عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .
مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ، 1419ق . = -1377.
مشخصات ظاهری : ج.
فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.
شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال : ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال : ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال : ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال : ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال : ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال : ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال : ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :
يادداشت : عربی .
يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.
يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.
يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.
يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...
يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).
يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).
يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).
يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).
يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).
يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).
يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).
يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).
يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).
يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.
يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).
يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).
يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).
مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س
موضوع : قرآن -- واژه نامه ها
Qur'an -- Dictionaries
موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها
Qur'an -- Encyclopedias
شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، 1385-1304.
شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، 1308 -
شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar
شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، 1322 -
شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا
شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن
شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی
رده بندی کنگره : BP66/4 /م57 1377
رده بندی دیویی : 297/13
شماره کتابشناسی ملی : 582410
اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا
ص: 1
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الموسوعة القرآنيّة الكبرى
المعجم فى فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته
المجلّد الخامس عشر
تأليف و تحقيق
قسم القرآن بمجمع البحوث الاسلاميّة
بإشراف مدير القسم الاستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانىّ
ص: 2
المؤلّفون
الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ
ناصر النّجفيّ
قاسم النّوريّ
محمّد حسن مؤمن زاده
حسين خاك شور
السيّد عبد الحميد عظيمي
السيّد جواد سيّدي
السيّد حسين رضويان
علي رضا غفراني
محمّد رضا نوري
السيّد علي صبّاغ دارابي
أبو القاسم حسن پور
و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص
إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين
ص: 3
مؤتمر تكريم خدمة القرآن الكريم في ميدان الأدب المصنّف.1421 ق
الكتاب النّخبة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.1422 ق
مؤتمر الكتاب المنتخب الثّالث للحوزة العلميّة في قم.1422 ق
الدّورة الثّانية لانتخاب و عرض الكتب و المقالات الممتازة في حقل القرآن.1426 ق
الملتقى الثّاني للكتاب النّخبة الّذي يعقد كلّ سنتين في محافظة خراسان الرّضويّة.1426 ق
ص: 4
تصدير 7
خ ب ء 9
خ ب ت 21
خ ب ث 33
خ ب ر 79
خ ب ز 131
خ ب ط 137
خ ب ل 163
خ ب و 173
خ ت ر 181
خ ت م 187
خ د د 255
خ د ع 275
خ د ن 335
خ ذ ل 343
خ ر ب 353
خ ر ج 377
خ ر د ل 531
خ ر ر 537
خ ر ص 565
خ ر ط م 581
خ ر ق 593
خ ز ن 619
خ ز ي 659
خ س أ 717
خ س ر 733
الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 859
الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 867
ص: 5
ص: 6
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
نحمدك اللّهمّ ربّ العالمين،و نصلّي و نسلّم على رسولك المصطفى محمّد سيّد المرسلين،و على آله الطّاهرين و صحبه الميامين،و التّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.
و بعد،فنشكر اللّه تبارك و تعلى شكرا جزيلا على أن منّ علينا و وفّقنا لتقديم المجلّد الخامس عشر من موسوعتنا القرآنيّة الكبرى:«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»إلى العلماء عامّة،و لا سيّما المختصّين منهم بعلوم القرآن،الّذين يسارعون بفارغ الصّبر إلى الوقوف على ما يهدى إليهم من هذه الموسوعة،مجلّدا بعد مجلّد، مقدّرين للمؤلّفين مساعيهم الجميلة،و مثمّنين جهودهم الكبيرة،خدمة لكتاب ربّهم و المعجزة الخالدة لنبيّهم،و الحجّة البالغة على النّاس أجمعين.
و قد احتوى هذا المجلّد 25 كلمة من حرف الخاء،ابتداء ب«خبأ»و انتهاء ب «خسر»،و أطول مادّة منها«خرج»ثمّ«خسر».و يتلوه المجلّد السّادس عشر و قسم من السّابع عشر فيما بقي من حرف الخاء إن شاء اللّه تعالى.
نسأله تعالى دوام التّوفيق و السّداد إلى إنجاز الأمل فيما بقي من العمل،فإنّه واهب العطايا و المنن،و عليه وحده نتوكّل،و الحمد للّه ربّ العالمين.
محمّد واعظ زاده الخراسانيّ
مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة
في الآستانة المقدّسة الرّضويّة
الثّالث من شعبان المعظّم عام 1430 ه ق
ص: 7
ص: 8
الخبء
لفظ واحد،مرّة واحدة:في سورة مكّيّة
الخليل :الخبء:ما خبأت من ذخيرة ليوم ما.
و امرأة مخبّأة،أي معصر قبل أن تتزوّج.
و الخباء،مهموز ممدود:سمة تخبأ في موضع خفيّ من الدّابّة،و هي لذيعة بالنّار؛و الجميع:أخبئة،على الأصل مهموز.
و في الحديث:«اطلبوا الرّزق في خبايا الأرض».
(4:315)
اللّيث:خبأت الشّيء أخبؤه خبأ.
(الأزهريّ 7:603)
أبو عبيدة :الخابية،أصلها الهمز،من«خبأت».
(الأزهريّ 7:605)
ابن السّكّيت: و الخبأة:المرأة الّتي تخنس بعد الاطّلاع.(3:372)
و قد اختبأت من فلان،إذا استحييت.
(إصلاح المنطق:149)
و الخبء:ما خبئ،خبأت الشّيء أخبؤه.
(إصلاح المنطق:151)
ابن أبي اليمان :الخبأ:كلّ ما خبأته.(91)
الحربيّ: إذا خبأ شخص شيئا في كفّه فقد صبن، و صبن الكأس:صرفها.(2:799)
ابن دريد :ثلاثة (1)أشياء تركت العرب الهمزة فيها،و هي:«الذّرّيّة»من ذرأ اللّه الخلق،و«البريّة»من برأ اللّه الخلق،و«النّبيّ»لأنّه من النّبأ مهموز،و«الخابية» من خبأت الشّيء.(2:312)
و خبأت الشّيء أخبأه خبأ،و الشّيء مخبوء،و هو الخبء يا هذا.
و الخبأة بالفتح و التّسكين:الفتاة الّتي تخبأ وجهها
ص: 9
تارة و تبديه أخرى.
و الخباء:اشتقاقه من خبأت.
و تخبّأت خباء،إذا اتّخذته.
و اختبأت لك خبيئا،إذا عمّيت له شيئا ثمّ سألته عنه.
و خبيّة:اسم المخبوء،و خبيّة:اسم امرأة.(3:201)
جارية خبأة:تخبأ وجهها.و جارية قبعة:تختبئ تارة و تقبع أخرى،أي تظهر وجهها.(3:424)
الأزهريّ: و في الحديث:«اطلبوا الرّزق في خبايا الأرض».قيل:معناه:الحرث،و إثارة الأرض للزّراعة.
و أصله:من الخبء،الّذي قال اللّه عزّ و جلّ فيه:
يُخْرِجُ الْخَبْءَ النّمل:25.
و واحدة الخبايا:خبيئة.
و قيل:المخبّأة هي المخدّرة الّتي لا بروز لها من الجواري.[ثمّ ذكر قول أبي زيد و أبي عبيدة في الخابية و أضاف:]
قلت:العرب تترك الهمز في«أخبيت»و«خبّيت» و في«الخابية»،لكثرتها في كلامهم،استثقلوا الهمز.
(7:604)
الصّاحب: الخبأة و الخبء:ما خبأت من ذخيرة، خبأ الإنسان يخبأ خبأ.و يقولون:«لا مخبأ لعطر بعد عروس».
و امرأة مخبأة:هي المعصر قبل أن تزوّج.
و الخباء ممدودة:سمة يخبأ في موضع خفيّ من النّاقة النّجيبة؛و جمعه:أخبئة،مهموز.
و خابأتك ما كذا،أي حاجيتك.
و كيد خابئ و خائب.(4:427)
الخطّابيّ: حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ابتغوا الرّزق في خبايا الأرض».يتأوّل على وجهين:أحدهما:الحرث و الزّراعة،و الآخر:استخراج ما في المعادن من جواهر الأرض.(1:202)
الجوهريّ: خبأت الشّيء خبأ،و منه:الخابية.و هي الحبّ،إلاّ أنّ العرب تركت همزه.
و الخبء:ما خبئ،و كذلك:الخبيء،على«فعيل».
و خبء السّماوات:القطر.و خبء الأرض:النّبات.
و اختبأت:استترت،و جارية مخبّأة،أي مستترة.
و الخبأة مثال الهمزة:المرأة الّتي تطّلع ثمّ تختبئ.
(1:46)
ابن فارس: الخاء و الباء و الحرف المعتلّ و الهمزة يدلّ على ستر الشّيء.فمن ذلك:خبأت الشّيء أخبؤه خبأ.
و الخبأة:الجارية تخبأ.
و من الباب:الخباء؛تقول:أخبيت إخباء،و خبّيت و تخبّيت،كلّ ذلك إذا اتّخذت خباء.(2:244)
ابن سيده: خبأ الشّيء يخبؤه خبأ:ستره.
و امرأة خبأة:تلزم بيتها و تستتر.
و العرب تقول:خبأة خير من يفعة سوء،أي بنت تلزم البيت تخبأ نفسها فيه،خير من غلام سوء لا خير فيه.
و الخبء:ما خبئ؛سمّي بالمصدر.
و الخبأة،و الخبيئة،جميعا:ما خبئ.
و الخبيء:ما عمّي من شيء،ثمّ حوجي به.و قد
ص: 10
اختبأه.
و خبيئة:اسم امرأة.(5:240)
الرّاغب: يخرج الخبء،يقال ذلك لكلّ مدّخر مستور.و منه قيل:جارية خبأة،و هي الجارية الّتي تظهر مرّة و تخبأ أخرى.
و الخباء:سمة في موضع خفيّ.(142)
الزّمخشريّ: له خبيئة خبأها ليوم حاجته،و له خبايا.
«لا مخبأ لعطر بعد عروس».و لفلان مخابئ و مخازن.
و أخرج خبء السّماء خبء الأرض،أي المطر النّبات.
و خبّأت الجارية،و جارية مخبّأة،و نساء مخبّآت، و مخبآت.
و امرأة خبأة:تخنس بعد الاطّلاع.
و أخبأت من فلان:استترت منه.
و اختبأت له خبيئا،إذا عمّيت له شيئا،ثمّ سألته عنه.
و خابأتك،أي حاجيتك.[ثمّ استشهد بشعر]
و له خابية من خلّ و خواب؛و الأصل:
الهمز.(أساس البلاغة:102)
«ابتغوا الرّزق في خبايا الأرض».هي جمع خبيئة، و هو المخبوء،و قياس جمعها:خبائئ بهمزتين،المنقلبة عن ياء«فعيلة»و لام الفعل،إلاّ أنّهما استثقل اجتماعهما فقلبت الأخيرة ياء،لانكسار ما قبلها،ثمّ قيل:خبائي كعذارى و مدارى،فحصلت الهمزة بين ألفين فقلبت ياء.
و نظيرها«خطايا»في جمع خطيئة.
و المراد:ما يخبؤه الزّرّاع من البذر،فيكون حثّا على الزّراعة،أو ما خبأه اللّه تعالى في معادن الأرض.
(الفائق 1:350)
[و في حديث:]«قد اختبأت عند اللّه خصالا»،أي ادّخرتها،و جعلتها خبيئة لنفسي.(الفائق 1:351)
المدينيّ: [في حديث:]«لم أر كاليوم و لا جلد مخبّأة».
المخبّأة:الجارية المعصر الّتي لم تتزوّج بعد،لأنّ صيانتها أبلغ ممّن قد تزوّجت.(1:541)
ابن الأثير: في حديث ابن صيّاد:«قد خبأت لك خبأ».الخبء:كلّ شيء غائب مستور.يقال:خبأت الشّيء أخبؤه خبأ،إذا أخفيته.
و الخبء و الخبيء و الخبيئة:الشّيء المخبوء.و منه الحديث:«ابتغوا الرّزق في خبايا الأرض».
و منه الحديث:«و لفظت له خبيئها»أي ما كان مخبوء فيها من النّبات:تعني الأرض،و هو«فعيل»بمعنى «مفعول».(2:3)
الفيّوميّ: خبأت الشّيء خبأ،مهموز،من باب «نفع»:سترته،و منه الخابية،و ترك الهمز تخفيفا لكثرة الاستعمال،و ربّما همزت على الأصل.
و خبأته:حفظته،و التّشديد تكثير و مبالغة.
و الخبء بالفتح:اسم لما خبئ.(1:163)
الفيروزآباديّ: خبأه كمنعه:ستره كخبّأه و اختبأه.
و امرأة خبأة كهمزة:لازمة بيتها.
و الخبء:ما خبئ و غاب كالخبيء و الخبيئة.و من
ص: 11
الأرض:النّبات،و من السّماء:القطر،و موضع بمدين، و واد بالمدينة،و بهاء:البنت.
و الخباء ككتاب:سمة في موضع خفيّ من النّاقة النّجيبة؛جمعه:أخبئة.و من الأبنية معروف،أو هي يائيّة.و خبيئة:بنت رياح بن يربوع...
و المخبأة كمكرمة:الجارية المخدّرة لم تتزوّج بعد.
و كيد خابئ:خائب.
و خابأته ما كذا:حاجيته.
و اختبأ له خبيئا:عمّى له شيئا ثمّ سأله عنه.
و الخابئة:الحبّ،تركوا همزتها.(1:13)
الطّريحيّ: في الحديث:«ما عبد اللّه بشيء أحبّ إليه من الخباء»،يعني التّقيّة و الاستتار،يقال:خبأت الشّيء خبأ من باب«نفع»:سترته.
و في الحديث:«هذا من المخبيّات ممّا علّمني ربّي»أي المستورات الّتي لم تظهر لكلّ أحد.(1:118)
مجمع اللّغة :خبأه يخبؤه خبئا:ستره و أخفاه.
و الخبء:المخبوء.(1:217)
نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:156)
محمود شيت:خبأه خبئا:ستره.و حفظه.
أخبأه،و خبّأه:خبأه.اختبأ:استتر.و الشّيء:ستره، و ادّخره.
الخابية:وعاء الماء الّذي يحفظ فيه؛جمعه:الخوابي.
و أصل الخابية:الخابئة،و أصل الخوابي:الخوابئ، سهّلت الهمزة فيها للتّخفيف.
الخبء:المدّخر،و المخبوء.
الخباء:بيت من وبر أو شعر أو صوف يكون على عمودين أو ثلاثة،و المنزل؛جمعه:أخبية.و أصله:أخبئة، سهّلت الهمزة للتّخفيف.
الخبأة:المخبوء،و المدّخر.
المخبأ:الملجأ يلجأ إليه العسكريّون أثناء القصف من الجوّ أو الأرض؛جمعه:مخابئ.(1:209)
المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الاستتار الشّديد؛بحيث لا يدركه الحواسّ الظّاهرة،و بهذا القيد تتميّز و تفترق عن مادّة:السّتر و الخفي و الحذر.فإنّ السّتر مطلق الاستتار،و الخفاء في مقابل الظّهور،و الحذر يؤخذ فيه مفهوم المحدوديّة المانعة عن التّظاهر و التّحرّك.[إلى أن قال:]
و ظهر أيضا أنّ إطلاق هذه المادّة على معنى الحفظ و الخمود و الخباء،باعتبار كون الخباء حافظا و ساترا، و خمود النّار يقرب من كونها مستورة و قريبة من الخفاء، كما أنّ المحفوظيّة كذلك.[راجع«خ ب ي»]
و إطلاق الخبأ مصدرا على المخبوّ مبالغة،كالعدل على العادل،ففي الخبإ مبالغة زائدة من الخبيئة.
و أمّا عموميّة الخبأ و شموله على جميع مراتب الوجود الإمكانيّ من الجواهر و الأعراض،إذا كانت في السّتر و الخفاء و الكمون،ثمّ أخرجت و ظهرت و تحقّقت،فلا يقتضي المقام بسط المقال فيها.(3:3)
أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ. النّمل:25
ابن عبّاس: ما خبئ فِي السَّماواتِ من المطر
ص: 12
وَ الْأَرْضِ من النّبات.(317)
نحوه ابن زيد(الماورديّ 4:204)،و القمّيّ(2:
127).
يعلم كلّ خبيئة في السّماء و الأرض.
مثله سعيد بن جبير،و مجاهد،و عكرمة.
(ابن كثير 5:230)
ابن المسيّب:الماء.(ابن كثير 5:230)
سعيد بن جبير: غيب السّماوات و الأرض.
مثله مجاهد،و عكرمة،و قتادة.(الماورديّ 4:204)
مجاهد : اَلْخَبْءَ فِي السَّماواتِ: الغيث.(الطّبريّ 9:511)
ما غاب.(النّحّاس 5:127)
قتادة :السّرّ.(النّحّاس 5:127)
زيد بن عليّ: معناه المطر،و الخفايا.(305)
أبو عبيدة :ما خبأت في نفسك،أي ما أسررت.(2:94)
ابن زيد :خبء السّماء و الأرض:ما جعل اللّه فيها من الأرزاق؛و المطر من السّماء،و النّبات من الأرض، كانتا رتقا لا تمطر هذه،و لا تنبت هذه،ففتق السّماء و أنزل منها المطر،و أخرج النّبات.(الطّبريّ 9:511)
الفرّاء: (الخبء)مهموز،و هو الغيب،غيب السّماوات و غيب الأرض.و يقال:هو الماء الّذي ينزل من السّماء و النّبت من الأرض،و هي في قراءة عبد اللّه (يخرج الخبء من السّماوات) .و صلحت(في)مكان «من»،لأنّك تقول:لأستخرجنّ العلم الّذي فيكم،أي منكم،ثمّ تحذف أيّهما شئت،أعني«من»و«في»فيكون المعنى قائما على حاله.(2:291)
ابن قتيبة :أي المستتر فيهما.و هو من خبأت الشّيء،إذا أخفيته.(323)
الطّبريّ: يخرج المخبوء في السّماوات و الأرض، من غيث في السّماء،و نبات في الأرض،و نحو ذلك.[إلى أن قال:]
عن حكيم بن جابر:و يعلم كلّ خفيّة في السّماوات و الأرض.
...عن معاذ بن عبد اللّه،قال:رأيت ابن عبّاس على بغلة يسأل تبعا ابن امرأة كعب:هل سألت كعبا عن البذر تنبت الأرض العام لم يصب العام الآخر؟قال:سمعت كعبا يقول:البذر ينزل من السّماء،و يخرج من الأرض،قال:
صدقت.[قال الطّبريّ:]
إنّما هو تبيع،و لكن هكذا قال محمّد (1).
و قيل: يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لأنّ العرب تضع«من»مكان«في»،و«في»مكان«من»في الاستخراج.(9:511)
الزّجّاج: كلّ ما خبأته فهو خبء.[ثمّ ذكر نحو ابن عبّاس و أضاف:]
و يجوز-و هو الوجه-أن يكون الخبء:كلّ ما غاب، فيكون المعنى يعلم الغيب في السّماوات و الأرض،و دليل هذا قوله تعالى: وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ.
(4:116)
نحوه النّحّاس.(5:127)ذ.
ص: 13
السّجستانيّ: المستتر.(142)
الثّعلبيّ: الخفيّ المخبوّ.[ثمّ قال نحو الفرّاء]
(7:203)
الماورديّ: [ذكر قول سعيد بن جبير و ابن زيد و قال:]
و الخبء بمعنى المخبوء،وقع المصدر موقع الصّفة.(4:205)
نحوه النّسفيّ.(3:209)
الطّوسيّ: و(الخبء)هو المخبوء،و هو ما أحاط به غيره حتّى منع من إدراكه.وضع المصدر موضع الصّفة، خباته أخبؤه خبأ.و ما يوجده اللّه و يخرجه من العدم إلى الوجود فهو بهذه المنزلة؛فخبء السّماء:الأمطار و الرّياح،و خبء الأرض:الأشجار و النّبات.(8:89)
نحوه الطّبرسيّ.(4:219)
البغويّ: أي الخفيّ المخبّأ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، أي ما خبأت.[ثمّ ذكر نحو الفرّاء]
(3:500)
نحوه الخازن.(5:119)
الميبديّ: أي المخبوء فِي السَّماواتِ من الثّلج و البرد و المطر، وَ الْأَرْضِ من الزّروع و الأشجار، فيكون(فى)بمعنى«من».(7:207)
الزّمخشريّ: و سمّي المخبوء بالمصدر،و هو النّبات و المطر و غيرهما،ممّا خبأه عزّ و علا من غيوبه.
و قرئ (الخب) على تخفيف الهمزة بالحذف، و (الخبا) على تخفيفها بالقلب،و هي قراءة ابن مسعود و مالك بن دينار.و وجهها أن تخرّج على لغة من يقول في الوقف:هذا الخبو،و رأيت الخبا،و مررت بالخبي،ثمّ أجري الوصل مجرى الوقف،لا على لغة من يقول:الكماة و الحماة،لأنّها ضعيفة مسترذلة.(3:145)
ابن عطيّة: الخفيّ من الأمور،و هو من خبأت الشّيء.و خبء السّماء:مطرها،و خبء الأرض:كنوزها و نباتها،و اللّفظة بعد هذا تعمّ كلّ خفيّ من الأمور،و به فسّر ابن عبّاس.
و قرأ جمهور النّاس: اَلْخَبْءَ بسكون الباء و الهمز، و قرأ أبيّ بن كعب (الخب) بفتح الباء و ترك الهمز،و قرأ عكرمة (الخبا) بألف مقصورة.
و حكى سيبويه:أنّ بعض العرب يقلب الهمزة،يعني إذا كانت في مثل هذا مفتوحة و قبلها ساكن يقلبها ألفا، و إذا كانت مضمومة و قبلها ساكن قلبها واوا،و إذا كانت مكسورة قلبها ياء.و مثّل سيبويه ذلك بالوثا و الوثو و الوثي،و كذلك يجيء(الخبء)في حال النّصب.و تقول:
اطّلعت على الخبي،و راقني الخبو.(4:257)
نحوه في معنى«الخبء»،القاسميّ(13:4664)، و المراغيّ(19:133).
الفخر الرّازيّ: سمّي المخبوء بالمصدر،و هو يتناول جميع أنواع الأرزاق و الأموال.و إخراجه من السّماء بالغيث،و من الأرض بالنّبات.[إلى أن قال:]
فإن قيل:إنّ إبراهيم و موسى عليهما السّلام قدّما دلالة الأنفس على دلالة الآفاق،فإنّ إبراهيم قال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ، ثمّ قال: فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ البقرة:258،و موسى عليه السّلام قال: رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ الشّعراء:26،ثمّ قال: رَبُّ
ص: 14
اَلْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ الشّعراء:28،فلم كان الأمر هاهنا بالعكس،فقدّم خبء السّماوات على خبء الأرض؟
جوابه:أنّ إبراهيم و موسى عليهما السّلام ناظرا مع من ادّعى إلهيّة البشر،فلا جرم ابتدءا بإبطال إلهيّة البشر،ثمّ انتقلا إلى إبطال إلهيّة السّماوات.و هاهنا المناظرة مع من ادّعى إلهيّة الشّمس،لقوله: وَجَدْتُها وَ قَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللّهِ النّمل:24،فلا جرم ابتدأ بذكر السّماويّات ثمّ بالأرضيّات.(24:192)
ابن عربيّ: أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ... أي فصدّهم عن السّبيل لئلاّ ينقادوا و يذعنوا في إخراج كمالاتهم إلى العقل. اَلَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ أي المخبوء من الكمالات الممكنة،في سماوات الأرواح،و أرض الجسم...(2:200)
القرطبيّ: [نقل بعض أقوال المتقدّمين،إلى أن قال:]
و قرأ عكرمة و مالك بن دينار (الخب) بفتح الباء من غير همز.
قال المهدويّ: و هو التّخفيف القياسيّ،و ذكر من يترك الهمز في الوقف.و قال النّحّاس:و حكى أبو حاتم أنّ عكرمة قرأ (الّذى يخرج الخبا) بألف غير مهموزة،و زعم أنّ هذا لا يجوز في العربيّة،و اعتلّ بأنّه إن خفّف الهمزة ألقي حركتها على الباء،فقال: (الخب فى السّماوات و الارض) و أنّه إن حوّل الهمزة قال:الخبي،بإسكان الباء و بعدها ياء.
قال النّحّاس: و سمعت عليّ بن سليمان يقول:سمعت محمّد بن يزيد يقول:كان أبو حاتم دون أصحابه في النّحو، و لم يلحق بهم إلاّ أنّه إذا خرج من بلده لم يلق أعلم منه.
[ثمّ ذكر حكاية سيبويه عن العرب،كما نقلناه في قول ابن عطيّة،ثمّ أضاف:]
و إنّما فعل[العرب]هذا،لأنّ الهمزة خفيفة،فأبدل منها هذه الحروف.
و حكى سيبويه عن قوم من بني تميم و بني أسد أنّهم يقولون:هذا الخبؤ،يضمّون السّاكن إذا كانت الهمزة مضمومة،و يثبتون الهمزة و يكسرون السّاكن إذا كانت الهمزة مكسورة،و يفتحون السّاكن إذا كانت الهمزة مفتوحة.
و حكى سيبويه أيضا:أنّهم يكسرون و إن كانت الهمزة مضمومة،إلاّ أنّ هذا عن بني تميم؛فيقولون:
الرّديء (1).و زعم أنّهم لم يضمّوا الدّال،لأنّهم كرهوا ضمّة قبلها كسرة،لأنّه ليس في الكلام«فعل».و هذه كلّها لغات داخلة على اللّغة الّتي قرأ بها الجماعة.[ثمّ نقل كلام الفرّاء](13:187)
البيضاويّ: و الخبء:ما خفي في غيره،و إخراجه:
إظهاره،و هو يعمّ إشراق الكواكب،و إنزال الأمطار، و إنبات النّبات،بل الإنشاء؛فإنّه إخراج ما في الشّيء بالقوّة إلى الفعل.و الإبداع؛فإنّه إخراج ما في الإمكان و العدم إلى الوجوب و الوجود،و معلوم أنّه يختصّ بالواجب لذاته.(2:174)
نحوه الكاشانيّ(4:64)،و المشهديّ(7:336)، و طنطاوي(13:166)،و مغنيّة(6:16)،و شبّر ملخّصا،ب.
ص: 15
(4:422)،و فريد وجدي(497).
النّيسابوريّ: مصدر بمعنى المخبوء،و هو النّبات و المطر و غيرهما،ممّا خبأه اللّه عزّ و جلّ من غيوبه.و من جملة ذلك إطلاع الكواكب من أفق الشّرق بعد اختفائها في أفق الغرب.
و منها الأقضية و الأحكام و الوحي و الإلهام،و منها إنزال الملك و كلّ أثر علويّ.
و في تخصيص وصف اللّه تعالى في هذا المقام بإخراج الخبء،إشارة إلى ما عهده الهدهد من قدرة اللّه تعالى في إخراج الماء من الأرض،ألهمه هذا التّخصيص،كما ألهمه تلك المعرفة.(19:92)
أبو حيّان : اَلْخَبْءَ مصدر أطلق على المخبوء، و هو المطر و النّبات و غيرهما،ممّا خبأه تعالى من غيوبه.
[ثمّ ذكر القراءات نحو القرطبيّ،إلى أن قال:]
و الظّاهر أنّ فِي السَّماواتِ متعلّق ب اَلْخَبْءَ، أي المخبوء في السّماوات.[ثمّ نقل قول الفرّاء و قال:]
فعلى هذا،يتعلّق ب يُخْرِجُ، أي من في السّماوات.
(7:69)
السّمين:قوله: اَلَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ يجوز أن تكون مجرورة المحلّ نعتا للّه،أو بدلا منه أو بيانا،و منصوبة على المدح،و مرفوعة على خبر ابتداء مضمر.
و اَلْخَبْءَ مصدر خبأت الشّيء أخبؤه خبأ،أي سترته،ثمّ أطلق على الشّيء المخبوء،و نحوه هذا خَلْقُ اللّهِ لقمان:11.[ثمّ قال نحو أبي حيّان](5:309)
ابن كثير :[ذكر قول ابن المسيّب:الخبء:الماء،ثمّ ذكر قول ابن زيد و قال:]
و هذا مناسب من كلام الهدهد الّذي جعل اللّه فيه من الخاصّيّة ما ذكره ابن عبّاس و غيره:من أنّه يرى الماء يجري في تخوم الأرض و داخلها.(5:230)
الشّربينيّ: و هو مصدر بمعنى المخبوء من المطر و النّبات و غيرهما،و خصّه بقوله: فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لأنّ ذلك منتهى مشاهدتنا،فننظر ما يكون فيهما بعد أن لم يكن من سحاب و مطر و نبات،و توابع ذلك من الرّعد و البرق،و ما يشرق من الكواكب و يغرب،إلى غير ذلك من الرّياح و الحرّ و البرد،و ما لا يحصيه إلاّ اللّه تعالى.(3:55)
أبو السّعود :أي يظهر ما هو مخبوء مخفيّ فيهما كائنا ما كان.و تخصيص هذا الوصف بالذّكر بصدد تفرّده تعالى باستحقاق السّجود له من بين سائر أوصافه الموجبة لذلك،لما أنّه أرسخ في معرفته،و الإحاطة بأحكامه،بمشاهدة آثاره الّتي من جملتها ما أودعه اللّه تعالى في نفسه من مقدرة على معرفة الماء تحت الأرض.(5:80)
البروسويّ: اَلْخَبْءَ يقال للمدّخر المستور، أي يظهر ما هو مخبوء و مخفيّ فيها،كائنا ما كان،كالثّلج و المطر و النّبات و الماء و نحوها.(6:360)
الآلوسيّ: أي يظهر الشّيء المخبوء فيهما كائنا ما كان،فالخبء:مصدر أريد به اسم المفعول.و فسّره بعضهم هنا بالمطر و النّبات،و روي ذلك عن ابن زيد.
و أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيّب أنّه فسّره بالماء؛و الأولى التّعميم،كما روى ذلك عن جماعة عن ابن
ص: 16
عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما.و فِي السَّماواتِ متعلّق ب اَلْخَبْءَ. و عن الفرّاء أنّ(فى)بمعنى«من»فالجارّ و المجرور على هذا متعلّق ب يُخْرِجُ.
و الظّاهر ما تقدّم.و اختيار هذا الوصف لما أنّه أوفق بالقصّة؛حيث تضمّنت ما هو أشبه شيء بإخراج الخبء، و هو إظهار أمر بلقيس و ما يتعلّق به،و على هذا القياس اختيار ما ذكر بعد من صفاته عزّ و جلّ.
و قيل:إنّ تخصيص هذا الوصف بالذّكر،لما أنّ الهدهد أرسخ في معرفته،و الإحاطة بأحكامه بمشاهدة آثاره الّتي من جملتها ما أودعه اللّه تعالى في نفسه من القدرة على معرفة الماء تحت الأرض.و أنت تعلم أنّ كون الهدهد أودع فيه القدرة على ما ذكر،ممّا لم يجئ فيه خبر يعوّل عليه.و أيضا التّعليل المذكور لا يتسنّى على قراءة ابن عبّاس و السّتّة الّذين معه (الا يسجدوا) بالتّخفيف، إذا جعل الكلام استئنافا من جهته عزّ و جلّ،أو من جهة سليمان.
و قرأ أبيّ و عيسى (الخب) بنقل حركة الهمزة إلى الباء و حذف الهمزة،و حكى ذلك سيبويه عن قوم من بني تميم و بني أسد.
و قرأ عكرمة بألف بدل الهمزة،فلزم فتح ما قبلها، و هي قراءة عبد اللّه و مالك بن دينار،و خرّجت على لغة من يقول في الوقف:هذا الخبو،و مررت بالخبي،و رأيت الخبا،و أجري الوصل مجرى الوقف.
و أجاز الكوفيّون أن يقال في المرأة و الكمأة:المراة و الكماة،بإبدال الهمزة ألفا و فتح ما قبلها،و ذكر أنّ هذا الإبدال لغة،و جوّز أن يكون اَلْخَبْءَ من ذلك.و منعه الزّمخشريّ مدّعيا أنّ ذلك لغة ضعيفة مسترذلة،و علّل بأنّ الهمزة إذا سكن ما قبلها فطريق تخفيفها الحذف لا القلب،كما يقال في الكمء:كمه.و تعقّبه في«الكشف» فقال:تخريجه على الوقف فيه ضعفان،لأنّ الوقف على ذلك الوجه ليس من لغة الفصحاء،و إجراء الوصل مجرى الوقف فيما لا يكثر استعماله كذلك،و أمّا تلك اللّغة فعن الكوفيّين أنّها قياس،انتهى.
و زعم أبو حاتم أنّ«الخبا»بالألف لا يجوز أصلا،و هو من قصور العلم.قال المبرّد:كان أبو حاتم دون أصحابه في النّحو و لم يلحق بهم،إلاّ أنّه إذا خرج من بلدتهم لم يلق أعلم منه.(19:192)
سيّد قطب :و اَلْخَبْءَ: المخبوء إجمالا،سواء أ كان هو مطر السّماء و نبات الأرض،أم كان هو أسرار السّماوات و الأرض.و هي كناية عن كلّ مخبوء وراء ستار الغيب في الكون العريض.(5:2639)
عزّة دروزة :المخفيّ،أو المخبوء،أو كناية عن مطر السّماء و نبات الأرض.(3:159)
ابن عاشور : اَلْخَبْءَ: مصدر خبأ الشّيء،إذا أخفاه.أطلق هنا على اسم المفعول،أي المخبوء،على طريقة المبالغة في الخفاء،كما هو شأن الوصف بالمصدر.
و مناسبة وقوع الصّفة بالموصول في قوله: اَلَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ لحالة خبر الهدهد ظاهرة،لأنّ فيها اطّلاعا على أمر خفيّ.و إخراج الخبء:إبرازه للنّاس،أي إعطاؤه،أي إعطاء ما هو غير معلوم لهم من المطر و إخراج النّبات و إعطاء الأرزاق،و هذا مؤذن بصفة القدرة.و قوله: وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ مؤذن
ص: 17
بعموم صفة العلم.(19:251)
الطّباطبائيّ: [ذكر كلام الطّبرسيّ ثمّ قال:]
ففي قوله: يُخْرِجُ الْخَبْءَ استعارة،كأنّ الأشياء مخبوءة مستورة تحت أطباق العدم،فيخرجها اللّه تعالى إلى الوجود واحدا بعد آخر،فيكون تسمية الإيجاد بعد العدم إخراجا للخبء قريبا من تسميته بالفطر، و توصيفه تعالى بأنّه فاطر السّماوات و الأرض.و الفطر:
هو الشّقّ،كأنّه يشقّ العدم فيخرج الأشياء.
و يمكن حمل الجملة على الحقيقة من غير استعارة، لكنّه مفتقر إلى بيان موضعه غير هذا الموضع.
و قيل:المراد بالخبء:الغيب،و إخراجه:العلم به.
و هو كما ترى.(15:356)
المصطفويّ: أي ما كان مستورا و مخفيّا عنكم، و أنتم لا تدركونه بحواسّكم،من تكوّن المعادن و النّبات و الحيوان و الإنسان،و ظهور قواها إلى الفعليّة،و خروج المواليد،و بروز المراتب من الاستعدادات،و فيضان الفعليّات من العلويّات و[ما]فيها،فيشمل قاطبة التّكوين و الخلق و الإبداء و الإنشاء و الإفاضات في العوالم المادّيّة و الرّوحانيّة.
و أشار تعالى إلى توضيح هذا المعنى بعد ذكر جريان قوم هود و لوط،بقوله: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ... إلى قوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ النّمل:
60-64.
فظهر لطف التّعبير بكلمة«الخبأ»دون الخفي و الحذر و غيرها.(3:4)
مكارم الشّيرازيّ: كلمة(خبء)على وزن صبر معناها كلّ شيء خفيّ مستور،و هي هنا إشارة إلى إحاطة علم اللّه بغيب السّماوات و الأرض،أي لم لا يسجدون للّه الّذي يعلم غيب السّماوات و الأرض و ما فيهما من أسرار؟!.
و ما فسّره بعضهم بأنّ الخبء في السّماوات هو الغيث،و الخبء في الأرض هو النّبات،إنّ هذا-في الحقيقة-من قبيل المصداق الواضح.
و الطّريف في الآية أنّها ستتكلّم أوّلا على ما خفي في السّماوات و الأرض،ثمّ ستتكلّم على أسرار القلوب!
إلاّ أنّه لم استند الهدهد من بين جميع صفات اللّه إلى علمه بغيب العالم و شهوده كبيره و صغيره؟!
لعلّ ذلك لمناسبة أنّ سليمان-بالرّغم من جميع قدرته -كان يجهل خصائص بلد سبأ،فالهدهد يقول:ينبغي الاعتماد على اللّه الّذي لا يخفى عليه شيء في السّماوات و الأرض.
أو لمناسبة أنّه-طبقا لما هو معروف-للهدهد حسّ خاصّ يدرك به وجود الماء في داخل الأرض؛لذلك يتكلّم عن علم اللّه الّذي يعلم بكلّ خافية في عالم الوجود.(12:49)
فضل اللّه :إنّ اللّه هو الّذي يخرج الأشياء من عمق العدم بقدرته الّتي لا يحدّها شيء،تماما كما يخرج الأشياء الكامنة في داخل السّماوات و الأرض،ممّا لا يملك أحد الوصول إليها.(17:200)
1-الأصل في هذه المادّة:الخبء،أي ما يستر
ص: 18
و يذخر.يقال:خبأ الشّيء يخبؤه خبأ،أي ستره و أخفاه، و هو الخبأة و الخبيء و الخبيئة أيضا؛و جمع الأخيرة:
خبايا.و اختبأت:استترت.
و جارية مخبأة:مستترة،و جارية مخبّأة:مخدّرة، و امرأة خبأة:تلزم بيتها و تستتر.يقال:«خبأة خير من يفعة سوء»أي بنت تلزم البيت تخبأ نفسها فيه خير من غلام سوء لا خير فيه.و الخبأة أيضا:المرأة تطّلع ثمّ تختبئ.
و الخباء:سمة توضع في موضع خفيّ من النّاقة النّجيبة،و إنّما هي لذيعة بالنّار؛و الجمع:أخبئة.
و الخبيء:ما عمّي من شيء ثمّ حوجي به،و قد اختبأه.و اختبأت له خبيئا:عمّيت له شيئا ثمّ سألته عنه.
2-و عدّ أئمّة اللّغة لفظ«الخابية»-أي الحبّ-من هذه المادّة،و تواطئوا على أنّ أصله«خابئة»ثمّ سهّلت الهمزة لكثرة الاستعمال.و ليس ذلك ببعيد،لأنّ الخابية تدّخر الماء و تحفظه،و الماء مخبوء فيها.
و ذهب ابن دريد إلى أنّ الخباء-أي بيت من بيوت الأعراب-مشتقّ من:خبأت،لقولهم:تخبّأت خباء،أي اتّخذته.و هو يوافق هذا الأصل،لأنّه يختبأ فيه،كما قال:
ابن الأثير في«خ ب و»و عدّه من الهمز.و منه أيضا:
الخباء:غشاء البرّة و الشّعيرة في السّنبلة.
و المشهور فيه ترك الهمز.يقال:خبيت الخباء و أخبيته و تخبّيته،أي عملته،و استخبيناه:نصبناه و دخلنا فيه.و لعلّه ممّا تركت العرب الهمزة فيه أيضا كالخابية.
و ذكر صاحب«اللّسان»وحده:«خبئت النّار و أخبأها المخبئ،إذا أخمدها»،و المعروف فيه ترك الهمز، كما أجمع اللّغويّون قاطبة،و لعلّه من خطإ النّسّاخ،لأنّه أشبه بقول الخليل في«خ ب و».
3-و قد لفّق الرّعيل الأوّل من اللّغويّين بين «الخبء»و«الخبو»،و لم يحتفلوا بالفارق الشّاسع بين معنييهما؛إذ الأصل في الأوّل السّتر و الحفظ،كما تقدّم آنفا،و الأصل في الثّاني:خمود النّار و همودها.يقال منه:
خبت النّار تخبو خبوا و خبوا و خبوّا،أي طفئت و ذهب لهبها،فهي خابية.و خبت الحرب:سكنت،على التّشبيه.
جاء منها لفظ واحد«خ ب ء»مصدرا بمعنى الوصف في سورة مكّيّة:
أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ النّمل:25
و يلاحظ أوّلا أنّها وحيدة الجذر في القرآن،و فيها بحوث:
1-فسّر بأنماط،منها:أنّه الشّيء المخبوء و المستتر و الخفيّ،أو الغيب و السّرّ؛تسمية بالمصدر،كقوله: هذا خَلْقُ اللّهِ لقمان:11،أي مخلوق اللّه.و هذا يوافق اللّغة و الاستعمال،و هو قول أغلب المفسّرين،كسعيد بن جبير،و أحد قولي مجاهد،و قتادة و ابن قتيبة و الطّبريّ و غيرهم.
و منها:أنّه المطر في السّماوات،و النّبات في الأرض، قال ابن كثير:«و هذا مناسب من كلام الهدهد الّذي جعل اللّه فيه من الخاصّيّة-ما ذكره ابن عبّاس و غيره-من أنّه
ص: 19
يرى الماء يجري في تخوم الأرض و داخلها».و هذا أشبه بالتّأويل،و هو قول ابن عبّاس و ابن زيد و القمّيّ و غيرهم.
و منها:أنّه يشمل القولين المذكورين كإنزال الأمطار و إنبات النّبات،و غيب السّماوات و الأرض،و كذا الرّياح و الرّعد و البرق،و الحرّ و البرد و الثّلج و البرد،و الإنشاء و الأحكام و كلّ أثر علويّ.و هذا متأثّر بطرز فكر المفسّر و حاله،فالميبديّ-مثلا-ذهب إلى أنّه الثّلج و البرد، لأنّه كان يعيش في بلاد ينزل فيها الثّلج،و هي فارس، و كذلك البروسويّ،فإنّه كان يعيش في تركيا.
2-زعم الفرّاء أنّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ متعلّق ب يُخْرِجُ أي(فى)بمعنى«من»مستندا إلى قراءة عبد اللّه: (يخرج الخبء من السّماوات و الارض) و قولهم:لأستخرجنّ العلم الّذي فيكم،أي منكم.
و لكنّ المشهور أنّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ متعلّق ب اَلْخَبْءَ، أي المخبوء في السّماوات و الأرض،و هو على ظاهر الآية دون تكلّف.
و يجوز أن يكون فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ متعلّقا بمحذوف صفة ل اَلْخَبْءَ، و التّقدير:يخرج الخبء الكائن في السّماوات و الأرض.
3-إن قيل:لم استعمل الإخراج في الخبء إن كان بمعنى المخبوء و المستتر،و استعمال العلم فيه أشهر؟
يقال:يراد بالإخراج هنا:الإظهار و الإبراز،فكأنّ الخبء هو السّرّ المكنون الّذي يتعذّر كشفه.
و ثانيا:اختلفت القراءة في(الاّ)مشدّدا و مخفّفا لتكون تتمّة لما قبلها،أو ابتداء الكلام،[لاحظ س ج د:
«يسجدوا»،]كما أنّها تحتمل أن تكون من كلام الهدهد، أو من اللّه تعالى-و هو الأقرب-و لا سيّما على قراءة(الاّ) مشدّدا.
و ثالثا:طرح الفخر الرّازيّ هنا سؤالا و هو أنّ إبراهيم و موسى عليهما السّلام قدّما دلالة الأنفس على دلالة الآفاق فيما ذكره من الآيات،فلم كان الأمر هاهنا بالعكس تقدّم خبء السّماوات على خبء الأرض؟
و أجاب بأنّهما ناظران مع من ادّعى إلهيّة البشر، فابتدءا بإبطال إلهيّة البشر ثمّ انتقلا إلى إبطال إلهيّة السّماوات.و هاهنا المناظرة مع من ادّعى إلهيّة الشّمس، فلا جرم ابتدءا بذكر السّماويّات ثمّ بالأرضيّات.
و يمكن الإجابة عنه بأنّ هذا من كلام الهدهد الّذي كان يطير في السّماء،و ذاك من كلام النّبيّين،و هما من أهل الأرض.و لعلّ هذا الوجه يؤيّد كونها من كلام الهدهد فلاحظ.
رابعا:جاءت هذه الكلمة خلال قصّة سليمان و الهدهد في سورة النّمل المكّيّة،و لم تكرّر في القرآن، فلعلّها كانت لغة نادرة في كلام المكّيّين،و جاءت بدلها كلمة«الغيب»بكثرة-أي 49 مرّة-في المكّيّات و المدنيّات،فلاحظ.
ص: 20
3 ألفاظ،3 مرّات:1 مكّيّة،2 مدنيّتان
في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة
اخبتوا 1:1 المخبتين 1:-1
فتخبت 1:-1
الخليل :الخبت:ما اتّسع من بطون الأرض؛و جمعه:
خبوت.
و المخبت:الخاشع المتضرّع،يخبت إلى اللّه،و يخبت قلبه للّه.
و الخبيت من الأشياء:الحقير الرّديء[ثمّ استشهد بشعر و قال:]
و هو الخبيث بالثّاء أيضا.(4:241)
اللّيث:الخبت:عربيّة محضة.(الأزهريّ 7:310)
أبو عمرو الشّيبانيّ: الخبت:سهل في الحرّة.
(الأزهريّ 7:311)
اللّحيانيّ: رجل خبيت نبيت،أي خسيس حقير.(الخطّابيّ 1:674)
ابن الأعرابيّ: الخبت:ما اطمأنّ من الأرض و اتّسع.(الأزهريّ 7:310)
شمر:الخبت:ما تطامن من الأرض و غمض،فإذا خرجت منه أفضيت إلى سعة؛و الجميع:
الخبوت.(الأزهريّ 7:312)
ابن أبي اليمان :الخبت:ما انحدر من الجبل و علا من الواديّ.(218)
ابن دريد :الخبت:الفضاء من الأرض،و أخبت الرّجل إخباتا فهو مخبت،و هو المتألّه المتوقّي للمآثم؛ و جمع خبت:خبوت و أخبات.(1:193)
القاليّ: الخبت جمعه:خبوت،و هي المطمئنّات من الأرض.(2:68)
الأزهريّ: [بعد نقل قول أبي عمرو الشّيبانيّ قال:]
و قال غيره:هو[الخبت]الوادي العميق الوطيء،
ص: 21
ينبت ضروب العضاه.
و قال العدويّ: الخبت:الخفيّ المطمئنّ.و خبت ذكره، أي إذا خفي.و منه«المخبت»من النّاس.
أخبت إلى ربّه،أي اطمأنّ إليه.[و نقل قول اللّيث في الخبيت ثمّ قال:]
أظنّ الخبيت تصحيفا،لأنّ الشّيء الحقير الرّديء، إنّما يقال له:الختيت-بتاءين-و هو بمعنى الخسيس، فصحّفه و جعله خبيتا.(7:311)
الصّاحب:الخبت:عربيّة محضة،و خبوت الأرض:
بطونها.و أخبت إلى اللّه فهو مخبت:خاشع متضرّع صالح.
و هو المطرق أيضا.
و الخبيت من الأشياء:الحقير الرّديء.
و الخبائت:المتفرّقات.(4:314)
الخطّابيّ: [و في حديث:]«...تغيّر و خبت و عاب الحنيفيّة».
قوله:خبت،هكذا يروى بالتّاء الّتي هي أخت الطّاء.يقال:رجل خبيت،و هو الفاسد الرّديء كالخبيث سواء،و ليس هذا من الإخبات في شيء،إنّما الإخبات من الخشوع.يقال منه:رجل مخبت.(1:673)
الرّواية:«خبت»بالتّاء الّتي هي أخت الطّاء،و العامّة ترويه:خبث بالثّاء،و هما قريبان في المعنى،إلاّ أنّ المحفوظ إنّما هو خبت بالتّاء لا غير.(3:257)
الجوهريّ: الخبت:المطمئنّ من الأرض فيه رمل.
و الإخبات:الخشوع،يقال:أخبت للّه.و فيه خبتة، أي تواضع.
و الخبت أيضا:ماء لكلب.(1:247)
ابن فارس:الخاء و الباء و التّاء أصل واحد يدلّ على خشوع.يقال:أخبت يخبت إخباتا،إذا خشع.
و أخبت للّه تعالى.قال عزّ ذكره: وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الحجّ:34،و أصله من«الخبت»و هو المفازة لا نبات بها.
و من ذلك الحديث:«و لو بخبت الجميش».أ لا تراه سمّاها جميشا،كأنّ النّبات قد جمش منها،أي حلق.
(2:238)
أبو هلال :الفرق بين الخضوع و الإخبات:أنّ المخبت هو المطمئنّ بالإيمان.و قيل:هو المجتهد بالعبادة، و قيل:الملازم للطّاعة و السّكون.و هو من أسماء الممدوح، مثل المؤمن و المتّقيّ.و ليس كذلك الخضوع،لأنّه يكون مدحا و ذمّا.
و أصل الإخبات أن يصير إلى خبت.تقول:أخبت، إذا صار إلى خبت،و هو الأرض المستوية الواسعة،كما تقول:أنجد،إذا صار إلى نجد.فالإخبات على ما يوجبه الاشتقاق هو الخضوع المستمرّ على استواء.(208)
ابن سيده: الخبت:ما اتّسع من بطون الأرض؛ و جمعه:أخبات و خبوت.
و أخبت للّه:خشع،و أخبت:تواضع،و كلاهما من «الخبت».و في التّنزيل: فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ الحجّ:
54،فسّره ثعلب بأنّه التّواضع.
و الخبيت:الحقير من الأشياء،قال اليهوديّ الخيبريّ:
ينفع الطّيّب القليل من الرّزق
و لا ينفع الكثير الخبيت
و سأل الخليل الأصمعيّ عن«الخبيت»في هذا
ص: 22
البيت،فقال له:أراد الخبيث،و هي لغة خيبر.فقال له الخليل :لو كان ذلك لغتهم لقال:الكتير،و إنّما كان ينبغي لك أن تقول:إنّهم يقلبون الثّاء تاء في بعض الحروف.
(5:154)
الرّاغب: الخبت:المطمئنّ من الأرض،و أخبت الرّجل:قصد الخبت أو نزله،نحو:أسهل و أنجد،ثمّ استعمل الإخبات استعمال اللّين و التّواضع.[ثمّ ذكر الآيات](141)
الزّمخشريّ: نزلوا في خبت من الأرض و خبوت، و هي البطون الواسعة المطمئنّة.
و أخبت القوم:صاروا في الخبت مثل أصحروا.
و من المجاز: وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ هود:23، اطمأنّوا إليه،و هو يصلّي بخشوع و إخبات،و خضوع و إنصات،و قلبه مخبت.(102)
المدينيّ: في الحديث عن عمرو بن يثربيّ:«إن رأيت نعجة تحمل شفرة و زنادا بخبت الجميش فلا تهجها».
قال القتبيّ: سألت الحجازيّين فأخبروني أنّ بين المدينة و الحجاز صحراء تعرف بالخبت.و الخبت:الأرض الواسعة المستوية،و الجميش:المكان الّذي لا نبت فيه.
و إنّما خصّ الخبت،لسعته و بعده و قلّة من يسلكه،و شدّة حاجة الإنسان إذا هو سلكه فأقوى إلى مال أخيه،و هذا حديث شاذّ.[إلى أن قال:]
في حديث مكحول:«منها يكون الخبتة»،أي الخبطة،و كان في لسان مكحول لكنة.(1:543)
ابن الأثير: في حديث الدّعاء:«و اجعلني لك مخبتا» أي خاشعا مطيعا،و الإخبات:الخشوع و التّواضع،و قد أخبت للّه يخبت.
و منه حديث ابن عبّاس:«فيجعلها مخبتة منيبة»و قد تكرّر ذكرها في الحديث،و أصلها من الخبت:المطمئنّ من الأرض.
و في حديث مكحول:«أنّه مرّ برجل نائم بعد العصر، فدفعه برجله،و قال:لقد عوفيت،إنّها ساعة تكون فيها الخبتة»يريد الخبطة بالطّاء،أي يتخبّطه الشّيطان إذا مسّه بخبل أو جنون.و كان في لسان مكحول لكنة،فجعل الطّاء تاء.(2:4)
الصّغانيّ: خبت:صحراء بين مكّة-حرسها اللّه تعالى-و المدينة،على ساكنيها السّلام،يصرف لسكون الوسط،و لا يصرف للعلميّة و التّأنيث.فإذا قيل:خبت الجميش،فيجوز أن يجعل الجميش صفة لخبت،فيقال:
خبت الجميش،و خبت الجميش،و يجوز أن يضاف إلى الجميش فيقال:خبت الجميش.[إلى أن قال:]
و يقال:خبت ذكره:إذا خفي.[و نقل كلام اللّيث في «الختيت»و إيراد الأزهريّ عليه ثمّ قال:]
أصاب اللّيث في الإنشاء،و أخطأ في التّفسير،و أخطأ ظنّ الأزهريّ.
و قال ابن عرفة:أراد الخبيث بالثّاء المثلّثة،فأبدل منها التّاء للقافية.[ثمّ استشهد بشعر](1:310)
الفيّوميّ: أخبت الرّجل إخباتا:خضع للّه،و خشع قلبه،قال تعالى: وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الحجّ:34.
(1:162)
الفيروزآباديّ: الخبت:المتّسع من بطون الأرض؛
ص: 23
جمعه:أخبات و خبوت،و موضع بالشّام،و قرية بزبيد، و ماءة لكليب.
و أخبت:خشع و تواضع.
و الخبيت:الشّيء الحقير،و الخبيث.
و خبت الجميش و خبت الجميش،و يجوز أن يضاف:
صحراء بين الحرمين.(1:152)
مجمع اللّغة :الخبت:المكان الواسع المطمئنّ من الأرض.و أخبت يخبت:سار في المكان الواسع المطمئنّ.
و أخبت للّه أو إلى اللّه:خشع و اطمأنّ بإيمانه،فهو مخبت و هم مخبتون.(1:317)
محمّد إسماعيل إبراهيم:أخبت إلى اللّه تعالى:
اطمأنّ قلبه لعدله،و خضع و خشع.و المخبت:المطمئنّ الخاشع المتواضع.
و الإخبات:هو نزول الخبت،أي المطمئنّ من الأرض المتّسع.(1:156)
المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الخبت هو المتّسع المطمئنّ من الأرض،و لها انخفاض و انحطاط،و بهذا اللّحاظ قال بعضهم:هو الوادي العميق الوطيء كما في «التّهذيب»،مضافا إلى أنّ المتّسع المطمئنّ يلازمه الانخفاض،و أيضا أنّ الانخفاض يستفاد من كلمات قريبة من مادّة الخبت،كالخبط و الخفض و الخرّ و الخضع و الخشوع و الخسأ و الخفت و الخفي.
و أمّا الإخبات:فهو كالإصحار و الإنجاد،أي نسبة المفهوم إلى الفاعل،و يلاحظ فيه هذه الحيثيّة،فيكون معناه نسبة الخبت و قيامه بالفاعل و تلبّسه به،و هذا معنى الورود و الدّخول و النّزول فيه.
فالإخبات هو النّزول إلى محيط متّسع مطمئنّ حتّى يستقرّ فيه و يطمئنّ،و يتخلّص عن الاضطراب و الانحراف و الاختلاف و التّردّد،و يلازم هذا المعنى حقيقة الإيمان و التّسليم و الطّمأنينة،كما في الآيات.
[و ذكرها](3:6)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. هود:23
ابن عبّاس: أخلصوا لربّهم،و خضعوا لربّهم، و خشعوا من ربّهم.(183)
الإخبات:الإنابة.
نحوه قتادة.(الطّبريّ 12:24)
خافوا.(الطّبريّ 12:24)
مجاهد :اطمأنّوا.(الطّبريّ 12:24)
الحسن :هو الخشوع للمخافة الثّابتة في القلب.(الطّوسيّ 5:535)
قتادة :الإخبات:التّخشّع و التّواضع.
(الطّبريّ 12:24)
نحوه الواحديّ.(2:569)
الإمام الصّادق عليه السّلام:[في حديث:]أ تدرون ما التّسليم؟فسكتنا،فقال:«هو و اللّه الإخبات،قول اللّه عزّ و جلّ: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ». (البحرانيّ 5:125)
ص: 24
مقاتل:أخلصوا.(الثّعلبيّ 5:165)
الفرّاء: معناه:تخشّعوا لربّهم و إلى ربّهم.و ربّما جعلت العرب(الى)في موضع اللاّم.و قد قال اللّه عزّ و جلّ: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:5،و قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا الأعراف:43،و قال: يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً النّساء:175،و قال: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ إبراهيم:13.
و قد يجوز في العربيّة أن تقول:فلان يخبت إلى اللّه، تريد:يفعل ذلك بوجهه إلى اللّه،لأنّ معنى الإخبات الخشوع،فيقول:يفعله بوجهه إلى اللّه و للّه.
و جاء في التّفسير:و أخبتوا فرقا (1)من اللّه،فمن يشاكل معنى«اللاّم»و معنى«إلى»إذا أردت به لمكان هذا و من أجل هذا.(2:9)
أبو عبيدة :مجازه:أنابوا إلى ربّهم و تضرّعوا إليه، و خضعوا و تواضعوا له.(1:286)
الأخفش: تخشّعوا له.(الثّعلبيّ 5:165)
ابن قتيبة :أي تواضعوا لربّهم.و الإخبات:
التّواضع و الوقار.(202)
الجبّائيّ: الإخبات:سكون الجوارح على وجه الخضوع للّه تعالى.(الطّوسيّ 5:535)
الطّبريّ: [ذكر الأقوال السّابقة ثم قال:]
و هذه الأقوال متقاربة المعاني،و إن اختلفت ألفاظها، لأنّ الإنابة إلى اللّه من خوف اللّه،و من الخشوع و التّواضع للّه بالطّاعة،و الطّمأنينة إليه من الخشوع له،غير أنّ نفس الإخبات عند العرب:الخشوع و التّواضع.
و قال: إِلى رَبِّهِمْ و معناه:و أخبتوا لربّهم؛و ذلك أنّ العرب تضع اللاّم موضع«إلى»،و«إلى»موضع اللاّم كثيرا،كما قال تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:5، بمعنى:أوحى إليها.و قد يجوز أن يكون قيل ذلك كذلك، لأنّهم وصفوا بأنّهم عمدوا بإخباتهم إلى اللّه.(7:25)
القمّيّ: أي تواضعوا للّه و عبدوه.(1:325)
السّجستانيّ: تواضعوا و خشعوا لربّهم،و يقال:
أخبتوا إلى ربّهم:اطمأنّوا إلى ربّهم،و سكنت قلوبهم و نفوسهم إليه.و الخبت بسكون الباء:ما اطمأنّ من الأرض.(85)
الطّوسيّ: أي خشعوا إليه،و الإخبات:الخشوع المستمرّ على استواء فيه.و أصله الاستواء من الخبت، و هو الأرض المستوية الواسعة.[و ذكر أقوال المفسّرين ثمّ قال:]
قال قوم:معناه أخبتوا لربّهم،فوضع«إلى»مكان اللاّم،لأنّ حروف الإضافة توضع بعضها مكان بعض، كما قال: أَوْحى لَها الزّلزال:5،بمعنى أوحى إليها.
و الآخر أنّ معناه عمدوا بإخباتهم إلى اللّه.(5:535)
نحوه الطّبرسيّ.(3:152)
الزّمخشريّ: و اطمأنّوا إليه،و انقطعوا إلى عبادته بالخشوع و التّواضع،من الخبت و هي الأرض المطمئنّة، و منه قولهم للشّيء الدّنيء:الخبيث.[ثمّ استشهد بشعر].
و قيل:التّاء فيه بدل من الثّاء.(2:264)
نحوه أبو السّعود.(3:300)
الفخر الرّازيّ: قوله: وَ أَخْبَتُوا إشارة إلى أنّ هذه الأعمال لا تنفع في الآخرة إلاّ مع الأحوال القلبيّة،ثمّا.
ص: 25
إن فسّرنا الإخبات بالطّمأنينة كان المراد أنّهم يعبدون اللّه،و كانت قلوبهم عند أداء العبادات مطمئنّة بذكر اللّه، فارغة عن الالتفات إلى ما سوى اللّه تعالى.أو يقال:إنّما قلوبهم صارت مطمئنّة إلى صدق اللّه بكلّ ما وعدهم من الثّواب و العقاب.
و أمّا إن فسّرنا الإخبات بالخشوع،كان معناه أنّهم يأتون بالأعمال الصّالحة خائفين،وجلين من أن يكونوا أتوا بها مع وجود الإخلال و التّقصير.(17:209)
القرطبيّ: أصل الإخبات:الاستواء،من الخبت و هو الأرض المستوية الواسعة،فالإخبات:الخشوع و الاطمئنان،أو الإنابة إلى اللّه عزّ و جلّ المستمرّة ذلك على استواء.و قد يكون المعنى:وجّهوا إخباتهم إلى ربّهم.
(9:21)
البيضاويّ: اطمأنّوا إليه و خشعوا له،من الخبت و هو الأرض المطمئنّة.(1:465)
مثله المشهديّ،(4:458)و نحوه الكاشانيّ(2:
440)،و شبّر(3:209).
الشّربينيّ: أي اطمأنّوا إليه و خشعوا إليه؛إذ الإخبات في اللّغة هو الخشوع و الخضوع و طمأنينة القلب،و يتعدّى ب«إلى»و ب«اللاّم»،فإذا قلت:أخبت فلان إلى كذا،فمعناه اطمأنّ إليه.و إذا قلت:أخبت له، فمعناه خشع و خضع له،فقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ إشارة إلى جميع عمل الجوارح، و قوله تعالى: وَ أَخْبَتُوا إشارة إلى أعمال القلوب، و هي الخشوع و الخضوع للّه تعالى،و أنّ هذه الأعمال الصّالحة لا تنفع في الآخرة،إلاّ بحصول أعمال القلب، و هي الخشوع و الخضوع.(2:52)
نحوه البروسويّ.(4:114)
الآلوسيّ: أي اطمأنّوا إليه سبحانه و خشعوا له.
و أصل الإخبات:نزول الخبت و هو المنخفض من الأرض،ثمّ أطلق على اطمئنان النّفس و الخشوع تشبيها للمعقول بالمحسوس،ثمّ صار حقيقة فيه،و منه الخبيت بالتّاء المثنّاة للدّنيء،و قيل:إنّ التّاء بدل من الثّاء المثلّثة.(12:34)
الطّباطبائيّ: المراد بإخباتهم إلى اللّه:اطمئنانهم إليه بحيث لا يتزلزل ما في قلوبهم من الإيمان به،فلا يزيغون و لا يرتابون،كالأرض المطمئنّة الّتي تحفظ ما استقرّ فيها.فلا وجه لما قيل:إنّ الأصل:أخبتوا لربّهم، فإنّ ما في معنى الاطمئنان يتعدّى ب«إلى»دون«اللاّم».
و تقييده تعالى الإيمان و العمل الصّالح بالإخبات إليه، يدلّ على أنّ المراد بهم طائفة خاصّة من المؤمنين،و هم المطمئنّون منهم إلى اللّه،ممّن هم على بصيرة من ربّهم.(10:193)
مكارم الشّيرازيّ: أي استسلموا و انقادوا خاضعين لأمر اللّه و وعده الحقّ.[إلى أن قال:]
كلمة أَخْبَتُوا مشتقّة من«الإخبات»و جذرها اللّغويّ«خبت»على وزن«ثبت»و معناها الأصليّ:
الأرض المنبسطة الواسعة الّتي يمكن للإنسان أن يخطو عليها باطمئنان و ارتياح،فلذلك استعملت هذه المادّة «الخبت و الإخبات»في الاطمئنان أيضا،كما استعملت في الخضوع و التّسليم،لأنّ الأرض الّتي يوجد عليها اطمئنان في السّير هي خاضعة و مستسلمة للسّائرين
ص: 26
عليها.فعلى هذا يمكن أن يكون معنى الإخبات واحدا من المعاني الثّلاثة الآتية،كما هو في الوقت ذاته غير ممتنع أن يشمل جميع هذه المعاني؛إذ لا منافاة بينها:
1-إنّ المؤمنين حقّا خاضعون للّه.
2-إنّهم مسلّمون لأمر اللّه.
3-إنّهم مطمئنّون بوعود اللّه.
و في كلّ صورة إشارة إلى واحدة من أعلى الصّفات الإنسانيّة في المؤمنين الّتي ينعكس أثرها على كامل حياتهم.(6:472)
وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ... الحجّ:54
ابن عبّاس: فتخلص له و تقبله،يعني تبيان اللّه.(282)
ابن قتيبة :أي تخضع و تذلّ.(294)
مثله ابن الجوزيّ.(5:443)
الطّبريّ: فتخضع للقرآن قلوبهم،و تذعن بالتّصديق به،و الإقرار بما فيه.(9:179)
السّجستانيّ: أي تخضع و تطمئنّ،و المخبت:
الخاضع المطمئنّ إلى ما دعي إليه،و الخبت:المطمئنّ من الأرض.(129)
نحوه ابن عطيّة(4:129)،و النّيسابوريّ(17:
112)،و الشّربينيّ(2:561).
الطّوسيّ: أي تطمئنّ إليه و تسكن.(7:332)
الواحديّ: ترقّ قلوبهم للقرآن،فينقادوا لأحكامه.
(3:277)
الرّاغب: أي تلين و تخشع،و الإخبات هاهنا قريب من الهبوط،في قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ البقرة:74.(141)
الطّبرسيّ: أي تخشع و تتواضع لقوّة إيمانهم.
(4:92)
نحوه البروسويّ.(6:50)
الفخر الرّازيّ: أي تخضع و تسكن،لعلمهم بأنّ المقضيّ كائن،و كلّ ميسّر لما خلق له.(23:55)
القرطبيّ: أي تخشع و تسكن.و قيل:
تخلص.(12:87)
البيضاويّ: بالانقياد و الخشية.(2:96)
مثله الكاشانيّ(3:387)،و المشهديّ(6:549).
أبو السّعود :بالانقياد و الخشية،و الإذعان لما فيه من الأوامر و النّواهي.(4:390)
الآلوسيّ: فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ بالانقياد و الخشية للقرآن على التّخصيص،و للرّبّ على التّعميم.
(17:174)
الطّباطبائيّ: أي تلين و تخشع له قلوبهم.
(14:393)
فضل اللّه : فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ و تخضع له،لأنّ ذلك هو معنى الإيمان المنفتح الّذي يتحرّك في الذّات من موقع العقل و الفطرة؛حيث يهيمن على الكيان كلّه،بكلّ قوّة و خضوع و إذعان.(16:105)
ص: 27
...فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. الحجّ:34
ابن عبّاس: المجتهدين المخلصين بالجنّة.(280)
المتواضعين.(الثّعلبيّ 7:22)
مثله الضحّاك(الآلوسيّ 17:154)،و قتادة (الطّبريّ 17:161).
النّخعيّ: المخلصين.(الماورديّ 4:25)
مثله مقاتل.(الفخر الرّازيّ 23:34)
مجاهد :المطمئنّين إلى اللّه.(الطّبريّ 17:161)
إنّهم المجتهدون في العبادة.
مثله الكلبيّ.(الماورديّ 4:25)
الصّالحون المطمئنّون.(الماورديّ 4:25)
الحسن :الخاشعين.(الماورديّ 4:25)
مثله الأخفش.(الثّعلبيّ 7:22)
السّدّيّ: أي الوجلين.(357)
نحوه يحيى بن سلاّم.(الماورديّ 4:25)
الكلبيّ: الرّقيقة قلوبهم.(الماورديّ 4:25)
الثّوريّ: هم الرّاضون بقضاء اللّه تعالى.
(الآلوسيّ 17:154)
الخليل: هم الّذين لا يظلمون،و إذا ظلموا لم ينتصروا.(الماورديّ 4:25)
مثله عمرو بن أوس.(الطّبريّ 17:161)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و بشّر يا محمّد الخاضعين للّه بالطّاعة،المذعنين له بالعبوديّة،المنيبين إليه بالتّوبة.(9:151)
الزّجّاج:قيل:المخبتون:المتواضعون،و قيل:المخبتون:
المطمئنّون بالإيمان باللّه عزّ و جلّ،و قيل:المخبتون:الّذين لا يظلمون،و إذا ظلموا لم ينتصروا.و كلّ ذلك جائز.
و اشتقاقه من الخبت من الأرض،و هي المكان المنخفض منها،فكلّ مخبت:متواضع.(3:427)
نحوه الواحديّ.(3:271)
أبو مسلم الأصفهانيّ: حقيقة المخبت من صار في خبت من الأرض،يقال:أخبت الرّجل،إذا صار في الخبت،كما يقال:أنجد و أشأم و أتهم،و الخبت هو المطمئنّ من الأرض.(الفخر الرّازيّ 23:34)
القمّيّ: العابدين.(2:84)
السّجستانيّ: المخبت:الخاضع المطمئنّ إلى ما دعي إليه.(128)
القشيريّ: الإخبات:استدامة الطّاعة بشرط الاستقامة بقدر الاستطاعة.و من أمارات الإخبات:كمال الخضوع بشرط دوام الخشوع؛و ذلك بإطراق السّريرة.(4:216)
الزّمخشريّ: المخبتون:المتواضعون الخاشعون،من الخبت و هو المطمئنّ من الأرض.و قيل:هم الّذين لا يظلمون،و إذا ظلموا لم ينتصروا.(3:14)
نحوه الطّبرسيّ(4:84)،و الفخر الرّازيّ(23:34)، و الشّربينيّ(2:553)،و البروسويّ(6:34).
ابن عطيّة: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
و هذا مثال شريف من خلق المؤمن الهيّن اللّيّن.
(4:122)
البيضاويّ: المتواضعين أو المخلصين،فإنّ الإخبات
ص: 28
صفتهم.(2:92)
النّسفيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
و قيل:تفسيره ما بعده،أي اَلَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ.... (3:102)
أبو السّعود :تجريد للخطاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أي المتواضعين أو المخلصين،فإنّ الإخبات من الوظائف الخاصّة بهم.(4:381)
الآلوسيّ: خطاب له صلّى اللّه عليه و سلّم.[ثمّ نقل بعض الأقوال في معنى المخبتين و قال:]
و هو من الإخبات،و أصله كما قال الرّاغب:نزول الخبت و هو المطمئنّ من الأرض.و لا يخفى حسن موقع ذلك هنا من حيث أنّ نزول الخبت مناسب للحاجّ.
(17:154)
عبد الكريم الخطيب :المخبتين:المطيعين، المطمئنّين،الّذين يؤدّون أوامر اللّه في رضا و اطمئنان.
[إلى أن قال:]
هو استدعاء،و إغراء للّذين لم يمتثلوا بعد هذا الأمر، أن يسلموا للّه وجوههم،و أن يدخلوا في دينه،ليكونوا ممّن لهم البشرى في الحياة الدّنيا و في الآخرة.
(9:1036)
الطّباطبائيّ: فيه تلويح إلى أنّ من أسلم للّه في حجّه مخلصا فهو من المخبتين.و قد فسّره بقوله: اَلَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ الصّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَ الْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ الحجّ:35 و انطباق الصّفات المعدودة في الآية و هي:الوجل و الصّبر و إقامة الصّلاة و الإنفاق،على من حجّ البيت مسلما لربّه معلوم.(14:375)
مثله فضل اللّه.(16:51)
الدّامغانيّ: خبت على ثلاثة أوجه:سكن،أخلص، القبول.
فوجه منها:خبت يعني سكن،قوله في الإسراء:97:
كُلَّما خَبَتْ (1) يعني سكن لهبا زِدْناهُمْ سَعِيراً.
و الوجه الثّاني: أَخْبَتُوا يعني أخلصوا،قوله في سورة هود:23، وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ يعني أخلصوا، مثلها في سورة الحجّ:34، وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ أي المخلصين.
و الوجه الثّالث:الإخبات:القبول،قوله في سورة الحجّ:54 فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ يعني فتقبل صدورهم.(317)
1-الأصل في هذه المادّة:الخبت،و هو ما اطمأنّ من الأرض و غمض،و منه قولهم:أخبت إلى ربّه،أي اطمأنّ إليه،و أخبت للّه:خشع و تواضع،و فيه خبتة:تواضع، و خبت ذكره:خفي.
2-و قال الخليل(4:241):«الخبيت من الأشياء:
الحقير الرّديء،قال الشّاعر:
ص: 29
ينفع الطّيّب القليل من الرّزق
و لا ينفع الكثير الخبيت
و هو الخبيث-بالثاء-أيضا».
و قال الأزهريّ(7:312)معقّبا:«قلت:أظنّ الخبيت تصحيفا،لأنّ الشّيء الحقير الرّديء إنّما يقال له:
الختيت،بتاءين،و هو بمعنى الخسيس،فصحّفه و جعله خبيتا»،و هو الأظهر.
و قال الخطّابيّ(1:674)في حديث أبي عامر:«تغيّر و خبت»:«يقال:رجل خبيت،و هو الفاسد الرّديء، كالخبيث سواء».
و عقّب ابن الأثير قائلا:«قيل:هو الحقير الرّديء، و الختيت-بتاءين:الخسيس».
و كلا القولين لا يناسب الحديث،و لعلّ لفظ«خبت» مصحّف«خبث»،لأنّه الأنسب هنا،و ما ذكره الخطّابيّ لم يروه أحد من أرباب المعاجم.
جاءت من باب«الإفعال»ماضيا،و مضارعا،و اسم فاعل،كلّ منها مرّة في ثلاث آيات:
1- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ... هود:23
2- وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ... الحجّ:54
3- ...فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الحجّ:34
و يلاحظ أوّلا:أنّ الخبت صفة من صفات المؤمنين في الآيات الثّلاث،و فيها بحوث:
1-جعل الإخبات-من باب الإفعال-في الجميع وصفا للمؤمنين بتفاوت:فجاء في(1)إلى اللّه-متعدّيا ب(إلى)-: وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ، و في(2)للقرآن- متعدّيا ب(اللاّم)- فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ، و في(3) خاليا منهما: وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ.
و إذا ما استقرأنا اللّغة لاحظنا أنّ الخبت و ما اشتقّ منه غير متعدّ بنفسه أو بحرف،و ما نقل من قولهم:أخبت إلى ربّه،أي اطمأنّ إليه،و أخبت للّه،أي خشع،فهو من أثر القرآن في كلامهم.و ضمّن الإخبات هنا معنى التّضرّع و الإسلام،فهما يتعدّيان ب«إلى»و ب«اللاّم».
يقال:تضرّع له و إليه:تذلّل و خضع،و أسلم أمره له و إليه:فوّضه.
2-عدّ الإخبات في(1)بعد الإيمان و العمل الصّالح، و في(2)بعد الإيمان،و في(3)بعد الإسلام للّه،أي لا يكون العبد مخبتا لربّه إلاّ إذا آمن به و انقاد له و عمل صالحا.
و جعل أجر المخبت في(1)الجنّة،و في(2)الهداية إلى الصّراط المستقيم،و لم يبيّن الأجر في(3)،و هو معلوم من السّياق،و التّقدير:و بشّر المخبتين بالجنّة،أو أنّ لهم الجنّة،نحو قوله تعالى: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ البقرة:
25.
3-أسند الإخبات في(1)و(3)إلى المؤمنين،و أسند في(2)إلى القلوب،أي قلوب المؤمنين.فحيثما كان الإخبات إلى اللّه و أسند إلى المؤمنين فهو تضرّع و تسليم إليه و هو التفات من حضيض البشريّة إلى علوّ الإلهيّة،
ص: 30
و حيثما كان لغيره و أسند إلى القلب فهو خشوع له و سكون إليه،و هنا يتّضح الفرق بين التّعدّي ب«إلى» و بين التّعدّي ب«اللاّم»أيضا.
ثانيا:ليس قوله: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً الإسراء:97،من«خ ب ت»كما قال الدّامغانيّ،بل من «خ ب و»كما سيأتي،فهو وهم منه.
ثالثا:الآيات الثّلاث جاءت في سورتين:سورة مكّيّة يقينا-و هي هود-و سورة محتملة لكونها مكّيّة أو مدنيّة،و قد قلنا مرّات:أنّ سياقها مكّيّ،و عليه فيبدو أنّ هذه المادّة كانت شائعة في مكّة دون المدينة.
ص: 31
ص: 32
8 ألفاظ،16 مرّة:5 مكّيّة،11 مدنيّة
في 9 سور:3 مكّيّة،6 مدنيّة
خبث 1:1 للخبيثين 1:-1
الخبيث 7:-7 الخبيثات 1:-1
خبيثة 2:2 للخبيثات 1:-1
الخبيثون 1:-1 الخبائث 2:2
الخليل :خبث الشّيء خباثة و خبثا فهو خبيث، و أخبث فهو مخبث:صار ذا خبث و شرّ.
و الخابث:الرّديء.و أخبث القول و نحوه.
و الخبيث:نعت كلّ شيء فاسد،خبيث الطّعم و خبيث اللّون.
و الخبثة:الزّنية من الفجور،و يقال:هذا ولد الخبثة و ولد لخبثة.و خبث الحديد و غيره:ممّا يذاب بالنّار،و هو ما يبقى من رداءته إذا أخلص جيّده.
و يقولون للرّجل:يا خبث،و للمرأة يا خباث.
و هو من أخابث النّاس؛واحدها:أخبث.
و يقولون للرّجل و المرأة:يا مخبثان،و هو من:الخبث و الأخابث و الخبائث و التّخبّث.
و غلام خباثيّ برفع الخاء،أي خبيث.
و يقال:به الأخبثان،و هما:البخر و السّهر.
(4:248)
الكسائيّ: وقعوا في وادي تخبّث،بفتح الخاء و كسر الباء،و معناه الباطل،و ليس بتصحيف تخيّب.(الصّغانيّ 1:360)
الأصمعيّ: سألته[سعيد بن أبي عروبة]عن الخبثة،فقال:بيع أهل عهد المسلمين،يريد سبي من أعطي عهدا أو أمانا،و سمّاه خبثة لحرمته،و كلّ محرّم خبيث.
و يقال:سبي خبثه؛أي خبيث،و سبي طيبة،و هو ما طاب ملكه و حلّ.(الخطّابيّ 1:258)
ص: 33
الفرّاء:الأخبثان:القيء و السّلاح.
(الأزهريّ 7:342)
تقول العرب:لعن اللّه أخبثي و أخبثك،أي الأخبث منّا.(الصّغانيّ 1:360)
أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه إذا دخل الخلاء قال:«اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الرّجس النّجس الخبيث المخبث الشّيطان الرّجيم».
قوله:«الخبيث المخبث»فالخبيث هو ذو الخبث في نفسه؛و المخبث هو الّذي أصحابه و أعوانه خبثاء،و هو مثل قولهم:فلان قويّ مقو،فالقويّ في بدنه،و المقوي أن يكون دابّته قويّة.
قال:ذلك الأحمر؛و كذلك قولهم:«هو ضعيف مضعف»،فالضّعيف في بدنه،و المضعف في دابّته؛و على هذا كلام العرب.و قد يكون أيضا المخبث أن يخبث غيره،أي يعلّمه الخبث و يفسده.
أمّا الحديث الآخر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه كان إذا دخل الخلاء قال:«اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث و الخبائث».
قوله:«الخبث»يعني الشّرّ؛و أمّا«الخبائث»فإنّها الشّياطين.
و أمّا الخبث بفتح الخاء و الباء:فما تنفي النّار من رديء الفضّة و الحديد.
و منه الحديث المرفوع:«إنّ الحمّى تنفي الذّنوب،كما ينفي الكير الخبث».(1:311)
ابن الأعرابيّ: أصل الخبيث في كلام العرب:
المكروه،فإن كان من الكلام فهو الشّتم،و إن كان من الطّعام فهو الحرام،و إن كان من الشّراب فهو الضّارّ.
و منه قيل لما يرمى من منفيّ الحديد:
الخبث.(الأزهريّ 7:342)
أبو الهيثم:[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أعوذ باللّه من الخبث و الخبائث»]
«من الخبث»بضمّ الباء،و هو جمع:الخبيث،و هو الشّيطان الذّكر.
و الخبائث جمع:الخبيثة،و هي الأنثى من الشّياطين.(الأزهريّ 7:338)
ابن أبي اليمان :و الخبث:ما سال من الفضّة و الحديد إذا أحميا.(230)
ابن دريد :خبث الحديد و الفضّة:ما نفاه الكير.
و رجل خبيث:رديء المذهب.
و خبث الرّجل خبثا،إذا صار خبيثا.
و المخبث:الّذي له أصحاب خبثاء.
و الخبثة:الفجور.
و فلان لخبثة،كما يقال:لزنية و لغية بالفتح و الكسر من الغيّ،و أمّا الزّنية فليس إلاّ بالكسر.
و يكنّى عن ذي البطن فيسمّى خبثا.
و طعام مخبثة،إذا كان من غير حلّه.
و الخبيث:ضدّ الطّيّب من الرّزق و الولد.
و يقال للأمة:يا خباث أقبلي،معدول عن الخبث.
و نزل به الأخبثان:الرّجيع و البول.و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا يصلّين أحدكم و هو يدافع الأخبثين» و ذهب منه الأطيبان:الشّباب و النّكاح،و بقي منه الأخبثان.
و يسمّى الرّجل:مخبثان،اشتقاقا من
ص: 34
الخبث.(1:200)
و الخباثية مثال علانية:الخباثة.(الصّغانيّ 1:360)
الأزهريّ: [نقل معنى الخبث و الخبائث و الخبيث و المخبث في حديثي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ثمّ قال:]
قلت:و هذا الّذي قاله أبو الهيثم أشبه عندي بالصّواب من قول أبي عبيد.
