المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 15

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ‫، 1419ق . ‫ = -1377.

مشخصات ظاهری : ‫ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : ‫دوره ‫ 964-444-179-6 : ؛ ‫دوره ‫ 978-964-444-179-0: ؛ ‫1430000 ریال (دوره، چاپ دوم)‮ ؛ ‫25000 ریال ‫: ج. 1 ‫ 964-444-180-X : ؛ ‫30000 ریال ‫: ج. 2 ‫ 964-444-256-3 : ؛ ‫32000 ریال ‫: ج. 3 ‫ 964-444-371-3 : ؛ ‫67000 ریال (ج. 10) ؛ ‫ج.12 ‫ 978-964-971-136-2 : ؛ ‫ج.19 ‫ 978-600-06-0028-0 : ؛ ‫ج.21 ‫ 978-964-971-484-4 : ؛ ‫ج.28 ‫978-964-971-991-7 : ؛ ‫ج.30 ‫ 978-600-06-0059-4 : ؛ ‫1280000 ریال ‫: ج.36 ‫ 978-600-06-0267-3 : ؛ ‫950000 ریال ‫: ج.37 ‫ 978-600-06-0309-0 : ؛ ‫1050000 ریال ‫: ج.39 ‫ 978-600-06-0444-8 : ؛ ‫1000000 ریال ‫: ج.40 ‫ 978-600-06-0479-0 : ؛ ‫ج.41 ‫ 978-600-06-0496-7 : ؛ ‫ج.43 ‫ 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).

يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، ‫1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، ‫ 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، ‫1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : ‫ BP66/4 ‫ ‮ /م57 1377

رده بندی دیویی : ‫ 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الموسوعة القرآنيّة الكبرى

المعجم فى فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته

المجلّد الخامس عشر

تأليف و تحقيق

قسم القرآن بمجمع البحوث الاسلاميّة

بإشراف مدير القسم الاستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانىّ

ص: 2

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 3

كتاب نخبة:

مؤتمر تكريم خدمة القرآن الكريم في ميدان الأدب المصنّف.1421 ق

الكتاب النّخبة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.1422 ق

مؤتمر الكتاب المنتخب الثّالث للحوزة العلميّة في قم.1422 ق

الدّورة الثّانية لانتخاب و عرض الكتب و المقالات الممتازة في حقل القرآن.1426 ق

الملتقى الثّاني للكتاب النّخبة الّذي يعقد كلّ سنتين في محافظة خراسان الرّضويّة.1426 ق

ص: 4

المحتويات

تصدير 7

خ ب ء 9

خ ب ت 21

خ ب ث 33

خ ب ر 79

خ ب ز 131

خ ب ط 137

خ ب ل 163

خ ب و 173

خ ت ر 181

خ ت م 187

خ د د 255

خ د ع 275

خ د ن 335

خ ذ ل 343

خ ر ب 353

خ ر ج 377

خ ر د ل 531

خ ر ر 537

خ ر ص 565

خ ر ط م 581

خ ر ق 593

خ ز ن 619

خ ز ي 659

خ س أ 717

خ س ر 733

الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 859

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 867

ص: 5

ص: 6

تصدير

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

نحمدك اللّهمّ ربّ العالمين،و نصلّي و نسلّم على رسولك المصطفى محمّد سيّد المرسلين،و على آله الطّاهرين و صحبه الميامين،و التّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.

و بعد،فنشكر اللّه تبارك و تعلى شكرا جزيلا على أن منّ علينا و وفّقنا لتقديم المجلّد الخامس عشر من موسوعتنا القرآنيّة الكبرى:«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»إلى العلماء عامّة،و لا سيّما المختصّين منهم بعلوم القرآن،الّذين يسارعون بفارغ الصّبر إلى الوقوف على ما يهدى إليهم من هذه الموسوعة،مجلّدا بعد مجلّد، مقدّرين للمؤلّفين مساعيهم الجميلة،و مثمّنين جهودهم الكبيرة،خدمة لكتاب ربّهم و المعجزة الخالدة لنبيّهم،و الحجّة البالغة على النّاس أجمعين.

و قد احتوى هذا المجلّد 25 كلمة من حرف الخاء،ابتداء ب«خبأ»و انتهاء ب «خسر»،و أطول مادّة منها«خرج»ثمّ«خسر».و يتلوه المجلّد السّادس عشر و قسم من السّابع عشر فيما بقي من حرف الخاء إن شاء اللّه تعالى.

نسأله تعالى دوام التّوفيق و السّداد إلى إنجاز الأمل فيما بقي من العمل،فإنّه واهب العطايا و المنن،و عليه وحده نتوكّل،و الحمد للّه ربّ العالمين.

محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة

في الآستانة المقدّسة الرّضويّة

الثّالث من شعبان المعظّم عام 1430 ه ق

ص: 7

ص: 8

ادامة حرف الخاء

خ ب ء

اشارة

الخبء

لفظ واحد،مرّة واحدة:في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخبء:ما خبأت من ذخيرة ليوم ما.

و امرأة مخبّأة،أي معصر قبل أن تتزوّج.

و الخباء،مهموز ممدود:سمة تخبأ في موضع خفيّ من الدّابّة،و هي لذيعة بالنّار؛و الجميع:أخبئة،على الأصل مهموز.

و في الحديث:«اطلبوا الرّزق في خبايا الأرض».

(4:315)

اللّيث:خبأت الشّيء أخبؤه خبأ.

(الأزهريّ 7:603)

أبو عبيدة :الخابية،أصلها الهمز،من«خبأت».

(الأزهريّ 7:605)

ابن السّكّيت: و الخبأة:المرأة الّتي تخنس بعد الاطّلاع.(3:372)

و قد اختبأت من فلان،إذا استحييت.

(إصلاح المنطق:149)

و الخبء:ما خبئ،خبأت الشّيء أخبؤه.

(إصلاح المنطق:151)

ابن أبي اليمان :الخبأ:كلّ ما خبأته.(91)

الحربيّ: إذا خبأ شخص شيئا في كفّه فقد صبن، و صبن الكأس:صرفها.(2:799)

ابن دريد :ثلاثة (1)أشياء تركت العرب الهمزة فيها،و هي:«الذّرّيّة»من ذرأ اللّه الخلق،و«البريّة»من برأ اللّه الخلق،و«النّبيّ»لأنّه من النّبأ مهموز،و«الخابية» من خبأت الشّيء.(2:312)

و خبأت الشّيء أخبأه خبأ،و الشّيء مخبوء،و هو الخبء يا هذا.

و الخبأة بالفتح و التّسكين:الفتاة الّتي تخبأ وجهها

ص: 9


1- الظّاهر:أربعة أشياء،حسب ما ذكرها.

تارة و تبديه أخرى.

و الخباء:اشتقاقه من خبأت.

و تخبّأت خباء،إذا اتّخذته.

و اختبأت لك خبيئا،إذا عمّيت له شيئا ثمّ سألته عنه.

و خبيّة:اسم المخبوء،و خبيّة:اسم امرأة.(3:201)

جارية خبأة:تخبأ وجهها.و جارية قبعة:تختبئ تارة و تقبع أخرى،أي تظهر وجهها.(3:424)

الأزهريّ: و في الحديث:«اطلبوا الرّزق في خبايا الأرض».قيل:معناه:الحرث،و إثارة الأرض للزّراعة.

و أصله:من الخبء،الّذي قال اللّه عزّ و جلّ فيه:

يُخْرِجُ الْخَبْءَ النّمل:25.

و واحدة الخبايا:خبيئة.

و قيل:المخبّأة هي المخدّرة الّتي لا بروز لها من الجواري.[ثمّ ذكر قول أبي زيد و أبي عبيدة في الخابية و أضاف:]

قلت:العرب تترك الهمز في«أخبيت»و«خبّيت» و في«الخابية»،لكثرتها في كلامهم،استثقلوا الهمز.

(7:604)

الصّاحب: الخبأة و الخبء:ما خبأت من ذخيرة، خبأ الإنسان يخبأ خبأ.و يقولون:«لا مخبأ لعطر بعد عروس».

و امرأة مخبأة:هي المعصر قبل أن تزوّج.

و الخباء ممدودة:سمة يخبأ في موضع خفيّ من النّاقة النّجيبة؛و جمعه:أخبئة،مهموز.

و خابأتك ما كذا،أي حاجيتك.

و كيد خابئ و خائب.(4:427)

الخطّابيّ: حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ابتغوا الرّزق في خبايا الأرض».يتأوّل على وجهين:أحدهما:الحرث و الزّراعة،و الآخر:استخراج ما في المعادن من جواهر الأرض.(1:202)

الجوهريّ: خبأت الشّيء خبأ،و منه:الخابية.و هي الحبّ،إلاّ أنّ العرب تركت همزه.

و الخبء:ما خبئ،و كذلك:الخبيء،على«فعيل».

و خبء السّماوات:القطر.و خبء الأرض:النّبات.

و اختبأت:استترت،و جارية مخبّأة،أي مستترة.

و الخبأة مثال الهمزة:المرأة الّتي تطّلع ثمّ تختبئ.

(1:46)

ابن فارس: الخاء و الباء و الحرف المعتلّ و الهمزة يدلّ على ستر الشّيء.فمن ذلك:خبأت الشّيء أخبؤه خبأ.

و الخبأة:الجارية تخبأ.

و من الباب:الخباء؛تقول:أخبيت إخباء،و خبّيت و تخبّيت،كلّ ذلك إذا اتّخذت خباء.(2:244)

ابن سيده: خبأ الشّيء يخبؤه خبأ:ستره.

و امرأة خبأة:تلزم بيتها و تستتر.

و العرب تقول:خبأة خير من يفعة سوء،أي بنت تلزم البيت تخبأ نفسها فيه،خير من غلام سوء لا خير فيه.

و الخبء:ما خبئ؛سمّي بالمصدر.

و الخبأة،و الخبيئة،جميعا:ما خبئ.

و الخبيء:ما عمّي من شيء،ثمّ حوجي به.و قد

ص: 10

اختبأه.

و خبيئة:اسم امرأة.(5:240)

الرّاغب: يخرج الخبء،يقال ذلك لكلّ مدّخر مستور.و منه قيل:جارية خبأة،و هي الجارية الّتي تظهر مرّة و تخبأ أخرى.

و الخباء:سمة في موضع خفيّ.(142)

الزّمخشريّ: له خبيئة خبأها ليوم حاجته،و له خبايا.

«لا مخبأ لعطر بعد عروس».و لفلان مخابئ و مخازن.

و أخرج خبء السّماء خبء الأرض،أي المطر النّبات.

و خبّأت الجارية،و جارية مخبّأة،و نساء مخبّآت، و مخبآت.

و امرأة خبأة:تخنس بعد الاطّلاع.

و أخبأت من فلان:استترت منه.

و اختبأت له خبيئا،إذا عمّيت له شيئا،ثمّ سألته عنه.

و خابأتك،أي حاجيتك.[ثمّ استشهد بشعر]

و له خابية من خلّ و خواب؛و الأصل:

الهمز.(أساس البلاغة:102)

«ابتغوا الرّزق في خبايا الأرض».هي جمع خبيئة، و هو المخبوء،و قياس جمعها:خبائئ بهمزتين،المنقلبة عن ياء«فعيلة»و لام الفعل،إلاّ أنّهما استثقل اجتماعهما فقلبت الأخيرة ياء،لانكسار ما قبلها،ثمّ قيل:خبائي كعذارى و مدارى،فحصلت الهمزة بين ألفين فقلبت ياء.

و نظيرها«خطايا»في جمع خطيئة.

و المراد:ما يخبؤه الزّرّاع من البذر،فيكون حثّا على الزّراعة،أو ما خبأه اللّه تعالى في معادن الأرض.

(الفائق 1:350)

[و في حديث:]«قد اختبأت عند اللّه خصالا»،أي ادّخرتها،و جعلتها خبيئة لنفسي.(الفائق 1:351)

المدينيّ: [في حديث:]«لم أر كاليوم و لا جلد مخبّأة».

المخبّأة:الجارية المعصر الّتي لم تتزوّج بعد،لأنّ صيانتها أبلغ ممّن قد تزوّجت.(1:541)

ابن الأثير: في حديث ابن صيّاد:«قد خبأت لك خبأ».الخبء:كلّ شيء غائب مستور.يقال:خبأت الشّيء أخبؤه خبأ،إذا أخفيته.

و الخبء و الخبيء و الخبيئة:الشّيء المخبوء.و منه الحديث:«ابتغوا الرّزق في خبايا الأرض».

و منه الحديث:«و لفظت له خبيئها»أي ما كان مخبوء فيها من النّبات:تعني الأرض،و هو«فعيل»بمعنى «مفعول».(2:3)

الفيّوميّ: خبأت الشّيء خبأ،مهموز،من باب «نفع»:سترته،و منه الخابية،و ترك الهمز تخفيفا لكثرة الاستعمال،و ربّما همزت على الأصل.

و خبأته:حفظته،و التّشديد تكثير و مبالغة.

و الخبء بالفتح:اسم لما خبئ.(1:163)

الفيروزآباديّ: خبأه كمنعه:ستره كخبّأه و اختبأه.

و امرأة خبأة كهمزة:لازمة بيتها.

و الخبء:ما خبئ و غاب كالخبيء و الخبيئة.و من

ص: 11

الأرض:النّبات،و من السّماء:القطر،و موضع بمدين، و واد بالمدينة،و بهاء:البنت.

و الخباء ككتاب:سمة في موضع خفيّ من النّاقة النّجيبة؛جمعه:أخبئة.و من الأبنية معروف،أو هي يائيّة.و خبيئة:بنت رياح بن يربوع...

و المخبأة كمكرمة:الجارية المخدّرة لم تتزوّج بعد.

و كيد خابئ:خائب.

و خابأته ما كذا:حاجيته.

و اختبأ له خبيئا:عمّى له شيئا ثمّ سأله عنه.

و الخابئة:الحبّ،تركوا همزتها.(1:13)

الطّريحيّ: في الحديث:«ما عبد اللّه بشيء أحبّ إليه من الخباء»،يعني التّقيّة و الاستتار،يقال:خبأت الشّيء خبأ من باب«نفع»:سترته.

و في الحديث:«هذا من المخبيّات ممّا علّمني ربّي»أي المستورات الّتي لم تظهر لكلّ أحد.(1:118)

مجمع اللّغة :خبأه يخبؤه خبئا:ستره و أخفاه.

و الخبء:المخبوء.(1:217)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:156)

محمود شيت:خبأه خبئا:ستره.و حفظه.

أخبأه،و خبّأه:خبأه.اختبأ:استتر.و الشّيء:ستره، و ادّخره.

الخابية:وعاء الماء الّذي يحفظ فيه؛جمعه:الخوابي.

و أصل الخابية:الخابئة،و أصل الخوابي:الخوابئ، سهّلت الهمزة فيها للتّخفيف.

الخبء:المدّخر،و المخبوء.

الخباء:بيت من وبر أو شعر أو صوف يكون على عمودين أو ثلاثة،و المنزل؛جمعه:أخبية.و أصله:أخبئة، سهّلت الهمزة للتّخفيف.

الخبأة:المخبوء،و المدّخر.

المخبأ:الملجأ يلجأ إليه العسكريّون أثناء القصف من الجوّ أو الأرض؛جمعه:مخابئ.(1:209)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الاستتار الشّديد؛بحيث لا يدركه الحواسّ الظّاهرة،و بهذا القيد تتميّز و تفترق عن مادّة:السّتر و الخفي و الحذر.فإنّ السّتر مطلق الاستتار،و الخفاء في مقابل الظّهور،و الحذر يؤخذ فيه مفهوم المحدوديّة المانعة عن التّظاهر و التّحرّك.[إلى أن قال:]

و ظهر أيضا أنّ إطلاق هذه المادّة على معنى الحفظ و الخمود و الخباء،باعتبار كون الخباء حافظا و ساترا، و خمود النّار يقرب من كونها مستورة و قريبة من الخفاء، كما أنّ المحفوظيّة كذلك.[راجع«خ ب ي»]

و إطلاق الخبأ مصدرا على المخبوّ مبالغة،كالعدل على العادل،ففي الخبإ مبالغة زائدة من الخبيئة.

و أمّا عموميّة الخبأ و شموله على جميع مراتب الوجود الإمكانيّ من الجواهر و الأعراض،إذا كانت في السّتر و الخفاء و الكمون،ثمّ أخرجت و ظهرت و تحقّقت،فلا يقتضي المقام بسط المقال فيها.(3:3)

النّصوص التّفسيريّة

أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ. النّمل:25

ابن عبّاس: ما خبئ فِي السَّماواتِ من المطر

ص: 12

وَ الْأَرْضِ من النّبات.(317)

نحوه ابن زيد(الماورديّ 4:204)،و القمّيّ(2:

127).

يعلم كلّ خبيئة في السّماء و الأرض.

مثله سعيد بن جبير،و مجاهد،و عكرمة.

(ابن كثير 5:230)

ابن المسيّب:الماء.(ابن كثير 5:230)

سعيد بن جبير: غيب السّماوات و الأرض.

مثله مجاهد،و عكرمة،و قتادة.(الماورديّ 4:204)

مجاهد : اَلْخَبْءَ فِي السَّماواتِ: الغيث.(الطّبريّ 9:511)

ما غاب.(النّحّاس 5:127)

قتادة :السّرّ.(النّحّاس 5:127)

زيد بن عليّ: معناه المطر،و الخفايا.(305)

أبو عبيدة :ما خبأت في نفسك،أي ما أسررت.(2:94)

ابن زيد :خبء السّماء و الأرض:ما جعل اللّه فيها من الأرزاق؛و المطر من السّماء،و النّبات من الأرض، كانتا رتقا لا تمطر هذه،و لا تنبت هذه،ففتق السّماء و أنزل منها المطر،و أخرج النّبات.(الطّبريّ 9:511)

الفرّاء: (الخبء)مهموز،و هو الغيب،غيب السّماوات و غيب الأرض.و يقال:هو الماء الّذي ينزل من السّماء و النّبت من الأرض،و هي في قراءة عبد اللّه (يخرج الخبء من السّماوات) .و صلحت(في)مكان «من»،لأنّك تقول:لأستخرجنّ العلم الّذي فيكم،أي منكم،ثمّ تحذف أيّهما شئت،أعني«من»و«في»فيكون المعنى قائما على حاله.(2:291)

ابن قتيبة :أي المستتر فيهما.و هو من خبأت الشّيء،إذا أخفيته.(323)

الطّبريّ: يخرج المخبوء في السّماوات و الأرض، من غيث في السّماء،و نبات في الأرض،و نحو ذلك.[إلى أن قال:]

عن حكيم بن جابر:و يعلم كلّ خفيّة في السّماوات و الأرض.

...عن معاذ بن عبد اللّه،قال:رأيت ابن عبّاس على بغلة يسأل تبعا ابن امرأة كعب:هل سألت كعبا عن البذر تنبت الأرض العام لم يصب العام الآخر؟قال:سمعت كعبا يقول:البذر ينزل من السّماء،و يخرج من الأرض،قال:

صدقت.[قال الطّبريّ:]

إنّما هو تبيع،و لكن هكذا قال محمّد (1).

و قيل: يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لأنّ العرب تضع«من»مكان«في»،و«في»مكان«من»في الاستخراج.(9:511)

الزّجّاج: كلّ ما خبأته فهو خبء.[ثمّ ذكر نحو ابن عبّاس و أضاف:]

و يجوز-و هو الوجه-أن يكون الخبء:كلّ ما غاب، فيكون المعنى يعلم الغيب في السّماوات و الأرض،و دليل هذا قوله تعالى: وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ.

(4:116)

نحوه النّحّاس.(5:127)ذ.

ص: 13


1- الظّاهر إنّه محمّد بن عمارة الّذي نقل الرّواية عن معاذ.

السّجستانيّ: المستتر.(142)

الثّعلبيّ: الخفيّ المخبوّ.[ثمّ قال نحو الفرّاء]

(7:203)

الماورديّ: [ذكر قول سعيد بن جبير و ابن زيد و قال:]

و الخبء بمعنى المخبوء،وقع المصدر موقع الصّفة.(4:205)

نحوه النّسفيّ.(3:209)

الطّوسيّ: و(الخبء)هو المخبوء،و هو ما أحاط به غيره حتّى منع من إدراكه.وضع المصدر موضع الصّفة، خباته أخبؤه خبأ.و ما يوجده اللّه و يخرجه من العدم إلى الوجود فهو بهذه المنزلة؛فخبء السّماء:الأمطار و الرّياح،و خبء الأرض:الأشجار و النّبات.(8:89)

نحوه الطّبرسيّ.(4:219)

البغويّ: أي الخفيّ المخبّأ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، أي ما خبأت.[ثمّ ذكر نحو الفرّاء]

(3:500)

نحوه الخازن.(5:119)

الميبديّ: أي المخبوء فِي السَّماواتِ من الثّلج و البرد و المطر، وَ الْأَرْضِ من الزّروع و الأشجار، فيكون(فى)بمعنى«من».(7:207)

الزّمخشريّ: و سمّي المخبوء بالمصدر،و هو النّبات و المطر و غيرهما،ممّا خبأه عزّ و علا من غيوبه.

و قرئ (الخب) على تخفيف الهمزة بالحذف، و (الخبا) على تخفيفها بالقلب،و هي قراءة ابن مسعود و مالك بن دينار.و وجهها أن تخرّج على لغة من يقول في الوقف:هذا الخبو،و رأيت الخبا،و مررت بالخبي،ثمّ أجري الوصل مجرى الوقف،لا على لغة من يقول:الكماة و الحماة،لأنّها ضعيفة مسترذلة.(3:145)

ابن عطيّة: الخفيّ من الأمور،و هو من خبأت الشّيء.و خبء السّماء:مطرها،و خبء الأرض:كنوزها و نباتها،و اللّفظة بعد هذا تعمّ كلّ خفيّ من الأمور،و به فسّر ابن عبّاس.

و قرأ جمهور النّاس: اَلْخَبْءَ بسكون الباء و الهمز، و قرأ أبيّ بن كعب (الخب) بفتح الباء و ترك الهمز،و قرأ عكرمة (الخبا) بألف مقصورة.

و حكى سيبويه:أنّ بعض العرب يقلب الهمزة،يعني إذا كانت في مثل هذا مفتوحة و قبلها ساكن يقلبها ألفا، و إذا كانت مضمومة و قبلها ساكن قلبها واوا،و إذا كانت مكسورة قلبها ياء.و مثّل سيبويه ذلك بالوثا و الوثو و الوثي،و كذلك يجيء(الخبء)في حال النّصب.و تقول:

اطّلعت على الخبي،و راقني الخبو.(4:257)

نحوه في معنى«الخبء»،القاسميّ(13:4664)، و المراغيّ(19:133).

الفخر الرّازيّ: سمّي المخبوء بالمصدر،و هو يتناول جميع أنواع الأرزاق و الأموال.و إخراجه من السّماء بالغيث،و من الأرض بالنّبات.[إلى أن قال:]

فإن قيل:إنّ إبراهيم و موسى عليهما السّلام قدّما دلالة الأنفس على دلالة الآفاق،فإنّ إبراهيم قال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ، ثمّ قال: فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ البقرة:258،و موسى عليه السّلام قال: رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ الشّعراء:26،ثمّ قال: رَبُّ

ص: 14

اَلْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ الشّعراء:28،فلم كان الأمر هاهنا بالعكس،فقدّم خبء السّماوات على خبء الأرض؟

جوابه:أنّ إبراهيم و موسى عليهما السّلام ناظرا مع من ادّعى إلهيّة البشر،فلا جرم ابتدءا بإبطال إلهيّة البشر،ثمّ انتقلا إلى إبطال إلهيّة السّماوات.و هاهنا المناظرة مع من ادّعى إلهيّة الشّمس،لقوله: وَجَدْتُها وَ قَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللّهِ النّمل:24،فلا جرم ابتدأ بذكر السّماويّات ثمّ بالأرضيّات.(24:192)

ابن عربيّ: أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ... أي فصدّهم عن السّبيل لئلاّ ينقادوا و يذعنوا في إخراج كمالاتهم إلى العقل. اَلَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ أي المخبوء من الكمالات الممكنة،في سماوات الأرواح،و أرض الجسم...(2:200)

القرطبيّ: [نقل بعض أقوال المتقدّمين،إلى أن قال:]

و قرأ عكرمة و مالك بن دينار (الخب) بفتح الباء من غير همز.

قال المهدويّ: و هو التّخفيف القياسيّ،و ذكر من يترك الهمز في الوقف.و قال النّحّاس:و حكى أبو حاتم أنّ عكرمة قرأ (الّذى يخرج الخبا) بألف غير مهموزة،و زعم أنّ هذا لا يجوز في العربيّة،و اعتلّ بأنّه إن خفّف الهمزة ألقي حركتها على الباء،فقال: (الخب فى السّماوات و الارض) و أنّه إن حوّل الهمزة قال:الخبي،بإسكان الباء و بعدها ياء.

قال النّحّاس: و سمعت عليّ بن سليمان يقول:سمعت محمّد بن يزيد يقول:كان أبو حاتم دون أصحابه في النّحو، و لم يلحق بهم إلاّ أنّه إذا خرج من بلده لم يلق أعلم منه.

[ثمّ ذكر حكاية سيبويه عن العرب،كما نقلناه في قول ابن عطيّة،ثمّ أضاف:]

و إنّما فعل[العرب]هذا،لأنّ الهمزة خفيفة،فأبدل منها هذه الحروف.

و حكى سيبويه عن قوم من بني تميم و بني أسد أنّهم يقولون:هذا الخبؤ،يضمّون السّاكن إذا كانت الهمزة مضمومة،و يثبتون الهمزة و يكسرون السّاكن إذا كانت الهمزة مكسورة،و يفتحون السّاكن إذا كانت الهمزة مفتوحة.

و حكى سيبويه أيضا:أنّهم يكسرون و إن كانت الهمزة مضمومة،إلاّ أنّ هذا عن بني تميم؛فيقولون:

الرّديء (1).و زعم أنّهم لم يضمّوا الدّال،لأنّهم كرهوا ضمّة قبلها كسرة،لأنّه ليس في الكلام«فعل».و هذه كلّها لغات داخلة على اللّغة الّتي قرأ بها الجماعة.[ثمّ نقل كلام الفرّاء](13:187)

البيضاويّ: و الخبء:ما خفي في غيره،و إخراجه:

إظهاره،و هو يعمّ إشراق الكواكب،و إنزال الأمطار، و إنبات النّبات،بل الإنشاء؛فإنّه إخراج ما في الشّيء بالقوّة إلى الفعل.و الإبداع؛فإنّه إخراج ما في الإمكان و العدم إلى الوجوب و الوجود،و معلوم أنّه يختصّ بالواجب لذاته.(2:174)

نحوه الكاشانيّ(4:64)،و المشهديّ(7:336)، و طنطاوي(13:166)،و مغنيّة(6:16)،و شبّر ملخّصا،ب.

ص: 15


1- الصّاحب.

(4:422)،و فريد وجدي(497).

النّيسابوريّ: مصدر بمعنى المخبوء،و هو النّبات و المطر و غيرهما،ممّا خبأه اللّه عزّ و جلّ من غيوبه.و من جملة ذلك إطلاع الكواكب من أفق الشّرق بعد اختفائها في أفق الغرب.

و منها الأقضية و الأحكام و الوحي و الإلهام،و منها إنزال الملك و كلّ أثر علويّ.

