المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 16

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ‫، 1419ق . ‫ = -1377.

مشخصات ظاهری : ‫ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : ‫دوره ‫ 964-444-179-6 : ؛ ‫دوره ‫ 978-964-444-179-0: ؛ ‫1430000 ریال (دوره، چاپ دوم)‮ ؛ ‫25000 ریال ‫: ج. 1 ‫ 964-444-180-X : ؛ ‫30000 ریال ‫: ج. 2 ‫ 964-444-256-3 : ؛ ‫32000 ریال ‫: ج. 3 ‫ 964-444-371-3 : ؛ ‫67000 ریال (ج. 10) ؛ ‫ج.12 ‫ 978-964-971-136-2 : ؛ ‫ج.19 ‫ 978-600-06-0028-0 : ؛ ‫ج.21 ‫ 978-964-971-484-4 : ؛ ‫ج.28 ‫978-964-971-991-7 : ؛ ‫ج.30 ‫ 978-600-06-0059-4 : ؛ ‫1280000 ریال ‫: ج.36 ‫ 978-600-06-0267-3 : ؛ ‫950000 ریال ‫: ج.37 ‫ 978-600-06-0309-0 : ؛ ‫1050000 ریال ‫: ج.39 ‫ 978-600-06-0444-8 : ؛ ‫1000000 ریال ‫: ج.40 ‫ 978-600-06-0479-0 : ؛ ‫ج.41 ‫ 978-600-06-0496-7 : ؛ ‫ج.43 ‫ 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).

يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، ‫1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، ‫ 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، ‫1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : ‫ BP66/4 ‫ ‮ /م57 1377

رده بندی دیویی : ‫ 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الموسوعة القرآنيّة الكبرى

المعجم فى فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته

المجلّد السادس عشر

تأليف و تحقيق

قسم القرآن بمجمع البحوث الاسلاميّة

بإشراف مدير القسم الاستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانىّ

ص: 2

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 3

كتاب نخبة

مؤتمر تكريم خدمة القرآن الكريم في ميدان الأدب المصنّف.1421 ق

الكتاب النّخبة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.1422 ق

مؤتمر الكتاب المنتخب الثّالث للحوزة العلميّة في قم.1422 ق

الدّورة الثّانية لانتخاب و عرض الكتب و المقالات الممتازة في حقل القرآن.1426 ق

الملتقى الثّاني للكتاب النّخبة الّذي يعقد كلّ سنتين في محافظة خراسان الرّضويّة.1426 ق

ص: 4

المحتويات

تصدير 7

خ س ف 9

خ ش ب 29

خ ش ع 45

خ ش ي 93

خ ص ص 173

خ ص ف 193

خ ص م 207

خ ض د 285

خ ض ر 295

خ ض ع 327

خ ط أ 351

خ ط ب 405

خ ط ط 443

خ ط ف 463

خ ط و 489

خ ف ت 509

خ ف ض 521

خ ف ف 541

خ ف ي 567

خ ل د 639

خ ل ص 725

خ ل ط 811

خ ل ع 851

الأعلام المنقول عهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 871

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 879

ص: 5

ص: 6

تصدير

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

نحمد اللّه تبارك و تعالى،و نصلّي و نسلّم على رسوله المصطفى،و على آله أعلام الهدى، و أصحابه و التّابعين لهم بإحسان إلى آخر الدّنيا.

ثمّ نشكره شكرا كثيرا على تسهيل العمل و تيسير الأمل،و فكّ الصّعوبات و حلّ المعضلات حتّى وفّقنا لإكمال المجلّد السّادس عشر من موسوعتنا القرآنيّة الكبرى:«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»بما فيها من النّصوص اللّغويّة و التّفسيريّة و الدّراسات البلاغيّة و الأسرار القرآنيّة:

تبشيرا لأولئك الّذين يتابعون بشوق و جدّ مجلّدات هذا الكتاب متسارعين الوقوف عليها مجلّدا بعد مجلّد،و مفردة بعد مفردة،و مقدّرين ثماره الكثيرة و دراساته البديعة مشكورين.

و قد احتوى هذا الجزء على ثلاث و عشرين مفردة قرآنيّة من حرف الخاء،ابتداء من «خسف»و انتهاء ب«خلع».و أكبرها نصوصا و دراسة«خلد»ثمّ«خلص».

و من أكبر مزايا هذا المجلّد أنّ تنضيد الحروف-إضافة إلى أصل التّأليف-تيسّر بأيدي الإخوة المؤلّفين أنفسهم.و هذا فضل و توفيق آخر بعد توفيق سابق من اللّه الكبير المتعال،و عليه وحده المعوّل إلى إكمال العمل و إنجاز الأمل.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة

في الآستانة المقدّسة الرّضويّة

5 رجب المرجّب عام 1430 ه ق

ص: 7

ص: 8

ادامة حرف الخاء

خ س ف

اشارة

4 ألفاظ،8 مرّات مكّيّة،في 7 سور مكّيّة

خسف 2:2 يخسف 3:3

خسفنا 2:2 نخسف 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الخسف:سئوخ الأرض بما عليها من الأشياء.انخسفت به الأرض،و خسفها اللّه به.

و عين خاسفة:فقئت،و غابت حدقتها.

و بئر خسيف مخسوفة،أي:نقب جبلها عن عيلم الماء فلا تنزف أبدا،و هنّ الأخسفة.

و ناقة خسيف:غزيرة،سريعة الانقطاع من اللّبن في الشّتاء.

و الخسيف من السّحاب:ما نشأ من قبل العين، أي:من قبل المغرب الأقصى عن يمين القبلة،و فيه ماء كثير.و خسفناها خسفا.

و خسوف الشّمس يوم القيامة:دخولها في السّماء،كأنّها تكوّرت في جحر.

و الخسف:تحميلك إنسانا ما يكره.

و الخسف:الجوز،بلغة الشّحر.(4:201)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخيسفان:الرّديء من التّمر.(1:236)

الخسيف:البئر الّتي تحفر في حجارة،فلا ينقطع ماؤها كثرة،و الجمع:خسف.(الجوهريّ 4:1350)

الخسف:الذّلّ،و الخسف:الجوع،و الخسف:غئور العين،و الخسف:النّقّه من الرّجال.(الأزهريّ 7:184)

الفرّاء: عين خاسف،إذا غارت،و البئر خسيف لا غير،و ناقة خسيف:غزيرة،سريعة القطع في الشّتاء.

و قد خسفناها خسفا.

و الخسف:الجوز،بلغة الشّحر.(الأزهريّ 7:184)

يقال:وقع في أخاسيف من الأرض،و هي اللّيّنة، فأمّا الأخاشيف،فهي العراز الصّلبة.(الهرويّ 2:555)

ص: 9

أبو زيد:خسف المكان يخسف،و خسفه اللّه.

مثله الأصمعيّ.(الأزهريّ 7:184)

خسف الرّكيّة:مخرج مائها.(الجوهريّ 4:1350)

الأصمعيّ: الخسف:النّقصان.

(الأزهريّ 7:183)

أبو عبيد: الخاسف:المهزول.(الأزهريّ 7:183)

ابن الأعرابيّ: الخسف:إلحاق الأرض الأولى بالثّانية.

و الخسف:أن يبلغ الحافر إلى ماء عدّ.

و الخسف:الجوز الّذي يؤكل.

(الأزهريّ 7:183)

يقال للغلام الخفيف النّشيط:خاسف و خاشف،و مزاق و قضيب،و منهمك.(الأزهريّ 7:184)

ابن بزرج:ما كانت البئر خسيفا،و لقد خسفت.

(الأزهريّ 7:183)

ابن السّكّيت: و بئر خسيف،إذا كانت كثيرة الماء،قد نقب جبلها.[ثمّ استشهد بشعر](560)

و قد سامه الخسف و الخسف.

(إصلاح المنطق:91)

أبو حاتم: إذا ذهب بعضها فهو الكسوف،و إذا ذهب كلّها فهو الخسوف.(الصّغانيّ 4:460)

أبو الهيثم:الخسف:الجوع.

و الخاسف:الجائع.[ثمّ استشهد بشعر]

و خسفت الشّمس و كسفت،بمعنى واحد.

و خسف بالرّجل و بالقوم،إذا أخذته الأرض فدخل فيها.(الأزهريّ 7:183)

ابن قتيبة:الخسف:أن يحبس الدّابّة على غير علف،ثمّ تستعار فيوضع موضع التّذليل.

(الهرويّ 2:554)

ثعلب :كسفت الشّمس و خسف القمر،هذا أجود الكلام.(الجوهريّ 4:1350)

الزّجّاج: و أخسف الرّجل،إذا حفر فكسر حبل البئر (1)و البئر الخسيف:الّذي لا يكاد ينقطع ماؤها، و هي الّتي تسمّيها النّاس:المنقوبة.

(فعلت و أفعلت:47)

ابن دريد :الخسف:خسف الأرض حتّى يغمض ظاهرها،و هو أن يغيب ظاهرها في باطنها،خسف اللّه بهم الأرض يخسفها خسفا.

و خسف القمر،إذا انكسف.و يقال:خسف القمر و انكسفت الشّمس.

قال بعض أهل اللّغة:لا يقال انكسف القمر أصلا، إنّما يقال:خسف القمر.و لا يقال:كسف و كسفت الشّمس،و كسفها اللّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و بئر خسيف و خسوف،إذا كسر جبلها فلم ينتزح ماؤها؛و الجمع خسف.

و خساف:مفازة بين الحجاز و الشّام.

و قالوا:انخسفت العين،إذا عميت،ثمّ ذهب حجمها حتّى تغمض.

و يقال:بات فلان على خسف،إذا بات جائعا، و كذلك الدّابّة.ه.

ص: 10


1- كذا،و الظّاهر جبل البئر كما عن دريد و غيره.

و ربّما استعمل الخسف في معنى«الدّنيئة» فيقولون:رضي بالخسف،أي بالدّنيئة.(2:219)

الأزهريّ: و يقال في الجوز و الذّلّ:خسف أيضا.

(الأزهريّ 7:184)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الشّمس تخسف.

و رأيت فلانا خاسفا،أي متغيّر اللّون و الهيئة.

و الخسفة:الهزال و سوء الحال.

و الأخاسيف:جمع الخسفة،و هي الأرض المستوية.(4:267)

الخطّابيّ: في حديث الحجّاج:«أنّه بعث رجلا ليحفر بئرا في مجتمع كلإ،فلمّا رجع إليه قال:أخسفت أم أعلمت؟»

قوله:أخسفت،من الخسف،و هي البئر تحفر في حجارة فيخرج منها ماء كثير عدّ،لا ينقطع.و أعلمت من العيلم،و هي البئر دون الخسيف.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:186)

الجوهريّ: خسف المكان يخسف خسوفا:ذهب في الأرض.

و خسف اللّه به الأرض خسفا،أي غاب به فيها.

و منه قوله تعالى: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81.

و خسف في الأرض و خسف به.

و خسوف العين:ذهابها في الرّأس.

و خسوف القمر:كسوفه.

و الخسف:النّقصان.يقال رضي فلان بالخسف، أي بالنّقيصة،و بات فلان الخسف،أي جائعا.

و يقال:سامه الخسف،و سامه خسفا،و خسفا- أيضا بالضّمّ-،أي أولاه ذلاّ،و يقال:كلّفه المشقّة و الذّلّ.

و الخاسف:المهزول.

و يقال:وقعوا في أخاسيف من الأرض،و هي اللّيّنة.(4:1349)

ابن فارس: الخاء و السّين و الفاء أصل واحد يدلّ على غموض و غئور،و إليه يرجع فروع الباب.

فالخسف و الخسف:غموض ظاهر الأرض،قال اللّه تعالى: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81.

و من الباب:خسوف القمر،و كان بعض أهل اللّغة يقول:الخسوف للقمر،و الكسوف للشّمس.

و يقال بئر خسيف،إذا كسر جيلها (1)فانهار،و لم ينتزح ماؤها.[ثمّ استشهد بشعر].

و انخسفت العين:عميت.و المهزول يسمّى خاسفا؛كأنّ لحمه غار و دخل.

و منه:بات على الخسف،إذا بات جائعا،كأنّه غاب عنه ما أراده من طعام.و رضي بالخسف،أي الدّنيئة.

و يقال:وقع النّاس في أخاسيف من الأرض،ت.

ص: 11


1- جيل البئر،بالكسر،و كذا جالها و جولها: جدارها و جانبها.و في الأصل و المجمل و الجمهرة و اللّسان:«جبلها»تحريف،صوابه ما أثبت.

و هي اللّيّنة تكاد تغمض للينها.

و ممّا حمل على الباب،قولهم للسّحاب الّذي يأتي بالماء الكثير:خسيف،كأنّه شبّه بالبئر الّتي ذكرناها.و كذلك قولهم:ناقة خسيفة،أي غزيرة.

فأمّا قولهم إنّ الخسف الجوز المأكول،فما أدري ما هو.(2:181)

الهرويّ: الخسف:سئوخ الأرض بما عليها،يقال:

خسف اللّه به الأرض.

و في حديث عليّ: «من ترك الجهاد ألبسه اللّه الذّلّة و سيم الخسف»،أي أصيب.

و في حديث عمر:إنّ العبّاس سأله عن الشّعراء فقال:امرؤ القيس سابقهم،خسف لهم عين الشّعر».هو مأخوذ من الخسيف،و هي البئر الّتي حفرت في حجارة فخرج منها ماء كثير؛و جمعها:خسف.أراد هو الّذي استنبط لهم عين الشّعر،أي ذلّل الطّريق إليه.

و قال الحجّاج لرجل كان بعثه يحفر بئرا:

«أخسفت أم أوشلت».يقول:أنبطت ماء غزيرا أم قليلا وشلا.(2:554)

أبو سهل الهرويّ: خسف القمر بفتح الخاء و السّين،إذا أظلم أيضا،و ذهب نوره.(99)

ابن سيده: الخسف:سئوخ الأرض بما عليها.

خسفت تخسف خسفا و خسوفا،و انخسفت، و خسفها اللّه.

و خسفت عينه:ساخت.

و خسفها يخسفها خسفا،و هي خسيفة:فقأها.

و خسفت الشّمس تخسف خسوفا:ذهب ضوؤها.و خسفها اللّه،و كذلك القمر.

و خسف الشّيء يخسفه خسفا:خرقه.

و خسف السّقف نفسه،و انخسف:انخرق.

و بئر خسوف و خسيف:حفرت في حجارة فلم تنقطع لها مادّة:و الجمع:أخسفة،و خسف،و قد خسفها خسفا.

و ناقة خسيف:غزيرة،سريعة القطع في الشّتاء، و قد خسفت خسفا.

و الخسيف من السّحاب:ما نشأ من قبل العين حامل ماء كثير،و العين:عن يمين القبلة.

و الخسف و الخسف:الإذلال،و تحميل الإنسان ما يكره.

و الخسف:الظّلم.

المخاسف:جمع خسف،خرج مخرج:مشابه، و ملامح.

و الخسف:الجوع.

و الخسف في الدّوابّ:أن تحبس على غير علف.

و الخسف:النّقصان.

و الخاسف:المهزول.

و الخسف:الجوز الّذي يؤكل،واحدته:خسفة، شحريّة.

و قال أبو حنيفة:هو الخسف،بضمّ الخاء و سكون السّين،و هو الصّحيح.

و الخسيفان:رديء التّمر عن أبي عمر الشّيبانيّ، حكاه أبو عليّ في«التّذكرة»،قال:و زعم أنّ النّون نون التّثنية و أنّ الضّمّ فيها لغة.و حكي عنه أيضا:هما

ص: 12

خليلان،بضمّ النّون.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(5:84)

الرّاغب: الخسوف للقمر،و الكسوف للشّمس.

ويل:الكسوف فيهما إذا زال بعض ضوئهما، و الخسوف:إذا ذهب كلّه.

و يقال:خسفه اللّه و خسف هو،قال تعالى:

فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81،و قال:

لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا القصص:82.

و في الحديث:«إنّ الشّمس و القمر آيتان من آيات اللّه لا يخسفان لموت أحد و لا لحياته».

و عين خاسفة،إذا غابت حدقتها،فمنقول من:

خسف القمر،و بئر مخسوفة،إذا غاب ماؤها و نزف، منقول من:خسف اللّه القمر.

و تصوّر من خسف القمر مهانة تلحقه،فاستعير «الخسف»للذّلّ،فقيل:تحمّل فلان خسفا.(148)

الزّمخشريّ: خسف القمر،و خسفت الأرض و انخسفت:ساخت بما عليها،و خسف اللّه بهم الأرض.

و من المجاز:سامه خسفا:ذلاّ و هوانا،و رضي بالخسف.

و بات على الخسف:على الجوع.و شربوا على الخسف:على غير ثفل.

و عين خاسفة:فقئت حتّى غابت حدقتها في الرّأس،و خسفت عينه و انخسفت.

و خسف بدنه:هزل،و فلان بدنه خاسف،و لونه كاسف.[ثمّ استشهد بشعر]

و خسفت إبلك و غنمك،و أصابتها الخسفة،و هي تولية الطّرق.

و إنّ للمال خسفتين:خسفة في الحرّ و خسفة في البرد.(أساس البلاغة:110)

قال معاوية:«يا معشر قريش،ما أراكم منتهين حتّى يبعث اللّه عليكم من لا تعطفه قرابة،و لا يذكر رحما،يسومكم خسفا،و يوردكم تلفا».

و الخسف:حبس الدّابّة على غير علف،فوضع موضع الإذلال.(الفائق:1:234)

[في حديث عمر المتقدّم في قول الهرويّ]

أي أنبطها و أغزرها،من قولهم:خسف البئر،إذا حفرها في حجارة فنبعت بماء كثير،فهي خسيف.

(الفائق 1:368)

في حديث الحجّاج:«لقد تخطّيت بها ماء عذابا، أ أخسفت أم أوشلت؟و روي:أم أعلمت؟...».

قال الأصمعيّ: حضر فلان فأخسف،أي وجد بئره خسيفا،و هي الّتي نقب جبلها عن ماء غزير لا ينقطع.و أعلم،إذا وجدها عيلما،و هي دون الخسيف.(الفائق 2:224)

ابن الأثير: فيه«إنّ الشّمس و القمر لا ينخسفان لموت أحد و لا لحياته».يقال:خسف القمر،بوزن «ضرب»إذا كان الفعل له،و خسف القمر على ما لم يسمّ فاعله.

و قد ورد الخسوف في الحديث كثيرا للشّمس، و المعروف لها في اللّغة الكسوف لا الخسوف.فأمّا إطلاقه في مثل هذا الحديث فتغليبا للقمر،لتذكيره على تأنيث الشّمس،فجمع بينهما فيما يخصّ القمر،

ص: 13

و للمعاوضة أيضا؛فإنّه قد جاء في رواية أخرى:«إنّ الشّمس و القمر لا ينكسفان».

و امّا إطلاق الخسوف على الشّمس منفردة، فلاشتراك الخسوف و الكسوف في معنى ذهاب نورهما و إظلامهما.و الانخساف مطاوع خسفته فانخسف.

و في حديث علي:«من ترك الجهاد ألبسه اللّه الذّلّة و سيم الخسف».الخسف:النّقصان و الهوان.

و أصله أن تحبس الدّابّة على غير علف،ثمّ استعير فوضع موضع الهوان.و سيم:كلّف و ألزم.[و في حديث عمر قال:مثل الزّمخشريّ في الفائق و أضاف:]

يريد أنّه ذلّل لهم الطّريق إليه،و بصّرهم بمعانيه، و فنّن أنواعه،و قصّده،فاحتذى الشّعراء على مثاله، فاستعار«العين»لذلك.(2:31)

الصّغانيّ: يقال:شربنا على الخسف،أي شربنا على غير أكل.

و يقال:هو الخسف بالضّمّ،و عن أبي عمرو الفتح و الضّمّ،و هو لغة أهل الشّحر.

و يقال للسّحاب الّذي يأتي بالماء الكثير:

خسيف.

و ناقة خسيف و خسيفة:غزيرة،سريعة القطع في الشّتاء.

و المخسّف:الأسد.

الخاسف:النّاقة.(4:460)

القرطبيّ: و الخسف:أن تنهار الأرض بالشّيء.

يقال:بئر خسيف،إذا انهدم أصلها.

و عين خاسف،أي غارت حدقتها في الرّأس.

و عين من الماء خاسفة،أي غار ماؤها.

و خسفت الشّمس،أي غابت عن الأرض.

(10:292)

الفيّوميّ: خسف المكان خسفا،من باب «ضرب»،و خسوفا أيضا:غار في الأرض و خسفه اللّه، يتعدّى و لا يتعدّى.

و خسف القمر ذهب ضوؤه أو نقص،و هو الكسوف أيضا.

و خسفت العين إذا ذهب ضوؤها.

و خسفت عين الماء:غارت،و خسفتها أنا.

و أسامه الخسف:أولاه الذّلّ و الهوان.(1:169)

الفيروزآباديّ: خسف المكان يخسف خسوفا:

ذهب في الأرض،و القمر:كسف،أو كسف للشّمس، و خسف للقمر،أو الخسوف إذا ذهب بعضهما، و الكسوف كلّهما.

و عين فلان:فقأها،فهي خسيفة،و الشّيء:خرّقه، فخسف هو:انخرق،لازم متعدّ،و الشّيء:قطعه، و العين:ذهبت،أو ساخت،و الشّيء خسفا:نقص، و فلان:خرج من المرض،و البئر:حفرها في حجارة فنبعت بماء كثير،فلا ينقطع،فهي خسيف و خسوف و مخسوفة و خسيفة،جمعه:أخسفة و خسف،و اللّه بفلان الأرض:غيّبه فيها.

و الخسف:النّقيصة،و مخرج ماء الرّكيّة،و عموق ظاهر الأرض،و الجوز الّذي يؤكل،و يضمّ فيهما.

و من السّحاب:ما نشأ من قبل المغرب الأقصى عن يمين القبلة،و الإذلال،و أن يحمّلك الإنسان ما تكره،

ص: 14

يقال:سامه خسفا،و يضمّ،إذا أولاه ذلاّ،و أن تحبس الدّابّة بلا علف.

و شربنا على الخسف:على غير أكل.

و بات فلان الخسف،أي جائعا.

و الخسفة:ماء غزير،و هو رأس نهر محلّم ب«هجر».

و الخاسف:المهزول،و المتغيّر اللّون،و الغلام الخفيف،و الرّجل النّاقه،جمعها:ككتب.

و دع الأمر يخسف،بالضّمّ:دعه كما هو.

و كغراب:برّيّة بين الحجاز و الشّام.

و كأمير:الغائرة من العيون،كالخاسف،و من النّوق:الغزيرة،السّريعة القطع في الشّتاء،و قد خسفت تخسف،و خسفها اللّه خسفا،و من السّحاب:

ما نشأ من قبل العين حاملا ماء كثيرا،كالخسف بالكسر.

و الأخاسيف:الأرض اللّيّنة.

و الخيسفان،بفتح السّين و ضمّها:التّمر الرّديء، أو النّخلة يقلّ حملها و يتغيّر بسرها.

و حفر فأخسف:وجد بئره خسيفا،و العين:

عميت،كانخسفت.

و قرئ: (لو لا ان من الله علينا لا نخسف بنا) القصص:82،على بناء المفعول.

و كمعظّم:الأسد.(3:137)

الجزائريّ: الغالب نسبة الكسوف إلى الشّمس، و الخسوف إلى القمر.[ثمّ استشهد بشعر]و قد يطلق الكسوف عليهما معا،و كذا الخسوف.(93)

مجمع اللّغة:خسف القمر خسوفا:ذهب ضوؤه.

خسف اللّه به الأرض أو جانب المكان خسفا:

جعلها تغور به،و غيّبه فيها.(1:335)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خسف المكان:غار في الأرض بما عليه،و خسف اللّه بهم الأرض:غيّبهم في باطنها،و خسف القمر:ذهب ضوؤه.(1:163)

العدنانيّ: خسف القمر،انخسف القمر،خسف اللّه القمر،خسف القمر

و يخطّئون من يقول:انخسف القمر،أي احتجب و ذهب ضوؤه،و يقولون:إنّ الصّواب هو:

1-خسف القمر،اعتمادا على قوله تعالى في الآية الثّامنة من سورة القيامة: وَ خَسَفَ الْقَمَرُ، و على معجم ألفاظ القرآن الكريم،و ثعلب،و الصّحاح، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

2-خسف اللّه القمر،أو خسف القمر:مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و اللّسان،و التّاج،و المدّ،و المتن.

و لكن:

أجاز انخسف القمر:ابن الأثير في«النّهاية»، و اللّسان،و التّاج في مادّة«كسف»،و محيط المحيط الّذي اكتفى بالاستشهاد بقول الشّاعر:

بي منك ما لو أصاب الأرض لارتعدت

و الشّمس لانكشفت،و البدر لانخسفا

و فعله:خسف يخسف خسفا و خسوفا.و في الحديث:«إنّ الشّمس و القمر لا يخسفان لموت أحد،

ص: 15

و لا لحياته».

و قال ابن الأثير:«قد ورد الخسوف في الحديث كثيرا للشّمس.و المعروف لها في اللّغة الكسوف لا الخسوف.فأمّا إطلاقه في مثل هذا فتغليبا للقمر، لتذكيره،على تأنيث الشّمس.فجمع بينهما فيما يخصّ القمر».

و من معاني خسف:

1-خسفت الأرض:غارت بما عليها.

2-خسف اللّه بهم الأرض:غيّبهم فيها.قال تعالى في الآية 81،من سورة القصص: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ.

3-خسفت عين الماء:غارت.

4-خسفت عين فلان:انقلعت.خسف عين فلان:

قلعها.

5-خسف الشّيء:انخرق.خسف الشّيء:خرقه، قطعه.

6-خسف الشّيء خسفا:نقص.

7-خسف بدنه:هزل.

8-خسف لونه:تغيّر.

9-خسف فلان:جاع.نقه من المرض،فهو خاسف و هم خسف و هي خاسفة.

10-خسف فلانا:أذلّه و حمّله ما يكره.

11-خسف البئر:حفرها في حجارة،فنبعت بماء كثير لا ينقطع،فهي خسيف.و جمعها:أخسفة و خسف،و هي خسوف أيضا.

12-خسف للشّعراء عين الشّعر:

(أ)ذلّل لهم الطّريق إليه.

(ب)بصّرهم بمعانيه و فنونه.(189)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الدّخول و الغئور بحيث ينمحي أثر الغائر، و الكسوف أضعف منها.

و الفرق بينها و بين الغور و السّيخ:أنّ الغور هو النّفوذ و السّريان إلى الباطن بدقّة و لطف،و بهذا يطلق على التّدقيق.و السّيخ هو الورود على المرتبة الأولى،فيقال:ساخت القوائم و الأقدام في الأرض.

و أمّا معاني:العمى و الهزال و الجوع و ذهاب النّور و النّقص و الهوان و غيرها،فمعاني مجازيّة،و من آثار الأصل.

و يدلّ على الفرق بين الخسف و الكسف و الغور و السّيخ،موادّ الكلمات و حروفها،فإنّ حرف الخاء حلقيّة و الكاف من أقصى اللّسان فوق الحلق،ففي الخسف شدّة غور بالنّسبة إلى الكسف.و لمّا كان لفظ «الغور»مركّبا من حرف حلقيّة و حرف ليّنة،فيدلّ على نفوذ دقيق و ورود لطيف.و أمّا لفظ«السّيخ»:

فقدّمت السّين و أخّرت الخاء و وسّطت اللّينة،فيدلّ على دخول جزئيّ مع اللّين،ثمّ الثّبوت و الشّدّة.

و قريب من«الخسف»لفظا و معنى:مادّة الخزي و الخسر و الخسّ و الخشع و الخضع.

فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81، وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ العنكبوت:40، إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ سبأ:9، أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ الإسراء:68، لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا القصص:82،فالمادّة استعملت في هذه الموارد في معناها الحقيقيّ.

ص: 16

فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81، وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ العنكبوت:40، إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ سبأ:9، أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ الإسراء:68، لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا القصص:82،فالمادّة استعملت في هذه الموارد في معناها الحقيقيّ.

فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَ خَسَفَ الْقَمَرُ* وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ القيامة:7-9،و الظّاهر أن يكون خسوف القمر إشارة إلى غئوره و رجوعه إلى الشّمس و انجذابه فيه،بحيث يكون القمر منحلاّ و مندكّا في الشّمس؛و ذلك إذا اختلّ نظام العالم المادّيّ الدّنيويّ.

و يمكن أن يشار بهذه الآية الكريمة إلى اندكاك الوسائط في مقام الإفاضات و انحلال الأقمار المستنيرة و فنائها،و بقاء الحقّ المتعال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.

و ظهر أنّ الخسوف ليس بمعنى ذهاب النّور و الضّياء كما في التّفاسير،و لا يجوز لنا العدول عن الأصل و الحقيقة،و التّفسير بوفق الرّأي و الفهم المحدود.

و التّعبير بقوله تعالى: بَرِقَ الْبَصَرُ إشارة إلى أنّ هذه المعاني بعد نورانيّة البصارة.(3:57)

النّصوص التّفسيريّة

خسف

1- يَسْئَلُ أَيّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ* فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَ خَسَفَ الْقَمَرُ. القيامة:6-8

ابن عبّاس: ذهب ضوء القمر.(493)

مثله قتادة و الحسن(الطّبريّ 12:331)،و الفرّاء (3:209)و الواحديّ(4:391)و الطّبرسيّ(5:395) و القاسميّ(16:5990).

أبو عبيدة : وَ خَسَفَ الْقَمَرُ و كسف القمر واحد،ذهب ضوؤه.(2:277)

الماورديّ: أي ذهب ضوؤه،حتّى كأنّ نوره ذهب في خسف من الأرض.(6:153)

الطّوسيّ: أي ذهب نوره بغيبة النّور عن البصر، و خسف و كسف بمعنى،كأنّه يذهب نوره في خسف من الأرض،فلا يرى.(10:192)

البغويّ: أظلم و ذهب نوره و ضوؤه.(5:183)

الزّمخشريّ: و ذهب ضوؤه أو ذهب بنفسه.و قرئ (و خسف) على البناء للمفعول.(4:191)

نحوه البيضاويّ(2:522)،و أبو السّعود(6:

335)،و الآلوسيّ(29:139).

ابن عطيّة: و قرأ جمهور النّاس: وَ خَسَفَ الْقَمَرُ على أنّه فاعل،و قرأ أبو حيوة (خسف) بضمّ الخاء و كسر السّين،و (القمر) مفعول لما لم يسمّ فاعله.

يقال:خسف القمر و خسفه اللّه،و كذلك الشّمس.

و قال أبو عبيدة و جماعة من اللّغويّين:الخسوف و الكسوف بمعنى واحد،قال ابن أبي أويس:الكسوف:

ذهاب بعض الضّوء،و الخسوف:ذهاب جميعه.

و روي عن عروة و سفيان أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:

«لا تقولوا كسفت الشّمس و لكن قولوا:خسفت».

(5:403)

نحوه أبو حيّان.(8:385)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:يحتمل أن يكون المراد من خسوف

ص: 17

القمر:ذهاب ضوئه،كما نعقله من حاله إذا خسف في الدّنيا،و يحتمل أن يكون المراد:ذهابه بنفسه،كقوله:

فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81.

المسألة الثّانية:قرئ (و خسف القمر) على البناء للمفعول.(30:220)

القرطبيّ: أي ذهب ضوؤه.و الخسوف في الدّنيا إلى انجلاء،بخلاف الآخرة،فإنّه لا يعود ضوؤه.

و يحتمل أن يكون بمعنى غاب؛و منه قوله تعالى:

فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81.و قرأ ابن أبي إسحاق و عيسى و الأعرج: (و خسف القمر) بضمّ الخاء و كسر السّين،يدلّ عليه: وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ. القيامة:9،و قال أبو حاتم محمّد بن إدريس:

إذا ذهب بعضه فهو الكسوف،و إذا ذهب كلّه فهو الخسوف.(19:95)

الشّربينيّ: أي أظلم و ذهب ضوؤه،و قد اشتهر أنّ الخسوف للقمر و الكسوف للشّمس،و قيل:يكونان فيهما،يقال:خسفت الشّمس و كسفت و خسف القمر و كسف.و قيل:الكسوف أوّله و الخسوف آخره.

(4:44)

البروسويّ: أي ذهب ضوؤه،فإنّ«خسف» يستعمل لازما و متعدّيا،يقال:خسف القمر و خسفه اللّه،أو ذهب نفسه من خسف المكان،أي ذهب في الأرض.و لكن هذا المعنى لا يناسب ما بعد الآية.

قال بعضهم:أصل الخسف:النّقصان،و يكون في الوصف،و في الذّات،و فيه ردّ لمن عبد القمر،فإنّ القمر لو كان إلها-كما زعمه العابد-لدفع عن نفسه الخسوف،و لما ذهب ضوؤه.

قال في«فتح الرّحمن»:الخسوف و الكسوف معناهما واحد،و هو ذهاب ضوء أحد النّيّرين أو بعضه،و صلاة الكسوف سنّة مؤكّدة،فإذا كسفت الشّمس أو القمر فزعوا للصّلاة و هي لكسوف الشّمس ركعتان كهيئة النّافلة،و يصلّي بهم إمام الجمعة،و يطيل القراءة و لا يجهر و لا يخطب.

و خسوف القمر ليس له اجتماع.و يصلّي النّاس في منازلهم ركعتين كسائر النّوافل.(10:245)

المراغيّ: أي ذهب ضوؤه،كما نعقله من حاله في الدّنيا،إلاّ أنّ الخسوف في الدّنيا إلى الجلاء،و في الآخرة لا يعود ضوؤه.(29:148)

الطّباطبائيّ: خسوف القمر:زوال نوره.

(20:105)

مثله فضل اللّه.(23:236)

2- فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ...*... لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ.

القصص:81،82

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:من لبس ثوبا فاختال فيه خسف اللّه به من شفير جهنّم،و كان قرين هارون،لأنّه أوّل من اختال فخسف اللّه به و بداره الأرض.

(العروسيّ 4:140)

ابن عبّاس: غارت بنا الأرض كما خسف بقارون.(331)

الإمام الصّادق عليه السّلام:قام رجل إلى أمير

ص: 18

المؤمنين في الجامع بالكوفة،فقال:يا أمير المؤمنين أخبرني عن يوم الأربعاء و التّطيّر منه و ثقله و أيّ أربعاء هو؟فقال عليه السّلام:«آخر أربعاء في الشّهر و هو المحاق،و فيه قتل قابيل هابيل أخاه،و يوم الأربعاء ألقي إبراهيم عليه السّلام في النّار،و يوم الأربعاء خسف اللّه بقارون».(العروسيّ 4:140)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فخسفنا بقارون و أهل داره.و قيل:و بداره،لأنّه ذكر أنّ موسى إذا أمر الأرض أن تأخذه أمرها بأخذه،و أخذ من كان معه من جلسائه في داره،و كانوا جماعة جلوسا معه،و هم على مثل الّذي هو عليه من النّفاق و المؤازرة على أذى موسى.(10:109)

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الأمصار سوى شيبة (لخسف بنا) بضمّ الخاء و كسر السّين،و ذكر عن شيبة و الحسن لَخَسَفَ بِنا بفتح الخاء و السّين،بمعنى لخسف اللّه بنا.(10:114)

الفارسيّ: و قرأ عاصم في رواية حفص:(لخسف بنا)نصبا،و كذلك روى عليّ بن نصر عن أبان عن عاصم مثله،و قرأ الباقون،و أبو بكر عن عاصم:

(لخسف بنا) بضمّ الخاء.

قال أبو عليّ: من قال:(لخسف)بفتح الخاء،فلتقدّم ذكر اللّه تعالى: لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا، و من قال:(لخسف بنا)فبنى الفعل للمفعول،فإنّه يؤول إلى الخسف في المعنى.(3:256)

نحوه البغويّ(3:547)،و الزّمخشريّ(3:193).

أبو البركات: و قرئ بفتح الخاء و السّين، و (لخسف بنا) بضمّ الخاء و كسر السّين،و (خسف) بضمّ الخاء و سكون السّين و(لا يخسف بنا).

فمن قرأ بفتح الخاء و السّين،فمعناه: (لخسف اللّه بنا) و الجارّ و المجرور في موضع نصب ب(خسف).

و من قرأ (لخسف) بضمّ الخاء و كسر السّين، فالجارّ و المجرور في موضع رفع،لقيامه مقام الفاعل، على ما لم يسمّ فاعله.

و من قرأ (لخسف) بضمّ الخاء و سكون السّين، حذفت الكسرة تخفيفا،كقولهم:«لو عصر منه البان و المسك انعصر».أراد:عصر.

و من قرأ (لا يخسف بنا) ،فمنزلة قراءة من قرأ (لخسف بنا) على ما لم يسمّ فاعله.(2:238)

نحوه أبو حيّان(7:136)،و الآلوسيّ(20:125).

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّه لمّا أشر و بطر و عتا خسف اللّه به و بداره الأرض جزاء على عتوّه و بطره،و الفاء تدلّ على ذلك،لأنّ الفاء تشعر بالعلّيّة.

و ثانيها:قيل:إنّ قارون كان يؤذي نبيّ اللّه موسى عليه السّلام كلّ وقت،و هو يداريه للقرابة الّتي بينهما حتّى نزلت الزّكاة،فصالحه.[و ذكر قصّته الطّويلة]

(25:18)

نحوه النّيسابوريّ(20:68)،و البيضاويّ(2:

202)،و النّسفيّ(3:247)،و أبو السّعود(5:137)، و البروسويّ(6:435).

طنطاوي:مرشدا بذلك المسلمين أن يصرفوا هواهم عن التّعالي و الكبرياء و التّغالي في الزّينة،لئلاّ

ص: 19

يخسف بهم و بمالهم الأرض،كما حصل الآن،فقد أصبح مالهم تحت تصرّف غيرهم من الأمم المحتلّة، و ذلك لجهلهم و قلّة علم وعّاظهم إلاّ قليلا،فصرف النّاس أموالهم و عقولهم في الرّياء و المباهاة،و جهلوا المقصود من المال و من الحياة،فضاعت بلادهم،و هذا هو الخسف العظيم،و أيّ شيء خسف قارون و داره؟

الخسف الآن خسف الأمم بتمامها،يدخل جيش الأعداء القاهر في بلدة من بلاد الإسلام فيصبح النّاس عبيد الغاصبين و ضحيّة الطّامعين،ذلك هو الخسف الأكبر،خسف أمّة لا خسف فرد،فليخسف الفرد و لتبق الأمّة،أمّا الأمم الإسلاميّة الحديثة فإنّها ابتليت بخسف الأمم و الأفراد لجهل كثير من الوعّاظ الغافلين السّاهين النّائمين الجاهلين،الخسف حتم لكلّ مراء و باغ و جاهل بمقاصد المال و مقاصد الصّحّة و العلم، يخسف بهم سواء أ كانوا أمما أم أفرادا كقارون.

(14:73)

نحوه المراغيّ.(20:99)

مغنيّة:و لا ينجو ظالم من الخسف في الدّنيا قبل الآخرة،و ليس من الضّروريّ أن يكون الخسف بالأرض فقط،فيكون أيضا بالخزي و اللّعن على ألسنة الخلائق،و بأيدي المظلومين و المحقّين،و قد دلّتنا التّجارب أنّ الظّالم إذا نزل به القصاص و العقاب تخلّى عنه و تبرّأ منه كلّ النّاس حتّى أعوانه و أرحامه، و حسبه هذا خسفا و نكالا.(6:88)

مكارم الشّيرازيّ: أجل حين يبلغ الطّغيان و الغرور و تحقير المؤمنين الأبرياء و المؤامرة ضدّ نبيّ اللّه أوجها،تتجلّى قدرة اللّه تعالى و تطوي حياة الطّغاة، و تدمّرهم تدميرا يكون عبرة للآخرين.

مسألة الخسف هنا الّتي تعني انشقاق الأرض و ابتلاع ما عليها،حدثت على مدى التّاريخ عدّة مرّات.إذا تتزلزل الأرض ثمّ تنشقّ و تبتلع مدينة كاملة أو عمارات سكنيّة داخلها،و لكن هذا الخسف الّذي حدث لقارون يختلف عن تلك الموارد.هذا الخسف كان طعمته قارون و خزائنه فحسب.

يا للعجب!.ففرعون يهوي في ماء النّيل.و قارون في أعماق الأرض!.

الماء الّذي هو سرّ الحياة و أساسها يكون مأمورا بهلاك فرعون.

و الأرض الّتي هي مهاد الاطمئنان و الدّعة تنقلب قبرا لقارون و أتباعه.

و من البديهيّ أنّ قارون لم يكن لوحده في ذلك البيت فقد كان معه أعوانه و ندماءه و من أعانه على ظلمه و طغيانه،و هكذا توغّلوا في أعماق الأرض جميعا.(12:276)

لاحظ خسف الأرض:«أرض».

يخسف

1- أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ.

النّحل:45

ابن عبّاس: أن لا يغور اللّه.(225)

كما خسف بقارون.(القرطبيّ 10:109)

ص: 20

و ذكر لنا أنّ أخلاطا من بلاد الرّوم خسف بها، و حين أحسّ أهلها بذلك فرّ أكثرهم،و أنّ بعض التّجّار ممّن كان يرد إليها رأى ذلك من بعيد،فرجع بتجارته من حيث لا يشعرون من الجهة الّتي لا شعور لهم بمجيء العذاب منها،كما فعل بقوم لوط،في تقلّبهم في أسفارهم،أو في منامهم.

مثله قتادة.(أبو حيّان 5:495)

الإمام الباقر عليه السّلام:إنّ عهد نبيّ اللّه صار عند عليّ بن الحسين عليه السّلام،ثمّ صار عند محمّد بن عليّ،ثمّ يفعل اللّه ما يشاء،فألزم هؤلاء،فإذا خرج رجل منهم، معه ثلاثمائة رجل،و معه راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،عامدا إلى المدينة حتّى يمرّ بالبيداء،فيقول:هذا مكان القوم الّذين خسف بهم،و هي الآية الّتي قال اللّه: أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ... (العروسيّ 3:59)

الإمام الصّادق عليه السّلام:هم أعداء اللّه،و هم يمسخون و يقذفون و يسيحون في الأرض.

(العروسيّ 3:59)

النّقّاش:أنّه وقع الخسف في هذه الأمّة بهم الأرض،كما فعل بقارون.(أبو حيّان 5:494)

الطّوسيّ: من تحتهم عقوبة لهم على كفرهم،أو يجيئهم العذاب من جهة،لا يشعرون بها،على وجه الغفلة.(6:385)

القرطبيّ: يقال:خسف المكان يخسف خسوفا:

ذهب في الأرض،و خسف اللّه به الأرض خسوفا،أي غاب به فيها،و منه قوله تعالى: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ.

و خسف هو في الأرض و خسف به.(10:109)

الشّربينيّ: كما خسف بقارون و أصحابه فإذا هم في بطنها لا يقدرون على نوع تقلّب بمتابعة و لا غيرها.

(2:233)

نحوه مغنيّة.(4:517)

البروسويّ: مفعول ل(امن)أي أن يغوّر بهم الأرض حتّى يدخلوا فيها إلى الأرض السّفلى كما فعل بقارون و أصحابه.(5:38)

الآلوسيّ: «خسف»يستعمل لازما و متعدّيا.

يقال:كما قال الرّاغب:خسفه اللّه تعالى و خسف هو، و كلا الاستعمالين محتمل هنا،فالباء إمّا للتّعدية أو للملابسة،و(الارض)إمّا مفعول به أو نصب بنزع الخافض،أي أ فأمن الّذين مكروا السّيّئات أن يغيّبهم اللّه تعالى في الأرض،أو يغيّبها بهم،كما فعل بقارون.

(14:151)

المراغيّ: أي يزيلها من الوجود و هم على سطحها.[إلى أن قال:]

يبيدهم من صفحة الوجود،كما فعل بقارون من قبل.(14:87)

حسنين مخلوف:يهلكهم بالخسف و هو التّغييب في الأرض،أو تغييب الأرض بهم.يقال:خسف اللّه به الأرض خسوفا،غيّبه فيها،و خسف هو في الأرض و خسف به.(1:435)

2- أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً. الإسراء:68

ص: 21

ابن عبّاس: أن لا يغور بكم.(239)

الفارسيّ: اختلفوا في الياء و النّون،من قوله عزّ و جلّ:(ان نشأ بهم...او نرسل عليكم...ان نعيدكم...فنرسل عليكم...نغرقكم...)الإسراء:68- 69،فقرأ ابن كثير و أبو عمرو بالنّون ذلك كلّه،و قرأ نافع و عاصم و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ ذلك كلّه بالياء.

من قرأ بالياء:فلأنّه قد تقدّم ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ فَلَمّا نَجّاكُمْ الإسراء:67، أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ.

و أمّا من قرأ بالنّون،فلأنّ هذا النّحو قد يقطع بعضه من بعض و هو سهل،لأنّ المعنى واحد،أ لا ترى أنّه قد جاء: وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً الإسراء:2،فكما انتقل من الجميع إلى الإفراد لاتّفاق المعنى،كذلك يجوز أن ينتقل من الغيبة إلى الخطاب،و المعنى واحد،و كلّ حسن.

و الخسف بهم نحو الخسف بمن كان قبلهم من الكفّار، نحو قوم لوط و قوم فرعون.(3:65)

الطّوسيّ: قرأ ابن كثير و أبو عمرو (ان نخسف...

او نرسل...ان نعيدكم...فنرسل...) بالنّون فيهنّ، الباقون بالياء.إلاّ أبا جعفر،و ورش،فإنّهما قرءا:

(فتغرقكم) بالتّاء يردّانه إلى الرّيح.

و من قرأ بالنّون أراد الإخبار من اللّه عن نفسه، و من قرأ بالياء أراد أنّ محمّدا أخبر عن اللّه،و المعنيان متقاربان.[ثمّ نقل كلام الفارسيّ المتقدّم و أضاف:]

أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانبه و يقلّب أسفله أعلاه فتهلكون عند ذلك،كما خسفنا بمن كان قبلكم من الكفّار،نحو قوم لوط و قوم فرعون.(6:501)

الواحديّ: أي يغيّبكم و يذهبكم في جانب البرّ، و هو الأرض.يقال:خسف اللّه به الأرض،أي غاب به فيها.أخبر اللّه تعالى أنّه كما قدر أن يغيبهم في الماء قادر أن يغيبهم في الأرض.(3:117)

ابن الجوزيّ: قرأ ابن كثير،و أبو عمرو: (نخسف بكم) ، (او نرسل) ، (ان نعيدكم) ، (فنرسل) ، (فنغرقكم) بالنّون في الكلّ.و قرأ نافع،و عاصم،و ابن عامر، و حمزة،و الكسائيّ،بالياء في الكلّ.و معنى(نخسف بكم جانب البرّ)أي:نغيّبكم و نذهبكم في ناحية البرّ، و المعنى أنّ حكمي نافذ في البرّ نفوذه في البحر.(5:61)

القرطبيّ: بيّن أنّه قادر على هلاكهم في البرّ و إن سلموا من البحر.(10:292)

البيضاويّ: أن يقلبه اللّه و أنتم عليه،أو يقلبه بسببكم،ف(بكم)حال أو صلة ل(يخسف).

و قرأ ابن كثير و أبو عمرو بالنّون فيه،و في الأربعة الّتي بعده.(1:592)

البروسويّ: الّذي هو مأمنكم كقارون،و(بكم) في موضع الحال،و(جانب البرّ)مفعول به،أي يقلبه اللّه و أنتم عليه.و يجوز أن تكون الباء للسّببيّة،أي يقلبه بسبب كونكم فيه.

قال سعدي المفتي:أي يقلب جانب البرّ الّذي أنتم فيه،فيحصل بخسفه إهلاككم،و إلاّ فلا يلزم من خسف جانب البرّ بسببهم إهلاكهم.(5:183)

المراغيّ: الخسف و الخسوف:دخول الشّيء في

ص: 22

الشّيء،يقال:عين خاسفة،إذا غابت حدقتها في الرّأس،و عين من الماء خاسفة:أي غائرة الماء، و خسفت الشّمس،أي احتجبت،و كأنّها غارت في السّحاب.[إلى أن قال:]

أي أ فحسبتم أنّكم بخروجكم إلى البرّ أمنتم من انتقام اللّه و عذابه،فهو إن شاء خسف بكم جانب البرّ و غيّبه في أعماق الأرض و أنتم عليها،و إن شاء أمطر عليكم حجارة من السّماء تقتلكم كما فعل بقوم لوط، ثمّ لا تجدون من تكلون إليه أموركم،فيحفظكم من ذلك،أو يصرفه عنكم غيره،جلّ و علا.

و خلاصة ذلك:إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف،أصابكم من فوقكم بريح يرسلها عليكم، فيها الحصباء يرجمكم بها،فيكون أشدّ عليكم من الغرق في البحر.(15:73 و 75)

مغنيّة: النّاس كلّهم في قبضته تعالى أينما كانوا، حتّى و لو تحصّنوا في بروج مشيّدة،فإن كانوا في البحر أهلكهم بالغرق إن شاء،أو في البرّ خسف بهم الأرض أو أمطر عليهم حجارة من السّماء،و إن كانوا في قلعة محصّنة هدمها على رءوسهم،و لا يأمن العواقب إلاّ جهول.(5:65)

الطّباطبائيّ: خسوف القمر:استتار قرصه بالظّلمة و الظّلّ.و خسف اللّه به الأرض أي ستره فيها.

و الاستفهام للتّوبيخ يوبّخهم اللّه تعالى على إعراضهم عن دعائه في البرّ،فإنّهم لا مؤمّن لهم من مهلكات الحوادث في البرّ،كما لا مؤمّن لهم حال مسّ الضّرّ في البحر؛إذ لا علم لهم بما سيحدث لهم و عليهم.

فمن الجائز أن يخسف اللّه بهم جانب البرّ،أو يرسل عليهم ريحا حاصبا فيهلكهم بذلك،ثمّ لا يجدوا لأنفسهم وكيلا يدفع عنهم الشّدّة و البلاء،و يعيد إليهم الأمن و السّلام.(13:154)

تقدّم بعض النّصوص في«ج ن ب»فلاحظ (جانب البرّ).

3- أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ. الملك:16

راجع أرض:«الأرض».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخسف،و هو غور الأرض بما عليها.يقال:خسفت الأرض تخسف خسفا و خسوفا.و انخسفت أي غارت و ساخت، و خسف اللّه به الأرض خسفا:غاب به فيها،و خسف الرّجل في الأرض و خسف به:أخذته الأرض و دخل فيها،و خسف المكان يخسف خسوفا:ذهب في الأرض.

و الأخاسيف:الأرض اللّيّنة،كأنّها تخسف بمن يمشي عليها.يقال:وقعوا في أخاسيف من الأرض، و هي الأخاسف أيضا،روى شمر عن الفرّاء،قال:

«الأخاشف:العزاز الصّلب من الأرض،و أمّا الأخاسف فهي الأرض اللّيّنة» (1).

ص: 23


1- تهذيب اللّغة:7:88.

و الخسف:مخرج ماء البئر،و بئر خسوف و خسيف:نقب جيلها عن عيلم الماء،فلا ينزح أبدا، و قد خسفها خسفا،و الجمع أخسفة و خسف.

و الخسف:الخرق.يقال:خسف الشّيء يخسفه خسفا،أي خرقه،و خسف السّقف نفسه و انخسف:

انخرق.

و الخسيف من السّحاب:ما أتى بالماء الكثير، كأنّه خسف به فجاء بماء كثير،و ناقة خسيف:غزيرة سريعة القطع في الشّتاء،و قد خسفت خسفا،تشبيها بالبئر الخسيف.

و خسوف العين:ذهابها في الرّأس،على التّشبيه بخسوف الأرض.يقال:خسفت عينه،أي ساخت، و خسفها يخسفها خسفا:فقأها،فهي خسيفة و خاسفة، و قد خسفت تخسف خسوفا.

و الخسف:الهزال،و الجمع:مخاسف،و الخاسف:

المهزول،كأنّه قد خسف به.

و الخسف:الهوان،و أصله أن تحبس الدّابّة على غير علف،ثمّ استعير فوضع موضع الهوان.يقال:باتت الدّابّة على خسف،أي لم يكن لها علف.

و الخسف:النّقصان.يقال:رضي فلان بالخسف، أي بالنّقيصة،و هو الخسيفة أيضا.

و الخسف:الجوع،و الخاسف:الجائع،كأنّه غاب عنه ما أراده من طعام.يقال:بات القوم على الخسف، إذا باتوا جياعا،ليس لهم شيء يتقوّتونه،و بات فلان الخسف:جائعا.

2-و خسوف القمر:ذهاب ضوئه.يقال:خسف القمر و خسف،على التّشبيه بخسوف الأرض.و قيل أيضا:خسفت الشّمس تخسف خسوفا،و خسفها اللّه فانخسفت،أي كسفت و ذهب ضوؤها،و المعروف فيها الكسوف.قال ثعلب:«كسفت الشّمس و خسف القمر»،و عقّب الجوهريّ قائلا:«هذا أجود الكلام».

و حذا الفلكيّون حذو اللّغويّين،إذ خصّوا الخسوف بالقمر و الكسوف بالشّمس،و لكنّ أصحاب الحديث عمّموا الخسوف للشّمس و القمر.

قال ابن الأثير:«و أمّا إطلاق الخسوف على الشّمس منفردة،فلاشتراك الخسوف،و الكسوف في معنى ذهاب نورهما و إظلامهما».

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها الماضي و المضارع كلّ منهما 4 مرّات،في 8 آيات:

خسوف الأرض

1- ...لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا...

القصص:82

2- فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ... القصص:81

3- فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا... العنكبوت:40

4- أَ فَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ سبأ:9

ص: 24

5- أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ النّحل:45

6- أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً... الأسراء:68

7- أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ الملك:16

خسف القمر

8- فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَ خَسَفَ الْقَمَرُ* وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ القيامة:7-9

يلاحظ أوّلا:أنّ الخسوف جاء في محورين:

الأوّل:خسوف الأرض في(1-7)،و فيه بحوث:

1-ذكر خسف الأرض بقارون في(2)و(3) عبرة للمؤمنين،كما في(1)،و تهديدا للكافرين كما في سائر الآيات.و المراد بخسفها:غور ناحية من برّها، و ليس جرمها الكرويّ ففيها المؤمن و الكافر،و يدلّ عليه الخسف بقارون و داره فقط،و لفظ(جانب)في (6)،و لا يصدق الخسف على البحار أيضا،لأنّها في غور من الأرض.

2-ورد الخسف عذابا للكافرين في الدّنيا،و قرن بمختلف العذاب الّذي أنزل على الأمم الكافرة خلال العصور الغابرة،إذ ذكر خسوف الأرض في(3)مع إرسال الحاصب و أخذ الصّيحة و الإغراق،و ذكر في (4)مع إسقاط الكسف من السّماء،و في(5)مع إتيان العذاب،و في(6)مع إرسال الحاصب،و في(7)تلاه إرسال الحاصب في الآية اللاّحقة،و هي، أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ.

و أخبرنا القرآن أنّ عذاب الحاصب حلّ بقوم لوط،و الصّيحة بثمود،و الإغراق بفرعون و قومه، و الكسف بأصحاب الأيكة،فهل بين هذه الأنواع من العذاب و من عذّب بها و بين خسف الأرض و مشركي مكّة صلة؟

3-ما أفصح القرآن عن طريقة خسف الأرض و غورها،أ بظاهرة طبيعيّة كالإحراق بالصّواعق و الإغراق بالسّيل،أم بقدرة ربّانيّة كانفلاق البحر أو انفجار الماء من الحجر؟

غير أنّ الخسف يحدث للأرض عادة إثر الزّلازل حسب النّواميس الطّبيعيّة،و لعلّ قوله: فَإِذا هِيَ تَمُورُ في ذيل آية(7)يشير الى هذا المعنى،فقد فسّر المور بالاضطراب،و هو في اللّغة الذّهاب و المجيء، و هكذا يحدث للأرض عن الزّلزال.

و لكنّ ما يذود رأينا على الظّاهر هو أنّ جملة فَإِذا هِيَ تَمُورُ عطف على قوله: أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ، كما ذهب إلى ذلك جلّ المفسّرين،أي أنّ الخسف يقع قبل المور الّذي فسّرناه بالزّلزال.

و يمكن تبرير قولنا هذا بأمرين:الأوّل:أنّ في هذه الآية تقديما و تأخيرا،أي المور مقدّم على الخسف.

و نظيره قوله: يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ آل عمران:43،فقدّم السّجود على الرّكوع و حقّه التّأخير،و قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً

ص: 25

الكهف:1،2،و التّقدير:الحمد للّه الّذي أنزل على عبده الكتاب قيّما و لم يجعل له عوجا.

و الثّاني:أنّ الفاء في قوله: فَإِذا هِيَ تَمُورُ زائدة لازمة،و ليست عاطفة،كما قال أبو عليّ الفارسيّ و المازنيّ و جماعة (1)،و زيادتها عندهم قبل:«إذا» الفجائيّة،كما في الآية الكريمة،و في قولهم:خرجت فإذا الأسد بالباب.

أو يقال:(إذا)تصير فجائيّة إذا قورنت بالفاء الّتي هي للتّرتيب باتّصال،و الاتّصال في المثال بالخروج،لا يستلزم تأخير حضور الأسد عن الخروج إن لم تدلّ على تقدّمه،و كذا الآية فيها إشارة إلى تقدّم«المور» على الخسوف.

المحور الثّاني:خسف القمر في(8): وَ خَسَفَ الْقَمَرُ، و فيه بحوث:

1-أسند الخسف إلى القمر خلافا لخسف الأرض فإنّه أسند إلى اللّه،و نظيره انشقاق القمر: اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ القمر:1،و اتّساقه: وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ الانشقاق:18،و تلوّه للشّمس: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها الشّمس:2،و غيرها.كما أسندت بعض المعاني إلى الأرض أيضا،نحو الانشقاق: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ مريم:90، و الرّجف: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ المزّمّل:

14،و هذا من الإسناد المجازيّ،لأنّ أفعالها منوطة بأمر خالقها: وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ الرّوم:25.

2-الأصل في الخسف-كما تقدّم-غور الأرض، إلاّ أنّه ليس كذلك في القمر،أي لا يغور جرمه و لا يسيخ في باطنه،كالأرض،بل يذهب ضوؤه و يختفي،فهو في الأصل معنى مجازيّ.و يرجع سبب ذهاب ضوء القمر وقوع الأرض بينه و بين الشّمس، فينعكس ظلّها عليه فينطمس،و يبدو للعيان مظلما.

و لم يتعرّض المفسّرون لعلّة هذه الظّاهرة الكونيّة، و لكنّها مبيّنة عند علماء النّجوم.

3-جاء الفعل ماضيا و هو بمعنى الحال و الاستقبال،إشارة إلى قرب حدوثه،كقوله تعالى:

أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ النّحل:1،و اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ القمر:1،و وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النّارِ الأعراف:44،و اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ الأنبياء:1.

و هذا الضّرب من الآيات مختصّ بمكّة،و هو تهديد و وعيد لقريش و عتاتها بقيام السّاعة،و عذاب الآخرة.

4-جاء(خسف)منسوبا إلى القمر في(8)لازما، و إلى الأرض متعدّيا في غيرها-و لهذا قد قرئت الآية (1)(لخسف بنا)بالبناء للمفعول-لاختلاف المعنى كما قلنا-فهو في الأرض بمعنى الغور،و في القمر بمعنى ذهاب الضّوء،مع أنّ ما جاء في الأرض كلّها وعيد بعذاب الدّنيا،و ما جاء في القمر وعيد بعذاب الآخرة.

5-نبّه طنطاوي-و تبعه غيره-على نكتة و هي أنّ الخسف لا يختصّ بالأرض و القمر بل يعمّ الأمم،).

ص: 26


1- المغني اللّبيب(1:167).

كما حصل الآن للمسلمين،فقد أصبح مالهم تحت تصرّف غيرهم من الأمم المحتلّة،و ذلك لجهلهم، فضاعت بلادهم،و هذا هو الخسف العظيم،و أيّ شيء خسف قارون و داره؟الخسف الآن خسف الأمم بتمامها،يدخل جيش الأعداء القاهر في بلدة من بلاد الإسلام فيصبح النّاس عبيد الغاصبين و ضحيّة الطّامعين،و ذلك هو الخسف الأكبر،خسف أمّة لا خسف فرد.

و نقول:أكبر من ذلك خسف الأمم في ثقافاتهم، فإنّه أعظم و أخطر،كما حدث بالفعل للمسلمين و كثير من غيرهم.فقد سيطرت ثقافة الغرب على ثقافة الشّرق،حتّى كادت أن تنطفئ أمام الغرب!!

ثانيا:آيات الخسف كلّها مكّيّة و ليس فيها آية مدنيّة،و كأنّ هذه المادّة في الأصل لغة أهل مكّة،ثمّ شاعت في غيرها،أو أنّ أكثرها راجع إلى الأمم السّابقة في قصصهم،و أكثرها مكّيّة.

ثالثا:ورد ما يضارع الخسوف في الأرض و السّماء أيضا:

1-غور الماء في الأرض: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ الملك:30.

2-وقوب الغاسق،أي دخول القمر في الخسوف:

وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ الفلق:3.

3-طمس النّجوم: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ

المرسلات:8.

ص: 27

ص: 28

خ ش ب

اشارة

خشب

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخشب معروف،و الخشّابة:قوم معهم خشب،و حرفتهم:الخشابة.

و الخشب جزم:الشّحذ،و سيف خشيب مخشوب،أي شحيذ.

و جبهة خشباء:كريهة يابسة صلبة،بادية العظام و العروق،غير مستوية.

و رجل خشب:عاري العظام و العصب،له شدّة و صلابة،و كذلك اليد و نحوها.و اخشوشب الرّجل.

و كلّ شيء خشن من أرض و قتّ و نحوهما فهو أخشب.

و الأخشب مكان من القفّ غليظ.و قد يكون سفح الجبل أخشب.

و أخاشب الصّمّان:جبال اجتمعن بها في محلّة بني تميم.

و أخشبا مكّة:جبلاها.

و الخشب:خلطك الشّيء بالشّيء غير متأنّق فيه.

و طعام مخشوب.(4:172)

الأحمر:قال لي أعرابيّ:قلت لصيقل:هل فرغت من سيفي؟قال:نعم إلاّ أنّي لم أخشبه.

و الخشب أن يضع عليه سنانا عريضا أملس، فيدلكه به،فإن كان فيه شعث أو شقوق أو حدب ذهب و أملسّ.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 1:119)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخشبة المعترضة فيها تشدّها سكّة و هي من جنبها إلى جنبها.(1:132)

جمل خشب:طويل القوائم.(1:230)

ص: 29

سيف خشيب،أي عظيم،و مخشوب نقول للبعير، و الفرس،إذا كان جسيم القدم:إنّه لخشب.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:238)

الخشيب:السّيف الخشن الّذي قد برد و لم يصقل.

و الخشيب:الصّقيل(الأزهريّ 7:91)

أبو زيد :قوله«اختشبوا»يريد ابتدءوا طبعه و يقال خشبت السّيف و اختشبته خشبا و اختشابا، إذا ابتدأت طبعه.

و يقال:سيف جيّد الخشيبة،إذا أحكم طبعه.

(149)

الأصمعيّ: و الخشيب:السّيف الخشن الّذي برد و لم يصقل.

و الخشيب:الصّقيل.

يقال:سيف خشيب،و هو عند النّاس صقيل.

و إنّما أصله برد قبل أن يليّن.

يقال:أفرغت من سيفي؟فيقال:قد خشبته.

و يقال:أفرغت من نبلي؟فيقال:قد خشبتها،أي قد بريتها البري الأوّل و لم أسوّها:فإذا فرغ منها قال:قد خلّقتها،يعني قد ليّنتها أخذ من الصّفاة الخلقاء،يعني الملساء.

و يقال سيف مشقوق الخشيبة،يقول:عرّض حين طبع.

و يقال:فلان يخشب الشّعر،أي يمرّه كما يجيئه و لا يتنوّق فيه.

و الخشبة:البردة الأولى قبل الصّقال.[و استشهد بالشّعر مرّتين](الأضداد:198)

الخشيب:السّيف الّذي بدئ طبعه و لم يتمّ عمله.

(الحربيّ 2:546)

الأخشب:الجبل و أراه يعني الغليظ.[ثمّ استشهد بشعر](أبو عبيد 1:72)

أبو عبيد: في حديث عمر:«اخشوشنوا و اخشوشبوا و تمعددوا».

قوله:«و اخشوشنوا»هو من الخشونة في اللّباس و المطعم«و اخشوشبوا»أيضا شبيه به.

و كلّ شيء غليظ خشن فهو أخشب و خشب، و هو من الغلظ و ابتذال النّفس في العمل و الاحتفاء في المشي ليغلظ الجسد و يجسو.

و منه حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في مكّة:«لا تزول حتّى يزول أخشباها».

و الأخشب:الجبل.[ثمّ استشهد بشعر](2:68)

الخشيب:السّيف الّذي لم يحكم عمله.

و الخشيب:الصّقيل.

المخشوب:المخلوط في نسبه.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 7:92)

الخشيب:السّيف الّذي بدئ طبعه؛ثمّ كثر حتّى صار عندهم الخشيب الصّقيل.(ابن فارس 2:185)

ابن السّكّيت: الخشب:مصدر خشبت الشّعر أخشبه،إذا قلته كما يجيء و لم تتنوّق فيه.و قد خشبت النّبل،إذا بريتها البري الأوّل

و الخشب:الخشب.(إصلاح المنطق:131)

شمر:الأخشب من الجبال:الخشن الغليظ.

(الأزهريّ 7:90)

ص: 30

و قال العتريفيّ: الخشبان:الجبال الخشن،الّتي ليست بضخام و لا صغار.

و الخشب من الإبل:الجافي السّمج الشّاسئ الخلق.

(الأزهريّ 7:91)

الخشب:الغليظ من كلّ شيء.(الهرويّ 2:555)

الدّينوريّ: خشب القوس خشبها خشبا:عملها عملها الأوّل،و هي خشيب،من قسيّ خشب و خشائب.

و قدح مخشوب و خشيب:منحوت.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 5:32)

الحربيّ: [في الحديث]«إذا ظهرت بيوت مكّة على أخاشبها فخذ حذرك».

و عن ابن عمر:«أنّه كان يصلّي خلف الخشبيّة و الخوارج»

[و في حديث]:«اخلولقوا و اخشوشنوا و اخشوشبوا»

قوله:«على أخاشبها و أخشبيها»يريد جبلين بمكّة.

قوله:يصلّي خلف الخشبيّة:ضرب من الرّافضة.

و قيل الّذين يرون الخروج على من خالفهم بالخشب، و قيل الّذين حفظوا خشبة زيد بن على حين صلب.

و سمعت أبا نصر يقول:الخشبيّة أصحاب المختار ابن أبي عبيد.

قوله:«و اخشوشنوا»يقول:البسوا الخلقان و الخشن.

«و اخشوشبوا»:كلوا الغليظ من الطّعام.

و الأخشب:مكان من القفّ غليظ.

يقال:ما أخشب:ما شقّت خشيبته،فكثر ذلك حتّى صار الخشيب عند كثير من العرب الصّقيل.

و الصّقيل:الحديث العهد بالصّقال.و القدح إذا برى أوّل برية قد خشب فهو خشيب.

و فلان يخشب الشّعر يمرّه كما يجيئه لا يتنوّق فيه.

و الخشبة:البردة الأولى.

و التّخشّب:عمل لا يتنوّق فيه.يقال:خشب فلان بناءه خشبا..[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:544)

المبرّد: الخشب:الّذي ليس يلين على من نزل به.

(2:42)

كراع النّمل:الخشيب:اليابس.(ابن سيده 5:32)

ابن دريد :الخشب معروف،و مثله الخشب،و هو جمع خشبة.

و سيف مخشوب و خشب:حديث الصّنعة.و جاد ما فتق الصّيقل خشيبة السّيف،يعني جاد ما طبعه.

و الأخشب:الأرض الغليظة،و جمعه أخاشب.

و أخشبا مكّة:جبلاها.

و أخشبا المدينة:حرّتاها المكتنفتان لها.

و جمل خشب،إذا كان غليظا.

و الخشب:الغليظ الجافي.

و الخشاب:بطون من بني تميم،لقب لهم.

و قد سمّوا خشبان،و من هذا اشتقاقه.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات].(1:235)

الأزهريّ: [و في الحديث]«إنّ جبريل قال:يا محمّد:إن شئت جمعت عليهم الأخشبين فقال:دعني

ص: 31

أنذر قومي».

و يقال:[الأخشب من الجبال]هو الّذي لا يرتقى فيه.

و أرض خشباء:و هي الّتي كأنّ حجارتها منثورة متدانية.[ثمّ استشهد بشعر]

[و في حديث عمر:]«اخشوشنوا و اخشوشبوا، و تمعددوا».يقال:اخشوشب الرّجل إذا صار صلبا خشنا.

و خشبت النّبل خشبا،إذا بريتها البري الأوّل، و لم تفرغ منه.

و هو يخشب الكلام و العمل إذا لم يحكمه و لم يجوّده.(7:90)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]و الخشب الشّحذ،سيف خشيب و مخشوب أي شحيذ.

و قيل:هو الّذي لم يحكم عمله.و هو من الأضداد.

و الخشيبة:حدّه،و قيل:صقاله.

و أخاشب صمّان:جبال هناك ليس قربها أكمة و لا جبل.

و مال خشب،أي هزلى خال من الرّبيع.

و أرض خشاب إذا سالت من أدنى مطر.

و اختشب فلان شعرا:خلّط فيه و لم يجوّده.

و المختشب:الّذي يأكل ما قدر عليه،و هو الخاشب أيضا.(4:227)

الجوهريّ: جمع الخشبة:خشب،و خشب، و خشب،و خشبان.

و خشبت الشّيء بالشّيء:خلطته به.

و الخشيب:السّيف الّذي بدئ طبعه.

و الخشيب أيضا:الصّقيل،و هو من الأضداد.

و قد اخشوشب،أي صار خشبا،و هو الخشن.

و تخشّبت الإبل،إذا أكلت اليبيس من المرعى.

و رجل قشب خشب،إذا كان لا خير فيه.و خشب إتباع له.

و بنو رزام بن مالك بن حنظلة يقال لهم الخشاب.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:119)

ابن فارس: الخاء و الشّين و الباء أصل واحد يدلّ على خشونة و غلظ.فالأخشب:الجبل الغليظ.

و من ذلك قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،في مكّة:لا تزول حتّى يزول أخشباها.يريد جبليها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخشيب:السّيف الّذي بدئ طبعه؛و لا يكون في هذه الحال إلاّ خشنا.و سهم مخشوب و خشيب،و هو حين ينحت.و جمل خشيب:غليظ.و كلّ هذا عندي مشتقّ من الخشب.و تخشّبت الإبل،إذا أكلت اليبيس من المرعى.

و يقال جبهة خشباء:كريهة يابسة ليست بمستوية و ظليم خشيب:غليظ.(2:185)

الهرويّ: قوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ المنافقون:4، الخشب:جمع خشبة،كما تقول ثمرة و ثمر.

و في الحديث:«خشب باللّيل صخب بالنّهار» أراد أنّهم ينامون اللّيل لا يصلّون،كأنّ جثثهم خشب مطرّحة.و العرب تقول للقتيل:كأنّه خشبة،و كأنّه جذع.

في حديث عمر:«اخشوشبوا و تمعددوا».و في

ص: 32

رواية أخرى«اخشوشنوا»

يقال:اخشوشب الرّجل،إذا كان صلبا خشنا و روي-بالجيم-أيضا من الخشب،و أراد بذلك الخشوبة في الملبس و المطعم.

يقول:عيشوا عيش العرب و لا تعوّدوا أنفسكم التّرفّه و عيشة العجم فتقعد بكم عن المغازي.

(2:555)

ابن سيده: الخشبة:ما غلظ من العيدان،و الجمع:

خشب،و خشب،و خشب.

و بيت مختشب:ذو خشب.

و الخشّابة:باعتها.

و تخشّبت الإبل:أكلت الخشب.

و الخشيبة:الطّبيعة.

و خشب السّيف يخشبه خشبا،فهو مخشوب و خشيب:طبعه،و قيل:صقله.

و الخشيب من السّيوف:الصّقيل.

و قيل:هو الّذي لم يصقل و لا أحكم عمله.

و قيل:هو الحديث الصّنعة.

و قيل:الخشب في السّيف:أن تضع سنانا عريضا عليه أملس،فتدلكه به.فإن كان فيه شعث أو شقوق أو حدب ذهب به.

و الخشابة:مطرق دقيق إذا صقل الصّيقل السّيف و فرغ منه أجراها عليه فلا يغيّره الجفن.هذه عن الهجريّ.

و اختشب السّيف:اتّخذه خشيبا.

و خشب الشّعر يخشبه خشبا:إذا قاله كما يجيء و لم يتنوّق فيه و لا تعمّل له.

و الخشيب:الرّديء و المنتقى.

و الخشيب:اليابس.عن كراع.

و أراه قال:الخشيب،و الخشيبىّ.

و الخشب من الرّجال:الطّويل الجافي العاري العظام،مع شدّة و صلابة و غلظ،و كذلك هو من الجمال،و قد اخشوشب.

و عيش خشب:غير متأنّق فيه،و هو من ذلك.

و اخشوشب في عيشه:شظف.

و قالوا:«تمعددوا و اخشوشبوا»،أي:اصبروا على جهد العيش.

و قيل:تكلّفوا ذلك ليكون أجلد لكم.

و يروى:و اخشوشنوا،من العيشة الخشناء.

و رجل أخشب:خشن عظيم.

و الأخشب من القفّ:ما غلظ و خشن و تحجّر، و الجمع:أخاشب،لأنّه غلب غلبة الأسماء.و قد قيل في مؤنّثه:الخشباء.

و أخشبا مكّة:جبلاها،لذلك.

و أخاشب الصّمّان:جبال اجتمعت بالصّمّان في محلّة بني تميم،ليس قربها أكمة و لا جبل.

و كلّ خشن:أخشب و خشب.

و الخشب:الخلط و الانتقاء،و هو ضدّ،خشبه يخشبه خشبا،فهو مخشوب،و خشيب.

و طعام مخشوب:إن كان حبّا فهو مفلّق قفار، و إن كان لحما فنيء لم ينضج.

و رجل خشب قشب:لا خير عنده.

ص: 33

و الخشاب:بطون من بني تميم.

و خشبان:اسم.

و خشبان:لقب.

و ذو خشب:موضع.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات]

(5:31)

الرّاغب: قال تعالى: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ المنافقون:4،شبّهوا بذلك لقلّة غنائهم،و هو جمع الخشب.

و من لفظ الخشب قيل:خشبت السّيف،إذا صقلته بالخشب الّذي هو المصقل.

و سيف خشيب:قريب العهد بالصّقل.

و جمل خشيب أي جديد لم يرض،تشبيها بالسّيف الخشيب.

و تخشّبت الإبل:أكلت الخشب.

و جبهة خشباء:يابسة كالخشب،و يعبّر بها عمّن لا يستحي،و ذلك كما يشبّه بالصّخر[ثمّ استشهد بشعر]

و المخشوب:المخلوط به الخشب،و ذلك عبارة عن الشّيء الرّديء.(148)

الزّمخشريّ: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ المنافقون:

4،و خرجت إليهم الخشّابة يدقّونهم و هم الّذين يقاتلون بالعصيّ.

و رجل خشب:في جسده صلابة و شدّة عصب.

و سيف خشيب و مخشوب،و سهم خشيب و مخشوب:لما يحكم عمله.و هو من الخشب.و قد خشبته.

و جاد ما فتق الصّيقل خشيبة السّيف،أي حديدته الّتي خشبها.

و من المجاز:مال خشب و حطب هزلى.

و خشبت الشّعر و اختشبته:قلته كما جاء غير متنوّق فيه،و هم يخشبون الكلام و العمل،و شعر خشيب و مخشوب.

و يقال:جاء بالمخشوب غير المحسوب.

و كان الفرزدق ينقّح الشّعر،و كان جرير يخشب، و كان خشب جرير خيرا من تنقيح الفرزدق.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:111)

ابن الأثير: في الحديث:«إنّ جبريل عليه السّلام قال له:

إن شئت جمعت عليهم الأخشبين،فقال دعني أنذر قومي».

الأخشبان:الجبلان المطيفان بمكّة،و هما أبو قبيس و الأحمر،و هو جبل مشرف وجهه على قعيقعان.

و الأخشب كلّ جبل خشن غليظ الحجارة.

و منه حديث وفد مذحج«على حراجيج كأنّها أخاشب»جمع الأخشب.

و فيه ذكر«خشب»بضمّتين،و هو واد على مسيرة ليلة من المدينة،له ذكر كثير في الحديث و المغازي.و يقال له:ذو خشب.

و في حديث سلمان:«قيل:كان لا يكاد يفقه كلامه من شدّة عجمته،و كان يسمّي الخشب،الخشبان».

و قد أنكر هذا الحديث،لأنّ كلام سلمان يضارع كلام الفصحاء،و إنّما«الخشبان»جمع خشب،

كحمل و حملان.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 34

و لا مزيد على ما تتساعد على ثبوته الرّواية و القياس.

و في حديث ابن عمر:«أنّه كان يصلّي خلف الخشبيّة».هم أصحاب المختار بن أبي عبيد.

و يقال لضرب من الشّيعة:الخشبيّة.قيل:لأنّهم حفظوا خشبة زيد بن عليّ حين صلب.و الوجه الأوّل لأنّ صلب زيد كان بعد ابن عمر بكثير.(2:32)

الفيّوميّ: الخشب:معروف؛الواحدة خشبة، و الخشب بضمّتين و إسكان الثّاني تخفيف مثله.و قيل:

المضموم جمع المفتوح كالأسد بضمّتين:جمع أسد بفتحتين.(1:169)

الفيروزآباديّ: الخشب،محرّكة:ما غلظ من العيدان،جمعه:خشب،محرّكة أيضا،و بضمّتين، و خشب و خشبان،بضمّهما.

و خشبه يخشبه:خلطه،و انتقاه،ضدّ،و السّيف:

صقله أو شحذه و طبعه،ضدّ،و الشّعر:قاله من غير تنوّق و تعمّل له،كاختشبه،و القوس عملها الأوّل.

و الخشيب.كأمير:السّيف الطّبيع و الصّقيل، كالمخشوب،و الرّديء و المنتقى،و المنحوت من القسيّ و الأقداح،جمعه:خشب ككتب،و خشائب،و الطّويل الجافي العاري العظام في صلابة كالخشب ككتف، و الخشيبيّ.و قد اخشوشب.

و رجل خشب قشب بكسرهما:لا خير فيه، و كالكتف:الخشن كالأخشب،و العيش غير المتأنّق فيه.

