزع،و النّعل:ما جعلته وقاية لقدميك من الأرض.[ثمّ ذكر أقوال المتقدّمين و قال:]

ص: 864

و قيل:أمر بخلع النّعلين للخشوع و التّواضع عند مناجاة اللّه تعالى،و كذلك فعل السّلف حين طافوا بالبيت.

و قيل:إعظاما لذلك الموضع،كما أنّ الحرم لا يدخل بنعلين إعظاما له.

و العرف عند الملوك أن تخلع النّعال و يبلغ الإنسان إلى غاية التّواضع،فكأنّ موسى عليه السّلام أمر بذلك على هذا الوجه،و لا تبالي كانت نعلاه من ميتة أو غيرها.و قد كان مالك:لا يرى لنفسه ركوب دابّة بالمدينة برّا بتربتها المحتوية على الأعظم الشّريفة، و الجثّة الكريمة.و من هذا المعنى قوله عليه الصّلاة و السّلام لبشير بن الخصاصيّة-و هو يمشي بين القبور بنعليه-:«إذا كنت في مثل هذا المكان فاخلع نعليك» قال:فخلعتهما.

و قول خامس:إنّ ذلك عبارة عن تفريغ قلبه من أمر الأهل و الولد.و قد يعبّر عن الأهل بالنّعل، و كذلك هو في التّعبير:«من رأى أنّه لابس نعلين فإنّه يتزوّج».

و قيل:لأنّ اللّه تعالى بسط له بساط النّور و الهدى، و لا ينبغي أن يطأ على بساط ربّ العالمين بنعله.

و قد يحتمل أن يكون موسى أمر بخلع نعليه،و كان ذلك أوّل فرض عليه؛كما كان أوّل ما قيل لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: قُمْ فَأَنْذِرْ* وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ* وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ المدّثّر:2-5،و اللّه أعلم بالمراد من ذلك.(11:173)

البيضاويّ: أمره بذلك،لأنّ الحفوة تواضع و أدب،و لذلك طاف السّلف حافّين.و قيل:لنجاسة نعليه،فإنّهما كانتا من جلد حمار غير مدبوغ.و قيل:

معناه:فرّغ قلبك من الأهل و المال.(2:46)

نحوه أبو السّعود.(4:271)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ أمره تعالى إيّاه بخلع النّعلين لعظم الحال الّتي حصل فيها،كما يخلع عند الملوك غاية في التّواضع.و قيل:كانتا من جلد حمار ميّت،فأمر بطرحهما لنجاستهما.

و في التّرمذيّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«كان على موسى يوم كلّمه ربّه،كساء صوف،و جبّة صوف،و كمّة صوف،و سراويل صوف،و كانت نعلاه من جلد حمار ميّت».قال:هذا حديث غريب.(6:230)

البروسويّ: أمر بذلك،لأنّ الحفوة أدخل في التّواضع و حسن الأدب،و لذلك كان بشر الحافي و نحوه يسيرون حفاة،و كان السّلف الصّالحون يطوفون بالكعبة حافّين.أو ليتشرّف مشهد الوادي بقدوم قدميه،و تتّصل بركة الأرض إليه.

و قيل للحبيب:تقدّم على بساط العرش بنعليك، ليتشرّف العرش بغبار نعال قدميك،و يصل نور العرش يا سيّد الكونين إليك.أو لأنّه لا ينبغى لبس النّعل بين يدي الملوك،إذا دخلوا عليهم،و هذا بالنّسبة إلى المرتبة الموسويّة دون الجاه المحمّديّ،كما مرّ آنفا.

أو لأنّهما كانا غير مدبوغين من جلد الحمار، فالخطاب خطاب التّأديب كما في«حلّ الرّموز».

أو لأنّ النّعل في النّوم يعبّر بالزّوجة،فأراد تعالى أن لا يلتفت بخاطره إلى الزّوجة و الولد.

ص: 865

قال في«الأسرار المحمّديّة»:جاء في غرائب التّفسير في قوله سبحانه: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ يعني همّك بامرأتك و غنمك.

و قال حضرة الشّيخ الشّهير ب«افتاده»قدّس سرّه:يعنى الطّبيعة و النّفس.