و في تخصيص وصف اللّه تعالى في هذا المقام بإخراج الخبء،إشارة إلى ما عهده الهدهد من قدرة اللّه تعالى في إخراج الماء من الأرض،ألهمه هذا التّخصيص،كما ألهمه تلك المعرفة.(19:92)

أبو حيّان : اَلْخَبْءَ مصدر أطلق على المخبوء، و هو المطر و النّبات و غيرهما،ممّا خبأه تعالى من غيوبه.

[ثمّ ذكر القراءات نحو القرطبيّ،إلى أن قال:]

و الظّاهر أنّ فِي السَّماواتِ متعلّق ب اَلْخَبْءَ، أي المخبوء في السّماوات.[ثمّ نقل قول الفرّاء و قال:]

فعلى هذا،يتعلّق ب يُخْرِجُ، أي من في السّماوات.

(7:69)

السّمين:قوله: اَلَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ يجوز أن تكون مجرورة المحلّ نعتا للّه،أو بدلا منه أو بيانا،و منصوبة على المدح،و مرفوعة على خبر ابتداء مضمر.

و اَلْخَبْءَ مصدر خبأت الشّيء أخبؤه خبأ،أي سترته،ثمّ أطلق على الشّيء المخبوء،و نحوه هذا خَلْقُ اللّهِ لقمان:11.[ثمّ قال نحو أبي حيّان](5:309)

ابن كثير :[ذكر قول ابن المسيّب:الخبء:الماء،ثمّ ذكر قول ابن زيد و قال:]

و هذا مناسب من كلام الهدهد الّذي جعل اللّه فيه من الخاصّيّة ما ذكره ابن عبّاس و غيره:من أنّه يرى الماء يجري في تخوم الأرض و داخلها.(5:230)

الشّربينيّ: و هو مصدر بمعنى المخبوء من المطر و النّبات و غيرهما،و خصّه بقوله: فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لأنّ ذلك منتهى مشاهدتنا،فننظر ما يكون فيهما بعد أن لم يكن من سحاب و مطر و نبات،و توابع ذلك من الرّعد و البرق،و ما يشرق من الكواكب و يغرب،إلى غير ذلك من الرّياح و الحرّ و البرد،و ما لا يحصيه إلاّ اللّه تعالى.(3:55)

أبو السّعود :أي يظهر ما هو مخبوء مخفيّ فيهما كائنا ما كان.و تخصيص هذا الوصف بالذّكر بصدد تفرّده تعالى باستحقاق السّجود له من بين سائر أوصافه الموجبة لذلك،لما أنّه أرسخ في معرفته،و الإحاطة بأحكامه،بمشاهدة آثاره الّتي من جملتها ما أودعه اللّه تعالى في نفسه من مقدرة على معرفة الماء تحت الأرض.(5:80)

البروسويّ: اَلْخَبْءَ يقال للمدّخر المستور، أي يظهر ما هو مخبوء و مخفيّ فيها،كائنا ما كان،كالثّلج و المطر و النّبات و الماء و نحوها.(6:360)

الآلوسيّ: أي يظهر الشّيء المخبوء فيهما كائنا ما كان،فالخبء:مصدر أريد به اسم المفعول.و فسّره بعضهم هنا بالمطر و النّبات،و روي ذلك عن ابن زيد.

و أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيّب أنّه فسّره بالماء؛و الأولى التّعميم،كما روى ذلك عن جماعة عن ابن

ص: 16

عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما.و فِي السَّماواتِ متعلّق ب اَلْخَبْءَ. و عن الفرّاء أنّ(فى)بمعنى«من»فالجارّ و المجرور على هذا متعلّق ب يُخْرِجُ.

و الظّاهر ما تقدّم.و اختيار هذا الوصف لما أنّه أوفق بالقصّة؛حيث تضمّنت ما هو أشبه شيء بإخراج الخبء، و هو إظهار أمر بلقيس و ما يتعلّق به،و على هذا القياس اختيار ما ذكر بعد من صفاته عزّ و جلّ.

و قيل:إنّ تخصيص هذا الوصف بالذّكر،لما أنّ الهدهد أرسخ في معرفته،و الإحاطة بأحكامه بمشاهدة آثاره الّتي من جملتها ما أودعه اللّه تعالى في نفسه من القدرة على معرفة الماء تحت الأرض.و أنت تعلم أنّ كون الهدهد أودع فيه القدرة على ما ذكر،ممّا لم يجئ فيه خبر يعوّل عليه.و أيضا التّعليل المذكور لا يتسنّى على قراءة ابن عبّاس و السّتّة الّذين معه (الا يسجدوا) بالتّخفيف، إذا جعل الكلام استئنافا من جهته عزّ و جلّ،أو من جهة سليمان.

و قرأ أبيّ و عيسى (الخب) بنقل حركة الهمزة إلى الباء و حذف الهمزة،و حكى ذلك سيبويه عن قوم من بني تميم و بني أسد.

و قرأ عكرمة بألف بدل الهمزة،فلزم فتح ما قبلها، و هي قراءة عبد اللّه و مالك بن دينار،و خرّجت على لغة من يقول في الوقف:هذا الخبو،و مررت بالخبي،و رأيت الخبا،و أجري الوصل مجرى الوقف.

و أجاز الكوفيّون أن يقال في المرأة و الكمأة:المراة و الكماة،بإبدال الهمزة ألفا و فتح ما قبلها،و ذكر أنّ هذا الإبدال لغة،و جوّز أن يكون اَلْخَبْءَ من ذلك.و منعه الزّمخشريّ مدّعيا أنّ ذلك لغة ضعيفة مسترذلة،و علّل بأنّ الهمزة إذا سكن ما قبلها فطريق تخفيفها الحذف لا القلب،كما يقال في الكمء:كمه.و تعقّبه في«الكشف» فقال:تخريجه على الوقف فيه ضعفان،لأنّ الوقف على ذلك الوجه ليس من لغة الفصحاء،و إجراء الوصل مجرى الوقف فيما لا يكثر استعماله كذلك،و أمّا تلك اللّغة فعن الكوفيّين أنّها قياس،انتهى.

و زعم أبو حاتم أنّ«الخبا»بالألف لا يجوز أصلا،و هو من قصور العلم.قال المبرّد:كان أبو حاتم دون أصحابه في النّحو و لم يلحق بهم،إلاّ أنّه إذا خرج من بلدتهم لم يلق أعلم منه.(19:192)

سيّد قطب :و اَلْخَبْءَ: المخبوء إجمالا،سواء أ كان هو مطر السّماء و نبات الأرض،أم كان هو أسرار السّماوات و الأرض.و هي كناية عن كلّ مخبوء وراء ستار الغيب في الكون العريض.(5:2639)

عزّة دروزة :المخفيّ،أو المخبوء،أو كناية عن مطر السّماء و نبات الأرض.(3:159)

ابن عاشور : اَلْخَبْءَ: مصدر خبأ الشّيء،إذا أخفاه.أطلق هنا على اسم المفعول،أي المخبوء،على طريقة المبالغة في الخفاء،كما هو شأن الوصف بالمصدر.

و مناسبة وقوع الصّفة بالموصول في قوله: اَلَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ لحالة خبر الهدهد ظاهرة،لأنّ فيها اطّلاعا على أمر خفيّ.و إخراج الخبء:إبرازه للنّاس،أي إعطاؤه،أي إعطاء ما هو غير معلوم لهم من المطر و إخراج النّبات و إعطاء الأرزاق،و هذا مؤذن بصفة القدرة.و قوله: وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ مؤذن

ص: 17

بعموم صفة العلم.(19:251)

الطّباطبائيّ: [ذكر كلام الطّبرسيّ ثمّ قال:]

ففي قوله: يُخْرِجُ الْخَبْءَ استعارة،كأنّ الأشياء مخبوءة مستورة تحت أطباق العدم،فيخرجها اللّه تعالى إلى الوجود واحدا بعد آخر،فيكون تسمية الإيجاد بعد العدم إخراجا للخبء قريبا من تسميته بالفطر، و توصيفه تعالى بأنّه فاطر السّماوات و الأرض.و الفطر:

هو الشّقّ،كأنّه يشقّ العدم فيخرج الأشياء.

و يمكن حمل الجملة على الحقيقة من غير استعارة، لكنّه مفتقر إلى بيان موضعه غير هذا الموضع.

و قيل:المراد بالخبء:الغيب،و إخراجه:العلم به.

و هو كما ترى.(15:356)

المصطفويّ: أي ما كان مستورا و مخفيّا عنكم، و أنتم لا تدركونه بحواسّكم،من تكوّن المعادن و النّبات و الحيوان و الإنسان،و ظهور قواها إلى الفعليّة،و خروج المواليد،و بروز المراتب من الاستعدادات،و فيضان الفعليّات من العلويّات و[ما]فيها،فيشمل قاطبة التّكوين و الخلق و الإبداء و الإنشاء و الإفاضات في العوالم المادّيّة و الرّوحانيّة.

و أشار تعالى إلى توضيح هذا المعنى بعد ذكر جريان قوم هود و لوط،بقوله: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ... إلى قوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ النّمل:

60-64.

فظهر لطف التّعبير بكلمة«الخبأ»دون الخفي و الحذر و غيرها.(3:4)

مكارم الشّيرازيّ: كلمة(خبء)على وزن صبر معناها كلّ شيء خفيّ مستور،و هي هنا إشارة إلى إحاطة علم اللّه بغيب السّماوات و الأرض،أي لم لا يسجدون للّه الّذي يعلم غيب السّماوات و الأرض و ما فيهما من أسرار؟!.

و ما فسّره بعضهم بأنّ الخبء في السّماوات هو الغيث،و الخبء في الأرض هو النّبات،إنّ هذا-في الحقيقة-من قبيل المصداق الواضح.

و الطّريف في الآية أنّها ستتكلّم أوّلا على ما خفي في السّماوات و الأرض،ثمّ ستتكلّم على أسرار القلوب!

إلاّ أنّه لم استند الهدهد من بين جميع صفات اللّه إلى علمه بغيب العالم و شهوده كبيره و صغيره؟!

لعلّ ذلك لمناسبة أنّ سليمان-بالرّغم من جميع قدرته -كان يجهل خصائص بلد سبأ،فالهدهد يقول:ينبغي الاعتماد على اللّه الّذي لا يخفى عليه شيء في السّماوات و الأرض.

أو لمناسبة أنّه-طبقا لما هو معروف-للهدهد حسّ خاصّ يدرك به وجود الماء في داخل الأرض؛لذلك يتكلّم عن علم اللّه الّذي يعلم بكلّ خافية في عالم الوجود.(12:49)

فضل اللّه :إنّ اللّه هو الّذي يخرج الأشياء من عمق العدم بقدرته الّتي لا يحدّها شيء،تماما كما يخرج الأشياء الكامنة في داخل السّماوات و الأرض،ممّا لا يملك أحد الوصول إليها.(17:200)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخبء،أي ما يستر

ص: 18

و يذخر.يقال:خبأ الشّيء يخبؤه خبأ،أي ستره و أخفاه، و هو الخبأة و الخبيء و الخبيئة أيضا؛و جمع الأخيرة:

خبايا.و اختبأت:استترت.

و جارية مخبأة:مستترة،و جارية مخبّأة:مخدّرة، و امرأة خبأة:تلزم بيتها و تستتر.يقال:«خبأة خير من يفعة سوء»أي بنت تلزم البيت تخبأ نفسها فيه خير من غلام سوء لا خير فيه.و الخبأة أيضا:المرأة تطّلع ثمّ تختبئ.

و الخباء:سمة توضع في موضع خفيّ من النّاقة النّجيبة،و إنّما هي لذيعة بالنّار؛و الجمع:أخبئة.

و الخبيء:ما عمّي من شيء ثمّ حوجي به،و قد اختبأه.و اختبأت له خبيئا:عمّيت له شيئا ثمّ سألته عنه.

2-و عدّ أئمّة اللّغة لفظ«الخابية»-أي الحبّ-من هذه المادّة،و تواطئوا على أنّ أصله«خابئة»ثمّ سهّلت الهمزة لكثرة الاستعمال.و ليس ذلك ببعيد،لأنّ الخابية تدّخر الماء و تحفظه،و الماء مخبوء فيها.

و ذهب ابن دريد إلى أنّ الخباء-أي بيت من بيوت الأعراب-مشتقّ من:خبأت،لقولهم:تخبّأت خباء،أي اتّخذته.و هو يوافق هذا الأصل،لأنّه يختبأ فيه،كما قال:

ابن الأثير في«خ ب و»و عدّه من الهمز.و منه أيضا:

الخباء:غشاء البرّة و الشّعيرة في السّنبلة.

و المشهور فيه ترك الهمز.يقال:خبيت الخباء و أخبيته و تخبّيته،أي عملته،و استخبيناه:نصبناه و دخلنا فيه.و لعلّه ممّا تركت العرب الهمزة فيه أيضا كالخابية.

و ذكر صاحب«اللّسان»وحده:«خبئت النّار و أخبأها المخبئ،إذا أخمدها»،و المعروف فيه ترك الهمز، كما أجمع اللّغويّون قاطبة،و لعلّه من خطإ النّسّاخ،لأنّه أشبه بقول الخليل في«خ ب و».

3-و قد لفّق الرّعيل الأوّل من اللّغويّين بين «الخبء»و«الخبو»،و لم يحتفلوا بالفارق الشّاسع بين معنييهما؛إذ الأصل في الأوّل السّتر و الحفظ،كما تقدّم آنفا،و الأصل في الثّاني:خمود النّار و همودها.يقال منه:

خبت النّار تخبو خبوا و خبوا و خبوّا،أي طفئت و ذهب لهبها،فهي خابية.و خبت الحرب:سكنت،على التّشبيه.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد«خ ب ء»مصدرا بمعنى الوصف في سورة مكّيّة:

أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ النّمل:25

و يلاحظ أوّلا أنّها وحيدة الجذر في القرآن،و فيها بحوث:

1-فسّر بأنماط،منها:أنّه الشّيء المخبوء و المستتر و الخفيّ،أو الغيب و السّرّ؛تسمية بالمصدر،كقوله: هذا خَلْقُ اللّهِ لقمان:11،أي مخلوق اللّه.و هذا يوافق اللّغة و الاستعمال،و هو قول أغلب المفسّرين،كسعيد بن جبير،و أحد قولي مجاهد،و قتادة و ابن قتيبة و الطّبريّ و غيرهم.

و منها:أنّه المطر في السّماوات،و النّبات في الأرض، قال ابن كثير:«و هذا مناسب من كلام الهدهد الّذي جعل اللّه فيه من الخاصّيّة-ما ذكره ابن عبّاس و غيره-من أنّه

ص: 19

يرى الماء يجري في تخوم الأرض و داخلها».و هذا أشبه بالتّأويل،و هو قول ابن عبّاس و ابن زيد و القمّيّ و غيرهم.

و منها:أنّه يشمل القولين المذكورين كإنزال الأمطار و إنبات النّبات،و غيب السّماوات و الأرض،و كذا الرّياح و الرّعد و البرق،و الحرّ و البرد و الثّلج و البرد،و الإنشاء و الأحكام و كلّ أثر علويّ.و هذا متأثّر بطرز فكر المفسّر و حاله،فالميبديّ-مثلا-ذهب إلى أنّه الثّلج و البرد، لأنّه كان يعيش في بلاد ينزل فيها الثّلج،و هي فارس، و كذلك البروسويّ،فإنّه كان يعيش في تركيا.

2-زعم الفرّاء أنّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ متعلّق ب يُخْرِجُ أي(فى)بمعنى«من»مستندا إلى قراءة عبد اللّه: (يخرج الخبء من السّماوات و الارض) و قولهم:لأستخرجنّ العلم الّذي فيكم،أي منكم.

و لكنّ المشهور أنّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ متعلّق ب اَلْخَبْءَ، أي المخبوء في السّماوات و الأرض،و هو على ظاهر الآية دون تكلّف.

و يجوز أن يكون فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ متعلّقا بمحذوف صفة ل اَلْخَبْءَ، و التّقدير:يخرج الخبء الكائن في السّماوات و الأرض.

3-إن قيل:لم استعمل الإخراج في الخبء إن كان بمعنى المخبوء و المستتر،و استعمال العلم فيه أشهر؟

يقال:يراد بالإخراج هنا:الإظهار و الإبراز،فكأنّ الخبء هو السّرّ المكنون الّذي يتعذّر كشفه.

و ثانيا:اختلفت القراءة في(الاّ)مشدّدا و مخفّفا لتكون تتمّة لما قبلها،أو ابتداء الكلام،[لاحظ س ج د:

«يسجدوا»،]كما أنّها تحتمل أن تكون من كلام الهدهد، أو من اللّه تعالى-و هو الأقرب-و لا سيّما على قراءة(الاّ) مشدّدا.

و ثالثا:طرح الفخر الرّازيّ هنا سؤالا و هو أنّ إبراهيم و موسى عليهما السّلام قدّما دلالة الأنفس على دلالة الآفاق فيما ذكره من الآيات،فلم كان الأمر هاهنا بالعكس تقدّم خبء السّماوات على خبء الأرض؟

و أجاب بأنّهما ناظران مع من ادّعى إلهيّة البشر، فابتدءا بإبطال إلهيّة البشر ثمّ انتقلا إلى إبطال إلهيّة السّماوات.و هاهنا المناظرة مع من ادّعى إلهيّة الشّمس، فلا جرم ابتدءا بذكر السّماويّات ثمّ بالأرضيّات.

و يمكن الإجابة عنه بأنّ هذا من كلام الهدهد الّذي كان يطير في السّماء،و ذاك من كلام النّبيّين،و هما من أهل الأرض.و لعلّ هذا الوجه يؤيّد كونها من كلام الهدهد فلاحظ.

رابعا:جاءت هذه الكلمة خلال قصّة سليمان و الهدهد في سورة النّمل المكّيّة،و لم تكرّر في القرآن، فلعلّها كانت لغة نادرة في كلام المكّيّين،و جاءت بدلها كلمة«الغيب»بكثرة-أي 49 مرّة-في المكّيّات و المدنيّات،فلاحظ.

ص: 20

خ ب ت

اشارة

3 ألفاظ،3 مرّات:1 مكّيّة،2 مدنيّتان

في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

اخبتوا 1:1 المخبتين 1:-1

فتخبت 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخبت:ما اتّسع من بطون الأرض؛و جمعه:

خبوت.

و المخبت:الخاشع المتضرّع،يخبت إلى اللّه،و يخبت قلبه للّه.

و الخبيت من الأشياء:الحقير الرّديء[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و هو الخبيث بالثّاء أيضا.(4:241)

اللّيث:الخبت:عربيّة محضة.(الأزهريّ 7:310)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخبت:سهل في الحرّة.

(الأزهريّ 7:311)

اللّحيانيّ: رجل خبيت نبيت،أي خسيس حقير.(الخطّابيّ 1:674)

ابن الأعرابيّ: الخبت:ما اطمأنّ من الأرض و اتّسع.(الأزهريّ 7:310)

شمر:الخبت:ما تطامن من الأرض و غمض،فإذا خرجت منه أفضيت إلى سعة؛و الجميع:

الخبوت.(الأزهريّ 7:312)

ابن أبي اليمان :الخبت:ما انحدر من الجبل و علا من الواديّ.(218)

ابن دريد :الخبت:الفضاء من الأرض،و أخبت الرّجل إخباتا فهو مخبت،و هو المتألّه المتوقّي للمآثم؛ و جمع خبت:خبوت و أخبات.(1:193)

القاليّ: الخبت جمعه:خبوت،و هي المطمئنّات من الأرض.(2:68)

الأزهريّ: [بعد نقل قول أبي عمرو الشّيبانيّ قال:]

و قال غيره:هو[الخبت]الوادي العميق الوطيء،

ص: 21

ينبت ضروب العضاه.

و قال العدويّ: الخبت:الخفيّ المطمئنّ.و خبت ذكره، أي إذا خفي.و منه«المخبت»من النّاس.

أخبت إلى ربّه،أي اطمأنّ إليه.[و نقل قول اللّيث في الخبيت ثمّ قال:]

أظنّ الخبيت تصحيفا،لأنّ الشّيء الحقير الرّديء، إنّما يقال له:الختيت-بتاءين-و هو بمعنى الخسيس، فصحّفه و جعله خبيتا.(7:311)

الصّاحب:الخبت:عربيّة محضة،و خبوت الأرض:

بطونها.و أخبت إلى اللّه فهو مخبت:خاشع متضرّع صالح.

و هو المطرق أيضا.

و الخبيت من الأشياء:الحقير الرّديء.

و الخبائت:المتفرّقات.(4:314)

الخطّابيّ: [و في حديث:]«...تغيّر و خبت و عاب الحنيفيّة».

قوله:خبت،هكذا يروى بالتّاء الّتي هي أخت الطّاء.يقال:رجل خبيت،و هو الفاسد الرّديء كالخبيث سواء،و ليس هذا من الإخبات في شيء،إنّما الإخبات من الخشوع.يقال منه:رجل مخبت.(1:673)

الرّواية:«خبت»بالتّاء الّتي هي أخت الطّاء،و العامّة ترويه:خبث بالثّاء،و هما قريبان في المعنى،إلاّ أنّ المحفوظ إنّما هو خبت بالتّاء لا غير.(3:257)

الجوهريّ: الخبت:المطمئنّ من الأرض فيه رمل.

و الإخبات:الخشوع،يقال:أخبت للّه.و فيه خبتة، أي تواضع.

و الخبت أيضا:ماء لكلب.(1:247)

ابن فارس:الخاء و الباء و التّاء أصل واحد يدلّ على خشوع.يقال:أخبت يخبت إخباتا،إذا خشع.

و أخبت للّه تعالى.قال عزّ ذكره: وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الحجّ:34،و أصله من«الخبت»و هو المفازة لا نبات بها.

و من ذلك الحديث:«و لو بخبت الجميش».أ لا تراه سمّاها جميشا،كأنّ النّبات قد جمش منها،أي حلق.

(2:238)

أبو هلال :الفرق بين الخضوع و الإخبات:أنّ المخبت هو المطمئنّ بالإيمان.و قيل:هو المجتهد بالعبادة، و قيل:الملازم للطّاعة و السّكون.و هو من أسماء الممدوح، مثل المؤمن و المتّقيّ.و ليس كذلك الخضوع،لأنّه يكون مدحا و ذمّا.

و أصل الإخبات أن يصير إلى خبت.تقول:أخبت، إذا صار إلى خبت،و هو الأرض المستوية الواسعة،كما تقول:أنجد،إذا صار إلى نجد.فالإخبات على ما يوجبه الاشتقاق هو الخضوع المستمرّ على استواء.(208)

ابن سيده: الخبت:ما اتّسع من بطون الأرض؛ و جمعه:أخبات و خبوت.

و أخبت للّه:خشع،و أخبت:تواضع،و كلاهما من «الخبت».و في التّنزيل: فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ الحجّ:

54،فسّره ثعلب بأنّه التّواضع.

و الخبيت:الحقير من الأشياء،قال اليهوديّ الخيبريّ:

ينفع الطّيّب القليل من الرّزق

و لا ينفع الكثير الخبيت

و سأل الخليل الأصمعيّ عن«الخبيت»في هذا

ص: 22

البيت،فقال له:أراد الخبيث،و هي لغة خيبر.فقال له الخليل :لو كان ذلك لغتهم لقال:الكتير،و إنّما كان ينبغي لك أن تقول:إنّهم يقلبون الثّاء تاء في بعض الحروف.

(5:154)

الرّاغب: الخبت:المطمئنّ من الأرض،و أخبت الرّجل:قصد الخبت أو نزله،نحو:أسهل و أنجد،ثمّ استعمل الإخبات استعمال اللّين و التّواضع.[ثمّ ذكر الآيات](141)

الزّمخشريّ: نزلوا في خبت من الأرض و خبوت، و هي البطون الواسعة المطمئنّة.

و أخبت القوم:صاروا في الخبت مثل أصحروا.

و من المجاز: وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ هود:23، اطمأنّوا إليه،و هو يصلّي بخشوع و إخبات،و خضوع و إنصات،و قلبه مخبت.(102)

المدينيّ: في الحديث عن عمرو بن يثربيّ:«إن رأيت نعجة تحمل شفرة و زنادا بخبت الجميش فلا تهجها».

قال القتبيّ: سألت الحجازيّين فأخبروني أنّ بين المدينة و الحجاز صحراء تعرف بالخبت.و الخبت:الأرض الواسعة المستوية،و الجميش:المكان الّذي لا نبت فيه.

و إنّما خصّ الخبت،لسعته و بعده و قلّة من يسلكه،و شدّة حاجة الإنسان إذا هو سلكه فأقوى إلى مال أخيه،و هذا حديث شاذّ.[إلى أن قال:]

في حديث مكحول:«منها يكون الخبتة»،أي الخبطة،و كان في لسان مكحول لكنة.(1:543)

ابن الأثير: في حديث الدّعاء:«و اجعلني لك مخبتا» أي خاشعا مطيعا،و الإخبات:الخشوع و التّواضع،و قد أخبت للّه يخبت.

و منه حديث ابن عبّاس:«فيجعلها مخبتة منيبة»و قد تكرّر ذكرها في الحديث،و أصلها من الخبت:المطمئنّ من الأرض.

و في حديث مكحول:«أنّه مرّ برجل نائم بعد العصر، فدفعه برجله،و قال:لقد عوفيت،إنّها ساعة تكون فيها الخبتة»يريد الخبطة بالطّاء،أي يتخبّطه الشّيطان إذا مسّه بخبل أو جنون.و كان في لسان مكحول لكنة،فجعل الطّاء تاء.(2:4)

الصّغانيّ: خبت:صحراء بين مكّة-حرسها اللّه تعالى-و المدينة،على ساكنيها السّلام،يصرف لسكون الوسط،و لا يصرف للعلميّة و التّأنيث.فإذا قيل:خبت الجميش،فيجوز أن يجعل الجميش صفة لخبت،فيقال:

خبت الجميش،و خبت الجميش،و يجوز أن يضاف إلى الجميش فيقال:خبت الجميش.[إلى أن قال:]

و يقال:خبت ذكره:إذا خفي.[و نقل كلام اللّيث في «الختيت»و إيراد الأزهريّ عليه ثمّ قال:]

أصاب اللّيث في الإنشاء،و أخطأ في التّفسير،و أخطأ ظنّ الأزهريّ.

و قال ابن عرفة:أراد الخبيث بالثّاء المثلّثة،فأبدل منها التّاء للقافية.[ثمّ استشهد بشعر](1:310)

الفيّوميّ: أخبت الرّجل إخباتا:خضع للّه،و خشع قلبه،قال تعالى: وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الحجّ:34.

(1:162)

الفيروزآباديّ: الخبت:المتّسع من بطون الأرض؛

ص: 23

جمعه:أخبات و خبوت،و موضع بالشّام،و قرية بزبيد، و ماءة لكليب.

و أخبت:خشع و تواضع.

و الخبيت:الشّيء الحقير،و الخبيث.

و خبت الجميش و خبت الجميش،و يجوز أن يضاف:

صحراء بين الحرمين.(1:152)

مجمع اللّغة :الخبت:المكان الواسع المطمئنّ من الأرض.و أخبت يخبت:سار في المكان الواسع المطمئنّ.

و أخبت للّه أو إلى اللّه:خشع و اطمأنّ بإيمانه،فهو مخبت و هم مخبتون.(1:317)

محمّد إسماعيل إبراهيم:أخبت إلى اللّه تعالى:

اطمأنّ قلبه لعدله،و خضع و خشع.و المخبت:المطمئنّ الخاشع المتواضع.