و اخشوشب في عيشه:صبر على الجهد،أو تكلّف في ذلك ليكون أجلد له.

و الأخشب:الجبل الخشن العظيم.و الأخشبان جبلا مكّة:أبو قبيس و الأحمر،و جبلا منى.

و الخشباء:الشّديدة،و الكريهة،و اليابسة.

و الخشبيّة محرّكة:قوم من الجهميّة.

و الخشبان،بالضّمّ:الجبال الخشن،ليست بضخام و لا صغار،و رجل،و موضع.

و تخشّبت الإبل أكلت الخشب أو اليبيس.

و الأخاشب:جبال الصّمّان.

و أرض خشاب،كسحاب:تسيل من أدنى مطر.

و مال خشب:هزلى.

و طعام مخشوب:إن كان لحما فنيء و إلاّ فقفار.

(1:63)

الطّريحيّ: و في الحديث«ذو خشب»هو بضمّتين:

واد عن المدينة مسيرة يوم.

و في الحديث هو واد على ثمانية فراسخ أربعة و عشرون ميلا،و في المغرب هو جبل نفج.

و الأخشب:الحبل الخشن الغليظ،و منه يقال:

رجل أخشب،إذا كان صلب العظام عاري اللّحم.

(2:50)

مجمع اللّغة :الخشب:ما يبس من الشّجر، و الواحدة خشبة،و تجمع على«خشب»بضمّ الخاء و ضمّ الشّين أو سكونها.(1:335)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم(1:163)

العدنانيّ: خشب،خشب،خشب،خشبان.

و يجمعون الخشبة على«أخشاب»،و الصّواب أن

ص: 35

تجمع على:خشب،قال تعالى يصف المنافقين: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ المنافقون:4،و قرئ (خشب) بإسكان الشّين.

و في الحديث في ذكر المنافقين أيضا:«خشب باللّيل صخب بالنّهار»أراد أنّهم ينامون اللّيل لا يصلّون،كأنّ جثثهم خشب مطرّحة.و هو مجاز.

و تجمع أيضا على خشب و على خشب،و في المثل:«لسان من رطب،و يد من خشب»يضرب فيمن يلين في قوله،و يشتدّ في فعله.

و على خشبان.[ثمّ استشهد بشعر]

(معجم الأخطاء الشّائعة:78)

المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما استطال و خشن،و هو مفهوم كلّيّ يصدق على الخشن المرتفع من الجبال،و على السّيف الغليظ الصّلب،و كذلك في السّهم و الرّجل و الأرض المستطيل،و الجبهة.

و أمّا التّخشّب و الاخشيشاب:فمن الاشتقاق الانتزاعيّ.

وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ المنافقون:4،أنّهم مثل خشب صلبة خشنة مستطيلة مسنّدة على الجدار،لا تلين قلوبهم و لا تعقّل عندهم و هم لا يتدبّرون و لا يستبصرون و لا يهتدون سبيلا.

و لا يخفى أنّ المصداق الأتمّ من هذا المفهوم،هو ما غلظ من العيدان،و ما صلب من الأغصان،ثمّ يقاربه السّيف الصّلب و غيره.

و أمّا مفهوم الخلط في قولهم:خشب الشّيء بالشّيء،و نسب مخشوب:فبلحاظ كونه موجبا لرفع الخلوص و الصّفا و اللّطف.

و أمّا مفهوم الانتقاء و الشّحذ في قولهم:سيف خشيب،و خشب السّيف:فباعتبار حصول الاستقامة و الاستطالة و رفع الاعوجاج و الضّعف و اللّين في مرتبة،تشبيها بالغصن الصّافي المستقيم الصّلب المحكم.

فظهر اللّطف في التّعبير في الآية الكريمة بهذه المادّة دون الغصن و غيره،فإنّ فيها الدّلالة على الصّلب و الاستطالة و فقد الشّعور.

و أمّا التّقييد بقوله: مُسَنَّدَةٌ ليشار بها إلى فقدان الحركة و الاختيار و الاتّكاء بالنّفس و القيام بنفسه.(3:60)

النّصوص التّفسيريّة

خشب

وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ... المنافقون:4

ابن عبّاس: خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ إلى الحائط،يقول:

ليس في قلوبهم نور و لا خير،كما أنّ الخشب اليابس ليس فيه روح و لا رطوبة.(472)

الإمام الباقر عليه السّلام:يقول:لا يسمعون و لا يعقلون.

(القمّيّ 2:370)

زيد بن عليّ: معناه جماعة خشب.(418)

الكلبيّ: إنّه شبّهم بالخشب المسنّدة،لأنّهم لا يسمعون الهدى و لا يقبلونه،كما لا تسمعه الخشب

ص: 36

المسنّدة.(الماورديّ 6:15)

الطّبريّ: يقول:كأنّ هؤلاء المنافقين خشب مسنّدة لا خير عندهم و لا فقه لهم و لا علم،و إنّما هم صور بلا أحلام،و أشباح بلا عقول.[إلى أن قال:]

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة و الكوفة،خلا الأعمش و الكسائيّ خُشُبٌ بضمّ الخاء و الشّين، كأنّهم وجّهوا ذلك إلى جمع الجمع،جمعوا الخشبة خشابا ثمّ جمعوا الخشاب خشبا،كما جمعت الثّمرة ثمارا،ثمّ ثمرا.

و قد يجوز أن يكون«الخشب»بضمّ الخاء و الشّين إلاّ أنّها جمع خشبة،فتضمّ الشّين منها مرّة،و تسكن أخرى،كما جمعوا الأكمة أكما و أكما بضمّ الألف و الكاف مرّة،و تسكين الكاف منها مرّة،و كما قيل:

البدن و البدن،بضمّ الدّال و تسكينها لجمع البدنة.

و قرأ ذلك الأعمش و الكسائيّ (خشب) بضمّ الخاء و سكون الشّين.

و الصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان،و لغتان فصيحتان،و بأيّتهما قرأ القارئ فمصيب و تسكين الأوسط فيما جاء من جمع فعلة على فعل في الأسماء على ألسن العرب أكثر و ذلك كجمعهم البدنة بدنا،و الأجمة أجما.(12:101)

الزّجّاج: كأنّه وصفهم بتمام الصّور و حسن الإبانة،ثمّ أعلم أنّهم في تركهم التّفهّم و الاستبصار بمنزلة الخشب،فقال: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [ثمّ ذكر القراءات و قال:]

و يجوز (خشب مسنّدة) فلا تقرأ بها إلاّ أن تثبت بها رواية،و خشبة و خشب مثل شجرة و شجر.

(5:176)

الأزهريّ: أراد و اللّه أعلم أنّ المنافقين في ترك التّفهّم و الاستبصار و وعي ما يسمعون من الوحي:

بمنزلة الخشب.(7:90)

الثّعلبيّ: أشباح بلا أرواح،و أجسام بلا أحلام.

قرأ الأعمش و الكسائيّ و أبو عمرو عن عابس و قيل عبّاس: (خشب) مخفّف بجزم الشّين،و هي قراءة البراء بن عازب،و اختيار أبي عبيد قال:المدّ مذهبها في العربيّة،و ذلك أنّ واحدتها:خشبة و لم تجد في كلامهم اسما على مثل«فعلة»تجمع«فعل»بضمّ الفاء و العين.و يلزم من فعلها أن ينقل البدن أيضا فيقرأ وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ الحجّ:36،لأنّ واحدتها«بدنة» أيضا.

و قرأ الآخرون بالتّثقيل و هي اختيار أبي حاتم و اختلف فيه عن ابن كثير و عاصم.

[في حديث]:«جاء رجل إلى ابن سيرين فقال:

رأيت حالي محتضن خشبة،فقال أحسبك من أهل هذه الآية،و تلا كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ» (9:320)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّه شبّههم بالنّخل القيام لحسن منظرهم.

الثّاني:شبّههم بالخشب النّخرة لسوء مخبرهم.

الثّالث:[قول الكلبيّ قد تقدّم](6:15)

الواحديّ: لا أرواح فيها فلا تعقل و لا تفهم، و كذلك المنافقون لا يسمعون الإيمان و لا يعقلونه.[ثمّ

ص: 37

ذكر كلام الزّجّاج و قال:]

و قوله(مسنّدة)أي ممالة إلى الجدار،من قولهم:

اسندت الشّيء،أي أملته.و التّفعيل للتّكثير،لأنّه صفة(خشب)و هي جمع،و أراد أنّها ليست بأشجار تثمر و تنمو أو تحسن منظرها بل هي خشب مسنّدة إلى حائط ثمّ عابهم بالجبن،فقال: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ (4:302)

نحوه البغويّ.(5:98)

الميبديّ: أي هم في قلّة تفقّههم و عدم عقلهم و تدبّرهم. خُشُبٌ منصوبة ممالة إلى الجدار.يقال:

أسندت الشّيء إذا أملته.التّثقيل للتّكثير و أراد أنّها ليست بأشجار تثمر و لكنّها خشب مسنّدة إلى حائط.

و قيل:أراد ب«الخشب المسنّدة»الّتي تأكّلت أجوافها ترى صحيحة من بعيد و هي خاوية متأكّلة، أي هم أشباح خاوية و أجسام عن المعنى خالية.[ثمّ ذكر القراءة و قال:]

في الخبر:«مثل المؤمن كمثل الخامة من الزّرع تميلها الرّيح مرّة هكذا و مرّة هكذا.و مثل المنافق مثل الأرزة المجذية على الأرض حتّى يكون انجعافها بمرّة».(10:114)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى قوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ؟

قلت:شبّهوا في استنادهم و ما هم إلاّ أجرام خالية عن الإيمان و الخير بالخشب المسنّدة إلى الحائط و لأنّ الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظانّ الانتفاع،و ما دام متروكا فارغا غير منتفع به أسند إلى الحائط فشبّهوا به في عدم الانتفاع.

و يجوز أن يراد بالخشب المسنّدة:الأصنام المنحوتة من الخشب المسنّدة إلى الحيطان،فشبّهوا بها في حسن صورهم و قلّة جدواهم...

و موضع كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ رفع على(هم)كأنّهم خشب.أو هو كلام مستأنف لا محلّ له.(4:109)

نحوه النّسفيّ(4:258)

الطّبرسيّ: أي كأنّهم أشباح بلا أرواح،شبّههم اللّه في خلوّهم من العقول و الأفهام بالخشب المسنّدة إلى شيء لا أرواح فيها.

و قيل:إنّه شبّههم بخشب نخرة متآكلة،لا خير فيها،و يحسب من رآها أنّها صحيحة سليمة من حيث إنّ ظاهرها يروق،و باطنها لا يفيد،فكذلك المنافق:

ظاهره معجب رائع،و باطنه عن الخير زائغ.

(5:292)

أبو البركات: (خشب) يقرأ بضمّ الشّين و سكونها،فمن قرأ بالضّمّ فعلى الأصل،و من قرأ بالسّكون فعلى التّخفيف ك«أسد و أسد».(2:440)

ابن عربيّ: أي أجرام خالية عن الأرواح لا نفع فيها و لا ثمرة،كالأخشاب المسنّدة إلى الجدران عند الجفاف،و زوال الرّوح النّامية عنها،فهم في زوال استعداد الحياة الحقيقيّة،و الرّوح الإنسانيّ بمثابتها.

(2:649)

القرطبيّ: [في رواية]كانوا رجالا أجمل شيء، كأنّهم خشب مسنّدة،شبّههم بخشب مسنّدة إلى الحائط لا يسمعون و لا يعقلون،أشباح بلا أرواح و أجسام

ص: 38

بلا أحلام.

و قيل:شبّههم بالخشب الّتي قد تآكلت فهي مسنّدة بغيرها لا يعلم ما في بطنها.[ثمّ ذكر القراءات]

(18:125)

البيضاويّ: حال من الضّمير المجرور في (قولهم)أي تسمع لما يقولونه مشبّهين بأخشاب منصوبة مسنّدة إلى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن العلم و النّظر...(2:478)

نحوه المشهديّ.(10:44)

أبو السّعود :قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ في حيّز الرّفع على أنّه خبر مبتدأ محذوف،أو كلام مستأنف لا محلّ له.شبّهوا في جلوسهم في مجالس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مستندين فيها بخشب منصوبة مسنّدة إلى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن العلم و الخير.

و قرئ(خشب)على أنّه جمع خشبة كبدن جمع بدنة.

و قيل هو جمع خشباء و هي الخشبة الّتي دعر، جوفها،أي فسد.شبّهوا بها في نفاقهم و فساد بواطنهم.

و قرئ (خشب) كمدرة و مدر.(6:251)

نحوه الشّوكانيّ(5:282)

الطّريحيّ: قوله تعالى: خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ بضمّتين و تسكن شينه،جمع«خشب»و هو وصف للمنافقين.كان عبد اللّه بن أبيّ رجلا جسيما فصيحا صبيحا،و قوم من المنافقين في مثل صفته،و كانوا يحضرون مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيستندون فيه، فشبّههم اللّه في عدم الانتفاع بحضورهم و إن كانت هياكلهم معجبة و ألسنتهم ذليقة بالخشب المستندة إلى الحائط و الأصنام المنحوتة من الخشب.(2:49)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و ابن عربيّ ثمّ قال:]

يقول الفقير فيه إشارة إلى أنّ الاستناد في مجالس الأكابر أو في مجالس العلم من ترك الأدب و لذا منع الإمام مالك رحمه اللّه هارون الرّشيد من الاستناد حين سمع منه«الموطّأ».

حكي أنّ ابراهيم بن أدهم قدّس سرّه كان يصلّي ليلة فأعيي فجلس و مدّ رجليه،فهتف به هاتف أ هكذا تجالس الملوك؟و كان الحريريّ لا يمدّ رجليه فى الخلوة،و يقول:حفظ الأدب مع اللّه أحقّ.و هذا من أدب من عرف معنى الاسم«المهيمن»فإنّ من عرف معناه يكون مستحييا من اطّلاعه تعالى عليه و رؤيته له،و هو«المراقبة»عند أهل الحقيقة و معناه علم القلب باطّلاع الرّبّ.

و دلّت الآية و كذا قوله عليه السّلام:«أنّه ليأتى الرّجل العظيم السّمين يوم القيامة لا يزن عند اللّه جناح بعوضة»على أنّ العبرة في الكمال و النّقصان بالأصغرين:اللّسان و القلب،لا بالأكبرين:الرّأس و الجلد فإنّ اللّه تعالى لا ينظر إلى الصّور و الأموال،بل إلى القلوب و الأعمال،فربّ صورة مصغّرة عند اللّه بمثابة الذّهب،و المؤمن لا يخلو من قلّة أو علّة أو ذلّة، و لا شكّ أنّ بالقلّة يكثر الهمّ الّذي يذيب اللّحم و الشّحم،و كذا بالعلّة يذوب البدن،و يطرأ عليه الذّبول.

ص: 39

و في الحديث«مثل المؤمن مثل السّنبلة يحرّكها الرّيح فتقوم مرّة و تقع أخرى،و مثل الكافر مثل الأرزة لا تزال قائمة حتّى تنقعر»

قوله:الأرزة-بفتح الهمزة و براء مهملة ساكنة،ثمّ زاي-شجر يشبه الصّنوبر يكون بالشّأم و بلاد الأرمن.و قيل:هو شجر الصّنوبر و الانقعار.

و فيه إشارة إلى أنّ المؤمن كثير الابتلاء في بدنه و ماله غالبا فيكفّر عن سيّئاته،و الكافر ليس كذلك فيأتي بسيّئاته كاملة يوم القيامة.(9:533)

شبّر:مسنّدة:إلى الحائط،في كونهم أشباحا خالية من العلم و النّظر.(6:220)

الآلوسيّ: كلام مستأنف لذمّهم لا محلّ له من الإعراب و جوّز أن يكون في حيّز الرّفع على أنّه خبر مبتدإ محذوف أي هم كأنّهم...و الكلام مستأنف أيضا.

و أنت تعلم أنّ الكلام صالح للاستئناف من غير تقدير،فلا حاجة إليه.[ثمّ ذكر نحو البيضاويّ و قال:]

و تعقّب بأنّ الحاليّة تفيد أنّ السّماع لقولهم لأنّهم كالخشب المسنّدة و ليس كذلك.[ثمّ قال نحو أبي السّعود إلى أن ذكر القراءات](28:111)

القاسميّ: أي في الخلوّ عن الفائدة،لأنّ الخشب إنّما تكون مسنّدة إذا لم تكن في بناء،أو دعامة لشيء آخر.

قال القاشانيّ: روي عن بعض الحكماء أنّه رأى غلاما حسنا وجهه،فاستنطقه لمظنّة ذكاءه و فطنته، فما وجد عنده معنى،فقال:«ما أحسن هذا البيت لو كان فيه ساكن»!و هذا معنى قوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ. [ثمّ ذكر مثل ابن عربيّ](16:5808)

طنطاوي:الخشب:جمع خشباء،و هي الخشبة الّتي نخرجونها،شبّهوا بها في حسن المنظر،و قبح المخبر.(24:182)

نحوه المراغيّ.(28:106)

سيّد قطب : تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ. و لكنّها ليست خشبا فحسب.إنّما هي خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ لا حركة لها ملطوعة بجانب الجدار!

هذا الجمود الرّاكد البارد يصوّرهم من ناحية فقه أرواحهم إن كانت لهم أرواح!و يقابله من ناحية أخرى حالة من التّوجّس الدّائم،و الفزع الدّائم، و الاهتزاز الدّائم.(6:3574)

عزّة دروزة : كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ تعبير تنديديّ يراد به وصفهم بفقد العقل و الرّوح،رغم ما هم عليه من الجسامة و الوسامة اللّتين تعجب النّاظر،فكأنّهم أخشاب مسنّدة بالدّعائم.(10:84)

مغنيّة:تمثال من خشب،و لكنّه يأكل و يشرب.

و كلّ من عمي عن الهدى فهو ميّت الأحياء.(7:331)

الطّباطبائيّ: ذمّ لهم بحسب باطنهم و الخشب بضمّتين:جمع خشبة،و التّسنيد:نصب الشّيء معتمدا على شيء آخر كحائط و نحوه.

و الجملة مسوقة لذمّهم و هي متمّمة لسابقتها، و المراد أنّ لهم أجساما حسنة معجبة و قولا رائعا ذا حلاوة،لكنّهم كالخشب المسنّدة أشباح بلا أرواح، لا خير فيها و لا فائدة تعتريها،لكونهم لا يفقهون.

(19:280)

ص: 40

عبد الكريم الخطيب:إشارة أنّ هذا الّذي يبدوا من المنافقين من حسن المظهر،و رقّة الكلام،و نعومة اللّفظ لا يعدو هذا الظّاهر من القوم،إنّهم أشبه بالخشب المسنّدة،لا حياة فيها،و لا وزن لها و إن زيّنت بالحليّ،و كسيت بالحرير.ثمّ إنّ المنافقين،و إن بدوا في ظاهرهم على صورة واحدة،فإنّهم في حقيقتهم أشتات متفرّقون،لا تجمعهم مشاعر الودّ،و لا تألف بينهم صلات هذا المعتقد الفاسد الّذي يدينون به.تماما كالخشب المسنّدة،كلّ كتلة منها قائمة إلى جوار غيرها،لا تشعر بها و لا تحسّ بوجودها.(14:960)

مكارم الشّيرازيّ: فأجسامهم خالية من الرّوح،و وجوههم كالحة،و كيانهم خاو منخور من الدّاخل،ليس لهم أيّة إرادة،و لا يتمتّعون بأيّة استقلاليّة كالأخشاب المسنّدة المكدّسة.(18:328)

فضل اللّه :في جمود الرّوح و برودة الحيويّة،حتّى كأنّ جلوسهم إلى الجدار في الشّكل الجامد،كما لو كانوا خشبا مرميّا على الجدار من دون معنى و لا حركة و لا حياة و لا نفع،لأنّ قيمة الخشب في الانتفاع به أن يكون جزءا من السّقف أو من الباب أو الجدار،لا أن يكون خشبا مرميّا على الجدار.

(22:230)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخشب،و هو ما غلظ من العيدان،واحدته:خشبة،و الخشّابة:باعة الخشب، و بيت مخشّب:ذو خشب،و تخشّبت الإبل:أكلت الخشب،و اليبيس من المرعى،و الإبل تتخشّب عيدان الشّجر،إذا تناولت أغصانه،و العرب تقول للقتيل:

كأنّه خشبة،و كأنّه جذع.

و الخشيب من الرّجال:الطّويل الجافي،العاري العظام مع شدّة و صلابة و غلظ،و كذلك هو من الجمال،و قد اخشوشب،أي صار خشبا،و هو الخشن و ظليم خشيب:خشن،فهو أخشب و خشب،و كلّ شيء غليظ خشن،فهو خشيب،على التّشبيه بالخشب،و اخشوشب الرّجل:صار صلبا خشنا في دينه و ملبسه و مطعمه و جميع أحواله،و مثله اجشوشب.

و الخشيب اليابس،تشبيها بالخشب،و جبهة خشباء:كريهة يابسة،و هي الخشبة أيضا.يقال:رجل أخشب الجبهة،و رجل قشب و خشب:لا خير عنده، و هو من المجاز.

و الخشب:الشّحذ،يقال:اختشب السّيف،إذا اتّخذه خشبا،و الخشبة:البردة الأولى قبل الصّقال، فهو خشيب،أي الخشن الّذي قد برد و لم يصقل و لا أحكم عمله.و يقال مجازا:هو يخشب الكلام و العمل،أي لا يحكمه و لا يجوّده،و خشب الشّعر يخشبه خشبا:يمرّه كما يجيئه،و لم يتأنّق فيه و لا تعمّل له.

و الخشب:الطّبع يقال:خشب السّيف يخشبه خشبا،أي طبعه،فهو مخشوب و خشيب.

و الخشب البري.يقال:خشبت النّبل خشبا،أي بريتها البري الأوّل و لم أفرغ منها،و خشبت القوس

ص: 41

أخشبها خشبا:عملتها عملها الأوّل،و هي خشيب، من قسيّ خشب و خشائب.

و الأخشب من القفّ:ما غلظ و خشن و تحجّر، و الجمع:أخاشب،و هي الخشباء،يقال:وقعنا في خشباء شديدة،و هي أرض فيها حجارة و حصى و طين.و جبل أخشب:خشن غليظ،و الخشبان:

الجبال الخشن الّتي ليست بضخام و لا صغار،و أكمة خشباء:و هي الّتي كأنّ حجارتها منثورة متدانية.

و من المجاز:الخشب:الخلط و الانتقاء،ضدّ.يقال:

خشبت الشّيء بالشّيء،أي خلطته به و خشبه يخشبه خشبا،فهو خشيب و مخشوب،و المخشوب:المخلوط في نسبه،و الّذي لم يرض و لم يحسّن تعليمه،مشبّه بالجفنة المخشوبة،و هي الّتي لم تحكم صنعتها.

2-و يجمع الخشب على خشب و خشب و خشبان،و لا يجمع على«أخشاب»،كما هو شائع في هذا العصر،و يكاد يستعمله النّاس قاطبة دون غيره من الجموع،قياسا بما ورد من الأسماء على«فعل»، فإنّه يجمع على«أفعال»،نحو:فرس و أفراس،و حمل و أحمال.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«خشب»مرّة في آية مدنيّة:

...وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ... المنافقون:4

يلاحظ أوّلا:أنّ الخشب وحيدة الجزر في القرآن، و فيها بحوث:

1-حذّر اللّه رسوله في سورة المنافقين من المنافقين فوصف فيها-كما في سور كثيرة-أفعالهم و أقوالهم، إلاّ أنّه وصف في هذه الآية دون سائر الآيات صفاتهم الظّاهرة بأنّ لهم أجساما تعجب النّبيّ و سائر المؤمنين، و منطقا ينجذبون إليه: وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ، فهذا امدح لهم مقدّمة لذمّهم.ثمّ ذمّهم بتشبيههم بعيدان مسمرة بسقف أو جدار: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ، و هذا التّشبيه يختصّ بهذه الآية دون سائر الآيات أيضا.

2-إن قيل:ما وجه الشّبه بين جمال الأجسام و الخشب المسنّدة؟

يقال:المشبّه هنا المنافقون بحالهم،و ليس بكيانهم و أجسامهم،إذ قال:(كانهم)و لم يقل كأنّها.

3-و في كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ بحوث أخرى:

الأوّل:اتّفقوا على أنّ المراد به:خلوّهم عن العقل و الفهم،و جاء عن الإمام الباقر عليه السّلام:«أي لا يسمعون و لا يعقلون»،لكنّهم اختلفوا في وجه التّشبيه على وجوه.

منها:أنّ الخشب المسنّدة هي الّتي لا ينتفع بها في سقف،أو باب،أو عمود و نحوها من منافع الخشب،بل هي مسنّدة إلى الحائط بلا أيّ فائدة،كذلك هذه الأجسام المعجبة حسنا خالية عن كلّ خير و عقل و فهم.و هذا ما جاء في أكثر التّفاسير،و على هذا فالمسنّدة هي الّتي أسند إلى الحائط،و التّفعيل فيه للتّكثير،لكونها صفة للجمع.

و أيّده بعضهم بأنّ المنافقين و على رأسهم عبد اللّه ابن أبيّ كان جسيما صبيحا فصيحا كانوا يحضرون

ص: 42

مجلس النّبيّ عليه السّلام،فيستندون فيه على الحائط.

و منها:أنّ الخشب المسنّدة هي النّخرة المتآكلة الّتي يحسب أنّها صحيحة،فظاهرها يروق و باطنها لا يفيد،و كذلك المنافقين فظاهرهم معجب رائع و باطنهم عن الخير زائغ.

و من قال به قال:«خشب»جمع خشباء و هي الخشبة الّتي دعر جوفها،أي فسد و هذا وجه جميل.

و منها:أنّها ليست أشجارا مثمرة قائمة على أصولها،بل خشبا مسنّدة.

و منها:ما جوّزه الزّمخشريّ،فقال:«و يجوز أن يراد:بالخشب المسنّدة:الأصنام المنحوتة من الخشب المسنّدة إلى الحيطان،فشبّهوا بها في حسن صورهم و قلّة جدواهم».

الثّانيّ: في محلّها من الإعراب قولان:

أوّلهما:أنّها حال من الضّمير المجرور في قولهم أي تسمع لما يقولونه مشبّهين بأخشاب مسنّدة إلى الحائط،في كونهم أشباحا خالية عن العلم و النّظر، كذا قيل.

و الصّواب:أنّها لو كانت حالا فهي حال عن الجملتين جميعا،أي تعجبك أجسامهم و تسمع لقولهم حال كونهم كأخشاب مسنّدة.

ثانيهما:أنّها كلام مستأنف مفسّر لما قبلها،و لا محلّ لها من الإعراب.و هذا هو الظّاهر،لأنّ ما بعدها يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ كلام مستأنف أيضا و سنبحثه.

الثّالث:في قراءتها،قرئت(خشب)بضمّتين و بضمّ الأوّل و سكون الثّاني،كلاهما جمع خشبة مثل «البدن و البدن»جمع البدنة.

و احتمل الطّبريّ،في الأولى أنّها جمع الجمع، حيث جمعوا الخشبة خشابا،ثمّ جمعوا الخشاب خشبا كما جمعت:الثّمرة:ثمارا،ثمّ«ثمرا»و هاتان كما قال الطّبريّ قراءتان مشهورتان يجوز القراءة بهما.

و عن البراء بن عازب،و اختاره أبو عبيدة(خشب)بفتح الأوّل و سكون الثّاني حكاها الثّعلبيّ و لم يذكرها الطّبريّ،كأنّه لم يجوّز القراءة بها.

4-و الّذي يلفت النّظر أنّ هذه الجملة تنفي عنهم أيّ شعور و حياة مرضية و مثمرة،في حين أنّ ما بعدها تثبت لهم شعورا و حياة مخيفة غير مرضية و لا مثمرة بل مضرّة بهم،و هي يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ.

5-قد جمع اللّه في الآية توصيفهم جسما و روحا، كلاهما في جملتين و بصفتي مدح و ذمّ،فالمدح تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ و الذّمّ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ.

و هذا تمثيل لما جاء في آية قبلها مدحا و ذمّا: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا.

و قد ختم اللّه الجملتين جميعا بالحكم الصّارم الجازم عليهم،فقال:في الأولى: فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ و في الثّانية: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ، المنافقون:3،4،فخصّ الأولى بجملتين ذمّا لهم روحا،و خصّ الثّانية بأربع جمل ذمّا لهم جسما و روحا و دعا عليهم.

ص: 43

ثانيا:يبدو من الآيات النّازلة في المنافقين أنّ اللّه تعالى لم يجابههم مجابهة مباشرة،كما جابه الكفّار في مكّة و المدينة،رغم أنّه تعالى عدّهم أعداء في هذه الآية، كما عدّ الشّيطان و الكفّار أعداء.و لعلّه أراد بذلك تحذير المسلمين و المنافقين معا.فأمّا تحضير المسلمين،فهو إعداد العدّة لهذه الفئة الخطيرة،و ألاّ يتهاونوا في شأنهم.و أمّا تحذير المنافقين،فهو كبح جماحهم و التّنديد بهم.

و هذا أسلوب نفسيّ يهدف إلى تقوية نفوس ضعفة الإيمان من المسلمين،و حرب باردة تكسر شوكة المنافقين.و أكمل مثال لذلك هو الآية الكريمة:

وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ المنافقون:4.

ثالثا:وردت في«ألواح»،دون ذكر لفظ الخشب، كما وردت صفة السّفينة دون ذكر لفظها أيضا في قوله: وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ القمر:13، و ستعرف سرّ ذلك في«ل و ح»إن شاء اللّه.

رابعا لا نظير لهذه المادّة في القرآن.

ص: 44

خ ش ع

اشارة

10 ألفاظ،17 مرّة:11 مكّيّة،6 مدنيّة

في 16 سور:11 مكّيّة 5 مدنيّة

خشعت 1:1 الخاشعين 2:-2

تخشع 1:-1 خاشعة 5:5

خاشعا 1:-1 الخاشعات 1:-1

خاشعون 1:1 خشّعا 1:1

خاشعين 3:2-1 خشوعا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخشوع:رميك ببصرك إلى الأرض.

و تخاشعت:تشبّهت بالخاشعين.

و رجل متخشّع متضرّع.

و الخشوع و التّخشّع و التّضرّع واحد،[ثمّ استشهد بشعر]

و أخشعت أي طأطأت الرّأس كالمتواضع.

و الخشوع[قريب]المعنى من الخضوع إلاّ أنّ الخضوع في البدن و هو الإقرار بالاستخدام (1)،و الخشوع في البدن و الصّوت و البصر قال اللّه عزّ و جلّ خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ المعارج:44، وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ طه:108،أي سكنت.

و الخشعة:قفّ غلبت عليه السّهولة.

قفّ خاشع و أكمة خاشعة أي ملتزمة لاطئة بالأرض.

و في الحديث:«كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض.(1:112)

خشع سنام البعير،إذا ذهب إلاّ أقلّه.

(ابن فارس 2:183)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخشّعة من الأرض الغليظ

ص: 45


1- جاء في كلام الأزهريّ و ابن فارس:الاستخذاء:بدل الاستخدام.

و المرتفع.(1:225)

أبو زيد :خشعت الشّمس و كسفت و خسفت، بمعنى واحد.(الأزهريّ 1:151)

ابن الأعرابيّ: الخشعة:الأكمة،و هي الحثمة، و السّروعة،و الصّائد،و القائدة.(الأزهريّ 1:151)

بلدة خاشعة:مغبرة.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن فارس 2:182)

شمر:قال أبو صالح الكلابيّ: خشوع الكواكب، إذا غارت فكادت تغيب في مغيبها.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 1:151)

ابن دريد :خشع الرّجل يخشع خشوعا فهو خاشع.

و للخشوع مواضع،فالخاشع:المستكين،و الخاشع :الرّاكع في بعض اللّغات.و الخاشع و المخبت سواء.

و الخشعة:قطعة من الأرض الغليظة.[ثمّ نقل حديث الكعبة و قال:]

و الخاشع:المطمئنّ من الأرض.

و خشع الرّجل خراشيّ صدره،إذا ألقى من صدره بزاقا لزجا.

و خشع ببصره،إذا غضّه،فهو خاشع.(2:223)

و الخشعة:الصّبيّ الّذي يبقر عنه بطن أمّه إذا ماتت و هو حيّ.(3:471)

الأزهريّ: سمعت العرب تقول للحثمة اللاّطئة بالأرض،هي الخشعة،و جمعها:خشع.

و قال أبو عدنان:خشعت الكواكب،إذا دنت من المغيب.

و خضعت أيدي الكواكب،إذا مالت لتغيب.

و سمعت العرب تقول:رأيت أرض بني فلان خاشعة هامدة ما فيها خضراء.

و خشع سنام البعير،إذا أنضي فذهب شحمه و تطأطأ شرفه.

و جدار خاشع،إذا تداعى و استوى مع الأرض.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قال ابن دريد:خشع الرّجل خراشيّ صدره،إذا رمى بها.

قلت:جعل خشع واقعا،و لم أسمعه لغيره.

(1:151)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و الخاشع:الأرض الّتي لا يهتدى لها.

و الخشّاع:الهجّاء.

و خشيعة القوم:أخسّهم.(1:120)

الجوهريّ: الخشوع:الخضوع.يقال:خشع و اختشع.و خشع ببصره،أي غضّه.

و بلدة خاشعة،أي مغبرة لا منزل بها.و مكان خاشع.

و الخشعة:مثال الصّبرة أكمة متواضعة.[ثمّ ذكر حديث الكعبة و قال:]

و التّخشّع:تكلّف الخشوع.(3:1204)

ابن فارس: الخاء و الشّين و العين أصل واحد، يدلّ على التّطامن.يقال:خشع،إذا تطامن.[ثمّ ذكر نحو الخليل و ابن دريد و أضاف:]

ص: 46

يقال:اختشع فلان و لا يقال:اختشع بصره.(2:182)

أبو هلال :الفرق بين الخشوع و الخضوع:أنّ الخشوع-على ما قيل-فعل يرى فاعله أنّ من يخضع له فوقه،و أنّه أعظم منه،و الخشوع:في الكلام خاصّة و الشّاهد قوله تعالى وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ طه:108.

و قيل:هما من أفعال القلوب و قال ابن دريد:

يقال:خضع الرّجل للمرأة و أخضع،إذا ألان كلامه لها،قال:و الخاضع:المطأطئ رأسه و عنقه.و في التّنزيل: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ الشّعراء:4.

و عند بعضهم أنّ الخشوع لا يكون إلاّ مع خوف الخاشع المخشوع له،و لا يكون تكلّفا،و لهذا يضاف إلى القلب فيقال:خشع قلبه و أصله:«ألبس»و منه يقال قفّ خاشع:للّذي تغلب عليه السّهولة، و الخضوع هو التّطامن و التّطأطؤ،و لا يقتضي أن يكون معه خوف،و لهذا لا يجوز إضافته إلى القلب، فيقال خضع قلبه.و قد يجوز أن يخضع الانسان تكلّفا من غير أن يعتقد أن المخضوع له فوقه،و لا يكون الخشوع كذلك.

و قال بعضهم الخضوع قريب المعنى من الخشوع، إلاّ أنّ الخضوع في البدن،و الاقرار بالاستخذاء و الخشوع في الصّوت.(206)

الهرويّ: الخشوع:السّكون و الذّلل،يقال:

خشع له،و تخشّع.[ثمّ ذكر كلام الخليل و حديث الكعبة و قال:]

و رواه بعضهم«خشفة»فهي الحثمة اللّطيّة بالأرض و الجمع:خشع.[ثمّ استشهد بشعر و قال:] و من روا«خشفة»أي ليس بحجر و لا طين،و دحيت منها الأرض.(2:557)

ابن سيده: خشع يخشع خشوعا،و أخشع، و تخشّع:رمى ببصره نحو الأرض،و خفض صوته.

و قوم خشّع:متخشّعون.

و خشع بصره:انكسر،و لا يقال:أخشع.[ثمّ قال نحو الخليل و أضاف:]

و التّخشّع:نحو التّضرع.

و الخاشع.الرّاكع،في بعض اللّغات.

و الخاشع من الأرض:الّذي تثيره الرّياح لسهولته،فتمحو آثاره.

و الخشعة:الّذي ينقر عنه بطن أمّه.(1:129)

الخشوع:الخضوع و الذّلّ،خشع يخشع خشوعا و اختشع.

و خشع في صلاته و دعائه:أقبل بقلبه على ذلك.

و تخشّع:تضرّع.و الخشوع:قريب من الخضوع إلاّ أنّ الخشوع أكثر ما يستعمل في الصّوت و البصر، و الخضوع في الأعناق.(الإفصاح 1:632)

الطّوسيّ: [نحو الخليل:]و أصل الباب:من اللّين و السّهولة،من قولهم:نقا خاشعا:للأرض الّتي غلبت عليها السّهولة.

و الخاشع:الأرض الّتي لا يهتدى إليها بسهولة، لمحو الرّياح آثارها

و الخاشع،و المتواضع،و المتذلّل،و المسكين،بمعنى واحد.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 47

و خاشع:صفة مدح،لقوله: وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ الأحزاب:35،و إنّما خصّ الخاشع بأنّها لا تكبر عليه،لأنّ الخاشع قد تواطأ ذلك له، بالاعتياد له،و المعرفة بما له فيه،فقد صار بذلك،بمنزلة ما لا يشقّ عليه فعله،و لا يثقل تناوله.(1:204)

الرّاغب: الخشوع:الضّراعة،و أكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح.و الضّراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب،و لذلك قيل فيما روي:

«إذا ضرع القلب خشعت الجوارح».[ثمّ استشهد بآيات](148)

المدينيّ: في حديث جابر رضي اللّه عنه:«فخشعنا» أي فخشينا و خضعنا،و الخشوع في الصّوت و البصر كالخضوع في البدن.

و قيل:في تفسير قوله تعالى: اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ المؤمنون:2،خائفون.

و أصل الخشوع:التّطأطؤ،و جبل خاشع:

متطأطئ.(1:581)

ابن الأثير: فيه«كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض»الخشعة:أكمة لاطئة بالأرض، و الجمع:خشع.و قيل هو ما غلبت عليه السّهولة،أي ليس بحجر و لا طين.و يروى خشفة بالخاء و الفاء.

(2:34)

الصّغانيّ: خشوع الكواكب:دنوّها من الغروب.

خشعان:من قرى اليمن.(4:239)

الفيّوميّ: خشع خشوعا،إذا خضع،و خشع في صلاته و دعائه أقبل بقلبه على ذلك،و هو مأخوذ من خشعت الأرض إذا سكنت و اطمأنّت.(1:170)

الجرجانيّ: الخشوع و الخضوع و التّواضع:بمعنى واحد،و في اصطلاح أهل الحقيقة الخشوع:الانقياد للحقّ،و قيل:هو الخوف الدّائم في القلب.

و قيل:من علامات الخشوع أنّ العبد إذا غضب أو خولف أو ردّ عليه استقبل،ذلك بالقبول.(44)

الفيروزآباديّ: الخشوع:الخضوع،كالاختشاع و الفعل:كمنع،أو قريب من الخضوع،أو هو في البدن، و الخشوع في الصّوت و البصر،و السّكون و التّذلّل

و في الكوكب:دنوّه من الغروب.

و الخاشع:المكان المغبرّ لا منزل به،و المكان لا يهتدى،و المستكين،و الرّاكع.

و خشع السّنام:ذهب إلاّ أقلّه،و فلان خراشيّ صدره فخشعت هي إذا ألقى بزاقا لزجا.

و الخشعة،بالكسر:الصّبيّ يلزق عنه بطن أمّه إذا ماتت.

و بالضّمّ:القطعة من الأرض الغليظة،و الأكمة اللاّطئة بالأرض،الجمع:كصرد.

و تخشّع:تضرّع.(3:18)

الطّريحيّ: و خشع في صلاته و دعائه،أي أقبل بقلبه على ذلك.

و الفرق بين الخشوع و الخضوع هو أنّ الخشوع في البدن و البصر و الصّوت.و الخضوع في البدن.و روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته،فقال:

«لو خشع قلبه لخشعت جوارحه»قال بعض الشّارحين:في هذا دلالة على أنّ الخشوع في الصّلاة

ص: 48

يكون في القلب و الجوارح،فأمّا في القلب فهو أن يفرغ قلبه بجمع الهمّة لها و الإعراض عمّا سواها،فلا يكون فيه غير العبادة و المعبودة،و أمّا في الجوارح فهو غضّ البصر و ترك الالتفات و العبث.

و عن عليّ عليه السّلام:هو أن لا يلتفت يمينا و لا شمالا، و لا يعرف من على يمينه و شماله.

و في الحديث:«فقال بخشوع:اللّه أكبر»أي بسكون و تذلّل و اطمئنان و انقطاع إلى اللّه تعالى.

و«الخشوع»نهر الشّاش كما وردت به الرّواية، و الشّاش-بشينين معجمتين-بلد بما وراء النّهر من الأنهر الّتي خرقها جبرئيل بإبهامه.

و«بختيشوع»الطّبيب:رجل نصرانيّ،و قد كان طبيبا للرّشيد،و له مع عليّ بن واقد قصّة مشهورة، حكاها المقداد في الكنز.(4:321)

مجمع اللّغة :الخشوع:السّكون و الإخبات.

و خشوع القلب:ضراعته و سكونه،و يتبعه سكون الجوارح.

و خشعت الأرض:كانت يابسة لم تنبت.

خشع يخشع خشوعا فهو خاشع و هي خاشعة و هم خاشعون و خشّع،و هنّ خاشعات.(1:355)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خشع خشوعا:تطامن و ذلّ و خضع.

و خشع القلب:سكن و تضرّع.

و خشع الصّوت:خفت.

و خشع البصر:انكسر.

و خشع الجبل:تداعى و تهاوى.

و خشعت الأرض:يبست و جفّت فلا تنبت.

و الخاشع:المتذلّل المتضرّع،و جمعه:خشّع.

(1:163)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو حالة تحصل من اللّينة و الوضيعة و القبول و الأخذ.و هذه الحالة تحقّقها في المرتبة الأولى في القلب،ثمّ تتجلّى ثانيا في البصر و السّمع،فإنّهما وسيلتا القبول و التّلقّي.

و هذا معنى خشوع البصر و خشوع الصّوت،أي جعل البصر و السّمع في مقام الانقياد و التّسليم، و الخفض و القبول،و التّلقّى و الطّاعة،و هذا في مقابل حدّة البصر و رفع الصّوت الكاشفين عن الاستكبار و الخلاف وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ النّحل:78.

و أمّا الخضوع:فهو جعل النّفس متواضعا و مطيعا و منقادا،راجع«الخضع».

و بهذا يظهر الفرق بين هذه المادّة و بين:الخضوع و الوضيعة و الاطمينان و الانقياد و الضّرع و غيرها.

فتفسير«الخشوع»بالتّطامن،و الاستكانة و الرّكوع،و الأرض الغالب عليها السّهولة،و الخوف مع الخضوع،و التّطأطؤ،و انكسار البصر،و التّواضع، و رمي البصر نحو الأرض،و غيرها،كلّها إمّا من باب التّفسير باللّوازم أو بالآثار.و الأصل ما قلناه،و ليس له لفظ آخر مفرد ليفسّر به،كما في باقى الكلمات.

و بهذا يظهر لطف التّعبير بها في موارد استعمالها في الآيات الكريمة.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

ص: 49

فظهر أنّ خشوع البصر و خشوع الصّوت من آثار حقيقة الخشوع في النفس الإنسانيّ،و من آثاره أيضا:

الرّغبة،و الرّهبة،و المحبّة،و الانقياد،و الأخذ و القبول،و التّأثّر و الانفعال،و درك العظمة و الجلال و الجمال.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

فهذه المعاني من لوازم الخشوع و ممّا يلازمها مقارنا أو متأخّرا.(3:62)

النّصوص التّفسيريّة

خشعت

وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً.

طه:108

ابن عبّاس: ذلّت الأصوات.(266)

يقول:سكنت.(الطّبريّ 8:459)

نحوه السّديّ(348)،و النّفسيّ(3:66).

أي خضعت بالسّكون.[ثمّ استشهد بشعر]

(الماورديّ 3:426)

نحوه طنطاوي.(10:143)

ابن قتيبة :أي خفيت.(282)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:323)

الطّبريّ: و سكنت أصوات الخلائق للرّحمن فوصف الأصوات بالخشوع،و المعنى لأهلها إنّهم خضّع جميعهم لربّهم،فلا تسمع لناطق منهم منطقا إلاّ من أذن له الرّحمن.(8:459)

نحوه الثّعلبيّ(6:261)،و البغويّ(3:275)، و الخازن(4:227)،و مغنيّة(5:245).

السّجستانيّ: أي خفتت.(122)

الطّوسيّ: أي تخضع له،بمعنى أنّها تسكن،و لا ترفع في قول ابن عبّاس و الخشوع:الخضوع.[ثمّ استشهد بشعر](7:209)

القشيريّ: تنقطع الأوهام،و تقف الأفهام، و تنخنس العقول،و تندرس العلوم،و تتحيّر المعارف، و يتلاشى ما هو نعت الخلق،و يستولي سلطان الحقيقة، فعند ذلك لا عين و لا أثر،و لا رسم و لا طلل و لا غبر، في الحضور خرس،و على البساط فناء،و للرّسوم امتحاء،و إنّما الصّحّة على الثّبات.(4:149)

الواحديّ: سكتت و ذلّت و خضعت.(3:222)

الميبديّ: أي سكنت أصوات الخلائق لمهابة اللّه.

(6:178)

الزّمخشريّ: أي خفضت الأصوات من شدّة الفزع و خفتت.(2:544)

نحوه الفخر الرّازيّ(22:118)،و البروسويّ(5:

428).

ابن عطيّة: الخشوع:التّطامن و التّواضع،و هي الأصوات،استعارة بمعنى الخفاء و الاستسرار.(4:64)

ابن عربيّ: انخفضت كلّها،لأنّ الصّوت صوته فحسب.(2:61)

البيضاويّ: خفضت لمهابته.(2:61)

مثله أبو السّعود(4:310)،و المشهديّ(6:317).

الشّربينيّ: أي سكنت و ذلّت و تطامنت لخشوع أهلها.(2:485)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(8:838)

ص: 50

الشّريف العامليّ: الخشوع:التّواضع للّه عزّ و جلّ،و للنّبيّ و الأئمّة عليهم السّلام فيما أمروا به، و التّخضّع لهم و التّضرّع إليهم و إلى طاعتهم و ولايتهم فتأمّل.

و اعلم أنّ اللّه سبحانه قد ذكر أيضا الخشوع بالنّسبة إلى من هوى إلى أهل النّار،و المراد:الذّلّة الّتي تلزم أعداء الأئمّة يوم القيامة بسبب بروز كونهم حينئذ من أهل النّار،و عجزهم عن ذلك،و لهذا ورد عن الصّادق عليه السّلام في تأويل وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ الغاشية:2،أنّه قال:أي خاضعة لا تطيق الامتناع.

و منه يظهر المراد بالخضوع أيضا،فتأمّل.(141)

الآلوسيّ: أي خفيت لمهابته تعالى و شدّة هول المطلع.و قال ابن عبّاس رضى اللّه تعالى عنهما:

سكنت و الخشوع مجاز في ذلك.و قيل:لا مجاز، و الكلام على حذف مضاف،أي أصحاب الأصوات و ليس بذلك.(16:264)

ابن عاشور :الخشوع:الخضوع.و في كلّ شيء من الإنسان مظهر من الخشوع؛فمظهر الخشوع في الصّوت:الإسرار به،فلذلك فرّع عليه قوله: فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً.

و جملة وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ في موضع الحال من ضمير(يتبعون)و إسناد الخشوع إلى الأصوات مجاز عقليّ،فإنّ الخشوع لأصحاب الأصوات.أو استعير الخشوع لانخفاض الصّوت و إسراره،و هذا الخشوع من هول المقام.(16:184)

المصطفويّ: خشوع الأصوات مظهر خشوع القلب،فيحصل للصّوت خفض و لينة،و لا يجرى إلاّ على مجرى الانقياد و التّسليم.(3:63)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هدوء الأصوات أو خشوعها هذا،إمّا هو لهيمنة العظمة الإلهيّة على عرصة المحشر حيث يخضع لها الجميع،أو خوفا من الحساب و نتيجة الأعمال،أو لكليهما.(10:71)

فضل اللّه :فلا يملك أحد لنفسه شيئا للاعتراض أو للتّوقّف ليرفع صوته أمامه،بل هو يستسلم للدّعوة الموجّهة إليه.(15:156)

تخشع

أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ... الحديد:16

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أوّل ما يرفع من النّاس الخشوع.

(الطّبريّ 11:681)

ابن عبّاس: أن تلين و تذلّ و تخلص قلوبهم.

(458)

نحوه الواحديّ(4:249)،و البغويّ(5:30)، و الطّبرسيّ(5:238)،و القرطبيّ(17:248)،و الخازن (7:29)،و الشّربينيّ(4:208).

تطيع قلوبهم.(الطّبريّ 11:681)

الطّبريّ: أ لم يحن للّذين صدّقوا اللّه و رسوله أن تلين قلوبهم لذكر اللّه،فتخضع قلوبهم له.

(11:681)

الزّجّاج: و هذه الآية-و اللّه أعلم-نزلت في طائفة من المؤمنين حثّوا على الرّقّة و الرّحمة و الخشوع

ص: 51

.فأمّا من كان ممّن وصفه-عزّ و جلّ-بالخضوع و الرّقّة و الرّحمة فطائفة من المؤمنين فوق هؤلاء.

(5:125)

عبد الجبّار: و ربّما قيل في قوله تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ... أ ليس ذلك يدلّ على أنّ الّذين آمنوا لم يكونوا خاشعين،و أنّه كان فيهم من هو قاسي القلب،و ذلك بخلاف قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ المؤمنون:1،2؟

و جوابنا:أنّ المؤمن لا يكون في الجملة إلاّ خاشعا خاضعا للّه،و إنّما أمر تعالى أن يخشعوا لذكر اللّه و عند سماع القرآن،لأنّ فيهم من يسمع غافلا لاهيا،فهو كقوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ النّساء:82.

(416)

الماورديّ: و في: أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ ثلاثة تأويلات:

أحدها:أن تلين قلوبهم لذكر اللّه.

الثّاني:أن تذلّ قلوبهم من خشية اللّه.

الثّالث:أن تجزع قلوبهم من خوف اللّه.(5:478)

الطّوسيّ: أي تخضع لسماع ذكر اللّه و يخافون عقابه.[ثمّ ذكر نحو الزّجّاج و أضاف:]

و الخشوع لين القلب للحقّ بالانقياد له،و مثله الخضوع،و ضدّه قسوة القلب.(9:528)

القشيريّ: أ لم يحن للّذين آمنوا أن تتواضع قلوبهم و تلين لذكر اللّه و للقرآن و ما فيه من العبر؟.

(6:107)

الميبديّ: الخشوع:هو الخبوع و الخضوع،و أصله:

الاتّضاع للحقّ مع الخلق،و إخبات القلب.و سمّى اللّه الأرض خاشعة و الأبصار خاشعة يوم القيامة.

(9:494)

ابن عطيّة: الخشوع:الإخبات و التّطامن و هي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب،فلذلك خصّ تعالى القلب بالذّكر.(5:264)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في قوله: أَ لَمْ يَأْنِ...

فقال بعضهم:نزل في المنافقين الّذين أظهروا الإيمان و في قلوبهم النّفاق المباين للخشوع،و القائلون بهذا القول لعلّهم ذهبوا إلى أن المؤمن لا يكون مؤمنا في الحقيقة إلاّ مع خشوع القلب،فلا يجوز أن يقول تعالى ذلك إلاّ لمن ليس بمؤمن.

و قال آخرون:بل المراد من هو مؤمن على الحقيقة،لكن المؤمن قد يكون له خشوع و خشية،و قد لا يكون كذلك.ثمّ على هذا القول تحتمل الآية وجوها: (1)

أحدها:لعلّ طائفة من المؤمنين ما كان فيهم مزيد خشوع و لا رقّة،فحثّوا عليه بهذه الآية.

و ثانيها:لعلّ قوما كان فيهم خشوع كثير،ثمّ زال منهم شدّة ذلك الخشوع فحثّوا على المعاودة إليها.

(29:228)

أبو حيّان :و المعنى:قرب وقت الشّيء. أَنْ تَخْشَعَ :تطمئنّ و تخبت،هو من عمل القلب،و يظهرن.

ص: 52


1- و قد ذكر وجهين.

في الجوارح.(8:222)

أبو السّعود :استئناف ناع عليهم تثاقلهم في أمور الدّين،و رخاوة عقدهم فيها،و استبطاء لانتدابهم لما ندبوا إليه بالتّرغيب و التّرهيب و روى أنّ المؤمنين كانوا مجدبين بمكّة،فلمّا هاجروا أصابوا الرّزق و النّعمة و فتروا عمّا كانوا عليه.(6:204)

البروسويّ: الخشوع:ضراعة و ذلّ،أي أ لم يجئ وقت أن تخشع قلوبهم لذكر اللّه تعالى و تطمئنّ به و يسارعوا إلى طاعته بالامتثال لأوامره و الانتهاء عمّا نهوا عنه من غير توان و لا فتور.

قال بعضهم:الذّكر إن كان غير القرآن يكون المعنى أن ترقّ و تلين قلوبهم إذا ذكر اللّه فإنّ ذكر اللّه سبب لخشوع القلوب أيّ سبب ف«الذّكر»مضاف إلى مفعوله و اللاّم بمعنى الوقت.

و ان كان القرآن فهو مضاف إلى الفاعل و اللاّم للعلّة لمواعظ اللّه تعالى الّتى ذكرها في القرآن و لآياته الّتى تتلى فيه.(9:363)

الآلوسيّ: فسّر الخشوع للقرآن بالانقياد التّام لأوامره و نواهيه،و العكوف على العمل بما فيه من الأحكام من غير توان و لا فتور.

و الظّاهر أنّه اعتبر كون اللاّم صلة الخشوع، و جوّز كونها للتّعليل على أوجه الذّكر،فالمعنى أ لم يأن لهم أن ترقّ قلوبهم لأجل ذكر اللّه تعالى و كتابه الحقّ النّازل،فيسارعوا إلى الطّاعة على أكمل وجوهها.

و في الآية حضّ على الخشوع.(27:180)

القاسميّ: أي أن تلين و ترقّ و تخلص قلوبهم لذكر اسمه الكريم،و ما يوجبه من الوجل منه و الخشية،أو لذكر وعده و وعيده.(16:5685)

نحوه المراغيّ.(27:172)

ابن عاشور :و أَنْ تَخْشَعَ فاعل(يان)، و الخشوع:الاستكانة و التّذلّل.[إلى أن قال:]

و معنى الخشوع لأجله:الخشوع المسبّب على سماعه و هو الطّاعة و الامتثال.(27:353)

المصطفويّ: بأن تلين قلوبهم و تنقاد و تطيع و تسلّم قلوبهم في مقابل ذكر اللّه المتعال.(3:62)

مكارم الشّيرازيّ: إلى متى هذه الغفلة؟

بعد ما وجّهت الآيات السّابقة مجموعة من الإنذارات الصّارمة و التّنبّهات الموقظة،و بيّنت المصير المؤلم للكفّار و المنافقين في يوم القيامة،جاءت الآية الأولى مورد البحث بشكل استخلاص نتيجة كلّيّة من ذلك،فتقول: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا...

تَخْشَعَ من مادّة خشوع،بمعنى حالة التّواضع مقترنة بالأدب الجسميّ و الرّوحيّ؛حيث تنتاب الإنسان هذه الحالة-عادة-مقابل حقيقة مهمّة، أو شخصيّة كبيرة.

و من الواضح أنّ ذكر اللّه عزّ و جلّ إذا دخل أعماق روح الإنسان،و سماع الآيات القرآنيّة بتدبّر،فإنّها تكون سببا للخشوع،و القرآن الكريم هنا يلوم بشدّة قسما من المؤمنين لعدم خشوعهم أمام هذه الامور.

لأنّه قد ابتلى كثير من الأمم السّابقة بمثل هذا من الغفلة و الجهل.و هذه الغفلة تؤدّي إلى قساوة القلب و بالتّالي إلى الفسق و العصيان.

ص: 53

و لهذا هل نقتنع بادّعاء الإيمان،و العيش في رفاه و الانشغال بالأكل و الشّرب،و نمرّ أمام هذه المسائل المهمّة ببساطة؟و هل أنّ أعمالنا و مسئوليّاتنا تتناسب مع الإيمان الّذي ندّعيه؟

هذه التّساؤلات لا بدّ من الإجابة عنها مع أنفسنا بهدوء و موضوعيّة.[إلى أن قال:]

إنّ آية: أَ لَمْ يَأْنِ... من الآيات المثيرة في القرآن الكريم،حيث تليّن القلب،و ترطّب الرّوح و تمزّق حجب الغفلة و تعلن منبّهة:أ لم يأن للقلوب المؤمنة أن تخشع مقابل ذكر اللّه و ما نزّل من الحقّ!و تحذّر من الوقوع في شراك الغفلة،كما كان بالنّسبة لمن سبق حيث آمنوا و تقبّلوا آيات الكتاب الإلهيّ،و لكن بمرور الزّمن قست قلوبهم.

لذلك نلاحظ بصورة مستمرّة أنّ أفرادا مذنبين جدّا قد هداهم اللّه إلى طاعته بعد سماعهم هذه الآية الّتي وقعت في نفوسهم كالصّاعقة،و أيقظتهم من سباتهم و غفلتهم الّتي كانوا فيها،و لهذا شواهد عديدة؛ حيث تنقل لنا كتب التّاريخ العديد منها،حتّى أنّ البعض منهم أصبح في صفّ الزّهّاد و العبّاد،و من جملتهم العابد المعروف فضيل بن عياض الزّاهد.

(18:45-48)

فضل اللّه :خشوع قلوب المؤمنين لذكر اللّه

قد يحتاج المؤمنون في خصوصيّتهم الإيمانيّة،من حيث عمقها في الرّوح و فاعليّتها في الشّعور و الوجدان إلى هزّة روحيّة،تخاطب أفكارهم و مشاعرهم،حتّى لا يتجمّد فيها الإيمان،فيتحوّل إلى معادلة عقليّة لا تحمل أيّ نبض في الرّوح،أو يزحف إليهم الباطل فتخشع قلوبهم لرموزه،و حتّى لا تتحجّر القلوب فلا تخشع لذكر اللّه،و لعظمة الحقّ في الإسلام،ممّا يفرض عليهم أن يتعمّقوا في التّصور، ليتعرّفوا إلى اللّه في مواقع عظمته و أسرار قدرته، و يستغرقوا في مواضع نعمه،ليدركوا أنّه وحده الّذي يملك الأمر كلّه،و يهيمن على الوجود بكلّ موجوداته و حركته.

ثمّ لا بدّ لهم من أن يستعيدوا في وعيهم العقليّ و في وجدانهم الرّوحيّ الآيات الّتي أنزلها اللّه على رسوله، في ما تشتمل عليه من حقائق العقيدة و نظام الشّريعة و منهج الفكر و الحياة و حركة الإنسان في الواقع، ليدركوا أنّ هذا الفكر الّذي يستمدّ حيويّته و قوّته من وحي اللّه،هو الفكر الّذي يجب أن يلتزموه،و أن يتمثّلوه في وجدانهم،و أن يحملوه في حركتهم في الحياة،كعنوان للانتماء و للوعي و للحياة،لأنّ ذلك هو الّذي يحميهم من الانحراف،و ينقذهم من الضّلال، و يعمّق في داخلهم و في امتداد مسيرتهم على مدى الزّمن معنى الرّقة في القلب و الخشوع في الرّوح،حتّى لا تؤثّر عليهم المؤثّرات السّلبيّة الّتي ترهق القلب، و تجفّف ينابيع الرّوح.

أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا... قد يكون هذا الحديث للمؤمنين الّذين يستعجلهم اللّه للحصول على حالة الخشوع القلبيّ الّذي يجعل كيان المؤمن كلّه خاشعا له، في اهتزاز الشّعور بالعظمة و النّعمة في إيحاءاته بالمحبّة من جهة،و الخوف من جهة أخرى،حيث يمتزجان في

ص: 54

كلّ مشاعره و أحاسيسه و أفكاره،ليجعلا منه الإنسان المنفتح على اللّه الخاضع له...(22:30)

خاشعا

لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ.

الحشر:21

ابن عبّاس: خاضعا مستكينا ممّا في القرآن من الوعد و الوعيد.(466)

لو أنّي أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إيّاه تصدّع و خشع من ثقله،و من خشية اللّه،فأمر اللّه عزّ و جلّ النّاس إذا أنزل عليهم القرآن،أن يأخذوه بالخشية الشّديدة و التّخشّع،قال: وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ (الطّبريّ 12:51)

نحوه الضّحّاك.(الدّرّ المنثور 8:121)

قتادة :يعذّر اللّه الجبل الأصمّ،و لم يعذّر شقيّ ابن آدم،هل رأيتم أحدا قطّ تصدّعت جوانحه من خشية اللّه.(الطّبريّ 12:51)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:لو أنزلنا هذا القرآن على جبل،و هو حجر،لرأيته يا محمّد خاشعا؛يقول:

متذلّلا متصدّعا من خشية اللّه على قساوته،حذرا من أن لا يؤدّي حقّ اللّه المفترض عليه في تعظيم القرآن.

و قد أنزل على ابن آدم و هو بحقّه مستخفّ،و عنه عمّا فيه من العبر و الذّكر معرض،كأن لم يسمعها، كأنّ في أذنيه و قرا.(12:51)

الزّجّاج: أعلم اللّه عزّ و جلّ أنّ من شأن القرآن و عظمته و بيانه أنّه لو جعل في الجبل تمييز كما جعل فيكم،و أنزل عليه القرآن لخشع و تصدّع من خشية اللّه.و معنى«خشع»:تطأطأ و خضع.و معنى«تصدّع»:

تشقّق.(5:150)

نحوه الفخر الرّازيّ.(29:292)

الثّعلبيّ: ذليلا خاضعا.(9:286)

الزّمخشريّ: هذا تمثيل و تخييل كما مرّ في قوله تعالى: إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ الأحزاب:72،و قد دلّ عليه قوله: وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ.

و الغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه،و قلّة تخشّعه عند تلاوة القرآن و تدبّر قوارعه و زواجره.

(4:87)

نحوه البيضاويّ(2:486)،و ابن جزيّ(4:111)، و شبّر(6:193)،و الكاشانيّ(5:159).

ابن عطيّة: موعظة للإنسان أو ذمّ لأخلاقه في غفلته و إعراضه عن داعي اللّه تعالى،و ذلك أنّ القرآن نزل عليهم و فهموه و أعرضوا عنه،و هو لو نزل على جبل و فهم الجبل منه ما فهم الإنسان،لخشع و استكان و تصدّع خشية للّه تعالى.و إذا كان الجبل على عظمه و قوّته يفعل هذا،فما عسى أن يحتاج ابن آدم يفعل؟ لكنّه يعرض و يصدّ على حقارته و ضعفه.

و ضرب اللّه تعالى هذا المثل ليتفكّر فيه العاقل و يخشع و يلين قلبه.(5:291)

نحوه الثّعالبيّ.(3:321)

ابن عربيّ: أي قلوبهم أقسى من الحجر في عدم التّأثّر و القبول،إذا الكلام الإلهيّ بلغ من التّأثير ما لا

ص: 55

إمكان للزّيادة وراءه،حتّى لو فرض إنزاله على جبل لتأثّر منه بالخشوع و الانصداع.(2:626)

القرطبيّ: حثّ على تأمّل مواعظ القرآن،و بيّن أنّه لا عذر في ترك التّدبّر؛فإنّه لو خوطب بهذا القرآن الجبال مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه، و لرأيتها على صلابتها و رزانتها خاشعة متصدّعة؛أي متشقّقة من خشية اللّه.

و الخاشع:الذّليل.و المتصدّع:المتشقّق.

و قيل: خاشِعاً للّه بما كلّفه من طاعته.

مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ أن يعصيه فيعاقبه.

و قيل:هو على وجه المثل للكفّار(18:44)

نحوه الشّوكانيّ(5:254)

النّسفيّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و جائز أن يكون هذا تمثيلا،كما في قوله إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ الأحزاب:72،و يدلّ عليه قوله:

وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ و هي إشارة إلى هذا المثل،و إلى أمثاله في مواضع من التّنزيل،و المراد توبيخ الإنسان على قسوة قلبه و قلّة تخشّعه عند تلاوة القرآن و تدبّر قوارعه و زواجره.

(4:244)

نحوه المراغيّ.(28:57)

الخازن :[نحو الزّجّاج و أضاف:]

و المعنى أنّ الجبل مع صلابته و رزانته مشفق من خشية اللّه،و حذر من أن لا يؤدّي حقّ اللّه تعالى في تعظيم القرآن.و الكافر مستخفّ بحقّه،معرض عمّا فيه من العبر و الأحكام،كأنّه لم يسمعها.وصفه بقساوة القلب فهو غافل عمّا يتضمّنه القرآن من المواعظ و الأمثال و الوعد و الوعيد،و تمييز الحقّ من الباطل و الواجب ممّا لا يجب،بأحسن بيان و أوضح برهان.

و من وقف على هذا و فهمه أوجب له الخشوع و الخشية و هذا تمثيل لأنّ الجبل لا يتصوّر منه الخشوع و الخشية إلاّ أن يخلق اللّه تعالى له تمييزا و عقلا.(7:60)

نحوه طنطاوي.(24:151)

أبو حيّان :هذا من باب التّخييل و التّمثيل،كما مرّ في قوله تعالى: إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ الأحزاب:72،و دلّ على ذلك: وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ و الغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه،و عدم تأثّره لهذا الّذي لو أنزل على الجبل لتخشّع و تصدّع،و إذا كان الجبل على عظمه و تصلّبه يعرض له الخشوع و التّصدّع،فابن آدم كان أولى بذلك،لكنّه على حقارته و ضعفه لا يتأثّر.(8:251)

نحوه ابن كثير.(6:615)

الشّربينيّ: متذلّلا باكيا.(4:257)

نحوه القاسميّ.(16:5752)

البروسويّ: [نحو الخازن و أضاف:]

يقول الفقير فيه ذهول عن أنّ اللّه تعالى خلق الأشياء كلّها ذات حياة و إدراك في الحقيقة و إلاّ لما اندكّ الجبل عند التّجلّي،و لمّا شهد للمؤذّن كلّ رطب و يابس سمع صوته،و نحو ذلك.

و قد كاشف عن هذه الحياة أهل اللّه و غفل عنها المحجوبون على ما حقّق مرارا،نعم فرق بين الجبل عند التّجلّي،و عند ما أنزل عليه القرآن و بينه عند

ص: 56

الاستتار و عدم الإنزال فإنّ أثر الحياة في الصّورة الأولى محسوس مشاهد للعامّة و الخاصّة و أمّا في الصّورة الثّانية فمحسوس للخاصّة فقط،فاعرف.

(9:452)

المصطفويّ: فيحصل له حالة ليّنة و خفض و تأثّر و قبول و محبّة،في قبال تجلّي العظمة.و المراد من الإنزال على الجبل:التّوجّه بعظمة كلمات اللّه العزيز إليه.(3:63)

مكارم الشّيرازيّ: لو نزّل القرآن على جبل لتشقّق:

تكملة للآيات السّابقة الّتي كانت تهدف إلى تحريك النّفوس و القلوب الإنسانيّة،و خاصّة عن طريق التّذكير بالنّهاية الّتي يكون عليها الإنسان، و المصير الّذي ينتظره،و الّذي يجدر أن يهيّئه في أبهى و أفضل صورة.

تأتي هذه الآيات المباركات الّتي هي آخر آيات سورة الحشر،و الّتي تأخذ بنظر الاعتبار مجمل ما ورد من آيات هذه السّورة،لتوضّح حقيقة أخرى حول القرآن الكريم،و هي:أنّ هذا الكتاب المبارك له تأثير عميق جدّا حتّى على الجمادات،حيث إنّه لو نزّل على الجبال لهزّها و حرّكها و جعلها في وضع من الاضطراب المقترن بالخشوع..إلاّ أنّه-مع الأسف- هذا الإنسان القاسي القلب يسمع آيات اللّه تتلى عليه و لا تتحرّك روحه و لا يخشع قلبه حيث يقول سبحانه في البداية: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.

فسّر الكثير من المفسّرين هذه الآيات بأنّها تشبيه،و قالوا:إنّ الهدف من ذلك هو بيان أنّ هذه الآيات إذا نزلت على الجبال بكلّ صلابتها و قوّتها -بدلا من نزولها على قلب الإنسان-فإنّها تهتزّ و تضطرب إلى درجة أنّها تتشقّق،إلاّ أنّ قسما من النّاس ذوي القلوب القاسية و الّتي هي كالحجارة أو أشدّ قسوة لا يسمعون و لا يعون و لا يتأثّرون أدنى تأثير،و جملة: وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ اعتبرت دليلا و شاهدا على هذا الفهم.

و قد حملها البعض الآخر على ظاهرها و قالوا:

إنّ كلّ الموجودات في هذا العالم-و من جملتها الجبال- لها نوع من الإدراك و الشّعور الخاصّ بها،و إذا نزلت هذه الآيات عليها فإنّها ستتلاشى،و دليل هذا ما ورد في الآية(74)من سورة البقرة في وصف جماعة من اليهود،قال تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ.

و التّعبير ب«مثل»يمكن أن يكون بمعنى هذا الوصف،كما جاءت هذه الكلمة مرارا مجسّدة لنفس المعنى،و بناء على هذا،فإنّ التّعبير المذكور لا يتنافي مع هذا التّفسير.

و الشّيء الممكن ملاحظته هنا،أنّه تعالى يقول في البداية:إنّ الجبال تخشع و تخضع للقرآن الكريم، و يضيف أنّها تتشقّق،إشارة إلى أنّ القرآن الكريم ينفذ

ص: 57

تدريجيّا فيها،و بعد كلّ فترة تظهر عليها آثار جديدة من تأثيرات القرآن الكريم،إلى حدّ تفقد فيه قدرتها و استطاعتها،فتكون كالعاشق الواله الّذي لا قرار له ثمّ تنصدع و تنشقّ.(18:205)

فضل اللّه : لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً لأنّ طبيعة معانيه تؤثّر في العمق منه[الجبل]بالرّغم من الصّلابة و الضّخامة و الجمود الذّاتيّ فيه،و إذا كانت هذه هي الحال مع الجبل،فكيف يجب أن يتمثّله الإنسان المملوء وعيا و شعورا في انفعاله به،في ما يعيشه من خشية اللّه؟!(22:134)

خاشعون

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ. المؤمنون:1،2

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا يزال اللّه مقبلا على العبد و هو في صلاته ما لم يلتفت،فإذا التفت انصرف عنه».

[و في رواية:] أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصّلاة، فقال:«لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه».

(البغويّ 3:358)

«ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب،فهو عندنا نفاق».(الكاشانيّ 3:393)

الإمام عليّ عليه السّلام: [سئل عن هذه الآية فقال:] «لا تلتفت في صلاتك».

[و في حديث:] «الخشوع في القلب،و أن تلين للمرء المسلم كنفك،و لا تلتفت».(الطّبريّ 9:197)

عائشة: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الالتفات في الصّلاة،فقال:«هو اختلاس يختلسه الشّيطان من صلاة العبد».(البغويّ 3:357)

أبو هريرة: كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يرفعون أبصارهم إلى السّماء في الصّلاة،فلمّا نزل اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ رموا بأبصارهم إلى مواضع السّجود.(البغويّ 3:358)

ابن عبّاس: مخبتون متواضعون لا يلتفتون يمينا و لا شمالا،و لا يرفعون أيديهم في الصّلاة.(284)

يقول:خائفون ساكنون.

نحوه النّخعيّ.(الطّبريّ 9:198)

و نحوه الحسن و قتادة(البغويّ 3:357)

سعيد بن جبير: هو أن لا يعرف من على يمينه و لا من على شماله،و لا يلتفت من الخشوع للّه عزّ و جلّ.(البغويّ 3:357)

نحوه الرّبيع.(الثّعلبيّ 7:38)

النّخعيّ: الخشوع في القلب.(الطّبريّ 9:197)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 9:198)

تائبون.(الماورديّ 4:45)

مجاهد :السّكون فيها.(الطّبريّ 9:197)

الضّحّاك: وضع اليمين على الشّمال.

(أبو حيّان 6:395)

نحوه قتادة.(الثّعلبيّ 7:39)

الحسن :كان خشوعهم في قلوبهم،فغضّوا بذلك البصر،و خفضوا به الجناح.(الطّبريّ 9:197)

ابن سيرين: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا صلّى نظر إلى السّماء،فأنزلت هذه الآية: اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ

ص: 58

خاشِعُونَ فجعل بعد ذلك وجهه حيث يسجد.

(الطّبريّ 9:197)

هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك.

(البغويّ 3:357)

عطاء:هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصّلاة.(البغويّ 3:358)

التّخشّع في الصّلاة.(الطّبريّ 9:198)

قتادة :هو إلزامه موضع السّجود.

(الزّمخشريّ 3:25)

زيد بن عليّ: لا تطمح أبصارهم و لا يلتفتون.

(286)

الزّهريّ: سكون المرء في صلاته.

(الطّبريّ 9:197)

عمرو بن دينار:ليس الخشوع الرّكوع و السّجود و لكنّه السّكون،و حسن الهيئة في الصّلاة.

(الثّعلبيّ 7:38)

الرّبيع:هو أن لا يلتفت يمينا و لا شمالا.

(الثّعلبيّ 7:38)

الإمام الصّادق عليه السّلام:إذا دخلت في صلواتك فعليك بالتّخشّع و الإقبال على صلواتك،فإنّ اللّه تعالى يقول: اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ.

(الكاشانيّ 3:393)

مقاتل:يقول:متواضعون،يعني إذا صلّى لم يعرف من عن يمينه و من عن شماله.(3:152)

متواضعون على الخشوع في القلب،و أن تلين للمرء المسلم كنفك و لا تلتفت.(الثّعلبيّ 7:38)

ابن جريج:قال عطاء بن أبي رباح في قوله:

اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ قال:التّخشّع في الصّلاة.و قال لي غير عطاء:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا قام في الصّلاة نظر عن يمينه و يساره و وجاهه،حتّى نزلت:

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ فما رؤي بعد ذلك ينظر إلاّ إلى الأرض.

(الطّبريّ 9:198)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:الّذين هم في صلاتهم إذا قاموا فيها خاشعون،و خشوعهم فيها تذلّلهم للّه فيها بطاعته،و قيامهم فيها بما أمرهم بالقيام به فيها.

و قيل:إنّها نزلت من أجل أنّ القوم كانوا يرفعون أبصارهم فيها إلى السّماء قبل نزولها،فنهوا بهذه الآية عن ذلك.

و اختلف أهل التّأويل في الّذي عنى به في هذا الموضع من الخشوع،فقال بعضهم:عني به سكون الأطراف في الصّلاة.

و قال آخرون:عنى به الخوف في هذا الموضع.

و قد بيّنّا فيما مضى قبل من كتابنا،أنّ الخشوع:

التّذلّل و الخضوع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

و إذ كان ذلك كذلك،و لم يكن اللّه تعالى ذكره دلّ على أنّ مراده من ذلك معنى دون معنى في عقل و لا خبر، كان معلوما أنّ معنى مراده من ذلك العموم.و إذ كان ذلك كذلك،فتأويل الكلام ما وصفت من قبل،من أنّه:و الّذين هم في صلاتهم متذلّلون للّه بإدامة ما ألزمهم من فرضه و عبادته،و إذا تذلّل للّه فيها العبد رؤيت ذلّة خضوعه في سكون أطرافه و شغله بفرضه

ص: 59

و تركه ما أمر بتركه فيها.(9:196)

الرّمّانيّ: خاضعون.(الماورديّ 4:45)

الماورديّ: فيه خمسة أوجه.[ذكر أربعا و قال:]

الخامس:هو أن ينظر إلى موضع سجوده من الأرض،و لا يجوّز بصره مصلاّه.[ثمّ أيّده برواية قد مضت نحوها.](4:46)

الطّوسيّ: أي خاضعون متذلّلون للّه فيها.و قيل:

معناه يسعون،مقبلون على الصّلاة بالخضوع و التّذلّل لربّهم.[إلى أن قال:]

و الخشوع في الصّلاة هو الخضوع بجمع الهمّة لها، و الإعراض عمّا سواها،لتدبّر ما يجري فيها،من التّكبير و التّسبيح و التّحميد للّه،و تلاوة القرآن.و هو موقف الخاضع لربّه الطّالب لمرضاته بطاعاته.

(7:348)

القشيريّ: الخشوع في الصّلاة:إطراق السّرّ على بساط النّجوى باستكمال نعت الهيبة،و الذّوبان تحت سلطان الكشف،و الامتحاء عند غلبات التّجلّي.

و يقال:أدرك ثمرات القرب و فاز بكمال الأنس، من وقف على بساط النّجوى بنعت الهيبة،و مراعاة آداب الحضرة.و لا يكمل الأنس بلقاء المحبوب إلاّ عند فقد الرّقيب؛و أشدّ الرّقباء و أكثرهم تنغيصا لأوان القرب:النّفس،فلا راحة للمصلّي مع حضور نفسه،فإذا خنس عن نفسه و شاهده عدم إحساسه بآفات نفسه،و طاب له العيش،و تمّت له النّعمى، و تجلّت له البشرى،و وجد لذّة الحياة.(4:239)

الواحديّ: ساكتون متواضعون.(3:284)

البغويّ: الخشوع:قريب من الخضوع،إلاّ أنّ الخضوع في البدن،و الخشوع في القلب و البصر و الصّوت،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ طه:108.(3:356)

الميبديّ: الخشوع في الصّلاة غضّ الأطراف و ضبط السّرّ و تسكين الأطراف.[ثمّ ذكر بعض الأقوال المتقدّمة](6:416)

الزّمخشريّ: و كان الرّجل من العلماء إذا قام إلى الصّلاة هاب الرّحمن أن يشدّ بصره إلى شيء أو يحدّث نفسه بشأن من شأن الدّنيا.

و قيل:هو جمع الهمّة لها و الإعراض عمّا سواها.، و من الخشوع أن يستعمل الآداب فيتوقّى كفّ الثّوب و العبث بجسده و ثيابه و الالتفات و التّمطّي و التّثاؤب و التّغميض،و تغطية الفم و السّدل و الفرقعة و التّشبيك و الاختصار و تقليب الحصى.[إلى أن قال:]

فإن قلت:لم أضيفت الصّلاة إليهم؟قلت:لأنّ الصّلاة دائرة بين المصلّي و المصلّى له،فالمصلّي هو المنتفع بها وحده،و هي عدّته و ذخيرته فهي صلاته.