يقول الفقير:لا شكّ أنّ المرأة صورة الطّبيعة، و الولد صورة النّفس،لأنّ حبّه من هواها غالبا.

و أيضا إنّ المرأة في حكم الرّجل نفسه،لأنّها جزء منه في الأصل،و الغنم و نحوه إنّما هو من المعاش التّابع للوجود،فكأنّه قيل:فاخلع فكر النّفس و ما يتبعها أيّا كان و تعال.[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ](5:370)

الآلوسيّ: أزلهما من رجليك.

و أمر صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم بذلك،لما أنّهما كانتا من جلد حمار ميّت غير مدبوغ،كما روي عن الصّادق رضي اللّه تعالى عنه و عكرمة و قتادة و السّدّيّ و مقاتل و الضّحّاك و الكلبيّ.و روي كونهما من جلد حمار في حديث غريب.[ثمّ ذكر الحديث إلى أن قال:]

و قال الأصمّ:لأنّ الحفوة أدخل في التّواضع و حسن الأدب،و لذلك كان السّلف الصّالحون يطوفون بالكعبة حافّين.و لا يخفى أنّ هذا ممنوع عند القائل بأفضليّة الصّلاة بالنّعال،كما جاء في بعض الآثار.و لعلّ الأصمّ لم يسمع ذلك،أو يجيب عنه.

و قيل:من الدّنيا و الآخرة،و وجه ذلك أن يراد بالنّعل كلّ ما يرتفق به،و غلب على ما ذكر تحقيرا، و لذا أطلق على الزّوجة«نعل»كما في كتب اللّغة.

و لا يخفى عليك أنّه بعيد و إن وجّه بما ذكر،و هو أليق بباب الإشارة.و«الفاء»لترتيب الأمر على ما قبلها، فإنّ ربوبيّته تعالى له عليه السّلام من موجبات الأمر و دواعيه.

(16:169)

القاسميّ: أي فيجب فيه رعاية الأدب بتعظيمه و احترامه،لتجلّي الحقّ فيه،كما يراعى أدب القيام عند الملوك.(11:4172)

ابن عاشور :و الخلع:فصل شيء عن شيء كان متّصلا به...

و إنّما أمره اللّه بخلع نعليه تعظيما منه لذلك المكان الّذي سيسمع فيه الكلام الإلهيّ...

أقول:و فيه أيضا زيادة خشوع.و قد اقتضى كلا المعنيين قوله تعالى: إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ فحرف التّوكيد مفيد هنا التّعليل،كما هو شأنه في كلّ مقام لا يقتضي التّأكيد.و هذه خصوصيّة من جهات، فلا يؤخذ منها حكم يقتضي نزع النّعل عند الصّلاة.

(16:103)

الطّباطبائيّ: (طوى)اسم لواد بطور،و هو الّذي سمّاه اللّه سبحانه بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ و هذه التّسمية و التّوصيف هي الدّليل على أنّ أمره بخلع النّعلين إنّما هو لاحترام الوادي أن لا يداس بالنّعل.ثمّ تفريع (1)خلع النّعلين مع ذلك على قوله: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ يدلّ علي أنّ تقديس الوادي إنّما هو لكونه حضيرة لقرب و موطن الحضور و المناجاة،فيؤولع.

ص: 866


1- في الأصل:تقريع.

معنى الآية إلى مثل قولنا:نودي يا موسى ها أنا ذا ربّك و أنت بمحضر منّي،و قد تقدّس الوادي بذلك،فالتزم شرط الأدب و اخلع نعليك.(14:137)

مكارم الشّيرازيّ: لقد أمر أن يخلع نعليه،لأنّه قد وضع قدمه في أرض مقدّسة،الأرض الّتي تجلّى فيها النّور الإلهيّ،و يسمع فيها نداء اللّه،و يتحمّل مسئوليّة الرّسالة،فيجب أن يخطو في الأرض بمنتهى الخضوع و التّواضع،و هذا هو سبب خلعه النّعل عن رجله.