و الإخبات:هو نزول الخبت،أي المطمئنّ من الأرض المتّسع.(1:156)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الخبت هو المتّسع المطمئنّ من الأرض،و لها انخفاض و انحطاط،و بهذا اللّحاظ قال بعضهم:هو الوادي العميق الوطيء كما في «التّهذيب»،مضافا إلى أنّ المتّسع المطمئنّ يلازمه الانخفاض،و أيضا أنّ الانخفاض يستفاد من كلمات قريبة من مادّة الخبت،كالخبط و الخفض و الخرّ و الخضع و الخشوع و الخسأ و الخفت و الخفي.

و أمّا الإخبات:فهو كالإصحار و الإنجاد،أي نسبة المفهوم إلى الفاعل،و يلاحظ فيه هذه الحيثيّة،فيكون معناه نسبة الخبت و قيامه بالفاعل و تلبّسه به،و هذا معنى الورود و الدّخول و النّزول فيه.

فالإخبات هو النّزول إلى محيط متّسع مطمئنّ حتّى يستقرّ فيه و يطمئنّ،و يتخلّص عن الاضطراب و الانحراف و الاختلاف و التّردّد،و يلازم هذا المعنى حقيقة الإيمان و التّسليم و الطّمأنينة،كما في الآيات.

[و ذكرها](3:6)

النّصوص التّفسيريّة

اخبتوا

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. هود:23

ابن عبّاس: أخلصوا لربّهم،و خضعوا لربّهم، و خشعوا من ربّهم.(183)

الإخبات:الإنابة.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 12:24)

خافوا.(الطّبريّ 12:24)

مجاهد :اطمأنّوا.(الطّبريّ 12:24)

الحسن :هو الخشوع للمخافة الثّابتة في القلب.(الطّوسيّ 5:535)

قتادة :الإخبات:التّخشّع و التّواضع.

(الطّبريّ 12:24)

نحوه الواحديّ.(2:569)

الإمام الصّادق عليه السّلام:[في حديث:]أ تدرون ما التّسليم؟فسكتنا،فقال:«هو و اللّه الإخبات،قول اللّه عزّ و جلّ: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ». (البحرانيّ 5:125)

ص: 24

مقاتل:أخلصوا.(الثّعلبيّ 5:165)

الفرّاء: معناه:تخشّعوا لربّهم و إلى ربّهم.و ربّما جعلت العرب(الى)في موضع اللاّم.و قد قال اللّه عزّ و جلّ: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:5،و قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا الأعراف:43،و قال: يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً النّساء:175،و قال: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ إبراهيم:13.

و قد يجوز في العربيّة أن تقول:فلان يخبت إلى اللّه، تريد:يفعل ذلك بوجهه إلى اللّه،لأنّ معنى الإخبات الخشوع،فيقول:يفعله بوجهه إلى اللّه و للّه.

و جاء في التّفسير:و أخبتوا فرقا (1)من اللّه،فمن يشاكل معنى«اللاّم»و معنى«إلى»إذا أردت به لمكان هذا و من أجل هذا.(2:9)

أبو عبيدة :مجازه:أنابوا إلى ربّهم و تضرّعوا إليه، و خضعوا و تواضعوا له.(1:286)

الأخفش: تخشّعوا له.(الثّعلبيّ 5:165)

ابن قتيبة :أي تواضعوا لربّهم.و الإخبات:

التّواضع و الوقار.(202)

الجبّائيّ: الإخبات:سكون الجوارح على وجه الخضوع للّه تعالى.(الطّوسيّ 5:535)

الطّبريّ: [ذكر الأقوال السّابقة ثم قال:]

و هذه الأقوال متقاربة المعاني،و إن اختلفت ألفاظها، لأنّ الإنابة إلى اللّه من خوف اللّه،و من الخشوع و التّواضع للّه بالطّاعة،و الطّمأنينة إليه من الخشوع له،غير أنّ نفس الإخبات عند العرب:الخشوع و التّواضع.

و قال: إِلى رَبِّهِمْ و معناه:و أخبتوا لربّهم؛و ذلك أنّ العرب تضع اللاّم موضع«إلى»،و«إلى»موضع اللاّم كثيرا،كما قال تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:5، بمعنى:أوحى إليها.و قد يجوز أن يكون قيل ذلك كذلك، لأنّهم وصفوا بأنّهم عمدوا بإخباتهم إلى اللّه.(7:25)

القمّيّ: أي تواضعوا للّه و عبدوه.(1:325)

السّجستانيّ: تواضعوا و خشعوا لربّهم،و يقال:

أخبتوا إلى ربّهم:اطمأنّوا إلى ربّهم،و سكنت قلوبهم و نفوسهم إليه.و الخبت بسكون الباء:ما اطمأنّ من الأرض.(85)

الطّوسيّ: أي خشعوا إليه،و الإخبات:الخشوع المستمرّ على استواء فيه.و أصله الاستواء من الخبت، و هو الأرض المستوية الواسعة.[و ذكر أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

قال قوم:معناه أخبتوا لربّهم،فوضع«إلى»مكان اللاّم،لأنّ حروف الإضافة توضع بعضها مكان بعض، كما قال: أَوْحى لَها الزّلزال:5،بمعنى أوحى إليها.

و الآخر أنّ معناه عمدوا بإخباتهم إلى اللّه.(5:535)

نحوه الطّبرسيّ.(3:152)

الزّمخشريّ: و اطمأنّوا إليه،و انقطعوا إلى عبادته بالخشوع و التّواضع،من الخبت و هي الأرض المطمئنّة، و منه قولهم للشّيء الدّنيء:الخبيث.[ثمّ استشهد بشعر].

و قيل:التّاء فيه بدل من الثّاء.(2:264)

نحوه أبو السّعود.(3:300)

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ أَخْبَتُوا إشارة إلى أنّ هذه الأعمال لا تنفع في الآخرة إلاّ مع الأحوال القلبيّة،ثمّا.

ص: 25


1- أي خوفا.

إن فسّرنا الإخبات بالطّمأنينة كان المراد أنّهم يعبدون اللّه،و كانت قلوبهم عند أداء العبادات مطمئنّة بذكر اللّه، فارغة عن الالتفات إلى ما سوى اللّه تعالى.أو يقال:إنّما قلوبهم صارت مطمئنّة إلى صدق اللّه بكلّ ما وعدهم من الثّواب و العقاب.

و أمّا إن فسّرنا الإخبات بالخشوع،كان معناه أنّهم يأتون بالأعمال الصّالحة خائفين،وجلين من أن يكونوا أتوا بها مع وجود الإخلال و التّقصير.(17:209)

القرطبيّ: أصل الإخبات:الاستواء،من الخبت و هو الأرض المستوية الواسعة،فالإخبات:الخشوع و الاطمئنان،أو الإنابة إلى اللّه عزّ و جلّ المستمرّة ذلك على استواء.و قد يكون المعنى:وجّهوا إخباتهم إلى ربّهم.

(9:21)

البيضاويّ: اطمأنّوا إليه و خشعوا له،من الخبت و هو الأرض المطمئنّة.(1:465)

مثله المشهديّ،(4:458)و نحوه الكاشانيّ(2:

440)،و شبّر(3:209).

الشّربينيّ: أي اطمأنّوا إليه و خشعوا إليه؛إذ الإخبات في اللّغة هو الخشوع و الخضوع و طمأنينة القلب،و يتعدّى ب«إلى»و ب«اللاّم»،فإذا قلت:أخبت فلان إلى كذا،فمعناه اطمأنّ إليه.و إذا قلت:أخبت له، فمعناه خشع و خضع له،فقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ إشارة إلى جميع عمل الجوارح، و قوله تعالى: وَ أَخْبَتُوا إشارة إلى أعمال القلوب، و هي الخشوع و الخضوع للّه تعالى،و أنّ هذه الأعمال الصّالحة لا تنفع في الآخرة،إلاّ بحصول أعمال القلب، و هي الخشوع و الخضوع.(2:52)

نحوه البروسويّ.(4:114)

الآلوسيّ: أي اطمأنّوا إليه سبحانه و خشعوا له.

و أصل الإخبات:نزول الخبت و هو المنخفض من الأرض،ثمّ أطلق على اطمئنان النّفس و الخشوع تشبيها للمعقول بالمحسوس،ثمّ صار حقيقة فيه،و منه الخبيت بالتّاء المثنّاة للدّنيء،و قيل:إنّ التّاء بدل من الثّاء المثلّثة.(12:34)

الطّباطبائيّ: المراد بإخباتهم إلى اللّه:اطمئنانهم إليه بحيث لا يتزلزل ما في قلوبهم من الإيمان به،فلا يزيغون و لا يرتابون،كالأرض المطمئنّة الّتي تحفظ ما استقرّ فيها.فلا وجه لما قيل:إنّ الأصل:أخبتوا لربّهم، فإنّ ما في معنى الاطمئنان يتعدّى ب«إلى»دون«اللاّم».

و تقييده تعالى الإيمان و العمل الصّالح بالإخبات إليه، يدلّ على أنّ المراد بهم طائفة خاصّة من المؤمنين،و هم المطمئنّون منهم إلى اللّه،ممّن هم على بصيرة من ربّهم.(10:193)

مكارم الشّيرازيّ: أي استسلموا و انقادوا خاضعين لأمر اللّه و وعده الحقّ.[إلى أن قال:]

كلمة أَخْبَتُوا مشتقّة من«الإخبات»و جذرها اللّغويّ«خبت»على وزن«ثبت»و معناها الأصليّ:

الأرض المنبسطة الواسعة الّتي يمكن للإنسان أن يخطو عليها باطمئنان و ارتياح،فلذلك استعملت هذه المادّة «الخبت و الإخبات»في الاطمئنان أيضا،كما استعملت في الخضوع و التّسليم،لأنّ الأرض الّتي يوجد عليها اطمئنان في السّير هي خاضعة و مستسلمة للسّائرين

ص: 26

عليها.فعلى هذا يمكن أن يكون معنى الإخبات واحدا من المعاني الثّلاثة الآتية،كما هو في الوقت ذاته غير ممتنع أن يشمل جميع هذه المعاني؛إذ لا منافاة بينها:

1-إنّ المؤمنين حقّا خاضعون للّه.

2-إنّهم مسلّمون لأمر اللّه.

3-إنّهم مطمئنّون بوعود اللّه.

و في كلّ صورة إشارة إلى واحدة من أعلى الصّفات الإنسانيّة في المؤمنين الّتي ينعكس أثرها على كامل حياتهم.(6:472)

فتخبت

وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ... الحجّ:54

ابن عبّاس: فتخلص له و تقبله،يعني تبيان اللّه.(282)

ابن قتيبة :أي تخضع و تذلّ.(294)

مثله ابن الجوزيّ.(5:443)

الطّبريّ: فتخضع للقرآن قلوبهم،و تذعن بالتّصديق به،و الإقرار بما فيه.(9:179)

السّجستانيّ: أي تخضع و تطمئنّ،و المخبت:

الخاضع المطمئنّ إلى ما دعي إليه،و الخبت:المطمئنّ من الأرض.(129)

نحوه ابن عطيّة(4:129)،و النّيسابوريّ(17:

112)،و الشّربينيّ(2:561).

الطّوسيّ: أي تطمئنّ إليه و تسكن.(7:332)

الواحديّ: ترقّ قلوبهم للقرآن،فينقادوا لأحكامه.

(3:277)

الرّاغب: أي تلين و تخشع،و الإخبات هاهنا قريب من الهبوط،في قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ البقرة:74.(141)

الطّبرسيّ: أي تخشع و تتواضع لقوّة إيمانهم.

(4:92)

نحوه البروسويّ.(6:50)

الفخر الرّازيّ: أي تخضع و تسكن،لعلمهم بأنّ المقضيّ كائن،و كلّ ميسّر لما خلق له.(23:55)

القرطبيّ: أي تخشع و تسكن.و قيل:

تخلص.(12:87)

البيضاويّ: بالانقياد و الخشية.(2:96)

مثله الكاشانيّ(3:387)،و المشهديّ(6:549).

أبو السّعود :بالانقياد و الخشية،و الإذعان لما فيه من الأوامر و النّواهي.(4:390)

الآلوسيّ: فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ بالانقياد و الخشية للقرآن على التّخصيص،و للرّبّ على التّعميم.

(17:174)

الطّباطبائيّ: أي تلين و تخشع له قلوبهم.

(14:393)

فضل اللّه : فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ و تخضع له،لأنّ ذلك هو معنى الإيمان المنفتح الّذي يتحرّك في الذّات من موقع العقل و الفطرة؛حيث يهيمن على الكيان كلّه،بكلّ قوّة و خضوع و إذعان.(16:105)

ص: 27

المخبتين

...فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. الحجّ:34

ابن عبّاس: المجتهدين المخلصين بالجنّة.(280)

المتواضعين.(الثّعلبيّ 7:22)

مثله الضحّاك(الآلوسيّ 17:154)،و قتادة (الطّبريّ 17:161).

النّخعيّ: المخلصين.(الماورديّ 4:25)

مثله مقاتل.(الفخر الرّازيّ 23:34)

مجاهد :المطمئنّين إلى اللّه.(الطّبريّ 17:161)

إنّهم المجتهدون في العبادة.

مثله الكلبيّ.(الماورديّ 4:25)

الصّالحون المطمئنّون.(الماورديّ 4:25)

الحسن :الخاشعين.(الماورديّ 4:25)

مثله الأخفش.(الثّعلبيّ 7:22)

السّدّيّ: أي الوجلين.(357)

نحوه يحيى بن سلاّم.(الماورديّ 4:25)

الكلبيّ: الرّقيقة قلوبهم.(الماورديّ 4:25)

الثّوريّ: هم الرّاضون بقضاء اللّه تعالى.

(الآلوسيّ 17:154)

الخليل: هم الّذين لا يظلمون،و إذا ظلموا لم ينتصروا.(الماورديّ 4:25)

مثله عمرو بن أوس.(الطّبريّ 17:161)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و بشّر يا محمّد الخاضعين للّه بالطّاعة،المذعنين له بالعبوديّة،المنيبين إليه بالتّوبة.(9:151)

الزّجّاج:قيل:المخبتون:المتواضعون،و قيل:المخبتون:

المطمئنّون بالإيمان باللّه عزّ و جلّ،و قيل:المخبتون:الّذين لا يظلمون،و إذا ظلموا لم ينتصروا.و كلّ ذلك جائز.

و اشتقاقه من الخبت من الأرض،و هي المكان المنخفض منها،فكلّ مخبت:متواضع.(3:427)

نحوه الواحديّ.(3:271)

أبو مسلم الأصفهانيّ: حقيقة المخبت من صار في خبت من الأرض،يقال:أخبت الرّجل،إذا صار في الخبت،كما يقال:أنجد و أشأم و أتهم،و الخبت هو المطمئنّ من الأرض.(الفخر الرّازيّ 23:34)

القمّيّ: العابدين.(2:84)

السّجستانيّ: المخبت:الخاضع المطمئنّ إلى ما دعي إليه.(128)

القشيريّ: الإخبات:استدامة الطّاعة بشرط الاستقامة بقدر الاستطاعة.و من أمارات الإخبات:كمال الخضوع بشرط دوام الخشوع؛و ذلك بإطراق السّريرة.(4:216)

الزّمخشريّ: المخبتون:المتواضعون الخاشعون،من الخبت و هو المطمئنّ من الأرض.و قيل:هم الّذين لا يظلمون،و إذا ظلموا لم ينتصروا.(3:14)

نحوه الطّبرسيّ(4:84)،و الفخر الرّازيّ(23:34)، و الشّربينيّ(2:553)،و البروسويّ(6:34).

ابن عطيّة: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و هذا مثال شريف من خلق المؤمن الهيّن اللّيّن.

(4:122)

البيضاويّ: المتواضعين أو المخلصين،فإنّ الإخبات

ص: 28

صفتهم.(2:92)

النّسفيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:تفسيره ما بعده،أي اَلَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ.... (3:102)

أبو السّعود :تجريد للخطاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أي المتواضعين أو المخلصين،فإنّ الإخبات من الوظائف الخاصّة بهم.(4:381)

الآلوسيّ: خطاب له صلّى اللّه عليه و سلّم.[ثمّ نقل بعض الأقوال في معنى المخبتين و قال:]

و هو من الإخبات،و أصله كما قال الرّاغب:نزول الخبت و هو المطمئنّ من الأرض.و لا يخفى حسن موقع ذلك هنا من حيث أنّ نزول الخبت مناسب للحاجّ.

(17:154)

عبد الكريم الخطيب :المخبتين:المطيعين، المطمئنّين،الّذين يؤدّون أوامر اللّه في رضا و اطمئنان.

[إلى أن قال:]

هو استدعاء،و إغراء للّذين لم يمتثلوا بعد هذا الأمر، أن يسلموا للّه وجوههم،و أن يدخلوا في دينه،ليكونوا ممّن لهم البشرى في الحياة الدّنيا و في الآخرة.

(9:1036)

الطّباطبائيّ: فيه تلويح إلى أنّ من أسلم للّه في حجّه مخلصا فهو من المخبتين.و قد فسّره بقوله: اَلَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ الصّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَ الْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ الحجّ:35 و انطباق الصّفات المعدودة في الآية و هي:الوجل و الصّبر و إقامة الصّلاة و الإنفاق،على من حجّ البيت مسلما لربّه معلوم.(14:375)

مثله فضل اللّه.(16:51)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: خبت على ثلاثة أوجه:سكن،أخلص، القبول.

فوجه منها:خبت يعني سكن،قوله في الإسراء:97:

كُلَّما خَبَتْ (1) يعني سكن لهبا زِدْناهُمْ سَعِيراً.

و الوجه الثّاني: أَخْبَتُوا يعني أخلصوا،قوله في سورة هود:23، وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ يعني أخلصوا، مثلها في سورة الحجّ:34، وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ أي المخلصين.

و الوجه الثّالث:الإخبات:القبول،قوله في سورة الحجّ:54 فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ يعني فتقبل صدورهم.(317)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخبت،و هو ما اطمأنّ من الأرض و غمض،و منه قولهم:أخبت إلى ربّه،أي اطمأنّ إليه،و أخبت للّه:خشع و تواضع،و فيه خبتة:تواضع، و خبت ذكره:خفي.

2-و قال الخليل(4:241):«الخبيت من الأشياء:

الحقير الرّديء،قال الشّاعر:

ص: 29


1- و هذا ليس من مادّة«خبت»بل من مادّة «خبو».

ينفع الطّيّب القليل من الرّزق

و لا ينفع الكثير الخبيت

و هو الخبيث-بالثاء-أيضا».

و قال الأزهريّ(7:312)معقّبا:«قلت:أظنّ الخبيت تصحيفا،لأنّ الشّيء الحقير الرّديء إنّما يقال له:

الختيت،بتاءين،و هو بمعنى الخسيس،فصحّفه و جعله خبيتا»،و هو الأظهر.

و قال الخطّابيّ(1:674)في حديث أبي عامر:«تغيّر و خبت»:«يقال:رجل خبيت،و هو الفاسد الرّديء، كالخبيث سواء».

و عقّب ابن الأثير قائلا:«قيل:هو الحقير الرّديء، و الختيت-بتاءين:الخسيس».

و كلا القولين لا يناسب الحديث،و لعلّ لفظ«خبت» مصحّف«خبث»،لأنّه الأنسب هنا،و ما ذكره الخطّابيّ لم يروه أحد من أرباب المعاجم.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من باب«الإفعال»ماضيا،و مضارعا،و اسم فاعل،كلّ منها مرّة في ثلاث آيات:

1- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ... هود:23

2- وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ... الحجّ:54

3- ...فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الحجّ:34

و يلاحظ أوّلا:أنّ الخبت صفة من صفات المؤمنين في الآيات الثّلاث،و فيها بحوث:

1-جعل الإخبات-من باب الإفعال-في الجميع وصفا للمؤمنين بتفاوت:فجاء في(1)إلى اللّه-متعدّيا ب(إلى)-: وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ، و في(2)للقرآن- متعدّيا ب(اللاّم)- فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ، و في(3) خاليا منهما: وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ.

و إذا ما استقرأنا اللّغة لاحظنا أنّ الخبت و ما اشتقّ منه غير متعدّ بنفسه أو بحرف،و ما نقل من قولهم:أخبت إلى ربّه،أي اطمأنّ إليه،و أخبت للّه،أي خشع،فهو من أثر القرآن في كلامهم.و ضمّن الإخبات هنا معنى التّضرّع و الإسلام،فهما يتعدّيان ب«إلى»و ب«اللاّم».

يقال:تضرّع له و إليه:تذلّل و خضع،و أسلم أمره له و إليه:فوّضه.

2-عدّ الإخبات في(1)بعد الإيمان و العمل الصّالح، و في(2)بعد الإيمان،و في(3)بعد الإسلام للّه،أي لا يكون العبد مخبتا لربّه إلاّ إذا آمن به و انقاد له و عمل صالحا.

و جعل أجر المخبت في(1)الجنّة،و في(2)الهداية إلى الصّراط المستقيم،و لم يبيّن الأجر في(3)،و هو معلوم من السّياق،و التّقدير:و بشّر المخبتين بالجنّة،أو أنّ لهم الجنّة،نحو قوله تعالى: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ البقرة:

25.

3-أسند الإخبات في(1)و(3)إلى المؤمنين،و أسند في(2)إلى القلوب،أي قلوب المؤمنين.فحيثما كان الإخبات إلى اللّه و أسند إلى المؤمنين فهو تضرّع و تسليم إليه و هو التفات من حضيض البشريّة إلى علوّ الإلهيّة،

ص: 30

و حيثما كان لغيره و أسند إلى القلب فهو خشوع له و سكون إليه،و هنا يتّضح الفرق بين التّعدّي ب«إلى» و بين التّعدّي ب«اللاّم»أيضا.

ثانيا:ليس قوله: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً الإسراء:97،من«خ ب ت»كما قال الدّامغانيّ،بل من «خ ب و»كما سيأتي،فهو وهم منه.

ثالثا:الآيات الثّلاث جاءت في سورتين:سورة مكّيّة يقينا-و هي هود-و سورة محتملة لكونها مكّيّة أو مدنيّة،و قد قلنا مرّات:أنّ سياقها مكّيّ،و عليه فيبدو أنّ هذه المادّة كانت شائعة في مكّة دون المدينة.

ص: 31

ص: 32

خ ب ث

اشارة

8 ألفاظ،16 مرّة:5 مكّيّة،11 مدنيّة

في 9 سور:3 مكّيّة،6 مدنيّة

خبث 1:1 للخبيثين 1:-1

الخبيث 7:-7 الخبيثات 1:-1

خبيثة 2:2 للخبيثات 1:-1

الخبيثون 1:-1 الخبائث 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :خبث الشّيء خباثة و خبثا فهو خبيث، و أخبث فهو مخبث:صار ذا خبث و شرّ.

و الخابث:الرّديء.و أخبث القول و نحوه.

و الخبيث:نعت كلّ شيء فاسد،خبيث الطّعم و خبيث اللّون.

و الخبثة:الزّنية من الفجور،و يقال:هذا ولد الخبثة و ولد لخبثة.و خبث الحديد و غيره:ممّا يذاب بالنّار،و هو ما يبقى من رداءته إذا أخلص جيّده.

و يقولون للرّجل:يا خبث،و للمرأة يا خباث.

و هو من أخابث النّاس؛واحدها:أخبث.

و يقولون للرّجل و المرأة:يا مخبثان،و هو من:الخبث و الأخابث و الخبائث و التّخبّث.

و غلام خباثيّ برفع الخاء،أي خبيث.

و يقال:به الأخبثان،و هما:البخر و السّهر.

(4:248)

الكسائيّ: وقعوا في وادي تخبّث،بفتح الخاء و كسر الباء،و معناه الباطل،و ليس بتصحيف تخيّب.(الصّغانيّ 1:360)

الأصمعيّ: سألته[سعيد بن أبي عروبة]عن الخبثة،فقال:بيع أهل عهد المسلمين،يريد سبي من أعطي عهدا أو أمانا،و سمّاه خبثة لحرمته،و كلّ محرّم خبيث.

و يقال:سبي خبثه؛أي خبيث،و سبي طيبة،و هو ما طاب ملكه و حلّ.(الخطّابيّ 1:258)

ص: 33

الفرّاء:الأخبثان:القيء و السّلاح.

(الأزهريّ 7:342)

تقول العرب:لعن اللّه أخبثي و أخبثك،أي الأخبث منّا.(الصّغانيّ 1:360)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه إذا دخل الخلاء قال:«اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الرّجس النّجس الخبيث المخبث الشّيطان الرّجيم».

قوله:«الخبيث المخبث»فالخبيث هو ذو الخبث في نفسه؛و المخبث هو الّذي أصحابه و أعوانه خبثاء،و هو مثل قولهم:فلان قويّ مقو،فالقويّ في بدنه،و المقوي أن يكون دابّته قويّة.

قال:ذلك الأحمر؛و كذلك قولهم:«هو ضعيف مضعف»،فالضّعيف في بدنه،و المضعف في دابّته؛و على هذا كلام العرب.و قد يكون أيضا المخبث أن يخبث غيره،أي يعلّمه الخبث و يفسده.

أمّا الحديث الآخر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه كان إذا دخل الخلاء قال:«اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث و الخبائث».

قوله:«الخبث»يعني الشّرّ؛و أمّا«الخبائث»فإنّها الشّياطين.

و أمّا الخبث بفتح الخاء و الباء:فما تنفي النّار من رديء الفضّة و الحديد.

و منه الحديث المرفوع:«إنّ الحمّى تنفي الذّنوب،كما ينفي الكير الخبث».(1:311)

ابن الأعرابيّ: أصل الخبيث في كلام العرب:

المكروه،فإن كان من الكلام فهو الشّتم،و إن كان من الطّعام فهو الحرام،و إن كان من الشّراب فهو الضّارّ.

و منه قيل لما يرمى من منفيّ الحديد:

الخبث.(الأزهريّ 7:342)

أبو الهيثم:[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أعوذ باللّه من الخبث و الخبائث»]

«من الخبث»بضمّ الباء،و هو جمع:الخبيث،و هو الشّيطان الذّكر.

و الخبائث جمع:الخبيثة،و هي الأنثى من الشّياطين.(الأزهريّ 7:338)

ابن أبي اليمان :و الخبث:ما سال من الفضّة و الحديد إذا أحميا.(230)

ابن دريد :خبث الحديد و الفضّة:ما نفاه الكير.

و رجل خبيث:رديء المذهب.

و خبث الرّجل خبثا،إذا صار خبيثا.

و المخبث:الّذي له أصحاب خبثاء.

و الخبثة:الفجور.

و فلان لخبثة،كما يقال:لزنية و لغية بالفتح و الكسر من الغيّ،و أمّا الزّنية فليس إلاّ بالكسر.

و يكنّى عن ذي البطن فيسمّى خبثا.

و طعام مخبثة،إذا كان من غير حلّه.

و الخبيث:ضدّ الطّيّب من الرّزق و الولد.

و يقال للأمة:يا خباث أقبلي،معدول عن الخبث.

و نزل به الأخبثان:الرّجيع و البول.و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا يصلّين أحدكم و هو يدافع الأخبثين» و ذهب منه الأطيبان:الشّباب و النّكاح،و بقي منه الأخبثان.