و أمّا الخبث بفتح الخاء و الباء:فما تنفيه النّار من رديء الفضّة و الحديد إذا أذيبا.و منه الحديث«إنّ الحمّى تنفي الذّنوب،كما ينفي الكير الخبث».
يقال:هو خبيث الطّعم،خبيث اللّون،خبيث الفعل و الكلام.
و يقال:ولد فلان لخبثة،إذا كان لغير رشدة.
و يكتب في عهدة الرّقيق:«لا داء و لا خبثة و لا غائلة»...
و الخبثة ألاّ يكون طيبة،لأنّه سبي من قوم لا يحلّ استرقاقهم لعهد تقدّم لهم،أو حرّيّة في الأصل ثبتت لهم.
و في الحديث:«لا يصلّين أحدكم و هو يدافع الأخبثين في الصّلاة»أراد بالأخبثين:الغائط و البول.
و الحرام البحت:يسمّى خبيثا،مثل الزّنى و المال الحرام و الدّم،و ما أشبهها ممّا حرّمه اللّه تعالى.
و في الحديث:«إنّ الخمر هي أمّ الخبائث»لأنّها محرّمة تحمل شاربها على الخصال الخبيثة،من سفك الدّماء و الزّنى و غيره من المعاصي.
و يقال للشّيء الكريه الطّعم و الرّائحة:خبيث مثل الثّوم و البصل و الكرّاث؛و لذلك قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«من أكل من هذه الشّجرة الخبيثة فلا يقربنّ مسجدنا».
و قيل:[الأخبثان]البول و العذرة.
و روي عن الحسن أنّه قال يخاطب الدّنيا:«خباث، قد مصصنا عيدانك فوجدناك كذا».أراد الدّنيا،فقال لها يا خباث،أي يا خبيثة.(7:338)
الصّاحب:خبث يخبث خبثا،و هو خبيث و به خباثة.
و أخبث:صار ذا خبث.
و الخابث:الرّديء من كلّ شيء،و الخبيث:نعت كلّ فاسد.
و الخبثة:الزّنية من الفجور.و هي الأخلاق الخبيثة أيضا.
و أخبث الرّجل،إذا صار أصحابه خبثاء.
و الأخبثان:البخر و السّهر،و قيل:الرّجيع و البول.
و المخبثان و الأخابث و الخبائث واحد.و غلام خباث.
و خبث الحديد:ما يذاب بالنّار فيبقى رديئه.
و لعبة تسمّى:خبثة.(4:325)
الجوهريّ: الخبيث:ضدّ الطّيّب.و قد خبث الشّيء خباثة،و خبث الرّجل خبثا،فهو خبيث،أي خبّ رديء.
و أخبثه غيره،أي علّمه الخبث و أفسده.و أخبث أيضا،أي اتّخذ أصحابا خبثاء،فهو خبيث مخبث و مخبثان.
[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:فلان لخبثة،كما يقال لزنية.
و يقال في النّداء:يا خبث،كما يقال:يا لكع،تريد يا خبيث.و للمرأة:يا خباث،بني على الكسر مثل يا لكاع.
و خبث الحديد و غيره:ما نفاه الكير.
ص: 35
و الأخبثان:البول و الغائط.(1:281)
الطّوسيّ: الخبيث الرّديء من كلّ شيء.خبث خبثا،و تخبّث تخبّثا،و تخابث تخابثا،و خبّثه تخبيثا.
و الخبثة:الرّيبة.و خبث الفضّة:ما نفاه الكير،لأنّه ينفي الرّديء،و أصله:الرّداءة.(2:345)
نحوه الطّبرسيّ.(1:380)
الخبيث:الرّديء بالعاجلة و يسوى بالآجلة،و منه خبث الحديد و هو رديئه بعد ما يخلص بالنّار،جيّده،ففي الخبيث امتزاج برديء.(4:37)
الرّاغب: المخبث و الخبيث:ما يكره رداءة و خساسة،محسوسا كان أو معقولا.و أصله:الرّديء الدّخلة،الجاري مجرى خبث الحديد.[ثمّ استشهد بشعر]
و ذلك يتناول:الباطل في الاعتقاد،و الكذب في المقال،و القبيح في الفعال.[ثمّ ذكر الآيات](141)
الزّمخشريّ: خبث فلان و هو خبيث،و هم خبثاء و خباث،و فيه خبث و خباثة،و هو من الأخباث،و هو خبيث مخبث،و فيه مخابث جمّة.
و نزل به الأخبثان:الرّجيع و البول،«و لا تدافعوا الأخبثين في الصّلاة».
«و أعوذ باللّه من الخبث و الخبائث».
و يا خبث و يا خباث،و هو يتخبّث و يتخابث.
و من المجاز:هذا ممّا يخبث النّفس.و ليس الإبريز كالخبث،أي ليس الجيّد كالرّديء.و خبثت رائحته، و خبث طعمه.و خبث بفلانة:فجر بها.و خبثت نفسه:
غثت،و فلان خبّ خبيث،و هو ولد الخبثة.[ثمّ استشهد بشعر]
و هذا العبد لا خبثة به من إباق و لا سرقة.
و هذا سبى خبثة و سبى طيبة.
و هذا كلام خبيث،و هي أخبث اللّغتين،يراد الرّداءة و الفساد،و أنا أستخبث هذه اللّغة.
(أساس البلاغة:102)
كان إذا أراد الخلاء قال:«أعوذ باللّه من الخبث و الخبائث»،و روي«الخبث»بضمّ الباء.
الخبث:خلاف طيب الفعل من فجور و غيره،و منه الحديث:«إذا كثر الخبث يكون كذا».
و في الحديث:«وجد فلان مع أمة يخبث بها».
و يجوز أن يكون تخفيف«الخبث»و هو جمع خبيث.
و الخبائث:جمع خبيثة،فالمراد شياطين الجنّ و الإنس،ذكرانهم و إناثهم.(الفائق 1:348)
[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]«اشترى منه عبدا أو أمة لاداء و لا خبثة و لا غائلة بيع المسلم للمسلم».
عبّروا عن الحرمة بالخبث كما عبّروا عن الحلّ بالطّيب،و الخبثة نوع من أنواعه.
قيل:هو أن يكون مسبيا من قوم أعطوا عهدا أو أمانا،أو لهم حرّيّة في الأصل.(الفائق 1:350)
الحسن رحمه اللّه:«خباث؛كلّ عيدانك مضضنا فوجدنا عاقبته مرّا».خباث:هي الخبيثة في النّداء خاصّة،كغدار و فساق،حرف النّداء محذوف و هو جائز في كلّ معرفة،و لا يصحّ أن ينعت به أيّ،و الخطاب للدّنيا.(الفائق 1:353)
المدينيّ: في حديث الحجّاج:«قال لأنس رضى اللّه عنه يا
ص: 36
خبثة»الخبثة:الخبيث.و يقال للأخلاق الخبيثة:خبثة، و فلان ولد خبثة،أي ولد زنية.
و في حديث سعيد:«كذب مخبثان»المخبثان:
الخبيث،يقال للرّجل و المرأة جميعا،و كأنّه يدلّ على مبالغة.
و يقال للرّجل:يا خباث مبنيّا على الكسر،و للمرأة:
يا خبث،و قيل:على العكس منه.
في حديث رافع:«كسب الحجّام خبيث،و ثمن الكلب خبيث،و مهر البغيّ خبيث».
قيل:معنى الخبيث في كسب الحجّام الّذي كقوله تعالى: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ البقرة:267، بدلالة حديث محيّصة:أنّه رخّص له.
و أمّا ثمن الكلب،و مهر البغيّ فإنّهما على التّحريم، لأنّ الكلب نجس الذّات محرّم الثّمن،و فعل الزّنى محرّم، و بذل العوض عليه و أخذه في التّحريم مثله،لأنّه ذريعة إلى التّوسّل إليه،و الحجامة مباحة و فيها نفع و صلاح الأبدان،و قد يجمع الكلام بين القرائن في اللّفظ،و يفرّق بينهما في المعاني.و ذلك على حسب الأغراض و المقاصد فيها.
و قد يكون الكلام في الفصل الواحد،بعضه على الوجوب و بعضه على النّدب،و بعضه على الحقيقة و بعضه على المجاز،و إنّما يعرف ذلك بدلائل الأصول و باعتبار معانيها،و نحو ذلك الحديث فيما يغتسل منه.
في حديث أبي هريرة:«نهى عن الدّواء الخبيث»، و ذلك من وجهين:
أحدهما:خبث النّجاسة،كما فيه الخمر و البول و نحوهما،و ذلك محرّم،إلاّ ما خصّته السّنّة من أبوال الإبل،فرخّص فيها لنفر من عكل،و سبيل السّنن أن يقرّ كلّ شيء في موضعه،و لا يضرب بعضه ببعض.
و قد يكون خبثه من جهة الطّعم و المذاق،و لا ينكر أن يكون كرهه لما فيه من المشقّة،و تكرّه النّفس إيّاه.
و الغالب أنّ طعوم الأدوية كريهة،و لكن بعضها أقلّ كراهة و أيسر احتمالا.(1:544)
ابن الأثير: فيه«إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل خبثا».
الخبث بفتحتين:النّجس.
و في حديث هرقل:«أصبح يوما و هو خبيث النّفس»أي ثقيلها كريه الحال.
و منه الحديث:«لا يقولنّ أحدكم خبثت نفسي»أي ثقلت و غثت»كأنّه كره اسم الخبث.
و فيه:«أعوذ بك من الخبث و الخبائث»بضمّ الباء:
جمع الخبيث،و الخبائث:جمع الخبيثة،يريد ذكور الشّياطين و إناثهم.
و قيل:هو الخبث بسكون الباء،و هو خلاف طيّب الفعل من فجور و غيره،و الخبائث:يريد بها الأفعال المذمومة و الخصال الرّديئة.
و فيه:«أعوذ بك من الرّجس النّجس الخبيث المخبث».
الخبيث:ذو الخبث في نفسه،و المخبث:الّذي أعوانه خبثاء،كما يقال للّذي فرسه ضعيف:مضعف.و قيل:هو الّذي يعلّمهم الخبث و يوقعهم فيه.
و منه حديث قتلى بدر:«فألقوا في قليب خبيث مخبث»،أي فاسد مفسد لما يقع فيه.
ص: 37
و منه حديث سعد بن عبادة:«أنّه أتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم برجل مخدج سقيم وجد مع أمة يخبث بها»أي يزني.[قد تركنا كثيرا من كلامه حذرا من التّكرار](2:4)
الصّغانيّ: الخبث بالضّمّ:الزّنى،و منه الحديث:«أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم سئل فقيل:يا رسول اللّه،أ نهلك و فينا الصّالحون؟فقال:نعم،إذا كثر الخبث».يقال منه:خبث بالمرأة.
و رجل خبّيث مثال فسّيق:كثير الخبث.
و الخبّيثى:الخبث،مثال خطّيبى.
و الشّجرة الخبيثة في القرآن:الحنظل،و قيل:
الكشوث.و استخبث الشّيء:ضدّ استطابه...(1:359)
الفيّوميّ: خبث الشّيء خبثا من باب«قرب»:
خلاف طاب،و الاسم:الخباثة،فهو خبيث؛و الأنثى:
خبيثة.
و يطلق الخبيث على الحرام كالزّنى،و على الرّديء المستكره طعمه أو ريحه كالثّوم و البصل.و منه:الخبائث، و هي الّتي كانت العرب تستخبثها،مثل الحيّة و العقرب.
قال تعالى: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ البقرة:
267،أي لا تخرجوا الرّديء في الصّدقة عن الجيّد.
و الأخبثان:البول و الغائط.و شيء خبيث،أي نجس.
و جمع الخبيث:خبث بضمّتين،مثل بريد و برد، و خبثاء و أخباث،مثل شرفاء و أشراف؛و خبثة أيضا مثل ضعيف و ضعفة،و لا يكاد يوجد لهما ثالث.و جمع الخبيثة:خبائث.
«و أعوذ بك من الخبث و الخبائث»بضمّ الباء، و الإسكان جائز على لغة تميم،و سيأتي في الخاتمة.و قيل من ذكران الشّياطين و إناثهم،و قيل:من الكفر و المعاصي.
و خبث الرّجل بالمرأة يخبث،من باب«قتل»:زنى بها،فهو خبيث،و هي خبيثة.
و أخبث بالألف:صار ذا خبث و شرّ.(1:162)
الفيروزآباديّ: الخبيث:ضدّ الطّيّب،خبث ككرم خبثا و خباثة و خباثية.
و الرّديء الخبّ كالخابث،و خبث خبثا.و الّذي يتّخذ أصحابا خبثاء كالمخبث كمحسن.
و المخبثان أو مخبثان:معرفة،و خاصّة بالنّداء،و قد أخبث.
و يا خبث كلكع،أي يا خبيث،و للمرأة:يا خبيثة، و يا خباث كقطام.
و الأخبثان:البول و الغائط،أو البخر و السّهر،أو السّهر و الضّجر.
و الخبث بالضّمّ:الزّنى،و خبث بها ككرم.
و الخابثة الخباثة.
و الخبثة بالكسر في الرّقيق أن لا يكون طيبة،أي سبي من قوم لا يحلّ استرقاقهم.
و الخبّيث كسكّيت:الكثير الخبث؛جمعه:خبّيثون، و الخبّيثى الخبث،و وادي تخبّث كوادي تخيّب.
«و أعوذ بك من الخبث و الخبائث»أي من ذكور الشّياطين و إناثها.
و الشّجرة الخبيثة:الحنظل أو الكشوث.
و المخبثة:المفسدة.(1:171)
الطّريحيّ: و الخبيث:ضدّ الطّيّب،يقال:خبث
ص: 38
الشّيء خبثا من باب«قرب»،و خباثة:ضدّ طاب،فهو خبيث.
و الخبيثة:واحدة الخبائث:ضدّ الطّيّبة،قال تعالى:
وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ الأعراف:157.
و أخبث الرّجل،إذا ولد أولادا خبثاء.
و في الحديث:«لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم،فإنّه معتاد لما عوّد».يريد بالخبيث:الشّيطان المرجوم باللّعنة، يعتاد لما عوّده الإنسان من نقض الصّلاة و غيرها.
و في حديث أهل البيت عليهم السّلام«لا يبغضنا الاّ من خبثت ولادته،أي لم تطب».(2:251)
مجمع اللّغة :الخبث يرجع في معناه إلى القبح و الرّداءة.يقال:خبث يخبث خبثا و خباثة،فهو خبيث، و هي خبيثة،و هم خبيثون،و هنّ خبيثات.
و ورد لفظ«الخبيث»في القرآن كثيرا في مقابلة الطّيّب.
الخبائث:الأفعال المنكرة،و الأشياء المستقذرة؛ واحدها:خبيثة.(1:317)
محمّد إسماعيل إبراهيم:خبث:فسد ضدّ طاب.
و الشّيء الخبيث:الرّديء القبيح،و كلّ فاسد محرّم، و الشّخص الخبيث:الماكر الكثير الإفساد.
و الخبائث:الأفعال القبيحة الذّميمة في حكم الشّرع،لا في حكم العقل.(1:156)
المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو ما يخالف الطّيّب،و قد استعملت في كلام اللّه المتعال أيضا في مقابل الطّيّب حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ آل عمران:179، قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ المائدة:
100، وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ النّساء:2.
ثمّ إنّ الخبث على أنواع:إمّا في الكلام: وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ إبراهيم:26،أو في الأحكام و الآراء: وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، أو في الموضوعات:
اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ النّور:26، كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ إبراهيم:26،أو في معنى كلّي أعمّ: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ، أو في الأعمال و الأفعال: كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ الأنبياء:74،أو من جهة المراتب و المقامات: حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.
فالمعاني المذكورة كلّها من مصاديق الأصل،كالزّنى في الأفعال و البول و الغائط في الموضوعات،و البصل و الثّوم في الرّوائح.
و المقابلة بالطّيّب في الآيات المذكورة،كإقامة البرهان في إثبات موضوع الخبث في الموارد،و كتعليق الحكم بالوصف المشعر بالعلّيّة.
وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ المائدة:100،فإنّ الطّيّب يحتاج إلى قيود زائدة و امتيازات حاصلة حتّى يتحقّق عنوان الطّيّب،كما في الجهل و العلم،و في كلّ صفة حميدة روحانيّة،فإنّ تحقّقها يحتاج إلى امتياز و قيد إضافيّ زائد،بخلاف كلّ مقام أو مرتبة أو صفة لا تحتاج إلى قيد.
فظهر أنّ التّمييز في الواقع ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ آل عمران:179، لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الأنفال:37،بالنّسبة إلى الطّيّب فإنّه يحتاج إلى التّثبيت،و تحقيق قيده و صفته الزّائدة،و لكنّ الأكثريّة و الأصالة في الموردين«الآيتين»للطّيّبين المؤمنين،بل إنّ
ص: 39
جميعهم كانوا متظاهرين للإيمان،فناسب أن ينسب التّمييز إلى الخبيث،و يميّز من بين الطّيّبين،أي يفصل الخبيث من المؤمنين حقّا.
و كذلك تقديم الخبيث في سائر الموارد،فإنّه باقتضاء المقام و المورد.(3:7)
وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً... الأعراف:58
الطّبريّ: فردؤت تربته،و ملحت مشاربه،لا يخرج نباته إلاّ نكدا.(5:518)
النّحّاس: هو مثال للفهيم و البليد.
(ابن عطيّة 2:414)
الزّمخشريّ: الأرض السّبخة الّتي لا ينبت ما ينتفع به.(2:84)
البيضاويّ: أي كالحرّة و السّبخة.(1:353)
البروسويّ: و البلد الّذي خبث ترابه كالحرّة و السّبخة،الحرّة:أرض ذات حجارة سود،كأنّها أحرقت بالنّار،و السّبخة:الأرض المالحة الّتي لا تنبت شيئا.
(3:181)
نحوه القاسميّ.(7:2759)
الآلوسيّ: و التّعبير أوّلا بالطّيّب،و ثانيا بالّذي خبث دون الخبيث،للإيذان بأنّ أصل الأرض أن تكون طيّبة منبتة،و خلافه طار عارض.(8:147)
فضل اللّه : وَ الَّذِي خَبُثَ في أرضه نتيجة ما تحتويه من عناصر تعيق إنتاجيّتها،و تعطّل عمليّة النّموّ و الامتداد.(10:148)
لاحظ ب ل د:«البلد».
1- ..وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ.
البقرة:267
الإمام عليّ عليه السّلام:نزلت هذه الآية في الزّكاة المفروضة،كان الرّجل يعمد إلى التّمر فيصرمه،فيعزل الجيّد ناحية،فإذا جاء صاحب الصّدقة أعطاه من الرّديء،فقال عزّ و جلّ:الآية...(الطّبريّ 3:83)
نحوه مجاهد و الضّحّاك و الحسن.(الثّعلبيّ 2:268)
ابن عبّاس: لا تعمدوا إلى الرّديء من أموالكم.(38)
مجاهد :كانوا يتصدّقون،يعني من النّخل بحشفه و شراره،فنهوا عن ذلك،و أمروا أن يتصدّقوا بطيّبه.(الطّبريّ 3:83)
نحوه الواحديّ.(1:381)
الحسن :كان الرّجل يتصدّق برذالة ماله،فنزلت الآية.(الطّبريّ 3:83)
نحوه قتادة(الطّبريّ 3:83)،و القمّيّ(1:92).
قتادة :ذكر لنا أنّ الرّجل كان يكون له الحائطان على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فيعمد إلى أردئهما تمرا فيتصدّق به، و يخلط فيه من الحشف،فعاب اللّه ذلك عليهم و نهاهم عنه.(الطّبريّ 3:83)
ص: 40
نحوه السّدّيّ.(الطّبريّ 3:82)
الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّها نزلت في أقوام لهم أموال من ربا الجاهليّة،كانوا يتصدّقون منها،فنهى اللّه عن ذلك،و أمر بالصّدقة من الحلال.(الطّوسيّ 2:344)
ابن زيد :الخبيث:الحرام،لا تتيمّمه تنفق منه،فإنّ اللّه عزّ و جلّ لا يقبله.(الطّبريّ 3:83)
ابن قتيبة :أي لا تقصدون للرّديء و الحشف من التّمر،و ما لا تأخذونه أنتم إلاّ بالإغماض فيه.(98)
الطّبريّ: يعني جلّ ثناؤه ب(الخبيث:)الرّديء غير الجيّد،يقول:لا تعمدوا الرّديء من أموالكم في صدقاتكم فتصدّقوا منه،و لكن تصدّقوا من الطّيّب الجيّد.و ذلك أنّ هذه الآية نزلت في سبب رجل من الأنصار،علّق قنوا من حشف في الموضع الّذي كان المسلمون يعلّقون صدقة ثمارهم،صدقة من تمره.[إلى أن قال:]
و قال آخرون:معنى ذلك:و لا تيمّموا الخبيث من الحرام فيه تنفقون،و تدعوا أن تنفقوا الحلال الطّيّب.
و تأويل الآية:هو التّأويل الّذي حكيناه عمّن حكينا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و اتّفاق أهل التّأويل في ذلك،دون الّذي قاله ابن زيد.(3:82)
نحوه الفرّاء(الثّعلبيّ 2:268)،و ابن كثير(1:568).
الزّجّاج: أي لا تقصدوا إلى رديء المال و الثّمار فتتصدّقوا به،و أنتم تعلمون أنّكم لا تأخذونه إلاّ بالإغماض فيه.(1:350)
الثّعلبيّ: يعني الرّديء من أموالكم،و الحشف من التّمر،و العفن و الزّوان من الحبوب،و الزّيوف من الدّراهم و الدّنانير.(2:269)
الطّوسيّ: [نقل قول عليّ عليه السّلام و ابن زيد ثمّ قال:]
و الأوّل أقوى،لأنّه قال: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، ثمّ قال: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ يعني من الّذي كسبتم،إذا أخرجه اللّه من الأرض.و الحرام إن كان خبيثا فليس من ذلك،غير أنّه يمكن أن يراد به ذلك،لأنّه لا ينافي السّبب.
و يقوّي الوجه الأوّل قوله: وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ و الإغماض لا يكون إلاّ في شيء رديء متسامح في أخذه،دون ما هو حرام.(2:344)
نحوه ابن عطيّة(1:361)،و الطّبرسيّ(1:381).
الزّمخشريّ: لا تقصدوا المال الرّديء منه.
(1:396).
نحوه النّسفيّ(1:135)،و الشّربينيّ(1:180)، و القاسميّ(3:683)،و المراغيّ(3:39).
البيضاويّ: أي و لا تقصدوا الرّديء منه،أي من المال أو ممّا أخرجنا لكم،و تخصيصه بذلك لأنّ التّفاوت فيه أكثر.(1:139)
نحو الكاشانيّ(1:275)،و شبّر(1:237).
أبو حيّان :تظافرت النّصوص في الحديث على أنّ سبب نزول هذه الآية،هو أنّهم لما أمروا بالصّدقة،كانوا يأتون بالأقناء من التّمر،فيعلّقونها في المسجد ليأكل منها المحاويج،فجاء بعض الصّحابة بحشف،و في بعض الطّرق بشيص،و في بعضها برديء،و هو يرى أنّ ذلك جائز،فنزلت.و هذا الخطاب بالأمر بالانفاق عامّ لجميع هذه الأمّة.[إلى أن قال:]
ص: 41
و الأكثرون على أنّ طيّبات ما كسبتم هو الجيّد المختار،و أنّ الخبيث هو الرّديء.و قال ابن زيد: مِنْ طَيِّباتِ أي الحلال،و الخبيث:الحرام.و قال عليّ:هو الذّهب و الفضّة.و قال مجاهد:هو أموال التّجارة.[إلى أن قال:]
وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ هذا مؤكّد للأمر؛ إذ هو مفهوم من قوله: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ.
و في هذا طباق بذكر الطّيّبات و الخبيث.[إلى أن قال:]
و الخبيث و الطّيّب صفتان غالبتان،لا يذكر معهما الموصوف إلاّ قليلا،و لذلك جاء وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ و جاء وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ و قال تعالى:
وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ، و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«أعوذ باللّه من الخبث و الخبائث».
و(منه)متعلّق بقوله(تنفقون)،و الضّمير في(منه) عائد على الخبيث،و(تنفقون)حال من الفاعل في تَيَمَّمُوا. (2:316)
أبو السّعود :أي الرّديء الخسيس،و هو كالطّيّب من الصّفات الغالبة الّتي لا تذكر موصوفاتها.(1:310)
البروسويّ: أي الرّديء الخسيس،و الخبيث:
نقيض الطّيّب،و لهما جميعا ثلاثة معان:الطّيّب:الحلال، و الخبيث:الحرام.
الطّيّب:الطّاهر،و الخبيث:النّجس،و الطّيّب:ما يستطيبه الطّبع،و الخبيث:ما يستخبثه...أي لا تقصدوا الخبيث قاصرين الإنفاق عليه،و التّخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطونه من إنفاق الخبيث خاصّة،لا تسويغ إنفاقه مع الطّيّب.(1:430)
الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]
مِنْهُ تُنْفِقُونَ الضّمير المجرور الخبيث،و هو متعلق ب تُنْفِقُونَ و التقديم للتّخفيف،و الجملة حال مقدّرة من فاعل تَيَمَّمُوا أي لا تقصدوا الخبيث قاصرين الإنفاق عليه،أو من الخبيث،أي مختصّا به الإنفاق.و أيّا ما كان لا يرد أنّه يقتضي أن يكون النّهي عن الخبيث الصّرف فقط،مع أنّ المخلوط أيضا كذلك،لأنّ التّخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطون من إنفاق الخبيث خاصّة.(3:39)
ابن عاشور :و الخبيث:الشّديد سوء في صنفه، فلذلك يطلق على الحرام و على المستقذر.قال تعالى:
وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ الأعراف:157،و هو الضّدّ الأقصى للطّيّب،فلا يطلق على الرّديء إلاّ على وجه المبالغة.و وقوع لفظه في سياق النّهي،يفيد عموم ما يصدق عليه اللّفظ.(2:527)
مغنيّة:أي لا تقصدوا الرّديء من أموالكم فتنفقوا منه.و قيل في سبب نزول الآية:إنّ بعض المسلمين كانوا يأتون بصدقتهم من حشف التّمر،أي رديئه.و هذه الجملة و هي لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ تاكيد للجملة الأولى و هي أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ. و مجمل المعنى:أنفقوا من الجيّد دون الرّديء.
و أفتى الفقهاء في من يملك نوعا من المال بعضه جيّد و بعضه رديء،أفتوا بأنّه:لا يجوز لهذا أن يخرج حقّ اللّه من القسم الرّديء،و عليه أن يخرجه من وسط الجيّد، و إن اختار الأعلى فأفضل.و بالأولى أن لا يكفي الرّديء إذا كان جميع المال جيّدا.أجل و يجوز الإخراج من
ص: 42
الرّديء إذا كان المال كلّه كذلك،لأنّ الحقّ يتعلّق بالعين الخارجيّة لا بالذّمّة.(1:420)
الطّباطبائيّ: معنى الآية ظاهر،و إنّما بيّن تعالى كيفيّة مال الإنفاق،و إنّه ينبغي أن يكون من طيّب المال لا من خبيثه الّذي لا يأخذه المنفق إلاّ بإغماض،فإنّه لا يتّصف بوصف الجود و السّخاء،بل يتصوّر بصورة التّخلّص،فلا يفيد حبّا للصّنيعة و المعروف و لا كمالا للنّفس،و لذلك ختمها بقوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ أي راقبوا في إنفاقكم غناه و حمده،فهو في عين غناه يحمد إنفاقكم الحسن،فأنفقوا من طيّب المال،أو أنّه غنيّ محمود،لا ينبغي أن تواجهوه بما لا يليق بجلاله جلّ جلاله.(2:393)
مكارم الشّيرازيّ: اعتاد معظم النّاس أن ينفقوا من فضول أموالهم الّتي لا قيمة لها،أو السّاقطة الّتي لم تعد تنفعهم في شيء،إنّ هذا النّوع من الإنفاق لا هو يربّي الإنسان تربية معنويّة للرّوح الإنسانيّة في المنفق،و لا هو يرتق فتقا لمحتاج،بل لعلّه إهانة له و تحقير.فجاءت هذه الآية تنهي النّاس نهيا صريحا عن هذا،و تقول لهم:كيف تنفقون مثل هذا المال الّذي لا تقبلونه أنتم أنفسكم،إذا عرض عليكم إلاّ إذا اضطررتم إلى قبوله؟أ ترون إخوانكم المسلمين،بل أ ترون اللّه الّذي في سبيله تنفقون أقلّ شأنا منكم؟
الآية تشير في الواقع إلى فكرة عميقة،و هي أنّ للإنفاق في سبيل اللّه طرفين:فالمحتاجون في طرف،و اللّه في طرف آخر.فإذا اختير المال المنفق من زهيد الأشياء، ففي ذلك إهانة لمقام اللّه العزيز الّذي لم يجده المنفق جديرا بطيّبات ما عنده،كما هو إهانة للّذين يحتاجون،و هم ربّما يكونون من ذوي الدّرجات الإيمانيّة السّامية،و عندئذ يسبّب لهم هذا المال الرّديء الألم و العذاب النّفسيّ.
(2:219)
2- ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ... آل عمران:179
ابن عبّاس: الشّقي من السّعيد،و الكافر من المؤمن، و المنافق من المخلص.(61)
مجاهد :ميّز بينهم يوم أحد،المنافق من المؤمن.(الطّبريّ 4:187)
و مثله ابن جريج(الطّوسيّ 3:62)،و القرطبيّ(4:
289)،و البيضاويّ(1:194)،و الشّربينيّ(1:268)، و البروسويّ(2:131)،و المراغيّ(4:141)،و نحوه ابن إسحاق(الطّبريّ 4:187).
الضّحّاك: في أصلاب الرّجال و أرحام النّساء.يا معشر المنافقين و المشركين حتّى يفرّق بينكم و بين من في أصلابكم و أرحام نسائكم من المؤمنين.
(الثّعلبيّ 3:219)
قتادة :حتّى يميّز المؤمن من الكافر بالهجرة و الجهاد.
(الثّعلبيّ 3:218)
نحوه ابن عطيّة.(1:546)
حتّى يميّز الفاجر من المؤمن.(الطّبريّ 4:188)
السّدّيّ: حتّى يخرج المؤمن من الكافر.
(الطّبريّ 4:188)
نحوه ابن قتيبة.(116)
ص: 43
ابن جريج:ليبيّن الصّادق بإيمانه من الكاذب.(الطّبريّ 4:187)
ابن كيسان :ليميّز بها بين من يثبت على إيمانه، ممّن ينقلب على عقبيه.(الثّعلبيّ 3:219)
الطّبريّ: ما كان اللّه ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق،فلا يعرف هذا من هذا، حتّى يميّز الخبيث من الطّيّب،يعني بذلك:حتّى يميّز الخبيث و هو المنافق المستسرّ للكفر،من الطّيّب و هو المؤمن المخلص الصّادق الإيمان بالمحن و الاختبار،كما ميّز بينهم يوم أحد،عند لقاء العدوّ عند خروجهم إليه.
و اختلف أهل التّأويل في الخبيث الّذي عنى اللّه بهذه الآية،فقال بعضهم فيه مثل قولنا.
و قال آخرون:معنى ذلك حتّى يميّز المؤمن من الكافر بالهجرة و الجهاد.
و التّأويل الأوّل أولى بتأويل الآية،لأنّ الآيات قبلها في ذكر المنافقين و هذه في سياقها،فكونها بأن تكون فيهم أشبه منها بأن تكون في غيرهم.(3:528)
نحوه الطّوسيّ.(3:62)
الزّجّاج: يروى في التّفسير:أنّ الكفّار قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:تخبرنا بأنّ الإنسان في النّار حتّى إذا صار من أهل ملّتك،قلت:إنّه من أهل الجنّة.فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّ حكم من كفر أن يقال له:إنّه من أهل النّار،و من آمن -فهو ما آمن و أقام على إيمانه،و أدّى ما افترض عليه- من أهل الجنّة.و أعلم أنّ المؤمنين و هم(الطّيّب)مميّزون من(الخبيث)أي مخلّصون.(1:492)
الثّعلبيّ: قال بعضهم:حتّى يميّز الخبيث و هو المذنب،من الطّيّب و هو المؤمن،يعني حتّى يحطّ الأوزار من المؤمن ما يصيبه من نكبة و محنة و مصيبة.
(3:219)
نحوه البغويّ.(1:545)
الزّمخشريّ: حتّى يعزل المنافق عن المخلص...
فإن قلت:لمن الخطاب في أنتم؟
قلت:للمصدّقين جميعا من أهل الإخلاص و النّفاق، كأنّه قيل:ما كان اللّه ليذر المخلصين منكم على الحال الّتي أنتم عليها،من اختلاط بعضكم ببعض،و أنّه لا يعرف مخلصكم من منافقكم،لاتّفاقكم على التّصديق جميعا، حتّى يميّزهم منكم بالوحي إلى نبيّه،و إخباره بأحوالكم.(1:483)
نحوه القرطبيّ(4:289)،و النّسفيّ(1:198)، و البروسويّ(2:131).
الطّبرسيّ: [نقل بعض أقوال المتقدّمين و قال:]
و قيل:هو خطاب للمؤمنين،تقديره:ما كان اللّه ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق.و على هذا فيكون قد رجع من الخبر إلى الخطاب،كقوله: حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ.
(1:545)
الفخر الرّازيّ: لفظ(الطّيّب)و(الخبيث)و إن كان مفردا إلاّ أنّه للجنس،فالمراد بهما جميع المؤمنين و المنافقين،لا اثنان منهما.و قد ذكرنا أنّ معنى الآية:ما كان اللّه ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمن بالمنافق و أشباهه،حتّى يميّز الخبيث من الطّيّب،أي المنافق من المؤمن.(9:111)
ص: 44
البيضاويّ: الخطاب لعامّة المخلصين و المنافقين في عصره،و المعنى لا يترككم مختلطين لا يعرف مخلصكم من منافقكم،حتّى يميّز المنافق من المخلص بالوحي إلى نبيّه بأحوالكم،أو بالتّكاليف الشّاقّة الّتي لا يصبر عليها و لا يذعن لها إلاّ الخلّص المخلصون منكم،كبذل الأموال و الأنفس في سبيل اللّه،ليختبر النّبيّ به بواطنكم، و يستدلّ به على عقائدكم.(1:194)
نحوه الكاشانيّ.(1:372)
أبو حيّان :قال ابن عبّاس و أكثر المفسّرين:
الخطاب للكفّار و المنافقين،و قيل:الخطاب للمؤمنين و الكافرين،و هو قريب ممّا قاله الزّمخشريّ.غاية ما فيه أنّه بدّل الكافرين بالمنافقين.(3:125)
أبو السّعود :غاية لما يفيده النّفي المذكور،كأنّه قيل:
ما يتركهم اللّه تعالى على ذلك الاختلاط،بل يقدّر الأمور و يرتّب الأسباب حتّى يعزل المنافق من المؤمن.و في التّعبير عنهما بما ورد به النّظم الكريم تسجيل على كلّ منهما بما يليق به،و إشعار بعلّة الحكم.
و إفراد(الخبيث)و(الطّيّب)مع تعدّدهما أريد بكلّ منهما و تكثّره-لا سيّما بعد ذكر ما أريد بأحدهما،أعني المؤمنين بصيغة الجمع-للإيذان بأنّ مدار إفراز أحد الفريقين من الآخر هو اتّصافهما بوصفهما،لا خصوصيّة ذاتهما و تعدّد آحادهما،كما في مثل قوله تعالى: ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا النّساء:3،و نظيره قوله تعالى:
تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ الحجّ:2،حيث قصد الدّلالة على الاتّصاف بالوصف،من غير تعرّض لكون الموصوف من العقلاء أو غيرهم.
و تعليق الميز ب(الخبيث)المعبّر به عن المنافق،مع أنّ المتبادر ممّا سبق من عدم ترك المؤمنين على الاختلاط تعلّقه بهم و إفرازهم عن المنافقين،لما أنّ الميز الواقع بين الفريقين إنّما هو بالتّصرّف في المنافقين،و تغييرهم من حال إلى حال مغايرة للأولى،مع بقاء المؤمنين على ما كانوا عليه من أصل الإيمان،و إن ظهر مزيد إخلاصهم،لا بالتّصرّف فيهم و تغييرهم من حال إلى حال أخرى،مع بقاء المنافقين على ما هم عليه من الاستتار،و لأنّ فيه مزيد تأكيد للوعيد،كما أشير إليه في قوله تعالى: وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ البقرة:220،و إنّما لم ينسب عدم التّرك إليهم لما أنّه مشعر باعتناء بشأن من نسب إليه،فإنّ المتبادر منه عدم تركه على حالة غير ملائمة،كما يشهد به الذّوق السّليم.(2:70)
الآلوسيّ: غاية لما يفهمه النّفي السّابق،كأنّه قيل:
ما يتركهم على ذلك الاختلاف،بل يقدّر الأمور و يرتّب الأسباب حتّى يعزل المنافق من المؤمن،و ليس غاية للكلام السّابق نفسه؛إذ يصير المعنى أنّه تعالى لا يترك المؤمنين على ما أنتم عليه إلى هذه الغاية،و يفهم منه كما قال السّمين:إنّه إذا وجدت الغاية ترك المؤمنين على ما أنتم عليه،و ليس المعنى على ذلك.
و عبّر عن المؤمن و المنافق بالطّيّب و الخبيث تسجيلا على كلّ منهما بما يليق به،و إشعارا بعلّة الحكم.و أفرد (الخبيث)و(الطّيّب)مع تعدّد ما أريد بكلّ،إيذانا بأنّ مدار إفراز أحد الفريقين من الآخر هو اتّصافهما بوصفهما، لا خصوصيّة ذاتهما و تعدّد آحادهما.[إلى أن قال:]
و قيل:إنّما قدّم الخبيث على الطّيّب و علّق به فعل
ص: 45
الميز،إشعارا بمزيد رداءة ذلك الجنس،فإنّ الملقى من الشّيئين هو الأدون.(4:137)
نحوه القاسميّ.(4:1045)
فضل اللّه : اَلْخَبِيثَ أي الشّخص الّذي يعيش الرّداءة الدّاخليّة في عناصر الشّخصيّة الفكريّة و الرّوحيّة و العمليّة،و العمل الرّديء الّذي يحمل في داخله السّوء و الشّرّ لمن حوله و ما حوله،فيعرف..
بالتّجربة القويّة الصّعبة-كلّ حركة الخفايا السّلبيّة في الدّاخل،(من الطيب)مقارنا بالشّخص الّذي يعيش الطّيبة النّفسيّة و الطّهارة الفكريّة و الانتماء الرّوحيّ و الاستقامة الأخلاقيّة،أو هو العمل الّذي يحمل تلك المعاني كلّها في ملامحه الدّاخليّة و الخارجيّة،و ذلك من خلال المسئوليّات المتنوّعة المتّصلة بحركة الإنسان في ساحة الصّراع بين الكفر و الإيمان،و ميدان التّجاذب بين الخير و الشّرّ،و تعقيدات الأوضاع بين الحقّ و الباطل، و ذلك بما يكلّفهم اللّه من ذلك في المواقف الحاسمة الّتي لا مجال فيها للتّردّد،و لا فرصة فيها للهروب و التّمييع بالأساليب الملتوية.
فمن كان ثابت الإيمان ثبت في المعركة من خلال إرادته،فلا ينهزم أو يتراجع إلاّ من خلال نقاط الضّعف الطّارئة،أو الضّغوط القاسية الّتي يصعب الابتعاد عنها.
و من كان منافقا في دائرة الاهتزاز في الموقع و الموقف و الانتماء و الالتزام-لفقدان القاعدة الفكريّة الإيمانيّة الّتي تفرض عليه الوضوح و الثّبات-ابتعد عن المعركة و انهزم عن ساحتها،و انفتح-من خلال نفاقه-على معسكر الأعداء للكيد للإسلام و المسلمين بالتّنسيق معهم، لينفّس عن حقده،و يعبّر-عمليّا-عن عقدته الخبيثة المتأصّلة في شخصيّته.
و في ضوء ذلك،نعرف أنّ الخبث و الطّيبة ليسا شيئين كامنين في الذّات في أصل الخلق،بل هما عنصران طارئان من خلال العوامل المتنوّعة الّتي تتحرّك في إرادتهم،لتضغط على القرار الّذي يتحرّك في مواقفهم لمصلحة الكفر و الباطل و الشّرّ.(6:406)
3- وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً. النّساء:2
ابن عبّاس: يعني لا تأكلوا أموالهم الحرام،و تتركوا أموالكم الحلال.(64)
نحوه مجاهد(الطّبريّ 4:229)،و الفرّاء(1:253)، و الطّبريّ(4:228)،و البغويّ(1:562)،و ابن عطيّة (2:5)،و الشّربينيّ(1:278)،و الكاشانيّ(1:388)، و هو المرويّ عن الباقر و الصّادق عليهم السّلام(البحرانيّ(3:
16)،و القاسميّ(5:1101)،و المراغيّ(4:179).
معناه:لا تتعجّلوا أكل الخبيث من أموالهم،و تدعوا انتظار الرّزق الحلال من عند اللّه.
مثله أبو صالح.(ابن عطيّة 2:5)
مجاهد :بأن تتعجّلوا الحرام قبل أن يأتيكم الرّزق الحلال الّذي قدّر لكم.(الطّوسيّ 3:101)
الضّحّاك: لا تعط فاسدا و تأخذ جيّدا.
(الطّبريّ 4:229)
هو أن يجعل الزّائف بدل الجيّد،و المهزول بدل
ص: 46
السّمين،و يقول:درهم بدرهم،و شاة بشاة.
مثله ابن المسيّب و الزّهريّ و السّدّيّ.
(الماورديّ 1:447)
عطاء:إنّه الرّبح على اليتيم،و اليتيم غرّ لا علم له.(ابن الجوزيّ 2:5)
الزّجّاج: الطّيّب ما لكم،و الخبيث مال اليتيم و غيره،ممّا ليس لكم.(2:7)
الزّمخشريّ: و لا تستبدل الحرام و هو مال اليتامى بالحلال و هو مالكم،و ما أبيح لكم من المكاسب،و رزق اللّه المبثوث في الأرض،فتأكلوه مكانه.أو لا تستبدلوا الأمر الخبيث و هو اختزال أموال اليتامى،بالأمر الطّيّب و هو حفظها و التّورّع منها.و«التفعّل»بمعنى«الاستفعال» غير عزيز،منه التّعجّل بمعنى الاستعجال،و التّأخّر بمعنى الاستئخار.[ثمّ استشهد بشعر]
و قيل:هو أن يعطي رديئا و يأخذ جيّدا.و عن السّدّيّ:أن يجعل شاة مهزولة مكان سمينة،و هذا ليس بتبدّل و إنّما هو تبديل،إلاّ أن يكارم صديقا له،فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصّبيّ.(1:494)
الطّبرسيّ: معناه لا تستبدلوا ما حرّمه اللّه تعالى عليكم من أموال اليتامى،بما أحلّه اللّه لكم من أموالكم.
و اختلف في صفة التّبديل،فقيل:كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيّد من مال اليتيم و الرّفيع منه، و يجعلون مكانه الخسيس و الرّديء.[ثمّ نقل سائر الأقوال و قال:]
و أقوى الوجوه الأوّل،لأنّه إنّما ذكر عقيب أموال اليتامى،فيكون معناه:لا تأخذوا السّمين و الجيّد من أموالهم،و تضعوا مكانهما المهزول و الرّديء،فتحفظون عليهم عدد أموالهم و مقاديرها،و تجحفون بهم في صفاتها و معانيها.(2:3)
الفخر الرّازيّ: في تفسير هذا التّبدّل وجوه:
الوجه الأوّل:[قول الزّجّاج]
الثّاني:لا تستبدلوا الأمر الخبيث،و هو اختزال أموال اليتامى بالأمر الطّيّب،و هو حفظها و التّورّع منها،و هو قول الأكثرين،إنّه كان وليّ اليتيم يأخذ الجيّد من ماله، و يجعل مكانه الدّون،يجعل الزّائف بدل الجيّد،و المهزول بدل السّمين.[إلى أن قال:]
و الرّابع:هو أنّ هذا التّبدّل معناه:أن يأكلوا مال اليتيم سلفا مع التزام بدله بعد ذلك،و في هذا يكون متبدّلا الخبيث بالطّيّب.(9:169)
نحوه البيضاويّ(1:202)،و النّيسابوريّ(4:
168).
الآلوسيّ: و المراد ب(الخبيث)و(الطّيّب)إمّا الحرام و الحلال،و المعنى لا تستبدلوا أموال اليتامى بأموالكم،أو لا تذروا أموالكم الحلال و تأكلوا الحرام من أموالهم، فالمنهيّ عنه استبدال مال اليتيم بمال أنفسهم مطلقا،أو أكل ماله مكان مالهم المحقّق أو المقدّر؛و إلى الأوّل ذهب الفرّاء.و الزّجّاج.و قيل:المعنى لا تستبدلوا الأمر الخبيث، و هو اختزال مال اليتيم بالأمر الطّيّب،و هو حفظ ذلك المال.و أيا ما كان فالتّعبير عن ذلك ب(الخبيث) و(الطّيّب)للتّنفير عمّا أخذوه،و التّرغيب فيما أعطوه.
و إمّا الرّديء و الجيّد،و مورد النّهي حينئذ ما كان الأوصياء عليه من أخذ الجيّد من مال اليتيم،و إعطاء
ص: 47
الرّديء من مال أنفسهم،فقد أخرج ابن جرير عن السّدّيّ أنّه قال:كان أحدهم يأخذ الشّاة السّمينة من غنم اليتيم،و يجعل في مكانها الشّاة المهزولة،و يقول:شاة بشاة،و يأخذ الدّرهم الجيّد و يضع مكانه الزّائف، و يقول:درهم بدرهم.و إلى هذا ذهب النّخعيّ،و الزّهريّ و ابن المسيّب.و تخصيص هذه المعاملة بالنّهي لخروجها مخرج العادة لا لإباحة ما عداها،فلا مفهوم لانخرام شرطه عنه القائل به.و اعترض هذا بأنّ المناسب حينئذ التّبديل،أو تبدّل الطّيّب بالخبيث،على ما يقتضيه الكلام السّابق.
و أجيب بأنّه إذا أعطى الوصيّ رديئا و أخذ جيّدا من مال اليتيم،يصدق عليه أنّه تبدّل الرّديء بالجيّد لليتيم و بدّل لنفسه.و ظاهر الآية أنّه أريد التّبدّل لليتيم،لأنّ الأوصياء هم المتصرّفون في أموال اليتامى،فنهوا عن بيع بوكس من أنفسهم و من غيرهم و ما ضاهاه،و لا يضرّ تبدّل لنفسه أيضا باعتبار آخر،لأنّ المتبادر إلى الفهم النّهي عن تصرّف لأجل اليتيم ضارّ،سواء عامل الوصيّ نفسه أو غيره.و من غفل عن اختلاف الاعتبار كالزّمخشريّ أوّل بما لا إشعار للّفظ به.و على العلاّت المراد من الآية النّهي عن أخذ مال اليتيم على الوجه المخصوص،بعد النّهي الضّمنيّ عن أخذه على الإطلاق.(4:187)
مكارم الشّيرازيّ: و هذا التّعليم في الحقيقة يهدف إلى المنع،ممّا قد يرتكبه بعض القيّمين على أموال اليتامى،من أخذ الجيّد من مال اليتيم و الرّفيع منه، و جعل الخسيس و الرّديء مكانه،بحجّة أنّ هذا التّبدّل يضمن مصلحة اليتيم،إمّا لأنّه لا تفاوت بين ماله و البديل،و إمّا لأنّ بقاء مال اليتيم يؤول إلى التّلف و الضّياع.(3:80)
و لاحظ ب د ل:«تتبدّلوا».
4- قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ... المائدة:100
ابن عبّاس: الحلال و الحرام.
(ابن الجوزيّ 2:434)
مثله الحسن(الماورديّ(2:70)،و عطاء(أبو السّعود (2:324)،و الطّوسيّ(4:38)،و البغويّ(2:91)، و الجبّائيّ(الطّبرسيّ 2:248).
السّدّيّ: (الخبيث):هم المشركون،و(الطّيّب):هم المؤمنون.(الطّبريّ 5:81)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم:قل يا محمّد:
لا يعتدل الرّديء و الجيّد،و الصّالح و الطّالح،و المطيع و العاصي وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يقول:لا يعتدل العاصي و المطيع للّه عند اللّه،و لو كثر أهل المعاصي فعجبت من كثرتهم،لأنّ أهل طاعة اللّه هم المفلحون، الفائزون بثواب اللّه يوم القيامة،و إن قلّوا.(5:81)
الماورديّ: الرّديء و الجيّد وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يعني أنّ الحلال و الجيّد مع قلّتهما،خير و أنفع من الحرام و الرّديء مع كثرتهما.(2:70)
المطيع و العاصي.(ابن الجوزيّ 2:433)
الزّمخشريّ: البون بين الخبيث و الطّيّب بعيد عند اللّه تعالى و إن كان قريبا عندكم،فلا تعجبوا بكثرة
ص: 48
الخبيث حتّى تؤثروه لكثرته على القليل الطّيّب،فإنّ ما تتوهّمونه في الكثرة من الفضل لا يوازي النّقصان في الخبث و فوات الطّيّب،و هو عامّ في حلال المال و حرامه، و صالح العمل و طالحه،و صحيح المذاهب و فاسدها، و جيّد النّاس و رديئهم.(1:647)
ابن عطيّة: لفظ عامّ في جميع الأمور،يتصوّر في المكاسب و عدد النّاس و المعارف من العلوم و نحوها، ف(الخبيث)من هذا كلّه لا يفلح و لا ينجب و لا تحسن له عاقبة، وَ الطَّيِّبُ و لو قلّ نافع جميل العاقبة.و ينظر إلى هذه الآية قوله تعالى: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً الأعراف:58.
و الخبث:هو الفساد الباطن في الأشياء حتّى يظنّ بها الصّلاح،و الطّيّب:و هي بخلاف ذلك،و هكذا هو الخبث في الإنسان.و قد يراد بلفظة خبيث في الإنسان:فساد نسبه،فهذا لفظ يلزم قائله على هذا القصد الحدّ.
(2:244)
الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا زجر عن المعصية و رغّب في الطّاعة بقوله: اِعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ثمّ أتبعه بالتّكليف بقوله: ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ ثمّ أتبعه بالتّرغيب في الطّاعة و التّنفير عن المعصية بقوله: وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ المائدة:98 و 99،أتبعه بنوع آخر من التّرغيب في الطّاعة و التّنفير عن المعصية،فقال: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ؛ ذلك لأنّ الخبيث و الطّيّب قسمان:أحدهما:الّذي يكون جسمانيّا،و هو ظاهر لكلّ أحد،و الثّاني:الّذي يكون روحانيّا.
و أخبث الخبائث الرّوحانيّة:الجهل و المعصية، و أطيب الطّيّبات الرّوحانيّة:معرفة اللّه تعالى و طاعة اللّه تعالى،و ذلك لأنّ الجسم الّذي يلتصق به شيء من النّجاسات يصير مستقذرا عند أرباب الطّباع السّليمة، فكذلك الأرواح الموصوفة بالجهل باللّه و الإعراض عن طاعة اللّه تعالى تصير مستقذرة عند الأرواح الكاملة المقدّسة.و أمّا الأرواح العارفة باللّه تعالى المواظبة على خدمة اللّه تعالى،فإنّها تصير مشرّفة بأنوار المعارف الإلهيّة،مبتهجة بالقرب من الأرواح المقدّسة الطّاهرة.
و كما أنّ الخبيث و الطّيّب في عالم الجسمانيّات لا يستويان،فكذلك في عالم الرّوحانيّات لا يستويان،بل المباينة بينهما في عالم الرّوحانيّات أشدّ،لأنّ مضرّة خبث الخبيث الجسمانيّ شيء قليل،و منفعة طيبه مختصرة،و أمّا خبث الخبيث الرّوحانيّ فمضرّته عظيمة دائمة أبديّة، و طيب الطّيّب الرّوحانيّ فمنفعته عظيمة دائمة أبديّة،و هو القرب من جوار ربّ العالمين،و الانخراط في زمرة الملائكة المقرّبين،و المرافقة من النّبيّين و الصّديقين و الشّهداء و الصّالحين،فكان هذا من أعظم وجوه التّرغيب في الطّاعة و التّنفّر عن المعصية.
ثمّ قال تعالى: وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يعني أنّ الّذي يكون خبيثا في عالم الرّوحانيّات،قد يكون طيّبا في عالم الجسمانيّات،و يكون كثير المقدار و عظيم اللّذّة،إلاّ أنّه مع كثرة مقداره و لذاذة متناوله و قرب وجدانه، سبب للحرمان من السّعادات الباقية الأبديّة السّرمديّة، الّتي إليها الإشارة بقوله: وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ الكهف:46.و إذا كان الأمر كذلك فالخبيث
ص: 49
-و لو أعجبك كثرته-يمتنع أن يكون مساويا للطّيّب الّذي هو المعرفة و المحبّة و الطّاعة و الابتهاج بالسّعادات الرّوحانيّة و الكرامات الرّبّانيّة.(12:103)
القرطبيّ: فيه ثلاث مسائل:الأولى:[نقل الأقوال و قال:]
و هذا على ضرب المثال،و الصّحيح أنّ اللّفظ عامّ في جميع الأمور،يتصوّر في المكاسب و الأعمال،و النّاس و المعارف من العلوم و غيرها.فالخبيث من هذا كلّه لا يفلح و لا ينجب،و لا تحسن له عاقبة و إن كثر.و الطّيّب و إن قلّ نافع جميل العاقبة.قال اللّه تعالى: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً الأعراف:58.و نظير هذه الآية قوله تعالى:
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ ص:28، و قوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ الجاثية:21.
فالخبيث لا يساوي الطّيّب مقدارا و لا إنفاقا و لا مكانا و لا ذهابا،فالطّيّب يأخذ جهة اليمين،و الخبيث يأخذ جهة الشّمال،و الطّيّب في الجنّة،و الخبيث في النّار، و هذا بيّن.(6:327)
البروسويّ: نزلت في حجّاج اليمامة لما همّ المسلمون أن يوقعوا بهم،بسبب أنّه كان فيهم الحطيم، و قد أتى المدينة في السّنة السّابقة و استاق سرح المدينة، فخرج في العام القابل و هو عام عمرة القضاء حاجّا،فبلغ ذلك أصحاب السّرح،فقالوا للنّبيّ عليه السّلام:هذا الحطيم خرج حاجّا مع حجّاج اليمامة،فخلّ بيننا و بينه، فقال عليه السّلام:«إنّه قلّد الهدي»و لم يأذن لهم في ذلك بسبب استحقاقهم الأمن بتقليد الهدايا،فنزلت الآية تصديقا له عليه السّلام في نهيه إيّاهم عن تعرّض الحجّاج،و إن كانوا مشركين.
و قد مضت هذه القصّة في اوّل السّورة عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ المائدة:
2،و بقي حكم هذه الآية إلى أن نزلت سورة البراءة فنسخ بنزولها،لأنّه قد كان فيها إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا التّوبة:28.و فيها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ التّوبة:5، فنسخ حكم الهدي و القلائد و الشّهر الحرام و الإحرام و أمنهم بها بدون الإسلام.و سبب النّزول و إن كان خاصّا،لكن حكمه عامّ في نفي المساواة عند اللّه بين الرّديء و بين الجيّد،ففيه ترغيب في الجيّد و تحذير عن الرّديء.
و يتناول الخبيث و الطّيّب أمورا كثيرة:فمنها:الحرام و الحلال،فمثقال حبّة من الحلال أرجح عند اللّه من ملء الدّنيا من الحرام،لأنّ الحرام خبيث مردود و الحلال طيّب مقبول،فهما لا يستويان أبدا،كما أنّ طالبهما كذلك؛إذ طالب الخبيث خبيث،و طالب الطّيّب طيّب،و اللّه تعالى يسوق الطّيّب إلى الطّيّب،كما أنّه يسوق الخبيث إلى الخبيث،كما قال: اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ النّور:26،و الطّيّب عند سادات الصّوفيّة-قدّس اللّه أسرارهم-ما كان بلا فكر و حركة نفسانيّة،سواء سيق من طرف صالح أو فاسق،لأنّه رزق من حيث
ص: 50
لا يحتسب،و هو مقبول،و خلافه مردود.و لا بعد في هذا، لأنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين،و بينهما بون بعيد.
و أيضا الخبيث من الأموال:ما لم يخرج منها حقّ اللّه، و الطّيّب:ما أخرجت منه الحقوق.و الخبيث:ما أنفق في وجوه الفساد،و الطّيّب:ما أنفق في وجوه الطّاعات.
و الطّيّب من الأموال:ما وافق نفع الفقراء في أوقات الضّرورات،و الخبيث:ما دخل عليهم في وقت استغنائهم فاشتغلت خواطرهم بها.
و منها:المؤمن و الكافر،و العادل و الفاسق،فالمؤمن كالعسل،و الكافر كالسّمّ،و العادل كشجرة الثّمرة، و الفاسق كشجرة الشّوك،فلا يستويان على كلّ حال.
و منها:الأخلاق الطّيّبة و الأخلاق الخبيثة،فمثل التّواضع و القناعة و التّسليم و الشّكر مقبول،و مثل الكبر و الحرص و الجزع و الكفران مردود،لأنّ الأوّل من صفات الرّوح،و الثّاني من صفات النّفس،و الرّوح طيّب علويّ و النّفس خلافه.
و من أخلاق النّفس حبّ المال،و الكبار قد عدّوا المال الطّيّب حجابا،فما ظنّك بالخبيث منه،فلا بدّ من تصفية الباطن و تخليته عن حبّ ما سوى اللّه تعالى.
و منها:العلوم النّافعة و العلوم الغير النّافعة،فالنّافعة كعلوم الشّريعة،و غير النّافعة كعلوم الفلاسفة.
و منها:الأعمال الصّالحة و الأعمال غير الصّالحة،فما أريد به وجه اللّه تعالى فهو صالح،و ما أريد به الرّياء و السّمعة فهو غير صالح.
قال في«التّأويلات النّجميّة»:الخبيث:ما يشغلك عن اللّه،و الطّيّب:ما يوصلك إلى اللّه.و أيضا الطّيّب:هو اللّه الواحد،و الخبيث:ما سواه،و فيه كثرة. وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ الواو لعطف الشّرطيّة على مثلها المقدّر، أي لو لم يعجبك كثرة الخبيث و لو أعجبتك،و كلتاهما في موضع الحال من فاعل(لا يستوى)أي لا يستويان كائنين على كلّ حال مفروض.و جواب(لو)محذوف، و المعنى و التّقدير:أنّ الخبيث و لو أعجبتك كثرته يمتنع أن يكون مساويا للطّيّب،فإنّ العبرة بالجودة و الرّداءة دون القلّة و الكثرة،فإنّ المحمود القليل خير من المذموم الكثير،بل كلّما كثر الخبيث كان أخبث.و معنى الإعجاب:السّرور بما يتعجّب منه،يقال:يعجبني أمر كذا،أي يسرّني.و الخطاب في(اعجبك)لكلّ واحد من الّذين أمر النّبيّ عليه السّلام بخطابهم.(2:447)
شبّر:إنسانا كان أو عملا أو مالا أو غير ذلك.
(2:218)
الآلوسيّ: [نحو ابن عطيّة و أضاف:]
و تقديم الخبيث في الذّكر للإشعار من أوّل الأمر،بأنّ القصور الّذي ينبئ عنه عدم الاستواء فيه لا في مقابله.(7:37)
مغنيّة:هذه الآية ترادف قوله تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ الحشر:20،و كثرة الخبيث:ما يملكه من جاه و مال.و العاقل لا يستوي لديه الخبيث و الطّيّب،و إن كثر ماله،و اتّسع جاهه،لأنّ الجاه و المال لا يجعلان الخبيث طيّبا،و لا الفقر و خمول الذّكر يجعلان الطّيّب خبيثا.
و الرّجل الخبيث في مقياس الدّين:من عصى أحكام اللّه في كتابه و سنّة نبيّه،و الخبيث في عرف النّاس:من
ص: 51
يخافون من شرّه،و لا يأمنونه على أمر من أمورهم،و لا يصدّقونه في قول أو فعل.و بديهة أنّ من كانت هذه صفاته فهو خبيث عند اللّه أيضا،قال رسول اللّه:«أشرف الإيمان أن يأمنك النّاس».أمّا الطّيّب فعلى عكس الخبيث في جميع أوصافه.
هل الرّزق صدفة أو قدر؟
و تسأل:إذا كان الخبيث مغضوبا عليه عند اللّه، و الطّيّب مرضيّا لديه تعالى،فلما ذا ينجح الخبيث في هذه الحياة،و ينعم بالجاه و الثّراء،و يرسب الطّيّب،و لا يكاد يتحقّق له مطلب،حتّى قال من قال:«هذا الّذي ترك الأوهام حائرة»؟
الجواب:إنّ للحياة سننا و قوانين تجري عليها،و لا تتخطّاها بحال،لأنّ تصوّر الفوضى في الكون يرفضه الحسّ و المشاهدة...و هذه السّنن و القوانين من صنع اللّه تعالى،لأنّه هو خالق الطّبيعة و ما فيها.و بديهة أنّ قوانين الطّبيعة تأبى أن تمطر السّماء مالا و صحّة و علما،و إنّما تأتي هذه و أمثالها من طرقها و أسبابها الطّبيعيّة.فالعلم من التّعلّم،و الصّحّة من الغذاء و الوقاية،و المال من العمل، فمن تعلّم علم،و من اتّقى أسباب الدّاء سلم،و من انتحر مات،و من زرع حصد،سواء أ كان طيّبا أم خبيثا،مؤمنا أم كافرا،فالطّيبة أو الإيمان لا ينبت قمحا،و لا يشفي داء، و لا يجعل الجاهل عالما.كلّ هذه و ما أشبه تجري على سنن الطّبيعة،و سنن الطّبيعة تجري على مشيئة اللّه،ما في ذلك ريب،لأنّه هو الّذي جعل التّعلّم سببا للعلم، و الوقاية سببا من أسباب الصّحّة،و الزّراعة سببا للحصاد.إنّه خالق كلّ شيء،و إليه ينتهي كلّ شيء.
أجل،إنّ لكسب المال سبلا و أبوابا كثيرة،و قد أحلّ اللّه بعضا،و حرّم بعضا،أحلّ اللّه سبحانه التّجارة و الزّراعة و الصّناعة،و حرّم الرّبا و الغشّ و الرّشوة و السلب و النّهب و الاحتكار و الاتّجار بالمبادئ،فمن يكسب المال من حلّه ينسب كسبه إليه،لأنّه قد جدّ و اجتهد في طلبه،و أيضا ينسب إلى اللّه،لأنّه هو الّذي أوجد هذه الأسباب،و أباحها لكلّ راغب طيّبا كان أو خبيثا.أمّا من يكسب المال من غير حلّه كالرّبا و السّلب، فإنّ كسبه ينسب إلى كاسبه،و إلى الأوضاع الّتي مهّدت له،و لا ينسب إلى اللّه،لأنّه تعالى قد حرّم هذه السّبل على الطّيّب و الخبيث.
و تقول:هذا صحيح،و لكنّه لا يجيب عن السّؤال، و لا يحلّ المشكلة.فلقد رأينا كلاّ من الطّيّب و الخبيث يسلك الطّريق المشروع للرّزق،و يطلبه من السّبيل الّذي أحلّه اللّه و أمر به،و مع ذلك يتّسع الرّزق على الخبيث،و يضيق على الطّيّب،و ربّما بذل هذا من الجهد أضعاف ما بذله ذاك،بل قد يأتي الرّزق للخبيث من حيث لا يتوقّعه،و لا يؤهّله له استعداده و جهاده.و يمتنع عن الطّيّب من حيث يتوقّعه،و يؤهّله له جهاده و استعداده.
الجواب:إنّ بعض النّاس يلجئون في تفسير ذلك إلى الصّدفة أو الحظّ،و إن دلّ هذا على شيء،فإنّما يدلّ على عجزهم عن التّفسير الصّحيح،و إلاّ لم يلجئوا إلى ما يخبط خبط عشواء،و يرمي عن غير قصد و تصميم.
لذلك نعفي نحن الحظّ و الصّدفة من كلّ المسئوليّات و التّبعات،و نؤمن إيمانا قاطعا بأنّ هناك إرادة عليا قد
ص: 52
تدخّلت لأسباب نجهلها،لأنّ العلم فيها و في أمثالها لا يزال في مراحل طفولته،و جهل العلم بها لا يعني أنّها غير موجودة.و الّذي يؤكّد إيماننا هذا قوله تعالى: وَ اللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ النّحل:71،و قوله:
اَللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ الرّعد:27، و جاءت هذه الآية بنصّها الحرفيّ أحيانا في سورة الإسراء رقم:30،و في القصص:82،و في العنكبوت:
62،و في الرّوم:37،و في سبأ:36 و 39،و في الزّمر:52، و في الشّورى:12.
و لكن ليس معنى يبسط الرّزق،و يفضّل في الرّزق، أنّه تعالى يمطر من السّماء مالا على من يشاء.كلاّ،بل يبسط الرّزق من طريقه المعروف المألوف،و يقدّر أيضا عن هذا الطّريق،فيمهّده و يوسّعه على بعض،و يجعله عسيرا ضيّقا على البعض الآخر.و لكن لا علاقة بين الضّيق في الرّزق،و بين الخبث و معصية اللّه،فلقد كان الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و سلّم يربط على بطنه حجر المجاعة،و قال موسى:ربّي إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير».و أيضا لا علاقة بين السّعة في الرّزق،و بين الطّيبة و طاعة اللّه، فقد نادى فرعون في قومه: أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ أَمْ -أي بل - أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ -يشير إلى موسى - وَ لا يَكادُ يُبِينُ* فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ الزّخرف:51-53.
و على هذا،فمن قال أو يقول:إنّ اللّه أغنى فلانا لأنّه طيّب،فإنّه يتكلّم بمنطق فرعون،و يزن بميزان الشّيطان.
لقد شاءت حكمته جلّ ثناؤه أن يثيب على الحسنة، و يعاقب على السّيّئة في الدّار الباقية،لا في هذه الدّار الفانية،إنّ هذه دار أعمال،و تلك لنقاش الحساب عليها.
هذا،إلى أن كثرة الخبيث قد تكون وبالا عليه،و سببا لشدّة عذابه و عقابه ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَ يَتَمَتَّعُوا وَ يُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ الحجر:3، يَتَمَتَّعُونَ وَ يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَ النّارُ مَثْوىً لَهُمْ محمّد:12.
و الخلاصة إنّ الرّزق يستند إلى أمرين:السّعي، و إرادة اللّه معا،فمن ترك السّعي عاش كلاّ على النّاس، و من سعى رزقه اللّه من سعيه إن شاء كثيرا،و إن شاء قليلا.و تكمن هذه الحقيقة في فطرة الإنسان،و يمارسها تلقائيّا،و دون أن يلتفت إليها.فالتّاجر يسأل اللّه سبحانه أن يرزقه برواج بضاعته و إقبال النّاس عليها،و الفلاّح يسأله أن ينزل الغيث على زرعه،و لا يسأله أن ينبت له الزّرع بلا غيث،و ها أنا أدعو اللّه لولدي بالتّوفيق في دراسته و النّجاح في امتحانه،و لا أدعوه أن يلهم الجامعة لتقدّم له الشّهادة بلا دراسة و امتحان.و في الأمثال«من سعى رعى»،و ربّما خاب المسعى و طاش السّهم.و مع ذلك ينبغي إحكام التّخطيط،و مضاعفة الجهد،لأنّ مضاعفة الجهد،و إتقان العمل،و الصّبر على المشاقّ سبب لمشيئة النّجاح منه جلّ و علا.(3:131)
الطّباطبائيّ: الآية كأنّها مستقلّة مفردة لعدم ظهور اتّصالها بما قبلها و ارتباط ما بعدها بها،فلا حاجة إلى التّمحّل في بيان اتّصالها بما قبلها،و إنّما تشتمل على مثل كلّي ضربه اللّه سبحانه،لبيان خاصّة يختصّ بها الدّين الحقّ من بين سائر الأديان و السّير العامّة الدّائرة، و هي أنّ الاعتبار بالحقّ و إن كان قليلا أهله و شاردة
ص: 53
فئته،و الرّكون إلى الخير و السّعادة و إن أعرض عنه الأكثرون و نسيه الأقوون،فإنّ الحقّ لا يعتمد في نواميسه إلاّ على العقل السّليم،و حاشا العقل السّليم أن يهدي إلاّ إلى صلاح المجتمع الإنسانيّ،فيما يشدّ أزره من أحكام الحياة و سبل المعيشة الطّيّبة،سواء وافق أهواء الأكثرين أو خالف،و كثيرا ما يخالف،فهو ذا النّظام الكونيّ و هو عند الآراء الحقّة،لا يتبع شيئا من أهوائهم،و لو اتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السّماوات و الأرض.
قوله تعالى: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ كأنّ المراد بعدم استواء الخبيث و الطّيّب،أنّ الطّيّب خير من الخبيث،و هو أمر بيّن فيكون الكلام مسوقا للكناية؛و ذلك أن الطّيّب بحسب طبعه و بقضاء من الفطرة أعلى درجة و أسمى منزلة من الخبيث،فلو فرض انعكاس الأمر و صيرورة الخبيث خيرا من الطّيّب لعارض يعرضه،كان من الواجب أن يتدرّج الخبيث في الرّقيّ و الصّعود حتّى يصل إلى حدّ يحاذي الطّيّب في منزلته،و يساويه ثمّ يتجاوزه فيفوقه، فإذا نفي استواء الخبيث و الطّيّب كان ذلك أبلغ في نفي خيريّة الخبيث من الطّيّب.
و من هنا يظهر وجه تقديم(الخبيث)على(الطّيّب) فإنّ الكلام مسوق لبيان أنّ كثرة الخبيث لا تصيّره خيرا من الطّيّب،و إنّما يكون ذلك بارتفاع الخبيث من حضيض الرّداءة و الخسّة إلى أوج الكرامة و العزّة،حتّى يساوي الطّيّب في مكانته ثمّ يعلو عليه.و لو قيل:«لا يستوي الطّيّب و الخبيث»كانت العناية الكلاميّة متعلّقة ببيان أنّ الطّيّب لا يكون أردأ و أخسّ من الخبيث،و كان من الواجب حينئذ أن يذكر بعده أمر قلّة الطّيّب،مكان كثرة الخبيث،فافهم ذلك.
و الطّيّب و الخباثة على ما لهما من المعنى و صفان حقيقيّان لأشياء حقيقيّة خارجيّة،كالطّعام الطّيّب أو الخبيث،و الأرض الطّيّبة أو الخبيثة،قال تعالى: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً الأعراف:58،و قال تعالى: وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ الأعراف:32،و إن أطلق الطّيّب و الخباثة أحيانا على شيء من الصّفات الوضعيّة الاعتباريّة، كالحكم الطّيّب أو الخبيث و الخلق الطّيّب أو الخبيث،فإنّما ذلك بنوع من العناية.(6:147)
فضل اللّه :في القرآن الكريم أكثر من آية تتناول طرق التّربية الإنسانيّة وفق المنهج الّذي تريد أن تركزه في حياة الإنسان كقاعدة عامّة للحركة.و قد كان من المنهج الّذي أراده القرآن،أنّ على الإنسان أن يبتعد في ميزانه للأشياء في دائرة التّقويم،عن النّظر إلى جانب «الكمّ»بل يجب أن يقترب من النّظرة إلى الأشياء بمنظار «الكيف»و«النّوع»،لأنّ الكثرة لا تعبّر عن طبيعة الشّيء في ذاته،بل هي تعبير عن حجمه.و من الطّبيعيّ أنّ القيمة تنطلق من الخصائص الذّاتيّة للشّيء لا من الحجم الخاصّ به،لأنّ تلك الخصائص هي الّتي تميّز عمق القوّة فيه و امتدادها،بينما يمثّل«الكمّ»حجم المساحة.
و لهذا أكّد القرآن مواجهة الكثرة في واقع الحياة،في عمليّة ملاحقة للنّماذج الّتي تمثّلها،فانتهى إلى نتيجة حاسمة تقرّر أنّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ الأعراف:
187،و لا يُؤْمِنُونَ الأنعام:109،و لا يَفْقَهُونَ
ص: 54
الأنفال:65،و أنّ القلّة هي الّتي تمثّل الإيمان و الوعي و العلم و التّقوى،و أنّ القلّة قد تغلب الكثرة إذا كانت الخصائص الذّاتيّة للقلّة أقوى من الحجم العدديّ للكثرة؛و ذلك من أجل تفريغ الدّاخل من السّقوط أمام المظهر الفخم للكثرة.
و قد جاءت هذه الآية لتثير أمام الإنسان بعضا من مفردات هذا المنهج،فهناك مفهوم الخبيث و مفهوم الطّيّب،في ما يتمثّلان به في حركة الواقع في الأشخاص و الأشياء و العلاقات.فهناك إنسان خبيث في نواياه السّيّئة،و في كلماته الحاقدة و أفعاله الشّرّيرة،و هناك إنسان طيّب في دوافعه و أفكاره الحسنة،و في أقواله النّافعة،و في ممارساته الخيرة.و هناك الطّعام الطّيّب و الخبيث في مذاقه و في تأثيراته،و هناك الأرض الطّيّبة و الخبيثة في ما ينبت فيها،و ما يتمثّل فيها من حالة الخصب و الجدب.
و ربّما يتنامى الخبيث و يتكاثر،و يسيطر على السّاحة بفعل الظّروف الموضوعيّة المحيطة به،و ربّما يقلّ الطّيّب و يضعف بفعل التّحدّيات الّتي تواجهه و المؤثرات السّلبيّة الّتي تفعل السّيّئ،فتؤخّر نموّه و تضعف حركته.
و لكنّ ذلك لن يجعل من الخبيث قيمة إنسانيّة أو حياتيّة أو طبيعيّة،و لن يغيّر شيئا ممّا يحمله الطّيّب من قيمة في ميزان اللّه و الحياة،لأنّ اللّه ينظر إلى الأشخاص و الأشياء من خلال ما فيها من عوامل الخير و مؤثراته،فيرفض ما كان فيها بعيدا عن الخير،و يرضى عمّا كان قريبا منه.
و تبقى للطّيّب في نطاق ذلك قيمته و مكانته،و تظلّ للخبيث وضاعته و حقارته،و هكذا في ما تتمثّله الحياة لنفسها من خير و شرّ.(8:352)
وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ. إبراهيم:26
النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:الحنظلة.(الطّبريّ 7:444)
ابن عبّاس: كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ هو الشّرك باللّه كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ و هو المشرك،يقول:الشّرك مذموم ليس له مدحة،كما أنّ المشرك مذموم ليس له مدحة.
و يقال: كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ و هي الحنظلة،ليس لها منفعة و لا حلاوة،فكذلك الشّرك ليس فيه منفعة و لا مدحة.
(213)
نحوه أنس و مجاهد.(الطّبريّ 7:445)
هذا مثل ضربه اللّه،و لم تخلق هذه الشّجرة على وجه الأرض.(الطّبريّ 7:445)
ضرب اللّه مثل الشّجرة الخبيثة كمثل الكافر،يقول:
إنّ الشّجرة الخبيثة اجتثّت من فوق الأرض،ما لها من قرار.يقول:الكافر لا يقبل عمله،و لا يصعد إلى اللّه، فليس له أصل ثابت في الأرض،و لا فرع في السّماء.
يقول:ليس له عمل صالح في الدّنيا و لا في الآخرة.
(الطّبريّ 7:445)
نحوه الضّحّاك و قتادة و الرّبيع.(الطّبريّ 7:446)
كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ غير زاكية،و هي شجرة الحنظل.(الطّبرسيّ 3:313)
أنس بن مالك:الشّريان يعني الحنظل.
(الطّبريّ 7:444)
ص: 55
الحسن:إنّها شجرة هذه صفتها،و هو أنّه لا قرار لها في الأرض.(الطّبرسيّ 3:313)
الإمام الباقر:إنّ هذا مثل بني أميّة.
(الطّبرسيّ 3:313)
قتادة :إنّ رجلا لقي رجلا من أهل العلم،فقال:ما تقول في الكلمة الخبيثة؟
فقال:ما أعلم لها في الأرض مستقرّا،و لا في السّماء مصعدا إلاّ أن تلزم عنق صاحبها،حتّى يوافى بها يوم القيامة.(الطّبريّ 7:446)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و مثل الشّرك باللّه و هي الكلمة الخبيثة كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اختلف أهل التّأويل فيها أيّ شجرة هي؟فقال أكثرهم:هي الحنظل.
و قال آخرون:هذه الشّجرة لم تخلق على الأرض.
و قد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بتصحيح قول من قال:
هي الحنظلة خبر،فإن صحّ فلا قول يجوز أن يقال غيره، و إلاّ فإنّها شجرة بالصّفة الّتي وصفها اللّه بها.(7:444)
الزّجّاج: قيل:إنّ الشّجرة الخبيثة الحنظل و قيل:
الكوث (1).(3:161)
الفارسيّ: هو كلّ كلام في معصية اللّه تعالى.(الطّبرسيّ 3:313)
الماورديّ: كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ فيها قولان:أحدهما:
أنّها الكفر،الثّاني:أنّها الكافر نفسه. كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ فيها ثلاثة أقاويل.[الأوّل و الثّاني قولا أنس و ابن عبّاس و قد تقدّما]و الثّالث:أنّها الكشوث.(3:134)
البغويّ: هي الحنظل،و قيل:هي الثّوم،و قيل:هي الكشوث و هي العشقة.(3:38)
الطّوسيّ: لمّا ضرب اللّه للكلمة الطّيّبة بالشّجرة الطّيّبة الّتي ذكرها و أكلها،ضرب المثل للكلمة الخبيثة بالشّجرة الخبيثة الّتي تجتثّ.[إلى أن قال:]
و الكلمة إنّها تكون خبيثة إذا خبث معناها و هي كلمة الكفر،و الطّيّبة كلمة الإيمان،و الخبث فساد يؤدّي إلى فساد.(6:293)
الزّمخشريّ: كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ كمثل شجرة خبيثة،أي صفتها كصفتها.و قرئ (و مثل كلمة) بالنّصب عطفا على كَلِمَةً طَيِّبَةً إبراهيم:24.
و الكلمة الخبيثة:كلمة الشّرك،و قيل:كلّ كلمة قبيحة.و أمّا الشّجرة الخبيثة:فكلّ شجرة لا يطيب ثمرها كشجرة الحنظل و الكشوث،و نحو ذلك.(2:376)
ابن عطيّة: حكى الكسائيّ و الفرّاء أنّ في قراءة أبيّ بن كعب (ضرب اللّه مثلا كلمة خبيثة) .و الكلمة الخبيثة:
هي كلمة الكفر و ما قاربها من كلام السّوء في الظّلم و نحوه،و الشّجرة الخبيثة قال أكثر المفسّرين:هي شجرة الحنظل،قاله أنس بن مالك،و رواه عن النّبيّ عليه السّلام.و هذا عندي على جهة المثال.و قالت فرقة:هي الثّوم.
و على هذه الأقوال من الاعتراض أنّ هذه كلّها من النّجم و ليست من الشّجرة،و اللّه تعالى إنّما مثّل بالشّجرة، فلا تسمّى هذه شجرة إلاّ بتجوّز،فقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في الثّوم و البصل«من أكل من هذه الشّجرة».و أيضا فإنّ هذه كلّها ضعيفة و إن لم تجتثّ،اللّهمّ إلاّ أن نقول:اجتثّت بالخلقة.
و الظّاهر عندي أنّ التّشبيه وقع بشجرة غير معيّنة،ث.
ص: 56
إذا وجدت فيها هذه الأوصاف،فالخبث هو أن تكون كالعضاه أو كشجر السّموم أو نحوها إذا اجتثّت-أي اقتلعت حيث جثّتها بنزع الأصول،و بقيت في غاية الوهاء و الضّعف-لتقلبها أقلّ ريح،فالكافر يرى أنّ بيده شيئا و هو لا يستقرّ،و لا يغني عنه كهذه الشّجرة الّتي يظنّ بها على بعد،أو الجهل بها أنّها شيء نافع،و هي خبيثة الجني غير باقية.(3:336)
نحوه أبو حيّان.(5:422)
الطّبرسيّ: إنّما هو مثل ضربه بهذا،و هذا القول حسن،لأنّ الحنظل و غيره قد ينتفع بذلك في الأدوية.
(3:313)
الفخر الرّازيّ: فاعلم أنّ الشّجرة الخبيثة هي الجهل باللّه،فإنّه أوّل الآفات و عنوان المخافات و رأس الشّقاوات،ثمّ إنّه تعالى شبّهها بشجرة موصوفة بصفات ثلاثة:
الصّفة الأولى:أنّها تكون خبيثة،فمنهم من قال:إنّها الثّوم،لأنّه صلّى اللّه عليه و سلّم وصف الثّوم بأنّها شجرة خبيثة.و قيل:
إنّها الكراث،و قيل:إنّها شجرة الحنظل لكثرة ما فيها من المضارّ،و قيل:إنّها شجرة الشّوك.