بناء على هذا،فإنّ البحث المفصّل الّذي بحثه بعض المفسّرين حول خلع النّعل-و نقلوا أقوالا عن المفسّرين-يبدو زائدا.[إلى أن قال:]

ما هو المراد من قوله تعالى: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ؟

و كما قلنا:فإنّ ظاهر الآية أنّ موسى عليه السّلام قد أمر بخلع نعليه احتراما لتلك الأرض المقدّسة،و أن يسير بكلّ خضوع و تواضع في ذلك الوادي ليسمع كلام الحقّ،و أمر الرّسالة،إلاّ أنّ بعض المفسّرين قالوا اتّباعا لبعض الرّوايات:إنّ ذلك الأمر كان بسبب أنّ جلد ذلك النّعل كان من جلد حيوان ميّت.

إنّ هذا الكلام إضافة إلى أنّه يبدو بعيدا بحدّ ذاته، لأنّه لا دليل يدعمه بأنّ موسى عليه السّلام كان يستعمل مثل هذه الجلود و النّعال الملوّثة،فإنّ الرّواية الّتي رويت عن النّاحية المقدّسة،صاحب الزّمان-أرواحنا له الفداء-تنفي هذا التّفسير نفيا شديدا.و يلاحظ في التّوراة الحاليّة أيضا سفر الخروج،الفصل الثّالث، نفس التّعبير الّذي يوجد في القرآن.

و يقول البعض الآخر من الرّوايات الّتي تشير إلى تأويل الآية و بطونها فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أي خوفيك:

خوفك من ضياع أهلك،و خوفك من فرعون.

و في حديث آخر عن الإمام الصّادق عليه السّلام فيما يتعلّق بهذا الجانب و الزّمن،من حياة موسى عليه السّلام حيث يقول:«كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو،فإنّ موسى بن عمران خرج ليقبس لأهله نارا فرجع إليهم و هو رسول نبيّ»!و هي إشارة إلى أنّ الإنسان كثيرا ما يأمل أن يصل إلى شيء لكنّه لا يصل إليه،إلاّ أنّ أشياء أهمّ لا يعيرها أهمّيّة تتهيّأ له بفضل اللّه.و قد نقل هذا المعنى أيضا عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام.(9:472)

فضل اللّه :إنّ لهذا الوادي قدسيّته،فلا بدّ لك أن تحترمه،في مظهر تقديس يحترم الحضور الإلهيّ من خلال الصّوت الّذي كلّم موسى.(15:99)

الأصول اللّغويّة:

1-الأصل في هذه المادّة:الخلع،و هو زوال المفصل من اليد أو الرّجل من غير بينونة.يقال:خلع أوصاله،أي أزالها.و الخالع:داء يأخذ في عرقوب النّاقة.يقال:بعير خالع،أي لا يقدر أن يثور إذا جلس الرّجل على غراب وركه،لانخلاع عصبة عرقوبه، و خلع الشّيخ:أصابه الخالع،و هو التواء العرقوب.

و التّخلّع:التّفكّك في المشية.يقال:تخلّع الرّجل في مشيه،أي هزّ منكبيه و يديه و أشار بهما،كأنّ أعضاءه تتخلّع،و رجل مخلّع الأليتين:منفكّهما.

و الخالع:البسرة إذا نضجت كلّها،لأنّها تخلع

ص: 867

قشرتها.يقال:بسرة خالع و خالعة،أي نضيجة، و الخالع:الزّرع المسفي.يقال:خلع الزّرع يخلع خلاعة،أي أسفى السّنبل،و أخلع الزّرع:صار فيه الحبّ،كأنّه-كما قال ابن فارس-خلعه فأخرجه، و الخالع من الشّجر:الهشيم السّاقط.يقال:خلع الشّيح خلعا،أي سقط ورقه،على التّشبيه.و خلع الغلام:كبر زبّه،كأنّه خلع قلفته.

و الخلع:لحم يؤخذ و يخلع من العظام،ثمّ يطبخ بالتّوابل،و يتزوّد به في الأسفار،و هو الخولع أيضا.

و الخولع:الحنظل المدقوق و الملتوت بما يطيّبه ثمّ يؤكل،لأنّه يخلع قشره و ثفله.

و الخيلع:الأدم،لأنّه ينزع و يخلع من الحيوان، و الزّيت،لأنّه ينزع غثاؤه و زبده.