و يسمّى الرّجل:مخبثان،اشتقاقا من

ص: 34

الخبث.(1:200)

و الخباثية مثال علانية:الخباثة.(الصّغانيّ 1:360)

الأزهريّ: [نقل معنى الخبث و الخبائث و الخبيث و المخبث في حديثي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ثمّ قال:]

قلت:و هذا الّذي قاله أبو الهيثم أشبه عندي بالصّواب من قول أبي عبيد.

و أمّا الخبث بفتح الخاء و الباء:فما تنفيه النّار من رديء الفضّة و الحديد إذا أذيبا.و منه الحديث«إنّ الحمّى تنفي الذّنوب،كما ينفي الكير الخبث».

يقال:هو خبيث الطّعم،خبيث اللّون،خبيث الفعل و الكلام.

و يقال:ولد فلان لخبثة،إذا كان لغير رشدة.

و يكتب في عهدة الرّقيق:«لا داء و لا خبثة و لا غائلة»...

و الخبثة ألاّ يكون طيبة،لأنّه سبي من قوم لا يحلّ استرقاقهم لعهد تقدّم لهم،أو حرّيّة في الأصل ثبتت لهم.

و في الحديث:«لا يصلّين أحدكم و هو يدافع الأخبثين في الصّلاة»أراد بالأخبثين:الغائط و البول.

و الحرام البحت:يسمّى خبيثا،مثل الزّنى و المال الحرام و الدّم،و ما أشبهها ممّا حرّمه اللّه تعالى.

و في الحديث:«إنّ الخمر هي أمّ الخبائث»لأنّها محرّمة تحمل شاربها على الخصال الخبيثة،من سفك الدّماء و الزّنى و غيره من المعاصي.

و يقال للشّيء الكريه الطّعم و الرّائحة:خبيث مثل الثّوم و البصل و الكرّاث؛و لذلك قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«من أكل من هذه الشّجرة الخبيثة فلا يقربنّ مسجدنا».

و قيل:[الأخبثان]البول و العذرة.

و روي عن الحسن أنّه قال يخاطب الدّنيا:«خباث، قد مصصنا عيدانك فوجدناك كذا».أراد الدّنيا،فقال لها يا خباث،أي يا خبيثة.(7:338)

الصّاحب:خبث يخبث خبثا،و هو خبيث و به خباثة.

و أخبث:صار ذا خبث.

و الخابث:الرّديء من كلّ شيء،و الخبيث:نعت كلّ فاسد.

و الخبثة:الزّنية من الفجور.و هي الأخلاق الخبيثة أيضا.

و أخبث الرّجل،إذا صار أصحابه خبثاء.

و الأخبثان:البخر و السّهر،و قيل:الرّجيع و البول.

و المخبثان و الأخابث و الخبائث واحد.و غلام خباث.

و خبث الحديد:ما يذاب بالنّار فيبقى رديئه.

و لعبة تسمّى:خبثة.(4:325)

الجوهريّ: الخبيث:ضدّ الطّيّب.و قد خبث الشّيء خباثة،و خبث الرّجل خبثا،فهو خبيث،أي خبّ رديء.

و أخبثه غيره،أي علّمه الخبث و أفسده.و أخبث أيضا،أي اتّخذ أصحابا خبثاء،فهو خبيث مخبث و مخبثان.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان لخبثة،كما يقال لزنية.

و يقال في النّداء:يا خبث،كما يقال:يا لكع،تريد يا خبيث.و للمرأة:يا خباث،بني على الكسر مثل يا لكاع.

و خبث الحديد و غيره:ما نفاه الكير.

ص: 35

و الأخبثان:البول و الغائط.(1:281)

الطّوسيّ: الخبيث الرّديء من كلّ شيء.خبث خبثا،و تخبّث تخبّثا،و تخابث تخابثا،و خبّثه تخبيثا.

و الخبثة:الرّيبة.و خبث الفضّة:ما نفاه الكير،لأنّه ينفي الرّديء،و أصله:الرّداءة.(2:345)

نحوه الطّبرسيّ.(1:380)

الخبيث:الرّديء بالعاجلة و يسوى بالآجلة،و منه خبث الحديد و هو رديئه بعد ما يخلص بالنّار،جيّده،ففي الخبيث امتزاج برديء.(4:37)

الرّاغب: المخبث و الخبيث:ما يكره رداءة و خساسة،محسوسا كان أو معقولا.و أصله:الرّديء الدّخلة،الجاري مجرى خبث الحديد.[ثمّ استشهد بشعر]

و ذلك يتناول:الباطل في الاعتقاد،و الكذب في المقال،و القبيح في الفعال.[ثمّ ذكر الآيات](141)

الزّمخشريّ: خبث فلان و هو خبيث،و هم خبثاء و خباث،و فيه خبث و خباثة،و هو من الأخباث،و هو خبيث مخبث،و فيه مخابث جمّة.

و نزل به الأخبثان:الرّجيع و البول،«و لا تدافعوا الأخبثين في الصّلاة».

«و أعوذ باللّه من الخبث و الخبائث».

و يا خبث و يا خباث،و هو يتخبّث و يتخابث.

و من المجاز:هذا ممّا يخبث النّفس.و ليس الإبريز كالخبث،أي ليس الجيّد كالرّديء.و خبثت رائحته، و خبث طعمه.و خبث بفلانة:فجر بها.و خبثت نفسه:

غثت،و فلان خبّ خبيث،و هو ولد الخبثة.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا العبد لا خبثة به من إباق و لا سرقة.

و هذا سبى خبثة و سبى طيبة.

و هذا كلام خبيث،و هي أخبث اللّغتين،يراد الرّداءة و الفساد،و أنا أستخبث هذه اللّغة.

(أساس البلاغة:102)

كان إذا أراد الخلاء قال:«أعوذ باللّه من الخبث و الخبائث»،و روي«الخبث»بضمّ الباء.

الخبث:خلاف طيب الفعل من فجور و غيره،و منه الحديث:«إذا كثر الخبث يكون كذا».

و في الحديث:«وجد فلان مع أمة يخبث بها».

و يجوز أن يكون تخفيف«الخبث»و هو جمع خبيث.

و الخبائث:جمع خبيثة،فالمراد شياطين الجنّ و الإنس،ذكرانهم و إناثهم.(الفائق 1:348)

[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]«اشترى منه عبدا أو أمة لاداء و لا خبثة و لا غائلة بيع المسلم للمسلم».

عبّروا عن الحرمة بالخبث كما عبّروا عن الحلّ بالطّيب،و الخبثة نوع من أنواعه.

قيل:هو أن يكون مسبيا من قوم أعطوا عهدا أو أمانا،أو لهم حرّيّة في الأصل.(الفائق 1:350)

الحسن رحمه اللّه:«خباث؛كلّ عيدانك مضضنا فوجدنا عاقبته مرّا».خباث:هي الخبيثة في النّداء خاصّة،كغدار و فساق،حرف النّداء محذوف و هو جائز في كلّ معرفة،و لا يصحّ أن ينعت به أيّ،و الخطاب للدّنيا.(الفائق 1:353)

المدينيّ: في حديث الحجّاج:«قال لأنس رضى اللّه عنه يا

ص: 36

خبثة»الخبثة:الخبيث.و يقال للأخلاق الخبيثة:خبثة، و فلان ولد خبثة،أي ولد زنية.

و في حديث سعيد:«كذب مخبثان»المخبثان:

الخبيث،يقال للرّجل و المرأة جميعا،و كأنّه يدلّ على مبالغة.

و يقال للرّجل:يا خباث مبنيّا على الكسر،و للمرأة:

يا خبث،و قيل:على العكس منه.

في حديث رافع:«كسب الحجّام خبيث،و ثمن الكلب خبيث،و مهر البغيّ خبيث».

قيل:معنى الخبيث في كسب الحجّام الّذي كقوله تعالى: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ البقرة:267، بدلالة حديث محيّصة:أنّه رخّص له.

و أمّا ثمن الكلب،و مهر البغيّ فإنّهما على التّحريم، لأنّ الكلب نجس الذّات محرّم الثّمن،و فعل الزّنى محرّم، و بذل العوض عليه و أخذه في التّحريم مثله،لأنّه ذريعة إلى التّوسّل إليه،و الحجامة مباحة و فيها نفع و صلاح الأبدان،و قد يجمع الكلام بين القرائن في اللّفظ،و يفرّق بينهما في المعاني.و ذلك على حسب الأغراض و المقاصد فيها.

و قد يكون الكلام في الفصل الواحد،بعضه على الوجوب و بعضه على النّدب،و بعضه على الحقيقة و بعضه على المجاز،و إنّما يعرف ذلك بدلائل الأصول و باعتبار معانيها،و نحو ذلك الحديث فيما يغتسل منه.

في حديث أبي هريرة:«نهى عن الدّواء الخبيث»، و ذلك من وجهين:

أحدهما:خبث النّجاسة،كما فيه الخمر و البول و نحوهما،و ذلك محرّم،إلاّ ما خصّته السّنّة من أبوال الإبل،فرخّص فيها لنفر من عكل،و سبيل السّنن أن يقرّ كلّ شيء في موضعه،و لا يضرب بعضه ببعض.

و قد يكون خبثه من جهة الطّعم و المذاق،و لا ينكر أن يكون كرهه لما فيه من المشقّة،و تكرّه النّفس إيّاه.

و الغالب أنّ طعوم الأدوية كريهة،و لكن بعضها أقلّ كراهة و أيسر احتمالا.(1:544)

ابن الأثير: فيه«إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل خبثا».

الخبث بفتحتين:النّجس.

و في حديث هرقل:«أصبح يوما و هو خبيث النّفس»أي ثقيلها كريه الحال.

و منه الحديث:«لا يقولنّ أحدكم خبثت نفسي»أي ثقلت و غثت»كأنّه كره اسم الخبث.

و فيه:«أعوذ بك من الخبث و الخبائث»بضمّ الباء:

جمع الخبيث،و الخبائث:جمع الخبيثة،يريد ذكور الشّياطين و إناثهم.

و قيل:هو الخبث بسكون الباء،و هو خلاف طيّب الفعل من فجور و غيره،و الخبائث:يريد بها الأفعال المذمومة و الخصال الرّديئة.

و فيه:«أعوذ بك من الرّجس النّجس الخبيث المخبث».

الخبيث:ذو الخبث في نفسه،و المخبث:الّذي أعوانه خبثاء،كما يقال للّذي فرسه ضعيف:مضعف.و قيل:هو الّذي يعلّمهم الخبث و يوقعهم فيه.

و منه حديث قتلى بدر:«فألقوا في قليب خبيث مخبث»،أي فاسد مفسد لما يقع فيه.

ص: 37

و منه حديث سعد بن عبادة:«أنّه أتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم برجل مخدج سقيم وجد مع أمة يخبث بها»أي يزني.[قد تركنا كثيرا من كلامه حذرا من التّكرار](2:4)

الصّغانيّ: الخبث بالضّمّ:الزّنى،و منه الحديث:«أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم سئل فقيل:يا رسول اللّه،أ نهلك و فينا الصّالحون؟فقال:نعم،إذا كثر الخبث».يقال منه:خبث بالمرأة.

و رجل خبّيث مثال فسّيق:كثير الخبث.

و الخبّيثى:الخبث،مثال خطّيبى.

و الشّجرة الخبيثة في القرآن:الحنظل،و قيل:

الكشوث.و استخبث الشّيء:ضدّ استطابه...(1:359)

الفيّوميّ: خبث الشّيء خبثا من باب«قرب»:

خلاف طاب،و الاسم:الخباثة،فهو خبيث؛و الأنثى:

خبيثة.

و يطلق الخبيث على الحرام كالزّنى،و على الرّديء المستكره طعمه أو ريحه كالثّوم و البصل.و منه:الخبائث، و هي الّتي كانت العرب تستخبثها،مثل الحيّة و العقرب.

قال تعالى: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ البقرة:

267،أي لا تخرجوا الرّديء في الصّدقة عن الجيّد.

و الأخبثان:البول و الغائط.و شيء خبيث،أي نجس.

و جمع الخبيث:خبث بضمّتين،مثل بريد و برد، و خبثاء و أخباث،مثل شرفاء و أشراف؛و خبثة أيضا مثل ضعيف و ضعفة،و لا يكاد يوجد لهما ثالث.و جمع الخبيثة:خبائث.

«و أعوذ بك من الخبث و الخبائث»بضمّ الباء، و الإسكان جائز على لغة تميم،و سيأتي في الخاتمة.و قيل من ذكران الشّياطين و إناثهم،و قيل:من الكفر و المعاصي.

و خبث الرّجل بالمرأة يخبث،من باب«قتل»:زنى بها،فهو خبيث،و هي خبيثة.

و أخبث بالألف:صار ذا خبث و شرّ.(1:162)

الفيروزآباديّ: الخبيث:ضدّ الطّيّب،خبث ككرم خبثا و خباثة و خباثية.

و الرّديء الخبّ كالخابث،و خبث خبثا.و الّذي يتّخذ أصحابا خبثاء كالمخبث كمحسن.

و المخبثان أو مخبثان:معرفة،و خاصّة بالنّداء،و قد أخبث.

و يا خبث كلكع،أي يا خبيث،و للمرأة:يا خبيثة، و يا خباث كقطام.

و الأخبثان:البول و الغائط،أو البخر و السّهر،أو السّهر و الضّجر.

و الخبث بالضّمّ:الزّنى،و خبث بها ككرم.

و الخابثة الخباثة.

و الخبثة بالكسر في الرّقيق أن لا يكون طيبة،أي سبي من قوم لا يحلّ استرقاقهم.

و الخبّيث كسكّيت:الكثير الخبث؛جمعه:خبّيثون، و الخبّيثى الخبث،و وادي تخبّث كوادي تخيّب.

«و أعوذ بك من الخبث و الخبائث»أي من ذكور الشّياطين و إناثها.

و الشّجرة الخبيثة:الحنظل أو الكشوث.

و المخبثة:المفسدة.(1:171)

الطّريحيّ: و الخبيث:ضدّ الطّيّب،يقال:خبث

ص: 38

الشّيء خبثا من باب«قرب»،و خباثة:ضدّ طاب،فهو خبيث.

و الخبيثة:واحدة الخبائث:ضدّ الطّيّبة،قال تعالى:

وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ الأعراف:157.

و أخبث الرّجل،إذا ولد أولادا خبثاء.

و في الحديث:«لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم،فإنّه معتاد لما عوّد».يريد بالخبيث:الشّيطان المرجوم باللّعنة، يعتاد لما عوّده الإنسان من نقض الصّلاة و غيرها.

و في حديث أهل البيت عليهم السّلام«لا يبغضنا الاّ من خبثت ولادته،أي لم تطب».(2:251)

مجمع اللّغة :الخبث يرجع في معناه إلى القبح و الرّداءة.يقال:خبث يخبث خبثا و خباثة،فهو خبيث، و هي خبيثة،و هم خبيثون،و هنّ خبيثات.

و ورد لفظ«الخبيث»في القرآن كثيرا في مقابلة الطّيّب.

الخبائث:الأفعال المنكرة،و الأشياء المستقذرة؛ واحدها:خبيثة.(1:317)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خبث:فسد ضدّ طاب.

و الشّيء الخبيث:الرّديء القبيح،و كلّ فاسد محرّم، و الشّخص الخبيث:الماكر الكثير الإفساد.

و الخبائث:الأفعال القبيحة الذّميمة في حكم الشّرع،لا في حكم العقل.(1:156)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو ما يخالف الطّيّب،و قد استعملت في كلام اللّه المتعال أيضا في مقابل الطّيّب حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ آل عمران:179، قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ المائدة:

100، وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ النّساء:2.

ثمّ إنّ الخبث على أنواع:إمّا في الكلام: وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ إبراهيم:26،أو في الأحكام و الآراء: وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، أو في الموضوعات:

اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ النّور:26، كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ إبراهيم:26،أو في معنى كلّي أعمّ: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ، أو في الأعمال و الأفعال: كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ الأنبياء:74،أو من جهة المراتب و المقامات: حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.

فالمعاني المذكورة كلّها من مصاديق الأصل،كالزّنى في الأفعال و البول و الغائط في الموضوعات،و البصل و الثّوم في الرّوائح.

و المقابلة بالطّيّب في الآيات المذكورة،كإقامة البرهان في إثبات موضوع الخبث في الموارد،و كتعليق الحكم بالوصف المشعر بالعلّيّة.

وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ المائدة:100،فإنّ الطّيّب يحتاج إلى قيود زائدة و امتيازات حاصلة حتّى يتحقّق عنوان الطّيّب،كما في الجهل و العلم،و في كلّ صفة حميدة روحانيّة،فإنّ تحقّقها يحتاج إلى امتياز و قيد إضافيّ زائد،بخلاف كلّ مقام أو مرتبة أو صفة لا تحتاج إلى قيد.

فظهر أنّ التّمييز في الواقع ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ آل عمران:179، لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الأنفال:37،بالنّسبة إلى الطّيّب فإنّه يحتاج إلى التّثبيت،و تحقيق قيده و صفته الزّائدة،و لكنّ الأكثريّة و الأصالة في الموردين«الآيتين»للطّيّبين المؤمنين،بل إنّ

ص: 39

جميعهم كانوا متظاهرين للإيمان،فناسب أن ينسب التّمييز إلى الخبيث،و يميّز من بين الطّيّبين،أي يفصل الخبيث من المؤمنين حقّا.

و كذلك تقديم الخبيث في سائر الموارد،فإنّه باقتضاء المقام و المورد.(3:7)

النّصوص التّفسيريّة

خبث

وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً... الأعراف:58

الطّبريّ: فردؤت تربته،و ملحت مشاربه،لا يخرج نباته إلاّ نكدا.(5:518)

النّحّاس: هو مثال للفهيم و البليد.

(ابن عطيّة 2:414)

الزّمخشريّ: الأرض السّبخة الّتي لا ينبت ما ينتفع به.(2:84)

البيضاويّ: أي كالحرّة و السّبخة.(1:353)

البروسويّ: و البلد الّذي خبث ترابه كالحرّة و السّبخة،الحرّة:أرض ذات حجارة سود،كأنّها أحرقت بالنّار،و السّبخة:الأرض المالحة الّتي لا تنبت شيئا.

(3:181)

نحوه القاسميّ.(7:2759)

الآلوسيّ: و التّعبير أوّلا بالطّيّب،و ثانيا بالّذي خبث دون الخبيث،للإيذان بأنّ أصل الأرض أن تكون طيّبة منبتة،و خلافه طار عارض.(8:147)

فضل اللّه : وَ الَّذِي خَبُثَ في أرضه نتيجة ما تحتويه من عناصر تعيق إنتاجيّتها،و تعطّل عمليّة النّموّ و الامتداد.(10:148)

لاحظ ب ل د:«البلد».

الخبيث

1- ..وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ.

البقرة:267

الإمام عليّ عليه السّلام:نزلت هذه الآية في الزّكاة المفروضة،كان الرّجل يعمد إلى التّمر فيصرمه،فيعزل الجيّد ناحية،فإذا جاء صاحب الصّدقة أعطاه من الرّديء،فقال عزّ و جلّ:الآية...(الطّبريّ 3:83)

نحوه مجاهد و الضّحّاك و الحسن.(الثّعلبيّ 2:268)

ابن عبّاس: لا تعمدوا إلى الرّديء من أموالكم.(38)

مجاهد :كانوا يتصدّقون،يعني من النّخل بحشفه و شراره،فنهوا عن ذلك،و أمروا أن يتصدّقوا بطيّبه.(الطّبريّ 3:83)

نحوه الواحديّ.(1:381)

الحسن :كان الرّجل يتصدّق برذالة ماله،فنزلت الآية.(الطّبريّ 3:83)

نحوه قتادة(الطّبريّ 3:83)،و القمّيّ(1:92).

قتادة :ذكر لنا أنّ الرّجل كان يكون له الحائطان على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فيعمد إلى أردئهما تمرا فيتصدّق به، و يخلط فيه من الحشف،فعاب اللّه ذلك عليهم و نهاهم عنه.(الطّبريّ 3:83)

ص: 40

نحوه السّدّيّ.(الطّبريّ 3:82)

الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّها نزلت في أقوام لهم أموال من ربا الجاهليّة،كانوا يتصدّقون منها،فنهى اللّه عن ذلك،و أمر بالصّدقة من الحلال.(الطّوسيّ 2:344)

ابن زيد :الخبيث:الحرام،لا تتيمّمه تنفق منه،فإنّ اللّه عزّ و جلّ لا يقبله.(الطّبريّ 3:83)

ابن قتيبة :أي لا تقصدون للرّديء و الحشف من التّمر،و ما لا تأخذونه أنتم إلاّ بالإغماض فيه.(98)

الطّبريّ: يعني جلّ ثناؤه ب(الخبيث:)الرّديء غير الجيّد،يقول:لا تعمدوا الرّديء من أموالكم في صدقاتكم فتصدّقوا منه،و لكن تصدّقوا من الطّيّب الجيّد.و ذلك أنّ هذه الآية نزلت في سبب رجل من الأنصار،علّق قنوا من حشف في الموضع الّذي كان المسلمون يعلّقون صدقة ثمارهم،صدقة من تمره.[إلى أن قال:]

و قال آخرون:معنى ذلك:و لا تيمّموا الخبيث من الحرام فيه تنفقون،و تدعوا أن تنفقوا الحلال الطّيّب.

و تأويل الآية:هو التّأويل الّذي حكيناه عمّن حكينا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و اتّفاق أهل التّأويل في ذلك،دون الّذي قاله ابن زيد.(3:82)

نحوه الفرّاء(الثّعلبيّ 2:268)،و ابن كثير(1:568).

الزّجّاج: أي لا تقصدوا إلى رديء المال و الثّمار فتتصدّقوا به،و أنتم تعلمون أنّكم لا تأخذونه إلاّ بالإغماض فيه.(1:350)

الثّعلبيّ: يعني الرّديء من أموالكم،و الحشف من التّمر،و العفن و الزّوان من الحبوب،و الزّيوف من الدّراهم و الدّنانير.(2:269)

الطّوسيّ: [نقل قول عليّ عليه السّلام و ابن زيد ثمّ قال:]

و الأوّل أقوى،لأنّه قال: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، ثمّ قال: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ يعني من الّذي كسبتم،إذا أخرجه اللّه من الأرض.و الحرام إن كان خبيثا فليس من ذلك،غير أنّه يمكن أن يراد به ذلك،لأنّه لا ينافي السّبب.

و يقوّي الوجه الأوّل قوله: وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ و الإغماض لا يكون إلاّ في شيء رديء متسامح في أخذه،دون ما هو حرام.(2:344)

نحوه ابن عطيّة(1:361)،و الطّبرسيّ(1:381).

الزّمخشريّ: لا تقصدوا المال الرّديء منه.

(1:396).

نحوه النّسفيّ(1:135)،و الشّربينيّ(1:180)، و القاسميّ(3:683)،و المراغيّ(3:39).

البيضاويّ: أي و لا تقصدوا الرّديء منه،أي من المال أو ممّا أخرجنا لكم،و تخصيصه بذلك لأنّ التّفاوت فيه أكثر.(1:139)

نحو الكاشانيّ(1:275)،و شبّر(1:237).

أبو حيّان :تظافرت النّصوص في الحديث على أنّ سبب نزول هذه الآية،هو أنّهم لما أمروا بالصّدقة،كانوا يأتون بالأقناء من التّمر،فيعلّقونها في المسجد ليأكل منها المحاويج،فجاء بعض الصّحابة بحشف،و في بعض الطّرق بشيص،و في بعضها برديء،و هو يرى أنّ ذلك جائز،فنزلت.و هذا الخطاب بالأمر بالانفاق عامّ لجميع هذه الأمّة.[إلى أن قال:]

ص: 41

و الأكثرون على أنّ طيّبات ما كسبتم هو الجيّد المختار،و أنّ الخبيث هو الرّديء.و قال ابن زيد: مِنْ طَيِّباتِ أي الحلال،و الخبيث:الحرام.و قال عليّ:هو الذّهب و الفضّة.و قال مجاهد:هو أموال التّجارة.[إلى أن قال:]

وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ هذا مؤكّد للأمر؛ إذ هو مفهوم من قوله: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ.

و في هذا طباق بذكر الطّيّبات و الخبيث.[إلى أن قال:]

و الخبيث و الطّيّب صفتان غالبتان،لا يذكر معهما الموصوف إلاّ قليلا،و لذلك جاء وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ و جاء وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ و قال تعالى:

وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ، و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«أعوذ باللّه من الخبث و الخبائث».

و(منه)متعلّق بقوله(تنفقون)،و الضّمير في(منه) عائد على الخبيث،و(تنفقون)حال من الفاعل في تَيَمَّمُوا. (2:316)

أبو السّعود :أي الرّديء الخسيس،و هو كالطّيّب من الصّفات الغالبة الّتي لا تذكر موصوفاتها.(1:310)

البروسويّ: أي الرّديء الخسيس،و الخبيث:

نقيض الطّيّب،و لهما جميعا ثلاثة معان:الطّيّب:الحلال، و الخبيث:الحرام.

الطّيّب:الطّاهر،و الخبيث:النّجس،و الطّيّب:ما يستطيبه الطّبع،و الخبيث:ما يستخبثه...أي لا تقصدوا الخبيث قاصرين الإنفاق عليه،و التّخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطونه من إنفاق الخبيث خاصّة،لا تسويغ إنفاقه مع الطّيّب.(1:430)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

مِنْهُ تُنْفِقُونَ الضّمير المجرور الخبيث،و هو متعلق ب تُنْفِقُونَ و التقديم للتّخفيف،و الجملة حال مقدّرة من فاعل تَيَمَّمُوا أي لا تقصدوا الخبيث قاصرين الإنفاق عليه،أو من الخبيث،أي مختصّا به الإنفاق.و أيّا ما كان لا يرد أنّه يقتضي أن يكون النّهي عن الخبيث الصّرف فقط،مع أنّ المخلوط أيضا كذلك،لأنّ التّخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطون من إنفاق الخبيث خاصّة.(3:39)

ابن عاشور :و الخبيث:الشّديد سوء في صنفه، فلذلك يطلق على الحرام و على المستقذر.قال تعالى:

وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ الأعراف:157،و هو الضّدّ الأقصى للطّيّب،فلا يطلق على الرّديء إلاّ على وجه المبالغة.و وقوع لفظه في سياق النّهي،يفيد عموم ما يصدق عليه اللّفظ.(2:527)

مغنيّة:أي لا تقصدوا الرّديء من أموالكم فتنفقوا منه.و قيل في سبب نزول الآية:إنّ بعض المسلمين كانوا يأتون بصدقتهم من حشف التّمر،أي رديئه.و هذه الجملة و هي لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ تاكيد للجملة الأولى و هي أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ. و مجمل المعنى:أنفقوا من الجيّد دون الرّديء.