و أمّا المصلّى له فغنيّ متعال عن الحاجة إليها و الانتفاع بها.(3:25)

ابن العربيّ: الخشوع:هو الخضوع،و هو الإخبات،و الاستكانة،و هي ألفاظ مترادفة أو متقاربة أو متلازمة؛و قد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول في دعائه:

«خضع لك سوادي،و آمن بك فؤادي».

و حقيقته السّكون على حالة الإقبال الّتي تأهّب لها و احترم بها بالسّرّ في الضّمير،و بالجوارح في الظّاهر

ص: 60

الظّاهر؛فقد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لا يلتفت في صلاته خاشعا خاضعا.(3:1307)

ابن عطيّة: الخشوع:التّطامن و سكون الأعضاء و الوقار،و هذا إنّما يظهر ممّن في قلبه خوف و استكانة.

و روي أنّ سبب هذه الآية أنّ المسلمين كانوا يلتفتون في صلاتهم يمنة و يسرة فنزلت هذه الآية و أمروا أن يكون بصر المصلّي حذاء قبلته أو بين يديه، و في الحرم إلى الكعبة.(4:136)

مثله الثّعالبيّ.(2:417)

الطّبرسيّ: أي خاضعون،متواضعون،متذلّلون، لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم،و لا يلتفتون يمينا و لا شمالا.و روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته،فقال:«أما إنّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه»و في هذا دلالة على أنّ الخشوع في الصّلاة يكون بالقلب و بالجوارح.

فأمّا بالقلب فهو أن يفزع قلبه بجمع الهمّة لها، و الإعراض عمّا سواها،فلا يكون فيه غير العبادة و المعبود.

و أمّا بالجوارح فهو غضّ البصر،و الإقبال عليها، و ترك الالتفات و العبث.(4:99)

الفخر الرّازيّ: و اختلفوا في الخشوع،فمنهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف و الرّهبة،و منهم من جعله من أفعال الجوارح كالسّكون و ترك الالتفات، و منهم من جمع بين الأمرين و هو الأولى.

فالخاشع في صلاته لا بدّ و أن يحصل له ممّا يتعلّق بالقلب من الأفعال نهاية الخضوع و التّذلّل للمعبود، و من التّروك أن لا يكون ملتفت الخاطر إلى شيء سوى التّعظيم،و ممّا يتعلّق بالجوارح أن يكون ساكنا مطرقا ناظرا إلى موضع سجوده،و من التّروك أن لا يلتفت يمينا و لا شمالا،و لكنّ الخشوع الّذي يرى على الإنسان ليس إلاّ ما يتعلّق بالجوارح فإنّ ما يتعلّق بالقلب لا يرى.

قال الحسن و ابن سيرين:كان المسلمون يرفعون أبصارهم إلى السّماء في صلاتهم،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يفعل ذلك فلمّا نزلت هذه الآية طأطأ و كان لا يجاوز بصره مصلاّه.

فإن قيل:فهل تقولون:إنّ ذلك واجب في الصّلاة؟

قلنا:إنّه عندنا واجب و يدلّ عليه أمور:

أحدها:قوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها محمّد:24،و التّدبّر لا يتصوّر بدون الوقوف على المعنى،و كذا قوله تعالى: وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً المزّمّل:4،معناه قف على عجائبه و معانيه.

و ثانيها:قوله تعالى: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي طه:14،و ظاهر الأمر للوجوب،و الغفلة تضادّ الذّكر،فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيما للصّلاة لذكره.

و ثالثها:قوله تعالى: وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ الأعراف:205،و ظاهر النّهي للتّحريم.

و رابعها:قوله: حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ النّساء:

43،تعليل لنهي السّكران،و هو مطّرد في الغافل المستغرق المهتمّ بالدّنيا.

ص: 61

و خامسها:قوله عليه السّلام:«إنّما الخشوع لمن تمسكن و تواضع».و كلمة إنّما للحصر،و قوله عليه السّلام:«من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم يزدد من اللّه إلاّ بعدا»و صلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء،و قال عليه السّلام :«كم من قائم حظّه من قيامه التّعب و النّصب»و ما أراد به إلاّ الغافل،و قال أيضا:«ليس للعبد من صلاته إلاّ ما عقل».

و سادسها:قال الغزاليّ رحمه اللّه:المصلّي يناجي ربّه كما ورد به الخبر و الكلام مع الغفلة ليس بمناجاة البتّة.

و بيانه أنّ الإنسان إذا أدّى الزّكاة حال الغفلة فقد حصل المقصود منها على بعض الوجوه،و هو كسر الحرص و إغناء الفقير،و كذا الصّوم قاهر للقوى كاسر لسطوة الهوى الّتي هي عداوة اللّه تعالى.فلا يبعد أن يحصل منه مقصوده مع الغفلة،و كذا الحجّ أفعال شاقّة،و فيه من المجاهدة ما يحصل به الابتلاء سواء كان القلب حاضرا أو لم يكن.

أمّا الصّلاة فليس فيها إلاّ ذكر و قراءة و ركوع و سجود و قيام و قعود.

أمّا الذّكر فإنّه مناجاة مع اللّه تعالى،فإمّا أن يكون المقصود منه كونه مناجاة،أو المقصود مجرّد الحروف و الأصوات،و لا شكّ في فساد هذا القسم فإنّ تحريك اللّسان بالهذيان ليس فيه غرض صحيح.فثبت أنّ المقصود منه المناجاة و ذلك لا يتحقّق إلاّ إذا كان اللّسان معبّرا عمّا في القلب من التّضرّعات،فأيّ سؤال في قوله: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الفاتحة:

6،و كان القلب غافلا عنه؟

بل أقول:لو حلف إنسان،و قال:و اللّه لأشكرن فلانا و أثني عليه و أسأله حاجة.ثمّ جرت الألفاظ الدّالّة على هذه المعاني على لسانه في اليوم لم يبرّ في يمينه،و لو جرى على لسانه في ظلمة اللّيل،و ذلك الإنسان حاضر و هو لا يعرف حضوره و لا يراه،لا يصير بارّا في يمينه،و لا يكون كلامه خطابا معه ما لم يكن حاضرا بقلبه،و لو جرت هذه الكلمات على لسانه و هو حاضر في بياض النّهار إلاّ أنّ المتكلّم غافل لكونه مستغرق الهمّ بفكر من الأفكار،و لم يكن له قصد توجيه الخطاب عليه عند نطقه،لم يصر بارّا في يمينه.

و لا شكّ أنّ المقصود من القراءة الأذكار و الحمد و الثّناء و التّضرّع و الدّعاء و المخاطب هو اللّه تعالى، فإذا كان القلب محجوبا بحجاب الغفلة و كان غافلا عن جلال اللّه و كبريائه،ثمّ إنّ لسانه يتحرّك بحكم العادة فما أبعد ذلك عن القبول.

و أمّا الرّكوع و السّجود فالمقصود منهما التّعظيم، و لو جاز أن يكون تعظيما للّه تعالى مع أنّه غافل عنه، لجاز أن يكون تعظيما للصّنم الموضوع بين يديه و هو غافل عنه،و لأنّه إذا لم يحصل التّعظيم لم يبق إلاّ مجرّد حركة الظّهر و الرّأس،و ليس فيها من المشقّة ما يصير لأجله عمادا للدّين،و فاصلا بين الكفر و الإيمان، و يقدّم على الحجّ و الزّكاة و الجهاد و سائر الطّاعات الشّاقّة،و يجب القتل بسببه على الخصوص.

و بالجملة فكلّ عاقل يقطع بأنّ مشاهدة الخواصّ

ص: 62

العظيمة ليس أعمالها الظّاهرة إلاّ أن ينضاف إليها مقصود هذه المناجاة،فدلّت هذه الاعتبارات على أنّ الصّلاة لا بدّ فيها من الحضور.

و سابعها:أنّ الفقهاء اختلفوا فيما ينويه بالسّلام عند الجماعة و الانفراد،هل ينوي الحضور أو الغيبة و الحضور معا.فإذا احتيج إلى التّدبّر في معنى السّلام الّذي هو آخر الصّلاة فلأن يحتاج إلى التّدبّر في معنى التّكبير و التّسبيح الّتي هي الأشياء المقصودة من الصّلاة بالطّريق الأولى.

و احتجّ المخالف بأنّ اشتراط الخضوع و الخشوع على خلاف اجتماع الفقهاء فلا يلتفت إليه.

و الجواب:من وجوه:

أحدها:أنّ الحضور عندنا ليس شرطا للإجزاء، بل شرط للقبول.و المراد من الإجزاء:أن لا يجب القضاء،و المراد من القبول:حكم الثّواب.و الفقهاء إنّما يبحثون عن حكم الإجزاء لا عن حكم الثّواب، و غرضنا في هذا المقام هذا،و مثاله في الشّاهد من استعار منك ثوبا ثمّ ردّه على الوجه الأحسن،فقد خرج عن العهدة و استحقّ المدح،و من رماه إليك على وجه الاستخفاف خرج عن العهدة،و لكنّه استحقّ الذّمّ،كذا من عظّم اللّه تعالى حال أدائه العبادة صار مقيما للفرض مستحقّا للثّواب،و من استهان بها صار مقيما للفرض ظاهرا،لكنّه استحقّ الذّمّ.

و ثانيها:أنّا نمنع هذا الإجماع،أمّا المتكلّمون فقد اتّفقوا على أنّه لا بدّ من الحضور و الخشوع،و احتجّوا عليه بأنّ السّجود للّه تعالى طاعة و للصّنم كفر،و كلّ واحد منهما يماثل الآخر في ذاته و لوازمه،فلا بدّ من أمر لأجله صار السّجود في إحدى الصّورتين طاعة، و في الأخرى معصية،قالوا:و ما ذاك إلاّ القصد و الإرادة،و المراد من القصد:إيقاع تلك الأفعال لداعية الامتثال،و هذه الدّاعية لا يمكن حصولها إلاّ عند الحضور،فلهذا اتّفقوا على أنّه لا بدّ من الحضور.

أمّا الفقهاء فقد ذكر الفقيه أبو اللّيث رحمه اللّه في «تنبيه الغافلين»:أنّ تمام القراءة أن يقرأ بغير لحن و أن يقرأ بالتّفكّر.

و أمّا الغزاليّ رحمه اللّه فإنّه نقل عن أبي طالب المكّيّ عن بشر الحافي أنّه قال:من لم يخشع فسدت صلاته.

و عن الحسن رحمه اللّه:«كلّ صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع».

و عن معاذ بن جبل:«من عرف من على يمينه و شماله متعمّدا و هو في الصّلاة فلا صلاة له».

و روي أيضا مسندا قال عليه السّلام:«إنّ العبد ليصلّي الصّلاة لا يكتب له سدسها و لا عشرها،و إنّما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها».

و قال عبد الواحد بن زيد:أجمعت العلماء على أنّه ليس للعبد من صلاته إلاّ ما عقل،و ادّعى فيه الإجماع.

إذا ثبت هذا فنقول:هب أنّ الفقهاء بأسرهم حكموا بالجواز،أ ليس الأصوليّون و أهل الورع ضيّقوا الأمر فيها،فهلاّ أخذت بالاحتياط فإنّ بعض العلماء اختار الإمامة؟فقيل له في ذلك،فقال:أخاف

ص: 63

إن تركت الفاتحة أن يعاتبني الشّافعيّ،و إن قرأتها مع الإمام أن يعاتبني أبو حنيفة،فاخترت الإمامة طلبا للخلاص عن هذا الاختلاف،و اللّه أعلم.(23:77)

نحوه النّيسابوريّ.(18:6)

القرطبيّ: الخشوع محلّه القلب؛فإذا خشع خشعت الجوارح كلّها لخشوعه؛إذ هو ملكها..[إلى أن قال:]

اختلف النّاس في الخشوع،هل هو من فرائض الصّلاة أو من فضائلها و مكمّلاتها،على قولين.

و الصّحيح الأوّل،و محلّه القلب،و هو أوّل عمل يرفع من النّاس؛قاله عبادة بن الصّامت.(12:103)

نحوه أبو حيّان.(6:395)

البيضاويّ: خائفون من اللّه متذلّلون له،ملزمون أبصارهم مساجدهم.(2:102)

نحوه أبو السّعود(4:402)،و المشهديّ(6:579)

النّسفيّ: خائفون بالقلب،ساكنون بالجوارح.

[إلى أن قال:]

و عن أبي الدّرداء:هو إخلاص المقال و إعظام المقام و اليقين التّامّ،و جمع الاهتمام.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](3:113)

ابن جزيّ: الخشوع:حالة في القلب من الخوف و المراقبة و التّذلّل لعظمة المولى جلّ جلاله،ثمّ يظهر أثر ذلك على الجوارح بالسّكون،و الإقبال على الصّلاة و عدم الالتفات و البكاء و التّضرّع.

و قد عدّ بعض الفقهاء الخشوع في فرائض الصّلاة، لأنّه جعله بمعنى حضور القلب فيها،و قد جاء في الحديث:«لا يكتب للعبد من صلاته إلاّ ما عقل منها».

و الصّواب أنّ الخشوع أمر زائد على حضور القلب فقد يحضر القلب و لا يخشع.(3:48)

الشّربينيّ: [قال نحو الزّمخشريّ و النّيسابوريّ]

(2:57)

البروسويّ: في«التّأويلات النّجميّة»:خاشعون أي بالظّاهر و الباطن.

أمّا الظّاهر فخشوع الرّأس بانتكاسه،و خشوع العين بانغماضها عن الالتفات،و خشوع الأذن بالتّذلّل للاستماع،و خشوع اللّسان القراءة و الحضور و التّأنّى،و خشوع اليدين:وضع اليمين على الشّمال بالتّعظيم كالعبيد،و خشوع الظّهر:انحناؤه في الرّكوع مستويا،و خشوع الفرج:بنفي الخواطر الشّهوانيّة، و خشوع القدمين:بثباتهما على الموضع،و سكونهما عن الحركة.

و أمّا الباطن فخشوع النّفس:سكونها عن الخواطر و الهواجس،و خشوع القلب:بملازمة الذّكر و دوام الحضور،و خشوع السّرّ:بالمراقبة في ترك اللّحظات إلى المكوّنات،و خشوع الرّوح:استغراقه في بحر المحبّة و ذوبانه عند تجلّي صفة الجمال و الجلال.

(6:67)

الآلوسيّ: [نقل بعض الأقوال و أضاف:]

و في«المنهاج و شرحه»لابن حجر:و يسنّ الخشوع في كلّ صلاته بقلبه بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه،و إن تعلّق بالآخرة و بجوارحه بأن لا يعبث بأحدها.و ظاهر أنّ هذا مراد النّوويّ من الخشوع،

ص: 64

لأنّه سيذكر الأوّل بقوله:و يسنّ دخول الصّلاة بنشاط و فراغ قلب إلاّ أن يجعل ذلك سببا له،و لذا خصّه بحالة الدّخول.

و في الآية المراد كلّ منهما كما هو ظاهر أيضا، و كان سنّة لثناء اللّه تعالى في كتابه العزيز على فاعليه.

و لانتفاء ثواب الصّلاة بانتفائه،كما دلّت عليه الأحاديث الصّحيحة،و لأنّ لنا وجها اختاره جمع أنّه شرط للصّحّة،لكن في البعض،فيكره الاسترسال مع حديث النّفس و العبث،كتسوية ردائه أو عمامته لغير ضرورة،من تحصيل سنّة أو دفع مضرّة،و قيل:يحرم انتهى.و للإمام في هذا المقام كلام طويل من أراده فليرجع إليه.

و تقديم الظّرف قيل:لرعاية الفواصل،و قيل:

ليقرب ذكر الصّلاة من ذكر الإيمان فإنّهما أخوان،و قد جاء إطلاق الإيمان عليها في قوله تعالى: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ البقرة:143.

و قيل:للحصر على معنى الّذين هم في جميع صلاتهم دون بعضها خاشعون.و في تقديم وصفهم بالخشوع في الصّلاة على سائر ما يذكر بعد،ما لا يخفى من التّنويه بشأن الخشوع.و جاء أنّ الخشوع أوّل ما يرفع من النّاس.ففي خبر رواه الحاكم و صحّحه:أنّ عبادة بن الصّامت قال:يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيه رجلا خاشعا.(18:4)

طنطاوي:[نحو ابن عبّاس و أضاف:]

و هم يجمعون الهمّة و يعرضون عمّا سوى اللّه بقلوبهم،و يتدبّرون فيما يجري على ألسنتهم من القراءة و الذّكر،فهم على ذلك لا يفرقعون أصابعهم و لا يعبثون فيها.و من لوازم جمع الهمّة و تدبّر القراءة أن لا يعرف من على يمينه و لا من على شماله.(11:96)

سيّد قطب :تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصّلاة بين يدي اللّه فتسكن و تخشع،فيسري الخشوع منها إلى الجوارح و الملامح و الحركات.و يغشى أرواحهم جلال اللّه في حضرته،فتختفي من أذهانهم جميع الشّواغل،و لا تشتغل بسواه،و هم مستغرقون في الشّعور به،مشغولون بنجواه.و يتوارى عن حسّهم في تلك الحضرة القدسيّة كلّ ما حولهم،و كلّ ما بهم،فلا يشهدون إلاّ اللّه،و لا يحسّون إلاّ إيّاه،و لا يتذوّقون إلاّ معناه.و يتطهّر وجدانهم من كلّ دنس،و ينفضون عنهم كلّ شائبة؛فما يضمّون جوانحهم على شيء من هذا مع جلال اللّه.

عندئذ تتّصل الذّرّة التّائهة بمصدرها،و تجد الرّوح الحائرة طريقها،و يعرف القلب الموحش مثواه.

و عندئذ تتضاءل القيم و الأشياء و الأشخاص إلاّ ما يتّصل منها باللّه.(4:2454)

ابن عاشور :و هو خوف يوجب تعظيم المخوف منه،و لا شكّ أنّ الخشوع،أي الخشوع للّه،يقتضي التّقوى فهو سبب فلاح.

و تقييده هنا بكونه في الصّلاة لقصد الجمع بين وصفهم بأداء الصّلاة و بالخشوع،و خاصّة إذا كان في حال الصّلاة لأنّ الخشوع للّه يكون في حالة الصّلاة و في غيرها،إذ الخشوع محلّه القلب فليس من أفعال الصّلاة و لكنّه يتلبّس به المصلّي في حالة صلاته.

ص: 65

و ذكر مع الصّلاة لأنّ الصّلاة أولى الحالات بإثارة الخشوع و قوّته،و لذلك قدّمت،و لأنّه بالصّلاة أعلق، فإنّ الصّلاة خشوع للّه تعالى و خضوع له،و لأنّ الخشوع لمّا كان للّه تعالى كان أولى الأحوال به حال الصّلاة لأنّ المصلّي يناجي ربّه فيشعر نفسه أنّه بين يدي ربّه فيخشع له.و هذا من آداب المعاملة مع الخالق تعالى،و هي رأس الآداب الشّرعيّة و مصدر الخيرات كلّها.

و لهذا الاعتبار قدّم هذا الوصف على بقيّة أوصاف المؤمنين،و جعل مواليا للإيمان،فقد حصل الثّناء عليهم بوصفين.(18:8)

مغنيّة:الخشوع و الخضوع:ضدّ الاستعلاء و الكبرياء،قال تعالى: خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ الشّورى:

45.و الخشوع في الصّلاة نتيجة اليقين باللّه و الخوف من عذابه،و الصّلاة بلا يقين ليست بشيء قال الإمام عليّ عليه السّلام:«نوم على يقين خير من صلاة في شكّ».

(5:358)

الطّباطبائيّ: الخشوع تأثّر خاصّ من المقهور قبال القاهر،بحيث ينقطع عن غيره بالتّوجّه إليه.

و الظّاهر أنّه من صفات القلب،ثمّ ينسب إلى الجوارح أو غيرها بنوع من العناية،كقوله صلّى اللّه عليه و آله-على ما روي-فيمن يعبث بلحيته في الصّلاة:«أما إنّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه».و قوله تعالى:

وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ طه:108.

و الخشوع بهذا المعنى جامع لجميع المعاني الّتي فسّر بها الخشوع في الآية،كقول بعضهم:هو الخوف و سكون الجوارح،و قول آخرين:غضّ البصر و خفض الجناح،أو تنكيس الرّأس،أو عدم الالتفات يمينا و شمالا أو إعظام المقام و جمع الاهتمام،أو التّذلّل، إلى غير ذلك.(15:6)

عبد الكريم الخطيب :و من صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين،أنّهم في صلاتهم خاشعون،أي يؤدّون صلاتهم في خشوع و خشية و ولاء.إنّها صلاة تفيض من قلب خاشع لجلال اللّه،راهب لعظمته، فكيان المؤمن كلّه،و وجدانه جميعه،و هو قائم في محراب الصّلاة،مشتمل عليه هذا الجلال،مستولية عليه تلك الرّهبة.

و من أجل هذا كان لتلك الصّلاة الخاشعة الضّارعة أثرها العظيم،في إيقاظ مشاعر الخير في المصلّين،و في تصفية أنفسهم من وسواس السّوء.

(9:1111)

مكارم الشّيرازيّ: خاشِعُونَ مشتقّة من خشوع،بمعنى التّواضع و حالة التّأدّب يتّخذها الإنسان جسما و روحا بين يدي شخصيّة كبيرة،أو حقيقة مهمّة تظهر في الإنسان و تبدو علاماتها على ظاهر جسمه.

و القرآن اعتبر الخشوع صفة المؤمنين،و ليس إقامة الصّلاة،إشارة منه إلى أنّ الصّلاة ليست مجرّد ألفاظ و حركات لا روح فيها و لا معنى،و إنّما تظهر في المؤمن حين إقامة الصّلاة حالة توجّه إلى اللّه، تفصله عن الغير و تلحقه بالخالق،و يغوص في ارتباط مع اللّه،و يدعوه بتضرّع في حالة تسود جسمه كلّه،

ص: 66

فيرى نفسه ذرّة إزاء الوجود المطلق لذات اللّه،و قطرة في محيط لا نهاية له.

و إنّ لحظات هذه الصّلاة درسا للمؤمنين في بناء ذاته و تربيتها،و وسيلة لتهذيب نفسه و سموّ روحه.

و قد جاء في حديث عن الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله حين شاهد رجلا يلهو بلحيته و هو يصلّي قوله:«أما لو خشع قلبه لخشعت جوارحه»إشارة منه صلّى اللّه عليه و آله إلى أنّ الخشوع الباطنيّ يؤثّر في ظاهر الإنسان.و كان كبار قادة المسلمين يؤدّون صلاتهم بخشوع حتّى تحسبهم في عالم آخر،يذوبون في اللّه؛حيث نقرأ عنهم في حديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّه كان يرفع بصره إلى السّماء في صلاته،فلمّا نزلت الآية طأطأ رأسه و رمى ببصره إلى الأرض».(10:373)

فضل اللّه :الصّلاة ليست مجرّد عمل عباديّ يتجسّد في حركات محدّدة يؤدّيها المؤمنون،بل هي حالة تعبيريّة عن الذّوبان في معنى العبوديّة، و الاستغراق في الإحساس بعظمة اللّه،و رحلة روحيّة تلتقي فيها روح الإنسان باللّه عند ما تعرج إليه من خلال الكلمات الّتي يقولها،أو الأعمال الّتي يقوم بها،و لا تجسيد لذلك إلاّ في أجواء الخشوع،الّذي يحمل سرّ الصّلاة في معناها العباديّ؛و لهذا كان الثّواب للمصلّي،بمقدار خشوعه في قلبه،و إقباله على ربّه.

إنّ الصّلاة هي التّعبير الحيّ عن الإيمان العميق بالتّوحيد للّه،فلا بدّ من أن يخشع الإنسان فيها أمامه بكلّ كيانه.(16:133)

خاشعين

1- وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ خاشِعِينَ لِلّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً...

آل عمران:199

ابن عبّاس: متواضعين ذليلين للّه في الطّاعة.

(64)

الحسن :الخشوع:الخوف اللاّزم للقلب من اللّه.

(الطّوسيّ 3:94)

ابن زيد :الخاشع:المتذلّل الخائف.

(الطّبريّ 3:560)

الفرّاء: يؤمنون به خاشعين.(1:251)

الطّبريّ: خاضعين للّه بالطّاعة،مستكينين له بها متذلّلين.[إلى أن قال:]

و نصب قوله: خاشِعِينَ لِلّهِ على الحال،من قوله: لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ و هو حال ممّا في يُؤْمِنُ من ذكر(من).(3:561)

نحوه الثّعلبيّ(3:238)،و الطّوسيّ(3:94)، و الطّبرسيّ(1:561)،و الآلوسيّ(4:174).

الزّجّاج: أي من عند أهل الكتاب من يؤمن خاشعا للّه.(1:501)

البغويّ: خاضعين متواضعين للّه.(1:559)

نحوه الميبديّ.(2:393)

الزّمخشريّ: حال من فاعل يُؤْمِنُ لأنّ لَمَنْ يُؤْمِنُ في معنى الجمع.(1:491)

نحوه ابن عطيّة(1:559)،و الفخر الرّازيّ(9:

154)،و القرطبيّ(4:322)،و البيضاويّ(1:201)،

ص: 67

و النّسفيّ(1:203)،و النّيسابوريّ(4:157)، و الشّربينيّ(1:277)،و أبو السّعود(2:90) و المشهديّ(2:329)،و طنطاوي(2:198).

ابن عربيّ: قابلين لتجلّي الذّات.(1:245)

الخازن :يعني خاضعين للّه،متواضعين له غير مستكبرين.(1:394).

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:حال من الضّمير في(اليهم)و العامل فيها (انزل.)و قيل:حال من الضّمير في لا يَشْتَرُونَ.

و هما قولان ضعيفان.

و من جعل(من)نكرة موصوفة،يجوّز أن يكون خاشِعِينَ و لا يَشْتَرُونَ صفتين للنّكرة.و جمع خاشِعِينَ على معنى«من»كما جمع في وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ. و حمل أوّلا على اللّفظ في قوله: يُؤْمِنُ، فأفرد.و إذا اجتمع الحملان،فالأولى أن يبدأ بالحمل على اللّفظ،و أتى في الآية بلفظ(يؤمن)دون«آمن»، -و إن كان إيمان من نزل فيهم قد وقع-إشارة إلى الدّيمومة و الاستمرار و وصفهم بالخشوع-و هو التّذلّل و الخضوع-المنافي للتّعاظم و الاستكبار،كما قال تعالى: وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ المائدة:82.(3:148)

السّمين:فيه أربعة أوجه:

أحدها:أنّه حال من الضّمير في يُؤْمِنُ، و جمعه حملا على معنى(من)كما جمع في قوله:

(اليهم)،و بدأ بالحمل على اللّفظ في يُؤْمِنُ على الحمل على المعنى لأنّه الأولى.

الثّاني:أنّه حال من الضّمير في(اليهم)،فالعامل فيه(انزل).

الثّالث:أنّه حال من الضّمير في(يشترون)، و تقديم(ما)في حيّز(لا)عليها جائز على الصّحيح.

و تقدّم شيء من ذلك في الفاتحة.

الرّابع:أنّه صفة ل(من)إذا قيل بأنّها نكرة موصوفة،و أمّا الأوجه فجائزة سواء كانت موصولة أو نكرة موصوفة.(2:293)

البروسويّ: أي متواضعين له من خوف عذابه و رجاء ثوابه،و هو حال من فاعل(يؤمن)لأنّ(من) في معنى الجمع.(2:156)

القاسميّ: و إنّهم خاشعون للّه،أي مطيعون له خاضعون متذلّلون بين يديه.(4:1076)

المراغيّ: الخشوع و هو الثّمرة للإيمان الصّحيح، فإنّ الخشوع أثر خشية اللّه في القلب،و منه تفيض على الجوارح و المشاعر؛فيخشع البصر بالانكسار،و يخشع الصّوت بالخفوت و التّهدّج.(4:170)

مكارم الشّيرازيّ: أي إنّهم مسلمون لأمر اللّه و خاضعون لإرادته،و هذا التّسليم و الخضوع هو السّبب الحقيقيّ لإيمانهم،و هو الّذي فرّق بينهم و بين العصبيّات الحمقاء،و حرّرهم من التّعنّت و الاستكبار تجاه منطق الحقّ.(3:62)

فضل اللّه :(خاشعين):خاضعين.و أصل الخشوع:السّهولة،من قولهم:الخشعة،و هي السّهولة، في الرّمل كالرّبوة،و الخاشع من الأرض:الّذي لا يهتدي،لأنّ الرّمل يغطّي آثاره،و الخاشع:الخاضع ببصره،و الخضوع:هو التّذلّل خلاف التّعصّب.[إلى

ص: 68

أن قال:]

فقد كانوا يطلبون الوصول إلى الحقّ،و لكن الطّريق مسدودة أمامهم في ما يعيشونه و يلتقون به من حواجز مادّيّة و معنويّة.إلاّ أنّهم استطاعوا تحطيم تلك الحواجز و خشعوا للّه،فخضعوا للحقّ الواحد الّذي أوحى به اللّه في رسالاته،و رفضوا كلّ الحسّاسيّات السّلبيّة الّتي تحول بينهم و بين الإيمان.(6:467،471)

2- ...وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ.

الأنبياء:90

ابن عبّاس: متواضعين مطيعين.(275)

نحوه الثّعلبيّ: (6:305)،و البغويّ(3:315).

مجاهد :الخشوع،هو الخوف اللاّزم في القلب.

(البغويّ 3:315)

نحوه زيد بن عليّ.(279)

الضّحّاك: راغبين راهبين.(الماورديّ 3:469)

قتادة :ذللا لأمر اللّه.(البغويّ 3:315)

مثله الحسن.(الزّمخشريّ 2:582)

الطّبريّ: يقول:و كانوا لنا متواضعين متذلّلين،و لا يستكبرون عن عبادتنا و دعائنا.(9:80)

نحوه المراغيّ.(17:66)

الماورديّ: إنّه وضع اليمنى على اليسرى و النّظر إلى موضع السّجود في الصّلاة.(3:468)

القشيريّ: الخشوع:قشعريرة القلب عند اطّلاع الرّبّ،و كان لهم ذلك على الدّوام.(4:193)

الميبديّ: متواضعين خائفين.(6:303)

الزّمخشريّ: الخشوع:الخوف الدّائم في القلب.

و سئل الأعمش،فقال:أمّا أنّي سألت إبراهيم،فقال:

أ لا تدري؟قلت:أفدني،قال:بينه و بين اللّه إذا أرخى ستره و أغلق بابه فلير اللّه منه خيرا،لعلّك ترى أنّه أن يأكل خشنا و يلبس خشنا و يطأطئ رأسه.

(2:582)

ابن عطيّة: الخشوع:التّذلّل بالبدن المتركّب على التّذلّل بالقلب.(4:98)

الطّبرسيّ: قيل:الخشوع:المخافة الثّابتة في القلب عن الحسن.و قيل:معناه أنّهم قالوا حال النّعمة:

اللّهمّ لا تجعلها استدراجا،و حال السّيّئة:اللّهمّ لا تجعلها عقوبة بذنب سلف منّا.(4:61)

الفخر الرّازيّ: الخشوع و هو المخافة الثّابتة في القلب،فيكون الخاشع هو الحذر الّذي لا ينبسط في الأمور خوفا من الإثم.(22:218)

مثله الخازن.(4:259)

ابن عربيّ: كانُوا لَنا خاشِعِينَ بالنّفوس.

(2:89)

البيضاويّ: مخبتين أو دائمي الوجل،و المعنى أنّهم نالوا من اللّه ما نالوا بهذه الخصال.(2:80)

نحوه أبو السّعود(4:355)،و الكاشانيّ(3:

354)،و المشهديّ(6:436)،و الآلوسيّ(17:88).

النّيسابوريّ: و في تقديم الجارّ و المجرور على «الخاشعين»إشارة إلى أنّهم لا يخشعون أحدا إلاّ اللّه.

(17:58)

الشّربينيّ: أي خائفين خوفا عظيما يحملهم على

ص: 69

الخضوع و الانكسار.(2:528)

البروسويّ: عابدين في تواضع و ضراعة و أكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح،و لكن شأن الأنبياء أعلى من[أن]يكون حالهم منحصرا في الظّاهر،فلهم خشوع كامل في القلب و القالب جميعا، و أكل العبد خشنا و اللّبس خشنا و طأطأة الرّأس و نحوها من غير أن يكون في قلبه الإخلاص و الخوف من اللّه تعالى،صفة المرائي و المتصنّع.

و المعنى:أنّهم نالوا من اللّه ما نالوا بسبب اتّصافهم بهذه الخصال الحميدة،فليفعل من أراد الإجابة إلى مطلوبه مثل ما فعلوا،و ليتخلّق بتلك الأخلاق.

(5:520)

شبّر:خاضعين أو ثابتي الخوف،و بهذه الخصال استحقّوا ما منحناهم.(4:214)

سيّد قطب : وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ لا متكبّرين و لا متجبّرين.(4:2395)

مغنيّة:كلّهم كانوا منقادين له في كلّ شيء.

(5:296)

ابن عاشور :الخشوع:خوف القلب بالتّفكّر دون اضطراب الأعضاء الظّاهرة.(17:100)

الطّباطبائيّ: الخشوع:هو تأثّر القلب من مشاهدة العظمة و الكبرياء.(14:316)

فضل اللّه : وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ في رهافة الحسّ الإيمانيّ في حياتهم،و في عمق الشّعور الرّوحيّ في ذواتهم،و في انسحاقهم أمام عظمة اللّه،الّتي يتمثّلونها في أفكارهم و قلوبهم.(15:262)

الخاشعين

وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ. البقرة:45

ابن عبّاس: المتواضعين.(8)

مثله مقاتل بن حيّان(الثّعلبي 1:189)،و مقاتل ابن سليمان(1:102).

المصلّين.(الثّعلبيّ 1:189)

يعني المصدّقين بما أنزل اللّه.(الطّبريّ 1:299)

الحسن :الخائفين.الثّعلبيّ(1:189)

مثله أبو العالية.(الطّبريّ 1:300)

الورّاق:العابدين المطيعين.(الثّعلبيّ 1:189)

الإمام عليّ عليه السّلام:الخشوع في القلب و أن تلين كفّيك للمرء المسلم،و ألاّ تلتفت في صلاتك.

(القرطبيّ 1:375)

مجاهد :المؤمنين حقّا.(الطّبريّ 1:300)

قتادة :الخشوع في القلب و هو الخوف و غضّ البصر في الصّلاة.(القرطبيّ 1:375)

زيد بن عليّ: الخائفين المتواضعين.(126)

ابن زيد :الخشوع:الخوف و الخشية للّه،و قرأ قول اللّه: خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ الشّورى:45،قال:قد أذلّهم الخوف الّذي نزل بهم،و خشعوا له.

(الطّبريّ 1:300)

أبو عبيدة :المخبتون المتواضعون.(1:39)

الطّبريّ: إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ إلاّ على الخاضعين لطاعته،الخائفين سطواته،المصدّقين بوعده و وعيده.[إلى أن قال:]

ص: 70

و أصل الخشوع:التّواضع و التّذلّل و الاستكانة.

[ثمّ استشهد بشعر]

فمعنى الآية:و استعينوا أيّها الأحبار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم على طاعة اللّه،و كفّها عن معاصي اللّه،و بإقامة الصّلاة المانعة من الفحشاء و المنكر،المقرّبة من مراضي اللّه،العظيمة إقامتها إلاّ على المتواضعين للّه المستكينين لطاعته،المتذلّلين من مخافته.(1:299)

الزّجّاج: الخاشع:المتواضع المطيع المجيب،لأنّ المتواضع لا يبالي برئاسة كانت له مع كفر إذا انتقل إلى الإيمان.(1:125)

الخاشع:الّذي يرى أثر الذّلّ و الخنوع عليه، و كخشوع الدّار بعد الإقواء،هذا هو الأصل.[ثمّ استشهد بشعر](الثّعلبيّ 1:189)

الثّعلبيّ: يعني المؤمنين.(1:189)

الماورديّ: ففيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:يعني:و إنّ الصّلاة لثقيلة إلاّ على المؤمنين،لعود الكناية إلى مؤنّث اللّفظ.

و الثّاني:يعني:الصّبر و الصّلاة،فأرادهما،و إن عادة الكناية إلى الصّلاة،لأنّها أقرب مذكور.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّالث:و إنّ إجابة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم لشديدة إلاّ على الخاشعين.

و الخشوع في اللّه:التّواضع،و نظيره الخضوع.و قيل:

إنّ الخضوع في البدن،و الخشوع في الصّوت و البصر.

(1:115)

البغويّ: [نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

و قيل:المطيعين.و أصل الخشوع:السّكون،قال اللّه تعالى: وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ طه:108، فالخاشع ساكن إلى طاعة اللّه تعالى.(1:112)

نحوه الواحديّ(1:131)،و الخازن(1:47).

الميبديّ: أي الخائفين المؤمنين حقّا.(1:173)

الزّمخشريّ: الخشوع:الإخبات و التّضامن، و منه الخشعة للرّملة المتطامنة.(1:278)

ابن عطيّة: الخاشعون:المتواضعون المخبتون.

و الخشوع:هيئة في النّفس يظهر منها على الجوارح سكون و تواضع.(1:137)

الطّبرسيّ: أي على المتواضعين للّه تعالى،فإنّهم قد وطّنوا أنفسهم على فعلها،و عوّدوها إيّاها فلا يثقل عليهم،و أيضا فإنّ المتواضع لا يبالي بزوال الرّئاسة إذا حصل له الإيمان.و قال مجاهد:أراد ب(الخاشعين):

المؤمنين،فإنّهم إذا علموا ما يحصل لهم من الثّواب بفعلها لم يثقل عليهم ذلك،كما أنّ الإنسان يتجرّع مرارة الدّواء لما يرجو به من نيل الشّفاء.

و قال الحسن:أراد ب(الخاشعين):الخائفين.

(1:100)

ابن عربيّ: إلاّ على الخاشعين المنكسرة اللّينة قلوبهم،لقبول أنوار التّجلّيات اللّطيفة،و استيلاء سطوات التّجلّيات القهريّة.(1:45)

القرطبيّ: [نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]

قال سهل بن عبد اللّه:لا يكون خاشعا حتّى تخشع كلّ شعرة على جسده،لقول اللّه تبارك و تعالى:

ص: 71

تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ الزّمر:23.

قلت:هذا هو الخشوع المحمود،لأنّ الخوف إذا سكّن القلب أوجب خشوع الظّاهر فلا يملك صاحبه دفعه،فتراه مطرقا متأدّبا متذلّلا.و قد كان السّلف يجتهدون في ستر ما يظهر من ذلك.و أمّا المذموم فتكلّفه و التّباكي و مطأطأة الرّأس كما يفعله الجهّال،ليروا بعين البرّ و الإجلال،و ذلك خدع من الشّيطان، و تسويل من نفس الإنسان.(1:375)

البيضاويّ: أي المخبتين،و الخشوع:الإخبات، و منه الخشعة للرّملة المتطامنة،و الخضوع:اللّين و الانقياد،و لذلك يقال:الخشوع بالجوارح،و الخضوع بالقلب.(1:54)

النّيسابوريّ: الخشوع و الخضوع أخوان،و هما التّطامن و التّواضع،و منه«الخشعة»للأكمة المتواضعة.

و في الحديث:«كانت الأرض خشعة على الماء ثمّ دحيت».(1:302)

أبو حيّان : إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ استثناء مفرّغ، لأنّ المعنى:و إنّها لكبيرة على كلّ أحد إلاّ على الخاشعين،و هم المتواضعون المستكينون.و إنّما لم تشقّ على الخاشعين،لأنّها منطوية على أوصاف هم متحلّون بها،لخشوعهم من القيام للّه و الرّكوع له و السّجود له،و الرّجاء لما عنده من الثّواب.فلمّا كان مآل أعمالهم إلى السّعادة الأبديّة سهل عليهم ما صعب على غيرهم من المنافقين و المرائين بأعمالهم،الّذين لا يرجون لها نفعا.(1:185)

السّمين:قوله: إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ استثناء مفرّغ،و جاز ذلك و إن كان الكلام مثبتا،لأنّه في قوّة المنفيّ،أي لا تسهل و لا تخفّ إلاّ على هؤلاء، ف عَلَى الْخاشِعِينَ متعلّق ب(كبيرة)نحو«كبر عليّ هذا»أي عظم و شقّ.[ثمّ ذكر نحو النّيسابوريّ و أضاف:]

و فرّق بعضهم بين الخضوع و الخشوع،فقال:

الخضوع:في البدن خاصّة،و الخشوع:في البدن و الصّوت و البصر،فهو أعمّ منه.(1:212)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و البيضاويّ و أضاف:]

و إنّما لم تثقل عليهم،لأنّهم يتوقّعون ما أعدّ لهم بمقابلتها فتهون عليهم،و لأنّهم يستغرقون في مناجاة ربّهم فلا يدركون ما يجري عليهم من المشاقّ و المتاعب،و لذلك قال عليه السّلام:«و جعل قرّة عيني في الصّلاة».و الجملة حاليّة أو اعتراض تذييليّ.

(1:131)

نحوه البروسويّ.(1:125)

الكاشانيّ: الخائفين عقاب اللّه في مخالفته في أعظم فرائضه؛و ذلك لأنّ نفوسهم مرتاضة بأمثالها،متوقّعة في مقابلتها،ما يستخفّ لأجله مشاقّها،و يستلذّ بسببه متاعبها،كما قال نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله:«جعلت قرّة عيني في الصّلاة»و كان يقول:«روّحنا أو أرحنا يا بلال».

(1:111)

نحوه البحرانيّ(1:376)،و شبّر(1:95).

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

ص: 72

و لذلك قيل:من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل،و من أيقن بالخلف جاد بالعطيّة.(1:249)

ابن عاشور :أي الّذين اتّصفوا بالخشوع.

و الخشوع لغة:هو الانزواء و الانخفاض.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو مجاز في خشوع النّفس،و هو سكون و انقباض عن التّوجّه إلى الإباية أو العصيان.

و المراد بالخاشع هنا:الّذي ذلّل نفسه و كسر سورتها و عوّدها أن تطمئنّ إلى أمر اللّه،و تطلب حسن العواقب،و أن لا تغترّ بما تزيّنه الشّهوة الحاضرة،فهذا الّذي كانت تلك صفته،قد استعدّت نفسه لقبول الخير.

و كأنّ المراد ب اَلْخاشِعِينَ هنا:الخائفون النّاظرون في العواقب،فتخفّ عليهم الاستعانة بالصّبر و الصّلاة،مع ما في الصّبر من القمع للنّفس،و ما في الصّلاة،من التزام أوقات معيّنة و طهارة في أوقات قد يكون للعبد فيها اشتغال بما يهوى أو بما يحصّل منه مالا أو لذّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحسب أنّ مشروعيّة أحكام كثيرة قصد الشّارع منها هذا المعنى،و أعظمها،الصّوم.

و لا يصحّ حمل الخشوع هنا على خصوص الخشوع في الصّلاة،بسبب الحال الحاصل في النّفس باستشعار العبد الوقوف بين يدي اللّه تعالى،حسبما شرحه ابن رشد في أوّل مسألة من كتاب الصّلاة.

الأوّل:من«البيان و التّحصيل»و هو المعنى المشار إليه بقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ المؤمنون:1،2،فإنّ ذلك كلّه من صفات الصّلاة و كمال المصلّي،فلا يصحّ كونه هو المخفّف لكلفة الصّلاة على المستعين بالصّلاة،كما لا يخفى.

و قد وصف تعالى: اَلْخاشِعِينَ بأنّهم الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربّهم و أنّهم إليه راجعون،و هي صلة،لها مزيد اتّصال بمعنى الخشوع،ففيها معنى التّفسير للخاشعين،و معنى بيان منشإ خشوعهم.

(1:464)

الطّباطبائيّ: الضّمير في(انّها)راجع إلى الصّلاة.

و أمّا إرجاعه إلى الاستعانة لتضمّن قوله: اِسْتَعِينُوا ذلك،فينافيه ظاهرا قوله: إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ فإنّ الخشوع لا يلائم الصّبر كثير ملائمة،و الفرق بين الخشوع و الخضوع-مع أنّ في كليهما معنى التّذلّل و الانكسار-أنّ الخضوع مختصّ بالجوارح،و الخشوع بالقلب.(1:152)

نحوه فضل اللّه.(2:21)

عبد الكريم الخطيب :الضّمير هنا يعود على الصّلاة،و إنّها لكبيرة-أي ثقيلة-إلاّ على ذوي القلوب المتفتّحة للخير،المتقبّلة له،أمّا ذوو القلوب القاسية المتحجّرة،الّتي لا تنضح بخير،فأمرها ثقيل عليهم،لا يأتونها-إن أتوها-إلاّ في تكاسل و فتور، أو في تكرّه و تبرّم.

و الّذي يفيض على القلب الخشية و الخشوع،هو الإيمان باللّه،و بلقاء اللّه يوم الجزاء في الآخرة،فذلك هو الّذي يثبّت خطو المؤمن على طريق الإيمان،و يعينه

ص: 73

على أداء الطّاعات و العبادات.(1:80)

2- وَ الصّابِرِينَ وَ الصّابِراتِ وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ...

الأحزاب:35

ابن عبّاس: وَ الْخاشِعِينَ :المتواضعين من الرّجال. وَ الْخاشِعاتِ :المتواضعات من النّساء.

(354)

سعيد بن جبير: اَلْخاشِعِينَ :المتواضعين للّه في الصّلاة،من لا يعرف من عن يمينه و لا من عن يساره، و لا يلتفت من الخشوع للّه وَ الْخاشِعاتِ :

المتواضعات من النّساء.(الدّرّ المنثور 6:609)

عطاء بن أبي رباح:و من صلّى فلم يعرف من عن يمينه و يساره فهو داخل في قوله: وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ. (الميبديّ 8:46)

قتادة :الخائفين و الخائفات.

مثله يحيى بن سلاّم.(الماورديّ 4:403)

الكلبيّ: المصلّين و المصلّيات.(الماورديّ 4:403)

الطّبريّ: الخاشعة قلوبهم للّه وجلا منه و من عقابه.(10:299)

الطّوسيّ: اَلْخاشِعِينَ يعني المتواضعين غير المتكبّرين. وَ الْخاشِعاتِ :مثل ذلك.(8:341)

القشيريّ: إطراق السّريرة عند بواده الحقيقة.

(5:162)

الواحديّ: وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ في الصّلاة.(3:471)

البغويّ: قيل:أراد به الخشوع في الصّلاة،و من الخشوع أن لا يلتفت.(3:640)

نحوه الخازن.(5:214)

الزّمخشريّ: الخاشع:المتواضع للّه بقلبه و جوارحه.(3:261)

نحوه البيضاويّ(2:245)،و النّسفيّ(3:303)، و الشّربينيّ(3:247)،و أبو السّعود(5:226)، و الكاشانيّ(4:190)،و المشهديّ(8:167)،و شبّر (5:146)،و الآلوسيّ(22:21).

الفخر الرّازيّ: ...ثمّ إنّه إذا كمل و كمل قد يفتخر بنفسه و يعجب بعبادته،فمنعه بقوله:

وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ أو نقول:لمّا ذكر هذه الحسنات أشار إلى ما يمنع منها،و هو إمّا حبّ الجاه أو حبّ المال من الأمور الخارجيّة،أو الشّهوة من الأمور الدّاخلة،و الغضب منهما يكون،لأنّه يكون بسبب نقص جاه،أو فوت مال،أو منع من أمر مشتهى، فقوله: وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ، أي المتواضعين الّذين لا يميلهم الجاه عن العبادة.(25:210)

القرطبيّ: الخاشع:الخائف للّه.(14:185)

النّيسابوريّ: فيه إشارة إلى الصّلاة،لأنّ الخشوع من لوازمها.(21:12)

ابن كثير :الخشوع:السّكون و الطّمأنينة،و التّؤدة و الوقار،و التّواضع،و الحامل عليه الخوف من اللّه تعالى و مراقبته،كما في الحديث:«أعبد اللّه كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».(5:461)

نحوه القاسميّ.(13:486)

ص: 74

الشّوكانيّ: الخاشع و الخاشعة هما:المتواضعان للّه ،الخائفان منه،الخاضعان في عباداتهم للّه.(4:353)

سيّد قطب :الخشوع:صفة القلب و الجوارح الدّالّة على تأثّر القلب بجلال اللّه،و استشعار هيبته و تقواه.(5:2863)

ابن عاشور :أهل الخشوع،و هو الخضوع للّه و الخوف منه،و هو يرجع إلى معنى الإخلاص بالقلب فيما يعمله المكلّف،و مطابقة ذلك لما يظهر من آثاره على صاحبه،و المراد:الخشوع للّه بالقلب و الجوارح.

(21:252)

الطّباطبائيّ: الخشوع:تذلّل باطنيّ بالقلب،كما أنّ الخضوع تذلّل ظاهريّ بالجوارح.(16:314)

عبد الكريم الخطيب :الخشوع:-و هو الولاء للّه، و الامتثال لأمره-هو أوّل ما تفتّح من زهر بيد الصّبر.

(11:712)

مكارم الشّيرازيّ: نحن نعلم أنّ أحد أسوإ الآفات الأخلاقيّة هو الكبر و الغرور و حبّ الجاه، و النّقطة الّتي تقع في مقابله هي الخشوع،لذلك كانت الصّفة السّادسة وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ.

(13:231)

فضل اللّه :الّذين عرفوا للّه في آفاق عظمته، و انفتحوا على حاجاتهم إليه في مواضع نعمته،فعاشوا الخشوع في عقولهم،و امتدّ معهم في قلوبهم،و تحوّل إلى هزّة روحيّة خاضعة خاشعة في مشاعرهم،و في حركات أجسادهم.(18:308)

خشّعا

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ* خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ.

القمر:6،7

قتادة :ذليلة أبصارهم.(الطّبريّ 11:549)

الطّبريّ: يقول:ذليلة،أبصارهم خاشعة،لا ضرر بها.[إلى أن قال:]

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة و بعض المكّيّين و الكوفيّين خُشَّعاً بضمّ الخاء و تشديد الشّين بمعنى خاشع،و قرأ عامّة قرّاء الكوفة و بعض البصريّين (خاشعا ابصارهم) بالألف على التّوحيد،اعتبارا بقراءة عبد اللّه؛و ذلك أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه (خاشعة ابصارهم) ،و ألحقوه و هو بلفظ الاسم في التّوحيد؛إذ كان صفة،بحكم«فعل و يفعل»في التّوحيد إذا تقدّم الأسماء.[ثمّ استشهد بشعر](11:549)

الزّجّاج: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ منصوب على الحال،المعنى يخرجون من الأجداث خشّعا أبصارهم.

و قرئت (خاشعا ابصارهم) ،و قرأ ابن مسعود:

(خاشعة ابصارهم) .و لك في أسماء الفاعلين إذا تقدّمت على الجماعة التّوحيد،نحو(خاشعا ابصارهم)،و لك التّوحيد و التّأنيث-لتأنيث الجماعة-، (خاشعة ابصارهم) و لك الجمع نحو خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ. تقول:

مررت بشباب حسن أوجههم و حسان أوجههم و حسنة أوجههم.[ثمّ استشهد بشعر](5:86)

نحوه الواحديّ(4:208)،و البغويّ(4:322).

ص: 75

الطّوسيّ: فمعنى الخاشع:الخاضع،خشع يخشع خشوعا،فهو خاشع؛و الجمع:خشّع،و يخشع الرّجل إذا نسك،و(خاشعا)حال مقدّمة،و العامل فيها (يخرجون.)و قيل: (خاشعا ابصارهم) لتقدّم الصّفة على الاسم.[ثمّ استشهد بشعر](9:445)

الميبديّ: [ذكر القراءات و قال:]

أي ذليلة أبصارهم عند رؤية العذاب،و هو منصوب على الحال،و أضاف إلى البصر،لأنّ ذلّة الذّليل و عزّة العزيز يتبيّن في نظره.(9:388)

الزّمخشريّ: (خاشعة أبصارهم)حال من الخارجين فعل للأبصار،و ذكّر،كما تقول:يخشع أبصارهم.

و قرئ (خاشعة) على تخشع أبصارهم و خُشَّعاً على يخشعن أبصارهم،و هي لغة من يقول:«أكلوني البراغيث»و هم طيّئ.و يجوز أن يكون في خُشَّعاً ضمير«هم»و تقع أبصارهم بدلا عنه.و قرئ (خشّع ابصارهم) على الابتداء و الخبر،و محلّ الجملة النّصب على الحال،كقوله:

وجدته حاضراه الجواد و الكرم

و خشوع الأبصار كناية عن الذّلّة و الانخذال، لأنّ ذلّة الذّليل و عزّة العزيز تظهران في عيونهما.

(4:36)

نحوه العكبريّ(02:1193)،و البيضاويّ(2:

435)،و النّسفيّ(4:202)،و الشّربينيّ(4:144).

الفخر الرّازيّ: فيه قراءات: (خاشعا) و (خاشعة) و خُشَّعاً. فمن قرأ(خاشعا)على قول القائل:«يخشع أبصارهم»على ترك التّأنيث،لتقدّم الفعل.و من قرأ(خاشعة)على قوله:«تخشع أبصارهم».و من قرأ خُشَّعاً فله وجوه:

أحدها:قول من يقول:«يخشعن أبصارهم»على طريقة من يقول:«أكلوني البراغيث».

ثانيها:في(خشعا)ضمير(ابصارهم)بدل عنه، تقديره:يخشعون أبصارهم على بدل الاشتمال،كقول القائل:«أعجبوني حسنهم».

ثالثها:فيه فعل مضمر يفسّره(يخرجون) تقديره:يخرجون خشّعا أبصارهم،على بدل الاشتمال.

و الصّحيح(خاشعا).روي أنّ مجاهدا رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في منامه،فقال له:يا نبيّ اللّه خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ أو (خاشعا ابصارهم)؟ فقال عليه السّلام:(خاشعا).

و لهذه القراءة وجه آخر أظهر ممّا قالوه،و هو أن يكون خُشَّعاً منصوبا على أنّه مفعول بقوله: يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ (خشعا)،أي يدعو هؤلاء.

فإن قيل:هذا فاسد من وجوه:

أحدها:أنّ التّخصيص لا فائدة فيه،لأنّ الدّاعي يدعو كلّ أحد.

ثانيها:قوله: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ بعد الدّعاء فيكونون خشّعا قبل الخروج،و إنّه باطل.

ثالثها:قراءة (خاشعا) تبطل هذا.

نقول:أمّا الجواب عن الأوّل فهو أن يقال:قوله:

إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ يدفع ذلك،لأنّ كلّ أحد لا يدعى إلى شيء نكر.

و عن الثّاني:المراد من شَيْءٍ نُكُرٍ :الحساب

ص: 76

العسر،يعني يوم يدع الدّاع إلى الحساب العسر خُشَّعاً و لا يكون العامل في يَوْمَ يَدْعُ (يخرجون)بل«اذكروا»أو فَما تُغْنِ النُّذُرُ القمر:

5،كما قال تعالى: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ المدّثّر:48،و يكون(يخرجون)ابتداء كلام.

و عن الثّالث:أنّه لا منافاة بين القراءتين،و(خاشعا) نصب على الحال أو على أنّه مفعول(يدع)كأنّه يقول:يدعو الدّاعي قوما خاشعة أبصارهم.

و الخشوع:السّكون،قال تعالى: وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ طه:108،و خشوع الأبصار:سكونها على كلّ حال لا تلتفت يمنة و لا يسرة،كما في قوله تعالى: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ إبراهيم:43.

(29:33)

نحوه النّيسابوريّ.(27:50)

أبو حيّان :قرأ قتادة و أبو جعفر و شيبة و الأعرج و الجمهور: خُشَّعاً جمع تكسير،و ابن عبّاس و ابن جبير و مجاهد و الجحدريّ و أبو عمرو و حمزة و الكسائيّ: (خاشعا) بالإفراد.و قرأ أبيّ و ابن مسعود: (خاشعة) ،و جمع التّكسير أكثر في كلام العرب.

و قال الفرّاء و أبو عبيدة:كلّه جائز.

و انتصب خُشَّعاً و(خاشعا)و(خاشعة)على الحال من ضمير(يخرجون)،و العامل فيه (يخرجون)،لأنّه فعل متصرّف.و في هذا دليل على بطلان مذهب الجرميّ،لأنّه لا يجوّز تقدّم الحال على الفعل و إن كان متصرّفا،.و قد قالت العرب:«شتّى تؤوب الحلبة»،ف«شتّى»حال،و قد تقدّمت على عاملها و هو«تؤوب»،لأنّه فعل متصرّف.

و قيل:هو حال من الضمير المجرور في(عنهم) من قوله: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ.

و قيل:هو مفعول ب(يدع)،أي قوما خشعا،أو فريقا خشّعا.و فيه بعد،و من أفرد(خاشعا)و ذكّر، فعلى تقدير:تخشع أبصارهم،و من قرأ (خاشعة) و أنّث،فعلى تقدير:تخشع،و من قرأ خُشَّعاً جمع تكسير،فلأنّ الجمع موافق لما بعده،و هو (ابصارهم)،و موافق للضّمير الّذي هو صاحب الحال في(يخرجون)،و هو نظير قولهم:«مررت برجال كرام آباؤهم».و قال الزّمخشريّ: خُشَّعاً على:يخشعن أبصارهم،و هي لغة من يقول:«أكلوني البراغيث»،و هم طيّئ.انتهى.و لا يجري جمع التّكسير مجرى جمع السّلامة،فيكون على تلك اللّغة النّادرة القليلة.

و قد نصّ سيبويه على أنّ جمع التّكسير أكثر في كلام العرب،فكيف يكون أكثر،و يكون على تلك اللّغة النّادرة القليلة؟و كذا قال الفرّاء حين ذكر الإفراد مذكّرا و مؤنّثا،و جمع التّكسير.قال:«لأنّ الصّفة متى تقدّمت على الجماعة،جاز فيها جميع ذلك».و الجمع موافق للفظها،فكان أشبه،انتهى.

و إنّما يخرج على تلك اللّغة إذا كان الجمع مجموعا بالواو و النّون نحو:«مررت بقوم كريمين آباؤهم».

و الزّمخشريّ قاس جمع التّكسير على هذا الجمع السّالم.و هو قياس فاسد،و يردّه النّقل عن العرب أنّ جمع التّكسير أجود من الإفراد،كما ذكرناه

ص: 77

عن سيبويه،و كما دلّ عليه كلام الفرّاء.

و جوّز أن يكون في(خشعا)ضمير،و(ابصارهم) بدل منه.و قرئ: (خشّع ابصارهم) ،و هي جملة في موضع الحال،و (خشّع) خبر مقدّم.

و خشوع الأبصار:كناية عن الذّلّة،و هي في العيون أظهر منها في سائر الجوارح.و كذلك أفعال النّفس من ذلّة،و عزّة،و حياء،و صلف،و خوف، و غير ذلك.[و استشهد بالشّعر مرّتين](8:175)

نحوه السّمين(6:223)،و الآلوسيّ(27:80).

سيّد قطب :هذه المجموع خاشعة أبصارها من الذّلّ و الهول،و هي تسرع في سيرها نحو الدّاعي، الّذي يدعوها،لأمر غريب نكير شديد،لا تعرفه و لا تطمئنّ إليه.(6:3429)

عزّة دروزة :و أبصارهم خاشعة من الخوف و الفزع و شدّة الهول الّذي لا مثيل له؛و حيث يتيقّنون أنّ يومهم يوم عسير جدّا.(2:62)

ابن عاشور :أي ذليلة ينظرون من طرف خفيّ لا تثبت أحداقهم في وجوه النّاس،و هي نظرة الخائف المفتضح،و هو كناية،لأنّ ذلّة الذّليل و عزّة العزيز تظهران في عيونهما.(27:171)

مغنيّة:أذلاّء خاضعين يموج بعضهم ببعض من الحيرة و الدّهشة.(7:191)

الطّباطبائيّ: الخشّع:جمع خاشع،و الخشوع نوع من الذّلّة،و نسب إلى«الأبصار»لأنّ ظهوره فيها أتمّ.

(19:58)

مكارم الشّيرازيّ: نسب الخشوع هنا للأبصار و ذلك لأنّ المشهد مرعب و مخيف إلى حدّ لا تستطيع الأنظار رؤيته لذلك،فإنّها تعرض عنه و تتحوّل بالنّظر نحو الأسفل.(17:280)

خاشعة

1- خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ. القلم:43

نظير ما قبلها.

2- ...وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ... فصّلت:39

ابن عبّاس: ذليلة،منكسرة،ميّتة.(404)

قتادة :أي غبراء متهشّمة.(الطّبريّ 11:113)

السّدّيّ: يابسة متهشّمة.(الطّبريّ 11:113)

نحوه الطّبرسيّ.(5:15)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و من حجج اللّه أيضا و أدلّته على قدرته على نشر الموتى-من بعد بلاها- و إعادتها لهيئتها كما كانت من بعد فنائها-أنّك يا محمّد ترى الأرض دارسة غبراء لا نبات بها و لا زرع.

(11:113)

السّجستانيّ: أي ساكنة مطمئنّة.(166)

الثّعلبيّ: يابسة دارسة لا نبات فيها.(8:297)

القيسيّ: نصب على الحال من(الارض)لأنّ (ترى)من رؤية العين.(2:272)

نحوه أبو البركات.(2:341)

الماورديّ: [نقل قول قتادة و السّدّيّ ثمّ قال:] و يحتمل ثالثا:ذليلة بالجدب،لأنّها مهجورة.(5:184)

ص: 78

الزّمخشريّ: الخشوع:التّذلّل و التّقاصر، فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لا نبات فيها، كما وصفها ب«الهمود»في قوله تعالى: وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً الحجّ:5.(3:454)

نحوه النّسفيّ(4:96)،و أبو حيّان(7:499).

ابن عطيّة: و خشوع الأرض:هو ما يظهر عليها من استكانة و شعث بالجدب و صليم السّموم،فهي عابسة،كما الخاشع عابس يكاد يبكي.(5:18)

الفخر الرّازيّ: الخشوع:التّذلّل و التّصاغر، و استعير هذا اللّفظ لحال الأرض حال خلوّها عن المطر و النّبات.(130:27)

القرطبيّ: أي يابسة جدبة،هذا وصف الأرض بالخشوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأرض الخاشعة:الغبراء الّتي لا تنبت،و بلدة خاشعة،أي مغيّرة لا منزل بها،و مكان خاشع.

(15:365)

البيضاويّ: يابسة متطامنة،مستعار من الخشوع بمعنى التّذلّل.(2:349)

مثله الآلوسيّ.(24:126)

ابن جزيّ: عبارة عن قلّة النّبات.(4:14)

ابن كثير :أي هامدة لا نبات فيها،بل هي ميّتة.

(6:179)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]شبّه يبس الأرض و خلوّها عن الخير و البركة،بكون الشّخص خاشعا ذليلا عاريا،لا يؤبه به لدناءة هيئته، فهي استعارة تبعيّة،بمعنى يابسة جدبة.(8:267)

القاسميّ: أي ساكنة لا حركة لعشب فيها، و لا نبات و لا زرع.(14:5210)

عزّة دروزة :(خاشعة):لعلّها بمعنى جافّة أو جامدة.(5:149)

ابن عاشور :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

لأنّ حالها في تلك الخصاصة كحال المتذلّل،و هذا من تشبيه المحسوس بالمعقول،باعتبار ما يتخيّله النّاس من مشابهة اختلاف حالي القحولة و الخصب بحالي التّذلّل و الازدهار.[إلى أن قال:]

و في قوله:(خاشعة):و(اهتزت)مكنيّة،بأن شبّهت بشخص كان ذليلا،ثمّ صار مهتزّا لعطفيه، و رمز إلى المشبّه بهما بذكر رديفيهما.فهذا من أحسن التّمثيل.و هو الّذي يقبل تفريق أجزائه في أجزاء التّشبيه.(25:66)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى ضراعة الأرض في جدبها و مواتها،و ما تكون عليه من شحوب الفقر و المسغبة.إنّها أشبه بالكائن الحيّ حين تنقطع عنه موارد حياته،فيضرّع و يخشع و يذلّ.

(12:1324)

مكارم الشّيرازيّ: (خاشعة)من الخشوع، و تعني في الأصل:التّضرّع و التّواضع الملازم للأدب.

و استخدام هذا التّعبير بخصوص الأرض الميّتة اليابسة، يعتبر نوعا من الكناية.

فالأرض اليابسة الفاقدة للماء،ستخلو من أيّ نوع من أنواع النّبات،و ستشبه الإنسان السّاقط أرضا،أو الميّت الّذي لا حراك فيه،إلاّ أنّ نزول المطر

ص: 79

سيهب لها الحياة،و يجعلها تتحرّك و تنمو.(15:382)

فضل اللّه :خشوع في سكونها و برودتها و ذلّتها، فلا شيء يتحرّك فيها،بل هو التّراب الّذي تتلاعب به الرّياح،فيستسلم لها،لتنقّله من مكان إلى مكان، فلا يثير إلاّ الغبار.(20:123)

3- أَبْصارُها خاشِعَةٌ* يَقُولُونَ أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ. النّازعات:9،10

ابن عبّاس: ذليلة.(500)

مثله قتادة(الطّبريّ 12:426)،و الزّجّاج(5:

278)،و نحوه زيد بن عليّ(459).

عطاء:يريد أبصار من مات على غير الإسلام و يدلّ على هذا أنّه ذكر منكري البعث.

(الواحديّ 4:419)

ابن زيد :(خاشعة)للذّلّ الّذي قد نزل بها.

(الطّبريّ 12:426)

الطّبريّ: يقول:أبصار أصحابها ذليلة ممّا قد علاها،من الكآبة و الحزن من الخوف و الرّعب الّذي قد نزل بهم،من عظيم هول ذلك اليوم.(12:426)

نحوه الزّمخشريّ(4:212)و القاسمي 17:6046)

الثّعلبيّ: يعنى هؤلاء المكذّبين للبعث من مشركي مكّة،إذا قيل لهم:إنّكم مبعوثون بعد الموت.(10:125)

الطّوسيّ: أي خاضعة ذليلة من هول ذلك اليوم.

[ثمّ استشهد بشعر](10:253)

مثله الطّبرسيّ: (5:430)

الواحديّ: ذليلة؛و ذلك عند معاينة النّار،كقوله:

خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ الشّورى:45.(4:419)

نحوه البغويّ(5:206)،و الشّربينيّ(4:477).

الميبديّ: [نحوه الواحديّ و أضاف:]

و قال في موضع: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ القمر:7، و الهاء راجعة إلى النّفس الّتي فيها القلوب.(10:368)

الزّمخشريّ: ذليلة.(4:212)

الفخر الرّازيّ: و قوله: أَبْصارُها خاشِعَةٌ لأنّ المعلوم من حال المضطرب الخائف أن يكون نظره نظر خاشع ذليل خاضع،يترقّب ما ينزل به من الأمر العظيم.(31:35)

القرطبيّ: منكسرة ذليلة من هول ما ترى.نظيره:

خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ القلم:43، و المعنى أبصار أصحابها،فحذف المضاف.

(19:194)

نحوه النّسفيّ(4:329)،و الخازن(7:171)، و ابن جزيّ(4:176).

البيضاويّ: أبصار أصحابها ذليلة من الخوف، و لذلك أضافها إلى القلوب.(2:537)

نحوه الكاشانيّ(5:28)،و شبّر(6:357).

ابن كثير :أي أبصار أصحابها،و إنّما أضيفت إليها للملابسة،أي ذليلة حقيرة ممّا عاينت من الأهوال.(7:205)

أبو السّعود :جملة من مبتدإ و خبر وقعت خبرا ل(قلوب).و قد مرّ أنّ حقّ الصّفة أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف عند السّامع،حتّى قالوا:«إنّ الصّفات قبل العلم بها أخبار،و الأخبار بعد العلم بها

ص: 80

صفات»فحيث كان ثبوت الوجيف للقلوب،و ثبوت الخشوع لأبصار أصحابها سواء في المعرفة و الجهالة، كان جعل الأوّل عنوانا للموضوع مسلّم الثّبوت، مفروغا عنه،و جعل الثّاني مخبرا له مقصود الإفادة، تحكّما بحتا.

على أنّ الوجيف-الّذي هو عبارة عن شدّة اضطراب القلب و قلقه من الخوف و الوجل-،أشدّ من خشوع البصر و أهون،فجعل أهون الشّرّين عمدة،و أشدّهما فضلة،ممّا لا عهد له في الكلام.

و أيضا فتخصيص الخشوع بقلوب موصوفة بصفة معيّنة،غير مشعرة بالعموم و الشّمول،تهوين للخطب في موقع التّهويل.

فالوجه أن يقال:تنكير(قلوب)يقوم مقام الوصف المختصّ،سواء حمل على التّنويع-كما قيل- و إن لم يذكر النّوع لما قيل،فإنّ المعنى منسحب عليه، أو على التّكثير كما«هو شرّ أهرّ ذا ناب»،فإنّ التّفخيم كما يكون بالكيفيّة يكون بالكميّة أيضا،كأنّه قيل:

قلوب كثيرة يوم إذ يقع النّفختان واجفة،أي شديدة الاضطراب.(6:366)

البروسويّ: ذليلة من الخوف بسبب الإعراض عن اللّه و الإقبال على ما سواء،يترقّبون أيّ شيء ينزل عليهم من الأمور العظام.و أسند الخشوع إليها مجازا،لأنّ أثره يظهر فيها.(10:317)

الآلوسيّ: أي أبصار أهلها ذليلة من الخوف، و لذلك أضافها إليها،فالإضافة لأدنى ملابسة.

و جوّز أن يراد ب«الأبصار»:البصائر،أي صارت البصائر ذليلة،لا تدرك شيئا،فكنّي بذلّها عن عدم إدراكها،لأنّ عزّ البصيرة إنّما هي بالإدراك.

و بحث في كون القلوب غير مدركة يوم القيامة.

و أجيب بأنّ المراد شدّة الذّهول و الحيرة،جملة من مبتدإ و خبر في محلّ رفع على الخبريّة ل(قلوب).[ثمّ ذكر نحو أبي السّعود](30:26)

طنطاوي:ذليلة لهول ما نعاين.(25:33)

الطّباطبائيّ: و نسبة الخشوع إلى الأبصار- و هو من أحوال القلب-إنّما هي لظهور أثره الدّالّ عليه في الأبصار،أقوى من سائر الأعضاء.(20:185)

عبد الكريم الخطيب :الخاشعة الذّليلة.و إنّما أوقع الذّلّ على الأبصار،لأنّها هي المرآة الّتي تتجلّى على صفحتها أحوال الإنسان،و ما يقع في القلب من مسرّات و مساءات.(15:1434)

مكارم الشّيرازيّ: فيبدو الاضطراب و الخوف باديا على أعين المذنبين،و تتوقّف حركتها،و كأنّها قد فقدت ملكة النّظر،لما أصابها من خوف شديد.

(19:335)

فضل اللّه :في ما يواجه هؤلاء النّاس من الموقف الهائل الّذي يثير الرّعب في الكيان كلّه من خلال ما يمكن أن يواجه من أهوال القيامة في عذاب النّار، الّذي كانوا يستبعدون و يسخرون من النّبيّ الّذي يدعوهم إلى الإيمان به،و ينذرهم يومه.(24:33)

4- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ* عامِلَةٌ ناصِبَةٌ.

الغاشية:3،2

ص: 81

سعيد بن جبير:أنّها تخشع بعد ذلّ من عذاب اللّه، فلا تتنعّم.(الماورديّ 6:258)

قتادة :ذليلة بمعاصيها.(الماورديّ 6:258)

الإمام الصّادق:عليه السّلام:خاضعة لا تطيق الامتناع.

(العروسيّ 5:563)

مقاتل:يعني الكفّار،لأنّها تكبّرت عن عبادة اللّه.

(الواحديّ 4:473)

القيسيّ: ذلك الخشوع في الآخرة.(2:473)

الماورديّ: [ذكر قول قتادة و ابن جبير ثمّ قال:]

يحتمل وجها ثالثا:أن تكون(خاشعة)لتظاهرها بطاعته بعد اعترافها بمعصيته.(6:258)

الطّوسيّ: معناه أنّ وجوه العصاة و الكفّار في ذلك ذليلة خاضعة،من ذلّ المعاصي الّتي فعلتها في دار الدّنيا.(10:334)

الميبديّ: ذليلة متواضعة.و الخشوع:التّذلّل و الاتّضاع،يعني وجوه الكفّار،فهم(يومئذ) خاشعون من الذّلّ.هذا كقوله: وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ... الشّورى:45.(10:469)

ابن عطيّة: الوجوه الخاشعة:وجوه الكفّار، و خشوعها:ذلّها و تغيّرها بالعذاب.(5:472)

نحوه طنطاوي.(25:144)

الطّبرسيّ: أي ذليلة بالعذاب الّذي يغشاها و الشّدائد الّتي تشاهدها.(5:478)

الفخر الرّازيّ: أي ذليلة قد عراهم الخزي و الهوان،كما قال: وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ السّجدة:12،و قال:: وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ الشّورى:45.و إنّما يظهر الذّلّ في الوجه،لأنّه ضدّ الكبر الّذي محلّه الرّأس و الدّماغ.(31:151)

نحوه النّسفيّ(4:351)،و البروسويّ(10:412) و المراغيّ(30:131).

القرطبيّ: أي ذليلة بالعذاب.و كلّ متضائل ساكن خاشع.يقال:خشع في صلاته،إذا تذلّل و نكّس رأسه،و خشع الصّوت:خفي.قال اللّه: وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ طه:108.(20:26)

النّيسابوريّ: و المراد ب«الوجه»الذّات،و وجه حسن هذا المجاز،أنّ الخشوع و الانكسار،و الذّلّ، و أضدادها يتبيّن أكثرها في الوجه،كقوله:

وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ الشّورى:45.

(30:81)

الشّربينيّ: أي ذليلة من الخجل و الفضيحة، و الخوف من العذاب.(4:525)

الآلوسيّ: المراد ب(خاشعة)ذليلة،و لم توصف بالذّلّ ابتداء،لما في وصفها بالخشوع من الإشارة إلى التّهكّم،و أنّها لم تخشع في وقت ينفع فيه الخشوع.

(30:112)

سيّد قطب :إنّه يعجّل بمشهد العذاب قبل مشهد النّعيم،فهو أقرب إلى جوّ الغاشية و ظلّها،فهناك:

يومئذ وجوه خاشعة ذليلة متعبة مرهقة،عملت و نصبت،فلم تحمد العمل،و لم ترض العاقبة،و لم تجد إلاّ الوبال و الخسارة،فزادت مضضا و إرهاقا و تعبا.

(6:3896)

ص: 82

الطّباطبائيّ: أي مذلّة بالغمّ،و العذاب يغشاها.

و الخشوع إنّما هو لأرباب الوجوه،و إنّما نسب إلى الوجوه،لأنّ الخشوع و المذلّة يظهر فيها.(20:273)

عبد الكريم الخطيب :خشوعها:هو خشوع ذلّة،و ضراعة،و مهانة،و ليس خشوع تقوى و توقير و إجلال،فللذّلّ خشوع انكسار،و امتهان،تموت معه العواطف و المشاعر،كما يقول تعالى في أصحاب النّار:

وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ الشّورى:45.

(15:1538)

مكارم الشّيرازيّ: لا شكّ أنّ الوضع النّفسيّ و الرّوحيّ،تنعكس آثاره على وجه صاحبه،لذا فسترى تلك الوجوه و قد علتها علائم الخسران و الخشوع،لما أصابها من ذلّ و خوف و وحشة، و هم بانتظار ما سيحلّ بهم من عذاب مهين أليم.

و قيل:الوجوه هنا بمعنى وجهاء القوم و رؤساء الكفر و الطّغيان،لما سيكون لهم من ذلّ و هوان و عذاب أشدّ من غيرهم.و لكنّ المعنى الأوّل أنسب.

(20:139)

فضل اللّه :تلك هي وجوه الأشقياء الّذين رفضوا مواقف الخشوع للّه في الدّنيا،فلم يستغرقوا في مواقع عظمته،و لم يعيشوا روحيّة العبوديّة في الابتهال إليه، و الصّلاة بين يديه،و الانفتاح على آفاق رحمته في مواقف رضاه،بل استكبروا،و عاندوا،و تمرّدوا،على رسوله و كتابه،فجاءت الغاشية الّتي أطبقت عليهم من كلّ جانب،فلا يجدون الآن مجالا للفرار و لا للخلاص، ليعيشوا الخشوع في أجواء الذّلّ و الانكسار عند ما يواجهون المصير المظلم في حاضرهم الّذي تنتظره جهنّم،لتحتويهم في داخلها.(24:221)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخشعة،و هي أكمة لاطئة بالأرض سهلة؛و الجمع:خشع.يقال:

أكمة خاشعة،أي ملتزقة لاطئة بالأرض،و الخاشع من الأرض:الّذي تثيره الرّياح لسهولته فتمحو آثاره، و بلدة خاشعة:مغبرة لا منزل بها،و خشعت الأرض:

يبست و لم تمطر.يقال:رأينا أرض بني فلان خاشعة هامدة ما فيها خضراء،و جدار خاشع:تداعى و استوى مع الأرض.

و يقال على التّشبيه:خشع سنام البعير،أي أنضي فذهب شحمه و تطأطأ شرفه،و خشعت الكواكب خشوعا:غارت و كادت تغيب في مغيبها،و خشع الرّجل خراشيّ صدره:رمي بها،لأنّ الخرشاء تلصق بالأرض للزوجتها.

و الخشعة:ولد البقير،و هي المرأة الّتي تموت و في بطنها ولد حيّ،فيبقر بطنها و يخرج،تشبيها بالخشعة.

و الخشوع:التّطامن و الضّراعة،يقال خشع يخشع خشوعا،و اختشع و تخشّع،أي رمى ببصره نحو الأرض و غضّه و خفض صوته،فهو خاشع،من قوم خشّع،و خشع بصره:انكسر،و اختشع:طأطأ صدره و تواضع،و التّخشّع:تكلّف الخشوع،و التّخشّع للّه:

الإخبات و التّذلّل.

2-و من كلام المولّدين:خشّعه تخشيعا،أي حقّره

ص: 83

و حطّ من قدره،و استعمله ابن جبير بمعنى الخشوع في وصف بعض المراسيم في البيت الحرام،فقال:«قام الخطيب فصدع بخطبة،تحرّك لها أكثر النّفوس من جهة التّرجيع،لا من جهة التّذكير و التّخشيع» (1)و هذا ديدنه في مواضع كثيرة من كتابه؛إذ ذكر فيه كثيرا من المعاني الغريبة،و منها قوله:«ثقّف الابن المذكور»، (2)يريد به حبسه و اعتقله،و المشهور في اللّغة:أدّبه و هذّبه و علّمه.