و اعلم أنّ هذا التّفصيل لا حاجة إليه،فإنّ الشّجرة قد تكون خبيثة بحسب الرّائحة و قد تكون بحسب الطّعم، و قد تكون بحسب الصّورة و المنظر،و قد تكون بحسب اشتمالها على المضارّ الكثيرة.و الشّجرة الجامعة لكلّ هذه الصّفات و إن لم تكن موجودة،إلاّ أنّها لمّا كانت معلومة الصّفة كان التّشبيه بها نافعا في المطلوب.(19:121)
أبو السّعود :هي كلمة الكفر و الدّعاء إليه،أو تكذيب الحقّ،أو ما يعمّ الكلّ،أو كلّ كلمة قبيحة، كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ أي كمثل شجرة خبيثة.
قيل:هي كلّ شجرة لا يطيب ثمرها كالحنظل و الكشوث و نحوهما،و تغيير الأسلوب للإيذان بأنّ ذلك غير مقصود الضّرب و البيان،و إنّما ذلك أمر ظاهر يعرفه كلّ أحد.(3:483)
البروسويّ: مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ هي كلمة الكفر، و يدخل فيها كلّ كلمة قبيحة من الدّعاء إلى الكفر، و تكذيب الحقّ و نحوهما: كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ كمثل شجرة خبيثة،أي صفتها كصفتها و هي الحنظل،و يدخل فيها كلّ ما لا يطيب ثمرها من الكسوب؛و هو نبت يتعلّق بأغصان الشّجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض، و يقال له:اللّبلاب و العشقة و الثّوم،و قد يقال:إنّها من النّجم لا الشّجر،و الظّاهر أنّه من باب المشاكلة.
قال في«التّبيان»:و خبثها غاية مرارتها و مضرّتها، و كلّ ما خرج عن اعتداله فهو خبيث.و قال الشّيخ الغزاليّ رحمه اللّه:شبّه العقل بشجرة طيّبة،و الهوى بشجرة خبيثة،فقال: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ إلخ،انتهى.فالنّفس الخبيثة الأمّارة كالشّجرة الخبيثة،تتولّد منها الكلمة الخبيثة، و هي كلمة تتولّد من خباثة النّفس الخبيثة،الظّالمة لنفسها بسوء اعتقادها في ذات اللّه و صفاته،أو باكتساب المعاصي،و الظّالمة لغيرها بالتّعرّض لعرضه أو ماله.(4:415)
الآلوسيّ: روى الإماميّة-و أنت تعرف حالهم- عن أبي جعفر رضي اللّه تعالى عنه تفسيرها ببني أميّة، و تفسير الشّجرة الطّيّبة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و عليّ كرّم اللّه
ص: 57
تعالى وجهه،و فاطمة رضي اللّه تعالى عنها و ما تولّد منهما،و في بعض روايات أهل السّنّة يعكر على تفسير الشّجرة الخبيثة ببني أميّة.
فقد أخرج ابن مردويه عن عديّ بن أبي حاتم قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه تعالى قلب العباد ظهرا و بطنا، فكان خير عباده العرب،و قلب العرب ظهرا و بطنا فكان خير العرب قريشا،و هي الشّجرة المباركة الّتي قال اللّه تعالى في كتابه: مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ» لأنّ بني أميّة من قريش.و أخبار الطّائفتين في هذا الباب ركيكة،و أحوال بني أميّة الّتي يستحقّون بها ما يستحقّون غير خفيّة عند الموافق و المخالف،و الّذي عليه الأكثرون في هذه الشّجرة الخبيثة أنّها الحنظل،و إطلاق الشّجرة عليه للمشاكلة،و إلاّ فهو نجم لا شجر،و كذا يقال في إطلاقه على الكشوث و نحوه.(13:215)
مغنيّة:كلّ كلمة تضرّ النّاس و لا تنفعهم فهي خبيثة لعينة،سواء أ كانت من مسلم أم من غير مسلم، عظيم أم حقير.(4:444)
الطّباطبائيّ: و الكلمة الخبيثة ما يقابل الكلمة الطّيّبة؛و لذا اختلفوا فيها،فقال كلّ قوم فيها ما يقابل ما قاله في الكلمة الطّيبة،و كذا اختلفوا في المراد بالشّجرة الخبيثة،فقيل:هي الحنظلة،و قيل:الكشوث:و هو نبت يلتفّ على الشّوك و الشّجر،لا أصل له في الأرض و لا ورق عليه،و قيل:شجرة الثّوم،و قيل:شجرة الشّوك، و قيل:الطّحلب،و قيل:الكمأة،و قيل:كلّ شجرة لا تطيب لها ثمرة.
و قد عرفت حال هذه الاختلافات في الآية السّابقة، و عرفت أيضا ما يعطيه التّدبّر في معنى الكلمة الطّيّبة و ما مثّلت به،و يجري ما يقابله في الكلمة الخبيثة و ما مثّلت به حرفا بحرف،فإنّما هي كلمة الشّرك مثّلت بشجرة خبيثة مفروضة اقتلعت من فوق الأرض ليس لها أصل ثابت و ما لها من قرار؛و إذ كانت خبيثة فلا أثر لها إلاّ الضّرّ و الشّرّ.(12:52)
مكارم الشّيرازيّ: و الكلمة الخبيثة هي كلمة الكفر و الشّرك،و هي القول السّيّئ و الرّديء،و هي البرنامج الضّالّ و المنحرف،و النّاس الخبثاء.و الخلاصة:
هي كلّ خبيث و نجس.
و من البديهيّ أنّ مثل هذه الشّجرة ليس لها أصل، و لا نموّ و لا تكامل و لا ثمار و لا ظلّ و لا ثبات و لا استقرار،بل هي قطعة خشبيّة لا تصلح إلاّ للاشتعال،بل أكثر من ذلك هي قاطعة للطّريق و تزاحم السّائرين، و أحيانا تؤذي النّاس.
و من الطّريف أنّ القرآن الكريم فصّل الحديث في وصف الشّجرة الطّيّبة،بينما اكتفى في وصف الشّجرة الخبيثة بجملة قصيرة واحدة اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ، و هذا نوع من لطافة البيان أن يتابع الإنسان جميع خصوصيّات ذكر«المحبوب»،بينما يمرّ بسرعة في جملة واحدة بذكر«المبغوض».
و مرّة أخرى نجد المفسّرين اختلفوا في تفسير الشّجرة الخبيثة،و هل لها واقع خارجيّ؟
قال البعض:إنّها شجرة الحنظل و الّتي لها ثمار مرّة و رديئة.
و اعتقد آخرون أنّها الكشوث و هي نوع من
ص: 58
الأعشاب المعقّدة الّتي في الصّحراء،و لها أشواك قصيرة تلتفّ حولها،و ليس لها جذر و لا أوراق.
و كما قلنا في تفسير الشّجرة الطّيّبة،ليس من اللاّزم أن يكن لها وجود خارجيّ في جميع صفاتها،بل الهدف هو تجسيم الوجه الحقيقيّ لكلمة الشّرك و البرامج المنحرفة و النّاس الخبثاء،و هؤلاء كالشّجرة الخبيثة ليس لها ثمار و لا فائدة،إلاّ المتاعب و المشاكل.
و بما أنّ الآيات السّابقة جسّمت حال الإيمان و الكفر،الطّيّب و الخبيث من خلال مثالين صريحين،فإنّ الآية الأخيرة تبحث نتيجة عملهم و مصيرهم النّهائيّ، يقول تعالى: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لأنّ إيمانهم لم يكن إيمانا سطحيّا،و شخصيّتهم لم تكن كاذبة و متلوّنة،بل كانت شجرة طيّبة أصلها ثابت و فرعها في السّماء،و بما أنّ ليس هناك من أحد لا يحتاج إلى اللّطف الإلهيّ،و بعبارة أخرى:كلّ المواهب تعود لذاته المقدّسة،فالمؤمنون المخلصون الثّابتون بالاستناد على اللّطف الإلهيّ يستقيمون كالجبال في مقابل أيّ حادثة.
و اللّه تعالى يحفظهم من الزّلاّت الّتي تعتريهم في حياتهم،و من الشّياطين الّذين يوسوسون لهم زخرف الحياة لكي يزلّوهم عن الطّريق.
و كذلك فاللّه تعالى يثبّتهم أمام القوى الجهنّميّة للظّالمين القساة،الّذين يسعون لكي يخضعوهم بأنواع التّهديد و الوعيد.
و من الطّريف أنّ هذا الحفظ و الثّبات الإلهيّ يعمّ كلّ حياتهم في هذه الدّنيا و في الآخرة،فهنا يثبتون بالإيمان و يبرءون من الذّنوب،و هناك يخلّدون في النّعيم المقيم.
[إلى أن قال:]
الشّجرة الطّيّبة و الخبيثة في الرّوايات الإسلاميّة:
كما قلنا أعلاه فإنّ كلمة«الطّيّبة»و«الخبيثة»الّتي شبّهت الشّجرتان بها،لها مفهوم واسع بحيث تشمل كلّ شخص و برنامج و مبدإ و فكر و علم و قول و عمل،و لكن وردت في بعض الرّوايات في موارد خاصّة،و هي ليست منحصرة بها.
و من جملتها ما ورد في«الكافي»عن الإمام الصّادق عليه السّلام في تفسير الآية كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ قال:«رسول اللّه أصلها، و أمير المؤمنين فرعها،و الأئمّة من ذرّيّتهما أغصانها، و علم الأئمّة ثمرها،و شيعتهم المؤمنون ورقها،هل فيها فضل؟»قال:قلت:لا و اللّه،قال:«و اللّه إنّ المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها،و إنّ المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها».
و عنه أيضا عليه السّلام حينما سأله سائل عن معنى الآية تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها قال:«ذاك علم الأئمّة يأتيكم كلّ عام من كلّ المناطق».
و في رواية أخرى:«الشّجرة الطّيّبة:رسول اللّه و عليّ و فاطمة و بنوها،و الشّجرة الخبيثة:بنو أميّة».
و في بعضها الآخر فسّرت الشّجرة الطّيّبة بالنّخل، و الخبيثة بالحنظلة.
و على أيّة حال ليس هناك من تضادّ بين هذه التّفاسير،بل بينها و بين ما قلناه أعلاه ترابط و تنسيق، لأنّها مصاديقها.(7:443)
ص: 59
اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ... النّور:26
ابن عبّاس: اَلْخَبِيثاتُ من القول و الفعل لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال و النّساء،و يقال:بهم تليق.
و اَلْخَبِيثُونَ من الرّجال و النّساء لِلْخَبِيثاتِ من القول و الفعل يتّبعون،و يقال:بهم تليق.(294)
نحوه سعيد بن جبير و مجاهد و الضّحّاك و قتادة (الطّبريّ 9:294)،و الفرّاء(2:248)،و ابن قتيبة (302)،و الثّعلبيّ(7:82)،و البغويّ(3:396).
إنّ اَلْخَبِيثاتُ من السّيّئات لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال، وَ الطَّيِّباتُ من الحسنات لِلطَّيِّبِينَ من الرّجال.(الطّوسيّ 7:424)
مجاهد : اَلْخَبِيثاتُ من الكلام لِلْخَبِيثِينَ من النّاس، وَ الْخَبِيثُونَ من النّاس لِلْخَبِيثاتِ من القول، وَ الطَّيِّباتُ من القول لِلطَّيِّبِينَ من النّاس، وَ الطَّيِّبُونَ من النّاس لِلطَّيِّباتِ من القول.
نحوه ابن أبي نجيح.(الطّبريّ 9:293)
الإمام الباقر عليه السّلام:هي مثل قوله: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً النّور:3،الآية،إنّ أناسا همّوا أن يتزوّجوا منهنّ،فنهاهم اللّه عن ذلك و كره ذلك لهم.
مثله الإمام الصّادق عليه السّلام،و أبو مسلم الأصفهانيّ و الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 4:135)
ابن زيد :نزلت في عائشة حين رماها المنافق بالبهتان و الفرية،فبرّأها اللّه من ذلك،و كان عبد اللّه بن أبيّ هو خبيث،و كان هو أولى بأن تكون له الخبيثة و يكون لها،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم طيّبا،و كان أولى أن تكون له الطّيّبة،و كانت عائشة الطّيّبة و كان أولى أن يكون لها الطّيّب.(الطّبريّ 9:395)
اَلْخَبِيثاتُ من النّساء لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال، وَ الْخَبِيثُونَ من الرّجال لِلْخَبِيثاتِ من النّساء، وَ الطَّيِّباتُ من النّساء لِلطَّيِّبِينَ من الرّجال، وَ الطَّيِّبُونَ من الرّجال لِلطَّيِّباتِ من النّساء.
(الماورديّ 4:84)
الجبّائيّ: اَلْخَبِيثاتُ من النّساء الزّواني لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال الزّناة على التّعبّد الأوّل،ثمّ نسخ.(الطّوسيّ 7:424)
الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]
و أولى هذه الأقوال بتأويل الآية،قول من قال:عنى ب اَلْخَبِيثاتُ: الخبيثات من القول،و ذلك قبيحة و سيّئة لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال و النّساء، وَ الْخَبِيثُونَ من النّاس لِلْخَبِيثاتِ من القول هم بها أولى،لأنّهم أهلها، وَ الطَّيِّباتُ من القول،و ذلك حسنة و جميلة لِلطَّيِّبِينَ من النّاس، وَ الطَّيِّبُونَ من النّاس لِلطَّيِّباتِ من القول،لأنّها أهلها،و أحقّ بها.
و إنّما قلنا هذا القول أولى بتأويل الآية،لأنّ الآيات قبل ذلك إنّما جاءت بتوبيخ اللّه للقائلين في عائشة الإفك،و الرّامين المحصنات الغافلات المؤمنات، و إخبارهم ما خصّهم به على إفكهم،فكان ختم الخبر عن أولى الفريقين بالإفك من الرّامي و المرميّ به،أشبه من الخبر عن غيرهم.(18:108)
ص: 60
النّحّاس:[نقل قول سعيد بن جبير و مجاهد ثمّ قال:]
و هذا أحسن ما قيل في هذه الآية،و المعنى:الكلمات الخبيثات لا يقولهنّ إلاّ الخبيثون و الخبيثات من النّاس، و الكلمات الطّيّبات لا يقولهنّ إلاّ الطّيّبون و الطّيّبات من النّاس.(4:515)
الماورديّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]
و تأوّل بعض أصحاب الخواطر اَلْخَبِيثاتُ:
الدّنيا، وَ الطَّيِّباتُ: الآخرة.(4:85)
الطّوسيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]
و الخبيث:الفاسد الّذي يتزايد في الفساد تزايد النّامي في النّبات،و نقيضه الطّيّب.و الحرام كلّه خبيث، و الحلال كلّه طيّب.(7:424)
الواحديّ: أي اَلْخَبِيثاتُ من الكلام و القول لِلْخَبِيثِينَ من النّاس، وَ الْخَبِيثُونَ من النّاس لِلْخَبِيثاتِ من الكلام.و المعنى أنّ الخبيث من القول لا يليق إلاّ بالخبيث من النّاس،و كلّ كلام إنّما يحسن في أهله فيضاف شيء القول إلى من يليق به ذلك،و كذلك الطّيّب من القول.و عائشة لا يليق بها الخبيثات من الكلام،فلا يصدق فيها لأنّها طيّبة،فيضاف إليها طيّبات الكلام من الثّناء الحسن،و ما يليق بها.
و قال الزّجّاج:معناه لا يتكلّم بالخبيثات إلاّ الخبيث من الرّجال و النّساء،و لا يتكلّم بالطّيّبات إلاّ الطّيّب من الرّجال و النّساء،و هذا ذمّ للّذين قذفوا عائشة بالخبيث و مدح للّذين برّءوها بالطّهارة.
و قال ابن زيد: اَلْخَبِيثاتُ من النّساء لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال وَ الْخَبِيثُونَ من الرّجال لِلْخَبِيثاتِ من النّساء،أمثال عبد اللّه بن أبيّ و الشّاكّين في الدّين. وَ الطَّيِّباتُ من النّساء لِلطَّيِّبِينَ من الرّجال، وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ يريد عائشة طيّبها اللّه لرسوله،و هذا قول ابن عبّاس في رواية عطاء.(3:314)
الزّمخشريّ: اَلْخَبِيثاتُ من القول تقال أو تعدّد لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال و النّساء، وَ الْخَبِيثُونَ منهم يتعرّضون لِلْخَبِيثاتِ من القول،و كذلك اَلطَّيِّباتُ وَ الطَّيِّبُونَ. (اولئك)إشارة إلى الطّيّبين و أنّهم مبرّءون ممّا يقول الخبيثون من خبيثات الكلم، و هو كلام جار مجرى المثل لعائشة،و ما رميت به من قول،لا يطابق حالها في النّزاهة و الطّيب.
و يجوز أن يكون(اولئك)إشارة إلى أهل البيت، و أنّهم مبرّءون ممّا يقول أهل الإفك،و أن تراد بالخبيثات و الطّيّبات:النّساء،أي الخبائث يتزوّجن الخباث، و الخباث الخبائث،و كذلك أهل الطّيب.(3:58)
نحوه النّسفيّ.(3:138)
الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ الخبيثات يقع على الكلمات الّتي هي القذف الواقع من أهل الإفك،و يقع أيضا على الكلام الّذي هو كالذّمّ و اللّعن،و يكون المراد من ذلك لا نفس الكلمة الّتي هي من قبل اللّه تعالى،بل المراد مضمون الكلمة،و يقع أيضا على الزّواني من النّساء.
و في هذه الآية كلّ هذه الوجوه محتملة،فإن حملناها على القذف الواقع من أهل الإفك،كان المعنى الخبيثات
ص: 61
من قول أهل الإفك للخبيثين من الرّجال،و بالعكس و الطّيّبات من قول منكري الإفك للطّيّبين من الرّجال، و بالعكس.
و إن حملناها على الكلام الّذي هو كالذّمّ و اللّعن، فالمعنى:أنّ الذّمّ و اللّعن معدّان للخبيثين من الرّجال، و الخبيثون منهم معرّضون للّعن و الذّمّ،و كذا القول في الطّيّبات.و(اولئك)إشارة إلى الطّيّبين،و أنّهم مبرّءون ممّا يقول الخبيثون من خبيثات الكلمات.
و إن حملناه على الزّواني،فالمعنى الخبيثات من النّساء للخبيثين من الرّجال،و بالعكس على معنى قوله تعالى اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً النّور:3،و الطّيبات من النّساء للطّيّبين من الرّجال.و المعنى أنّ مثل ذلك الرّمي الواقع من المنافقين لا يليق إلاّ بالخبيثات و الخبيثين، لا بالطّيّبات و الطّيّبين كالرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و أزواجه.
فإن قيل:فعلى هذا الوجه يلزم أن لا يتزوّج الرّجل العفيف بالزّانية،و الجواب ما تقدّم في قوله: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً. (23:194)
البيضاويّ: أي الخبائث يتزوّجن الخباث، و بالعكس.و كذلك أهل الطّيب،فيكون كالدّليل على قوله:(اولئك)يعني أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أو الرّسول و عائشة و صفوان رضي اللّه تعالى عنهم مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ؛ إذ لو صدق لم تكن زوجته عليه الصّلاة و السّلام و لم يقرّر عليها.
و قيل: اَلْخَبِيثاتُ و اَلطَّيِّباتُ من الأقوال، و الإشارة إلى الطّيّبين،و الضّمير في(يقولون)للآفكين، أي مبرّءون ممّا يقولون فيهم،أو(للخبيثين) و اَلْخَبِيثاتُ أي مبرّءون من أن يقولوا مثل قولهم.(2:122)
أبو حيّان :الظّاهر أنّ اَلْخَبِيثاتُ وصف للنّساء و كذلك اَلطَّيِّباتُ أي النّساء الخبيثات للرّجال الخبيثين،و يرجّحه مقابلته بالذّكور،فالمعنى أنّ الخبيثات من النّساء ينزعن للخباث من الرّجال،فيكون قريبا من قوله: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً النّور:3، و كذلك الطّيّبات من النّساء للطّيّبين من الرّجال.
و يدلّ على هذا التّأويل قول عائشة حين ذكرت التّسع الّتي ما أعطيتهنّ امرأة غيرها،و في آخرها:«و لقد خلقت طيّبة عند طيّب،و لقد وعدت مغفرة و رزقا كريما».و هذا التّأويل نحا إليه ابن زيد،فهو تفريق بين عبد اللّه و أشباهه و الرّسول و أصحابه،فلم يجعل اللّه له الأكل طيّبة،و أولئك خبيثون فهم أهل النّساء الخبائث.
و قال ابن عبّاس و الضّحّاك و مجاهد و قتادة:هي الأقوال و الأفعال،ثمّ اختلف هؤلاء،فقال بعضهم:
الكلمات و الفعلات الخبيثة لا يقولها و لا يرضاها إلاّ الخبيثون من النّاس،فهي لهم و هم لها بهذا الوجه.و قال بعضهم:الكلمات و الفعلات لا تليق و لا تلصق عند رمي الرّامي و قذف القاذف إلاّ بالخبيثين من النّاس،فهي لهم و هم لها بهذا الوجه.(6:441)
أبو السّعود :و قوله تعالى: اَلْخَبِيثاتُ إلخ،كلام مستأنف مسوق على قاعدة السّنّة الإلهيّة الجارية فيما بين الخلق،على موجب أنّ للّه تعالى ملكا يسوق الأهل إلى الأهل،أي اَلْخَبِيثاتُ من النّساء لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال،أي مختصّات بهم،لا يكدن يتجاوزنهم إلى
ص: 62
غيرهم،على أنّ«اللاّم»للاختصاص. وَ الْخَبِيثُونَ أيضا لِلْخَبِيثاتِ، لأنّ المجانسة من دواعي الانضمام، وَ الطَّيِّباتُ منهنّ لِلطَّيِّبِينَ منهم، وَ الطَّيِّبُونَ أيضا لِلطَّيِّباتِ منهنّ؛بحيث لا يكادون يجاوزوهنّ إلى من عداهنّ.
و حيث كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أطيب الأطيبين و خيرة الأوّلين و الآخرين،تبيّن كون الصّدّيقة رضي اللّه عنها من أطيب الطّيّبات بالضّرورة،و اتّضح بطلان ما قيل في حقّها من الخرافات،حسبما نطق به قوله تعالى: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ. على أنّ الإشارة إلى أهل البيت المنتظمين للصّدّيقة انتظاما أوّليّا،و قيل:إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و الصّدّيقة و صفوان،و ما في اسم الإشارة من معنى البعد للإيذان بعلوّ رتبة المشار إليهم،و بعد منزلتهم في الفضل،أي أولئك الموصوفون بعلوّ الشّأن مبرّءون ممّا تقوّله أهل الإفك في حقّهم،من الأكاذيب الباطلة.
و قيل:الخبيثات من القول للخبيثين من الرّجال و النّساء،أي مختصّة و لائقة بهم،لا ينبغي أن تقال في حقّ غيرهم.و كذا الخبيثون من الفريقين أحقّاء بأن يقال في حقّهم خبائث القول،و الطّيّبات من الكلم للطّيّبين من الفريقين مختصّة و حقيقة بهم،و هم أحقّاء بأن يقال في شأنهم طيّبات الكلم،أولئك الطّيّبون مبرّءون ممّا يقول الخبيثون في حقّهم،فمآله تنزيه الصّدّيقة أيضا.
و قيل:خبيثات القول مختصّة بالخبيثين من فريقي الرّجال و النّساء،لا تصدر عن غيرهم،و الخبيثون من الفريقين مختصّون بخبائث القول متعرّضون لها،و الطّيبات من الكلام للطّيّبين من الفريقين،أي مختصّة بهم لا تصدر عن غيرهم،و الطّيّبون من الفريقين مختصّون بطيّبات الكلام،لا يصدر عنهم غيرها،أولئك الطّيّبون مبرّءون ممّا يقوله الخبيثون من الخبائث،أي لا يصدر عنهم مثل ذلك،فمآله تنزيه القائلين،سبحانك هذا بهتان عظيم.(4:450)
نحوه البروسويّ.(6:135)
الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]
و في الآية على جميع الأقوال تغليب،أي أولئك منزّهون ممّا يقوله أهل الإفك في حقّهم من الأكاذيب الباطلة.و جعل الموصوف للصّفات المذكورة النّساء و الرّجال حسبما سمعت،رواه الطّبرانيّ عن ابن عبّاس ضمن خبر طويل،و رواه الإماميّة عن أبي جعفر،و أبي عبد اللّه رضي اللّه تعالى عنهما.و اختاره أبو مسلم، و الجبّائيّ و جماعة،و هو الأظهر عندي.
و جاء في رواية أخرى عن ابن عبّاس أخرجها الطّبرانيّ أيضا،و ابن مردويه و غيرهما:أنّ اَلْخَبِيثاتُ وَ الطَّيِّباتُ صفتان للكلم وَ الْخَبِيثُونَ وَ الطَّيِّبُونَ صفتان للخبيثين من النّاس.و روي ذلك عن الضّحّاك،و الحسن،و اَلْخَبِيثُونَ عليه شامل للرّجال و النّساء على سبيل التّغليب،و كذا اَلطَّيِّبُونَ.
و(اولئك)إشارة إلى الطّيّبين،و ضمير(يقولون) للخبيثين.(18:131)
ابن عاشور :و الابتداء بذكر اَلْخَبِيثاتُ لأنّ غرض الكلام الاستدلال على براءة عائشة و بقيّة أمّهات المؤمنين.و«اللاّم»في قوله: لِلْخَبِيثِينَ لام الاستحقاق.و اَلْخَبِيثاتُ و اَلْخَبِيثُونَ
ص: 63
و اَلطَّيِّباتُ و اَلطَّيِّبُونَ أوصاف جرت على موصوفات محذوفة يدلّ عليها السّياق.و التّقدير في الجميع:الأزواج.
و عطف وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ إطناب لمزيد العناية بتقرير هذا الحكم،و لتكون الجملة بمنزلة المثل مستقلّة بدلالتها على الحكم،و ليكون الاستدلال على حال القرين بحال مقارنه حاصلا من أيّ جانب ابتدأه السّامع.
و ذكر وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ إطناب أيضا للدّلالة على أنّ المقارنة دليل على حال القرينين في الخير أيضا.و عطف وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ كعطف وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ.
و تقدّم الكلام على الخبيث و الطّيّب عند قوله تعالى:
لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ في سورة الأنفال:37، و قوله: قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً في سورة آل عمران:38،و قوله: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ في سورة الأعراف:157.
و غلب ضمير التّذكير في قوله: مُبَرَّؤُنَ و هذه قضيّة كلّيّة،و لذلك حقّ لها أن تجري مجرى المثل، و جعلت في آخر القصّة كالتّذييل.
و المراد بالخبث:خبث الصّفات الإنسانيّة كالفواحش.و كذلك المراد بالطّيّب:زكاء الصّفات الإنسانيّة من الفضائل المعروفة في البشر،فليس الكفر من الخبث،و لكنّه من متمّماته.و كذلك الإيمان من مكمّلات الطّيّب،فلذلك لم يكن كفر امرأة نوح و امرأة لوط ناقضا لعموم قوله: اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ فإنّ المراد بقوله تعالى: كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما التّحريم:10،أنّهما خانتا زوجيهما بإبطان الكفر.و يدلّ لذلك مقابلة حالهما بحال امرأة فرعون إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ إلى قوله:
وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ التّحريم:11.(68:15)
مغنيّة:الخبيث هو القبيح من كلّ شيء،فيشمل العقيدة و النّوايا و الصّفات و الأقوال و الأفعال بشتّى أنواعها،و لا يختصّ بالزّنى،و الطّيّب هو الحسن من كلّ شيء،و أطلق القرآن الكريم كلمة الخبيث على الرّديء من الأرض و المال و الكلام و المأكول المحرّم،و على كلّ من استحقّ سخط اللّه و عذابه من شياطين الإنس و الجنّ.
و قال جماعة من المفسّرين:المراد ب«الخبيثات»هنا من خبث من النّساء،و ب«الخبيثين»من خبث من الرّجال، و ب«الطيبات»من طاب منهنّ،و ب«الطيبين»من طاب منهم،و إنّ معنى الآية:الخبيثات من النّساء للخبيثين من الرّجال،و الخبيثون منهم للخبيثات منهنّ، و كذلك الطّيّبون و الطّيّبات.
و هذا القول لا يتّفق مع الواقع،فلقد رأينا الخبيثة يتزوّجها الطّيّب،و الطّيّبة يتزوّجها الخبيث،بل لا يتّفق هذا مع صريح القرآن.قال تعالى: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما «إلى قوله:» وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ التّحريم:11،و معلوم أنّ نوحا و لوطا نبيّان معصومان،و أنّ فرعون هو القائل: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى.
ص: 64
و الّذي نراه أنّ المراد ب«الخبيثات»في الآية:ما خبث من الأقوال و الأفعال،و ب«الطيبات:»ما طاب منها،و ب«الخبيثين:»من خبث من الرّجال و النّساء تغليبا للذّكور على الإناث،و ب«الطيبين:»من طاب منهم و منهنّ أيضا من باب التّغليب،و عليه يكون المعنى:
إنّ ما خبث من الأقوال و الأفعال لا يصدر إلاّ ممّن خبث من الرّجال و النّساء،و ما طاب من الأقوال و الأفعال لا يصدر إلاّ ممّن طاب منهم و منهنّ،تماما،كما قال الشّاعر:
*و كلّ إناء بالّذي فيه ينضح*.
أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ. (اولئك)إشارة إلى الطّيّبين و الطّيّبات،و ضمير يَقُولُونَ يعود إلى الخبيثين و الخبيثات،و أنّ اللّه سبحانه ينعم بالغفران و الجنان على من طاب نفسا و فعلا.
(5:411)
الطّباطبائيّ: قوله تعالى: اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ... إلخ،ذيل الآية أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ دليل على أنّ المراد ب«الخبيثات» و«الخبيثين»و«الطيبات»و«الطيبين»نساء و رجال،متلبّسون بالخباثة و الطّيّب،فالآية من تمام آيات الإفك متّصلة بها مشاركة لها في سياقها،و هي عامّة لا مخصّص لها من جهة اللّفظ البتّة.
فالمراد بالطّيّب:الّذي يوجب كونهم مبرّئين ممّا يقولون،على ما تدلّ عليه الآيات السّابقة،هو المعنى الّذي يقتضيه تلبّسهم بالإيمان و الإحصان،فالمؤمنون و المؤمنات مع الإحصان طيّبون و طيّبات يختصّ كلّ من الفريقين بصاحبه،و هم بحكم الإيمان و الإحصان مصونون مبرّءون شرعا من الرّمي بغير بيّنة،محكومون من جهة إيمانهم بأنّ لهم مغفرة،كما قال تعالى: وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ الأحقاف:31،و لهم رزق كريم، و هو الحياة الطّيّبة في الدّنيا،و الأجر الحسن في الآخرة، كما قال: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ النّحل:97.
و المراد بالخبث في الخبيثين و الخبيثات و هم غير المؤمنين،هو الحال المستقذرة الّتي يوجبها لهم تلبّسهم بالكفر.و قد خصّت خبيثاتهم بخبيثهم و خبيثوهم بخبيثاتهم بمقتضى المجانسة و المسانخة،و ليسوا بمبرّءين عن التّلبّس بالفحشاء.نعم هذا ليس حكما بالتّلبّس.
فظهر بما تقدّم:
أوّلا:أنّ الآية عامّة بحسب اللّفظ تصف المؤمنين و المؤمنات بالطّيّب،و لا ينافي ذلك اختصاص سبب نزولها و انطباقها عليه.
و ثانيا:أنّها تدلّ على كونهم جميعا محكومين شرعا بالبراءة عمّا يرمون به،ما لم تقم عليه بيّنة.
و ثالثا:أنّهم محكومون بالمغفرة و الرّزق الكريم كلّ ذلك حكم ظاهريّ لكرامتهم على اللّه بإيمانهم،و الكفّار على خلاف ذلك.(15:95)
مكارم الشّيرازيّ:
1-من هنّ الخبيثات و من هم الخبيثون؟
ذكر المفسّرون تعاريف مختلفة ل اَلْخَبِيثاتُ و اَلْخَبِيثُونَ و اَلطَّيِّباتُ و اَلطَّيِّبُونَ.
ص: 65
1-ذكر مرّة أنّه الكلام السّيّئ و التّهمة و الافتراء، و الكذب الصّادر عن المخطئين و المذنبين من النّاس،و هو على عكس ما يصدر عن الأتقياء المتطهّرين،و حسبما يقول المثل المأثور:«ينضح الإناء ما فيه».
2-و قيل:إنّ كلمة اَلْخَبِيثاتُ تعني السّيّئات، و كلّ الأعمال السّيّئة و غير المرغوب فيها،الّتي تصدر عن المخطئين من النّاس،و هي عكس الحسنات الخاصّة بالمتطهّرين.
3-إنّ كلمتي: اَلْخَبِيثاتُ و اَلْخَبِيثُونَ تعنيان النّساء و الرّجال السّاقطين،و هم عكس اَلطَّيِّباتُ و اَلطَّيِّبُونَ الخاصّتين بالنّساء و الرّجال المتطهّرين.
و ظاهر الآية قصد هذا المعنى بذاته؛حيث هناك دلائل تؤكّد هذا المعنى:
أ-جاءت هذه الآيات إثر آيات الإفك،و بعد آية:
اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كما أنّ هذا التّفسير ينسجم مع مفهوم تلك الآيات.
ب-إنّ جملة: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ دليل آخر على صحّة هذا التّفسير.
ج-كلّ شيء له دلالته،أي عكسه يدلّ على وجوده،ف اَلْخَبِيثاتُ جمع مؤنّث حقيقيّ،و تعني النّساء السّاقطات،و هذا ما تدلّ عليه كلمة:
اَلْخَبِيثُونَ الّتي هي جمع مذكر سالم.
د-إضافة إلى ذلك روي حديث عن الإمامين الباقر و الصّادق عليهما السّلام«إنّ هذه الآية كآية: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً لأنّ أناسا همّوا أن يتزوّجوا منهنّ، فنهاهم اللّه عن ذلك و كره ذلك لهم».
كما نقرأ في روايات كتاب النّكاح،كيف كان أصحاب الإمام يستفسرون منه أحيانا عن الزّواج بالخبيثات فيجيبهم سلبا.و هذا يدلّ على أنّ الخبيثة تعني المرأة السّاقطة،و ليس الكلام السّيّئ و لا العمل المنحطّ.
و السّؤال الآخر:هل أنّ خبث هذه المجموعة من النّساء و الرّجال أو طيبهم يشمل الشّرف و العفّة،أو يتعلّق بانحطاط في الفكر أو العمل أو القول؟إنّ المفهوم الأوّل للآية هو الأصوب،لأنّه يطابق ما جاء في الآيات و الأحاديث،لكنّ بعض الأحاديث يعطي معنى واسعا لكلمتي الخبث و الطّيّب اللّتين وردتا في هذه الآيات،و لا يحصرهما بالانحطاط الخلقيّ و طهارة الشّخص.
و على وفق هذا المفهوم يبدو المعنى في الآية الأولى خاصّا،إلاّ أنّه يمكن تعميمه من وجهة نظر فلسفيّة و سببيّة.
أو بتعبير آخر:إنّ الآية السّابقة بيان لميل الصّنو إلى صنوه،رغم تناولها موضوع أساس التّطهير و الانحطاط الخلقيّ.«و تأمّلوا جيّدا».
2-هل هذا حكم تكوينيّ أم تشريعيّ؟
لا شكّ في أنّ الأمثال التّالية تشير إلى سنّة تكوينيّة تطبّق على المخلوقات جميعا،حتّى على ذرّات الوجود في الأرض و السّماء،و هي جذب الشّيء لنظيره،كما يجذب الكهرب التّبن.
أصحاب النّور يدعون أصحاب النّور.
و أصحاب النّار يطلبون أصحاب النّار.
و الطّيور على أشكالها تقع.
ص: 66
و الصّنو علّة انضمام البعض إلى البعض.
و على كلّ حال،فإنّ كلّ صنو يتبع صنوه،و كلّ مجموعة متجانسة ترتاح لأفرادها،إلاّ أنّ هذه الحقيقة لا تمنع من كون الآية السّابقة،كما هي عليه الآية اَلزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ إشارة إلى حكم شرعيّ يمنع الزّواج من النّساء اللّواتي اشتهرن بالعمل المخلّ بالشّرف.
أ ليس لجميع الأحكام التّشريعيّة جذور تكوينيّة؟
أ ليس هناك انسجام بين السّنن الإلهيّة،التّشريعيّة منها و التّكوينيّة؟لإيضاح أكثر راجع شرح الآية الّتي ذكرناها.
3-جواب استفسار:
الاستفسار هو:هل نشاهد عبر التّاريخ أو في حياتنا حالات لا تنسجم مع القانون السّابق؟و مثال ذلك ما جاء في القرآن المجيد: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما. التّحريم:10،و مقابل هذه الحالة ذكر القرآن المجيد زوجة فرعون مثالا للإيمان و الطّهارة:
وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ سورة التّحريم:11.
كما شوهد نظير هاتين الحالتين في صدر الإسلام؛ حيث ابتلي بعض قادة المسلمين بنساء سيّئات، و آخرون منّ اللّه عليهم بنساء مؤمنات جاء ذكرهنّ في كتب التّاريخ الإسلاميّ.و إضافة إلى أنّ لكلّ قانون استثناءات،فلا بدّ من ذكر مسألتين:
1-قلنا خلال تفسير الآية موضع البحث:إنّ القصد من الخبث الانحطاط الخلقيّ و السّقوط بارتكاب أعمال مخلّة بالشّرف.و الطّيّب ضدّ الخبث،و على هذا فجواب السّؤال السّابق يكون واضحا،لأنّ نساء الأنبياء و الأئمّة الأطهار عليهم السّلام،لم ينحرفن و لم يخبثن أبدا،و إنّما القصد من الخيانة في قصّة نوح و لوط عليهم السّلام،التّجسّس لمصلحة الكفّار،و ليس خيانة شرفهما،و هذا العيب من العيوب المستقبحة أساسا.
و كما نعلم يجب أن تكون بيئة أسر الأنبياء طاهرة من كلّ رجس،لإنجاح نشر رسالة اللّه و تعاليمه.
2-إضافة إلى ذلك،فإنّ نساء الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام، لم يكنّ كافرات منذ البداية،بل يصبن بالضّلال أحيانا، و لهذا لا تستمرّ علاقة المسلمين بهنّ على ما كانت عليه قبل ضلالهنّ،كما أنّ امرأة فرعون لم تكن مؤمنة بربّ موسى حين زواجها؛إذ أنّ موسى عليه السّلام لم يكن قد ولد بعد،و قد آمنت برسالته السّماويّة بعد أن بعثه اللّه،و لم يكن لها مخرج إلاّ بمواصلة حياتها الزّوجيّة و الكفاح، حتّى انتهت حياتها باستشهادها.(11:54)
فضل اللّه :الخبيثات من النّساء للخبيثين من الرّجال،و الخبيثون من الرّجال للخبيثات من النّساء، و الطّيّبات من النّساء للطّيّبين من الرّجال،و الطّيّبون من الرّجال للطّيّبات من النّساء،عن أبي مسلم و الجبّائيّ، و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهم السّلام:قالا:«هي مثل قوله: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً النّور:3،الآية،إنّ أناسا همّوا أن يتزوّجوا منهنّ فنهاهم اللّه عن ذلك،و كره ذلك لهم».
ص: 67
و لعلّ هذا اللّون من تنويع الاحتمالات في الآية ناشئ من النّظرة التّجريديّة للآية،دون أيّ دليل من داخلها،أو من سياقها.و قد يكون الأقرب في ذلك،هو ما روي عن الإمامين الصّادقين عليهما السّلام،لأنّ سياق السّورة هو سياق الحديث عن الزّواني و المحصنات،و عن المؤمنين و المؤمنات،و عن الأجواء الّتي تتحرّك في دائرة العلاقات الزّوجيّة الّتي يتحكّم فيها الانسجام الأخلاقيّ بين الزّوجين،ممّا يجعل من مسألة التّوافق الرّوحيّ و الإيمانيّ عنصرا حيويّا في المسألة،كما أشير إلى ذلك في قوله تعالى: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ. و هكذا نستطيع نفي أن يكون المراد من اَلطَّيِّباتُ أو اَلْخَبِيثاتُ ما خبث أو طاب من الكلام،أو ما طاب أو خبث من الأفعال،بل المراد بالكلمتين هو المعنى المراد من الطّيّبين و الخبيثين، مع فارق الذّكورة و الأنوثة،لأنّ طبيعة الجوّ العامّ للسّورة -كما ذكرنا-و طبيعة المقابلة بين الكلمتين تقرّبان ذلك، مع قرينة أخرى سنشير إليها فيما بعد.
اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ أي النّساء الخبيثات للرّجال الخبيثين، وَ الْخَبِيثُونَ من الرّجال لِلْخَبِيثاتِ من النّساء، وَ الطَّيِّباتُ من النّساء لِلطَّيِّبِينَ من الرّجال، وَ الطَّيِّبُونَ من الرّجال لِلطَّيِّباتِ من النّساء.و لكن ما هو المراد من ذلك؟هل هو تقرير الواقع بحيث يكون المعنى أنّ واقع العلاقات الزّوجيّة أو ما يشبهها،هو الانسجام بين الزّوجين في الخبث و الطّيبة؟ و لكن هذا غير واقعيّ،لأنّ كثيرا من الطّيّبين و الطّيّبات ابتلوا بزيجات خبيثة،كما أنّ كثيرا من الخبيثات ارتبطن بعلاقة زوجيّة مع رجال طيّبين؟أو هو تشريع للعلاقة الزّوجيّة،ليكون المعنى أنّه لا بدّ للخبيثات من أن يتزوّجن من الخبيثين،فلو تزوّجن غيرهم،لكانت العلاقة غير شرعيّة،كما لن تكون هناك شرعيّة لزواج الطّيّب من الخبيثة،أو الطّيّبة من الخبيث.و لكن هذا غير ثابت،لأنّه ليس من شروط الزّواج الشّرعيّة؟!
و الظّاهر أنّ المسألة جارية مجرى التّناسب القائم على الاتّفاق في العقيدة الطّيّبة،و الأخلاق و السّلوك الطّيّبين،ممّا يجعل الطّيّبين مناسبين للاّتي يملكن المواصفات نفسها،و هو ما يجعل الانجذاب الرّوحيّ الّذي يؤدّي إلى العلاقة الشّرعيّة الزّوجيّة أمرا طبيعيّا، كما أنّ المواصفات المضادّة تخلق التّناسب بين الّذين يتمتّعون بهذه الصّفات السّلبيّة،و تجعل العلاقة طبيعيّة بينهم،باعتبار أنّ كلّ شكل لشكله ألف.
(اولئك)إشارة إلى الطّيّبين مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ عنهم من الافتراءات،لأنّ التزامهم بالخطّ الطّيّب في العقيدة و السّلوك يفرض براءتهم،ممّا لا ينسجم مع إيمانهم و التزامهم الرّوحيّ و الخلقيّ.و هذا هو المنهج المنطقيّ في تقييم الاتّهامات المنسوبة إلى الأشخاص،و هو دراسة الجوّ الدّاخليّ الّذي يعبّر عنه التزامهم الرّوحيّ و الأخلاقيّ،و يؤكّده خطّهم العمليّ على صعيد الواقع، و لكنّ المستقيم قد ينحرف،إلاّ أنّ انحرافه يبقى حالة طارئة لا حالة طبيعيّة.
و هذا ما قد يوحي بأنّ المراد بالطّيّبين و الطّيّبات:
الرّجال و النّساء،باعتبار أنّ الآية مسوقة لتبرئتهم جميعا،كما أنّها ليست مسوقة لإدانة الخبيثين فقط،لما
ص: 68
ينسب إليهم من خبيثات الأقوال،لأنّ مسألة الإدانة و التّبرئة كانت ملحوظة في نهاية الآية.و هذه الفقرة واردة على سبيل التّأكيد،لا على سبيل التّأسيس،و هو خلاف الظّاهر.
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ أي لهؤلاء الطّيّبين و الطّيّبات العفو و المغفرة من اللّه،و العطايا الكريمة في الآخرة،ثوابا و جزاء على ما جسّدوه في الحياة من المعاني الطّيّبة،في الإيمان و الشّعور و السّلوك و الخطّ المستقيم.(16:278)
1- ..وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ... الأعراف:157
ابن عبّاس: يبيّن لهم تحريم ما في الكتاب من الميتة و الدّم و لحم الخنزير و غير ذلك.(139)
نحوه الماورديّ(2:269)،و الواحديّ(2:417)، و البغويّ(2:239).
الشّافعيّ: اَلطَّيِّباتِ: ما كانت العرب تستطيبه من المآكل الطّيّبة الّتي لم ينزل فيها تحريم،مثل الجراد و السّمك و الضّباب و الأرانب،و سائر ما يصاد من الوحش،و يؤكل من الأزواج الثّمانية المنصوصة في القرآن.
و أمّا تحريمه اَلْخَبائِثَ: فما كانت العرب تستقذره و لا تأكله،مثل الأفاعي و العقارب و الحرابي و البرصة و الخنافس و الورلان و الجعلان و الفأر.
فأحلّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بأمر اللّه ما كانوا يستطيعون أكله، و حرّم عليهم ما كانوا يستخبثونه،إلاّ ما نصّ اللّه جلّ و عزّ على تحريمه في الكتاب من الميتة،و الدّم،و لحم الخنزير،و ما أهلّ لغير اللّه به عند الذّبح،أو بيّن تحريمه على لسان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،مثل نهيه عن لحوم الحمر الأهليّة، و عن أكل كلّ ذي ناب من السّباع،و كلّ ذي مخلب من الطّير.
و دلّت«الألف و اللاّم»اللّتان دخلتا للتّعريف في اَلطَّيِّباتِ و اَلْخَبائِثَ على أنّ المراد بها:أشياء كانت معهودة عند المخاطبين بها.(الأزهريّ 7:340)
ابن قتيبة :كلّ خبيث عند العرب فهو محرّم.(173)
الطّوسيّ: يعني القبائح و ما يعافي الأنفس.
(4:594)
نحوه شبّر.(2:425)
الزّمخشريّ: ما يستخبث من نحو الدّم،و الميتة، و لحم الخنزير،و ما أهلّ لغير اللّه به،أو ما خبث في الحكم كالرّبا و الرّشوة و غيرهما من المكاسب الخبيثة.
(2:122)
نحوه البيضاويّ(1:372)،و النّسفيّ(2:80)، و الشّربينيّ(1:524)،و أبو السّعود(3:38)،و القاسميّ (7:2869)،و المراغيّ(9:12).
الطّبرسيّ: و يحرّم عليهم القبائح و ما تعافه الأنفس.و قيل:يحلّ لهم ما اكتسبوه من وجه طيّب، و يحرّم عليهم ما اكتسبوه من وجه خبيث.
و قيل:يحلّ لهم ما حرّمه عليهم رهابينهم و أحبارهم،و ما كان يحرّمه أهل الجاهليّة من البحائر
ص: 69
و السّوائب و غيرها،و يحرّم عليهم الميتة و الدّم و لحم الخنزير ما ذكر معها.(2:487)
ابن عطيّة: اَلْخَبائِثَ هي لحم الخنزير و الرّبا و غيره.و على هذا حلّل مالك:المتقذّرات كالحيّات و الخنافس و العقارب و نحوها.و مذهب الشّافعيّ رحمه اللّه:أنّ الطّيّبات هي من جهة الطّعم،إلاّ أنّ اللّفظة عنده ليست على عمومها،لأنّ عمومها بهذا الوجه من الطّعم يقتضي تحليل الخمر و الخنزير،بل يراها مختصّة فيما حلّله الشّرع،و يرى اَلْخَبائِثَ لفظا عامّا في المحرّمات بالشّرع و المتقذّرات،فيحرّم العقارب و الخنافس و الوزغ و ما جرى هذا المجرى.و النّاس على هذين القولين،إلاّ أنّ في تعيين الخبائث اختلافا،ليس هذا موضع تقصّيه.(2:463)
نحوه القرطبيّ.(7:300)
ابن الجوزيّ: في اَلْخَبائِثَ ثلاثة أقوال:
أحدها:أنّها الحرام،و المعنى:و يحرّم عليهم الحرام.
و الثّانيّ: أنّها ما كانت العرب تستخبثه و لا تأكله، كالحيّات و الحشرات.
و الثّالث:ما كانوا يستحلّونه من الميتة و الدّم و لحم الخنزير.(3:273)
نحوه أبو حيّان.(4:404)
الفخر الرّازيّ: كلّ ما يستخبثه الطّبع و تستقذره النّفس كان تناوله سببا للألم،و الأصل في المضارّ الحرمة، فكان مقتضاه أنّ كلّ ما يستخبثه الطّبع فالأصل فيه الحرمة،إلاّ لدليل منفصل.و على هذا الأصل فرّع الشّافعيّ رحمه اللّه تحريم بيع الكلب،لأنّه روي عن ابن عبّاس عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في كتاب«الصّحيحين»أنّه قال:«الكلب خبيث و خبيث ثمنه».و إذا ثبت أنّ ثمنه خبيث وجب أن يكون حراما،لقوله تعالى: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ.
و أيضا الخمر محرّمة لأنّها رجس،بدليل قوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ إلى قوله: رِجْسٌ المائدة:90، و الرّجس خبيث بدليل إطباق أهل اللّغة عليه،و الخبيث حرام لقوله تعالى: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ.
(15:25)
الكاشانيّ: يستفاد من بعض الرّوايات تأويل اَلطَّيِّباتِ بأخذ العلم من أهله،و اَلْخَبائِثَ بقول من خالف.(2:243)
البروسويّ: اَلْخَبائِثَ كالدّم و لحم الخنزير، فالمراد ب اَلطَّيِّباتِ: ما يستطيبه الطّبع و يستلذّه، و ب اَلْخَبائِثَ: ما يستخبثه الطّبع و يتنفّر منه،فتكون الآية دليلا على أنّ الأصل في كلّ ما يستطيبه الطّبع الحلّ، و كلّ ما يستخبثه الطّبع الحرمة،إلاّ لدليل منفصل.
و يجوز أن يراد بهما:ما طاب في حكم الشّرع و ما خبث،كالرّبا و الرّشوة.و مدلول الآية حينئذ أنّ ما يحكم الشّرع بحلّه فهو حلال،و ما يحكم بحرمته فهو حرام.و لا حكم لاستطابة الطّبع و استخباثه فيهما.(3:252)
الآلوسيّ: فسّر الأوّل بالأشياء الّتي يستطيبها الطّبع كالشّحوم،و الثّاني بالأشياء الّتي يستخبثها كالدّم، فتكون الآية دالّة على أنّ الأصل في كلّ ما تستطيبه النّفس و يستلذّه الطّبع الحلّ،و في كلّ ما تستخبثه النّفس و يكرهه الطّبع الحرمة،إلاّ لدليل منفصل.
و فسّر بعضهم الطّيّب بما طاب في حكم الشّرع،
ص: 70
و الخبيث بما خبث فيه كالرّبا و الرّشوة.و تعقّب بأنّ الكلام حينئذ يحلّ ما يحكم بحلّه،و يحرم ما يحكم بحرمته،و لا فائدة فيه.و ردّوه بأنّه يفيد فائدة و أيّ فائدة،لأنّ معناه أنّ الحلّ و الحرمة بحكم الشّرع لا بالعقل و الرّأي.
و جوّز بعضهم كون الخبيث بمعنى ما يستخبث طبعا، أو ما خبث شرعا،و قال:كالدّم أو الرّبا،و مثّل للطّيّب بالشّحم،و جعل ذلك مبنيّا على اقتضاء التّحليل سبق التّحريم،و الشّحم كان محرّما عند بني إسرائيل،و على اقتضاء التّحريم سبق التّحليل،و جعل الدّم و أخاه ممّا حرّم على هذا،لأنّ الأصل في الأشياء الحلّ و لا يردّ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا، لأنّه لردّ قولهم إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا البقرة:175،أو لأنّ المراد إبقاؤه على حلّه لمقابلته بتحريم الرّبا،و دفع بهذا ما توهّم من عدم الفائدة.(9:81)
ابن عاشور :و اَلطَّيِّباتِ: جمع طيّبة،و قد روعي في التّأنيث معنى الأكيلة،أو معنى الطّعمة،تنبيها على أنّ المراد الطّيّبات من المأكولات،كما دلّ عليه قوله في نظائرها نحو: يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً البقرة:168،و قوله: يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ المائدة:4،و ليس المراد الأفعال الحسنة،لأنّ الأفعال عرّفت بوصف المعروف و المنكر.و المأكولات لا تدخل في المعروف و المنكر؛إذ ليس للعقل حظّ في التّمييز بين مقبولها و مرفوضها، و إنّما تمتلك النّاس فيها عوائدهم،و لمّا كان الإسلام دين الفطرة و لا اعتداد بالعوائد فيه،ناط حال المأكولات بالطّيّب و حرمتها بالخبث،فالطّيّب ما لا ضرّ فيه و لا و خامة و لا قذارة،و الخبيث ما أضرّ،أو كان وخيم العاقبة،أو كان مستقذرا لا يقبله العقلاء،كالنّجاسة.
و هذا ملاك المباح و المحرّم من المآكل،فلا تدخل العادات إلاّ في اختيار أهلها ما شاءوا من المباح،فقد كانت قريش لا تأكل الضّبّ،و قد وضع على مائدة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فكره أن يأكل منه،و قال:«ما هو بحرام،و لكنّه لم يكن من طعام قومي فأجدني أعافه».
و لهذا فالوجه:إنّ كلّ ما لا ضرّ فيه و لا فساد و لا قذارة فهو مباح،و قد يكون مكروها اعتبارا بمضرّة خفيفة،فلذلك ورد النّهي عن أكل كلّ ذي ناب من السّباع.و محمله عند مالك في أشهر الرّوايات عنه،على الكراهة،و هو الّذي لا ينبغي التّردّد فيه،و أيّ ضرّ في أكل لحم الأسد،و كذلك إباحة أكل الخشاش و الحشرات و الزّواحف البرّيّة و البحريّة،لاختلاف عوائد النّاس في أكلها و عدمه،فقد كانت جرم لا يأكلون الدّجاج، و فقعس يأكلون الكلب،فلا يحجر على قوم لأجل كراهية غيرهم،ممّا كرهه ذوقه أو عادة قومه.و قد تقدّم شيء من هذا في آية سورة المائدة،فعلى الفقيه أن يقصر النّظر على طبائع المأكولات و صفاتها،و ما جهلت بعض صفاته و حرّمته الشّريعة،مثل تحريم الخنزير.(8:316)
مكارم الشّيرازيّ: يحلّ ما ترغب فيه الطّباع، و يحرم ما تنفر.(5:226)
فضل اللّه :[ذكر الخطوط العامّة للشّريعة الإسلاميّة في ثلاث نقاط]
النّقطة الأولى:الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر...
النّقطة الثّانية:تحليل الطّيّبات و تحريم الخبائث،
ص: 71
فليس في ما أحلّه اللّه إلاّ الطّيّب الّذي يرتاح إليه الذّوق الإنسانيّ،في ما يتذوّقه النّاس من الأشياء الطّيّبة،أو الّذي يلتقي بالمنفعة لحياتهم في أرواحهم و أجسادهم، و ليس في ما حرّمه اللّه إلاّ الخبيث الّذي تعافه النّفس، و يستقذره الذّوق،و ترفضه الفطرة.و إذا كان النّاس يستطيبون بعض المحرّمات أو يعافون بعض المحلّلات، فلأنّهم كانوا لا ينظرون إلاّ إلى الجانب السّطحيّ من تلك الأشياء،و لا يتطلّعون إلى أعماقها ليكتشفوا الجانب الخبيث في عناصرها الذّاتيّة الّتي يستطيبون،و ليعرفوا الجانب الطّيّب في أعماق الأشياء الّتي يعافونها،لأنّ المقياس في ذلك كلّه هو في الخصائص الذّاتيّة للأشياء و للأعمال،و ليس في الجوانب الظّاهريّة منها.
النّقطة الثّالثة:الإصر...(10:260)
2- وَ لُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ... الأنبياء:74
ابن عبّاس: اَلْخَبائِثَ يعني اللّواطة.(273)
مثله البيضاويّ.(2:77)
الطّبريّ: الخبائث الّتي كانوا يعملونها:إتيان الذّكران في أدبارهم،و حذفهم النّاس،و تضارطهم في أنديتهم مع أشياء أخر كانوا يعملونها من المنكر.
(17:49)
نحوه الماورديّ(3:455)،و الطّوسيّ(7:265)، و الواحديّ(3:245)،و ابن عطيّة(4:90).
الطّبرسيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]
و قيل:هي ما حكى اللّه تعالى: أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَ تَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ العنكبوت:29،و غير ذلك من القبائح.(4:56)
نحوه ابن الجوزيّ.(5:370)
النّسفيّ: اللّواطة،و الضّراط،و حذف المارّة بالحصى و غيرها.(3:85)
نحوه القرطبيّ(11:306)،و الشّوكانيّ(3:521).
البروسويّ: جمع خبيثة،و الخبيثة:ما يكره رداءة و خساسة،يتناول الباطل في الاعتقاد،و الكذب في المقال،و القبيح في الفعال.و أعوذ بك من الخبث و الخبائث،أي من ذكور الشّياطين و إناثها،و المراد هاهنا:
اللّواطة.(5:502)
الآلوسيّ: قيل:أي اللّواطة،و الجمع باعتبار تعدّد الموادّ.و قيل:المراد الأعمال الخبيثة مطلقا،إلاّ أنّ أشنعها اللّواطة.(17:72)
نحوه القاسميّ.(11:4288)
المراغيّ: الأعمال الّتي من أشنعها إتيان البيوت من غير أبوابها.(17:54)
مكارم الشّيرازيّ: و التّعبير ب اَلْخَبائِثَ بصيغة الجمع إشارة إلى أنّهم إضافة إلى فعل اللّواط الشّنيع،كانوا يعملون أعمالا قبيحة و خبيثة أخرى.
(10:185)
1-الأصل في هذه المادّة:الخبث:الرّداءة.يقال:
خبث الشّيء و الرّجل يخبث خبثا و خباثة و خباثية،أي ردؤ و كره،فهو خبيث؛و الجمع:خبثاء و خباث و خبثة
ص: 72
و خبوث،و الأنثى:خبيثة،و بهما خبث و خباثة،و خبيث الفعل:رديئه،و هو خبيث الطّعم،و خبيث اللّون،و خبيث الرّائحة:الكريه الطّعم و اللّون و الرّائحة.و يقال في النّداء:
يا خبث،أي يا خبيث.و الخبّيث:الخبيث؛و الجمع:
خبّيثون،و الخابث:الرّديء من كلّ شيء فاسد.
و أخبث الرّجل:صار ذا خبث،أو اتّخذ أصحابا خبثاء،فهو خبيث مخبث و مخبثان،يقال:يا مخبثان؛ و الأنثى:مخبثانة،و يقال للرّجل و المرأة أيضا:يا مخبثان.
و خباث:معدول عن الخبث،و حرف النّداء محذوف،أي يا خباث.و أخبثه غيره:علّمه الخبث و أفسده، و المخبث:الّذي يعلّم النّاس الخبث،أو الّذي ينسب النّاس إلى الخبث،و تخابث:أظهر الخبث.
و الخبثة:نوع من أنواع الخبيث.يقال للأخلاق الخبيثة:يا خبثة،و سبي خبثة:خبيث،و هو سبي من كان له عهد من أهل الكفر،لا يجوز سبيه و لا ملك عبد و لا أمة منه،و الخبثة:الزّنية.يقال:ولد فلان لخبثة،أي ولد لغير رشدة.
و الأخبث:الخبيث؛و الجمع:أخابث.يقال:هم أخابث النّاس،و الأخبثان:البول و الغائط،و القيء و السّلاح،و السّهر و الضّجر.يقال:نزل به الأخبثان،أي البخر و السّهر.
و الخبائث:ما كانت تستقذره العرب و لا تأكله،مثل الأفاعي و العقارب و البرصة و الخنافس و الورلان و الفأر.
و الخبث:ما لا خير فيه،و منه:خبث الحديد و الفضّة، و ما نفاه الكير إذا أذيبا،و يكنى به عن ذي البطن.
و طعام مخبثة:تخبث عنه النّفس.
2-و الجمرة الخبيثة:مرض معد يصيب الإنسان، فيسبّب له قرحة جلديّة،و ينتقل إليه عادة من الحيوانات الأهليّة،كالخيل و البقر و الضّأن و غيرها.
و يبتلي به على الأغلب من يربّيها أو يتعهّدها و يعالجها، كالفلاّح و البيطريّ و القصّاب و الدّبّاغ.و قد ينتقل إلى الإنسان باستعمال منتجاتها،ك«فرشاة الحلاقة» المصنوعة من شعر الحيوان الملوّث بعصيّات هذا المرض.
جاءت ماضيا مرّة،و وصفا مفردا و جمعا 15 مرّة،في 10 آيات:
1- وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ... إبراهيم:26
2- ...وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً...
الأعراف:58
3- ...وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ...
البقرة:267
4- وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ... النّساء:2
5- قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ... المائدة:100
6- ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ
ص: 73
حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ... آل عمران:179
7- لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ... الأنفال:37
8- اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ...
النّور:26
9- ...وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ... الأعراف:157
10- ...وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ... الأنبياء:74
و يلاحظ أوّلا:أنّ مشتقّات هذه المادّة جاءت في خمسة محاور:
المحور الأوّل:الكلمة الخبيثة و الشّجرة الخبيثة في (1): وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ، و فيها بحوث:
1-استعمل الخبيث في اللّغة-كما تقدّم-للرّديء و ما يستقذر من الأشياء،إلاّ أنّه حمل هنا على الشّرك و الكفر،كما حملت الشّجرة الخبيثة على شجرة الحنظل، و أوّلت ببعض الحكومات الظّالمة.
و ذهب ابن عبّاس في قول إلى أنّ هذا مثل،و ليس لهذه الشّجرة وجود في الدّنيا.و على هذا فهو معنى مجازيّ على الأصحّ،لأنّ الحنظل أو الكوث و أشباههما من النّجم، و هي النّباتات الزّاحفة على الأرض دون ساق،فإطلاق الشّجر عليها ليس على حقيقته.
2-قوله: كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ مشاكلة لقوله في الآية السّابقة: كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ، و قوله: ما لَها مِنْ قَرارٍ مقابلة لقوله هناك: أَصْلُها ثابِتٌ. و فيه حثّ على تطوير الجنان،و تهذيب اللّسان، و تذليل العنان.
3-اقتصر نعت الخبيث و الطّيّب على الكلمة،كما اقتصر الطّيّب على الكلم أيضا في قوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ فاطر:10،غير أنّ الشّجرة نعتت بالبركة في قوله: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ النّور:35، و باللّعنة في قوله: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ الإسراء:60،و هذا ينبئ أنّ معنى(مباركة)ينطبق على (طيّبة)،و معنى(الملعونة)على(الخبيثة).
المحور الثّاني:الأموال الخبيثة في(2): وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً و(3): وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ و(4): وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، و فيها بحوث أيضا:
1-جملة وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً في(2) معطوفة على الجملة الاستئنافيّة وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ...، و جاء(خبث)و(يخرج)فعلا بدل«الخبيثة» و«خارجة»رمزا إلى حدوث الصّفتان فيها.
و في فاعل(خبث)تقديران:
الأوّل:و الّذي خبث نباته...فيكون(نكدا)حالا،أو صفة لمفعول مطلق،و تقديره:و الّذي خبث نباته لا يخرج إلاّ خروجا نكدا.
الثّاني:و البلد الّذي خبث...على فرض قراءة (يخرج) ،فيكون (نكدا) مفعولا به،و تقديره:و البلد الّذي خبث لا يخرج إلاّ نكدا.و هذا وجه حسن،و لكن ما قرأ بهذه القراءة أحد نعلمه.
ص: 74
2-اختلف في شأن نزول قوله: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ في(3)،أ هو في من يتصدّق بالرّديء من التّمر عند صرامه،أم في من يتصدّق بالحرام من ربا الجاهليّة و غيره؟
و ليس في الآية ما يدلّ على ما ذكر،لأنّ سياقها عامّ، إلاّ أنّ الطّبريّ اختار القول الأوّل،و تبعه آخرون،و منهم أبو جعفر الطّوسيّ،و عدّه الأقوى مستدلاّ بقوله: وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، فقال:«و الإغماض لا يكون إلاّ في شيء رديء متسامح في أخذه دون ما هو حرام».
و لكن النّصوص الواردة في هذا المعنى لم تبتّ في نوع الصّدقة،أ هي المفروضة أم المندوبة؟فبعضها صرّح بوجوبها و جمعها بواسطة«صاحب الصّدقة»،و بعضها صرّح بتعليق المتصدّق أقناء التّمر في المسجد بنفسه دون عامل الزّكاة،و هو يشعر بالاستحباب و ليس الوجوب.
3-الخبيث في(4): وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ إمّا الحرام و إمّا الرّديء،و كلاهما بمعنى واحد،و هو معمول تَتَبَدَّلُوا الّذي يفيد التّكرار مرّة بعد مرّة،أو يفيد الطّلب،أي طلب البدل.و ضعّف الزّمخشريّ المعنى الأخير،و تعقّب قول السّدّيّ:«أن يجعل شاة مهزولة مكان سمينة»،فقال:«و هذا ليس بتبدّل،و إنّما هو تبديل، إلاّ أن يكارم صديقا له،فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصّبيّ».
المحور الثّالث:الإنسان الخبيث في(5-8)،و فيها بحوث:
1-فسّر ابن عبّاس الخبيث و الطّيّب في(5): قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ بالحرام و الحلال،و فسّرهما السّدّيّ بالمشرك و المؤمن، و عمّمهما الزّمخشريّ في المال و العمل و المعتقد،و في النّاس أيضا.
و لعلّ رأي الزّمخشريّ هو الأقرب،لعموم قوله بعده:
فَاتَّقُوا اللّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. و كأنّ قول الإمام عليّ عليه السّلام تفسير له:«أيّها النّاس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله،فانّ النّاس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير،و جوعها طويل»نهج البلاغة-الخطبة:201.
2-اختلفوا فيمن خوطب بقوله: حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ في(6)،فذهب الضّحّاك إلى أنّه أراد به المنافقين و الكافرين،و ظاهر قول الطّبريّ أنّه خطاب للمؤمنين،و عدّه الزّمخشريّ خطابا لكلتا الفئتين.
و لعلّ قول الزّمخشريّ هو الأنسب،لأنّه تزكية للطّيّب،و هو المؤمن،و فضيحة للخبيث،و هو المنافق.
فالمؤمن يحبّ أن ينماز عن المنافق حتّى يبين فضله، و المنافق يكره ذلك،حتّى لا يتّضح أمره،فانتصر اللّه للمؤمن لطيبه،و خذل المنافق لخبثه.
3-ماز اللّه الخبيث من الطّيّب بالنّار في(7):
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ* لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ. بينما ماز الخبيث من الطّيّب في(6)وقت الشّدّة عقب وقعة أحد.
و حرف«من»الواقع بينهما إمّا صلة(يميز)،نحو قوله:
تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ الملك:8،و قولهم:مزت بعضه
ص: 75
من بعض،فأنا أميزه ميزا،و قد أماز بعضه من بعض.و إمّا بمعنى الفصل،نحو: وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ البقرة:220،و هو يدخل على ثاني المتضادّين.و المعنى على كلا التّقديرين واحد،أي يفصل الخبيث و يفرزه عن الطّيّب.
4-اختلف في المسند و المسند إليه في(8):
اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ، فقيل:يراد به السّيّئات للسّيّئين و السّيّئون للسّيئات،أو القبيحات للقبيحين و القبيحون للقبيحات،أو الزّواني للزّناة و الزّناة للزّواني،و يضارعه قوله: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ النّور:3.
و قيل:يراد به الكلمات الخبيثات لا يقولهنّ إلاّ الخبيثون من النّاس،أو الكلمات و الفعلات الخبيثة.و لعلّ قوله: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ تفسير لما تقدّم و دعم لهذا الرّأي.
المحور الرّابع:الأطعمة الخبيثة في(9): وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ، و فيها بحوث:
1-فيما خبث هنا ثلاثة أقوال:
الأوّل:ما خبث في الطّبع،و هو ما تعيفه النّفس و تستقذره،كالفئران و الخنافس و الجعلان و العقارب و الحرابيّ و غيرها.
الثّاني:ما خبث في الحكم،و هو ما حرّمه اللّه،كالميتة و الدّم و لحم الخنزير و الرّبا و الرّشوة و غيرها.
الثّالث:ما خبث في الكلام،و هو قول من نصب العداء لأهل البيت عليهم السّلام و خالفهم و عند عنهم،كما روي ذلك عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام،و هو تأويل.
و لا يبعد أن يشمل معنى الخبائث الأقوال الثّلاثة، لأنّ الخبيث-كما جاء في اللّغة-الرّديء و المستقذر،و لا شكّ أنّ ما عافته النّفس،و ما حرّمه اللّه،و ما يقوله النّاصبيّ رديء مستقذر.
2-ذهب الإمام الشّافعيّ إلى أنّ«الألف و اللاّم»في اَلْخَبائِثَ عهديّة،فهي أشياء كانت معهودة عند المخاطبين بها.
و لكن يؤخذ عليه أنّ الخبيث مفردا و جمعا-عدا لفظ (خبيثة)-ورد معرّفا بالألف و اللاّم في جميع الموارد، و منها اَلْخَبائِثَ في موضعين أيضا،و قد اختلف العلماء في تفسير بعضها كما ترى.
3-يلحظ تقدّم الخبيث على الطّيّب إذا اجتمعا معا في جميع المواضع إلاّ في هذا الموضع،فقد تقدّم لفظ اَلطَّيِّباتِ على لفظ اَلْخَبائِثَ لعلّة،و هي اجتماع (يحلّ)و(يحرّم)في آية واحدة،و تقدّم الأوّل على الثّاني، كما في جميع المواضع،إلاّ إذا اقترن بالحلال و الحرام نهي أو إنكار أو عقاب،فيقدّم الثّاني على الأوّل،فلاحظ.
المحور الخامس:الأعمال الخبيثة في(10): تَعْمَلُ الْخَبائِثَ، و فيها بحوث:
1-فسّرت اَلْخَبائِثَ هنا باللّواط،استنادا إلى قوله تعالى: أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ الشّعراء:
165،كما فسّرت بالضّراط،و بحذف المارّة بالحصى، استنادا إلى بعض الأخبار.
و لكنّ ورود اَلْخَبائِثَ جمعا ينبئ بتعدّد القبائح الّتي كانوا منهمكين في مزاولتها،فهي تشمل ما ذكر منها
ص: 76
مجموعة،و لا شكّ أنّهم كانوا يعملون خبائث أخرى،لم يذكرها المفسّرون و أصحاب الأخبار.
2-استعملت اَلْخَبائِثَ مرّتين في سورتين مكّيّتين،كما استعمل مفردها-أي الخبيثة-في سورة مكّيّة أيضا،و هذا ممّا اختصّت به السّور المكّيّة،كما اختصّت السّور المدنيّة بلفظ«الخبيثين،»و مفرده «الخبيث»،و بلفظ«الخبيثات»أيضا دون السّور المكّيّة،و هو يدلّل على كثرة تداول كلّ من هذين الاستعمالين في تلكما الفترتين.
3-ربّما يقال:هلاّ اختصر الكلام و قال:و نجّيناه من القرية الخبيث أهلها،كما قال: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها النّساء:75.
الجواب:الخبائث-كما تقدّم-هي عادات مكتسبة، كاللّواط و أكل الحرام و غير ذلك،و أمّا الظّلم فهو صفة جبل عليها بعض النّاس منذ الولادة.فأراد هنا أن يصف عادة أهل هذه القرية،فأسند عمل الخبائث إليهم تَعْمَلُ الْخَبائِثَ. بينما وصف أهل تلك القرية بالظّلم دون العمل؛إذ لا يقال:عمل فلان ظلما،بل يقال:ظلم فلان فلانا،فهو ظالم و ذاك مظلوم.
و ثانيا:منها أربع مكّيّة و ستّ مدنيّة و هي تشريع أو فرع على التّشريع،و المكّيّات إمّا مثل للمؤمن و الكافر (1 و 2)أو قصّة(10)أو توصيف للرّسول الأمّيّ في التّوراة و الإنجيل.
و قد سبق أنّ لفظي الخبيثة و الخبائث مكّيّتان، و ألفاظ الخبيث و الخبيثين و الخبيثات مدنيّة.
ثالثا:لم نجد لهذه المادّة نظيرا في القرآن.
ص: 77
ص: 78
7 ألفاظ،52 مرّة:21 مكّيّة،31 مدنيّة
في 31 سورة:14 مكّيّة،17 مدنيّة
خبير 27:8-19 خبرا 2:1-1
الخبير 6:5-1 خبر 2:2
خبيرا 12:5-7 أخبارها 1:-1
أخباركم 2:-2
الخليل :أخبرته و خبّرته،و الخبر:النّبأ؛و يجمع على أخبار.
و الخبير:العالم بالأمر.
و الخبر:مخبرة الإنسان إذا خبر،أي جرّب فبدت أخباره،أي أخلاقه.
و الخبرة:الاختبار.تقول:أنت أبطن به خبرة، و أطول به عشرة.
و الخابر:المختبر المجرّب.
و الخبر علمك بالشّيء،تقول:ليس لي به خبر.
و الخبار:أرض رخوة يتتعتع فيها الدّوابّ.[ثمّ استشهد بشعر]
و الخبر و المخابرة:أن تزرع على النّصف أو الثّلث و نحوه.
و الأكّار:الخبير،و المخابرة:المؤاكرة.
و الخبراء:شجر في بطن روضة يبقى الماء فيها إلى القيظ،و فيها ينبت«الخبر»و هو شجر السّدر و الأراك، و حواليها عشب كثير.
و يقال:الخبرة أيضا؛و الجميع:خبر،و خبر الخبرة:
شجرها،[ثمّ استشهد بشعر]
و الخبر من مناقع الماء:ما خبّر المسيل في الرّءوس، فيخوض النّاس فيه.(4:258)
سيبويه :و خبار،كسّروها تكسير الأسماء و سلّموها على ذلك،و إن كانت في الأصل صفة،لأنّها قد جرت مجرى الأسماء.(ابن سيده 5:179)
ص: 79
الكسائيّ: يقال:هو الخبر و الخبر،يقال:لأخبرنّ خبرك و خبرك.و هو السّكر و السّكر،يقال:سكر يسكر سكرا و سكرا.(إصلاح المنطق:86)
ما يدرى له أين خبر،و ما يدرى له ما خبر،أي ما يدرى،و«أين»صلة و«ما»صلة.(ابن سيده 5:179)
أبو عمرو الشّيبانيّ: الخبر من الإبل:الغزيرة.
و الخبرة من الطّعام:قصعة فيها خبز و لحم،بين أربعة أو خمسة.(1:221)
الخبرة:طعام يحمله الرّجل في سفرته،إذا خرج مسافرا.(1:228)
الخبير:الزّبد.(1:238)
الخبر:الغزيرة.[ثمّ استشهد بشعر](1:240)
مرمّعات الأخبار:الّتي لا يدرون ما هي.(1:306)
الخبار:أرض ليّنة فيها جحرة.(الأزهريّ 7:365)
الخبير:الإدام الطّيّب،و الخبرة:الأدم.
(الخطّابيّ 2:432)
أبو عبيدة :سمّي الأكّار خبيرا،لأنّه يخابر الأرض، و المخابرة هي المؤاكرة،و لهذا سمّي الأكّار خبيرا،لأنّه يؤاكر الأرض.(أبو عبيد 1:141)
الأصمعيّ: الخبرة و الخبراء:القاع ينبت السّدر.
و الخبار:ما لان من الأرض و استرخى.
(الأزهريّ 7:365)
الخبرة:النّصيب تأخذه من لحم أو سمك.
[الخبير]هو زبد أفواه الإبل.(الأزهريّ 7:366)
الخبر:المزادة.(الأزهريّ 7:368)
اللّحيانيّ: و الخبر:هي المزارعة فعمّ بها.
(ابن سيده 5:180)
العرب تقول:اجتمعوا على خبرته،يعنون ذلك [الطّعام].(ابن سيده 5:181)
و قد خبرت خبورا.(ابن سيده 5:179)
أبو عبيد: في حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه نهى عن المخابرة.هي المزارعة بالنّصف و الثّلث و الرّبع،و أقلّ من ذلك و أكثر،و هو الخبر أيضا،الخبر:الفعل،و الخبير:
الرّجل.(1:141)
الخبير:زبد أفواه الإبل.(الجوهريّ 2:642)
ابن الأعرابيّ: الخبار:ما استرخى من الأرض و تحفّر.(الأزهريّ 7:365)
المخبور:الطّيّب الإدام،و المخبور:المخمور.
(الأزهريّ 7:368)
ابن السّكّيت: و الخبر:المزادة؛و جمعها:خبور.
و يقال:ناقة خبر،إذا كانت غزيرة تشبّه بالمزادة في غزرها.
و الخبر من الأخبار.(إصلاح المنطق:42)
و الخبر:العلم بالشّيء.(إصلاح المنطق:124)
و يقال:قد خبرت الرّجل فأنا أخبره خبرا و خبرة.
و يقال:من أين خبرت هذا؟أي من أين علمته؟(إصلاح المنطق:198)
الرّياشيّ: الخبرة:لحم يشتريه الإنسان لأهله، يقال للرّجل:ما اختبرت لأهلك؟
الخبير:الزّبد،الخبير:الوبر،و الخبير:الأكّار.
(الأزهريّ 7:366)
أبو الهيثم:الخبر بالفتح المزادة.و منه قيل:ناقة
ص: 80
خبر،إذا كانت غزيرة.(الأزهريّ 7:368)
الحربيّ: خبراء:أرض تنبت السّدر.(2:440)
الزّجّاج: خبرت الرّجل:جرّبته.
(فعلت و أفعلت:55)
ابن دريد :و الخبر:معروف،أخبرني بكذا و كذا و أخبرت به،فأنا مخبر و مخبر.
و تقول العرب:هل من جائبة خبر؟أي هل من خبر يجوب البلاد فيجيء من مكان بعيد؟[ثمّ استشهد بشعر]
و لي بفلان خبرة و خبرة و خبرة-و الكسر أعلى- فأنابه خابر و خبير.
و يقال:فلان حسن المخبر.
و الخبار:الأرض السّهلة فيها جحرة و حفار.و من أمثالهم:«من تجنّب الخبار أمن العثار».
و الخبراء:الأرض السّهلة المنخفضة،يجتمع فيها ماء السّماء،و تنبت السّدر؛و تجمع:خبراوات.و يقال لها أيضا:الخبيرة؛و تجمع على:خبير.
و الخابور نهر أحسبه.
و تخبّر القوم بينهم خبرة،إذا اشتروا شاة فذبحوها و اقتسموا لحمها،و الشّاة خبيرة.
و الخبر:المزادة العظيمة؛و الجمع:خبور،و بذلك سمّيت النّاقة الغزيرة.
و الخبير:زبد البعير و ما أشبهه.(1:233)
الأزهريّ: الخبار:ما تهوّر و ساخت فيه القوائم.
قال الأصمعيّ: الخبر:المزادة.و يقال:الخبر.إلاّ أنّه بالكسر أكثر،و جمعه:خبور.
و الخبر و الخبر:النّاقة الغزيرة اللّبن،شبّهت بالمزادة في خبرها.
و في الحديث:«كنّا نستخلب الخبير»أراد ب«الخبير»:النّبات و العشب،و استخلابه:احتشاشه، كأنّ العشب شبّه بخبير الإبل،و هو وبرها.فالنّبات ينبت كما ينبت الوبر.
و خيبر:موضع بعينه معروف.
و يقال:تخبّرت الخبر و استخبرته،بمعنى واحد.
و الخبير:من أسماء اللّه تعالى،معناه العالم بما كان و ما يكون،و هذه الصّفة لا تكون إلاّ للّه تبارك و تعالى.
و خبرت بالأمر،أي علمته.
و قول اللّه جلّ و عزّ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً الفرقان:
59،أي سل عنه خبيرا عالما تخبر.
و الخابور:بلد معروف.[ثمّ استشهد بشعر]
و رجل مخبر،أي إذا خبر وجد كاملا.
(7:365-368)
الصّاحب:الخبر:ما أتاك من نبإ،أخبرته و خبّرته؛ و الجميع:الأخبار.و رجل خبر:كريم الخبر.و هو يتخبّر الأخبار.
و الخبير:العالم بالأمر.
و الخبرة:مخبرة الإنسان إذا خبر،أي جرّب.
و الخبرة:الاختبار.و الخابر:المختبر المجرّب.
و خبرته أخبره،أي علمته.
و الخبار:أرض رخوة؛واحدها خبارة.
و الخبار:ما اجتمع من التّراب في أصل الشّجرة.
و الخبراء:شجر في بطن روضة فيها ينبت الخبر؛ و هو شجر السّدر و الأراك.و تسمّى الخبرة أيضا.
ص: 81
و الخبر:من مناقع الماء في رءوس الجبال.
و الخبر و المخابرة:أن يزرع على النّصف أو الثّلث و نحوه.
و الأكّار:خبير.و المخابرة:المؤاكرة.
و ناقة خبر:غزيرة،و كذلك الخبراء.تقول:أخبرت لقحة فلان،أي وجدتها خبراء.
و الخبرة الطّعام.
و الخبر:المزادة؛و جمعها:خبور.
و الخبرة:السّفرة.
و الخبور:الزّاد من الطّعام.
و الخبرة:النّصيب.و القسمة أيضا.
و الخبرة:اللّحم يشتريه الرّجل لأهله؛و جمعها:
خبر.و اجتمعوا على خبرته،أي طعامه.و اخبر طعامك، أي دسّمه.
و الخبيرة:الشّاة تشترى بين جماعة فتذبح.