و أفتى الفقهاء في من يملك نوعا من المال بعضه جيّد و بعضه رديء،أفتوا بأنّه:لا يجوز لهذا أن يخرج حقّ اللّه من القسم الرّديء،و عليه أن يخرجه من وسط الجيّد، و إن اختار الأعلى فأفضل.و بالأولى أن لا يكفي الرّديء إذا كان جميع المال جيّدا.أجل و يجوز الإخراج من

ص: 42

الرّديء إذا كان المال كلّه كذلك،لأنّ الحقّ يتعلّق بالعين الخارجيّة لا بالذّمّة.(1:420)

الطّباطبائيّ: معنى الآية ظاهر،و إنّما بيّن تعالى كيفيّة مال الإنفاق،و إنّه ينبغي أن يكون من طيّب المال لا من خبيثه الّذي لا يأخذه المنفق إلاّ بإغماض،فإنّه لا يتّصف بوصف الجود و السّخاء،بل يتصوّر بصورة التّخلّص،فلا يفيد حبّا للصّنيعة و المعروف و لا كمالا للنّفس،و لذلك ختمها بقوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ أي راقبوا في إنفاقكم غناه و حمده،فهو في عين غناه يحمد إنفاقكم الحسن،فأنفقوا من طيّب المال،أو أنّه غنيّ محمود،لا ينبغي أن تواجهوه بما لا يليق بجلاله جلّ جلاله.(2:393)

مكارم الشّيرازيّ: اعتاد معظم النّاس أن ينفقوا من فضول أموالهم الّتي لا قيمة لها،أو السّاقطة الّتي لم تعد تنفعهم في شيء،إنّ هذا النّوع من الإنفاق لا هو يربّي الإنسان تربية معنويّة للرّوح الإنسانيّة في المنفق،و لا هو يرتق فتقا لمحتاج،بل لعلّه إهانة له و تحقير.فجاءت هذه الآية تنهي النّاس نهيا صريحا عن هذا،و تقول لهم:كيف تنفقون مثل هذا المال الّذي لا تقبلونه أنتم أنفسكم،إذا عرض عليكم إلاّ إذا اضطررتم إلى قبوله؟أ ترون إخوانكم المسلمين،بل أ ترون اللّه الّذي في سبيله تنفقون أقلّ شأنا منكم؟

الآية تشير في الواقع إلى فكرة عميقة،و هي أنّ للإنفاق في سبيل اللّه طرفين:فالمحتاجون في طرف،و اللّه في طرف آخر.فإذا اختير المال المنفق من زهيد الأشياء، ففي ذلك إهانة لمقام اللّه العزيز الّذي لم يجده المنفق جديرا بطيّبات ما عنده،كما هو إهانة للّذين يحتاجون،و هم ربّما يكونون من ذوي الدّرجات الإيمانيّة السّامية،و عندئذ يسبّب لهم هذا المال الرّديء الألم و العذاب النّفسيّ.

(2:219)

2- ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ... آل عمران:179

ابن عبّاس: الشّقي من السّعيد،و الكافر من المؤمن، و المنافق من المخلص.(61)

مجاهد :ميّز بينهم يوم أحد،المنافق من المؤمن.(الطّبريّ 4:187)

و مثله ابن جريج(الطّوسيّ 3:62)،و القرطبيّ(4:

289)،و البيضاويّ(1:194)،و الشّربينيّ(1:268)، و البروسويّ(2:131)،و المراغيّ(4:141)،و نحوه ابن إسحاق(الطّبريّ 4:187).

الضّحّاك: في أصلاب الرّجال و أرحام النّساء.يا معشر المنافقين و المشركين حتّى يفرّق بينكم و بين من في أصلابكم و أرحام نسائكم من المؤمنين.

(الثّعلبيّ 3:219)

قتادة :حتّى يميّز المؤمن من الكافر بالهجرة و الجهاد.

(الثّعلبيّ 3:218)

نحوه ابن عطيّة.(1:546)

حتّى يميّز الفاجر من المؤمن.(الطّبريّ 4:188)

السّدّيّ: حتّى يخرج المؤمن من الكافر.

(الطّبريّ 4:188)

نحوه ابن قتيبة.(116)

ص: 43

ابن جريج:ليبيّن الصّادق بإيمانه من الكاذب.(الطّبريّ 4:187)

ابن كيسان :ليميّز بها بين من يثبت على إيمانه، ممّن ينقلب على عقبيه.(الثّعلبيّ 3:219)

الطّبريّ: ما كان اللّه ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق،فلا يعرف هذا من هذا، حتّى يميّز الخبيث من الطّيّب،يعني بذلك:حتّى يميّز الخبيث و هو المنافق المستسرّ للكفر،من الطّيّب و هو المؤمن المخلص الصّادق الإيمان بالمحن و الاختبار،كما ميّز بينهم يوم أحد،عند لقاء العدوّ عند خروجهم إليه.

و اختلف أهل التّأويل في الخبيث الّذي عنى اللّه بهذه الآية،فقال بعضهم فيه مثل قولنا.

و قال آخرون:معنى ذلك حتّى يميّز المؤمن من الكافر بالهجرة و الجهاد.

و التّأويل الأوّل أولى بتأويل الآية،لأنّ الآيات قبلها في ذكر المنافقين و هذه في سياقها،فكونها بأن تكون فيهم أشبه منها بأن تكون في غيرهم.(3:528)

نحوه الطّوسيّ.(3:62)

الزّجّاج: يروى في التّفسير:أنّ الكفّار قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:تخبرنا بأنّ الإنسان في النّار حتّى إذا صار من أهل ملّتك،قلت:إنّه من أهل الجنّة.فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّ حكم من كفر أن يقال له:إنّه من أهل النّار،و من آمن -فهو ما آمن و أقام على إيمانه،و أدّى ما افترض عليه- من أهل الجنّة.و أعلم أنّ المؤمنين و هم(الطّيّب)مميّزون من(الخبيث)أي مخلّصون.(1:492)

الثّعلبيّ: قال بعضهم:حتّى يميّز الخبيث و هو المذنب،من الطّيّب و هو المؤمن،يعني حتّى يحطّ الأوزار من المؤمن ما يصيبه من نكبة و محنة و مصيبة.

(3:219)

نحوه البغويّ.(1:545)

الزّمخشريّ: حتّى يعزل المنافق عن المخلص...

فإن قلت:لمن الخطاب في أنتم؟

قلت:للمصدّقين جميعا من أهل الإخلاص و النّفاق، كأنّه قيل:ما كان اللّه ليذر المخلصين منكم على الحال الّتي أنتم عليها،من اختلاط بعضكم ببعض،و أنّه لا يعرف مخلصكم من منافقكم،لاتّفاقكم على التّصديق جميعا، حتّى يميّزهم منكم بالوحي إلى نبيّه،و إخباره بأحوالكم.(1:483)

نحوه القرطبيّ(4:289)،و النّسفيّ(1:198)، و البروسويّ(2:131).

الطّبرسيّ: [نقل بعض أقوال المتقدّمين و قال:]

و قيل:هو خطاب للمؤمنين،تقديره:ما كان اللّه ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق.و على هذا فيكون قد رجع من الخبر إلى الخطاب،كقوله: حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ.

(1:545)

الفخر الرّازيّ: لفظ(الطّيّب)و(الخبيث)و إن كان مفردا إلاّ أنّه للجنس،فالمراد بهما جميع المؤمنين و المنافقين،لا اثنان منهما.و قد ذكرنا أنّ معنى الآية:ما كان اللّه ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمن بالمنافق و أشباهه،حتّى يميّز الخبيث من الطّيّب،أي المنافق من المؤمن.(9:111)

ص: 44

البيضاويّ: الخطاب لعامّة المخلصين و المنافقين في عصره،و المعنى لا يترككم مختلطين لا يعرف مخلصكم من منافقكم،حتّى يميّز المنافق من المخلص بالوحي إلى نبيّه بأحوالكم،أو بالتّكاليف الشّاقّة الّتي لا يصبر عليها و لا يذعن لها إلاّ الخلّص المخلصون منكم،كبذل الأموال و الأنفس في سبيل اللّه،ليختبر النّبيّ به بواطنكم، و يستدلّ به على عقائدكم.(1:194)

نحوه الكاشانيّ.(1:372)

أبو حيّان :قال ابن عبّاس و أكثر المفسّرين:

الخطاب للكفّار و المنافقين،و قيل:الخطاب للمؤمنين و الكافرين،و هو قريب ممّا قاله الزّمخشريّ.غاية ما فيه أنّه بدّل الكافرين بالمنافقين.(3:125)

أبو السّعود :غاية لما يفيده النّفي المذكور،كأنّه قيل:

ما يتركهم اللّه تعالى على ذلك الاختلاط،بل يقدّر الأمور و يرتّب الأسباب حتّى يعزل المنافق من المؤمن.و في التّعبير عنهما بما ورد به النّظم الكريم تسجيل على كلّ منهما بما يليق به،و إشعار بعلّة الحكم.

و إفراد(الخبيث)و(الطّيّب)مع تعدّدهما أريد بكلّ منهما و تكثّره-لا سيّما بعد ذكر ما أريد بأحدهما،أعني المؤمنين بصيغة الجمع-للإيذان بأنّ مدار إفراز أحد الفريقين من الآخر هو اتّصافهما بوصفهما،لا خصوصيّة ذاتهما و تعدّد آحادهما،كما في مثل قوله تعالى: ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا النّساء:3،و نظيره قوله تعالى:

تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ الحجّ:2،حيث قصد الدّلالة على الاتّصاف بالوصف،من غير تعرّض لكون الموصوف من العقلاء أو غيرهم.

و تعليق الميز ب(الخبيث)المعبّر به عن المنافق،مع أنّ المتبادر ممّا سبق من عدم ترك المؤمنين على الاختلاط تعلّقه بهم و إفرازهم عن المنافقين،لما أنّ الميز الواقع بين الفريقين إنّما هو بالتّصرّف في المنافقين،و تغييرهم من حال إلى حال مغايرة للأولى،مع بقاء المؤمنين على ما كانوا عليه من أصل الإيمان،و إن ظهر مزيد إخلاصهم،لا بالتّصرّف فيهم و تغييرهم من حال إلى حال أخرى،مع بقاء المنافقين على ما هم عليه من الاستتار،و لأنّ فيه مزيد تأكيد للوعيد،كما أشير إليه في قوله تعالى: وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ البقرة:220،و إنّما لم ينسب عدم التّرك إليهم لما أنّه مشعر باعتناء بشأن من نسب إليه،فإنّ المتبادر منه عدم تركه على حالة غير ملائمة،كما يشهد به الذّوق السّليم.(2:70)

الآلوسيّ: غاية لما يفهمه النّفي السّابق،كأنّه قيل:

ما يتركهم على ذلك الاختلاف،بل يقدّر الأمور و يرتّب الأسباب حتّى يعزل المنافق من المؤمن،و ليس غاية للكلام السّابق نفسه؛إذ يصير المعنى أنّه تعالى لا يترك المؤمنين على ما أنتم عليه إلى هذه الغاية،و يفهم منه كما قال السّمين:إنّه إذا وجدت الغاية ترك المؤمنين على ما أنتم عليه،و ليس المعنى على ذلك.

و عبّر عن المؤمن و المنافق بالطّيّب و الخبيث تسجيلا على كلّ منهما بما يليق به،و إشعارا بعلّة الحكم.و أفرد (الخبيث)و(الطّيّب)مع تعدّد ما أريد بكلّ،إيذانا بأنّ مدار إفراز أحد الفريقين من الآخر هو اتّصافهما بوصفهما، لا خصوصيّة ذاتهما و تعدّد آحادهما.[إلى أن قال:]

و قيل:إنّما قدّم الخبيث على الطّيّب و علّق به فعل

ص: 45

الميز،إشعارا بمزيد رداءة ذلك الجنس،فإنّ الملقى من الشّيئين هو الأدون.(4:137)

نحوه القاسميّ.(4:1045)

فضل اللّه : اَلْخَبِيثَ أي الشّخص الّذي يعيش الرّداءة الدّاخليّة في عناصر الشّخصيّة الفكريّة و الرّوحيّة و العمليّة،و العمل الرّديء الّذي يحمل في داخله السّوء و الشّرّ لمن حوله و ما حوله،فيعرف..

بالتّجربة القويّة الصّعبة-كلّ حركة الخفايا السّلبيّة في الدّاخل،(من الطيب)مقارنا بالشّخص الّذي يعيش الطّيبة النّفسيّة و الطّهارة الفكريّة و الانتماء الرّوحيّ و الاستقامة الأخلاقيّة،أو هو العمل الّذي يحمل تلك المعاني كلّها في ملامحه الدّاخليّة و الخارجيّة،و ذلك من خلال المسئوليّات المتنوّعة المتّصلة بحركة الإنسان في ساحة الصّراع بين الكفر و الإيمان،و ميدان التّجاذب بين الخير و الشّرّ،و تعقيدات الأوضاع بين الحقّ و الباطل، و ذلك بما يكلّفهم اللّه من ذلك في المواقف الحاسمة الّتي لا مجال فيها للتّردّد،و لا فرصة فيها للهروب و التّمييع بالأساليب الملتوية.

فمن كان ثابت الإيمان ثبت في المعركة من خلال إرادته،فلا ينهزم أو يتراجع إلاّ من خلال نقاط الضّعف الطّارئة،أو الضّغوط القاسية الّتي يصعب الابتعاد عنها.

و من كان منافقا في دائرة الاهتزاز في الموقع و الموقف و الانتماء و الالتزام-لفقدان القاعدة الفكريّة الإيمانيّة الّتي تفرض عليه الوضوح و الثّبات-ابتعد عن المعركة و انهزم عن ساحتها،و انفتح-من خلال نفاقه-على معسكر الأعداء للكيد للإسلام و المسلمين بالتّنسيق معهم، لينفّس عن حقده،و يعبّر-عمليّا-عن عقدته الخبيثة المتأصّلة في شخصيّته.

و في ضوء ذلك،نعرف أنّ الخبث و الطّيبة ليسا شيئين كامنين في الذّات في أصل الخلق،بل هما عنصران طارئان من خلال العوامل المتنوّعة الّتي تتحرّك في إرادتهم،لتضغط على القرار الّذي يتحرّك في مواقفهم لمصلحة الكفر و الباطل و الشّرّ.(6:406)

3- وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً. النّساء:2

ابن عبّاس: يعني لا تأكلوا أموالهم الحرام،و تتركوا أموالكم الحلال.(64)

نحوه مجاهد(الطّبريّ 4:229)،و الفرّاء(1:253)، و الطّبريّ(4:228)،و البغويّ(1:562)،و ابن عطيّة (2:5)،و الشّربينيّ(1:278)،و الكاشانيّ(1:388)، و هو المرويّ عن الباقر و الصّادق عليهم السّلام(البحرانيّ(3:

16)،و القاسميّ(5:1101)،و المراغيّ(4:179).

معناه:لا تتعجّلوا أكل الخبيث من أموالهم،و تدعوا انتظار الرّزق الحلال من عند اللّه.

مثله أبو صالح.(ابن عطيّة 2:5)

مجاهد :بأن تتعجّلوا الحرام قبل أن يأتيكم الرّزق الحلال الّذي قدّر لكم.(الطّوسيّ 3:101)

الضّحّاك: لا تعط فاسدا و تأخذ جيّدا.

(الطّبريّ 4:229)

هو أن يجعل الزّائف بدل الجيّد،و المهزول بدل

ص: 46

السّمين،و يقول:درهم بدرهم،و شاة بشاة.

مثله ابن المسيّب و الزّهريّ و السّدّيّ.

(الماورديّ 1:447)

عطاء:إنّه الرّبح على اليتيم،و اليتيم غرّ لا علم له.(ابن الجوزيّ 2:5)

الزّجّاج: الطّيّب ما لكم،و الخبيث مال اليتيم و غيره،ممّا ليس لكم.(2:7)

الزّمخشريّ: و لا تستبدل الحرام و هو مال اليتامى بالحلال و هو مالكم،و ما أبيح لكم من المكاسب،و رزق اللّه المبثوث في الأرض،فتأكلوه مكانه.أو لا تستبدلوا الأمر الخبيث و هو اختزال أموال اليتامى،بالأمر الطّيّب و هو حفظها و التّورّع منها.و«التفعّل»بمعنى«الاستفعال» غير عزيز،منه التّعجّل بمعنى الاستعجال،و التّأخّر بمعنى الاستئخار.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:هو أن يعطي رديئا و يأخذ جيّدا.و عن السّدّيّ:أن يجعل شاة مهزولة مكان سمينة،و هذا ليس بتبدّل و إنّما هو تبديل،إلاّ أن يكارم صديقا له،فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصّبيّ.(1:494)

الطّبرسيّ: معناه لا تستبدلوا ما حرّمه اللّه تعالى عليكم من أموال اليتامى،بما أحلّه اللّه لكم من أموالكم.

و اختلف في صفة التّبديل،فقيل:كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيّد من مال اليتيم و الرّفيع منه، و يجعلون مكانه الخسيس و الرّديء.[ثمّ نقل سائر الأقوال و قال:]

و أقوى الوجوه الأوّل،لأنّه إنّما ذكر عقيب أموال اليتامى،فيكون معناه:لا تأخذوا السّمين و الجيّد من أموالهم،و تضعوا مكانهما المهزول و الرّديء،فتحفظون عليهم عدد أموالهم و مقاديرها،و تجحفون بهم في صفاتها و معانيها.(2:3)

الفخر الرّازيّ: في تفسير هذا التّبدّل وجوه:

الوجه الأوّل:[قول الزّجّاج]

الثّاني:لا تستبدلوا الأمر الخبيث،و هو اختزال أموال اليتامى بالأمر الطّيّب،و هو حفظها و التّورّع منها،و هو قول الأكثرين،إنّه كان وليّ اليتيم يأخذ الجيّد من ماله، و يجعل مكانه الدّون،يجعل الزّائف بدل الجيّد،و المهزول بدل السّمين.[إلى أن قال:]

و الرّابع:هو أنّ هذا التّبدّل معناه:أن يأكلوا مال اليتيم سلفا مع التزام بدله بعد ذلك،و في هذا يكون متبدّلا الخبيث بالطّيّب.(9:169)

نحوه البيضاويّ(1:202)،و النّيسابوريّ(4:

168).

الآلوسيّ: و المراد ب(الخبيث)و(الطّيّب)إمّا الحرام و الحلال،و المعنى لا تستبدلوا أموال اليتامى بأموالكم،أو لا تذروا أموالكم الحلال و تأكلوا الحرام من أموالهم، فالمنهيّ عنه استبدال مال اليتيم بمال أنفسهم مطلقا،أو أكل ماله مكان مالهم المحقّق أو المقدّر؛و إلى الأوّل ذهب الفرّاء.و الزّجّاج.و قيل:المعنى لا تستبدلوا الأمر الخبيث، و هو اختزال مال اليتيم بالأمر الطّيّب،و هو حفظ ذلك المال.و أيا ما كان فالتّعبير عن ذلك ب(الخبيث) و(الطّيّب)للتّنفير عمّا أخذوه،و التّرغيب فيما أعطوه.

و إمّا الرّديء و الجيّد،و مورد النّهي حينئذ ما كان الأوصياء عليه من أخذ الجيّد من مال اليتيم،و إعطاء

ص: 47

الرّديء من مال أنفسهم،فقد أخرج ابن جرير عن السّدّيّ أنّه قال:كان أحدهم يأخذ الشّاة السّمينة من غنم اليتيم،و يجعل في مكانها الشّاة المهزولة،و يقول:شاة بشاة،و يأخذ الدّرهم الجيّد و يضع مكانه الزّائف، و يقول:درهم بدرهم.و إلى هذا ذهب النّخعيّ،و الزّهريّ و ابن المسيّب.و تخصيص هذه المعاملة بالنّهي لخروجها مخرج العادة لا لإباحة ما عداها،فلا مفهوم لانخرام شرطه عنه القائل به.و اعترض هذا بأنّ المناسب حينئذ التّبديل،أو تبدّل الطّيّب بالخبيث،على ما يقتضيه الكلام السّابق.

و أجيب بأنّه إذا أعطى الوصيّ رديئا و أخذ جيّدا من مال اليتيم،يصدق عليه أنّه تبدّل الرّديء بالجيّد لليتيم و بدّل لنفسه.و ظاهر الآية أنّه أريد التّبدّل لليتيم،لأنّ الأوصياء هم المتصرّفون في أموال اليتامى،فنهوا عن بيع بوكس من أنفسهم و من غيرهم و ما ضاهاه،و لا يضرّ تبدّل لنفسه أيضا باعتبار آخر،لأنّ المتبادر إلى الفهم النّهي عن تصرّف لأجل اليتيم ضارّ،سواء عامل الوصيّ نفسه أو غيره.و من غفل عن اختلاف الاعتبار كالزّمخشريّ أوّل بما لا إشعار للّفظ به.و على العلاّت المراد من الآية النّهي عن أخذ مال اليتيم على الوجه المخصوص،بعد النّهي الضّمنيّ عن أخذه على الإطلاق.(4:187)

مكارم الشّيرازيّ: و هذا التّعليم في الحقيقة يهدف إلى المنع،ممّا قد يرتكبه بعض القيّمين على أموال اليتامى،من أخذ الجيّد من مال اليتيم و الرّفيع منه، و جعل الخسيس و الرّديء مكانه،بحجّة أنّ هذا التّبدّل يضمن مصلحة اليتيم،إمّا لأنّه لا تفاوت بين ماله و البديل،و إمّا لأنّ بقاء مال اليتيم يؤول إلى التّلف و الضّياع.(3:80)

و لاحظ ب د ل:«تتبدّلوا».

4- قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ... المائدة:100

ابن عبّاس: الحلال و الحرام.

(ابن الجوزيّ 2:434)

مثله الحسن(الماورديّ(2:70)،و عطاء(أبو السّعود (2:324)،و الطّوسيّ(4:38)،و البغويّ(2:91)، و الجبّائيّ(الطّبرسيّ 2:248).

السّدّيّ: (الخبيث):هم المشركون،و(الطّيّب):هم المؤمنون.(الطّبريّ 5:81)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم:قل يا محمّد:

لا يعتدل الرّديء و الجيّد،و الصّالح و الطّالح،و المطيع و العاصي وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يقول:لا يعتدل العاصي و المطيع للّه عند اللّه،و لو كثر أهل المعاصي فعجبت من كثرتهم،لأنّ أهل طاعة اللّه هم المفلحون، الفائزون بثواب اللّه يوم القيامة،و إن قلّوا.(5:81)

الماورديّ: الرّديء و الجيّد وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يعني أنّ الحلال و الجيّد مع قلّتهما،خير و أنفع من الحرام و الرّديء مع كثرتهما.(2:70)

المطيع و العاصي.(ابن الجوزيّ 2:433)

الزّمخشريّ: البون بين الخبيث و الطّيّب بعيد عند اللّه تعالى و إن كان قريبا عندكم،فلا تعجبوا بكثرة

ص: 48

الخبيث حتّى تؤثروه لكثرته على القليل الطّيّب،فإنّ ما تتوهّمونه في الكثرة من الفضل لا يوازي النّقصان في الخبث و فوات الطّيّب،و هو عامّ في حلال المال و حرامه، و صالح العمل و طالحه،و صحيح المذاهب و فاسدها، و جيّد النّاس و رديئهم.(1:647)

ابن عطيّة: لفظ عامّ في جميع الأمور،يتصوّر في المكاسب و عدد النّاس و المعارف من العلوم و نحوها، ف(الخبيث)من هذا كلّه لا يفلح و لا ينجب و لا تحسن له عاقبة، وَ الطَّيِّبُ و لو قلّ نافع جميل العاقبة.و ينظر إلى هذه الآية قوله تعالى: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً الأعراف:58.

و الخبث:هو الفساد الباطن في الأشياء حتّى يظنّ بها الصّلاح،و الطّيّب:و هي بخلاف ذلك،و هكذا هو الخبث في الإنسان.و قد يراد بلفظة خبيث في الإنسان:فساد نسبه،فهذا لفظ يلزم قائله على هذا القصد الحدّ.

(2:244)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا زجر عن المعصية و رغّب في الطّاعة بقوله: اِعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ثمّ أتبعه بالتّكليف بقوله: ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ ثمّ أتبعه بالتّرغيب في الطّاعة و التّنفير عن المعصية بقوله: وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ المائدة:98 و 99،أتبعه بنوع آخر من التّرغيب في الطّاعة و التّنفير عن المعصية،فقال: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ؛ ذلك لأنّ الخبيث و الطّيّب قسمان:أحدهما:الّذي يكون جسمانيّا،و هو ظاهر لكلّ أحد،و الثّاني:الّذي يكون روحانيّا.

و أخبث الخبائث الرّوحانيّة:الجهل و المعصية، و أطيب الطّيّبات الرّوحانيّة:معرفة اللّه تعالى و طاعة اللّه تعالى،و ذلك لأنّ الجسم الّذي يلتصق به شيء من النّجاسات يصير مستقذرا عند أرباب الطّباع السّليمة، فكذلك الأرواح الموصوفة بالجهل باللّه و الإعراض عن طاعة اللّه تعالى تصير مستقذرة عند الأرواح الكاملة المقدّسة.و أمّا الأرواح العارفة باللّه تعالى المواظبة على خدمة اللّه تعالى،فإنّها تصير مشرّفة بأنوار المعارف الإلهيّة،مبتهجة بالقرب من الأرواح المقدّسة الطّاهرة.

و كما أنّ الخبيث و الطّيّب في عالم الجسمانيّات لا يستويان،فكذلك في عالم الرّوحانيّات لا يستويان،بل المباينة بينهما في عالم الرّوحانيّات أشدّ،لأنّ مضرّة خبث الخبيث الجسمانيّ شيء قليل،و منفعة طيبه مختصرة،و أمّا خبث الخبيث الرّوحانيّ فمضرّته عظيمة دائمة أبديّة، و طيب الطّيّب الرّوحانيّ فمنفعته عظيمة دائمة أبديّة،و هو القرب من جوار ربّ العالمين،و الانخراط في زمرة الملائكة المقرّبين،و المرافقة من النّبيّين و الصّديقين و الشّهداء و الصّالحين،فكان هذا من أعظم وجوه التّرغيب في الطّاعة و التّنفّر عن المعصية.

ثمّ قال تعالى: وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يعني أنّ الّذي يكون خبيثا في عالم الرّوحانيّات،قد يكون طيّبا في عالم الجسمانيّات،و يكون كثير المقدار و عظيم اللّذّة،إلاّ أنّه مع كثرة مقداره و لذاذة متناوله و قرب وجدانه، سبب للحرمان من السّعادات الباقية الأبديّة السّرمديّة، الّتي إليها الإشارة بقوله: وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ الكهف:46.و إذا كان الأمر كذلك فالخبيث

ص: 49

-و لو أعجبك كثرته-يمتنع أن يكون مساويا للطّيّب الّذي هو المعرفة و المحبّة و الطّاعة و الابتهاج بالسّعادات الرّوحانيّة و الكرامات الرّبّانيّة.(12:103)

القرطبيّ: فيه ثلاث مسائل:الأولى:[نقل الأقوال و قال:]

و هذا على ضرب المثال،و الصّحيح أنّ اللّفظ عامّ في جميع الأمور،يتصوّر في المكاسب و الأعمال،و النّاس و المعارف من العلوم و غيرها.فالخبيث من هذا كلّه لا يفلح و لا ينجب،و لا تحسن له عاقبة و إن كثر.و الطّيّب و إن قلّ نافع جميل العاقبة.قال اللّه تعالى: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً الأعراف:58.و نظير هذه الآية قوله تعالى:

أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ ص:28، و قوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ الجاثية:21.

فالخبيث لا يساوي الطّيّب مقدارا و لا إنفاقا و لا مكانا و لا ذهابا،فالطّيّب يأخذ جهة اليمين،و الخبيث يأخذ جهة الشّمال،و الطّيّب في الجنّة،و الخبيث في النّار، و هذا بيّن.(6:327)

البروسويّ: نزلت في حجّاج اليمامة لما همّ المسلمون أن يوقعوا بهم،بسبب أنّه كان فيهم الحطيم، و قد أتى المدينة في السّنة السّابقة و استاق سرح المدينة، فخرج في العام القابل و هو عام عمرة القضاء حاجّا،فبلغ ذلك أصحاب السّرح،فقالوا للنّبيّ عليه السّلام:هذا الحطيم خرج حاجّا مع حجّاج اليمامة،فخلّ بيننا و بينه، فقال عليه السّلام:«إنّه قلّد الهدي»و لم يأذن لهم في ذلك بسبب استحقاقهم الأمن بتقليد الهدايا،فنزلت الآية تصديقا له عليه السّلام في نهيه إيّاهم عن تعرّض الحجّاج،و إن كانوا مشركين.