و الخلع:فكّ القيد و نزعه.يقال:خلع دابّته يخلعها خلعا و خلّعها،أي أطلقها من قيدها،و كذلك خلع قيده،و خلع عذاره:ألقاه عن نفسه فعدا بشرّ،و هو على المثل بذلك.

و الخلعة:خيار المال،لأنّه خلع من جملة المال،أو لأنّه يخلع قلب النّاظر إليه،و هو الخلعة أيضا.

و الخلعة من الثّياب:ما خلعته فطرحته على آخر أ و لم تطرحه،و كلّ ثوب تخلعه عنك خلعة.يقال:خلع عليه خلعة.

و الخليع:الشّاطر،أي الخبيث الفاجر؛و الأنثى ب«الهاء»،لأنّه خلع رسنه.يقال:غلام خليع بيّن الخلاعة،و هو الّذي خلعه أهله،فإن جنى لم يطالبوا بجنايته،و إن جنى عليه أحد لم يأخذوه بجنايته،و خلع خلاعة:تباعد،فهو خليع؛و الجمع:

خلعاء،و هو الخولع و الخلع أيضا.

و الخليع:الإمام المعزول،و كذا الأمير المعزول، لأنّه لبس الخلافة و الإمارة ثمّ خلعها.يقال:خلع الوالي،أي عزل،و خلع قائده:أزاله،و خلع الرّبقة عن عنقه:نقض عهده،و تخالع القوم:نقضوا الحلف و العهد بينهم.

و الخليع:المخلوع المقمور ماله،و المخالع:المقامر، و هو الخولع:المقامر المجدود الّذي يقمر أبدا

و الخليع:الصّيّاد؛لانفراده،و الغول،لتخلّعه في خلقته،أو لانفراده أيضا،و هو الخيلع أيضا.

و المخلّع من الشّعر:ضرب من البسيط،كأنّ البيت خلّع.

و الخلاع و الخيلع و الخولع:الضّعف و الفزع، و رجل خيلع و مخلّع:ضعيف،كأنّ فؤاده قد خلع، و فيه خلعة:ضعف،و رجل مخلوع الفؤاد،إذا كان فزعا.

و الخلعة:طلب المرأة الطّلاق من الرّجل.يقال:

خلع امرأته خلعا و خلاعا،فاختلعت و خالعته:أزالها عن نفسه،و طلّقها على بذل منها له،فهي خالع،و قد تخالعا،و اختلعت منه اختلاعا،فهي مختلعة،و خلع امرأته و خالعها:افتدت منه بمالها،فطلّقها و أبانها عن نفسه،و سمّي ذلك الفراق خلعا.

و الخلع و النّزع واحد،إلاّ أنّ بعضهم فرّق بينهما، فقال:في الخلع مهلة ليست في النّزع.يقال:خلع الشّيء يخلعه خلعا و اختلعه،و خلع النّعل و الثّوب

ص: 868

و الرّداء يخلعه خلعا:جرّده.

2-و الخيلع:قميص لا كمّي له،كأنّهما خلعا خلعا،غير أنّه مقلوب«الخيلع»؛إذ جاء في«خ ع ل» من التّهذيب:«قد يقلب فيقال:الخيلع».

و قال الأزهريّ أيضا:«و في نوادر الأعراب:

اختعلوا فلانا،أي أخذوا ماله»،و رواه عنه ابن منظور في اللّسان بلفظ«اختلعوا»من خ ل ع،و هو الأقرب إلى القياس.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«الأمر»مرّة في آية:

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً طه:12

يلاحظ أوّلا:أنّ الخلع وحيد الجذر في القرآن و كذلك النّعل،كما يأتي في«ن ع ل»إن شاء اللّه، و فيها بحوث:

1-خاض المفسّرون قاطبة في سبب أمر اللّه لموسى بخلع نعليه،دون أن ينكفئوا على شرح معنى الخلع، سوى عدد يسير منهم،ذكروه باقتضاب،ثمّ ذكروا فيه قولين:

أ-نعلا موسى،و ذكروا في سببه ثلاثة وجوه:

الأوّل:كانتا من جلد ميتة،أو من جلد حمار ميّت أو غير مدبوغ،و هذا مرويّ عن النّبيّ.و بعض أئمّة آل البيت عليهم السّلام و أنكرها الطّبريّ و قال:«و لا خبر بذلك عمّن يلزم بقوله الحجّة»،و أنكرها الإمام المهديّ عليه السّلام أيضا فيما روي عنه.