و الصّوف الجيّد من أوّل الجزّ.و تجمع:خبائر،و كذلك الوبر و الزّبد.
و جحرة الفأر:مخابر.
و المخبرة:المخروءة.
و الخيبريّ: الحيّة السّوداء.و يقولون:حمّى خيبرى فإنّها خيسرى.(4:335)
الخطّابيّ: يقال:جاءنا بطعام و لم يأتنا بخبرة،أي بأدم.(2:432)
الجوهريّ: الخبر:المزادة العظيمة؛و الجمع:خبور.
و تشبّه بها النّاقة في غزرها فتسمّى:خبراء.
و الخبر بالتّحريك:واحد الأخبار.
و أخبرته بكذا و خبّرته،بمعنى.
و الاستخبار:السّؤال عن الخبر،و كذلك التّخبّر.
و المخبر:خلاف المنظر.و كذلك المخبرة و المخبرة أيضا بضمّ الباء،و هو نقيض المرآة.
و الخبراء:القاع ينبت السّدر؛و الجمع:الخبارى و الخباري،مثل الصّحارى و الصّحاري،و الخبراوات.
يقال:خبر الموضع بالكسر،فهو خبر.و أرض خبرة و خبراء.
و الخبار:الأرض الرّخوة ذات الجحرة.
و يقال أيضا:من أين خبرت هذا الأمر؟أي من أين علمت؟و الاسم:الخبر بالضّمّ،و هو العلم بالشّيء.
و الخبير:العالم.
و الخبير:الأكّار،و منه المخابرة،و هي المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض،و هو الخبر أيضا بالكسر.
و الخبير:النّبات.و في الحديث«نستخلب الخبير»، أي نقطع النّبات و تأكله.
و الخبير:الوبر.[ثمّ استشهد بشعر]
و قولهم:لأخبرنّ خبرك،أي لأعلمنّ علمك.تقول منه:خبرته أخبره خبرا بالضّمّ،و خبرة بالكسر،إذا بلوته و اختبرته.يقال:«صدّق الخبر الخبر».
و أمّا قول أبي الدّرداء:«وجدت النّاس اخبر تقلهم» فيريد أنّك إذا خبرتهم قليتهم،فأخرج الكلام على لفظ الأمر،و معناه الخبر.
و الخابور:موضع بناحية الشّام.
و خيبر:موضع بالحجاز.يقال:«عليه الدّبرى، و حمّى خيبرى».
ص: 82
و الخبرة بالضّمّ:النّصيب تأخذه من سمك أو لحم، حكاه أبو عبيد.يقال:تخبّروا خبرة،إذا اشتروا شاة فذبحوها و اقتسموا لحمها.(2:641)
نحوه الرّازيّ.(186)
أبو هلال :الفرق بين السّؤال و الاستخبار:أنّ الاستخبار طلب الخبر فقط،و السّؤال يكون طلب الخبر و طلب الأمر و النّهي،و هو أن يسأل السّائل غيره أن يأمره بالشّيء أو ينهاه عنه.(25)
الفرق بين الخبر و بين الحديث:أنّ الخبر هو القول الّذي يصحّ وصفه بالصّدق و الكذب،و يكون الإخبار به عن نفسك و عن غيرك،و أصله:أن يكون الإخبار به عن غيرك،و ما به صار الخبر خبرا هو معنى غير صيغته، لأنّه يكون على صيغة ما ليس بخبر،كقولك:رحم اللّه زيدا،و المعنى اللّهمّ ارحم زيدا.
و الحديث في الأصل هو ما تخبر به عن نفسك من غير أن تسنده إلى غيرك،و سمّي حديثا لأنّه لا تقدّم له، و إنّما هو شيء حدث لك،فحدّثت به.
ثمّ كثر استعمال اللّفظين حتّى سمّى كلّ واحد منهما باسم الآخر،فقيل للحديث خبر و للخبر حديث،و يدلّ على صحّة ما قلنا أنّه يقال:فلان يحدّث عن نفسه بكذا و هو حديث النّفس،و لا يقال:مخبر عن نفسه و لا هو خبر النّفس و اختار مشايخنا قولهم:إن سأل سائل فقال أخبروني؟و لم يختاروا حدّثوني،لأنّ السّؤال استخبار و المجيب مخبر.
و يجوز أن يقال:إنّ الحديث ما كان خبرين فصاعدا، إذا كان كلّ واحد منهما متعلّقا بالآخر،فقولنا:رأيت زيدا،خبر،و رأيت زيدا منطلقا،حديث،و كذلك قولك:
رأيت زيدا و عمرا،حديث مع كونه خبرا.
الفرق بين النّبإ و الخبر:أنّ النّبأ لا يكون إلاّ للإخبار بما لا يعلمه المخبر،و يجوز أن يكون المخبر بما يعلمه و بما لا يعلمه،و لهذا يقال:تخبرني عن نفسي،و لا يقال:
تنبئني عن نفسي و كذلك تقول:تخبرني عمّا عندي،و لا تقول:تنبئني عمّا عندي.و في القرآن فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الشّعراء:6.و إنّما استهزءوا به، لأنّهم لم يعلموا حقيقته،و لو علموا ذلك لتوقّوه،يعني العذاب.و قال تعالى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ هود:100.و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكن يعرف شيئا منها.
و قال عليّ بن عيسى في النّبإ معنى عظيم الشّأن، و كذلك أخذ منه صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و لهذا يقال:سيكون لفلان نبأ،و لا يقال:خبر بهذا المعنى.و قال الزّجّاج في قوله تعالى: فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أنباؤه تأويله.و المعنى سيعلمون ما يؤول إليه استهزاؤهم.قلنا:و إنّما يطلق عليه هذا لما فيه من عظم الشّأن.
و الإنباء عن الشّيء أيضا قد يكون بغير حمل النّبأ عنه،تقول:هذا الأمر ينبئ بكذا،و لا تقول:يخبر بكذا، لأنّ الإخبار لا يكون إلاّ بحمل الخبر.(28)
الفرق بين الخبر و الشّهادة:أنّ شهادة الاثنين عند القاضي يوجب العمل عليها،و لا يجوز الانصراف عنها، و يجوز الانصراف عن خبر الاثنين و الواحد إلى القياس و العمل به،و يجوز العمل به أيضا.و التّعبّد أخرج الشّهادة
ص: 83
عن حكم الخبر المحض،و يفرق بين قولك:شهد عليه، و شهد على إقراره.فتقول إذا جرى الفصل أو الأخذ بحضرة الشّاهد:كتب شهد عليه،و إذا جرى ذلك رؤية ثمّ أقرّ به عنده:كتب شهد على إقراره.
الفرق بين الخبر و الأمر:أنّ الأمر لا يتناول الآمر، لأنّه لا يصحّ أن يأمر الإنسان نفسه،و لا أن يكون فوق نفسه في الرّتبة،فلا يدخل الآمر مع غيره في الأمر، و يدخل مع غيره في الخبر،لأنّه لا يمتنع أن يخبر عن نفسه كإخباره عن غيره،و لذلك قال الفقهاء:إنّ أوامر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم تتعدّاه إلى غيره من حيث كان لا يجوز أن يختصّ بها،و فصلوا بينها و بين أفعاله بذلك،فقالوا:أفعاله لا تتعدّاه إلاّ بدليل.و قال بعضهم:بل حكمنا و حكمه في فعله سواء،فإذا فعل شيئا فقد صار كأنّه قال لنا:إنّه مباح،قال:و يختصّ العامّ بفعله كما يختصّ بقوله.
و يفرق بينهما أيضا من وجه آخر،و هو أنّ النّسخ يصحّ في الأمر و لا يصحّ في الخبر عند أبي عليّ و أبي هاشم رحمهما اللّه تعالى،و ذهب أبو عبد اللّه البصريّ رحمه اللّه إلى أنّ النّسخ يكون في الخبر كما يكون في الأمر،قال:
و ذلك مثل أن يقول:الصّلاة تلزم المكلّف في المستقبل،ثمّ يقول بعد مدّة:إنّ ذلك لا يلزمه،و هذا أيضا عند القائلين بالقول الأوّل أمر،و إن كان لفظه لفظ الخبر.
و أمّا الخبر عند حال الشّيء الواحد المعلوم،أنّه لا يجوز خروجه عن تلك الحال،فإنّ النّسخ لا يصحّ في ذلك عند الجميع،نحو الخبر عن صفات اللّه بأنّه عالم و قادر.(30)
الفرق بين العلم و الخبر:أنّ الخبر هو العلم بكنه المعلومات على حقائقها،ففيه معنى زائد على العلم.قال أبو أحمد ابن أبي سلمة رحمه اللّه:لا يقال منه:خابر،لأنّه من باب«فعلت»،مثل طرقت و كرمت،و هذا غلط،لأنّ «فعلت»لا يتعدّى و هذه الكلمة تتعدّى به،و إنّما هو من قولك:خبرت الشّيء،إذا عرفت حقيقة خبره،و أنا خابر و خبير،من قولك:خبرت الشّيء،إذا عرفته مبالغة،مثل عليم و قدير،ثمّ كثر حتّى استعمل في معرفة كنهه و حقيقته.[ثمّ استشهد بشعر](74)
الفرق بين الإعلام و الإخبار:أنّ الإعلام التّعريض لأن يعلم الشّيء،و قد يكون ذلك بوضع العلم في القلب، لأنّ اللّه تعالى قد علّمنا ما اضطررنا إليه،و يكون الإعلام بنصب الدّلالة و الإخبار و الإظهار للخبر،علم به أو لم يعلم،و لا يكون اللّه مخبرا بما يحدثه من العلم في القلب.(77)
الفرق بين الابتلاء و الاختبار:أنّ الابتلاء لا يكون إلاّ بتحميل المكاره و المشاقّ.و الاختبار يكون بذلك و بفعل المحبوب،أ لا ترى أنّه يقال:اختبره بالإنعام عليه، و لا يقال:ابتلاه بذلك،و لا هو مبتلى بالنّعمة،كما قد يقال:
أختبره بالإنعام عليه،و لا تقول:ابتلاه بذلك،و لا هو مبتلى بالنّعمة،كما قد يقال إنّه مختبر بها.
و يجوز أن يقال:إنّ الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطّاعة و المعصية،و الاختبار يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك.و الخبر العلم الّذي يقع بكنه الشّيء و حقيقته،فالفرق بينهما بيّن.(178)
الفرق بين الفتنة و الاختبار:أنّ الفتنة أشدّ الاختبار و أبلغه،و أصله:عرض الذّهب على النّار لتبيّن صلاحه
ص: 84
من فساده،و منه قوله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ، و يكون في الخير و الشّرّ،أ لا تسمع قوله تعالى:
أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ الأنفال:28،و قال تعالى: لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ الجنّ:16، فجعل النّعمة فتنة،لأنّه قصد بها المبالغة في اختبار المنعم عليه بها،كالذّهب إذا أريد المبالغة في تعرّف حاله فيراني (1)أدخل النّار،و اللّه تعالى لا يختبر العبد لتغيير حاله في الخير و الشّرّ،و إنّما المراد بذلك شدّة التّكليف.
الفرق بين الاختبار و التّجريب:أنّ التّجريب هو تكرير الاختبار و الإكثار منه،و يدلّ على هذا أنّ «التّفعيل»هو للمبالغة و التّكرير،و أصله من قولك:
جرّبه،إذا داواه من الجرب،فنظر أصلح حاله أم لا.
و مثله قرد البعير،إذا نزع عنه القردان،و قرع الفصيل،إذا داواه من القرع؛و هو داء معروف.و لا يقال:إنّ اللّه تعالى يجرّب،قياسا على قولهم:يختبر و يبتلي،لأنّ ذلك مجاز، و المجاز لا يقاس عليه.(179)
ابن سيده: الخبر:النّبأ،و الجمع:أخبار،و أخابير:
جمع الجمع،فأمّا قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها الزّلزال:4،فمعناه يوم تزلزل،تخبر بما عمل عليها.
و خبّره،و أخبره:نبّأه.و استخبره:طلب أن يخبره.
و رجل خابر،و خبير:عالم بالخبر.و الخبير:المخبر.
و قال أبو حنيفة في وصف شجر:أخبرني بذلك الخبر،فجاء به على مثال«فعل»و هذا لا يكاد يعرف إلاّ أن يكون على النّسب.
و أخبره خبوره:أنبأه ما عنده.
و الخبر،و الخبر،و الخبرة،و الخبرة و المخبرة و المخبرة،كلّه:العلم بالشّيء.و قد خبره يخبره خبرا و خبرا،و اختبره،و تخبّره.
و الخبير:الّذي يخبر الشّيء بعلمه.
و رجل مخبرانيّ: ذو مخبر،كما قالوا:منظرانيّ،أي ذو منظر.
و الخبر،و الخبر:المزادة؛و الجميع:خبور.و هي الخبراء أيضا،عن كراع.
و الخبر،و الخبر:النّاقة الغزيرة اللّبن،شبّهت بالمزادة، و الجمع كالجمع.
و الخبراء:المجرّبة بالغزر.
و الخبرة:القاع ينبت السّدر؛و جمعه:خبر؛و هي الخبراء أيضا؛و الجمع:خبراوات،و خبار.
و الخبراء:منقع الماء،و خصّ بعضهم به منقع الماء في أصول السّدر.
و الخبر:شجر السّدر و الأراك و ما حولهما من العشب؛واحدته:خبرة.و خبراء الخبرة:شجرها.
و قيل:الخبر:منبت السّدر في القيعان.
و الخبار من الأرض:ما لان و استرخى.
و الخبار:الجراثيم،و جحرة الجرذان؛واحدته:
خبارة.و في المثل:«من تجنّب الخبار أمن العثار».
و خبرت الأرض خبرا:كثر خبارها.
و الخبر:أن تزرع على النّصف أو الثّلث،و هي المخابرة،و المخابرة،أيضا:المؤاكرة.و الخبير:الأكّار.
و الخبر:الزّرع.
و الخبير:الوبر.ا.
ص: 85
و الخبير:نسالة الشّعر،و الخبيرة:الطّائفة منه.
و الخبير:زبد أفواه الإبل.
و الخبر،و الخبرة:اللّحم يشتريه الرّجل لأهله.
و الخبرة:الشّاة يشتريها القوم بأثمان مختلفة ثمّ يقتسمونها،فيسهمون،كلّ واحد منهم على قدر ما نقد.
و تخبّروها:اقتسموها.و شاة خبيرة:مقتسمة،أراه على طرح الزّائد.
و الخبرة:النّصيب تأخذه من لحم أو سمك.
و جمل مختبر:كثير اللّحم.
و الخبرة:الطّعام،و ما قدّم من شيء.
و الخبرة:الثّريدة الضّخمة.
و خبر الطّعام يخبره خبرا:دسمه.
و الخابور:نبت،أو شجر.
و الخابور:نهر،أو واد بالجزيرة.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](5:178)
الخبراء:هي من النّوق المجرّبة بالغزر.خبرت النّاقة تخبر خبورا:غزر لبنها.(الإفصاح 2:726)
الخبر:كلّ معالجة للأرض،و لذلك سمّي الأكّار خبيرا.(الإفصاح 2:1065)
الخبراء:مجتمع السّدر و منبته.(الإفصاح 2:1185)
الرّاغب: الخبر:العلم بالأشياء المعلومة من جهة الخبر،و خبرته خبرا و خبرة و أخبرت:أعلمت بما حصل لي من الخبر.
و قيل:الخبرة:المعرفة ببواطن الأمر.
و الخبار و الخبراء:الأرض اللّيّنة،و قد يقال ذلك لما فيها من الشّجر.
و المخابرة:مزارعة الخبار بشيء معلوم،و الخبير:
الأكّار فيه.
و الخبر:المزادة الصّغيرة،و شبّهت بها النّاقة فسمّيت خبرا.(141)
الحريريّ: و الخبور:الغزيرات الدّرّ.(105)
الزّمخشريّ: خبرت الرّجل و اختبرته خبرا و خبرة.«و وجدت النّاس اخبر تقله».
و ما لي به خبر،أي علم.
و من أين خبرت هذا،بالكسر؟و أنا به خبير.
و استخبرته عن كذا،فأخبرني به و خبّرني.
و خرج يتخبّر الأخبار:يتتبّعها.
و أعطاه خبرته،أي نصيبه.
و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن المخابرة و هي المزارعة.
و مشوا في الخبار و الخبراء،و هي أرض رخوة فيها جحرة.و في مثل«من تجنّب الخبار أمن العثار».
و من المجاز:تخبر عن مجهوله مرآته.
(أساس البلاغة:102)
[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]،«يتخبّر له خبر كفّار قريش...».تخبّر الخبر:تعرّفه.(الفائق 1:346)
في حديث أبي هريرة:«...لا آكل الخبير و لا ألبس الحبير».
الخبير:الإدام الطّيّب،لأنّه يصلح الطّعام و يدمّثه للأكل،من الخبراء؛و هي الأرض السّهلة الدّمثة،و هي الخبرة أيضا،يقال:«أتانا بخبزة و لم يأت بخبرة».و روي «الخمير».(الفائق 1:353)
في حديث وفود العرب:«...نستخلب الخبير...»
ص: 86
الخبير:النّبات؛و منه قيل للوبر:خبير.[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 2:277،278)
ابن الشّجريّ: الخبار:الأرض اللّيّنة،و يد رسلة ليّنة المفاصل.(1:109)
الاستخبار و الاستعلام و الاستفهام واحد؛ فالاستخبار:طلب الخبر،و الاستفهام:طلب الفهم، و الاستعلام:طلب العلم.
و الاستخبار:نقيض الإخبار من حيث لا يدخله صدق و لا كذب.(1:262)
المدينيّ: في حديث«لا آكل الخبير»أي الخبز المأدوم.و الخبرة:الإدام.و قيل:هي الطّعام من اللّحم و غيره،و قيل:هي قصعة فيها لحم و خبز بين أربعة و خمسة،و الجفنة أكبر من ذلك.
و يقال:اخبر طعامك،أي دسّمه،يقال:«أتانا بخبرة بلا خبزة»من الخبز،أو هي الأرض السّهلة.
و روي:«لا آكل الخمير».
في الحديث:«فدفعننا (1)في خبار»الخبار:الأرض اللّيّنة.[ثمّ استشهد بشعر](1:547)
ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الخبير»هو العالم بما كان و بما يكون،خبرت الأمر أخبره،إذا عرفته على حقيقته.
و في حديث الحديبيّة:«أنّه بعث عينا من خزاعة يتخبّر له خبر قريش»أي يتعرّف،يقال:تخبّر الخبر، و استخبر،إذا سأل عن الأخبار ليعرفها.
و فيه:«نهى عن المخابرة».و قيل أصل المخابرة من«خيبر»لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أقرّها في أيدي أهلها على النّصف من محصولها،فقيل:خابرهم،أي عاملهم في خيبر.
و في حديث طهفة:«و نستخلب الخيبر»الخبير:
النّبات و العشب،شبّه بخبير الإبل و هو وبرها، و استخلابه:احتشاشه بالمخلب و هو المنجل.و الخبير يقع على الوبر و الذّرع و الأكّار.(2:6)
الفيّوميّ: خبرت الشّيء أخبر،من باب«قتل» خبرا:علمته،فأنا خبير به،و اسم ما ينقل و يتحدّث به:
خبر؛و الجمع:أخبار.
و أخبرني فلان بالشّيء فخبرته.
و خبرت الأرض:شققتها للذّراعة،فأنا خبير،و منه المخابرة،و هي المزارعة على بعض ما يخرج من الأرض.
و اختبرته بمعنى امتحنته.و الخبرة بالكسر:اسم منه.
و خبر مثال فلس:قرية من قرى اليمن،و قرية من قرى شيراز،و النّسبة إليها:خبريّ على لفظها.
و خيبر:بلاد بني عنزة،عن مدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في جهة الشّأم،نحو ثلاثة أيّام.(1:162)
الجزائريّ: النّبأ:الخبر الّذي له شأن عظيم،و منه اشتقاق النّبوّة،لأنّ النّبيّ مخبر عن اللّه تعالى.[ثمّ استشهد بآيات و قال:]
قال الرّاغب:النّبأ:خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم و غلبة ظنّ،و لا يقال للخبر:نبأ حتّى يتضمّن هذه الأشياء.و حقّ الخبر الّذي يقال فيه:نبأ،أن يتعرّى عن الكذب،كالمتواتر و خبر اللّه و خبر النّبيّ.(92)».
ص: 87
الفيروزآباديّ: الخبر محرّكة النّبأ جمعه:أخبار،جمع الجمع أخابير،و رجل خابر و خبير و خبر ككتف و جحر:
عالم به.
و أخبره خبوره:أنبأه ما عنده.
و الخبر و الخبرة بكسرهما و يضمّان و المخبرة و المخبرة:العلم بالشّيء كالاختبار و التّخبّر و قد خبر ككرم.
و الخبر:المزادة العظيمة كالخبراء و النّاقة الغزيرة اللّبن و يكسر فيهما جمعه:خبور.
و الزّرع و منقع الماء في الجبل و السّدر كالخبر ككتف.
و الخبراء القاع تنبته كالخبرة جمعه:الخبارى و الخباري و الخبراوات و الخبار.و منقع الماء في اصوله.
و الخبار كسحاب:مالان من الأرض و استرخى، و الجراثيم و جحرة الجرذان.
و من تجنّب الخبار أمن العثار مثل.
و خبرت الأرض كفرح كثر خبارها.
و المخابرة أن يزرع على النّصف و نحوه كالخبر بالكسر و المؤاكرة.
و الخبير:الأكّار،و العالم باللّه تعالى،و الوبر،و النّبات، و العشب،و زبد أفواه الإبل،و نسالة الشّعر.
و الشّاة تشترى بين جماعة فتذبح كالخبرة بالضّمّ.
و تخبّر و افعلوا ذلك.
و الصّوف الجيّد من أوّل الجزّ.
و المخبرة المخرأة و نقيض المرآة.
و الخبرة بالضّمّ:الثّريدة الضّخمة و النّصيب تاخذه من لحم أو سمك،و ما تشتريه لأهلك كالخبز و الطّعام و اللّحم،و ما قدّم من شيء و طعام يحمله المسافر في سفرته،و قصعة فيها خبر و لحم بين أربعة أو خمسة.
و الخابور نبت و نهر بين رأس عين و الفرات و آخر شرقيّ دجلة الموصل و واد و خابوراء موضع و خيبر حصن موضع قرب المدينة.
و الخيبريّ الحيّة السّوداء و خبره خبرا بالضّمّ و خبرة بالكسر:بلاه كاختبره و الطّعام دسّمه.
و استخبره:سأله الخبر كتخبّره و خبّره تخبيرا أخبره.
و المخبور الطّيّب الإدام و كصبور الأسد،و كنبقة ماء لبني ثعلبة.
و لأخبرنّ خبرك:لأعلمنّ علمك.
و وجدت النّاس أخبر تقله أى وجدتهم مقولا فيهم هذا أى ما من أحد إلاّ و هو مسخوط الفعل عند الخبرة.
و أخبرت اللّقحة:وجدتها غزيرة.(2:17)
الجرجانيّ: الخبر:لفظ مجرّد عن العوامل اللّفظيّة، مسند إلى ما تقدّمه لفظا،نحو:زيد قائم،أو تقديرا نحو:
أ قائم زيد.
و قيل:الخبر:ما يصحّ السّكوت عليه.
الخبر:هو الكلام المحتمل للصّدق و الكذب.
خبر«كان»و أخواتها،هو المسند بعد دخول«كان» و أخواتها.
خبر«إنّ»و أخواتها،هو المسند بعد دخول«إنّ» و أخواتها.
خبر«لا»الّتي لنفي الجنس،هو المسند بعد دخول «لا»هذه.
ص: 88
خبر«ما»و«لا»المشبّهتين بليس،هو المسند بعد دخولهما.
خبر الواحد:هو الحديث الّذي يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا ما لم يبلغ الشّهرة و التّواتر.
الخبر المتواتر:هو الّذي نقله جماعة عن جماعة، و الفرق بينهما يكون جاحد الخبر المتواتر كافرا بالاتّفاق، و جاحد الخبر المشهور مختلف فيه.و الأصحّ أنّه يكفّر، و جاحد خبر الواحد لا يكفّر بالاتّفاق.
الخبر المتواتر:هو الخبر الثّابت على ألسنة قوم لا يتصوّر تواطؤهم على الكذب.
الخبر على ثلاثة أقسام:خبر متواتر،و خبر مشهور، و خبر واحد.
أمّا الخبر المتواتر فهو كلام يسمعه من رسول اللّه جماعة،و منها جماعة أخرى إلى أن ينتهي إلى المتمسّك.
و أمّا الخبر المشهور فهو كلام يسمعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم واحد،و يسمعه من الواحد جماعة،و من تلك الجماعة أيضا جماعة إلى أن ينتهي إلى المتمسّك.
و أمّا خبر الواحد فهو كلام يسمعه من رسول اللّه واحد،و يسمعه من ذلك الواحد واحد آخر،و من الواحد الآخر آخر إلى أن ينتهي إلى المتمسّك.
و الفرق هو أنّ جاحد الخبر المتواتر يكون كافرا بالاتّفاق،و جاحد الخبر المشهور مختلف فيه.و الأصح أنّه يكفّر،و جاحد خبر الواحد لا يكون كافرا بالاتّفاق.
الخبر نوعان:مرسل و مسند،فالمرسل منه ما أرسله الرّاوي إرسالا من غير إسناد إلى راو آخر،و هو حجّة عندنا كالمسند،خلافا للشّافعيّ في إرسال الصّحابيّ، و سعيد بن المسيّب.و المسند ما أسنده الرّاوي إلى راو آخر إلى أن يصل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.
ثمّ المسند أنواع:متواتر،و مشهور،و آحاد.
فالمتواتر منه:ما نقله قوم عن قوم لا يتصوّر تواطؤهم على الكذب فيه،و هو الخبر المتّصل إلى رسول اللّه،و حكمه يوجب العلم و العمل قطعا حتّى يكفّر جاحده.
فالمشهور منه،هو ما كان من الآحاد في العصر الأوّل،ثمّ اشتهر في العصر الثّاني حتّى رواه جماعة، لا يتصوّر تواطؤهم على الكذب،و تلقّته العلماء بالقبول، و هو أحد قسمي المتواتر،و حكمه يوجب طمأنينة القلب،لا علم يقين حتّى يضلّ جاحده و لا يكفّر،و هو الصّحيح.
و خبر الآحاد هو ما نقله واحد عن واحد،و هو الّذي لم يدخل في حدّ الاشتهار،و حكمه يوجب العمل دون العلم،و لهذا لا يكون حجّة في المسائل الاعتقاديّة.
خبر الكاذب:ما تقاصر عن التّواتر.
الخبرة:هي المعرفة ببواطن الأمور.(43)
مجمع اللّغة :الخبر بفتح الخاء و الباء،هو الكلام الّذي يفيد به المتكلّم السّامع واقعة من الواقعات؛و جمعه:
أخبار.(1:318)
محمّد إسماعيل إبراهيم:خبر الشّيء خبرا:
علمه عن تجربة أو امتحنه.و خبره و به:علم خبره على حقيقته.
و خبّره الشّيء و به:أعلمه إيّاه و أنبأه به.
و الخبر:ما ينقل و يتحدّث به النّاس؛و الجمع:أخبار.
ص: 89
و الخبير:العارف بالأخبار أو الحقائق،و الخبير:من أسماء اللّه الحسنى،و معناه العالم بكنه الأشياء و بواطن الأمور،و المطّلع على مخلوقاته ظاهرا و باطنا.
(1:156)
العدنانيّ: الخبرة،الخبرة،الخبر،الخبر،المخبرة، المخبرة
و يخطّئون من يقول:له خبرة في فحص الدّم،أي معرفة به،و علم بكنهه.و يقولون:إنّ الصّواب هو الخبرة، اعتمادا على:الصّحاح،و الأساس،و المختار،و المصباح.
و لكن:
أجاز الرّاغب الأصفهانيّ قول الخبرة،و أجاز الخبرة و الخبرة كلتيهما كلّ من:اللّسان،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و المتن.
و أجاز الخبر كلّ من:معجم ألفاظ القرآن الكريم، و الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و الوسيط.
و أجاز الخبر:المدّ و الوسيط.
و أجاز الخبر و الخبر و المخبرة و المخبرة كلّ من:
اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و الوسيط.نسي الوسيط ذكر المخبرة.قال أبو الطّيّب المتنبّي:
و ما زلت حتّى قادني الشّوق نحوه
يسايرني في كلّ ركب له ذكر
و أستكبر الأخبار قبل لقائه
فلمّا التقينا صغّر الخبر الخبر
أمّا حركات فعله و مصادره فهي كما جاء في المدّ:
خبر الأمر و بالأمر يخبره خبورا.
و خبره يخبره خبرا.
و خبره يخبره خبرا:علمه.
و خبره يخبره خبرا و خبرة:اختبره.
و الخبر،و الخبر،و الخبر،و الخبر،و الخبرة،و الخبرة.
و المخبرة،و المخبرة:العلم بالشّيء.
و اكتفى اللّسان بقوله:خبره يخبره خبرا،و خبرا و خبرة،و خبرة،و مخبرة،و مخبرة.
و من معاني الخبرة:
1-اللّحم يشتريه الرّجل لأهله.
2-الثّريدة الضّخمة الدّسمة.
3-الطّعام.و سمع اللّحيانيّ العرب تقول:اجتمعوا على خبرته.
4-الشّاة يشترونها و يقتسمون لحمها.فيأخذ كلّ واحد بقدر ما نقد من الثّمن.
5-الإدام.جاء في«النّهاية»في شرح حديث أبي هريرة«حين لا آكل الخبير»أي الخبز المأدوم.و الخبير و الخبرة:الإدام.و قيل:هي الطّعام من اللّحم و غيره.
يقال:اخبر طعامك.
أخبره النّبأ،أخبره بالنّبإ،خبّره النّبأ و بالنّبإ
و يخطّئون من يقول:أخبره النّبإ،و يقولون:إنّ الصّواب هو أخبره بالنّبإ،اعتمادا على ما جاء في:
الصّحاح،و المختار،و المصباح،و الوسيط.
و لكن:
أجاز الجملتين:أخبره النّبإ،و أخبره بالنّبإ كلتيهما كلّ من:اللّسان،و التّاج،و المدّ أجاز أيضا:أخبره عن
ص: 90
النّبإ.و محيط المحيط،و أقرب الموارد.
و اكتفى القاموس و محيط المحيط بذكر:أخبره النّبأ، و أجمعا مع اللّسان،و التّاج،و المدّ،و أقرب الموارد على الاستشهاد بجملة:أخبره خبوره،أي أنبأه ما عنده.
و أجاز محيط المحيط و أقرب الموارد لنا أن نقول:
خبّره النّبأ،و خبّره بالنّبإ،و اكتفى«الوسيط».بقوله:خبّره بكذا.
لذا قل:أخبره النّبأ،أخبره بالنّبإ،خبّره النّبأ،خبّره بالنّبإ.(183)
محمود شيت:خابره:بادله الأخبار.
خبّره بكذا:أخبره به.
اختبر الشّيء:خبره.
استخبره:سأله عن الخبر،و طلب أن يخبره به.
الأخباريّ: المؤرّخ.و الصّحيفة الأخباريّة:الّتي تعنى بالأخبار و الأحداث.
الخبر:ما ينقل و يحدّث به قولا أو كتابة؛جمعه:أخبار الخبير:ذو الخبرة الّذي يخبر الشّيء بعلمه.و-:المخبر.
المخابرة:أن يعطي المالك الفلاّح أرضا يزرعها على بعض ما يخرج منها.
خبر نيّات العدوّ:علمها.
أخبره بكذا:أنبأه.
خابره:اتّصل به بالهاتف أو كتب له تقريرا.
استخبره:سأله عن المعلومات العسكريّة.و-:
استنطقه.يقال:استخبر الأسير.
الخبر:ما ينقل بالتّقارير أو بالجواسيس أو العيون؛ جمعه:أخبار.
المخابرة:صنف المخابرة:«سلاح الإشارة».
الاستخبارات:قسم جمع المعلومات في الجيش.
و يسمّى المكتب الثّاني في سوريّة،و المباحث العسكريّة في الجمهوريّة العربيّة المتّحدة.
المخبر:العين.و-:الجاسوس.(1:210)
المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو الاطّلاع النّافذ و العلم بالتّحقيق و الإحاطة و الدّقّة.و من هذا المعنى التّخبّر و الاستخبار و الخبر و الخبير و الخبرة و مشتقّاتها.
و أمّا الخبر بفتحتين اسما؛فإنّه وسيلة الاطّلاع و الوصول إلى التّخبّر و العلم.
و أمّا مفهوم الزّراعة:فإنّ الزّارع يتخبّر دائما محيط أرضه المزروعة،و يتفحّص عن الآفات الدّاخليّة و الخارجيّة العارضة،و يجعلها تحت نظره و دقّته،فهو الخابر و المتخبّر في هذه القسمة،و يديم تحقيقه فيها.
فهذه الحيثيّة منظورة في مفهوم هذه الكلمة،أي الزّارع من حيث إنّه على هذه الصّفة.و كذلك مفهوم «الخبراء»و هي الأرض اللّيّنة،يراد منها:الأرض الّتي جعلت تحت النّظر و التّحقيق و التّليين،لا مطلق الأرض اللّيّنة،و بهذا يندفع اختلاف المعاني الّتي ذكرت لهذه الكلمة.
و أمّا الخبر بمعنى النّاقة،أي النّاقة الغزيرة الكاملة القويّة،و هي تكون ذات تجربة و فهم و معرفة بوظائفها، و كيفيّة سلوكها و سيرها متحمّلة صابرة،فكأنّ كلمة الخبر مصدر أطلق عليها،كالعدل بمعنى العادل،مبالغة.
و أمّا المزادة العظيمة بمعنى الرّاوية،فالظّاهر أنّ من
ص: 91
مصاديق النّاقة الغزيرة النّاقة الرّاوية الكاملة،و من هذه الحيثيّة قد اشتبه على بعض فجعلوا«الرّاوية»من معاني الخبر مستقلاّ،كما أنّ كلمة«الرّاوية»تطلق أوّلا على البعير الرّاوية،ثمّ بمناسبته على مطلق الرّاوية.(3:10)
1- ..فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
البقرة:234
الطّبريّ: يعني ذو خبرة و علم،لا يخفى عليه منه شيء.(2:531)
الثّعالبيّ: و عيد يتضمّن التّحذير،و خبير:اسم فاعل من خبر إذا تقصّى علم الشّيء.(1:180)
مثله ابن عطيّة(1:315)،و نحوه أبو حيّان(2:
225).
الطّبرسيّ: أي عليم.(2:337)
الشّربيني:عالم بباطنه كظاهره،فيجازيكم عليه.(1:153)
الخازن :يعني أنّه تعالى لا يخفى عليه خافية، و الخبير في صفة اللّه تعالى هو العالم بكنه الشّيء و حقيقته من غير شكّ،و الخبير في صفة المخلوقين إنّما يستعمل في نوع من العلم،و هو الّذي يتوصّل إليه بالاجتهاد و الفكر، و اللّه تعالى منزّه عن ذلك كلّه.(1:202)
الآلوسيّ: وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فلا تعملوا خلاف ما أمرتم به.و الظّاهر أنّ المخاطب به هو المخاطب في سابقه،و جوّز أن يكون خطابا للقادرين من الأولياء و الأزواج،فيكون فيه تغليبان-الخطاب على الغيبة، و الذّكور على الإناث-و فيه تحديد للطّائفتين،و يحتمل أن يكون وعدا و وعيدا لهما.(2:150)
رشيد رضا :محيط بدقائق عملكم،لا يخفى عليه منه شيء،فإذا ألزمتم النّساء الوقوف معكم عند حدوده أصلح أحوالكم،و رفّه معيشتكم في الدّنيا،و أحسن جزاءكم في الآخرة،و إن لم تفعلوا أخذكم في الدّارين أخذا وبيلا.(2:424)
نحوه المراغيّ.(2:193)
مغنيّة:و ما دام اللّه سبحانه يعلم السّرّ تماما كما يعلم الجهر،فالأفضل السّرّ،لأنّه أبعد عن الرّياء،إلاّ إذا كان في العلانية مصلحة،كالأسوة و الاقتداء،و إنّ كثيرا من المخلصين يبالغون في إخفاء صدقاتهم،فيتبرّعون للمشاريع الخيريّة باسم بعض المحسنين.(1:424)
الطّباطبائيّ: لمّا كان الكلام مشتملا على تشريع عدّة الوفاة،و على تشريع حقّ الازدواج لهنّ بعدها، و كان كلّ ذلك تشخيصا للأعمال،مستندا إلى الخبرة الإلهيّة،كان الأنسب تعليله بأنّ اللّه خبير بالأعمال، مشخّص للمحظور منها عن المباح،فعليهنّ أن يتربّصن في مورد،و أن يخترن ما شئن لأنفسهنّ في مورد آخر، و لذا ذيّل الكلام بقوله: وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
(2:243)
فضل اللّه :فهو المطّلع عليكم في كلّ أعمالكم و أوضاعكم،فاتّقوه في ذلك كلّه.
ص: 92
و هذه الملاحظة في الآية و في غيرها من الآيات، و هي اختتام الجملة المتضمّنة للتّشريع بالتّأكيد لرقابة اللّه على الإنسان،من خلال خبرته المطلقة بكلّ خفاياه و قضاياه،تمثّل أسلوبا تربويّا في ربط المكلّف بالحكم الشّرعيّ،على أساس الوعي لموقعه من ربّه و موقع ربّه منه،حتّى لا يكون التّكليف مجرّد مادّة قانونيّة جامدة، يتلقّاها الإنسان بشكل عاديّ؛بحيث لا تثير في نفسه أيّ معنى يربط الإلزام بالخطّ الإيمانيّ الرّوحيّ المنفتح،على إشراف اللّه عليه.
و قد يكون من الضّروريّ أن ينطلق الدّعاة و المبلّغون للأخذ بهذا الأسلوب في نطاق التّبليغ للأحكام الشرعيّة الإسلاميّة،و الدّعوة إلى الالتزام بها في حياة المسلمين.(4:338)
2- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. البقرة:271
الطّبريّ: يعني بذلك ذو خبرة و علم،لا يخفى عليه شيء من ذلك،فهو بجميعه محيط،و لكلّه محص على أهله، حتّى يوفيهم ثواب جميعه،و جزاء قليله و كثيره.
(3:94)
الطّوسيّ: معناه أنّه تعالى بما تعملونه في صدقاتكم من إخفائها و إعلانها،عالم خبير به،لا يخفى عليه شيء من ذلك،فيجازي على جميعه بحسبه.(2:353)
نحوه الطّبرسيّ.(1:385)
الفخر الرّازيّ: و هو إشارة إلى تفضيل صدقة السّرّ على العلانية،و المعنى أنّ اللّه عالم بالسّرّ و العلانية،و أنتم إنّما تريدون بالصّدقة طلب مرضاته.فقد حصل مقصودكم في السّرّ،فما معنى الإبداء،فكأنّهم ندبوا بهذا الكلام إلى الإخفاء،ليكون أبعد من الرّياء.(7:81)
نحوه ملخّصا النّيسابوريّ(3:62)،و البروسويّ(1:
433).
البيضاويّ: ترغيب في الإسرار.(1:140)
نحوه الشّربينيّ(1:181)،و أبو السّعود(1:314)، و الكاشانيّ(1:277)،و القاسميّ(3:686).
أبو حيّان :ختم اللّه بهذه الصّفة،لأنّها تدلّ على العلم بما لطف من الأشياء و خفي،فناسب الإخفاء ختمها بالصّفة المتعلّقة بما خفي،و اللّه أعلم.(2:326)
الآلوسيّ: عالم لا يخفى عليه شيء،فيجازيكم على ذلك كلّه.ففي الجملة ترغيب في الإعلان و الإسرار و إن اختلفا في الأفضليّة.و يجوز أن يكون الكلام مساقا للتّرغيب في الثّاني لقربه،و لكون الخبرة بالإبداء ليس فيها كثير مدح.(3:45)
نحوه المراغيّ.(3:46)
رشيد رضا :أي لا تخفى عليه نيّاتكم في الإبداء و الإخفاء،فإنّ الخبير هو العالم بدقائق الأمور.(3:79)
الطّباطبائيّ: و لمّا كان بناء الدّين على الإخلاص، و كان العمل كلّما قرب من الإخلاص كان أقرب من الفضيلة،رجّح سبحانه جانب صدقة السّرّ،فقال:و إن تخفوها و تعطوها الفقراء فهو خير لكم فإنّ كلمة(خير) أفعل التّفضيل،و اللّه تعالى خبير بأعمال عباده،لا يخطئ في تمييز الخير من غيره،و هو قوله تعالى: وَ اللّهُ بِما
ص: 93
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. (2:397)
مكارم الشّيرازيّ: المعنى هو أنّ اللّه عالم بما تنفقون،سواء كان علانية أم سرّا،كما أنّه عالم بنيّاتكم و أغراضكم من إعلان إنفاقكم و من إخفائه.
على كلّ حال إنّ الّذي له تأثير في الإنفاق هو النّيّة الطّاهرة،و الخلوص في العمل للّه وحده،لأنّه هو الّذي يجزي أعمال العبد،و هو عالم بما يخفى و يعلن.
(2:229)
فضل اللّه :هو الخبير بكلّ ما تفيضون ممّا تبدونه و تكتمونه،و هو الّذي يملك الثّواب الّذي يقدّمه لعباده المحسنين،فلتكن النّظرة إلى رضاه،و لتكن الرّغبة في الحصول على موقع القرب عنده،فإنّه غاية الغايات لعباده المؤمنين.(5:112)
3- ..لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. آل عمران:153
الطّبريّ: ذو خبرة و علم،و هو محص ذلك كلّه عليكم.حتّى يجازيكم به:المحسن منكم بإحسانه، و المسيء بإساءته،أو يعفو عنه.(3:482)
الطّوسيّ: فيه تجديد تحذير بأنّه لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد.(3:22)
نحوه الواحديّ(1:506)،و القرطبيّ(4:241).
الطّبرسيّ: فيه ترغيب في الطّاعة،و ترهيب عن المعصية.(1:522)
النّسفيّ: عالم بعملكم،لا يخفى عليه شيء من أعمالكم،و هذا ترغيب في الطّاعة،و ترهيب عن المعصية.
(1:188)
النّيسابوريّ: عالم بجميع أعمالكم و قصودكم و دواعيكم،فيجازيكم بحسب ذلك.(4:96)
نحوه الشّربينيّ(1:256)،و أبو السّعود(2:50)، و البروسويّ(2:111).
أبو حيّان : وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ هذه الجملة تقتضي تهديدا،و خصّ العمل هنا و إن كان تعالى خبيرا بجميع الأحوال من الأعمال و الأقوال و النّيّات،تنبيها على أعمالهم من تولية الأدبار،و المبالغة في الفرار،و هي أعمال تخشى عاقبتها و عقابها.(3:85)
القاسميّ: قادر على مجازاتكم،و فيه أعظم زاجر عن الإقدام على المعصية.ثمّ إنّه تداركهم سبحانه برحمته، و خفّف عنهم ذلك الغمّ،و غيّبه عنهم بالنّعاس الّذي أنزله عليهم أمنا منه.(4:1002)
المراغيّ: [ذكر نحو النّيسابوريّ و النّسفيّ]
(4:103)
رشيد رضا :لا يخفى عليه شيء من دقائقه و أسبابه،و لا من نيّتكم فيه و عاقبته فيكم.و من بلاغة هذه الجملة في هذا الموضع أنّ كلّ واحد من المخاطبين يتذكّر عند سماعها أو تلاوتها،أنّ اللّه تعالى مطّلع على عمله،عالم بنيّته و خواطره،فيحاسب نفسه،فإن كان مقصّرا تاب من ذنبه،و إن كان مشمّرا ازداد نشاطا، خوف الوقوع في التّقصير،و أن يراه اللّه حيث لا يرضى.(4:185)
مكارم الشّيرازيّ: وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فهو يعرف جيّدا من ثبت منكم و أطاع،و كان مجاهدا
ص: 94
واقعيّا،و من هرب و عصى،و على ذلك فليس لأحد أن يخدع نفسه،فيدّعي خلاف ما صدر منه في تلك الحادثة، فإذا كنتم من الفريق الأوّل بحقّ و صدق فاشكروه سبحانه،و إن لم تكونوا كذلك فتوبوا إليه و استغفروه من ذنوبكم.(2:570)
4- وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لِلّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. آل عمران:180
الطّبريّ: ذو خبرة و علم،محيط بذلك كلّه،حتّى يجازي كلاّ منهم على قدر استحقاقه،المحسن بالإحسان، و المسيء على ما يرى تعالى ذكره.(3:535)
الواحديّ: وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ من منعهم الحقوق،فيجازيهم عليه.(4:527)
نحوه الشّربينيّ(1:269)،و الكاشانيّ(1:373)، و شبّر(1:406)،و القاسميّ(4:1050)،و فضل اللّه(6:
414).
الطّبرسيّ: هذا تأكيد للوعد و الوعيد في إنفاق المال،لإحراز الثّواب و الأجر و السّلامة من الإثم و الوزر.
(1:546)
أبو السّعود :(خبير)فيجازيكم على ذلك.
و إظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتربية المهابة،و الالتفات للمبالغة في الوعيد،و الإشعار باشتداد غضب الرّحمن،النّاشئ من ذكر قبائحهم.
و قرئ (يعملون) بالياء على الظّاهر.(2:73)
نحوه الآلوسيّ.(4:140)
رشيد رضا :أي لا يخفى عليه شيء من دقائق عملكم و لا ممّا تنطوي عليه الصّدور من الهوى فيه و النّيّة في إتيانه،فيجزي كلّ عامل بما عمل على حسب تأثير عمله في نفسه.(4:261)
نحوه المراغيّ.(4:147)
مكارم الشّيرازيّ: أي أنّه عليم بأعمالكم،يعلم إذا بخلتم،كما يعلم إذا أنفقتم ما أوتيتموه من المال في السّبيل الصّالح العامّ،و خدمة المجتمع الإنسانيّ،و يجازي كلاّ على عمله بما يليق.(3:24)
5- ..وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. المائدة:8
أبو حيّان :لمّا كان الشّنئان محلّه القلب،و هو الحامل على ترك العدل،أمر بالتّقوى،و أتى بصفة(خبير) و معناها عليم،و لكنّها تختصّ بما لطف إدراكه،فناسب هذه الصّفة أن ينبّه بها على الصّفة القلبيّة.(3:440)
رشيد رضا :الخبرة:العلم الدّقيق الّذي يؤيّده الاختبار،أي لا يخفى عليه تعالى شيء من أعمالكم، ظاهرها و باطنها،و لا من نيّاتكم و حيلكم فيها،و هو الحكم العدل القائم بالقسط،فاحذروا أن يجزيكم بالعدل على ترككم العدل،فقد مضت سنّته العادلة في خلقه؛بأنّ جزاء ترك العدل و عدم إقامة القسط في الدّنيا هو ذلّ الأمّة و هوانها و اعتداء غيرها من الأمم على استقلالها، و لجزاء الآخرة أذلّ و أخزى،و أشدّ و أبقى.(6:274)
ص: 95
6- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. التّوبة:16
الفخر الرّازيّ: أي عالم بنيّاتهم و أغراضهم مطّلع عليها،لا يخفى عليه منها شيء،فيجب على الإنسان أن يبالغ في أمر النّيّة و رعاية القلب.(16:6)
مغنيّة:أجل،إنّه خبير عليم،و لكنّه لا يعاقب أحدا على ما يعلم منه،بل على ما تكشّف عنه بفعله و سلوكه.
(4:19)
عبد الكريم الخطيب :و قوله تعالى: وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ تحذير للمؤمنين الّذين في صدورهم شيء من هذه المشاعر،الّتي تقيم بينهم و بين المشركين صلة على حساب دينهم،أو على حساب الجماعة الإسلاميّة و أمنها و سلامتها.(5:716)
7- ..إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. هود:111
8- ..إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ. النّور:30
9- ..إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. النّور:53
10- ..إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ. النّمل:88
هذه مثل ما تقدّمها من الآيات.
11- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. هود:1
ابن عبّاس: (خبير)بمن يعبد و بمن لا يعبد.(181)
خبير بمن يصدّق بنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و بمن يكذّب به.
(الواحديّ 2:563)
الماورديّ: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ فيه وجهان:
أحدهما:من عند حكيم في أفعاله،خبير بمصالح عباده.
الثّاني:حكيم بما أنزل،خبير بمن يتقبّل.(2:456)
الزّمخشريّ: و قوله: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ صفة ثانية،و يجوز أن يكون خبرا بعد خبر،و أن يكون صلة ل(احكمت)و(فصّلت):أي من عنده إحكامها و تفصيلها،و فيه طباق حسن،لأنّ المعنى أحكمها حكيم و فصّلها،أي بيّنها و شرحها(خبير):عالم بكيفيّات الأمور.(2:258)
نحوه الفخر الرّازيّ(17:179)،و البيضاويّ(1:
460)،و النّسفيّ(2:180).
ابن عطيّة: أي ذو خبرة بالأمور أجمع.(3:149)
القرطبيّ: بكلّ كائن و غير كائن.(9:3)
الخازن :يعني بأحوال عباده و ما يصلحهم.
(3:177)
أبو السّعود :صفة ل«الكتاب»وصف بها بعد ما وصف بإحكام آياته و تفصيلها الدّالّين على رتبته من حيث الذّات،إبانة لجلالة شأنه من حيث الإضافة،أو خبر للمبتدإ المذكور أو المحذوف،أو صلة للفعلين.
و في بنائها للمفعول،ثمّ إيراد الفاعل بعنوان الحكمة البالغة،و الإحاطة بجلائلها و دقائقها منكّرا بالتّنكير التّفخيميّ،و ربطهما به لا على النّهج المعهود في إسناد الأفاعيل إلى فواعلها،مع رعاية حسن الطّباق،من الجزالة و الدّلالة على فخامتهما،و كونهما على أكمل ما يكون،ما لا يكتنه كنهه.(3:281)
شبّر:بمصالح خلقه،و يدلّ على أنّ كلامه تعالى
ص: 96
محدث،لأنّ الإحكام و التّفصيل من صفات الأفعال، و كذا صدوره من لدن حكيم لا يصحّ في المحدث،لأنّ القديم يستحيل صدوره عن الغير.(3:195)
الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]
أو خبر ثان للمبتدإ الملفوظ أو المقدّر،أو هو معمول لأحد الفعلين على التّنازع،مع تعلّقه بهما معنى،أي من عنده إحكامها و تفصيلها.و اختار هذا في«الكشف»...
[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]
ففي الآية اللّفّ و النّشر،و أصل الكلام على ما قال الطّيّبيّ:أحكم آياته الحكيم و فصّلها الخبير،ثمّ عدل عنه إلى أحكمت حكيم و فصّلت خبير،على حدّ قوله تعالى:
يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ* رِجالٌ النّور:36، 37،على قراءة البناء للمفعول.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]
ثمّ إلى ما في النّظم الجليل،لما في الكناية من الحسن مع إفادة التّعظيم البالغ،الّذي لا يصل إلى كنهه وصف الواصف،لا سيّما و قد جيء بالاسمين الجليلين منكّرين بالتّنكير التّفخيميّ.(11:205)
ابن عاشور :أي من عند الموصوف بإبداع الصّنع لحكمته،و إيضاح التّبيين لقوّة علمه.و الخبير:العالم بخفايا الأشياء.و كلّما كثرت الأشياء كانت الإحاطة بها أعزّ.
فالحكيم مقابل ل(احكمت)و الخبير مقابل ل(فصّلت) و هما و إن كانا متعلّق العلم و متعلّق القدرة؛إذ القدرة لا تجري إلاّ على وفق العلم،إلاّ أنّه روعي في المقابلة الفعل الّذي هو أثر إحدى الصّفتين،أشدّ تبادرا فيه للنّاس من الآخر،و هذا من بليغ المزاوجة.(11:200)
12- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. الحجّ:63
ابن عبّاس: بمكانه.[النّبات](283)
(خبير)بما في قلوبهم من القنوط.
(الفخر الرّازيّ 23:62)
نحوه الطّبرسيّ.(4:49)
بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر.(القرطبيّ 12:92)
نحوه الواحديّ(3:278)،و ابن الجوزيّ(5:447).
الكلبيّ: بأعمال خلقه.(الفخر الرّازيّ 23:62)
مقاتل:بكيفيّة خلقه.[النّبت]
(الفخر الرّازيّ 23:62)
الطّبريّ: بما يحدث عن ذلك النّبت من الحبّ و به.(9:184)
أبو حيّان :[نحو الطّبريّ و أضاف:]
و قيل:خبير بلطيف التّدبير،خبير بالصّنع الكثير.(6:387)
الطّوسيّ: بما يحدث عنه و ما يصلح له.(7:336)
الزّمخشريّ: بمصالح الخلق و منافعهم.(3:21)
الفخر الرّازيّ: إنّه عالم بمقادير مصالحهم،فيفعل على قدر ذلك من دون زيادة و نقصان.(23:62)
نحوه الآلوسيّ.(17:193)
البيضاويّ: بالتّدابير الظّاهرة و الباطنة.(2:98)
نحوه أبو السّعود(4:394)،و الكاشاني(3:389)، و البروسويّ(6:56)،و شبّر(4:255).
القرطبيّ: قيل:...(خبير)بحاجتهم
ص: 97
وفاقتهم.(12:92)
الشّربينيّ: أي بمصالح الخلق و منافعهم،فإنّه مطّلع على السّرائر و إن دقّت،فلا يستبعد عليه إحياء من أراد بعد موته.(2:564)
فضل اللّه :بعباده في ما يخلقه لهم من أسباب الرّزق بما يحتاجون إليه من عناصر القوّة لامتداد حياتهم.
(16:111)
و جاء بهذا المعنى في الآيات التّالية:
13- ..وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. الحديد:10
14- ..ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. المجادلة:3
15- ..وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. المجادلة:11
16- ..وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. المجادلة:13
17- ..إِذا جاءَ أَجَلُها وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.
المنافقون:11
18- ..فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. التّغابن:8
19- يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. لقمان:16
ابن عبّاس: بمكانها.(345)
مثله أبو العالية(النّحّاس 5:287)،و زيد بن عليّ (321)،و الرّبيع(الماورديّ 4:338)،و الطّبريّ(10:
213)،و الزّجّاج(4:197)،و الثّعلبي(7:314)، و الواحديّ(3:443).
الحسن :معنى الآية هو الإحاطة بالأشياء صغيرها و كبيرها.(الشّربينيّ(3:188)
قتادة :بمستقرّها.(الطّبريّ 10:213)
الطّوسيّ: و الخبير:العالم،و فيه مبالغة في الصّفة، مشتقّ من الخبر.و لم يزل اللّه خبيرا عالما بوجوه ما يصحّ أن يخبر به.(8:279)
ابن عطيّة: صفتان لائقتان بإظهار غرائب القدرة.
(4:350)
الشّربينيّ: أي عالم ببواطن الأمور فيعلم مستقرّها.روي في بعض الكتب أنّ هذه آخر كلمة تكلّم بها لقمان،فانشقّت مرارته من هيبتها،فمات.(3:188)
أبو السّعود :(لطيف)يصل علمه إلى كلّ خفيّ (خبير)بكنهه.(5:190)
مثله الآلوسيّ(21:89)،و نحوه الطّباطبائيّ(16:
218).
البروسويّ: [نحو أبي السّعود ثمّ قال:]
قال في شرح حزب البحر:الخبير هو العليم بدقائق الأمور الّتي لا يتوصّل إليها غيره إلاّ بالاختيار و الاحتيال.(7:82)
الآلوسيّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]
و نقل الآمديّ أنّه العالم بالخفيّات،و أنت تعلم أنّه المعنى المشهور للخبير،و فسّره بعضهم بالمخبر،و لا يناسب المقام،كتفسير«اللّطيف»بما لا تدركه الحاسّة.(17:193)
ص: 98
ابن عاشور: و جملة: إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يجوز أن يكون من كلام لقمان،فهي كالمقصد من المقدّمة،أو كالنّتيجة من الدّليل.و لذلك فصلت و لم تعطف،لأنّ النّتيجة كبدل الاشتمال يشتمل عليها القياس،و لذلك جيء بالنّتيجة كلّيّة بعد الاستدلال بجزئيّة.
و إنّما لم نجعلها تعليلا،لأنّ مقام تعليم لقمان ابنه يقتضي أنّ الابن جاهل بهذه الحقائق،و شرط التّعليل أن يكون مسلّما معلوما قبل العلم بالمعلّل،ليصحّ الاستدلال به.و يجوز أن تكون معترضة بين كلام لقمان تعليما من اللّه للمسلمين.
و اللّطيف:من يعلم دقائق الأشياء و يسلك في إيصالها إلى من تصلح به مسلك الرّفق،فهو وصف مؤذن بالعلم و القدرة الكاملين،أي يعلم و يقدر و ينفذ قدرته.
و تقدّم في قوله: وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ في سورة الأنعام:
103،ففي تعقيب يَأْتِ بِهَا اللّهُ بوصفه ب«اللّطيف»، إيماء إلى أن التّمكّن منها و امتلاكها بكيفيّة دقيقة تناسب فلق الصّخرة و استخراج الخردلة منها،مع سلامتها و سلامة ما اتّصل بهما من اختلال نظام صنعه.و هنا قد استوفى أصول الاعتقاد الصّحيح.و جملة: إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ لقمان:16،يجوز أن تكون من كلام لقمان،و أن تكون معترضة من كلام اللّه تعالى.(21:108)
جوادي آملىّ:لا شيء يحجب علم اللّه و يحول دونه،و ما يحجب غيره لا يحجبه.و قد قسّم الحجاب هنا أربعة أقسام:
الأوّل:الضّآلة و النّزارة الّتي تمنع الإنسان من رؤيتها،فالذّرّة لا ترى لدقّتها،أو النّغمة الضّعيفة لا يسمع صوتها لخفوتها.فالضّعف و الضّآلة و النّزارة تحول دون الرّؤية أو الإحساس بشيء.
الثّاني:السّتر و الحجاب،فهو يحول دون رؤية المستور؛إذ لا يرى ما كان خلف السّتار أو الجدار.
الثّالث:البعد،فلا يرى ما كان بعيدا،و إن لم يكن ضئيلا أو مستورا؛إذ لا ترى النّجوم البعيدة جدّا في السّماء.فالبعد حجاب يحول دون رؤية الأشياء البعيدة جدّا،و كذلك النّغمة،لا تسمع من بعيد.
الرّابع:الظّلمة،فهي تمنع الرّؤية،و لا تدع الإنسان يرى الأشياء.
و على ذلك لا يمكن رؤية الشّيء إذا كان صغيرا جدّا، أو بعيدا،أو مستورا،أو مخبوء في ظلمة،لأنّ النّزارة، و السّتر،و البعد،و الظّلمة تحول دون الرّؤية.
و لكنّ لقمان الحكيم قال:إنّ هذه الأمور لا تحجب رؤية اللّه أو تحول دون علمه.فقال يخاطب ابنه:يا بنيّ! إنّ ما تتّصف به من خصال،و تتحلّى به من خلال،و تجهر به من فعال،أو ما أضمرته في البال،و عقدت عليه الآمال،و كان ذلك مثقال حبّة من خردل،فتكن في صخرة صمّاء،أو في أرض أو سماء،يعلم بها اللّطيف الخبير،و يبصر بها العليم البصير!
(التّفسير الموضوعيّ 1:164)
20- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَ أَنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. لقمان:29
الآلوسيّ: عطف على قوله: أَنَّ اللّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ...
ص: 99
داخل معه في حيّز الرّؤية على تقديري خصوص الخطاب و عمومه،فإنّ من شاهد مثل ذلك الصّنع الرّائق و التّدبير اللاّئق،لا يكاد يغفل عن كون صانعه عزّ و جلّ محيطا بجلائل أعماله و دقائقها.(21:103)
ابن عاشور : أَنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ عطف على أَنَّ اللّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ فهو داخل في الاستفهام الإنكاريّ بتنزيل العالم منزلة غيره،لعدم جريه على موجب العلم،فهم يعلمون أنّ اللّه خبير بما يعملون،و لا يجرون على ما يقتضيه هذا العلم في شيء من أحوالهم.(21:126)
الطّباطبائيّ: [ذكر نحو الآلوسيّ ثمّ قال:]
و فيه أنّ استنتاج العلم بالأعمال من العلم بالنّظام الجاري في اللّيل و النّهار و الشّمس و القمر،و إن صحّ في نفسه،فهو علم حدسيّ لا مصحّح لتسميتها رؤية،و هو ظاهر.
و لعلّ المراد من مشاهدة خبرته تعالى بالأعمال،أنّ الإنسان لو أمعن في النّظام الجاري في أعمال نفسه بما أنّها صادرة عن العالم الإنسانيّ،موزّعة من جهة إلى الأعمال الصّادرة عن القوى الظّاهرة من سمع و بصر و شمّ و ذوق و لمس،و الصّادرة عن القوى الباطنة المدركة أو الفعّالة، أو من جهة إلى بعض القوى و الأدوات أو كلّها،و من جهة إلى جاذبة و دافعة،و من جهة إلى سنيّ العمر من طفوليّة و رهاق و شباب و شيب إلى غير ذلك.ثمّ في ارتباط بعضها ببعض،و استخدام بعضها لبعض،و اهتداء النّفس إلى وضع كلّ في موضعه الّذي يليق به،و حركته بهذه القافلة من القوى و الأعمال،نحو غايتها من الكمال، و سعادتها في المال و تورّطها في ورطات عالم المادّة و موطن الزّينة و الفتنة،فمن ناج أو هالك.
فإذا أمعن في هذا النّظام المحيّر للأحلام،لم يرتب أنّه تقدير قدّره ربّه،و نظام نظّمه صانعه العليم القدير، و مشاهدة هذا النّظام العلميّ العجيب،مشاهدة أنّه بما يعملون خبير،و اللّه العالم.(16:235)
نحوه ملخّصا مكارم الشّيرازيّ.(13:63)
21- إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.
لقمان:34
الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:عليم بالغيب خبير بالنّيّة.الثّاني:عليم بالأعمال،خبير بالجزاء.
(4:350)
الشّربينيّ: أي يعلم خبايا الأمور و خفايا الصّدور، كما يعلم ظواهرها و جلاياها،كلّ عنده على حدّ سواء، فهو الحكيم في ذاته و صفاته،و لذلك أخفى هذه المفاتيح عن عباده،لأنّه لو أطلعهم عليها لفات كثير من الحكم باختلال هذا النّظام على ما فيه من الأحكام،فقد انطبق آخر السّورة بإثبات العلم و الخبر-مع تقرير أمر السّاعة الّتي هي مفتاح الدّار الآخرة-على أوّلها،المخبر بحكمة صفته الّتي من علمها حقّ علمها،و تخلّق بما دعت إليه و حضّت عليه-لا سيّما الإيقان بالآخرة-كان حكيما.
فسبحان من هذا كلامه،و تعالى كبريائه،و عزّ مرامه.(3:201)
ص: 100
الآلوسيّ: يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها،فالجمع بين الوصفين للإشارة إلى التّسوية،بين علم الظّاهر و الباطن عنده عزّ و جلّ و الجملة-على ما قيل-في موضع التّعليل لعلمه سبحانه بما ذكر.و قيل:جواب سؤال نشأ من نفي دراية الأنفس ما ذا تكسب غدا،و بأيّ أرض تموت،كأنّه قيل:فمن يعلم ذلك؟فقيل: إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ و هو جواب بأنّ اللّه تعالى يعلم ذلك و زيادة.
و لا يخفى أنّه إذا كانت هذه الجملة من تتمّة الجملتين اللّتين قبلها،كانت دلالة الكلام-على انحصار العلم بالأمرين اللّذين نفى العلم بهما عن كلّ نفس-ظاهرة جدّا،فتأمّل ذاك،و اللّه عزّ و جلّ يتولّى هداك.
(21:113)
ابن عاشور :و جملة: إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ مستأنفة ابتدائيّة،واقعة موقع النّتيجة،لما تضمّنه الكلام السّابق،من إبطال شبهة المشركين بقوله تعالى: إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا لقمان:33، كموقع قوله في قصّة لقمان:16، إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ عقب قوله: إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ....
و المعنى:أنّ اللّه عليم بمدى وعده،خبير بأحوالكم ممّا جمعه قوله: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً إلخ؛ و لذا جمع بين الصّفتين:صفة عَلِيمٌ و صفة خَبِيرٌ، لأنّ الثّانية أخصّ.(21:137)
22- ..وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ. فاطر:14
لاحظ ن ب أ:«ينبّئك».
23- ..إِنَّ اللّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ. فاطر:31
ابن عبّاس: بمن يؤمن و من لا يؤمن.(367)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّ اللّه بعباده لذو علم و خبرة بما يعملون،بصير بما يصلحهم من التّدبير.
(10:411)
الطّوسيّ: (لخبير)أي عالم بهم.(بصير)بأحوالهم، لا يخفى عليه شيء منها،فيجازيهم على استعمال الحقّ بالثّواب،و على استعمال الباطل بالنّار.(8:429)
الزّمخشريّ: يعني أنّه خبّرك و أبصر أحوالك، فرآك أهلا،لأن يوحي إليك،مثل هذا الكتاب المعجز الّذي هو عيار على سائر الكتب.(3:308)
الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:
أحدهما:أنّه تقرير لكونه هو الحقّ،لأنّه وحي من اللّه،و اللّه خبير عالم بالبواطن،بصير عالم بالظّواهر،فلا يكون باطلا في وحيه،لا في الباطن و لا في الظّاهر.
و ثانيهما:أن يكون جوابا لما كانوا يقولونه:إنّه لم لم ينزل على رجل عظيم؟فيقال:إنّ اللّه بعباده لخبير يعلم بواطنهم،و بصير يرى ظواهرهم،فاختار محمّدا عليه السّلام و لم يختر غيره،فهو أصلح من الكلّ.(26:24)
البيضاويّ: عالم بالبواطن و الظّواهر،فلو كان في أحوالك ما ينافي النّبوّة لم يوح إليك،مثل هذا الكتاب المعجز الّذي هو عيار على سائر الكتب.و تقديم الخبر للدّلالة على أنّ العمدة في ذلك الأمور الرّوحانيّة.
(2:272)
النّيسابوريّ: تقرير لكونه حقّا،لأنّ الّذي يكون عالما بالبواطن و الظّواهر لم يمكن أن يكون في كلامه شوب باطل.و فيه لم يختر محمّدا للرّسالة جزافا و على
ص: 101
سبيل الاتّفاق،و لكنّه أعلم حيث يجعل رسالته.
(22:79)
أبو حيّان :عالم بدقائق الأشياء و بواطنها،بصير بما ظهر منها،و حيث أهّلك لوحيه و اختارك برسالته و كتابه،اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته.(7:313)
الآلوسيّ: محيط ببواطن أمورهم و ظواهرها،فلو كان في أحوالك ما ينافي النّبوّة،لم يوح إليك مثل هذا الحقّ المعجز الّذي هو عيار على سائر الكتب،و تقديم(الخبير) للتّنبيه على أنّ العمدة هي الأمور الرّوحانيّة،و إلى ذلك أشار صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:«إنّ اللّه لا ينظر إلى أعمالكم و إنّما ينظر إلى قلوبكم».(22:194)
مكارم الشّيرازيّ: ما الفرق بين الخبير و البصير؟
البعض قالوا:«الخبير»العالم بالبواطن،و«البصير» العالم بالظّواهر.
و البعض الآخر قالوا:«الخبير»إشارة إلى أصل خلق الإنسان،و«البصير»إشارة إلى أعماله و أفعاله.
و طبيعيّ أنّ التّفسير الأوّل يبدو أنسب،و إن كان شمول الآية لكلا المعنيين ليس مستبعدا.(14:81)
24- وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ. الشّورى:27
النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث عن جبرئيل عن ربّه أنّه قال:]
إنّي أدبّر عبادي لعلمي بقلوبهم،إنّي عليم خبير.(الثّعلبيّ 8:318)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّ اللّه بما يصلح عباده و يفسدهم،من غنى و فقر وسعة و إقتار و غير ذلك من مصالحهم و مضارّهم،ذو خبرة و علم.
(بصير)بتدبيرهم و صرفهم فيما فيه صلاحهم.
(11:149)
و نحوه أكثر التّفاسير.
ابن عاشور :قوله: إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ و هي جملة واقعة موقع التّعليل للّتي قبلها.[إلى أن قال:]
و الجمع بين وصفي(خبير)و(بصير)،لأنّ وصف (خبير)دالّ على العلم بمصالح العباد و أحوالهم قبل تقديرها و تقدير أسبابها،أي العلم بما سيكون.و وصف (بصير)دالّ على العلم المتعلّق بأحوالهم الّتي حصلت، و فرق بين التّعلّقين للعلم الإلهي.(25:156)
مغنيّة:يعلم من يعيش على حساب المعدمين، و من يعيش بكدّ اليمين،و أعدّ للأوّل الخزي و العذاب، و للثّاني الكرامة و الثّواب.(6:525)
25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.
الحشر:18
الطّباطبائيّ: تعليل له،و تعليل هذه التّقوى بكونه تعالى خبيرا بالأعمال،يعطي أنّ المراد بهذه التّقوى المأمور بها ثانيا؛هي التّقوى في مقام المحاسبة،و النّظر فيها من حيث إصلاحها و إخلاصها للّه سبحانه،و حفظها عمّا يفسدها.(19:219)
لاحظ ع م ل:«عمل»،و و ق ي:«وقى».
ص: 102
26- إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ. العاديات:11
الفرّاء: و هي في قراءة عبد اللّه (بأنّه يومئذ بهم خبير) .(3:286)
الزّجّاج: اللّه عزّ و جلّ خبير بهم في ذلك اليوم و في غيره،و لكنّ المعنى إنّ اللّه يجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم،و ليس يجازيهم إلاّ بعلمه أعمالهم،و مثله أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ النّساء:63،فمعناه أولئك الّذين لا يترك مجازاتهم.(5:354)
نحوه الشّوكانيّ.(5:598)
الثّعلبيّ: و القراءة بكسر الألف[إنّ]لأجل (اللاّم)،و لولاها لكانت مفتوحة بوقوع العلم عليها.
و بلغني أنّ الحجّاج بن يوسف قرأ على المنبر هذه السّورة، يحضّ النّاس على الغزو،فجرى على لسانه«انّ ربّهم» بفتح الألف،ثمّ استدركها من جهة العربيّة،فقال:«خبير» و أسقط اللاّم.(10:273)
القيسيّ: العامل في(اذا)عند المبرّد(بعثر)،و لا يعمل فيه عنده(يعلم)و لا(خبير)،لأنّ الإنسان لا يراد منه العلم و الاعتبار ذلك الوقت،إنّما الاعتبار في الدّنيا، و لا يعمل ما بعد(انّ)فيما قبلها.لو قلت:يوم الجمعة إنّ زيدا لقائم،لم يجز إلاّ على كلامين.و إضمار عامل ل(يوم)، كأنّك قلت:اذكر يوم الجمعة،ثمّ قلت:إنّ زيدا لقائم،فلا يعمل فيه(قائم)البتّة.
فأمّا(يومئذ)الثّاني فالعامل فيه(خبير).و جاز أن يعمل ما بعد اللاّم فيما قبلها،لأنّ التّقدير في«اللاّم»أن تكون في الابتداء،و إنّما دخلت في الخبر لدخول(انّ)على الابتداء،فعمل الخبر فيما قبله،و إن كان فيه«لام»على أصل حكم اللاّم في التّقدير قبل الابتداء.(2:494)
نحوه أبو البركات(2:529)و القرطبيّ(20:163).
الماورديّ: أي عالم،و يحتمل وجهين:
أحدهما:لخبير بما في نفوسهم.
الثّاني:لخبير بما تؤول إليه أمورهم.(6:326)
الطّبرسيّ: [نقل كلام الزّجّاج ثمّ قال:]
و في هذا إشارة إلى الزّجر و الوعيد،فإنّ الإنسان متى علم أنّ خالقه يرى جميع أعماله،و يعلم سائر أفعاله و يحقّق ذلك،لا بدّ أن ينزجر عن المعاصي.(5:530)
ابن الجوزيّ: فإن قيل:أ ليس اللّه خبيرا بهم في كلّ حال،فلم خصّ ذلك اليوم؟
فالجواب:أنّ المعنى أنّه يجازيهم على أفعالهم يومئذ، و مثله أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ النّساء:
63،و معناه يجازيهم على ذلك،و مثله يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ المؤمن:16.(9:212)
نحوه الرّازيّ(381)،و النّسفيّ(4:373)، و الشّربينيّ(4:578).
الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ فيه سؤالات:
الأوّل:أنّه يوهم أنّ علمه بهم في ذلك اليوم إنّما حصل بسبب الخبرة؛و ذلك يقتضي سبق الجهل،و هو على اللّه تعالى محال.
و الجواب من وجهين:
أحدهما:كأنّه تعالى يقول:إنّ من لم يكن عالما،فإنّه يصير بسبب الاختبار عالما،فمن كان لم يزل عالما [فحريّ]أن يكون خبيرا بأحوالك.
و ثانيهما:أنّ فائدة تخصيص ذلك الوقت في قوله:
ص: 103
(يومئذ)،مع كونه عالما لم يزل أنّه وقت الجزاء،و تقريره لمن الملك كأنّه يقول:لا حاكم يروج حكمه،و لا عالم تروج فتواه يومئذ إلاّ هو،و كم عالم لا يعرف الجواب وقت الواقعة،ثمّ يتذكّره بعد ذلك،فكأنّه تعالى يقول:
لست كذلك.[إلى أن قال:]
و اعلم أنّه بقي من مباحث هذه الآية مسألتان:
المسألة الأولى:هذه الآية تدلّ على كونه تعالى عالما بالجزئيّات الزّمانيّات،لأنّه تعالى نصّ على كونه عالما بكيفيّة أحوالهم في ذلك اليوم،فيكون منكره كافرا.
المسألة الثّانية:نقل أنّ الحجّاج سبق على لسانه(أنّ) بالنّصب،فأسقط اللاّم من قوله:(لخبير)حتّى لا يكون الكلام لحنا،و هذا يذكر في تقرير فصاحته،فزعم بعض المشايخ أنّ هذا كفر،لأنّه قصد لتغيير المنزل.و نقل عن أبي السّمال أنّه قرأ على هذا الوجه.و اللّه سبحانه و تعالى أعلم.و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه و سلّم.(32:69)
نحوه النّيسابوريّ(30:162)،و أبو السّعود(6:
462)،و البروسويّ(10:499).
أبو حيّان :و قرأ الجمهور(انّ)بكسر الهمزة(لخبير) باللاّم،هو استئناف إخبار،و العامل في(بهم)و في(يومئذ) (لخبير).و هو تعالى خبير دائما،لكنّه ضمّن(خبير)معنى مجاز لهم في ذلك اليوم.
و قرأ أبو السّمال و الحجّاج بفتح الهمزة و إسقاط اللاّم.
و يظهر في هذه القراءة تسلّط(يعلم)على(انّ)،لكنّه لا يمكن إعمال(خبير)في(اذا)لكونه في صلة أن المصدريّة،لكنّه لا يمكن أن يقدّر له عامل فيه من معنى الكلام،فإنّه قال:يجزيهم إذا بعثر،و على هذا التّقدير يجوز أن يكون(يعلم)معلّقة عن العمل في قراءة الجمهور،و سدّت مسدّ المعمول في(انّ)،و في خبرها اللاّم ظاهر؛إذ هي في موضع نصب ب(يعلم و إذا العامل فيها من معنى مضمون الجملة،تقديره كما قلنا:يجزيهم إذا بعثر.(8:505)
نحوه السّمين.(6:562)
شبّر:عليم بأحوالهم و أعمالهم فيجازيهم بها،و قيّد ب(يومئذ)مع أنّه عالم دائما،لأنّه يوم المجازاة،و جمع الضّمير نظرا إلى معنى الإنسان،و مفعول(يعلم)ما علم من الجملة،أي إنّا نجازيه يومئذ.(6:442)
الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان إلاّ أنّه قال:]
و قيل:الكلام على تقدير لام التّعليل،و هي متعلّقة ب(حصّل)،كأنّه قيل:و حصّل ما في الصّدور،لأنّ ربّهم بهم يومئذ خبير.و الأوّل أظهر،و اللّه تعالى أعلم و أخبر.(30:220)
ابن عاشور :و الخبير:مكنّى به عن المجازى بالعقاب و الثّواب،بقرينة تقييده ب(يومئذ)،لأنّ علم اللّه بهم حاصل من وقت الحياة الدّنيا.و أمّا الّذي يحصل من علمه بهم يوم بعثرة القبور،فهو العلم الّذي يترتّب عليه الجزاء.
و تقديم(بهم)على عامله و هو(لخبير)للاهتمام به، ليعلموا أنّهم المقصود بذلك.و تقديم المجرور على العامل المقترن بلام الابتداء مع أنّ لها الصّدر سائغ،لتوسّعهم في المجرورات و الظّرف كما تقدّم آنفا.(30:447)
لاحظ:«ي و م:«يوم».
ص: 104
1- وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.
الأنعام:18
ابن عبّاس: (الخبير)بخلقه و بأعمالهم،ثمّ نزلت في مقالتهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ائتنا بشهيد يشهد أنّك نبيّ.(107)
الطّبريّ: (الخبير)بمصالح الأشياء و مضارّها، الّذي لا يخفى عليه عواقب الأمور و بواديها،و لا يقع في تدبيره خلل،و لا يدخل حكمه دخل.(5:161)
الطّوسيّ: معناه أنّه مع قدرته عليهم لا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة،و لا يفعل ما فيه مفسدة أو وجه قبح، لكونه عالما بقبح الأشياء،و بأنّه غنيّ عنها.(4:98)
الواحديّ: و تأويله[الخبير]أنّه العالم بما يصحّ أن يخبر به.و الخبر:علمك بالشّيء،تقول:لي به خبر،أي علم.و أصله من الخبر،لأنّه طريق من طرق العلم.(الفخر الرّازيّ 12:173)
ابن عطيّة: (الحكيم)بمعنى المحكم،و(الخبير) دالّة على مبالغة العلم،و هما وصفان مناسبان لنمط الآية.
(2:275)
الطّبرسيّ: و الخبير:العالم بالشّيء.[و ذكر مثل الواحديّ](2:281)
الفخر الرّازيّ: إشارة إلى كمال العلم.[ثمّ نقل كلام الواحديّ](12:173)
ابن عربيّ: الخبير:الّذي يطّلع على خفايا أحوالهم و استحقاقها،للّطف و القهر.(1:360)
النّيسابوريّ: وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ و هو إشارة إلى كمال القدرة وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ إنّه إشارة إلى كمال العلم،فالحكمة أعمّ من العلم،لأنّها عمل و علم، و كونه خبيرا أخصّ من العلم،لأنّه العلم ببواطن الأمور و خباياها،فإذا اجتمعت هذه المعاني حصل العلم بكماله و غايته.(7:79)
الآلوسيّ: أي العالم بما دقّ من أحوال العباد و خفي من أمورهم،و(اللاّم)هنا و فيما تقدّم للقصر.(7:117)
ابن عاشور :و الخبير:مبالغة في اسم الفاعل من «خبر»المتعدّي،بمعنى علم،يقال:خبر الأمر،إذا علمه و جرّ به.و قد قيل:إنّه مشتقّ من الخبر،لأنّ الشّيء إذا علم أمكن الإخبار به.(6:44)
الطّباطبائيّ: الخبير لا يخطئ و لا يغلط كغيره.
(7:36)
نحوه مكارم الشّيرازيّ.(4:221)
و تمام الكلام في«ح ك م».و بهذا المعنى جاء قوله تعالى ...وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الأنعام:18 و 73.
2- لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. الأنعام:103
لاحظ:ل ط ف:«اللّطيف».
ابن عبّاس: اللّطيف بأوليائه،الخبير بهم.
(الواحديّ 2:308) أبو العالية :اللّطيف باستخراجها،الخبير بمكانها.
(الثّعلبيّ 4:176)
نحوه الطّبريّ.(7:304)
الإمام الرّضا عليه السّلام:و أمّا الخبير فالّذي لا يعزب عنه شيء و لا يفوته شيء،ليس للتّجربة و لا للاعتبار
ص: 105
بالأشياء،فتفيده التّجربة و الاعتبار علما،و لولاهما ما علم،لأنّ من كان كذلك كان جاهلا،و اللّه لم يزل خبيرا بما يخلق،و الخبير من النّاس:المستخبر عن جهل المتعلّم، فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.(الكاشانيّ 2:146)
الماورديّ: فاحتمل وجهين من التّأويل:
أحدهما:لطيف بعباده في الإنعام عليهم،خبير بمصالحهم.
و الثّاني:لطيف في التّدبير،خبير بالحكمة.
(2:153)
الطّوسيّ: و الخبير:هو العالم بالأشياء،المتبيّن لها.
[أي اللّطيف](4:244)
القشيريّ: الخبير:الّذي أحاط علمه بكلّ معلوم.(2:188)
الزّمخشريّ: وَ هُوَ اللَّطِيفُ يلطف عن أن تدركه الأبصار،الخبير بكلّ لطيف،فهو يدرك الأبصار، لا تلطف عن إدراكه،و هذا من باب اللّفّ.(2:41)
نحوه البيضاويّ(1:325)،و النّيسابوريّ(7:
183)،و أبو السّعود(2:424)،و الآلوسيّ(7:248)، و القاسميّ(6:2454).