و قد مضت هذه القصّة في اوّل السّورة عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ المائدة:

2،و بقي حكم هذه الآية إلى أن نزلت سورة البراءة فنسخ بنزولها،لأنّه قد كان فيها إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا التّوبة:28.و فيها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ التّوبة:5، فنسخ حكم الهدي و القلائد و الشّهر الحرام و الإحرام و أمنهم بها بدون الإسلام.و سبب النّزول و إن كان خاصّا،لكن حكمه عامّ في نفي المساواة عند اللّه بين الرّديء و بين الجيّد،ففيه ترغيب في الجيّد و تحذير عن الرّديء.

و يتناول الخبيث و الطّيّب أمورا كثيرة:فمنها:الحرام و الحلال،فمثقال حبّة من الحلال أرجح عند اللّه من ملء الدّنيا من الحرام،لأنّ الحرام خبيث مردود و الحلال طيّب مقبول،فهما لا يستويان أبدا،كما أنّ طالبهما كذلك؛إذ طالب الخبيث خبيث،و طالب الطّيّب طيّب،و اللّه تعالى يسوق الطّيّب إلى الطّيّب،كما أنّه يسوق الخبيث إلى الخبيث،كما قال: اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ النّور:26،و الطّيّب عند سادات الصّوفيّة-قدّس اللّه أسرارهم-ما كان بلا فكر و حركة نفسانيّة،سواء سيق من طرف صالح أو فاسق،لأنّه رزق من حيث

ص: 50

لا يحتسب،و هو مقبول،و خلافه مردود.و لا بعد في هذا، لأنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين،و بينهما بون بعيد.

و أيضا الخبيث من الأموال:ما لم يخرج منها حقّ اللّه، و الطّيّب:ما أخرجت منه الحقوق.و الخبيث:ما أنفق في وجوه الفساد،و الطّيّب:ما أنفق في وجوه الطّاعات.

و الطّيّب من الأموال:ما وافق نفع الفقراء في أوقات الضّرورات،و الخبيث:ما دخل عليهم في وقت استغنائهم فاشتغلت خواطرهم بها.

و منها:المؤمن و الكافر،و العادل و الفاسق،فالمؤمن كالعسل،و الكافر كالسّمّ،و العادل كشجرة الثّمرة، و الفاسق كشجرة الشّوك،فلا يستويان على كلّ حال.

و منها:الأخلاق الطّيّبة و الأخلاق الخبيثة،فمثل التّواضع و القناعة و التّسليم و الشّكر مقبول،و مثل الكبر و الحرص و الجزع و الكفران مردود،لأنّ الأوّل من صفات الرّوح،و الثّاني من صفات النّفس،و الرّوح طيّب علويّ و النّفس خلافه.

و من أخلاق النّفس حبّ المال،و الكبار قد عدّوا المال الطّيّب حجابا،فما ظنّك بالخبيث منه،فلا بدّ من تصفية الباطن و تخليته عن حبّ ما سوى اللّه تعالى.

و منها:العلوم النّافعة و العلوم الغير النّافعة،فالنّافعة كعلوم الشّريعة،و غير النّافعة كعلوم الفلاسفة.

و منها:الأعمال الصّالحة و الأعمال غير الصّالحة،فما أريد به وجه اللّه تعالى فهو صالح،و ما أريد به الرّياء و السّمعة فهو غير صالح.

قال في«التّأويلات النّجميّة»:الخبيث:ما يشغلك عن اللّه،و الطّيّب:ما يوصلك إلى اللّه.و أيضا الطّيّب:هو اللّه الواحد،و الخبيث:ما سواه،و فيه كثرة. وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ الواو لعطف الشّرطيّة على مثلها المقدّر، أي لو لم يعجبك كثرة الخبيث و لو أعجبتك،و كلتاهما في موضع الحال من فاعل(لا يستوى)أي لا يستويان كائنين على كلّ حال مفروض.و جواب(لو)محذوف، و المعنى و التّقدير:أنّ الخبيث و لو أعجبتك كثرته يمتنع أن يكون مساويا للطّيّب،فإنّ العبرة بالجودة و الرّداءة دون القلّة و الكثرة،فإنّ المحمود القليل خير من المذموم الكثير،بل كلّما كثر الخبيث كان أخبث.و معنى الإعجاب:السّرور بما يتعجّب منه،يقال:يعجبني أمر كذا،أي يسرّني.و الخطاب في(اعجبك)لكلّ واحد من الّذين أمر النّبيّ عليه السّلام بخطابهم.(2:447)

شبّر:إنسانا كان أو عملا أو مالا أو غير ذلك.

(2:218)

الآلوسيّ: [نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و تقديم الخبيث في الذّكر للإشعار من أوّل الأمر،بأنّ القصور الّذي ينبئ عنه عدم الاستواء فيه لا في مقابله.(7:37)

مغنيّة:هذه الآية ترادف قوله تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ الحشر:20،و كثرة الخبيث:ما يملكه من جاه و مال.و العاقل لا يستوي لديه الخبيث و الطّيّب،و إن كثر ماله،و اتّسع جاهه،لأنّ الجاه و المال لا يجعلان الخبيث طيّبا،و لا الفقر و خمول الذّكر يجعلان الطّيّب خبيثا.

و الرّجل الخبيث في مقياس الدّين:من عصى أحكام اللّه في كتابه و سنّة نبيّه،و الخبيث في عرف النّاس:من

ص: 51

يخافون من شرّه،و لا يأمنونه على أمر من أمورهم،و لا يصدّقونه في قول أو فعل.و بديهة أنّ من كانت هذه صفاته فهو خبيث عند اللّه أيضا،قال رسول اللّه:«أشرف الإيمان أن يأمنك النّاس».أمّا الطّيّب فعلى عكس الخبيث في جميع أوصافه.

هل الرّزق صدفة أو قدر؟

و تسأل:إذا كان الخبيث مغضوبا عليه عند اللّه، و الطّيّب مرضيّا لديه تعالى،فلما ذا ينجح الخبيث في هذه الحياة،و ينعم بالجاه و الثّراء،و يرسب الطّيّب،و لا يكاد يتحقّق له مطلب،حتّى قال من قال:«هذا الّذي ترك الأوهام حائرة»؟

الجواب:إنّ للحياة سننا و قوانين تجري عليها،و لا تتخطّاها بحال،لأنّ تصوّر الفوضى في الكون يرفضه الحسّ و المشاهدة...و هذه السّنن و القوانين من صنع اللّه تعالى،لأنّه هو خالق الطّبيعة و ما فيها.و بديهة أنّ قوانين الطّبيعة تأبى أن تمطر السّماء مالا و صحّة و علما،و إنّما تأتي هذه و أمثالها من طرقها و أسبابها الطّبيعيّة.فالعلم من التّعلّم،و الصّحّة من الغذاء و الوقاية،و المال من العمل، فمن تعلّم علم،و من اتّقى أسباب الدّاء سلم،و من انتحر مات،و من زرع حصد،سواء أ كان طيّبا أم خبيثا،مؤمنا أم كافرا،فالطّيبة أو الإيمان لا ينبت قمحا،و لا يشفي داء، و لا يجعل الجاهل عالما.كلّ هذه و ما أشبه تجري على سنن الطّبيعة،و سنن الطّبيعة تجري على مشيئة اللّه،ما في ذلك ريب،لأنّه هو الّذي جعل التّعلّم سببا للعلم، و الوقاية سببا من أسباب الصّحّة،و الزّراعة سببا للحصاد.إنّه خالق كلّ شيء،و إليه ينتهي كلّ شيء.

أجل،إنّ لكسب المال سبلا و أبوابا كثيرة،و قد أحلّ اللّه بعضا،و حرّم بعضا،أحلّ اللّه سبحانه التّجارة و الزّراعة و الصّناعة،و حرّم الرّبا و الغشّ و الرّشوة و السلب و النّهب و الاحتكار و الاتّجار بالمبادئ،فمن يكسب المال من حلّه ينسب كسبه إليه،لأنّه قد جدّ و اجتهد في طلبه،و أيضا ينسب إلى اللّه،لأنّه هو الّذي أوجد هذه الأسباب،و أباحها لكلّ راغب طيّبا كان أو خبيثا.أمّا من يكسب المال من غير حلّه كالرّبا و السّلب، فإنّ كسبه ينسب إلى كاسبه،و إلى الأوضاع الّتي مهّدت له،و لا ينسب إلى اللّه،لأنّه تعالى قد حرّم هذه السّبل على الطّيّب و الخبيث.

و تقول:هذا صحيح،و لكنّه لا يجيب عن السّؤال، و لا يحلّ المشكلة.فلقد رأينا كلاّ من الطّيّب و الخبيث يسلك الطّريق المشروع للرّزق،و يطلبه من السّبيل الّذي أحلّه اللّه و أمر به،و مع ذلك يتّسع الرّزق على الخبيث،و يضيق على الطّيّب،و ربّما بذل هذا من الجهد أضعاف ما بذله ذاك،بل قد يأتي الرّزق للخبيث من حيث لا يتوقّعه،و لا يؤهّله له استعداده و جهاده.و يمتنع عن الطّيّب من حيث يتوقّعه،و يؤهّله له جهاده و استعداده.

الجواب:إنّ بعض النّاس يلجئون في تفسير ذلك إلى الصّدفة أو الحظّ،و إن دلّ هذا على شيء،فإنّما يدلّ على عجزهم عن التّفسير الصّحيح،و إلاّ لم يلجئوا إلى ما يخبط خبط عشواء،و يرمي عن غير قصد و تصميم.

لذلك نعفي نحن الحظّ و الصّدفة من كلّ المسئوليّات و التّبعات،و نؤمن إيمانا قاطعا بأنّ هناك إرادة عليا قد

ص: 52

تدخّلت لأسباب نجهلها،لأنّ العلم فيها و في أمثالها لا يزال في مراحل طفولته،و جهل العلم بها لا يعني أنّها غير موجودة.و الّذي يؤكّد إيماننا هذا قوله تعالى: وَ اللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ النّحل:71،و قوله:

اَللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ الرّعد:27، و جاءت هذه الآية بنصّها الحرفيّ أحيانا في سورة الإسراء رقم:30،و في القصص:82،و في العنكبوت:

62،و في الرّوم:37،و في سبأ:36 و 39،و في الزّمر:52، و في الشّورى:12.

و لكن ليس معنى يبسط الرّزق،و يفضّل في الرّزق، أنّه تعالى يمطر من السّماء مالا على من يشاء.كلاّ،بل يبسط الرّزق من طريقه المعروف المألوف،و يقدّر أيضا عن هذا الطّريق،فيمهّده و يوسّعه على بعض،و يجعله عسيرا ضيّقا على البعض الآخر.و لكن لا علاقة بين الضّيق في الرّزق،و بين الخبث و معصية اللّه،فلقد كان الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و سلّم يربط على بطنه حجر المجاعة،و قال موسى:ربّي إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير».و أيضا لا علاقة بين السّعة في الرّزق،و بين الطّيبة و طاعة اللّه، فقد نادى فرعون في قومه: أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ أَمْ -أي بل - أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ -يشير إلى موسى - وَ لا يَكادُ يُبِينُ* فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ الزّخرف:51-53.

و على هذا،فمن قال أو يقول:إنّ اللّه أغنى فلانا لأنّه طيّب،فإنّه يتكلّم بمنطق فرعون،و يزن بميزان الشّيطان.

لقد شاءت حكمته جلّ ثناؤه أن يثيب على الحسنة، و يعاقب على السّيّئة في الدّار الباقية،لا في هذه الدّار الفانية،إنّ هذه دار أعمال،و تلك لنقاش الحساب عليها.

هذا،إلى أن كثرة الخبيث قد تكون وبالا عليه،و سببا لشدّة عذابه و عقابه ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَ يَتَمَتَّعُوا وَ يُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ الحجر:3، يَتَمَتَّعُونَ وَ يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَ النّارُ مَثْوىً لَهُمْ محمّد:12.

و الخلاصة إنّ الرّزق يستند إلى أمرين:السّعي، و إرادة اللّه معا،فمن ترك السّعي عاش كلاّ على النّاس، و من سعى رزقه اللّه من سعيه إن شاء كثيرا،و إن شاء قليلا.و تكمن هذه الحقيقة في فطرة الإنسان،و يمارسها تلقائيّا،و دون أن يلتفت إليها.فالتّاجر يسأل اللّه سبحانه أن يرزقه برواج بضاعته و إقبال النّاس عليها،و الفلاّح يسأله أن ينزل الغيث على زرعه،و لا يسأله أن ينبت له الزّرع بلا غيث،و ها أنا أدعو اللّه لولدي بالتّوفيق في دراسته و النّجاح في امتحانه،و لا أدعوه أن يلهم الجامعة لتقدّم له الشّهادة بلا دراسة و امتحان.و في الأمثال«من سعى رعى»،و ربّما خاب المسعى و طاش السّهم.و مع ذلك ينبغي إحكام التّخطيط،و مضاعفة الجهد،لأنّ مضاعفة الجهد،و إتقان العمل،و الصّبر على المشاقّ سبب لمشيئة النّجاح منه جلّ و علا.(3:131)

الطّباطبائيّ: الآية كأنّها مستقلّة مفردة لعدم ظهور اتّصالها بما قبلها و ارتباط ما بعدها بها،فلا حاجة إلى التّمحّل في بيان اتّصالها بما قبلها،و إنّما تشتمل على مثل كلّي ضربه اللّه سبحانه،لبيان خاصّة يختصّ بها الدّين الحقّ من بين سائر الأديان و السّير العامّة الدّائرة، و هي أنّ الاعتبار بالحقّ و إن كان قليلا أهله و شاردة

ص: 53

فئته،و الرّكون إلى الخير و السّعادة و إن أعرض عنه الأكثرون و نسيه الأقوون،فإنّ الحقّ لا يعتمد في نواميسه إلاّ على العقل السّليم،و حاشا العقل السّليم أن يهدي إلاّ إلى صلاح المجتمع الإنسانيّ،فيما يشدّ أزره من أحكام الحياة و سبل المعيشة الطّيّبة،سواء وافق أهواء الأكثرين أو خالف،و كثيرا ما يخالف،فهو ذا النّظام الكونيّ و هو عند الآراء الحقّة،لا يتبع شيئا من أهوائهم،و لو اتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السّماوات و الأرض.

قوله تعالى: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ كأنّ المراد بعدم استواء الخبيث و الطّيّب،أنّ الطّيّب خير من الخبيث،و هو أمر بيّن فيكون الكلام مسوقا للكناية؛و ذلك أن الطّيّب بحسب طبعه و بقضاء من الفطرة أعلى درجة و أسمى منزلة من الخبيث،فلو فرض انعكاس الأمر و صيرورة الخبيث خيرا من الطّيّب لعارض يعرضه،كان من الواجب أن يتدرّج الخبيث في الرّقيّ و الصّعود حتّى يصل إلى حدّ يحاذي الطّيّب في منزلته،و يساويه ثمّ يتجاوزه فيفوقه، فإذا نفي استواء الخبيث و الطّيّب كان ذلك أبلغ في نفي خيريّة الخبيث من الطّيّب.

و من هنا يظهر وجه تقديم(الخبيث)على(الطّيّب) فإنّ الكلام مسوق لبيان أنّ كثرة الخبيث لا تصيّره خيرا من الطّيّب،و إنّما يكون ذلك بارتفاع الخبيث من حضيض الرّداءة و الخسّة إلى أوج الكرامة و العزّة،حتّى يساوي الطّيّب في مكانته ثمّ يعلو عليه.و لو قيل:«لا يستوي الطّيّب و الخبيث»كانت العناية الكلاميّة متعلّقة ببيان أنّ الطّيّب لا يكون أردأ و أخسّ من الخبيث،و كان من الواجب حينئذ أن يذكر بعده أمر قلّة الطّيّب،مكان كثرة الخبيث،فافهم ذلك.

و الطّيّب و الخباثة على ما لهما من المعنى و صفان حقيقيّان لأشياء حقيقيّة خارجيّة،كالطّعام الطّيّب أو الخبيث،و الأرض الطّيّبة أو الخبيثة،قال تعالى: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً الأعراف:58،و قال تعالى: وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ الأعراف:32،و إن أطلق الطّيّب و الخباثة أحيانا على شيء من الصّفات الوضعيّة الاعتباريّة، كالحكم الطّيّب أو الخبيث و الخلق الطّيّب أو الخبيث،فإنّما ذلك بنوع من العناية.(6:147)

فضل اللّه :في القرآن الكريم أكثر من آية تتناول طرق التّربية الإنسانيّة وفق المنهج الّذي تريد أن تركزه في حياة الإنسان كقاعدة عامّة للحركة.و قد كان من المنهج الّذي أراده القرآن،أنّ على الإنسان أن يبتعد في ميزانه للأشياء في دائرة التّقويم،عن النّظر إلى جانب «الكمّ»بل يجب أن يقترب من النّظرة إلى الأشياء بمنظار «الكيف»و«النّوع»،لأنّ الكثرة لا تعبّر عن طبيعة الشّيء في ذاته،بل هي تعبير عن حجمه.و من الطّبيعيّ أنّ القيمة تنطلق من الخصائص الذّاتيّة للشّيء لا من الحجم الخاصّ به،لأنّ تلك الخصائص هي الّتي تميّز عمق القوّة فيه و امتدادها،بينما يمثّل«الكمّ»حجم المساحة.

و لهذا أكّد القرآن مواجهة الكثرة في واقع الحياة،في عمليّة ملاحقة للنّماذج الّتي تمثّلها،فانتهى إلى نتيجة حاسمة تقرّر أنّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ الأعراف:

187،و لا يُؤْمِنُونَ الأنعام:109،و لا يَفْقَهُونَ

ص: 54

الأنفال:65،و أنّ القلّة هي الّتي تمثّل الإيمان و الوعي و العلم و التّقوى،و أنّ القلّة قد تغلب الكثرة إذا كانت الخصائص الذّاتيّة للقلّة أقوى من الحجم العدديّ للكثرة؛و ذلك من أجل تفريغ الدّاخل من السّقوط أمام المظهر الفخم للكثرة.

و قد جاءت هذه الآية لتثير أمام الإنسان بعضا من مفردات هذا المنهج،فهناك مفهوم الخبيث و مفهوم الطّيّب،في ما يتمثّلان به في حركة الواقع في الأشخاص و الأشياء و العلاقات.فهناك إنسان خبيث في نواياه السّيّئة،و في كلماته الحاقدة و أفعاله الشّرّيرة،و هناك إنسان طيّب في دوافعه و أفكاره الحسنة،و في أقواله النّافعة،و في ممارساته الخيرة.و هناك الطّعام الطّيّب و الخبيث في مذاقه و في تأثيراته،و هناك الأرض الطّيّبة و الخبيثة في ما ينبت فيها،و ما يتمثّل فيها من حالة الخصب و الجدب.

و ربّما يتنامى الخبيث و يتكاثر،و يسيطر على السّاحة بفعل الظّروف الموضوعيّة المحيطة به،و ربّما يقلّ الطّيّب و يضعف بفعل التّحدّيات الّتي تواجهه و المؤثرات السّلبيّة الّتي تفعل السّيّئ،فتؤخّر نموّه و تضعف حركته.

و لكنّ ذلك لن يجعل من الخبيث قيمة إنسانيّة أو حياتيّة أو طبيعيّة،و لن يغيّر شيئا ممّا يحمله الطّيّب من قيمة في ميزان اللّه و الحياة،لأنّ اللّه ينظر إلى الأشخاص و الأشياء من خلال ما فيها من عوامل الخير و مؤثراته،فيرفض ما كان فيها بعيدا عن الخير،و يرضى عمّا كان قريبا منه.

و تبقى للطّيّب في نطاق ذلك قيمته و مكانته،و تظلّ للخبيث وضاعته و حقارته،و هكذا في ما تتمثّله الحياة لنفسها من خير و شرّ.(8:352)

خبيثة

وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ. إبراهيم:26

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:الحنظلة.(الطّبريّ 7:444)

ابن عبّاس: كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ هو الشّرك باللّه كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ و هو المشرك،يقول:الشّرك مذموم ليس له مدحة،كما أنّ المشرك مذموم ليس له مدحة.

و يقال: كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ و هي الحنظلة،ليس لها منفعة و لا حلاوة،فكذلك الشّرك ليس فيه منفعة و لا مدحة.

(213)

نحوه أنس و مجاهد.(الطّبريّ 7:445)

هذا مثل ضربه اللّه،و لم تخلق هذه الشّجرة على وجه الأرض.(الطّبريّ 7:445)

ضرب اللّه مثل الشّجرة الخبيثة كمثل الكافر،يقول:

إنّ الشّجرة الخبيثة اجتثّت من فوق الأرض،ما لها من قرار.يقول:الكافر لا يقبل عمله،و لا يصعد إلى اللّه، فليس له أصل ثابت في الأرض،و لا فرع في السّماء.

يقول:ليس له عمل صالح في الدّنيا و لا في الآخرة.

(الطّبريّ 7:445)

نحوه الضّحّاك و قتادة و الرّبيع.(الطّبريّ 7:446)

كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ غير زاكية،و هي شجرة الحنظل.(الطّبرسيّ 3:313)

أنس بن مالك:الشّريان يعني الحنظل.

(الطّبريّ 7:444)

ص: 55

الحسن:إنّها شجرة هذه صفتها،و هو أنّه لا قرار لها في الأرض.(الطّبرسيّ 3:313)

الإمام الباقر:إنّ هذا مثل بني أميّة.

(الطّبرسيّ 3:313)

قتادة :إنّ رجلا لقي رجلا من أهل العلم،فقال:ما تقول في الكلمة الخبيثة؟

فقال:ما أعلم لها في الأرض مستقرّا،و لا في السّماء مصعدا إلاّ أن تلزم عنق صاحبها،حتّى يوافى بها يوم القيامة.(الطّبريّ 7:446)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و مثل الشّرك باللّه و هي الكلمة الخبيثة كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اختلف أهل التّأويل فيها أيّ شجرة هي؟فقال أكثرهم:هي الحنظل.

و قال آخرون:هذه الشّجرة لم تخلق على الأرض.

و قد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بتصحيح قول من قال:

هي الحنظلة خبر،فإن صحّ فلا قول يجوز أن يقال غيره، و إلاّ فإنّها شجرة بالصّفة الّتي وصفها اللّه بها.(7:444)

الزّجّاج: قيل:إنّ الشّجرة الخبيثة الحنظل و قيل:

الكوث (1).(3:161)

الفارسيّ: هو كلّ كلام في معصية اللّه تعالى.(الطّبرسيّ 3:313)

الماورديّ: كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ فيها قولان:أحدهما:

أنّها الكفر،الثّاني:أنّها الكافر نفسه. كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ فيها ثلاثة أقاويل.[الأوّل و الثّاني قولا أنس و ابن عبّاس و قد تقدّما]و الثّالث:أنّها الكشوث.(3:134)

البغويّ: هي الحنظل،و قيل:هي الثّوم،و قيل:هي الكشوث و هي العشقة.(3:38)

الطّوسيّ: لمّا ضرب اللّه للكلمة الطّيّبة بالشّجرة الطّيّبة الّتي ذكرها و أكلها،ضرب المثل للكلمة الخبيثة بالشّجرة الخبيثة الّتي تجتثّ.[إلى أن قال:]

و الكلمة إنّها تكون خبيثة إذا خبث معناها و هي كلمة الكفر،و الطّيّبة كلمة الإيمان،و الخبث فساد يؤدّي إلى فساد.(6:293)

الزّمخشريّ: كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ كمثل شجرة خبيثة،أي صفتها كصفتها.و قرئ (و مثل كلمة) بالنّصب عطفا على كَلِمَةً طَيِّبَةً إبراهيم:24.

و الكلمة الخبيثة:كلمة الشّرك،و قيل:كلّ كلمة قبيحة.و أمّا الشّجرة الخبيثة:فكلّ شجرة لا يطيب ثمرها كشجرة الحنظل و الكشوث،و نحو ذلك.(2:376)

ابن عطيّة: حكى الكسائيّ و الفرّاء أنّ في قراءة أبيّ بن كعب (ضرب اللّه مثلا كلمة خبيثة) .و الكلمة الخبيثة:

هي كلمة الكفر و ما قاربها من كلام السّوء في الظّلم و نحوه،و الشّجرة الخبيثة قال أكثر المفسّرين:هي شجرة الحنظل،قاله أنس بن مالك،و رواه عن النّبيّ عليه السّلام.و هذا عندي على جهة المثال.و قالت فرقة:هي الثّوم.

و على هذه الأقوال من الاعتراض أنّ هذه كلّها من النّجم و ليست من الشّجرة،و اللّه تعالى إنّما مثّل بالشّجرة، فلا تسمّى هذه شجرة إلاّ بتجوّز،فقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في الثّوم و البصل«من أكل من هذه الشّجرة».و أيضا فإنّ هذه كلّها ضعيفة و إن لم تجتثّ،اللّهمّ إلاّ أن نقول:اجتثّت بالخلقة.

و الظّاهر عندي أنّ التّشبيه وقع بشجرة غير معيّنة،ث.

ص: 56


1- الظّاهر:الكشوث.

إذا وجدت فيها هذه الأوصاف،فالخبث هو أن تكون كالعضاه أو كشجر السّموم أو نحوها إذا اجتثّت-أي اقتلعت حيث جثّتها بنزع الأصول،و بقيت في غاية الوهاء و الضّعف-لتقلبها أقلّ ريح،فالكافر يرى أنّ بيده شيئا و هو لا يستقرّ،و لا يغني عنه كهذه الشّجرة الّتي يظنّ بها على بعد،أو الجهل بها أنّها شيء نافع،و هي خبيثة الجني غير باقية.(3:336)

نحوه أبو حيّان.(5:422)

الطّبرسيّ: إنّما هو مثل ضربه بهذا،و هذا القول حسن،لأنّ الحنظل و غيره قد ينتفع بذلك في الأدوية.

(3:313)

الفخر الرّازيّ: فاعلم أنّ الشّجرة الخبيثة هي الجهل باللّه،فإنّه أوّل الآفات و عنوان المخافات و رأس الشّقاوات،ثمّ إنّه تعالى شبّهها بشجرة موصوفة بصفات ثلاثة:

الصّفة الأولى:أنّها تكون خبيثة،فمنهم من قال:إنّها الثّوم،لأنّه صلّى اللّه عليه و سلّم وصف الثّوم بأنّها شجرة خبيثة.و قيل:

إنّها الكراث،و قيل:إنّها شجرة الحنظل لكثرة ما فيها من المضارّ،و قيل:إنّها شجرة الشّوك.

و اعلم أنّ هذا التّفصيل لا حاجة إليه،فإنّ الشّجرة قد تكون خبيثة بحسب الرّائحة و قد تكون بحسب الطّعم، و قد تكون بحسب الصّورة و المنظر،و قد تكون بحسب اشتمالها على المضارّ الكثيرة.و الشّجرة الجامعة لكلّ هذه الصّفات و إن لم تكن موجودة،إلاّ أنّها لمّا كانت معلومة الصّفة كان التّشبيه بها نافعا في المطلوب.(19:121)

أبو السّعود :هي كلمة الكفر و الدّعاء إليه،أو تكذيب الحقّ،أو ما يعمّ الكلّ،أو كلّ كلمة قبيحة، كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ أي كمثل شجرة خبيثة.