و قال في وصف أهل النّجف:«لا يجمّعون مع النّاس»، (3)يريد لا يصلّون جماعة،و مثله في الصّفحتين:(231)و(277)من رحلته.و قال أيضا في الصّفحة(278):«فتأجّر فيه و التزم تمريضه و خدمته»، (4)يريد رجا أن ينال من اللّه الأجر.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«الماضي و المضارع»كلّ منهما مرّة، و«اسم الفاعل»مفردا 5 مرّات،و جمعا 8 مرّات، و«المبالغة»مرّة،و«المصدر:«الخشوع»مرّة في 16 آية:

1-خشوع الأصوات

1- ...وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً طه:108

2-خشوع الأبصار

2- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ القمر:7

3 و 4- خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ...

المعارج:44،القلم:43

5- قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ* أَبْصارُها خاشِعَةٌ

النّازعات:8،9

3-خشوع الوجوه و القلوب و النّفوس

6- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ* وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ الغاشية:1،2

7- وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ ... الشّورى:45

8- أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ... الحديد:16

9- وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً الإسراء:109

10- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ المؤمنون:1 و 2

11- وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ البقرة:45

12- وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً... آل عمران:199

ص: 84


1- رحلة ابن جبير(131).
2- نفس المصدر(328).
3- نفس المصدر(78).
4- نفس المصدر(278).

13- ...وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ الأنبياء:90

14- ...وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ... الأحزاب:35

15- وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً...

فصّلت:39

5-خشوع الأرض و الجبل

16- لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ... الحشر:21

يلاحظ أوّلا:أنّ الخشوع جاء في محورين:

المحور الأوّل:الدّنيا:و جاء الخشوع فيها ممدوحا في 9 آيات:(8-16):

أ:خشوع قلوب المؤمنين لذكر اللّه في(8): أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ، و فيها بحوث:

1-فسّر الخشوع بالخضوع و الذّلّة،و هو بعيد هنا،لأنّ هذا المعنى من مقتضيات الإيمان،كقوله في إخبات القلوب: وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ الحجّ:54، و لينها أيضا: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللّهِ الزّمر:23.

و الأصحّ أن يفسّر الخشوع في الدّنيا بالسّكون و الطّمأنينة و نحوهما،كما في قوله: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ الرّعد:28.و الخشوع في الآخرة-حسب ما يأتي-ينبغي أن يفسّر بالخوف و الذّلّة و نحوهما.

2-احتملوا في(ذكر اللّه)القرآن و غيره،فإن أريد به القرآن فالخشوع له:الانقياد التّامّ لأوامره و نواهيه، و العكوف على العمل بما فيه من الأحكام من غير توان،و لا فتور،و عليه ف«اللاّم»صلة للخشوع، و«الذّكر»مضاف إلى الفاعل،و«اللاّم»للعلّة لمواعظ اللّه الّتي ذكرها في القرآن،و لآياته الّتي تتلى فيه،أي أن تلين قلوبهم لأجل ذكر اللّه.

و إن أريد به غير القرآن،فالمعنى أن ترقّ و تلين قلوبهم إذا ذكر اللّه،فإنّ ذكر اللّه سبب لخشوع القلوب أيّ سبب.و عليه ف«الذّكر»مضاف إلى مفعوله، و«اللاّم»بمعنى الوقت.

و فسّر القاسميّ(ذكر الله)بذكر اسمه الكريم و ما يوجبه من الوجل منه و الخشية،أو لذكر وعده و وعيده.و حمله الطّوسيّ على سماع ذكر اللّه،و قال:

«الخشوع:لين القلب للحقّ بالانقياد له،و مثله الخضوع،و ضدّه قسوة القلب».

و لو حمل على العموم لكان وجها وجيها،فإنّ القرآن و ذكر اسم اللّه و ذكره،و وعده و وعيده كلّها ذكر اللّه.

3-عدّ فضل اللّه هذه الآية هزّة روحيّة تخاطب أفكار المؤمنين و مشاعرهم حتّى لا يتجمّد فيها الإيمان و قد أطال الكلام فيها،فلاحظ.

4-قيل هذه الآية دلّت على أنّه كان من المؤمنين من هو قاسي القلب بخلاف الآية(10): قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ؟

و أجيب:بأنّ المؤمن لا يكون في الجملة إلاّ خاشعا

ص: 85

خاضعا للّه و لا سيّما في الصّلاة،و إنّما أمر اللّه فيها بأن يخشعوا لذكر اللّه،و عند سماع القرآن،و اعتبروا به،لأنّ فيهم من يسمع غافلا لاهيا،كما قال: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ النّساء:82.

5-و حكى الفخر الرّازيّ عنهم أنّهم اختلفوا في نزولها في المنافقين،لأنّ المؤمن لا يكون إلاّ خاشع القلب في الجملة،فلا يقال ذلك إلاّ لمن ليس بمؤمن.أو في المؤمنين الّذين قلّت خشيتهم،أو زالت شدّة خشوعهم.هذا هو الحقّ،فإنّ اللّه تعالى قد يخاطب المؤمنين بما هو أشدّ من ذلك.لاحظ ذ ك ر:«ذكر اللّه».

ب-خشوع المؤمنين أنفسهم في(9)،و(10 و 14) و فيها بحوث:

1-هذه الآيات طائفتان:ثلاث منها في المسلمين:

(9 و 10 و 14)،و ثلاث في أهل الكتاب:(11 و 12 و 13)

و اقترن الخشوع في(9): وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً، بالخرور للأذقان و البكاء، و في(10): اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ بالصّلاة، و في(14): إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ وَ الصّادِقِينَ وَ الصّادِقاتِ وَ الصّابِرِينَ وَ الصّابِراتِ وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ وَ الصّائِمِينَ وَ الصّائِماتِ وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ وَ الذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَ الذّاكِراتِ أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً، بالإسلام و الإيمان و القنوت و الصّدق و الصّبر و التّصدّق و الصّوم و حفظ الفرج و ذكر اللّه.كما اقترن في(11): وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ، بالصّبر و الصّلاة،و في(12): لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ، بالإيمان باللّه و القرآن و التّوراة و الإنجيل،و في(13): إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ، بالمسارعة في الخيرات،و دعاء اللّه رغبا و رهبا.

و اشتركت الطّائفتان في الإيمان و الصّلاة و الصّبر، و ختمت الآية(14)بقوله: أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً، و ذكر فيها الإيمان،فهل تشمل مغفرة اللّه و أجره العظيم أهل الكتاب؟

ذهب فريق من المفسّرين-منهم الرّمّانيّ-إلى أنّ الآية(11)خطاب لأهل الكتاب.و ذهب فريق آخر منهم-كالجبّائيّ-إلى أنّها خطاب للمسلمين و وفّق الطّبرسيّ بين القولين بقوله:«و الأولى أن يكون خطابا لجميع المكلّفين،لفقد الدّلالة على التّخصيص».

و عندنا أنّ قول الجبّائيّ هو الأوفق بالسّياق.

و نزلت الآية(12)في النّجاشيّ حين موته،و كان قد أسلم في حياته-كما جاء في الأخبار-و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه لمّا نعاه جبريل له قال:«قوموا فصلّوا على أخيكم النّجاشيّ».

و الآية:(13)في زكريّا و زوجه و ابنه يحيى،كما جاء فيها و في الآية الّتي سبقتها.فالخشوع و ما يترتّب عليه من المغفرة و الأجر العظيم في هذه الآيات الثّلاث،يخصّ شريحة خاصّة من أهل الكتاب،إن قلنا بقول الرّمّانيّ في الآية(11).

ص: 86

2- وصل الخشوع في(10): اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ بصلة،و صلته(فى صلاتهم)،و هو لا يعدّي ب(في)كما رأيت في النّصوص اللّغويّة،فهي هنا ظرفيّة.غير أنّها زمانيّة مجازيّة،أي الّذين هم حين صلاتهم خاشعون،و نظيره قوله: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة:

179،أي حياتكم حين القصاص،على المجاز.

و تقديم الظّرف إمّا رعاية للفواصل-و هو الأولى -أو ليقرب ذكر الصّلاة من«الإيمان»فإنّهما أخوان.

3-ذكر اللّه وعده في(14)لمن يتّصف بالصّفات المذكورة بإعداد الثّواب لهم،حيث أكّد هذا المعنى ب«إنّ»دفعا للشّكّ و الرّيب في صدر الآية،ثمّ بيّن الثّواب: أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً في ذيل الآية،و ذكر بينهما مستحقّي هذا الثّواب بصيغة اسم الفاعل للصّفات العشر،و هي:الإسلام،و الإيمان، و القنوت،و الصّدق،و الصّبر،و الخشوع،و التّصدّق، و الصّوم،و الحفظ،و الذّكر.و هذه الصّفات ظاهريّة، إلاّ الإيمان و الخشوع،فهما صفتان باطنيّتان ظاهريّتان لأنّ الإيمان:التّصديق بالقلب و الإقرار باللّسان و الخشوع:رقّة القلب و خضوع الجوارح.

و لم تذكر الصّلاة هنا-و هي ركن الدّين و علم اليقين،و عبادة المسلمين-غير أنّه ذكر لازمها،و هو الخشوع،فلعلّه أراد به الصّلاة،و إليه ذهب بعض المتقدّمين،و قال الكلبيّ في تفسير قوله: وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ :«المصلّين و المصلّيات».

4-أمّا الخشوع في الصّلاة،فقالوا:إنّه قريب من الخضوع،إلاّ أنّ الخضوع في البدن،و الخشوع في القلب و البصر و الصّوت،و إنّ الخشوع محلّه القلب، فإذا خشع خشعت الجوارح كلّها لخشوعه،إذ هو ملكها،و إنّه حالة في القلب من الخوف و المراقبة و التّذلّل،لعظمة المولى جلّ جلاله،ثمّ يظهر أثره على الجوارح،لهذا قالوا:«الخاشعون بالظّاهر و الباطن»، و هو المخافة الثّابتة الدّائمة في القلب،و هو جمع الهمّة للصّلاة،و الإعراض عمّا سواها،و استشعار قلوبهم رهبة الموقف في الصّلاة بين يدي اللّه،فتسكن و تخشع، ليسري الخشوع منها إلى الجوارح و الملامح و الحركات و هو تأثّر خاصّ من المقهور قبال القاهر،بحيث ينقطع عن غيره بالتّوجّه إليه.

و الخشوع بهذا المعنى جامع لجميع المعاني الّتي فسّر بها الخشوع في الآية كالخوف،و سكون الجوارح، و غضّ البصر،و خفض الجناح،و تنكيس الرّأس،أو عدم الالتفات يمينا و شمالا،و نحوها فلاحظ النّصوص و لاحظ ص ل ي:«الصّلاة».

و من ذلك يعلم أنّ الصّلاة ليست مجرّد ألفاظ و حركات،بل هي حالة يعبّر بها بالذّوبان في معنى العبوديّة،و هي التّعبير الحيّ عن الإيمان العميق بالتّوحيد للّه عزّ و جلّ.و لمثل هذه الصّلاة الخاشعة أثر عظيم في إيقاظ مشاعر الخير بين المصلّين،و في تصفية أنفسهم من وسواس السّوء.

و قال القشيريّ: «الخشوع في الصّلاة إطراق السّتر على بساط النّجوى باستكمال نعت الهيبة، و الذّوبان تحت سلطان الكشف و الامتحاء عند

ص: 87

غلبات التّجلّي...».

و قد علمنا من تلك النّصوص أنّ للخشوع في الصّلاة ظاهرا و باطنا،أو تفسيرا و تأويلا،و نطاق التّأويل أوسع.

ج-خشوع الأرض في(15): وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً :و فيها بحثان:

1-قالوا في(خاشعة):ذليلة،منكسرة،ميّتة، غبراء،منهشمة،دارسة،لا نبات فيها و لا زرع،ساكنة مطمئنّة،ذليلة بالجدب،لأنّها مهجورة.الخشوع:

التّذلّل و التّقاصر،فاستعير لحال الأرض حال خلوّها عن المطر و النّبات،و كانت قحطة لا نبات فيها،كما وصفها اللّه ب«الهمود»: وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً الحجّ :5،خشوع الأرض:ما يظهر عليها من استكانة و شعب بالجدب و صليم السّموم،فهي عابسة، كالخاشع:عابس يكاد يبكي.

الأرض الخاشعة:الغبراء الّتي لا تنبت و بلدة خاشعة:مغبرة لا منزل بها،و مكان خاشع:يابسة متطامنة،مستعار من الخشوع بمعنى الذّلّ،عبارة عن قلّة النّبات،هامدة لا نبات فيها بل هي ميّتة،شدّة يبس الأرض و خلوّها عن الخير و البركة،فهي استعارة تبعيّة بمعنى يابسة جدبة،لعلّها بمعنى جافّة أو جامدة، لأنّ حالها في تلك الخصاصة كحال المتذلّل،و هذا من تشبيه المحسوس بالمعقول باعتبار ما يتخيّله النّاس من مشابهة اختلاف حالي القحولة و الخصب بحالي التّذلّل و الازدهار.

(خاشعة)و(اهتزت)مكنيّة بأن شبّهت شخصا كان ذليلا ثمّ صار مهتزا لعطفيه،و رمز إلى المشبّه بهما بذكر رديفهما،فهذا من أحسن التّمثيل،و هو الّذي يقبل تفريق أجزائه في أجزاء التّشبيه،إشارة إلى ضراعة الأرض في جدبها و مواتها،و ما تكون عليه من شحوب الفقر و المسغبة،إنّها أشبه بالكائن الحيّ حين تنقطع عنه موارد حياته فيضرّع و يخشع و يذلّ.

الخشوع في الأصل:التّضرّع و التّواضع الملازم للأدب،و استخدامه بخصوص الأرض الميّتة نوع من الكناية،و تشبه هذه الأرض الإنسان السّاقط أرضا، أو الميّت الّذي لا حراك فيه،و المطر يهبها الحياة فتتحرّك و تنمو،خشوع في سكونها و برودتها و ذلّتها، فلا شيء يتحرّك فيها بل هو التّراب الّذي تتلاعب به الرّياح فيستسلم لها،لتنقله من مكان فلا يثير إلاّ الغبار عباراتنا شتّى و حسنك واحد

و كلّ إلى ذاك الجمال يشير

2-ذهب الزّمخشريّ و غيره-كما لاحظنا-إلى أنّ الخشوع هنا استعارة للأرض،حينما تكون جرداء.

و نحن نراه على حقيقته،لأنّ الأرض في الأصل مزروعة و الجدب عارض لها،فهي تعلو على سطحها بنباتها،و ليس بنفسها.

و كذلك قوله: اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ، فالاهتزاز و الرّبو من فعل النّبات دون الأرض،و إنّما أسند إليها للمقاربة،كما في قوله: فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً الحجر:22،فإذا قحلت الأرض و أجدبت،خشعت، أي لطأت بسطحها،كما تلطأ الأكمة بالأرض.و لكلّ من القولين وجه وجيه.

ص: 88

د-خشوع الجبل في(16): لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ :

يريد بخشوع الجبل تطامنه و لطأه بالأرض،من قولهم:أكمة خاشعة،أي ملتزقة لاطئة بالأرض،أي أنّ الجبل رغم قساوة حجارته يخشع و يتصدّع من خشية اللّه لعظمة القرآن،لكنّ الإنسان رغم رقّة جلده و دقّة عظمه يتجبّر و يتكبّر على اللّه،و لا يتأثّر بالقرآن.

و في خشوع الجبل تعريض بالإنسان و إشارة إلى شكيمته و بيان جرأته،فمكره يزيل الجبال الرّواسيّ أو يكاد وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ إبراهيم:46،و دهاؤه يكاد يزلزل السّماوات و الأرض لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا* تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا مريم:

89 و 90،و قلبه كقسوة الحجارة أو أشدّ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً البقرة:74.

المحور الثّاني:الآخرة،و فيها بحوث:

1-فسّروا الخشوع في آيات الآخرة ب:الذّلّ، و السّكون،و الخضوع،و الخفت،و الخبت،و الخوف، و الخبوع،و الجزع،و التّطامن،و التّواضع،و عدم الرّفع،أنّه هيئة تظهر في الجوارح،و أكثرها تفسير باللاّزم.

لكن الخشوع نسب في(1)إلى«الأصوات»و في (2-5)إلى«الأبصار»و في(6)إلى«الوجوه».

و لكلّ منها معنى يناسبه،فخشوع الأصوات:خفاؤها، و خشوع الأبصار:ذلّتها و سكونها،و خشوع الوجوه:

حزنها و خوفها،كما يأتي.

2-جاء الخشوع فيها للكافرين و ما يختصّ بهم، في 7 آيات(1-7):

أ-أصواتهم في(1): وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ :

استعير الخشوع للصّوت هنا،لأنّه على الحقيقة لصاحبه،إلاّ أن يقدّر لفظ«أصحاب»مضافا إلى الأصوات،و التّقدير:و خشعت أصحاب الأصوات للرّحمن.و هذا بعيد،لما فيه من التّكلّف و التّمحّل.

و الأقرب أنّه مجاز عقليّ،يراد به انخفاض الصّوت، كما ذهب إليه الزّمخشريّ.

ب-أبصارهم في(2): خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ، و(3) و(4): خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ، و(5): أَبْصارُها خاشِعَةٌ و فيها بحوث:

1-تصف هذه الآيات الأربع حالة من حالات الكفّار يوم القيامة،و هي خشوع البصر،أي انكساره و غضاضته و مهانته.و أسند الخشوع إلى الأبصار جمعا في(2)لمجاراتها،نحو قولهم:مررت بشباب حسان أوجههم.

و تقدّم الخشوع على الأبصار في الثّلاث الأولى، و أسندت إلى الضّمير«هم»الّذي يعود على الكافرين،و تأخّر عنها في الأخيرة لرويّ الآيات، و أسندت إلى الضّمير«ها»الّذي يعود على القلوب، أي قلوب الكافرين.

ص: 89

2-أضيف الخشوع فيها إلى البصر،لأنّ ذلّة الذّليل و عزّة العزيز يبيّن في نظره و بصره.

3-قال الزّمخشريّ في(2) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ :

«هي على لغة«أكلوني البراغيث»و هم طيّئ،و يجوز أن يكون في خُشَّعاً ضمير(هم)و تقع(ابصارهم) بدلا عنه،و قرئ: (خشّع ابصارهم) على الابتداء و الخبر،و محلّ الجملة النّصب على الحال كقوله:

وجدته حاضراه الجواد و الكرم».

و حكى الفخر الرّازيّ فيها ثلاث قراءات:

(خاشعا)و(خاشعة)و(خشّعا)،و ذكر لكلّ منها وجها أو وجوها إلى أن قال:«و خشوع الأبصار:

سكونها على كلّ حال لا تنقلب يمنة و لا يسرة،كما في قوله: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ إبراهيم:43.

و ذكر أبو حيّان القراءات الثّلاث،و أنّ خُشَّعاً جمع تكثير،و هو أكثر في كلام العرب،و العامل فيه (يخرجون)،و أنّ هذا دليل على بطلان مذهب الجرميّ أنّه لا يجوّز تقديم الحال على الفعل.و ذكر له وجوها أخر كالفخر الرّازيّ.

و قال سيّد قطب:«هذه المجموع خاشعة أبصارها من الذّلّ و الهول،و هي تسرع في سيرها نحو الدّاعي الّذي يدعوها لأمر غريب نكير شديد،لا تعرفه و لا تطمئنّ إليه».

و قال ابن عاشور:«أي ذليلة ينظرون من طرف خفيّ لا يثبت أحداقهم في وجوه النّاس،و هي نظرة الخائف المفتضح،و هو كناية،لأنّ ذلّة الذّليل و عزّة العزيز تظهران في عيونهما».

و قال مكارم الشّيرازيّ: «نسب الخشوع هنا للأبصار،و ذلك لأنّ المشهد مرعب و مخيف إلى حدّ لا تستطيع الأنظار رؤيته،لذلك فإنّها تعرض عنه، و تتحوّل بالنّظر نحو الأسفل».

4-قالوا في(5): قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ* أَبْصارُها خاشِعَةٌ :المراد أبصار أصحاب تلك القلوب،فحذف المضاف نظير(3 و 4): خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، و ربّما أضيف إليها للملابسة،و لأنّ أثره يظهر فيها.فأبصارهم ذليلة ممّا قد علاها من الكآبة و الحزن و الرّعب،و من هول ذلك اليوم.

و هي جملة من مبتدإ و خبر وقعت صفة للقلوب، و حقّ الصّفة أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف عند السّامع،فحيث كان ثبوت الوجيف للقلوب،و ثبوت الخشوع لأبصار أصحابها سواء في المعرفة و الجهالة،كان جعل الأوّل عنوانا للموضوع مسلّم الثّبوت مفروغا عنه،و جعل الثّاني مخبرا له مقصود الإفادة تحكّما بحتا.

على أنّ الوجيف-و هو شدّة اضطراب القلب- أشدّ من خشوع البصر و أهون،فجعل أهون الشّرّين عمدة،و أشدّهما فضلة ممّا لا عهد له في الكلام.

و أيضا فتخصيص الخشوع بقلوب موصوفة بصفة معيّنة غير مشعر بالعموم و الشّمول،تهوين للخطب في موقع التّهويل،فتنكير(قلوب)يقوم مقام الوصف المختصّ،سواء حمل على التّنويع أو التّكثير،كأنّه قيل:«قلوب كثيرة يوم إذ يقع النّفختان واجفة شديدة الاضطراب.

ص: 90

و جوّز أن يراد ب أَبْصارُها البصائر،أي صارت البصائر ذليلة لا تدرك شيئا،فكنّي بذلّها عن عدم إدراكها،لأنّ عزّ البصيرة بالإدراك،فهل القلوب غير مدركة يوم القيامة؟

و الجواب:أنّ المراد شدّة الذّهول و الحيرة للقلوب فيبدو الخوف باديا على الأعين،و تتوقّف حركتها كأنّها قد فقدت ملكة النّظر،لما أصابها من خوف شديد.

و الحقّ أنّ المراد بالأبصار فيها:العيون كغيرها من الآيات،دون البصائر.

5-و قالوا في(6): وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ هي كقوله:في(7) وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ و قوله: وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ السّجدة:12،خاشعة:

ذليلة بمعاصيها،و لتظاهرها بطاعته بعد اعترافها بمعصيته،خاضعة من ذلّ المعاصي الّتي فعلتها في الدّنيا.

خشوعها:ذلّها و تغيّرها بالعذاب و الشّدائد الّتي تشاهدها،و إنّما الذّلّ في الوجه،لأنّه ضدّ الكبر الّذي محلّه الرّأس و الدّماغ.

المراد ب«الوجه»:الذّات و وجه حسن هذا المجاز أنّ الخشوع و الانكسار و الذّلّ و أضدادها يتبيّن أكثرها في الوجه.و هذا بعيد،فإنّ المراد ب«الوجه» معناه اللّغويّ و ليس مجازا عن الذّات.

المراد ب«الخاشعة»ذليلة،و لم توصف بالذّلّ ابتداء،لما في وصفها بالخشوع من الإشارة إلى التّهكّم، و أنّها لم تخشع في وقت ينفع فيه الخشوع أي في الدّنيا.

و قال سيّد قطب:«إنّه يعجّل بمشهد العذاب قبل مشهد النّعيم،فهو أقرب إلى جوّ اَلْغاشِيَةِ فيما قبلها: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ، و ظلّها...».

و قال الطّباطبائيّ: «إنّما الخشوع لأرباب الوجوه،و إنّما نسب إلى الوجوه،لأنّ الخشوع و المذلّة يظهر فيها»،و الحقّ أنّ«الخوف»يبطن في قلوبهم، و الذّلّة تظهر في وجوههم.

و قال الخطيب:«خشوعها هو خشوع ذلّة و ضراعة و مهانة،و ليس خشوع تقوى و توقير و إجلال،فللذّلّ خشوع انكسار و امتهان،و تموت معه العواطف و المشاعر،كما قال تعالى في(7): وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ» .

و قال مكارم الشّيرازيّ: «و قيل:الوجوه هنا بمعنى وجهاء القوم و رؤساء الكفر و الطّغيان، لما سيكون لهم من ذلّ و هوان و عذاب أشدّ من غيرهم، و لكنّ المعنى الأوّل أنسب».

و قال فضل اللّه:«تلك هي وجوه الأشقياء الّذين رفضوا مواقف الخشوع للّه في الدّنيا،فلم يستغرقوا في مواقع عظمته،و لم يعيشوا روحيّة العبوديّة في الابتهال إليه...بل استكبروا،و عاندوا،و تمرّدوا على رسوله و كتابه،فجاءت الغاشية الّتي أطبقت عليهم من كلّ جانب...».

ج-وجوههم في(6): وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ :

خشوع الوجوه كناية عن الذّلّ و الهوان،لما كابد أهلها من العذاب،لأنّ السّوء الّذي يصيب وجوه الكافرين يوم القيامة إمّا عقوبة لهم كاسودادها،و هو قوله:

ص: 91

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ آل عمران:106، أو أثر للعقوبة،و هو في هذه الآية،أو خوف منها،و هو قوله: وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ* تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ القيامة:24 و 25.

د-أنفسهم في(7): وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ :

وصفت هذه الآية خشوع الكافرين يوم القيامة من الذّلّ،و عرضهم على النّار،و إن لم يجر لها ذكر، لكن السّياق يهدي النّاظر إليها.كما لم تذكر النّار في الآيات السّابقة،فهي تصف البعث و حال النّاس في ذلك اليوم،غير أنّه ورد ذكرها بعد(6): تَصْلى ناراً حامِيَةً الغاشية:4.

ه-و تشير خشوع الأصوات في(1)و الأبصار في(2)إلى(5)و الوجوه في(6)و الأنفس في(7)إلى ما كان يكابده الرّسول و المسلمون من عتاة قريش و سفهائهم،كزعيق أصواتهم،و شزر أصواتهم،و تجهّم وجوههم،و شموخ أنوفهم،فأخبر اللّه بخشوع المشركين و ذلّتهم يوم القيامة تهديدا لهم و تصبيرا للمسلمين على أذى أهل مكّة،لأنّ هذه الآيات مكّيّة.

ثانيا:جاءت من هذه المادّة 16 آية:خمسة منها مدنيّة مدحا للمؤمنين،أو للقرآن في الدّنيا،و هي(8) و(11)و(12)و(15)و(16).و الباقي-و هي إحدى عشرة آية-مكّيّة:ثلاث منها مدح للمؤمنين في الدّنيا:و هي(9)و(10)و(13)،و واحدة(15) وصف للأرض،و الباقي-و هي سبع آيات-:(1- 7)وعيد لغير المؤمنين في الآخرة.فالذّمّ و الوعيد في سبعة منها خاصّ بالآخرة،و المدح و الوعد في تسعة منها خاص بالدّنيا.

ثالثا:للخشوع نظائر كثيرة في القرآن،ذكرناها في «خ ز ي»فلاحظ.

ص: 92

خ ش ي

اشارة

22 لفظا،47 مرّة:22 مكّيّة،25 مدنيّة

في 24 سورة:14 مكّيّة،10 مدنيّة

خشى 4:2-2 تخشوا 1:-1

خشيت 1:1 تخشوه 1:-1

خشينا 1:1 أ تخشونهم 1:-1

يخشى 6:6 تخشوهم 2:-2

يخش 3:-3 نخشى 1:-1

يخشاها 1:1 اخشوا 1:1

يخشون 7:4-3 اخشوهم 1:-1

يخشونه 1:-1 اخشون 2:-2

تخشى 3:2-1 اخشونى 1:-1

تخشاه 1:-1 خشية 7:3-4

تخشون 1:-1 خشيته 1:1

النّصوص اللّغويّة

اشارة

الخليل :الخشية:الخوف،و الفعل:خشي يخشى.

و يقال:و هذا المكان أخشى من ذاك.[ثمّ استشهد بشعر](4:284)

الأمويّ: الخشو:الحشف من التّمر.يقال:خشت النّخلة تخشو،إذا أحشفت.(الجوهريّ 6:2327)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخشيّ:ما يبس من الكلإ و تهافت.(1:225)

الأصمعيّ: الخشيّ،على«فعيل»،مثل الخشي، و هو اليابس.

[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 6:2327)

أبو عبيد: و خاشاني فلان فخشيته أخشيه

ص: 93

بالكسر،أي كنت أشدّ خشية منه.

(الجوهريّ 6:2327)

ابن الأعرابيّ: فعلت ذاك خشأة أن يكون كذا.

(ابن سيده 5:242)

ابن قتيبة :في حديث خالد:«إنّه لمّا أخذ الرّاية يوم مؤتة دافع النّاس و خاشى بهم».هو من خشيت، أي أبقى عليهم و حذر،فانحاز.يقال:خاشيت فلانا، أي تاركته.(الهرويّ 2:558)

ابن دريد:الخشيّ: ما تكسّر من الحليّ،من ذهب و فضّة.

و أرض خشّاء:صلبة،لا تبلغ أن تكون حجرا.

(1:67)

خشيت الشّيء أخشاه خشيا و خشيانا و مخشية.

(2:225)

الخشا (1)أرض رخوة فيها حجارة.و قد قالوا:

أرض خشاة؛و الجمع:خشا.و الخشيّ:يبيس البقل.

[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:خشيت الشّيء أخشاه خشية،فهو مخشيّ و أنا خاش.(3:237)

الصّاحب: الخشية:الخوف،و خشي يخشى خشية و خشيا و خشيانا مخشاة.

و هذا المكان أخشى من ذاك.

و امرأة خشيانة:تخشى كلّ شيء.

و ما حملته على ذاك إلاّ خشي فلان،أي مخافته، بكسر الخاء.

و مثل:«قد كنت و ما أخشّى بالذّئب».

و خاشى بهم:اتّقى عليهم و حذر.

و خاشيت فلانا:تاركته.(4:375)

الجوهريّ: خشي الرّجل يخشى خشية،أي خاف،فهو خشيان،و المرأة خشياء.

و هذا المكان أخشى من ذاك،أي أشدّ خوفا.[ثمّ استشهد بشعر]

و خشّاه تخشية،أي خوّفه.يقال:«خشّ ذؤالة بالحبالة»،يعني الذّئب.(6:2327)

أبو هلال :الفرق بين الخوف و الخشية:أنّ الخوف يتعلّق بالمكروه و بترك المكروه،تقول:خفت زيدا،كما قال تعالى: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ النّحل:50، و تقول:خفت المرض،كما قال سبحانه: وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:21.

و الخشية تتعلّق بمنزل المكروه،و لا يسمّى الخوف من نفس المكروه خشية،و لهذا قال: وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.

فإن قيل:أ ليس قد قال: إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ طه:94.

قلنا:إنّه خشى القول المؤدّي إلى الفرقة و المؤدّي إلى الشّيء بمنزلة من يفعله.

و قال بعض العلماء:يقال:خشيت زيدا،و لا يقال:

خشيت ذهاب زيد.فإن قيل ذلك فليس على الأصل و لكن على وضع الخشية مكان الخوف،و قد يوضع الشّيء مكان الشّيء إذا قرب منه.ء.

ص: 94


1- جاء في الهامش:و في«ه»:الخشّاء.

و الفرق بين الخشية و الشّفقة:أنّ الشّفقة ضرب من الرّقّة و ضعف القلب ينال الإنسان،و من ثمّ يقال للأمّ:إنّها تشفق على ولدها،أي ترقّ له،و ليست هي من الخشية و الخوف في شيء،و الشّاهد قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ المؤمنون:57،و لو كانت الخشية هي الشّفقة لما حسن أن يقول ذلك،كما لا يحسن أن يقول:يخشون من خشية ربّهم.

و من هذا الأصل قولهم:ثوب شفق إذا كان رقيقا، و شبّهت به البداة،لأنّها حمرة ليست بالمحكمة، فقولك:أشفقت من كذا،معناه ضعف قلبي عن احتماله.(200)

ابن فارس: الخاء و الشّين و الحرف المعتلّ يدلّ على خوف و ذعر،ثمّ يحمل عليه المجاز،فالخشية:

الخوف،و رجل خشيان.

و خاشاني فلان فخشيته،أي كنت أشدّ خشية منه.

و المجاز قولهم:خشيت بمعنى علمت.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:هذا المكان أخشى من ذلك،أي أشدّ خوفا.

و ممّا شذّ عن الباب-و قد يمكن الجمع بينهما على بعد-:الخشو:التّمر الحشف.و قد خشت النّخلة تخشو خشوا.

و الخشيّ من اللّحم:اليابس.(2:184)

ابن سيده: خشية خشيا،و خشية،و خشاة، و مخشاة،و مخشية،و خشيانا،و تخشّاه،كلاهما:

خافه.

و هو خاش،و خش،و خشيان،و الأنثى:خشيا.

و جمعهما معا:خشايا،أجروه مجرى الأدواء،كحباطى، و حباجى،و نحوهما،لأنّ الخشية كالدّاء.

و ما حمله على ذلك إلاّ خشي فلان،و حكى عن الرّؤاسيّ:إلاّ خشي فلان.

و خشّأه بالأمر:خوّفه،و في المثل:«لقد كنت و ما أخشّى بالذّئب».

و خاشاني فخشيته:كنت أشدّ منه خشية.

و هذا المكان أخشى من هذا،أي أخوف.جاء فيه التّعجّب من المفعول،و هذا نادر.و قد حكى سيبويه منه أشياء.

و الخشيّ: اليابس من النّبت.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:242)

الطّوسيّ: و الخشية:انزعاج النّفس لتوقّع ما لا يؤمن من الضّرر.تقول:خشي يخشى خشية فهو خاش،و مثله خاف يخاف خوفا و مخافة،فهو خائف.

و الخاشي:نقيض الآمن.(5:222)

و الخوف و الخشية و الفزع نظائر،و هو انزعاج النّفس ممّا لا تأمن معه من الضّرر،و ضدّ الأمن الخوف.

(6:244)

و الخشية:ظنّ لحوق المضرّة.و مثلها المخافة، و نقيضها:الأمنة.

فالخشية:انزعاج النّفس بتوهّم المضرّة،و الظّنّ كذلك يزعج النّفس،فيسمّى باسمه على طريق

ص: 95

البلاغة.

و الخشية من اللّه:خشية من عقابه و سخطه على معاصيه.(7:377)

الخشية:توقّع المضرّة من غير قطع بها،لا محالة.

و الخشية و الخوف و التّقيّة نظائر،يقال:خشي يخشى خشية،فهو خاش،و ذلك مخشيّ.

(10:257)

الرّاغب: الخشية:خوف يشوبه تعظيم.و أكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه،و لذلك خصّ العلماء بها في قوله: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28.[ثمّ ذكر الآيات](149)

الزّمخشريّ: بالخشية ينال الأمن،و خشي اللّه، و خشي منه، وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ الأحزاب:

39.

و رجل خاش و خش و خشيان.تقول:فلان خشيان،كأنّه من خشيته خشيان.

و مكان مخشيّ،و هذا المكان أخشى من ذاك.

(أساس البلاغة:112)

إنّ ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما قال له:

«أكثرت من الدّعاء بالموت حتّى خشيت أن يكون ذلك أسهل لك عند أوان نزوله...»خشيت:رجوت.

(الفائق 1:371)

«خالد رضى اللّه عنه لمّا أخذ الرّاية يوم مؤتة دافع بالنّاس و خاشى بهم».

و خاشى:من الخشية،و المعنى:أنّه نحّى المسلمين عن القتال،و صدّهم عنه،و حاذر عليهم منه.و كأنّ مجيء هذه الأفعال على«فاعل»،فائدته أنّه ظاهر غيره على ذلك،مبالغة في الإبقاء عليهم.

(الفائق 1:430)

نحوه ابن الأثير(2:35)

الفيّوميّ: خشي خشية:خاف،فهو خشيان و المرأة خشي،مثل غضبان و غضبى.

و ربّما قيل:خشيت،بمعنى علمت.(1:170)

الفيروزآبادي: خشيه كرضيه خشيا و يكسر، و خشية و خشاة و مخشاة و مخشية و خشيانا.

و تخشّاه:خافه،و هو خاش و خش،و هي خشياء؛جمعها:خشايا.

و خشّاه تخشية:خوّفه.

و خاشاني فخشيته:كنت أشدّ منه خشية.

و هذا المكان أخشى،أي أخوف؛نادر.

و كغنيّ: يابس النّبت.

و الخشاء كسماء:الجهاد من الأرض.(4:326)

بصيرة في الخشية:و هي خوف يشوبه تعظيم.

و أكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه،و لذلك خصّ العلماء بها في قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،و قوله: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ النّساء :9،أي ليستشعروا خوفا عن معرفة.و قوله:

وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ الإسراء:31، أي لا تقتلوهم معتقدين لمخافة أن يلحقهم إملاق.

و قوله: لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ النّساء:25،أي لمن خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك عن نفسه.و قال

ص: 96

تعالى: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ المائدة:44.

و مدح اللّه تعالى أهله: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ* وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ* وَ الَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ* وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ* أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ هُمْ لَها سابِقُونَ المؤمنون:

57-61.

و عند الإمام أحمد في مسنده،و في«جامع» التّرمذيّ عن عائشة،قالت:قلت:«يا رسول اللّه، الّذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم و جلة،أ هو الّذي يسرق و يزني و يشرب الخمر؟قال:لا يا ابنة الصّدّيق،و لكنّه الرّجل يصلّي و يصوم و يتصدّق و يخاف ألاّ يقبل منه».

قال الحسن رحمه اللّه:عملوا للّه بالطّاعات و اجتهدوا فيها،و خافوا أن تردّ عليهم.إنّ المؤمن جمع إيمانا و خشية،و المنافق جمع إساءة و أمنا.

و الخشية و الخوف و الوجل و الرّهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة.

فالخوف:توقّع العقوبة على مجاري الأنفاس،قاله جنيد.و قيل:اضطراب القلب و حركته من تذكّره المخوف.و قيل:الخوف:هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره.

و الخشية:أخصّ من الخوف،فإنّ الخشية للعلماء باللّه تعالى-كما تقدّم-فهي خوف مقرون بمعرفة.قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّي أتقاكم للّه و أشدّكم له خشية».

فالخوف:حركة،و الخشية:انجماع و انقباض و سكون،فإنّ الّذي يرى العدوّ و السّيل و نحو ذلك له حالتان:إحداهما:حركة الهرب منه،و هي حالة الخوف،و الثّانية:سكونه و قراره في مكان لا يصل إليه،و هي الخشية،و منه الخشّ:الشّيء الأخشن.

و المضاعف و المعتلّ أخوان،كتقضّى البازي و تقضّض.

و أمّا الرّهبة:فهي الإمعان في الهرب من المكروه، و هي ضدّ الرّغبة الّتي هي سفر القلب،في طلب المرغوب فيه.و بين الرّهب و الهرب تناسب في اللّفظ و المعنى،يجمعهما الاشتقاق الأوسط الّذي هو عقد تقاليب الكلمة،على معنى جامع.

و أمّا الوجل:فرجفان القلب و انصداعه،لذكر من يخاف سلطانه و عقوبته،أو لرؤيته.

و أمّا الهيبة:فخوف مقارن للتّعظيم و الإجلال.

و أكثر ما يكون مع المحبّة و الإجلال.

فالخوف لعامّة المؤمنين،و الخشية للعلماء العارفين،و الهيبة للمحبّين،و الوجل للمقرّبين.

و على قدر العلم و المعرفة يكون الخشية،كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّي لأعلمكم باللّه و أشدّكم له خشية»، و قال:«لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا،و لما تلذّذتم بالنّساء على الفرش،و لخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى اللّه تعالى».

فصاحب الخوف يلتجئ إلى الهرب و الإمساك، و صاحب الخشية إلى الاعتصام بالعلم،و مثلهما كمثل من لا علم له بالطّبّ،و مثل الطّبيب الحاذق،فالأوّل يلتجئ إلى الحمية و الهرب،و الطّبيب يلتجئ إلى

ص: 97

معرفته بالأدوية و الأدواء.

و كلّ واحد إذا خفته هربت منه،إلاّ اللّه،فإنّك إذا خفته هربت إليه.فالخائف هارب من ربّه إلى ربّه.

(بصائر ذوي التّمييز 2:544)

الجزائريّ: ذكر المحقّق الطّوسيّ رحمه اللّه في بعض مؤلّفاته ما حاصله:أنّ الخشية و الخوف و إن كانا في اللّغة بمعنى واحد،إلاّ أنّ بين خوف اللّه و خشيته في عرف أرباب القلوب فرقا،و هو أنّ الخوف تألّم النّفس من العقاب المتوقّع بسبب ارتكاب المنهيّات، و التّقصير في الطّاعات،و هو يحصل لأكثر الخلق و إن كانت مراتبه متفاوتة جدّا،و المرتبة العلياء منه لا تحصل إلاّ للقليل.

و الخشية:حالة تحصل عند الشّعور بعظمة الخالق و هيبته و خوف الحجب عنه،و هذه حالة لا يحصل إلاّ لمن اطّلع على حال الكبرياء،و ذاق لذّة القرب،و لذا قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:

28،فالخشية:خوف خاصّ،و قد يطلقون عليها:

الخوف.

قلت:و يؤيّد هذا الفرق أيضا قوله تعالى يصف المؤمنين: يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:21،حيث ذكر الخشية في جانبه سبحانه و الخوف في العذاب هذا.

و قد يراد بالخشية:الإكرام و الإعظام،و عليه حمل قراءة من قرأ (انّما يخشى اللّه من عباده العلماء) ، برفع(اللّه)و نصب(العلماء)(95)

مجمع اللّغة :الخشية:الخوف مع تعظيم المخوف أو الشّعور بخطره.

و الخشية من اللّه،و خشية اللّه:الخوف من غضبه و عقابه.

و تسند خشية اللّه إلى ما لا يعقل تصويرا لخضوعه.

خشيه يخشاه خشية:خافه و اتّقاه.(1:336)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خشيه:خافه و هابه.

و الخشية:الخوف مع تعظيم المخوف منه.(1:164)

العدنانيّ: خشوا بقوا،نهوا سروا،دنوا رموا.

و يقولون:الطّلاّب خشوا كثرة الأمطار فبقوا في المدرسة.و الصّواب:الطّلاّب خشوا كثرة الأمطار فبقوا في المدرسة،لأنّ الفعلين«خشي و بقي»هما ناقصان يائيّان،و يضمّ فيهما الحرف السّابق لحرف العلّة،الّذي يحذف قبل أن تسند واو الجماعة إلى الفعل.

و يحدث مثل ذلك للنّاقص الواويّ،فنقول:نهو:

صار متناهيا في العقل:نهوا،و سرو«شرف»:سروا.

أمّا إذا كان حرف العلّة في الفعل النّاقص ألفا، فإنّنا نحذف الألف،و نسند إليه واو الجماعة،و نفتح ما قبلها:نحو:دنا:دنوا،و رمى:رموا.

إنّ كثرة عثرات المذيعين،و خطباء المنابر، و الشّاشات الصّغيرة،عند استعمالهم أمثال هذه الأفعال،هي الّتي حملتني على إيرادها في هذا المعجم، مع قليل مثلها من الموادّ،الّتي لا يخفى الصّواب فيها، على أدبائنا الكبار.(190)

خشيه،خشي منه

و يخطّئون من يقول:خشي من الفقر،و يقولون

ص: 98

إنّ الصّواب هو:خشي الفقر يخشاه خشيا و خشية و خشاة و مخشاة و مخشية و خشيانا و خشيا:خافه، و هو خاش و خش و خشيان.و الأنثى:خشيا.

و اعتمدوا في تخطئتهم تلك،على اكتفاء الصّحاح، و مفردات الرّاغب،و اللّسان،و المختار،و القاموس، و التّاج،و متن اللّغة،بذكر الفعل«خشيه»،و على قوله تعالى في الآية:37،من سورة الأحزاب:

وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ، و ورود الفعل«خشي»متعدّيا تعدّيا مباشرا 34:مرّة أخرى في القرآن الكريم.

و لكنّ«الأساس»قال:خشي اللّه،و خشي منه، و تلاه مدّ القاموس،فالمعجم الوسيط،فأجازا:خشيه و خشي منه.(معجم الأخطاء الشّائعة:78)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو المراقبة و الوقاية مع الخوف،بأن يراقب أعماله و يتّقي نفسه،مع الخوف و الملاحظة.

و يقابل هذا المعنى:الإهمال و التّغافل،و عدم المبالاة،و ترك الاهتمام و الملاحظة،و عدم صيانة النّفس من الخلاف.

و هذا المعنى من لوازم العلم و اليقين،و قد ورد أنّ من فقد الخشية لا يكون عالما،و إن شقّ الشّعر بمتشابهات العلم.و بهذه المناسبة قد يطلق و يراد منه العلم،كما في:خشيت،بمعنى علمت.

فهذه المادّة ليست بمعنى العلم،و لا بمعنى الخوف، و يدلّ عليه قوله تعالى: لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى طه:77،فإنّ الخشية قد ذكر في مقابل الخوف.

و أيضا مفهوم الخوف لا يستقيم في كثير من الموارد في الآيات الكريمة: وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ الأحزاب:37، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى طه:44، فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ المائدة:44،فلا معنى لخوف النّبيّ عن النّاس،مع أنّه رسول من اللّه تعالى إليهم،و كذلك لا معنى للخوف في أثر القول اللّيّن،و هكذا في الآية الثّالثة،فإنّ الخطاب للأنبياء و الرّبّانيّين،بعد قوله تعالى: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ المائدة:44،فلا اقتضاء لخوفهم المطلق.و هكذا في أغلب استعمال المادّة في الآيات الكريمة.

و أمّا آية: اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً... إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ آل عمران:173-175،فإنّ«الخشي»خطاب على المؤمنين،و لم يكن فيهم اقتضاء للخوف.و الخوف خطاب لأولياء الشّيطان من المستضعفين الخائفين لأنفسهم و أموالهم.

و يدلّ عليه أيضا: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها النّازعات:45 إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ فاطر:18،فإنّ إنذار من يخاف لا معنى له، و المراد إنذار من يلاحظ الأعمال و يراقب الأمور و المصالح،و يتّقي نفسه مع الخوف.

و أمّا قيد«مفهوم التّعظيم»في معنى المادّة،كما قال بعض:فليس بمستقيم،و لا يصحّ قيده في: وَ تَخْشَى النّاسَ الأحزاب:37، فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما

ص: 99

الكهف:80، تَخْشَوْنَ كَسادَها التّوبة:24، ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ النّساء:25، خَشْيَةَ إِمْلاقٍ الإسراء:31، خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ الإسراء:

100،فإنّه لا عظمة و لا قدر للنّاس و الأمور المادّيّة،و لا سيّما في نظر الأنبياء و المقرّبين.

و لا يخفى أنّ هذه المادّة قريبة من مادّة«خشع» لفظا و معنى.

و يدلّ على الأصل الّذي أصّلناه،ما يذكر في الآيات الشّريفة،ملازما للمادّة مقدّما أو مؤخّرا:

وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى النّازعات:19، سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى الأعلى:10، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى النّازعات:26، إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى طه:3، مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ المؤمنون:57، خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ الحشر:21.

فإنّ«الخشية»بمعنى اللّحاظ و المراقبة و التّوجّه مع الخوف،هي الّتي توجب التّذكّر و العبرة و الإشفاق و الخشوع.

ثمّ إنّ الخشية في«الجبل»في أثر إنزال القرآن عليه،بمعناها المذكور،فإنّ ملاحظة القرآن و التّوجّه إليه مع حالة الخوف و المراقبة،إنّما يحصل في نتيجة إنزال القرآن و بمناسبته،و لا يلائم معنى الخوف،حيث إنّ أثر نزول القرآن هو الملاحظة و المراقبة و الاتّقاء مع خوف.و من هذا المعنى يحصل الخشوع و التّصدّع، لا من الخوف.(3:64)

النّصوص التّفسيريّة

خشى

1- ...فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ... النّساء:25

راجع:ع ن ت:«العنت».

2- إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ. يس:11

ابن عبّاس: عمل للرّحمن و إن كان لا يراه.

(369)

الطّبريّ: و خاف اللّه حين يغيب عن أبصار النّاظرين،لا المنافق الّذي يستخفّ بدين اللّه إذا خلا،و يظهر الإيمان في الملإ،و لا المشرك الّذي قد طبع اللّه على قلبه.(10:428)

الزّجّاج: أي خاف اللّه من حيث لا يراه أحد.

(4:281)

و هناك مباحث أخرى راجع:غ ي ب:«الغيب»

3- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ*... رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ. البيّنة:7،8

ابن عبّاس: لمن وحّده ربّه.(516)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:هذا الخير الّذي وصفته و وعدته الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات يوم القيامة،لمن خشي ربّه،يقول:لمن خاف اللّه في الدّنيا في سرّه و علانيته،فاتّقاه بأداء فرائضه،و اجتناب

ص: 100

معاصيه،و باللّه التّوفيق.(12:658)

نحوه القاسميّ.(17:6230)

الطّوسيّ: أي ذلك الرّضا و الثّواب و الخلود في الجنّة لمن خاف اللّه،فترك معاصيه و فعل طاعاته.

(10:391)

مثله الطّبرسيّ(5:524)،و نحوه القرطبيّ(20:

146).

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:الخوف في الطّاعة حال حسنة، قال تعالى: وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ المؤمنون:60،و لعلّ الخشية أشدّ من الخوف،لأنّه تعالى ذكره في صفات الملائكة مقرونا بالإشفاق الّذي هو أشدّ الخوف فقال: هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ المؤمنون:57،و الكلام في الخوف و الخشية مشهور.

المسألة الثّانية:هذه الآية إذا ضمّ إليها آية أخرى صار المجموع دليلا على فضل العلم و العلماء،و ذلك لأنّه تعالى قال: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،فدلّت هذه الآية على أنّ العالم يكون صاحب الخشية،و هذه الآية و هي قوله: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ، البيّنة:8،تدلّ على أنّ صاحب الخشية تكون له الجنّة،فيتولّد من مجموع الآيتين:أنّ الجنّة حقّ العلماء.

المسألة الثّالثة:قال بعضهم:هذه الآية تدلّ على أنّ المرء لا ينتهي إلى حدّ يصير معه آمنا بأن يعلم أنّه من أهل الجنّة،و جعل هذه الآية دالّة عليه.

و هذا المذهب غير قويّ،لأنّ الأنبياء عليهم السّلام قد علموا أنّهم من أهل الجنّة،و هم مع ذلك من أشدّ العباد خشية للّه تعالى،كما قال عليه الصّلاة و السّلام:

«أعرفكم باللّه أخوفكم من اللّه،و أنا أخوفكم منه»، و اللّه سبحانه و تعالى أعلم،صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه و سلّم.(32:56)

البيضاويّ: إنّ الخشية ملاك الأمر،و الباعث على كلّ خير.(2:570)

الشّربينيّ: أي خاف المحسن إليه خوفا يليق به، فلم يركن إلى التّسويف و التّكاسل،فإنّ الخشية ملاك الأمر،و الباعث على كلّ خير،و هي للعارفين.فإنّ الإنسان إذا استشعر عذابا يأتيه لحقته حالة يقال لها:

الخوف،و هي انخلاع القلب عن طمأنينته،فإن اشتدّ سمّي وجلا لجولانه في نفسه،فإن اشتدّ سمّي رهبا لأدائه إلى الهرب،و هي حالة المؤمنين الفارّين إلى اللّه تعالى.

و من غلب عليه الحبّ لاستغرائه في شهود الجماليّات لحقته حالة تسمّى مهابة،و وراء هذه الخشية«إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء»،فمن خاف ربّه هذا الخوف انفكّ عن جميع ما عنده ممّا لا يليق بجنابه تعالى.و ما فارق الخوف قلبا إلاّ خرب.

(4:572)

أبو السّعود :إنّ الخشية الّتي هي من خصائص العلماء بشئون اللّه عزّ و جلّ،مناط لجميع الكمالات العلميّة و العمليّة المستتبعة للسّعادة الدّينيّة و الدّنيويّة، و التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة المعربة عن المالكيّة و التّربية للإشعار بعلّة الخشية،و التّحذير من الاغترار بالتّربية.

(6:457)

ص: 101

مثله البروسويّ.(10:491)

الآلوسيّ: إنّ الخشية ملاك السّعادة الحقيقيّة، و الفوز بالمراتب العليّة؛إذ لولاها لم تترك المناهي و المعاصي،و لا استعدّ ليوم يؤخذ فيه بالأقدام و النّواصي.

و فيه إشارة إلى أنّ مجرّد الإيمان و العمل الصّالح ليس موصلا إلى أقصى المراتب،و رضوان من اللّه أكبر.بل الموصل له خشية اللّه تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،و لذا قال الجنيد قدس سرّه:«على قدر قوّة العلم و الرّسوخ في المعرفة»، و قال عصام الدّين الأظهر:«إنّ ذلك إشارة إلى ما يترتّب عليه الجزاء و الرّضوان من الإيمان و العمل الصّالح»و تعقّب:ب«أنّ فيه غفلة عمّا ذكر،و عن أنّه لا يكون حينئذ لقوله تعالى:(ذلك...)،كبير فائدة».

و التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة المعربة عن المالكيّة و التّربية،للإشعار بعلّة الخشية و التّحذير من الاغترار بالتّربية.(30:206)

محمّد عبده:أراد بهذه الكلمة الرّفيعة:الاحتياط لدفع سوء الفهم الّذي وقع و لا يزال يقع فيه العامّة من النّاس،بل الخاصّة كذلك.و هو أنّ مجرّد الاعتقاد بالوراثة،و تقليد الأبوين،و معرفة ظواهر بعض الأحكام،و أداء بعض العبادات،كحركات الصّلاة و إمساك الصّوم،مجرّد هذا،لا يكفي في نيل ما أعدّ اللّه من الجزاء للّذين آمنوا و عملوا الصّالحات،و إن كانت قلوبهم حشوها الحسد و الحقد و الكبرياء و الرّياء،و أفواههم ملؤها الكذب و النّميمة و الافتراء،و تهزّ أعطافهم رياح العجب و الخيلاء، و سرائرهم مسكن العبوديّة و الرّقّ للأمراء،بل و لمن دون الأمراء خالية من أقلّ مراتب الخشوع و الإخلاص لربّ الأرض و السّماء،كلاّ لا ينالون حسن الجزاء،فإنّ خشية ربّهم لم تحلّ قلوبهم،و لهذا لم تهذّب من نفوسهم،و لا يكون ذلك الجزاء إلاّ لمن خشي ربّه،و أشعر خوفه قلبه.(القاسميّ 17:623)

طنطاوي:اعلم أنّ مجرّد الإيمان لا يكفي في الخشية،لذلك خصّ اللّه سبحانه و تعالى رضوانه على العبد و رضوان العبد عليه بأن يخشى ربّه،و خشيته لها طرق أهمّها ما جاء في قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،و هم الّذين يفكّرون في الجبال و ألوانها،و في الثّمرات و أنواعها،و في النّاس و أشكالها و أعضائها،و في الحيوان و إبداعه.فالنّاظر لهذه العجائب من حيث نظامها-لا من حيث الانتفاع بها وحده-يجد في نفسه رضا عن كلّ ما يصنعه الخالق، لأنّه يتحقّق أنّه لا يفعل إلاّ مصلحة في الموت و الحياة، و المنع و العطاء،و مثل هذا غالبا يكون راضيا عن ربّه و ربّه راض عنه.(25:255)

المراغيّ: أي هذا الجزاء الحسن إنّما يكون لمن ملأت قلبه الخشية و الخوف من ربّه.و في ذلك تحذير من خشية غير اللّه،و تنفير من إشراك غيره في جميع الأعمال،كما أنّ فيه ترغيبا في تذكّر اللّه و رهبته لدى كلّ عمل من أعمال البرّ،حتّى يكون العمل له خالصا.

إلى أنّ فيه إيماء إلى أنّ أداء بعض العبادات

ص: 102

كالصّلاة و الصّوم بحركات و سكنات مجرّدين عن الخشية لا يكفي في نيل ما أعدّ للّذين آمنوا و عملوا الصّالحات من الجزاء،لأنّ الخشية لم تحلّ قلوبهم،و لم تهذّب نفوسهم.

نسأل اللّه أن يطهّر قلوبنا،و ينير بصائرنا،حتّى لا نرهب سواه،و لا نخشى إلاّ إيّاه،و الحمد للّه ربّ العالمين.(30:217)

ابن عاشور :تذييل آت على ما تقدّم من الوعد للّذين آمنوا و الوعيد للّذين كفروا،بيّن به سبب العطاء و سبب الحرمان،و هو خشية اللّه تعالى بمنطوق الصّلة و مفهومها.(30:429)

الطّباطبائيّ: علامة مضروبة لسعادة الدّار الآخرة،و قد قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،فالعلم باللّه يستتبع الخشية منه، و الخشية منه تستتبع الإيمان به،بمعنى الالتزام القلبيّ بربوبيّته و ألوهيّته،ثمّ العمل الصّالح.(20:340)

مكارم الشّيرازيّ: جملة: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ تدلّ على أنّ كلّ هذه البركات تنطلق من «خشية اللّه»،لأنّ هذه الخشية دافع للحركة صوب كلّ طاعة و تقوى و عمل صالح.

بعض المفسّرين قرن هذه الآية،بالآية:28،من سورة فاطر؛حيث يقول سبحانه: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ، و خرج بنتيجة هي أنّ الجنّة للعلماء.

طبعا لا بدّ أن نأخذ بنظر الاعتبار وجود مراتب و مراحل للخشية و هكذا مراتب للعلم.

قيل أيضا:إنّ الخشية أسمى من الخوف،لأنّها خوف مقرون بالتّعظيم و الاحترام.(20:334)

فضل اللّه : ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ الّذي هو التّجسيد الحيّ للرّوح الخاشعة الواعية المطمئنّة إلى ربّها،من خلال معرفتها به،المتحرّكة في خطّ الطّاعة.

و بذلك لا يكون الخوف من اللّه حالة انفعاليّة،بل هي حالة عقلانيّة تدرس كلّ شيء في نطاق ارتباط الوجود كلّه باللّه،في جميع الأمور،كما تدرس النّتائج المصيريّة في ثواب اللّه و عقابه في موقف الحساب،في الدّار الآخرة.(24:364)

4- مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ.

ق:33

ابن عبّاس: من عمل للرّحمن و إن لم يره.(440)

الفرّاء: إن شئت جعلت(من)خفضا تابعة لقوله:

(لكلّ)،و إن شئت استأنفتها،فكانت رفعا يراد بها الجزاء،من خشي الرّحمن بالغيب قيل له:ادخل الجنّة، و (ادْخُلُوها) ق:34،جواب للجزاء أضمرت قبله القول،و جعلته فعلا للجميع،لأنّ(من)تكون في مذهب الجميع.(3:79)

الطّبريّ: يقول:من خاف اللّه في الدّنيا من قبل أن يلقاه،فأطاعه،و اتّبع أمره.[ثمّ ذكر نحو الفرّاء]

(11:429)

نحوه البغويّ(4:276)،و الطّبرسيّ(5:149).

الطّوسيّ: الخشية:انزعاج القلب عند ذكر السّيّئة و داعي الشّهوة،حتّى يكون في أعظم حال من طلبه سبع يفترسه،أو عدوّ يأتي على نفسه،أو طعام مسموم يدعى إلى أكله.هذه خشية الرّحمن الّتي

ص: 103

تنفعه،و الّتي دعا إليها ربّه.(9:371)

القشيريّ: الخشية من الرّحمن،هي الخشية من الفراق.و الخشية من الرّحمن تكون مقرونة بالأنس، و لذلك لم يقل:من خشي الجبّار،و لا من خشي القهّار.

و يقال:الخشية من اللّه تقتضي العلم بأنّه يفعل ما يشاء،و أنّه لا يسأل عمّا يفعل.

و يقال:الخشية ألطف من الخوف،و كأنّه قريبة من الهيبة.(6:22)

الزّمخشريّ: (من خشى)بدل بعد بدل،تابع ل(كلّ).

و يجوز أن يكون بدلا عن موصوف(اواب) و(حفيظ.)

و لا يجوز أن يكون في حكم(اواب)و(حفيظ) لأنّ(من)لا يوصفه به و لا يوصف(من)بين الموصولات إلاّ ب«الّذي»وحده.

و يجوز أن يكون مبتدأ،خبره:يقال لهم:

اُدْخُلُوها بِسَلامٍ، ق:34،لأنّ(من)في معنى الجمع.

و يجوز أن يكون منادى،كقولهم:من لا يزال محسنا أحسن إليّ،و حذف حرف النّداء للتّقريب.

(4:10)

نحوه أبو السّعود.(6:130)

ابن عطيّة: يحتمل أن يكون(من)نعت «الأوّاب»أو بدلا.و يحتمل أن يكون رفعا بالابتداء، و الخبر يقال لهم:(ادخلوها).و يحتمل أن تكون شرطيّة،فيكون الجواب يقال لهم:(ادخلوها).

(5:166)

الفخر الرّازيّ: و في الآية لطائف معنويّة:

الأوّل:الخشية و الخوف معناهما واحد عند أهل اللّغة،لكن بينهما فرق،و هو أنّ الخشية من عظمة المخشيّ.و ذلك لأنّ تركيب حروف«خ ش ي»في تقاليبها يلزمه معنى:الهيبة.يقال:«شيخ»للسّيّد و الرّجل الكبير السّنّ،و هما جميعا مهيبان.و الخوف:

خشية من ضعف الخاشي؛و ذلك لأنّ تركيب «خ و ف»في تقاليبها يدلّ على الضّعف،تدلّ عليه:

الخيفة و الخفية،و لو لا قرب معناهما لما ورد في القرآن:

تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً الأنعام:63،و تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً الأعراف:205،و المخفيّ فيه ضعف كالخائف.

إذا علمت هذا تبيّن لك اللّطيفة،و هي أنّ اللّه تعالى في كثير من المواضع ذكر لفظ«الخشية»حيث كان الخوف من عظمة المخشيّ،قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28.

و قال: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ الحشر:21،فإنّ الجبل ليس فيه ضعف يكون الخوف من ضعفه،و إنّما اللّه عظيم يخشاه كلّ قويّ: هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ المؤمنون:57،مع أنّ الملائكة أقوياء.

و قال تعالى: وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ الأحزاب:37،أي تخافهم إعظاما لهم،إذ لا ضعف فيك بالنّسبة إليهم.و قال تعالى: لا تَخَفْ وَ لا تَحْزَنْ العنكبوت:33،أي لا تخف ضعفا،فإنّهم لا عظمة لهم.و قال: يَخافُونَ يَوْماً النّور:37،حيث كان عظمة اليوم بالنّسبة إلى عظمة اللّه ضعيفة.

ص: 104

و قال: أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا فصّلت:30،أي بسبب مكروه يلحقكم من الآخرة،فإنّ المكروهات كلّها مدفوعة عنكم.و قال تعالى: خائِفاً يَتَرَقَّبُ القصص:18،و قال: فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ القصص:

33،لوحدته و ضعفه.و قال هارون: إِنِّي خَشِيتُ طه:94،لعظمة موسى في عين هارون لا لضعف فيه.

و قال: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً الكهف:

80،حيث لم يكن لضعف فيه.

و حاصل الكلام أنّك إذا تأمّلت استعمال «الخشية»وجدتها مستعملة لخوف بسبب عظمة المخشيّ،و إذا نظرت إلى استعمال«الخوف»وجدته مستعملا لخشية من ضعف الخائف،و هذا في الأكثر.

و ربّما يتخلّف المدّعي عنه لكن الكثرة كافية.

الثّانية:قال اللّه تعالى هاهنا: خَشِيَ الرَّحْمنَ، مع أنّ وصف الرّحمة غالبا يقابل الخشية إشارة إلى مدح المتّقي؛حيث لم تمنعه الرّحمة من الخوف بسبب العظمة.و قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ الحشر:21، إشارة إلى ذمّ الكافر؛حيث لم تحمله الألوهيّة-الّتي تنبئ عنها لفظة(اللّه)و فيها العظمة-على خوفه.

و قال: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر :28،لأنّ(انّما)للحصر،فكان فيه إشارة إلى أنّ الجاهل لا يخشاه،فذكر اللّه ليبيّن أنّ عدم خشيته مع قيام المقتضي و عدم المانع،و هو الرّحمة.

و قد ذكرنا ذلك في سورة«يس»و نزيد هاهنا شيئا آخر،و هو أن نقول:لفظة(الرّحمن)إشارة إلى مقتضى الخشية لا إلى المانع.و ذلك لأنّ(الرّحمن) معناه:واهب الوجود بالخلق،و(الرّحيم):واهب البقاء بالرّزق،و هو في الدّنيا رحمان حيث أوجدنا بالرّحمة،و رحيم حيث أبقى بالرّزق.و لا يقال لغيره:

رحيم،لأنّ البقاء بالرّزق قد يظنّ أنّ مثل ذلك يأتي ممّن يطعم المضطرّ،فيقال:فلان هو الّذي أبقى فلانا.

و هو في الآخرة أيضا رحمان حيث يوجدنا، و رحيم حيث يرزقنا،و ذكرنا ذلك في تفسير الفاتحة؛ حيث قلنا:قال: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، إشارة إلى كونه رحمانا في الدّنيا حيث خلقنا،رحيما في الدّنيا حيث رزقنا رحمة،ثمّ قال مرّة أخرى بعد قوله:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أي هو رحمان مرّة أخرى في الآخرة بخلقنا ثانيا.

و استدللنا عليه بقوله بعد ذلك: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، أي يخلقنا ثانيا.و رحيم يرزقنا،و يكون هو المالك في ذلك اليوم.

إذا علمت هذا،فمن يكون منه وجود الإنسان لا يكون خوفه خشية من غيره،فإنّ القائل يقول لغيره:أخاف منك أن تقطع رزقي أو تبدّل حياتي،فإذا كان اللّه تعالى رحمانا منه الوجود ينبغي أن يخشى،فإنّ من بيده الوجود بيده العدم.و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«خشية اللّه رأس كلّ حكمة»،و ذلك لأنّ الحكيم إذا تفكّر في غير اللّه وجده محلّ التّغيّر،يجوز عليه العدم في كلّ طرفة عين،و ربّما يقدّر اللّه عدمه قبل أن يتمكّن من الإضرار،لأنّ غير اللّه إن لم يقدّر اللّه أن يضرّ لا يقدر على الضّرر،و إن قدر عليه بتقدير اللّه فسيزول الضّرر

ص: 105

بموت المعذّب أو المعذّب.و أمّا اللّه تعالى فلا رادّ لما أراد و لا آخر لعذابه.و قال تعالى:(بالغيب)أي كانت خشيتهم قبل ظهور الأمور؛حيث ترى رأي العين.

و قوله تعالى: وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ، إشارة إلى صفة مدح أخرى،و ذلك لأنّ الخاشي قد يهرب و يترك القرب من المخشيّ و لا ينتفع،و إذا علم المخشيّ أنّه تحت حكمه تعالى،علم أنّه لا ينفعه الهرب،فيأتي المخشيّ و هو غير خاش،فقال:(و جاء)و لم يذهب كما يذهب الآبق.(28:177)

العكبريّ: (من خشى)في موضع رفع،أي هم من خشي،أو في موضع جرّ بدلا من(للمتقين)،أو من(كل اواب،)أو في موضع نصب،أي أعني من خشي.

و قيل:(من)مبتدأ،و الخبر محذوف تقديره:يقال لهم:(ادخلوها).(2:1176)

نحوه القرطبيّ.(17:20)

النّسفيّ: الخشية:انزعاج القلب عند ذكر الخطيئة،و قرن بالخشية اسمه الدّالّ على سعة الرّحمة، للثّناء البليغ على الخاشي،و هو خشيته مع علمه أنّه الواسع الرّحمة،كما أثنى عليه بأنّه خاش مع أنّ المخشيّ منه غائب.(4:180)

أبو حيّان :(من خشى)بدل بعد بدل،تابع ل (كلّ)قاله الزّمخشريّ.و إنّما جعله تابعا ل(كلّ) لا بدلا من(للمتقين)،لأنّه لا يتكرّر الإبدال من مبدل منه واحد.قال:«و يجوز أن يكون بدلا من موصوف(اواب)و(حفيظ)،و لا يجوز أن يكون في حكم(اواب)و(حفيظ)،لأنّ(من)لا يوصف به و لا يوصف(من)بين سائر الموصولات إلاّ بالّذي»انتهى.يعني بقوله:في حكم(اواب)،أن يجعل(من)صفته،و هذا حكم صحيح.

و أمّا قوله:لا يوصف(من)بين الموصولات إلاّ ب «الّذي»،فالحصر ليس بصحيح،قد وصفت العرب بما فيه«أل»و هو موصول،نحو:القائم و المضروب، و وصفت ب«ذو الطّائيّة»و«ذات»في المؤنّث،و من كلامهم:بالفضل ذو فضّلكم اللّه به،و الكرامة ذات أكرمكم اللّه به،يريد ب«الفضل»الّذي فضّلكم، و«الكرامة»الّتي أكرمكم،و لا يريد الزّمخشريّ خصوصيّة«الّذي»بل فروعه من المؤنّث و المثنّى و المجموع،على اختلاف لغات ذلك.

و جوّز أن تكون(من)موصولة مبتدأ،خبره القول المحذوف،تقديره:يقال لهم:(ادخلوها)،لأنّ (من)في معنى الجمع.و أن تكون شرطيّة،و الجواب الفعل المحذوف،أي فيقال:و أن يكون منادى،كقولهم:

من لا يزال محسنا أحسن إليّ،و حذف حرف النّداء للتّقريب.و قال ابن عطيّة:يحتمل أن تكون(من)نعتا، انتهى.

و هذا لا يجوز،لأنّ(من)لا ينعت بها.(8:127)

نحوه الآلوسيّ.(28:190)

الشّربينيّ: أي خاف و نبّه على كثرة خشيته بقوله تعالى:(الرّحمن)،لأنّه إذا خافه مع استحضار الرّحمة العامّة للمطيع و العاصي،كان خوفه مع استحضار غيرها أولى.(4:89)

ص: 106

البروسويّ: الخشية:خوف يشوبه تعظيم.و في «عين المعاني»:انزعاج القلب عند ذكر السّيّئة و موجبها.

و قال الواسطيّ: الخشية أرقّ من الخوف،لأنّ الخوف للعامّة،من العقوبة،و الخشية من نيران اللّه في الطّبع فيها نظافة الباطن،للعلماء،و من رزق الخشية لم يعدم الإنابة،و من رزق الإنابة لم يعدم التّفويض و التّسليم،و من رزق التّفويض و التّسليم لم يعدم الصّبر على المكاره،و من رزق الصّبر على المكاره لم يعدم الرّضى.

و قال بعضهم:أوائل العلم الخشية،ثمّ الإجلال،ثمّ التّعظيم،ثمّ الهيبة،ثمّ الفناء.و عن بعضهم:الخشية من الرّحمن:خشية الفراق،و من الجبّار و القهّار:خشية العقوبة.(9:131)

ابن عاشور :الخشية:الخوف،و أطلقت الخشية على أثرها،و هو الطّاعة.(26:266)

الطّباطبائيّ: الخشية بالغيب:الخوف من عذاب اللّه حال كونه غائبا غير مرئيّ له.(18:354)

فيها مطالب راجع:ر ح م:«الرّحمن»،و غ ي ب:

«الغيب».

خشينا

وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً. الكهف:80

ابن عبّاس: فعلم ربّك أن يكلّفهما.(251)

الفرّاء: فعلمنا.و هي في قراءة أبيّ (فخاف ربّك ان يرهقهما) على معنى علم ربّك،و هو مثل قوله: إِلاّ أَنْ يَخافا البقرة:229،قال:إلاّ أن يعلما و يظنّا.

و الخوف و الظّنّ يذهب بهما مذهب العلم.(2:157)

الأخفش: معناه:كرهنا،لأنّ اللّه لا يخشى.و هو في بعض القراءات(فخاف ربّك)،و هو مثل:«خفت الرّجلين أن يقولا»،و هو لا يخاف من ذلك أكثر من أنّه يكرهه لهما.(2:620)

ابن قتيبة :[مثل الفرّاء و أضاف:]

و قوله: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً البقرة:182،أي علم.

و قوله: وَ أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ الأنعام:51،لأنّ في الخشية و المخافة طرفا من العلم.(191)

الطّبريّ: فَخَشِينا و هي في مصحف عبد اللّه «فخاف ربّك ان يرهقهما طغيانا و كفرا».

و الخشية و الخوف توجّههما العرب إلى معنى الظّنّ،و توجّه هذه الحروف إلى معنى العلم بالشّيء الّذي يدرك من غير جهة الحسّ و العيان.(8:266)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:علم الخضر أنّ الغلام يرهق أبويه طغيانا و كفرا،لأنّ الغلام كان كافرا.قال قتادة:و في قراءة أبيّ (و امّا الغلام فكان كافرا و كان ابواه مؤمنين) ،فعبّر عن العلم بالخشية.

الثّاني:معناه:فخاف ربّك أن يرهق الغلام أبويه طغيانا و كفرا،فعبّر عن الخوف بالخشية هاهنا.قال مقاتل:في قراءة أبيّ (فخاف ربك) و الخوف هاهنا استعارة لانتفائه عن اللّه تعالى.

ص: 107

الثّالث:كره الخضر أن يرهق الغلام أبويه بطغيانه و كفره إثما و ظلما.(3:333)

الطّوسيّ: قيل:إنّ قوله: فَخَشِينا من قول الخضر.و قيل:إنّه من قول اللّه تعالى،و معناه:علمنا.

و قيل:معنى(خشينا)كرهنا،فبيّن أنّ الوجه في قتله ما لأبويه من المصلحة في ثبات الدّين،لأنّه لو بقى حيّا لأرهقهما طغيانا و كفرا أي أوقعهما فيه،فيكون ذلك مفسدة،فأمر اللّه بقتله لذلك،كما لو أماته.

(7:81)

الزّمخشريّ: فخفنا أن يغشي الوالدين المؤمنين طغيانا عليهما و كفرا،لنعمتهما بعقوقه و سوء صنيعه، و يلحق بهما شرّا و بلاء،أو يقرن بإيمانهما طغيانه و كفره،فيجتمع في بيت واحد مؤمنان و طاغ كافر، أو يعديهما بدائه و يضلّهما بضلاله،فيرتدّا بسببه، و يطغيا و يكفرا بعد الإيمان.

و إنّما خشي الخضر منه ذلك،لأنّ اللّه تعالى أعلمه بحاله،و أطلعه على سرّ أمره،و أمره إيّاه بقتله، كاخترامه لمفسدة عرفها في حياته.

و في قراءة أبيّ (فخاف ربّك) ،و المعنى:فكره ربّك كراهة من خاف سوء عاقبة الأمر فغيّره.و يجوز أن يكون قوله: فَخَشِينا حكاية لقول اللّه تعالى،بمعنى «فكرهنا»،كقوله: لِأَهَبَ لَكِ مريم:19.

(2:495)

نحوه الطّبرسيّ(3:487)،و النّسفيّ(3:22)، و أبو حيّان(6:155)،و أبو السّعود(4:208).

ابن عطيّة: قيل:هو في جملة الخضر،فهذا متخلّص.و الضّمير عندي للخضر و أصحابه الصّالحين الّذين أهمّهم الأمر و تكلّموا فيه.و قيل:هو في جهة اللّه تعالى،و عنه عبّر الخضر.

قال الطّبريّ: معناه:فعلمنا،و قال غيره:معناه:

فكرهنا.و الأظهر عندي في توجيه هذا التّأويل-و إن كان اللّفظ يدافعه-أنّها استعارة،أي على ظنّ المخلوقين و المخاطبين،لو علموا حاله لوقعت منهم خشية الرّهق للأبوين.

و قرأ ابن مسعود: (فخاف ربّك) ،و هذا بيّن في الاستعارة.و هذا نظير ما يقع في القرآن في جهة اللّه تعالى،من«لعلّ»و«عسى».فإنّ جميع ما في هذا كلّه، من ترجّ،و توقّع،و خوف،و خشية،إنّما هو بحبّكم أيّها المخاطبون.(3:536)

نحوه القرطبيّ.(11:36)

الفخر الرّازيّ: الخشية بمعنى الخوف و غلبة الظّنّ،و اللّه تعالى قد أباح له قتل من غلب على ظنّه تولّد مثل هذا الفساد منه.(21:161)

الشّربينيّ: أي خفنا،و الخشية:خوف يشوبه تعظيم.(2:398)

الآلوسيّ: فخفنا خوفا شديدا.[إلى أن قال:]

و فسّر بعض شرّاح البخاريّ«الخشية»بالعلم، فقال:أي علمنا أنّه لو أدرك و بلغ لدعا أبويه إلى الكفر،فيجيبانه و يدخلان معه في دينه،لفرط حبّهما إيّاه...

و الظّاهر أنّ هذا من كلام الخضر عليه السّلام أجاب به موسى عليه السّلام من جهته.و جوّز الزّمخشريّ أن يكون

ص: 108

ذلك حكاية لقول اللّه عزّ و جلّ،و المراد:فكرهنا بجعل الخشية مجازا مرسلا عن لازمها،و هو الكراهة على ما قيل.

قال في«الكشف»:«و ذلك لاتّحاد مقام المخاطبة كان سؤال موسى عليه السّلام منه تعالى و الخضر عليه السّلام بإذن اللّه تعالى يجيب عنه،و في ذلك لطف،و لكن الظّاهر هو الأوّل»انتهى.

و قيل:هو على هذا الاحتمال بتقدير فقال اللّه:

خشينا،و«الفاء»من الحكاية.و هو أيضا بعيد، و لا يكاد يلائم هذا الاحتمال الآية بعد،إلاّ أن يجعل التّعبير بالظّاهر فيها التفاتا.

و في مصحف عبد اللّه و قراءة أبيّ (فخاف ربّك) ، و التّأويل ما سمعت.(16:11)

الطّباطبائيّ: الأظهر من سياق الآية و ما سيأتي من قوله: وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي الكهف:82،أن يكون المراد بالخشية:التّحذّر عن رأفة،و رحمة مجازا، لا معناه الحقيقيّ الّذي هو التّأثّر القلبيّ الخاصّ المنفيّ عنه تعالى و عن أنبيائه،كما قال: وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ الأحزاب:39.(13:348)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ كلمة(خشينا)تطوي معنى كبيرا،فهذا التّعبير يوضّح أنّ هذا الرّجل العالم كان يعتبر نفسه مسئولا عن مستقبل النّاس،و لم يكن مستعدّا لأن يصاب أمّ أو أب مؤمنين بسوء،بسبب انحراف ابنهم.

كما أنّ تعبير(خشينا)جاء هنا بمعنى:لم نكن نرغب،و إلاّ لا معنى للخوف من مثل هذه المواضيع بالنّسبة لشخص بهذا المستوى،من العلم و الوعي و القدرة.

و بعبارة أخرى،فإنّ الهدف هو الاتّقاء من حادث سيّئ نرغب أن نقي الأبوين منه،على أساس المودّة لهما.