ابن عطيّة: اللّطيف:المتلطّف في خلقه و اختراعه و إتقانه و بخلقه و عباده،و الخبير:المختبر لباطن أمورهم و ظاهرها.(2:330)
الطّبرسيّ: العليم بكلّ شيء من مصالح عباده فيدبّرهم عليها،و بأفعالهم فيجازيهم عليها.(2:344)
الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]
و هذا وجه حسن.(13:133)
ابن عاشور:و(خبير)صفة مشبّهة من خبر-بضمّ الباء في الماضي،خبرا-بضمّ الخاء و سكون الباء-بمعنى علم و عرف،فالخبير الموصوف بالعلم بالأمور الّتي شأنها أن يخبر عنها علما موافقا للواقع.
و وقوع الخبير بعد اللّطيف على المحمل الأوّل، وقوع صفة أخرى هي أعمّ من مضمون وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ فيكمل التّذييل بذلك،و يكون التّذييل مشتملا على محسّن النّشر بعد اللّفّ،و على المحمل الثّاني موقعه الاحتراس لمعنى اللّطيف،أي هو الرّفيق المحسن،الخبير بمواقع الرّفق و الإحسان و بمستحقّيه.
(6:254)
الطّباطبائيّ: و الخبير:من له الخبرة،فإذا كان تعالى محيطا بكلّ شيء بحقيقة معنى الإحاطة،كان شاهدا على كلّ شيء،لا يفقده ظاهر شيء من الأشياء و لا باطنه،و هو مع ذلك ذو علم و خبرة،كان عالما بظواهر الأشياء و بواطنها،من غير أن يشغله شيء عن شيء،أو يحتجب عنه شيء بشيء،فهو تعالى يدرك البصر[و] المبصر معا،و البصر لا يدرك إلاّ المبصر.(7:292)
3-جاء بهذا المعنى ...وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ
سبأ:1
4- أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. الملك:14
البروسويّ: (اللّطيف):العالم بدقائق الأشياء،يرى أثر النّملة السّوداء على الصّخرة الصّمّاء في اللّيلة الظّلماء.(الخبير):العالم ببواطنها...
فإن قلت:ذكر الخبير بعد اللّطيف تكرار؟
ص: 106
قلت:لا تكرار فيه،فإنّه قال الإمام الغزاليّ رحمه اللّه:إنّما يستحقّ اسم اللّطيف من يعلم دقائق المصالح و غوامضها،و ما دقّ منها و ما لطف،ثمّ يسلك في إيصالها إلى المستصلح على سبيل الرّفق دون العنف،فإذا اجتمع الرّفق في الفعل و اللّطف في الإدراك تمّ معنى اللّطف،و لا يتصوّر كمال ذلك في العلم و الفعل إلاّ اللّه تعالى.و الخبير هو الّذي لا يعزب عنه الأخبار الباطنة،فلا يجري في الملك و الملكوت شيء،و لا تتحرّك ذرّة و لا تسكن،و لا تضطرب نفس و لا تطمئنّ،إلاّ و يكون عنده خبرها، و هو بمعنى العليم،لكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة يسمّى خبرة،و يسمّى صاحبها خبيرا.(10:87)
لاحظ ل ط ف:«لطف»،و ع ل م:«علم».
1- وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً. النّساء:35
ابن عبّاس: (خبيرا)بفعل المرأة و الرّجل.(70)
الطّبريّ: (عليما)بما أراد الحكمان من إصلاح بين الزّوجين و غيره،(خبيرا)بذلك و بغيره من أمورهما و أمور غيرهما،لا يخفى عليه شيء منه،حافظ عليهم، حتّى يجازي كلاّ منهم جزاءه،بالإحسان إحسانا، و بالإساءة غفرانا أو عقابا.(4:80)
نحوه الزّجّاج(2:49)،و الطّوسيّ(3:192)، و أبو حيّان(3:244).
الواحديّ: (خبيرا)بما يكون منهما.(2:48)
الزّمخشريّ: عَلِيماً خَبِيراً يعلم كيف يوفّق بين المختلفين،و يجمع بين المفترقين.(1:526)
نحوه البيضاويّ(1:219)،و الشّربينيّ(1:301)، و أبو السّعود(2:134)،و الكاشانيّ(1:415).
الطّبرسيّ: عَلِيماً بما يريد الحكمان من الإصلاح و الإفساد.(خبيرا)بما فيه مصالحكم و منافعكم.(2:45)
النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف]...و فيه و عيد.(5:39)
البروسويّ: بمآلهما،فقدّر لكلّ واحد منهما بما عليهما و بما لهما،كذا في«تأويلات»الشّيخ العارف نجم الدّين الكبريّ قدّس سرّه.و قد عرف منه أنّ التّهاجر و المخالفة تقع بين الكاملين كما بين عوامّ المؤمنين،و لا يمنع اختلافهم الصّوريّ اتّفاقهم المعنويّ،و قد اقتضت الحكمة الإلهيّة ذلك،فلمثل هذا سرّ لا يعرفه عقول العامّة.
(2:205)
2- ..فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً. النّساء:135
الطّوسيّ: معناه أنّه كان عالما بما يكون منهم من إقامة الشّهادة،و تحريفها،و الإعراض عنها.(3:356)
نحوه الطّبرسيّ.(2:124)
مكارم الشّيرازيّ: و الطّريف أنّ الآية اختتمت بكلمة(خبيرا)،و لم تختتم بكلمة(عليما)،لأنّ كلمة «خبير»تطلق بحسب العادة على من يكون مطّلعا على جزئيّات و دقائق موضوع معيّن.و في هذا دلالة على أنّ
ص: 107
اللّه يعلم حتّى أدنى انحراف يقوم به الإنسان عن مسير الحقّ و العدل،بأيّ عذر أو وسيلة كان،و هو يعلم كلّ موطن يتعمّد فيه إظهار الباطل حقّا،و يجازي على هذا العمل.(3:430)
3- ..وَ كَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً.
الإسراء:17
ابن عبّاس: بهلاكهم و إن لم نبيّن لك،و تعلم ذنوبهم و عذابهم.(235)
نحوه الطّبريّ(8:54)،و الزّمخشريّ(2:443)، و الطّبرسيّ(3:407).
الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى عالم بجميع المعلومات،راء لجميع المرئيات،فلا يخفى عليه شيء من أحوال الخلق.
و ثبت أنّه قادر على كلّ الممكنات،فكان قادرا على إيصال الجزاء إلى كلّ أحد بقدر استحقاقه،و أيضا أنّه منزّه عن العبث و الظّلم.و مجموع هذه الصّفات الثّلاث، أعني العلم التّامّ،و القدرة الكاملة،و البراءة عن الظّلم بشارة عظيمة لأهل الطّاعة،و خوف عظيم لأهل الكفر و المعصية.(20:177)
البيضاويّ: يدرك بواطنها و ظواهرها فيعاقب عليها،و تقديم«الخبير»لتقدّم متعلّقه.(1:580)
نحوه الشّربينيّ(2:291)،و شبّر(4:13)، و القاسميّ(10:3915)،و المراغيّ(15:26).
أبو السّعود :يحيط بظواهرها و بواطنها فيعاقب عليها،و تقديم«الخبير»لتقدّم متعلّقه من الاعتقادات و النّيّات الّتي هي مبادئ الأعمال الظّاهرة،أو لعمومه حيث يتعلّق بغير المبصرات أيضا.و فيه إشارة إلى أنّ البعث و الأمر و ما يتلوهما من فسقهم،ليس لتحصيل العلم بما صدر عنهم من الذّنوب،فإنّ ذلك حاصل قبل ذلك،و إنّما هو لقطع الأعذار و إلزام الحجّة من كلّ وجه.(4:119)
نحوه البروسويّ.(5:143)
الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]
و تقديم«الخبير»لتقدّم متعلّقه من الاعتقادات و النّيّات الّتي هي مبادئ الأعمال الظّاهرة تقدّما وجوديّا، و قيل:تقدّما رتبيّا،لأنّ العبرة بما في القلب،كما يدلّ عليه «إنّ اللّه تعالى لا ينظر إلى صوركم و أعمالكم،و إنّما ينظر إلى قلوبكم و نيّاتكم»و«إنّما الأعمال بالنّيّات،و نيّة المؤمن خير من عمله»إلى غير ذلك،أو لعمومه من حيث يتعلّق بغير المبصرات أيضا.(15:45)
مكارم الشّيرازيّ: أمّا سبب ذكر كلمتي(خبير) و(بصير)معا،فإنّ ذلك يعود إلى المعنى المراد؛إذ«الخبير» تعني العلم و الإحاطة بالنّيّة و العقيدة،أمّا(بصير)فدالّة على رؤية الأعمال لذلك،فإنّ اللّه تبارك و تعالى يعلم بواطن الأعمال و النّيّات،و يحيط بنفس الأعمال،و مثل هذه القدرة لا يمكنها بحال أن تظلم أحدا،و لا أن يضيع حقّ أحد في ظلّ حكومتها.(8:386)
4-جاء بهذا المعنى ...وَ كَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً الفرقان:58.
5- إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً. الإسراء:30
ص: 108
ابن عبّاس: بالبسط و التّقتير.(236)
الطّبريّ: يقول:إنّ ربّك ذو خبرة بعباده،و من الّذي تصلحه السّعة في الرّزق و تفسده،و من الّذي يصلحه الإقتار و الضّيق و يهلكه.(8:72)
الماورديّ: يحتمل وجهين:
أحدهما:خبيرا بمصالحهم،بصيرا بأمورهم.
و الثّاني:خبيرا بما أضمروا،بصيرا بما عملوا.
(3:239)
الطّوسيّ: أي و هو عالم بأحوالهم،لا يخفى عليه ما يصلحهم و ما يفسدهم،فيفعل معهم بحسب ذلك.
(6:471)
نحوه الطّبرسيّ(3:412)،و شبّر(4:20).
ابن الجوزيّ: حيث أجرى أرزاقهم على ما علم فيه صلاحهم.(5:30)
نحوه الفخر الرّازيّ(20:196)،و البيضاويّ(1:
583)،و النّيسابوريّ(15:31)،و أبو حيّان(6:31)، و الشّربينيّ(2:301)،و أبو السّعود(4:126)، و الآلوسيّ(15:66)،و المراغيّ(15:41).
6- اَلَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً.
الفرقان:59
ابن عبّاس: باللّه عالما.(305)
الخبير:إنّه جبريل.(ابن الجوزيّ 6:98)
سعيد بن جبير: الخبير:هو اللّه تعالى.
(القرطبيّ 13:63)
نحوه مجاهد(ابن الجوزيّ 6:99)،و ابن جريج (الطّبريّ 9:403)،و الكلبيّ(أبو حيّان 6:508).
أبو سليمان:مسلمة أهل الكتاب.
(ابن الجوزيّ 6:99)
شمر:إنّه القرآن.(ابن الجوزيّ 6:99)
الطّوسيّ: أي فاسأل سؤالك إيّاه خبيرا.و قيل:
معناه فاسأل به أيّها الإنسان عارفا،يخبرك بالحقّ في صفته.(7:502)
الطّبرسيّ: و قيل:إنّ الخبير هنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و المعنى ليسأل كلّ منكم عن اللّه تعالى محمّدا،فإنّه الخبير العارف به.(4:176)
ابن عطيّة: فيه تأويلان:
أحدهما:(فسئل)عنه،و خَبِيراً على هذا منصوب،إمّا بوقوع السّؤال عليه،و المعنى،اسأل جبريل و العلماء و أهل الكتب المنزلة.
و الثّاني:أن يكون المعنى كما تقول:لو لقيت فلانا لقيت به البحر كرما،أي لقيت منه.و المعنى فأسال اللّه عن كلّ أمره.و(خبيرا)على هذا منصوب إمّا بوقوع السّؤال،و إمّا على الحال المؤكّدة.(4:216)
أبو البركات: و(خبيرا)منصوب،لأنّه مفعول (اسال)،و هو وصف لموصوف محذوف،و تقديره:فاسأل به إنسانا خبيرا.(2:207)
نحوه النّسفيّ.(3:172)
ابن الجوزيّ: [نقل قول أبي سليمان ثمّ قال:]
و هذا يخرّج على قولهم:لا نعرف الرّحمن،فقيل سلوا مسلمة أهل الكتاب،فإنّ اللّه تعالى خاطب موسى في
ص: 109
التّوراة باسمه الرّحمن،فعلى هذا الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المراد سواه.(6:99)
الشّربينيّ: (خبيرا)أي عالما يخبرك بحقيقته هو اللّه تعالى،و يكون من التّجريد،كقوله:رأيت به أسدا، و المعنى:فاسأل اللّه الخبير بالأشياء.قال الزّمخشريّ:أو فاسأل بسؤاله خبيرا،كقولك:رأيت به أسدا،أي برؤيته، انتهى.
قال الكلبيّ: فقوله:(به)يعود إلى ما ذكر من خلق السّماوات و الأرض و الاستواء على العرش،و(الباء)من صلة الخبير،و ذلك الخبير هو اللّه تعالى،لأنّه لا دليل في العقل على كيفيّة خلق السّماوات و الأرض و الاستواء على العرش،و لا يعلمها أحد إلاّ اللّه تعالى.
و الثّاني:أن تكون الباء بمعنى«عن»إمّا مطلقا و إمّا مع السّؤال خاصّة كهذه الآية...و الضّمير في(به)للّه و(خبيرا)من صفات الملك و هو جبريل عليه السّلام،و إنّما قدّم لرءوس الآي و حسن النّظم.
و قال ابن جرير:(الباء)في(به)صلة،و المعنى فاسأله خبيرا،و(خبيرا)نصب على الحال.و قيل:(به)يجري مجرى القسم،كقوله تعالى: وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ النّساء:1.و قيل:فاسأل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب حتّى تعرف من ينكره...(2:670)
أبو السّعود :(خبيرا)عظيم الشّأن،محيطا بظواهر الأمور و بواطنها،و هو اللّه سبحانك يطلعك على جليّة الأمر.
و قيل:فاسأل به من وجده في الكتب المتقدّمة ليصدّقك فيه،فلا حاجة حينئذ إلى ما ذكرنا.
و قيل:الضّمير ل(الرّحمن)و المعنى إن أنكروا إطلاقه على اللّه تعالى،فاسأل عنه من يخبرك من أهل الكتاب، ليعرفوا مجيء ما يرادفه في كتبهم،و على هذا يجوز أن يكون(الرّحمن)مبتدأ و ما بعده خبرا.(5:22)
الكاشانيّ: و الخبير:هو اللّه سبحانه أو جبرئيل،أو من وجده في الكتب المتقدّمة،ليصدّقك فيه،كذا قيل.
أقول:و يحتمل أن يكون المراد بها الرّسل المتقدّمة، فيكون السّؤال في عالم الأرواح،كقوله تعالى: وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ الزّخرف:45.(4:21)
ابن عاشور :قوله: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً للدّلالة على أنّ في رحمته من العظمة و الشّمول ما لا تفي فيه العبارة،فيعدل عن زيادة التّوصيف إلى الحوالة على عليم بتصاريف رحمته،مجرّب لها متلقّ أحاديثها،ممّن علمها و جرّبها.و تنكير(خبيرا)للدّلالة على العموم،فلا يظنّ خبيرا معيّنا،لأنّ النّكرة إذا تعلّق بها فعل الأمر اقتضت عموما بدليل أيّ خبير سألته أعلمك.
و هذا يجري مجرى المثل،و لعلّه من مبتكرات القرآن،نظير قول العرب:«على الخبير سقطت»يقولها العارف بالشّيء،إذا سئل عنه.و المثلان و إن تساويا في عدد الحروف المنطوق بها،فالمثل القرآنيّ أفصح، لسلامته من ثقل تلاقي القاف و الطّاء و التّاء في «سقطت»،و هو أيضا أشرف لسلامته من معنى السّقوط، و هو أبلغ معنى،لما فيه من عموم كلّ خبير،بخلاف قولهم:
«على الخبير سقطت»لأنّها إنّما يقولها الواحد المعيّن.
و قريب من معنى فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً. [ثمّ استشهد
ص: 110
بشعر]
و(الباء)في(به)بمعنى«عن»،أي فاسأل عنه.[ثمّ استشهد بشعر]
و يجوز أن تكون(الباء)متعلّقة ب(خبيرا)،و تقديم المجرور للرّعي على الفاصلة و للاهتمام،فله سببان.
(19:81)
7- وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً. الأحزاب:2
الطّبريّ: يقول:إنّ اللّه كان بما تعمل به أنت و أصحابك من هذا القرآن،و غير ذلك من أموركم و أمور عباده خبيرا.(10:254)
الزّمخشريّ: إنّ اللّه الّذي يوحي إليك خبير بما تعملون فموح إليك ما يصلح به أعمالكم،فلا حاجة بكم إلى الاستماع من الكفرة.و قرئ (يعملون) بالياء،أي بما يعمل المنافقون من كيدهم لكم و مكرهم بكم.
(3:248)
8- وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً. الأحزاب:34
لاحظ ل ط ف:«لطيفا».
9- ..قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً. الفتح:11
ابن عبّاس: بتخلّفكم عن غزوة الحديبيّة (خبيرا).(432)
نحوه الواحديّ(4:137)،و الطّبرسيّ(5:114).
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:ما الأمر كما يظنّ هؤلاء المنافقون من الأعراب،أنّ اللّه لا يعلم ما هم عليها منطوون من النّفاق،بل لم يزل اللّه بما يعملون من خير و شرّ خبيرا،لا يخفى عليه شيء من أعمال خلقه،سرّها و علانيتها،و هو محصيها عليهم حتّى يجازيهم بها.
(11:340)
الإسكافيّ: قوله تعالى: ...كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً، و قال بعده: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً الفتح:24.للسّائل أن يسأل عن الأولى لما ذا ختمت بقوله:(خبيرا)،و عن الثّانية لما ذا ختمت بقوله:(بصيرا)؟
و الجواب:أن يقال:لأنّ الأولى في ذكر ما أسرّه المنافقون من نفاقهم،لأنّهم أضمروا خلاف ما أظهروا، و طلبوا الاستغفار لهم و لا إرادة فيه منهم،فكأنّه قال:بل كان اللّه يخبر باطنكم.
و الآية الثّانية بعد قوله: كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ أي بما قذف في قلوبهم من الرّعب، وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ الفتح:
24،بأن أمركم أن لا تحاربوهم،فيفعل كلّ ما أراده اللّه منهم،و اللّه أبصر فعلكم،و هذا ظاهر يوصف بأنّ اللّه تعالى يراه،و الّذي في الأولى باطن يوصف بأنّ اللّه تعالى يخبره،فلذلك خصّت الأولى ب«خبير»،و الثّانية ب«بصير».(444)
أبو السّعود :قيل:الخطاب للرّسول عليه الصّلاة
ص: 111
و السّلام،و الجمع للتّعظيم.و قيل:له عليه الصّلاة و السّلام و للمؤمنين.و قيل:للغائبين بطريق الالتفات، و لا يخفى بعده.نعم يجوز أن يكون للكلّ على ضرب من التّغليب،و أيّا ما كان فالجملة تعليل للأمر و تأكيد لموجبه،أمّا على الوجهين الأوّلين فبطريق التّرغيب و التّرهيب،كأنّه قيل:إنّ اللّه خبير بما تعملونه من الامتثال و تركه،فيرتّب على كلّ منهما جزاءه ثوابا و عقابا.
و أمّا على الوجه الأخير فبطريق التّرغيب فقط، كأنّه قيل:إنّ اللّه خبير بما يعمله كلا الفريقين،فيرشدك إلى ما فيه صلاح حالك و انتظام أمرك،و يطلعك على ما يعملونه من المكايد و المفاسد،و يأمرك بما ينبغي لك أن تعمله في دفعها و ردّها،فلا بدّ من اتّباع الوحي و العمل بمقتضاه حتما.(5:209)
مكارم الشّيرازيّ: و أقصى من هذا فهو خبير بأسراركم و نيّاتكم،و هو يعلم جيّدا أنّ هذه الحيل و الحجج الواهية لا صحّة لها و لا واقعيّة.و ما هو الواقع هو شكّكم و تردّدكم و ضعف إيمانكم،و هذه الأعذار لا تخفى على اللّه،و لا تحول دون عقابكم أبدا.
الطّريف هنا أنّه يستفاد من لحن الآيات و من التّواريخ أيضا،أنّ هذه الآيات نزلت خلال عودة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة،أي إنّها قبل مجيء المخلّفين للاعتذار إليه،أماطت اللّثام عنهم،و كشفت السّتار و فضحتهم.(16:409)
1- وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً.
الكهف:68
ابن عبّاس: بيانا.(250)
إنّه كان رجلا يعمل على الغيب.(الثّعلبيّ 6:183)
الطّبريّ: يقول عزّ ذكره مخبرا عن قول العالم لموسى:و كيف تصبر يا موسى على ما ترى منّي من الأفعال الّتي لا علم لك بوجوه صوابها،و تقيم معي عليها، و أنت إنّما تحكم على صواب المصيب و خطإ المخطئ، بالظّاهر الّذي عندك،و بمبلغ علمك،و أفعالي تقع بغير دليل ظاهر لرأي عينك على صوابها،لأنّها تبتدأ لأسباب تحدث آجلة غير عاجلة،لا علم لك بالحادث عنها،لأنّها غيب،و لا تحيط بعلم الغيب خبرا:علما.
(8:256)
نحوه ابن عطيّة.(3:530)
الزّجّاج: و نصب(خبرا)على المصدر،لأنّ معنى لَمْ تُحِطْ بِهِ لم تخبره خبرا.[ثمّ استشهد بشعر و قال:] لأنّ معنى أحطت به في معنى خبرته.(3:302)
نحوه القيسيّ(2:46)،و الطّوسيّ(7:72)، و أبو البركات(2:113)،و العكبريّ(2:855)،و شبّر (4:91).
النّحّاس: أي و كيف تصبر على ما ظاهره خطأ،و لم تخبر بوجه الحكمة فيه؟و الأنبياء لا يقرّون على منكر، و لا يسعهم التّقرير،أي لا يسعك السّكوت جريا على
ص: 112
عادتك و حكمك.(4:268)
الثّعلبيّ: يعني على ما لم تعلم.(6:183)
مثله البغويّ(3:206)،و الخازن(4:181).
الماورديّ: فيه وجهان:
أحدهما:لم تجد له سببا.
الثّاني:لم تعرف له علما،لأنّ الخضر علم أنّ موسى لا يصبر إذا رأى ما ينكر ظاهره.(3:326)
الواحديّ: أي لم تعلمه.و الخبر:علمك بالشّيء، يقول:كيف تصبر على أمر ظاهره منكر،و أنت لا تعلم باطنه.(3:158)
نحوه ابن الجوزيّ.(5:170)
الزّمخشريّ: و(خبرا)تمييز،أي لم يحط به خبرك، أو لأنّ لم تحط به بمعنى لم تخبره،فنصبه نصب المصدر.(2:492)
نحوه البيضاويّ(2:20)،و أبو حيّان(6:148).
ابن عطيّة: ما تراه خطأ،و لم تخبر بوجه الحكمة فيه و لا طريق الصّواب...و قرأ الجمهور (خُبْراً) بسكون الباء،و قرأ الأعرج (خبرا) بضمّها.(3:530)
أبو السّعود :نفى عنه استطاعة الصّبر معه على وجه التّأكيد،كأنّه ممّا لا يصحّ و لا يستقيم،و علّله بقوله:
وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً، إيذانا بأنّه يتولّى أمورا خفيّة المدار منكرة الظّواهر،و الرّجل الصّالح لا سيّما صاحب الشّريعة لا يتمالك أن يشمئزّ عند مشاهدتها.و في صحيح البخاريّ قال:يا موسى إنّي على علم من علم اللّه تعالى علّمنيه لا تعلمه،و أنت على علم من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه.و(خبرا)تمييز،أي لم يحط به خبرك.(4:203)
الآلوسيّ: [قال نحو أبي السّعود و أضاف:]
و نصب(خبرا)على التّمييز المحوّل عن الفاعل، و الأصل:ما لم يحط به خبرك،و هو من«خبر»الثّلاثيّ، من باب:نصر و علم،و معناه:عرف.
و جوّز أن يكون مصدرا و ناصبه(تحط)،لأنّه يلاقيه في المعنى،لأنّ الإحاطة تطلق إطلاقا شائعا على المعرفة، فكأنّه قيل:لم تخبره خبرا.(15:333)
ابن عاشور :و الخبر-بضمّ الخاء و سكون الباء:
العلم،و هو منصوب على أنّه تمييز،لنسبة الإحاطة في قوله: ما لَمْ تُحِطْ بِهِ، أي إحاطة من حيث العلم.
و الإحاطة:مجاز في التّمكّن تشبيها لقوّة تمكّن الاتّصاف بتمكّن الجسم المحيط بما أحاط به.(15:108)
نحوه الطّباطبائيّ.(13:343)
عبد الكريم الخطيب :أي إنّ العلم الّذي معي، هو علم فوق إدراك العقول و تصوّراتها،و إذن فلن يكون مبعث اطمئنان لك؛إذ يرفضه عقلك،و يتأتّى عليه منطقك.و العلم الّذي يفيد صاحبه هو العلم الّذي يحيط به عقله،و تتّسع له مداركه،فينزل عنده منزل القبول و الاطمئنان.فإذا لم يكن كذلك أضرّ و لم ينفع،و أثار في النّفس قلقا،و اضطرابا،و عقد في سماء الفكر سحبا من الشّكوك و الرّيب.(8:653)
ص: 113
مكارم الشّيرازيّ: إنّ هذا الرّجل العالم كان يحيط بأبواب من العلوم الّتي تخصّ أسرار و بواطن الأحداث، و الأعماق الخفيّة في المجريات الظّاهرة،في حين أنّ موسى عليه السّلام لم يكن مأمورا بمعرفة البواطن،و بالتّالي لم يكن يعرف عنها الكثير،و في مثل هذه الموارد يحدث كثيرا أن يكون ظاهر الحوادث يختلف تمام الاختلاف عن باطنها،فقد يكون الظّاهر قبيحا أو غير هادف في حين أنّ الباطن خير و مقدّس و هادف لأقصى غاية.
في مثل هذه الحالة يفقد الشّخص الّذي ينظر إلى الظّاهر صبره و تماسكه،فيقوم بالاعتراض و حتّى بالتّشاجر.
و لكنّ الأستاذ العالم و الخبير بالأسرار بقي ينظر إلى بواطن الأعمال،و استمرّ بعمله ببرود،و لم يعر أيّ أهمّية إلى اعتراضات موسى و صيحاته،بل كان في انتظار الفرصة المناسبة ليكشف عن حقيقة الأمر،إلاّ أنّ التّلميذ كان مستمرّا في الإلحاح،و لكنّه ندم حين توضّحت و انكشفت له الأسرار.(9:283)
لاحظ ص ب ر:«تصبر».
2-و جاء بهذا المعنى: كَذلِكَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً. الكهف:91
1- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ.
النّمل:7
ابن عبّاس: بخبر الطّريق،لأنّه قد كان ضلّ الطّريق.(الماورديّ 4:194)
مثله البيضاويّ(2:170)،و ابن كثير(5:223)، و أبو السّعود(5:70)،و الكاشانيّ(4:58)،و شبّر(4:
413)،و نحوه القاسميّ(13:4658).
الطّبريّ: يعني من النّار.(9:495)
الماورديّ: فيه وجهان:
أحدهما:سأخبركم عنها بعلم،قاله ابن شجرة.
الثّاني:[قول ابن عبّاس](4:194)
الطّوسيّ: يعني بمن يدلّ على الطّريق و يهدينا إليه، لأنّه كان قد ضلّ.(8:76)
نحوه الطّبرسيّ.(4:211)
الواحديّ: عن الطّريق و كان قد تحيّر و ترك الطّريق،فإن لم أجد أحدا يخبرني عن الطّريق آتيكم بشعلة نار.(3:369)
نحوه البغويّ(3:490)،و الميبديّ(7:177).
القشيريّ: فقال[موسى]:امكثوا فإنّي لأجلكم أمضي و أتعرّف أمر هذه النّار،لعليّ آتيكم منها إمّا بقبس أو شعلة،أو بخبر عن قوم نزول عليها،تكون لنا بهم استعانة،و من جهتهم انتفاع.(5:25)
الزّمخشريّ: و الخبر:ما يخبر به عن حال الطّريق، لأنّه كان قد ضلّه.(3:137)
نحوه الفخر الرّازيّ(24:181)،و النّسفيّ(3:
202)،و الخازن(5:110)،و البروسويّ(6:321)، و الآلوسيّ(19:159).
ابن عطيّة: و الخبر الّذي رجاه موسى عليه السّلام هو الإعلام بالطّريق.(4:249)
ص: 114
ابن عربيّ: أي علم بالطّريقة إلى اللّه،و كان حاله أنّه ضلّ الطّريقة إلى اللّه برعاية أغنام القوى البهيميّة، و زوجه النّفس الحيوانيّة.(2:193)
أبو حيّان :أي من موقدها بخبر يدلّ على الطّريق.
(7:54)
الطّباطبائيّ: و سياق الآية يشهد و يؤيّد ما وقع من القصّة في سور أخرى،أنّه كان حينذاك يسير بأهله و قد ضلّ الطّريق،و أصابه و أهله البرد في ليلة داجية، فأبصر نارا من بعيد فأراد أن يذهب إليها،فإن وجد عندها إنسانا استخبره،أو يأخذ قبسا يأتي به إلى أهله، فيوقدوا نارا يصطلون بها.فقال لأهله:امكثوا إنّي أحسست و أبصرت نارا،فالزموا مكانكم سآتيكم منها، أي من عندها بخبر نهتدي به،أو آتيكم بشعلة متناولة من النّار،لعلّكم توقدون بها نارا تصطلون و تستدفئون بها.
و يظهر من السّياق أيضا أنّ النّار إنّما ظهرت له عليه السّلام، و لم يشاهدها غيره،و إلاّ عبّر عنها بالإشارة دون التّنكير.
و لعلّ اختلاف الإتيان بالخبر،و الإتيان بالنّار نوعا هو الموجب لتكرار لفظ الإتيان حيث قال: سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ.... (15:342)
نحوه مكارم الشّيرازيّ(12:18)،و جوادي آمليّ (التّفسير الموضوعيّ 7:250).
المصطفويّ: أي ما فيه علم و اختبار عن حقيقة الحال.(3:11)
عبد الكريم الخطيب :ما يشير إلى أنّ موسى لم يكن على بيّنة من أمر هذه النّار،و هل سيجد عندها أحدا أم لا؟فقد تكون بقيّة نار أشعلها قوم أوّل اللّيل ثمّ ارتحلوا عنها.و لهذا فهو يتردّد فيما سيجيء به إلى أهله منها.فهو إن لم يجد عندها أحدا،فلا أقلّ من أن يجيء بجذوة،أي قطعة من النّار.(10:210)
فضل اللّه :فيمن يجتمع لدى النّار من النّاس،فقد يخبرنا عن الطّريق الّذي نريد أن نسير فيه،أو يعرّفنا ما نصنعه في هذه المرحلة من السّفر.(17:187)
2- قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ... القصص:29
مثل ما قبلها.
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها. الزّلزال:4
النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ الأرض لتخبر يوم القيامة بكلّ عمل عمل على ظهرها»و تلا رسول اللّه: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها حتى بلغ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها قال:«أ تدرون ما أخبارها؟إذا كان يوم القيامة أخبرت بكلّ عمل عمل على ظهرها».
في حديث عن أبي هريرة:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ذكر هذه الآية: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها فقال:«تدري ما أخبارها؟»قال:اللّه و رسوله أعلم.قال:«فإنّ أخبارها أن تشهد على كلّ عبد و أمة بما عمل على ظهرها من شيء،تقول:عمل على ظهري كذا و كذا،أو حملت على ظهري كذا و كذا،يوم كذا لكذا و كذا،فهذه
ص: 115
أخبارها».(الثّعلبيّ 10:264)
ابن مسعود:و تخبر بأنّ أمر الدّنيا قد انقضى،و أنّ أمر الآخرة قد أتى،فيكون ذلك منها جوابا عند سؤالهم، وعيدا للكافر و إنذارا للمؤمن.(الماورديّ 6:319)
الأرض تتكلّم يومئذ،فتقول:أمرني اللّه بهذا.(الطّوسيّ 10:394)
الإمام عليّ عليه السّلام:[في حديث]قال: وَ قالَ الْإِنْسانُ ما لَها... قال:أنا الإنسان و إيّاي تحدّث أخبارها.(الكاشانيّ 5:357)
يحيى بن سلاّم:تحدّث أخبارها بما أخرجت من أثقالها.(القرطبيّ 20:149)
الطّبريّ: يقول:يومئذ تحدّث الأرض أخبارها، و تحديثها:أخبارها،على القول الّذي ذكرناه عن عبد اللّه بن مسعود...و أمّا سعيد بن جبير،فإنّه كان...يقرأ في المغرب مرّة (يومئذ تنبئ أخبارها) و مرّة تُحَدِّثُ أَخْبارَها فكأنّ معنى تحدّث كان عند سعيد:تنبئ، و تنبيئها أخبارها:إخراجها أثقالها من بطنها إلى ظهرها.
و هذا القول قول عندي صحيح المعنى،و تأويل الكلام على هذا المعنى:يومئذ تبيّن الأرض أخبارها بالزّلزلة و الرّجّة،و إخراج الموتى من بطونها إلى ظهورها،بوحي اللّه إليها.(12:660)
مثله الميبديّ(10:578)،و نحوه أبو الفتوح(20:
366).
الثّعلبيّ: قال المفسّرون:تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شرّ،فتقول للمؤمن يوم القيامة:جدّ عليّ و صام و صلّى و اجتهد و أطاع ربّه،فيفرح المؤمن بذلك،و تقول للكافر:شرك عليّ وزنى و سرق و شرب الخمر فيوبّخ بالمشهد،و تشهد عليه الجوارح و الملائكة مع علم اللّه سبحانه به،حتّى يودّ أنّه سيق إلى النّار ممّا يرى من الفضوح.[ثمّ استشهد بروايات،فراجع]
(10:264)
الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:
أحدها:[ما جاء في رواية أبي هريرة]
الثّاني:...[و هو قول يحيى بن سلاّم (1)ثمّ أضاف:] و هذا قول من زعم أنّها زلزلة القيامة.
الثّالث:تحدّث بقيام السّاعة،إذا قال الإنسان:ما لها؟ [ثمّ ذكر قول ابن مسعود](6:319)
عبد الكريم الخطيب :و في التّعبير عن خبء الأرض،و ما تخرجه من بطنها بلفظ«الأخبار»،إشارة أخرى إلى هذه الأسرار المضمرة الّتي كانت مخبوءة في صدر الأرض،قد أعلنت و أصبحت أخبارا يعلمها النّاس جميعا.[و أيّده بحديث النّبيّ السّابق ثمّ قال:]
و على هذا يكون معنى قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها أي تنشر أخبارها،و تظهر أسرارها،و تخرج خبأها.(15:1651)
و تمام الكلام في«ح د ث»و«و ح ي».
1- يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ... التّوبة:94
ص: 116
ابن عبّاس: من أسراركم و نفاقكم.(164)
نحوه الإسكافيّ(203)،و الواحديّ(2:518).
السّدّيّ: أخبرنا،لو خرجتم ما زدتمونا إلاّ خبالا.(296)
الطّبريّ: ...و أعلمنا من أمركم ما قد علمنا به كذبكم.(6:11)
مثله الطّوسي(5:325)،و الطّبرسيّ(3:61)، و شبّر(3:109).
القيسيّ: قوله تعالى: قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ (نبّأ)بمعنى أعلم،و أصله أن يتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل،و يجوز أن يقتصر على واحد،و لا يقتصر به على اثنين دون ثالث،و لذلك لا يجوز أن نقدّر زيادة (من)في قوله: مِنْ أَخْبارِكُمْ لأنّك لو قدّرت زيادتها لصار«نبّأ»قد تعدّى إلى مفعولين دون ثالث،و ذلك لا يجوز،و إنّما تعدّى إلى مفعول واحد،و هو(نا)ثمّ تعدّى بحرف جرّ،و لو أضمرت مفعولا ثالثا لحسن تقدير زيادة «من»على مذهب الأخفش،لأنّه قد أجاز زيادة«من» في الواجب،و يكون التّقدير:قد نبّأنا اللّه أخباركم مشروحة.
(1:370)
القشيريّ: أراد إذا تقوّلوا بما هم فيه كاذبون، و ضلّلوا عمّا كانوا في تخلّفهم به يتّصفون،فأخبروهم أنّا عرّفنا اللّه كذبكم فيما تقولون،و اتّضحت لنا فضائحكم، و تميّز-بما أظهره اللّه لنا-سيّئكم و صالحكم،فإنّ اللّه تعالى لا يخفى عليه شيء من أحوالكم.(3:56)
الرّاغب: أي من أحوالكم الّتي تخبر عنها.(142)
مثله الميبديّ(4:190)،و ابن كثير(3:442).
البغويّ: مِنْ أَخْبارِكُمْ فيما سلف.(2:379)
مثله الخازن.(3:112)
الزّمخشريّ: و قوله: قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ... علّة لانتفاء تصديقهم،لأنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أوحى إلى رسوله الإعلام بأخبارهم و أحوالهم،و ما في ضمائرهم من الشّرّ و الفساد،لم يستقم مع ذلك تصديقهم في معاذيرهم.
(2:208)
نحوه الفخر الرّازيّ(16:163)،و البيضاويّ(1:
428)،و النّسفيّ(2:141)،و أبو حيّان(5:89)، و الشّربينيّ(1:642)،و الكاشانيّ(2:368)، و المشهديّ(4:257)،و أبو السّعود(3:181)، و البروسويّ(3:487)،و القاسميّ(8:3236).
ابن عطيّة: و(نبّأ)في هذه الآية قيل:هي بمعنى عرف،لا تحتاج إلى أكثر من مفعولين،فالضّمير مفعول أوّل،و قوله: مِنْ أَخْبارِكُمْ مفعول ثان على مذهب أبي الحسن في زيادة«من»في الواجب،فالتّقدير:قد نبّأنا اللّه أخباركم،و هو على مذهب سيبويه نعت لمحذوف هو المفعول الثّاني،تقديره:قد نبّأنا اللّه جليّة من أخباركم.
و قيل:(نبّأ)بمعنى أعلم،يحتاج إلى ثلاثة مفاعيل، فالضّمير واحد،و مِنْ أَخْبارِكُمْ ثان حسب ما تقدّم من القولين،و الثّالث محذوف يدلّ الكلام عليه،تقديره:
قد نبّأنا اللّه من أخباركم كذبا أو نحوه.
و حذف هذا المفعول مع الدّلالة عليه جائز بخلاف الاقتصار؛و ذلك أنّ الاقتصار إنّما يجوز إمّا على المفعول الأوّل و يسقط الاثنان،إذ هما الابتداء و الخبر،و إمّا على
ص: 117
الاثنين الأخيرين و يسقط الأوّل،و إمّا أن يقتصر على المفعولين الأوّلين و يسقط الثّالث دون دلالة عليه،فذلك لا يجوز،و يجوز حذفه مع الدّلالة عليه.(3:72)
العكبريّ: قوله تعالى: قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ هذا الفعل قد يتعدّى إلى ثلاثة،أوّلها(نا)و الاثنان الآخران محذوفان،تقديره:أخبارا من أخباركم مثبتة.
و مِنْ أَخْبارِكُمْ تنبيه على المحذوف،و ليست (من)زائدة؛إذ لو كانت زائدة لكانت مفعولا ثانيا، و المفعول الثّالث محذوف،و هو خطأ،لأنّ المفعول الثّاني إذا ذكر في هذا الباب لزم ذكر الثّالث.(2:655)
ابن جزيّ: نعت لمحذوف و هو المفعول الثّاني، تقديره:قد نبّأنا اللّه جملة من أخباركم.(2:83)
السّمين:فيها وجهان:
أحدهما:أنّها المتعدّية إلى مفعولين أوّلهما(نا)، و الثّاني:قوله: مِنْ أَخْبارِكُمْ. و على هذا ففي(من) وجهان:
أحدهما:أنّها غير زائدة،و التّقدير:قد نبّأنا اللّه أخبارا من أخباركم،أو جملة من أخباركم،فهو في الحقيقة صفة للمفعول المحذوف.
و الثّاني:أنّ(من)مزيدة عند الأخفش،لأنّه لا يشترط فيها شيئا،و التّقدير:قد نبّأنا اللّه أخباركم.
الوجه الثّاني من الوجهين الأوّلين:أنّها متعدّية لثلاثة ك«أعلم»،فالأوّل و الثّاني ما تقدّم،و الثّالث محذوف اختصارا للعلم به،و التّقدير:نبّأنا اللّه من أخباركم كذبا و نحوه.[ثمّ ذكر قول العكبريّ و قال:]
إن عنى حذف الاقتصار فمسلّم،و إن عنى حذف الاختصار فممنوع،و قد مرّ بك في هذه المسألة مذاهب النّاس.(3:494)
الآلوسيّ: (نبّأ)عند جمع متعدّية إلى مفعولين:
الأوّل الضّمير،و الثّاني مِنْ أَخْبارِكُمْ، إمّا لأنّه صفة المفعول الثّاني،و التّقدير:جملة من أخباركم،أو لأنّه بمعنى بعض أخباركم،و ليست(من)زائدة على مذهب الأخفش من زيادتها في الإيجاب.
و قال بعضهم:إنّها متعدّية لثلاثة مِنْ أَخْبارِكُمْ سادّ مسدّ مفعولين،لأنّه بمعنى إنكم كذا و كذا،أو المفعول الثّالث محذوف،أي واقعا مثلا.
و تعقّب بأنّ السّدّ المذكور بعيد،و حذف المفعول الثّالث إذا ذكر المفعول الثّاني في هذا الباب خطأ أو ضعيف.و معنى(نبّأنا)على الأوّل عرّفنا كما قيل،و على الثّاني أعلمنا،و قيل:معناه خبّرنا.و(من)بمعنى«عن» و ليس بشيء.
و جمع ضمير المتكلّم في الموضعين للمبالغة في حسم أطماع المنافقين المعتذرين رأسا،ببيان عدم رواج اعتذارهم عند أحد من المؤمنين أصلا،فإنّ تصديق البعض لهم ربّما يطمعهم في تصديق الرّسول عليه الصّلاة و السّلام أيضا،و للإيذان بافتضاحهم بين المؤمنين كافّة.(11:2)
ابن عاشور :تعليل لنفي تصديقهم أي قد نبّأنا اللّه من أخباركم بما يقتضي تكذيبكم،فالإيهام في المفعول الثّاني ل(نبّأنا)السّادّ مسدّ مفعولين،تعويل على أنّ المقام يبيّنه.
و(من)اسم بمعنى بعض،أو هي صفة لمحذوف
ص: 118
تقديره:قد نبّأنا اللّه اليقين من أخباركم.(10:183)
فضل اللّه :بكلّ ما تحدّثتم فيه،و ما اتّفقتم عليه من الكيد للإسلام و المسلمين،ممّا كنتم تظنّون أنّ السّرّ لا يتجاوز أفرادكم.(11:190)
2- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ. محمّد:31
ابن عبّاس: تظهر أسراركم و بغضكم و عداوتكم و مخالفتكم للّه و لرسوله.(430)
الطّبريّ: فنعرف الصّادق منكم من الكاذب.
(11:325)
أبو زرعة:قرأ أبو بكر: (و ليبلونّكم حتّى يعلم المجاهدين...و يبلو اخباركم) بالياء،إخبارا عن اللّه،أي ليبلوكم اللّه.(670)
الماورديّ: وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ يحتمل وجهين:
أحدهما:نختبر أسراركم.
الثّاني:ما تستقبلونه من أفعالكم.(5:305)
نحوه الطّبرسيّ.(5:107)
الطّوسيّ: أي نختبر أخباركم،و نعلم المطيع من العاصي.(9:307)
الواحديّ: أي نظهرها و نكشفها بإباء من يأبى القتال،و لا يصبر على الجهاد.(4:129)
مثله البغويّ(4:218)،و ابن الجوزيّ(7:411)، و الخازن(6:154)،و نحوه الشّوكانيّ(5:50).
الزّمخشريّ: أَخْبارَكُمْ ما يحكى عنكم،و ما يخبر به عن أعمالكم،ليعلم حسنها من قبيحها،لأنّ الخبر على حسب المخبر عنه،إن حسنا فحسن و إن قبيحا فقبيح.(3:538)
نحوه ملخّصا أبو السّعود.(6:93)
الفخر الرّازيّ: و في قوله: حَتّى نَعْلَمَ و قوله:
اَلْمُجاهِدِينَ... و اَلصّابِرِينَ... و قوله: وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ يحتمل وجوها:
أحدها:قوله:(آمنّا)الحجرات:14،لأنّ المنافق وجد منه هذا الخبر،و المؤمن وجد منه ذلك أيضا، و بالجهاد يعلم الصّادق من الكاذب،كما قال تعالى:
أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ الحشر:8.
ثانيها:إخبارهم من عدم التّولية في قوله: وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ الأحزاب:
15،إلى غير ذلك،فالمؤمن وفى بعهده و قاتل مع أصحابه فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ الصّفّ:4، و المنافق كان كالهباء ينزعج بأدنى صيحة.
ثالثها:المؤمن كان له أخبار صادقة مسموعة من النّبيّ عليه السّلام،كقوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ الفتح:27، لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي و إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ الصّافّات:173،و للمنافق أخبار هي أراجيف،كما قال تعالى في حقّهم: وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ الأحزاب:60،فعند تحقّق الإيجاف،يتبيّن الصّدق من الإرجاف.(28:70)
نحوه النّيسابوريّ.(26:33)
البيضاويّ: ما يخبر به عن أعمالكم فيظهر حسنها و قبحها،أو أخبارهم عن إيمانهم و موالاتهم المؤمنين في صدقها و كذبها.(2:397)
ص: 119
الشّربينيّ: أي نخالطها بأن نسلّط عليها من يحرّفها،فيجعل حسنها قبيحا و قبيحها حسنا،ليظهر للنّاس العامل للّه و العامل للشّيطان،فإنّ العامل للّه إذا سمّي قبيحه باسم الحسن،علم أنّ ذلك إحسان من اللّه تعالى إليه،فيستحي منه و يرجع.و إذا سمّي حسنه باسم القبيح و أشهر به،علم أنّ ذلك لطف من اللّه تعالى به، لكي لا يدركه العجب أو يهاجمه الرّياء،فيزيد في إحسانه.و العامل للشّيطان يزداد في القبائح،لأنّ شهرته عند النّاس محطّ نظره و يرجع عن الحسن،لأنّه لم يوصله إلى ما أراد به من ثناء النّاس عليه بالخير.(4:33)
الكاشانيّ: عن إيمانكم و موالاتكم المؤمنين في صدقها و كذبها.(5:3)
البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
ففيه إشارة إلى أنّ بلاء الأخبار كناية عن بلاء الأعمال.(8:521)
شبّر:الّتي تحكي عنكم كدعواكم الإيمان أو أسراركم.(6:34)
الآلوسيّ: فيظهر حسنها و قبيحها،و الكلام كناية عن بلاء أعمالهم،فإنّ الخبر حسنه و قبيحه على حسب المخبر عنه،فإذا تميّز الحسن عن الخبر القبيح فقد تميّز المخبر عنه و هو العمل كذلك،و هذا أبلغ من«نبلو أعمالكم»،و الظّاهر عموم الأخبار.
و جوّز كون المراد بها أخبارهم عن إيمانهم و موالاتهم للمؤمنين،على أنّ إضافتها للعهد،أي و نبلو أخبار إيمانكم و موالاتكم فيظهر صدقها و كذبها.(26:78)
القاسميّ: أي أفانين أقوالكم،و ضروب بياناتكم، و أعمال قوّة ألسنتكم في نشر الحقّ و الصّدع به و الدّأب عليه،هل هو متمحّض لذلك،أم فيه ما فيه من المحاباة خفيفة لوم اللاّئم.(15:5390)
المراغيّ: أي و لنختبركم بالأمر بالجهاد و سائر التّكاليف الشّاقّة،حتّى يتميّز المجاهد الصّابر من غيره، و يعرف ذو البصيرة في دينه من ذي الشّكّ و الحيرة فيه، و المؤمن من المنافق،و نبلو أخباركم فنعرف الصّادق منكم في إيمانه من الكاذب.(26:72)
الطّباطبائيّ: كأنّ المراد بالأخبار:الأعمال من حيث إنّها تصدر عن العاملين،فيكون أخبارا لهم يخبر بها عنهم،و اختبار الأعمال يمتاز به صالحها من طالحها، كما أنّ اختبار النّفوس يمتاز به النّفوس الصّالحة الخيّرة.(18:243)
عبد الكريم الخطيب :و في قوله: وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ إشارة إلى أنّ الأفعال هي الّتي عليها المعوّل في الكشف عن إيمان المؤمنين و صبر الصّابرين.فابتلاء اللّه سبحانه لأخبار المؤمنين،إنّما هو ابتلاء لهم،و تعرّف على أحوالهم،من أخبارهم الّتي هي حكاية لأعمالهم و تصوير لها.و هذا يشير أيضا إلى أنّ للأعمال آثارها في الحياة و في النّاس،و أنّها تقع تحت حكم النّاس عليها و الإخبار عنها بما يرضيهم أو يسخطهم منها.
و هذا يشير مرّة أخرى إلى أنّ المجتمع الإنسانيّ له وزنه و له قدره في الحكم على أعمال النّاس،و أنّ حكمهم على عمل بأنّه حسن غير حكمهم عليه بأنّه سيّئ،فلهذا وزنه،و لذلك وزنه عندهم،و عند اللّه كذلك.
(13:372)
ص: 120
مكارم الشّيرازيّ: قال كثير من المفسّرين:إنّ المراد من الأخبار هنا:أعمال البشر؛و ذلك أنّ عملا ما إذا صدر من الإنسان،فإنّه سينتشر بين النّاس كخبر.
و قال آخرون:إنّ المراد من الأخبار هنا:الأسرار الدّاخليّة،لأنّ أعمال النّاس تخبر عن هذه الأسرار.
و يحتمل أن تكون الأخبار هنا بمعنى الأخبار الّتي يخبر بها النّاس عن وضعهم و عهودهم و مواثيقهم، فالمنافقون-مثلا-كانوا قد عاهدوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن لا يرجعوا عن القتال،في حين أنّهم نقضوا عهدهم وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ الأحزاب:15.و نراهم في موضع آخر: وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ... الأحزاب:13،و بهذا فإنّ اللّه سبحانه يختبر أعمال البشر،كما يختبر أقوالهم و أخبارهم.و طبقا لهذا التّفسير فإنّ لهاتين الجملتين في الآية معنيين متفاوتين، مع أنّ إحداهما تؤكّد الأخرى طبقا للتّفاسير السّابقة.(16:356)
الفيروزآباديّ: الخبر بالضّمّ:العلم بالشّيء،قال تعالى: وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً و يقال:
صدّق الخبر الخبر،و يقال:لأخبرنّ خبرك،أي لأعلمنّ علمك.
يقال منه:خبرته أخبره كنصرته أنصره خبرا بالضّمّ و خبرة بالكسر،إذا بلوته و اختبرته.و وجدت النّاس اخبر تقله،المعنى:وجدتهم مقولا فيهم هذا القول، أي ما منهم إلاّ و هو مسخوط الفعل عند الخبرة،إذا اختبرتهم قليتهم،فأخرج الكلام على لفظ الأمر و معناه الخبر.
العالم: قال تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً و الخبير في صفات اللّه تعالى:العالم بما كان و بما يكون.و أخبرت:
أعلمت بما حصل لي من الخبر.و قيل:الخبرة:المعرفة ببواطن الأمور.
و قوله تعالى: قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ أي من أحوالكم الّتي يخبر عنها.و قوله تعالى: وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ أي عالم بأخباركم و أعمالكم.و قيل:أي عالم ببواطن أموركم.
و قيل:خبير بمعنى مخبر،كقوله تعالى: فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ المائدة:105،و تخبّرته أي سألته عن الخبر.و قد جاء«يتفعّل»بمعنى«يستفعل»كتكبّر و استكبر و تضعّفه و استضعفه.و في الحديث:«بعث بين يديه عينا من خزاعة يتخبّر له خبر كفّار قريش».
و المخابرة:المزارعة على الخبرة و هي النّصيب كالثّلث و الرّبع و نحوه.و قيل:أصل الكلمة من خيبر،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان أقرّها في أيدي أهلها على النّصف؛فقيل:
خابرهم،أي عاملهم في خيبر.
(بصائر ذوي التّمييز 2:523)
1-الأصل في هذه المادّة:الخبر أو الخبر،أي المزادة العظيمة؛و الجمع:خبور،و هي الخبراء أيضا.
و الخبر و الخبر:النّاقة الغزيرة اللّبن؛و الجمع:خبور أيضا،شبّهت بالمزادة في غزرها،و قد خبرت خبورا،
ص: 121
و الخبراء:المجرّبة بالغزر.
و الخبر:منبت السّدر في القيعان؛واحدته:خبرة، و الخبر من مواقع الماء:ما خبر المسيل في الرّءوس فتخوض فيه،قيل له ذلك لغزارته.
و الخبرة:القاع ينبت السّدر؛و الجمع:خبر،و هي الخبراء أيضا؛و الجمع:خبراوات و خبار و خبارى و خباري،و خبر الموضع فهو خبر،و أرض خبرة،و خبر الخبرة و خبراؤها:شجرها.
و الخبار:أرض ليّنة و رخوة،فيها جحرة؛و واحدته:
خبارة.يقال:خبرت الأرض خبرا،أي كثر خبارها.
و المخابرة:المزارعة على نصيب معيّن كالنّصف و الثّلث و الرّبع،و هي من الخبار،أي الأرض اللّيّنة، و يقال لها:الخبر و الخبر أيضا.
و الخبير:الأكّار،لأنّه يليّن الأرض،و هو النّبات، و الوبر،و نسالة الشّعر،و الزّبد أيضا،للين هذه الأشياء.
و الخبرة:الشّاة يشتريها القوم بأثمان مختلفة،ثمّ يقتسمونها فيسهمون كلّ واحد منهم على قدر ما نقد.
يقال:تخبّروا خبرة،أي اشتروا شاة فذبحوها و اقتسموها،و هي شاة خبيرة مقتسمة،تشبيها بالمزادة.
و الخبرة أيضا:النّصيب تأخذه من لحم أو سمك، و الطّعام و ما قدّم من شيء.يقال:اجتمعوا على خبرته.
و الخبرة و الخبر:اللّحم يشتريه الرّجل لأهله.يقال له:ما اختبرت لأهلك؟
و الخبرة و الخبير:الطّعام من اللّحم و غيره.يقال:
اخبر طعامك،أي دسّمه،و خبر الطّعام يخبره خبرا:دسّمه، و أتانا بخبزة و لم يأتنا بخبرة،و المخبور:الطّيّب الأدام، و جمل مختبر:كثير اللّحم.
و الخبر:النّبأ؛و الجمع:أخبار،من الخبر،أي اللّحم يشتريه الرّجل لأهله،لأنّه يتطلّبه أيضا.يقال:خبرت بالأمر و خبرته أخبره،أي عرفته على حقيقته،و خبّرته بكذا و أخبرته:نبّأته،و تخبّرت الخبر و استخبرته:سألت عنه لأعرفه،و لأخبرنّ خبرك:لأعلمنّ علمك،و أخبره خبوره:أنبأه ما عنده.
و الخابر و الخبير:العالم بالخبر،و الخبير:المخبر، و الّذي يخبر الشّيء بعلمه،و هو من أسماء اللّه تعالى؛لأنّه خبير بما كان و ما يكون.
و المخبر:خلاف المنظر،و كذا المخبرة و المخبرة.
و الخبر و الخبر و الخبرة و الخبرة و المخبرة و المخبرة:العلم بالشّيء.يقال:لي به خبر،و قد خبره يخبره خبرا و خبرة و خبرة و خبرا،و اختبره و تخبّره.
و الخبرة:الاختبار،أي التّجربة،و الخابر:المختبر المجرّب.يقال:خبرت الرّجل أخبره خبرا و خبرا و خبرة و خبرة.
2-و الأخباريّ: نسبة إلى الأخبار؛جمع الخبر،و هو المؤرّخ و العالم بالتّاريخ و التّراجم،و الأخباريّة أو الأخباريّون:فرقة من الشّيعة تعارض الاجتهاد،و تعمل بالأخبار كيف ما شاءت،و تقتصر في ذلك على الكتاب و الخبر،و ترفض العقل و الإجماع،و هي خلاف الأصوليّين القائلين بالاجتهاد.
و أوّل من نادى بالأخباريّة الملاّ محمّد أمين بن محمّد شريف الاسترآباديّ،صاحب كتاب«الفوائد المدنيّة»، و المتوفّى عام 1036 ه
ص: 122
و تكاد هذه الدّعوة تأفل و تضمحلّ؛إذ لم يبق من أنصارها اليوم إلاّ أفراد قليلون،يعيشون في البحرين غالبا،و كان آخر أقطابها الشّيخ محمّد أمين زين الدّين، صاحب كتاب«الإسلام:ينابيعه،مناهجه،غاياته»، حيث توفّي في النّجف عام 1419 ه،و كانت له مساع حميدة في تخفيف حدّة النّزاع بين الأصوليّين و الأخباريّين،و خطا خطوات حثيثة نحو التّقريب بينهما.
جاء منها المصدر(خبر)مرّتين،و الاسم(خبر) مفردا و جمعا 5 مرّات،و الوصف(خبير)51 مرّة،في 52 آية:
1- وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً
الكهف:68
2- كَذلِكَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً
الكهف:91
3- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ... النّمل:7
4- ...قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ... القصص:29
5- ...قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ... التّوبة:94
6- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ محمّد:31
7- يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها* بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:3،4
(أو)يصنعون
8- ...لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ آل عمران:153
9- ...اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ المائدة:8
10- ...قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ النّور:53
11- ...وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ المجادلة:13
12- ...وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ الحشر:18
13- وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ المنافقون:11
14- ...وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ التّوبة:16
15- ...فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ البقرة:234
16- ...فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ البقرة:271
17- ...وَ لِلّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ آل عمران:180
18- ...وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَ أَنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ لقمان:29
ص: 123
19- ...وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ الحديد:10
20- ...ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ المجادلة:3
21- ...يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ المجادلة:11
22- فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ التّغابن:8
23- ...فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً
النّساء:94
24- ...وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً النّساء:128
25- ...وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً النّساء:135
26- وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً الأحزاب:2
27- ...بَلْ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً
الفتح:11
28- وَ إِنَّ كُلاًّ لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ هود:111
29- ...صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ النّمل:88
30- ...ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ النّور:30
31- إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ العاديات:11
32- ...وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَ كَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً الفرقان:58
33- ...فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ لقمان:16
34- أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
الملك:14
35- لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الأنعام:103
36- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ الحجّ:63
37- وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً الأحزاب:34
38- إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
لقمان:34
39- ...إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات:13
40- ...قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ التّحريم:3
41- ...إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً النّساء:35
42- كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
ص: 124
خَبِيرٍ هود:1
43- وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ سبأ:1
44- وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الأنعام:18
45- عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ
الأنعام:73
46- إِنَّ اللّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ فاطر:31
47- وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ الشّورى:27
48- ...وَ كَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً
الإسراء:17
49- إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً الإسراء:30
50- إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً الإسراء:96
51- ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً الفرقان:59
52- وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ فاطر:14
يلاحظ أوّلا:أنّ مشتقّات هذه المادّة جاءت في ثلاثة محاور:
المحور الأوّل:الخبر في(1): ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً و(2): كَذلِكَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً، و فيه بحوث:
1-الخبر:الخبر،أي العلم بالشّيء،و أصله-كما تقدّم-المزادة العظيمة،و هو أيضا النّاقة الغزيرة اللّبن، و اللّحم يشتريه الرّجل لأهله،فهو يتطلّبه كما يتطلّب الغزارة من الماء و اللّبن و اللّحم.
و الخضر هنا ينفي عن موسى العلم الغزير و ليس مطلق العلم،كما يهدي إليه الحسّ اللّغويّ و السّياق القرآنيّ.و فسّره النّحّاس بقوله:«أي و كيف تصبر على ما ظاهره خطأ،و لم تخبر بوجه الحكمة فيه»؟
2-لعلّ المراد بالخبر في(1)الغيب،و يؤيّده ما رواه الثّعلبيّ عن ابن عبّاس أنّ العالم«كان رجلا يعمل على الغيب»،أي أطلعه اللّه على الغيب،كما أطلع النّبيّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله عليه،و هو قوله: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ يوسف:102،و التّقدير على هذا الرّأي:
و كيف تصبر على ما لم تحط به غيبا،كما أحطت به، فالمعنى على هذا مجازيّ.
3-الخبر في(2)العلم بالشّيء،أو الغيب كما قدّرناه، و هو متعلّق ب(احطنا)،نسبة إلى اللّه تعالى،و كذا في(1)، فهو متعلّق ب(تحط)نسبة إلى موسى عليه السّلام نفيا من حيث اللّفظ،و هو يدلّ على النّسبة إلى الخضر عليه السّلام إثباتا من حيث المعنى.
المحور الثّاني:الخبر و الأخبار في(3-7)،و فيها بحوث:
1-جاءت(3)و(4)حكاية عن لسان موسى حينما رأى النّار: سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ و لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ، و الخبر هنا العلم،سواء كان العلم بمن حول النّار فيستعين به،أو العلم بالطّريق فيهتدي.و لم يجتمع (الإتيان)و(الخبر)أو ما كان بمعنى الخبر-و هو العلم-إلاّ في هاتين الآيتين،و في قوله: يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ
ص: 125
اَلْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ مريم:43.
2-ورد الخبر في(5)و(6)جمعا مضافا إلى الضّمير «كم»الرّاجع إلى المنافقين: قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ، وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ. و الأخبار في(5)الأسرار أو الأحوال بقرينة(نبّأنا)،لأنّه من النّبو،أي الارتفاع و الظّهور،و التّقدير:قد أظهر اللّه لنا من أسراركم و أحوالكم،و رفع السّتر عن خبايا ضمائركم.و نظيره قوله: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ التّوبة:64.
و الأخبار في(6) وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ الأعمال،نحو قوله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً هود:7،أو الأسرار،نحو قوله: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9.
3-جاء(اخبارها)في(7): يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها مفعولا ثانيا ل(تحدّث)،و الأوّل محذوف، و التّقدير:تحدّث النّاس أخبارها.و تحديث الأرض الأخبار من الإسناد المجازيّ،و هو ما يقوم مقام الحديث، كالزّلزلة و إخراج الأثقال و غير ذلك.
و قيل:التّحديث هنا حقيقة؛و ذلك بأن يخلق اللّه فيها الحياة،فتحدّث النّاس بما عملوا على ظهرها،أو بما أخرجت من أثقالها،أو بقيام السّاعة.
المحور الثّالث:الخبير في(8-52)،و جاء بأنماط شتّى:
أ- خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8-14)،و فيها بحوث:
1-أجمع المفسّرون على أنّ هذا الكلام ضرب من التّرغيب في الطّاعة و ترهيب عن المعصية؛إذ جاء لفظ «الخبير»بعد خطاب المؤمنين في هذه الآيات،سوى (10)فإنّها خطاب للمنافقين،يأمرهم فيها بالطّاعة،بينما أمر المؤمنين في(9)بالعدل و التّقوى،و في(12)بالتّقوى فقط،و أمرهم في(11)بإقامة الصّلاة و إيتاء الزّكاة و إطاعته و إطاعة رسوله،و في(13)بالإنفاق قبل الموت، و نفى عنهم في(8)الحزن على ما فاتهم و ما أصابهم،و في (14)اتّخاذ وليجة.
2-خصّ العمل في هذه الآيات دون القول و النّيّة، فلم يقل:خبير بما تقولون،أو خبير بما تنوون،لأنّ العمل أجلى في الطّاعة و أنكى في المعصية،و تقدير الكلام:و اللّه خبير بعملكم؛إذ جملة(تعملون)صلة(ما)،و هو اسم موصول متعلّق ب(خبير).
و لا عبرة بقول الآلوسيّ في تفسير(12) إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ: «تقديم(الخبير)للتّنبيه على أنّ العمدة هي الأمور الرّوحانيّة»،لأنّ يدحضه.
3-إن قيل:أ ما يكون«عليم بما تعملون»أظهر من قوله: خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ؟
يقال:كلاّ،إنّ قوله: خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ورد عقب أمور إيجابيّة،كما تقدّم في البحث(1)من(أ)لهذا المحور، بينما ورد قوله: بَلى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ النّحل:28،و نظائره عقب أمور سلبيّة غالبا،فهو تهديد و وعيد.
ب- بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ في(15-27)،و فيها بحوث:
1-قدّم المتعلّق بِما تَعْمَلُونَ في هذه الآيات على المتعلّق به(خبير)للحصر،كما في(16)و(17)و(19) و(21)و(23)و(24)و(26)،أو للرّويّ أو لكليهما،كما في(15)و(18)و(20)و(22)و(25)و(27).فما كان
ص: 126
للحصر فهو مسبوق بإبداء الصّدقات و إخفائها و تكفير السّيّئات،كما في(16)،أو تهديد للبخلاء كما في(17)،أو الحثّ على الإنفاق كما في(19)،أو الأمر برعاية آداب المجالس كما في(21)،أو الأمر بالتّمييز بين المؤمن و الكافر كما في(24)،أو أمر النّبيّ باتّباع الوحي كما في (26)،أو أمره صلّى اللّه عليه و آله بالرّدّ على تخلّف الأعراب كما في (27).
2-يلحظ أنّ أكثر الآيات في مجموعتي(أ)و(ب)من هذا المحور ممّا قيّد(خبير)بالعمل مدنيّة،لأنّ العمل ينصرف إلى التّشريع،و المدينة دار التّشريع،و ما جاء عنها في المكّيّات مثل(18)و(28)و(29)فإمّا راجع إلى العقيدة،أو حكاية عن الأمم المتقدّمة.
و أمّا ما لم يقيّد منها بالعمل مثل(31)و ما بعدها، فأكثرها مكّيّة،و ترجع إلى العقيدة،فلاحظ.
3-ذهب بعض إلى أنّ(خبيرا)أدقّ من«عليم»في حيّز العلم و الاطّلاع،و هذا ليس بشيء،لأنّ لفظ «خبير»بمعنى«خابر»،فهو«فعيل»بمعنى«فاعل»،و أمّا لفظ«عليم»فهو مبالغة في العلم.
ج- بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ و خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ و خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ في(28)و(29)و(30)على التّوالي:
العمل و الفعل و الصّنع نظائر في اللّغة،غير أنّ العمل في(28)فيه تشدّد،لتقدّمه على(خبير)،فهو تهديد و وعيد لقوم موسى،لاختلافهم في الكتاب و شكّهم فيه.
كما استعمل الفعل في(9)في محاججة الكفّار حول الكون و ما فيه،و استعمل الصّنع في(30)في أمر المؤمنين بغضّ أبصارهم و حفظ فروجهم.
د-خبير بالمذنبين في(31): بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ و بذنوبهم في(32): بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً:
دخلت لام الابتداء في(31)على خبر«إنّ» المكسورة:(لخبير)لتأكيد علم اللّه بالمذنبين،و لا تدخل هذه اللاّم على خبر«أنّ»المفتوحة.و في الخبر:أنّ الحجّاج لحن في هذه الآية و هو على المنبر؛إذ فتح همزة «إنّ»،فاستدركها بحذف اللاّم،فقرأها «أنّ ربّهم بهم يومئذ خبير»، فوطّأ كلامه بالصّواب،و خبط في كلام اللّه باضطراب،و للفخر الرّازيّ و أبي حيّان هنا موقف غير مرضيّ،فلاحظ نصوصهما.
ه- لَطِيفٌ خَبِيرٌ في(33-37)،و فيها بحوث:
1-اقترن«الخبير»بلفظ«اللّطيف»في هذه الآيات، و هو صفة من صفات اللّه المفردة،نحو: اَلْحَيُّ الْقَيُّومُ البقرة:255،و مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ القمر:55.و لم يأت مضافا،كما في قوله: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ البقرة:118،و شَدِيدُ الْمِحالِ الرّعد:14.و لا ضير أن يقال من غير القرآن:خبير العالمين،و خبير يوم الدّين،و خبير السّماوات و الأرض،و خبير النّاس و نحو ذلك.
2-«الخبير»و«اللّطيف»متقاربان في المعنى، و اجتمعا هنا تأكيدا للصّفة،لما يتضمّنه السّياق من تأكيد و تشديد،فسياق(33)شدّة و دقّة في إحاطة اللّه تعالى، و سياق(34)استفهام إنكاريّ حول علمه و إحاطته بخلقه،و(35)إدراكه الأبصار و هي لا تدركه،و(36) استفهام إنكاريّ حول قدرته و إنزاله الماء من السّماء ثمّ
ص: 127
اخضرار الأرض،و(37)أمره لنساء النّبيّ بذكر ما يتلى في بيوتهنّ من آيات اللّه و الحكمة.
3-جاء اللّفظان لَطِيفٌ خَبِيرٌ بتقديم(لطيف) دائما معرّفين في الثّلاث الأولى تفخيما و تعظيما، و منكّرين في الأخيرتين،مرفوعين في أولاهما و منصوبين في الأخيرة منهما خبرا ل(كان)و كلّها حسب الرّوي،و كلّها-يفيد الدّوام كصفة ذاتيّة للّه تعالى، فلاحظ.
و- عَلِيمٌ خَبِيرٌ في(38-41)،و فيها بحوث:
1-جاء العلم في بداية(38)مرّتين،و الدّراية في وسطها مرّتين،و إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ في نهايتها،و كأنّ العلم و الدّراية بتكرارهما مرّتين يعادلان العليم و الخبير، لأنّ اللّفظين الأخيرين على وزن«فعيل»الّذي يفيد المبالغة.و ما دام العليم من العلم،فلعلّ الخبير يعني الدّراية أيضا،و الدّراية من الدّريّة،و هي الدّابّة يستتر بها الصّائد من الصّيد فيختل،فالخبير إذن يعلم أسرار الأمور،و يقف على خبايا الصّدور.
2-اجتمع العليم و الخبير في هذه الآيات مع النّقائض؛إذ سبقهما في(38)علم اللّه بالسّاعة و ما في الأرحام،و جهل النّفس باكتسابها في المستقبل و بمكان موتها،و كذا إنزال الغيث-و هو كناية عن الحياة-و موت النّفس.و في(39)خلق الذّكر و الأنثى،و هما نقيضان في الجنس.و في(40)الإسرار و الإظهار،و في(41)الشّقاق و الإصلاح بين الزّوجين.فهل في ذلك سرّ؟
3-كلّ هذه الآيات الأربع استئنافيّة المبتدأ و المنتهى و ما بينهما غالبا،فقوله في(38): إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ جملة استئنافيّة،و قوله: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً استئنافيّة،و إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ استئنافيّة أيضا.
و كذا في(39): يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى و إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ و إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.
و في(40): وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً و قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فقط.
و في(41): وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما... و إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً و إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.
4-و اللّفظان«عليم و خبير»فيها جاءا بتقديم «عليم»دائما،منكّرين في ثلاث و معرّفين في واحدة (40)مرفوعين في ثلاث منها.و منصوبين في واحدة (41)كلّ ذلك حسب رويّ الآيات أيضا،فلاحظ.
ز-حكيم خبير في(42-45)،لاحظ«ح ك م».
ح-خبير بصير في(46-50)،لاحظ«ب ص ر».
ط-خبير مطلق في(51): فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً و(52): وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ، و فيه بحثان:
1-الخبير هنا هو اللّه تعالى،و لكنّ بعض المفسّرين زعم أنّه غير اللّه في(51)،فقيل:هو جبريل،أو النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله،أو القرآن،أو عالم،أو مسلمة أهل الكتاب.
و الخبير هنا و في جميع القرآن صفة من صفات اللّه و أسمائه،و هو حال مؤكّدة،و التّقدير:فاسأل يا محمّد سؤالك إيّاه خبيرا.
2-جاء لفظ(خبير)في(52)مطلقا؛لا يتعلّق بشيء و لا يتعلّق به شيء،كما أنّ جملة وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ
ص: 128
خَبِيرٍ استئنافيّة،لا محلّ لها من الإعراب.
و كأنّه يقول:و لا ينبّئك مثل خبير أحد فرد صمد، غنيّ عن العالمين،مؤتنف الأشياء و مبتكرها.
و يلاحظ ثانيا أنّ نصفا من مجموع 52 آية مدنيّ-لو كانت سورة الحجّ مدنيّة-و نصفها مكّيّ،و السّبعة الأوائل منها-بمالها من الاشتقاق و المعنى-راجعة إلى غير اللّه، و الباقي و هي 45 آية وصف للّه تعالى،فكادت هذه المادّة أن تختصّ باللّه تعالى،و لا سيّما أنّ كلّ خبرة و خبر مصدره اللّه تعالى.
و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:
1-الخبر: إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ النمل:7
النبأ: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً المائدة:27
الحديث: وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى طه:9
2-الخبر: وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً الكهف:68
العلم: قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ البقرة:32
المعرفة: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ
المطفّفين:24
البصر: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي يوسف:108
الفقه: قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمّا تَقُولُ هود:91
الدراية: وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ الحاقّة:26
الحبر: إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ التوبة:34
ص: 129
ص: 130
خبزا
لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة
الخليل :الخبز:الضّرب باليد،و الخبز:السّوق الشّديد،قال:
لا تخبزا خبزا و نسّا نسّا.
و الخبزة:اسم لما يعالج في الملّة و هي الطّلمة.يقال:
أكلت خبز ملّة،لأنّ الملّة الخبز نفسه و الرّماد.
و اختبز فلان،إذا عالج دقيقا فعجنه ثمّ خبزه.
و الخبازة:صنعته.
و الخبيز:الخبز المخبوز من أيّ حبّ كان.يقال:
عندهم طبيخ و خبيز،أي مرق مطبوخ و خبز مخبوز.
(4:211)
سيبويه :و الاختباز:اتّخاذ الخبز.
(ابن سيده 5:101)
الكسائيّ: و الخبز:مصدر خبزت،و الخبازة:صنعة الخبّاز،و الخبيز:الخبز المخبوز.
و خبزت القوم أخبزهم،إذا أطعمتهم الخبز.
(الأزهريّ 7:216)
أبو عمرو الشّيبانيّ: ما خبزكم هذا إلاّ جلفة كلّه، إذا يبس أعلاه.(1:120)
أبو زيد :الخبز:السّوق الشّديد و الضّرب،و البسّ:
السّير الرّفيق...[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:216)
اللّحيانيّ: و قول بعض العرب:أتيت بني فلان فخبزوا و حاسوا و أقطوا،أي أطعموني كلّ ذلك.
(ابن سيده 5:101)
الأصمعيّ: [في حديث]«لمّا افتتحنا خيبر،إذا ناس من يهود مجتمعون على خبزة يملّونها...».
قوله:خبزة،هي الّتي عند العامّة الملّة.و إنّما الملّة عند العرب:الحفرة الّتي فيها الخبزة،و لهذا قيل:يملّونها،إذا عملوها في الملّة.(أبو عبيد 2:283)
أبو عبيد: الخبز هي الطّلمة الّتي تدفن في الملّة،
ص: 131
و الملّة:الرّماد و التّراب الّذي أوقد عليه النّار.
(الأزهريّ 7:216)
ابن الأعرابيّ: و الخبيزات:خبزاوات بصنعاء ماويّة،و هو ماء لبلعنبر.[ثمّ استشهد بشعر]
قال:و إنّما سمّين خبيزات،لأنّهنّ انخبزن في الأرض، أي انخفضن و اطمأننّ فيها.(ابن سيده 5:101)
ابن السّكّيت: و يقال:خبز خبزا.و الخبز الاسم.(إصلاح المنطق:128)
و رجل خابز،أي ذو خبز،مثل تامر و لابن.
(الجوهريّ 3:876)
ابن أبي اليمان :و الخبز:الضّرب باليد كلّها على الظّهر،و منه:أخذ الخبز.(441)
ابن دريد :و الخبز:ضرب البعير بيده الأرض في مشيه،و به سمّي الخبز لضربهم إيّاه بأيديهم.
و الخبزة:القرص أو الرّغيف.
و الخبازة:حرفة الخبّاز.
و الخبّازى:ضرب من النّبت.(1:234)
الأزهريّ: يقال:أطعمنا خبز ملّة،و لا يقال:أطعمنا ملّة.
و اختبز فلان،إذا عالج دقيقا فعجنه ثمّ خبزه في ملّة أو تنّور.
و الخبّاز:بقلة معروفة،عريضة الورق لها ثمرة مستديرة،و يقال لها:الخبّازى.
و تخبّزت الإبل العشب تخبّزا،إذا خبطته بقوائمها.
(7:216)
الصّاحب:الخبز:الضّرب باليد،و السّوق الشّديد.
و الخبزة:ما يعالج من الطّعام،و الخبز:المصدر.
و الخبازة:صنعته.
و خبزت القوم أخبزهم:أطعمتهم خبزا.
و يقولون:الصّلّيان:خبزة الإبل.
و عندهم طبيخ و خبيز.
و الخبّازى:نبت،و كذلك الخبّيز،و الخبّازة.
و رجل خبزون و امرأة خبزونة-لا يصرفان-إذا انتفخ وجهه.
و الخبز:الرّهل.
و تخبّزني برجله و خبزني،أي خبطني.و الخبيز:
الثّريد من خبز الفطير.
و في المثل«كلّ أداة الخبز عندي غيره»أي غير الخبز.(4:280)
الخطّابيّ: الخبز:الدّفع بالأيدي في السّوق.
(1:261)
الجوهريّ: الخبز:الّذي يؤكل؛و الخبز بالفتح:
المصدر،و قد خبزت الخبز و أخبزته.
و يقال أيضا:أخبزت القوم،إذا أطعمتهم الخبز.
و الخبز:ضرب البعير بيده الأرض،و هو على التّشبيه.و الخبزة:الطّلمة،و هي عجين يوضع في الملّة حتّى ينضج.
و الخبّاز و الخبّازى:نبت معروف.(3:876)
نحوه الرّازيّ(186)،و الطّريحيّ(4:17).
ابن سيده: الخبزة:الطّلمة،و هو الخبز.
و خبزه يخبزه خبزا،و اختبزه:عمله.
و الخبّاز:الّذي مهنته ذلك،و حرفته:الخبازة.
ص: 132
و خبز القوم يخبزهم خبزا:أطعمهم الخبز.
و قول بعض العرب:أتيت بني فلان فخبزوا و حاسوا و أقطوا،أي أطعموني كلّ ذلك.
كذا حكاها اللّحياني غير معدّيات،أي لم يقل:
خبزوني،و حاسوني،و أقطوني.
و الخبيز:المخبوز من أيّ حبّ كان.
و الخبزة:الثّريدة الضّخمة،و قيل:هي اللّحم.
و الخبز:الضّرب باليدين،و الخبز:ضرب البعير بيديه.
و قيل:به سمّي الخبز لضربهم إيّاه بأيديهم،و ليس بقويّ.
و الخبّازى و الخبّاز:نبت؛واحدته:خبّازة.[ثمّ استشهد بشعر]
و انخبز المكان:انخفض و اطمأنّ.(5:101)
الرّاغب: و الخبزة:ما يجعل في الملّة،و الخبز:اتّخاذه.
و اختبزت،إذا أمرت بخبزه،و الخبازة:صنعته.
و استعير الخبز للسّوق الشّديد،لتشبيه هيئة السّائق بالخابز.(142)
الزّمخشريّ: خبزت القوم و تمرتهم:أطعمتهم الخبز و التّمر.
و أطعمني خبزة و خبزة ملّة،أي طلمة.
و من المجاز:خبطني برجله و خبزني،و تخبّطني و تخبّزني.
و الخلّة:خبز الإبل،و الحمض:فاكهتها.
(أساس البلاغة:102)
الصّغانيّ: و خبزة بالضّمّ:جبل تحته ينبع،قرية عليّ رضى اللّه عنه.
و قد سمّوا خبزة أيضا.
و الخبازى:لغة في الخبّازى،و قال ابن دريد:إذا خفّفت الباء ألحقت الياء،و إذا ثقّلت الباء حذفت الياء، فقلت:خبّاز.
و تخبّزت الإبل السّعدان،أي خبطته بقوائمها.
(3:263)
الفيّوميّ: الخبز معروف،و خبزته خبزا من باب «ضرب».
و الخبّاز وزان تفّاح:نبت معروف،و في لغة بألف التّأنيث،فيقال:خبّازى،و هذه في لغة تخفّف كالخزامى.(1:163)
الفيروزآباديّ: الخبز معروف،و بالفتح:ضرب البعير بيده الأرض،و السّوق الشّديد و الضّرب،و مصدر خبز الخبز يخبزه،إذا صنعه،و كذا إذا أطعمه الخبز.
و بالتّحريك:الرّهل،و المكان المنخفض المطمئنّ من الأرض.
و الخبّازى و يخفّف،و الخبّاز و الخبّازة و الخبّيز:
نبت معروف.
و رجل خبزون محرّكة غير منصرف:منتفخ الوجه، و هي بهاء.
و رجل خابز:ذو خبز.
و الخبازة:حرفة الخبّاز.
و الخبزة:الطّلمة،و بلا لام:جبل مطلّ على ينبع.
و أمّ خبز بضمّ الخاء:قرية بالطّائف،و كعنبة:قرية بها.
ص: 133
و الخبيز:الخبز المخبوز و الثّريد،و انخبز:انخفض.
و الخبيزات:موضع.