قيل:هي كلّ شجرة لا يطيب ثمرها كالحنظل و الكشوث و نحوهما،و تغيير الأسلوب للإيذان بأنّ ذلك غير مقصود الضّرب و البيان،و إنّما ذلك أمر ظاهر يعرفه كلّ أحد.(3:483)

البروسويّ: مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ هي كلمة الكفر، و يدخل فيها كلّ كلمة قبيحة من الدّعاء إلى الكفر، و تكذيب الحقّ و نحوهما: كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ كمثل شجرة خبيثة،أي صفتها كصفتها و هي الحنظل،و يدخل فيها كلّ ما لا يطيب ثمرها من الكسوب؛و هو نبت يتعلّق بأغصان الشّجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض، و يقال له:اللّبلاب و العشقة و الثّوم،و قد يقال:إنّها من النّجم لا الشّجر،و الظّاهر أنّه من باب المشاكلة.

قال في«التّبيان»:و خبثها غاية مرارتها و مضرّتها، و كلّ ما خرج عن اعتداله فهو خبيث.و قال الشّيخ الغزاليّ رحمه اللّه:شبّه العقل بشجرة طيّبة،و الهوى بشجرة خبيثة،فقال: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ إلخ،انتهى.فالنّفس الخبيثة الأمّارة كالشّجرة الخبيثة،تتولّد منها الكلمة الخبيثة، و هي كلمة تتولّد من خباثة النّفس الخبيثة،الظّالمة لنفسها بسوء اعتقادها في ذات اللّه و صفاته،أو باكتساب المعاصي،و الظّالمة لغيرها بالتّعرّض لعرضه أو ماله.(4:415)

الآلوسيّ: روى الإماميّة-و أنت تعرف حالهم- عن أبي جعفر رضي اللّه تعالى عنه تفسيرها ببني أميّة، و تفسير الشّجرة الطّيّبة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و عليّ كرّم اللّه

ص: 57

تعالى وجهه،و فاطمة رضي اللّه تعالى عنها و ما تولّد منهما،و في بعض روايات أهل السّنّة يعكر على تفسير الشّجرة الخبيثة ببني أميّة.

فقد أخرج ابن مردويه عن عديّ بن أبي حاتم قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه تعالى قلب العباد ظهرا و بطنا، فكان خير عباده العرب،و قلب العرب ظهرا و بطنا فكان خير العرب قريشا،و هي الشّجرة المباركة الّتي قال اللّه تعالى في كتابه: مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ» لأنّ بني أميّة من قريش.و أخبار الطّائفتين في هذا الباب ركيكة،و أحوال بني أميّة الّتي يستحقّون بها ما يستحقّون غير خفيّة عند الموافق و المخالف،و الّذي عليه الأكثرون في هذه الشّجرة الخبيثة أنّها الحنظل،و إطلاق الشّجرة عليه للمشاكلة،و إلاّ فهو نجم لا شجر،و كذا يقال في إطلاقه على الكشوث و نحوه.(13:215)

مغنيّة:كلّ كلمة تضرّ النّاس و لا تنفعهم فهي خبيثة لعينة،سواء أ كانت من مسلم أم من غير مسلم، عظيم أم حقير.(4:444)

الطّباطبائيّ: و الكلمة الخبيثة ما يقابل الكلمة الطّيّبة؛و لذا اختلفوا فيها،فقال كلّ قوم فيها ما يقابل ما قاله في الكلمة الطّيبة،و كذا اختلفوا في المراد بالشّجرة الخبيثة،فقيل:هي الحنظلة،و قيل:الكشوث:و هو نبت يلتفّ على الشّوك و الشّجر،لا أصل له في الأرض و لا ورق عليه،و قيل:شجرة الثّوم،و قيل:شجرة الشّوك، و قيل:الطّحلب،و قيل:الكمأة،و قيل:كلّ شجرة لا تطيب لها ثمرة.

و قد عرفت حال هذه الاختلافات في الآية السّابقة، و عرفت أيضا ما يعطيه التّدبّر في معنى الكلمة الطّيّبة و ما مثّلت به،و يجري ما يقابله في الكلمة الخبيثة و ما مثّلت به حرفا بحرف،فإنّما هي كلمة الشّرك مثّلت بشجرة خبيثة مفروضة اقتلعت من فوق الأرض ليس لها أصل ثابت و ما لها من قرار؛و إذ كانت خبيثة فلا أثر لها إلاّ الضّرّ و الشّرّ.(12:52)

مكارم الشّيرازيّ: و الكلمة الخبيثة هي كلمة الكفر و الشّرك،و هي القول السّيّئ و الرّديء،و هي البرنامج الضّالّ و المنحرف،و النّاس الخبثاء.و الخلاصة:

هي كلّ خبيث و نجس.

و من البديهيّ أنّ مثل هذه الشّجرة ليس لها أصل، و لا نموّ و لا تكامل و لا ثمار و لا ظلّ و لا ثبات و لا استقرار،بل هي قطعة خشبيّة لا تصلح إلاّ للاشتعال،بل أكثر من ذلك هي قاطعة للطّريق و تزاحم السّائرين، و أحيانا تؤذي النّاس.

و من الطّريف أنّ القرآن الكريم فصّل الحديث في وصف الشّجرة الطّيّبة،بينما اكتفى في وصف الشّجرة الخبيثة بجملة قصيرة واحدة اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ، و هذا نوع من لطافة البيان أن يتابع الإنسان جميع خصوصيّات ذكر«المحبوب»،بينما يمرّ بسرعة في جملة واحدة بذكر«المبغوض».

و مرّة أخرى نجد المفسّرين اختلفوا في تفسير الشّجرة الخبيثة،و هل لها واقع خارجيّ؟

قال البعض:إنّها شجرة الحنظل و الّتي لها ثمار مرّة و رديئة.

و اعتقد آخرون أنّها الكشوث و هي نوع من

ص: 58

الأعشاب المعقّدة الّتي في الصّحراء،و لها أشواك قصيرة تلتفّ حولها،و ليس لها جذر و لا أوراق.

و كما قلنا في تفسير الشّجرة الطّيّبة،ليس من اللاّزم أن يكن لها وجود خارجيّ في جميع صفاتها،بل الهدف هو تجسيم الوجه الحقيقيّ لكلمة الشّرك و البرامج المنحرفة و النّاس الخبثاء،و هؤلاء كالشّجرة الخبيثة ليس لها ثمار و لا فائدة،إلاّ المتاعب و المشاكل.

و بما أنّ الآيات السّابقة جسّمت حال الإيمان و الكفر،الطّيّب و الخبيث من خلال مثالين صريحين،فإنّ الآية الأخيرة تبحث نتيجة عملهم و مصيرهم النّهائيّ، يقول تعالى: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لأنّ إيمانهم لم يكن إيمانا سطحيّا،و شخصيّتهم لم تكن كاذبة و متلوّنة،بل كانت شجرة طيّبة أصلها ثابت و فرعها في السّماء،و بما أنّ ليس هناك من أحد لا يحتاج إلى اللّطف الإلهيّ،و بعبارة أخرى:كلّ المواهب تعود لذاته المقدّسة،فالمؤمنون المخلصون الثّابتون بالاستناد على اللّطف الإلهيّ يستقيمون كالجبال في مقابل أيّ حادثة.

و اللّه تعالى يحفظهم من الزّلاّت الّتي تعتريهم في حياتهم،و من الشّياطين الّذين يوسوسون لهم زخرف الحياة لكي يزلّوهم عن الطّريق.

و كذلك فاللّه تعالى يثبّتهم أمام القوى الجهنّميّة للظّالمين القساة،الّذين يسعون لكي يخضعوهم بأنواع التّهديد و الوعيد.

و من الطّريف أنّ هذا الحفظ و الثّبات الإلهيّ يعمّ كلّ حياتهم في هذه الدّنيا و في الآخرة،فهنا يثبتون بالإيمان و يبرءون من الذّنوب،و هناك يخلّدون في النّعيم المقيم.

[إلى أن قال:]

الشّجرة الطّيّبة و الخبيثة في الرّوايات الإسلاميّة:

كما قلنا أعلاه فإنّ كلمة«الطّيّبة»و«الخبيثة»الّتي شبّهت الشّجرتان بها،لها مفهوم واسع بحيث تشمل كلّ شخص و برنامج و مبدإ و فكر و علم و قول و عمل،و لكن وردت في بعض الرّوايات في موارد خاصّة،و هي ليست منحصرة بها.

و من جملتها ما ورد في«الكافي»عن الإمام الصّادق عليه السّلام في تفسير الآية كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ قال:«رسول اللّه أصلها، و أمير المؤمنين فرعها،و الأئمّة من ذرّيّتهما أغصانها، و علم الأئمّة ثمرها،و شيعتهم المؤمنون ورقها،هل فيها فضل؟»قال:قلت:لا و اللّه،قال:«و اللّه إنّ المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها،و إنّ المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها».

و عنه أيضا عليه السّلام حينما سأله سائل عن معنى الآية تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها قال:«ذاك علم الأئمّة يأتيكم كلّ عام من كلّ المناطق».

و في رواية أخرى:«الشّجرة الطّيّبة:رسول اللّه و عليّ و فاطمة و بنوها،و الشّجرة الخبيثة:بنو أميّة».

و في بعضها الآخر فسّرت الشّجرة الطّيّبة بالنّخل، و الخبيثة بالحنظلة.

و على أيّة حال ليس هناك من تضادّ بين هذه التّفاسير،بل بينها و بين ما قلناه أعلاه ترابط و تنسيق، لأنّها مصاديقها.(7:443)

ص: 59

الخبيثات-و الخبيثون

اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ... النّور:26

ابن عبّاس: اَلْخَبِيثاتُ من القول و الفعل لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال و النّساء،و يقال:بهم تليق.

و اَلْخَبِيثُونَ من الرّجال و النّساء لِلْخَبِيثاتِ من القول و الفعل يتّبعون،و يقال:بهم تليق.(294)

نحوه سعيد بن جبير و مجاهد و الضّحّاك و قتادة (الطّبريّ 9:294)،و الفرّاء(2:248)،و ابن قتيبة (302)،و الثّعلبيّ(7:82)،و البغويّ(3:396).

إنّ اَلْخَبِيثاتُ من السّيّئات لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال، وَ الطَّيِّباتُ من الحسنات لِلطَّيِّبِينَ من الرّجال.(الطّوسيّ 7:424)

مجاهد : اَلْخَبِيثاتُ من الكلام لِلْخَبِيثِينَ من النّاس، وَ الْخَبِيثُونَ من النّاس لِلْخَبِيثاتِ من القول، وَ الطَّيِّباتُ من القول لِلطَّيِّبِينَ من النّاس، وَ الطَّيِّبُونَ من النّاس لِلطَّيِّباتِ من القول.

نحوه ابن أبي نجيح.(الطّبريّ 9:293)

الإمام الباقر عليه السّلام:هي مثل قوله: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً النّور:3،الآية،إنّ أناسا همّوا أن يتزوّجوا منهنّ،فنهاهم اللّه عن ذلك و كره ذلك لهم.

مثله الإمام الصّادق عليه السّلام،و أبو مسلم الأصفهانيّ و الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 4:135)

ابن زيد :نزلت في عائشة حين رماها المنافق بالبهتان و الفرية،فبرّأها اللّه من ذلك،و كان عبد اللّه بن أبيّ هو خبيث،و كان هو أولى بأن تكون له الخبيثة و يكون لها،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم طيّبا،و كان أولى أن تكون له الطّيّبة،و كانت عائشة الطّيّبة و كان أولى أن يكون لها الطّيّب.(الطّبريّ 9:395)

اَلْخَبِيثاتُ من النّساء لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال، وَ الْخَبِيثُونَ من الرّجال لِلْخَبِيثاتِ من النّساء، وَ الطَّيِّباتُ من النّساء لِلطَّيِّبِينَ من الرّجال، وَ الطَّيِّبُونَ من الرّجال لِلطَّيِّباتِ من النّساء.

(الماورديّ 4:84)

الجبّائيّ: اَلْخَبِيثاتُ من النّساء الزّواني لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال الزّناة على التّعبّد الأوّل،ثمّ نسخ.(الطّوسيّ 7:424)

الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و أولى هذه الأقوال بتأويل الآية،قول من قال:عنى ب اَلْخَبِيثاتُ: الخبيثات من القول،و ذلك قبيحة و سيّئة لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال و النّساء، وَ الْخَبِيثُونَ من النّاس لِلْخَبِيثاتِ من القول هم بها أولى،لأنّهم أهلها، وَ الطَّيِّباتُ من القول،و ذلك حسنة و جميلة لِلطَّيِّبِينَ من النّاس، وَ الطَّيِّبُونَ من النّاس لِلطَّيِّباتِ من القول،لأنّها أهلها،و أحقّ بها.

و إنّما قلنا هذا القول أولى بتأويل الآية،لأنّ الآيات قبل ذلك إنّما جاءت بتوبيخ اللّه للقائلين في عائشة الإفك،و الرّامين المحصنات الغافلات المؤمنات، و إخبارهم ما خصّهم به على إفكهم،فكان ختم الخبر عن أولى الفريقين بالإفك من الرّامي و المرميّ به،أشبه من الخبر عن غيرهم.(18:108)

ص: 60

النّحّاس:[نقل قول سعيد بن جبير و مجاهد ثمّ قال:]

و هذا أحسن ما قيل في هذه الآية،و المعنى:الكلمات الخبيثات لا يقولهنّ إلاّ الخبيثون و الخبيثات من النّاس، و الكلمات الطّيّبات لا يقولهنّ إلاّ الطّيّبون و الطّيّبات من النّاس.(4:515)

الماورديّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و تأوّل بعض أصحاب الخواطر اَلْخَبِيثاتُ:

الدّنيا، وَ الطَّيِّباتُ: الآخرة.(4:85)

الطّوسيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و الخبيث:الفاسد الّذي يتزايد في الفساد تزايد النّامي في النّبات،و نقيضه الطّيّب.و الحرام كلّه خبيث، و الحلال كلّه طيّب.(7:424)

الواحديّ: أي اَلْخَبِيثاتُ من الكلام و القول لِلْخَبِيثِينَ من النّاس، وَ الْخَبِيثُونَ من النّاس لِلْخَبِيثاتِ من الكلام.و المعنى أنّ الخبيث من القول لا يليق إلاّ بالخبيث من النّاس،و كلّ كلام إنّما يحسن في أهله فيضاف شيء القول إلى من يليق به ذلك،و كذلك الطّيّب من القول.و عائشة لا يليق بها الخبيثات من الكلام،فلا يصدق فيها لأنّها طيّبة،فيضاف إليها طيّبات الكلام من الثّناء الحسن،و ما يليق بها.

و قال الزّجّاج:معناه لا يتكلّم بالخبيثات إلاّ الخبيث من الرّجال و النّساء،و لا يتكلّم بالطّيّبات إلاّ الطّيّب من الرّجال و النّساء،و هذا ذمّ للّذين قذفوا عائشة بالخبيث و مدح للّذين برّءوها بالطّهارة.

و قال ابن زيد: اَلْخَبِيثاتُ من النّساء لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال وَ الْخَبِيثُونَ من الرّجال لِلْخَبِيثاتِ من النّساء،أمثال عبد اللّه بن أبيّ و الشّاكّين في الدّين. وَ الطَّيِّباتُ من النّساء لِلطَّيِّبِينَ من الرّجال، وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ يريد عائشة طيّبها اللّه لرسوله،و هذا قول ابن عبّاس في رواية عطاء.(3:314)

الزّمخشريّ: اَلْخَبِيثاتُ من القول تقال أو تعدّد لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال و النّساء، وَ الْخَبِيثُونَ منهم يتعرّضون لِلْخَبِيثاتِ من القول،و كذلك اَلطَّيِّباتُ وَ الطَّيِّبُونَ. (اولئك)إشارة إلى الطّيّبين و أنّهم مبرّءون ممّا يقول الخبيثون من خبيثات الكلم، و هو كلام جار مجرى المثل لعائشة،و ما رميت به من قول،لا يطابق حالها في النّزاهة و الطّيب.

و يجوز أن يكون(اولئك)إشارة إلى أهل البيت، و أنّهم مبرّءون ممّا يقول أهل الإفك،و أن تراد بالخبيثات و الطّيّبات:النّساء،أي الخبائث يتزوّجن الخباث، و الخباث الخبائث،و كذلك أهل الطّيب.(3:58)

نحوه النّسفيّ.(3:138)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ الخبيثات يقع على الكلمات الّتي هي القذف الواقع من أهل الإفك،و يقع أيضا على الكلام الّذي هو كالذّمّ و اللّعن،و يكون المراد من ذلك لا نفس الكلمة الّتي هي من قبل اللّه تعالى،بل المراد مضمون الكلمة،و يقع أيضا على الزّواني من النّساء.

و في هذه الآية كلّ هذه الوجوه محتملة،فإن حملناها على القذف الواقع من أهل الإفك،كان المعنى الخبيثات

ص: 61

من قول أهل الإفك للخبيثين من الرّجال،و بالعكس و الطّيّبات من قول منكري الإفك للطّيّبين من الرّجال، و بالعكس.

و إن حملناها على الكلام الّذي هو كالذّمّ و اللّعن، فالمعنى:أنّ الذّمّ و اللّعن معدّان للخبيثين من الرّجال، و الخبيثون منهم معرّضون للّعن و الذّمّ،و كذا القول في الطّيّبات.و(اولئك)إشارة إلى الطّيّبين،و أنّهم مبرّءون ممّا يقول الخبيثون من خبيثات الكلمات.

و إن حملناه على الزّواني،فالمعنى الخبيثات من النّساء للخبيثين من الرّجال،و بالعكس على معنى قوله تعالى اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً النّور:3،و الطّيبات من النّساء للطّيّبين من الرّجال.و المعنى أنّ مثل ذلك الرّمي الواقع من المنافقين لا يليق إلاّ بالخبيثات و الخبيثين، لا بالطّيّبات و الطّيّبين كالرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و أزواجه.

فإن قيل:فعلى هذا الوجه يلزم أن لا يتزوّج الرّجل العفيف بالزّانية،و الجواب ما تقدّم في قوله: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً. (23:194)

البيضاويّ: أي الخبائث يتزوّجن الخباث، و بالعكس.و كذلك أهل الطّيب،فيكون كالدّليل على قوله:(اولئك)يعني أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أو الرّسول و عائشة و صفوان رضي اللّه تعالى عنهم مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ؛ إذ لو صدق لم تكن زوجته عليه الصّلاة و السّلام و لم يقرّر عليها.

و قيل: اَلْخَبِيثاتُ و اَلطَّيِّباتُ من الأقوال، و الإشارة إلى الطّيّبين،و الضّمير في(يقولون)للآفكين، أي مبرّءون ممّا يقولون فيهم،أو(للخبيثين) و اَلْخَبِيثاتُ أي مبرّءون من أن يقولوا مثل قولهم.(2:122)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ اَلْخَبِيثاتُ وصف للنّساء و كذلك اَلطَّيِّباتُ أي النّساء الخبيثات للرّجال الخبيثين،و يرجّحه مقابلته بالذّكور،فالمعنى أنّ الخبيثات من النّساء ينزعن للخباث من الرّجال،فيكون قريبا من قوله: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً النّور:3، و كذلك الطّيّبات من النّساء للطّيّبين من الرّجال.

و يدلّ على هذا التّأويل قول عائشة حين ذكرت التّسع الّتي ما أعطيتهنّ امرأة غيرها،و في آخرها:«و لقد خلقت طيّبة عند طيّب،و لقد وعدت مغفرة و رزقا كريما».و هذا التّأويل نحا إليه ابن زيد،فهو تفريق بين عبد اللّه و أشباهه و الرّسول و أصحابه،فلم يجعل اللّه له الأكل طيّبة،و أولئك خبيثون فهم أهل النّساء الخبائث.

و قال ابن عبّاس و الضّحّاك و مجاهد و قتادة:هي الأقوال و الأفعال،ثمّ اختلف هؤلاء،فقال بعضهم:

الكلمات و الفعلات الخبيثة لا يقولها و لا يرضاها إلاّ الخبيثون من النّاس،فهي لهم و هم لها بهذا الوجه.و قال بعضهم:الكلمات و الفعلات لا تليق و لا تلصق عند رمي الرّامي و قذف القاذف إلاّ بالخبيثين من النّاس،فهي لهم و هم لها بهذا الوجه.(6:441)

أبو السّعود :و قوله تعالى: اَلْخَبِيثاتُ إلخ،كلام مستأنف مسوق على قاعدة السّنّة الإلهيّة الجارية فيما بين الخلق،على موجب أنّ للّه تعالى ملكا يسوق الأهل إلى الأهل،أي اَلْخَبِيثاتُ من النّساء لِلْخَبِيثِينَ من الرّجال،أي مختصّات بهم،لا يكدن يتجاوزنهم إلى

ص: 62

غيرهم،على أنّ«اللاّم»للاختصاص. وَ الْخَبِيثُونَ أيضا لِلْخَبِيثاتِ، لأنّ المجانسة من دواعي الانضمام، وَ الطَّيِّباتُ منهنّ لِلطَّيِّبِينَ منهم، وَ الطَّيِّبُونَ أيضا لِلطَّيِّباتِ منهنّ؛بحيث لا يكادون يجاوزوهنّ إلى من عداهنّ.

و حيث كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أطيب الأطيبين و خيرة الأوّلين و الآخرين،تبيّن كون الصّدّيقة رضي اللّه عنها من أطيب الطّيّبات بالضّرورة،و اتّضح بطلان ما قيل في حقّها من الخرافات،حسبما نطق به قوله تعالى: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ. على أنّ الإشارة إلى أهل البيت المنتظمين للصّدّيقة انتظاما أوّليّا،و قيل:إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و الصّدّيقة و صفوان،و ما في اسم الإشارة من معنى البعد للإيذان بعلوّ رتبة المشار إليهم،و بعد منزلتهم في الفضل،أي أولئك الموصوفون بعلوّ الشّأن مبرّءون ممّا تقوّله أهل الإفك في حقّهم،من الأكاذيب الباطلة.

و قيل:الخبيثات من القول للخبيثين من الرّجال و النّساء،أي مختصّة و لائقة بهم،لا ينبغي أن تقال في حقّ غيرهم.و كذا الخبيثون من الفريقين أحقّاء بأن يقال في حقّهم خبائث القول،و الطّيّبات من الكلم للطّيّبين من الفريقين مختصّة و حقيقة بهم،و هم أحقّاء بأن يقال في شأنهم طيّبات الكلم،أولئك الطّيّبون مبرّءون ممّا يقول الخبيثون في حقّهم،فمآله تنزيه الصّدّيقة أيضا.

و قيل:خبيثات القول مختصّة بالخبيثين من فريقي الرّجال و النّساء،لا تصدر عن غيرهم،و الخبيثون من الفريقين مختصّون بخبائث القول متعرّضون لها،و الطّيبات من الكلام للطّيّبين من الفريقين،أي مختصّة بهم لا تصدر عن غيرهم،و الطّيّبون من الفريقين مختصّون بطيّبات الكلام،لا يصدر عنهم غيرها،أولئك الطّيّبون مبرّءون ممّا يقوله الخبيثون من الخبائث،أي لا يصدر عنهم مثل ذلك،فمآله تنزيه القائلين،سبحانك هذا بهتان عظيم.(4:450)

نحوه البروسويّ.(6:135)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و في الآية على جميع الأقوال تغليب،أي أولئك منزّهون ممّا يقوله أهل الإفك في حقّهم من الأكاذيب الباطلة.و جعل الموصوف للصّفات المذكورة النّساء و الرّجال حسبما سمعت،رواه الطّبرانيّ عن ابن عبّاس ضمن خبر طويل،و رواه الإماميّة عن أبي جعفر،و أبي عبد اللّه رضي اللّه تعالى عنهما.و اختاره أبو مسلم، و الجبّائيّ و جماعة،و هو الأظهر عندي.

و جاء في رواية أخرى عن ابن عبّاس أخرجها الطّبرانيّ أيضا،و ابن مردويه و غيرهما:أنّ اَلْخَبِيثاتُ وَ الطَّيِّباتُ صفتان للكلم وَ الْخَبِيثُونَ وَ الطَّيِّبُونَ صفتان للخبيثين من النّاس.و روي ذلك عن الضّحّاك،و الحسن،و اَلْخَبِيثُونَ عليه شامل للرّجال و النّساء على سبيل التّغليب،و كذا اَلطَّيِّبُونَ.

و(اولئك)إشارة إلى الطّيّبين،و ضمير(يقولون) للخبيثين.(18:131)

ابن عاشور :و الابتداء بذكر اَلْخَبِيثاتُ لأنّ غرض الكلام الاستدلال على براءة عائشة و بقيّة أمّهات المؤمنين.و«اللاّم»في قوله: لِلْخَبِيثِينَ لام الاستحقاق.و اَلْخَبِيثاتُ و اَلْخَبِيثُونَ

ص: 63

و اَلطَّيِّباتُ و اَلطَّيِّبُونَ أوصاف جرت على موصوفات محذوفة يدلّ عليها السّياق.و التّقدير في الجميع:الأزواج.

و عطف وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ إطناب لمزيد العناية بتقرير هذا الحكم،و لتكون الجملة بمنزلة المثل مستقلّة بدلالتها على الحكم،و ليكون الاستدلال على حال القرين بحال مقارنه حاصلا من أيّ جانب ابتدأه السّامع.

و ذكر وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ إطناب أيضا للدّلالة على أنّ المقارنة دليل على حال القرينين في الخير أيضا.و عطف وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ كعطف وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ.

و تقدّم الكلام على الخبيث و الطّيّب عند قوله تعالى:

لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ في سورة الأنفال:37، و قوله: قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً في سورة آل عمران:38،و قوله: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ في سورة الأعراف:157.

و غلب ضمير التّذكير في قوله: مُبَرَّؤُنَ و هذه قضيّة كلّيّة،و لذلك حقّ لها أن تجري مجرى المثل، و جعلت في آخر القصّة كالتّذييل.

و المراد بالخبث:خبث الصّفات الإنسانيّة كالفواحش.و كذلك المراد بالطّيّب:زكاء الصّفات الإنسانيّة من الفضائل المعروفة في البشر،فليس الكفر من الخبث،و لكنّه من متمّماته.و كذلك الإيمان من مكمّلات الطّيّب،فلذلك لم يكن كفر امرأة نوح و امرأة لوط ناقضا لعموم قوله: اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ فإنّ المراد بقوله تعالى: كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما التّحريم:10،أنّهما خانتا زوجيهما بإبطان الكفر.و يدلّ لذلك مقابلة حالهما بحال امرأة فرعون إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ إلى قوله:

وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ التّحريم:11.(68:15)

مغنيّة:الخبيث هو القبيح من كلّ شيء،فيشمل العقيدة و النّوايا و الصّفات و الأقوال و الأفعال بشتّى أنواعها،و لا يختصّ بالزّنى،و الطّيّب هو الحسن من كلّ شيء،و أطلق القرآن الكريم كلمة الخبيث على الرّديء من الأرض و المال و الكلام و المأكول المحرّم،و على كلّ من استحقّ سخط اللّه و عذابه من شياطين الإنس و الجنّ.