و يحتمل أن يكون التّعبير بمعنى«علمنا»كما ينقل عن ابن عبّاس،يعني أنّنا نعلم أنّ الفتى-في حال بقائه -سوف يكون سببا لأحداث أليمة تقع لأبيه و أمّه في المستقبل.

و أمّا لما ذا استخدم ضمير المتكلّم في حالة الجمع بينما كان المتكلّم فردا واحدا،فإنّ سبب ذلك واضح؛ حيث إنّها ليست المرّة الأولى الّتي يستخدم القرآن هذه الصّيغة،ففي كلام العرب عند ما يتحدّث الأشخاص الكبار عن أنفسهم فإنّهم يستخدمون ضمير الجمع.

و السّبب في ذلك أنّ هؤلاء الأشخاص يملكون أشخاصا تحت أيديهم و يعطونهم الأوامر لتنفيذ الأعمال،فاللّه يعطي الأوامر للملائكة،و الإنسان يعطي الأوامر للّذين هم تحت يديه.(9:294)

يخشى

1- ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى* إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى. طه:2،3

ابن عبّاس: لمن يسلم،و لم أنزله لتشقى:لتتعب نفسك،مقدّم،و مؤخّر.(260)

أبو عبيدة :مجازه مجاز المقدّم و المؤخّر،و فيه ضمير،و له موضع آخر من المختصر الّذي فيه ضمير:

ص: 109

ما أنزلنا عليك القرآن إلاّ تذكرة لمن يخشى لا لتشقى، و الموضع الآخر:ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، و ما أنزلناه إلاّ تذكرة لمن يخشى.(2:15)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:ما أنزلنا عليك هذا القرآن إلاّ تذكرة لمن يخشى عقاب اللّه،فيتّقيه بأداء فرائض ربّه و اجتناب محارمه.(8:391)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:إلاّ إنذارا لمن يخشى اللّه.

و الثّاني:إلاّ زجرا لمن يتّقي الذّنوب.

و الفرق بين الخشية و الخوف:أنّ الخوف فيما ظهرت أسبابه،و الخشية فيما لم تظهر أسبابه.

(3:393)

الزّمخشريّ: لمن يؤول أمره إلى الخشية،و لمن يعلم اللّه منه أنّه يبدّل بالكفر إيمانا و بالقسوة خشية.

(2:529)

ابن عطيّة: يتضمّن الإيمان و العمل الصّالح؛إذ الخشية باعثة على ذلك.(4:37)

الفخر الرّازيّ: وجه كون القرآن تذكرة أنّه عليه السّلام كان يعظّمهم به و ببيانه،فيدخل تحت قوله:لمن يخشى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه في الخشية و التّذكرة بالقرآن كان فوق الكلّ.(22:4)

البيضاويّ: لمن في قلبه خشية و رقّة يتأثّر بالإنذار،أو لمن علم اللّه منه أنّه يخشى بالتّخويف منه، فإنّه المنتفع به.(2:45)

مثله الشّربينيّ(2:448)،و نحوه أبو السّعود(4:

267)،و الآلوسيّ(16:150).

النّسفيّ: لمن يخاف اللّه أو لمن يؤول أمره إلى الخشية.(3:48)

ابن عاشور :و(من يخشى)هو المستعدّ للتّأمّل و النّظر في صحّة الدّين،و هو كلّ من يفكّر للنّجاة في العاقبة.فالخشية هنا مستعملة في المعنى العربيّ الأصليّ،و يجوز أن يراد بها المعنى الإسلاميّ، و هو خوف اللّه،فيكون المراد من الفعل المآل،أي من يؤول أمره إلى الخشية بتيسير اللّه تعالى له التّقوى، كقوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ البقرة:2،أي الصّائرين إلى التّقوى.(16:95)

الطّباطبائيّ: إنّ المراد ب(من يخشى):من كان في طبعه ذلك،بأن كان مستعدّا لظهور الخشية في قلبه لو سمع كلمة الحقّ،حتّى إذا بلغت إليه التّذكرة ظهرت في باطنه الخشية،فآمن و اتّقى.(14:120)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ تعبير(من يخشى) يبيّن أنّ نوعا من الإحساس بالمسئوليّة،و الّذي سمّاه القرآن بالخشية،إذا لم يكن موجودا في الإنسان، فسوف لا يقبل الحقائق،لأنّ قابليّة القابل شرط في حمل و نموّ كلّ بذرة و حبّة.و هذا التّعبير في الحقيقة شبيه بما نقرؤه في أوّل سورة البقرة: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ.

(9:466)

فضل اللّه :مسألة التّأكيد على(لمن يخشى،) فلأنّ الخشية تثير في داخل الإنسان المشاعر القلقة الحائرة الّتي تبحث عن الأمن و الطّمأنينة،و الاستقرار الرّوحيّ أمام القضايا الّتي تثيرها الدّعوة القرآنيّة في نفسه،من خلال علامات الاستفهام المتحرّكة في

ص: 110

وجدانه،في هذا الموقع أو ذاك،فيدفعه ذلك إلى التّأمّل العميق،و التّفكير الجادّ،في الطّريق إلى الإيمان.أمّا الّذي لا يخشى عذاب اللّه،فإنّه يعيش اللاّمبالاة (1)أمام كلّ قضايا الفكر و الإيمان،و لذلك فإنّ التّذكير لا يحقّق له أيّ شيء أمام الجمود الفكريّ المتحجّر الّذي يعيش في داخله.(15:91)

و فيها مباحث راجع ذ ك ر:«تذكرة».

2- وَ مِنَ النّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ. فاطر:28

راجع:ع ل م:«العلماء».

3- إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى. النّازعات:26

راجع:ع ب ر:«عبرة».

4- وَ أَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى* وَ هُوَ يَخْشى* فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّى. عبس:8-10

ابن عبّاس: وَ هُوَ يَخْشى من اللّه و هو مسلم، و كان قد أسلم قبل ذلك ابن أمّ مكتوم.(501)

الطّبريّ: هو يخشى اللّه و يتّقيه.(12:445)

الطّوسيّ: يعني عبد اللّه بن أمّ مكتوم،جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و هو يخشى معصية اللّه و الكفر.و الخشية:

هو الحذر من مواقعة المعصية،خوفا من عقاب اللّه تعالى.(10:270)

الزّمخشريّ: وَ هُوَ يَخْشى اللّه،أو يخشى الكفّار و أذاهم في إتيانك،و قيل:جاء و ليس معه قائد فهو يخشى الكبوة.(4:218)

الفخر الرّازيّ: فيه ثلاثة أوجه:

يخشى اللّه و يخافه في أن لا يهتمّ بأداء تكاليفهم.

أو يخشى الكفّار و أذاهم في إتيانك.

أو يخشى الكبوة،فإنّه كان أعمى،و ما كان له قائد.(31:57)

نحوه البيضاويّ(2:540)،و النّسفيّ(4:333)، و أبو حيّان(8:428)،و الشّربينيّ(4:484)و أبو السّعود (6:377).

البروسويّ: وَ هُوَ و الحال أنّه يَخْشى اللّه تعالى،أو يخشى الكفّار و أذاهم إتيانك.

قال سعدي المفتي:الظّاهر أنّ النّظم من الاحتباك ذكر الغنى أوّلا للدّلالة على الفقر ثانيا،و المجيء و الخشية ثانيا للدّلالة على ضدّهما أوّلا.(10:333)

الآلوسيّ: أي يخاف اللّه تعالى،و قيل:أذيّة الكفّار في الإتيان،و قيل:العثار و الكبوة،إذ لم يكن معه قائد.و الجملة حال من فاعل(يسعى،)كما أنّ جملة:(يسعى)حال من فاعل(جاءك.)

و استظهر بعض الأفاضل أنّ النّظم الجليل من الاحتباك ذكر الغنى أوّلا للدّلالة على الفقر ثانيا، و المجيء و الخشية ثانيا للدّلالة على ضدّهما أوّلا، و كأنّه حمل استغنى على ما نقل أخيرا و استشعر ما قيل..

ص: 111


1- الصّواب:بلا مبالاة..لأنّ«أل»التّعريف لا تدخل على حرف النّفي«لا»و هو خطأ شاع...

عليه،فاحتاج لدفعه إلى هذا التّكلّف،و عدم الاحتياج إليه على ما نقلناه في غاية الظّهور.

(30:41)

ابن عاشور :و جملة: وَ هُوَ يَخْشى في موضع الحال،و حذف مفعول يَخْشى لظهوره،لأنّ الخشية في لسان الشّرع تنصرف إلى خشية اللّه تعالى.

و المعنى:أنّه جاء طلبا للتّزكية،لأن يخشى اللّه من التّقصير في الاسترشاد.و اختير الفعل المضارع لإفادته التّجدّد.(30:96)

الطّباطبائيّ: أي يخشى اللّه،و الخشية:آية التّذكّر بالقرآن،قال تعالى: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى* إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى طه:2،3،و قال:

سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى الأعلى:10.(20:201)

مكارم الشّيرازيّ: فخشيته من اللّه هي الّتي دفعته للوصول إليك،كي يستمع إلى الحقائق ليزكّي نفسه فيها،و يعمل على مقتضاها.(19:365)

فضل اللّه : وَ هُوَ يَخْشى اللّه في نفسه،و في مسئوليّته في الدّعوة،و في المهمّات الأخرى الموكولة إليه،ممّا قد يتوقّف على سعة المعرفة.(24:67)

5- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى* سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى.

الأعلى:9،10

ابن عبّاس: مَنْ يَخْشى اللّه،و هو المسلم.

(508)

نزلت في ابن أمّ مكتوم.(القرطبيّ 20:20)

قتادة :فاتّقوا اللّه،ما خشي اللّه عبد قطّ إلاّ ذكره.

(الطّبريّ 12:546)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:سيذّكّر يا محمّد إذا ذكّرت الّذين أمرتك بتذكيرهم،من يخشى اللّه، و يخاف عقابه.(12:546)

الماورديّ: يعني يخشى اللّه،و قد يتذكّر من يرجوه،إلاّ أنّ تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الرّاجي، فلذلك علّقها بالخشية دون الرّجاء،و إن تعلّقت بالخشية و الرّجاء.(6:254)

الطّوسيّ: معناه سيتّعظ و ينتفع بدعائك و ذكرك من يخاف اللّه و يخشى عقابه،لأنّ من لا يخافه لا ينتفع بها.(10:331)

نحوه الطّبرسيّ.(5:475)

الزّمخشريّ: مَنْ يَخْشى اللّه و سوء العاقبة، فينظر و يفكّر حتّى يقوده النّظر إلى اتّباع الحقّ،فأمّا هؤلاء فغير خاشعين و لا ناظرين،فلا تأمّل أن يقبلوا منك.(4:244)

ابن عطيّة: مَنْ يَخْشى اللّه و دار الآخرة،و هم العلماء و المؤمنون،كلّ بقدر ما وفّق،و يتجنّب الذّكرى و نفعها من سبقت له الشّقاوة،فكفر و وجب له صلي النّار.(5:470)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ النّاس في أمر المعاد على ثلاثة أقسام:منهم من قطع بصحّته،و منهم من جوّز وجوده،و لكنّه غير قاطع فيه،لا بالنّفي و لا بالإثبات، و منهم من أصرّ على إنكاره و قطع بأنّه لا يكون.

فالقسمان الأوّلان تكون الخشية حاصلة لهما،و أمّا القسم الثّالث فلا خشية له و لا خوف.

إذا عرفت ذلك ظهر أنّ الآية تحتمل تفسيرين:

ص: 112

أحدهما:أن يقال:الّذي يخشى هو الّذي يكون عارفا باللّه و عارفا بكمال قدرته و علمه و حكمته، و ذلك يقتضي كونه قاطعا بصحّة المعاد،و لذلك قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:

28،فكأنّه تعالى لما قال: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى الأعلى:9،بيّن في هذه الآية أنّ الّذي تنفعه الذّكرى من هو،و لمّا كان الانتفاع بالذّكرى مبنيّا على حصول الخشية في القلب،و صفاء القلوب ممّا لا اطّلاع لأحد عليها إلاّ اللّه سبحانه،وجب على الرّسول تعميم الدّعوة تحصيلا للمقصود،فإنّ المقصود تذكير من ينتفع بالتّذكير،و لا سبيل إليه إلاّ بتعميم التّذكير.

الثّاني:أن يقال:إنّ الخشية حاصلة للعالمين و للمتوقّفين غير المعاندين؛و أكثر الخلق متوقّفون غير معاندين و المعاند فيهم قليل،فإذا ضمّ إلى المتوقّفين الّذين لهم الغلبة العارفون،كانت الغلبة العظيمة لغير المعاندين.

ثمّ إنّ كثيرا من المعاندين إنّما يعاندون باللّسان، فأمّا المعاند في قلبه بينه و بين نفسه،فذلك ممّا لا يكون، أو إن كان،فهو في غاية النّدرة و القلّة.

ثمّ إنّ الإنسان إذا سمع التّخويف بأنّه يَصْلَى النّارَ الْكُبْرى، و أنّه لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى، انكسر قلبه،فلا بدّ و أن يستمع و ينتفع أغلب الخلق في أغلب الأحوال،و أمّا ذلك المعرض فنادر،و ترك الخير الكثير لأجل الشّرّ القليل شرّ كثير.فمن هذا الوجه كان قوله: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى، يوجب تعميم التّذكير.(31:145)

القرطبيّ: أي من يتّق اللّه و يخافه.(20:20)

البيضاويّ: مَنْ يَخْشى اللّه تعالى،فإنّه يتأمّل فيها فيعلم حقيقتها،و هو يتناول العارف و المتردّد.(2:554)

النّسفيّ: مَنْ يَخْشى اللّه و سوء العاقبة.

(4:350)

أبو حيّان :أي لا يتذكّر بذكراك إلاّ من يخاف،فإنّ الخوف حامل على النّظر في الّذي ينجيه ممّا يخافه،فإذا نظر فأدّاه النّظر و التّذكّر إلى الحقّ،و هؤلاء هم العلماء و المؤمنون،كلّ على قدر ما وفّق له.(8:459)

الشّربينيّ: أي يخاف اللّه تعالى،فهي كآية:

فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ق:45،و إن كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يجب عليه تذكيرهم،نفعتهم الذّكرى أم لم تنفعهم.

و قال ابن عبّاس:نزلت في ابن أمّ مكتوم،و قيل:

في عثمان بن عفّان.(4:522)

أبو السّعود :من من شأنه أن يخشى اللّه تعالى حقّ خشيته،أو من يخشى اللّه تعالى في الجملة،فيزداد ذلك بالتّذكير،فيتفكّر في أمر ما تذكّر به،فيقف على حقّيّته،فيؤمن به.(6:415)

نحوه البروسويّ(10:408)،و الآلوسيّ(30:

108).

المراغيّ: مَنْ يَخْشى اللّه و يخاف عقابه،لأنّه هو الّذي يتأمّل في كلّ ما تذكّره له،فيتبيّن له وجه الصّواب،و يظهر له سبيل الحقّ الّذي يجب المعوّل عليه.(30:126)

ص: 113

ابن عاشور: مَنْ يَخْشى جنس لا فرد معيّن، أي سيتذكّر الّذين يخشون.و الضّمير المستتر في:

يَخْشى مراعى فيه لفظ(من)،فإنّه لفظ مفرد.

و قد نزّل فعل يَخْشى منزلة اللاّزم فلم يقدّر له مفعول،أي يتذكّر من الخشية فكرته و جبلّته،أي من يتوقّع حصول الضّرّ و النّفع فينظر في مظانّ كلّ، و يتدبّر في الدّلائل،لأنّه يخشى أن يحقّ عليه ما أنذر به.

و الخشية:الخوف،و تقدّم في قوله تعالى: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى طه:44،و الخشية ذات مراتب و في درجاتها يتفاضل المؤمنون.(30:252)

فضل اللّه : سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى لأنّ الّذي يثير الخوف من اللّه في نفسه،لا بدّ من أن يعود إلى وعيه لينفتح فيه على ربّه،و على يوم الحساب بين يديه، ليدفع بموقفه إلى خطّ التّراجع عن الخطإ،ليلتزم خطّ الصّواب.(24:212)

شوقي ضيف:و الخشية:خوف يشوبه تعظيم، و هي فوق الخوف و الرّجاء.أمّا الخوف:فتوقّع العقاب عند استشعار المكروه.و الرّجاء:تعلّق بشيء يؤمل حصوله أو دوامه.أمّا الخشية:فوجل و هيبة مقرونة بالتّعظيم و الإجلال،و لذلك جعل اللّه الاتّعاظ في الآية إنّما يبلغ تأثير المبلغ القويّ فيمن يستشعرون خشيته،لا من يستشعرون الخوف منه و الرّجاء.

و قد صوّر اللّه في آية سورة الزّمر هؤلاء الّذين يخشونه حين يستمعون إلى رسوله،و هو يتلو عليهم كلام ربّهم،يقول: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللّهِ ذلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ الزّمر:23.فهو أحسن الحديث.(305)

يخش

1- وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً.

النّساء:9

قتادة :إذا حضرت وصيّة ميّت فمره بما كنت آمرا نفسك بما تتقرّب به إلى اللّه،و خف في ذلك ما كنت خائفا على ضعفة،لو تركتهم بعدك.يقول:فاتّق اللّه و قل قولا سديدا إن هو زاغ.(الطّبريّ 3:612)

السّدّيّ: فيقول: وَ لْيَخْشَ كما يخاف أحدكم على عياله لو مات-إذ يتركهم صغارا ضعافا لا شيء لهم-الضّيعة بعده،فليخف ذلك على عيال أخيه المسلم،فيقول له القول السّديد.(الطّبريّ 3:612)

الإمام الصّادق عليه السّلام:من أكل مال اليتيم،سلّط اللّه عليه من يظلمه أو على عقبه،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا....

(العروسيّ 1:447)

الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و أولى التّأويلات بالآية قول من قال:تأويل ذلك:و ليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّة ضعافا خافوا عليهم العيلة لو كانوا فرّقوا أموالهم في حياتهم،أو قسّموها وصيّة منهم بها لأولي قرابتهم، و أهل اليتم و المسكنة،فأبقوا أموالهم لولدهم خشية

ص: 114

العيلة عليهم بعدهم،مع ضعفهم و عجزهم عن المطالب،فليأمروا من حضروه،و هو يوصي لذوي قرابته-و في اليتامى و المساكين و في غير ذلك-بماله بالعدل، فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، و هو أن يعرّفوه ما أباح اللّه له من الوصيّة،و ما اختاره للموصين من أهل الإيمان باللّه،و بكتابه و سنّته.

(3:614)

الزّمخشريّ: (لو)مع ما في حيّزه صلة ل (الذين،)و المراد بهم:الأوصياء أمروا بأن يخشوا اللّه فيخافوا على من في حجورهم من اليتامى،و يشفقوا عليهم خوفهم على ذرّيّتهم،لو تركوهم ضعافا و شفقتهم عليهم،و أن يقدروا ذلك في أنفسهم و يصوّروه،حتّى لا يجسروا على خلاف الشّفقة و الرّحمة.و يجوز أن يكون المعنى:و ليخشوا على اليتامى من الضياع.و قيل:هم الّذين يجلسون إلى المريض،فيقولون:إنّ ذرّيّتك لا يغنون عنك من اللّه شيئا،فقدّم مالك فيستغرقه بالوصايا.فأمروا بأن يخشوا ربّهم أو يخشوا على أولاد المريض،و يشفقوا عليهم شفقتهم على أولاد أنفسهم لو كانوا.و يجوز أن يتّصل بما قبله و أن يكون أمرا بالشّفقة للورثة على الّذين يحضرون القسمة من ضعفاء أقاربهم و اليتامى و المساكين،و أن يتصوّروا أنّهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضائعين محتاجين هل كانوا يخافون عليهم الحرمان و الخيبة؟!

فإن قلت:ما معنى وقوع لَوْ تَرَكُوا و جوابه صلة ل(الذين)

قلت:معناه و ليخش الّذين صفتهم و حالهم أنّهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرّيّة ضعافا،و ذلك عند احتضارهم،خافوا عليهم الضّياع بعدهم لذهاب كافلهم و كاسبهم.(1:503)

ابن عطيّة: و قوله: وَ لْيَخْشَ جزم بلام الأمر ،و لا يجوز إضمار هذه اللاّم عند سيبويه،قياسا على حروف الجرّ،إلاّ في ضرورة شعر،و منه قول الشّاعر:

محمّد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من أمر تبالا

و قرأ أبو حيوة،و عيسى بن عمر،و الحسن، و الزّهريّ:بكسر لا مات الأمر في هذه الآية.و قد تقدّم الكلام على لفظ(ذرّيّة)في سورة آل عمران،و مفعول (يخشى)محذوف لدلالة الكلام عليه،و حسن حذفه من حيث يتقدّر فيه التّخويف باللّه تعالى،و التّخويف بالعاقبة في الدّنيا،فينظر كلّ متأوّل بحسب الأهمّ في نفسه.(2:13)

نحوه القرطبيّ.(5:51)

أبو السّعود :أمر للأوصياء بأن يخشوا اللّه تعالى و يتّقوه في أمر اليتامى،فيفعلوا بهم ما يحبّون أن يفعل بذراريهم الضّعاف بعد وفاتهم،أو لمن يحضر المريض من العواد عند الإيصاء بأن يخشوا ربّهم أو يخشوا أولاد المريض،و يشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم، فلا يتركوه أن يضرّ بهم بصرف المال عنهم،أو للورثة بالشّفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب و اليتامى و المساكين،متصوّرين أنّهم لو كانوا أولادهم

ص: 115

بقوا خلفهم ضعافا مثلهم هل يجوّزون حرمانهم؟ أو للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصيّة.

و(لو)بما في حيّزها صلة ل(الذين)على معنى:

و ليخش الّذين حالهم و صفتهم أنّهم لو شارفوا أن يخلّفوا ورثة ضعافا خافوا عليهم الضّياع،و في ترتيب الأمر عليه إشارة إلى المقصود منه،و العلّة فيه،و بعث على التّراحم،و أن يحبّ لأولاد غيره ما يحبّ لأولاد نفسه،و تهديد للمخالف بحال أولاده.(2:102)

الآلوسيّ: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ حالهم و صفتهم أنّهم لو شارفوا أن يخلفوا ذرّيّة ضعافا،خافوا عليهم الضّياع.

و ذهب الأجهوريّ و غيره إلى أنّ(لو)بمعنى«إن» فتقلب الماضي إلى الاستقبال،و أوجبوا حمل(تركوا) على المشارفة،ليصحّ وقوع(خافوا)جزاء له، ضرورة أنّه لا خوف بعد حقيقة الموت و ترك الوصيّة.

و في ترتيب الأمر على الوصف المذكور في حيّز الصّلة المشعر بالعلّيّة،إشارة إلى أنّ المقصود من الأمر:

أن لا يضيعوا اليتامى حتّى لا تضيع أولادهم،و فيه تهديد لهم بأنّهم إن فعلوه أضاع اللّه أولادهم،و رمز إلى أنّهم إن راعوا الأمر حفظ اللّه تعالى أولادهم.

أخرج ابن جرير عن الشّيبانيّ،قال:كنّا في القسطنطنيّة أيّام مسلمة بن عبد الملك،و فينا ابن محيريز،و ابن الدّيلميّ،و هانئ بن كلثوم،فجعلنا نتذاكر ما يكون في آخر الزّمان فضقت ذرعا ممّا سمعت،فقلت لابن الدّيلميّ:يا أبا بشر يودّني أنّه لا يولد لي ولد أبد،أ فضرب بيده على منكبي،و قال:يا ابن أخي لا تفعل،فإنّه ليست من نسمة كتب اللّه أن تخرج من صلب رجل إلاّ و هي خارجة إن شاء و إن أبى،ثمّ قال:أ لا أدلّك على أمر إن أنت أدركته نجّاك اللّه تعالى منه،و إن تركت ولدا من بعدك حفظهم اللّه تعالى فيك؟

قلت:بلى،فتلا وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ...، و في وصف «الذّرّيّة»بالضّعاف بعث على التّرحّم.و الظّاهر أنّ مِنْ خَلْفِهِمْ ظرف ل تَرَكُوا، و في التّصريح به مبالغة تهويل تلك الحالة.(4:213)

رشيد رضا :و حاصل معنى الآية:ليكن من أهل الخشية-أو ليخش العاقبة،أو اللّه-الّذين لو تركوا بعدهم ذرّيّة ضعافا خافوا أن يسيء النّاس معاملتهم و يهينوهم،فلا يقولوا ما يترتّب عليه ضرر بذرّيّة أحد،بل ليقولوا قولا محكما يسدّ منافذ الضّرر «فكما يدين المرء يدان».(4:400)

ابن عاشور :موعظة لكلّ من أمر أو نهي أو حذر أو رغب في الآي السّابقة،في شأن أموال اليتامى،و أموال الضّعاف من النّساء و الصّبيان، فابتدئت الموعظة بالأمر بخشية اللّه تعالى،أي خشية عذابه،ثمّ أعقب بإثارة شفقة الآباء على ذرّيّتهم بأن ينزّلوا أنفسهم منزلة الموروثين،الّذين اعتدوا هم على أموالهم،و ينزّلوا ذرّيّاتهم منزلة الذّرّيّة الّذين أكلوا هم حقوقهم.و هذه الموعظة مبنيّة على قياس قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يؤمن أحد حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه».

و زاد إثارة الشّفقة التّنبيه على أنّ المعتدي عليهم

ص: 116

خلق ضعاف بقوله:(ضعافا)ثمّ أعقب بالرّجوع إلى الغرض المنتقل منه و هو حفظ أموال اليتامى،بالتّهديد على أكله بعذاب الآخرة،بعد التّهديد بسوء الحال في الدّنيا.

فيفهم من الكلام تعريض بالتّهديد على أكله بعذاب الآخرة بعد التّهديد بسوء الحال في الدّنيا.

فيفهم من الكلام تعريض بالتّهديد،بأنّ نصيب أبناءهم مثل ما فعلوه بأبناء غيرهم.و الأظهر أنّ مفعول (يخش)حذف لتذهب نفس السّامع في تقديره كلّ مذهب محتمل،فينظر كلّ سامع بحسب الأهمّ عنده ممّا يخشاه أن يصيب ذرّيّته.

و جملة لَوْ تَرَكُوا إلى خافُوا عَلَيْهِمْ صلة الموصول،و جملة خافُوا عَلَيْهِمْ جواب(لو).

و جيء بالموصول،لأنّ الصّلة لمّا كانت وصفا مفروضا حسن التّعريف بها،إذ المقصود تعريف من هذه حاله،و ذلك كاف في التّعريف للمخاطبين بالخشية،إذ كلّ سامع يعرف مضمون هذه الصّلة لو فرض حصولها له،إذ هي أمر يتصوّره كلّ النّاس.

و وجه اختيار(لو)هنا من بين أدوات الشّرط أنّها هي الأداة الصّالحة لفرض الشّرط من غير تعرّض لإمكانه،فيصدق معها الشّرط المتعذّر الوقوع و المستبعدة و الممكنة:فالّذين بلغوا اليأس من الولادة، و لهم أولاد كبار أو لا أولاد لهم،يدخلون في فرض هذا الشّرط،لأنّهم لو كان لهم أولاد صغار لخافوا عليهم،و الّذين لهم أولاد صغار أمرهم أظهر.

و فعل تَرَكُوا ماض مستعمل في مقاربة حصول الحدث مجازا بعلاقة الأوّل،كقوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ البقرة:240،و قوله تعالى: لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ الشّعراء:201،و قول الشّاعر:

إلى ملك كاد الجبال لفقده

تزول زوال الرّاسيات من الصّخر

أي و قاربت الرّاسيات الزّوال،إذ الخوف إنّما يكون عند مقاربة الموت لا بعد الموت.فالمعنى:

لو شارفوا أن يتركوا ذرّيّة ضعافا لخافوا عليهم من أولياء السّوء.

و المخاطب بالأمر من يصلح له من الأصناف المتقدّمة:من الأوصياء،و من الرّجال الّذين يحرمون النّساء ميراثهنّ،و يحرمون صغار إخوتهم أو أبناء أعمامهم من ميراث آبائهم،كلّ أولئك داخل في الأمر بالخشية،و التّخويف بالموعظة.و لا يتعلّق هذا الخطاب بأصحاب الضّمير في قوله: فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ النّساء :8،لأنّ تلك الجملة وقعت كالاستطراد،و لأنّه لا علاقة لمضمونها بهذا التّخويف.(4:41)

الطّباطبائيّ: الخشية:التّأثّر القلبيّ ممّا يخاف نزوله مع شائبة تعظيم و إكبار.(4:200)

مكارم الشّيرازيّ: هو أنّ الّذين يخافون على مستقبل أولادهم الصّغار عليهم أن يخافوا مغبّة الخيانة في شئون اليتامى،و يخافوا مغبّة إيذائهم.

و أساسا:إنّ القضايا الاجتماعيّة تنتقل في شكل سنّة من السّنن-من اليوم إلى الغد و من الغد إلى

ص: 117

المستقبل البعيد-فالّذين يروّجون في المجامع سنّة ظالمة،مثل إيذاء اليتامى فإنّ ذلك سيكون سببا لسريان هذه السّنّة على أولادهم و أبنائهم أيضا، و على هذا لا يكون مثل هذا الشّخص قد آذى يتامى الآخرين و ورثتهم فقط،بل فتح باب الظّلم على أولاده و يتاماه أيضا.

فإذا وجب ذلك،وجب أن يتجنّب أولياء اليتامى مخالفة الأحكام الإلهيّة،و يتّقوا اللّه في اليتامى،و يقولوا لهم قولا عدلا موافقا للشّرع و الحقّ،قولا ممزوجا بالعواطف الإنسانيّة و المشاعر الأخويّة،لكي يندمل بذلك ما في قلوب أولئك من الجراح،و ينجبر ما في أفئدتهم من الكسر،و إلى هذا يشير قوله سبحانه:

فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. (3:108)

و فيها مباحث أخرى راجع:ي ت م:«اليتامى».

2- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ. التّوبة:18

ابن عبّاس: و لم يعبد.(155)

الطّبريّ: يقول:و لم يرهب عقوبة شيء على معصيته إيّاه سوى اللّه.(6:335)

الزّجّاج: تأويله لم يخف في باب الدّين إلاّ اللّه.

(2:438)

الطّوسيّ: الخشية:انزعاج النّفس لتوقّع ما لا يؤمن من الضّرر.(5:222)

الواحديّ: أي:لم يخف في باب الدّين إلاّ اللّه،و لم يترك أمر اللّه لخشية غيره.(2:484)

مثله البغويّ.(2:323)

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف قيل: وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ و المؤمن يخشى المحاذير و لا يتمالك أن لا يخشاها؟

قلت:هي الخشية و التّقوى في أبواب الدّين،و أن لا يختار على رضا اللّه رضا غيره لتوقّع مخوف،و إذا اعترضه أمران أحدهما حقّ اللّه،و الآخر حقّ نفسه،أن يخاف اللّه فيؤثر حقّ اللّه على حقّ نفسه.

و قيل:كانوا يخشون الأصنام و يرجونها،فأريد نفي تلك الخشية عنهم.(2:180)

مثله الشّربينيّ.(1:595)

ابن عطيّة: حذفت الألف من(يخشى)للجزم.

قال سيبويه:و اعلم أنّ الأخير إذا كان يسكّن في الرّفع،حذف في الجزم،لئلاّ يكون الجزم بمنزلة الرّفع، و يريد خشية التّعظيم و العبادة و الطّاعة،و هذه المرتبة العدل بين النّاس،و لا محالة أنّ الإنسان يخشى غيره و يخشى المحاذير الدّنياويّة،و ينبغي أن يخشى في ذلك كلّه قضاء اللّه و تصريفه.(3:16)

الطّبرسيّ: أي لم يخف سوى اللّه أحدا من المخلوقين،و هذا راجع إلى قوله: أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ التّوبة:13،أي إن خشيتموهم فقد ساويتموهم في الإشراك،كما قال: فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ النّساء:77.(3:13)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

ص: 118

الأوّل:أنّ أبا بكر رضى اللّه عنه بنى في أوّل الإسلام على باب داره مسجدا و كان يصلّي فيه و يقرأ القرآن، و الكفّار يؤذونه بسببه،فيحتمل أن يكون المراد هو تلك الحالة،يعني:إنّا و إن خاف النّاس من بناء المسجد إلاّ أنّه لا يلتفت إليهم و لا يخشاهم،و لكنّه يبني المسجد للخوف من اللّه تعالى.

الثّاني:يحتمل أن يكون المراد منه أن يبني المسجد لا لأجل الرّياء و السّمعة و أن يقال:إنّ فلانا يبني مسجدا،و لكنّه يبنيه لمجرّد طلب رضوان اللّه تعالى، و لمجرّد تقوية دين اللّه.

فإن قيل:كيف قال: وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ و المؤمن قد يخاف الظّلمة و المفسدين؟

قلنا:المراد من هذه الخشية:و الخوف و التّقوى في باب الدّين،و أن لا يختار على رضا اللّه رضا غيره.

(16:10)

القرطبيّ: إن قيل:ما من مؤمن إلاّ و قد خشي غير اللّه،و ما زال المؤمنون و الأنبياء يخشون الأعداء من غيرهم؟

قيل له:المعنى:و لم يخش إلاّ اللّه ممّا يعبد،فإنّ المشركين كانوا يعبدون الأوثان و يخشونها و يرجونها.

جواب ثان:أي لم يخف في باب الدّين إلاّ اللّه.

(8:90)

البيضاويّ: أي في أبواب الدّين،فإنّ الخشية عن المحاذير جبلّيّة لا يكاد العاقل يتمالك عنها.(1:409)

النّسفيّ: تنبيه على الإخلاص،و المراد الخشية في أبواب الدّين،بأن لا يختار على رضا اللّه رضا غيره لتوقّع مخوف؛إذ المؤمن قد يخشى المحاذير و لا يتمالك أن لا يخشاها.

و قيل:كانوا يخشون الأصنام و يرجونها،فأريد نفي تلك الخشية عنهم.(2:120)

أبو السّعود : وَ لَمْ يَخْشَ في أمور الدّين إِلاَّ اللّهَ فعمل بموجب أمره و نهيه غير آخذ له في اللّه لومة لائم و لا خشية ظالم،فيندرج فيه عدم الخشية عن القتال و نحو ذلك.و أمّا الخوف الجبلّيّ من الأمور المخوفة فليس من هذا الباب،و لا ممّا يدخل تحت التّكليف و الخطاب.

و قيل:كانوا يخشون الأصنام و يرجونها،فأريد نفي تلك الخشية عنهم.(3:131)

نحوه البروسويّ(3:398)،و الآلوسيّ(10:66).

رشيد رضا :المراد بالخشية الدّينيّ منها دون الغريزيّ،كخشية أسباب الضّرر الحقيقيّة،فإنّ هذا لا ينافي خشية اللّه،و لا يقتضي خشية الطّاغوت.

و الدّليل عليها طاعة اللّه تعالى فيما أمر به و نهى عنه، رضي النّاس أم سخطوا.(10:209)

ابن عاشور :و قصر خشيتهم على التّعلّق بجانب اللّه تعالى بصيغة القصر،ليس المراد منه أنّهم لا يخافون شيئا غير اللّه،فإنّهم قد يخافون الأسد و يخافون العدوّ، و لكن معناه إذا تردّد الحال بين خشيتهم اللّه و خشيتهم غيره،قدّموا خشية اللّه على خشية غيره،كقوله آنفا:

أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ التّوبة:13، فالقصر إضافيّ باعتبار تعارض خشيتين.

و هذا من خصائص المؤمنين،فأمّا المشركون فهم

ص: 119

يخشون شركاءهم و ينتهكون حرمات اللّه لإرضاء شركائهم،و أمّا أهل الكتاب فيخشون النّاس و يعصون اللّه بتحريف كلمه و مجاراة أهواء العامّة،و قد ذكّرهم اللّه بقوله: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ المائدة:44.(10:46)

مغنيّة:الخوف من اللّه،أي الإخلاص له في الأقوال و الأفعال.(4:19)

الطّباطبائيّ: الخشية الدينيّة،و هي العبادة دون الخشية الغريزيّة الّتي لا يسلم منها إلاّ المقرّبون من أولياء اللّه كالأنبياء،قال تعالى: اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ الأحزاب:39.

و الوجه في التّكنية عن العبادة بالخشية،أنّ الأعرف عند الإنسان من علل اتّخاذ الإله للعبادة:

الخوف من سخطه أو الرّجاء لرحمته،و رجاء الرّحمة أيضا يعود بوجه إلى الخوف من انقطاعها و هو السّخط،فمن عبد اللّه سبحانه أو عبد شيئا من الأصنام،فقد دعاه إلى ذلك.أمّا الخوف من شمول سخطه أو الخوف من انقطاع نعمته و رحمته،فالعبادة ممثّلة للخوف و الخشية مصداق لها لتمثيلها إيّاها، و بينهما حالة الاستلزام،و لذلك كنّى بها عنها،فالمعنى -و اللّه أعلم-و لم يعبد أحدا من دون اللّه من الآلهة.

(9:202)

مكارم الشّيرازيّ: فقلبه مليء بعشق اللّه، و لا يحسّ إلاّ بالمسئوليّة في امتثال أمره،و أن يرى عباده الضّعفاء أقلّ من أن يكون لهم أثر في مصيره و مجتمعه و مستقبله و تقدّمه،و أخيرا هم أقلّ من أن يكون لهم أثر في عمارة محلّ للعبادة.(5:504)

يخشون

1- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ... النّساء:77

ابن عبّاس: يخافون أهل مكّة كخوفهم من اللّه بل أكثر خوفا.(74)

الحسن :هو من صفة المؤمنين لما طبعوا عليه من البشريّة و الخوف،لا على وجه كراهة المخالفة.

(الطّوسيّ 3:262)

السّدّيّ: هم قوم أسلموا قبل فرض القتال فلمّا فرض كرهوه.(القرطبيّ 5:281)

الطّبريّ: يقول:يخافون النّساء أن يقاتلوهم كَخَشْيَةِ اللّهِ...، أو أشدّ خوفا،و قالوا جزعا من القتال الّذي فرض اللّه عليهم: رَبَّنا.... (4:173)

الفارسيّ: هو من صفة المنافقين،لأنّهم كانوا كذلك حرصا منهم على الدّنيا و البقاء فيها و الاستكثار منها،و يخشون القتل من قبل المشركين، كما يخشون الموت من قبل اللّه.(الطّوسيّ 3:262)

الطّوسيّ: و قوله: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ليس معنى (او)هاهنا الشّكّ،لأنّ ذلك لا يجوز عليه تعالى،و قيل:

في معناها قولان:

أحدهما:أنّها دخلت للإبهام على المخاطب.

ص: 120

و المعنى أنّهم على إحدى الصّفتين،و هذا أصل(او) و هو معنى واحد على الإبهام.

الثّاني:على طريق الإباحة،نحو قولك:جالس الحسن أو ابن سيرين.و معناه:إن قلت:يخشون النّاس كخشية اللّه فأنت مصيب،و إن قلت:يخشونهم أشدّ من ذلك فأنت مصيب،لأنّه قد حصل لهم مثل تلك الخشية و زيادة.(3:262)

الواحديّ: المشركين كَخَشْيَةِ اللّهِ كما يخشون اللّه.(2:82)

الزّمخشريّ: كَخَشْيَةِ اللّهِ من إضافة المصدر إلى المفعول.

فإن قلت:ما محلّ كَخَشْيَةِ اللّهِ من الإعراب؟

قلت:محلّه النّصب على الحال من الضّمير في يَخْشَوْنَ أي يخشون النّاس مثل أهل خشية اللّه، أي مشبهين لأهل خشية اللّه، أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً بمعنى أو أشدّ خشية من أهل خشية اللّه.و أَشَدَّ معطوف على الحال.

فإن قلت:لم عدلت عن الظّاهر،و هو كونه صفة للمصدر،و لم تقدّر يخشون خشية مثل خشية اللّه،بمعنى مثل ما يخشى اللّه؟

قلت:أبى ذلك قوله: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، لأنّه و ما عطف عليه في حكم واحد،و لو قلت:يخشون النّاس أشدّ خشية،لم يكن إلاّ حالا عن ضمير الفريق،و لم ينتصب انتصاب المصدر،لأنّك لا تقول:خشى فلان أشدّ خشية،فتنصب«خشية»و أنت تريد المصدر،إنّما تقول:«أشدّ خشية»فتجرّها،و إذا نصبتها لم يكن «أشدّ خشية»إلاّ عبارة عن الفاعل حالا منه،اللّهمّ إلاّ أن تجعل الخشية خاشية و ذات خشية،على قولهم:

جدّ جدّه،فتزعم أنّ معناه:يخشون النّاس خشية مثل خشية اللّه،أو خشية أشدّ خشية من خشية اللّه.و يجوز على هذا أن يكون محلّ أَشَدَّ مجرورا عطفا على (خشية الله)تريد كخشية اللّه أو كخشية أشدّ خشية منها.(1:543)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:هذه الآية صفة للمؤمنين أو المنافقين؟فيه قولان:

الأوّل:أنّ الآية نزلت في المؤمنين.قال الكلبيّ:

نزلت في عبد الرّحمن بن عوف،و المقداد،و قدامة بن مظعون،و سعد بن أبي وقّاص.كانوا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قبل أن يهاجروا إلى المدينة،و يلقون من المشركين أذى شديدا،فيشكون ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و يقولون:

ائذن لنا في قتالهم،و يقول لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«كفّوا أيديكم فإنّي لم أؤمر بقتالهم،و اشتغلوا بإقامة دينكم من الصّلاة و الزّكاة»،فلمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى المدينة و أمروا بقتالهم في وقعة بدر كرهه بعضهم، فأنزل اللّه هذه الآية.

و احتجّ الذّاهبون إلى هذا القول بأنّ الّذين يحتاج الرّسول أن يقول لهم:«كفّوا عن القتال»هم الرّاغبون في القتال،و الرّاغبون في القتال هم المؤمنون،فدلّ هذا على أنّ الآية نازلة في حقّ المؤمنين.

و يمكن الجواب عنه:بأنّ المنافقين كانوا يظهرون من أنفسهم أنّا مؤمنون،و أنّا نريد قتال الكفّار

ص: 121

و محاربتهم،فلمّا أمر اللّه بقتالهم الكفّار أحجم المنافقون عنه،و ظهر منهم خلاف ما كانوا يقولونه.

القول الثّاني:أنّ الآية نازلة في حقّ المنافقين، و احتجّ الذّاهبون إلى هذا القول بأنّ الآية مشتملة على أمور تدلّ على أنّها مختصّة بالمنافقين.

فالأوّل:أنّه تعالى قال في وصفهم: يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، و معلوم أنّ هذا الوصف لا يليق إلاّ بالمنافق،لأنّ المؤمن لا يجوز أن يكون خوفه من النّاس أزيد من خوفه من اللّه تعالى.

و الثّاني:أنّه تعالى حكى عنهم أنّهم قالوا: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ و الاعتراض على اللّه ليس إلاّ من صفة الكفّار و المنافقين.

الثّالث:أنّه تعالى قال للرّسول: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى، و هذا الكلام يذكر مع من كانت رغبته في الدّنيا أكثر من رغبته في الآخرة،و ذلك من صفات المنافقين.

و أجاب القائلون بالقول الأوّل عن هذه الوجوه بحرف واحد،و هو أنّ حبّ الحياة و النّفرة عن القتل من لوازم الطّباع،فالخشية المذكورة في هذه الآية محمولة على هذا المعنى،و قولهم: لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ، محمول على التّمنّي لتخفيف التّكليف،لا على وجه الإنكار لإيجاب اللّه تعالى.و قوله تعالى:

قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ، مذكور لا لأنّ القوم كانوا منكرين لذلك،بل لأجل إسماع اللّه لهم هذا الكلام ممّا يهون على القلب أمر هذه الحياة،فحينئذ يزول من قلبهم نفرة القتال و حبّ الحياة،و يقدمون على الجهاد بقلب قويّ.

فهذا ما في تقرير هذين القولين و اللّه أعلم.

و الأولى حمل الآية على المنافقين،لأنّه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ، و لا شكّ أنّ هذا من كلام المنافقين.فإذا كانت هذه الآية معطوفة على الآية الّتي نحن في تفسيرها ثمّ المعطوف في المنافقين،وجب أن يكون المعطوف عليهم فيهم أيضا.

المسألة الثّانية:دلّت الآية على أنّ إيجاب الصّلاة و الزّكاة كان مقدّما على إيجاب الجهاد،و هذا هو التّرتيب المطابق لما في العقول،لأنّ الصّلاة عبارة عن التّعظيم لأمر اللّه،و الزّكاة عبارة عن الشّفقة على خلق اللّه،و لا شكّ أنّهما مقدّمان على الجهاد.

المسألة الثّالثة:قوله: كَخَشْيَةِ اللّهِ مصدر مضاف إلى المفعول.

المسألة الرّابعة:ظاهر قوله: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، يوهم الشّكّ،و ذلك على علاّم الغيوب محال.و فيه وجوه من التّأويل:

الأوّل:المراد منه الإبهام على المخاطب،بمعنى أنّهم على إحدى الصّفتين من المساواة و الشّدّة،و ذلك لأنّ كلّ خوفين فأحدهما بالنّسبة إلى الآخر إمّا أن يكون أنقص أو مساويا أو أزيد،فبيّن تعالى بهذه الآية أنّ خوفهم من النّاس ليس أنقص من خوفهم من اللّه،بل بقى إمّا أن يكون مساويا أو أزيد،فهذا لا يوجب كونه تعالى شاكّا فيه،بل يوجب إبقاء الإبهام في هذين

ص: 122

القسمين على المخاطب.

الثّاني:أن يكون(او)بمعنى الواو،و التّقدير:

يخشونهم كخشية اللّه و أشدّ خشية،و ليس بين هذين القسمين منافاة،لأنّ من هو أشدّ خشية فمعه من الخشية مثل خشيته من اللّه و زيادة.

الثّالث:أنّ هذا نظير قوله: وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ الصّافّات:147،يعني أنّ من يبصرهم يقول هذا الكلام،فكذا هاهنا،و اللّه أعلم.

(10:184)

القرطبيّ: أي مشركي مكّة كَخَشْيَةِ اللّهِ فهي على ما طبع عليه البشر من المخافة لا على المخالفة.

و قيل:هو وصف للمنافقين،و المعنى:يخشون القتل من المشركين كما يخشون الموت من اللّه.

أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً أي عندهم و في اعتقادهم.

قلت:و هذا أشبه بسياق الآية،لقوله: وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ أي هلاّ،و لا يليها إلاّ الفعل.و معاذ اللّه أن يصدر هذا القول من صحابيّ كريم يعلم أنّ الآجال محدودة و الأرزاق مقسومة،بل كانوا لأوامر اللّه ممتثلين سامعين طائعين،يرون الوصول إلى الدّار الآجلة خيرا من المقام في الدّار العاجلة،على ما هو معروف من سيرتهم رضي اللّه عنهم.

اللّهمّ إلاّ أن يكون قائله ممّن لم يرسخ في الإيمان قدمه،و لا انشرح بالإسلام جنانه،فإنّ أهل الإيمان متفاضلون،فمنهم الكامل و منهم النّاقص،و هو الّذي تنفر نفسه عمّا يؤمر به فيما تلحقه فيه المشقّة و تدركه فيه الشّدّة،و اللّه أعلم.(5:281)

البيضاويّ: يخشون الكفّار أن يقتلوهم،كما يخشون اللّه أن ينزّل عليهم بأسه.و(اذا)للمفاجاة جواب(لمّا)،و(فريق)مبتدأ،(منهم)صفته، و يَخْشَوْنَ خبره كَخَشْيَةِ اللّهِ من إضافة المصدر إلى المفعول وقع موقع المصدر،أو الحال من فاعل يَخْشَوْنَ على معنى:يخشون النّاس مثل أهل خشية اللّه منه، أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً عطف عليه إن جعلته حالا،و إن جعلته مصدرا فلا،لأنّ أفعل التّفضيل إذا نصب ما بعده لم يكن من جنسه بل هو معطوف على اسم اللّه تعالى،أي كخشية اللّه تعالى أو كخشية أشدّ خشية منه على الغرض.

اللّهمّ إلاّ أن تجعل الخشية:ذات خشية،كقولهم:

جدّ جدّه،على معنى:يخشون النّاس خشية مثل خشية اللّه تعالى،أو خشية أشدّ خشية من خشية اللّه.

(1:231)

النّسفيّ: يخافون أن يقاتلهم الكفّار كما يخافون أن ينزّل اللّه عليهم بأسه،لا شكّا في الدّين و لا رغبة عنه،و لكن نفورا عن الإخطار بالأرواح،و خوفا من الموت.

قال الشّيخ أبو منصور رحمه اللّه:«هذه خشية طبع،لا أنّ ذلك منهم كراهة لحكم اللّه و أمره اعتقادا،فالمرء مجبول على كراهة ما فيه خوف هلاكه غالبا.

و(خشية الله)من إضافة المصدر إلى المفعول،و محلّه النّصب على الحال من الضّمير في يَخْشَوْنَ أي يخشون النّاس مثل خشية أهل اللّه،أي مشبهين لأهل

ص: 123

خشية اللّه، أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً هو معطوف على الحال، أي أو أشدّ خشية من أهل خشية اللّه،و(او)للتّخيير أي إن قلت:خشيتهم النّاس كخشية اللّه فأنت مصيب، و إن قلت:إنّها أشدّ فأنت مصيب،لأنّه حصل لهم مثلها و زيادة».(1:237)

أبو حيّان :الكاف في: كَخَشْيَةِ اللّهِ في موضع نصب.قيل:على أنّه نعت لمصدر محذوف،أي خشية كخشية اللّه.و على ما تقرّر من مذهب سيبويه أنّها على الحال من ضمير الخشية المحذوف،أي يخشونها النّاس، أي يخشون الخشية النّاس مشبهة خشية اللّه.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و قد يصحّ نصب خَشْيَةً و لا يكون تمييزا،فيلزم من ذلك ما التزمه الزّمخشريّ،بل يكون خَشْيَةً معطوفا على محلّ الكاف،و أَشَدَّ منصوبا على الحال،لأنّه كان نعت نكرة تقدّم عليها فانتصب على الحال،و التّقدير:يخشون النّاس مثل خشية اللّه، أو خشية أشدّ منها.

و قد ذكرنا هذا التّخريج في قوله تعالى: أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً البقرة:200،و أوضحناه هناك.

و(خشية الله)مصدر مضاف إلى المفعول، و الفاعل محذوف،أي كخشيتهم اللّه.و(او)على بابها من الشّكّ في حقّ المخاطب،و قيل:للإبهام على المخاطب،و قيل:للتّخيير،و قيل:بمعنى«الواو»،و قيل:بمعنى«بل»و تقدّم نظير هذه الأقوال في قوله:

أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً البقرة:74.

و لو قيل:إنّها للتّنويع لكان قولا يعني:أنّ منهم من يخشى النّاس كخشية اللّه،و منهم من يخشاهم خشية تزيد على خشيتهم اللّه.(3:298)

أبو السّعود : كَخَشْيَةِ اللّهِ مصدر مضاف إلى المفعول محلّه النّصب،على أنّه حال من فاعل يَخْشَوْنَ أي يخشونهم مشبهين لأهل خشية اللّه تعالى. أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً عطف عليه،بمعنى:أو أشدّ خشية من أهل خشية اللّه،أو على أنّه مصدر مؤكّد على جعل الخشية:ذات خشية،مبالغة كما في جدّ جدّه،أي يخشونهم خشية مثل خشية اللّه،أو خشية أشدّ خشية من خشية اللّه.

و أيّا ما كان،فكلمة(او)إمّا للتّنويع،على معنى:

أنّ خشية بعضهم كخشية اللّه و خشية بعضهم أشدّ منها،و إمّا للإبهام على السّامع،و هو قريب ممّا في قوله تعالى: وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ الصّافّات:147،يعني:أنّ من يبصرهم يقول:إنّهم مائة ألف أو يزيدون.(2:165)

نحوه البروسويّ.(2:239)

الآلوسيّ: أي الكفّار أن يقتلوهم.و ذلك لما ركّز في طباع البشر من خوف الهلاك كَخَشْيَةِ اللّهِ أي كما يخشون اللّه تعالى أن ينزّل عليهم بأسه.و الفاء عاطفة و ما بعدها عطف على قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ باعتبار معناه الكنائيّ؛إذ حينئذ يتحقّق التّباين بين مدلولي المعطوفين،و عليه يدور أمر التّعجيب،كأنّه قيل:أ لم تر إلى الّذين كانوا حرّاصا على القتال،فلمّا كتب عليهم كرهه-بمقتضى البشريّة-جماعة منهم.

ص: 124

و توجيه التّعجيب إلى الكلّ مع أنّ تلك الكراهة إنّما كانت من البعض،للإيذان بأنّه ما كان ينبغي أن يصدر من أحدهم ما ينافي حالته الأولى.

و(اذا)للمفاجأة و هي ظرف مكان،و قيل:زمان، و ليس بشيء،و فيها تأكيد لأمر التّعجيب،و(فريق) مبتدأ،و(منهم)صفته،و يَخْشَوْنَ خبره.و جوّز أن يكون صفة أيضا أو حالا،و الخبر(اذا)و كَخَشْيَةِ اللّهِ في موقع المصدر،أي خشية كخشية اللّه،و جوّز أن يكون حالا من فاعل يَخْشَوْنَ، و يقدّر مضاف، أي حال كونهم مثل أهل خشية اللّه تعالى،أي مشبهين بأهل خشيته سبحانه.

و قيل:و فيه بعد،أنّه حال من ضمير مصدر محذوف،أي يخشونها النّاس كخشية اللّه أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً عطف عليه إن جعلته حالا،أي إنّهم أَشَدَّ خَشْيَةً من أهل خشية اللّه،بمعنى:أنّ خشيتهم أشدّ من خشيتهم،و لا يعطف عليه على تقدير المصدريّة-على ما قيل-بناء على أنّ خَشْيَةً منصوب على التّمييز.و على أنّ التّمييز متعلّق الفاعليّة،و أنّ المجرور ب(من)التّفضيليّة يكون مقابلا للموصوف بأفعل التّفضيل،فيصير المعنى:إنّ خشيتهم أشدّ من خشية غيرهم،و يؤول إلى أنّ خشية خشيتهم أشدّ،و هو غير مستقيم،اللّهمّ إلاّ على طريقة جدّ جدّه،-على ما ذهب إليه أبو عليّ و ابن جنّيّ-و يكون كقولك:زيد جدّ جدّا بنصب«جدّا»على التّمييز،لكنّه بعيد،بل يعطف على الاسم الجليل،فهو مجرور بالفتحة لمنع صرفه.

و المعنى:يخشون النّاس خشية كخشية اللّه، أو خشية كخشية أشدّ خشية منه تعالى،و لكن على سبيل الفرض؛إذ لا أشدّ خشية عند المؤمنين من اللّه تعالى،و يؤول هذا إلى تفضيل خشيتهم على سائر الخشيات إذا فصلت واحدة واحدة.

و ذكر ابن الحاجب:أنّه يجوز أن يكون هذا الوصف من عطف الجمل،أي يخشون النّاس كخشية النّاس،أو يخشون أشدّ خشية،على أنّ الأوّل مصدر، و الثّاني حال.

و قيل عليه:إنّ حذف المضاف أهون من حذف الجملة،و أو في بمقتضى المقابلة و حسن المطابقة.و جوّز أن يكون خَشْيَةً منصوبا على المصدريّة،و أَشَدَّ صفة له قدّمت عليه،فانتصب على الحاليّة.

و ذكر بعضهم:أنّ التّمييز بعد اسم التّفضيل قد يكون نفس ما انتصب عنه،نحو: فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً يوسف:64،فإنّ الحافظ هو اللّه تعالى،كما لو قلت:

اللّه خير حافظ بالجرّ،و حينئذ لا مانع من أن تكون «الخشية»نفس الموصوف،و لا يلزم أنّ للخشية خشية بمنزلة أن يقال:أشدّ خشية بالجرّ.و القول بأنّ جواز هذا فيما إذا كان التّمييز نفس الموصوف بحسب المفهوم و اللّفظ،محلّ نظر،إذ اتّحاد اللّفظ مع حذف الأوّل ليس فيه كبير محذور.

و هذا إيراد قويّ على ما قيل،و قد نقل ابن المنير عن«الكتاب»ما يعضده فتأمّل.

و(او)قيل:للتّنويع،و قيل:للإبهام على السّامع، و قيل:للتّخيير،و قيل:بمعنى«الواو»،و قيل:

ص: 125

بمعنى«بل».(5:85)

القاسميّ: يَخْشَوْنَ النّاسَ، أي يخافون أهل مكّة الكفّار أن يقتلوهم كَخَشْيَةِ اللّهِ، أي كما يخشون اللّه أن ينزل عليهم بأسه، أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً أي أكثر خوفا منه.

فإن قيل:ظاهر قوله: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً يوهم الشّكّ.و ذلك على علاّم الغيوب محال.

أجيب:بأنّ(او)إمّا بمعنى«بل»أو هي للتّنويع، على أنّ معنى:أنّ خشية بعضهم كخشية اللّه،و خشية بعضهم أشدّ منها.أو للإبهام على السّامع،بمعنى أنّهم على إحدى الصّفتين من المساواة و الشّدّة.و هو قريب ممّا في قوله تعالى: وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ الصّافّات:147،يعنى::أنّ من يبصرهم يقول:إنّهم مائة ألف أو يزيدون.

حكى المفسّرون هنا رواية عن ابن عبّاس،أنّ هذه الآية نزلت في جماعة من الصّحابة المهاجرين،و أنّهم كانوا يلقون من مشركي مكّة-قبل الهجرة-أذى شديدا،فيشكون ذلك إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و يقولون:ائذن لنا في قتالهم،فيقول لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«كفّوا أيديكم،فإنّي لم أؤمر بقتالهم،و اشتغلوا بإقامة دينكم من الصّلاة و الزّكاة»ثمّ بعد الهجرة إلى المدينة،لمّا أمروا بقتالهم في وقعة بدر،كرهه بعضهم،فنزلت الآية.

و عندي أنّ هذه الآية كسوابقها نزلت في المنافقين،تقريعا لهم و تحذيرا للمخلصين،من شاكلتهم.و القول بنزولها في بعض المؤمنين لا يصحّ لوجوه:

منها:أنّ في إسنادها عن ابن عبّاس من ليس على شرط الصّحيح.

و منها:أنّ طلبهم للجهاد و هم في مكّة،مع قلّة العدد و العدد،و ممالأة العدوّ عليهم من كلّ جانب،في غاية البعد.

و منها:أنّ السّياق في المنافقين.و قد ابتدئ الكلام في شأنهم من قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ إلى قوله تعالى الآتي فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ... النّساء:60-89،كما يظهر من التّدبّر الصّادق.

و منها:أنّ هذا السّياق اشتمل على أمور تدلّ على أنّها مختصّة بالمنافقين،لأنّه تعالى قال في وصفهم:

يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، و لا يكون هذا الوصف إلاّ لكافر أو منافق.

و حكى تعالى عنهم أنّهم قالوا: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ، و لم يعهد هذا عن المؤمنين،بل المحفوظ مبادرتهم للجهاد،كما روى ابن إسحاق في«السّيرة» أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم استشار النّاس في غزوة بدر،فقام أبو بكر الصّدّيق فقال و أحسن،ثمّ قام عمر بن الخطّاب فقال و أحسن،ثمّ قال مقداد بن عمرو،فقال:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم امض لما أراك اللّه،فنحن معك،و اللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا المائدة:24،و لكن اذهب أنت و ربّك فقاتلا،إنّا معكما مقاتلون،فو الّذي بعثك بالحقّ لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه

ص: 126

حتّى تبلغه.

ثمّ قال سعد بن معاذ:امض،يا رسول اللّه لما أردت فنحن معك،فو الّذي بعثك بالحقّ،لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك،ما تخلّف منّا رجل واحد،و ما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا،إنّا لصبر في الحرب،صدق في اللّقاء.

و منها:أنّه تعالى ذكر بعد ذلك قوله: إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ النّساء:78.

و لا شكّ أنّ هذا من كلام المنافقين،ثمّ صرّح تعالى في آخر الكلام عليهم بقوله: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ النّساء:88،فزال اللّبس و برح الخفاء.

و ما أشبه هذه الآيات بقوله تعالى،في سورة محمّد: وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ -أي تأمرنا بالجهاد- فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَ ذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ ... إلى قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّهُ أَضْغانَهُمْ محمّد:20-29.

(5:1399)

رشيد رضا :و(او)هنا بمعنى«بل»أي إنّهم يخشون النّاس بالعقود عن قتالهم،على ما فيه من مخالفة أمر اللّه تعالى،و لمّا كان من شأن الّذي يساوي بين اثنين في الخشية أن يميل إلى هذا تارة و إلى الآخرة تارة،و كان هؤلاء قد رجّحوا بترك القتال خشية النّاس مطلقا،قال: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً أي بل أشدّ خشية.

أقول:استنكر الأستاذ نزول الآية في بعض كبار الصّحابة المشهود لهم بالجنّة،و ما استحقّوها إلاّ بقوّة الإيمان،و العمل و الإذعان،و جعلها في المبطئين على الوجه الّذي اختاره فيهم،و هو أنّهم ضعاف الإيمان.

و الوجه الآخر:أنّهم المنافقون-كما تقدّم-فكيف تصدق رواية تجعل عبد الرّحمن بن عوف منهم؟

و قد روى ابن جرير عن ابن أبي نجيح عن مجاهد:

أنّها نزلت هي و آيات بعدها في اليهود،و روي عن ابن عبّاس في ذلك:«أنّه قال في قوله تعالى: وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ :نهى اللّه تبارك و تعالى هذه الأمّة أن يصنعوا صنيعهم»انتهى.أي أن يكونوا مثل اليهود في ذلك.و إذا صحّ هذا فالمراد به-و اللّه أعلم- الاعتبار بما جاء في سورة البقرة،من قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ إلى قوله: فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ البقرة:246.

و الظّاهر:أنّ الآية في جماعة المسلمين،و فيهم المنافقون و الضّعفاء.و لا شكّ أنّ الإسلام كلّفهم مخالفة عادتهم في الغزو و القتال لأجل الثّأر،و لأجل الحميّة و الكسب،و أمرهم بكفّ أيديهم عن الاعتداء، و أمرهم بالصّلاة و الزّكاة،و ناهيك بما فيهما من الرّحمة و العطف،حتّى خمدت من نفوس أكثرهم تلك الحميّة الجاهليّة،و حلّ محلّها أشرف العواطف الإنسانيّة،و كان منهم من يتمنّى لو يفرض عليهم القتال،و لا يبعد أن يكون عبد الرّحمن بن عوف و بعض السّابقين رأوا تركه ذلاّ و طلبوا الإذن به، و لا يلزم من ذلك أن يكونوا هم الّذين أنكروه بعد ذلك

ص: 127

خشية من النّاس بل ذلك فريق آخر من غير الصّادقين.

على أنّه لمّا فرض عليهم القتال-لما تقدّم ذكره من الحكم و الأسباب-كان كرها لجمهور المسلمين، كما سبق بيان ذلك في تفسير: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَ عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ البقرة:216،و لكن أهل العزم و اليقين أطاعوا و باعوا أنفسهم للّه عزّ و جلّ،فكان الفرق بين قتالهم في الجاهليّة و قتالهم في الإسلام عظيما.

و أمّا المنافقون و مرضى القلوب،فكانوا قد أنسوا و سكنوا إلى ما جاء به الإسلام من ترك القتال و كفّ الأيدي،فنال منهم الجبن،و أحبّوا الحياة الدّنيا، و كرهوا الموت لأجلها.

و ليس هذا من شأن الإيمان الرّاسخ،فظهر عليهم أثر الخشية و الخوف من الأعداء،حتّى رجّحوه على الخشية من اللّه عزّ و جلّ،و سهل عليهم مخالفته بالقعود عن القتال،و هو يقول: فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ آل عمران:175.(5:263)

مغنيّة: يَخْشَوْنَ النّاسَ... كناية عن أنّ الخوف بلغ بهم نهايته.

و الخلاصة:أنّ هذا الفريق من المسلمين تحمّس للقتال حين النّهي عنه،لأنّه عمليّة انتحاريّة، و تقاعسوا حين الأمر به،لأنّ تركه موت و انتحار...

و كان عليهم أن يتحمّسوا للقتال عند ما أمروا به، لا عند ما نهوا عنه.(2:382)

الطّباطبائيّ: كفّ الأيدي:كناية عن الإمساك عن القتال،لكون القتل الّذي يقع فيه من عمل الأيدي.و هذا الكلام يدلّ على أنّ المؤمنين كانوا في ابتداء أمرهم يشقّ عليهم ما يشاهدونه من تعدّي الكفّار و بغيهم عليهم،فيصعب عليهم أن يصبروا على ذلك،و لا يقابلوه بسلّ السّيوف،فأمرهم اللّه بالكفّ عن ذلك،و إقامة شعائر الدّين من صلاة و زكاة، ليشتدّ عظم الدّين و يقوّم صلبه؛فيأذن اللّه لهم في جهاد أعدائه،و لو لا ذلك لانفسخ هيكل الدّين،و انهدمت أركانه،و تلاشت أجزاؤه.

ففي الآيات لومهم على أنّهم هم الّذين كانوا يستعجلون في قتال الكفّار،و لا يصبرون على الإمساك و تحمّل الأذى،حين لم يكن لهم من العدّة و القوّة ما يكفيهم للقاء عدوّهم،فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون العدوّ و هم ناس مثلهم كخشية اللّه أو أشدّ خشية.(5:6)

فضل اللّه :هم يخافون من النّاس،كما يخافون من اللّه،أو أكثر من ذلك،و لهذا واجهوا الموقف بعدم الاستجابة للدّعوة إلى القتال،خوفا من عذاب النّاس، في ما يمكن أن تسفر عنه المعركة من جراحة أو قتل.

و قد دفعهم هذا الخوف إلى موقف ضعف مدمّر، عبّروا به عن ضعف إيمانهم،في ابتهالهم إلى اللّه،في لهجة توحي بالعتاب أكثر ممّا توحي بالخشوع.(7:361)

2- وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ. الرّعد:21

ابن عبّاس: يعملون لربّهم.(207)

ص: 128

الطّبريّ: يقول:و يخافون اللّه في قطعها،أن يقطعوها،فيعاقبهم على قطعها،و على خلافهم أمره فيها.(7:374)

الطّوسيّ: أي يخافون عقابه،فيتركون معاصيه.

(6:244)

نحوه الطّبرسيّ.(3:289)

الفخر الرّازيّ: المعنى:أنّه و إن أتى بكلّ ما قدر عليه في تعظيم أمر اللّه،و في الشّفقة على خلق اللّه، إلاّ أنّه لا بدّ و أن تكون الخشية من اللّه و الخوف منه مستوليا على قلبه.و هذه الخشية نوعان:

أحدهما:أن يكون خائفا من أن يقع زيادة أو نقصان،أو خلل في عباداته و طاعاته؛بحيث يوجب فساد العبادة أو يوجب نقصان ثوابها.

و الثّاني:و هو خوف الجلال؛و ذلك لأنّ العبد إذا حضر عند السّلطان المهيب القاهر،فإنّه و إن كان في عين طاعته إلاّ أنّه لا يزول عن قلبه مهابة الجلالة، و الرّفعة و العظمة.(19:42)

القرطبيّ: قيل:في قطع الرّحم.و قيل:في جميع المعاصي.(9:310)

البيضاويّ: وعيده عموما.(1:518)

مثله النّسفيّ(2:248)،و البروسويّ(4:364)

أبو حيّان :أي وعيده كلّه وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ أي استقصاءه فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.

و قيل: يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ يعظّمونه،و قيل:في قطع الرّحم،و قيل:في جميع المعاصي،و قيل:فيما أمرهم بوصله.(5:385)

الشّربينيّ: أي وعيده عموما،و الخشية:خوف يشوبه تعظيم.(2:156)

أبو السّعود :خشية جلال و هيبة،فلا يعصونه فيما أمر به.(3:453)

الآلوسيّ: أي وعيده سبحانه،و الظّاهر أنّ المراد به مطلقا.و قيل:المراد وعيده تعالى على قطع ما أمروا بوصله.(13:140)

القاسميّ: يعملون له أو يخافون وعيده، فلا يعصونه فيما أمر.(9:3673)

المراغيّ: الخشية:خوف مقرون بالتّعظيم و العلم بمن تخشاه،و من ثمّ خصّ اللّه بها العلماء بدينه و شرائعه،و العالمين بجلاله و جبروته،في قوله: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،و المراد أنّهم يخشون ربّهم و يخافونه خوف مهابة و إجلال.

(13:94)

مغنيّة:عمليّا لا نظريّا،و فعلا لا قولا فقط.قال الإمام عليّ عليه السّلام:«بالإيمان يستدلّ على الصّالحات، و بالصّالحات يستدلّ على الإيمان».(4:398)

الطّباطبائيّ: الآية مطلقة،فالمراد به كلّ صلة أمر اللّه سبحانه بها.و من أشهر مصاديقه:صلة الرّحم الّتي أمر اللّه بها،و أكّد القول في وجوبها،قال تعالى:

وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ النّساء:1.

و قد أكّد القول فيه بما في ذيل الآية،من قوله:

وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ، فأشار إلى أنّ في ترك الصّلة مخالفة لأمر اللّه،فليخش اللّه في

ص: 129

ذلك،و عملا سيّئا مكتوبا في صحيفة العمل،محفوظا على الإنسان يجب أن يخاف من حسابه السّيّئ.

و الظّاهر أنّ الفرق بين الخشية و الخوف:أنّ الخشية تأثّر القلب من إقبال الشّرّ أو ما في حكمه، و الخوف هو التّأثّر عملا،بمعنى الإقدام على تهيئة ما يتّقى به المحذور و إن لم يتأثّر القلب،و لذا قال سبحانه في صفة أنبيائه: وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ الأحزاب :39،فنفى عنهم الخشية عن غيره.و قد أثبت الخوف لهم عن غيره في مواضع من كلامه،كقوله: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى طه:67،و قوله: وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً الأنفال:58.

و لعلّه إليه يرجع ما ذكره الرّاغب في الفرق بينهما:أنّ الخشية خوف يشوبه تعظيم،و أكثر ما يكون ذلك عن علم،و لذا خصّ العلماء بها في قوله:

إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28.

و كذا قول بعضهم:إنّ الخشية أشدّ الخوف،لأنّها مأخوذة من قولهم:شجرة خشية،أي يابسة.

و كذا قول بعضهم:إنّ الخوف يتعلّق بالمكروه و بمنزله،يقال:خفت المرض و خفت زيدا،بخلاف الخشية،فإنّها تتعلّق بالمنزل دون المكروه نفسه،يقال:

خشيت اللّه.

و لو لا رجوعها إلى ما قدّمناه،لكانت ظاهرة النّقض.و ذكر بعضهم:أنّ الفرق أغلبيّ لا كلّيّ، و الآخرون:أن لا فرق بينهما أصلا،و هو مردود بما قدّمناه من الآيات.(11:343)

مكارم الشّيرازيّ: الصّفة الثّالثة و الرّابعة من سيرة أولي الألباب هي قوله تعالى: وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.

و لمعرفة الفرق بين الخشية و الخوف اللّذين هما قريبا المعنى،يقول البعض:«الخشية هي حالة الخوف مع احترام المقابل بالعلم و اليقين،و لذلك عدّها القرآن الكريم من خصوصيّات العلماء؛حيث يقول: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28.

و لكن بالنّظر إلى استخدام القرآن الكريم لكلمة «الخشية»مرّات كثيرة،يتّضح لنا أنّها تأتي بمعنى«الخوف»و تستعمل معها بشكل مترادف.

هنا يطرح هذا السّؤال:إذا كان الخوف من الخالق هو نفس الخوف من حسابه،فما هو الفرق بين:

وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، و يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ؟

الجواب:أنّ الخوف من اللّه سبحانه و تعالى ليس ملزما دائما أن يكون خوفا من حسابه و عقابه،بل إنّ العظمة الإلهيّة و الإحساس بالعبوديّة له،توجد حالة من الخوف في قلوب المؤمنين،بغضّ النّظر عن الجزاء و العقاب،و الآية:28،من سورة فاطر قد تشير إلى هذا المعنى.(7:344)

فضل اللّه :فيدفعهم خوفهم من اللّه إلى الالتزام بأوامره و نواهيه،و مراقبته في كلّ شيء في السّرّ و العلانية،و يقودهم خوفهم من الحساب الدّقيق الّذي يلاحق كلّ أعمالهم السّيّئة بالتّدقيق و المحاسبة، إلى الانضباط في خطّ السّير،فلا ينحرفون تحت تأثير شهوة،و لا يسقطون تحت رحمة نزوة،بل يتوازنون في موقفهم الإيمانيّ أمام المسئوليّة.(13:45)

ص: 130

3- اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ. الأنبياء:49

راجع:غ ي ب:«الغيب».

تخشى

1- وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى. طه:77

ابن عبّاس: من الغرق.(264)

و فيه مباحث،راجع:خ و ف:«لا تخاف».

2- اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى* فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى* وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى.

النّازعات:17-19

ابن عبّاس: منه فتسلم.(500)

الطّوسيّ: و في الكلام حذف،و تقديره:فأتاه فدعاه.(10:257)

الزّمخشريّ: إنّ الخشية لا تكون إلاّ بالمعرفة، قال اللّه تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،أي العلماء به،و ذكر الخشية لأنّها ملاك الأمر،من خشي اللّه أتى منه كلّ خير،و من أمن اجترأ على كلّ شرّ،و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«من خاف أدلج و من أدلج بلغ المنزل».

بدأ مخاطبته بالاستفهام الّذي معناه العرض،كما يقول الرّجل لضيفه:هل لك أن تنزل بنا،و أردفه الكلام الرّفيق ليستدعيه بالتّلطّف في القول، و يستنزله بالمداراة من عتوّه كما أمر بذلك في قوله:

فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً طه:44.(4:213)

نحوه الفخر الرّازيّ(31:40)،و النّسفيّ(4:

330)،و أبو حيّان(8:421)،و الشّربينيّ(4:479)، أبو السّعود(6:368)،و البروسويّ(10:320)، و الآلوسيّ(30:29).

ابن عطيّة: العلم تابع للهدى،و الخشية تابعة للعلم: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:

28.(5:433)

القرطبيّ: أي تخافه و تتّقيه.(19:199)

البيضاويّ: فَتَخْشى بأداء الواجبات و ترك المحرّمات؛إذ الخشية إنّما تكون بعد المعرفة.و هذا كالتّفصيل لقوله: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً طه:44.

(2:537)

القاسميّ: أي عقابه من سلب الملك،و إذاقة البأس مكان النّعم.و ذلك بأداء ما ألزمك من فرائضه، و اجتناب ما نهاك عنه من معاصيه.و فيه إشارة إلى أنّ الخشية مسبّبة عن العلم،كما في آية: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،أي العلماء به.

(17:6049)

المراغيّ: أي إنّ فيما ذكر لموعظة لمن له عقل يتدبّر به في عواقب الأمور و مصائرها،فينظر في حوادث الماضين،و يقيس بها أحوال الحاضرين ليتّعظ بها.(30:29)

مغنيّة:و من خشي اللّه لا يطغى و يعثو في الأرض فسادا.(7:509)

الطّباطبائيّ: وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى

ص: 131

عطف على قوله:(تزكى.)و المراد بهدايته إيّاه إلى ربّه-كما قيل-:تعريفه له،و إرشاده إلى معرفته تعالى،و تترتّب عليه الخشية منه الرّادعة عن الطّغيان، و تعدّي طور العبوديّة،قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28.

و المراد بالتّزكّي إن كان هو التّطهّر عن الطّغيان بالتّوبة و الرّجوع إلى اللّه تعالى،كانت الخشية مترتّبة عليه،و المراد بها:الخشية الملازمة للإيمان،الدّاعية إلى الطّاعة،و الرّادعة عن المعصية،و إن كان هو التّطهّر بالطّاعة و تجنّب المعصية،كان قوله: وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى مفسّرا لما قبله،و العطف عطف تفسير.

(20:187)

مكارم الشّيرازيّ: «الخشية»نتيجة للهداية:

وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى و بما أنّ الخشية لا تحصل إلاّ بمعرفة حقّه،فتكون ثمرة شجرة الهداية و التّوحيد هي الإحساس بالمسئوليّة الملقاة على العواتق،أمام جبّار السّماوات و الأرض،و لهذا تقول الآية:28،من سورة فاطر: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ. (19:340)

لا تخشوا-و اخشون

إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً... المائدة:44

ابن عبّاس: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ في إظهار صفة محمّد و نعته و الرّجم، وَ اخْشَوْنِ في كتمانها.(94)

إنّهم رؤساء اليهود،قيل لهم:فلا تخشوا النّاس في إظهار صفة محمّد،و العمل بالرّجم،و اخشوني في كتمان ذلك.(ابن الجوزيّ 2:365)

الحسن :الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أمّته،أي لا تخشوهم في إقامة الحدود و إمضائها على أهلها كائنا من كان،و اخشوني في ترك أمري،فإنّ النّفع و الضّرر بيدي.

(الطّبرسيّ 2:198)

السّدّيّ: لا تخشوا النّاس فتكتموا ما أنزلت.

(230)

لا تخشوا يا علماء اليهود النّاس في إظهار صفة النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أمر الرّجم،و اخشوني في كتمان ذلك.

مثله الكلبيّ.(الطّبرسيّ 2:198)

الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّ من العبادة شدّة الخوف من اللّه عزّ و جلّ،يقول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،و قال جلّ ثناؤه: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ.

(العروسيّ 1:635)

مقاتل:الخطاب ليهود المدينة،قيل لهم:لا تخشوا يهود خيبر أن تخبروهم بالرّجم،و نعت محمّد، و اخشوني في كتمانه.(ابن الجوزيّ 2:365)

ابن جريج:هو خطاب لهذه الأمّة،أي لا تخشوا النّاس كما خشيت اليهود النّاس،فلم يقولوا الحقّ.