و في المثل:«كلّ أداة الخبز عندي غيره».
استضاف قوم رجلا،فلمّا قعدوا ألقى نطعا و وضع عليه رحى،فسوّى قطبها و أطبقها،فأعجب القوم حضور آلته،ثمّ أخذ هادي الرّحى فجعل يديرها،فقالوا له:ما تصنع؟فقال:و اختبز الخبز:خبزه لنفسه.
(2:180)
العدنانيّ: الخبّازى.و يطلقون على البقلة المعروفة ذات الورق العريض اسم خبّيزة.و الصّواب:خبّازى، و خبّاز،و خبّيز،و خبازى و خبّازة.
(معجم الأخطاء الشّائعة:76)
مجمع اللّغة :الخبز:دقيق يعجن و ينضج.
(1:319)
نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:157)
محمود شيت:الخبازة:حرفة الخبّاز.يقال:قسم الخبازة:القسم الّذي يصنع الخبز.
الخبّاز:صانع الخبز،و من أرباب الحرف في الجيش في الوحدات،و في سرايا الخدمة،و في المداخر العسكريّة و نحوها.
الخبز:اسم لما يصنع من الدّقيق المعجون المنضّج بالنّار،و طعام الجنديّ المعمول من الدّقيق،و الّذي يقدّم له يوميّا.
المخبز:موضع الخبز.يقال:مخبز موقع الموصل، و مخبز المقرّ العامّ،و المخبز الآليّ.
و المخبز السّيّار:المخبز الّذي يعمل الخبز في معسكرات العراء.(1:212)
المصطفويّ: [نقل كلام بعض أهل اللّغة ثمّ قال:]
و الّذي تحصّل من مراجعة كلماتهم:أنّ الخبز اسم لما ينضج و يطبخ من الحنطة أو الشّعير أو سائر الحبوب في الملّة،أو بأيّ وسيلة.
ثمّ إنّ الاشتقاق منه انتزاعيّ،فيقال:خبز يخبز خبزا و هو خبّاز.
و أمّا مفهوم:الخبط أو ضرب البعير بيديه،فمأخوذ من مفهوم الخبز،فإنّ الخبز يلازمه عجن الدّقيق و غمزه و ضربه باليد أو بالرّجل حتّى يخمّر كاملا.
و أمّا السّوق الشّديد،فلم يثبت في الفصيح.(3:13)
إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ. يوسف:36
الواحديّ: قال صاحب الطّعام:رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز و ألوان الأطعمة.
(2:613)
مثله البغويّ(2:491)،و الطّبرسيّ(3:233)، و الشّربينيّ(2:107).
الميبديّ: ثلاث سلال فيها أنواع الأطعمة.
(5:67)
مثله الزّمخشريّ(2:320)،و النّسفيّ(2:221).
السّمين:في مصحف عبد اللّه(فوق راسى ثريدا) فإنّه أراد التّفسير فقط.و تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ صفة ل(خبزا)،و(فوق)يجوز أن يكون ظرفا ل«الحمل»،و أن
ص: 134
يتعلّق بمحذوف حالا من(خبزا)،لأنّه في الأصل صفة له.(4:183)
نحوه الآلوسيّ.(12:239)
أبو السّعود :تأخير المفعول عن الظّرف لما مرّ آنفا- و هو الاهتمام بالمقدّم و التّشويق إلى المؤخّر-
و قوله: تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ صفة للخبز،أو استئناف مبنيّ على السّؤال.(3:392)
القاسميّ: ثلاث سلال حوّارى.(9:3538)
المصطفويّ: و تأويل هذه الرّؤيا،قال يوسف:
وَ أَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ إنّ حمل الخبز فوق الرّأس عبارة عن حمل الغمز و الضّرب و الشّدّة و النّضج فوق الرّأس،و الحمل العادي هو الحمل على الظّهر.و أيضا إنّ المطلوب من الخبز أن يؤكل أو يطعم،و الحمل على الرّأس خارج عن العرف.
و أكل الطّير منه أيضا يدلّ على حالة غير متعارفة، فيدلّ على عروض حالة غير منتظرة تستطعم الطّير منها،أو يدلّ على حدوث حالة يكون ما فوق رأسه غذاء للطّير.(3:13)
1-الأصل في هذه المادّة:الخبز،أي الطّلم،و هو عجين يوضع في الملّة حتّى ينضج،و الملّة:الرّماد و التّراب الّذي توقد فيه النّار،و واحدة الخبز:خبزة.يقال:خبز الخبز يخبزه خبزا و اختبزه،أي عمله،و اختبز فلان:
عالج دقيقا يعجنه،ثمّ خبزه في ملّة أو تنّور.يقال:أخذنا خبز ملّة.و الخبيز:الخبز المخبوز من أي حبّ كان، و الخبزة:الثّريدة الضّخمة.
و خبز القوم يخبزهم خبزا:أطعمهم الخبز،و رجل خابز:ذو خبز،و الخبّاز:الّذي مهنته الخبز،و حرفته الخبازة.
و الخبز:السّوق الشّديد،يقال:خبز الدّابّة يخبزها خبزا،استعير لهذا المعنى لتشبيه هيئة السّائق بالخابز.
و الخبز أيضا:الضّرب باليدين،تشبيها بما يعمل الخابز بالعجين،ثمّ استعير لضرب البعير بيديه الأرض.
يقال:تخبّزت الإبل العشب تخبّزا،أي خبطته بقوائمها.
و الخبّاز و الخبّازى:نبت معروف عريض الورق،له ثمرة مستديرة؛واحدته:خبّازة،لأنّ ورقته تشبه رغيف الخبز،أو أنّها كالخبز تشبع من يتناولها؛إذ هي بقلة تؤكل.
2-و جاءت هذه المادّة في الآراميّة بمعنى الضّرب و الاصطدام و القسر،كما جاء الخبز في الحبشيّة بلفظ «حبزت»،و عمله«حبز» (1).
و زعم«نولدكه»أنّ العرب أخذت هذه المفردة من الأحباش،لأنّ الخبز-كما قال-لم يكن متداولا بينهم، و كانوا يعدّونه غذاء المترفين و الأشراف،و لكنّه كان عماد الحياة عند الأحباش (2).
جاء منها(خبز)اسما مرّة في آية:
1- ...وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي
ص: 135
خُبْزاً... يوسف:36
يلاحظ أوّلا:أنّ الخبز وحيد الجذر في القرآن،و فيه بحوث:
1-«الخبز»فيها بمعناه الحقيقيّ،لأن الآخر رأى في الرّؤية الخبز بعينه،إلاّ أنّ يوسف عليه السّلام أوّله بالرّأس، و كان تعبيرا صادقا للرّؤيا،فوقعت الطّير على رأس المصلوب تأكل منه.كما أوّل«إعصار الخمر»بأنّه يسقي الخمر ربّه-و هو الملك-فصار ساقيا له.
و لكن لما ذا أوّل الخبز بالرّأس في تعبير يوسف عليه السّلام؟
قال بعض الأساتذة:«لأنّ بالخبز حياة الإنسان و قوام الأجسام،لذلك ناسب تأويله بالرّأس الّذي به حياة سائر البدن،لأنّه العضو الرّئيسيّ»:(كتاب مؤتمر تفسير سورة يوسف 10:670)؛و لعلّه من أجل أنّ الخبّاز يحمل في المعتاد الخبز فوق رأسه في سلّة و نحوها.
2-سمّي الخبز طعاما في قوله: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً الإنسان:8،إذ تظافرت الأخبار أنّ عليّا و أهله عليهم السّلام تصدّقوا على المحاويج الثّلاثة بأرغفة من الخبز.كما ذكر موقده،أي التّنّور في قوله: حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ هود:40،و ما يتكوّن منه،أي السّنبلة في قوله: فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ يوسف:47،و صفة المأكول، و لعلّ الخبز منه في قوله: كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً الطّور:
19 و الحاقّة:24.
3-جاء في مصحف عبد اللّه بن مسعود(فوق رأسى ثريدا)،قال السّمين:«أراد التّفسير فقط».و هذا التّفسير -إن صحّ تفسيرا-أنسب ممّا ذكره سائر المفسّرين،لأنّه يتّسق مع حال الطّير و خلقتها،فهي تلتقط طعامها بمنقار، و ليس بسنّ أو ناب،و الثّريد يناسب ذلك.و أمّا الخبز فلا يمكنها التقاطه،إلاّ أن يتجوّز فيطلق على أصله،أي الحبّ،و هذا لم يذكره أحد.
ثانيا:هل كان الخبز هنا من حبّ الحنطة أو الشّعير؟
لم يتعرّض المفسّرون لهذا الأمر،رغم أنّهم يخوضون في كلّ حديث،و يسلكون كلّ سبيل.و لعلّ فائدة الوقوف على نوع الخبز يهدي إلى تعبير رؤيا من رأى في منامه خبز حنطة أو خبز شعير،و اللّه أعلم.
4-و هذه الآيات بالضّبط سند للرّؤيا الصّادقة و تأويلها،مثل رؤية يوسف عليه السّلام الّتي بدأت القصّة بها إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً...، و جاء تأويلها بعد سنين: وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ يوسف:10،و مثل رؤيا الملك و تأويلها:يوسف:46- 49.و ينبغي تسمية سورة يوسف بسورة الرّؤيا أيضا، لاحظ رأي:«الرّؤيا».
ص: 136
يتخبّطه
لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة
الخليل :الخبط:خبط ورق العضاه،و هو أن تضرب بالعصا حتّى يتناثر،ثمّ تعلفه الإبل،و خبطت له خبطا (1).
و الخبط:الهشّ،و هو اسم مثل النّفض و النّسل،و هو ما خبطته،أي كسرته.
و الخبطة:شيء من ماء و لبن قليل،و الرّفض مثله.
و خبطة من مسّ.و الشّيطان يخبط الإنسان إذا مسّه بأذى و أجنّه و خبّله.
و الخبط:شدّة الوطء بأيدي الدّوابّ.
و تخبّطت الشّيء:توطّأته.
و الخبطة كالزّكمة في قبل الشّتاء،و قد خبط فهو مخبوط.
و يقال للّذي فيه وعوثة في لبسه و عمله:يا خباطة.
و الخبيط:حوض خبطته الإبل حتّى هدمته؛و جمعه:
خبط.و يقال:بل سمّي لأنّ طينه خبط بالأرجل عند بنائه.
و الخبيط:لبن رائب أو مخيض،يصبّ الحليب من اللّبن،ثمّ تضربه حتّى يختلط.
و الاختباط:طلب المعروف،و اختبطت فلانا معروفه فخبطني.
و يقال:بل هو الطّالب بلا وسيلة و لا معرفة؛و الأوّل أجود.
و الخباط:سمة في الفخذ طويلة عرضا،و هي لبني سعد.
و خبوط:يخبط بيديه،أي يضرب.[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات](4:223)
ابن شميّل: الخبطة:الزّكام،و قد خبط الرّجل فهو مخبوط.(الأزهريّ 7:249)
ص: 137
أبو عمرو الشّيبانيّ: قالوا:خبط إبله الرّمث،أي أدخلها الرّمث يخبط.(1:222)
خبط بالخاء من الخبطة،و هو الاسم.
(ابن السّكّيت:537)
أبو زيد:و يقال:أحوذ القوم السّير إحواذا،إذ أسرعوا السّير و أرادوا خروجا أو أمرا،ثمّ أخبطوا عنه إخباطا،إذا تركوه.لم يعرف المازنيّ: أخبطوا عنه إخباطا.(191)
في القربة رفض من ماء و من لبن،و هو مثل الجزعة و النّطفة.يقال منه:رفّضت فيها ترفيضا.و الخبطة مثل الرّفض،و لم يعرف لها و لا للنّطفة فعلا.
(ابن السّكّيت:536)
خبطت الرّجل،أخبطه خبطا،إذا وصلته.
(الأزهريّ 7:249)
الخبط من الماء:الرّفض،و هو ما بين الثّلث إلى النّصف من السّقاء،و الحوض،و الغدير،و الإناء.
و في القربة خبطة من ماء،و هو مثل الجرعة و نحوها، و لم يعرف له فعلا.(الجوهريّ 3:1122)
ابن بزرج:يقال:عليه خبطة جميلة،أي مسحة جميلة في هيئته و سحنته.(الصّغانيّ 4:123)
أبو عبيد: في حديث عمر:«لقد رأيتني بهذا الجبل أحتطب مرّة و أختبط مرّة أخرى على حمار للخطّاب».
و قوله:أختبط:أضرب الخبط من الشّجر،و هو علف الإبل.(2:106)
و في حديث عبد اللّه بن عامر:«قد كنت تقري الضّيف و تعطي المختبط...».
يعني بالمختبط الرّجل الّذي يسأله من غير معرفة كانت بينهما،و لا يد سلفت منه إليه،و لا قرابة.
(2:338)
الخبطة:الجرعة من الماء تبقى في قربة،أو مزادة أو حوض،و لا فعل لها.(الأزهريّ 7:251)
ابن الأعرابيّ: هي الخبطة و الخبطة و الخبطة...
و الحقلة و الحقلة و الحقلة،و الفرشة و الفراشة، و السّحبة و السّحبان.(الأزهريّ 7:251)
[الخباط:سمة]فوق الخدّ،و الجمع:خبط.[ثمّ استشهد بشعر]
و خبطه:وسمه بالخباط.(ابن سيده 5:125)
الخبطة:بقيّة الماء في الغدير،لغة في الخبطة بالكسر.(الصّغانيّ 4:123)
ابن السّكّيت: الإناء الخبط و الرّفض،و هما نحو من النّصف.و يقال:خبيط.[ثمّ استشهد بشعر](535)
و الخبط:مصدر خبط الرّجل القوم بسيفه يخبطهم خبطا،و قد خبط البعير بقوائمه يخبط.
و الخبط:ما سقط من ورق الشّجر،إذا خبط بالعصيّ ليعلفه الإبل.(إصلاح المنطق:68)
و قد خبطت الشّجر أخبطه خبطا.و يقال لما سقط من ورقه:الخبط.(إصلاح المنطق:234)
و قد خبطت الشّجر خبطا،إذا ضربت ورقه بعصا ليسقط فتعلفه الغنم.(إصلاح المنطق:329)
أبو حاتم: الخباط:داء كالجنون.
(ابن دريد 1:236)
شمر:روي عن مكحول:أنّه مرّ برجل نائم بعد
ص: 138
العصر،فدفعه برجله و قال:«لقد عوفيت،لقد رفع عنك،إنّها ساعة مخرجهم،و فيها ينتشرون،و فيها تكون الخبتة».
كان مكحول في لسانه لكنة،و إنّما أراد الخبطة.
(الأزهريّ 7:249)
الحربيّ: الفرس يخبط بيديه.(2:447)
و اختبط فلان فلانا،إذا أتاه فسأله من غير رحم و لا قرابة.(2:529)
المبرّد: الخباط:وسم في الوجه.(1:45)
مثله الخطّابيّ.(1:457)
قوله:«و كلّ مختبط يوما له ورق»أصل هذا في الشّجرة أن يختبطها الرّاعيّ،و هو أن يضربها حتّى يسقط ورقها،فضرب ذلك مثلا لمن يطلب فضله.[ثمّ استشهد بشعر](1:229)
كراع النّمل:الخباط:الضّراب.
(ابن سيده 5:126)
ابن دريد :خبط البعير الأرض بيديه،إذا ضربها.
و كلّ شيء ضربته بيدك فقد خبطته.و تخبّطته و خبطته.
الخبط:ورق يخبط من الشّجر و يلجّن،تعلفه الإبل، و هو الخبيط أيضا.و يقال:في أرض بني فلان خبطة من الكلإ،أي شيء يسير.
و أخبط الرّجل إبله،إذا أعلفها الخبط.
و يقال:اختبط فلان فلانا،إذا طلب معروفه.[ثمّ استشهد بشعر]
و ربّما سمّيت المطيطة من الماء الباقية في الحوض:
خبطة.
و يقال:ما بقي في الوعاء إلاّ خبطة من طعام أو غيره.
(1:236)
الأزهريّ: يقال:تخبّطه الشّيطان إذا مسّه بخبل أو جنون.
و أصل الخبط:ضرب البعير الشّيء بخفّ يده،كما قال طرفة.
و خبطت الشّجرة بالعصا:ضربتها بها.
و المخبطة:العصا.
و قال أبو مالك:الاختباط:طلب المعروف، و الكسب،تقول:اختبطت فلانا،و اختبطت معروفه، فخبطني بخير.
و قال غيره:المختبط:الّذي يسألك بلا وسيلة و لا معرفة.
و يقال:خبطه أيضا،إذا سأله.
[و نقل قول ابن الأعرابيّ ثمّ قال:]
و قال أبو الرّبيع الكلابيّ: كان ذلك بعد خبطة من اللّيل و خدفة و خدمة،أي قطعة.
أبو مالك:الخبطة:القطعة من كلّ شيء.
و الحوض الصّغير يقال له:خبيط.
و الخبيط و الخبوط،من الخيل:الّذي يخبط بيديه.
و قال شجاع:يقال:تخبّطني برجله و تخبّزني...
و خبطني و خبزني،و الخبطة:ضربة الفحل النّاقة.
[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](7:249)
الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]
و يقولون:ما أدري أيّ خابط اللّيل هو؟أيّ الخلق هو؟
ص: 139
الخبطة:الجرعة من الماء،و كذلك الخبيط،و هي القطعة من كلّ شيء،و السّاعة من اللّيل.و مضت خبطة من اللّيل،أي ساعة.
و كذلك الخبطة:المطر الضّعيف،و الجماعة من النّاس؛ و جمعها:خبط.
و الخابط:النّائم.
و المخبط:المطروق.
و الخبّاط من السّمك:أولاد الكنعد الصّغار.
(4:295)
الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّ امرأتين من هذيل كانت إحداهما حبلى،فضربتها ضرّتها بمخبط فأسقطت،فحكم النّبيّ عليه السّلام فيه بغرّة.
المخبط:عصا يخبط بها ورق العضاه؛و هو أن يضرب أغصان الشّجر فيتحاتّ الورق فيعلف الماشية.
يقال:خبطت الورق خبطا؛فالخبط:الفعل،و الخبط مفتوح الباء:الاسم،و الهشّ نحوا من ذلك،و منه قوله تعالى حكاية عن موسى: وَ أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي طه:
18.(1:643)
الجوهريّ: خبط البعير الأرض بيده خبطا:ضربها.
و منه قيل:خبط عشواء،و هي النّاقة الّتي في بصرها ضعف،تخبط إذا مشت،لا تتوقّى شيئا.
و خبط الرّجل،إذا طرح نفسه حيث كان لينام.
...و خبطت الرّجل،إذا أنعمت عليه من غير معرفة بينكما.
و الخباط بالضّمّ،كالجنون و ليس به.تقول منه:
تخبّطه الشّيطان،أي أفسده.
و الخبطة بالكسر:القليل من اللّبن.[ثمّ ذكر قول أبي زيد و أضاف:]
و يقال أيضا:كان ذلك بعد خبطة من اللّيل،أي بعد صدر منه.
و الخبطة أيضا:القطعة من البيوت و النّاس؛و الجمع:
خبط.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:1121)
ابن فارس: خبط:الخاء و الباء و الطّاء أصل واحد، يدلّ على وطء و ضرب.
يقال:خبط البعير الأرض بيده،ضربها.و يقال:
خبط الورق من الشّجر؛و ذلك إذا ضربه ليسقط.
و قد يحمل على ذلك،فيقال لداء يشبه الجنون:
الخباط،كأنّ الإنسان يتخبّط.قال اللّه تعالى: إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ البقرة:275.
و يقال لما بقي من الطّعام أو غيره:خبطة.
الخبطة:الماء القليل،لأنّه يتخبّط فلا يمتنع.
فأمّا قولهم:اختبط فلان فلانا،إذا أتاه طالبا عرفه، فالأصل فيه أنّ السّاري إليه أو السّائر لا بدّ من أن يختبط الأرض،ثمّ اختصرا الكلام فقيل للآتي طالبا جدوى:
مختبط.
و يقال:إنّ الخبطة:المطرة الواسعة في الأرض، و سمّيت عندنا بذلك،لأنّها تخبط الأرض تضربها.
و قد روى ناس عن الشّيبانيّ: أنّ الخابط:النّائم.فإن كان هذا صحيحا فلأنّ النّائم يخبط الأرض بجسمه،كأنّه يضربها به.
و يجوز أن يكون الشّجاع:الخابط،إنّما سمّي به لأنّه يخبط،تخبطه المارّة.
ص: 140
فأمّا الخباط فسمة في الفخذ.و سمّي بذلك لأنّ الفخذ تخبط به.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:241)
الثّعالبيّ: الخبيط:اللّبن الرّائب باللّبن الحليب.(266)
ابن سيده: خبطه يخبطه خبطا:ضربه ضربا شديدا.
و خبط البعير بيده،يخبط خبطا:ضرب الأرض بها، و كلّ ما ضربه بيده،فقد خبطه.
و تخبّطه،كخبطه.
و رجل أخبط:يخبط برجليه.
و فرس خبيط و خبوط:يخبط الأرض برجليه.
و الخبط:الوطء الشّديد.و قيل:هو من أيدي الدّوابّ.
و الخبط:ما خبطته الدّوابّ.
و الخبط:الحوض الّذي قد خبطته الإبل فهدّمته؛ و الجمع:خبط.و قيل:سمّي بذلك لأنّ طينه يخبط بالأرجل عند بنائه.
و خبط القوم بسيفه يخبطهم خبطا:جلدهم.
و خبط الشّجرة يخبطها خبطا:شدّها ثم نفض ورقها منها ليعلفها الإبل و الدّوابّ.
و الخبط:ما انتفض من ورقها إذا خبطت؛و قد اختبط له خبطا.
و النّاقة تختبط الشّوك:تأكله.
و خبط اللّيل يخبطه خبطا:سار فيه على غير هدى.
و ما أدري أيّ خابط اللّيل هو؟أو أيّ خابط ليل هو؟أي أيّ النّاس هو؟
و قيل:الخبط:كلّ سير على غير هدى.
و الخباط:داء كالجنون.
و خبطه الشّيطان و تخبّطه:مسّه بأذى.
و خباطة،معرّفة:الأحمق؛كما قالوا للبحر:خضارة.
و الخبط:طلب المعروف،خبطه يخبطه خبطا، و اختبطه.
و المختبط:الّذي يسألك بلا وسيلة و لا قرابة و لا معرفة.
و خبطه بخير:أعطاه.
و الخباط:سمة تكون في الفخذ عرضا.و قيل:هي الّتي تكون على الوجه،حكاه سيبويه.
و الخبطة،كالزّكمة،تأخذ قبل الشّتاء؛و قد خبط.
و الخبط،و الخبطة،و الخبيط:الماء القليل يبقى في الحوض.
و الخبطة:اللّبن القليل يبقى في السّقاء،و لا فعل له.
و الخبطة:ما يبقى في الوعاء من طعام أو غيره.و أتونا خبطة،أي قطعة قطعة.
و الخبيط:لبن رائب أو مخيض يصبّ عليه الحليب من اللّبن،ثمّ يضرب حتّى يختلط.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](5:123)
و يقال:فلان يخبط في عمياء و يخبط خبط عشواء، أي يأتي ما يأتي بجهالة و بغير تبصّر.
(الإفصاح 1:273)
الخبطة:ما بقي في الوعاء من طعام أو غيره.[ثمّ استشهد بشعر](الإفصاح:448)
الطّوسيّ: و أصل الخبط:الضّرب على غير استواء،
ص: 141
خبطته أخبطه خبطا.
و الخبط:ضرب البعير الأرض بيديه.
و التّخبّط:المسّ بالجنون أو التّخييل،لأنّه كالضّرب على غير استواء في الإدهاش.
و الخبطة:البقيّة من طعام أو ماء أو غيره،لأنّه كالصّبّة من الدّلو،و هي الخبطة به.
و الخبط:ورق تعلفه الإبل.
و الخباط:داء كالجنون،لأنّه اضطراب في العقل كالاضطراب في الضّرب.
و الخبطة كالزّكمة،لأنّها تضرب بالانحدار على اضطراب.
و الخباط:سمة في الفخذ،لأنّها تضرب فيه على اضطراب.(2:360)
الرّاغب: الخبط:الضّرب على غير استواء،كخبط البعير الأرض بيده،و الرّجل الشّجر بعصاه،و يقال:
للمخبوط:خبط،كما يقال للمضروب:ضرب.و استعير لعسف السّلطان فقيل:سلطان خبوط.
و اختباط المعروف:طلبه بعسف،تشبيها بخبط الورق.
و قوله تعالى: يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ البقرة:275،فيصحّ أن يكون من خبط الشّجر،و أن يكون من الاختباط الّذي هو طلب المعروف،يروى عنه صلّى اللّه عليه و سلّم«اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن يتخبّطه الشّيطان من المسّ».(142)
الزّمخشريّ: خبط البعير بيده الأرض:ضربها ضربا شديدا و تخبّطها.
و تخبّطت الشّيء:توطّأته.
و خبط الورق،و علف 8 دابّته الخبط.
و حوض خبيط:خبطته الإبل فهدمته.
و من المجاز:خبط القوم بسيفه.و بات يخبط الظّلماء، و ما أدري أيّ خابط اللّيل هو؟و هو خابط عشوة:
للجاهل.
و خبطه الشّيطان و تخبّطه:مسّه فخبّله،و به خبطة من مسّ و خباط.
و رجل مخبوط:مزكوم،و به خبطة.
و خبطت فلانا و اختبطته:سألته بغير وسيلة.
و خبط في قومه بخير،إذا نفعهم.
و تخبّطت البلاد و اختبطت،إذا وقعت فيها الفتن و الغارات.
و ماله خابط و لا ناطح،أي بعير و لا ثور لمن لا شيء له.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:102)
«اشترى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أعرابيّ حمل خبط...» هو الورق المخبوط.(الفائق 1:348)
في حديث أبي عبيدة:«خرج في سريّة إلى أرض جهينة فأصابهم جوع فأكلوا الخبط».الخبط:«فعل» بمعنى مفعول كالنّفض.(الفائق 1:352)
[في حديث]ابن عامر:«دخل عليه أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في مرضه الّذي مات فيه،فقال:ما ترون في حالي؟قالوا:ما نشكّ لك في النّجاة؛قد كنت تقرى الضّيف و تعطي المختبط».
هو الّذي يسأل من غير سابق معرفة و لا وسيلة، شبّه بخابط الورق.(الفائق 1:353)
ص: 142
عليّ رضى اللّه عنه-سبق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و صلّى (1)أبو بكر، و ثلّث عمر رضي اللّه تعالى عنهما،و خبطتنا فتنة؛فما شاء اللّه!
الخبط:الضّرب على غير استواء كخبط البعير برجله.(الفائق 2:312)
المدينيّ: [ذكر حديث ابن عامر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
و هو خبط الورق:و هو ضربك الشّجر بالعصا ليسقط ورقه.و الخبط و الاختباط أيضا:السّير على غير هداية.(1:548)
ابن الأثير: في حديث تحريم مكّة و المدينة:«نهى أن يخبط شجرها».الخبط:ضرب الشّجر بالعصا ليتناثر ورقها،و اسم الورق السّاقط:خبط بالتّحريك«فعل» بمعنى مفعول،و هو من علف الإبل.
و منه حديث عمر رضى اللّه عنه:«لقد رأيتني بهذا الجبل أحتطب مرّة و أختبط أخرى»أي أضرب الشّجر لينتثر الخبط منه.
و في حديث الدّعاء:«و أعوذ بك أن يتخبّطني الشّيطان».أي يصرعني و يلعب بي.و الخبط باليدين كالرّمح بالرّجلين.
و منه حديث سعد:«لا تخبطوا خبط الجمل،و لا تعطّوا بآمّين»نهاه أن يقدّم رجله عند القيام من السّجود.
و منه حديث عليّ: «خبّاط عشوات»أي يخبط في الظّلام.و هو الّذي يمشي في اللّيل بلا مصباح،فيتحيّر و يضلّ،و ربّما تردّى في بئر أو سقط على سبع،و هو كقولهم:يخبط في عمياء،إذا ركب أمرا بجهالة.(2:7)
الصّغانيّ: الخبطة:ضربة الفحل النّاقة.[ثمّ استشهد بشعر]
الخبط:موضع بأرض جهينة بالقبليّة،على خمسة أيّام من المدينة،بناحية السّاحل.(4:123)
الفيّوميّ: خبطت الورق من الشّجر خبطا،من باب «ضرب»:أسقطته،فإذا سقط فهو خبط بفتحتين، «فعل»بمعنى«مفعول»،مسموع كثيرا.
و تخبّطه الشّيطان:أفسده.
و حقيقة الخبط:الضّرب.و خبط البعير الأرض:
ضربها بيديه.(1:163)
الفيروزآباديّ: خبطه يخبطه:ضربه شديدا،و كذا البعير بيده الأرض،كتخبّطه و اختبطه،و وطئه شديدا، و القوم بسيفه:جلدهم،و الشّجرة:شدّها ثمّ نفض ورقها، و اللّيل:سار فيه على غير هدى،و الشّيطان فلانا:مسّه بأذى كتخبّطه،و زيدا:سأله المعروف من غير آصرة كاختبطه.
فخبطه زيد بخير:أعطاه و فلان:قام،و البعير:وسمه بالخباط،و فلان:طرح نفسه لينام،و فلان فلانا:أنعم عليه من غير معرفة بينهما.
و فرس خبوط و خبيط:يخبط الأرض برجليه.
و المخبط كمنبر:العصا يخبط بها الورق.
و الخبط محرّكة:ورق ينفض بالمخابط،و يجفّف و يطحن و يخلط بدقيق أو غيره،و يوخف بالماء فتوجره الإبل،و كلّ ورق مخبوط،و ما خبطته الدّوابّ و كسرته.ق.
ص: 143
و موضع لجهينة على خمسة أيّام من المدينة،و منه سريّة الخبط من سراياه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى حيّ من جهينة،أو لأنّهم جاعوا حتّى أكلوا الخبط.
و الخبيط:الحوض خبطته الإبل فهدمته؛الجمع:
خبط،و لبن رائب،أو مخيض يصبّ عليه حليب،و الماء القليل يبقى في الحوض.
و الخباط كسحاب:الغبار.
و كغراب:داء كالجنون،و بالكسر:الضّراب،و سمة في الفخذ أو الوجه طويلة عرضا،و هي لبني سعد؛الجمع:
ككتب.
و الخبطة:الزّكمة تصيب في قبل الشّتاء،و قد خبط كعني،و بقيّة الماء في الغدير و الإناء،و يثلّث؛الجمع كعنب و صرد،و اللّبن يبقى في السّقاء،و الطّعام يبقى في الإناء.
و عليه خبطة:مسحة جميلة،و الشّيء القليل،و المطر الواسع في الأرض الضّعيف القطر.
و بالكسر:القطعة من البيوت و النّاس و من اللّيل، و اليسير من الكلإ أو من اللّبن،أو ما بين الثّلث إلى النّصف من السّقاء و الغدير و الإناء.
و أتوا خبطة خبطة:قطعة قطعة أو جماعة جماعة؛ الجمع:كعنب.
و كرمّان:ضرب من السّمك أولاد الكنعد.
و الأخبط:من يضرب برجليه؛الجمع:خبط.
و المخبط كمحسن:المطرق.
و قوله تعالى: كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ أي كما يقوم المجنون في حال جنونه،إذا صرع فسقط،أو يتخبّطه،أي يفسده.(2:369)
الطّريحيّ: الخبط:حركة على غير النّحو الطّبيعيّ، و على غير اتّساق،كخبط الشّعراء من المسّ،أي من مسّ الشّيطان.
و في الدّعاء:«و أعوذ بك أن يتخبّطني الشّيطان عند الموت»و المعنى أعوذ بك أن يمسّني الشّيطان بنزعاته الّتي تزول بها الأقدام،و تصارع العقول و الأحلام.
و الخبط:المشي على غير طريق،و الخبط باليدين كالرّمح بالرّجلين.[ثمّ ذكر نحو الفيّوميّ إلى أن قال:]
و في الحديث:«كان أبي ينزل الحصبة قليلا،و هو دون خبط و حرمان»و هما اسما موضعين.
و المختبط:طالب الرّفد من غير سابق معرفة و لا وسيلة،شبّه بخابط الورق أو خابط اللّيل.(4:244)
الزّبيديّ: قال شيخنا:عبارة الكشّاف«الخبط:
الضّرب على غير استواء»،و قال غيره:هو السّير على غير جادّة أو طريق واضحة،و قيل:أصل الخبط:ضرب متوال على أنحاء مختلفة،ثمّ تجوّز به عن كلّ ضرب غير محمود،و قيل:أصله:ضرب اليد أو الرّجل و نحوها، و المصنّف (1)جعل الخبط:الضّرب الشّديد،و ليس في شيء ممّا ذكرنا،إلاّ أن يدخل في الضّرب الغير المحمود، فتأمّل.
قلت قد تقدّم أنّ الخبط بمعنى الضّرب الشّديد،نقله المصنّف عن«المحكم»و قال غيره:هو الوطء الشّديد، و نقله في«اللّسان»فحينئذ لا يحتاج إلى التّكلّف الّذي ذهب إليه شيخنا من إدخاله في الضّرب الغير المحمود.
و ما نقله عن«الكشّاف»فإنّه مستعار من خبط البعير،ط.
ص: 144
و كذا السّير على غير جادّة.
و قوله و لفظة«كذا»في قوله:«و كذا لبعير»زيادة غير محتاج إليها.
قلت:بل محتاج إليها،فإنّه إشارة إلى الضّرب الشّديد،و مراده من ذلك قولهم:خبط البعير بيده الأرض،إذا ضربها شديدا،كما في«الأساس»أيضا.
و تقدّم عن بعضهم:أنّ الخبط هو الوطء الشّديد،فلو لم يذكر لفظة«كذا»،احتاج إلى زيادة قوله:ضربها شديدا،أو كان يفهم منه مطلق الضّرب،كما هو في «الصّحاح»فتأمّل.(5:124)
مجمع اللّغة :خبطه يخبطه خبطا،مثل ضربه في الوزن و المعنى.
و خبط الشّجر:ضربها بالعصا ليسقط ورقها.
و الخبط:الضّرب على غير نظام،أو على غير استواء.
و تخبّطه تخبّطا:أوقعه في الاضطراب.(1:319)
نحوه محمد إسماعيل إبراهيم.(1:157)
المصطفويّ: [ذكر قول بعض اللّغويّين ثمّ قال:]
و الّذي يظهر من هذه الكلمات و غيرها:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الإسقاط بضرب أو نحوه، كالوطء و التّأثير و الإسقاط،و كذلك الضّرب و نحوه أعمّ من أن يكون محسوسا أو معقولا.
يقال:خبط الورق،خبط البعير بخفّ يده،خبطه بالعصا.و هو مخبوط،أي أصابه الزّكام.و خبطته الدّوابّ، أي كسرته.خبطتهم المنايا،أي أماتتهم،فالجامع بينها هو الإيصال و التّأثير بنحو يوجب السّقوط المطلق.
و باقي المعاني يرجع إلى هذا الأصل الكلّيّ،كما لا يخفى.
و أمّا مفاهيم؛الإفساد و النّوم و الجنون و المرض، فتفسير باللّوازم.(3:15)
اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ. البقرة:275
النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:لمّا أسري بي إلى السّماء،رأيت أقواما يريد أحدهم أن يقوم،و لا يقدر عليه من عظم بطنه، فقلت:من هؤلاء يا جبرائيل؟قال:هؤلاء الّذين يأكلون الرّبا،لا يقومون إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ،و إذا هم بسبيل آل فرعون يعرضون على النّار غدوّا و عشيّا،يقولون:ربّنا متى تقوم السّاعة؟
(الطّبرسيّ 1:389)
ابن عبّاس: يتخبّله.(40)
يقال يوم القيامة لآكل الرّبا:خذ سلاحك للحرب.(الطّبريّ 3:102)
لا يقومون يوم القيامة من قبورهم إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ،يعني الّذي يخنقه الشّيطان في الدّنيا من المسّ،يعني الجنون،فيكون ذلك في القيامة علامة لآكل الرّبا في الدّنيا.
مثله سعيد بن جبير و مجاهد و الحسن.
(الماورديّ 1:275)
ص: 145
نحوه الطّبريّ.(3:102)
سعيد بن جبير: قال:يبعث آكل الرّبا يوم القيامة مجنونا يخنق.(الطّبريّ 3:102)
قتادة :تلك علامة أهل الرّبا يوم القيامة،بعثوا و بهم خبل من الشّيطان.
نحوه الرّبيع.(الطّبريّ 3:103)
هو التّخبّل الّذي يتخبّله الشّيطان من الجنون.(الطّبري 3:103)
ابن زيد :هذا مثلهم يوم القيامة،لا يقومون يوم القيامة مع النّاس،إلاّ كما يقوم الّذي يخنق من النّاس، كأنّه خنق،كأنّه مجنون.(الطّبريّ 3:102)
أبو الهذيل:يجوز أن يكون الصّرع من فعل الشّيطان في بعض النّاس دون بعض،لأنّ الظّاهر من القرآن يشهد به،و ليس في العقل ما يمنع منه.
مثله ابن الأخشاد.(الطّوسيّ 2:360)
الجبّائيّ: و قوله: يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مثل لا حقيقة،على وجه التّشبيه بحال من تغلب عليه المرّة السّوداء،فتضعف نفسه،و يلج الشّيطان بإغوائه عليه، فيقع عند تلك الحال،و يحصل به الصّرع من فعل اللّه.
و نسب إلى الشّيطان مجازا،لما كان عند وسوسته.[و قال بعد قول أبي الهذيل:]
لا يجوز ذلك،لأنّ الشّيطان خلق ضعيف،لم يقدره اللّه على كيد البشر بالقتل و التّخبيط،و لو قوي على ذلك لقتل المؤمنين الصّالحين و الدّاعين إلى الخير،لأنّهم أعداؤه،و من أشدّ الأشياء عليه.(الطّوسيّ 2:360)
الزّجّاج: المعنى:الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون في الآخرة إلاّ كما يقوم المجنون،من حال جنونه.زعم أهل التّفسير أنّ ذلك علم لهم في الموقف،يعرفهم به أهل الموقف،يعلم به أنّهم أكلة الرّبا في الدّنيا.(1:358)
الثّعلبيّ: أي يصرعه و يخبطه الشّيطان،و أصل الخبط:الضّرب و الوطء.و يقال:ناقة خبوط،الّتي تطأ النّاس،و تضرب بقوائمها الأرض.[ثمّ استشهد بشعر](2:281)
نحوه البغويّ.(1:381)
الماورديّ: فيه قولان:
أحدهما:كالسّكران من الخمر يقطع (1)ظهرا لبطن، و نسب إلى الشّيطان،لأنّه مطيع له في سكره.
الثّاني:[و هو قول ابن عبّاس و من تبعه](1:348)
الطّوسيّ: [ذكر قول الجبّائيّ و أبي الهذيل ثمّ قال:] و في ذلك نظر.(2:360)
القشيريّ: من أعرض عن الأمر،و رخّص لنفسه بما يسوّله له خاطره من التّأويل،فلا استقلال لهم في الحال،و لا انتعاش في المآل؛خسروا في عاجلهم و لم يربحوا في آجالهم.(1:223)
الواحديّ: التّخبّط معناه:الضّرب على غير استواء،و يقال للّذي يتصرّف في أمر و لا يهتدي فيه:
يخبط خبط عشواء.[ثمّ استشهد بشعر]
و تخبّطه الشّيطان:إذا مسّه بخبل أو جنون،يقال:به خبطة من الجنون.(1:394)
الزّمخشريّ: أي المصروع،و تخبّط الشّيطان من زعمات العرب،يزعمون أنّ الشّيطان يخبط الإنسانع.
ص: 146
فيصرع.و الخبط:الضّرب على غير استواء كخبط العشواء،فورد على ما كانوا يعتقدون.(1:398)
نحوه البيضاويّ(1:142)،و النّيسابوريّ(3:73)، و الشّربينيّ(1:183)،و النّسفيّ(1:138)،و أبو السّعود (1:316)،و المراغيّ(3:63).
ابن عطيّة: يَتَخَبَّطُهُ «يتفعّله»من خبط يخبط، كما تقول:تملّكه و تعبّده و تحمّله.(1:372)
الفخر الرّازيّ: التّخبّط«تفعّل».فكيف يكون متعدّيا؟
الجواب:«تفعّل»بمعنى فعل كثير.نحو تقسّمه بمعنى قسمه،و تقطّعه بمعنى قطعه.[إلى أن قال:]
المسألة الثّانية:قال الجبائيّ:النّاس يقولون المصروع إنّما حدثت به تلك الحالة،لأنّ الشّيطان يمسّه و يصرعه.
و هذا باطل،لأنّ الشّيطان ضعيف لا يقدر على صرع النّاس و قتلهم.و يدلّ عليه وجوه:
أحدها:قوله تعالى حكاية عن الشّيطان: وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي إبراهيم:22،و هذا صريح في أنّه ليس للشّيطان قدرة على الصّرع و القتل و الإيذاء.
و الثّاني:الشّيطان إمّا أن يقال:إنّه كثيف الجسم،أو يقال:إنّه من الأجسام اللّطيفة،فإن كان الأوّل وجب أن يرى و يشاهد؛إذ لو جاز فيه أن يكون كثيفا و يحضر ثمّ لا يرى،لجاز أن يكون بحضرتنا شموس و رعود و بروق و جبال و نحن لا نراها.و ذلك جهالة عظيمة،و لأنّه لو كان جسما كثيفا فكيف يمكنه أن يدخل في باطن بدن الإنسان.
و أمّا إن كان جسما لطيفا كالهواء،فمثل هذا يمتنع أن يكون فيه صلابة و قوّة،فيمتنع أن يكون قادرا على أن يصرع الإنسان و يقتله.
الثّالث:لو كان الشّيطان يقدر على أن يصرع و يقتل،لصحّ أن يفعل مثل معجزات الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام،و ذلك يجرّ إلى الطّعن في النّبوّة.
الرّابع:أنّ الشّيطان لو قدر على ذلك فلم لا يصرع جميع المؤمنين،و لم لا يخبطهم مع شدّة عداوته لأهل الإيمان،و لم لا يغصب أموالهم،و يفسد أحوالهم،و يفشي أسرارهم،و يزيل عقولهم؟و كلّ ذلك ظاهر الفساد.
و احتجّ القائلون بأنّ الشّيطان يقدر على هذه الأشياء بوجهين:
الأوّل:ما روي أنّ الشّياطين في زمان سليمان بن داود عليهما السّلام كانوا يعملون الأعمال الشّاقّة،على ما حكى اللّه عنهم أنّهم كانوا يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل و جفان،كالجوابي و قدور راسيات.
و الجواب عنه:أنّه تعالى كلّفهم في زمن سليمان،فعند ذلك قدروا على هذه الأفعال،و كان ذلك من المعجزات لسليمان عليه السّلام.
و الثّاني:أنّ هذه الآية و هي قوله: يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ صريح في أن يتخبّطه الشّيطان بسبب مسّه.
و الجواب عنه:أنّ الشّيطان يمسّه بوسوسته المؤذية، الّتي يحدث عندها الصّرع،و هو كقول أيّوب عليه السّلام: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ و إنّما يحدث الصّرع عند تلك الوسوسة،لأنّ اللّه تعالى خلقه من ضعف الطّباع،و غلبة السّوداء عليه بحيث يخاف عند الوسوسة، فلا يجترئ فيصرع عند تلك الوسوسة،كما يصرع
ص: 147
الجبان من الموضع الخالي،و لهذا المعنى لا يوجد هذا الخبط في الفضلاء الكاملين،و أهل الحزم و العقل،و إنّما يوجد فيمن به نقص في المزاج،و خلل في الدّماغ،فهذا جملة كلام الجبّائيّ في هذا الباب.
و ذكر القفّال فيه وجها آخر،و هو أنّ النّاس يضيفون الصّرع إلى الشّيطان و إلى الجنّ،فخوطبوا على ما تعارفوه من هذا،و أيضا من عادة النّاس أنّهم إذا أرادوا تقبيح شيء أن يضيّفوه إلى الشّيطان،كما في قوله تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ الصّافّات:65.
المسألة الثّالثة:للمفسّرين في الآية أقوال:
الأوّل:أنّ آكل الرّبا يبعث يوم القيامة مجنونا،و ذلك كالعلامة المخصوصة بآكل الرّبا،فيعرفه أهل الموقف بتلك العلامة أنّه آكل الرّبا في الدّنيا،فعلى هذا معنى الآية:أنّهم يقومون مجانين،كمن أصابه الشّيطان بجنون.
و القول الثّاني:قال ابن منبّه:يريد إذا بعث النّاس من قبورهم خرجوا مسرعين،لقوله: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً المعارج:43،إلاّ أكلة الرّبا،فإنّهم يقومون و يسقطون،كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ؛و ذلك لأنّهم أكلوا الرّبا في الدّنيا،فأرباه اللّه في بطونهم يوم القيامة حتّى أثقلهم،فهم ينهضون و يسقطون،و يريدون الإسراع و لا يقدرون.
و هذا القول غير الأوّل،لأنّه يريد أنّ أكلة الرّبا لا يمكنهم الإسراع في المشي بسبب ثقل البطن،و هذا ليس من الجنون في شيء.و يتأكّد هذا القول بما روي في قصّة الإسراء أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم انطلق به جبريل إلى رجال كلّ واحد منهم كالبيت الضّخم،يقوم أحدهم فتميل به بطنه فيصرع،فقلت:يا جبريل من هؤلاء؟قال:
اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ البقرة:275.
و القول الثّالث:أنّه مأخوذ من قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ الأعراف:201.و ذلك لأنّ الشّيطان يدعو إلى طلب اللّذّات و الشّهوات و الاشتغال بغير اللّه، فهذا هو المراد من مسّ الشّيطان،و من كان كذلك كان في أمر الدّنيا متخبّطا،فتارة الشّيطان يجرّه إلى النّفس و الهوى،و تارة الملك يجرّه إلى الدّين و التّقوى،فحدثت هناك حركات مضطربة،و أفعال مختلفة.فهذا هو الخبط الحاصل بفعل الشّيطان.
و آكل الرّبا لا شكّ أنّه يكون مفرطا في حبّ الدّنيا متهالكا فيها،فإذا مات على ذلك الحبّ صار ذلك الحبّ حجابا بينه و بين اللّه تعالى،فالخبط الّذي كان حاصلا في الدّنيا بسبب حبّ المال أورثه الخبط في الآخرة،و أوقعه في ذلّ الحجاب.و هذا التّأويل أقرب عندي من الوجهين اللّذين نقلناهما عمّن نقلنا.(7:95)
ابن جزيّ: أجمع المفسّرون أنّ المعنى:لا يقومون من قبورهم في البعث إلاّ كالمجنون.(1:94)
أبو حيّان :[نحو قول الماورديّ الأوّل ثمّ قال:]
و ظاهر الآية أنّ الشّيطان يتخبّط الإنسان،فقيل:
ذلك حقيقة هو من فعل الشّيطان،بتمكين اللّه تعالى له من ذلك في بعض النّاس،و ليس في العقل ما يمنع من ذلك.
و قيل:ذلك من فعل اللّه لما يحدثه فيه من غلبة
ص: 148
السّوء،أو انحراف الكيفيّات و احتدادها فتصرعه، فنسب إلى الشّيطان مجازا،تشبيها بما يفعله أعوانه مع الّذين يصرعونهم.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]
و تخبّط هنا«تفعّل»موافق للمجرّد و هو«خبط»، و هو أحد معاني«تفعّل»نحو تعدّى الشّيء و عداه،إذا جاوزه من المسّ.(2:334)
السّمين: يَتَخَبَّطُهُ «يتفعّله»،و هو بمعنى المجرّد، أي يخبطه؛فهو مثل:تعدّى الشّيء و عداه.و معنى ذلك مأخوذ من خبط البعير بأخفافه،إذا ضرب بها الأرض.
و يقال:فلان يخبط خبط عشواء.[ثمّ استشهد بشعر](1:661)
الكاشانيّ: إلاّ كقيام المصروع من المسّ،أي الجنون.(1:278)
نحوه البروسويّ.(1:236)
الآلوسيّ: أي إلاّ قياما كقيام المتخبّط المصروع في الدّنيا.و التّخبّط«تفعّل»بمعنى«فعل»،و أصله:ضرب متوال على أنحاء مختلفة،ثمّ تجوّز به عن كلّ ضرب غير محمود.
و قيام المرابي يوم القيامة كذلك ممّا نطقت به الآثار، فقد أخرج الطّبرانيّ عن عوف بن مالك قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:إيّاك و الذّنوب الّتي لا تغفر:الغلول،فمن غلّ شيئا أتي به يوم القيامة؛و أكل الرّبا،فمن أكل الرّبا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبّط»ثمّ قرأ الآية.و هو ممّا لا يحيله العقل و لا يمنعه،و لعلّ اللّه تعالى جعل ذلك علامة له يعرف بها يوم الجمع الأعظم عقوبة له،كما جعل لبعض المطيعين أمارة تليق به يعرف بها كرامة له.
و يشهد لذلك أنّ هذه الأمّة يبعثون يوم القيامة غرّا محجّلين من آثار الوضوء.و إلى هذا ذهب ابن عبّاس و ابن مسعود و قتادة،و اختاره الزّجّاج.
و قال ابن عطيّة:المراد تشبيه المرابي في حرصه و تحرّكه في اكتسابه في الدّنيا بالمتخبّط المصروع،كما يقال لمن يسرع بحركات مختلفة:قد جنّ.
و لا يخفى أنّه مصادمة لما عليه سلف الأمّة،و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،من غير داع سوى الاستبعاد الّذي لا يعتبر في مثل هذه المقامات.(3:49)
القاسميّ: [ذكر كلام الفيروزآباديّ و قال:]
المعنى أنّهم يقومون يوم القيامة مخبّلين كالمصروعين،تلك سيماهم يعرفون بها عند الموقف، هتكا لهم و فضيحة.
قال الحرّاليّ: في إطلاقه إشعار بحالهم في الدّنيا و البرزخ و الآخرة.ففي إعلامه إيذان بأنّ آكله يسلب عقله،و يكون بقاؤه في الدّنيا بخرق لا بعقل.يقبل في محلّ الإدبار،و يدبر في محلّ الإقبال.
قال البقاعيّ: و هو مؤيّد بالمشاهدة،فإنّا لم نر و لم نسمع قطّ بآكل ربا ينطق بالحكمة،و لا يشهر بفضيلة،بل هم أدنى النّاس و أدنسهم.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]
قال النّاصر في«الانتصار»:معنى قول«الكشّاف»:
«من زعمات العرب،أي كذباتهم و زخارفهم الّتي لا حقيقة لها».و هذا القول على الحقيقة من تخبّط الشّيطان بالقدريّة،من زعماتهم المردودة بقواطع الشّرع.ثمّ ساق ما ورد في ذلك من الأحاديث و الآثار.
ص: 149
و قال بعده:«و اعتقاد السّلف و أهل السّنّة أنّ هذه أمور على حقائقها واقعة،كما أخبر الشّرع عنها.و إنّما القدريّة خصماء العلانية،فلا جرم أنّهم ينكرون كثيرا ممّا يزعمونه مخالفا لقواعدهم،من ذلك:السّحر،و خبطة الشّيطان،و معظم أحوال الجنّ.و إن اعترفوا بشيء من ذلك فعلى غير الوجه الّذي يعترف به أهل السّنّة،و ينبئ عنه ظاهر الشّرع في خبط طويل لهم».لاحظ ش طن:
«الشّيطان».(3:701)
سيّد قطب :إنّهم لا يقومون في الحياة،و لا يتحرّكون إلاّ حركة الممسوس المضطرب القلق المتخبّط، الّذي لا ينال استقرارا و لا طمأنينة و لا راحة.و إذا كان هناك شكّ في الماضي أيّام نشأة النّظام الرّأسماليّ الحديث في القرون الأربعة الماضية،فإنّ تجربة هذه القرون لا تبقي مجالا للشّكّ أبدا.[و له بحث مستوفى سيأتي في«ر ب و»]
(1:326)
ابن عاشور :التّخبّط مطاوع خبطه،إذا ضربه ضربا شديدا فاضطرب له،أي تحرّك تحرّكا شديدا،و لمّا كان من لازم هذا التّحرّك عدم الاتّساق،أطلق التّخبّط على اضطراب الإنسان من غير اتّساق.
ثمّ إنّهم يعمدون إلى فعل المطاوعة فيجعلونه متعدّيا إلى مفعول،إذا أرادوا الاختصار،فعوضا عن أن يقولوا:
خبطه فتخبّط،يقولون:تخبّطه،كما قالوا:اضطرّه إلى كذا.
فتخبّط الشّيطان المرء:جعله إيّاه متخبّطا،أي متحرّكا على غير اتّساق.
و الّذي يتخبّطه الشّيطان هو المجنون الّذي أصابه الصّرع،فيضطرب به اضطرابات،و يسقط على الأرض إذا أراد القيام،فلمّا شبّهت الهيئة بالهيئة،جيء في لفظ الهيئة المشبّه بها بالألفاظ الموضوعة،للدّلالة عليها في كلامهم،و إلاّ لما فهمت الهيئة المشبّه بها،و قد عرف ذلك عندهم.(2:549)
مغنيّة:إنّ الشّيطان لا يمسّ أحدا،و لا سلطان له على أحد في الخبل و الصّرع،و إنّما القصد مجرّد التّشبيه و التّقريب لأذهان العرب،الّذين يقولون عمّن يصاب بالصّرع،مسّه الشّيطان.
و معنى الآية أنّ حال الّذين يتعاملون بالرّبا،تماما كحال المجنون و المصروع الّذي يخبط في تصرّفاته خبط عشواء.
و روي عن ابن عبّاس:أنّ المرابين يقومون من قبورهم غدا كالمصر و عين،و يكون ذلك أمارة لأهل الموقف على أنّهم أكلة الرّبا.(1:436)
الطّباطبائيّ: الخبط هو المشي على غير استواء، يقال:خبط البعير،إذا اختلّ جهة مشيه،و للإنسان في حياته طريق مستقيم لا ينحرف عنه،فإنّه لا محالة ذو أفعال و حركات في طريق حياته،بحسب المحيط الّذي يعيش فيه.
و هذه الأفعال محفوظة النّظام بأحكام اعتقاديّة عقلانيّة،وضعها و نظّمها الإنسان،ثمّ طبّق عليها أفعاله الانفراديّة و الاجتماعيّة،فهو يقصد الأكل إذا جاع، و يقصد الشّرب إذا عطش،و الفراش إذا اشتهى النّكاح، و الاستراحة إذا تعب،و الاستظلال إذا أراد السّكن، و هكذا.و ينبسط الأمور و ينقبض عن أخرى في معاشرته،و يريد كلّ مقدّمة عند إرادة ذيها،و إذا طلب
ص: 150
مسبّبا مال إلى جهة سببه.
و هذه الأفعال على هذه الاعتقادات مرتبطة متّحدة نحو اتّحاد،متلائمة غير متناقضة،و مجموعها طريق حياته.
و إنّما اهتدى الإنسان إلى هذا الطّريق المستقيم بقوّة مودوعة فيه،هي القوّة المميّزة بين الخير و الشّرّ،و النّافع و الضّارّ،و الحسن و القبيح،و قد مرّ بعض الكلام في ذلك.
و أمّا الإنسان الممسوس و هو الّذي اختلّت قوّته المميّزة،فهو لا يفرق بين الحسن و القبيح،و النّافع و الضّارّ،و الخير و الشّرّ،فيجري حكم كلّ مورد فيما يقابله من الموارد،لكن لا لأنّه ناس لمعنى الحسن و القبح و غيرهما،فإنّه بالأخرة إنسان ذو إرادة،و من المحال أن يصدر عن الإنسان غير الأفعال الإنسانيّة،بل لأنّه يرى القبيح حسنا و الحسن قبيحا،و الخير و النّافع شرّا و ضارّا،و بالعكس فهو خابط في تطبيق الأحكام و تعيين الموارد.
و هو مع ذلك لا يجعل الفعل غير العادي عاديّا دون العكس،فإنّ لازم ذلك أن يكون عنده آراء و أفكار منتظمة،ربّما طبّقها على غير موردها من غير عكس،بل قد اختلّ عنده حكم العادة و غيره،و صار ما يتخيّله و يريده هو المتّبع عنده،فالعادي و غير العادي عنده على حدّ سواء،كالنّاقة تخبط و تضرب على غير استواء،فهو في خلاف العادة،لا يرى العادة إلاّ مثل خلاف العادة،من غير مزيّة لها عليه،فلا ينجذب من خلاف العادة إلى العادة،فافهم ذلك.
و هذا حال المرابي في أخذه الرّبا:إعطاء الشّيء و أخذ ما يماثله و زيادة بالأجل،فإنّ الّذي تدعو إليه الفطرة،و يقوم عليه أساس حياة الإنسان الاجتماعيّة،أن يعامل بمعاوضة ما عنده من المال الّذي يستغني عنه،ممّا عند غيره من المال الّذي يحتاج إليه،و أمّا إعطاء المال و أخذ ما يماثله بعينه مع زيادة،فهذا شيء ينهدم به قضاء الفطرة و أساس المعيشة،فإنّ ذلك ينجرّ من جانب المرابي إلى اختلاس المال من يد المدين،و تجمّعه و تراكمه عند المرابي،فإنّ هذا المال لا يزال ينمو و يزيد،و لا ينمو إلاّ من مال الغير،فهو بالانتقاص و الانفصال من جانب، و الزّيادة و الانضمام إلى جانب آخر.
و ينجرّ من جانب المدين المؤدّي للرّبا إلى تزايد المصرف بمرور الزّمان،تزايدا لا يتداركه شيء مع تزايد الحاجة،و كلّما زاد المصرف،أي نما الرّبا بالتّصاعد زادت الحاجة.من غير أمر يجبر النّقص و يتداركه،و في ذلك انهدام حياة المدين.
فالرّبا يضادّ التّوازن و التّعادل الاجتماعيّ،و يفسد الانتظام الحاكم على هذا الصّراط المستقيم الإنسانيّ، الّذي هدته إليه الفطرة الإلهيّة.
و هذا هو الخبط الّذي يبتلي به المرابي كخبط الممسوس،فإنّ المراباة يضطرّه أن يختلّ عنده أصل المعاملة و المعاوضة،فلا يفرق بين البيع و الرّبا،فإذا دعي إلى أن يترك الرّبا و يأخذ بالبيع،أجاب أنّ البيع مثل الرّبا،لا يزيد على الرّبا بمزيّة،فلا موجب لترك الرّبا و أخذ البيع،و لذلك استدلّ تعالى على خبط المرابين بما حكاه من قولهم: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا البقرة:275.
و من هذا البيان يظهر أوّلا:أنّ المراد بالقيام في قوله تعالى: لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ هو الاستواء على الحياة
ص: 151
و القيام بأمر المعيشة،فإنّه معنى من معاني القيام،يعرفه أهل اللّسان في استعمالاتهم،قال تعالى: لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ الحديد:25،و قال تعالى: أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ الرّوم:25،و قال تعالى: وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ النّساء:127،و أمّا كون المراد به المعنى المقابل للقعود فممّا لا يناسب المورد،و لا يستقم عليه معنى الآية.
و ثانيا:أنّ المراد بخبط الممسوس في قيامه،ليس هو الحركات الّتي يظهر من الممسوس حال الصّرع،أو عقيب هذا الحال،على ما يظهر من كلام المفسّرين،فإنّ ذلك لا يلائم الغرض المسوق لبيانه الكلام،و هو ما يعتقده المرابي من عدم الفرق بين البيع و الرّبا،و بناء عمله عليه،و محصّله أفعال اختياريّة صادرة عن اعتقاد خابط،و كم من فرق بينهما و بين الحركات الصّادرة عن المصروع حال الصّرع،فالمصير إلى ما ذكرناه من كون المراد قيام الرّبويّ في حياته بأمر المعاش،كقيام الممسوس الخابط في أمر الحياة!
و ثالثا:النّكتة في قياس البيع بالرّبا دون العكس في قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا و لم يقل:إنّما الرّبا مثل البيع،كما هو السّابق إلى الذّهن، و سيجيء توضيحه.
و رابعا:أنّ التّشبيه،أعني قوله: اَلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ لا يخلو عن إشعار بجواز تحقّق ذلك في مورد الجنون في الجملة،فإنّ الآية و إن لم تدلّ على أنّ كلّ جنون هو من مسّ الشّيطان،لكنّها لا تخلو عن إشعار بأنّ من الجنون ما هو بمسّ الشّيطان،و كذلك الآية و إن لم تدلّ على أنّ هذا المسّ من فعل إبليس نفسه، فإنّ الشّيطان بمعنى الشّرّير،يطلق على إبليس و على شرار الجنّ و شرار الإنس؛و إبليس من الجنّ،فالمتيقّن من إشعار الآية أنّ للجنّ شأنا في بعض الممسوسين إن لم يكن في كلّهم.
و ما ذكره بعض المفسّرين:أنّ هذا التّشبيه من قبيل المجاراة مع عامة النّاس في بعض اعتقاداتهم الفاسدة؛ حيث كان اعتقادهم بتصرّف الجنّ في المجانين.و لا ضير في ذلك،لأنّه مجرّد تشبيه خال عن الحكم حتّى يكون خطأ غير مطابق للواقع،فحقيقة معنى الآية،أنّ هؤلاء الآكلين للرّبا حالهم حال المجنون الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ،و أمّا كون الجنون مستندا إلى مسّ الشّيطان فأمر غير ممكن،لأنّ اللّه سبحانه أعدل من أن يسلّط الشّيطان على عقل عبده أو على عبده المؤمن.
ففيه:أنّه تعالى أجلّ من أن يستند في كلامه إلى الباطل و لغو القول،بأيّ نحو كان من الاستناد،إلاّ مع بيان بطلانه و ردّه على قائله،و قد قال تعالى في وصف كلامه: لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ فصّلت:41،42،و قال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ* وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ الطّارق:13،14.
و أمّا أنّ استناد الجنون إلى تصرّف الشّيطان بإذهاب العقل ينافي عدله تعالى،ففيه أنّ الإشكال بعينه مقلوب عليهم في إسنادهم ذهاب العقل إلى الأسباب الطّبيعيّة، فإنّها أيضا مستندة بالآخرة إلى اللّه تعالى مع إذهابها العقل.
على أنّه في الحقيقة ليس في ذهاب العقل بإذهاب
ص: 152
اللّه إيّاه إشكال.لأنّ التّكليف يرتفع حينئذ بارتفاع الموضوع،و إنّما الإشكال في أن ينحرف الإدراك العقليّ عن مجرى الحقّ و سنن الاستقامة،مع بقاء موضوع العقل على حاله،كأن يشاهد الإنسان العاقل الحسن قبيحا و بالعكس،أو يرى الحقّ باطلا و بالعكس،جزافا بتصرّف من الشّيطان،فهذا هو الّذي لا يجوز نسبته إليه تعالى.و أمّا ذهاب القوّة المميّزة و فساد حكمها تبعا لذهاب نفسها،فلا محذور فيه سواء أسند إلى الطّبيعة أو إلى الشّيطان.
على أنّ استناد الجنون إلى الشّيطان ليس على نحو الاستقامة و من غير واسطة،بل الأسباب الطّبيعيّة كاختلال الأعصاب و الآفة الدّماغيّة أسباب قريبة ورائها الشّيطان،كما أنّ أنواع الكرامات تستند إلى الملك مع تخلّل الأسباب الطّبيعيّة في البين،و قد ورد نظير ذلك فيما حكاه اللّه عن أيّوب عليه السّلام؛إذ قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ ص:41،و إذ قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ الأنبياء:83، و الضّرّ هو المرض،و له أسباب طبيعيّة ظاهرة في البدن، فنسب ما به من المرض المستند إلى أسبابه الطّبيعيّة إلى الشّيطان.
و هذا و ما يشبهه،من الآراء المادّيّة الّتي دبّت في أذهان عدّة من أهل البحث،من حيث لم يشعروا بها، حيث إنّ أصحاب المادّة لمّا سمعوا الإلهيّين يسندون الحوادث إلى اللّه سبحانه،أو يسندون بعضها إلى الرّوح أو الملك أو الشّيطان اشتبه عليهم الأمر،فحسبوا أنّ ذلك إبطال للعلل الطّبيعيّة و إقامة لما وراء الطّبيعة مقامها،و لم يفقهوا أنّ المراد به تعليل في طول تعليل لا في عرض تعليل،و قد مرّت الإشارة إلى ذلك في المباحث السّابقة مرارا.
و خامسا:فساد ما ذكره بعض آخر من المفسّرين:
أنّ المراد بالتّشبيه بيان حال آكلي الرّبا يوم القيامة، و أنّهم سيقومون عن قبورهم يوم القيامة،كالصّريع الّذي يتخبّطه الجنون.و وجه الفساد:أنّ ظاهر الآية على ما بيّنّا لا يساعد هذا المعنى،و الرّواية لا تجعل للآية ظهورا فيما ليست بظاهرة فيه،و إنّما تبيّن حال آكل الرّبا يوم القيامة.
قال في تفسير«المنار»:و أمّا قيام آكل الرّبا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ،فقد قال ابن عطيّة في تفسيره:المراد تشبيه المرابي في الدّنيا بالمتخبّط المصروع،كما يقال لمن يصرع بحركات مختلفة:قد جنّ.
أقول:و هذا هو المتبادر،و لكن ذهب الجمهور إلى خلافه،و قالوا:إنّ المراد بالقيام:القيام من القبر عند البعث،و أنّ اللّه تعالى جعل من علامة المرابين يوم القيامة أنّهم يبعثون كالمصروعين،و رووا ذلك عن ابن عبّاس و ابن مسعود،بل روى الطّبرانيّ من حديث عوف بن مالك مرفوعا:[و ذكر مثل الآلوسي]
ثمّ قال:و المتبادر إلى جميع الأفهام ما قاله ابن عطيّة، لأنّه إذا ذكر القيام انصرف إلى النّهوض المعهود في الأعمال،و لا قرينة تدلّ على أنّ المراد به البعث.و هذه الرّوايات لا يسلم منها شيء من قول في سنده،و هي لم تنزل مع القرآن،و لا جاء المرفوع منها مفسّرا للآية، و لولاها لما قال أحد بغير المتبادر الّذي قال به ابن عطيّة،
ص: 153
إلاّ من لم يظهر له صحّته في الواقع.
ثمّ قال:و كان الوضّاعون الّذين يختلقون الرّوايات يتحرّون في بعضها ما أشكل عليهم ظاهره من القرآن، فيضعون لهم رواية يفسّرونه بها،و قلّما يصحّ في التّفسير شيء.انتهى ما ذكره.
و لقد أصاب فيما ذكره من خطئهم،لكنّه أخطأ في تقرير معنى التّشبيه الواقع في الآية؛حيث قال:أمّا ما قاله ابن عطيّة فهو ظاهر في نفسه،فإنّ أولئك الّذين فتنهم المال و استعبدهم حتّى ضربت نفوسهم بجمعه،و جعلوه مقصودا لذاته،و تركوا لأجل الكسب به جميع موارد الكسب الطّبيعيّ،تخرج نفوسهم عن الاعتدال الّذي عليه أكثر النّاس،و يظهر ذلك في حركاتهم و تقلّبهم في أعمالهم،كما تراه في حركات المولعين بأعمال البورصة و المغرمين بالقمار،يزيد فيهم النّشاط و الانهماك في أعمالهم،حتّى يكون خفّة تعقبها حركات غير منتظمة.
و هذا هو وجه الشّبه بين حركاتهم و بين تخبّط الممسوس،فإنّ التّخبط من الخبط،و هو ضرب غير منتظم و كخبط العشواء.انتهى.
فإنّ ما ذكره من خروج حركاتهم عن الاعتدال و الانتظام و إن كان في نفسه صحيحا،لكن لا هو معلول أكل الرّبا محضا،و لا هو المقصود من التّشبيه الواقع في الآية:
أمّا الأوّل:فإنّما ذلك لانقطاعهم عن معنى العبوديّة، و إخلادهم إلى لذائذ المادّة؛ذلك مبلغهم من العلم،فسلبوا بذلك العفّة الدّينيّة و الوقار النّفسانيّ،و تأثّرت نفوسهم عن كلّ لذّة يسيرة مترائية من المادّة،و تعقّب ذلك اضطراب حركاتهم،و هذا مشاهد محسوس من كلّ من حاله الحال الّذي ذكرنا،و إن لم يمسّ الرّبا طول حياته.
و أمّا الثّاني:فلأنّ الاحتجاج الواقع في الآية على كونهم خابطين،لا يلائم ما ذكره من وجه الشّبه،فإنّ اللّه سبحانه يحتجّ على كونهم خابطين في قيامهم،بقوله:
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا، و لو كان كما يقول،كان الأنسب الاحتجاج على ذلك بما ذكر من اختلال حركاتهم،و فساد النّظم في أعمالهم،فالمصير ما قدّمناه.(2:410)
المصطفويّ: صيغة«تفعّل»تدلّ على المطاوعة و المتابعة.يقال:خبّط الشّيطان،أي جعله خابطا،فتخبّطه الشّيطان،أي فطاوع الشّيطان و تابع و خبطه.
فالتّعبير بالتّخبّط دون الخبط،إشارة إلى أنّ خبط الشّيطان ليس ابتدائيّا و من دون مقدّمة و اقتضاء،بل بتبعيّة ذلك الشّخص و مطاوعته و طلبه و اقتضاء المورد.
و يدلّ عليه آخر الآية ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا.
و المعنى:أنّ آكل الرّبا لا يقوم في حياته و لإدامة حياته و في معيشته،إلاّ كقيام من خبطه الشّيطان و مسّه، و أسقطه من مقامه و تعقّله و استقلاله،فصار مغلوبا عقله، و مقهورا تعقّله،و مختلاّ تفكّره.
و لا يخفى أنّ الضّرب من الشّيطان يتحقّق بصورة المسّ،و هو أقوى مراتب التّأثير.[ثمّ استشهد بآيات:
يونس:12،و الأعراف:188،و ص:48،و البقرة:
236،237.]
و أمّا حالة المخبوطيّة،و كون آكل الرّبا كمن مسّه
ص: 154
الشّيطان،و صار في اختلال من جهة العقل و التّدبير و نظم الأمور،فقد يشاهد منهم بالحسّ و الدّقّة.(3:15)
عبد الكريم الخطيب :إنّهم كلّما أرادوا أن يقوموا من هذا الهمّ الثّقيل،الّذي أقعدهم و أعجزهم عن السّير في ركب الحياة مع النّاس،تخبّطوا و اضطربوا،فقاموا ثمّ قعدوا،و قاموا ثمّ قعدوا.ثمّ لا يكاد أحدهم يهمّ بالقيام حتّى يسقط،ثمّ يهمّ و يسقط،ثمّ يختلج جسده كلّه، و يضطرب كيانه كلّه،فيخرّ صريعا،و يضطرب على الأرض اضطراب الجمل المذبوح.(2:351)
مكارم الشّيرازيّ: الخبط هو فقدان توازن الجسم عند المشي أو القيام.فالآية تشبّه المرابي بالمصروع،أو المجنون الّذي لا يستطيع الاحتفاظ بتوازنه عند السّير، فيتخبّط في خطواته.
و لعلّ المقصود هو وصف طريقة«سير المرابين الاجتماعيّ»في الدّنيا،على اعتبار أنّهم أشبه بالمجانين في أعمالهم،فهم يفتقرون إلى التّفكير الاجتماعيّ السّليم،بل إنّهم لا يشخّصون حتّى منافعهم الخاصّة،و أنّ مشاعر المواساة و العواطف الإنسانيّة و أمثالها،لا مفهوم لها في عقولهم؛إذ أنّ عبادة المال تسيطر على عقولهم إلى درجة أنّها تعميهم عن إدراك ما ستؤدّي إليه أعمالهم الجشعة الاستغلاليّة،من غرس روح الحقد في قلوب الطّبقات المحرومة الكادحة،و ما سيعقب ذلك من ثورات و انفجارات اجتماعيّة تعرض أساس الملكيّة للخطر،و في مثل هذا المجتمع سينعدم الأمن و الاستقرار،و ستصادر الرّاحة من جميع النّاس بمن فيهم هذا المرابي،و لذلك فإنّه يجني على نفسه أيضا بعمله الجنونيّ هذا.
و يقال أيضا:إنّ هذا الوصف ينطبق على المرابي يوم القيامة؛إذ يتقدّم فيها مترنّحا و يحشر كالمجانين.
أكثر المفسّرين يرون الاحتمال الثّاني،إلاّ أنّ بعض المفسّرين المحدثين يفضّلون الاحتمال الأوّل.
و لكن بما أنّ وضع الإنسان في العالم الآخر تجسيد لأعماله في هذا العالم،فيحتمل أن تكون الآية إشارة إلى المعنيين.أي أنّ الّذين يقومون في الدّنيا قياما غير متعقّل و غير متوازن،يخالطه اكتناز جنونيّ للثّروة،سيحشرون يوم القيامة كالمجانين.
إنّ الرّوايات و الأحاديث تشير إلى كلا المفهومين.
ففي حديث عن الإمام الصّادق عليه السّلام في تفسير هذه الآية أنّه قال:«آكل الرّبا لا يخرج من الدّنيا حتّى يتخبّطه الشّيطان».
و في رواية أخرى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشأن تجسيد حال المرابين،الّذين لا يهمّهم غير مصالحهم الخاصّة،و ما ستجرّه عليهم أموالهم المحرّمة قال:«لمّا أسري بي إلى السّماء رأيت قوما،يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه،فقلت:من هؤلاء يا جبرائيل!؟قال:
هؤلاء الّذين يأكلون الرّبا،لا يقومون إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ».
الحديث الأوّل يبيّن اضطراب الإنسان في هذه الدّنيا،و يعكس الحديث الثّاني حال المرابين في مشهد يوم القيامة،و كلاهما يرتبطان بحقيقة واحدة،فكما أنّ الإنسان المبطان الأكول يسمن بإفراط و بغير حساب، كذلك المرابون الّذين يسمنون بالمال الحرام،لهم حياة اقتصاديّة مريضة تكون وبالا عليهم.
ص: 155
سؤال:هنا يبرز سؤال و هو:هل الجنون و الصّرع اللّذين أشارت إليهما الآية المذكورة من عمل الشّيطان، مع أنّنا نعلم أنّ الصّرع و الجنون من الأمراض النّفسيّة الّتي لها أسباب معروفة في الغالب؟
الجواب:يرى بعضهم أنّ تعبير«مسّ الشّيطان» كناية عن الأمراض النّفسيّة و الجنون،و هو تعبير كان شائعا عند العرب،و لا يعني أنّ للشّيطان تأثيرا فعليّا في روح الإنسان.
و لكن مع ذلك لا يستبعد أن يكون لبعض الأعمال الشّيطانيّة الّتي يرتكبها الإنسان دون تروّ،أثر يؤدّي إلى نوع من الجنون الشّيطانيّ،أي يكون للشّيطان على إثر هذه الأعمال فاعليّة في الشّخص يسبّب اختلال تعادله النّفسيّ.ثمّ إنّ الأعمال الشّيطانيّة الخاطئة إذا تكرّرت و تراكمت،يكون أثرها الطّبيعيّ هو أن يفقد الإنسان قدرته على تمييز السّقيم من السّليم،و الصّالح من الطّالح، و التّفكير المنطقيّ من المعوجّ.(2:241)
فضل اللّه :كيف نفهم هذا التّشبيه،هل هو حديث عن حالة المرابي في يوم القيامة؛حيث يقوم من قبره كما يقوم المصروع،كعلامة على أنّه من أكلة الرّبا،كما يروى عن ابن عبّاس؟
أو هو حديث عن جانب التّخبّط العمليّ الّذي يوجب اختلاط خطواته العمليّة بطريقة غير متوازنة،كما يتخبّط المصروع في خطواته عند ما يسير أو يتصرّف؟
أو هو تشبيه بحالة المصروع في السّير على غير هدى،لاختلاط الأمور في ذهنه،ممّا يؤدّي به إلى أن يرى الحسن قبيحا و القبيح حسنا،و يتحوّل ذلك إلى التّخبّط في مجاله العمليّ؟
لعلّ هذا هو الأقرب-و اللّه العالم-لمناسبته للفقرة التّالية ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا فقد جرت هذه الفقرة مجرى التّعليل لحالتهم في التّشبيه؛إذ اختلط الأمر عليهم،فاستنكروا الموقف السّلبيّ ضدّ الرّبا في الوقت الّذي يكون الموقف فيه إيجابيّا تجاه البيع، و خيّل إليهم أنّ البيع مثل الرّبا،لاشتمال كلّ منهما على الرّبح و الزّيادة.
و لكن هذا الموقف خاطئ،فإنّ البيع يؤدّي إلى تسهيل عمليّة التّبادل في المجتمع،في ما تختلف فيه خصائص الأشياء،فيدفع الإنسان إلى غيره ما يستغني عنه في مقابل الحصول على ما يحتاج إليه،لتعود المنفعة إليهما معا،في ما يفترق به كلّ من العوضين من خصوصيّات متنوّعة،و بذلك تتقدّم الحياة و تنمو و تزدهر.
أمّا الرّبا،فإنّه لا يضيف إلى المشتري الّذي يأخذ مثل ما يدفع بزيادة أيّة ميزة تفرض ذلك،ممّا يجعل الزّيادة أكلا للمال بالباطل من جهة،و انحرافا عن مصلحة الإنسان الفرد و المجتمع من جهة أخرى،في ما قدّمناه من حديث.
و قد يرى بعض المفسّرين،أنّ التّخبّط قد يظهر في اعتبار الأصل فرعا،لا كما هو كلام المرابين في عكس الموضوع؛و ذلك بقياس البيع على الرّبا،لأنّ من المعقول أن يقول الإنسان:إنّ الّذي تنهاني عنه كالّذي تأمرني به، و ليس من المعقول أن يقول:إنّ الّذي تأمرني به كالّذي تنهاني عنه،لأنّ معنى القول الأوّل أنّه يسلّم أنّ الّذي
ص: 156
يؤمر به أصل ذو مزيّة يجب اتّباعه،لكنّه يدّعي أنّ الّذي ينهى عنه ذو مزيّة مثله،و لم يكن معنى كلامه إبطال المزيّة و إهماله،كما يراه الممسوس.
و لكن هذا المعنى غير ظاهر من اللّفظ في تحديد حالة الخبط،بل الظّاهر من سياق الكلام هو إنكارهم التّفريق بينهما في التّشريع،في حلّيّة هذا و حرمة ذاك، فكأنّهم يريدون أن يقولوا:إنّ الشّيء الّذي تمارسونه و تستحلّونه لا يختلف عن الشّيء الّذي نمارسه،ممّا تستنكرونه علينا و تحرّمونه على أنفسكم،فلا بدّ لكم من أن تحرّموهما معا أو تحلّلوهما معا.و ما دامت المسألة حاسمة لديكم في تحليل البيع،فلا بدّ من أن تكون كذلك بتحليل الرّبا،لأنّ وحدة العلّة تقتضي وحدة المعلول.
و ربّما يؤكّد ذلك قوله تعالى في الفقرة التّالية من الآية: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فإنّه يوحي بالإنكار عليهم في ما قرّروه من رفض الفكرة في الفرق بينهما،من دون تحديد لخصائص التّعبير،و ذلك من خلال دعوتهم إلى التّفكير في المسألة بشكل أعمق،من خلال معرفتهم بأنّ اللّه أحلّ البيع و حرّم الرّبا،ممّا يعني بأنّ هناك مفسدة كبيرة في الرّبا،ليست موجودة في البيع، و أنّ هناك مصلحة في البيع لا يتضمّنها الرّبا،لأنّ اللّه لا يشرّع حكما إلاّ من خلال ما يحقّق صلاح الإنسان،أو يبعده عن الفساد.
و في ضوء ذلك يمكن فهم كلام علماء البلاغة،من أنّ هذا من التّشبيه المقلوب،فإنّهم يريدون القول:إنّما الرّبا مثل البيع،ليصلوا إلى غرضهم و هو التّحليل،فعكسوا الكلام للمبالغة،و قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا الّذي يوحي بأنّهم يريدون تحريم البيع،من خلال الظّاهر، فأصبح المشبّه به قائما بالمشبّه و تابعا له،فإنّ هذا النّحو من القلب في الكلام،لا يبتعد عن تحقيق غرضهم بالطّريقة الّتي أشرنا فيها إلى معنى الكلام المذكور.
و قد عرض المفسّرون لجانب آخر في تفسير هذه الفقرة من الآية،فإنّنا نستفيد منها أنّ هناك حالة من الصّرع أو الجنون تعرض للإنسان من خلال مسّ الشّيطان له،كما تعتقد العامّة في أمثال هذه الحالات أنّها من عمل الجنّ.فهل يريد القرآن أن يؤكّد هذه الفكرة، و يعتبرها كحقيقة دينيّة حاسمة في تقريره لبعض حقائق الظّواهر الإنسانيّة في الحياة،أو أنّ التّشبيه وارد في سياق التّعبير المعروف لدى النّاس في ما يعتقدونه من أسباب الصّرع،فكأنّ القرآن قصد الفكرة الّتي أريدت من الكلمات،لا المدلول الحرفيّ نفسه لها،تماما كما هو المعنى الّذي يراد الكناية عنه بلازمه في أساليب الكناية في اللّغة العربيّة،أو أنّ هناك وجها ثالثا للقضيّة غير هذين الوجهين؟
ربّما يجد بعض المفسّرين المعنى الثّاني أقرب إلى عدل اللّه،فإنّه سبحانه أعدل من أن يسلّط الشّيطان على عقل عبده،أو على عبده المؤمن.و لكن صاحب«الميزان»يردّ هذا الرّأي،بأنّ اللّه تعالى أجلّ من أن يستند في كلامه إلى الباطل و لغو القول،بأيّ نحو كان من الاستناد،إلاّ مع بيان بطلانه،و ردّه على قائله،و بأنّ تسليط الشّيطان على عقل الإنسان إذا كان منافيا للعدل،فإنّ تسليط الأسباب الطّبيعيّة عليه في ما كان منها مذهبا للعقل كذلك،لأنّهما سيّان في استنادهما إلى اللّه بالنّهاية،مع خروجهما عن
ص: 157
إرادة الإنسان و اختياره.و بأنّ مبدأ إذهاب العقل لا يتنافى مع العدل،فإنّه رافع للتّكليف من الأساس،فلا مشكلة أمام الإنسان من هذه الجهة.