و قيل:كانتا من جلد بقرة ذكيّة،و اختاره الطّبريّ.

الثّاني:من أجل بركة الوادي:أمره اللّه بذلك ليباشر بقدميه بركة أرض الوادي.و اختاره الطّبريّ احتجاجا بقوله بعدها: إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً.

الثّالث:احتراما لعظمة الموضع،أمره بالخضوع و التّواضع.و هذا الوجه أوفق بما بعدها من الوجه الثّاني،و أيّده الأصمّ بأنّ الحفاء من علامة التّواضع، و لذلك كانت السّلف تطوف حفاتا.و أضاف الزّمخشريّ:«و منهم من استعظم دخول المسجد بنعليه،و كان إذا ندر منه الدّخول منتعلا تصدّق.

و القرآن يدلّ على أنّ ذلك احترام للبقعة و تعظيم لها و تشريف لقدسها».

ب-الانقطاع إلى اللّه:بنزع حبّ الأهل من القلب، أو نزع الخوف من ضياع الأهل-و أيّده بعضهم بأنّ من رأى في منامه أنّ عليه نعلين يعبّر بأنّه يتزوّج- أو الخوف من فرعون.كما ذكرت أقوال أخرى،ترجع إلى هذا الأخير فلاحظ.

2-وقعت الجملة الإنشائيّة فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ، بين الجملتين الخبريّتين إِنِّي أَنَا رَبُّكَ، إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً، و هكذا سياق سائر الآيات في قصّة موسى عليه السّلام من هذه السّورة،أو وقع الأمر فيها بعد الخبر-و هو الأغلب-فناداه اللّه ابتداء باسم:

يا مُوسى لإيناسه،و عرّفه نفسه: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ، لإعداده للطّاعة،و أمره فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ، لتجريده عن الأدران،ثمّ أعلمه المكان إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً، ليعرف قدره و قدر نفسه.

ص: 869

يا مُوسى لإيناسه،و عرّفه نفسه: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ، لإعداده للطّاعة،و أمره فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ، لتجريده عن الأدران،ثمّ أعلمه المكان إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً، ليعرف قدره و قدر نفسه.

3-إن قيل:أما كان أمره بالسّجود أولى من خلع نعليه،طاعة للّه و تعظيما للمكان؟

يقال:كلاّ،فذلك خلاف ما جرت عليه سننه في أنبيائه،لأنّ حكمته تعالى تقتضي أن يؤهّلهم لعبء الرّسالة قبل بعثهم إلى النّاس.و كان موسى عليه السّلام قد مرّ هنا بخمس مراحل قبل أداء الرّسالة:

فالأولى قوله: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ، أي اقطع أو اصرك من الدّنيا،و هذا إعداد للنّبوّة.

و الثّانية: فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى طه:13،استمع لكلامي،و هو ابتداء النّبوّة.

و الثّالثة: فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي طه:14،و هذا من صفة النّبيّين.

و الرّابعة: قالَ أَلْقِها يا مُوسى* فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى طه:20،19، وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى طه:22،و هذه معجزته،و هي من لوازم النّبوّة.

ثمّ الخامسة: اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى طه:24،و هي آخر مراحلها،ثمّ أدّى الرّسالة.

4-طرح عبد الجبّار سؤالا:«لم أمره بخلع النّعلين دون الثّياب؟

و أجاب بأنّ النّعلين تلبسان لدفع الأذى في المواضع الّتي تخشى النّجاسات و غيرها،و لذلك لا يلبسها المرء في بيته،و على هذا جرت العادة».

و نضيف إليه أنّهما يخلعان عادة عند الملوك، و الأكابر،و الضّيوف،مع أنّ الثّياب تلبس عندهم تعظيما لهم،و تعدّ خلعها عندهم هتكا لحرمتهم.