(أبو حيّان 3:492)

ص: 132

نحوه أبو سليمان الدّمشقيّ(ابن الجوزيّ 2:365)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لعلماء اليهود و أحبارهم:لا تخشوا النّاس في تنفيذ حكمي الّذي حكمت به على عبادي،و إمضائه عليهم على ما أمرت،فإنّهم لا يقدرون لكم على ضرّ و نفع إلاّ بإذني، و لا تكتموا الرّجم الّذي جعلته حكما في التّوراة على الزّانيين المحصنين،و لكن اخشوني دون كلّ أحد من خلقي،فإنّ النّفع و الضّرّ بيدي،و خافوا عقابي في كتمانكم ما استحفظتم من كتابي.(4:591)

نحوه الطّوسيّ.(3:533)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:[قول السّدّيّ المتقدّم]

و الثّاني:في الحكم بما أنزلت.(2:42)

الزّمخشريّ: نهي للحكّام عن خشيتهم غير اللّه في حكوماتهم،و إدهانهم فيها و إمضائها،على خلاف ما أمروا به من العدل،لخشية سلطان ظالم،أو خيفة أذيّة أحد من القرباء و الأصدقاء.(1:516)

نحوه النّسفيّ(1:285)،و الشّربينيّ(1:377).

ابن الجوزيّ: قرأ ابن كثير،و عاصم،و حمزة، و ابن عامر،و الكسائيّ وَ اخْشَوْنِ بغير ياء في الوصل و الوقف.و قرأ أبو عمرو بياء في الوصل،و بغير ياء في الوقف،و كلاهما حسن.(2:365)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا قرّر أنّ النّبيّين و الرّبّانيّين و الأحبار كانوا قائمين بإمضاء أحكام التّوراة من غير مبالاة،خاطب اليهود الّذين كانوا في عصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و منعهم من التّحريف و التّغيير.

و اعلم أنّ إقدام القوم على التّحريف لا بدّ و أن يكون لخوف و رهبة،أو لطمع و رغبة،و لمّا كان الخوف أقوى تأثيرا من الطّمع قدّم تعالى ذكره،فقال:

فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ.

و المعنى:إيّاكم و أن تحرّفوا كتابي للخوف من النّاس و الملوك و الأشراف،فتسقطوا عنهم الحدود الواجبة عليهم،و تستخرجوا الحيل في سقوط تكاليف اللّه تعالى عنهم،فلا تكونوا خائفين من النّاس،بل كونوا خائفين منّي و من عقابي.(12:4)

القرطبيّ: [نحو ابن عبّاس و أضاف:]

فالخطاب لعلماء اليهود،و قد يدخل بالمعنى كلّ من كتم حقّا وجب عليه و لم يظهره.(6:189)

البيضاويّ: نهي للحكّام أن يخشوا غير اللّه في حكوماتهم،و يداهنوا فيها خشية ظالم أو مراقبة كبير.

(1:276)

أبو حيّان :هذا نهي للحكّام عن خشيتهم غير اللّه في حكوماتهم،و إذهابهم (1)فيها،و إمضائها على خلاف ما أمروا به من العدل بخشية سلطان ظالم، أو خيفة أذيّة أحد من الغرماء و الأصدقاء.و لا تستعطوا بآيات اللّه ثمنا قليلا،و هو الرّشوة و ابتغاء الجاه و رضا النّاس،كما حرّف أحبار اليهود كتاب اللّه،و غيّروا أحكامه رغبة في الدّنيا و طلبا للرّئاسة،فهلكوا.و هذا نهي عن جميع المكاسب الخبيثة بالعلم و التّحيّل للدّنيا..

ص: 133


1- و في الكشّاف:و إدهانهم فيها...

بالدّين.[ثمّ نقل قول ابن عبّاس و أضاف:]

و لمّا كان الإقدام على تغيير أحكام اللّه سببه شيئان:الخوف و الرّغبة،و كان الخوف أقوى تأثيرا من الرّغبة،قدّم النّهي عن الخوف على النّهي عن الرّغبة و الطّمع.و الظّاهر أنّ هذا الخطاب لليهود على سبيل الحكاية،و القول لعلماء بني إسرائيل.[ثمّ نقل قول مقاتل و أضاف:]

هذا و إن كان خطابا لعلماء بني إسرائيل،فإنّه يتناول علماء هذه الأمّة.(3:492)

أبو السّعود :خطاب لرؤساء اليهود و علمائهم بطريق الالتفات.و أمّا حكّام المسلمين فيتناولهم النّهي بطريق الدّلالة دون العبارة،و الفاء لترتيب النّهي على ما فصّل من حال التّوراة،و كونها معتنى بشأنها فيما بين الأنبياء عليهم السّلام و من يقتدى بهم من الرّبّانيّين و الأحبار المتقدّمين عملا و حفظا،فإنّ ذلك ممّا يوجب الاجتناب عن الإخلال بوظائف مراعاتها،و المحافظة عليها بأيّ وجه كان،فضلا عن التّحريف و التّغيير.

و لمّا كان مدار جراءتهم على ذلك خشية ذي سلطان أو رغبة في الحظوظ الدّنيويّة،نهوا عن كلّ منهما صريحا،أي إذا كان شأنهما كما ذكر:فلا تخشوا النّاس كائنا من كان،و اقتدوا في مراعاة أحكامها و حفظها بمن قبلكم من الأنبياء و أشياعهم وَ اخْشَوْنِ في الإخلال بحقوق مراعاتها،فكيف بالتّعرّض لها بسوء؟!(2:277)

نحوه البروسويّ(2:397)،و الآلوسيّ(6:

145).

شبّر: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ أيّها الحكّام في حكوماتكم،أو أيّها اليهود في إظهار الحقّ. وَ اخْشَوْنِ في الحكومة،أو كتمان الحقّ.(2:178)

رشيد رضا :أي إذا كان الأمر كما ذكر-و هو ما لا تنكرونه كما تنكرون غيره،ممّا قصّه اللّه على رسوله من سيرة سلفكم-فلا تخشوا النّاس،فتكتموا ما عندكم من الكتاب،خوفا من بعضهم و رجاء في بعض،و اخشوني وحدي،و أوفوا بعهدي،فإنّ الأمر كلّه لي.(6:399)

نحوه المراغيّ.(6:124)

مغنيّة: من عرف حكم اللّه لا يخافه إلاّ لأحد أمرين:إمّا خوفا على منصبه من الزّوال،و إمّا طمعا في المال،و قد أشار سبحانه إلى الأوّل بقوله:

فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ، و إلى الثّاني بقوله:

وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً، و المعنى:يا أحبار اليهود اعملوا بما تعلمون إنّه الحقّ،و لا تخشوا فيه لومة لائم،و لا تحرّفوه طمعا في الرّشوة.

و إذا كان هذا الخطاب موجّها بظاهره للأحبار الّذين حرّفوا حكم الزّاني من الرّجم إلى الجلد،فإنّه في واقعه عامّ لكلّ من يحاول التّحريف و التّزييف، خوفا أو طمعا.

و أبلغ قول يفسّر هذه الآية كلمة قالها عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف أولياء اللّه:«بهم قام الكتاب، و به قاموا،لا يرون مرجوّا فوق ما يرجون،و لا مخوفا فوق ما يخافون»أي لا يرجون إلاّ اللّه،و لا يخافون إلاّ منه.(3:62)

ص: 134

الطّباطبائيّ: و أمّا قوله تعالى: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً فهو متفرّع على قوله: إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا، أي لمّا كانت التّوراة منزلة من عندنا مشتملة على شريعة يقضي بها النّبيّون و الرّبّانيّون و الأحبار بينكم،فلا تكتموا شيئا منها، و لا تغيّروها خوفا أو طمعا:أمّا خوفا فبأن تخشوا النّاس و تنسوا ربّكم،بل اللّه فاخشوا حتّى لا تخشوا النّاس.و أمّا طمعا فبأن تشتروا بآيات اللّه ثمنا قليلا، هو مال أو جاه دنيويّ زائل باطل.

و يمكن أن يكون متفرّعا على قوله: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ بحسب المعنى،لأنّه في معنى أخذ الميثاق على الحفظ،أي أخذنا منهم الميثاق على حفظ الكتاب،و أشهدناهم عليه أن لا يغيّروه،و لا يخشوا في إظهاره غيري،و لا يشتروا بآياتي ثمنا قليلا،قال تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً آل عمران:

187،و قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَ إِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَ دَرَسُوا ما فِيهِ وَ الدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ* وَ الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ الأعراف:169،170.

و هذا المعنى الثّاني لعلّه أنسب و أوفق لما يتلوه من التّأكيد و التّشديد بقوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ. (5:343)

مكارم الشّيرازيّ: توجّه الآية الخطاب إلى أولئك العلماء و المفكّرين من اليهود الّذين كانوا يعيشون في ذلك العصر،فتطلب منهم أن لا يخافوا النّاس لدى بيان أحكام اللّه،بل عليهم أن لا يخافوا اللّه، فلا تسوّل لهم أنفسهم مخالفة أوامره أو كتمان الحقّ، و إن فعلوا ذلك فسيلقون الجزاء و العقاب،فتقول الآية هنا: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ. (4:17)

فضل اللّه : فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ في كتاب اللّه و رسالته،لأنّ اللّه أرادكم أن تأخذوا الكتاب بقوّة،و أن تبلغوا الرّسالة بصلابة،فلا تأخذكم في اللّه لومة لائم،لأنّ ذلك هو دور رسل اللّه بما حمّلهم من رسالته،أن يجاهدوا في اللّه حقّ جهاده بلا خوف و لا وجل،لأنّ اللّه ينصر عباده المؤمنين.(8:187).

أ تخشونهم-ان تخشوه

أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. التّوبة:13

ابن عبّاس: يا معشر المؤمنين أ تخشون قتالهم:

فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ في ترك أمره.(154)

الطّبريّ: يقول:أ تخافونهم على أنفسكم،فتتركوا قتالهم خوفا على أنفسكم منهم، فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ يقول:فاللّه أولى بكم أن تخافوا عقوبته بترككم جهادهم،و تحذروا سخطه عليكم،من هؤلاء

ص: 135

المشركين الّذين لا يملكون لكم ضرّا و لا نفعا إلاّ بإذن اللّه.(6:331)

نحوه البغويّ.(2:322)

الطّوسيّ: معناه أ تخافونهم،ثمّ قال: فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ أي تخافوه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، و في ذلك غاية الفصاحة،لأنّه جمع بين التّقريع و التّشجيع.

و المعنى أ تخشون أن ينالكم من قتالهم مكروه،فاللّه أحقّ أن تخشوا عقابه في ارتكاب معاصيه إن كنتم مصدّقين بعقابه و ثوابه.(5:215)

الزّمخشريّ: تقرير بالخشية منهم،و توبيخ عليها فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فتقاتلوا أعداءه.(2:178)

نحوه النّسفيّ(2:118)،و الشّربينيّ(1:593).

ابن عطيّة: أَ تَخْشَوْنَهُمْ استفهام على معنى التّقرير و التّوبيخ،و قوله: فَاللّهُ مرتفع بالابتداء، و أَحَقُّ خبره،و أَنْ تَخْشَوْهُ بدل من اسم اللّه بدل اشتمال،أو في موضع نصب على إسقاط خافض، تقديره:بأن تخشوه.و يجوز أن يكون(اللّه)ابتداء و أَحَقُّ ابتداء ثان و أَنْ تَخْشَوْهُ خبر الثّاني، و الجملة خبر الأوّل.(3:13)

نحوه البروسويّ.(3:395)

الطّبرسيّ: أي أ تخافون أن ينالكم من قتالكم مكروه؟لفظه استفهام،و المراد:به تشجيع المؤمنين، و في ذلك غاية الفصاحة،لأنّه جمع بين التّقريع و التّشجيع...

المعنى لا تخشوهم و لا تتركوا قتالهم خوفا على أنفسكم منهم،فإنّه سبحانه أحقّ أن تخافوا عقابه في ترك أمره بقتالهم،إن كنتم مصدّقين بعقاب اللّه و ثوابه، أي إن كنتم مؤمنين،فخشية اللّه أحقّ بكم من خشية غيره،و اللّه أعلم و أحكم.(3:11)

نحوه القرطبيّ.(8:86)

الفخر الرّازيّ: و هذا الكلام يقوّي داعية القتال من وجوه:

الأوّل:أنّ تعديد الموجبات القويّة و تفصيلها،ممّا يقوّي هذه الدّاعية.

و الثّاني:أنّك إذا قلت للرّجل:أ تخشى خصمك، كان ذلك تحريكا منه،لأن يستنكف أن ينسب إلى كونه خائفا من خصمه.

و الثّالث:أنّ قوله: فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ يفيد ذلك،كأنّه قيل:إن كنت تخشى أحدا فاللّه أحقّ أن تخشاه،لكونه في غاية القدرة و الكبرياء و الجلالة، و الضّرر المتوقّع منهم غايته القتل.و أمّا المتوقّع من اللّه، فالعقاب الشّديد في القيامة،و الذّمّ اللاّزم في الدّنيا.

و الرّابع:أنّ قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ معناه:

أنّكم إن كنتم مؤمنين بالإيمان وجب عليكم أن تقدموا على هذه المقاتلة،و معناه:أنّكم إن لم تقدموا عليها وجب أن لا تكونوا مؤمنين.

فثبت أنّ هذا كلام مشتمل على سبعة أنواع من الأمور الّتي تحملهم على مقاتلة أولئك الكفّار النّاقضين للعهد.(15:235)

العكبريّ: فَاللّهُ أَحَقُّ مبتدأ،و في الخبر وجهان:

أحدهما:هو أَحَقُّ و أَنْ تَخْشَوْهُ في موضع

ص: 136

نصب أو جرّ،أي بأن تخشوه،و في الكلام حذف،أي أحقّ من غيره بأن تخشوه.

أو أَنْ تَخْشَوْهُ مبتدأ بدل من اسم اللّه بدل الاشتمال،و أَحَقُّ الخبر،و التّقدير:خشية اللّه أحقّ.

و الثّاني:أنّ أَنْ تَخْشَوْهُ مبتدأ،و أَحَقُّ خبره مقدّم عليه،و الجملة خبر عن اسم اللّه.

(2:638)

البيضاويّ: أ تتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فقاتلوا أعداءه و لا تتركوا أمره.(1:408)

أبو السّعود :أي أ تخشون أن ينالكم منهم مكروه حتّى تتركوا قتالهم؟!وبّخهم أوّلا بترك مقاتلتهم، و حضّهم عليها،ثمّ وصفهم بما يوجب الرّغبة فيها، و يحقّق أنّ من كان على تلك الصّفات السّيّئة حقيق بأن لا تترك مصادمته،و يوبّخ من فرّط فيها، فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ بمخالفة أمره و ترك قتال أعدائه.

(3:129)

نحوه القاسميّ.(8:3083)

الآلوسيّ: أَ تَخْشَوْنَهُمْ و قد أقيم فيه السّبب و العلّة مقام المسبّب و المعلول،و المراد:أ تتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ بمخالفة أمره و ترك قتال عدوّه.

و الاسم الجليل مبتدأ و أَحَقُّ خبره،و أَنْ تَخْشَوْهُ بدل من الجلالة بدل اشتمال،أو بتقدير حرف جرّ،أي بأن تخشوه،فمحلّه النّصب أو الجرّ بعد الحذف على الخلاف.

و قيل:إنّ أَنْ تَخْشَوْهُ مبتدأ،خبره أَحَقُّ، و الجملة خبر الاسم الجليل،أي خشية اللّه تعالى أحقّ، أو اللّه أحقّ من غيره بالخشية،أو اللّه خشية أحقّ، و خير الأمور عندي أوسطها.(10:61)

رشيد رضا :أي أ تتركون قتالهم خشية لهم و جبنا منكم؟إن كانت الخشية هي المانعة لكم من قتالهم فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإنّ المؤمن حقّ الإيمان لا يخاف و لا يخشى إلاّ اللّه تعالى، لعلمه بأنّه هو الّذي بيده ملكوت كلّ شيء،فإن خشى غيره بمقتضى سننه تعالى في أسباب الضّرّ و النّفع، فلا يرجّح خشيته على خشية اللّه تعالى،بأن يحمله على عصيانه و مخالفة أمره،بل يرجّح خشيته تعالى على خشية غيره،بل لا يخشى غيره حقّ الخشية.

قيل:إنّ هذا الاستفهام للإنكار و التّوبيخ للمؤمنين،و هذا لا يصحّ إلاّ إذا كان تعالى قد علم منهم أنّهم يريدون الامتناع عن قتال المشركين،خوفا منهم على أنفسهم.و هذا غير معقول و لا سيّما في الحال الّتي أنزلت فيها هذه الآيات بعد فتح مكّة و هدم دولة الشّرك،و قد كانوا يقاتلونهم بغير جبن و لا إحجام، و هم قليل مستضعفون،و المشركون في عنفوان قوّتهم دولة و كثرة و ثروة.

و إنّما هذا احتجاج آخر على جماعة المسلمين الّذين لا يخلون من المنافقين و مرضى القلوب و السّمّاعين لهم،من المؤمنين الّذين كانوا يعظّمون ما عظّم اللّه و رسوله من أمر الوفاء بالعهد،و يكرهون

ص: 137

القتال لذاته إذا لم توجبه الضّرورة،كما قال تعالى فيهم: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ البقرة:

216،أو لرجاء انتشار الإسلام بدونه بعد فتح مكّة و الطّائف،و هدم دولة الشّرك.

فهذا الّذي اقتضى كلّ هذه الحجج و البيّنات،على كون نبذ عهود جمهور المشركين دون من وفى منهم بعهده حقّا و عدلا،لا يتضمّن خيانة و لا غدرا،و أنّ بقاءهم على حرّيّتهم و هذه حالهم خطر لا تؤمن عاقبته.فهو تعالى يقول للمؤمنين بعد سوق تلك الحجج الثّلاث الّتي تكفي كلّ واحدة منها لإيجاب قتالهم:إنّه لم يبق بعد قيام هذه البيّنات من سبب يمنع من قتالهم إلاّ أن يكون الخشية لهم و الخوف من قوّتهم، و خشية اللّه أحقّ و أولى من خشيتهم،فإن كنتم موقنين في إيمانكم فاخشوه وحده عزّ و جلّ،و قد رأيتم كيف نصركم عليهم في تلك المواطن الكثيرة؛إذ كنتم ضعفاء و كانوا أقوياء.

و فيه دليل على أنّ المؤمن حقّ الإيمان يكون أشجع النّاس و أعلاهم همّة،لأنّه لا يخشى إلاّ اللّه عزّ و جلّ.

ثمّ إنّه بعد إقامة هذه الحجج البيّنة على وجوب قتالهم،و دحض شبهة المانع منه،صرّح بالأمر القطعيّ به مع الوعد القطعيّ بإظهار المؤمنين عليهم أكمل الظّهور و أتمّه،و هذا الوعد من أخبار الغيب التّفصيليّة في حال معيّنة،فهو ليس كالوعد العامّ المجمل في نصر اللّه لرسله و للمؤمنين الّذي يراد به أنّ العاقبة تكون لهم،و لا يمنع أن تكون الحرب قبلها سجالا لتربية المؤمنين،و قد صدق وعده تعالى مجملا و مفصّلا.

(10:194)

مغنيّة:و بعد أن ذكّر سبحانه المسلمين بما فعل المشركون من نكث العهد،و إخراج الرّسول و بدء القتال،حثّهم على الجهاد و القتال،حيث لا رادع سواه،ثمّ أذهب سبحانه الخوف من قلوب المسلمين بقوله: أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

و قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يشير إلى أنّ الخوف من اللّه حقّا و واقعا لا يكون و لن يكون إلاّ ممّن يؤمن باللّه حقّا و واقعا،أمّا غيره فإنّه لا يخاف اللّه إطلاقا، و إن خافه فخوفه خيال عابر.

قال الإمام عليّ عليه السّلام:«كلّ خوف محقّق إلاّ خوف اللّه فإنّه معلول»أي إنّ خوف الإنسان من غير اللّه له واقع ملموس،أمّا خوفه من اللّه فلا واقع له،و إنّما هي مجرّد خيال يعبر و يزول بأدنى شاغل.(4:16)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ أحد أساليب الفصاحة و البلاغة أن يكرّر المطلب المهمّ بتعابير مختلفة،للتّأكيد على أهمّيّته،و ليكون له أثر في النّفوس.و لمّا كانت مسألة تطهير المحيط الإسلاميّ من الوثنيّة و عبادة الأصنام و إزالة آثارها،من المسائل ذات الأهمّيّة القصوى،فإنّ القرآن يكرّر المطالب السّابقة بعبارات جديدة-في الآيات محلّ البحث-و فيها لطائف تخرج المطلب-أو الموضوع-عن صورة التّكرار، و لو التّكرار المجازيّ.

فتقول الآية الأولى من هذه الآيات: فَإِنْ تابُوا

ص: 138

وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ التّوبة:11.

و تضيف معقّبة: وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

و كان التّعبير في الآيات المتقدّمة أنّهم إذا أدّوا وظيفتهم الإسلاميّة،أي إن تابوا و أقاموا الصّلاة و آتوا الزّكاة فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ التّوبة:5،أمّا التّعبير في هذه الآية: فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ أي لا فارق بينهم و بين أيّ أحد من المسلمين،من حيث الاحترام و المحبّة،كما لا فارق بين الإخوان.

و هذه التّعابير إنّما هي أكثر تأثيرا لتهيئة أفكار المشركين و عواطفهم و أنفسهم لتقبّل الإسلام؛إذ تقول في حقّهم تارة: فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ و تارة:

فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ.

و تقول الآية التّالية: وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ.

صحيح أنّهم عاهدوكم على عدم المخاصمة و المقاتلة،إلاّ أنّ هذه المعاهدة-بنقضها مرارا،و كونها قابلة للنّقض في المستقبل-لا اعتبار لها أصلا و لا قيمة لها.

و تعقّب الآية مضيفة لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ.

و في الآية الأخرى خطاب للمسلمين لإثارة هممهم،و إبعاد روح الضّعف و الخوف و التّردّد عنهم، في هذا الأمر الخطير،إذ تقول الآية: أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ.

فعلام تقلقون؟و لم تبدءوهم بالقتال و إلغاء العهد من قبلكم وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ؟

و إذا كان بعضكم يتردّد في مقاتلته إيّاهم خشية منهم،فإنّ هذه الخشية لا محلّ لها أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. (5:494)

فضل اللّه : أَ تَخْشَوْنَهُمْ في ما يمثّلون من قوّة و سلطة و مال،و كيف يخشى المؤمنون مثل هؤلاء الّذين لا ترتكز قوّتهم على قاعدة ثابتة في الدّاخل،بل تتحرّك من خلال الأدوات الّتي يملكونها و الظّروف الطّارئة الّتي ينتهزونها؟إنّها القوّة الضّعيفة الّتي مهما تعاظمت،فإنّها لا تثبت أمام تحدّيات القوّة المتحرّكة، من موقع الإيمان الصّلب الثّابت الّذي يستمدّ قوّته من اللّه.

و كيف تخشونهم أيّها المؤمنون،في ما أرادكم اللّه أن تواجهوه من جهادهم و قتالهم من أجل الإسلام،في مسيرته الظّافرة الّتي تعمل من أجل أن يكون الدّين كلّه للّه؟

و كيف تتراجعون عن ذلك أو تفكّرون بالتّراجع، فإذا كان هناك خشية منهم و ممّا لديهم من القوّة،فهناك خشية من اللّه،لما ينتظركم من عقابه،لو خالفتم تعاليمه و تمرّدتم على أمره و نهيه؟فوازنوا أمركم بين موقفكم منهم و موقفكم من اللّه،و ستجدون أنّ الموازنة تقف بكم عند حدود اللّه فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ، لأنّه مالك كلّ شيء،و بيده أمر الدّنيا و الآخرة،في ما تفرضه عقيدة الإيمان و روحيّة العبوديّة له،ممّا يجب أن تواجهوه من مواقف الإيمان إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، لأنّ الإيمان ليس كلمة تقال،بل هو موقف للتّضحية

ص: 139

و الإخلاص و العطاء.

و ربّما يخطر في البال،أنّ مواجهة اللّه لهم بالخشية منهم،لا تلتقي بالواقع الّذي كان يعيش فيه المسلمون القوّة بعد فتح مكّة،بينما كان المشركون يعيشون فيه الضّعف كلّ الضّعف،فكيف نفسّر ذلك؟

و قد نجيب على ذلك:أنّ القضيّة قد تكون واردة في معرض الإثارة الّتي تدفعهم إلى لون من ألوان الحماس الإيمانيّ المنطلق من حالة الشّعور بالقوّة، كعنصر من عناصر تثبيت الموقف في نفوسهم.و ربّما كان هناك نوع من الخوف،باعتبار أنّ المسألة في موضوع البراءة بدت لهم حاسمة شاملة لا تقتصر على فريق دون فريق،بل تشمل المشركين كلّهم في موقف مواجهة واسعة،ممّا قد يوحي بالقلق لبعض المسلمين الّذين يلتفتون إلى سعة التّواجد البشريّ للمشركين في الجزيرة العربيّة،الأمر الّذي يوحي إليهم بالخطر الكبير.(11:46)

فلا تخشوهم-و اخشونى

1- وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. البقرة:150

ابن عبّاس: فَلا تَخْشَوْهُمْ في صرف القبلة وَ اخْشَوْنِي في تركها.(21)

السّديّ: لا تخشوا أن أردّكم في دينهم.(135)

الفرّاء: وَ اخْشَوْنِي أثبتت فيها الياء و لم تثبت في غيرها،و كلّ ذلك صواب،و إنّما استجازوا حذف الياء لأنّ كسرة النّون تدلّ عليها،و ليست تهيّب العرب حذف الياء من آخر الكلام إذا كان ما قبلها مكسورا،من ذلك: رَبِّي أَكْرَمَنِ*... أَهانَنِ الفجر :15،16،و قوله: أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ النّمل:36،و من غير النّون: اَلْمُنادِ ق:41، اَلدّاعِ القمر:6 و 8،و هو كثير،يكتفى من الياء بكسرة ما قبلها،و من الواو بضمّة ما قبلها،مثل قوله: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ العلق:18، وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ الإسراء:11،و ما أشبهه و قد تسقط العرب الواو و هي واو جماع،اكتفي بالضّمّة قبلها،فقالوا في«ضربوا»:قد ضرب،و في «قالوا»:قد قال ذلك،و هي في هوازن و عليا قيس.[ثمّ استشهد بشعر](1:90)

الطّبريّ: يعني فلا تخشوا هؤلاء الّذين وصفت لكم أمرهم من الظّلمة في حجّتهم و جدالهم،و قولهم ما يقولون:في أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم قد رجع إلى قبلتنا، و سيرجع إلى ديننا.أو أن يقدروا لكم على ضرّ في دينكم،أو صدّكم عمّا هداكم اللّه تعالى ذكره له من الحقّ،و لكن اخشوني فخافوا عقابي،في خلافكم أمري إن خالفتموه.

و ذلك من اللّه جلّ ثناؤه تقدّم إلى عباده المؤمنين، بالحضّ على لزوم قبلتهم و الصّلاة إليها،و بالنّهي عن التّوجّه إلى غيرها.يقول جلّ ثناؤه:و اخشوني أيّها المؤمنون،في ترك طاعتي فيما أمرتكم به من الصّلاة شطر المسجد الحرام.(2:38)

ص: 140

الطّوسيّ: و أثبتت الياء في قوله: وَ اخْشَوْنِي هاهنا،و حذفت فيما عداه،لأنّه الأصل،و عليه إجماع هاهنا.و أمّا الحذف فللاجتزاء بالكسرة من الياء.

وَ اخْشَوْنِي معناه:و اخشوا عقابي،بدلالة الكلام عليه في الحال.و إنّما ذكّرهم،فقال:

فَلا تَخْشَوْهُمْ لأنّه لما ذكّرهم بالظّلم،و الاستطاعة بالخصومة و المنازعة طيّب بنفوس المؤمنين،أي فلا تلتفتوا إلى ما يكون منهم،فإنّ عاقبة السّوء عليهم.

(2:28)

القشيريّ: إذا كانوا محوا عن كونهم رسوما تجري عليهم أحكامنا،فإنّي بالخشية منهم.(1:148)

الواحديّ: أي في انصرافكم إلى الكعبة،و في تظاهرهم عليكم في المحاجّة و المحاربة، وَ اخْشَوْنِي في تركها و مخالفتها.(1:233)

البغويّ: في انصرافكم إلى الكعبة،و في تظاهرهم عليكم بالمجادلة،فإنّي وليّكم أظهركم عليهم بالحجّة و النّصرة.(1:182)

نحوه الخازن.(1:106)

الزّمخشريّ: فلا تخافوا مطاعنهم في قبلتكم، فإنّهم لا يضرّونكم، وَ اخْشَوْنِي فلا تخالفوا أمري، و ما رأيته مصلحة لكم.(1:323)

نحوه الشّربينيّ(1:104)،و أبو السّعود(1:

218)،و البروسويّ(1:255)،و شبّر(1:161)، و القاسميّ(2:309).

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:لا تخشوهم في استقبال الكعبة،و اخشوا عقابي في ترك استقبالها،فإنّي أحفظكم من كيدهم.

(1:232)

الفخر الرّازيّ: فالمعنى:لا تخشوا من تقدّم ذكره ممّن يتعنّت و يجادل و يحاجّ،و لا تخافوا مطاعنهم في قبلتكم،فإنّهم لا يضرّونكم.

وَ اخْشَوْنِي يعني احذروا عقابي،إن أنتم عدلتم عمّا ألزمتكم و فرضت عليكم.

و هذه الآية تدلّ على أنّ الواجب على المرء في كلّ أفعاله و تروكه أن ينصب بين عينيه:خشية عقاب اللّه،و أن يعلم أنّه ليس في يد الخلق شيء البتّة، و أن لا يكون مشتغل القلب بهم،و لا ملتفت الخاطر إليهم.(4:158)

ابن عربيّ: فَلا تَخْشَوْهُمْ لأنّهم لا يغلبونكم و لا يضرّونكم،و وَ اخْشَوْنِي كونوا على هيبة من تجلّي عظمته،لئلاّ يقعوا في قلوبكم و أعينكم،و لا يميلوا صدوركم فتميلوا إلى موافقتهم إجلالا لهم و تعظيما، لكونكم في الغيبة و بالنّفس،كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«عظم الخالق عندك يصغّر المخلوق في عينك».

(1:97)

القرطبيّ: الخشية أصلها:طمأنينة في القلب، تبعث على التّوقّي.و الخوف:فزع القلب تخفّ له الأعضاء،و لخفّة الأعضاء به سمّي خوفا.

و معنى الآية:التّحقير لكلّ من سوى اللّه تعالى، و الأمر باطّراح أمرهم و مراعاة أمر اللّه تعالى،(2:170)

البيضاويّ: فلا تخافوهم،فإنّ مطاعنهم لا تضرّكم، وَ اخْشَوْنِي فلا تخالفوا ما أمرتكم به

ص: 141

مصلحة لكم.(1:90)

نحوه النّسفيّ.(1:83)

أبو حيّان :هذا فيه تحقير لشأنهم،و أمر باطّراحهم،و مراعاة لأمره تعالى.و ضمير المفعول في فَلا تَخْشَوْهُمْ يحتمل أن يعود على النّاس،أي فلا تخشوا النّاس،و أن يعود على الّذين ظلموا،أي فلا تخشوا الظّالمين.و نهي عن خشيتهم فيما يزخرفونه من الكلام الباطل،فإنّهم لا يقدرون على نفع و لا ضرّ، و أمر بخشيته هو في ترك ما أمرهم به،من التّوجّه إلى المسجد الحرام.

و قيل:المعنى:فلا تخشوهم في المباينة و اخشوني في المخالفة،و معناه قريب من الأوّل.و قد ذكرنا شرح هاتين الجملتين في ذكر قراءة ابن عبّاس بقريب من هذا.

و قال السّدّيّ: معناه:لا تخشوا أن أردّكم في دينكم،و اخشوني.و هذا الّذي قاله لا يساعده قوله:

فَلا تَخْشَوْهُمْ.

قال بعضهم:ذكر الخشية هنا و لم يذكر الخوف، لأنّ الخشية حذر من أمر قد وقع،و الخوف حذر من أمر لم يقع.

و الّذي تدلّ عليه اللّغة و الاستعمال أنّ الخشية و الخوف مترادفان،و قال تعالى: فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ آل عمران:175،كما قال هنا: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي. (1:442)

ابن كثير :أي لا تخشوا شبه الظّلمة المتعنّتين، و أفردوا الخشية لي،فإنّه تعالى هو أهل أن يخشى منه.(1:344)

الآلوسيّ: و الفاء زائدة فيه للتّأكيد،و قيل:

لتضمّن المبتدإ معنى الشّرط.و جوّز أن يكون الموصول نصبا على شريطة التّفسير.و المشهور أنّ«الخشية» مرادفة للخوف،أي فلا تخافوا الظّالمين لأنّهم لا يقدرون على نفع و لا ضرّ.و جوّز عود الضّمير إلى النّاس،و فيه بعد.

وَ اخْشَوْنِي أي و خافوني فلا تخالفوا أمري، فإنّي القادر على كلّ شيء.و استدلّ بعض أهل السّنّة بالآية على حرمة التّقيّة الّتي يقول بها الإماميّة.

(2:17)

رشيد رضا :إذ لا مرجع لكلامهم من الحقّ، و لا تمكّن له في النّفس،لأنّه لا يستند إلى برهان عقليّ و لا إلى هدى سماويّ، وَ اخْشَوْنِي أنا،فلا تعصوني بمخالفة ما جاءكم به رسولي عنّي،فإنّني القدير على جزائكم بما وعدتكم و أوعدتكم،و قد وعدت الّذين آمنوا منكم و عملوا الصّالحات،بأن أمكّن لهم دينهم الّذي ارتضيت لهم،و أبدّلهم من بعد خوفهم أمنا، و إنّني لا أخلف الميعاد.

و الآية ترشدنا إلى أنّ صاحب الحقّ هو الّذي يخشى جانبه،و أنّ المبطل لا ينبغي أن يخشى،فإنّ الحقّ يعلو و لا يعلى[عليه]،و ما آفة الحقّ إلاّ ترك أهله له،و خوفهم من أهل الباطل فيه.

و ذكر الأستاذ الإمام هنا من له شبهة حقّ كصاحب النّيّة السّليمة يشتبه عليه الأمر،فيترك الحقّ،لأنّه عمي عليه،و لو ظهر له لأخذ به،و هو أيضا

ص: 142

لا يخشى جانبه،خلافا لما فهم بعض الطّلاّب من كلام الأستاذ.

و إنّما استثناه من مشاركة الظّالمين في عدم المبالاة به،فأولئك لا يخشون و لا يبالى بهم،و هذا لا يخشى على الحقّ،و لكنّه يبالى به و يعتني بأمره،بتوضيح السّبيل،و تفصيل الدّليل،لما يرجى من قرب رجوعه إليه إذا عرفه.(2:24)

نحوه المراغيّ.(2:17)

مغنيّة:أي لا تخافوا في الحقّ لومة لائم،فأنا وحدي أملك لكم النّفع و الضّرّ.

و قال ابن عربيّ في تفسيره:معنى اِخْشَوْنِي :

اعرفوا عظمتي لئلاّ يعظم الكافر عندكم»،قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«عظم الخالق في أنفسهم،فصغر ما دونه في أنفسهم».(1:237)

مكارم الشّيرازيّ: حين وصفت الآية هؤلاء المعاندين أنّهم ظالمون،فقد يثير هذا الوصف خوفا في نفوس البعض،لذلك قالت الآية: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي.

و هذه الفقرة من الآية تطرح أصلا عامّا أساسيّا من أصول التّربية التّوحيديّة الإسلاميّة،هو عدم الخوف من أيّ شيء سوى اللّه،أو بعبارة أصحّ الخوف فقط من معصية اللّه،و إذا ترسّخ هذا المبدأ التّربويّ في نفوس الجماعة المسلمة،فلن تفشل و لن تنهزم قطّ.

أمّا المتظاهرون بالإسلام فهم يخافون من الشّرق تارة،و من الغرب تارة أخرى،و من المنافقين الدّاخليّين و من الأعداء الخارجيّين،و من كلّ شيء سوى اللّه.و هؤلاء دائما أذلاّء ضعفاء مهزومون.

(1:375)

2- ...اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً...

المائدة:3

ابن عبّاس: فَلا تَخْشَوْهُمْ في اتّباع محمّد صلّى اللّه عليه و آله و مخالفتهم، وَ اخْشَوْنِي في ترك اتّباع محمّد و دينه و موافقتهم.(88)

نحوه رشيد رضا(6:154)،و المراغيّ(6:54).

ابن جريج:فلا تخشوهم أن يظهروا عليكم.

(الطّبريّ 4:418)

الطّبريّ: يعني بذلك:فلا تخشوا أيّها المؤمنون، هؤلاء الّذين قد يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه من الكفّار،و لا تخافوهم أن يظهروا عليكم،فيقهروكم و يردّوكم عن دينكم، وَ اخْشَوْنِي، يقول:و لكن خافون،إن أنتم خالفتم أمري و اجترأتم على معصيتي،و تعدّيتم حدودي،أن أحلّ بكم عقابي و أنزل بكم عذابي.(4:418)

الزّجّاج: أي فليكن خوفكم للّه وحده،فقد أمنتم أن يظهر دين على الإسلام و كذلك-و اللّه أعلم- قوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ... (2:148)

الماورديّ: أي(لا تخشوهم)أن يظهروا عليكم،(و اخشون)أن تخالفوا أمري.(2:12)

نحوه الواحديّ.(2:153)

ص: 143

الطّوسيّ: هذا خطاب للمؤمنين،نهاهم اللّه أن يخشوا و يخافوا من الكفّار،أن يظهروا على دين الإسلام،و يقهروا المسلمين و يردّوهم عن دينهم، و لكن اخشوني و خافوني إن خالفتم أمري و ارتكبتم معصيتي،أن أحلّ بكم عقابي و أنزل عليكم عذابي، و هو قول ابن جريج و غيره.(3:435)

مثله الطّبرسيّ.(2:158)

الزّمخشريّ: فَلا تَخْشَوْهُمْ، بعد إظهار الدّين و زوال الخوف من الكفّار،و انقلابهم مغلوبين مقهورين بعد ما كانوا غالبين،(و اخشون)و أخلصوا لي الخشية.(1:593)

نحوه النّسفيّ(1:270)،و البيضاويّ(1:262)، و الخازن(2:8)،و أبو السّعود(2:237).

ابن عطيّة: فإنّما نهى المؤمنين عن خشية جميع أنواع الكفّار،و أمر بخشيته تعالى الّتي هي رأس كلّ عبادة،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«و مفتاح كلّ خير».(2:154)

الفخر الرّازيّ: أي فلا تخافوا المشركين في خلافكم إيّاهم في الشّرائع و الأديان،فإنّي أنعمت عليكم بالدّولة القاهرة و القوّة العظيمة،و صاروا مقهورين لكم ذليلين عندكم،و حصل لهم اليأس من أن يصيروا قاهرين لكم مستولين عليكم،فإذا صار الأمر كذلك فيجب عليكم أن لا تلتفتوا إليهم،و أن تقبلوا على طاعة اللّه تعالى و العمل بشرائعه.

(11:137)

القرطبيّ: أي لا تخافوهم و خافوني،فإنّي أنا القادر على نصركم.(6:61)

أبو حيّان:و قيل:فلا تخشوا عاقبتهم.و الظّاهر أنّه نهى عن خشيتهم إيّاهم،و أنّهم لا يخشون إلاّ اللّه تعالى.

(3:426)

ابن كثير :أي لا تخافوهم في مخالفتكم إيّاهم، و اخشوني أنصركم عليهم و أبدهم (1)،و أظفركم بهم و اشف صدوركم منهم،و أجعلكم فوقهم في الدّنيا و الآخرة.(2:488)

الشّربينيّ: أن يظهروا عليكم.(و اخشون)أجمع القرّاء السّبعة على حذف الياء بعد النّون لحذفها في الرّسم،أي و أخلصوا الخشية لي وحدي،فإنّ دينكم قد اكتمل بدوره و جلّ عن انمحاق محلّه و قدره، و رضي به الآمر و مكّنه على رغم أنوف الأعداء و هو قادر.و ذلك قوله تعالى-مسوقا مساق التّعليل-:

اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. (1:353)

البروسويّ: فإنّكم خلصتم من شبكة مكايدهم و نجوتم من عقد مصائدهم، وَ اخْشَوْنِ فإنّ كيدي متين،و صيدي مهين،و بطشي شديد،و حبسي مديد.

(2:344)

الآلوسيّ: أن يظهروا عليكم،و هو متفرّع عن اليأس، وَ اخْشَوْنِ أن أحلّ بكم عقابي إن خالفتم أمري،و ارتكبتم معصيتي.(6:60)

ابن عاشور :و تفريع النّهي عن خشية المشركين في قوله: فَلا تَخْشَوْهُمْ على الإخبار عن يأسهم من أذى الدّين،لأنّ يأس العدوّ من نوال عدوّه يزيلم.

ص: 144


1- كذا،و الظّاهر أبيدهم.

بأسه،و يذهب حماسه،و يقعده عن طلب عدوّه.و في الحديث:«و نصرت بالرّعب».فلمّا أخبر عن يأسهم طمّن المسلمين من بأس عدوّهم،فقال: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ، أو لأنّ اليأس لمّا كان حاصلا من آثار انتصارات المسلمين،يوما فيوما،-و ذلك من تأييد اللّه لهم-ذكّر اللّه المسلمين بذلك بقوله: اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ، و إنّ فريقا لم يغن عنهم بأسهم من اللّه شيئا لأحرياء بأن لا يخشى بأسهم،و أن يخشى من خذلهم و مكّن أولياءه منهم.

و قد أفاد قوله: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ مفاد صيغة الحصر،و لو قيل:فإيّاي فاخشون لجرى على الأكثر في مقام الحصر،و لكن عدل إلى جملتي نفي و إثبات،لأنّ مفاد كلتا الجملتين مقصود،فلا يحسن طيّ إحداهما.و هذا من الدّواعي الصّارفة عن صيغة الحصر إلى الإتيان بصيغتي إثبات و نفي،كقول السّموأل أو عبد الملك بن عبد الرّحيم الحارثيّ:

تسيل على حدّ الظّبات نفوسا

و ليست على غير الظّبات تسيل

و نظيره قوله الآتي: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ المائدة:44.(5:30)

مغنيّة:فلا تخافوا أيّها المسلمون من الكافرين، و خافوا من اللّه وحده،و صدق اللّه العظيم في كلّ ما يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ التّوبة:32،33.(3:12)

الطّباطبائيّ: النّهي إرشاديّ لا مولويّ،معناه أن لا موجب للخشية بعد يأس الّذين كنتم في معرض الخطر من قبلهم-و من المعلوم أنّ الإنسان لا يهمّ بأمر بعد تمام اليأس من الحصول عليه،و لا يسعى إلى ما يعلم ضلال سعيه فيه-فأنتم في أمن من ناحية الكفّار، و لا ينبغي لكم مع ذلك الخشية منهم على دينكم فلا تخشوهم و اخشوني.

و من هنا يظهر أنّ المراد بقوله: وَ اخْشَوْنِ بمقتضى السّياق:أن اخشوني فيما كان عليكم أن تخشوهم فيه لو لا يأسهم،و هو الدّين و نزعه من أيديكم.و هذا نوع تهديد للمسلمين كما هو ظاهر، و لهذا لم نحمل الآية على الامتنان.

و يؤيّد ما ذكرنا أنّ الخشية من اللّه سبحانه واجب على أيّ تقدير،من غير أن يتعلّق بوضع دون وضع، و شرط دون شرط،فلا وجه للإضراب من قوله:

فَلا تَخْشَوْهُمْ إلى قوله: وَ اخْشَوْنِ لو لا أنّها خشية خاصّة في مورد خاصّ.

و لا تقاس الآية بقوله تعالى: فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ آل عمران:175،لأنّ الأمر بالخوف من اللّه في تلك الآية مشروط بالإيمان، و الخطاب مولويّ،و مفاده أنّه لا يجوز للمؤمنين أن يخافوا الكفّار على أنفسهم،بل يجب أن يخافوا اللّه سبحانه وحده.

فالآية تنهاهم عمّا ليس لهم بحقّ-و هو الخوف منهم على أنفسهم-سواء أمروا بالخوف من اللّه أم لا، و لذلك يعلّل ثانيا الأمر بالخوف من اللّه بقيد مشعر

ص: 145

بالتّعليل،و هو قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، و هذا بخلاف قوله: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ، فإنّ خشيتهم هذه خشية منهم على دينهم،و ليست بمبغوضة للّه سبحانه،لرجوعها إلى ابتغاء مرضاته بالحقيقة،بل إنّما النّهي عنها لكون السّبب الدّاعي إليها-و هو عدم يأس الكفّار منه-قد ارتفع و سقط أثره،فالنّهي عنه إرشاديّ،فكذا الأمر بخشية اللّه نفسه.و مفاد الكلام:

أنّ من الواجب أن تخشوا في أمر الدّين،لكن سبب الخشية كان إلى اليوم مع الكفّار،فكنتم تخشونهم لرجائهم في دينكم،و قد يئسوا اليوم،و انتقل السّبب إلى ما عند اللّه فاخشوه وحده،فافهم ذلك.

فالآية لمكان قوله: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ، لا تخلو عن تهديد و تحذير،لأنّ فيه أمرا بخشية خاصّة دون الخشية العامّة الّتي تجب على المؤمن على كلّ تقدير و في جميع الأحوال،فلننظر في خصوصيّة هذه الخشية،و أنّه ما هو السّبب الموجب لوجوبها و الأمر بها؟

لا إشكال في أنّ الفقرتين،أعني قوله: اَلْيَوْمَ يَئِسَ، و قوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، في الآية مرتبطتان مسوقتان لغرض واحد،و قد تقدّم بيانه،فالدّين الّذي أكمله اللّه اليوم، و النّعمة الّتي أتمّها اليوم-و هما أمر واحد بحسب الحقيقة-هو الّذي كان يطمع فيه الكفّار و يخشاهم فيه المؤمنون،فأيأسهم اللّه منه و أكمله و أتمّه،و نهاهم عن أن يخشوهم فيه،فالّذي أمرهم بالخشية من نفسه فيه هو ذاك بعينه،و هو أن ينزع اللّه الدّين من أيديهم، و يسلبهم هذه النّعمة الموهوبة.

و قد بيّن اللّه سبحانه أن لا سبب لسلب النّعمة إلاّ الكفر بها،و هدّد الكفور أشدّ التّهديد،قال تعالى:

ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الأنفال:53، و قال تعالى: وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ البقرة:211،و ضرب مثلا كلّيّا لنعمه و ما يؤول إليه أمر الكفر بها،فقال:

وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذاقَهَا اللّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ النّحل:

112.

فالآية أعني قوله: اَلْيَوْمَ يَئِسَ -إلى قوله - دِيناً، تؤذن بأنّ دين المسلمين في أمن من جهة الكفّار،مصون من الخطر المتوجّه من قبلهم،و أنّه لا يتسرّب إليه شيء من طوارق الفساد و الهلاك إلاّ من قبل المسلمين أنفسهم،و أنّ ذلك إنّما يكون بكفرهم بهذه النّعمة التّامّة،و رفضهم هذا الدّين الكامل المرضيّ،و يومئذ يسلبهم اللّه نعمته و يغيّرها إلى النّقمة،و يذيقهم لباس الجوع و الخوف،و قد فعلوا و فعل.

و من أراد الوقوف على مبلغ صدق هذه الآية في ملحمتها المستفادة من قوله: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ فعليه أن يتأمّل فيما استقرّ عليه حال العالم الإسلاميّ اليوم،ثمّ يرجع القهقرى بتحليل الحوادث التّاريخيّة،حتّى تحصل على أصول القضايا

ص: 146

و أعراقها.

و لآيات الولاية في القرآن ارتباط تامّ بما في هذه الآية من التّحذير و الإيعاد،و لم يحذّر اللّه العباد عن نفسه في كتابه إلاّ في باب الولاية،فقال فيها مرّة بعد مرّة: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ آل عمران:28 و 30، و تعقيب هذا البحث أزيد من هذا خروج عن طور الكتاب.(5:177)

خشية

1- ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً... وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ.

..البقرة:74

الزّمخشريّ: الخشية مجاز على انقيادها لأمر اللّه تعالى،و أنّها لا تمتنع على ما يريد فيها،و قلوب هؤلاء لا تنقاد و لا تفعل ما أمرت به.(1:291)

الفخر الرّازيّ: أي خشية اللّه،أي ينزل بالتّخويف للعباد أو بما يوجب الخشية للّه،كما يقال:

نزل القرآن بتحريم،كذا و تحليل كذا،أي بإيجاب ذلك على النّاس.(3:130)

البيضاويّ: الخشية مجاز عن الانقياد.(1:64)

أبو حيّان :و خشية اللّه:خوفه.و اختلف المفسّرون في تفسير هذا،فذهب قوم إلى أنّ الخشية هنا حقيقة.و اختلف هؤلاء،فقال قوم:معناه:من خشية الحجارة للّه تعالى،فهي مصدر مضاف للمفعول،و أنّ اللّه تعالى جعل لهذه الأحجار الّتي تهبط من خشية اللّه تعالى،تمييزا قام لها مقام الفعل المودع فيمن يعقل.

و استدلّ على ذلك بأنّ اللّه تعالى وصف بعض الحجارة بالخشية،و بعضها بالإرادة،و وصف جميعها بالنّطق و التّحميد و التّقديس و التّأويب و التّصدّع، و كلّ هذه صفات لا تصدر إلاّ عن أهل التّمييز و المعرفة.قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ الحشر:21، وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44، يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ... سبأ:

10.

و في الحديث الصّحيح«إنّي لأعرف حجرا كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث»،و إنّه بعد مبعثه ما مرّ بحجر و لا مدر إلاّ سلّم عليه،و في الحجر الأسود:«إنّه يشهد لمن يستلمه»،و في الحديث:الحجر الّذي فرّ بثوب موسى عليه السّلام و صار يعدو خلفه و يقول:«ثوبي حجر ثوبي حجر»،و في الحديث عن أحد:«أنّ هذا جبل يحبّنا و نحبّه»،و في حديث حراء:«لمّا اهتزّ أسكن حراء»،و في حديث تسبيح صغار الحصى بكفّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قد دلّت هذه الجملة و أحاديث أخر على نطق الحيوانات و الجمادات،و انقياد الشّجر و غير ذلك، فلولا أنّه تعالى أودع فيها قوّة مميّزة،و صفة ناطقة، و حركة اختياريّة،لما صدر عنها شيء من ذلك،و لا حسن وصفها به.و إلى هذا ذهب مجاهد و ابن جريج و جماعة.

و قال قوم:الخشية هنا حقيقة،و هو مصدر أضيف إلى فاعل،و المراد بالحجر الّذي يهبط من خشية اللّه:

هو البرد،و المراد بخشية اللّه:إخافته عباده.فأطلق

ص: 147

الخشية و هو يريد الإخشاء،أي نزول البرد،به يخوّف اللّه عباده و يزجرهم عن الكفر و المعاصي.و هذا قول متكلّف و هو مخالف للظّاهر،و البرد ليس بحجارة و إن كان قد اشتدّ عند النّزول،فهو ماء في الحقيقة.

و قال قوم:الخشية هنا حقيقة،و هو مصدر مضاف للمفعول،و فاعله محذوف و هو العباد،و المعنى:أنّ من الحجارة ما ينزل بعضه عن بعض عند الزّلزلة،من خشية عباد اللّه إيّاه.و تحقيقه أنّه لمّا كان المقصود منها خشية اللّه تعالى،صارت تلك الخشية كالعلّة المؤثّرة في ذلك الهبوط،فكان المعنى لما يهبط من أجل أن يحصل لعباد اللّه تعالى.

و ذهب أبو مسلم إلى أنّ الخشية حقيقة،و أنّ الضّمير في قوله: وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ ،عائد على القلوب،و المعنى:أنّ من القلوب قلوبا تطمئنّ و تسكن و ترجع إلى اللّه تعالى.فكنّي بالهبوط عن هذا المعنى،و يريد بذلك:قلوب المخلصين.و هذا تأويل بعيد جدّا،لأنّه بدأ بقوله: وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ ثمّ قال: وَ إِنَّ مِنْها.

فظاهر الكلام التّقسيم للحجارة،و لا يعدل عن الظّاهر إلاّ بدليل واضح،و الهبوط لا يليق بالقلوب إنّما يليق بالحجارة.و ليس تاويل الهبوط بأولى من تأويل الخشية إن تأوّلناها،و قد أمكن في الوجوه الّتي تضمّنت حملها على الحقيقة،و إن كان بعض تلك الأقوال أقوى من بعض.

و ذهب بعضهم إلى أنّ الّذي يهبط من خشية اللّه هو الجبل الّذي كلّم اللّه عليه موسى عليه السّلام،إذ جعله دكّا، و ذهب قوم إلى أنّ الخشية هنا مجاز من مجاز الاستعارة،كما استعيرت الإرادة للجدار في قوله تعالى: يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ الكهف:77.[ثمّ استشهد بشعر](1:266)

الآلوسيّ: و الخشية:الخوف،و اختلف في المراد منها،فذهب قوم-و هو المرويّ عن مجاهد و غيره- أنّها هنا حقيقة،و هي مضافة إلى الاسم الكريم من إضافة المصدر إلى مفعوله،أي من خشية الحجارة اللّه.

و يجوز أن يخلق اللّه تعالى العقل و الحياة في الحجر، و اعتدال المزاج و البنية ليسا شرطا في ذلك،خلافا للمعتزلة،و ظواهر الآيات ناطقة بذلك.و في الصّحيح:«إنّي لأعرف حجرا كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث»،و أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم بعد مبعثه ما مرّ بحجر و لا مدر إلاّ سلّم عليه،و ورد في الحجر الأسود:«أنّه يشهد لمن استلمه»،و حديث تسبيح الحصى بكفّه الشّريف صلّى اللّه عليه و سلّم مشهور،و قيل:هي حقيقة،و الإضافة هي الإضافة إلاّ أنّ الفاعل محذوف هو العباد.

و المعنى:أنّ مِنَ الْحِجارَةِ ما ينزل بعضه عن بعض عند الزّلزال من خشية عباد اللّه تعالى إيّاه.

و تحقيقه:أنّه لمّا كان المقصود منها خشية اللّه تعالى، صارت تلك الخشية كالعلّة المؤثّرة في ذلك الهبوط، فيؤول المعنى:أنّه يهبط من أجل أن يحصل خشية لعباد اللّه تعالى.

و ذهب أبو مسلم إلى أنّ الخشية حقيقة،و أنّ الضّمير في مِنْها لَما يَهْبِطُ عائد على القلوب، و المعنى:أنّ من القلوب قلوبا تطمئنّ و تسكن و ترجع

ص: 148

إلى اللّه تعالى،و هي قلوب المخلصين،فكنّي عن ذلك بالهبوط.

و قيل:إنّها حقيقة إلاّ أنّ إضافتها من إضافة المصدر إلى الفاعل،و المراد بالحجر:البرد،و بخشيته تعالى:إخافته عباده بإنزاله.و هذا القول أبرد من الثّلج،و ما قبله أكثف من الحجر،و ما قبلهما بين بين.

و قال قوم:إنّ الخشية مجاز عن الانقياد لأمر اللّه تعالى،إطلاقا لاسم الملزوم على اللاّزم،و لا ينبغي أن تحمل على حقيقتها.

أمّا على القول بأنّ اعتدال المزاج و البنية شرط و ما ورد ممّا يقتضي خلافه،محمول على أنّ اللّه تعالى قرن ملائكته بتلك الجمادات،و منها هاتيك الأفعال، و نحو:«هذا جبل يحبّنا و نحبّه»على حذف مضاف، أي يحبّنا أهله و نحبّ أهله فظاهر.

و أمّا على القول بعدم الاشتراط،فلأنّ الهبوط و الخشية-على تقدير خلق العقل و الحياة-لا يصحّ أن يكون بيانا،لكون الحجارة في نفسها أقلّ قسوة- و هو المناسب للمقام-و الاعتراض بأنّ قلوبهم إنّما تمتنع عن الانقياد لأمر التّكليف بطريق القصد و الاختيار،و لا تمتنع عمّا يراد بها على طريق القسر و الإلجاء،كما في الحجارة،و على هذا لا يتمّ ما ذكر، فالأولى الحمل على الحقيقة.

أجيب عنه بأنّ المراد:أنّ قلوبهم أقسى من الحجارة،لقبولها التّأثّر الّذي يليق بها و خلقت لأجله، بخلاف قلوبهم،فإنّها تنبو عن التّأثّر الّذي يليق بها و خلقت له.

و الجواب بأنّ ما رأوه من الآيات ممّا يقسر القلب و يلجئه،فلما لم تتأثّر قلوبهم عن القاسرات الكثيرة، و يتأثّر الحجر من قاسر واحد تكون قلوبهم أَشَدُّ قَسْوَةً، لا يخلو عن نظر،لأنّه إن أريد بذلك المبالغة في الدّلالة على الصّدق فلا ينفع،و إن أريد به حقيقة الإلجاء فممنوع،و إلاّ لما تخلّف عنها التّأثّر و لما استحقّ من آمن بعد رؤيتها الثّواب،لكونه إيمانا اضطراريّا-و لم يقل به أحد-ثمّ الظّاهر على هذا تعلّق خشية اللّه بالأفعال الثّلاثة السّابقة.(1:297)

2- وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً. الإسراء:31

راجع:م ل ق:«إملاق».

3- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَ كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً

الإسراء:100

راجع:ن ف ق:«إنفاق».

4- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ.

المؤمنون:57

راجع:ش ف ق:«مشفقون».

خشيته

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. الأنبياء:28

ابن عبّاس: من هيبته.(270)

الطّبريّ: يقول:و هم من خوف اللّه و حذار عقابه

ص: 149

أن يحلّ بهم مشفقون.(9:18)

الطّوسيّ: يخافون من عقاب اللّه،من مواقعة المعاصي.(7:242)

الواحديّ: أي من خشيتهم منه،فأضيف المصدر إلى المفعول.(3:235)

مثله الطّبرسيّ(4:45)،و الفخر الرّازيّ(22:

160)،و البروسويّ(5:469).

الميبديّ: أي خائفون و من مكره لا يأمنون.قيل:

الخشية هنا بمعنى العلم،أي من العلم به مشفقون.

يقول:يخاف ممّا يعلمه.قال الواسطيّ:الخوف للجهّال، و الخشية للعلماء،و الرّهبة للأنبياء،و قد ذكر اللّه الملائكة،فقال: وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، و فيه دليل على أنّه سبحانه لو عذّبهم لكان ذلك جائزا،إذ لو لم يجز أن يعذّب البريء لكانوا لا يخافونه،لعلمهم اللّه أنّهم لم يرتكبوا زلّة.(6:229)

القرطبيّ: يعني من خوفه.(11:281)

البيضاويّ: عظمته و مهابته.(2:71)

أبو السّعود : مِنْ خَشْيَتِهِ عزّ و جلّ...و أصل الخشية:الخوف مع التّعظيم،و لذلك خصّ بها العلماء.

(4:333)

نحوه الكاشانيّ(3:337)

الآلوسيّ: أي بسبب خوف عذابه عزّ و جلّ مُشْفِقُونَ متوقّعون من أمارة ضعيفة،كائنون على حذر و رقبة لا يأمنون مكر اللّه تعالى.ف(من)تعليليّة، و الكلام على حذف مضاف،و قد يراد من خشيته تعالى ذلك،فلا حاجة إليه.

و قيل:يحتمل أن يكون المعنى أنّهم يخشون اللّه تعالى،و مع ذلك يحذرون من وقوع تقصير في خشيتهم.و على هذا تكون(من)صلة ل مُشْفِقُونَ و فرّق بين الخشية و الإشفاق،بأنّ الأوّل خوف مشوب بتعظيم و مهابة،و لذلك خصّ به العلماء، في قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28.

و الثّاني:خوف مع اعتناء،و يعدّى ب(من)كما يعدّى الخوف.و قد يعدّى ب«على»بملاحظة الحنو و العطف.

و زعم بعضهم أنّ الخشية هاهنا مجاز عن سببها، و أنّ المراد من الإشفاق:شدّة الخوف،أي و هم من مهابته تعالى شديد و الخوف.و الحقّ أنّه لا ضرورة لارتكاب المجاز.

و جوّز أن يكون المعنى:و هم خائفون من خوف عذابه تعالى،على أنّ(من)صلة لما بعدها،و إضافة (خشية)إلى المضاف المحذوف،من إضافة الصّفة إلى الموصوف،أي خائفون من العذاب المخوف.و لا يخفى ما فيه من التّكلّف المستغنى عنه.

ثمّ إنّ هذا الإشفاق صفة لهم دنيا و أخرى،كما يشعر به الجملة الاسميّة،و قد كثرت الأخبار الدّالّة على شدّة خوفهم،و من ذلك ما أخرج ابن أبي حاتم عن جابر،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«ليلة أسري بي مررت بجبريل عليه السّلام و هو بالملإ الأعلى ملقى كالحلس البالي من خشية اللّه تعالى».(17:33)

مكارم الشّيرازيّ: فهم لا يخشون من أن

ص: 150

يكونوا قد أذنبوا،بل يخافون من التّقصير في العبادة أو ترك الأولى.

و من بديع اللّغة العربيّة،أنّ الخشية من ناحية الأصل اللّغويّ لا تعني كلّ خوف،بل الخوف المقترن بالتّعظيم و الاحترام.

فبناء على هذا،فإنّ خوف الملائكة ليس كخوف الإنسان من حادثة مرعبة مخيفة،و كذلك إشفاقهم، فإنّه لا يشبه خوف الإنسان من موجود خطر،بل إنّ خوفهم و إشفاقهم ممزوجان بالاحترام،و العناية و التّوجّه،و المعرفة و الإحساس،بالمسئوليّة.

(10:136)

فضل اللّه :حيث يتمثّلون في أنفسهم الإحساس العميق بعبوديّتهم للّه،فيخشون أن يخطئوا في كلمة،أو حركة،أو علاقة،أو عاطفة،أو موقف،ممّا يمكن للّه أن يحاسبهم عليه،فهم في مواقع الحذر في مواقعهم من اللّه، لأنّهم لا يريدون لحياتهم أن تنفصل عن مواقع رحمته و رضاه.(15:213)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الخشية على ثلاثة أوجه:

أحدها:الخوف،كقوله: وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ البقرة:74،و قوله: وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:21،و قوله: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ المؤمنون:57، و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ الملك:

13.

و الثّاني:العالم (1)،كقوله: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً الكهف:80،.

و قوله: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر :28،و هذا على قراءة من رفع الهاء من(اللّه)،و هذه قراءة أبي حنيفة رحمه اللّه،و من نصب اَلْعُلَماءُ فيجعل الخشية بمعنى العلم.

و الثّالث:العبادة،كقوله: وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ التّوبة:18، وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى النّازعات:

19.(233)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخشية:الخوف،يقال:

خشي الرّجل يخشى خشية،أي خاف،و هو الخشاة.

يقال:فعلت ذلك خشاة أن يكون كذا،و خشيه يخشاه خشيا و خشية و خشاة و مخشاة و مخشية و خشيانا.

و تخشّاه:خافه،فهو خاش و خش و خشيان،و هي خشيا.و جمعهما:خشايا.

و خشّاه بالأمر تخشية:خوّفه،و خاشاني فخشيته أخشيه:كنت أشدّ منه خشية،و خاشيت فلانا:

تاركته،و هذا المكان أخشى من ذلك:أشدّ خوفا، و حمله على ذلك إلاّ خشي و خشي فلان:خوفه.

2-و الخشيّ: الحشيّ،أي اليابس العفن من النّبات-أو اللّحم-يقال:نبت خشيّ و حشيّ،أي

ص: 151


1- في الهامش:كذا بالكتاب و الصّحيح:العلم كما قال ابن عبّاس و ابن مسعود و مجاهد و غيرهم.

يابس عفن الأصل.و هو«فعيل»من«خ ش و»،لأنّ أصله«خشيو»،فلمّا اجتمعت الياء و الواو،و سبقت إحداهما بالسّكون،قلبت الواو ياء و شدّدتا.و قال ابن فارس:«و ممّا شذّ عن الباب و قد يمكن الجمع بينهما على بعد الخشو:التّمر الحشف،و قد خشت النّخلة تخشو خشوا،و الخشيّ من اللّحم (1)اليابس».

و لعلّ الخاء مبدلة من الحاء،يقال منه:حشي السّقاء حشى،أي صار له من اللّبن شبه الجلد من باطن فلصق بالجلد،فلا يعدم أن ينتن فيروح.

3-و يستعمل العامّة الفعل«اختشى»بمعنى خشي،و استعمله صاحب«محيط المحيط»أيضا،فقال في مادّة«ج ب ه»:«و العامّة تقول:أنجبه منه،أي اختشى»،و قال أيضا في«ح س ب»:«تحسب منه اختشي».

4-جاء في«معجم الأخطاء الشّائعة:78»:أنّهم يخطّئون من يقول:خشي من الفقر،و الصّواب خشي الفقر،و احتجّوا بقول عدّة من اللّغويّين-و سمّاهم- و بأنّ الفعل ورد متعدّيا في القرآن:35،مرّة،لكنّ «الأساس»قال:خشي اللّه و خشي منه.و قد أجازه بعضهم أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها الماضي 6 مرّات،و المضارع 29 مرّة، و الأمر 5 مرّات،و المصدر 8 مرّات،في 40 آية:

1-خشية اللّه

1- إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ يس:11

2- مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ق:33

3- ...رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ البيّنة:8

4- ...وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ...

الأحزاب:37

5- وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى النّازعات:19

6- ...فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً... المائدة:44

7- ...إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي... البقرة:150

8- يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ... لقمان:33

9- اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ... المائدة:3

10- وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً النّساء:9

11- وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللّهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ النّور:52

12- ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى* إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى طه:2 و 3

13- فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ

ص: 152


1- -في اللّسان و المجمل:«من الشّجر».

يَخْشى. طه:44

14- ...إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ...

فاطر:28

15- إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى

النّازعات:26

16- وَ أَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى* وَ هُوَ يَخْشى* فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّى عبس:8-10

17- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى* سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى الأعلى:10

18- ...فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً...

النّساء:77

19- اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً

الأحزاب:39

20- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ... التّوبة:18

21- ...وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ... البقرة:74

22- لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ... الحشر:21

23- وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:21

24- اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ الأنبياء:49

25- ...إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ...

فاطر:18

26- ...تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ... الزّمر:23

27- إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ الملك:12

28- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ

المؤمنون:57

29- إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها

النّازعات:45

30- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ... الإسراء:100

31- ...وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ الأنبياء:28

2-خشية ما سوى اللّه

32- ...ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ...

النّساء:25

33- ...إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ... طه:94

34- وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً الكهف:80

35- ...فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى طه:77

36- ...وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها... التّوبة:24

37- اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً... آل عمران:173

ص: 153

37- اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً... آل عمران:173

38- ...وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ التّوبة:13

39- وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً

الإسراء:31

40- فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا... المائدة:52

يلاحظ أوّلا:أنّ الخشية جاءت في ثلاثة محاور:

الأوّل:خشية اللّه:استعملت بألفاظ و أنماط مختلفة:

أ-خشية اللّه«بلفظ الجلالة»في خمس آيات:

(11)و(14)و(18)و(21)و(22):

دخلت على هذه الآيات أدوات مختلفة،أثّرت تأثيرا بيّنا في معانيها،فدخلت(من)الشّرطيّة الجازمة على(11): وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللّهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ، فجزمت فعل الشّرط يُطِعِ و ما عطف عليه من الأفعال،و منها يَخْشَ، فعلّق الفوز على طاعة اللّه و خشيته و تقواه جوابا للشّرط.

و دخلت(انّما)الّتي تفيد الحصر على(14): إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ، فحصر خشية العلماء اللّه استثناء من سائر العباد.

و دخلت(لمّا)الحرفيّة على(18): فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ، و جوابها(اذا)الفجائيّة على الأصحّ.

و دخلت(انّ)التّوكيديّة على(21): وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ، فأكّدت الهبوط من خشية اللّه،و قوّى باللاّم الدّاخلة على(ما)الموصولة.

و دخلت(لو)على(22): لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ...، و هذا على معنى الامتناع،يوصف فيه قسوة قلب الكافر.

ب-خشية اللّه«بالاستثناء»في آيتين:(19):

وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ، و(20):

وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ.

و الفرق بينهما:أنّه قد ورد الاستثناء في(19)منفيّا تامّا،و في(20)مفرّغا،فلما ذا ذكر المستثنى منه في الأولى و فرّغ في الثّانية؟

و الجواب:أنّ الفائدة من ذكره-و اللّه أعلم- لتأكيد الانقطاع إلى اللّه و الشّدّة في خشيته،و عدم المبالاة بمن سواه من الملوك و الجبابرة.فجاءت «الخشية من اللّه»في هذه الآية مرّتين دون سائر الآيات،لتوثيق هذا المعنى.و يدلّ الفعلان فيهما:

(يخشونه)و(يخشون)على دوام خشيته تعالى ما دامت رسالاته،لأنّ هذه الآية وصف للأنبياء و الرّسل.

ج-خشية اللّه(بالتّقدير)في 13 آية:(4)-(7) و(9)-(11)و(13)و(14)و(16)-(18)و(31)، و فيها بحوث:

1-جاءت الخشية في هذه الآيات أفعالا،إلاّ الآية:(31)،فجاءت فيها مصدرا: وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ.

ص: 154

1-جاءت الخشية في هذه الآيات أفعالا،إلاّ الآية:(31)،فجاءت فيها مصدرا: وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ.

2-و بعض هذه الأفعال متّصلة بضمير المفعول، و بعضها مجرّدة منه:

فالمتّصلة به خمس:و هي(4): وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ، و(6): فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ، و(7): فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي، و(9):

فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ و(38): أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ.

و المجرّدة من الضّمير سبع:و هي(5): وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى، و(10): وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً، و(12): إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى، و(13): لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ، و(15): إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى، و(16):

وَ أَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى* وَ هُوَ يَخْشى، و(17):

سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى.

3-أنّ الأفعال المتّصلة بالضّمير كلّها مدنيّة، و يسبقها فعل آخر للخشية أيضا،يعود على لفظ (الناس)أو غيره.

و الأفعال غير المتّصلة به كلّها مكّيّة إلاّ(10)، فهي مدنيّة.

د-خشية اللّه«بلفظ الرّحمن»في آيتين(1):

وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ، و(2): مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ، و فيهما بحثان:

1-جعل مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ في(1) ممّن يشمله إنذار النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ. فمن هو الّذي خشي الرّحمن بالغيب؟

و الجواب:لا شكّ أنّه المتّقي و الأوّاب الحفيظ،كما جاء ذلك في(2)و ما قبلها: وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ، لأنّ(من) بدل من(لكل،)و(لكل)بدل من(للمتقين).

2-كما أنّ الأجر الكريم المذكور في(1): وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ هو الجنّة المذكورة قبل(2)تصريحا: وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، و المذكورة بعدها تلويحا: اُدْخُلُوها بِسَلامٍ. و ليس بمستبعد أنّ المذكور في(1): مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ هو الّذي وصف حاله يوم القيامة في(2):

وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ.

ه-خشية اللّه«بلفظ الرّبّ»في سبع آيات:(3) و(23)-(28):

و الفرق بينها أنّ بعض هذه الآيات بيّن عاقبة من خشي ربّه،و هي:

الفوز بالجنّة و رضى اللّه في(3): جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ.

و حيازة المغفرة و الأجر الكبير في(27): إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ.

و المسارعة في الخيرات و السّبق إليها في(28):

إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ*... أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ هُمْ لَها سابِقُونَ.

و بيّن بعض آخر منها صفات من خشي ربّه،

ص: 155

و هي:

اللّبابة في(23): ...إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ* اَلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ...* وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.

و التّقوى في(24): وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ* اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ.

و لياقة الإنذار في(25): إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ.

و قشعريرة الجلود من القرآن و ليونتها و لين القلوب في(26): تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللّهِ.

و-نسبة الخشية إلى اللّه مجازا في(34): فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً و فيها بحث:

ذهب بعض إلى أنّ قوله: فَخَشِينا من قول الخضر،و الباعث على هذا أنّه وقع في سياق كلام الخضر عليه السّلام،فحسبه من كلامه.

و الأصحّ أنّه من كلام اللّه تعالى،لأنّ موسى عليه السّلام خاطب صاحبه بالإفراد،و صاحبه تكلّم بالإفراد أيضا،من أوّل الحكاية إلى آخرها-أي الآيات 60-82،من سورة الكهف،كما أنّ الفعلين في قوله: فَخَشِينا و فَأَرَدْنا فعلان غير علاجيين -و هو الفعل الّذي لا يحتاج إليه في الكلام كالعلم و الظّنّ-و هما من أفعال الخالق،كقوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ النّحل:40

و أمّا الأفعال الّتي قام بها الخضر عليه السّلام،و هي أفعال علاجيّة،قام بها تنفيذا لأمر اللّه،و ذلك قوله:

وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي الكهف:82.

المحور الثّاني:خشية مخلوقات اللّه

و هي أصناف أيضا:

أ-خشية النّاس في سبع آيات،و هي:(4)و(6) و(7)و(9)و(18)و(37)و(38)،و فيها بحوث:

1-نهى اللّه تعالى المؤمنين عن الخشية في هذه الآيات،و أراد ب(الناس)لفظا أو تقديرا الكافرين، إلاّ في آيتين:

(4): وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ، فقد خاطب النّبيّ و خصّه بها،و أراد ب(الناس)فيها:

المؤمنين و غيرهم.

و(6): فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ، فالخطاب فيها لعلماء اليهود على قول-و هو الظّاهر من السّياق-و عليه فإنّ المعنيّ ب(الناس)فيها:اليهود.

2-إنّ هذه الآيات كلّها مدنيّة،و هي تنحى باللّوم على من يخشى النّاس،ففي(4)عتاب للنّبيّ لخشية النّاس،و في(6)نهي لعلماء اليهود أو المسلمين عن ذلك.

و في(9)نهي للمسلمين أيضا،و في(18)تعريض لجماعة من المسلمين للذّمّ،و في(37)مدح للمسلمين على عدم خشية النّاس،و في(38)إنكار على المسلمين لخشيتهم الكافرين.

3-فهل يعني ذلك أنّ خشية النّاس كانت سائغة للمسلمين في مكّة لعدم نهي عنها في المكّيّات،بل فيها ترغيب إلى خشية اللّه في أكثرها،أو خشية يوم القيامة

ص: 156

أو السّاعة كما يأتي.

ب-خشية ملامة موسى لأخيه هارون في(33):

إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ :

و قد استعملت«الخشية»هنا مجازا؛إذ لاحظ هارون حال أخيه موسى،و كان غضوبا،فألان له الكلام و خاطبه بلفظ الأمومة: يَا بْنَ أُمَّ، و أظهر طاعته له،و بيّن سطوته عليه: إِنِّي خَشِيتُ، و مجازه«ظننت»أو«حسبت».و قديما قيل:«إذا غضب الكريم فألن له الكلام،و إذا غضب اللّئيم فجرّد له العصا».

ج-خشية يوم القيامة أو السّاعة في آيتين(8):

وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ، و(29):

إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها، و فيهما بحثان:

1-الفرق بينهما أنّه ذكر يوم القيامة في(8)بلفظ يَوْماً، و وصف بأنّه لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ، و مجيء الخشية فعل أمر للحثّ على خشية هذا اليوم.

و ذكر في(29)بلفظ(السّاعة)،و نسبت الخشية إلى الضّمير«ها»العائد على السّاعة،و فيها تصريح بخشية المؤمن ليوم القيامة.

2-و قرن يوم القيامة بالعذاب في الخوف دون الخشية،نحو قوله: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ الأعراف:59،و هذا يعضد قول من قال:

الخشية أشدّ من الخوف،لاقتران الخوف بالعذاب، و عدم اقتران الخشية به،لأنّها تتضمّن معناه.

المحور الثّالث:خشية أمور وهميّة،و هي أصناف:

أ-خشية الإنفاق في(30): إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ.

إن قيل:أ فلا اكتفى بالإمساك دون الإنفاق،لأنّهما ضدّان،فيعلم الثّاني بذكر الأوّل فقط،و التّقدير:إذا لأمسكتم خشية؟

يقال:إنّ الخشية أضيفت إلى الإنفاق لتعريفها و بيان معناها،و لو لا الإنفاق لظلّت نكرة مبهمة،و هذا من خصائص الإضافة المحضة.

ب-العنت في(32): ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ :جاءت بعد تجويز نكاح الفتيات المؤمنات، فخصّ نكاحهنّ بمن خشي العنت.

و العنت:الجهد و الشّدّة،و فسّره أغلب المفسّرين في هذه الآية بالزّنى،و الخطاب فيها للمؤمنين خاصّة، فخشيتهم الزّنى وهم منهم،لأنّ اللّه عصمهم منه ما داموا مؤمنين،و في الحديث:«لا يزني الزّاني و هو مؤمن»، أي لا يزني و هو كامل الإيمان.

ج-خشية الدّرك في(35): لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى و تمامها: وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى.

يشير اجتماع الخوف و الخشية هنا إلى الفرق بينهما،و لعلّ أقرب ما ذكر في ذلك أنّ الأوّل فيما ظهرت أسبابه،و الثّاني فيما لم تظهر أسبابه.فخاطب اللّه موسى بأن لا يخاف فرعون من ورائه،و لا يخشى البحر من أمامه،لأنّ البحر هيبة و عظمة في عين من ينظر إليه،فيخافه خوفا مشوبا بالتّعظيم.و هذا معنى الخشية،كما ذهب إليه الرّاغب،لاحظ:«خ و ف»،

ص: 157

و«د ر ك».

د-خشية كساد التّجارة في(36): وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها :و تمامها: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ.

خيّر اللّه المؤمنين بين حبّ الدّنيا و أسبابها،و بين حبّه و حبّ رسوله و الجهاد في سبيله،و قرن حبّه و حبّ رسوله بالجهاد،و هو أشدّ ما فرضه عليهم.

و جعل قباله دعامتين خطيرتين في المجتمع المكّيّ و المدنيّ،و هما:الدّعامة الاجتماعيّة الّتي تشمل الآباء و الأبناء و الإخوان و الأزواج و العشيرة.

و الدّعامة الاقتصاديّة الّتي تشمل الأموال و التّجارة و المساكن،و هذا أحبّ شيء إلى الإنسان في الدّنيا.

ه-خشية الإملاق في(39): وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ.

ذكر النّهي و علّته هنا،لأنّ(خشية)مفعول لأجله ل(لا تقتلوا،)فهو يفيد علّة القتل.و تلته علّتان أخريان أيضا:الأولى: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّاكُمْ و الثّانية: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً، فما وجه توالي العلل

و جوابه:أنّ هذه الآية و الآيات الّتي سبقتها و الّتي تلتها-من الآية 22: لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ... إلى 39: وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ جاءت بدء و ختاما بالنّهي عن الشّرك بلفظ واحد خطابا إلى النّبيّ عليه السّلام-في بدء الدّعوة الإسلاميّة بمكّة،و تحتوي تكاليف مكّيّة:عقائديّة،و أخلاقيّة،و تشريعيّة.