ثمّ يضيف صاحب«الميزان»إلى ذلك قوله:على أنّ استناد الجنون إلى الشّيطان ليس على نحو الاستقامة و من غير واسطة،بل الأسباب الطّبيعيّة كاختلال الأعصاب و الآفة الدّماغيّة أسباب قريبة وراءها الشّيطان،كما أنّ أنواع الكرامات تستند إلى الملك مع تخلّل الأسباب الطبيعيّة في البين.و قد ورد نظير ذلك في ما حكاه اللّه عن أيّوب عليه السّلام؛إذ قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ؛ و إذ قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ الأنبياء:83،و الضّرّ هو المرض،و له أسباب طبيعيّة ظاهرة في البدن،فنسب ما به من المرض المستند إلى أسبابه الطّبيعيّة إلى الشّيطان.ثمّ يختم ملاحظته بأنّ أسلوب القرآن في إسناد الأعمال أو الظّواهر إلى اللّه أو إلى الرّوح أو الملك أو الشّيطان،لا يعني الإسناد المباشر الّذي يلغي الأسباب الطّبيعيّة،بل ما يتناسب مع ذلك ممّا يجعل الفاعل في طول السّبب لا في عرضه.
و نحن نوافق صاحب«الميزان»على ملاحظته بأنّ القضيّة لا علاقة لها بموضوع عدالة اللّه،غير أنّ ذلك لا يعني تأكيدنا للفكرة الّتي يعتقدها العامّة من خلال الآية،فإنّ القضيّة متعلّقة بالفهم الصّحيح لمعنى الآية في ما تذكره من كلمة«الشّيطان».فما هو المراد منها،هل هو المعنى الحقيقيّ الّذي تحدّث عنه القرآن في أكثر من مرّة، الّذي يعبّر عن الكائن الخفيّ الّذي أبقاه اللّه في الدّنيا، و منحه الخلود فيها من أجل أن يثير في الإنسان خواطر الشّرّ و دوافع العصيان،و هو الّذي يعطيه القرآن اسم إبليس في أكثر من مورد؟أو هو المعنى المجازيّ الّذي يراد منه العوامل الخفيّة المتنوّعة الّتي تسبّب الجنون و غيره من الأمراض،و تكون العلاقة بين المعنيين عبارة عن أنّ كلاّ منهما يمثّل عنصرا خفيّا يؤثّر في الفكر و الشّعور تارة،و في البدن و العقل تارة أخرى؟و إذا كان المراد هو المعنى المجازيّ،فما هي القرينة أو الدّليل على صرف اللّفظ عن معناه الحقيقيّ؟
إنّنا نستقرب ورود اللّفظ على أساس المجاز لا على أساس الحقيقة؛و ذلك من خلال دراستنا لشخصيّة الشّيطان في القرآن،و علاقته بالإنسان في ما أعطاه اللّه من دور فاعل في حياته.فإنّنا نلاحظ محاولة القرآن للتّأكيد أنّ دور الشّيطان الأوّل و الأخير،هو إثارة وساوس الشّرّ من خلال تزيينه في أعين النّاس،و محاولة الإضلال بالأساليب الّتي تساهم في تحقيق الضّلال، بإرادة الإنسان و اختياره.أمّا السّيطرة عليه بالمستوى الّذي لا يستطيع معه الوقوف أمامه،و لا يملك إلاّ الرّضوخ لسلطانه،فهذا ما نفاه القرآن في أكثر من آية إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ الحجر:42.
فإنّنا نجد في الآية نفيا مطلقا لسلطان الشّيطان على الإنسان،إلاّ من خلال الوسائل العاديّة الّتي لا تلغي عنصر الاختيار الّذي تتحرّك في داخله المسئوليّة.فإذا لم يكن للشّيطان سلطان تكوينيّ على نقل الإنسان من قناعة إلى قناعة مضادّة في موضوع الكفر و الإيمان و الخير و الشّرّ،فكيف يكون له سلطان على إلغاء عقل الإنسان
ص: 158
بالكلّيّة من خلال وسائل غير منظورة،لا يملك الإنسان أمامها القدرة على المقاومة.إنّ القضيّة ليست قضيّة عدالة الموضوع و عدم عدالته،بل هي قضيّة دور الشّيطان في حياة الإنسان من خلال حكمة وجوده في الأرض،ممّا يوحي لنا بأنّه لا يملك أيّ دور آخر تجاه الإنسان.
و هناك نقطة أخرى لا بدّ لنا من إثارتها في هذا المجال، و هي أنّ ذلك قد يتنافى مع الجوّ الّذي أراد اللّه أن يثيره في صراع الإنسان مع الشّيطان،و هو الإيحاء بكرامة الإنسان من خلال أمره للشّيطان بالسّجود لآدم،و جعله خليفة اللّه في الأرض،ممّا يوجب أن لا يجعله تحت رحمته في أقدس شيء وهبه اللّه له،و ميّزه به على مخلوقاته الأخرى و هو العقل،لأنّ ذلك يجعله ألعوبة في يده،يعبث به كيف يشاء من خلال الوسائل الخفيّة الّتي يملكها ضدّ الإنسان.
أمّا تسليطه على إضلاله بالوسوسة و أمثالها،فإنّها تؤكّد جانب الكرامة فيه و لا تنفيها؛و ذلك من خلال ثقة اللّه بالإنسان،بما زوده به من العقل و أرسله إليه من رسل،و في ما أنزله عليه من كتب و رسالات،بأنّه يستطيع الانتصار على الشّيطان باستعمال هذه الوسائل، ليبلغ بذلك الدّرجات الّتي تعلو درجات الملائكة في ما وردت به الأحاديث الشّريفة...إنّ اللّه سبحانه قد وضع الإنسان في ساحة المعركة الّتي يملك إرادة الانتصار فيها، و في ذلك تأكيد لقدرة الإنسان على الانتصار في معركته مع الشّيطان.
و من خلال هذا العرض،نستطيع الخروج بنتيجة حاسمة،و هي أنّ كلمة الشّيطان هنا لا يراد بها إبليس،كما لم يرد منها ذلك في ما حكاه اللّه عن أيّوب،فإنّ الظّاهر إرادة الضّرّ و المرض منه،لا على أساس أنّ الشّيطان هو السّبب الأعمق في سلسلة الأسباب الطّبيعيّة،بل على أساس استعمال اللّفظ في المرض نفسه و نحوه.أمّا الدّليل على هذا الاستعمال،فهو ما قرّرناه من عدم وجود دور للشّيطان في هذا المجال،و اللّه العالم.(5:136،142)
1-الأصل في هذه المادّة:الخبط،و هو ضرب البعير الأرض بخفّ يده.يقال:خبط بيده يخبط خبطا،أي ضرب الأرض بها.ثمّ توسّع فيه،فاستعمل في خبط الدّوابّ الشّيء بأيديها،و ربّما بأرجلها،يقال:فرس خبيط و خبوط،أي يخبط الأرض برجليه،و الخبوط من الخيل:الّذي يخبط بيديه.و في الآدميّين بالأرجل؛يقال:
رجل أخبط،أي يخبط برجليه.و في الضّرب الشّديد، و كذا في سائر اللّغات السّاميّة،كالعبريّة و الآراميّة و السّريانيّة.
و الخبط:ضرب ورق الشّجر حتّى ينحاتّ عنه،ثمّ يستخلف من غير أن يضرّ ذلك بأصل الشّجرة و أغصانها،يقال:خبط الشّجرة بالعصا يخبطها خبطا،أي شدّها ثمّ ضربها بالعصا،و نفض ورقها منها ليعلفها الإبل و الدّوابّ،و النّاقة تختبط الشّوك:تأكله،و المخبط:العصا الّتي يخبط بها الشّجر،و المخبطة:القضيب و العصا.
و الخبط:ما انتفض من ورق الشّجرة إذا خبطت؛ «فعل»بمعنى«مفعول»،و قد اختبط له خبطا،و هو ما
ص: 159
خبطته الدّوابّ أيضا،أي كسرته.
و الخبطة و الخبطة:بقيّة الماء في الغدير،لأنّه-كما قال ابن فارس-يتخبّط فلا يمتنع.
و الخبطة من الماء:الرّفض،و هو ما بين الثّلث إلى النّصف من السّقاء و الحوض و الغدير و الإناء.يقال:في الإناء خبط،و يقال:خبيط و خبيطة.
و الخبطة:ما بقي في الوعاء من طعام أو غيره.يقال:
في القربة خبطة من ماء،و هو مثل الجرعة و نحوها.
و الخبطة:القطعة من البيوت و النّاس،تشبيها بخبطة الغدير.يقال:أتونا خبطة خبطة،أي قطعة قطعة؛و الجمع:
خبط.
و الخباط:الضّراب،و الوسم في الفخذ أو الوجه؛ و الجمع:خبط.يقال:خبطه خبطا،أي وسمه بالخباط، و سمّي بذلك لأنّ الفخذ أو الوجه يخبط به.
و الخبيط:الحوض الّذي خبطته الإبل فهدّمته؛ و الجمع:خبط،سمّي بذلك لأنّ طينه يخبط بالأرجل عند بنائه.
و الخبيط:لبن رائب أو مخيض،يصبّ عليه الحليب من اللّبن،ثمّ يضرب حتّى يختلط.
و يقال مجازا:خبط عشواء،و هي النّاقة الّتي في بصرها ضعف تخبط إذا مشت لا تتوقّى شيئا،و فلان يخبط في عمياء،إذا ما ركب ركب بجهالة.
و الخبط:كلّ سير على غير هدى.يقال:خبط اللّيل يخبطه خبطا،أي سار فيه على غير هدى،و ما أدري أيّ خابط اللّيل هو؟أو أيّ خابط ليل هو؟أيّ النّاس هو؟
و الخبط:طلب المعروف.يقال:خبطه يخبطه خبطا، أي سأله،و اختبطت فلانا،و اختبطت معروفه،فاختبطني بخير.و اختبطني فلان:جاء يطلب المعروف من غير آصرة،فهو مختبط،و خبطت الرّجل أخبطه خبطا:
وصلته،شبّه بخابط الورق،أو خابط اللّيل.
و الخبطة:كالزّكمة تأخذ قبل الشّتاء،و قد خبط فهو مخبوط.
و الخباط:داء كالجنون و ليس به،كأنّ الإنسان يتخبّط،يقال:خبطه الشّيطان و تخبّطه،أي مسّه بأذى و أفسده،و بفلان خبطة من مسّ.و الخباطة:الأحمق.
و خبط الرّجل خبطا:طرح نفسه حيث كان و نام، لأنّه-على قول ابن فارس-يخبط الأرض بجسمه،كأنّه يضربها به.
و خبط القوم بسيفه يخبطهم خبطا:جلدهم.
2-و الخبط:الخلط.يقال:في كلام فلان خبط و خلط،و هو من قول المولّدين،و خبط الماء:خاض فيه فعكره،و هو ماء خابط،يريدون به مخبوط،و يستعمل اليوم بكثرة في لغة أهل العراق.كما يطلقون لفظ «خبّاطة»على آلة تخلط الإسمنت و الحصى بالماء، و يستعمل هذا الخليط في البناء.
جاء منها لفظ واحد:(يتخبّطه)مرّة في آية:
1- اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ... البقرة:275
يلاحظ أوّلا:أنّ«التّخبّط»وحيد الجذر في القرآن، و فيه بحوث:
ص: 160
1-شبّه قيام من يتعاطى الرّبا بقيام الّذي يصرعه الشّيطان من الجنون؛إذ القيام نقيض الصّرع،و الصّرع قريب من معنى التّخبّط في اللّغة،و أمّا من فسّره بالتّخبّل و الخنق فقد بعد عن هذا المعنى.غير أنّ أغلب المفسّرين ذهبوا إليه،و جعلوه علامة يوم القيامة لآكل الرّبا،لأنّهم أوّلوا القيام بالبعث و النّشور.و لكن لم يرد في الآية ما يدلّ على ذلك،إلاّ أن يتأوّل متأوّل،كما فعل المتقدّمون.
2-وصف الشّيطان بأنّه عدوّ و مريد و رجيم و قرين سوء و غير ذلك،و وسم بصفات كثيرة؛و منها:الوسوسة و التّسويل،و الإيحاء و الإلقاء و غيرها.و لم يذكر بأنّه قام بعمل إلاّ في هذه الآية،لأنّ التّخبّط-كما تقدّم-هو الصّرع و التّخبّل و الخنق و كذا الضّرب أيضا.
و اختلف العلماء في جواز ذلك،قال أبو الهذيل:
«يجوز أن يكون الصّرع من فعل الشّيطان في بعض النّاس دون بعض،لأنّ الظّاهر من القرآن يشهد به، و ليس في العقل ما يمنع منه».
و تعقّبه الجبّائيّ قائلا:«لا يجوز ذلك،لأنّ الشّيطان خلق ضعيفا،لم يقدره اللّه على كيد البشر بالقتل و التّخبيط».
بيد أنّ الزّمخشريّ نحا نحوا آخر،و زعم أنّ اللّه أنزل هذه الآية وفقا لما تعتقده العرب،فقال:«من زعمات العرب يزعمون أنّ الشّيطان يخبط الإنسان فيصرع...
فورد على ما كانوا يعتقدون».
و ردّه القاسميّ بقول النّاصر:«معنى قول الكشّاف:
من زعمات العرب...من تخبّط الشّيطان بالقدريّة من زعماتهم المردودة بقواطع الشّرع».
3-يظهر أنّ المراد بالتّخبّط هنا الإغواء؛إذ يتصرّف المرابي في أموره على غير هدى من جرّاء وسوسة الشّيطان،فيخبط خبط عشواء،فالكلام على المجاز لا الحقيقة.
4-و هذه المسألة قد فصّل المفسّرون و طوّلوا الكلام فيها،و تجاوزوا حدّ الحاجة،فلاحظ النّصوص.
و لعلّ سائلا يقول:هل التّخبّط من فعل الشّيطان صرفا،أو من فعل اللّه بتسليطه على العباد؟
يقال:هو من فعل الشّيطان لا غير،و ليس من فعل اللّه،كما ذهبت الجبريّة.
و يلاحظ ثانيا:أنّ ورودها مرّة في سورة مدنيّة ربّما يشعر بأنّها خاصّة بلغة أهل المدينة،فكانوا يلفظون بها قليلا،و شكل المثل.
و ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن الصّرع:
فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ الحاقّة:7.
ص: 161
ص: 162
خبالا
لفظ واحد،مرّتان،في سورتين مدنيّتين
الخليل :الخبل:جنون أو شبهه في القلب.و رجل مخبول:به خبل،و هو مخبّل،أي لا فؤاد له،و قد خبله الدّهر و الحزن و الشّيطان و الحبّ و الدّاء خبلا.
و قد خبل خبالا،و رجل أخبل.
و دهر خبل:ملتو على أهله،لا يرون فيه سرورا.
و الخبل:فساد في القوائم حتّى لا يدري كيف يمشي، فهو متخبّل خبل.
و مختبل الدّابّة:فعله،و مختبلها:قوائمها،و اختبالها:ألاّ تثبت في مواطئها.
و به خبال،أي مسّ و شرّ،قال اللّه تعالى:
لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً آل عمران:118،أي شرّا.
و هو خبال على أهله،أي عناء.
و طين الخبال:ما ذاب من أجساد أهل النّار.
و الرّجل تصيبه السّنة فيأتي أخاه فيستخبله غنما و إبلا ينتفع بها.[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:272)
الفرّاء: الخبال:أن تكون البئر متلجّفة،فربّما دخلت الدّلو في تلجيفها فتنخرق.[ثمّ استشهد بشعر]
(الأزهريّ 7:424)
الخبل:الجنّ،و الخبل:الإنس،و الخبل:المزادة، و الخبل:الجنون،و الخبل:جودة الحمق بلا جنون،و الخبل:
القربة الملأى.(الأزهريّ 7:427)
الأصمعيّ: خبل فلان فلانا عن كذا و كذا،إذا منعه؛ يخبله خبلا.
و خبلت يده،أي شلّت.(الأزهريّ 7:427)
أبو عبيد: و أمّا الإخبال فإنّ الرّجل منهم كان يعطي الرّجل البعير أو النّاقة ليركبها،فيجتزّ وبرها، و ينتفع بها،ثمّ يردّها.[ثمّ استشهد بشعر](1:177)
ابن الأعرابيّ: الخبال:الفساد،و الخبال:الجنون، و الخبال،عصارة أهل النّار.
ص: 163
و في الحديث:«من أكل الرّبا أطعمه اللّه من طينة الخبال يوم القيامة».
و قال رجل من العرب:إنّ لنا في بني فلان خبلا في الجاهليّة،أي قطع أيد و أرجل.
الخبل:الجنّ،و الخبل الإنس،و الخبل:الجراحة.
و الخبل بالجزم:قطع اليد و الرّجل.يقال:بنو فلان يطالبوننا بخبل،أي بقطع أيد و أرجل و جراحات.
(الأزهريّ 7:425)
المخبّل:المجنون،و به سمّي المخبّل الشّاعر،و هو المخبل.
الخبال:السّمّ القاتل.
و الخبلة:الفساد من جراحة أو كلمة.
و الخبل:الفساد في الثّمر.(الأزهريّ 7:427)
ابن السّكّيت: خبل يده،إذا أشلّها.(103)
و أخبله فرسا،إذا أعاره فرسا يغزو عليه.[ثمّ استشهد بشعر]
و سمعت أبا عمرو يقول:أبعيته فرسا،في معنى أخبلته.(519)
الخبل:فساد الأعضاء.يقال:بنو فلان يطالبون بني فلان بدماء و خبل،أي بقطع أيد و أرجل.
و الخبل:الجنّ،يقال:به خبل،أي شيء من أهل الأرض.(إصلاح المنطق:52)
نحوه ابن جنّيّ.(ابن سيده 5:209)
الزّجّاج: الخبال:الفساد و ذهاب الشّيء.
(2:451)
ابن دريد :و الخبل و الخبل أصله من الجنون،لأنّ الجنّ يسمّون الخابل،ثمّ سمّوا العاشق مخبولا تشبيها بذلك.
و الخبال أصله من النّقصان مثل التّباب،ثمّ صار الهلاك خبالا.
و زعم المفسّرون في قوله عزّ و جلّ: ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً التّوبة:47،أي و هنا،هكذا قال أبو عبيدة.و قال آخرون:إنّ طينة الخبال موضع في جهنّم،و اللّه أعلم.
و رجل مخبول و مختبل.
و الخبال:داء يصيب الإنسان يسترخى منه مفاصله.
و أخبلت الرّجل،إذا أعطيته عن غير سؤال.[ثمّ استشهد بشعر]
و أهل اليمن يقولون للرّجل إذا رثوا له من عيب فيه:
خبالية من كذا و كذا،أخرجوها مخرج حنانية و هذاذية، و ما أشبه ذلك.(1:238)
و خباليك:من الخبال.(3:449)
القاليّ: الخبل:الفساد في البدن.(2:34)
الأزهريّ: يقال منه:أخبلت الرّجل أخبله إخبالا.
و في الحديث:«من أصيب بدم أو خبل...»معناه:بقطع يد أو عضو.
و في حديث آخر:«بين يدي السّاعة خبل».يعني فساد الفتنة و الهرج و القتل.
و الخابل:الجنّ؛و جمعه:خبل.(7:426)
الصّاحب:الخبل:الجنون،رجل مخبول و مخبّل:
لا فؤاد له.و خبله الحبّ و الحزن،و خبل خبالا.
و دهر خبل:ملتو على أهله.
و الخبل:فساد في القوائم حتّى لا يدري كيف يمشي،
ص: 164
فهو مخبّل خبل.
و مختبل الدّابّة:قوائمها.
و هو خبال على أهله،أي عناء.
و المخبّل:الدّهر.
و خبل فلان يد فلان:أشلّها.و خبل:أصابه فالج.
و الخبل:الجراح.
و الخابل:الجنّ،و كذلك الخبّل.
و الرّجل تصيبه السّنة فيأتي أخاه فيستخبله من ماله،لينتفع به إلى وقت الإخصاب،ثمّ يردّه فيخبله الّذي سأل.
و الإخبال:الإعارة.
و يقولون:وقع في خبلي من كذا،أي في نفسي و خلدي.قال:و هو كقولهم:سقط في يدي.و قد تفتح الخاء.
و قومي يطالبون بني فلان بدماء و خبل،أي بقطع أيد و أرجل.
و خبل الرّجل عن فعل أبيه،أي قصّر.(4:353)
الجوهريّ: الخبل بالتّسكين:الفساد؛و الجمع:
خبول.يقال:لنا في بني فلان دماء و خبول.فالخبول:قطع الأيدي و الأرجل.
و الخبل،بالتّحريك:الجنّ.يقال:به خبل،أي شيء من أهل الأرض.
و قد خبله و خبّله و اختبله،إذا أفسد عقله أو عضوه.
و رجل مخبّل،كأنّه قد قطعت أطرافه.
و مخبّل:اسم شاعر من بني سعد.
و دهر خبل،أي ملتو على أهله.
و مخبّل،بكسر الباء:اسم للدّهر.
و يقال:فلان خبال على أهله،أي عناء.و الخبال أيضا:الفساد.
و أمّا الّذي في الحديث:«من قفا مؤمنا بما ليس فيه، وقفه اللّه تعالى في ردغة الخبال حتّى يجيء بالمخرج منه» فيقال:هو صديد أهل النّار.قوله:«قفا»أي قذف، و الرّدغة:الطّينة.
و أخبلته المال،إذا أعرته ناقة لينتفع بألبانها و أوبارها.أو فرسا يغزو عليه،و هو مثل الإكفاء.
[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:1682)
أبو هلال :الفرق بين الإفقار و الإخبال:أنّ الإخبال أن يعطى الرّجل فرسا ليغزو عليه.و قيل:هو أن يعطيه ماله ينتفع بصوفه و وبره و سمنه.[ثمّ استشهد بشعر]
و الفرق بين ذلك-المنحة و العريّة-و بين الإفقار أنّ الإفقار:مصدر فقر الرّجل ظهر بعيره ليركبه ثمّ يردّه، مأخوذ من الفقار و هو عظم الظّهر،يقال:أفقرته البعير، أي أمكنته من فقاره.(139)
ابن سيده: الخبل:فساد الأعضاء.
و الخبل،في عروض البسيط و الرّجز:ذهاب السّين و التّاء من«مستفعلن»؛مشتقّ من«الخبل»،الّذي هو قطع اليد.
قال أبو إسحاق:لأنّ السّاكن كأنّه يد السّبب؛فإذا حذف السّاكنان صار الجزء كأنّه قطعت يداه،فبقي مضطربا.
و قد خبل الجزء،و خبّله.
و أصابه خبل،أي فالج و فساد أعضاء و عقل.
ص: 165
و الخبل:الجنّ،و هم الخابل.
و قيل الخابل:الجنّ،و الخبل:اسم للجمع؛كالقعد و الرّوح،أسماء لجمع:قاعد و رائح،و قيل:هو جمع.
و الخابل:الشّيطان.و الخابل:المفسد.
و قالوا:خبل خابل،يذهبون إلى المبالغة.
و الخبل،و الخبل،و الخبل،و الخبال:الجنون.
و قد خبله الحزن:و اختبله.
و خبل خبالا؛فهو أخبل،و خبل.
و دهر خبل:ملتو على أهله.و الخبال:النّقصان،و هو الأصل،ثمّ سمّي الهلاك خبالا،و استعاره بعض الشّعراء للدّلو.
و طينة الخبال:ما سال من جلود أهل النّار.
و فلان خبال على أهله،أي عناء.
و الخبل:فساد في القوائم.
و اختبلت الدّابّة:لم تثبت في موطنها.
و استخبل الرّجل إبلا و غنما،فأخبله:استعاره فأعاره.
و الخبل في كلّ شيء:القرض و الاستعارة.
و الخبل:ما زدته على شرطك الّذي يشترطه لك الجمّال.
و خبل الرّجل خبلا:عقله و حبسه.
و ما خبلك عنّا خبلا؟أي ما حبسك؟
و الخبل:طائر يصيح اللّيل كلّه صوتا واحدا يحكي:
ماتت خبل.
و المخبّل:شاعر.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]
(5:209)
الخبل:الجنون و شبهه كالهوج و البله.
خبله الحزن يخبله خبلا،و خبّله:أذهب فؤاده فهو مخبول و مخبّل.
و الخبال:الفساد و الجنون و قد خبل يخبل خبلا و خبالا.(الإفصاح 1:521)
الرّاغب: الخبال:الفساد الّذي يلحق الحيوان فيورثه اضطرابا،كالجنون و المرض المؤثّر في العقل و الفكر،و يقال:خبل و خبل و خبال،و يقال:خبله و خبّله فهو خابل؛و الجمع:الخبل،و رجل مخبّل.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]
و في الحديث:«من شرب الخمر ثلاثا كان حقّا على اللّه تعالى أن يسقيه من طينة الخبال».[ثمّ استشهد بشعر](142)
الزّمخشريّ: خبله خبلا و خبّله و اختبله:أفسده، فخبل خبلا و خبالا.
و به خبل و خبل و خبول:جنون و فساد في عقله.
و خبلته الجنّ و خبّلته.و مسّه الخابل،أي الجنّيّ.
و رجل مخبول و مخبّل،و خبّله الحبّ،و اختبلته فلانة، و عاشق مختبل.
و به خبل:فساد عضو من داء أو قطع.
و فلان خبال على أهله.
و بلاه اللّه بطينة الخبال،و ردغة الخبال،و هي ما يخوضونه من صديد أهل النّار.
و خبلت يده،إذا أشللتها.
و هم يطلبون بني فلان بدماء و خبل،و هو قطع الأيدي و الأرجل.
ص: 166
و أصاب النّاس خبل،أي فتنة من قتل و جراح.
و دهر خبل:ملتو على أهله فاسد.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:103)
في حديثه صلّى اللّه عليه و آله:«بين يدي السّاعة الخبل»هو الفساد بالفتن.(الفائق 1:350)
في الحديث:«من أكل الرّبا أطعمه اللّه تعالى من طينة الخبال يوم القيامة».قيل:هو ما ذاب من حراقة أجساد أهل النّار.(الفائق 1:354)
المدينيّ: في حديث الأنصار:«أنّ صاحب خبل يأتي إلى نخلهم فيفسد».و الخبل:الفساد.(1:548)
ابن الأثير: منه الحديث:«و بطانة لا تألوه خبالا» أي لا تقصّر في إفساد أمره.
و منه حديث ابن مسعود:«إنّ قوما بنوا مسجدا بظهر الكوفة،فأتاهم،فقال:جئت لأكسر مسجد الخبال»أي الفساد.(2:8)
الفيّوميّ: الخبل بسكون الباء:الجنون،و شبهه كالهوج و البله،و قد خبله الحزن،إذا أذهب فؤاده،من باب«ضرب».و خبّله فهو مخبول و مخبّل.
و الخبل بفتحها أيضا:الجنون.
و خبلته خبلا من باب«ضرب»أيضا فهو مخبول،إذا أفسدت عضوا من أعضائه أو أذهبت عقله.
و الخبال بفتح الخاء:يطلق على الفساد و الجنون.
(1:163)
الفيروزآباديّ: الخبل:فساد الأعضاء،و الفالج، و يحرّك فيهما،و قطع الأيدي و الأرجل؛جمعه:خيول، و ذهاب السين و الفاء من«مستفعلن»في البسيط و الرّجز،لأنّ السّاكن كأنّه يد السّبب،فإذا ذهب فكأنّه قطعت يده،و الحبس و المنع،و القرض،و الاستعارة،و ما زدته على شرطك الّذي يشترطه الجمّال.
و بالتّحريك الجنّ كالخابل،و فساد في القوائم، و الجنون،و يضمّ و يفتح،و طائر يصيح اللّيل كلّه يحكي ماتت خبل،و المزادة،و القربة الملأى.
و الخابل:المفسد،و الشّيطان.
و كسحاب:النّقصان،و الهلاك،و العناء،و الكلّ، و العيال،و السّمّ القاتل،و صديد أهل النّار،و أن تكون البئر متلجّفة،فربّما دخلت الدّلو في تلجيفها فتتخرّق.[ثمّ استشهد بشعر]
و خبله الحزن و خبّله و اختبله:جنّنه و أفسد عضوه أو عقله.
و خبله عنه يخبله:منعه،و عن فعل أبيه قصّر.
و خبل كفرح خبالا فهو أخبل؛و خبل:جنّ،و يده:
شلّت.
و دهر خبل:ملتو على أهله.
و اختبلت الدّابّة لم تثبت في موطنها.
و استخبلني ناقة فأخبلتها:استعارنيها فأعرتها،أو أعرتها لينتفع بلبنها و وبرها،أو فرسا ليغزو عليه، و كمعظّم:شعراء ثماليّ و قريعيّ و سعديّ،و كذا كعب المخبّل.
و كمحدث:اسم للدّهر.
و وقع في خبلي بالفتح و الضّمّ:في نفسي و خلدي بمعنى سقط في يديّ.
و الإخبال:أن تجعل إبلك نصفين،تنتج كلّ عام
ص: 167
نصفا،كفعلك بالأرض للزّراعة.(3:376)
الخبال:الفساد يلحق الحيوان فيورثه إضرابا، كالجنون و المرض المؤثّر في العقل و الفكر،قال تعالى: ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً التّوبة:47.
و الخبال:النّقصان،و الخبال:الهلاك،و الخبال:العناء، و الخبال:السّمّ القاتل.
و الخبل:فساد الأعضاء،و قطع الأيدي و الأرجل، و الجنون،و يضمّ خاؤه.
و الخبل بالتّحريك،و الخابل:الجنّ؛و اختبله:جنّنه.
[ثمّ استشهد بشعر](بصائر ذوي التّمييز 2:525)
الطّريحيّ: و الخبال:الفساد،و يكون في الأفعال و الأبدان و العقول.
و الخبل بالتّحريك:الجنّ،يقال:به خبل،أي شيء من أهل الأرض.
و خبله و اختبله،إذا أفسد عقله أو عضوه.
و في الحديث:«من شرب الخمر سقاه اللّه من طينة الخبال يوم القيامة»،بفتح خاء و باء موحّدة،و فسّرت بصديد أهل النّار،و ما يخرج من فروج الزّناة،فيجتمع ذلك في قدر جهنّم،فيشربه أهل النّار.(5:362)
المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو مطلق الاسترخاء و الهوان،سواء كان في الأعضاء الظّاهرة أو الباطنة،فالجنون و الفساد في عضو، و البله و العناء في القلب،و قطع اليد و الوجع في عضو و ضعفه و هلاكه،كلّها من مصاديق ذلك الأصل.
و أمّا«طينة الخبال»،أي مادّة الهوان و الاسترخاء في القوى الرّوحانيّة و الشّخصيّة فالموجودة في يوم القيامة.
و هذا الحديث (1)يفسّر الآية الكريمة السّابقة كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ.
و مفهوم الخبل قريب من الخبط و الخبت.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]
ثمّ إنّ الأصل في مفهوم الخبل أن يستعمل في استرخاء القوى الباطنيّة من الإنسان،كاسترخاء العقل و الفكر و الإرادة و الصّبر و التّدبير و غيرها،و بهذا يظهر الفرق بين هذه المادّة و مادّة الضّعف و الاسترخاء و الهوان و غيرها.
و ظهر أيضا ضعف ما يفسّر المفسّرون الآيتين بالفساد،فإنّه معنى عامّ و لا يناسب الموردين،مضافا إلى أنّ الفساد ليس بمعنى حقيقيّ للمادّة،و قلنا:إنّ الأصل الواحد هو الاسترخاء.(3:16)
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً... آل عمران:118
ابن عبّاس: لا يتركون الجهد في فسادكم.(55)
أبو عبيدة :أي شرّا.(1:103)
مثله ابن قتيبة.(109)
الزّجّاج: أخبر اللّه المؤمنين بأنّهم لا يألونهم خبالا، أي لا يبقون غاية في إلقائهم فيما يضرّهم،و أصل الخبال في اللّغة:ذهاب الشّيء.[ثمّ استشهد بشعر](1:462)
ص: 168
القمّيّ: أي عداوة.(1:110)
السّجستانيّ: فسادا.(37)
النّحّاس: أي لا يقصّرون في السّوء.(1:466)
الثّعلبيّ: أي لا يقصّرون و لا يتركون عهدهم و طاقتهم فيما يورّثكم فوق الشّرّ و الفساد.يقال:ما ألوته خيرا أو شرّا،أي ما قصرت في فعل ذلك.[ثمّ استشهد بشعر،إلى أن قال:]
و نصب خَبالاً على المفعول الثّاني،لأنّ الألو تتعدّى إلى مفعولين.و إن شئت:المصدر،أي يخبلونكم خبالا،و إن شئت بنزع الخافض،أي بالخبال،كما يقال:
أوجعته ضربا،أي بالضّرب.(3:134)
نحوه البغويّ(1:498)،و القرطبيّ(4:180)، و الفخر الرّازيّ(8:211)،و أبو السّعود(2:23).
الماورديّ: أي لا يقصّرون في أمركم.و الخبال:
النّكال،و أصله الفساد،و منه الخبل:الجنون.(1:419)
نحوه الطّوسيّ(2:571)،و ابن عطيّة(1:496).
الواحديّ: المعنى لا يدعون جهدهم في مضرّتكم و فسادتكم.(1:483)
نحوه الطّبرسيّ(1:492)،و المراغيّ(4:44)، و مغنيّة(2:145).
البيضاويّ: أي لا يقصّرون لكم في الفساد.
(1:178)
مثله الشّربينيّ(1:241)،و نحوه الكاشانيّ(1:
344)،و البروسويّ(2:85).
ابن عاشور :أي لا يقصّرون في خبالكم،و ليس المراد لا يمنعونكم،لأنّ الخبال لا يرغب فيه و لا يسأل.
[إلى أن قال:]
و الخبال:اختلال الأمر و فساده،و منه سمّي فساد العقل خبالا،و فساد الأعضاء.(3:200)
نحوه مكارم الشّيرازيّ.(2:507)
الطّباطبائيّ: أي لا يقصّرون فيكم.و قوله:خبالا، أي شرّا و فسادا،و منه الخبل للجنون،لأنّه فساد العقل.(3:386)
فضل اللّه :فهم قد يظهرون لكم المحبّة بطريقة شخصيّة،و لكنّهم يخفون في أنفسهم العزيمة على الإيقاع بكم،و الإضرار بمصالحكم،و إفساد أموركم،و توجيه عقولكم في اتّجاه الغفلة و الجنون الفكريّ و الشّعوريّ و السّياسيّ،لأنّ الخطّة الموضوعة لديهم في مواجهة الإسلام تفرض عليهم السّير في هذا الاتّجاه.(6:238)
و قد مضى كثير من النّصوص في«أ ل و-أ ل ي» فلاحظ.
2- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً...
التّوبة:47
مثل ما قبلها.
1-الأصل في هذه المادّة:الخبل،أي قطع اليد أو الرّجل؛و الجمع:خبول.يقال:بنو فلان يطالبون بني فلان بدماء و خبل،أي بقطع أيد و أرجل،و لنا في بني فلان دماء و خبول:قطع أيد و أرجل،و خبلت يده:شلّت، و رجل مخبّل:كأنّه قطعت أطرافه.
ثمّ توسّع فيه و استعمل في فساد الأعضاء،حتّى
ص: 169
لا يدري كيف يمشي،فهو متخبّل خبل مختبل،و المخبّل من الوجع:الّذي يمنعه وجعه من الانبساط في المشي.و في المثل:«عاد غيث على ما خبل»:أفسد،و قد خبله و خبّله و اختبله،أي أفسد عقله و عضوه،و أصابه خبل،أي فالج و فساد أعضاء و عقل،و خبل الحبّ قلبه:أفسده بخبلة، و الخبلة:الفساد من جراحة أو كلمة.
و الخبل:الفساد في الثّمر،و ذهاب السّين و التّاء من «مستفعلن»في عروض البسيط و الرّجز،مشتقّ من الخبل الّذي هو قطع اليد،كأنّه قطعت يداه فبقي مضطربا، و قد خبل الجزء و خبّله.
و الخبل و الخبال:الفساد و الحبس و المنع.يقال:خبل الرّجل عن كذا و كذا يخبله خبلا،أي عقله و حبسه و منعه،و ما خبلك عنّا خبلا:ما حبسك؟
و الخبال:الفساد و النّقصان و الهلاك و العناء.يقال:
فلان خبال على أهله،أي عناء.
و الخبل:فساد في القوائم.يقال:اختبلت الدّابّة،أي لم تثبت في موطئها.
و الخبل أيضا:جنون أو شبهه في القلب.يقال:رجل مخبول،و به خبل،و هو مخبّل،أي لا فؤاد معه.
و الخبل و الخبل و الخبل و الخبال:الجنون،يقال:به خبال،أي مسّ،و به خبل:شيء من أهل الأرض.
و المخبّل:المجنون،و هو المختبل،أي الّذي اختبل عقله،أي جنّ،و قد خبله الحزن و اختبله،و خبل خبالا، فهو أخبل و خبل.
و دهر خبل:ملتو على أهله لا يرون فيه سرورا، و قد خبله الدّهر و الحزن و الشّيطان و الحبّ و الدّاء خبلا.
و الخابل:المفسد،و الجنّ،و الشّيطان.يقال:خبل خابل،يذهبون إلى المبالغة.
و الخابلان:اللّيل و النّهار،لأنّهما لا يأتيان على أحد إلاّ خبلاه بهرم.
2-و ممّا شذّ عن هذا الباب الخبل:القرض و الاستعارة،و الإخبال:هو أن يعطى الرّجل البعير أو النّاقة ليركبها و يجتزّ وبرها و ينتفع بها ثمّ يردّها.يقال:
أخبلت الرّجل أخبله إخبالا،و استخبل الرّجل إبلا و غنما فأخبله،أي استعار منه ناقة لينتفع بألبانها و أوبارها،أو فرسا يغزو عليه فأعاره.
جاء منها لفظ واحد-خبالا-مصدرا مرّتين،في آيتين مدنيّتين:
1- ...لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً... آل عمران:118
2- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً...
التّوبة:47
يلاحظ أوّلا:
1-أنّ«الخبال»فسّر بالفساد و الشّرّ و الضّرر و السّوء و النّكال،و هو ما يوافق اللّغة و السّياق أيضا،أي إنّ المنافقين ينكّلون بالمؤمنين و يفسدون أمرهم.
و فسّره بعض بالعداوة،و هو بعيد عمّا ذكر،إلاّ أن يقال:إنّ العداوة من الفساد،فتدخل تحته،أي إنّ المنافقين يفسدون أمر المؤمنين بالعداوة و البغضاء.
2-إن قيل:لم ما استعمل الفساد بدل الخبال إن كانا
ص: 170
بمعنى،لأنّه أعرف؟
يقال:الخبال أخصّ من الفساد؛إذ فيه معنى الجنون كما تقدّم،فهو ضرر يصيب الإنسان خاصّة،و الفساد ضرر يصيب كلّ شيء،أ ما ترى أنّه استعمل في الأرض غالبا،بينما استعمل الجنون في الإنسان فقط؟
3-وصف اللّه تعالى عمل المنافقين و الكافرين بالخبال،لفساد عقائدهم،و اضطراب أنفسهم،فهم يتخيّلون أفكار المؤمنين ضربا من الجنون،فوصفوا الأنبياء على مرّ العصور بأنّهم مجانين،كما وصفت قريش نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله بأنّه مجنون أيضا: وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ الحجر:6، أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ المؤمنون:70.
و يلاحظ ثانيا:أنّ(خبالا)جاء في آيتين مدنيّتين، فهل كان من لغة أهل المدينة؟
و ثالثا:و في نظائر هذه المادّة في القرآن:
الجنون: وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ التكوير:22
المسّ: لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ البقرة:275
ص: 171
ص: 172
خبت
لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة
الخليل :خبت النّار تخبو خبوا،أي طفئت.و أخباها مخبيها.
و خبت الحرب:سكنت.
و الخباء:من بيوت الأعراب؛جمعه:أخبية،بغير همز.
و تخبّيت كسائي تخبّيا،إذا جعلته خباء.
و الخباء:غشاء البرّة و الشّعيرة في السّنبلة.
و خبت حدّة النّار،أي سكنت.(4:315)
اللّيث:و تخبّيت كسائي تخبّيا،و أخبيت كسائي،إذا جعلته خباء.(الأزهريّ 7:604)
أبو زيد:يقال-من الخباء-أخبيت إخباء،إذا أردت المصدر،إذا عملته.و تخبّيت أيضا.و قال الأمويّ:
أخبيت،و قال الكسائيّ:خبّيت.(الأزهريّ 7:605)
الأصمعيّ: من الأبنية:الخباء،و هو من الوبر أو الصّوف.و لا يكون من شعر.(الأزهريّ 7:605)
ابن الأعرابيّ: الخباء:بيت صغير من صوف،أو من شعر.و إذا كان أكبر من الخباء فهو بيت.
(الأزهريّ 7:605)
و هو[الخباء]دون المظلّة،بفتح الميم.
(ابن سيده 5:270)
ابن السّكّيت: و قد خبت النّار تخبو خبوّا،إذا ذهب لهبها.(إصلاح المنطق:151)
الزّجّاج: خبيت الخباء،و أخبيته،إذا عملته.(فعلت و أفعلت:198)
ابن دريد :خبت النّار تخبو خبوّا و خبوا.(3:201)
الأزهريّ: و يقال:خبت النّار،إذا خمد لهبها و سكن،خبوّا،فهي خابية.و قد أخبأها المخبئ،إذا أخمدها.
(7:604)
الصّاحب:و جمع الخباء من بيوت الأعراب:أخبية.
و تخبّيت كساء تخبّيا،و أخبينا إخباء،و استخبينا
ص: 173
خباء:نصبناه.
و الخباء:غشاء البرّة في السّنبلة،و هي أيضا:كواكب مستديرة،و سلّة الدّهن؛و جمعها:أخبية.
الخبوّ:سكون لهب النّار،خبت و أخباها مخبيها.
و خبت الحرب و حدّة النّاقة،إذا سكنتا.(4:427)
الجوهريّ: و الخباء:واحد الأخبية من وبر أو صوف،و لا يكون من شعره و هو على عمودين أو ثلاثة، و ما فوق ذلك فهو بيت.
و استخبينا الخباء،أي نصبناه و دخلنا فيه.
و أخبيت الخباء و تخبّيته،إذا عملته،و كذلك التّخبية.
و خبت النّار تخبو خبوّا،أي طفئت.و أخبيتها أنا.(6:2325)
ابن فارس: الخاء و الباء و الحرف المعتلّ و الهمزة يدلّ على ستر الشّيء،فمن ذلك:خبأت الشّيء أخبؤه خبأ.
و الخبأة:الجارية تخبأ.و من الباب:الخباء.تقول:
أخبيت إخباء،و خبّيت و تخبّيت،كلّ ذلك إذا اتّخذت خباء.(2:244)
ابن سيده: و الخباء:من الأبنية،و الجمع:كالجمع.
قال ابن دريد:أصله من«خبأت».و قد تخبّأت خباء.
و لم يقل أحد:إنّ«خباء»أصله الهمزة إلاّ هو،بل قد صرّح بخلاف ذلك.(5:240)
الخباء من الأبنية:ما كان من وبر أو صوف،و لا يكون من شعر.و قال ثعلب عن يعقوب:من الصّوف خاصّة.
و أخبيت خباء،و خبّيته،و تخبّيته:عملته و نصبته.
و استخبيته:نصبته و دخلت فيه.
و الخباء:غشاء البرّة و الشّعيرة في السّنبلة.
و خباء النّور،كمامته،و كلاهما على المثل.
(5:270)
خبت النّار،و الحرب،و الحدّة،خبوا و خبوّا:سكنت و طفئت.و أخبيتها أنا.(5:309)
الرّاغب: خبت النّار تخبو:سكن لهبها و صار عليها خباء من رماد،أي غشاء.
و أصل الخباء:الغطاء الّذي يتغطّى به.
و قيل لغشاء السّنبلة:خباء.(142)
الزّمخشريّ: خبت النّار خبوّا،و هم من أهل الخباء.
و نشأت في أخبيتهم،و تربّيت بين أحويتهم.
و تخبّيت خباء و استخبيته:نصبته و اتّخذته.
و من المجاز:خبت حدّة النّاقة،و خبا لهبه،إذا سكن نور غضبه.و الحبّ في خبائه،و هو غشاؤه من السّنبلة.
(أساس البلاغة:103)
الجواليقيّ: الخباء:من الشّعر و الصّوف.(182)
الفيّوميّ: الخباء:ما يعمل من وبر أو صوف،و قد يكون من شعر؛و الجمع:أخبية بغير همز،مثل كساء و أكسية و يكون على عمودين أو ثلاثة،و ما فوق ذلك فهو بيت.
و خبت النّار خبوّا،من باب«قعد»:خمد لهبها، و يعدّى بالهمزة.(1:163)
الفيروزآباديّ: خبت النّار،و الحرب،و الحدّة خبوا
ص: 174
و خبوّا:سكنت و طفئت.و أخبيتها:أطفأتها.
الخباء ككساء:من الأبنية يكون من وبر أو صوف أو شعر.
و أخبيت خباء و تخبّيته و خبّيته:عملته و نصبته.
و استخبيته:نصبته و دخلته.
و الخباء أيضا:غشاء البرّة و الشّعيرة في السّنبلة، و كواكب مستديرة،و ظرف للدّهن...(4:324)
الطّريحيّ: الخباء بالكسر و المدّ كالكساء[ذكر قول الجوهريّ فيه و قال:]
و منه الحديث:«ضعوا لي الماء في الخباء»أي في الخيمة.
و الخباء أيضا يعبّر به عن مسكن الرّجل و داره، و منه:«أتى خباء فاطمة»يريد منزلها،لأنّه يخبأ به و يستتر.(1:118)
مجمع اللّغة :خبت النّار تخبو خبوا و خبوّا:
سكنت،و خمد لهبها.(1:320)
نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:156)
المصطفويّ: و الظّاهر أنّ هذه المادّة يائيّا أو واويّا مشتقّ بالاشتقاق الأكبر من مادّة«خبأ»مهموزا،و قد سبقت،و هذه المادّة مضافا إلى كونها مخفّفة ليّنة تدلّ على انخفاض و انكسار،فتستعمل في المحسوسات و الأمور المادّيّة،كخفاء النّار و سترها،و خفاء اللّهب و انخفاضه، و خفاء الكنز...
و لا يخفى ما بين الخبي و البوخ و الخيب أيضا من التّناسب و الاشتقاق الأكبر.يقال:باخت النّار،أي خمدت،و باخ غضبه،أي سكن،و خاب،أي افتقر.
(3:18)
مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً.
الإسراء:97
ابن عبّاس: سكنت النّار و سكن لهبها.(242)
نحوه الضّحّاك(الطّبريّ 8:153)،و السّجستانيّ (110)،و الواحديّ(3:129)،و الخازن(4:152).
كلّما أحرقتهم تسعّر بهم حطبا،فإذا أحرقتهم فلم تبق منهم شيئا،صارت جمرا تتوهّج،فذلك خبوّها،فإذا بدّلوا خلقا جديدا عاودتهم.
مثله مجاهد.(الطّبريّ 8:153)
مجاهد :أي كلّما طفئت أوقدت.
(النّحّاس 4:197)
نحوه زيد بن عليّ عليهما السّلام(254)،و أبو الفتوح(12:
294)،و النّسفيّ(2:328).
قتادة :كلّما لان منها شيء.(الطّبريّ 8:153)
لانت و ضعفت.(الثّعلبيّ 6:136)
نحوه الطّبريّ.(8:153)
أبو عبيدة :سكنت.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]
و لم يذكر هاهنا جلودهم فيكون الخبوّ لها.
(1:391)
ابن قتيبة :أي سكنت.يقال:خبت النّار،إذا سكن لهبها،تخبو.فإن سكن اللّهب و لم يطفأ الجمر،قلت:
خمدت تخمد خمودا.فإن طفئت و لم يبق منها شيء،قيل:
همدت تهمد همودا.(261)
الزّجّاج: أي كلّما خمدت و نضجت جلودهم
ص: 175
و لحومهم،بدّلهم اللّه غيرها ليذوقوا العذاب.(3:261)
القمّيّ: أي كلّما انطفت.(2:29)
النّحّاس: [نحو ابن قتيبة إلاّ أنّه قال:]
...فإن سكن لهبها و عاد الجمر رمادا قيل:كبت،فإن طفئ بعض الجمر،و سكن اللّهب قيل:خمدت...
(4:197)
الماورديّ: [ذكر قول مجاهد و الضّحّاك و قال:]
و سكون التهابها من غير نقصان في آلامهم و لا تخفيف من عذابهم.(3:275)
الطّوسيّ: كلّما سكنت التهبت و استعرت،و ذلك من غير نقصان آلام أهلها.[ثمّ استشهد بشعر]
(6:523)
البغويّ: [ذكر قول ابن عبّاس و مجاهد و قتادة و أضاف:]
و قيل:هو الهدو من غير أن يوجد نقصان في ألم الكفّار،لأنّ اللّه تعالى قال: لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ الزّخرف:
75.
و قيل: كُلَّما خَبَتْ أي أرادت أن تخبو.
و قيل:المراد منه،أي نضجت جلودهم و احترقت، أعيدوا إلى ما كانوا عليه،و زيد في تسعير النّار لتحرقهم و تؤلمهم.(3:163)
الميبديّ: أي عن اللّهب مع بقاء حرّها و أصلها.
و قيل: كُلَّما خَبَتْ بعض النّيران،اشتعلت بهم نار أخرى من جهة أخرى،فهم معذّبون بنار بعد نار.
(5:62)
الزّمخشريّ: كلما أكلت جلودهم و لحومهم و أ فنتها فسكن لهبها،بدّلوا غيرها،فرجعت ملتهبة مستعرة، كأنّهم لمّا كذّبوا بالإعادة بعد الإفناء،جعل اللّه جزائهم أن سلّط النّار على أجزائهم تأكلها و تفنيها،ثمّ يعيدها، لا يزالون على الإفناء و الإعادة ليزيد ذلك في تحسّرهم على تكذيبهم البعث،و لأنّه أدخل في الانتقام من الجاحد.(2:467)
نحوه ملخّصا ابن الجوزيّ(5:90)،و البيضاويّ(1:
598)،و ابن جزيّ(2:79)،و أبو السّعود(4:160)، و الكاشانيّ(3:224).
ابن عطيّة: أي كلّما فرغت من إحراقهم فسكن اللّهيب القائم عليهم قدر ما يعادون،ثمّ تثور،فتلك زيادة السّعير-قاله ابن عبّاس-فالزّيادة في حيّزهم.
و أمّا جهنّم فعلى حالها من الشّدّة لا يصيبها فتور.[ثمّ قال نحو ابن قتيبة](3:487)
نحوه أبو حيّان.(6:82)
الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و قال:]
و متى قيل:كيف يبقى الحيّ حيّا في تلك الحالة من الاحتراق دائما؟
قلنا:إنّ اللّه تعالى قادر على أن يمنع وصول النّار إلى مقاتلهم.(3:442)
الفخر الرّازيّ: لقائل أن يقول:إنّه تعالى لا يخفّف عنهم العذاب،و قوله: كُلَّما خَبَتْ يدلّ على أنّ العذاب يخفّ في ذلك الوقت!
قلنا: كُلَّما خَبَتْ يقتضي سكون لهب النّار،أمّا لا يدلّ هذا على أنّه يخفّ العذاب في ذلك الوقت.
قوله: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً ظاهره يقتضي
ص: 176
وجوب أن تكون الحالة الثّانية أزيد من الحالة الأولى، و إذا كان كذلك كانت الحالة الأولى بالنّسبة إلى الحالة الثّانية تخفيفا.
و الجواب:الزّيادة حصلت في الحالة الأولى أخفّ من حصولها في الحالة الثّانية،فكان العذاب شديدا.و يحتمل أن يقال:لمّا عظم العذاب صار التّفاوت الحاصل في أوقاته غير مشعور به،نعوذ باللّه منه.(21:61)
النّيسابوريّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]
و يحتمل أن يقال:المراد بعدم التّخفيف أنّه لا يتخلّل زمان محسوس أو معتدّ به بين الخبوّ و التّسعّر.
(15:87)
السّمين:قوله: كُلَّما خَبَتْ يجوز فيها الاستئناف و الحاليّة من(جهنّم)،و العامل فيها«المأوى».
[ثمّ أدام نحو ابن قتيبة](4:421)
الشّربينيّ: أي أخذ لهبها في السّكون عند أكلها لحومهم و جلودهم.(2:339)
الآلوسيّ: و الخبو و كذا الخبوّ بضمّتين و تشديد، و هما مصدرا خبت النّار:سكون اللّهب.[إلى أن قال:]
و في«القاموس»تفسير(خبت)ب«سكنت» و«طفئت»،و تفسير طفئت بذهب لهبها،و فيه مخالفة لما في«البحر»،و الأكثرون على ما فيه.
و من الغريب ما أخرجه ابن الأنباريّ عن أبي صالح من تفسير(خبت)ب«حميت»،و هو خلاف المشهور و المأثور،و«السّعير»:اللّهب.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ و ذكر قول ابن عبّاس و قال:]
و لعلّ ذلك على ما قاله بعض الأجلّة عقوبة لهم على إنكارهم الإعادة بعد الإفناء،بتكرّرها مرّة بعد أخرى، ليروها عيانا حيث لم يروها برهانا،كما يفصح عنه ما بعد.
و استشكل ما ذكر بأنّ قوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56،يدلّ على أنّ النّار لا تتجاوز عن أنضاجهم إلى إحراقهم و إفنائهم فيعارض ذلك.
و أجاب بعضهم:بأنّ تبديلهم جلودا غيرها بإحراقها و إفنائها و خلق غيرها،فكأنّه قيل:كلّما نضجت جلودهم أحرقناها و أفنيناها و خلقنا لهم غيرها.
و بعض:بأنّ المراد:كلّما نضجت جلودهم كمال النّضج، بأن يبلغ شيّها إلى حدّ لو بقيت عليه لا يحسّ صاحبها بالعذاب،و هو مرتبة الاحتراق بَدَّلْناهُمْ...، و يدلّ على ذلك قوله تعالى: لِيَذُوقُوا الْعَذابَ.
قال الخفاجيّ: أجيب بأنّه يجوز أن يحصل لجلودهم تارة النّضج و تارة الإفناء،أو كلّ منهما في حقّ قوم،على أنّه لا سدّ لباب المجاز،بأن يجعل النّضج عبارة عن مطلق تأثير النّار؛إذ لا يحصل في ابتداء الدّخول غير الإحراق دون النّضج،انتهى.
و لا يخفى ما في قوله:«بأن يجعل النّضج عبارة عن مطلق تأثير النّار»من المساهلة،و في قوله:«إذ لا يحصل...»إلخ،منع ظاهر،و ذكر أنّه أورد على الجواب الأوّل أنّ كلمة:(كلّما)تنافيه،و فيه بحث فتأمّل.
و ربّما يتوهّم أنّ بين هذه الآية و قوله تعالى:
فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ تعارضا،لأنّ الخبو يستلزم التّخفيف،و هو مدفوع بأنّ الخبو سكون اللّهب،كما
ص: 177
سمعت،و استلزامه تخفيف عذاب النّار ممنوع.على أنّا لو سلّمنا الاستلزام،فالعذاب الّذي لا يخفّف ليس منحصرا بالعذاب بالنّار و الإيلام بحرارتها،و حينئذ فيمكن أن يعوّض ما فات منه بسكون اللّهب بنوع آخر من العذاب،ممّا لا يعلمه إلاّ اللّه تعالى.[ثمّ ذكر قول الفخر الرّازيّ و أضاف:]
و قد يقال:ليس في الآية أكثر من ازدياد توقّدهم، و لعلّه لا يستلزم ازدياد عذابهم،و المراد من الآية:كلّما أحرقوا أعيدوا،إلاّ أنّه عبّر بما عبّر للمبالغة،و يشير إلى كون المراد ذلك قوله تعالى: زِدْناهُمْ دون زدناها، فتدبّر.(15:176)
ابن عاشور :في قوله: كُلَّما خَبَتْ إشكال،لأنّ نار جهنّم لا تخبو،و قد قال تعالى: فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ البقرة:86.[و ذكر قول ابن عبّاس-و قد تقدّم عن الطّبريّ-ثمّ قال:]
فالخبوّ و ازدياد الاشتعال بالنّسبة إلى أجسادهم،لا في أصل نار جهنّم.و لهذه النّكتة سلّط فعل زِدْناهُمْ على ضمير المشركين للدّلالة على أنّ ازدياد السّعير كان فيهم،فكأنّه قيل:كلّما خبت فيهم زدناهم سعيرا،و لم يقل:زدناها سعيرا.
و عندي:أنّ معنى الآية جار على طريق التّحكّم و بادئ الإطماع المسفر عن خيبة،لأنّه جعل ازدياد السّعير مقترنا بكلّ زمان من أزمنة الخبوّ،كما تفيده كلمة:(كلّما)الّتي هي بمعنى كلّ زمان.و هذا في ظاهره إطماع بحصول خبوّ لورود لفظ«الخبو»في الظّاهر.و لكنّه يؤول إلى يأس منه؛إذ يدلّ على دوام سعيرها في كلّ الأزمان،لاقتران ازدياد سعيرها بكلّ أزمان خبوّها.
فهذا الكلام من قبيل التّلميح،و هو من قبيل قوله تعالى: وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الأعراف:40،و قول إياس القاضي للخصم الّذي سأله:على من قضيت؟فقال:على ابن أخت خالك.(14:171)
فضل اللّه :الخبو:سكون النّار عن الالتهاب.
(14:236)
1-الأصل في هذه المادّة:الخباء،و هو بيت من بيوت الأعراب من الوبر أو الصّوف؛و الجمع:أخبية.يقال:
خبيت الخباء و أخبيته و خبّيته و تخبّيته،أي عملته، و استخبينا خباء:نصبناه و دخلنا فيه،و أخبيت كسائي و تخبّيته تخبّيا:جعلته خباء.
و الخباء:غشاء البرّة و الشّعيرة في السّنبلة،و خباء النّور:كمامته،على المثل.
و منه أيضا:خبت النّار تخبوا خبوا و خبوّا،أي طفئت،فهي خابية،و قد أخبأها المخبئ،أي أخمدها، و كأنّ الرّماد صار عليها خباء.
و يقال مجازا:خبت الحرب،أي سكنت،و خبت حدّة النّاقة:سكنت.
2-و جعل ابن دريد الخباء من«خ ب أ»،فقال:
«الخباء:اشتقاقه من:خبأت و تخبّأت خباء،إذا اتّخذته».
و تعقّبه ابن سيده قائلا:«و لم يقل أحد:إنّ خباء أصله الهمز إلاّ هو،بل قد صرّح بخلاف ذلك».
ص: 178
و خلط ابن فارس بين المعتلّ و المهموز،و عدّ الأصل في المادّتين:ستر الشّيء،حسب نهجه في الاشتقاق الأكبر،غير أنّه لم يعدّ الخباء من المهموز،كما فعل ابن دريد.
و ذكر ابن الأثير الخباء في«خ ب و»من«النّهاية»، و لكنّه قال:«و أصل الخباء:الهمز،لأنّه يختبأ فيه».
3-و زعم أبو هلال أنّ الخباء معرّب لفظ«بيان» الفارسيّ،نقله الجواليقيّ عنه في«المعرّب»و هو بعيد،لأنّه من بيوت الأعراب،و هم أهل خيام و وبر،و الفرس أهل بناء و مدر.كما أنّ ما ذكره غير معروف في الفارسيّة.
جاء منها لفظ واحد:(خبت)في آية مكّيّة:
وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً
الإسراء:97
يلاحظ أوّلا:أنّ«الخبو»وحيد الجذر في القرآن، و فيه بحوث:
1-قصر ابن عبّاس خبوّ النّار و سكون لهبها على تأكل جلود الكفّار و لحومهم بها،و تبعه الزّجّاج و الزّمخشريّ و ابن عطيّة و غيرهم.و قال أبو عبيدة كالرّادّ عليه:«لم تذكر هاهنا جلودهم فيكون الخبوّ لها».
2-ذهب بعض المتأخّرين إلى أنّ معنى الآية جار على طريق التّهكّم،و هو بعيد،لأنّ الفعل نَحْشُرُهُمْ مسند إلى ضمير الفاعل العائد على اللّه تعالى،و هو للتّعظيم،و كذا الفعل زِدْناهُمْ، فلا يليق التّهكّم في موضع التّعظيم.و لو كان هذا تهكّما لكانت الآية كلّها كذلك،و هو منتف قطعا.
3-قال الصّغانيّ: «خبت النّار،إذا سكنت و إذا حميت» (1)،فالخبوّ هنا على الضّدّ،أي اشتداد الحرارة، و تقدير الكلام:كلّما حميت جهنّم زدناهم سعيرا.
4-الخبوّ و الخبء متقاربان عند الرّاغب؛إذ جعل أصل الأوّل الغشاء و الغطاء،و أصل الثّاني السّتر و الادّخار؛و عدّ قوله: كُلَّما خَبَتْ من الأوّل.
ثانيا:مجيئها مرّة واحدة في سورة مكّيّة مشعر بشذوذها في مكّة،و فقدانها في المدينة.
ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:
الإطفاء: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ المائدة:64
ص: 179
ص: 180
ختّار
لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة
الخليل :الختر:شبه الغدر،و رجل ختّار:غدّار.
و الختر كالخدر،و هو ضعف يأخذك من شرب دواء أو سمّ أو سكر،تقول:انخترت يدي.(4:236)
ابن الأعرابيّ: خترت نفسه،أي خبثت،و تختّرت -بالتّاء-أي استرخت.(الأزهريّ 7:294)
ابن دريد :الختر:الغدر،رجل ختّار و خاتر و ختور.
و تختّر الرّجل،إذا فتر بدنه من كسل أو حمّى يتختّر تختّرا.(2:6)
نفطويه:الختر:الفساد،يكون ذلك في الغدر و غيره.يقال:ختره الشّراب،إذا أفسد نفسه.
(الهرويّ 2:532)
الأزهريّ: يقال:الختر:أسوء الغدر.
و التّختّر:التّفتّر،و الاسترخاء.يقال:شرب اللّبن حتّى تختّر.(7:294)
الصّاحب:الختر:شبه الغدر؛و جمعه:ختور،رجل ختّار.
و الختر:ما يأخذك من شرب الدّواء و السّمّ حتّى يضعف و يسكر.و رجل مختّر:مسترخ.و قد تختّر،أي اختلط ذهنه.(4:310)
الجوهريّ: الختر:الغدر،يقال:ختره فهو ختّار.(2:642)
ابن فارس: الخاء و التّاء و الرّاء أصل يدلّ على توان و فتور.يقال:تختّر الرّجل فى مشيته؛و ذلك أن يمشي مشية الكسلان.
و من الباب الختر،و هو الغدر؛و ذلك أنّه إذا ختر فقد قعد عن الوفاء.
و الختّار:الغدّار،قال اللّه تعالى: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ لقمان:32.(2:244)
ص: 181
ابن سيده:الختر:شبيه بالغدر،و قيل:هو الخديعة بعينها،و قيل:هو أقبح الغدر.
و في الخبر:لن تمدّ لنا شبرا من غدر إلاّ مددنا لك باعا من ختر.
ختر يختر خترا،و ختورا،فهو خاتر،و ختّار، و ختير،و ختور.
و الختر كالخدر،و هو ما يؤخذ عند شرب دواء أو سمّ حتّى يضعف و يسكن.
و تختّر:فتر بدنه من مرض أو غيره.(5:149)
و خترت تختر خترا:خبثت و فسدت.
و ختّره الشّراب:أفسد نفسه،و تختّر:تغيّر و استرخى و كسل و حمّ.(الإفصاح 1:482)
الرّاغب: الختر:غدر يختر فيه الإنسان،أي يضعف و يكسر لاجتهاده فيه.(142)
الزّمخشريّ: هو ختّار،و هو من أهل الختر،و هو أقبح الغدر.
و عن بعضهم:لن تمدّ لنا شبرا من غدر،إلاّ مددنا لك باعا من ختر.
و قال السّموأل الوفيّ للحارث بن ظالم-حين قال له:
إنّي قاتل ابنك-:أنت و ذاك،فأمّا الختر فلن أتلبّس به.(أساس البلاغة:103)
ابن الأثير: في الحديث:«ما ختر قوم بالعهد إلاّ سلّط عليهم العدوّ».
الختر:الغدر.يقال:ختر يختر فهو خاتر،و ختّار للمبالغة.(2:9)
نحوه مجمع اللّغة.(1:320)
الصّغانيّ: [نحو ابن سيده و أضاف:]
و رجل ختّير مثال:«فسّيق»:كثير الختر.(2:488)
الفيروزآباديّ: الختر:الغدر و الخديعة،أو أقبح الغدر كالختور.و الفعل كضرب و نصر،فهو خاتر و ختّار و ختير و ختور و ختّير.
و بالتّحريك:الخدر يحصل عند شرب دواء أو سمّ.
و تختّر:تفتّر،و استرخى و كسل،و حمّ،و اختلط ذهنه من شرب اللّبن و نحوه،و مشى مشية الكسلان.
و خترت نفسه:خبثت و فسدت.
و ختّره الشّراب تختيرا:أفسد نفسه.(2:18)
الطّريحيّ: الختّار:الغدّار،و الختر:أقبح.يقال:
ختره فهو ختّار و ختور،و الفعل كضرب و نصر.
و منه الحديث:«العاقل غفور و الجاهل ختور».
(3:283)
محمّد إبراهيم إسماعيل:ختر فلانا:خدعه و غدر به أقبح الغدر،فهو خاتر و ختّار.
و الختّار:الغادر النّاقض للعهد.(1:157)
المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو التّواني و الكسل.و هو قريب من مفهوم الخبل بمعنى الاسترخاء،و الرّخو بمعنى اللّين،و الخدر بمعنى الصّون و السّتر،و الخدع و الختل بمعنى الغدر.
و أمّا إطلاقها على الغدر:فإنّ منشأ الغدر في الأغلب هو التّواني و الكسل،حتّى يوجب التّخلّف و نقض العهد و عدم الوفاء،و ينتهي ذلك إلى الغدر.فالغدر من حيث هو ليس بمفهوم الختر،بل يستفهم في مورد التّواني.
و الفرق بين الخبل و الختر:أنّ الخبل:استرخاء في
ص: 182
الأعضاء،و لا سيّما في الأعضاء الباطنيّة ذاتها،و الختر:هو التّواني في القصد و العمل.(3:19)
فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ. لقمان:32
ابن عبّاس: غدّار.(346)
مثله مجاهد،و الضّحّاك،و الحسن،و ابن زيد (الطّبريّ 10:224،225)،و الفرّاء(2:330)،و زيد بن عليّ(322)،و الثّعلبيّ(7:323).
جحّاد.(الطّبريّ 10:225)
نحوه العوفيّ.(الماورديّ 4:348)
قتادة :غدّار بذمّته.(الطّبريّ 10:225)
نحوه مقاتل(3:439)،و الطّبريّ(10:225)، و الطّوسيّ(8:288)،و الواحديّ(3:447).
أبو عبيدة :الختر:أقبح الغدر.[ثمّ استشهد بشعر](2:129)
ابن قتيبة :الغدّار،و الختر أقبح الغدر و أشدّه.
(345)
نحوه أكثر التّفاسير.
القمّيّ: الخدّاع.(2:167)
ابن عطيّة: و الختّار:القبيح الغدر؛و ذلك أنّ نعم اللّه تعالى على العباد كأنّها عهود و منن،يلزم عنها أداء شكرها،فمن كفر ذلك و جحد به فكأنّه ختر و خان...(4:356)
أبو الفتوح:الغدّار،و قالوا:الختر أبلغ من الغدر.[ثمّ استشهد بشعر](15:304)
الفخر الرّازيّ: قوله: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا في مقابلة قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لقمان:31، يعني يعترف بها الصّبّار الشّكور،و يجحدها الختّار الكفور.
و الصّبّار في موازنة الختّار لفظا و معنى،و الكفور في موازنة الشّكور.أمّا لفظا فظاهر،و أمّا معنى فلأنّ الختّار هو الغدّار الكثير الغدر أو الشّديد الغدر،و الغدر لا يكون إلاّ من قلّة الصّبر،لأنّ الصّبور إن لم يكن يعهد مع أحد لا يعهد منه الإضرار،فإنّه يصبر و يفوّض الأمر إلى اللّه، و أمّا الغدّار فيعهد و لا يصبر على العهد فينقضه،و أمّا أنّ الكفور في مقابلة الشّكور معنى،فظاهر.(25:162)
نحوه أبو حيّان.(7:193)
و الشّربينيّ.(3:198)
ابن عربيّ: يغدر في الوفاء بعقد العزيمة،و عهد الفطرة مع اللّه عند الابتلاء بالفترة.(2:271)
البيضاويّ: غدّار،فإنّه نقض للعهد الفطريّ،أو لما كان في البحر.و الختر:أشدّ الغدر.(2:232)
و مثله المشهديّ(8:51)،و نحوه البقاعيّ(6:35)، و أبو السّعود(5:195)،و الكاشانيّ(4:151)، و البروسويّ(7:100)،و القاسميّ(13:4807)، و الآلوسيّ(21:106).
بنت الشّاطئ:سأل نافع عن قوله تعالى:(ختّار)، فقال ابن عبّاس:هو الغدّار الظّلوم الغشوم.و لمّا سأله ابن الأزرق:و هل تعرف العرب ذلك؟قال:نعم،أ ما سمعت
ص: 183
قول الشّاعر:
لقد علمت و استيقنت ذات نفسها
بأن لا تخاف الدّهر صرمى و لا خترى
الكلمة وحيدة في القرآن صيغة و مادّة.
و من ظاهر دقّتها،أنّ ابن عبّاس احتاج في شرحها إلى ذكر ثلاث صفات متتابعات،بصيغ المبالغة:الغدّار، الظّلوم،الغشوم.فكان أقرب إلى حسّ السّياق من قول الرّاغب:الختر:غدر يختر فيه الانسان،أي يضعف و يكسر لاجتهاده فيه،قال تعالى: كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ.
و لحظ فيه ابن الأثير المبالغة في الغدر.[ثمّ ذكر ما تقدّم منه و قال:]
و الغدر من معاني الختر في المعاجم،و معه الخبث و الخديعة و الغدر.و إنّما جاء الفتور و الضّعف بملحظ من تختّر الشّارب الثّمل-سكران-و قد خترت نفسه:
خبثت و فسدت،فالفتور من ظواهر الختر،و الخبث و الفساد من أصل معناه.(463)
الطّباطبائيّ: الختّار مبالغة من الختر،و هو شدّة الغدر.و في السّياق دليل على الاستكثار،و المعنى ظاهر.(16:238)
عبد الكريم الخطيب :[نحو الفخر،ثمّ قال:]
و الختّار:المخادع الّذي يمكر بآيات اللّه،فلا يعرف اللّه إلاّ وقت المحنة و الضّيق.(11:592)
المصطفويّ: أي من كان متوانيا و كسلا في جريان أموره و العمل بوظائفه،فإنّه ينتهي إلى أن لا يستفيد من وسائل التّوفيق و أسباب التّعبّد و الطّاعة،و هي النّعم الدّاخليّة و الخارجيّة،و الأنفسيّة و الآفاقيّة،و هذا حقيقة الكفران.
و لمّا كان من أعظم النّعم الإلهيّة الآيات التّكوينيّة الإلهيّة و الآيات التّشريعيّة،فالكفران يتعلّق بها أيضا.
و التّعبير في الختر بصيغة المبالغة و في الكفران بصيغة الصّفة المشبّهة،إشارة إلى أنّ استمرار الختر ينجرّ إلى الكفران،و إذا تثبّت الكفران في الباطن،ينتهي إلى جحود الآيات و مخالفة النّعم الإلهيّة.
و الفرق بين الختر و التّواني و الكسل،يظهر في مادّتهما.(3:19)
مكارم الشّيرازيّ: (ختّار)من الختر بمعنى نقض العهد.و هذه الكلمة صيغة مبالغة،لأنّ المشركين و العاصين يتوجّهون إلى اللّه مرارا،و يقطعون على أنفسهم العهود،و ينذرون النّذور.إلاّ أنّهم بمجرّد أن يهدأ طوفان الحوادث ينقضون عهودهم بصورة متلاحقة، و يكفرون بنعم اللّه عليهم.[ثمّ قال نحو الفخر الرّازيّ](13:68)
فضل اللّه :و الختّار هو الغادر الشّديد الغدر،الّذي ينحرف عن التزامه الإيمانيّ باللّه،فيكفر به و بنعمه.أمّا المؤمنون الصّادقون الّذين يعمق في داخلهم معنى الوفاء للّه في ما تتحرّك به فطرتهم في معرفته و الإيمان به،فإنّهم يؤمنون بآياته الّتي تشرق قلوبهم،فتفتح كلّ حياتهم للسّير في خطّ الاستقامة.(18:213)
الأصل في هذه المادّة:الختر،أي الغدر و الخديعة.
يقال:ختره يختره و يختره خترا و ختورا،أي غدره
ص: 184
و خدعه،فهو خاتر و ختّار و ختّير و ختور.
و أمّا الختر و مشتقّاته فتاؤه مبدل من الدّال،و هو الخدر،أي ما يأخذ عند شرب دواء أو سمّ حتّى يضعف و يسكر.يقال:ختّره الشّراب،إذا فسد بنفسه و تركه مسترخيا.و التّختّر:التّفتّر و الاسترخاء.يقال:شرب اللّبن حتّى تختّر،و تختّر:فتر بدنه من مرض أو غيره.
و نظير هذا الضّرب من الإبدال السّدى و السّتى:
خلاف لحمة الثّوب،و السّبندى و السّبنتى:النّمر،و الدّولج و التّولج:الكنّاس،و هرت الثّوب و هرده:خرّقه،و مدّ في السّير و متّ:مضى.
جاء منها(ختّار)مرّة في آية مكّيّة:
...فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ لقمان:32
يلاحظ أوّلا:أنّ هذا اللّفظ وحيد الجذر في القرآن، و فيه بحوث:
1-جاء مبالغة في الختر و موصوفا بلفظ مبالغة في الكفر أو الكفران: خَتّارٍ كَفُورٍ، و لذا فسّر بأقبح الغدر و أشدّه،و فسّره ابن عبّاس بأنّه الغدّار الظّلوم الغشوم.
و قد أشارت بنت الشّاطئ إلى دقّة و شدّة هذا المعنى عند ابن عبّاس حيث فسّره بثلاثة ألفاظ.و لكنّها-تبعا للرّاغب و غيره-عدّت الفتور من ظواهره.
و يبدو أنّ هذا تناقض و اضطراب بيّن؛إذ كيف يسعى إلى الختر و الغدر بشدّة و قوّة من فيه ضعف و فتور؟!
إلاّ أنّ الفتور يحصل-كما قال الرّاغب-لاجتهاده فيه،و ليس علّة للشّدّة،بل معلول لها،و بذلك يرتفع التّناقض.
و الصّواب ما ذهبنا إليه في الأصول اللّغويّة،و هو أنّ تاء«الختر»مبدّل من الدّال.قال الأزهريّ:«الخدر من الشّراب و الدّواء فتور يعتري الشّارب و ضعف»تهذيب اللّغة(7:267).
2-لعلّ قائلا يقول:أما كان القول:فمنهم مقتصد و منهم جاحد بآياتنا ختّار كفور،أخصر و أنسب؟
يقال له:كلاّ،لأنّه أراد ذكر المقتصد بعد النّجاة من أهوال موج البحر فقط،فقوله: فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يريد به ما تقدّم ذكره في الآية السّابقة: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ. و أمّا جملة وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ استئنافيّة،لا محلّ لها من الإعراب.
3-وصف من يجحد بآيات اللّه بأنّه كافر،نحو قوله:
وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ العنكبوت:47،أو ظالم،نحو قوله: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظّالِمُونَ العنكبوت:49،بيد أنّه وصف من يفعل ذلك هنا ب خَتّارٍ كَفُورٍ، و هذا يعني أنّ الختّار ظالم أيضا،و لذا فسّره ابن عبّاس بأنّه«الغدّار الظّلوم الغشوم»،فجمعت الصّفتان في هذه الآية:الظّلم و الكفر،لتهويل الجحد بآيات اللّه.
لكنّ الظّاهر أنّ المراد ب(كفور)هنا الكفران دون الكفر بقرينة مجيئه مقابل(شكور)كما يأتي.
4-التزم الفخر الرّازيّ بالتّقابل لفظا و معنى بين هذه
ص: 185
الآية و الّتي قبلها،و هذا نصّ الآيتين:
1- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ.
2- وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ.
فقال:«قوله: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا... في مقابلة قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ... يعني يعترف بها-أي بهذه النّعمة-الصّبّار الشّكور،و يجحدها الختّار الكفور، و الصّبّار في موازنة الختّار-لفظا و معنى-أمّا لفظا فظاهر، و أمّا معنى فلأنّ الختّار هو الغدّار الكثير الغدر،أو الشّديد الغدر،و الغدر لا يكون إلاّ من قلّة الصّبر،لأنّ الصّبور إن لم يكن يعهد مع أحد لا يعهد منه الإضرار،فإنّه يصبر و يفوّض الأمر إلى اللّه،و أمّا الغدّار فيعهد و لا يصبر على العهد فينقضه.و أمّا أنّ الكفور في مقابلة«الشّكور»معنى فظاهر».
و نقول:الآيتان و إن كانت لهما علاقة بالفلك و البحر إلاّ أنّهما مختلفتان موردا،فمورد الأولى جريان الفلك في البحر،ففيه آيات لكلّ صبّار شكور،أي من يصبر على التّأمّل في آيات اللّه و نعمائه،أو من يصبر على المشقّات الّتي يعانيها من ركب البحر،و يشكر اللّه على هذه النّعمة الكبرى.
و أمّا مورد الثّانية فغشيان الموج كالظّلل و النّجاة منه، فيشكر اللّه المقتصد على نعمة النّجاة من ذلك الموج الهائل،و يجحدها الختّار الكفور.
نعم،المقابلة لفظا و معنى بين كلّ من الوصفين،أي لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ، و كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ ظاهرة تماما بتنكير الوصفين تلو(كلّ)و تقابل(صبّار)، ل(ختّار)،و(شكور)ل«كفور»،كما أنّ المخالفة بين سياق الآيتين أيضا ظاهرة؛حيث إنّ الأولى مدح كلّها و تخصّ بالصّبّار الشّكور،و الثّانية مدح للمقتصد و ذمّ للختّار الكفور،و كذلك مقابلة إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ... في الأولى الدّالّ على الاعتراف ل وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ... في الثّانية،الدّالّ على عدم الاعتراف،بل الإكفار.
ثانيا:مجيء هذه المادّة مرّة في سورة مكّيّة مشعر بشذوذها و اختصاصها بلغة أهل مكّة.كمادّة«جحد»، فلاحظ الاستعمال القرآنيّ من تلك المادّة.
ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:
الخيانة: وَ إِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ الأنفال:71
الغلول: وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ
آل عمران:161
ص: 186
6 ألفاظ،8 مرّات:5 مكّيّة،3 مدنيّة
في 7 سور:5 مكّيّة،2 مدنيّة
ختم 3:2-1 خاتم 1:1
يختم 1:-1 مختوم 1:-1
نختم 1:1 ختامه 1:1
الخليل :ختم يختم ختما،أي طبع فهو خاتم.
و الخاتم:ما يوضع على الطّينة،اسم،مثل العالم.
و الختام:الطّين الّذي يختم به على كتاب.و يقال:هو الختم،يعني الطّين الّذي يختم به.
و ختام الوادي:أقصاه.
و يقرأ: (خاتمه مسك) المطفّفين:26،أي ختامه، يعني عاقبته ريح المسك.
و يقال:بل أراد به خاتمه،يعني ختامه المختوم،و يقال:
بل الختام و الخاتم هاهنا ما ختم عليه.
و خاتمة السّورة:آخرها.و خاتم العمل و كلّ شيء:آخره.
و ختمت زرعي،إذا سقيته أوّل سقية فهو الختم،و الختام:
اسم،لأنّه إذا سقي فقد ختم بالرّجاء.
و ختموا على زرعهم ختما،أي سقوه و هو كراب (1)بعد.(4:241)
ابن شميّل: قال الطّائفيّ:الختام:أن تثار الأرض بالبذر حتّى يصير البذر تحتها،ثمّ يسقونها،يقولون:
ختموا عليه.(الأزهريّ 7:313)
اللّحيانيّ: هو الخاتم و الخاتام و الخيتام.
(الأزهريّ 7:315)
و ختام القوم،و خاتمهم:آخرهم.
(ابن سيده 5:156)
ابن الأعرابيّ: الختم:أفواه خلايا النّحل،و الختم:
المنع،و الختم أيضا:حفظ ما في الكتاب بتعليم الطّينة.(الأزهريّ 7:314)
ص: 187
جاء فلان متختّما،أي متعمّما،و ما أحسن تختّمه.