5-و استشهد بعضهم بها لاستحباب خلع النّعلين في الصّلاة.و أنكره الحسن،و قال:«ما بال خلع النّعلين في الصّلاة و صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في نعليه؟»

ثانيا:الخلع كالنّزع،إلاّ أنّ الثّاني أكثر استعمالا في القرآن و اللّغة؛إذ جاء في القرآن في نزع اليد،و نزع النّاس،و نزع الجلد،و نزع اللّباس فضلا عن الأمور المعنويّة،نحو:نزع الغلّ من الصّدور،و نزع الرّحمة، و نزع الملك و غير ذلك،انظر«ن ز ع».

ص: 870

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم

الآلوسيّ:محمود (1)(1270)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد:عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان:يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير:مبارك(606)

النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير:عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ:محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس،بيروت.

ابن باديس:عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

ابن جزيّ:محمّد(741)

التّسهيل،دار الكتاب العربيّ،بيروت.

ابن الجوزيّ:عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلاميّ،بيروت.

ابن خالويه:حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون:عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد:محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت:يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيده:عليّ(458)

المحكم،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن الشّجريّ:هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن عاشور:محمّد طاهر(1393)

التّحرير و التّنوير،ط:مؤسّسة التّاريخ،بيروت.

ابن العربيّ:عبد اللّه(543)

ص: 871


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن عربيّ:محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة،بيروت.

ابن عطيّة:عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن فارس:أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

2-الصّاحبيّ،ط:المكتبة اللّغويّة،بيروت.

ابن قتيبة:عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة

2-تأويل مشكل القرآن،ط:المكتبة العلميّة، القاهرة.

ابن القيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنة التّراث العربيّ،لبنان.

ابن كثير:إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:المعارف،بيروت.

ابن منظور:محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر،بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمّان،ط:المعارف،الاسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه(761)

مغني اللّبيب،ط:المدنيّ،القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان:محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو رزق:...(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ،القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة،بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو زيد:سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود:محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ:محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(224)

غريب الحديث،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو عبيدة:معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر،مصر.

أبو عمرو الشّيبانيّ:إسحاق(206)

الجيم،ط:المطابع الأميريّة،القاهرة.

ابو الفتوح:حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة،بيروت.

أبو هلال:حسن(395)

ص: 872

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي،قم.

أحمد بدويّ(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

الأزهريّ:محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:الدّار المصريّة.

الإسكافيّ:محمّد(420)

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق،بيروت.

الأصمعيّ:عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو:توشيهيكو(1371)

خدا و إنسان در قرآن،ط:انتشار،طهران.

البحرانيّ:هاشم(1107)

البرهان،ط:مؤسّسة البعثة،بيروت.

البروسويّ:إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ:بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة،بيروت.

البغويّ:حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:دار إحياء التّراث العربيّ بيروت.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ:محمّد(1031)

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم،بيروت.

البيضاويّ:عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ:محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:أمير كبير، طهران.

التّفتازانيّ:مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ،قم.

الثّعالبيّ:عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب:أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الثّعلبيّ:أحمد(427)

الكشف و البيان،ط:دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت.

الجرجانيّ:عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو،طهران.

الجزائريّ:نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ إسلامى،طهران.

الجصّاص:أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ:موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

ص: 873

الجوهريّ:اسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم،بيروت.

الحائريّ:سيّد علي(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة،طهران.

الحجازيّ:محمّد محمود(معاصر)

التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب،مصر.

الحربيّ:إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ،جدّة.

الحريريّ:قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب،مصر.

حفنيّ:محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:الأهرام،مصر.

الحمويّ:ياقوت(626)

معجم البلدان،ط:دار صادر،بيروت.

الحيريّ:إسماعيل(431)

وجوه القرآن،ط:مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة المقدّسة،مشهد.

الخازن:عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة،مصر.

الخطّابيّ:حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر،دمشق.

الخليل:بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة،بيروت.

الدّامغانيّ:حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الرّازيّ:محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب،بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة،بيروت.