و يؤيّده ما نقله أبو حيّان عن الضّحّاك:«هذه أوّل ما نزل من القرآن في شأن القتل».فهذه العلل بيان لحكمة حرمة قتل الأولاد،و تأكيدها.

و-خشية إصابة الدّائرة في(40): يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ، و تمامها: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ.

وصف اللّه فيها حال المنافقين،فهم يتولّون اليهود و النّصارى عند الشّدّة،و يخافون مستقبل الأيّام و مستأنف الزّمان،و هذا نظير ما جاء في(18): فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً. و أمّا المؤمنون فوليّهم اللّه يقولون: أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ الأعراف:155،و لا يخشون أحدا إلاّ اللّه لقوّة إيمانهم،كما في(37): اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً.

ثانيا:ملاحظات حول الآيات:

أ-جاءت الخشية مع الخوف في ثلاث آيات:

(10): وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً

(23): وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ

(35): فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى، و فيها بحوث:

ص: 158

(35): فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى، و فيها بحوث:

1-الظّاهر أنّ متعلّق الخوف و الخشية فيها مختلف:

ففي الأولى،متعلّق الخشية(اللّه)تعالى،كما يدلّ عليه ما بعده: فَلْيَتَّقُوا اللّهَ، و متعلّق الخوف الذّرّيّة؛ حيث قال: خافُوا عَلَيْهِمْ.

و في الثّانية متعلّق الخشية رَبَّهُمْ و متعلّق الخوف سُوءُ الْحِسابِ.

و في الثّالثة متعلّق الخوف دَرَكاً و متعلّق الخشية اَلْبَحْرِ. قال الطّبرسيّ(ج 4:23):«أي لا تخاف أن يدركك فرعون من خلفك،و لا تخشى من البحر غرقا...»،فالظّاهر اختلافهما معنى،أو ترادفا تأكيدا.

2-على الرّغم من تصريح كثير من اللّغويّين و المفسّرين بعدم الفرق بين الخوف و الخشية،حيث فسّروا أحدهما بالآخر،فقد فرّق كثير منهم بينهما بأنحاء مختلفة:

فقال الطّبريّ: «الخشية و الخوف توجّههما العرب إلى معنى الظّنّ،و توجّه هذه الحروف إلى معنى العلم بالشّيء الّذي يدرك من غير جهة الحسن و العيان».

و قال أبو هلال:«الفرق بين الخوف و الخشية:أنّ الخوف يتعلّق بالمكروه،و ترك المعروف...و الخشية تتعلّق بمنزلة المكروه،و لا يسمّى الخوف من نفس المكروه خشية،و لهذا قال سبحانه: وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ» .

و قال الماورديّ: «و الفرق بين الخشية و الخوف:

أنّ الخوف فيما ظهرت أسبابه،و الخشية فيما لم تظهر أسبابه».

و قال القشيريّ: «و يقال:الخشية ألطف من الخوف،و كأنّها قريبة من الهيبة».

و قال الطّوسيّ: «الخشية:انزعاج النّفس لتوقّع ما لا يؤمن من الضّرر»،و قال أيضا:«الخشية:ظنّ لحوق المضرّة.و مثلها المخافة...»،و قال:«الخشية:

انزعاج القلب عند ذكر السّيّئة و داعي الشّهوة،حتّى يكون في أعظم حال،من طلبه سبع يفترسه...».

و قال الرّاغب-و مثله البروسويّ و الفيروزآباديّ: «الخشية:خوف يشوبه تعظيم،و أكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه،و لذلك خصّ العلماء بها في(14): إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» .

و حكى الجزائريّ عن المحقّق الطّوسيّ ما حاصله:

أنّ الخشية و الخوف-و إن كانا في اللّغة بمعنى واحد- إلاّ أنّ بين خوف اللّه و خشيته في عرف أرباب القلوب فرقا:و هو أنّ الخوف:تألّم النّفس من العقاب المتوقّع بسبب ارتكاب المنهيّات و التّقصير في الطّاعات،و هو يحصل لأكثر الخلق،و إن كانت مراتبه متفاوتة جدّا، و المرتبة العلياء منه لا تحصل إلاّ للقليل.

و الخشية:حالة تحصل عند الشّعور بعظمة الخالق و هيبته،و خوف الحجب عنه،و هذه حالة لا تحصل إلاّ لمن اطّلع على حال الكبرياء،و ذاق لذّة القرب، و لذا قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ...، فالخشية:

خوف خاصّ،و قد يطلقون عليها الخوف.

و قال الفخر الرّازيّ: «الخشية و الخوف معناهما

ص: 159

واحد عند أهل اللّغة،لكن بينهما فرق،و هو أنّ الخشية من عظمة المخشيّ،و ذلك لأنّ تركيب حروف «خ ش ي»في تواليها يلزمه معنى الهيبة...و الخوف خشية من خوف الخاشي،و ذلك لأنّ تركيب«خ و ف»في تقاليبها يدلّ على الضّعف،تدلّ عليه الخيفة و الخفية،و لو لا معناهما لما ورد في القرآن: تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً الأنعام:63، تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً الأعراف:

205.و المخفيّ فيه ضعف كالخائف.

إذا علمت هذا تبيّن لك اللّطيفة،و هي أنّ اللّه تعالى في كثير من المواضع ذكر لفظ«الخشية»حيث كان الخوف من عظمة المخشيّ،قال: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [و ذكر آيات أخرى إلى أن قال:]

و حاصل الكلام أنّك إذا تأمّلت استعمال الخشية وجدتها مستعملة لخوف بسبب عظمة المخشيّ،و إذا نظرت إلى استعمال الخوف،وجدته مستعملا لخشية من ضعف الخائف-و هذا في الأكثر-و ربّما يتخلّف المدّعى عنه لكن الكثرة كافية»

و قال أيضا في(3): ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ :

«و لعلّ الخشية أشدّ من الخوف،لأنّه تعالى ذكره في صفات الملائكة مقرونا بالإشفاق الّذي هو أشدّ من الخوف،فقال(31): وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ و الكلام في الخوف و الخشية مشهور».

و قال الفيروزآباديّ: «الخشية و الخوف و الوجل و الرّهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة:

فالخوف:توقّع العقوبة على مجاري الأنفاس- قاله جنيد-و قيل:اضطراب القلب و حركته من تذكّره المخوف.و قيل:الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره.

و الخشية:أخصّ من الخوف،فإنّ الخشية للعلماء باللّه تعالى-كما تقدّم-فهي خوف مقرون بمعرفة.قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّي أتقاكم للّه،و أشدّكم خشية».

فالخوف حركة،و الخشية انجماع و انقباض و سكون،فإنّ الّذي يرى العدوّ و السّيل و نحو ذلك له حالتان:إحداهما حركة الهرب منه،و هي حالة الخوف.و الثّانية سكونه و قراره في مكان لا يصل إليه، و هي الخشية.[و ذكر الفرق بين الخوف و الرّهبة و غيرها ثمّ قال:]-

فالخوف لعامّة المؤمنين،و الخشية للعلماء العارفين،و الهيبة للمحبّين،و الوجل للمقرّبين،و على قدر العلم و المعرفة يكون الخشية،كما قال النّبىّ صلّى اللّه عليه و آله:

«إنّي لأعلمكم باللّه و أشدّكم خشية»-و ذكر حديثا آخر و قال:-فصاحب الخوف يلتجئ إلى الهرب و الإمساك،و صاحب الخشية إلى الاعتصام بالعلم...».

و قد حكى الميبديّ عن الواسطيّ أنّه قال:«الخوف للجهّال و الخشية للعلماء،و الرّهبة للأنبياء».و حكى البروسويّ عنه أيضا أنّه قال:«الخشية أرقّ من الخوف،لأنّ الخوف للعامّة من العقوبة و الخشية من نيران اللّه-في الطّبع-فيها نظافة الباطن للعلماء،و من رزق الخشية لم يعدم الإنابة،و من رزق الإنابة لم يعدم التّفويض و التّسليم،و من رزق التّفويض و التّسليم لم يعدم الصّبر على المكاره،و من رزق الصّبر على

ص: 160

المكاره لم يعدم الرّضى».

و حكى أيضا عن بعضهم:«أوائل العلم الخشية، ثمّ الإجلال،ثمّ الهيبة،ثمّ الفناء».و عن بعضهم:

«الخشية من الرّحمن خشية الفراق،و من الجبّار و القهّار خشية العقوبة».

و قال المراغيّ: «الخشية خوف مقرون بالتّعظيم و العلم بمن تخشاه،و من ثمّ خصّ اللّه بها العلماء بدينه و شرائعه،و العالمين بجلاله و جبروته في إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ و المراد أنّهم يخشون ربّهم و يخافونه خوف مهابة و إجلال».

و قال شوقي ضيف:«و الخشية خوف يشوبه تعظيم،و هي فوق الخوف و الرّجاء.أمّا الخوف:فتوقّع العقاب عند استشعاره المكروه.و الرّجاء:تعلّق بشيء يؤمل حصوله أو دوامه.أمّا الخشية فوجل رهبة مقرونة بالتّعظيم و الإجلال،و لذلك جعل اللّه الاتّعاظ في الآية(17): سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى إنّما يبلغ تأثيره المبلغ القويّ فيمن يستشعرون خشيته،لا من يستشعرون الخوف منه و الرّجاء...».

و قال مجمع اللّغة:«الخشية:الخوف مع تعظيم المخوف،أو الشّعور بخطره».

و قال الطّباطبائيّ: «الظّاهر أنّ الفرق بين الخشية و الخوف:أنّ الخشية:تأثّر القلب من إقبال الشّرّ،أو ما في حكمه.و الخوف:هو التّأثّر عملا بمعنى الإقدام على تهيئة ما يبقى به المحذور و إن لم يتأثّر القلب،و لذا قال سبحانه في صفة أنبيائه(19): وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ فنفى عنهم الخشية عن غيره،و قد أثبت الخوف لهم عن غيره في مواضع من كلامه،كقوله: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى طه:67،و قوله: وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً الأنفال:58.و لعلّ إليه يرجع ما ذكره الرّاغب في الفرق بينهما:«إنّ الخشية خوف يشوبه تعظيم،و أكثر ما يكون ذلك عن علم...»و كذا قول بعضهم:«إنّ الخشية أشدّ الخوف،لأنّها مأخوذة من قولهم:شجرة خبيثة:أي يابسة.و كذا قول بعضهم:

إنّ الخوف يتعلّق بالمكروه و بمنزله...».

3-هذه معظم كلماتهم في الفرق بين الخشية و الخوف في تفسير الآيات،و لا سيّما فيما جاءت في خشية اللّه،مع أنّ بعض هؤلاء المفرّقين أيضا قد صرّح بعدم الفرق بينهما لغة.فالظّاهر أنّهم تفرّسوا الفرق بينهما من خلال الآيات،و ما فيها من اللّطائف،و لهذا أطالوا الكلام في ناحية فروقهما الأخلاقيّة و العرفانيّة،و في مراتب خشية اللّه،و آثارها، و ما يترتّب عليها من الأحوال طيّ السّلوك إلى اللّه تعالى،فلاحظ.

ب-و جاءت الخشية مع الإشفاق في ثلاث آيات أيضا:

(24): اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ.

و(28) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ.

و(31) وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، و فيها بحوث:

1-جاءت الأولى وصفا للمتّقين،و قبلها: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ

ص: 161

،ثمّ قال: اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ....

فالموصوفون بوصف الخشية و الإشفاق معا،هم النّخبة من المؤمنين المتّصفين ب(المتّقين)،و«المسارعين في الخيرات و السّابقين لها»رديفا للملائكة الّذين يشفعون لمن ارتضى،فكأنّ هؤلاء ارتقوا إلى صفّ الملائكة،فطوبى لهم ثمّ طوبى لهم.

و جاءت الثّانية في طليعة أوصاف السّابقين في الخيرات في أربع آيات(57-61)من سورة «المؤمنون»بدء بهذه الآية و ختما ب أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ هُمْ لَها سابِقُونَ، و ذلك في قبال من وصفوا في آية قبلها ب أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ.

و جاءت الثّالثة وصفا للملائكة-ردّا لزعم المشركين أنّ الملائكة بنات اللّه و أولاده و أنّهم آلهة-في أربع آيات من سورة الأنبياء 26-29،و هي: وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ* يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ* وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ.

2-تعلّقت الخشية في الأولى ب(ربّهم)،و الإشفاق فيها من(السّاعة)،فمتعلّقهما مختلف،في حال أنّ الإشفاق في الأخيرتين من خشية اللّه،و معناه-كما يأتي-الرّقّة من خشيته.

3-قال أبو هلال:«الفرق بين الخشية و الشّفقة:

أنّ الشّفقة ضرب من الرّقّة و ضعف القلب ينال الإنسان،و من ثمّ يقال للأمّ:إنّها تشفق على ولدها، أي ترقّ له،و ليست هي من الخشية و الخوف في شيء،و الشّاهد قوله تعالى(28): إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ و لو كانت الخشية هي الشّفقة لما حسن أن يقول:ذلك،كما لا يحسن أن يقول:

يخشون من خشية ربّهم...».

و قال الرّاغب(263):«الإشفاق عناية مختلطة بخوف،لأنّ المشفق يحبّ المشفق عليه و يخاف ما يلحقه،قال(24): وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ، فإذا عديّ ب«من»فمعنى الخوف فيه أظهر،و إذا عديّ ب«في»فمعنى العناية فيه أظهر،قال: إِنّا كُنّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ الطّور:26،و أشار إلى آيات أخرى.

و يبدو أنّ قول الرّاغب أقرب و أدقّ.

4-و مع الاعتراف بالفرق بين الخشية و الإشفاق بنحو ممّا ذكراه استنباطا من الآيات،فلو كان الإشفاق في الأخيرتين بمعنى«الرّقّة»ففي الأولى هي طور من الخوف يغاير الخشية من اللّه تعالى،و لهذا عبّر فيها عن خوف اللّه بالخشية،و عن خوف السّاعة بالإشفاق، و قال: اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ فرقا بينهما بتعدّي الخشية بنفسها،و تعدّي الإشفاق ب«من».

5-قال الميبديّ في الأخيرة: وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ :«قيل:الخشية بمعنى العلم،أي من العلم به مشفقون،يقول:يخاف ممّا يعلمه...و قد ذكر اللّه-فيها- الملائكة».و الظّاهر أنّ مراد هذا القائل أنّ الخشية

ص: 162

جاءت مع علمهم باللّه،مع أنّهم صرّحوا بأنّ الخشية تأتي مع الظّنّ أيضا.

و فسّر الآلوسيّ(مشفقون)فيها ب«متوقّعون من أمارة ضعيفة كائنون على حذر و رقبة لا يؤمنون مكر اللّه تعالى.و قال:(من)تعليليّة،و الكلام على حذف مضاف،و قد يراد من خشيته تعالى ذلك، فلا حاجة إليه».

و قال أيضا:«و فرّق بين الخشية و الإشفاق،بأنّ الأوّل خوف مشوب بتعظيم و مهابة،و لذلك خصّ به العلماء في(14): إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ.

و الثّاني خوف مع اعتناء يعدّى ب(من)كما يعدّى الخوف،و قد يعدّى ب(على)بملاحظة الخوف و العطف.

و زعم بعضهم أنّ الخشية هاهنا مجاز عن سببها، و أنّ المراد من الإشفاق:شدّة الخوف،أي و هم من مهابته تعالى شديد الخوف.و الحقّ أنّه لا ضرورة لارتكاب المجاز.و جوّز أن يكون المعنى:و هم خائفون من خوف عذابه تعالى،على أنّ(من)صلة لما بعدها.

و إضافة(خشية)إلى المضاف المحذوف،من إضافة الصّفة إلى الموصوف،أي خائفون من العذاب المخوف.

و لا يخفى ما فيه من التّكلّف المستغنى عنه...».

و قال مكارم الشّيرازيّ فيها:«إنّ خوف الملائكة ليس كخوف الإنسان من حادثة مرعبة مخيفة، و كذلك إشفاقهم فإنّه لا يشبه خوف الإنسان من موجود خطر،بل إنّ خوفهم و إشفاقهم ممزوجان بالاحترام و العناية و التّوجّه و الإحساس بالمسئوليّة».

و قال فضل اللّه:«حيث يتمثّلون في أنفسهم الإحساس العميق بعبوديّتهم،فيخشون أن يخطئوا في كلمة أو حركة،أو علاقة،أو عاطفة،أو موقف،كما يمكن للّه أن يحاسبهم عليه...».لاحظ ش ف ق:

«مشفقون».

ج-جاءت الخشية مع التّقوى في ثلاث آيات أيضا:

(8): يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ

و(10): وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً

و(11): وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللّهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ و فيها بحوث:

1-قد تعلّقت التّقوى فيها جميعا باللّه تعالى،أمّا الخشية فتعلّقت في الأخيرة باللّه تعالى أيضا،فالخشية فيها-حسب قولهم-مشوبة بالتّعظيم.و في الأولى تعلّقت ب«يوم القيامة»،و في الثّانية تعلّقت-حسب السّياق-بحال الذّرّيّة الضّعاف،و ليس فيهما شوب التّعظيم بل مجرّد الخوف من المكروه.

لكنّ الزّمخشريّ-و نحوه أبو السّعود-قال مردّدا:«فأمروا أن يخشوا ربّهم أو يخشوا على أولاد المريض».

و قال ابن عطيّة:«و مفعول(يخشى)محذوف، لدلالة الكلام عليه.و حسن حذفه من حيث يتقدّر

ص: 163

فيه التّخويف باللّه تعالى،و التّخويف بالعاقبة في الدّنيا، فلينظر كلّ متأوّل بحسب الأهمّ في نفسه».

و قال رشيد رضا:«ليكن من أهل الخشية، أو ليخش العاقبة،أو اللّه...».

و قال ابن عاشور:«ابتدأت الموعظة بالأمر بخشية اللّه تعالى أي خشية عذابه-إلى أن قال:-و الأظهر أنّ مفعول(يخش)حذف لتذهب نفس السّامع في تقديره كلّ مذهب محتمل،فينظر كلّ سامع بحسب الأهمّ عنده ممّا يخشاه أن يصيب ذرّيّته».و الكلّ محتمل.

2-و التّقوى-كما يأتي-من جملة النّظائر للخشية في القرآن،و إن كان بينهما فرق ظاهر.فقد جاء في«الفروق اللّغويّة»ص:(203):«أنّ في الاتّقاء معنى الاحتراس ممّا يخاف،و ليس ذلك في الخشية.».

مع أنّ في عرف القرآن خاصّ باللّه تعالى،و هي طاعته فيما أمر به و نهى.لاحظ«و ق ي».

3-و قد جاءت الخشية فيها جميعا مع التّقوى، و في الثّانية بإضافة الخوف و القول السّديد،و في الثّالثة بإضافة إطاعة اللّه و رسوله،و لكلّ منها سرّ يعرف من السّياق.

د-و جاءت الخشية أيضا مع الذّكرى،و الإنذار، و الهداية،و التّبليغ،و العبرة،و الخشوع و الهبوط.

أمّا الذّكرى ففي أربع آيات:

1-: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ

و 12-: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى* إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى

و 17-: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى* سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى

و 13-: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى و فيها بحوث:

1-أنّها جميعا مكّيّة،متناسقة لأوضاع بدء الوحي،فالثّلاث الأولى خاصّة بدعوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و الأخيرة بدعوة موسى و هارون عليهما السّلام.

2-الفرق بينها أنّه جاء في الأولى اتّباع الذّكر، و في الثّالثة نفع الذّكرى،فهناك فرق بينهما في المضاف:

«الاتّباع و النّفع»و الأوّل سبب للثّاني،فمن اتّبع الذّكر ينفعه،و فرق في المضاف إليه:«الذّكر و الذّكرى» و الذّكر في الأولى يحتمل المصدر أو الاسم،و هو القرآن،فقد جاء الذّكر في القرآن اسما له مرّات،لاحظ:

ذ ك ر:«الذّكر».

أمّا الذّكرى فمصدر ليس إلاّ،لكنّ الظّاهر أنّ المراد بها،الذّكرى بالقرآن أيضا،أي فذكّر بالقرآن إن نفعت الذّكرى به.

أمّا الثّانية فجاء فيها تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى، و في الرّابعة: يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى، فالتّذكرة مصدر كالتّذكير،و ل(يتذكر)انفعال له.فالفرق بينهما بالفعل و الانفعال،و الأوّل سبب للثّاني أيضا- كالاتّباع و النّفع تماما-و الثّانية جاءت بشأن القرآن أيضا،فثلاث منها تنبيه على شأن مهمّ للقرآن،و هو التّذكير و التّذكّر به للمشركين خاصّة و للنّاس عامّة، و خصّت الرّابعة-كما سبق-بتذكّر فرعون بقول موسى و هارون عليهما السّلام.

ص: 164

و فرق آخر بينها أنّ«التّذكّر»في الأوليين ظهر بمظهر اليقين لمن يخشى،أمّا في الأخيرتين فمرجوّ، أو مشروط ب لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ و إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى.

و هذا الفرق ناشئ عن مراتب الخشية.

و فرق ثالث بينها أنّه قد تكرّر«الذّكر فعلا و مصدرا»في الثّالثة ثلاثا:(فذكّر،الذّكرى،سيذّكّر)، مبالغة و تأكيدا،و لم يتكرّر في غيرها،كما لم تتكرّر الخشية،بل توحّدت فيها جميعا،مع تفاوت بينها؛حيث جاءت في الأولى فعلا ماضيا مقيّدا بالرّحمة و الغيب تسجيلا و إرجاء: وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ، و في غيرها فعلا مضارعا مطلقا تعظيما أو تهويلا:(يخشى) أي يخشى اللّه،أو يخشى عقابه.

3-هذه الآيات متّفقة تصريحا أو تلويحا على أنّ «التّذكير»إنّما ينفع من يخشى اللّه تعالى،فالخشية شرط الانتفاع بالذّكر،فمن لا يخشى لا ينتفع به،و لهذا جاءت الخشية في الأولى عطفا على اتّباع الذّكر: مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ، و في الثّانية متعلّقا للتّذكرة: إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى، و في الثّالثة فاعلا للتّذكرة سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى، و في الرّابعة عطفا ب(او)على التّذكّر: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى.

و نعم ما قال قتادة في سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى :«ما خشي اللّه عبد قطّ إلاّ ذكره»،و قال فيها الماورديّ:

«قد يتذكّر من يرجوه،إلاّ أنّ تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الرّاجي،فلذلك علّتها في سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى، بالخشية دون الرّجاء».

و للفخر الرّازيّ فيها بحث ظريف فراجع.

و قال أبو حيّان:«أي لا يتذكّر بذكراك إلاّ من يخاف،فإنّ الخوف حامل على النّظر في الّذي ينجيه ممّا يخافه...».

و قال الشّربينيّ: «فهي كآية: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ق:45».

و قال الفخر الرّازيّ في الثّانية:«وجه كون القرآن تذكرة أنّه عليه السّلام كان يعظّمهم به و ببيانه،فيدخل تحت قوله: لِمَنْ يَخْشى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،لأنّه في الخشية و التّذكرة بالقرآن كان فوق الكلّ».

و قال فيها الطّباطبائيّ: «إنّ المراد ب(من يخشى)من كان في طبعه ذلك،بأن كان مستعدّا لظهور الخشية في قلبه لو سمع كلمة الحقّ،حتّى إذا بلغت إليه التّذكرة ظهرت في باطنه الخشية،فآمن و اتّقى».

و قد نبّه مكارم الشّيرازيّ على أنّ هذا التّعبير:

تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى، شبيه ب هُدىً لِلْمُتَّقِينَ البقرة:2.

و قال فضل اللّه في وجه التّأكيد ل(من يخشى):

«إنّ الخشية تثير في داخل الإنسان المشاعر القلقة الحائرة الّتي تبحث عن الأمن و الطّمأنينة و الاستقرار الرّوحيّ أمام القضايا الّتي تثيرها الدّعوة القرآنيّة في نفسه...فيدفعه ذلك إلى التّأمّل العميق و التّفكير الجادّ في الطّريق إلى الإيمان-إلى أن قال:-إنّ التّذكير لا يحقّق لمن لا يخشى اللّه أيّ شيء».

4-فيظهر من كلماتهم أنّ التّذكرة ليست علّة للخشية،بل الخشية مطويّة في داخل الإنسان

ص: 165

و مشاعره،و إنّما التّذكرة تثيرها و تظهرها، و لا توجدها.

و أمّا الإنذار ففي آيتين:

(1): إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ.

(29): إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها.

و هذان ككثير من آيات الخشية مكّيّة أيضا، و الإنذار هو التّذكرة مع تهويل.لاحظ:ن ذ ر:

«الإنذار».فالإنذار إنّما يؤثّر فيمن يخشى فيوقظ الخشية،و لا يوجدها كالتّذكرة تماما.

و أمّا الهداية و التّبليغ فجاء كلّ منهما في آية:

5-: وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى.

19-: اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ. و فيهما بحوث:

1-جاءت الأولى في قصّة موسى عليه السّلام مع فرعون ملخّصا دعوته في آيات من سورة النّازعات (15-29)و قد جاءت مفصّلة في سورة الأعراف:

(104-137)و غيرها.

2-بدأت القصّة في سياق الاستفهام اهتماما بها و ملاطفة إيّاه-كما في(13): فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى -فقال: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى* إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً* اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى* فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى* وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى فأكّد أوّلا طغيان فرعون كسبب لدعوته،ثمّ السّؤال عنه هل له ميل إلى التّزكّي،و إلى أن يهديه موسى إلى ربّه فيخشى.

3-فرّع الخشية على الهداية كنتيجة لها،لأنّ الخشية-كما قال الزّمخشريّ-:لا تكون إلاّ بالمعرفة، كما قال(14): إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ.

و قال ابن عطيّة:«العلم تابع للهدى و الخشية تابعة للعلم».

و قال الطّباطبائيّ: «و المراد بهدايته إيّاه إلى ربّه- كما قيل-تعريفه له و إرشاده إلى معرفته...».

و قال مكارم الشّيرازيّ: «الخشية نتيجة للهداية، و لا تحصل إلاّ بالمعرفة».

4-و يبدو أنّ هناك فرقا بين الهداية و التّذكرة، فإنّ الهداية طريق إلى معرفة اللّه الّتي تلازمها الخشية، فما دام لا تحصل المعرفة و العلم باللّه تعالى،لا مجال للخشية،فالمعرفة موجدة للخشية،بخلاف التّذكرة، فإنّها حيث توجّه إلى العارف باللّه فإنّما تثير الخشية المطويّة في مشاعره،و لا توجده.

و جاءت الثّانية بشأن الأنبياء الّذين يبلّغون رسالات اللّه،فهم عارفون باللّه معرفة بالغة،و لهذا وصفوا ب وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ فخشيتهم اللّه تعدّ مرتبة عالية من مراتب الخشية، و منحصرة باللّه تعالى-و سنبحثه-.

و أمّا العبرة و الخشوع و الهبوط،فجاء كلّ منها مع الخشية مرّة في آية أيضا:

(15): إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى

و(22): لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ.

و(21): وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ

ص: 166

و فيها بحوث:

1-جاءت الأولى خاتمة لقصّة موسى و فرعون في سورة النّازعات،و المراد من العبرة:العظة،أصلها من:

العبور،كأنّ المتّعظ يعبر من اللّفظ إلى المعنى،و من معرفة المبصر و المسموع إلى معرفة المعقول،فمن سمع قصّة موسى و فرعون يتّعظ بها،و يعبر منها إلى صلاح نفسه.

2-و«العبرة»كالتّذكرة خاصّة بمن يخشى،فهي متفرّعة على الخشية.

3-و جاءت الثّانية تمثيلا لشأن القرآن كآيات التّذكرة.و خاشِعاً فيها وصف للجبل،أي الجبل لو أنزل عليه القرآن لأصبح خاشعا.و الخشوع-و هو التّزلزل و الخضوع-متفرّع أيضا على الخشية، كالتّذكرة تماما،كما قال: خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ. و مُتَصَدِّعاً بمعنى متفرّقا تجسيد للخشوع، كأنّ الجبل من شدّة الخشوع يتفرّق أجزاؤه.

4-و الخشوع في الآية ناشئ عن خشية اللّه عند سماع القرآن،دون القرآن نفسه-كما سبق-لأنّ القرآن كلام اللّه تعالى،و فيه معرفة اللّه بصفاته العليا، و الخشية-كما سبق-فرع المعرفة.لاحظ:خ ش ع:

«خاشعا».

5-و جاءت الثّالثة تمثيلا لقسوة قلوب بني إسرائيل في قوله: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ.

6-فوصف الحجارة فيها بأوصاف دلّت على رقّتها و لينها و سهولتها تأثّرا،و هي:تفجّر الأنهار منها، و تشقّقها لخروج الماء منها،و هبوطها من خشية اللّه.

و قد ذكروا في تفسير هبوطها وجوها يدلّ بعضها على شعورها باللّه.لاحظ:الطّبرسيّ(ج 1:281)، و كيف كان فالهبوط فيها ناشئ عن خشية اللّه كالخشوع تماما.

ه-و جاءت الخشية متعلّقة ب(الغيب)في خمس آيات:

(1): إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ.

و(2): هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ

و(24):وصفا للمتّقين: اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ

و(25): إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ

و(27): إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ و فيها بحوث:

1-كلّها مكّيّة و نزلت في جوّ الشّرك و الكفر و العناد و الطّغيان.و سياقها-و لا سيّما الأولى و الرّابعة المبدوءتين ب إِنَّما تُنْذِرُ... -تسلية للنّبيّ عليه السّلام و عذر له،تسكينا لحسرته و أسفه من إعراضهم عن دعوته،مع أنّها حقّ.و تأكيدا أنّ إيمانهم موقوف على خشيتهم اللّه،المتفرّعة عن معرفتهم إيّاه،و هم

ص: 167

لا يعرفونه فلا يخشونه،فلا يؤمنون بدعوتك.

2-و الطّريف أنّ الخشية في اثنتين منها-و هما الأوليان-تعلّقت باللّه بوصف«الرّحمن»: خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ. و في ثلاث منها-و هي الأواخر- بوصف«الرّبّ»: يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ. و في كلا الوصفين إشعار بأنّهم يعرفون اللّه بعلوّ رحمته قبل قهر عذابه،و سبق رجاؤهم إيّاه خوفهم منه،فلا يخافونه كخوف المظلوم من الظّالم،بل يخشونه تعظيما له، و إذعانا بلطفه و رحمته و ربوبيّته،و هذا من أعلى مراتب الخشية.

و أيضا فإنّ فعل الخشية جاء في الأوليين ماضيا:

مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ، بسياق واحد تماما.

إشعارا بدوام خشيتهم،و تفنّنا في بيان موقفهم أمام اللّه تعالى و إيماء إلى أنّ اَلرَّحْمنَ من صفات الذّات فقديم أزليّ و يناسبه الماضي،و«الرّبّ»من صفات الفعل فيتجدّد و يناسبه المضارع،و اللّه أعلم بسرّ كتابه.

قال القشيريّ: «الخشية من الرّحمن هي الخشية من الفراق،و الخشية من الرّحمن تكون مقرونة بالأنس،و لذلك لم يقل:من خشي الجبّار،و لا من خشي القهّار».

و قال الفخر الرّازيّ في(2):«قال هاهنا: خَشِيَ الرَّحْمنَ مع أنّ وصف الرّحمة غالبا يقابل الخشية، إشارة إلى مدح المتّقي؛حيث لم تمنعه الرّحمة من الخوف،بسبب عظمة المخشيّ-إلى أن قال:-لفظة اَلرَّحْمنَ إشارة إلى مقتضى الخشية لا إلى المانع.

و ذلك لأنّ«الرّحمن»معناه واجب الوجود بالخلق، و«الرّحيم»واهب البقاء بالرّزق...».لاحظ:ر ح م:

«الرّحمن و الرّحيم».

و قال النّسفيّ: «قرن بالخشية اسمه الدّالّ على سعة رحمته،للثّناء البليغ على الخاشي،و هو خشيته مع علمه أنّه الواسع الرّحمة،كما أثنى عليه بأنّه خاش مع أنّ المخشيّ منه غائب».

و قال الشّربينيّ: «و نبّه على كثرة خشيته بقوله:

اَلرَّحْمنَ لأنّه إذا خافه مع استحضار الرّحمة العامّة للمطيع و العاصي،كان خوفه مع استحضار غيرها أولى».

3-قيّدت الخشية فيها بالغيب،و قالوا في معناه:

في حال غيبته عن النّاس-بخلاف المنافق-فهم يخشونه في سرائرهم و خلواتهم الّتي يغيبون فيها عن النّاس،أو فيما غاب عنهم من أمر الآخرة و أحوال القيامة،أو غائبين عن اللّه،لأنّهم لم يروا اللّه تعالى،بل عرفوا بالنّظر و الاستدلال أنّ لهم ربّا قادرا يجازي على الأعمال،أي يخشون ربّهم المغيب عنهم،تصديقا لأنبيائهم.

فالغيبة إمّا وصف لهم،أو للعذاب أو للّه،و كلّها محتمل مردّدا،أو جمعا.و«الباء»فيها للإلصاق، و(بالغيب)حال أي يخشون اللّه غائبين عنه،أو عن عذابه،أو غائبا عنهم اللّه.لاحظ:غ ي ب:«بالغيب».

و-جاءت الخشية في أكثرها متعلّقة باللّه، أو بالنّاس،أو باليوم الآخر،أو بأمور:كالإنفاق و العنت و نحوهما.و جاءت مطلقة غير متعلّقة بشيء

ص: 168

منها في سبع آيات،و كلّها مكّيّة،و هي:

5-: وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى النّازعات:

19.

12-: إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى. طه:3.

13-: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى. طه:44.

15-: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى.

النّازعات:26.

16-: وَ أَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى* وَ هُوَ يَخْشى.

عبس:9،8.

17-: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى* سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى. الأعلى:10،9.

35-: لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى. طه:77.

و قدّروا فيها(اللّه)أو(عذابه)،أي يخشون اللّه، أو عذابه،أو المراد تأكيد نفس الخشية دون المخشيّ، و هو الأولى و أمسّ بسياقها.

و الّذي اقتضى الإطلاق هي رعاية الرّويّ فيها، الملحوظ في السّور المكّيّة أكثر من المدنيّة،و لا سيّما القصار منها لقصر آياتها.لاحظ«المدخل»:فصل المكّيّ و المدنيّ.

ز-و جاءت خشية النّاس ذمّا قبالا لخشية اللّه مدحا في ثمان آيات مدنيّة،و هي:

4-: ...وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ...

و 6-: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً.

و 7-: ...إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي...

و 9-: اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ

و 18-: فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً

و 37-: اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً.

و 38-: أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

و الآية الأولى منها خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قصّة زيد بن حارثة و زوجه في قوله: وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَ كانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً، فخشيته فيها لم تكن من النّاس أنفسهم،بل من تعييرهم إيّاه بأنّه زوّج زوجة من كان بمنزلة ابن له.و الخشية فيها مجاز بمعنى الكراهة كالخشية من العنت و الإنفاق و نحوهما و سنبحثه.

أمّا سائر الآيات السّبع فيبدو أنّها خاصّة بالمنافقين و ضعفاء الإيمان،و أنّها جاءت مقابلة لتلك الآيات السّبع الّتي سبقتها،و كانت خاصّة بالمؤمنين المخلصين.و تعريض بالمنافقين،و مدح للمؤمنين تمييزا بينهم قلبا أمام اللّه و أمام النّاس.و تنبيها على أنّ خشية اللّه حقّا لا يجامع خشية النّاس أصلا،و أنّ

ص: 169

خشية النّاس من علامات النّفاق،أو أنّها آية ضعف الإيمان،و أنّ الإيمان الخالص الّذي لا يشوبه بشيء من النّفاق و الضّعف و المرض،يدعو إلى خشية اللّه محضا و حصرا.

ح-و جاءت الخشية حصرا على اللّه تعالى استثناء من غيره في آيتين،و حصرا على العلماء في آية:

و 19-: وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً

و 20-: وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ

و 14-: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ...

و الأولى منهما خاصّة بالأنبياء الّذين يبلّغون رسالات اللّه،و الثّانية خاصّة بالّذين يعمرون مساجد اللّه في قوله:

إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ.

و لا يأبى الحصر غيرها من آيات الخشية أيضا، و لا سيّما ما اختصّت منها بخشية اللّه،لكن جاء الحصر في هاتين صراحة،اهتماما بمن جاءتا فيهم من أنبياء اللّه و العامرين مساجد اللّه تعالى.

و أمّا الأخيرة فلهم فيها أقوال سبق بعضها في الأبحاث المتقدّمة:

قال الفخر الرّازيّ في(3): رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ :«هذه الآية إذا ضمّ إليها آية أخرى صار المجموع دليلا على فضل العلم و العلماء.ذلك لأنّه قال-و ذكر إِنَّما يَخْشَى اللّهَ - فدلّت هذه الآية على أنّ العالم يكون صاحب الخشية، و هذه الآية:(3)تدلّ على أنّ صاحب الخشية تكون له الجنّة،فيتولّد من مجموع الآيتين أنّ الجنّة حقّ العلماء».

و قال أبو السّعود:«إنّ الخشية الّتي هي من خصائص العلماء بشئون اللّه عزّ و جلّ لجميع الكمالات العلميّة و العمليّة المستتبعة للسّعادة الدّينيّة و الدّنيويّة...».

و قد حكى الآلوسيّ عن الجنيد أنّه قال في الآية:

(3):«الرّضا على قدر قوّة العلم و الرّسوخ في المعرفة».

و قال الطّباطبائيّ فيها:«علامة مضروبة لسعادة الدّار الآخرة-فذكر إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ، و قال:-فالعلم باللّه يستتبع الخشية منه، و الخشية منه تستتبع الإيمان به،بمعنى الالتزام القلبيّ بربوبيّته و ألوهيّته،ثمّ العمل الصّالح».لاحظ:ع ل م:

«العلماء».

ط-و جاءت الخشية مجازا-كما سبق بعضها- بمعنى الكراهة في كلّ ما جاء في المحور الثّالث من الآيات،و فيما نسب إلى هارون في(33): إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ، و فيما نسب إلى اللّه في(34): فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً.

قال الأخفش:«معناه كرهنا،لأنّ اللّه لا يخشى، و هو في بعض القراءات(فخاف ربّك)،و هو مثل «خفت الرّجلين أن يقولا»،و هو لا يخاف من ذلك أكثر

ص: 170

من أنّه يكرهه لهما.

و قال الفرّاء:«إلاّ أن يعلما و يظنّا،و الخوف و الظّنّ يذهب بهما فذهب العلم».

و زاد ابن قتيبة: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً البقرة:182،أي علم.و وَ أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ الأنعام:51،لأنّ في الخشية و المخافة طرفا من العلم.

و كذا فيما نسب تمثيلا إلى الحجارة في(21):

وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ، و إلى الجبل في (22): لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ....

قال الزّمخشريّ-و نحوه البيضاويّ في(22):

«الخشية مجاز على انقيادها لأمر اللّه تعالى،و أنّها لا تمتنع على ما يريد فيها».

و لأبي حيّان و الآلوسيّ كلام طويل في أنّ الخشية هنا حقيقة أو مجاز،فلاحظ.

ثالثا:جاءت«الخشية»في 41 آية:منها 17 آية مدنيّة،و الباقي-و هي 24 آية مكّيّة،و معلوم أنّ مكّة كانت قاعدة الشّرك،فكان ذلك أدعى للتّرعيب إلى خشية اللّه دعوة إلى التّوحيد،و رفضا للشّرك.

و قد جاءت خشية اللّه الرّحمن أو الرّبّ،أو خشية يوم القيامة أو السّاعة-و هي ترجع إلى خشية اللّه أيضا-في 30 آية مكّيّة و مدنيّة.

فهي قسمان:إمّا ترغيب إلى خشية اللّه أمرا به أو حصرا،أو أنّها من مختصّات العلماء.و إمّا هذا مقرونا بالنّهي عن خشية شخص أو أمر غير اللّه.فمركز الخشية و قطبها في القرآن،هو اللّه تعالى ترغيبا إليه و تحذيرا من غيره.

رابعا:وردت نظائر كثيرة للخشية في القرآن، و هي:

الخوف: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَ خافَ وَعِيدِ

إبراهيم:14.

الحذر: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ التّوبة:64.

الرّجاء: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقاراً نوح:13.

الرّعب: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ

آل عمران:151.

الرّوع: فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ هود:74.

الرّهبة: وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ الأنفال:60.

الإشفاق: وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، و وَ هُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ الأنبياء:28،49.

الفرق: وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ التّوبة:56.

الفزع: فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ النّمل:87.

الإيجاس: نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً

هود:70.

الوجل: قالُوا لا تَوْجَلْ إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ

الحجر:53.

الاتّقاء: وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللّهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ النّور:52.

ص: 171

ص: 172

خ ص ص

اشارة

3 ألفاظ،4 مرّات،في 4 سور مدنيّة

خاصّة 1:-1 يختصّ 2:-2

خصاصة 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخصّ:بيت يسقف بخشبة على هيئة الأزج:و جمعه:خصاص.

و خصصت الشّيء خصوصا،و اختصصته.

و الخاصّة:الّذي اختصصته لنفسك.

و الخصاصة:سوء الحال.

و الخصاص:شبه كوّة في قبّة و نحوها إذا كان واسعا قدر الوجه.[ثمّ استشهد بشعر]

و بعض يجعل«الخصاص»للضّيّق و الواسع،حتّى قالوا لخروق المصفاة:خصاص.

و خصاص المنخل:خروقه؛و جمعه:أخصّة.

و يسمّى الغيم:خصاصة.

و كلّ خرق أو خلل في سحاب أو منخل يسمّى:

خصاصة؛و الجميع:خصاص.

و الخصاص:فرج ما بين الأثافيّ.(4:134)

اللّيث:الخصوص:مصدر قولك:هو يخصّ، و خصّصت الشّيء،و أخصصته.(الأزهريّ 6:552)

الكسائيّ: الخاصّ و الخاصّة،واحد.

(الفيّوميّ 1:171)

ابن شميّل: عن الطّائفيّ قال:الخصاصة:ما يبقى في الكرم بعد قطافه،أي العنيقيد الصّغير،هاهنا،و آخر هاهنا؛و جمعها:خصاص،و هو النّبذ القليل.

(الأزهريّ 6:552)

الفرّاء: خصصت،من الخصاصة.(الصّغانيّ 4:5)

أبو عبيدة :الخصّ:بلد جيّد الخمر بالشّام.

(الصّغانيّ 4:5)

ص: 173

الأصمعيّ: الخصّ:كربق مبنيّ،و هو الحانوت.

(الصّغانيّ 4:5)

ابن الأعرابيّ: و خصّه بكذا:أعطاه شيئا كثيرا.

و الخصاص:الفرج الّتي بين قذذ السّهم.

(ابن سيده 4:498،499)

ابن السّكّيت: و يقال للمقتر:إنّ به لخصاصة.

(16)

...فإن شربت الإبل بعد عطش شديد،فلم تنضج و لم تنقع و صدرت بعطشها و لم ترقب،قيل:صدرت و بها خصاصة،و ذبابة.و قيل للرّجل أيضا إذا لم يشبع من الطّعام:تركه و به خصاصة.(462)

ابن أبي اليمان :و الخصّ:خصّ القصب.(484)

الحربيّ: الخصاص:الفقر.(1:261)

قال أبو عمرو:و الشّعشع:الظّلّ الّذي فيه خصاص ،و لم يظلّ كلّه،يقول:فيه فرق.(2:587)

ابن دريد :خصّه بالشّيء يخصّه خصّا و خصوصا و خصوصيّة إذا فضّله به.و خصّه بالودّ،كذلك.

و خصّان الرّجل:من يختصّه من إخوانه.

و الخصّ:بيت من قصب أو شجر،و إنّما سمّي خصّا،لأنّه يرى ما فيه من خصاصه.

و الخصاص:الفرج.

و الخصاصة:الحاجة.(1:67)

يقال:هذا لك خصّيصى،أي خاصّ خصّصتك به.

(3:406)

الخصاصاء:فقير،من الخصاصة.(3:408)

الخصاصاء،بالفتح و المدّ:الفقر.(الصّغانيّ 4:5)

القاليّ: الخصاصة:الفرجة.(1:47)

الأزهريّ: [نقل قول الخليل :«الخصّ:

البيت...»،ثمّ قال:]

جمع[الخصّ]:خصوص و أخصاص،سمّي خصّا لما فيه من الخصاص،و هو التّفاريج الضّيّقة.

و الخصاصة:الخلّة،و الحاجة،و ذو الخصاصة:ذو الخلّة و الفقر.قال اللّه جلّ و عزّ: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الحشر:9،و أصل ذلك من الخصاص.[ثمّ نقل قول الخليل :«و كلّ خلل، أو خرق...»،ثمّ قال:]

و الواحدة:خصاصة؛و يجمع:خصاصات.

و تصغّر الخاصّة:خويصّة،و في الحديث:«خويصّة أحدكم»يعني الموت.

و يقال:تخصّص فلان بالأمر و اختصّ به،إذا انفرد به،و خصّ غيره،و اختصّه ببرّه.

و حانوت الخمّار يسمّى:خصّا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان مخصّ بفلان،أي خاصّ به،و له به خصّيّة،و الإخصاص في غير هذا:الإزراء.

و يقال:خاصّ بيّن الخصوصيّة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](6:551)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الخصوص:مصدر خصّ يخصّ.و خصصت الشّيء و اختصصته.

و الخاصّة:من اختصصته لنفسك،و الخصّيّة مثله، و كذلك التّخصّة و الخصوصيّة.

و خصّص الغلام تخصيصا:أخذ قصبة فجعل فيها

ص: 174

نارا يلوّح بها لاعبا.

و صدرت الإبل و بها خصاصة،أي عطش.

و كذلك الرّجل إذا لم يشبع من الطّعام.(4:157)

الجوهريّ: خصّه بالشّيء خصوصا،و خصوصيّة، و الفتح أفصح،و خصّيصى.

و قولهم:إنّما يفعل هذا خصّان من النّاس،أي خواصّ منهم.

و اختصّه بكذا،أي خصّه به.

و الخاصّة:خلاف العامّة.

و الخصّ:البيت من القصب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخصاصة و الخصاص:الفقر.

و الخصاصة:الخلل،و الثّقب الصّغير.

يقال للقمر:بدا من خصاصة الغيم.

و يقال للفرج الّتي بين الأثافيّ: خصاص.

(3:1037)

ابن فارس: الخاء و الصّاد أصل مطّرد منقاس، و هو يدلّ على الفرجة،و الثّلمة.فالخصاص:الفرج بين الأثافيّ.

و يقال للقمر:بدا من خصاصة السّحاب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخصاصة:الإملاق.و الثّلمة في الحال.

و من الباب:خصصت فلانا بشيء خصوصيّة- بفتح الخاء-و هو القياس،لأنّه إذا أفرد واحد فقد أوقع فرجة بينه و بين غيره،و العموم بخلاف ذلك.

و الخصّيصى:الخصوصيّة.(2:152)

أبو هلال :الفرق بين الخاصّ و الخصوص:أنّ الخصوص يكون فيما يراد به بعض ما ينطوي عليه لفظه بالوضع،و الخاصّ:ما اختصّ بالوضع لا بإرادة.

و قال بعضهم:الخصوص:ما يتناول بعض ما يتضمّنه العموم،أو جرى مجرى العموم من المعاني.

و أمّا العموم:فما استغرق ما يصلح أن يستغرقه و هو عامّ،و العموم:لفظ مشترك يقع على المعاني و الكلام.

و قال بعضهم:الخاصّ:ما يتناول أمرا واحدا بنفس الوضع،و الخصوص:أن يتناول شيئا دون غيره، و كان يصحّ أن يتناوله و ذلك الغير.

الفرق بين التّخصيص و النّسخ:أنّ التّخصيص هو ما دلّ على أنّ المراد بالكلمة بعض ما تناولته دون بعض،و النّسخ:ما دلّ على أنّ مثل الحكم الثّابت بالخطاب زائل في المستقبل على وجه لولاه لكان ثابتا.

و من حقّ التّخصيص أن لا يدخل إلاّ فيما يتناوله اللّفظ،و النّسخ يدخل في النّصّ على عين،و التّخصيص ما لا يدخل فيه.

و التّخصيص يؤذن بأنّ المراد بالعموم عند الخطاب ما عداه،و النّسخ يحقّق أنّ كلّ ما يتناوله اللّفظ مراد في حال الخطاب،و إن كان غيره مرادا فيما بعد.

و النّسخ في الشّريعة لا يقع بأشياء يقع بها التّخصيص،و التّخصيص لا يقع ببعض ما يقع به النّسخ.

فقد بان لك مخالفة أحدهما للآخر في الحدّ و الحكم جميعا،و تساويهما في بعض الوجوه لا يوجب كون النّسخ تخصيص.(44)

ص: 175

الفرق بين الانفراد و الاختصاص:أنّ الاختصاص انفراد بعض الأشياء بمعنى دون غيره،كالانفراد بالعلم و الملك.و الانفراد:تصحيح (1)النّفس و غير النّفس، و ليس كذلك الاختصاص،لأنّه نقيض الاشتراك، و الانفراد نقيض الازدواج.

و الخاصّة تحتمل الإضافة و غير الإضافة،لأنّها نقيض العامّة،فلا يكون الاختصاص إلاّ على الإضافة،لأنّه اختصاص بكذا دون كذا.(114)

مثله الطّوسيّ.(2:503)

الهرويّ: قوله[تعالى]: خَصاصَةٌ الحشر:9،أي حاجة و فقر،يقال:فلان ذو خصاصة.

و في الحديث:«بادروا بالأعمال ستّا:الدّجّال، و كذا و كذا،و خويصّة أحدكم.»يعني الموت،و هي تصغير الخاصّة،و الخاصّة:الّتي اختصصته لنفسك.

(2:560)

أبو سهل الهرويّ: خصصته بالشّيء خصوصيّة، إذا أفردته و أعطيته وحده شيئا.(التّلويح:32)

ابن سيده: خصّه بالشّيء يخصّه خصّا و خصوصا ،و خصّصه و اختصّه:أفرده به دون غيره،

فأمّا قول أبي زبيد:

*إنّ امرأ خصّني عمدا مودّته*

فإنّه أراد خصّني بمودّته،فحذف الحرف و أوصل الفعل،و قد يجوز أن يريد خصّصني لمودّته إيّاي، فيكون كقوله:

*و أغفر عوراء الكريم ادّخاره*

و إنّما وجّهناه على هذين الوجهين،لأنّا لم نسمع في الكلام«خصصته»متعدّية إلى مفعولين.

و الاسم: (2)الخصوصيّة،و الخصوصيّة،و الخصّيّة و الخاصّة،و الخصّيصى،و هي تمدّ و تقصر،عن كراع، و لا نظير لها إلاّ المكّيثا.

و فعلت ذاك بك خصّيّة،و خاصّة،و خصوصيّة، و خصوصيّة.

و الخاصّة:من تختصّه لنفسك...

و الخصّان،كالخاصّة.

و الخصاص:شبه كوّة في قبّة أو نحوها إذا كان واسعا قدر الوجه.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و بعضهم يجعل الخصاص للواسع و الضّيّق.

و خصاص المنخل و غيره:خلله،واحدته:

خصاصة،و كذلك كلّ خلل و خرق يكون في السّحاب،و ربما سمّي الغيم نفسه خصاصة.

و الخصاص:الفرج بين الأثافيّ و الأصابع.

و الخصاصة و الخصاصاء:الفقر و سوء الحال،و في التّنزيل: وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الحشر:9،و أصل ذلك في الفرجة،أو الخلّة،لأنّ الشّيء إذا انفرج و هى و اختلّ.

و صدرت الإبل و بها خصاصة،إذا لم ترو و صدرت بعطشها،و كذلك الرّجل إذا لم يشبع من الطّعام،و كلّّ.

ص: 176


1- الظّاهر كما قال الطّوسيّ(2:502):و يصحّ الانفراد بالنّفس و غير النّفس.
2- أي الاسم المصدر،من خصّ.

ذلك في معنى الخصاصة الّتي هي الفرجة و الخلّة.

و الخصاصة من الكرم:الغضّ إذا لم يرو،و خرج منه الحبّ متفرّقا ضعيفا.

و الخصاصة:ما يبقى في الكرم بعد قطافه،العنيقيد الصّغير هاهنا و هاهنا،و الجمع:الخصاص،و قال أبو حنيفة:هي الخصاصة،و الجمع:خصاص.كلاهما بالفتح.

و الخصّ:بيت من شجر أو قصب.و قيل:الخصّ:

البيت الّذي يسقف عليه بخشبة على هيئة الأزج، و جمعه:أخصاص و خصاص،سمّي بذلك،لأنّه يرى ما فيه من خصاصه،أي فرجه.

و شهر خصّ:ناقص.(4:498)

الطّوسيّ: و الاختصاص بالشّيء هو الانفراد به، و الإخلاص له مثله.و ضدّ الاختصاص الاشتراك.

و يقال:خصّ خصوصا،و تخصّص تخصّصا.و خصّصه تخصيصا،و كلّمه خاصّة من ذلك،و كلمة عامّة، و وسائط من ذلك.

و يقال:خصّه بالشّيء،يخصّه خصّا،إذا وصله به.

و خصّان الرّجل:من يختصّه من إخوانه.

و الخصائص:الفرج.

و الخصاصة:الحاجة.

و الخصّ:شبه كوّة تكون في قبّة أو نحوها،إذا كان واسعا قدر الوجه.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ خلل أو خروق تكون في السّحاب أو النّخل تسمّى الخصاصة.

و الخصائص:فرج بين الأثافيّ،و أصل الباب:

الانفراد بالشّيء فمنه الخصائص:الفرج،لأنّه انفراد كلّ واحد عن الآخر من غير جمع بينهما.

و يقال:اختصصته بالفائدة و اختصصت بها أنا، كقولك:أفردته بها،و انفردت بها.(1:391)

نحوه الطّبرسيّ.(1:178)

و الخصاصة:الحاجة الّتي يختلّ بها الحال.

و الخصاص:الفرج الّتي يتخلّلها البصر؛و الواحد:

خصاص.قال الرّاجز:

*و النّاظرات من خصاص لمحا*

و أصله:الاختصاص بالانفراد بالأمر.

و الخصاص:الانفراد عمّا يحتاج إليه،و الخصوص:

الانفراد ببعض ما وضع له الاسم،و الخصّ:انفراد كلّ قصبة من أختها في الأشراج،و الخاصّة:انفراد المعنى بما يقوله دون غيره.(9:566)

نحوه الطّبرسيّ.(5:260)

الرّاغب: التّخصيص و الاختصاص و الخصوصيّة و التّخصّص:تفرّد بعض الشّيء بما لا يشاركه فيه الجملة؛و ذلك خلاف العموم و التّعمّم و التّعميم.

و خصّان الرّجل:من يختصّه بضرب من الكرامة.

و الخاصّة:ضدّ العامّة.

و قد خصّه بكذا يخصّه،و اختصّه يختصّه.

و خصاص البيت:فرجة.و عبّر عن الفقر الّذي لم يسدّ بالخصاصة كما عبّر عنه بالخلّة،قال: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الحشر:9،و إن شئت قلت:من الخصاص.

و الخصّ:بيت من قصب أو شجر،و ذلك لما يرى

ص: 177

فيه من الخصاصة.(149)

الزّمخشريّ: خصّه بكذا و اختصّه و خصّصه و أخصّه فاختصّ به و تخصّص.

و له بي خصوص و خصوصيّة.

و هذا خاصّتي و هم خاصّتي،و قد اختصصته لنفسي.

و عليك بخويصّة نفسك.

و هو يستخصّ فلانا و يستخلصه.

و نظرن من خصاص البيوت.

و بدا القمر من خصاصة الغيم.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:أصابته خصاصة:خلّة.

و اختصّ الرّجل:اختلّ،أي افتقر.

و سددت خصاصة فلان:جبرت فقره.

و سمعت أهل السّراة يقولون:رفع اللّه خصّتك.

(أساس البلاغة:112)

[و في حديث]«...و خويصّة أحدكم...»

الخويصّة:تصغير الخاصّة بسكون الياء،لأنّ ياء التّصغير لا تكون إلاّ ساكنة،و مثله أصيمّ،و مذيقّ في تصغير أصمّ و مذقّ،و الّذي جوّز فيها و في نظائرها التقاء السّاكنين،أنّ الأوّل حرف لين،و الثّاني مدغم.

و المراد حادثة الموت الّتي تخصّ المرء،و صغّرت لاستصغارها في جنب سائر الحوادث العظام،من البعث او الحساب و غير ذلك.(الفائق 1:375)

المدينيّ: في الحديث:«...و هو يصلح خصّا له».

الخصّ:بيت يسقّف بخشب مثل الأزج؛و جمعه:

خصاص.

و منه الحديث:«إنّ أعرابيّا أتى باب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فألقم عينيه خصاصة الباب»أي فرجته.(1:584)

ابن الأثير: و في حديث فضالة:«كان يخرّ رجال من قامتهم في الصّلاة من الخصاصة»أي الجوع و الضّعف.و أصلها:الفقر و الحاجة إلى الشّيء.

و فيه:«...و خويصّة أحدكم»[ثمّ ذكر في تصغيرها نحو الزّمخشريّ و قال:]

و منه حديث أمّ سليم:«و خويصّتك أنس...»أي الّذي يختصّ بخدمتك،و صغرته لصغر سنّه يومئذ.

(2:37)

الصّغانيّ: و يقال:له به خصّيّة،أي اختصاص.

و حانوت الخمّار يسمّى:خصّا و إن لم يكن من قصب.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان مخصّ بفلان،أي خاصّ به.

و تخصّص فلان بالأمر،أي اختصّ به.

خصّص الغلام:أخذ قصبة فجعل فيها نارا يلوّح بها لاعبا.

و الخصاصة:العطش و الجوع.

و الخصّيصاء:الخصّيصى.(4:5)

الفيّوميّ: الخصّ:البيت من القصب،و الجمع:

أخصاص،مثل:قفل و أقفال.

و الخصاصة بالفتح:الفقر و الحاجة.

و خصصته بكذا أخصّه خصوصا من باب«قعد»، و خصوصيّة بالفتح و الضّمّ لغة:إذا جعلته له دون غيره.

و خصّصته بالتّثقيل مبالغة.و اختصصته به

ص: 178

فاختصّ هو به و تخصّص.

و خصّ الشّيء خصوصا،من باب«قعد»خلاف عمّ،فهو خاصّ.و اختصّ مثله.

و الخاصّة خلاف العامّة،و الهاء للتّأكيد.(1:171)

الجرجانيّ: التّخصيص،هو قصر العامّ على بعض منه،بدليل مستقلّ مقترن به.و احترز ب«المستقلّ»عن الاستثناء،و الشّرط،و الغاية،و الصّفة،فإنّها و إن لحقت العامّ،لا يسمّى مخصوصا،و بقوله:«مقترن»عن النّسخ،نحو:خالق كلّ شيء،إذ يعلم ضرورة أنّ اللّه تعالى مخصوص منه[به].

تخصيص العلّة،هو تخلّف الحكم عن الوصف المدّعى عليه في بعض الصّور لمانع،فيقال:الاستحسان ليس من باب خصوص العلل،يعني ليس بدليل مخصّص للقياس،بل عدم حكم القياس لعدم العلّة.

التّخصيص عند النّحاة:عبارة عن تقليل الاشتراك الحاصل في النّكرات،نحو:رجل عالم.(24)

الخاصّة:كلّيّة مقولة على أفراد حقيقة واحدة فقط قولا عرضيّا،سواء وجد في جميع أفراده،كالكاتب بالقوّة،بالنّسبة إلى الإنسان،أو في بعض أفراده، كالكاتب بالفعل،بالنّسبة إليه،فالكلّيّة مستدركة.

و قولنا:«فقط»يخرج الجنس و العرض العامّ، لأنّهما مقولان على حقائق.و قولنا:«قولا عرضيّا»يخرج النّوع و الفصل،لأنّ قولهما على ما تحتهما ذاتي لا عرضيّ.

خاصّة الشّيء:ما لا يوجد بدون الشّيء،و الشّيء قد يوجد بدونها،مثلا:«الألف و اللاّم»لا يوجدان بدون اسم،و الاسم يوجد بدونهما،كما في زيد.

الخاصّ:هو كلّ لفظ وضع لمعنى معلوم على الانفراد.

المراد ب«المعنى»ما وضع له اللّفظ عينا كان أو عرضا،و ب«الانفراد»اختصاص اللّفظ بذلك المعنى.و إنّما قيّده بالانفراد ليتميّز عن المشترك.(42)

الخصوص:أحديّة كلّ شيء عن كلّ شيء بتعيّنه، فلكلّ شيء وحدة تخصّه.

الخاصّ:عبارة عن التّفرّد،يقال:فلان خصّ بكذا، أي أفرد به و لا شركة للغير فيه.(44)

الفيروزآباديّ: خصّه بالشّيء خصّا و خصوصا و خصوصيّة،و يفتح،و خصّيصى،و يمدّ،و خصّيّة، و تخصّة:فضّله.و خصّه بالودّ:كذلك.

و الخاصّ و الخاصّة:ضدّ العامّة.

و الخصّان،بالكسر و الضّمّ:الخواصّ.

و الخويصّة:تصغير الخاصّة،ياؤها ساكنة،لأنّ ياء التّصغير لا تتحرّك.

و الخصاص و الخصاصة و الخصاصاء،بفتحهنّ:

الفقر؛و قد خصصت،بالكسر،و الخلل،أو كلّ خلل و خرق في باب،و منخل،و برقع و نحوه،أو الثّقب الصّغير،و الفرج بين الأثافيّ.

و الخصاصة،بالضّمّ:ما يبقى في الكرم بعد قطافه، و النّبذ اليسير جمعها:خصاص.

و الخصّ،بالضّمّ:البيت من القصب،أو البيت يسقّف بخشبة كالأزج؛جمعه:خصاص و خصوص، و حانوت الخمّار و إن لم يكن من قصب،و جيّد الخمر.

ص: 179

و بالكسر:النّاقص.

و الإخصاص:الإزراء.

و خصّى،كربّى:قرية كبيرة ببغداد في طرف دجيل...

و التّخصيص:ضدّ التّعميم،و أخذ الغلام قصبة فيها نار،يلوّح بها لاعبا.

و اختصّه بالشّيء:خصّه به،فاختصّ و تخصّص، لازم متعدّ.(2:312)

الطّريحيّ: [نحو الجوهريّ في بعض كلماته،ثمّ أضاف:]

[في حديث:]و«محمّد حبيبك و خاصّتك»أي اختصصته من سائر خلقك.

و الخصّ،بالضّمّ و التّشديد:البيت من القصب؛ و الجمع:أخصاص،مثل قفل و أقفال.

و منه الحديث:«الخصّ لمن إليه القمط»يعني شدّ الحبل.(4:167)

مجمع اللّغة :خصّ فلانا بالشّيء يخصّه خصّا:

أفرده به دون غيره،و مثله:اختصّه به اختصاصا.

و خاصّة:ضدّ عامّة.

و خصّ يخصّ خصاصة:افتقر.(1:338)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خصّ فلانا بالشّيء:أفرده به دون غيره،و أعطاه عطاء كثيرا.

و خصّه بالودّ أو اختصّه به:أحبّه دون غيره.

و خصّص الشّيء ضدّ عمّمه فهو خاصّ،و هي خاصّة.

و خصّ خصاصة:افتقر،و الخصاصة:شدّة الفقر و الحاجة إلى الشّيء.

و اختصّ بالشّيء:انفرد به.(1:164)

العدنانيّ: أمور مخصوصة بالدّرس،لا خاصّة به.

و يقولون:عندنا أمور كثيرة خاصّة بالدّرس، و الصّواب:مخصوصة بالدّرس،لأنّنا نحن الّذين نخصّها بدراسة عناصرها عنصرا بعد آخر،و ليست هي الّتي تخصّ نفسها بالدّراسة و البحث و التّقويم.

ياسر إخصائيّ في الذّرّة،أو متخصّص فيها، أو مختصّ فيها.

و يقولون:ياسر أخصّائيّ في الذّرّة،و الصّواب:

ياسر إخصائيّ فيها؛إذ جاء في المتن:أخصى الرّجل:

تعلّم علما واحدا،مجاز.و هذا ما قاله الصّاغانيّ، و الفيروزآباديّ،و الزّبيديّ،و المدّ.

و مصدر أخصى هو إخصاء،و النّسبة إلى المصدر لا نزاع فيها.

و نستطيع أن نأتي باسم الفاعل من الفعل «أخصى»و نقول:هو مخص.و لكنّ كلمة«إخصائيّ» أحسن وقعا في السّمع،و لا تفسح مجالا للالتباس.

و يجوز أن نقول:هو متخصّص في كذا؛إذ جاء في الوسيط:تخصّص في علم كذا:قصر عليه بحثه،و انفرد به.و نستطيع أن نقول أيضا:هو مختصّ بكذا،لأنّ معنى اختصّ بالشّيء:انفرد به.

فعلت هذا خاصّا بك.

و يقولون:فعلت هذا خصيصا لك،و الصّواب:

خاصّا بك،أو خصّيصى،أو خصّا،أو خصوصا.

و قد أخطأ أبو الرّقعمق في استعماله:خصيصا.

ص: 180

[و جاء بشعره](191)

خصّص زوجه بالبيت.

و يقولون:خصّص فلان البيت لزوجه.و الصّواب :خصّص زوجه بالبيت تخصيصا،أي أفردها به.و مثله:

خصّ زوجه بالبيت خصّا،و خصوصا،و خصوصا، و خصوصيّة،و خصوصيّة،و خصوصة و خصّيصى، و خصّيصاء،و خصّيّة،و خصّيّة،و خصّيّة،و تخصّة.

لا شأن له به،و ليس لا يختصّ به!

و يقولون:هذا الأمر لا يختصّ به.و الصّواب:

لا صلة له بهذا الأمر،أو لا شأن له به،أو هذا الأمر ليس من شأنه.

فالعرب تخصّ الشّخص بالأمر،لا الأمر بالشّخص.

أمّا المعاجم فتقول عن الفعل-خصّ-:خصّه بالشّيء،و خصّصه،و اختصّه،أخصّه فتخصّص به و اختصّ،أي فضّله على غيره فانفرد به.و منه قوله تعالى: وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ البقرة:

105.

و يقول لسان العرب:اختصّ فلان بالأمر، و تخصّص له،إذا انفرد.(معجم الأخطاء الشّائعة:78)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الانتساب إلى شيء و التّفرّد به دون غيره، يقال-كما في اللّسان-:خصّه بالشّيء يخصّه خصّا، و خصوصا،و خصوصيّة،و خصوصيّة،و الفتح أفصح، و خصّيصى،و خصّصه،و اختصّه:أفرده به دون غيره.

و أمّا مفهوم الحاجة و الفقر و الخلّة،فمن لوازم ذلك الأصل،و بمناسبة الحالة المخصوصة،و بلحاظ خصوصيّة في جريان أمور تعيّشه،خارجا عن الجريان العاديّ و المجرى العموميّ الطّبيعيّ،و تلك هي حالة المضيقة و الفقر.

و أمّا الفرجة و الثّلمة،فالمراد كلّ مورد من التّفاريج يوجب تلك الحالة الخاصّة في ذي الفرجة، أو ينشأ من تلك الحالة،كالخلل الموجود في باب أو منخل أو غيرهما،فلا يطلق على كلّ فرجة لفظ الخصاص،بل على خلّة أو خرقة تلازم الخصاصة.

[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

فظهر أنّ إطلاق«الخصّ»على البيت،من قصب أو نحوه:باعتبار خصاصته،و كونه مخصوصا و محقّرا، و مبنيّا لرفع الحاجة الشّخصيّة.و لا يبعد أن يكون على وزن«صلب»صفة مشبّهة.(3:67)

النّصوص التّفسيريّة

خاصّة

وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً...

الأنفال:25

ابن عبّاس: ...و لكن تصيب الظّالم و المظلوم.

(147)

نحوه أكثر التّفاسير.

أمر اللّه المؤمنين أن لا يقرّوا المنكر بين أظهرهم، فيعمّهم اللّه بالعذاب.(الطّبريّ 6:217)

الطّوسيّ: معناه أنّها تعمّ،لأنّ الهرج إذا وقع،دخل ضرره على كلّ أحد.و يجوز أن يقال:يخصّ الظّالم،

ص: 181

و لا يعتدّ بما وقع بغيره للعوض الّذي يصل إليه.و يحتمل أن يكون أراد أنّ هذه العقوبة على فتنتكم لا تختصّ بالظّالمين منكم،بل كلّ ظالم منكم-كان أو من غيركم-فستصيبه عقوبة ظلمه و فسقه و فتنته.

و أراد بذلك تحذير النّاس كلّهم،و أنّهم سواء في المعصية،و ما توجبه من العقوبة ليكون الزّجر عامّا.

(5:121)

ابن عطيّة: خَاصَّةً نعت لمصدر محذوف، تقديره:إصابة خاصّة،فهي نصب على الحال لما انحذف المصدر من الضّمير في تُصِيبَنَّ، و هذا الفعل هو العامل.

و يحتمل أن تكون خَاصَّةً حالا من الضّمير في ظَلَمُوا و لا يحتاج إلى تقدير مصدر محذوف، و الأوّل أمكن في المعنى.(2:516)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة إلاّ أنّه قال:]

و يحتمل أن يكون حالا من اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أي مخصوصين بها،بل تعمّهم و غيرهم.[ثمّ ذكر الاحتمال الثّاني من ابن عطيّة و قال:]

و لا أتعقّل هذا الوجه.(4:485)

لاحظ ص و ب:«لا تصيبنّ»

خصاصة

وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ...

الحشر:9

[وردت في هذه الآية روايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،راجع«البرهان 9:461»].

ابن عبّاس: فقر و حاجة.(464)

مثله زيد بن عليّ(413)،و الكاشانيّ(5:157).

مجاهد :فاقة.(2:664)

مثله ابن جزيّ.(4:109)

الطّبريّ: حاجة و فاقة إلى ما آثروا به من أموالهم على أنفسهم.(12:41)

نحوه الماورديّ(5:506)،و البغويّ(5:58)، و الشّربينيّ(4:247)،و عزّة دروزة(8:216).

الجصّاص :الخصاصة:الحاجة،فأثنى اللّه عليهم بإيثارهم المهاجرين على أنفسهم فيما ينفقونه عليهم، و إن كانوا هم محتاجين إليه.(3:580)

الثّعلبيّ: فاقة و حاجة إلى ما هو يزول.(9:278)

الطّوسيّ: يعني حاجة.و الخصاصة:الّتي يختلّ بها الحال.(9:566)

القشيريّ: حاجة أو اختلال أحوال.(6:129)

الواحديّ: فقر و حاجة.بيّن اللّه تعالى أنّ إيثارهم لم يكن عن غنى و عن مال،و لكن كان حاجة،و كان ذلك أعظم لأجرهم.(4:273)

مثله الطّبرسيّ(5:262)،و نحوه ابن الجوزيّ(8:

213)،و الفخر الرّازيّ(29:278).

الزّمخشريّ: أي خلّة،و أصلها:خصاص البيت و هي فروجه،و الجملة في موضع الحال،أي مفروضة خصاصتهم.(4:84)

نحوه النّسفيّ(4:53)،و النّيسابوريّ(28:32)، و أبو السّعود(6:228)،و البروسويّ(9:433)، و الآلوسيّ(28:53)،و فريد وجدي(731).

ص: 182

ابن عطيّة:الخصاصة:الفاقة و الحاجة،و هو مأخوذ من خصاص البيت،و هو ما يبقى بين عيدانه من الفرج و الفتوح،فكأنّ حال الفقير هي كذلك يتخلّلها النّقص و الاحتياج.(5:288)

نحوه أبو حيّان(8:247)،و المراغيّ(28:41).

ابن عربيّ: ...فتقديمهم أصحابهم على أنفسهم لمكان الفتوّة،و كمال المروءة،و لقوّة التّوحيد، و الاحتراز عن حظّ النّفس،و خوف الرّجوع إلى المطالب الجزئيّة،بعد وجدان الذّوق من المطالب الكلّيّة.(2:622)

البيضاويّ: حاجة،من خصاص البناء و هي فرجه.(2:466)

السّمين:الحاجة،و أصلها:من خصاص البيت:

فروجه.و حال الفقير يتخلّلها النّقص،فاستعير لها ذلك.(6:296)

ابن كثير :يعني حاجة،أي يقدّمون المحاويج على حاجة أنفسهم و يبدءون بالنّاس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك.(6:607)

الشّوكانيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:إنّ الخصاصة مأخوذة من الاختصاص، و هو الانفراد بالأمر،فالخصاصة:الانفراد بالحاجة.[ثمّ استشهد بشعر](5:274)

سيّد قطب :و الإيثار على النّفس مع الحاجة قمّة عليا.و قد بلغ إليها الأنصار بما لم تشهد البشريّة له نظيرا.و كانوا كذلك في كلّ مرّة و في كلّ حالة بصورة خارقة لمألوف البشر قديما و حديثا.(6:3526)

مغنيّة:الإيثار على النّفس مع الحاجة لا يعادله شيء إلاّ التّضحية بالنّفس.(7:290)

الطّباطبائيّ: و المعنى و يقدّمون المهاجرين على أنفسهم و لو كان بهم فقر و حاجة،و هذه الخصيصة أغزر و أبلغ في مدحهم من الخصيصة السّابقة.فالكلام في معنى الإضراب،كأنّه قيل:إنّهم لا يطمحون النّظر فيما بأيدي المهاجرين،بل يقدّمونهم على أنفسهم فيما بأيديهم أنفسهم.في عين الفقر و الحاجة.(19:206)

ابن عاشور :جملة وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ في موضع الحال،و(لو)وصليّة،و هي الّتي تدلّ على مجرّد تعليق جوابها بشرط يفيد حالة لا يظنّ حصول الجواب عند حصولها،و التّقدير:لو كان بهم خصاصة لآثروا على أنفسهم،فيعلم أنّ إيثارهم في الأحوال الّتي دون ذلك بالأحرى دون إفادة الامتناع.و قد بيّنّا ذلك عند قوله تعالى: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَ لَوِ افْتَدى بِهِ آل عمران:91.

و الخصاصة:شدّة الاحتياج.(28:84)

عبد الكريم الخطيب :الخصاصة:الحاجة، و الفقر الّذي يعجز الإنسان عن إدراك الضّروريّ من مطالب الحياة.

أي إنّ هؤلاء الأنصار من طبيعتهم السّماحة و البذل،و إيثار إخوانهم المهاجرين على أنفسهم، و النّزول لهم عن الطّيّب الأكثر ممّا في أيديهم،مع حاجتهم إليه.و هذا هو الفضل على تمامه و كماله؛ حيث يجيء عن حاجة،و لا يجيء عن غنى و سعة.

و إذن فهم لا يجدون في صدورهم حاجة من

ص: 183

الحسد لما أصاب إخوانهم من خير،بل إنّهم ليجدون في هذا سعادة و رضى لهم.فإنّ النّفوس الطّيّبة الكريمة ليسعدها أن تجد الخير يغمر الحياة،و يعمر البيوت،و يشيع في النّاس الغبطة و الرّضا.أمّا النّفوس اللّئيمة الخبيثة،فإنّه يزعجها و يسوؤها أن ترى خيرا يصيب أيّ أحد من النّاس،و لو كان من أقرب المقرّبين إليها.

(14:861)

المصطفويّ: أي و لو كانت فيهم حالة مخصوصة منفردة بها من غيرهم،و من الّذين يؤثرونهم.

و لا يخفى ما في التّعبير بالخصاصة-دون الفقر و المضيقة و الحاجة و غيرها-من اللّطف،فإنّ الخصاصة لأبلغ منها و ألطف و أحكم و أشمل.(3:67)

فضل اللّه :فهم يتنازعون عن حاجتهم الشّخصيّة لحساب حاجات المهاجرين؛بحيث يعيشون الحرمان في سبيل إيجاد حالة من الاكتفاء لإخوانهم.و هذه هي القمّة العليا في القيمة الرّوحيّة في البذل و العطاء.

(22:115)

يختصّ

1- ...وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. البقرة:105

الإمام عليّ عليه السّلام: بِرَحْمَتِهِ :إنّه أراد النّبوّة.

(الطّوسيّ 1:391)

مثله مجاهد.(الشّربينيّ 1:84)

ابن عبّاس: يختار لدينه و النّبوّة و الإسلام و الكتاب.(16)

الطّبريّ: و اللّه يختصّ من يشاء بنبوّته و رسالته، فيرسله إلى من يشاء من خلقه،فيتفضّل بالإيمان على من أحبّ فيهديه له.و اختصاصه إيّاهم بها:إفرادهم بها دون غيرهم من خلقه.

و إنّما جعل اللّه رسالته إلى من أرسل إليه من خلقه،و هدايته من هدى من عباده،رحمة منه له، ليصيّره بها إلى رضاه و محبّته،و فوزه بها بالجنّة، و استحقاقه بها ثناءه.و كلّ ذلك رحمة من اللّه له.

(1:520)

الزّجّاج: أي يختصّ بنبوّته من يشاء من[عباده].

أخبر عزّ و جلّ أنّه مختار.(1:189)

الثّعلبيّ: و الاختصاص أوكد من الخصوص،لأنّ الاختصاص لنفسك،و الخصوص لغيرك.(1:253)

الطّوسيّ: روي عن عليّ عليه السّلام و أبي جعفر الباقر عليه السّلام:أنّه أراد النّبوّة.و به قال الحسن،و أبو عليّ، و الرّمّانيّ،و البلخيّ،و غيرهم من المفسّرين.و قال:

(يختص بها من يشاء من عباده.)و روي عن ابن عبّاس:أنّه أراد دين الإسلام.و هذا بعيد،لأنّه تعالى وصف ذلك بالإنزال،و ذلك لا يليق إلاّ بالنّبوّة.

(1:391)

الواحديّ: يقال:خصّه بالشّيء و اختصّه به،إذا أفرده به دون غيره.(1:187)

الزّمخشريّ: وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بالنّبوّة مَنْ يَشاءُ و لا يشاء إلاّ ما تقتضيه الحكمة.(1:303)

نحوه النّسفيّ.(1:62)

البيضاويّ: و يستنبئه و يعلّمه الحكمة و ينصره،

ص: 184

لا يجب عليه شيء،و ليس لأحد عليه حقّ.(1:75)

أبو السّعود : وَ اللّهُ يَخْتَصُّ... جملة ابتدائيّة سيقت لتقرير ما سبق من تنزيل الخير و التّنبيه على حكمته،و إرغام الكارهين له.