الختم:فصوص مفاصل الخيل؛واحدها:ختام، و خاتم.
و الخاتم و الخاتم:من أسماء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و معناه:آخر الأنبياء،و قال اللّه: وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ الأحزاب:40.
(الأزهريّ 7:316)
الحربيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«الأعمال بالخواتيم»يريد:آخرها.
و خواتم السّور:أواخرها.
و ختم الكتاب:آخر ما يعمل منه،و هو طبعه بالخاتم على طينه.و قال اللّه تعالى: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7.(2:557)
ابن دريد :ختمت الشّيء أختمه ختما،إذا بلغت آخره،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:خاتم النّبيّين.
و الخاتم معروف،يقال:خاتم و خاتام.[ثمّ استشهد بشعر]
و ختام كلّ شيء:ما ختمته به.
و ختام كلّ مشروب:آخره.
و تختّم الرّجل عن الشّيء،إذا تغافل عنه و سكت.
و فرس مختم،إذا كان بأشاعرة بياض خفيّ كاللّمع دون التّخديم،و المختم:الجوزة الّتي تدلك لتملاسّ فينقد بها، تسمّى التّير بالفارسيّة.(2:7)
الأزهريّ: و نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن التّختّم بالذّهب.
و يقال:فلان ختم عليك بابه،أي أعرض عنك، و ختم فلان لك بابه،إذا آثرك على غيرك.
و ختم فلان القرآن،إذا قرأه إلى آخره.
أصل الختم:التّغطية،و ختم البذر:تغطيته،و لذلك قيل للزّارع:كافر،لأنّه يغطّي البذر بالتّراب.(7:316)
الصّاحب:الختم:الطّبع،ختم يختم ختما.
و الخاتم:الفاعل.و الخاتم:الاسم،و الخاتام و الخيتام:
مثله،و منهم من يهمز الخاتم.
و الختام:الطّين الّذي يختم على الكتاب.
و ختام الوادي:أقصاه.
و خاتمة السّورة:آخرها،و كذلك خاتم كلّ شيء.
و ختمنا زرعنا،إذا سقيت أوّل سقية،و الختام:اسم.
و ختموا على زروعهم ختما،أي سقوه و هو كراب بعد.
و الخاتم:أقلّ وضح قوائم الفرس.
و تسمّى نقرة القفا:خاتم القفا.
و يقال للنّحل إذا ملأ شورته عسلا:قد ختم.
(4:315)
الجوهريّ: ختمت الشّيء ختما فهو مختوم، و مختّم،شدّد للمبالغة.
و ختم اللّه له بخير.
و ختمت القرآن:بلغت آخره.
و اختتمت الشّيء:نقيض افتتحته.
و الخاتم و الخاتم،بكسر التّاء و فتحها.
و الخيتام و الخاتام كلّه بمعنى؛و الجمع:الخواتيم.
و تختّمت،إذا لبسته.
و خاتمة الشّيء:آخره.
و محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:خاتم الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام.
و الختام:الطّين الّذي يختم به.و قوله تعالى: خِتامُهُ
ص: 188
مِسْكٌ المطفّفين:26،أي آخره،لأنّ آخر ما يجدونه رائحة المسك.و قول الأعشى:
*و أبرزها و عليها ختم*
أي عليها طينة مختومة،مثل نفض بمعنى منفوض، و قبض بمعنى مقبوض.(5:1908)
ابن فارس: الخاء و التّاء و الميم أصل واحد،و هو بلوغ آخر الشّيء.يقال:ختمت العمل،و ختم القارئ السّورة.
فأمّا الختم،و هو الطّبع على الشّيء،فذلك من الباب أيضا،لأنّ الطّبع على الشّيء لا يكون إلاّ بعد بلوغ آخره في الأحراز.
و الخاتم مشتقّ منه،لأنّ به يختم.و يقال:الخاتم، و الخاتام،و الخيتام.[ثمّ استشهد بشعر]
و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:خاتم الأنبياء،لأنّه آخرهم.و ختام كلّ مشروب:آخره.قال اللّه تعالى: خِتامُهُ مِسْكٌ، المطفّفين:26،أي إنّ آخر ما يجدونه منه عند شربهم إيّاه رائحة المسك.(2:245)
أبو هلال :الفرق بين الرّسم و الختم:أنّ الختم ينبئ عن إتمام الشّيء،و قطع فعله و عمله،تقول:ختمت القرآن،أي أتممت حفظه و قرأته و قطعت قراءته، و ختمت الكنز،لأنّه آخر ما يفعل به لحفظه.و لا ينبئ الرّسم عن ذلك،و إنّما الرّسم إظهار الأثر بالشّيء،ليكون علامة فيه،و ليس يدلّ على تمامه.أ لا ترى أنّك تقول:
ختمت القرآن،و لا تقول:رسمته.فإن استعمل الرّسم في موضع الختم في بعض المواضع،فلقرب معناه من معناه.
و الأصل في الختم:ختم الكتاب،لأنّه يقع بعد الفراغ منه،و منه قوله تعالى: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ يس:
65،منع،و قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:
7،ليس بمنع،و لكنّه ذمّ بأنّها كالممنوعة من قبول الحقّ على أنّ الرّسم فارسيّ معرّب،لا أصل له في العربيّة، فيجوز أن يكون بمعنى الختم لا فرق بينهما،لأنّهما لغتان.
الفرق بين الختم و الطّبع:أنّ الطّبع أثر يثبت في المطبوع و يلزمه،فهو يفيد من معنى الثّبات و اللّزوم ما لا يفيده الختم،و لهذا قيل:طبع الدّرهم طبعا،و هو الأثر الّذي يؤثّره فيه فلا يزول عنه،كذلك أيضا قيل:طبع الإنسان،لأنّه ثابت غير زائل،و قيل:طبع فلان على هذا الخلق،إذا كان لا يزول عنه.
و قال بعضهم:الطّبع علامة تدلّ على كنه الشّيء قال:و قيل:طبع الإنسان لدلالته على حقيقة مزاجه من الحرارة و البرودة،قال:و طبع الدّرهم علامة جوازه.
(56)
الثّعالبيّ: لا يقال:خاتم،إلاّ إذا كان فيه فصّ،و إلاّ فهو فتخة.(50)
فصل في الأواخر...الخاتمة:آخر الأمر.(56)
فصل في الحلي...الخاتم:للإصبع.(250)
أبو سهل الهرويّ: خاتم و خاتم:معروف للّذي يجعل في خنصر اليد.(87)
ابن سيده: ختمه يختمه ختما و ختاما؛الأخيرة عن اللّحيانيّ:طبعه.
و الختم على القلب:ألاّ يفهم شيئا،و لا يخرج منه شيء،كأنّه طبع.[إلى أن قال:]
و الخاتم:ما يوضع على الطّينة.
ص: 189
و الختام:الطّين الّذي يختم به على الكتاب.
و الختم،و الخاتم،و الخاتم،و الخاتام،و الخيتام:من الحليّ،كأنه أوّل وهلة ختم به،فدخل بذلك في باب الطّابع،كثر استعماله لذلك،و إن أعدّ الخاتم لغير الطّبع؛ و الجمع:خواتم،و خواتيم.
و قال سيبويه:الّذين قالوا:خواتيم،إنّما جعلوه تكسير«فاعال»،و إن لم يكن في كلامهم،و هذا دليل على أنّ سيبويه لم يعرف«خاتاما».
و قد تختّم به:لبسه.
و ختم الشّيء يختمه ختما:بلغ آخره.
و خاتم كلّ شيء،و خاتمته:عاقبته و آخره...
و ختام كلّ مشروب:آخره...
و ختام الوادي:أقصاه...
و ختم زرعه يختمه ختما،و ختم عليه:سقاه أوّل سقية.و الختام اسم له.
و الختم:أن تجمع النّحل من الشّمع شيئا رقيقا أرقّ من شمع القرص فتطليه به.
و الخاتم:أقلّ وضح القوائم.
و فرس مختّم:بأشاعرة بياض خفيّ كاللّمع دون التّخديم.
و خاتم الفرس الأنثى:الحلقة الدّنيا من ظبيتيها.
و تختّم عن الشّيء:تغافل و سكت.
و المختم:الجوزة الّتي تدلك لتملاسّ فينقد بها،تسمّى:
التّيز بالفارسيّة.
و جاء متختّما،أي متعمّما.
و ما أحسن تختّمه،عن الزّجّاجيّ.(5:155)
الرّاغب:الختم و الطّبع،يقال:على وجهين:مصدر ختمت و طبعت،و هو تأثير الشّيء كنقش الخاتم و الطّابع.و الثّاني:الأثر الحاصل عن النّقش.
و يتجوّز بذلك تارة في الاستيثاق من الشّيء، و المنع منه اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب و الأبواب،نحو: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7، وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ الجاثية:23،و تارة في تحصيل أثر عن شيء اعتبارا بالنّقش الحاصل،و تارة يعتبر منه بلوغ الآخر.و منه قيل:ختمت القرآن،أي انتهيت إلى آخره.
فقوله: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7،و قوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ الأنعام:46،إشارة إلى ما أجرى اللّه به العادة،أنّ الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل أو ارتكاب محظور،و لا يكون منه تلفّت بوجه إلى الحقّ،يورثه ذلك هيئة تمرّنه على استحسان المعاصي،و كأنّما يختم بذلك على قلبه،و على ذلك: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ النّحل:108.
و على هذا النّحو استعارة«الإغفال»في قوله عزّ و جلّ: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا الكهف:
28،و استعارة«الكنّ»في قوله تعالى: وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ الأنعام:25،و استعارة «القساوة»في قوله تعالى: وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً المائدة:13.
قال الجبّائيّ: يجعل اللّه ختما على قلوب الكفّار، ليكون دلالة للملائكة على كفرهم،فلا يدعون لهم.
ص: 190
و ليس ذلك بشيء،فإنّ هذه الكتابة إن كانت محسوسة فمن حقّها أن يدركها أصحاب التّشريح،و إن كانت معقولة غير محسوسة،فالملائكة باطّلاعهم على اعتقاداتهم مستغنية عن الاستدلال.
و قال بعضهم:ختمه:شهادته تعالى عليه أنّه لا يؤمن.(142)
نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:526)
الزّمخشريّ: وضع الخاتم على الطّعام،و الخاتم و هو الطّابع.
و ما ختامك؟طينة أم شمعة؟
و ختم الكتاب و على الكتاب.
و من المجاز:لبس الخاتم و الخاتم،و تختّم بالعقيق، و ختّم صاحبه،سمّي باسم الطّابع،لأنّه يختم به.
و ختم القرآن،و كلّ عمل إذا أتمّه و فرغ منه.
و التّحميد:مفتتح القرآن،و الاستعاذة:مختتمه.و قد افتتح عمل كذا و اختتمه.
و ختم اللّه على سمعه و قلبه.
و يقال للنّحل إذا ملأ شورته عسلا:قد ختم.
و خِتامُهُ مِسْكٌ أي عاقبته ريح المسك.
و هذه خاتمة السّورة،و كلّ أمر.
و الأمور بخواتيمها.و بلغوا ختامه.
و إذا أثاروا الأرض بعد البذر،ثمّ سقوها،قالوا:
اختموا عليه،و قد ختموا على زرعهم،و ختمنا زرعنا.
قالوا:لأنّه إذا سقي،فقد ختم عليه بالرّجاء.
و فلان ختم عليك بابه،إذا أعرض عنك.و ختم لك بابه،إذا آثرك على غيرك.
و تختّم بعمامته:تنقّب بها،و جاءنا متختّما متعمّما.
و تختّم بأمره:كتمه.
و احتجم في خاتم القفا،و هو نقرته.
و ما في قوائمه إلاّ خاتم،و هو شيء من الوضح يقال له:الزّرق:شعيرات بيض.
و زفّت إليه بخاتم ربّها و خاتمها و ختامها.
و سيقت هديّهم إليه بخيتامها.[ثمّ استشهد بشعر](103)
الطّبرسيّ: الختم:نظير الطّبع،يقال:طبع عليه بمعنى ختم عليه.و يقال:طبعه أيضا بغير حرف،و لا يمتنع في ختم ذلك.[ثمّ استشهد بشعر](1:44)
المدينيّ: في الحديث:«أنّه جاءه رجل عليه خاتم شبه.فقال:ما لي أجد منك ريح الأصنام؟»أي لأنّ الأصنام كانت تتّخذ من الشّبه،فطرحه،ثمّ جاء و عليه خاتم من حديد،فقال:«ما لي أرى عليك حلية أهل النّار»؟قيل:إنّما كرهه من أجل سهوكة (1)ريحه.و قوله:
«حلية أهل النّار»:أي أنّه من زيّ الكفّار الّذين هم أهل النّار.
و في حديث آخر:«أنّه نهى عن لبس الخاتم إلاّ لذي سلطان»أي إذا لبسه لغير حاجة،و كان للزّينة المحضة، فكره له ذلك.(1:550)
ابن الأثير: في الحديث:«آمين خاتم ربّ العالمين على عباده المؤمنين»قيل:معناه طابعه و علامته الّتي تدفع عنهم الأعراض و العاهات،لأنّ خاتم الكتاب يصونه،و يمنع النّاظرين عمّا في باطنه،و تفتح تاؤهة.
ص: 191
و تكسر:لغتان.
و فيه:«التّختّم بالياقوت ينفي الفقر»يريد أنّه إذا ذهب ماله باع خاتمه،فوجد فيه غنى،و الأشبه-إن صحّ الحديث-أن يكون لخاصيّة فيه.(2:10)
الفيّوميّ: [نحو السّابقين و أضاف:]
و في الحديث:«التمس و لو خاتما من حديد»قيل:
«لو»هنا بمعنى عسى،و التّقدير:التمس صداقا،فإن لم تجد ما يكون كذلك،فعساك تجد خاتما من حديد.فهو لبيان أدنى ما يلتمس ممّا ينتفع به.
و ختمت القرآن:حفظت خاتمته،و هي آخره.
و المعنى:حفظته جميعه عن ظهر غيب.(1:163)
الفيروزآباديّ: ختمه يختمه ختما و ختاما:
طبعه،و على قلبه:جعله لا يفهم شيئا،و لا يخرج منه شيء،و الشّيء ختما:بلغ آخره،و الزّرع و عليه:سقاه أوّل سقية.
و ككتاب:الطّين يختم به على الشّيء.
و الخاتم:ما يوضع على الطّينة،و حلي للإصبع كالخاتم و الخاتام و الخيتام و الخيتام و الختم محرّكة و الخاتيام،جمعه:خواتم و خواتيم.و قد تختّم به.
و من كلّ شيء:عاقبته و آخرته كخاتمته،و آخر القوم كالخاتم،و من القفا:نقرته،و أقلّ وضح القوائم،و هو مختّم كمعظّم،و من الفرس الأنثى:الخلفة الدّنيا من طبييها.
و تختّم عنه:تغافل و سكت،و يأمره:كتمه،و تعمّم، و الاسم التّختمة.
و كمنبر:الجوزة تدلك لتملاسّ و ينقد بها،فارسيّته تير.
و الختم العسل،و أفواه خلايا النّحل،و أن تجمع النّحل شيئا من الشّمع رقيقا أرقّ من شمع القرص فتطليه به.
و المختوم:الصّاع.
و الختم بضمّتين:فصوص مفاصل الخيل؛الواحد:
ككتاب و عالم.(4:103)
الطّريحيّ: [نقل معاني بعض الآيات و قال:]
و ختمت الكتاب ختما،من باب«ضرب».
و خاتمة العمل:آخره،و منه الدّعاء:«اللّهمّ إنّي أستودعك خاتمة عملي».
و في الحديث:«من ختم له بقيام ليلة ثمّ مات فله الجنّة».
و في الحديث:«سئل عن رجل أسلم دراهم في خمسة مخاتيم حنطة أو شعير».كأنّه يريد بالمخاتيم:ما ختم عليه من صبر الطّعام المعلومة الخاتم،و هو ما يختم به الطّعام من الخشب و غيره.
و في الخبر:«أوتيت جوامع الكلم و خواتمه»يعني القرآن كلّه.
و فيه:«فنظرت إلى خاتم النّبوّة»أي شيء يدلّ على أنّه لا نبيّ بعده.و روي:أنّه مثل التّفّاحة.
و ذكرت أمّه«أنّه لمّا ولد غمسه الملك في ماء،أتبعه ثلاث غمسات،ثمّ أخرج صرّة من حرير أبيض،فإذا فيها خاتم،فضرب به على كتفه،كالبيضة المكنونة تضيء كالزّهرة».
و قيل:كان المكتوب فيه«توجّه حيث شئت فإنّك منصور».(6:54)
ص: 192
العدنانيّ: الخاتم،الخاتم،الخاتام،الخيتام،الختم، الخاتيام،الخيتام،الختم،الخيتوم،الخأتم،الخأتم،الختام
و يخطّئون من يطلق على الحلقة تلبس في الإصبع، و تكون ذات فصّ،اسم الخيتام،و هو اسم صحيح،كما يقول القاموس،و التّاج،و المدّ.و هنالك أسماء كثيرة أخرى سوى الخيتام،تطلق على هذه الحلقة،و هي:
1-الخاتم:في الحديث:جاءه رجل عليه خاتم شبه.
فقال:«ما لي أجد منك ريح الأصنام؟»لأنّها كانت تتّخذ من الشّبه،و هو النّحاس الأصفر.
و ذكر الخاتم أيضا كلّ من الألفاظ الكتابيّة، و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و التّلخيص لأبي هلال العسكريّ،و الذّخائر و التّحف للقاضي ابن الزّبير، و الأساس،و ابن الجوزيّ،و النّهاية،و المختار،و ابن مالك، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و دوزيّ،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.
2-و الخاتم:الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و التّلخيص لأبي هلال العسكريّ الّذي قال:إنّ استعمال الخاتم قليل شاذّ،و الأساس،و ابن الجوزيّ،و المختار، و ابن مالك،و اللّسان،و المصباح الّذي قال:إنّ الخاتم أشهر،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و دوزيّ،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.
3-و الخاتام:الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و التّلخيص للعسكريّ،و المختار،و ابن مالك،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.
4-و الخيتام:الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و المختار،و ابن مالك،و اللّسان الّذي استشهد بالبيت الّذي أنشده ابن برّيّ:
يا هند ذات الجورب المنشقّ
أخذت خيتامي بغير حقّ
و التّاج،و المدّ،و المتن،و الوسيط.
5-و الختم:ابن سيده،و اللّسان،و ابن هشام الأنصاريّ،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.
6-و الخاتيام:القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و الوسيط.
7-و الخيتام:القاموس،و التّاج،و المدّ.
8-و الختم:هامش القاموس،و التّاج،و المدّ،و ذيل أقرب الموارد،و المتن.
9-و الخيتوم:هامش القاموس،و التّاج،و المدّ، و المتن.
10-و الخيتم:ابن مالك،و المدّ.
11-و الخأتم:التّاج،و المدّ.
12-و الختام:القاموس،و التّاج.
و يجمع الخاتم و الخاتم على:خواتم و خواتيم.
و انفرد محيط المحيط بذكر الخيتام،و المتن بذكر الخايتام،و لم أعثر على من يؤيّدهما،و أرجّح أنّ صاحب المتن أراد الخاتيام(رقم 6)،فقدّم منضّد الحروف الياء على التّاء.
الختام،الخاتم،الخاتم،الختم
أ-الطّين أو الشّمع الّذي يختم به
ب-الأداة الّتي توضع على الشّمع أو الطّين
ص: 193
و يخطّئون من يطلقون على ما يختم به اسم الختم، و يقولون إنّ الصّواب هو:الختام الطّين أو الشّمع الّذي يختم به،اعتمادا على قوله تعالى في الآية:26 من سورة المطفّفين: خِتامُهُ مِسْكٌ، و على ما جاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم،و جامع الكرمانيّ،و الأزهريّ، و الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.
و قد ذكر المتن:أنّ مجمع مصر أطلق اسم الختام على الشّمع الأحمر المعروف للختم،في الجدول رقم 115.
و لكن:قال ابن الفارض:
و لو نظر النّدمان ختم إنائها
لأسكرهم من دونها ذلك الختم
و ذكر أيضا أنّ الختم هو كلّ ما يختم به:محيط المحيط و أقرب الموارد،أي الأداة الّتي توضع على الشّمع أو الطّين.
و هنا لك اسمان لما يوضع على الشّمع أو الطّين، تذكرهما المعجمات أكثر من الختم،هما:
1-الخاتم:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و معجم مقاييس اللّغة،و مجاز الأساس،و النّهاية،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن.
2-و الخاتم:الأزهريّ،و التّلخيص لأبي هلال العسكريّ،و مجاز الأساس،و النّهاية،و اللّسان،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.(184)
المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل الافتتاح و الابتداء،أي إكمال الشّيء و البلوغ إلى آخره و نهايته.
و أمّا مفهوم الطّبع:فهو قريب من التّثبيت،و هو متّحد مصداقا بالختم لا مفهوما،و اتّحادهما مصداقا أوجب الالتباس،و لا سيّما إذا استعملا بحرف«على»، يقال:ختم عليه و طبع عليه،و قد يفترقان في بعض الموارد،يقال:ختم القارئ السّورة،و طبع الدّرهم،أي نقشه.
و الختام مصدر كالختم،و قد يطلقان على الذّات مبالغة،يقال:و عليها ختم،و ختامه مسك،كما أنّ الخاتم صفة قد يطلق على الذّات باعتبار اتّصافه في المعنى بصفة الخاتميّة.
و الخاتم كالعالم اسما مزيدا فيه من الختم:يدلّ على الذّات المتّصفة بالختم،و فيه مبالغة زائدة.
و أمّا إطلاق الختم على الطّينة المختومة بها،و على أوّل سقية بعد الزّرع،و على تغطية البذر:كلّها باعتبار الأصل الواحد،كإطلاق الخاتم على معانيه.
فهذه المعاني كلّها من مصاديق المفهوم الحقيقيّ،و قد لوحظت فيها حيثيّة الأصل،و ليست هذه المعاني بذاتها منظورة.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]
ثمّ إنّ التّكميل و التّتميم يستعملان غالبا بالنّسبة إلى الأجزاء الارتباطيّة في مقابل النّقص.و الختم يستعمل في الأجزاء الاستقلاليّة.و قلنا في مادّة«تمم»:أنّ الكمال يستعمل في الكيفيّات،و التّمام في الكمّيّات.(3:23)
ص: 194
1- خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ... البقرة:7
ابن عبّاس: طبع اللّه على قلوبهم.(4)
مثله السّدّيّ(103)،و السّجستانيّ(5)،و البغويّ (1:86).
مجاهد :نبّئت أنّ الذّنوب على القلب تحفّ به من نواحيه حتّى تلتقي عليه،فالتقاؤها عليه:الطّبع،و الطّبع:
الختم.
الرّان أيسر من الطّبع،و الطّبع أيسر من الإقفال، و الإقفال أشدّ ذلك كلّه.(الطّبريّ 1:145)
ابن جريج:الختم:ختم على القلب و السّمع.(الطّبريّ 1:145)
الإمام الرّضا عليه السّلام:الختم:هو الطّبع على قلوب الكفّار،عقوبة على كفرهم،كما قال عزّ و جلّ: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً النّساء:
155.(الكاشانيّ 1:80)
الأخفش: إنّ الختم ليس يقع على الأبصار،إنّما قال:
خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ ثمّ قال: وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ مستأنفا.
و قوله: خَتَمَ اللّهُ لأنّ ذلك كان لعصيانهم اللّه، فجاز ذلك اللّفظ،كما تقول:«أهلكته فلانة»إذا أعجب بها.و هي لا تفعل به شيئا،لأنّه هلك في اتّباعها،أو يكون (ختم):حكم بها أنّها مختوم عليها.(1:188)
ابن قتيبة: خَتَمَ اللّهُ... بمنزلة طبع اللّه عليها، و الخاتم بمنزلة الطّابع.و إنّما أراد:أنّه أقفل عليها و أغلقها، فليست تعي خيرا و لا تسمعه.و أصل هذا:أنّ كلّ شيء ختمته،فقد سددته و ربطته.(40)
الطّبريّ: و أصل الختم:الطّبع،و الخاتم:هو الطّابع، يقال منه:ختمت الكتاب،إذا طبعته.
فإن قال لنا قائل:و كيف يختم على القلوب،و إنّما الختم طبع على الأوعية و الظّروف و الغلف؟
قيل:فإنّ قلوب العباد أوعية لما أودعت من العلوم، و ظروف لما جعل فيها من المعارف بالأمور،فمعنى الختم عليها و على الأسماع الّتي بها تدرك المسموعات،و من قبلها يوصل إلى معرفة حقائق الأنباء،عن المغيّبات، نظير معنى الختم،على سائر الأوعية و الظّروف.
فإن قال:فهل لذلك من صفة تصفها لنا فنفهمها؟ أ هي مثل الختم الّذي يعرف لما ظهر للأبصار،أم هي بخلاف ذلك؟
قيل:قد اختلف أهل التّأويل في صفة ذلك، و سنخبر بصفته بعد ذكرنا قولهم.[و ذكر بعض الأقوال في ذلك ثمّ قال:]
و قال بعضهم:إنّما معنى قوله: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ إخبار من اللّه جلّ ثناؤه عن تكبّرهم، و إعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحقّ،كما يقال:
إنّ فلانا لأصمّ عن هذا الكلام،إذا امتنع من سماعه، و رفع نفسه عن تفهّمه تكبّرا.
و الحقّ في ذلك عندي،ما صحّ بنظيره الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة
ص: 195
سوداء في قلبه،فإن تاب و نزع و استغفر صقل قلبه،فإن زاد زادت حتّى يغلف قلبه،فذلك الرّان الّذي قال اللّه جلّ ثناؤه: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ.
فأخبر صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّ الذّنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها،و إذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل اللّه عزّ و جلّ و الطّبع،فلا يكون للإيمان إليها مسلك،و لا للكفر منها مخلص،فذلك هو الطّبع و الختم الّذي ذكره اللّه تبارك و تعالى في قوله: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ، نظير الطّبع و الختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية و الظّروف الّتي لا يوصل إلى ما فيها إلاّ بفضّ ذلك عنها ثمّ حلّها،فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف اللّه:
أنّه ختم على قلوبهم،إلاّ بعد فضّه خاتمه،و حلّه رباطه عنها.
و يقال لقائلي القول الثّاني الزّاعمين،أنّ معنى قوله جلّ ثناؤه: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ هو وصفهم بالاستكبار و الإعراض عن الّذي دعوا إليه من الإقرار بالحقّ تكبّرا:أخبرونا عن استكبار الّذين وصفهم اللّه جلّ ثناؤه بهذه الصّفة،و إعراضهم عن الإقرار بما دعوا إليه من الإيمان و سائر المعاني اللّواحق به، أفعل منهم،أم فعل من اللّه تعالى ذكره بهم؟
فإن زعموا أنّ ذلك فعل منهم،و ذلك قولهم.قيل لهم:فإنّ اللّه تبارك و تعالى قد أخبر أنّه هو الّذي ختم على قلوبهم و سمعهم،و كيف يجوز أن يكون إعراض الكافر عن الإيمان و تكبّره عن الإقرار به،و هو فعله عندكم ختما من اللّه على قلبه و سمعه،و ختمه على قلبه و سمعه،فعل اللّه عزّ و جلّ دون فعل الكافر.فإن زعموا أنّ ذلك جائز أن يكون كذلك،لأنّ تكبّره و إعراضه كانا عن ختم اللّه على قلبه و سمعه،فلمّا كان الختم سببا لذلك جاز أن يسمّى مسبّبه به،تركوا قولهم،و أوجبوا أنّ الختم من اللّه على قلوب الكفّار و أسماعهم معنى غير كفر الكافر،و غير تكبّره و إعراضه عن قبول الإيمان و الإقرار به،و ذلك دخول فيما أنكروه.
و هذه الآية من أوضح الأدلّة على فساد قول المنكرين:تكليف ما لا يطاق إلاّ بمعونة اللّه،لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر أنّه ختم على قلوب صنف من كفّار عباده و أسماعهم،ثمّ لم يسقط التّكليف عنهم،و لم يضع عن أحد منهم فرائضه،و لم يعذره في شيء ممّا كان منه من خلاف طاعته،بسبب ما فعل به من الختم و الطّبع على قلبه و سمعه،بل أخبر أنّ لجميعهم منه عذابا عظيما،على تركهم طاعته فيما أمرهم به،و نهاهم عنه،من حدوده و فرائضه مع حتمه القضاء عليهم،مع ذلك بأنّهم لا يؤمنون.(1:144)
الزّجّاج: معنى(ختم)في اللّغة و«طبع»معنى واحد، و هو التّغطية على الشّيء،و الاستيثاق من ألاّ يدخله شيء،كما قال عزّ و جلّ: أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها محمّد:
24،و قال جلّ ذكره: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ المطفّفين:14،معناه غلب على قلوبهم ما كانُوا يَكْسِبُونَ، و كذلك: طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:
155،و هم كانوا يسمعون و يبصرون و يعقلون،و لكنّهم لم يستعملوا هذه الحواسّ استعمالا يجزي عنهم،فصاروا كمن لا يسمع و لا يبصر.[ثمّ استشهد بشعر](1:82)
ص: 196
نحوه أبو مسلم الأصفهانيّ و الأصمّ.
(الطّبرسيّ 1:45)
النّحّاس: أي طبع اللّه على قلوبهم و على أسماعهم، و غطّى عليها،على جهة الجزاء بكفرهم و صدّهم النّاس عن دين اللّه.و هؤلاء الكفّار هم الّذين سبق في علمه من أنّهم لا يؤمنون،و يكون مثل قولهم:أهلكه المال،و ذهب المال بعقله،أي هلك فيه و بسببه،فهو كقوله:
فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى* لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى اللّيل:
14،15،فإنّ ذلك من اللّه عن فعلهم في أمره.(1:87)
الفارسيّ: و يذهب قوم من المتأوّلين إلى أنّ معنى:
خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7،ختم عليها بأن طبع عليها و وسمها سمة تدلّ على أنّ فيها الكفر،ليعرفهم من يشاهدهم من الملائكة بهذه السّمة،و يفرقوا بينهم و بين المؤمنين الّذين في قلوبهم الشّرح و الطّمأنينة،اللّذان وصفوا بهما في قوله تعالى: أَ فَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ الزّمر:22،و قوله: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ الرّعد:28.
و الختم و الطّبع واحد،و هما سمة و علامة في قلب المطبوع على قلبه.و كما ختم على قلب الكافر و طبع فوسم بسمة تعرف بها الملائكة كفره،كذلك وسم قلوب المؤمنين بسمات تعرفهم الملائكة بها،كما عرفوا بها الكافر.و من ثمّ قال بعض المتأوّلين في قوله تعالى. وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا الكهف:28،أي لم نسم قلبه بما نسم به قلوب الذّاكرين للّه،لأنّ اللّه تعالى وسم قلوب الذّاكرين بسمات تبيّن لمن شاهدها من الملائكة أنّهم مؤمنون،كما قال: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ المجادلة:22،أي علامته.فإذا لم يسمهم بهذه السّمة،فقد أغفلهم.
و مثل ما تأوّلوا في هذا من أنّه علامة يعرف بها الكافر من المؤمن،مناولة الكتاب باليمين و بالشّمال،في أنّ المناولة باليمين علامة،أنّ المناول باليمين من أهل الجنّة، و المناول بالشّمال من أهل النّار.و قوله: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155،يحتمل أمرين،أي طبع عليها و ختم،جزاء للكفر و عقوبة عليه.[ثمّ استشهد بشعر]
قوله:بل طبع اللّه عليها بكفرهم،أي طبع عليها بعلامة كفرهم،كما تقول:طبع عليه بالطّين،و ختم عليه بالشّمع.
و يجوز أن يكون قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ... وصفا للّذي ذمّ بهذا الكلام،بأن قلبه ضاق عن قبول الحكمة و الإسلام،و الاستدلال على توحيد اللّه تعالى،و قبول شرائع أنبيائه عليهم السّلام،فلم ينشرح له،و لم يتّسع لقبوله،فهو خلاف من ذكر في قوله تعالى: أَ فَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ الزّمر:22.
و مثل ذلك قوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها محمّد:24،و مثله: وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5،و من ذلك قوله: وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ البقرة:88،إنّما هو جمع أغلف،أي في غلاف، كقوله: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ، وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ الأعراف:179.
و يقوّي ذلك أنّ المطبوع على قلبه وصف بقلّة الفهم
ص: 197
بما يسمع من أجل الطّبع،فقال: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً النّساء:155،و قال:
وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ التّوبة:87.
و ممّا يبيّن ذلك قوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ الأنعام:46، فعدل الختم على القلوب بأخذه السّمع و البصر،فدلّ هذا على أنّ الختم على القلب،هو أن يصير على وصف لا ينتفع به فيما يحتاج فيه إليه،كما لا ينتفع بالسّمع و البصر مع أخذهما،و إنّما يكون ضيقه بألاّ يتّسع لما يحتاج إليه من النّظر و الاستدلال الفاصل بين الحقّ و الباطل.و من ذلك قوله تعالى: وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ الأنعام:125.
فهذا كلام كالمثل،أي من يستحقّ الإضلال عن الثّواب يجعل صدره ضيّقا في نهاية الضّيق،لما كان القلب محلاّ للعلوم و الاعتقادات،بدلالة قوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها الأعراف:179،فوصفه بالضّيق و أنّه على خلاف الشّرح و الانفساح،دلّ أنّه لا يعي علما،و لا يستدلّ على ما أريد له و دعي إليه،كما وصف الجبان بأنّه لا قلب له،لمّا أريد به المبالغة في وصفه بالجبن،لأنّ الشّجاعة محلّها القلب،فإذا لم يكن القلب الّذي يكون محلّ الشّجاعة لو كانت،فألاّ تكون الشّجاعة أولى.
و من ثمّ قالوا في النّعامة:جؤجؤه هواء،أي ذو هواء، فهو فارغ من القلب،فهذا كما وصفوها بالشّراد لجبنها.
[ثمّ استشهد بأشعار]
فكما وصف الجبان بأنّه لا قلب له،و أنّه مجوّف و أنّه يراعة،لأنّه إذا كان كذلك بعد من الشّجاعة،و من الفهم لعدمه القلب،كذلك وصف من بعد عن قبول الإسلام بعد الدّعاء إليه و إقامة الحجّة عليه،بأنّه مطبوع على قلبه، و ضيّق صدره،و قلبه في كنان،و في غلاف.(1:301)
الثّعلبيّ: أي طبع عَلى قُلُوبِهِمْ و الختم و الطّبع بمعنى واحد،و هما التّغطية للشّيء،و الاستيثاق من أن يدخله شيء آخر.
فمعنى الآية:طبع اللّه على قلوبهم و أغلقها و أقفلها، فليست تعي خبرا،و لا تفهمه،يدلّ عليه قوله تعالى:
أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها محمّد:24.
و قال بعضهم:معنى الطّبع و الختم:حكم اللّه عليهم بالكفر و الشّقاوة،كما يقال للرّجل:ختمت عليك أن لا تفلح أبدا.(1:150)
الماورديّ: الختم:الطّبع،و منه ختم الكتاب.و فيه أربعة تأويلات:
أحدها:[نقل معنى قول مجاهد].
و الثّاني:أنّها سمة تكون علامة فيهم،تعرفهم الملائكة بها من بين المؤمنين.
و الثّالث:أنّه إخبار من اللّه تعالى عن كفرهم و إعراضهم عن سماع ما دعوا إليه من الحقّ،تشبيها بما قد انسدّ و ختم عليه،فلا يدخله خير.
و الرّابع:أنّها شهادة من اللّه تعالى على قلوبهم،بأنّها لا تعي الذّكر و لا تقبل الحقّ،و على أسماعهم بأنّها لا تصغي إليه.(1:72)
الطّوسيّ: أي شهد عليها بأنّها لا تقبل الحقّ،يقول
ص: 198
القائل:أراك تختم على كلّ ما يقول فلان،أي تشهد به و تصدّقه.و قد ختمت عليك بأنّك لا تعلم،أي شهدت، و ذلك استعارة.و قيل:إنّ«ختم»بمعنى طبع فيها أثرا للذّنوب،كالسّمة و العلامة لتعرفها الملائكة فيتبرّءوا منهم،و لا يوالوهم،و لا يستغفروا لهم مع استغفارهم للمؤمنين.و قيل:المعنى في ذلك أنّه ذمّهم بأنّها كالمختوم عليها في أنّها لا يدخلها الإيمان،و لا يخرج عنها الكفر.
[ثمّ استشهد بشعر]
و الختم:آخر الشّيء و منه قوله تعالى: خِتامُهُ مِسْكٌ المطفّفين:26،و منه:خاتم النّبيّين،أي آخرهم، و منه:ختم الكتاب،لأنّه آخر حال الفراغ منه.
و الختم:الطّبع،و الخاتم:الطّابع.
و ما يختم اللّه على القلوب من السّمة و العلامة الّتي ذكرناها ليست بمانعة من الإيمان،كما أنّ ختم الكتاب و الظّرف و الوعاء لا يمنع من أخذ ما فيه.[ثمّ ذكر قول مجاهد و قال:]
و قيل:إنّ قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ إخبار عن تكبّرهم و إعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحقّ، كما يقال:فلان أصمّ عن هذا الكلام،إذا امتنع عن سماعه، و رفع نفسه عن تفهّمه.(1:63)
[نحوه الطّبرسيّ](1:44)
القشيريّ: الختم على الشّيء يمنع ما ليس فيه أن يدخله،و ما فيه أن يخرج منه،و كذلك حكم الحقّ سبحانه بألاّ يفارق قلوب أعدائه ما فيها من الجهالة و الضّلالة،و لا يدخلها شيء من البصيرة و الهداية،على أسماع قلوبهم غطاء الخذلان،سدّت تلك المسامع عن إدراك خطاب الحقّ من حيث الإيمان،فوساوس الشّيطان و هواجس النّفوس شغلتها عن استماع خواطر الحقّ.(1:72)
الواحديّ: الختم على الوعاء يمنع الدّخول فيه، و الخروج منه،كذلك الختم على قلوب الكفّار،يمنع دخول الإيمان فيها،و خروج الكفر منها،و إنّما يكون ذلك:بأن يخلق اللّه الكفر فيها،و يصدّهم عن الهدى،فلا يدخل الإيمان في قلوبهم،كما قال اللّه عزّ و جلّ: وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ الجاثية:23.(1:85)
الزّمخشريّ: الختم و الكتم أخوان،لأنّ في الاستيثاق من الشّيء كضرب الخاتم عليه كتما له، و تغطية لئلاّ يتوصّل إليه و لا يطّلع عليه.و الغشاوة:
الغطاء،«فعالة»من غشاه،إذا غطّاه.
و هذا البناء لما يشتمل على الشّيء كالعصابة و العمامة.
فإن قلت:ما معنى الختم على القلوب و الأسماع و تغشية الأبصار؟
قلت:لا ختم و لا تغشية ثمّ على الحقيقة،و إنّما هو من باب المجاز.و يحتمل أن يكون من كلا نوعيه و هما الاستعارة و التّمثيل.
أمّا الاستعارة فأن تجعل قلوبهم لأنّ الحقّ لا ينفذ فيها،و لا يخلص إلى ضمائرها من قبل إعراضهم عنه، و استكبارهم عن قبوله و اعتقاده،و أسماعهم لأنّها تمجّه و تنبو عن الإصغاء إليه،و تعاف استماعه كأنّها مستوثق منها بالختم،و أبصارهم لأنّها لا تجتلي آيات اللّه
ص: 199
المعروضة و دلائله المنصوبة،كما تجتليها أعين المعتبرين المستبصرين،كأنّما غطّي عليها و حجبت،و حيل بينها و بين الإدراك.
و أمّا التّمثيل فإن تمثّل حيث لم يستنفعوا بها في الأغراض الدّينيّة الّتي كلّفوها،و خلّفوا من أجلها بأشياء، ضرب حجاب بينها و بين الاستنفاع بها بالختم و التّغطية.
و قد جعل بعض المازنيّين الحبسة في اللّسان و العيّ ختما عليه.[ثمّ استشهد بشعر]
فإن قلت:فلم أسند الختم إلى اللّه تعالى،و إسناده إليه يدلّ على المنع من قبول الحقّ و التّوصّل إليه بطرقه،و هو قبيح،و اللّه يتعالى عن فعل القبيح علوّا كبيرا،لعلمه بقبحه و علمه بغناه عنه،و قد نصّ على تنزيه ذاته بقوله:
وَ ما أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ ق:29، وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِينَ الزّخرف:7، إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ الأعراف:28،و نظائر ذلك ممّا نطق به التّنزيل؟
قلت:القصد إلى صفة القلوب بأنّها كالمختوم عليها، و أمّا إسناد الختم إلى اللّه عزّ و جلّ،فلينبّه على أنّ هذه الصّفة في فرط تمكّنها و ثبات قدمها،كالشّيء الخلقيّ غير العرضيّ.أ لا ترى إلى قولهم:فلان مجبول على كذا و مفطور عليه،يريدون:أنّه بليغ في الثّبات عليه.
و كيف تتخيّل ما خيّل إليك،و قد وردت الآية ناعية على الكفّار شناعة صفتهم و سماجة حالهم،و نيط بذلك الوعيد بعذاب عظيم؟
و يجوز أن تضرب الجملة كما هي-و هي خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ -مثلا،كقولهم:سال به الوادي،إذا هلك، و طارت به العنقاء،إذا طال الغيبة.و ليس للوادي و لا للعنقاء عمل في هلاكه،و لا في طول غيبته،و إنّما هو تمثيل مثّلت حاله في هلاكه بحال من سال به الوادي،و في طول غيبته بحال من طارت به العنقاء،فكذلك مثّلت حال قلوبهم فيما كانت عليه من التّجافي عن الحقّ،بحال قلوب ختم اللّه عليها،نحو قلوب الأغتام الّتي هي في خلوّها عن الفطن كقلوب البهائم،أو بحال قلوب البهائم أنفسها،أو بحال قلوب مقدّر ختم اللّه عليها،حتّى لا تعي شيئا و لا تفقه.و ليس له عزّ و جلّ فعل في تجافيها عن الحقّ و نبوّها عن قبوله،و هو متعال عن ذلك.
و يجوز أن يستعار الإسناد في نفسه من غير اللّه للّه، فيكون الختم مسندا إلى اسم اللّه على سبيل المجاز،و هو لغيره حقيقة.
تفسير هذا أنّ للفعل ملابسات شتّى،يلابس الفاعل و المفعول به و المصدر و الزّمان و المكان و المسبّب له.
فإسناده إلى الفاعل حقيقة،و قد يسند إلى هذه الأشياء على طريق المجاز المسمّى استعارة؛و ذلك لمضاهاتها الفاعل في ملابسة الفعل،كما يضاهي الرّجل الأسد في جراءته،فيستعار له اسمه،فيقال في المفعول به:عيشة راضية و ماء دافق،و في عكسه:سيل مفعم،و في المصدر:
شعر شاعر و ذيل ذائل،و في الزّمان:نهاره صائم و ليله قائم.و في المكان:طريق سائر و نهر جار،و أهل مكّة يقولون:صلّى المقام،و في المسبّب:بنى الأمير المدينة، و ناقة ضبوث و حلوب.و قال:
*إذا ردّعا في القدر من يستعيرها*
ص: 200
فالشّيطان هو الخاتم في الحقيقة أو الكافر،إلاّ أنّ اللّه سبحانه لمّا كان هو الّذي أقدره و مكّنه،أسند إليه الختم كما يسند الفعل إلى المسبّب.
و وجه رابع:و هو أنّهم لمّا كانوا على القطع و البتّ ممّن لا يؤمن،و لا تغني عنهم الآيات و النّذر،و لا تجدي عليهم الألطاف المحصّلة و لا المقرّبة إن أعطوها،لم يبق- بعد استحكام العلم،بأنّه لا طريق إلى أن يؤمنوا طوعا و اختيارا-طريق إلى إيمانهم إلاّ القسر و الإلجاء.و إذا لم تبق طريق-إلاّ أن يقسّرهم اللّه و يلجئهم،ثمّ لم يقسّرهم و لم يلجئهم لئلاّ ينتقض الغرض في التّكليف-عبّر عن ترك القسر و الإلجاء بالختم،إشعارا بأنّهم الّذين ترامى أمرهم في التّصميم على الكفر و الإصرار عليه إلى حدّ لا يتناهون عنه إلاّ بالقسر و الإلجاء،و هي الغاية القصوى في وصف لجاجهم في الغيّ و استشرائهم في الضّلال و البغي.
و وجه خامس:و هو أن يكون حكاية لما كان الكفرة يقولونه تهكّما بهم،من قولهم: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5.و نظيره في الحكاية و التّهكّم قوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ البيّنة:1.
فإن قلت:اللّفظ يحتمل أن تكون الأسماع داخلة في حكم الختم و في حكم التّغشية،فعلى أيّهما يعوّل؟
قلت:على دخولها في حكم الختم،لقوله تعالى:
وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً الجاثية:23،و لوقفهم على سمعهم دون قلوبهم.
فإن قلت:أيّ فائدة في تكرير الجارّ في قوله:و عَلى سَمْعِهِمْ؟
قلت:لو لم يكرّر لكان انتظاما للقلوب و الأسماع في تعدية واحدة،و حين استجدّ للأسماع تعدية على حدّة، كان أدلّ على شدّة الختم في الموضعين.(1:155)
ابن عطيّة: خَتَمَ اللّهُ مأخوذ من الختم و هو الطّبع،و الخاتم:الطّابع،و ذهبت طائفة من المتأوّلين إلى أنّ ذلك على الحقيقة،و أنّ القلب على هيئة الكفّ، ينقبض مع زيادة الضّلال و الإعراض إصبعا إصبعا.
و قال آخرون:ذلك على المجاز،و إنّ ما اخترع له في قلوبهم من الكفر و الضّلال و الإعراض عن الإيمان سمّاه ختما.
و قال آخرون ممّن حمله على المجاز:الختم هنا أسند إلى اللّه تعالى لمّا كفر الكافرون به،و أعرضوا عن عبادته و توحيده،كما يقال:أهلك المال فلانا،و إنّما أهلكه سوء تصرّفه فيه.(1:88)
ابن الجوزيّ: الختم:الطّبع.[إلى أن قال:]
و إنّما خصّه[القلب]بالختم،لأنّه محلّ الفهم.
(1:28)
الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا بيّن في الآية الأولى أنّهم لا يؤمنون،أخبر في هذه الآية بالسّبب الّذي لأجله لم يؤمنوا،و هو الختم،و الكلام هاهنا يقع في مسائل:
المسألة الأولى:الختم و الكتم أخوان،لأنّ في الاستيثاق من الشّيء بضرب الخاتم عليه كتما له و تغطية،لئلاّ يتوصّل إليه أو يطّلع عليه،و الغشاوة:
ص: 201
الغطاء«فعالة»من غشاء،إذا غطّاه.و هذا البناء لما يشتمل على الشّيء كالعصابة و العمامة.
المسألة الثّانية:اختلف النّاس في هذا الختم،أمّا القائلون بأنّ أفعال العباد مخلوقة للّه تعالى،فهذا الكلام على مذهبهم ظاهر،ثمّ لهم قولان:منهم من قال:الختم هو خلق الكفر في قلوب الكفّار،و منهم من قال:هو خلق الدّاعية الّتي إذا انضمّت إلى القدرة،صار مجموع القدرة معها سببا موجبا لوقوع الكفر.
و تقريره:أنّ القادر على الكفر إمّا أن يكون قادرا على تركه،أو لا يكون.فإن لم يقدر على تركه كانت القدرة على الكفر موجبة للكفر،فخلق القدرة على الكفر يقتضي خلق الكفر،و إن قدر على التّرك كانت نسبة تلك القدرة إلى فعل الكفر و إلى تركه على سواء.
فأمّا أن يكون صيرورتها مصدرا للفعل بدلا عن التّرك،يتوقّف على انضمام مرجّح إليها،أو لا يتوقّف.
فإن لم يتوقّف فقد وقع الممكن لا عن مرجّح، و تجويزه يقتضي القدح في الاستدلال بالممكن على المؤثّر؛و ذلك يقتضي نفي الصّانع،و هو محال.
و أمّا إن توقّف على المرجّح فذلك المرجّح إمّا أن يكون من فعل اللّه،أو من فعل العبد،أو لا من فعل اللّه و لا من فعل العبد،لا جائز أن يكون من فعل العبد و إلاّ لزم التّسلسل،و لا جائز أن يكون لا بفعل اللّه و لا بفعل العبد،لأنّه يلزم حدوث شيء لا لمؤثّر؛و ذلك يبطل القول بالصّانع.فثبت أنّ كون قدرة العبد مصدرا للمقدور المعيّن،يتوقّف على أن ينضمّ إليها مرجّح هو من فعل اللّه تعالى.
فنقول:إذا انضمّ ذلك المرجّح إلى تلك القدرة فإمّا أن يصير تأثير القدرة في ذلك الأثر واجبا أو جائزا أو ممتنعا،و الثّاني و الثّالث باطل،فتعيّن الأوّل.
و إنّما قلنا:إنّه لا يجوز أن يكون جائزا،لأنّه لو كان جائزا لكان يصحّ في العقل أن يحصل مجموع القدرة مع ذلك المرجّح تارة مع ذلك الأثر،و أخرى منفكّا عنه، فلنفرض وقوع ذلك،لأنّ كلّ ما كان جائزا لا يلزم من فرض وقوعه محال،فذاك المجموع تارة يترتّب عليه الأثر،و أخرى لا يترتّب عليه الأثر،فاختصاص أحد الوقتين يترتّب ذلك الأثر عليه،إمّا أن يتوقّف على انضمام قرينة إليه،أو لا يتوقّف.فإن توقّف كان المؤثّر هو ذلك المجموع مع هذه القرينة الزّائدة،لا ذلك المجموع، و كنّا قد فرضنا أنّ ذلك المجموع هو المستقلّ خلف هذا.
و أيضا فيعود التّقسيم في هذا المجموع الثّاني،فإن توقّف على قيد آخر لزم التّسلسل،و هو محال،و إن لم يتوقّف فحينئذ حصل ذلك المجموع تارة بحيث يكون مصدرا للأثر،و أخرى بحيث لا يكون مصدرا له،مع أنّه لم يتميّز أحد الوقتين عن الآخر بأمر ما البتّة.فيكون هذا قولا بترجّح الممكن لا عن مرجّح،و هو محال.
فثبت أنّ عند حصول ذلك المرجّح يستحيل أن يكون صدور ذلك الأثر جائزا،و أمّا أنّه لا يكون ممتنعا فظاهر،و إلاّ لكان مرجّح الوجود مرجّحا للعدم،و هو محال.و إذا بطل القسمان ثبت أنّ عند حصول مرجّح الوجود،يكون الأثر واجب الوجود عن المجموع الحاصل من القدرة،و من ذلك المرجّح،و إذا ثبت هذا كان القول بالجبر لازما،لأنّ قبل حصول ذلك المرجّح كان صدور
ص: 202
الفعل ممتنعا،و بعد حصوله يكون واجبا.
و إذ عرفت هذا كان خلق الدّاعية الموجبة للكفر في القلب ختما على القلب،و منعا له عن قبول الإيمان،فإنّه سبحانه لمّا حكم عليهم بأنّهم لا يؤمنون،ذكر عقيبة ما يجري مجرى السّبب الموجب له،لأنّ العلم بالعلّة يفيد العلم بالمعلول،و العلم بالمعلول لا يكمل إلاّ إذا استفيد من العلم بالعلّة،فهذا قول من أضاف جميع المحدثات إلى اللّه تعالى.
و أمّا المعتزلة فقد قالوا:إنّه لا يجوز أجراء هذه الآية على المنع من الإيمان،و احتجّوا فيه بالوجوه الّتي حكيناها عنهم في الآية الأولى و زادوا هاهنا بأنّ اللّه تعالى قد كذّب الكفّار الّذين قالوا:إنّ على قلوبهم كنّا و غطاء يمنعهم عن الإيمان وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً النّساء:
155،و قال: فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ فصّلت:4،5، و هذا كلّه عيب و ذمّ من اللّه تعالى فيما ادّعوا أنّهم ممنوعون عن الإيمان.
ثمّ قالوا:بل لا بدّ من حمل«الختم و الغشاوة»على أمور أخر،ثمّ ذكروا فيه وجوها:
أحدها:أنّ القوم لمّا أعرضوا و تركوا الاهتداء بدلائل اللّه تعالى حتّى صار ذلك كالألف و الطّبيعة لهم،أشبه حالهم حال من منع عن الشّيء و صدّ عنه،و كذلك هذا في عيونهم حتّى كأنّها مسدودة لا تبصر شيئا،و كأنّ بآذانهم و قرا حتّى لا يخلص إليها الذّكر،و إنّما أضيف ذلك إلى اللّه تعالى،لأنّ هذه الصّفة في تمكّنها و قوّة ثباتها كالشّيء الخلقيّ،و لهذا قال تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ النّساء:155، كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ المطفّفين:14، فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ التّوبة:77.
و ثانيها:أنّه يكفى في حسن الإضافة أدنى سبب، فالشّيطان هو الخاتم في الحقيقة أو الكافر،إلاّ أنّ اللّه تعالى لمّا كان هو الّذي أقدره،أسند إليه الختم،كما يسند الفعل إلى السّبب.
و ثالثها:أنّهم لمّا أعرضوا عن التّدبّر و لم يصغوا إلى الذّكر،و كان ذلك عند إيراد اللّه تعالى عليهم الدّلائل، أضيف ما فعلوا إلى اللّه تعالى،لأنّ حدوثه إنّما اتّفق عند إيراده تعالى دلائله عليهم،كقوله تعالى في سورة براءة:
فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ التّوبة:125،أي ازدادوا بها كفرا إلى كفرهم.
و رابعها:أنّهم بلغوا في الكفر إلى حيث لم يبق طريق إلى تحصيل الإيمان لهم إلاّ بالقسر و الإلجاء،إلاّ أنّ اللّه تعالى ما أقرّهم عليه لئلاّ يبطل التّكليف،فعبّر عن ترك القسر و الإلجاء بالختم،إشعارا بأنّهم الّذين انتهوا في الكفر إلى حيث لا يتناهون عنه إلاّ بالقسر،و هي الغاية القصوى في وصف لجاجهم في الغيّ.
و خامسها:أن يكون ذلك حكاية لما كان الكفرة يقولونه تهكّما به،من قولهم: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:
5،و نظيره في الحكاية و التّهكّم قوله: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ البيّنة:1.
ص: 203
و سادسها:الختم على قلوب الكفّار من اللّه تعالى هو الشّهادة منه عليهم بأنّهم لا يؤمنون،و على قلوبهم بأنّها لا تعي الذّكر،و لا تقبل الحقّ،و على أسماعهم بأنّها لا تصغي إلى الحقّ،كما يقول الرّجل لصاحبه:أريد أن تختم على ما يقوله فلان،أي تصدّقه و تشهد بأنّه حقّ، فأخبر اللّه تعالى في الآية الأولى بأنّهم لا يؤمنون،و أخبر في هذه الآية بأنّه قد شهد بذلك و حفظه عليهم.
و سابعها:قال بعضهم:هذه الآية إنّما جاءت في قوم مخصوصين من الكفّار،فعل اللّه تعالى بهم هذا الختم و الطّبع في الدّنيا،عقابا لهم في العاجل،كما عجّل لكثير من الكفّار عقوبات في الدّنيا،فقال: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ البقرة:65،و قال: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ المائدة:26،و نحو هذا من العقوبات المعجّلة،لما علم اللّه تعالى فيها من العبرة لعبادة و الصّلاح لهم،فيكون هذا مثل ما فعل بهؤلاء من الختم و الطّبع،إلاّ أنّهم إذا صاروا بذلك إلى أن لا يفهموا،سقط عنهم التّكليف،كسقوطه عمّن مسخ.و قد أسقط اللّه التّكليف عمّن يعقل بعض العقل،كمن قارب البلوغ.و لسنا ننكر أن يخلق اللّه في قلوب الكافرين مانعا يمنعهم عن الفهم و الاعتبار،إذا علم أنّ ذلك أصلح لهم،كما قد يذهب بعقولهم و يعمي أبصارهم،و لكن لا يكونون في هذا الحال مكلّفين.
و ثامنها:يجوز أن يجعل اللّه على قلوبهم الختم و على أبصارهم الغشاوة،من غير أن يكون ذلك حائلا بينهم و بين الإيمان،بل يكون ذلك كالبلادة الّتي يجدها الإنسان في قلبه،و القذى في عينيه،و الطّنين في أذنه.فيفعل اللّه كلّ ذلك بهم ليضيّق صدورهم و يورثهم الكرب و الغمّ، فيكون ذلك عقوبة مانعة من الإيمان،كما قد فعل ببني إسرائيل فتاهوا،ثمّ يكون هذا الفعل في بعض الكفّار، و يكون ذلك آية للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و دلالة له،كالرّجز الّذي أنزل على قوم فرعون حتّى استغاثوا منه،و هذا كلّه مقيّد بما يعلم اللّه تعالى أنّه أصلح للعباد.
و تاسعها:يجوز أن يفعل هذا الختم بهم في الآخرة، كما قد أخبر أنّه يعميهم،قال: وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا الإسراء:97، و قال: وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً طه:102، و قال: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ يس:65،و قال:
لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ هُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ الإسراء:97، الأنبياء:100.
و عاشرها:ما حكوه عن الحسن البصريّ-و هو اختيار أبي عليّ الجبّائيّ و القاضي-أنّ المراد بذلك:
علامة و سمة يجعلها في قلب الكفّار و سمعهم،فتستدلّ الملائكة بذلك على أنّهم كفّار،و على أنّهم لا يؤمنون أبدا، فلا يبعد أن يكون في قلوب المؤمنين علامة تعرف الملائكة بها كونهم مؤمنين عند اللّه،كما قال: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ المجادلة:22،و حينئذ الملائكة يحبّونه و يستغفرون له،و يكون لقلوب الكفّار علامة تعرف الملائكة بها كونهم ملعونين عند اللّه فيبغضونه و يلعنونه.
و الفائدة في تلك العلامة إمّا مصلحة عائدة إلى الملائكة،لأنّهم متى علموا بتلك العلامة كونه كافرا
ص: 204
ملعونا عند اللّه تعالى،صار ذلك منفّرا لهم عن الكفر أو إلى المكلّف،فإنّه إذا علم أنّه متى آمن فقد أحبّه أهل السّماوات،صار ذلك مرغّبا له في الإيمان،و إذا علم أنّه متى أقدم على الكفر عرف الملائكة منه ذلك فيبغضونه و يلعنونه،صار ذلك زاجرا له عن الكفر.
قالوا:و الختم بهذا المعنى لا يمنع(لأنّا نتمكّن بعد ختم الكتاب أن نفكّه و نقرأه،و لأنّ الختم هو بمنزلة أن يكتب على جبين الكافر أنّه كافر،فإذا لم يمنع ذلك من الإيمان، فكذا هذا الكافر يمكنه أن يزيل تلك السّمة عن قلبه،بأن يأتي بالإيمان و يترك الكفر.قالوا:و إنّما خصّ القلب و السّمع بذلك،لأنّ الأدلّة السّمعيّة لا تستفاد إلاّ من جهة السّمع،و الأدلّة العقليّة لا تستفاد إلاّ من جانب القلب، و لهذا خصّهما بالذّكر.
فإن قيل:فيتحمّلون الغشاوة في البصر أيضا على معنى العلامة؟
قلنا:لا،لأنّا إنّما حملنا ما تقدّم على السّمة و العلامة.
لأنّ حقيقة اللّغة تقتضي ذلك،و لا مانع منه،فوجب إثباته.
أمّا الغشاوة فحقيقتها الغطاء المانع من الإبصار، و معلوم من حال الكفّار خلاف ذلك،فلا بدّ من حمله على المجاز،و هو تشبيه حالهم بحال من لا ينتفع ببصره في باب الهداية.فهذا مجموع أقوال النّاس في هذا الموضع.
المسألة الثّالثة:الألفاظ الواردة في القرآن القريبة من معنى الختم هي:الطّبع،و الكنان،و الرّين على القلب، و الوقر في الآذان،و الغشاوة في البصر،ثمّ الآيات الواردة في ذلك مختلفة فالقسم الأوّل:وردت دلالة على حصول هذه الأشياء،قال: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ المطفّفين:14، وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً الأنعام:25، وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ التّوبة:87، بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155، فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ فصّلت:4، لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا يس:70، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ النّمل:80، أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ النّحل:21، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ البقرة:10.
و القسم الثّاني:وردت دلالة على أنّه لا مانع البتّة وَ ما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا الإسراء:94، فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ الكهف:29، لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها البقرة:286، وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78، كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ البقرة:28، لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ آل عمران:
71.
و القرآن مملوء من هذين القسمين،و صار كلّ قسم منهما متمسّكا لطائفة،فصارت الدّلائل السّمعيّة لكونها من الطّرفين واقعة في حيّز التّعارض.أمّا الدّلائل العقليّة فهي الّتي سبقت الإشارة إليها.
و بالجملة فهذه المسألة من أعظم المسائل الإسلاميّة و أكثرها شعبا و أشدّها شغبا،و يحكى أنّ الإمام أبا القاسم الأنصاريّ سئل عن تكفير المعتزلة في هذه المسألة، فقال:لا،لأنّهم نزّهوه،فسئل عن أهل السّنّة،فقال:لا، لأنّهم عظّموه،و المعنى أنّ كلا الفريقين ما طلب إلاّ إثبات جلال اللّه و علوّ كبريائه،إلاّ أنّ أهل السّنّة وقع نظرهم
ص: 205
على العظمة،فقالوا:ينبغي أن يكون هو الموجد و لا موجد سواه.و المعتزلة وقع نظرهم على الحكمة،فقالوا:
لا يليق بجلال حضرته هذه القبائح.
و أقول:هاهنا سرّ آخر،و هو أنّ إثبات الإله يلجئ إلى القول بالجبر،لأنّ الفاعليّة لو لم تتوقّف على الدّاعية، لزم وقوع الممكن من غير مرجّح،و هو نفي الصّانع،و لو توقّفت لزم الجبر.و إثبات الرّسول يلجئ إلى القول بالقدرة.
بل هاهنا سرّ آخر هو فوق الكلّ،و هو أنّا لمّا رجعنا إلى الفطرة السّليمة و العقل الأوّل،وجدنا أنّ ما استوى الوجود و العدم بالنّسبة إليه،لا يترجّح أحدهما على الآخر إلاّ لمرجّح،و هذا يقتضي الجبر.و نجد أيضا تفرقة بديهيّة بين الحركات الاختياريّة و الحركات الاضطراريّة،و جزما بديهيّا بحسن المدح و قبح الذّمّ، و الأمر و النّهي.و ذلك يقتضي مذهب المعتزلة،فكأنّ هذه المسألة وقعت في حيّز التّعارض بحسب العلوم الضّروريّة،و بحسب العلوم النّظريّة،و بحسب تعظيم اللّه تعالى نظرا إلى قدرته و حكمته،و بحسب التّوحيد و التّنزيه،و بحسب الدّلائل السّمعيّة،فلهذه المآخذ الّتي شرحناها و الأسرار الّتي كشفنا عن حقائقها،صعبت المسألة و غمضت و عظمت،فنسأل اللّه العظيم أن يوفّقنا للحقّ،و أن يختم عاقبتنا بالخير،آمين ربّ العالمين.
(2:48)
القرطبيّ: في الآية مسائل:
الأولى:قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ بيّن سبحانه في هذه الآية المانع لهم من الإيمان بقوله: خَتَمَ اللّهُ. و الختم:
مصدر ختمت الشّيء ختما فهو مختوم و مختّم،شدّد للمبالغة،و معناه التّغطية على الشّيء،و الاستيثاق منه حتّى لا يدخله شيء،و منه:ختم الكتاب و الباب و ما يشبه ذلك،حتّى لا يوصل إلى ما فيه،و لا يوضع فيه غير ما فيه.
و قال أهل المعاني:وصف اللّه تعالى قلوب الكفّار بعشرة أوصاف:بالختم و الطّبع و الضّيق و المرض و الرّين و الموت و القساوة و الانصراف و الحميّة و الإنكار.فقال في الإنكار: قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ النّحل:
22.و قال في الحميّة: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ الفتح:26.و قال في الانصراف: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ التّوبة:127.
و قال في القساوة: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ الزّمر:22،و قال: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ البقرة:74،و قال في الموت: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122،و قال: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ الأنعام:36، و قال في الرّين: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ المطفّفين:14،و قال في المرض: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ البقرة:10،و قال في الضّيق: وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً الأنعام:125،و قال في الطّبع: فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ المنافقون:
3،و قال: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155، و قال في الختم: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7، و سيأتي بيانها كلّها في مواضعها إن شاء اللّه تعالى.
الثّانية:الختم يكون محسوسا كما بيّنّا،و معنى كما في
ص: 206
هذه الآية.فالختم على القلوب:عدم الوعي عن الحقّ سبحانه مفهوم مخاطباته و الفكر في آياته،و على السّمع:
عدم فهمهم للقرآن،إذا تلي عليهم أو دعوا إلى وحدانيّته،و على الأبصار:عدم هدايتها للنّظر في مخلوقاته و عجائب مصنوعاته؛هذا معنى قول ابن عبّاس و ابن مسعود و قتادة و غيرهم.
الثّالثة:في هذه الآية أدلّ دليل و أوضح سبيل على أنّ اللّه سبحانه خالق الهدى و الضّلال،و الكفر و الإيمان، فاعتبروا أيّها السّامعون،و تعجّبوا أيّها المفكّرون من عقول القدريّة القائلين:بخلق إيمانهم و هداهم؛فإنّ الختم هو الطّبع،فمن أين لهم الإيمان و لو جهدوا،و قد طبع على قلوبهم و على سمعهم،و جعل على أبصارهم غشاوة فمتى يهتدون،أو من يهديهم من بعد اللّه إذا أضلّهم و أصمّهم و أعمى أبصارهم وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ الرّعد:33!و كان فعل اللّه ذلك عدلا فيمن أضلّه و خذله؛إذ لم يمنعه حقّا وجب له فتزول صفة العدل،و إنّما منعهم ما كان له أن يتفضّل به عليهم،لا ما وجب لهم.
فإن قالوا:إنّ معنى الختم و الطّبع و الغشاوة:التّسمية و الحكم،و الإخبار بأنّهم لا يؤمنون،لا الفعل.
قلنا:هذا فاسد،لأنّ حقيقة الختم و الطّبع،إنّما هو فعل ما يصير به القلب مطبوعا مختوما؛لا يجوز أن تكون حقيقته التّسمية و الحكم.أ لا ترى أنّه إذا قيل:فلان طبع الكتاب و ختمه،كان حقيقة أنّه فعل ما صار به الكتاب مطبوعا و مختوما،لا التّسمية و الحكم.هذا ما لا خلاف فيه بين أهل اللّغة،و لأنّ الأمّة مجمعة على أنّ اللّه تعالى قد وصف نفسه بالختم و الطّبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم،كما قال تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155.
و أجمعت الأمّة على أنّ الطّبع و الختم على قلوبهم من جهة النّبيّ عليه السّلام و الملائكة و المؤمنين ممتنع؛فلو كان الختم و الطّبع هو التّسمية و الحكم،لما امتنع من ذلك الأنبياء و المؤمنون،لأنّهم كلّهم يسمّون الكفّار بأنّهم مطبوع على قلوبهم،و أنّهم مختوم عليها،و أنّهم في ضلال لا يؤمنون؛ و يحكمون عليهم بذلك.فثبت أنّ الختم و الطّبع هو معنى غير التّسمية و الحكم؛و إنّما هو معنى يخلقه اللّه في القلب يمنع من الإيمان به،دليله قوله تعالى: كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ* لا يُؤْمِنُونَ بِهِ الحجر:12 و 13، و قال: وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ الأنعام:
25 و الإسراء:46،أي لئلاّ يفقهوه،و ما كان مثله.
(1:185)
البيضاويّ: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ تعليل للحكم السّابق،و بيان ما يقتضيه.و الختم:الكتم،سمّي به الاستيثاق من الشّيء بضرب الخاتم عليه،لأنّه كتم له و البلوغ آخره،نظرا إلى أنّه آخر فعل يفعل في إحرازه،و الغشاوة:«فعالة»من غشاه،إذا غطّاه بنيت لما يشتمل على الشّيء كالعصابة و العمامة،و لا ختم و لا تغشية على الحقيقة،و إنّما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم هيئة تمرّنهم على استحباب الكفر و المعاصي،و استقباح الإيمان و الطّاعات بسبب غيّهم،و انهماكهم في التّقليد،و إعراضهم عن النّظر الصّحيح،فتجعل قلوبهم بحيث لا ينفذ فيها الحقّ، و أسماعهم تعاف استماعه،فتصير كأنّها مستوثق منها
ص: 207
بالختم،و أبصارهم لا تجتلي الآيات المنصوبة لهم في الأنفس و الآفاق،كما تجتليها أعين المستبصرين،فتصير كأنّها غطّي عليها،و حيل بينها و بين الإبصار،و سمّاه على الاستعارة ختما و تغشية،أو مثّل قلوبهم و مشاعرهم المئوفة بها بأشياء،ضرب حجاب بينها و بين الاستنفاع بها ختما و تغطية.
و قد عبّر عن إحداث هذه الهيئة بالطّبع في قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ النّحل:108،و بالإغفال في قوله تعالى:
وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا الكهف:28، و بالإقساء في قوله تعالى: وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً المائدة:13،و هي من حيث إنّ الممكنات بأسرها، مستندة إلى اللّه تعالى واقعة بقدرته،أسندت إليه،و من حيث إنّها مسبّبة ممّا اقترفوه بدليل قوله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155،و قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ المنافقون:3، وردت الآية ناعية عليهم شناعة صفتهم و وخامة عاقبتهم.
و اضطربت المعتزلة فيه فذكروا وجوها من التّأويل:
الأوّل:أنّ القوم لمّا أعرضوا عن الحقّ و تمكّن ذلك في قلوبهم حتّى صار كالطّبيعة لهم،شبّه بالوصف الخلقي المجبول عليه.
الثّاني:أنّ المراد به تمثيل حال قلوبهم بقلوب البهائم الّتي خلقها اللّه تعالى خالية عن الفطن،أو قلوب مقدّرة ختم اللّه عليها.و نظيره:سال به الوادي،إذا هلك.
و طارت به العنقاء،إذا طالت غيبته.
الثّالث:أن ذلك في الحقيقة فعل الشّيطان أو الكافر، لكن لمّا كان صدوره عنه بإقداره تعالى إيّاه،أسند إليه إسناد الفعل إلى المسبّب.
الرّابع:أنّ أعراقهم لمّا رسخت في الكفر و استحكمت؛بحيث لم يبق طريق إلى تحصيل إيمانهم سوى الإلجاء و القسر،ثمّ لم يقسرهم إبقاء على غرض التّكليف،عبّر عن تركه بالختم فإنّه سدّ لإيمانهم،و فيه إشعار على تمادي أمرهم في الغيّ،و تناهي انهماكهم في الضّلال و البغي.
الخامس:أن يكون حكاية لما كانت الكفرة يقولون مثل: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5،تهكّما و استهزاء بهم،كقوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا البيّنة:1.
السّادس:أنّ ذلك في الآخرة،و إنّما أخبر عنه بالماضي لتحقّقه و تيقّن وقوعه،و يشهد له قوله تعالى:
وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا الإسراء:97.
السّابع:أنّ المراد بالختم و سم قلوبهم بسمة تعرفها الملائكة،فيبغضونهم و يتنفّرون منهم.و على هذا المنهاج كلامنا و كلامهم فيما يضاف إلى اللّه تعالى من طبع و إضلال و نحوهما.(1:20)
النّسفيّ: [نقل قول الزّجّاج ثمّ قال:]
قال ابن عبّاس:طبع اللّه على قلوبهم فلا يعقلون الخير،يعني أنّ اللّه طبع عليها،فجعلها بحيث لا يخرج منها ما فيها من الكفر،و لا يدخلها ما ليس فيها من الإيمان.
و حاصل الختم و الطّبع:خلق الظّلمة و الضّيق في
ص: 208
صدر العبد عندنا،فلا يؤمن ما دامت تلك الظّلمة في قلبه.
و عند المعتزلة أعلام محض على القلوب بما يظهر للملائكة أنّهم كفّار،فيلعنونهم و لا يدعون لهم بخير.
و قال بعضهم:إنّ إسناد الختم إلى اللّه تعالى مجاز، و الخاتم في الحقيقة الكافر،إلاّ أنّه تعالى لمّا كان هو الّذي أقدره و مكّنه،أسند إليه الختم،كما يسند الفعل إلى المسبّب،فيقال:بنى الأمير المدينة،لأنّ للفعل ملابسات شتّى يلابس الفاعل و المفعول به و المصدر و الزّمان و المكان و المسبّب له،فإسناده إلى الفاعل حقيقة،و قد يسند إلى هذه الأشياء مجازا،لمضاهاتها الفاعل في ملابسة الفعل،كما يضاهي الرّجل الأسد في جرأته، فيستعار له اسمه.و هذا فرع مسألة خلق الأفعال.
(1:16)
أبو حيّان :هل قوله: لا يُؤْمِنُونَ خبر عنهم أو حكم عليهم أو ذمّ لهم أو دعاء عليهم،أقوال:و ظاهر قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ أنّه إخبار من اللّه تعالى بختمه، و حمله بعضهم على أنّه دعاء عليهم،و كنّى بالختم على القلوب عن كونها لا تقبل شيئا من الحقّ و لا تعيه لإعراضها عنه،فاستعار الشّيء المحسوس للشّيء المعقول،أو مثّل القلب بالوعاء الّذي ختم عليه صونا لما فيه،و منعا لغيره من الدّخول إليه،و الأوّل مجاز الاستعارة،و الثّاني مجاز التّمثيل.
و نقل عمّن مضى:أنّ الختم حقيقة،و هو انضمام القلب و انكماشه،قال مجاهد:إذا أذنبت ضمّ من القلب هكذا-و ضمّ مجاهد الخنصر-ثمّ إذا أذنبت ضمّ هكذا- و ضمّ البنصر-ثمّ هكذا إلى الإبهام،و هذا هو الختم و الطّبع و الرّين.
و قيل:الختم:سمة تكون فيهم تعرفهم الملائكة بها من المؤمنين،و قيل:حفظ ما في قلوبهم من الكفر ليجازيهم،و قيل:الشّهادة على قلوبهم بما فيها من الكفر.
و نسبة الختم إلى اللّه تعالى بأيّ معنى فسّر إسناد صحيح؛إذ هو إسناد إلى الفاعل الحقيقيّ؛إذ اللّه تعالى خالق كلّ شيء.[ثمّ نقل وجوه التّأويل عن المعتزلة نحو ما تقدّم عن الفخر الرّازيّ و البيضاويّ و قال:]
و تكرير حرف الجرّ يدلّ على أنّ الختم ختمان،أو على التّوكيد إن كان الختم واحدا،فيكون أدلّ على شدّة الختم.(1:48)
ابن كثير :[نقل بعض أقوال المتقدّمين و قال:]
و قال بعضهم:إنّما معنى قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ إخبار من اللّه عن تكبّرهم،و إعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحقّ،كما يقال:إنّ فلانا أصمّ عن هذا الكلام،إذا امتنع من سماعه،و رفع نفسه عن تفهّمه تكبّرا.قال:و هذا لا يصحّ؛لأنّ اللّه تعالى قد أخبر أنّه هو الّذي ختم على قلوبهم و أسماعهم.
قلت:و قد أطنب الزّمخشريّ في تقرير ما ردّه ابن جرير هاهنا،و تأوّل الآية من خمسة أوجه،و كلّها ضعيفة جدّا،و ما جرّأه على ذلك إلاّ اعتزاله،لأنّ الختم على قلوبهم و منعها من وصول الحقّ إليها قبيح عنده،يتعالى اللّه عنه في اعتقاده،و لو فهم قوله تعالى: فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ الصّفّ:5،و قوله: وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ نَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ الأنعام:110،و ما أشبه ذلك من
ص: 209
الآيات،الدّالّة على أنّه تعالى إنّما ختم على قلوبهم و حال بينهم و بين الهدى،جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل و تركهم الحقّ.و هذا عدل منه تعالى حسن و ليس بقبيح، فلو أحاط علما بهذا لما قال ما قال،و اللّه أعلم.
قال القرطبيّ: و أجمعت الأمّة على أنّ اللّه عزّ و جلّ قد وصف نفسه بالختم و الطّبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم،كما قال: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155.[ثمّ أيّد كلام القرطبيّ بالأحاديث،و ما نقل عن الطّبريّ].(1:80)
أبو السّعود : خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ استئناف تعليليّ لما سبق الحكم،و بيان لما يقتضيه،أو بيان و تأكيد له،و المراد بالقلب محلّ القوّة العاقلة من الفؤاد،و الختم على الشّيء:الاستيثاق منه بضرب الخاتم عليه صيانة له،أو لما فيه من التّعرّض له،كما في البيت الفارغ و الكيس المملوء.و الأوّل هو الأنسب بالمقام؛إذ ليس المراد به صيانة ما في قلوبهم،بل إحداث حالة تجعلها بسبب تماديهم في الغيّ و انهماكهم في التّقليد،و إعراضهم عن منهاج النّظر الصّحيح؛بحيث لا يؤثّر فيها الإنذار،و لا ينفذ فيها الحقّ أصلا:
إمّا على طريقة الاستعارة التّبعيّة،بأن يشبّه ذلك بضرب الخاتم على نحو أبواب المنازل الخالية المبنيّة للسّكنى،تشبيه معقول بمحسوس بجامع عقليّ،هو الاشتمال على منع القابل عمّا من شأنه و حقّه أن يقبله، و يستعار له الختم،ثمّ يشتقّ منه صيغة الماضي.
و إمّا على طريقة التّمثيل بأن يشبه الهيئة المنتزعة من قلوبهم،و قد فعل بها ما فعل من إحداث تلك الحالة المانعة،من أن يصل إليها ما خلقت هي لأجله من الأمور الدّينيّة النّافعة،و حيل بينها و بينه بالمرّة بهيئة منتزعة من محالّ معدّة لحلول ما يحلّها حلولا مستتبعا لمصالح مهمّة،و قد منع من ذلك بالختم عليها،و حيل بينها و بين ما أعدّت لأجله بالكلّيّة،ثمّ يستعار لها ما يدلّ على الهيئة المشبّه بها،فيكون كلّ من طرفي التّشبيه مركّبا من أمور عدّة،قد اقتصر من جانب المشبّه به على ما عليه يدور الأمر في تصوير تلك الهيئة و انتزاعها و هو الختم،و الباقي منويّ مراد قصدا بألفاظ متخيّلة بها يتحقّق التّركيب، و تلك الألفاظ و إن كان لها مدخل في تحقيق وجه الشّبه الّذي هو أمر عقليّ منتزع منها،و هو امتناع الانتفاع بما أعدّ له بسبب مانع قويّ،ليس في شيء منها على الانفراد تجوّز باعتبار هذا المجاز،بل هي باقية على حالها من كونها حقيقة أو مجازا أو كناية،و إنّما التّجوّز في المجموع،و حيث كان معنى المجموع مجموع معاني تلك الألفاظ الّتي ليس فيها التّجوّز المعهود،و لم تكن الهيئة المنتزعة منها مدلولا وضعيّا لها،ليكون ما دلّ على الهيئة المشبّه بها عند استعماله في الهيئة المشبّهة مستعملا في غير ما وضع له، فيندرج تحت الاستعارة الّتي هي قسم من المجاز اللّغويّ، الّذي هو عبارة عن الكلمة المستعملة في غير ما وضع له.
ذهب قدماء المحقّقين كالشّيخ عبد القاهر و أضرابه إلى جعل التّمثيل قسما برأسه،و من رام تقليل الأقسام عدّ تلك الهيئة المشبّه بها من قبيل المدلولات الوضعيّة، و جعل الكلام المفيد لها عند استعماله فيما يشبّه بها من هيئة أخرى،منتزعة من أمور أخر من قبيل الاستعارة، و سمّاه استعارة تمثيليّة،و إسناد إحداث تلك الحالة في
ص: 210
قلوبهم إلى اللّه تعالى،لاستناد جميع الحوادث عندنا من حيث الخلق إليه سبحانه و تعالى،و ورود الآية الكريمة ناعية عليهم سوء صنيعهم و وخامة عاقبتهم،لكون أفعالهم من حيث الكسب مستندة إليهم،فإنّ خلقها منه سبحانه ليس بطريق الجبر،بل بطريق التّرتيب على ما اقترفوه من القبائح،كما يعرب عنه قوله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155،و نحو ذلك.
و أمّا المعتزلة فقد سلكوا مسلك التّأويل،و ذكروا في ذلك عدّة من الأقاويل.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن الفخر الرّازيّ](1:52)
البروسويّ: في«التّأويلات النّجميّة»في الختم إشارة إلى بداية سوابق أحكام القدر بالسّعادة و الشّقاوة، على وفق الحكمة و الإرادة الأزليّة للخليقة،كما قال تعالى: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ هود:105،مع حسن استعداد جميعهم بقبول الإيمان و الكفر،و لهذا لمّا خاطب الحقّ ذرّاتهم بخطاب أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى جميعا.
ثمّ أودع اللّه الذّرّات في القلوب،و القلوب في الأجساد، و الأجساد في الدّنيا في ظلمات ثلاث،و كانت روزنة