الرّاونديّ:سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا:محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ:محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج:إبراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-فعلت و أفعلت،ط:التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ:محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

الزّركليّ:خير الدّين(1396)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ:محمود(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة،بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة،بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر،بيروت.

السّجستانيّ:محمّد(330)

ص: 874

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ:يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب،بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:إسرائيل.

السّمين:أحمد.(756)

الدّرّ المصون،ط:دار الكتب العلمية،بيروت.

السّهيليّ:عبد الرّحمن(581)

روض الأنف،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

سيبويه:عمرو(180)

الكتاب،ط:عالم الكتب،بيروت.

السّيوطيّ:عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت.

3-تفسير الجلالين،ط:مصطفى البالي،مصر(مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

شبّر:عبد اللّه(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين،الكويت.

الشّربينيّ:محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة،بيروت.

الشّريف الرّضيّ:محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي،قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة،طهران.

الشّريف العامليّ:محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ إسلامى،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الشّوكانيّ:محمّد(1250)

فتح القدير،دار المعرفة،بيروت.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب،القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

صدر المتألهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ،قم.

طه الدّرّة:محمّد علي

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار الحكمة،دمشق.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

ص: 875

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة،طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

2-اخبار الأمم و الملوك،ط:الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

طنطاوي:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة،بيروت.

2-متشابها لقرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم،بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر،بيروت.

عبد اللّطيف البغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد،القاهرة.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر)

التّفسير الفريد،ط:بإذن مجمع البحوث الإسلاميّ الأزهر.

العدنانيّ:محمّد(1360)

1-معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان،بيروت.

2-معجم الأخطاء الشّائعة،ط:مكتبة لبنان، بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي أصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:أدبيّات،شيراز.

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة،طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن،القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم(نحو 300)

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثّقافة و الإرشاد الإسلاميّ،طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو،طهران.

فريد وجديّ:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب،بيروت.

ص: 876

فضل اللّه:محمّد حسين(معاصر)

من وحي القرآن،ط:دار الملاك،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث بيروت.

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب،قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافيّ،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة،القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ-عربيّ،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب،بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف،بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان،طهران.

محمّد إسماعيل إبراهيم(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمود شيت خطّاب(معاصر)

المصطلحات العسكريّة،ط:دار الفتح،بيروت.

المدنيّ:عليّ(1120)

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المدينيّ:محمّد(581)

المجموع المغيث،ط:دار المدنيّ،جدّه.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

ص: 877

فرهنگ تطبيقى،ط:كاويان،طهران.

المشهديّ:محمّد(1125)

كنز الدّقائق،مؤسّسة النّشر الإسلاميّ،قم.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة،طهران.

معرفة:محمّد هادى(1427)

التّفسير و المفسّرون،ط:الجامعة الرّضوية،مشهد.

مغنيّة:محمّد جواد(1400)

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين،بيروت.

مقاتل:ابن سليمان(150)

1-تفسير مقاتل،ط:دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت.

2-الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

مكارم الشّيرازيّ:ناصر(معاصر)

الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل،ط:بيروت.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير،طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن،ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب،بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگى،علمى[طهران].

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحرّيّة،بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس ط:مطبعة الإمريكيّ بيروت

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

الهمذانيّ:عبد الرّحمن(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب،بيروت.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:جهان،طهران.

الواحديّ:عليّ.(468)

الوسيط،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 878

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

إبراهيم التّيميّ.(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.(؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ(456)

ابن حلزة:...(؟)

ابن خروف:عليّ.(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد.(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:...(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:...(؟)

ابن عادل.(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ص: 879

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ(696)

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير:عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن كمال باشا:أحمد.(940)

ابن كمّونة:سعد.(683)

ابن كيسان:محمّد.(299)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد.(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن ملك:عبد اللّطيف.(801)

ابن المنير:عبد الواحد.(733)

ابن النّحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:...(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

ابن يعيش:عليّ.(643)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد.(366)

أبو بكر الأصمّ:...(201)

أبو الجزال الأعرابيّ.(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو الحسن الصّائغ.(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:النعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:...(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