و المراد بِرَحْمَتِهِ الوحي كما في قوله سبحانه: أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ الزّخرف:32، عبّر عنه باعتبار نزوله على المؤمنين بالخير.و باعتبار إضافته إليه تعالى بالرّحمة قال عليّ رضي اللّه عنه:

بنبوّته،خصّ بها محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم.فالفعل متعدّ،و صيغته «الافتعال»للإنباء عن الاصطفاء و إيثاره على التّنزيل المناسب للسّياق،الموافق لقوله تعالى: أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ البقرة:90،لزيادة تشريفه صلّى اللّه عليه و سلّم،و إقناطهم ممّا علّقوا به أطماعهم الفارغة.

و الباء داخلة على المقصور،أي يؤتي رحمته مَنْ يَشاءُ من عباده،و يجعلها مقصورة عليه، لاستحقاقه الذّاتيّ الفائض عليه بحسب إرادته عزّ و علا،تفضّلا،لا تتعدّاه إلى غيره.

و قيل:الفعل لازم،و(من)فاعله،و الضّمير العائد إلى(من)محذوف على التّقديرين.(1:179)

البروسويّ: [مثل الواحديّ و أضاف:]

و مفعول مَنْ يَشاءُ محذوف.و«الرّحمة»:النّبوّة، و الوحي،و الحكمة،و النّصرة.[ثمّ قال في معنى الجملة نحو أبي السّعود و أضاف:]

لا تتعدّاه إلى غيره،لا يجب عليه شيء،و ليس لأحد عليه حقّ.

و ما وقع في عبارة مشايخنا في حقّ بعض الأشياء:

«إنّه واجب في الحكمة»يعنون به أنّه ثابت متحقّق لا محالة في الوجود،لا يتصوّر أن لا يكون،لا أنّه يجب ذلك بإيجاب موجب.(1:199)

الآلوسيّ: وَ اللّهُ يَخْتَصُّ... جملة ابتدائيّة سيقت لتقرير ما سبق من تنزيل الخير،و التّنبيه على حكمته و إرغام الكارهين له.و المراد من«الرّحمة» ذلك الخير،إلاّ أنّه عبّر عنه بها اعتناء به،و تعظيما لشأنه.

و معنى اختصاص ذلك على القول الأوّل ظاهر، و لذا اختاره من اختاره،و على الأخير انفراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين بمجموعه،و عدم شركة أولئك الكارهين فيه،و عروّهم عن ترتّب آثاره.

و قيل:المراد من الآية:دفع الاعتراض الّذي يشير إليه الحسد بأنّ من له أن يخصّ لا يعترض عليه إذا عمّ.

و في إقامة لفظ(اللّه)مقام ضمير(ربّكم)تنبيه على أنّ تخصيص بعض النّاس بالخير دون بعض يلائم الألوهيّة،كما أنّ إنزال الخير على العموم يناسب الرّبوبيّة.

و الباء داخلة على المقصور أي يؤتي رحمته، و(من)مفعول،و قيل:الفعل لازم و(من)فاعل،و على التّقديرين العائد محذوف.(1:350)

فضل اللّه :فهو يملك العطاء و المنع،و هو يعلم مصالح عباده في ما يعطيهم،أو يمنعهم،و يطّلع على خصائص أوضاعهم الدّاخليّة و الخارجيّة،فيصطفي من رسله من يشاء،و ينزل رسالته على من يشاء، تفضّلا منه و كرما،في خطّ الحكمة الإلهيّة الّتي يختصّ

ص: 185

بها عباده.(2:154)

2- يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. آل عمران:74

مثل ما قبلها.و لإكمال البحوث في هاتين الآيتين راجع:ر ح م:«برحمته»و،ف ض ل:«الفضل» و،خ ي ر:«الخير»و كذلك موادّ:«ص ف ي»، و«ج ب ي»،و«خ ل ص».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخصاص،و هو شبه كوّة في قبّة أو نحوها إذا كان واسعا قدر الوجه،ثمّ جعل للواسع و الضّيّق من الخروق و الخلال،فسمّيت الفرج بين الأثافيّ و الأصابع و بين قذذ السّهم:خصاصا، و منه:خصاص المنخل و الباب و البرقع و غيرها:

خللها،و كذلك كلّ خلل و خرق يكون في السّحاب؛ واحدته:خصاصة،و جمعه:خصاصات.يقال:بدا القمر من خصاصة الغيم.

و الخصّ:بيت من شجر أو قصب؛و الجمع:

أخصاص،و خصاص،سمّي بذلك،لأنّه يرى ما فيه من خصاصة،أي فرجة،و الخصّ أيضا:بيت الخمّار، لأنّه كان في الأصل من شجر أو قصب على الأظهر،أو كان تحت ستار واحد و غير ظاهر للنّاس.

و الخصاصة:ما يبقى في الكرم بعد قطافه،و هو النّبذ القليل؛و الجمع:خصاص،تشبيها بالخصاص.

و الخصاصة:عدم الرّواء و الشّبع.يقال:صدرت الإبل و بها خصاصة،إذا لم ترو،و صدرت بعطشها.

و كذلك الرّجل إذا لم يشبع من الطّعام،و هي الفرجة و الخلّة.

و الخصاصة و الخصاص و الخصاصاء:الفقر و سوء الحال و الخلّة و الحاجة،و ذو و الخصاصة:ذو و الخلّة و الفقر،و هو من هذا الباب،لأنّ الشّيء إذا انفرج و هى و اختلّ.

و منه:الخصوص:ضدّ العموم،لأنّه-كما قال ابن فارس-إذا أفرد واحد فقد أوقع فرجة بينه و بين غيره؛و الاسم:الخصوصيّة و الخصوصيّة و الخصّيّة و الخصّيصى.يقال:خصّه بالشّيء يخصّه خصّا، و خصوصا،و خصّصه،أي أفرده به دون غيره.

و اختصّ فلان بالأمر و تخصّص له:انفرد،و فلان مخصّ بفلان:خاصّ به،و له به خصّيّة،و فعلت ذلك بك خصّيّة و خاصّة،و خصوصيّة و خصوصيّة.

و الخاصّة:خلاف العامّة،و من تخصّه لنفسك، و هو الخصّان،و الخصّان.يقال:إنّما يفعل هذا خصّان النّاس،أي خواصّ منهم.

2-و شهر خصّ:ناقص،و هو القياس،لأنّ النّقص فرجة و خلّة.و اشتقّ أهل المغرب منه فعلا،يقولون:

خصّ،يريدون نقص و أعوز،و يسمّى البربر النّافورة «خصّة»،و جاء في كتاب«تاريخ البربر»لفظ الخصّاص بمعنى ساكن الخصّ. (1)

ص: 186


1- تاريخ البربر(1:150)و(2:38).

الاستعمال القرآنيّ

جاء من«المجرّد»لفظان:(خاصّة)و(خصاصة) كلّ واحد مرّة،و من«الافتعال»لفظ واحد:(يختصّ) مرّتين،في 4 آيات:

1- وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. البقرة:105

2- يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ آل عمران:74

3- وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ الأنفال:25

4- ..وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ... الحشر:9

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه المادّة جاءت في ثلاثة محاور:

الأوّل:الاختصاص بمعنى الاختيار،كما في(1):

وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ، و(2): يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ، و فيه بحوث:

1-استعمل«الاختصاص»في الآيتين-كما يشعر به السّياق-في رسالة النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله فقط،كما استعمل «الاختيار»في مورد موسى عليه السّلام وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى طه:13،و في قومه: وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ الدّخان:32.

و«الإخلاص»في يوسف عليه السّلام: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:24،و في إبراهيم و بنيه: إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ ص:45،و في موسى: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا مريم:51،و في عباد اللّه في جملة من الآيات.

و«الاصطفاء»في موسى عليه السّلام: قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي الأعراف:144،و في إبراهيم و في ذرّيّته و في آدم و نوح: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا البقرة:130، وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ* إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ* وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ ص:45-47، إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ آل عمران:33،و في مريم أيضا: وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ آل عمران:42.

و«الاجتباء»تسع مرّات في اختيار الأنبياء للرّسالة،و هذه الأمّة لدعوتها إلى الإسلام.لاحظ ج ب ي:«اجتبى».

2-المراد بالرّحمة فيهما بشهادة السّياق،الوحي و النّبوّة،و هي رحمة و أيّ رحمة،كما قال: أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ الزّخرف:32.

3-ختمت الآيتان بقوله: وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ تأكيدا لما تقدّم،أي اختصاص النّبيّ بالرّحمة، أي النّبوّة،كما ذكر أغلب المفسّرين.و كذا جاء في أربع سور مدنيّة أيضا:الأنفال:29،و الحديد:21 و 29، و الجمعة:4،و كلّها تعني النّبوّة على الأرجح،انظر «ف ض ل».

4-عدّت النّبوّة فضلا عظيما من اللّه،لأنّها خير

ص: 187

للنّاس عامّة يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ النّساء:170،و كسب علم النّبيّ و قومه معا تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا هود:49،و منّة منه تعالى على المؤمنين خاصّة لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ آل عمران:164.

5-فعل يَخْتَصُّ متعدّ و مفعوله مَنْ يَشاءُ، و الباء في بِرَحْمَتِهِ داخلة على المقصور،و هو بمنزلة المفعول الأوّل للفعل،أي يؤتي رحمته من يشاء من عباده،و يجعلها مقصورة عليه،لاستحقاقه الذّاتيّ الفائض عليه بحسب إرادته عزّ و جلّ،تفضّلا،لا تتعدّاه إلى غيره.لا يجب عليه شيء،و ليس لأحد عليه-أي على اللّه-حقّ.

و قيل:الفعل لازم،و(من)فاعله،و الضّمير العائد إلى(من)-و هو مفعول يَشاءُ -محذوف،أي إنّ اللّه يختصّ من يشاؤه برحمته،و هذا الوجه في(2)أظهر، و الوجه الأوّل أظهر في(1)،و إن اقتضت وحدة السّياق وجها واحدا فيهما،فلاحظ.

6-هذا ما يعمّ الآيتين من البحوث،و يخصّ الأولى أمور نبّه عليها أبو السّعود و غيره بزيادة منّا:

منها:أنّها جملة مستأنفة سيقت لتقرير ما جاء في صدر الآية من تنزيل الخير: ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، و تنبيه على حكمته و إرغام الكارهين له.

و منها:أنّ المراد برحمته:نفس ذلك الخير،و عبّر عنه باعتبار نزوله على المؤمنين ب«الخير»،و باعتبار إضافته إليه تعالى ب«الرّحمة»،اعتناء به و تعظيما لشأنه.

و قيل:إنّ الخير أعمّ من الرّحمة؛حيث يشمل أنواع الخير كلّها،و يعمّ النّاس جميعا،لكنّ الرّحمة- و هي الوحي و النّبوّة-خاصّة بالنّبيّ عليه السّلام.و هو الأظهر و الموافق لما يأتي.

و منها:أنّ إيثار«الاختصاص»على«التّنزيل» المناسب لما قبله أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ و لقوله:

أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ البقرة:90، و بعبارة أخرى جاء فيها تنزيل الخير،و اختصاص الرّحمة،لزيادة تشريف للنّبيّ عليه السّلام،و لمزيد إقناطهم ممّا علّقوا به أطماعهم الفارغة من إطفاء نور الإسلام.

و منها:أنّ إقامة لفظ(اللّه)في وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ، مقام(ربّكم)في مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ، بدل ،للاكتفاء بضمير الفاعل المقدّر في يَخْتَصُّ الرّاجع إلى(ربّكم)،و بعبارة أخرى نسبة«التّنزيل»إلى «ربّكم»،و«الاختصاص»إلى«اللّه»تنبيه على أنّ تخصيص بعض النّاس بالخير و الرّحمة دون بعض يلائم الألوهيّة،كما أنّ إنزال الخير على العموم يناسب الرّبوبيّة،فاللّه بربوبيّته يعمّ الخير للنّاس،بل للعالمين جميعا،و بألوهيّته يخصّ بعض النّاس-و هم الأنبياء عليهم السّلام-برحمة النّبوّة و الوحي.

و منها:أنّ الخطاب فيها يعمّ أهل الكتاب و المشركين،كما قال: ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ

ص: 188

اَلْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ.

7-و أمّا ما يختصّ ب(2)فأمور أيضا:

منها:أنّها خاصّة بأهل الكتاب،كما تشهد به الآيات قبلها ابتداء من: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ... آل عمران:64،و قد كرّر هذا الخطاب فيما بعدها من الآيات أيضا،إلى أن قال:

في 72: وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ...، إلى أن قال:في 73 و 74: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ* يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

و منها:الظّاهر أنّ المراد ب(الفضل)في هاتين الآيتين واحد،و هو الوحي و النّبوّة.و قيل:الأوّل عامّ لكلّ خير،و يشهد به: وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.

و قد رجّحنا في(1)أنّ الخير عامّ للنّاس جميعا، و«الرّحمة»خاصّ بالنّبيّ و غيره من الرّسل،و هي الوحي و النّبوّة،و يشهد به ما قبله: وَ لا تُؤْمِنُوا إِلاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللّهِ....

و منها:أنّه عبّر في هذه الآيات الأخيرة مرّتين ب (الهدى): إِنَّ الْهُدى هُدَى اللّهِ و مرّتين ب (الفضل): أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ، وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ و مرّة ب«الرّحمة»،مع أنّه عبّر في(1)مرّة ب «الخير»،و مرّة ب«الرّحمة»،و مرّة ب(الفضل)،و للّه في كلامه الخيار،و كلّه حقّ و صواب،و لكلّ سرّ و حكمة و صلاح.

المحور الثّاني:الخصوص:نقيض العموم في(3) وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، و فيه بحوث:

1-قرن بعضهم معنى العموم بعد الخصوص في الإصابة بالفتنة،أي إنّها تعمّ الظّالم و المظلوم،و هو قول ابن عبّاس،و خصّها بعض بالظّالم دون غيره،و هو قول يعزى إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،لأنّه قرأ (لتصيبنّ) باللاّم.

و لعلّ القول الثّاني أقرب لسببين:

الأوّل:أنّ القول الأوّل يحتاج إلى تقدير معنيين:

أ-الشّرط،و التّقدير:إن تتّقوا لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّة.

ب-العطف،و التّقدير:و اتّقوا فتنة و لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّة،فهو نهي بعد أمر.

الثّاني:أنّ الغرض منع النّاس من الظّلم،كما يلحظ ذلك في جميع المواضع،و على هذا تكون«لا»زائدة كزيادتها في قوله: ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي طه:92 و 93.

2-ابتدأت الآية بأمر(و اتقوا)،و انتهت بأمر (و اعلموا)،و الأوّل تحذير من الفتنة،و الثّاني تهديد بالعقاب الشّديد،غير أنّ التّحذير قيّد ب خَاصَّةً، و التّهديد أطلق ب شَدِيدُ الْعِقابِ دون تقييد بشيء، فمن ذهب إلى أنّ الفتنة تصيب الظّالم دون المظلوم، اكتفى بالأوّل،أي صدر الآية،و من ذهب إلى أنّها تصيبهما معا،أخذ بهما معا،أي صدر الآية و ذيلها.

3-اختلفوا في إعراب خَاصَّةً على ثلاثة أقوال:

أ-حال من فاعل تُصِيبَنَّ، أي هي العائد على

ص: 189

(فتنة)،فهي مختصّة بهم.

ب-حال من الضّمير في ظَلَمُوا، أي«هم»، فهم مختصّين بإصابة الفتنة.

ج-نعت لمفعول مطلق محذوف،و تقديره:لا تصيبنّ إصابة خاصّة،فهي نصب على المصدريّة أو الحال.

و الثّاني هو الأقرب،لعدم التّقدير فيه،و لقرب الحال من صاحبها من غير أن يفصل بينهما فاصل.

المحور الثّالث:الخصاصة بمعنى الفقر و الحاجة في (4): وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ و قد نزلت في مدح الأنصار،كما هو صريح صدرها: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ...

و ما قبلها وصف للمهاجرين: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ... و الآيتان أبلغ مدح للأنصار و المهاجرين،بما فيهم من الوداد و الإيثار لاحظ:ن ص ر:«الأنصار»،و،ه ج ر:«المهاجرين».

و فيه بحوث:

1-استعمل هذا المعنى-أي الفاقة و الحاجة-في وصف جماعات مختلفة،و خصّت كلّ جماعة بلفظ منه دون غيرها.فقد استعمل لفظ«الخصاصة»في الأنصار ،و«المتربة»في المسكين تأكيدا لفقره: أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ البلد:16،و«العائل»في النّبيّ خاصّة:

وَ وَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى الضّحى:8،و«العيلة»في المؤمنين عامّة: وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ التّوبة:28،و«الفقر»في أصحاب الصّفّة: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ البقرة:

273،و في المهاجرين: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ الحشر:8، و«الإملاق»في المشركين: وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ الأنعام:151، وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ الإسراء:31.

2-وصف حال الأنصار هنا بالخصاصة،أي الاختلال،لأنّ الخصاصة-كما تقدّم-من الخصاص الّذي هو الضّيّق من الخروق و الخلال.و وصف حال المهاجرين في الآية السّابقة بالفقر: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ، و الفقير-كما سيأتي-من الفقار،و هو ما انتضد من عظام الصّلب من لدن الكاهل إلى العجب-أصل الذّنب-،فكأنّ الفقير من كسر فقار ظهره.و بهذا يظهر الفرق بين الفقراء و ذوي الخصاصة،و كان فقراء المهاجرين أسوأ حالا من فقراء الأنصار.

3-أثنى اللّه على الأنصار في هذه الآية أحسن ثناء، فوصفهم بأنّهم يحبّون المهاجرين: يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ، و لا يحسدونهم على ما أعطوا من الغنائم دونهم: وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا، و يفضّلونهم على أنفسهم و لو كانوا ذوي عوز و فاقة:

...وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ...

،و لم يستثن حالهم حتّى عند الحاجة،فيقول مثلا:

و يؤثرون على أنفسهم إلاّ أن تكون بهم خصاصة.و لذا وقاهم شحّ النّفس و جعلهم مفلحين: وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

ص: 190

ثانيا:خصّ اللّه مخاطبة المسلمين بهذه الآيات الأربع،لما فيها من اختصاصه للنّبيّ بالرّحمة،و إصابة ظلمة المؤمنين خاصّة بفتنة،و إيثار الأنصار المهاجرين و لو كان بهم خصاصة.و كلّها مدنيّة و من أوائل ما نزل بالمدينة؛حيث شكّلت فيها بين المؤمنين طائفتان:

الأنصار و المهاجرون.

ص: 191

ص: 192

خ ص ف

اشارة

يخصفان

لفظ واحد،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخصف:ثياب غلاظ جدّا.و يقال:إنّ تبّعا كسا البيت المسوح،فانتفض البيت و مزّقها،ثمّ كساه الخصف فلم يقبلها،ثمّ كساه الأنطاع فقبلها،و هو أوّل من كسا البيت.

و الخصف:لغة في الخزف.

و الخصفة:القطعة ممّا يخصف به النّعل،و المخصف:

مثقبه.

و الخصفة؛و جمعها:الخصاف:جلّة التّمر.

و كتيبة خصيف،أي خصفت من ورائها بخيل،أي أردفت.

و الأخصف:لون كلون الرّماد،فيه سواد و بياض، و هو الخصيف أيضا.

و الخصيف من الجبال:ما كان أبرق سوداء،و قوّة بيضاء،و هو الأخصف أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأخصف:الظّليم،لسواد فيه و بياض؛و الأنثى:

خصفاء.

و الإخصاف:شدّة العدو،و بالهاء أيضا.

و الاختصاف،أن يأخذ العريان ورقا عراضا، فيخصف بعضها على بعض،و يستتر بها.خصف على نفسه بكذا،و اختصف بكذا.(4:188)

سيبويه :و قد جاء شيء منه[الألوان]على «فعيل»،و ذلك[نحو]خصيف،و قالوا:أخصف،و هو أقيس.و الخصيف:سواد إلى الخضرة.(الأزهريّ 4:26)

اللّيث:الإخصاف:سرعة العدو،و أخصف يخصف،إذا أسرع في عدوه.(الأزهريّ 7:148)

ص: 193

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخصيف:لبن المعزى و الضّأن جميعا.(1:219)

الخصف:ما صنع من الخوص؛من بساط،أو جلّة، أو غيره.(1:220)

و قال الأسعديّ: الأخصف:الأبيض،و الأسود.

(1:236)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «أنّ رجلا كان في بصره سوء فمرّ على بئر عليها خصفة فوقع فيها،فضحك القوم في الصّلاة،فأمر بإعادة الوضوء و الصّلاة».

الخصفة:الجلّة الّتي تعمل من الخوص للتّمر؛ و جمعها:خصاف.(أبو عبيد 1:75)

أبو عبيدة :فرس أخصف الجنبين،و هو الأبيض الجنبين،و لون سائره ما كان.

و يكون أخصف بجنب واحد.(الأزهريّ 7:148)

أبو زيد :نعجة خصفاء:إذا ابيضّت خاصرتاها.

يقال للنّاقة إذا بلغت الشّهر التّاسع من يوم لقحت ثمّ ألقته:قد خصفت تخصف خصافا،و هي خصوف.(الأزهريّ 7:148)

و خطه القتير،و لهزه،و خصّفه،و لفعه،و خوّصه، إذا استوى بياضه بسواده.

مثله ابن الأعرابيّ.(الحربيّ 2:723)

الأصمعيّ: و المخصف:مخرز تخرز به أخفاف الإبل.[ثمّ استشهد بشعر](الكنز اللّغويّ:189)

ابن الأعرابيّ: خصّفه الشّيب تخصيفا،و خوّصه تخويصا،و ثقّب فيه تثقيبا:بمعنى واحد.

(الأزهريّ 7:148)

ابن السّكّيت:و الخصف:مصدر خصفت النّعل أخصفها خصفا.

و الخصف:الجلال البحرانيّة.(إصلاح المنطق:65)

ابن دريد :خصفت النّعل أخصفها خصفا،فهي مخصوفة إذا أطبقت و عليها طبقا،فأنا خاصف.

و المخصف:الإشفى الّذي يخصف به.

و كلّ شيء ظاهرت بعضه على بعض فقد خصفته.

و حبل خصيف فيه سواد و بياض.

و كلّ لونين اجتمعا فهما خصيف،و أكثر ما يقال ذلك في السّواد و البياض.و الخصف:جلال البحرين الّتي يكنز فيها التّمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و ظليم أخصف،و نعامة خصفاء:فيهما سواد و بياض.

و فرس أخصف:إذا كان في جنبيه بياض يرتفع عن بطنه.فإذا كان البياض على البطن فهو أنبط.

و الشّاة خصفاء،إذا كانت كذلك.(2:226)

ابن الأنباريّ: و الخصوف:الّتي إذا أتت على مضربها نتجت،أي تعجل ذلك.(137)

القاليّ: يقال للصّبيّ إذا ولد:رضيع و طفل.[إلى أن قال:]

ثمّ فوق الكهل:طعن في السّنّ،ثمّ خصّفه القتير...

(ذيل الأمالي:40)

الأزهريّ: الخصف:الّتي كسا تبّع البيت ليس معناه الثّياب الغلاظ،إنّما الخصف:حصر تسفّ من خوص النّخل،يسوّى منها شقق تلبس بيوت

ص: 194

الأعراب.

و يقال للجلال الّتي تسفّ من الخوص و يكنز فيها التّمر:خصف أيضا.

و منه الحديث الّذي جاء:«أنّ رجلا توطّأ خصفة على رأس بئر،فطاح فيها».

و أهل البحرين يسمّون جلال التّمر خصفا.[ثمّ استشهد بشعر]

[و قيل:]كتيبة خصيف:لما فيها من صدإ الحديد و بياضه.

و قال اللّيث:«الإخصاف:سرعة العدو».

قلت:صحّف اللّيث فيما قال،و الصّواب:أحصف إحصافا،إذا أسرع في عدوه.قاله الأصمعيّ و غيره.

و عن ابن الكلبيّ،عن أبيه قال:كان مالك بن عمرو الغسّانيّ يقال له:فارس خصاف،و كان من أجبن النّاس.

قال:فغزوا قوما فوقف،فأقبل سهم حتّى وقع عند حافر فرسه،فتحرّك ساعة،ثمّ قال:إنّ لهذا السّهم سببا ينجثه،فاحتفر عنه فإذا هو قد وقع على نفق يربوع فأصاب رأسه،فتحرّك اليربوع ساعة ثمّ مات فقال:

هذا في جوف جحر!جاء سهم حتّى قتله!،و أنا ظاهر للنّاس على فرسي:

*ما المرء في شيء و لا اليربوع*

ثمّ شدّ عليهم،فكان بعد ذلك من أشجع النّاس.

قال ابن الكلبيّ: ينجثه:يحرّكه.

قال:و خصاف:فرسه،...و يضرب به المثل فيقال:

أجرأ من فارس خصاف.

قال شمر:و قال ابن الأعرابيّ: إنّ صاحب خصاف كان يلاقي جند كسرى فلا يجترئ عليهم، و يظنّ أنّهم لا يموتون كما يموت النّاس،فرمى يوما رجلا منهم بسهم فصرعه فمات،فقال:«إنّ هؤلاء يموتون كما نموت نحن»،فاجترأ عليهم فكان من أشجع النّاس.(7:146-148)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و نعجة خصفاء:هي الّتي ابيضّت خاصرتاها.

و الخصوف من الإبل:نقيض الجرور،و من النّساء:الّتي تضع في تاسعها و لا تدخل العاشر.

و المخصف من الإبل:الّتي إذا أتت على مضربها نتجت.

و أخصفت ناقتك:صارت خصوفا.و المخصّف من الرّجال:الضّيّق الخلق،و تخصيفه:جهده في التّكلّف بما ليس عنده.و هم يخصفون أقدامهم بأقدام غيرهم.

و الخصاصيف حصاير من خوص؛واحدها:

خصّاف.و في المثل:«أجرأ من خاصي خصاف».

و خصاف اسم فرس.(4:250)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«...في أيّ الخربتين أو في أيّ الخرزتين»[و روي:]«...أو في أيّ الخصفتين».

و الخرزة:الثّقبة،و الخصفة مثل الخرزة،و هو من قولك:خصفت النّعل،و منه المخصف،و هو الحديدة الّتي يثقب بها النّعال.[ثمّ استشهد بشعر](1:375)

جاء في الحديث:«إذا دخل أحدكم الحمّام فعليه بالنّشير و لا يخصف».

ص: 195

و قوله:«و لا يخصف»،معناه لا يضع يده على فرجه.و منه قولهم:خصفت النّعل:إذا أطبقت عليها قطعة.و من هذا قوله تعالى: وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ الأعراف:22.(3:196)

الجوهريّ: الخصف:النّعل ذات الطّراق،و كلّ طراق منها خصفة.و الخصفة بالتّحريك:الجلّة الّتي تعمل من الخوص للتّمر،و جمعها:خصف و خصاف.

و خصفة أيضا:أبو حيّ من العرب،و هو خصفة ابن قيس عيلان.

و الأخصف:الأبيض الخاصرتين من الخيل و الغنم، و هو الّذي ارتفع البلق من بطنه إلى جنبيه.

و الأخصف:لون كلون الرّماد،فيه سواد و بياض.

و كتيبة خصيف،و هو لون الحديد.و يقال:

خصفت من ورائها بخيل،أي ردفت،فلهذا لم تدخلها الهاء،لأنّها بمعنى«مفعولة»فلو كانت للون الحديد لقالوا:خصيفة،لأنّها بمعنى«فاعلة».

و كلّ لونين اجتمعا فهو خصيف.و الخصيف:اللّبن الحليب يصبّ عليه الرّائب.فإن جعل فيه التّمر و السّمن فهو العوبثانيّ.

و خصفت النّعل:خرزتها،فهي نعل خصيف.

و المخصف:الإشفى.

و خصفت النّاقة تخصف خصافا:إذا ألقت ولدها و قد بلغ الشّهر التّاسع،فهي خصوف.

و يقال:الخصوف هي الّتي تنتج بعد الحول من مضربها بشهر،و الجرور بشهرين.

و خصاف مثل قطام:اسم فرس.

و في المثل:«هو أجرأ من خاصي خصاف» (1)و ذلك أنّ بعض الملوك طلبه من صاحبه ليستفحله، فمنعه إيّاه و خصاه.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(4:1350)

ابن فارس: الخاء و الصّاد و الفاء أصل واحد يدلّ على اجتماع شيء إلى شيء.و هو مطّرد مستقيم.

فالخصف خصف النّعل،و هو أن يطبّق عليها مثلها.

و المخصف:الإشفى و المخرز.

و من الباب الاختصاف،و هو أن يأخذ العريان على عورته ورقا عريضا أو شيئا نحو ذلك يستتر به.

و الخصيفة:اللّبن الرّائب يصبّ عليه الحليب.

و من الباب،و إن كانا يختلفان في أنّ الأوّل جمع شيء إلى شيء مطابقة،و الثّاني جمعه إليه من غير مطابقة،قولهم:حبل خصيف:فيه سواد و بياض.

و من الباب«الخصفة»،و هي الجلّة من التّمر؛و تكون مخصوفة.

و من الّذي شذّ عن هذه الجملة قولهم للنّاقة:إذا وضعت حملها بعد تسعة أشهر:خصفت تخصف خصافا،و هي خصوف.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(2:186)

الهرويّ: قوله: يَخْصِفانِ عَلَيْهِما الأعراف:22، أي يطبقان على أبدانهما ورقة ورقة.و منه يقال:ب.

ص: 196


1- قيل:إنّ خصاف على وزن قطام،فرس أنثى فكيف تخصى.و صحّة المثل.من خاصي خصاف،بالتّنوين ككتاب.

خصف نعله،و هو إطباق طاق على طاق.

و في الحديث:«و هو قاعد يخصف نعله».

و أصل الخصف:الجمع و الضّمّ.(2:560)

ابن سيده: خصف النّعل يخصفها خصفا:ظاهر بعضها على بعض.

و كلّ ما طورق بعضه على بعض فقد خصف.

و الخصف:قطعة ممّا تخصف به النّعل.

و المخصف:المثقب.

و قوله[في الحديث]:«فما زالوا يخصفون أخفاف المطيّ بحوافر الخيل حتّى لحقوهم»،يعني أنّهم جعلوا آثار حوافر الخيل على آثار أخفاف الإبل،فكأنّهم طارقوها بها،أي خصفوها بها،كما تخصف النّعل.

و خصف العريان على نفسه الشّيء يخصفه:

وصله و ألزقه.

و تخصّفه،و كذلك.

و رجل مخصف و خصّاف:صانع لذلك،عن السّيرافيّ.

و الخصفة:جلّة التّمر.

و قيل:هي البحرانيّة من الجلال خاصّة.و جمعها:

خصف و خصاف.

و الخصف:ثياب غلاظ جدّا.

و الخصف:الخزف.

و خصفه الشّيب،إذا استوى البياض و السّواد.

و حبل أخصف،و خصيف:فيه لونان من سواد و بياض.

و قيل:الخصيف:لون كلون الرّماد.

و رماد خصيف:فيه سواد و بياض،و ربّما سمّي الرّماد بذلك.

و الأخصف من الخيل:الأبيض الجنبين و سائر لونه ما كان،و قد يكون أخصف بجنب واحد.

و الأخصف:الظّليم،لسواد فيه و بياض.

و الخصفاء من الضّأن:الّتي ابيضّت خاصرتاها.

و الخصوف من النّساء:الّتي تلد في التّاسع و لا تدخل في العاشر،و هي من مرابيع الإبل الّتي تنتج لخمس و عشرين بعد المضرب و الحول،و من المصايف:الّتي تنتج بعد المضرب و الحول بخمس.

و قيل:الخصوف من الإبل:الّتي تنتج إذا أتت على مضربها تماما لا ينقص.

و قال ابن الأعرابيّ: هي الّتي تنتج عند تمام السّنة.

و الفعل من كلّ ذلك:خصفت تخصف خصافا.

و خصفة:قبيلة من محارب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](5:61)

خصف النّعل يخصفها خصفا:خرزها.

و الخصفة:قطعة ممّا يخصف به النّعل.

و المخصف،و الخصاف:المثقب.

و رجل مخصف،و خصّاف:يخصف النّعل.

(الإفصاح 1:396)

الخصفة:الجلّة من الخوص،يجفّف عليها التّمر و اللّحم.(الإفصاح 1:417)

الخصفة:تعمل من خوص يشرّ عليها الأقط،أي يوضع.(الإفصاح 1:462)

الخصاف:خصفت النّاقة بولدها تخصف خصفا

ص: 197

و خصافا:بلغت به التّاسع ثمّ وضعته،و هي خصوف.

و اختصفت:صارت خصوفا.(الإفصاح 2:717)

الخصفاء:الّتي ابيضّت خاصرتاها،خصفت تخصف خصفا،و هو أخصف؛و الجمع:خصف.

(الإفصاح 2:786)

الخصفة:الجلّة العظيمة الّتي تكون عدلا؛و الجمع:

خصاف.(الإفصاح 2:1154)

الطّوسيّ: المخصف:المثقب الّذي يخصف به النّعل.

و الخصّاف:الّذي يرقع النّعل.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«خاصف النّعل في الحجرة» يعني عليّا عليه السّلام.

و الإخصاف:سرعة العدو،لأنّه يقطعه بسرعة.

و الخصف:ثياب غلاظ جدّا،لأنّه يعسر قطعها لغلظها.(4:401)

الرّاغب: قال تعالى: وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما أي يجعلان عليهما خصفة،و هي أوراق.و منه قيل لجلّة التّمر:خصفة،و للثّياب الغليظة؛جمعه:خصف، و لما يطرق به الخفّ:خصفة.

و خصفت النّعل بالمخصف.

و روي:«كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يخصف نعله».

و خصفت الخصفة:نسجتها.

و الأخصف و الخصيف،قيل:الأبرق من الطّعام، و هو لونان من الطّعام.و حقيقته:ما جعل من اللّبن و نحوه في خصفة فيتلوّن بلونها.(149)

الزّمخشريّ: خصف النّعل:أطبق عليها مثلها و خرزها بالمخصف.

و حبل خصيف،و أخصف:أبرق.

و كتيبة خصيف:لبياض الحديد و سواد الصّدإ.

و من المجاز:خصف خرقة أو يده على عورته، و اختصف بها:استتر.

و هم يخصفون أقدام القوم بأقدامهم،أي يتّبعونهم فيطبقونها عليها.

و الخيل تخصف أخفاف الإبل بحوافرها.

و عن بعض العرب:احتثّوا كلّ جماليّة عيرانة، فما زالوا يخصفون أخفاف المطيّة بحوافر الخيل حتّى أدركوهم،أي ركبوا الإبل و جنّبوا الخيل وراءهم.

و خصّفت فلانا:أربيت عليه في الشّتم.

و خصّف الشّيب لمّته:جعلها خصيفا.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](أساس البلاغة:112)

[في حديث النّبيّ: ]«أقبل رجل في بصره سوء،فمرّ ببئر عليها خصفة،فوقع فيها...».

الخصفة:واحدة الخصف و هي جلال نجرانيّة (1)يكنز فيها التّمر و كأنّه«فعل»بمعنى«مفعول»من الخصف،و هو ضمّ الشّيء إلى الشّيء،لأنّه شيء مرمول من خوص،و منه خصف النّعل و شبّه به ضرب من الثّياب الغلاظ جدّا،فقيل له:خصف.

(الفائق 1:373)

الطّبرسيّ: الخصف،أصله:الضّمّ و الجمع،و منه:

خصف النّعل.[ثمّ أدام مثل الطّوسيّ](2:407)ف.

ص: 198


1- و في كتب اللّغة كافّة:«بحرانيّة»،لعلّه تصحيف.

ابن الشّجريّ: و الخصف:ضمّ الشّيء إلى الشّيء و إلصاقه به.و منه قولهم:خصفت النّعل،أي رقعتها.و صانعها:خصّاف،و الإشفى:مخصف.

(2:340)

ابن الأثير: [ذكر أحاديث نحو ما ذكرناه](2:37)

الفيّوميّ: خصف الرّجل نعله خصفا من باب«ضرب»فهو خصّاف،و هو فيه كرقع الثّوب.

و المخصف بكسر الميم:الإشفى.

و الخصفة:الجلّة من الخوص للتّمر؛و الجمع:

خصاف،مثل رقبة و رقاب.(1:171)

نحوه الطّريحيّ.(5:46)

الفيروزآباديّ: الخصف:النّعل ذات الطّراق، و كلّ طراق خصفة.

و خصف النّعل يخصفها:خرزها،و الورق على بدنه:ألزقها،و أطبقها عليه ورقة ورقة،كأخصف و اختصف.

و النّاقة خصافا بالكسر:ألقت ولدها،و قد بلغ الشّهر التّاسع.

و الخصوف:الّتي تنتج بعد الحول من مضربها بشهرين.

و الخصفة محرّكة:الجلّة تعمل من الخوص للتّمر، و الثّوب الغليظ جدّا؛جمعها:خصف و خصاف.

و خصفة أيضا:ابن قيس عيلان.

و كجمزى:موضع.

و الأخصف:الأبيض الخاصرتين من الخيل و الغنم، و من الجبال،و الظّلمان:الّذي فيه بياض و سواد، و موضع.

و كتيبة خصيفة ذات لونين،لون الحديد و غيره.

و الخصيف،كأمير:الرّماد،و النّعل المخصوفة،و اللّبن الحليب يصبّ عليه الرّائب،و ابن عبد الرّحمن:

محدّث.

و كشدّاد:الكذّاب،و من يخصف النّعال.

و سماء مخصوفة:ملساء خلقاء،أو ذات لونين،فيها سواد و بياض.و الخصفة،بالضّمّ:الخرزة.و أخصف:

أسرع.

و التّخصيف:سوء الخلق،و الاجتهاد في التّكلّف بما ليس عندك.

و خصّفه الشّيب تخصيفا:استوى هو و السّواد.

(3:138)

مجمع اللّغة :خصف الشّيء على الشّيء يخصفه خصفا:ألصقه.(1:338)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خصف النّعل:أطبق عليها مثلها و خرزها بالمخصف.(1:164)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو جعل قطعة مكان ما انخرق و انتقص من الشّيء،و ضمّها إليه و وصلها به،و إصلاحه.و هذا المعنى قريب من مفهوم الرّقع و الخرز و الخسف،إلاّ أنّ الرّقع في الثّياب فقط،و الخرز هو الخياطة في الجلد، و قد سبق أنّ الخسف هو الغئور و الورود،فراجعها.

و أمّا اللّزق و اللّصق،فبمعنى الوصل فقط،مطلقا.

فيظهر التّناسب بين هذا الأصل و بين المعاني المستعملة المذكورة[في كتب اللّغة]و لا بدّ من اعتبار

ص: 199

الأصل و ملاحظة خصوصيّاته في الموارد كلّها، و لا يصحّ الاستعمال المطلق فيها،من دون حفظ الخصوصيّة.(3:69)

النّصوص التّفسيريّة

يخصفان

1- فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ...

الأعراف:22

ابن عبّاس: يلزقان على عوراتهما.(125)

يجعلان على سوآتهما.

[في حديث آخر:]يلصقان بعضها إلى بعض.

(الطّبريّ 5:451)

مجاهد :يرقعان،كهيئة الثّوب.(الطّبريّ 5:451)

ابن كعب القرظيّ: يأخذان ما يواريان به عورتهما.(الدّرّ المنثور 3:432)

قتادة :يوصلان عليهما من ورق الجنّة.

(الدّرّ المنثور 3:432)

زيد بن عليّ: فجعلا يخصفان الورق بعضه إلى بعض:يضعانه.(194)

السّدّيّ: يغطّيان عليهما.(258)

نحوه القمّيّ.(1:225)

أبو عبيدة :و يخصفان الورق بعضه إلى بعض.

(1:212)

الأخفش: و[من]قال:(يخصّفان)جعلها من يختصفان،فأدغم التّاء في الصّاد فسكّنت،و بقيت الخاء ساكنة فحرّكت الخاء بالكسر،لاجتماع السّاكنين.

و منهم من يفتح الخاء و يحوّل عليها حركة التّاء،و هو كقوله:(امّن لا يهدي)يونس:35،و قال بعضهم:

(يهدي الاّ ان يهدى).(2:515)

اليزيديّ: ظلاّ يخيطان الورد بعضه إلى بعض.

(144)

الطّبريّ: أقبلا و جعلا يشدّان عليهما من ورق الجنّة،ليواريا سوآتهما.(5:451)

الزّجّاج: يجعلان ورقة على ورقة،و منه قيل للخصّاف الّذي يرقع النّعل:هو يخصف.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز يخصفان و يخصّفان،و الأصل:الكسر في الخاء و فتحها و تشديد الصّاد،و يكون المعنى يختصفان.(2:327)

السّجستانيّ: أي جعلا يلصقان ورق التّين،و هو يتهافت عنهما.[و قال أيضا:]

أي يلصقان الورق بعضه على بعض.و منه خصفت نعلي،إذا طبقت عليها رقعة،و أطبقت طاقا على طاق.(64)

النّحّاس: أي أخذا يلزقان،و منه خصفت النّعل، أي رقعتها.(3:22)

نحوه الشّربينيّ.(1:468)

الثّعلبيّ: يوقعان (1)و يشدّان.[و قال أيضا:]

يمزّقان و يصلان،حتّى صار بهيئة الثّوب،و منه

ص: 200


1- هكذا في الأصل،و الظّاهر:يرقعان

خصف النّعل.(4:224)

الماورديّ: أي يقطعان.(2:211)

الطّوسيّ: يقطفان من ورق الجنّة ليستترا به، و يجوزان بعضه إلى بعض...

و كان الحسن يقرأ (يخصّفان) بمعنى يختصفان.

(4:401)

الواحديّ: يطبقان على أبدانهما الورق.

(2:375)

البغويّ: يرقعان و يلزقان و يصلان،...حتّى صار كهيئة الثّوب.(2:184)

نحوه الخازن.(2:180)

الزّمخشريّ: يخصفان ورقة فوق ورقة على عوراتهما ليستترا بها،كما يخصف النّعل بأن تجعل طرقة على طرقة و توثق بالسّيور.

و قرأ الحسن: (يخصّفان) بكسر الخاء و تشديد الصّاد،-و أصله يختصفان.و قرأ الزّهريّ:

(يخصفان) من«أخصف»و هو منقول من خصف،أي يخصفان أنفسهما.و قرئ (يخصّفان) من خصّف بالتّشديد.(2:73)

نحوه البيضاويّ.(1:345)

ابن عطيّة: معناه يلصقانها و يضمّان بعضها إلى بعض،و المخصف:الإشفى،و ضمّ الورق بعضه إلى بعض أشبه بالخرز منه بالخياطة.

[ثمّ ذكر القراءات كما في الزّمخشريّ إلاّ أنّه أضاف:]

و قرأ الحسن فيما روى عنه محبوب: (يخصّفان) بفتح الياء و كسر الخاء و كسر الصّاد و شدّها.

(2:386)

ابن الجوزيّ: [نحو الزّجّاج ثمّ قال:]

و في الآية دليل على أنّ إظهار السّوأة قبيح من لدن آدم؛أ لا ترى إلى قوله: لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما الأعراف:20،فإنّهما بادرا يستتران لقبح التّكشّف.(3:180)

مثله الفخر الرّازيّ(14:49)،و النّيسابوريّ(8:

91).

القرطبيّ: [ذكر القراءات ثمّ قال:]

و المعنى يقطعان الورق و يلزقان ليستترا به...

(7:180)

أبو حيّان :أي جعلا يلصقان ورقة على ورقة و يلصقانهما،بعد ما كانت كساهما حلل الجنّة ظلاّ يستتران بالورق.

و الأولى أن يعود الضّمير في(عليهما)على عورتيهما،كأنّه قيل:يخصفان على سوآتهما من ورق الجنّة،و عاد بضمير الاثنين،لأنّ الجمع يراد به اثنان.

و لا يجوز أن يعود الضّمير على آدم و حوّاء،لأنّه تقرّر في علم العربيّة أنّه لا يتعدّى فعل الظّاهر و المضمر المتّصل إلى المضمر المتّصل المنصوب لفظا أو محلاّ،في غير باب«ظنّ،و فقد،و علم،و وجد»لا يجوز:زيد ضربه،و لا ضربه زيد،و لا زيد مرّ به زيد.فلو جعلنا الضّمير في(عليهما)عائدا على آدم و حوّاء للزم من ذلك تعدّي«يخصف»إلى الضّمير المنصوب محلاّ،و قد رفع الضّمير المتّصل و هو الألف في يَخْصِفانِ فإنّ

ص: 201

أخذ ذلك على حذف مضاف مراد،جاز ذلك، و تقديره:يخصفان على بدنيهما.

و قرأ الزّهريّ (يخصفان) من«أخصف»فيحتمل أن يكون«أفعل»بمعنى«فعل»و يحتمل أن تكون الهمزة للتّعدية من«خصف»أي يخصفان أنفسهما، و قرأ الحسن و الأعرج و مجاهد و ابن وثّاب (يخصّفان) بفتح الياء و كسر الخاء و الصّاد و شدّها.

و قرأ الحسن فيما روى عنه محبوب كذلك،إلاّ أنّه فتح الخاء،و رويت عن ابن بريدة و عن يعقوب،و قرئ (يخصّفان) بالتّشديد من«خصّف»على وزن«فعّل».

و قرأ عبد اللّه بن يزيد(يخصّفان)بضمّ الياء و الخاء و تشديد الصّاد و كسرها،و تقرير هذه القراءات في علم العربيّة.(4:280)

السّمين:[نحو أبي حيّان إلاّ أنّه قال في قراءة عبد اللّه بن يزيد:]

و هي من«خصّف»بالتّشديد،إلاّ أنّه أتبع الخاء للياء قبلها في الحركة،و هي قراءة عسرة النّطق.

و يدلّ على أنّ أصلها من«خصّف»بالتّشديد قراءة بعضهم كذلك،إلاّ أنّه يفتح الخاء على أصلها.

(3:251)

أبو السّعود :أي أخذا يرقعان و يلزقان ورقة فوق ورقة.(2:485)

مثله البروسويّ.(3:146)

الآلوسيّ: أي يرقعان و يلزقان ورقة فوق ورقة،و أصل معنى الخصف:الخرز في طاقات النّعال و نحوها بإلصاق بعضها ببعض.و قيل:أصله:الضّمّ و الجمع.(8:101)

نحوه المراغيّ.(8:118)

القاسميّ: قال الجشميّ:تدلّ على أنّ ستر العورة كان من شريعة آدم و قد استدلّ قوم بالآية على وجوب السّتر.

قال القاضيّ: و ليس في الآية ما يوجب الوجوب؛ إذ ليس فيها أكثر من أنّهما فعلا ذلك.

قال الأصمّ:و تدلّ على أنّ السّتر من خلق آدم و حوّاء،و أنّهما كرها التّعرّي و إن لم يكن لهما ثالث، ففي ذلك دليل على قبح التّعرّي إلاّ عند الحاجة.

(7:2642)

الطّباطبائيّ: الخصف:الضّمّ و الجمع،و منه خصف النّعل.(8:35)

عبد الكريم الخطيب :و في قوله تعالى: وَ طَفِقا يَخْصِفانِ.. إشارة إلى موالاة الخصف من ورق الشّجر.و الخصف:جمع الشّيء إلى الشّيء و خياطته به.

(4:382)

المصطفويّ: أي فبدت لهما سوءات أنفسهما و مراتب الضّعف و المحدوديّة و القصور في ذاتهما، و هذا حين غفلتهما عن الحقّ المتعال،و توجّههما إلى أنفسهما بأكل من الشّجرة،فطفقا يصلحان ما انخرم و ما انتقص،و يطابقان عليهما من ورق الجنّة الخضرة.

و هذا هو المقصود من عورتيهما،أي ما كان مستورا عليهما.راجع:«السّوءة و الشّجرة».

فظهر لطف التّعبير بها دون الرّقع و الخرز و اللّصق و اللّزق.

ص: 202

و أمّا التّعبير بقوله تعالى: وَ طَفِقا يَخْصِفانِ..

دون يخصفانهما:إشارة إلى أنّ المنظور هو السّتر و التّغطية،دون الإزالة و محو السّوءة،فإنّه إنّما يحصل بتوبة اللّه المتعال إليه،فتاب عليه و هدى.(3:70)

فضل اللّه : وَ طَفِقا يَخْصِفانِ.. ليسترا سوءاتهما في إحساس بالحاجة إلى ذلك،بطريقة غريزيّة،من خلال شعورهما بالدّور الخجول للعورة،أو لأمر آخر يعلمه اللّه،و سقطا في الامتحان و أخفقا في التّجربة، و بدأ هناك شعور خفيّ بالخيبة و المرارة نتيجة إحساسهما،بأنّهما ارتكبا ما لا يجب أن يرتكباه.

و ربّما تذكّرا نهي اللّه لهما عن الأكل من الشّجرة،و ربّما يكونان قد عاشا بعض الحيرة في ما يفعلانه في موقفهما هذا،فهذا أمر جديد لا يعرفان كيف يتصرّفان فيه.(10:56)

2- فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى. طه:121

نحو ما قبلها.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخصف،أي قطعة ممّا تخرز بها النّعل و تخاط،و هو الخصفة أيضا.يقال:

خصف النّعل يخصفها خصفا:إذا ظاهر بعضها على بعض و خرزها،و هي نعل خصيف،و الخصف:النّعل ذات الطّراق،و كلّ طراق منها خصفة،و المخصف:

المثقب و الإشفى.

و الاختصاف:أن يأخذ العريان ورقا عراضا، فيخصف بعضها على بعض،أي يوصلها و يلزقها، فيستتر بها.يقال:خصف يخصف و اختصف يختصف،إذا فعل ذلك،و خصف و تخصّف:وضع يده على فرجه،و هو رجل مخصف و خصّاف.

و الخصفة:جلّة التّمر الّتي تعمل من الخوص، تشبيها بخصفة النّعل؛و الجمع:خصف و خصاف، و هي لغة بحرانيّة،و أهل العراق يسمّونها حلاّنة؛ «فعلانة»من«ح ل ل»،و الجمع:حلاّن.و الخصف:

ثياب غلاظ جدّا،تشبيها بالخصف المنسوج من الخوص.

و كتيبة خصيفة:خصفت من ورائها بخيل،أي أردفت،كأنّها وصلت بوصلة.يقال:خصفت الإبل الخيل،أي تبعتها.

و الخصيف:اجتماع لونين،و أصله:ما جعل من اللّبن و نحوه في خصفة،فيتلوّن بلونها،كما قال ابن فارس:حبل خصيف و أخصف،أي فيه لونان من سواد و بياض،و رماد خصيف:فيه سواد و بياض، و خصّفه الشّيب:استوى البياض و السّواد.

و الأخصف من الخيل و الغنم:الأبيض الخاصرتين و الجنبين،و سائر لونه ما كان،و الأخصف:الظّليم، لسواد فيه و بياض،و النّعامة خصفاء،و الخصفاء من الضّأن:الّتي ابيضّت خاصرتها،و يقال أيضا:كتيبة خصفاء،لما فيها من صدإ الحديد و بياضه.

و الخصوف من النّساء:الّتي تلد في التّاسع و لا

ص: 203

تدخل في العاشر،كأنّها وصلت حملها بتمامه و غايته، و كذلك النّاقة:إذا بلغت الشّهر التّاسع من يوم لقحت ثمّ ألقت ولدها.يقال:خصفت تخصف خصافا،و هي خصوف.

2-و جاء في كتاب العين:«الإخصاف:شدّة العدو،و بالهاء أيضا (1)»،و تعقّبه الأزهريّ قائلا:

«صحّف اللّيث فيما قال،و الصّواب:أحصف-بالحاء -إحصافا،إذا أسرع في عدوه؛قاله الأصمعيّ و غيره.

و قال العجّاج:

*ذار،إذا لاقى العزاز أحصفا*. (2)

و جاء فيه أيضا:«الخصف:لغة في الخزف»، (3)و هو من الإبدال كقولهم:«نشصت المرأة على زوجها و نشزت،و هو النّشوز و النّشوص». (4)

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المضارع مرّتين في آيتين:

1- فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ...

الأعراف:22

2- فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ... طه:121

يلاحظ أوّلا:أنّ الخصف لغة الضّمّ و اللّصق،و فيهما بحوث:

1-فسّروا يَخْصِفانِ ب«يرقعان»كهيئة الثّوب يلزقان ورقة فوق ورقة،يلزقان على عوراتهما، يلصقان ورقة على ورقة،يلصقانها إلى بعض،يقطعان الورق و يلزقان،يضمّان بعضها إلى بعض،يرقعان يشدّان يصلان حتّى صار بهيئة الثّوب،يجعلان ورقة على ورقة،يجعلان على سوآتهما،يخيطان الورق بعضه إلى بعض،يغطّيان،يقطفان،يضعان،يأخذان ما يواريان به عوراتهما،يوصلان عليهما من ورق الجنّة يقطعان.

و الظّاهر أنّها اختلاف في التّعبير يرجع إلى واحد، إلاّ أنّ بعضها تفسير باللاّزم مثل«يخيطان»و«يرقعان» ،لأنّ الخصف في اللّغة-كما تقدّم-الضّمّ،و الجمع،و الوصل،و جعل شيء على شيء و نحوها،دون «الخيط،و الرّقع»إلاّ في مثل خصف النّعل،و هو لا يناسب«الورق»،بل كلمة«على»في عَلَيْهِما تناسب الوضع و الجعل و نحوهما.

2-جاء الفعل يَخْصِفانِ في الآيتين قاصرا، و الأصل فيه:التّعدّي،و التّقدير:و طفقا يخصفان عليهما ورق الجنّة،و لعلّه استوفى مفعوله تقديرا، بتقدير لفظ«شيء»مثلا:و طفقا يخصفان عليهما شيئا من ورق الجنّة.أو تأويلا،بجعل«من»تبعيضيّة،أي و طفقا يخصفان عليهما بعض ورق الجنّة،و هذا هو الصّواب.

و لعلّ قصور الفعل-لو صحّ-إشارة إلى

ص: 204


1- العين(4:189).
2- التّهذيب(7:148).
3- العين(4:189).
4- انظر مادّة«ن ش ص»من الصّحاح.

قصور آدم و حوّا عن طاعة اللّه،كما في السّوءة،فهي الخلّة القبيحة و العورة،فذكرهما هنا حسن في اللّفظ و المعنى معا.لاحظ:س و أ:«سوءاتهما».

3-استعمل الخصف دون سائر الألفاظ،نحو:

الخياطة كما في التّوراة،أو اللّصق،أو الرّقع،أو غيرها.

و لعلّ في ذلك إشارة إلى لطيفة أخرى من إشارات القرآن،لأنّ حروف«خصف»مهموسة رخوة،و هذه الصّفة تحاكي صوت قطف الورق الغضّ،ففي الأخبار أنّ آدم و حواء أخذا يقطفان ورق شجر الجنّة، و يجعلانها على عوراتهما،ليوارياها و يتواريا عن نظر الرّبّ خجلا و وجلا منه،فكان القطف و الخصف خفية و خفتا كالهمس.

4-قال أبو حيّان:«الأولى أن يعود الضّمير في عَلَيْهِما على عورتيهما،كأنّه قيل:يخصفان على سوآتهما من ورق الجنّة،و عاد بضمير الاثنين،لأنّ الجمع يراد به اثنان.و لا يجوز أن يعود الضّمير على آدم و حوّاء،لأنّه تقرّر في علم العربيّة أنّه لا يتعدّى فعل الظّاهر و المضمر المتّصل إلى المضمر المنصوب لفظا أو محلا في غير باب ظنّ،و فقد،و علم،و وجد»، إلى آخر ما قال.

و عندنا أنّ المراد من يَخْصِفانِ عَلَيْهِما يخصفان على أنفسهما في محلّ سوآتهما،لا أنّ الضّمير المثنّى يرجع إلى سَوْآتِهِما -و هي مؤنّثة-بما فيه من التّكلّف،و لم يثبت ما ادّعاه في العربيّة.

و يؤكّد ما ذكرنا أنّ ضمير التّثنية تكرّر في هذه الآية و ما قبلها و ما بعدها في«الأعراف»الآيات (19-23)،(27)مرّة،و في«طه»الآيات(17-23)، (8)مرّات،و كلّها راجع إلى آدم و زوجه، فلاحظ.

5-نبّه فضل اللّه على أنّ ستر سوآتهما كان بطريقة غريزيّة،من خلال شعورهما بالدّور الخجول للعورة،أو لأمر آخر يعلمه اللّه،و قد شعرا بالخيبة و المرارة إحساسا منهما بارتكاب الجريمة...

و لعلّه كان من أجل أنّها كانت مستورة فانكشفت بأكلهما من الشّجرة عصيانا فستراها حياء و علما بأنّ كشفها قبيح و دليل على العصيان.

و كيف كان فقد منّ اللّه على بني آدم بذلك: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ الأعراف:26.

6-احتجّ بعضهم بهذه الآية على وجوب ستر العورة،و لا تدلّ عليها إلاّ تحسينا و أدبا،لا حكما و تكليفا.و كيف كان،فيعلم منه قدم هذا الأدب من لدن هبوط آدم إلى الأرض،ثمّ ورثته ذرّيّته في جميع الأعصار،و الأمصار،و الأديان،و العادات و التّقاليد.

و قد تكلّف المصطفويّ بحمل سَوْآتِهِما على مراتب الضّعف و القصور في ذاتهما،دون عورتهما، فطفقا يصلحان ما انتقص منهما،و أنّ في التّعبير ب يَخْصِفانِ، دون غيره ممّا ذكره المفسّرون لطف،و أنّ قوله: يَخْصِفانِ عَلَيْهِما دون«يخصفانهما»إشارة إلى أنّ المراد بهما؟السّتر و التّغطية،دون الإزالة و محو السّوء،فإنّه إنّما يحصل بالتّوبة.

و فيما ذكره أوّلا نظر.نعم ربّما تأكّد الآية

ص: 205

الاستحياء من عمل المنكرات عامّة.

7-حذّر اللّه آدم في سورة الأعراف من الأكل من الشّجرة،و حذّره في سورة طه من إبليس،و وسوس الشّيطان في(1)لآدم و حوّاء،و في(2)لآدم فقط.

و استعمل الفعل ذاقَا في(1)،و الفعل فَأَكَلا في (2)،و استعمل بَدَتْ بدون فاء في(1)،و فَبَدَتْ بفاء في(2).و ذكر الهبوط من الجنّة في(1)جمعا: قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ، و مثنّى في(2): قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ. و لكلّ من هذه الفروق نكات ظريفة،و سنتناولها في مواضعها إن شاء اللّه تعالى.

8-قرئت(يخصفان و يخصفان)بكسر الصّاد و فتحها و مخفّفة،و(يخصّفان)بتشديد الصّاد- و أصله:يختصفان-و(يخصفان)من باب الإفعال.

و القراءة الدّارجة هي الأولى.و لم يذكر الطّبريّ اختلاف القراءات هنا مع أنّه يذكرها في الآيات،إذا ثبتت عند القرّاء في الأمصار و الأعصار،فكأنّهما لم تثبت عنده هنا.

ثانيا:أنّ إبداء سوآت آدم و زوجه و خصفهما من ورق الجنّة يختصّ بسورتين مكّيّتين فحسب!!مع ذكر قصّتهما في سورة البقرة المدنيّة:(31-37)بدونه، اكتفاء في ذكر القبيح بما مضى مرّتين،و بأنّه لا يتناسق مع ذكر فضل آدم على الملائكة و تعليمه الأسماء في سورة البقرة و غيرها.

ثالثا:ليس لهذه المادّة نظائر في القرآن.

ص: 206

خ ص م

اشارة

12 لفظا،18 مرّة:13 مكّيّة،5 مدنيّة

في 12 سورة:8 مكّيّة،4 مدنيّة

خصمون 1:1 اختصموا 1:-1

خصيم 2:2 يختصمون 4:3-1

خصيما 1:-1 يخصّمون 1:1

الخصام 2:1-1 تختصمون 1:1

الخصم 1:1 تختصموا 1:1

خصمان 2:1-1 تخاصم 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخصم:واحد و جميع،قال اللّه عزّ و جلّ:

وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ص:

21،فجعله جمعا،لأنّه سمّي بالمصدر.

و خصيمك:الّذي يخاصمك؛و جمعه:خصماء.

و الخصومة:الاسم من التّخاصم و الاختصام.

يقال:اختصم القوم و تخاصموا،و خاصم فلان فلانا،مخاصمة و خصاما.

و الخصم:طرف الرّاوية الّذي بحيال العزلاء في مؤخّرها،و الطّرف الأعلى هو العصم،و هي:الأخصام.

و زوايا الوسائد و الجواليق و الفرش كلّها أخصام؛ واحدها:خصم.(4:191)

اللّيث:[نحو الخليل إلاّ أنّه قال:]

و الخصم:طرف الرّاوية الّذي بحيال العزلاء في مؤخّرها،و طرفها الأعلى هو العصم،و هي الأعصام الّتي عند الكلية،و هي من كلّ شيء.

(الأزهريّ 7:154)

سيبويه :اعلم أنّك إذا قلت:فاعلته،فقد كان من غيرك إليك،مثل ما كان منك إليه حين قلت:فاعلته،

ص: 207

و مثل ذلك:ضاربته و فارقته و كارمته و عازّني و عاززته و خاصمني و خاصمته.

فإذا كنت أنت فعلت قلت:كارمني فكرمته.

و اعلم أنّ«يفعل»من هذا الباب على مثال «يخرج»نحو عازّني فعززته أعزّه و خاصمني فخصمته أخصمه،و شاتمني فشتمته أشتمه.

و تقول:خاصمني فخصمته أخصمه.(4:68)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أخصام الدّلو:زواياها، و آذانها:عراها،و هي الخرب،و الواحدة:خربة.

(1:221)

أبو زيد :أخصمت فلانا،إذا لقّنته حجّته على خصمه.و خصمت فلانا:غلبته فيما خاصمته فيه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:155)

ابن السّكّيت: و تقول:هو خصمي،و لا تقل:

خصمي،و هما خصمي.قال اللّه جلّ و عزّ: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ ص:21.

و من العرب من يثنّيه و يجمعه،فيقول:هما خصمان،و هم خصوم.

و يقال أيضا للخصم:خصيم،و الجمع:خصماء.

(إصلاح المنطق:163)

و يقال:خاصمته حتّى أفحمته،أي قطعته عن الخصومة.(إصلاح المنطق:250)

الزّجّاج: [راجع النّصوص اللّغويّة](1:277)

ابن دريد :الخصم:الفاعل،و الخصيم:المفعول به، يتصرّف على وجهين.(1:188)

الخصم:المخاصم و المخاصم،و هما خصمان.[أي] كلّ واحد منهما يخاصم صاحبه.

و فلان خصمي و فلانة خصمي،الذّكر و الأنثى و الواحد و الجمع فيه سواء في اللّغة الفصيحة.

و في التّنزيل: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ... ص:

2،فهذا في معنى الجمع،يعني الملائكة الّذين دخلوا على داود ففزع منهم.

و قالوا:خصم و خصمان و خصوم.

و رجل خصم و خصيم،إذا كان جدلا.و في التّنزيل: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58.

و الخصام:مصدر خاصمته مخاصمة و خصاما.

و في التّنزيل: وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ الزّخرف:18.

و قد جمعوا خصيما:خصماء،مثل عليم و علماء، و جمعوا خصما:خصوما.

و الخصم:و الجمع:أخصام:جوانب العدل أو الجوالق الّذي يحمل فيه،يقال:خذ بأخصامه أي بنواحيه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:227)

و أخصوم،و هو عروة الجوالق أو العدل.

(3:427)

باب ما يكون الواحد و الجماعة فيه سواء في النّعوت:

...[منها]قوم خصم و رجل خصم.(3:428)

الأزهريّ: [نقل كلام اللّيث و قال:]

قلت:خصم كلّ شيء:ناحيته و طرفه،من المزادة و الفراش و غيرهما.

و أمّا عصم الرّوايا فهي الحبال الّتي تنشب في

ص: 208

عراها و تشدّ بها على ظهر البعير؛واحدها:عصام، و قد أعصمت المزادة،إذا شددتها بالعصامين.

و قيل للخصمين:خصمان،لأخذ كلّ واحد منهما في شقّ من الحجاج و الدّعوى.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«ما فعلت الدّنانير الّتي أنسيتها في خصم الفراش فبتّ و لم أقسمها؟».

و خصوم السّحابة:جوانبها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:هو خصمي،و هؤلاء خصمي.(7:154)

الصّاحب:[نحو الخليل،و أضاف:]

و الخصومة:مصدر التّخاصم و الخصام.

و أخصم فلان فلانا:لقّنه حجّته حتّى يخصم بها خصمه.

و الخصم:طرف الرّاوية الّذي بحيال العزلاء في مؤخّرها.

و الأخصام:الّذي عند الكلية من كلّ شيء.

و الخصوم:أفواه الأودية.و الأصول في قول الطّرمّاح:

*حمائم سرحات تسامى خصومها*

و الأخصوم:عروة الجوالق.(4:255)

الخطّابيّ: ...عن أمّ سلمة قالت:«دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو ساهم الوجه،فخشيت ذلك من وجع،فقلت:يا رسول اللّه!ما لك ساهم الوجه؟قال:

من أجل الدّنانير السّبعة الّتي أمسينا و لم نقسّمها،و هي في خصم أو خضم الفراش.

و الخصم:النّاحية من الشّيء و الزّاوية منه.

(1:533)

و في حديث المغيرة:«...خصمة حطمة»و الخصمة:

الشّديد الخصومة،و الهاء تقع في نعت المذكّر بمعنى المبالغة و التّأكيد.(2:546)

الجوهريّ: الخصم:معروف،يستوي فيه الجمع و المؤنّث،لأنّه في الأصل مصدر.

و من العرب من يثنّيه و يجمعه فيقول:خصمان و خصوم.

و الخصيم أيضا:الخصم،و الجمع:خصماء.

و خاصمته مخاصمة و خصاما،و الاسم:

الخصومة.

و خاصمت فلانا فخصمته أخصمه بالكسر،و لا يقال بالضّمّ،و هو شاذّ.

و منه قرأ حمزة (تاخذهم و هم يخصمون) يس:

49،لأنّ ما كان من قولك:فاعلته ففعلته،فإنّ«يفعل» منه يردّ إلى الضّمّ إذا لم يكن فيه حرف من حروف الحلق،من أيّ باب كان من الصّحيح.تقول:عالمته فعلمته أعلمه بالضّمّ،و فاخرته ففخرته أفخره بالفتح لأجل حرف الحلق.

و أمّا ما كان من المعتلّ مثل وجدت،و بعت، و رميت،و خشيت،و سعيت،فإنّ جميع ذلك يردّ إلى الكسر إلاّ ذوات الواو،فإنّها تردّ إلى الضّمّ.تقول:

راضيته فرضوته أرضوه،و خاوفني فخفته أخوفه.

و ليس في كلّ شيء يكون هذا،لا يقال:نازعته فنزعته،لأنّهم استغنوا عنه ب«غلبته».

و أمّا من قرأ: وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ يريد يختصمون فيقلب التّاء صادا فيدغمه،و ينقل حركته إلى الخاء.

ص: 209

و منهم من لا ينقل و يكسر الخاء لاجتماع السّاكنين، لأنّ السّاكن إذا حرّك حرّك إلى الكسر،و أبو عمرو يختلس حركة الخاء اختلاسا.و أمّا الجمع بين السّاكنين فيه فلحن.

و الخصم بكسر الصّاد:الشّديد الخصومة.

و الخصم:بالضّمّ:جانب العدل و زاويته.يقال للمتاع إذا وقع في جانب الوعاء من خرج أو جوالق أو عيبة:قد وقع في خصم الوعاء،و في زاوية الوعاء.

و خصم كلّ شيء:جانبه و ناحيته.

و أخصام العين:ما ضمّت عليه الأشفار.

و اختصم القوم و تخاصموا،بمعنى.

و السّيف يختصم جفنه،إذا أكله من حدّته.

(5:1912)

نحوه الرّازيّ.(196)

ابن فارس: الخاء و الصّاد و الميم أصلان:

أحدهما:المنازعة،و الثّاني:جانب وعاء.

فالأوّل:الخصم الّذي يخاصم.و الذّكر و الأنثى فيه سواء.

و الخصام:مصدر خاصمته مخاصمة و خصاما.

و قد يجمع الجمع على خصوم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأصل الثّاني:الخصم جانب العدل الّذي فيه العروة.و يقال:إنّ جانب كلّ شيء خصم.

و أخصام العين:ما ضمّت عليه الأشفار.و يمكن أن يجمع بين الأصلين فيردّ إلى معنى واحد.و ذلك أنّ جانب العدل مائل إلى أحد الشّقّين،و الخصم:المنازع في جانب؛فالأصل واحد.(2:187)

أبو هلال:الفرق بين المعاداة و المخاصمة:أنّ المخاصمة من قبيل القول،و المعاداة من أفعال القلوب.

و يجوز أن يخاصم الإنسان غيره من غير أن يعاديه، و يجوز أن يعاديه و لا يخاصمه.(107)

الهرويّ: الخصم يصلح للواحد و الجمع و الذّكر و الأنثى.تقول:هذا خصمي و هي خصمي،و إنّما تصلح أن يكون كذلك،لأنّه مصدر خصمته خصما،كأنّك قلت:هو ذو خصم.

و في الحديث:«...في خصم الفراش...»خصم كلّ شيء طرفه و ناحيته،و منه قيل للخصمين:خصمان، لأنّ كلّ واحد منهما يأخذ في ناحية من الدّعوى غير ناحية أخيه.

و منه قول سهل بن حنيف يوم صفّين لمّا حكّم الحكمان:«هذا أمر لا يسدّ و اللّه منه خصم إلاّ انفتح علينا منه خصم آخر».

و في دعائه:«اللّهمّ بك خاصمنا»أي بحجّتك أخاصم من خاصمني من الكفّار و أجاهدهم.

(2:562)

نحوه ابن الأثير.(2:38)

الثّعالبيّ: قال الشّعبيّ في كلام له في مجلس عبد الملك بن مروان:رجلان جاءوني،فقال عبد الملك:

لحنت يا شعبيّ،قال:يا أمير المؤمنين:لم ألحن مع قول اللّه عزّ و جلّ: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ الحجّ:19،فقال عبد الملك:للّه درّك يا فقيه العراقين،قد شفيت و كفيت.(331)

أبو سهل الهرويّ: و تقول:هو خصم،أي ذو

ص: 210

خصومة،و هي خصم،و هما خصم،و هم خصم،و هنّ خصم،للواحد و الاثنين و الجميع و المؤنّث على حال واحدة،لأنّه في الأصل مصدر:خصمت الرّجل أخصمه خصما،إذا غلبته في المخاصمة،و هي المصارعة في الشّيء و المطالبة بحقّ و غيره،فلمّا جعل «الخصم»صفة لم يثنّ و لم يجمع و لم يؤنّث،إنّ المصدر كذلك،لأنّه يدلّ بلفظه على القليل و الكثير كأسماء الأجناس،كالرّز و الزّيت و العسل و ما أشبهها.فإذا اختلفت أنواعها جاز تثنيتها و جمعها...(التّلويح:41)

و هو خصم الرّجل:للّذي ينازعه في الأمر و يطالبه.(التّلويح:43)

ابن سيده: الخصومة:الجدل.

خاصمه خصاما و مخاصمة،فخصمه يخصمه، خصما:غلبه بالحجّة.

و اختصم القوم،و تخاصموا.

و خصمك:الّذي يخاصمك،و جمعه:خصوم.و قد يكون الخصم للاثنين و الجمع و المؤنّث.

و الخصيم،كالخصم،و الجمع:خصماء و خصمان.

و رجل خصم:جدل،على النّسب،و في التّنزيل:

بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58،و قوله تعالى:

يَخِصِّمُونَ يس:49،فيمن قرأ به لا يخلو من أحد أمرين:إمّا أن تكون الخاء مسكّنة البتّة،فتكون التّاء من(يختصمون)مختلسة الحركة.و إمّا أن تكون التّاء مشدّدة،فتكون الخاء مفتوحة بحركة التّاء المنقول إليها،أو مكسورة لسكونها و سكون الصّاد الأولى.

و حكى ثعلب:خاصم المرء في تراث أبيه،أي تعلّق بشيء،فإن أصبته و إلاّ لم يضرّك الكلام.

و الخصم:الجانب،و الجمع:أخصام.

و الخصم:طرف الرّاوية الّذي بحذاء العزلاء في مؤخّرها،و طرفها الأعلى هو العصم،و الجمع:أخصاء.

و قيل:أخصام المزادة،و خصومها:زواياها.

و خصوم السّحابة:جوانبها.

و الأخصام:الّتي عند الكلية،و هي من كلّ شيء.

و الأخصوم:عروة الجوالق،أو العدل.

و الخصمة:من خرز الرّجال يلبسونها إذا أرادوا أن ينازعوا قوما أو يدخلوا على سلطان،فربّما كانت تحت فصّ الرّجل إذا كانت صغيرة،و تكون في زرّه، و ربّما جعلها في ذؤابة السّيف.[و استشهد بالشّعر مرّتين](5:66)

الطّوسيّ: و الخصام،هو المخاصمة.تقول:

خاصمه يخاصمه مخاصمة،و خصاما،و تخاصما، و اختصما اختصاما،و استخصمهم استخصاما.

و الخصم:طرف الرّاوية الّذي بحيال العزلاء من مؤخّرها،و طرفها الأعلى هو العصم.

و الأخصام من كلّ شيء:جوانبه،كجوانب الجوالق الّذي فيه العرى،يحمل به.و أصل الباب:

الخصومة.(2:178)

الرّاغب: الخصم:مصدر خصمته-أي-نازعته، خصما،يقال:خاصمته و خصمته مخاصمة و خصاما.

قال تعالى: وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ البقرة:204، وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ الزّخرف:18،ثمّ سمّي المخاصم خصما،و استعمل للواحد و الجمع و ربّما

ص: 211

ثنّي.و أصل المخاصمة أن يتعلّق كلّ واحد بخصم الآخر،أي جانبه،و أن يجذب كلّ واحد خصم الجوالق من جانب.

و روي:«نسيته في خصم فراشي»،و الجمع:

خصوم و أخصام.

و قوله: خَصْمانِ اخْتَصَمُوا الحجّ:19 أي فريقان و لذلك قال: اِخْتَصَمُوا، و قال: لا تَخْتَصِمُوا ق:

28،و قال: وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ آل عمران:44.

و الخصيم:الكثير المخاصمة،قال: فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ النّحل:4.

و الخصم:المختصّ بالخصومة،قال: قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58.(149)

البطليوسيّ: و الخصم و الخصم و الخصيم و المخاصم سواء،و قد خاصمته مخاصمة و خصاما.

(509)

الزّمخشريّ: اختصموا و تخاصموا،و هذا يوم التّخاصم.

و خاصمته فخصمته أخصمه.

و كنّا في خصومة وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ البقرة:

204،و رجل خصم بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:

58.

و هو خصمه و خصيمه،و هم خصومه و خصماؤه.

و أخصم صاحبه:لقّنه حجّته حتّى خصم، و خاصمه مخاصمة.

وضعه في خصم الفراش و هو جانبه.

و خذوا بأخصام الغرارة،و هي جوانبها الّتي فيها العرى.[ثمّ استشهد بشعر]

و أخذ بخصم الرّاوية و عصمها فرفعها،أي بطرفها الأسفل و طرفها الأعلى.

و من المجاز:قولهم في الأمر إذا اضطرب:لا يسدّ منه خصم إلاّ انفتح خصم آخر.

(أساس البلاغة:113)

[ذكر حديث أمّ سلمة و سهل بن حنيف كما سبق عن الهرويّ و أضاف:]

و المخاصمة:من الخصم،كما أنّ المشاقّة من الشّقّ،لأنّ المتجاذبين كلاهما منحاز إلى جانب.

(الفائق 1:375)

ابن برّيّ: خصم كلّ شيء جانبه و ناحيته.[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 12:182)

الحرّانيّ: الخصام:القول الّذي يسمع المصيخ، و يولج في صماخه ما يكفّه عن زعمه و دعواه.

(الزّبيديّ 8:278)

الفيّوميّ: الخصم:يقع على المفرد و غيره، و الذّكر و الأنثى بلفظ واحد،و في لغة:يطابق في التّثنية و الجمع،و يجمع على خصوم و خصام،مثل بحر و بحور و بحار.

و خصم الرّجل يخصم،من باب«تعب»،إذا أحكم الخصومة فهو خصم و خصيم.

و خاصمته مخاصمة و خصاما فخصمته أخصمه من باب«قتل»،إذا غلبته في الخصومة.

و اختصم القوم:خاصم بعضهم بعضا.(1:171)

ص: 212

الفيروزآباديّ: الخصومة:الجدل.خاصمه مخاصمة و خصومة فخصمه يخصمه:غلبه،و هو شاذّ،لأنّ فاعلته ففعلته يردّ«يفعل»منه إلى الضّمّ إن لم تكن عينه حرف حلق،فإنّه بالفتح،كفاخره ففخره يفخره.

و أمّا المعتلّ كوجدت و بعت فيردّ إلى الكسر،إلاّ ذوات الواو،فإنّها تردّ إلى الضّمّ،كراضيته فرضوته أرضوه،و خاوفني فخفته أخوفه.

و ليس في كلّ شيء يقال:نازعته،لأنّهم استغنوا عنه ب«غلبته».

و اختصموا:تخاصموا.

و الخصم:المخاصم؛جمعه:خصوم،و قد يكون للاثنين و الجمع و المؤنّث.

و الخصيم:المخاصم جمعه:خصماء و خصمان.

و رجل خصم كفرح:مجادل؛جمعه:خصمون.

و من قرأ (و هم يخصّمون) أراد يختصمون،فقلب التّاء صادا فأدغم،و نقل حركته إلى الخاء.و منهم من لا ينقل و يكسر الخاء لاجتماع السّاكنين.

و أبو عمرو يختلس حركة الخاء اختلاسا،و أمّا الجمع بين السّاكنين فيه فلحن.

و الخصم بالضّمّ:الجانب و الزّاوية و النّاحية،و طرف الرّاوية الّذي بحيال العزلاء في مؤخّرها،جمعه:

أخصام و خصوم.

و أخصام العين:ما ضمّت عليه الأشفار.

و الأخصوم:الأخسوم.

و الخصمة بالفتح:من حروز الرّجال تلبس عند المنازعة أو الدّخول على السّلطان.

و السّيف يختصم بالضّاد و غلط الجوهريّ.

و الخصوم:الأصول و أفواه الأودية.(4:108)

الطّريحيّ: و الخصم بفتح الخاء:الخصيم،و أصله مصدر.و الذّكر و الأنثى و الجمع فيه سواء،و قد يثنّى و يجمع.

و الخصم بكسر الصّاد:الشّديد الخصومة قال تعالى: هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58.

قوله: يَخِصِّمُونَ يس:49،بالتّشديد أي يختصمون،فأد