أبو سليمان الدّمشقيّ:عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

أبو شريح الخزاعيّ.(؟)

أبو صالح.(؟)

ص: 880

أبو الطّيّب اللّغويّ.(؟)أبو العالية:رفيع.(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

أبو عبد اللّه:محمّد.(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

أبو عمرو الجرميّ:صالح.(225)

أبو الفضل الرّازيّ.(؟)

أبو قلابة:...(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:محمّد.(322)

أبو منذر السّلاّم:...(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:...(276)

أبو يزيد المدنيّ:...(؟)

أبو يعلى:أحمد.(307)

أبو يوسف:يعقوب.(182)

أبيّ بن كعب.(21)

أحمد بن حنبل.(24)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

الأسديّ.(؟)

إسماعيل بن القاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

الأعمش:سليمان.(148)

إلياس:...(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن.(446)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.ذ(؟)

البرجميّ:ضابئ.(؟)

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج ادوارد.(1327)

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

ص: 881

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

جمال الدّين الأفغانيّ.(1315)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد.(297)

جهرم بن صفوان.(128)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

الحدّاديّ:...(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن بن يسار.(110)

حسن بن حيّ.(؟)

حسن بن زياد.(204)

حسين بن فضل.(548)

حفص:بن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

حمزة القارئ.(156)

حميد:ابن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:...(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الخياليّ:أحمد.(862)

الدّقّاق.(؟)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوري:أحمد.(282)

الرّبيع بن أنس.(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الأستراباديّ.(686)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّناتيّ.(؟)

الزّبير:بن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتيّ.(؟)

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

ص: 882

سليمان التّيميّ.(؟)

سهل التّستريّ.(283)

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطبيّ(؟)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّبليّ:دلف.(334)

الشّعبيّ:عامر.(103)

شعيب الجبئيّ.(؟)

الشّقيق بن إبراهيم.(194)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر:بن حمدويه.(255)

الشّمنّيّ:أحمد(872)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهاب الدّين القرافيّ.(684)

شهر بن حوشب.(100)

شيبان بن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

شيذلة:عزيزيّ.(494)

صالح المريّ.(؟)

الصّيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك:بن مزاحم.(105)

طاوس:بن كيسان.(106)

الطّبقجليّ:أحمد.(1213)

طلحة بن مصرّف.(112)

الطّيّبيّ:حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:...(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبد اللّه الهبطيّ.(؟)

عبد الوهّاب النّجّار.(1360)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عبّاد.(181)

العدويّ:...(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة بن عروة.(؟)

العطاء:بن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

عكرمة بن عبد اللّه.(105)

العلاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد.(؟)

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن عبيد(144)

ص: 883

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

العوفيّ:عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:...(582)

الفارابيّ:محمّد.(339)

الفاسيّ(؟)

الفضل الرّقاشي.(200)

قتادة بن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

القلانسي:محمّد.(521)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكعبيّ:عبد اللّه.(319)

الكفعميّ:إبراهيم(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

كلنبويّ.(؟)

الكيا الطّبريّ(؟)

اللّؤلؤيّ:حسن.(204)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث بن المظفّر.(185)

الماتريديّ:محمّد.(333)

المازنيّ:بكر.(249)

مالك بن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

المالكيّ(؟)

الملويّ.(؟)

مجاهد:جبر.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

محبوب:...(؟)

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.(1323)

محمّد الشّيشنيّ.(؟)

مروان بن الحكم.(65)

المسهر بن عبد الملك.(؟)

مصلح الدّين اللاّري:محمّد.(979)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول:بن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

مؤرّج السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

ص: 884

ميمون بن مهران.(117)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

نصر بن عليّ.(؟)

نعّوم بك:بن بشّار.(1340)

نفطويه:ابراهيم.(323)

النّقّاش:محمّد.(351)

النّوويّ:يحيى.(676)

هارون بن حاتم.(728)

الهذليّ:قاسم.(175)

همّام بن حارث.(؟)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن جعدة.(؟)

يحيى بن سعيد.(؟)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يزيد بن قعقاع.(132)

يعقوب بن اسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 885

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.