و قال جماعة من المفسّرين:المراد ب«الخبيثات»هنا من خبث من النّساء،و ب«الخبيثين»من خبث من الرّجال، و ب«الطيبات»من طاب منهنّ،و ب«الطيبين»من طاب منهم،و إنّ معنى الآية:الخبيثات من النّساء للخبيثين من الرّجال،و الخبيثون منهم للخبيثات منهنّ، و كذلك الطّيّبون و الطّيّبات.

و هذا القول لا يتّفق مع الواقع،فلقد رأينا الخبيثة يتزوّجها الطّيّب،و الطّيّبة يتزوّجها الخبيث،بل لا يتّفق هذا مع صريح القرآن.قال تعالى: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما «إلى قوله:» وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ التّحريم:11،و معلوم أنّ نوحا و لوطا نبيّان معصومان،و أنّ فرعون هو القائل: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى.

ص: 64

و الّذي نراه أنّ المراد ب«الخبيثات»في الآية:ما خبث من الأقوال و الأفعال،و ب«الطيبات:»ما طاب منها،و ب«الخبيثين:»من خبث من الرّجال و النّساء تغليبا للذّكور على الإناث،و ب«الطيبين:»من طاب منهم و منهنّ أيضا من باب التّغليب،و عليه يكون المعنى:

إنّ ما خبث من الأقوال و الأفعال لا يصدر إلاّ ممّن خبث من الرّجال و النّساء،و ما طاب من الأقوال و الأفعال لا يصدر إلاّ ممّن طاب منهم و منهنّ،تماما،كما قال الشّاعر:

*و كلّ إناء بالّذي فيه ينضح*.

أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ. (اولئك)إشارة إلى الطّيّبين و الطّيّبات،و ضمير يَقُولُونَ يعود إلى الخبيثين و الخبيثات،و أنّ اللّه سبحانه ينعم بالغفران و الجنان على من طاب نفسا و فعلا.

(5:411)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ... إلخ،ذيل الآية أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ دليل على أنّ المراد ب«الخبيثات» و«الخبيثين»و«الطيبات»و«الطيبين»نساء و رجال،متلبّسون بالخباثة و الطّيّب،فالآية من تمام آيات الإفك متّصلة بها مشاركة لها في سياقها،و هي عامّة لا مخصّص لها من جهة اللّفظ البتّة.

فالمراد بالطّيّب:الّذي يوجب كونهم مبرّئين ممّا يقولون،على ما تدلّ عليه الآيات السّابقة،هو المعنى الّذي يقتضيه تلبّسهم بالإيمان و الإحصان،فالمؤمنون و المؤمنات مع الإحصان طيّبون و طيّبات يختصّ كلّ من الفريقين بصاحبه،و هم بحكم الإيمان و الإحصان مصونون مبرّءون شرعا من الرّمي بغير بيّنة،محكومون من جهة إيمانهم بأنّ لهم مغفرة،كما قال تعالى: وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ الأحقاف:31،و لهم رزق كريم، و هو الحياة الطّيّبة في الدّنيا،و الأجر الحسن في الآخرة، كما قال: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ النّحل:97.

و المراد بالخبث في الخبيثين و الخبيثات و هم غير المؤمنين،هو الحال المستقذرة الّتي يوجبها لهم تلبّسهم بالكفر.و قد خصّت خبيثاتهم بخبيثهم و خبيثوهم بخبيثاتهم بمقتضى المجانسة و المسانخة،و ليسوا بمبرّءين عن التّلبّس بالفحشاء.نعم هذا ليس حكما بالتّلبّس.

فظهر بما تقدّم:

أوّلا:أنّ الآية عامّة بحسب اللّفظ تصف المؤمنين و المؤمنات بالطّيّب،و لا ينافي ذلك اختصاص سبب نزولها و انطباقها عليه.

و ثانيا:أنّها تدلّ على كونهم جميعا محكومين شرعا بالبراءة عمّا يرمون به،ما لم تقم عليه بيّنة.

و ثالثا:أنّهم محكومون بالمغفرة و الرّزق الكريم كلّ ذلك حكم ظاهريّ لكرامتهم على اللّه بإيمانهم،و الكفّار على خلاف ذلك.(15:95)

مكارم الشّيرازيّ:

1-من هنّ الخبيثات و من هم الخبيثون؟

ذكر المفسّرون تعاريف مختلفة ل اَلْخَبِيثاتُ و اَلْخَبِيثُونَ و اَلطَّيِّباتُ و اَلطَّيِّبُونَ.

ص: 65

1-ذكر مرّة أنّه الكلام السّيّئ و التّهمة و الافتراء، و الكذب الصّادر عن المخطئين و المذنبين من النّاس،و هو على عكس ما يصدر عن الأتقياء المتطهّرين،و حسبما يقول المثل المأثور:«ينضح الإناء ما فيه».

2-و قيل:إنّ كلمة اَلْخَبِيثاتُ تعني السّيّئات، و كلّ الأعمال السّيّئة و غير المرغوب فيها،الّتي تصدر عن المخطئين من النّاس،و هي عكس الحسنات الخاصّة بالمتطهّرين.

3-إنّ كلمتي: اَلْخَبِيثاتُ و اَلْخَبِيثُونَ تعنيان النّساء و الرّجال السّاقطين،و هم عكس اَلطَّيِّباتُ و اَلطَّيِّبُونَ الخاصّتين بالنّساء و الرّجال المتطهّرين.

و ظاهر الآية قصد هذا المعنى بذاته؛حيث هناك دلائل تؤكّد هذا المعنى:

أ-جاءت هذه الآيات إثر آيات الإفك،و بعد آية:

اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كما أنّ هذا التّفسير ينسجم مع مفهوم تلك الآيات.

ب-إنّ جملة: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ دليل آخر على صحّة هذا التّفسير.

ج-كلّ شيء له دلالته،أي عكسه يدلّ على وجوده،ف اَلْخَبِيثاتُ جمع مؤنّث حقيقيّ،و تعني النّساء السّاقطات،و هذا ما تدلّ عليه كلمة:

اَلْخَبِيثُونَ الّتي هي جمع مذكر سالم.

د-إضافة إلى ذلك روي حديث عن الإمامين الباقر و الصّادق عليهما السّلام«إنّ هذه الآية كآية: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً لأنّ أناسا همّوا أن يتزوّجوا منهنّ، فنهاهم اللّه عن ذلك و كره ذلك لهم».

كما نقرأ في روايات كتاب النّكاح،كيف كان أصحاب الإمام يستفسرون منه أحيانا عن الزّواج بالخبيثات فيجيبهم سلبا.و هذا يدلّ على أنّ الخبيثة تعني المرأة السّاقطة،و ليس الكلام السّيّئ و لا العمل المنحطّ.

و السّؤال الآخر:هل أنّ خبث هذه المجموعة من النّساء و الرّجال أو طيبهم يشمل الشّرف و العفّة،أو يتعلّق بانحطاط في الفكر أو العمل أو القول؟إنّ المفهوم الأوّل للآية هو الأصوب،لأنّه يطابق ما جاء في الآيات و الأحاديث،لكنّ بعض الأحاديث يعطي معنى واسعا لكلمتي الخبث و الطّيّب اللّتين وردتا في هذه الآيات،و لا يحصرهما بالانحطاط الخلقيّ و طهارة الشّخص.

و على وفق هذا المفهوم يبدو المعنى في الآية الأولى خاصّا،إلاّ أنّه يمكن تعميمه من وجهة نظر فلسفيّة و سببيّة.

أو بتعبير آخر:إنّ الآية السّابقة بيان لميل الصّنو إلى صنوه،رغم تناولها موضوع أساس التّطهير و الانحطاط الخلقيّ.«و تأمّلوا جيّدا».

2-هل هذا حكم تكوينيّ أم تشريعيّ؟

لا شكّ في أنّ الأمثال التّالية تشير إلى سنّة تكوينيّة تطبّق على المخلوقات جميعا،حتّى على ذرّات الوجود في الأرض و السّماء،و هي جذب الشّيء لنظيره،كما يجذب الكهرب التّبن.

أصحاب النّور يدعون أصحاب النّور.

و أصحاب النّار يطلبون أصحاب النّار.

و الطّيور على أشكالها تقع.

ص: 66

و الصّنو علّة انضمام البعض إلى البعض.

و على كلّ حال،فإنّ كلّ صنو يتبع صنوه،و كلّ مجموعة متجانسة ترتاح لأفرادها،إلاّ أنّ هذه الحقيقة لا تمنع من كون الآية السّابقة،كما هي عليه الآية اَلزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ إشارة إلى حكم شرعيّ يمنع الزّواج من النّساء اللّواتي اشتهرن بالعمل المخلّ بالشّرف.

أ ليس لجميع الأحكام التّشريعيّة جذور تكوينيّة؟

أ ليس هناك انسجام بين السّنن الإلهيّة،التّشريعيّة منها و التّكوينيّة؟لإيضاح أكثر راجع شرح الآية الّتي ذكرناها.

3-جواب استفسار:

الاستفسار هو:هل نشاهد عبر التّاريخ أو في حياتنا حالات لا تنسجم مع القانون السّابق؟و مثال ذلك ما جاء في القرآن المجيد: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما. التّحريم:10،و مقابل هذه الحالة ذكر القرآن المجيد زوجة فرعون مثالا للإيمان و الطّهارة:

وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ سورة التّحريم:11.

كما شوهد نظير هاتين الحالتين في صدر الإسلام؛ حيث ابتلي بعض قادة المسلمين بنساء سيّئات، و آخرون منّ اللّه عليهم بنساء مؤمنات جاء ذكرهنّ في كتب التّاريخ الإسلاميّ.و إضافة إلى أنّ لكلّ قانون استثناءات،فلا بدّ من ذكر مسألتين:

1-قلنا خلال تفسير الآية موضع البحث:إنّ القصد من الخبث الانحطاط الخلقيّ و السّقوط بارتكاب أعمال مخلّة بالشّرف.و الطّيّب ضدّ الخبث،و على هذا فجواب السّؤال السّابق يكون واضحا،لأنّ نساء الأنبياء و الأئمّة الأطهار عليهم السّلام،لم ينحرفن و لم يخبثن أبدا،و إنّما القصد من الخيانة في قصّة نوح و لوط عليهم السّلام،التّجسّس لمصلحة الكفّار،و ليس خيانة شرفهما،و هذا العيب من العيوب المستقبحة أساسا.

و كما نعلم يجب أن تكون بيئة أسر الأنبياء طاهرة من كلّ رجس،لإنجاح نشر رسالة اللّه و تعاليمه.

2-إضافة إلى ذلك،فإنّ نساء الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام، لم يكنّ كافرات منذ البداية،بل يصبن بالضّلال أحيانا، و لهذا لا تستمرّ علاقة المسلمين بهنّ على ما كانت عليه قبل ضلالهنّ،كما أنّ امرأة فرعون لم تكن مؤمنة بربّ موسى حين زواجها؛إذ أنّ موسى عليه السّلام لم يكن قد ولد بعد،و قد آمنت برسالته السّماويّة بعد أن بعثه اللّه،و لم يكن لها مخرج إلاّ بمواصلة حياتها الزّوجيّة و الكفاح، حتّى انتهت حياتها باستشهادها.(11:54)

فضل اللّه :الخبيثات من النّساء للخبيثين من الرّجال،و الخبيثون من الرّجال للخبيثات من النّساء، و الطّيّبات من النّساء للطّيّبين من الرّجال،و الطّيّبون من الرّجال للطّيّبات من النّساء،عن أبي مسلم و الجبّائيّ، و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهم السّلام:قالا:«هي مثل قوله: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً النّور:3،الآية،إنّ أناسا همّوا أن يتزوّجوا منهنّ فنهاهم اللّه عن ذلك،و كره ذلك لهم».

ص: 67

و لعلّ هذا اللّون من تنويع الاحتمالات في الآية ناشئ من النّظرة التّجريديّة للآية،دون أيّ دليل من داخلها،أو من سياقها.و قد يكون الأقرب في ذلك،هو ما روي عن الإمامين الصّادقين عليهما السّلام،لأنّ سياق السّورة هو سياق الحديث عن الزّواني و المحصنات،و عن المؤمنين و المؤمنات،و عن الأجواء الّتي تتحرّك في دائرة العلاقات الزّوجيّة الّتي يتحكّم فيها الانسجام الأخلاقيّ بين الزّوجين،ممّا يجعل من مسألة التّوافق الرّوحيّ و الإيمانيّ عنصرا حيويّا في المسألة،كما أشير إلى ذلك في قوله تعالى: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ. و هكذا نستطيع نفي أن يكون المراد من اَلطَّيِّباتُ أو اَلْخَبِيثاتُ ما خبث أو طاب من الكلام،أو ما طاب أو خبث من الأفعال،بل المراد بالكلمتين هو المعنى المراد من الطّيّبين و الخبيثين، مع فارق الذّكورة و الأنوثة،لأنّ طبيعة الجوّ العامّ للسّورة -كما ذكرنا-و طبيعة المقابلة بين الكلمتين تقرّبان ذلك، مع قرينة أخرى سنشير إليها فيما بعد.

اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ أي النّساء الخبيثات للرّجال الخبيثين، وَ الْخَبِيثُونَ من الرّجال لِلْخَبِيثاتِ من النّساء، وَ الطَّيِّباتُ من النّساء لِلطَّيِّبِينَ من الرّجال، وَ الطَّيِّبُونَ من الرّجال لِلطَّيِّباتِ من النّساء.و لكن ما هو المراد من ذلك؟هل هو تقرير الواقع بحيث يكون المعنى أنّ واقع العلاقات الزّوجيّة أو ما يشبهها،هو الانسجام بين الزّوجين في الخبث و الطّيبة؟ و لكن هذا غير واقعيّ،لأنّ كثيرا من الطّيّبين و الطّيّبات ابتلوا بزيجات خبيثة،كما أنّ كثيرا من الخبيثات ارتبطن بعلاقة زوجيّة مع رجال طيّبين؟أو هو تشريع للعلاقة الزّوجيّة،ليكون المعنى أنّه لا بدّ للخبيثات من أن يتزوّجن من الخبيثين،فلو تزوّجن غيرهم،لكانت العلاقة غير شرعيّة،كما لن تكون هناك شرعيّة لزواج الطّيّب من الخبيثة،أو الطّيّبة من الخبيث.و لكن هذا غير ثابت،لأنّه ليس من شروط الزّواج الشّرعيّة؟!

و الظّاهر أنّ المسألة جارية مجرى التّناسب القائم على الاتّفاق في العقيدة الطّيّبة،و الأخلاق و السّلوك الطّيّبين،ممّا يجعل الطّيّبين مناسبين للاّتي يملكن المواصفات نفسها،و هو ما يجعل الانجذاب الرّوحيّ الّذي يؤدّي إلى العلاقة الشّرعيّة الزّوجيّة أمرا طبيعيّا، كما أنّ المواصفات المضادّة تخلق التّناسب بين الّذين يتمتّعون بهذه الصّفات السّلبيّة،و تجعل العلاقة طبيعيّة بينهم،باعتبار أنّ كلّ شكل لشكله ألف.

(اولئك)إشارة إلى الطّيّبين مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ عنهم من الافتراءات،لأنّ التزامهم بالخطّ الطّيّب في العقيدة و السّلوك يفرض براءتهم،ممّا لا ينسجم مع إيمانهم و التزامهم الرّوحيّ و الخلقيّ.و هذا هو المنهج المنطقيّ في تقييم الاتّهامات المنسوبة إلى الأشخاص،و هو دراسة الجوّ الدّاخليّ الّذي يعبّر عنه التزامهم الرّوحيّ و الأخلاقيّ،و يؤكّده خطّهم العمليّ على صعيد الواقع، و لكنّ المستقيم قد ينحرف،إلاّ أنّ انحرافه يبقى حالة طارئة لا حالة طبيعيّة.

و هذا ما قد يوحي بأنّ المراد بالطّيّبين و الطّيّبات:

الرّجال و النّساء،باعتبار أنّ الآية مسوقة لتبرئتهم جميعا،كما أنّها ليست مسوقة لإدانة الخبيثين فقط،لما

ص: 68

ينسب إليهم من خبيثات الأقوال،لأنّ مسألة الإدانة و التّبرئة كانت ملحوظة في نهاية الآية.و هذه الفقرة واردة على سبيل التّأكيد،لا على سبيل التّأسيس،و هو خلاف الظّاهر.

لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ أي لهؤلاء الطّيّبين و الطّيّبات العفو و المغفرة من اللّه،و العطايا الكريمة في الآخرة،ثوابا و جزاء على ما جسّدوه في الحياة من المعاني الطّيّبة،في الإيمان و الشّعور و السّلوك و الخطّ المستقيم.(16:278)

الخبائث

1- ..وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ... الأعراف:157

ابن عبّاس: يبيّن لهم تحريم ما في الكتاب من الميتة و الدّم و لحم الخنزير و غير ذلك.(139)

نحوه الماورديّ(2:269)،و الواحديّ(2:417)، و البغويّ(2:239).

الشّافعيّ: اَلطَّيِّباتِ: ما كانت العرب تستطيبه من المآكل الطّيّبة الّتي لم ينزل فيها تحريم،مثل الجراد و السّمك و الضّباب و الأرانب،و سائر ما يصاد من الوحش،و يؤكل من الأزواج الثّمانية المنصوصة في القرآن.

و أمّا تحريمه اَلْخَبائِثَ: فما كانت العرب تستقذره و لا تأكله،مثل الأفاعي و العقارب و الحرابي و البرصة و الخنافس و الورلان و الجعلان و الفأر.

فأحلّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بأمر اللّه ما كانوا يستطيعون أكله، و حرّم عليهم ما كانوا يستخبثونه،إلاّ ما نصّ اللّه جلّ و عزّ على تحريمه في الكتاب من الميتة،و الدّم،و لحم الخنزير،و ما أهلّ لغير اللّه به عند الذّبح،أو بيّن تحريمه على لسان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،مثل نهيه عن لحوم الحمر الأهليّة، و عن أكل كلّ ذي ناب من السّباع،و كلّ ذي مخلب من الطّير.

و دلّت«الألف و اللاّم»اللّتان دخلتا للتّعريف في اَلطَّيِّباتِ و اَلْخَبائِثَ على أنّ المراد بها:أشياء كانت معهودة عند المخاطبين بها.(الأزهريّ 7:340)

ابن قتيبة :كلّ خبيث عند العرب فهو محرّم.(173)

الطّوسيّ: يعني القبائح و ما يعافي الأنفس.

(4:594)

نحوه شبّر.(2:425)

الزّمخشريّ: ما يستخبث من نحو الدّم،و الميتة، و لحم الخنزير،و ما أهلّ لغير اللّه به،أو ما خبث في الحكم كالرّبا و الرّشوة و غيرهما من المكاسب الخبيثة.

(2:122)

نحوه البيضاويّ(1:372)،و النّسفيّ(2:80)، و الشّربينيّ(1:524)،و أبو السّعود(3:38)،و القاسميّ (7:2869)،و المراغيّ(9:12).

الطّبرسيّ: و يحرّم عليهم القبائح و ما تعافه الأنفس.و قيل:يحلّ لهم ما اكتسبوه من وجه طيّب، و يحرّم عليهم ما اكتسبوه من وجه خبيث.

و قيل:يحلّ لهم ما حرّمه عليهم رهابينهم و أحبارهم،و ما كان يحرّمه أهل الجاهليّة من البحائر

ص: 69

و السّوائب و غيرها،و يحرّم عليهم الميتة و الدّم و لحم الخنزير ما ذكر معها.(2:487)

ابن عطيّة: اَلْخَبائِثَ هي لحم الخنزير و الرّبا و غيره.و على هذا حلّل مالك:المتقذّرات كالحيّات و الخنافس و العقارب و نحوها.و مذهب الشّافعيّ رحمه اللّه:أنّ الطّيّبات هي من جهة الطّعم،إلاّ أنّ اللّفظة عنده ليست على عمومها،لأنّ عمومها بهذا الوجه من الطّعم يقتضي تحليل الخمر و الخنزير،بل يراها مختصّة فيما حلّله الشّرع،و يرى اَلْخَبائِثَ لفظا عامّا في المحرّمات بالشّرع و المتقذّرات،فيحرّم العقارب و الخنافس و الوزغ و ما جرى هذا المجرى.و النّاس على هذين القولين،إلاّ أنّ في تعيين الخبائث اختلافا،ليس هذا موضع تقصّيه.(2:463)

نحوه القرطبيّ.(7:300)

ابن الجوزيّ: في اَلْخَبائِثَ ثلاثة أقوال:

أحدها:أنّها الحرام،و المعنى:و يحرّم عليهم الحرام.

و الثّانيّ: أنّها ما كانت العرب تستخبثه و لا تأكله، كالحيّات و الحشرات.

و الثّالث:ما كانوا يستحلّونه من الميتة و الدّم و لحم الخنزير.(3:273)

نحوه أبو حيّان.(4:404)

الفخر الرّازيّ: كلّ ما يستخبثه الطّبع و تستقذره النّفس كان تناوله سببا للألم،و الأصل في المضارّ الحرمة، فكان مقتضاه أنّ كلّ ما يستخبثه الطّبع فالأصل فيه الحرمة،إلاّ لدليل منفصل.و على هذا الأصل فرّع الشّافعيّ رحمه اللّه تحريم بيع الكلب،لأنّه روي عن ابن عبّاس عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في كتاب«الصّحيحين»أنّه قال:«الكلب خبيث و خبيث ثمنه».و إذا ثبت أنّ ثمنه خبيث وجب أن يكون حراما،لقوله تعالى: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ.

و أيضا الخمر محرّمة لأنّها رجس،بدليل قوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ إلى قوله: رِجْسٌ المائدة:90، و الرّجس خبيث بدليل إطباق أهل اللّغة عليه،و الخبيث حرام لقوله تعالى: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ.

(15:25)

الكاشانيّ: يستفاد من بعض الرّوايات تأويل اَلطَّيِّباتِ بأخذ العلم من أهله،و اَلْخَبائِثَ بقول من خالف.(2:243)

البروسويّ: اَلْخَبائِثَ كالدّم و لحم الخنزير، فالمراد ب اَلطَّيِّباتِ: ما يستطيبه الطّبع و يستلذّه، و ب اَلْخَبائِثَ: ما يستخبثه الطّبع و يتنفّر منه،فتكون الآية دليلا على أنّ الأصل في كلّ ما يستطيبه الطّبع الحلّ، و كلّ ما يستخبثه الطّبع الحرمة،إلاّ لدليل منفصل.

و يجوز أن يراد بهما:ما طاب في حكم الشّرع و ما خبث،كالرّبا و الرّشوة.و مدلول الآية حينئذ أنّ ما يحكم الشّرع بحلّه فهو حلال،و ما يحكم بحرمته فهو حرام.و لا حكم لاستطابة الطّبع و استخباثه فيهما.(3:252)

الآلوسيّ: فسّر الأوّل بالأشياء الّتي يستطيبها الطّبع كالشّحوم،و الثّاني بالأشياء الّتي يستخبثها كالدّم، فتكون الآية دالّة على أنّ الأصل في كلّ ما تستطيبه النّفس و يستلذّه الطّبع الحلّ،و في كلّ ما تستخبثه النّفس و يكرهه الطّبع الحرمة،إلاّ لدليل منفصل.

و فسّر بعضهم الطّيّب بما طاب في حكم الشّرع،

ص: 70

و الخبيث بما خبث فيه كالرّبا و الرّشوة.و تعقّب بأنّ الكلام حينئذ يحلّ ما يحكم بحلّه،و يحرم ما يحكم بحرمته،و لا فائدة فيه.و ردّوه بأنّه يفيد فائدة و أيّ فائدة،لأنّ معناه أنّ الحلّ و الحرمة بحكم الشّرع لا بالعقل و الرّأي.

و جوّز بعضهم كون الخبيث بمعنى ما يستخبث طبعا، أو ما خبث شرعا،و قال:كالدّم أو الرّبا،و مثّل للطّيّب بالشّحم،و جعل ذلك مبنيّا على اقتضاء التّحليل سبق التّحريم،و الشّحم كان محرّما عند بني إسرائيل،و على اقتضاء التّحريم سبق التّحليل،و جعل الدّم و أخاه ممّا حرّم على هذا،لأنّ الأصل في الأشياء الحلّ و لا يردّ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا، لأنّه لردّ قولهم إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا البقرة:175،أو لأنّ المراد إبقاؤه على حلّه لمقابلته بتحريم الرّبا،و دفع بهذا ما توهّم من عدم الفائدة.(9:81)

ابن عاشور :و اَلطَّيِّباتِ: جمع طيّبة،و قد روعي في التّأنيث معنى الأكيلة،أو معنى الطّعمة،تنبيها على أنّ المراد الطّيّبات من المأكولات،كما دلّ عليه قوله في نظائرها نحو: يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً البقرة:168،و قوله: يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ المائدة:4،و ليس المراد الأفعال الحسنة،لأنّ الأفعال عرّفت بوصف المعروف و المنكر.و المأكولات لا تدخل في المعروف و المنكر؛إذ ليس للعقل حظّ في التّمييز بين مقبولها و مرفوضها، و إنّما تمتلك النّاس فيها عوائدهم،و لمّا كان الإسلام دين الفطرة و لا اعتداد بالعوائد فيه،ناط حال المأكولات بالطّيّب و حرمتها بالخبث،فالطّيّب ما لا ضرّ فيه و لا و خامة و لا قذارة،و الخبيث ما أضرّ،أو كان وخيم العاقبة،أو كان مستقذرا لا يقبله العقلاء،كالنّجاسة.

و هذا ملاك المباح و المحرّم من المآكل،فلا تدخل العادات إلاّ في اختيار أهلها ما شاءوا من المباح،فقد كانت قريش لا تأكل الضّبّ،و قد وضع على مائدة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فكره أن يأكل منه،و قال:«ما هو بحرام،و لكنّه لم يكن من طعام قومي فأجدني أعافه».

و لهذا فالوجه:إنّ كلّ ما لا ضرّ فيه و لا فساد و لا قذارة فهو مباح،و قد يكون مكروها اعتبارا بمضرّة خفيفة،فلذلك ورد النّهي عن أكل كلّ ذي ناب من السّباع.و محمله عند مالك في أشهر الرّوايات عنه،على الكراهة،و هو الّذي لا ينبغي التّردّد فيه،و أيّ ضرّ في أكل لحم الأسد،و كذلك إباحة أكل الخشاش و الحشرات و الزّواحف البرّيّة و البحريّة،لاختلاف عوائد النّاس في أكلها و عدمه،فقد كانت جرم لا يأكلون الدّجاج، و فقعس يأكلون الكلب،فلا يحجر على قوم لأجل كراهية غيرهم،ممّا كرهه ذوقه أو عادة قومه.و قد تقدّم شيء من هذا في آية سورة المائدة،فعلى الفقيه أن يقصر النّظر على طبائع المأكولات و صفاتها،و ما جهلت بعض صفاته و حرّمته الشّريعة،مثل تحريم الخنزير.(8:316)

مكارم الشّيرازيّ: يحلّ ما ترغب فيه الطّباع، و يحرم ما تنفر.(5:226)

فضل اللّه :[ذكر الخطوط العامّة للشّريعة الإسلاميّة في ثلاث نقاط]

النّقطة الأولى:الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر...

النّقطة الثّانية:تحليل الطّيّبات و تحريم الخبائث،

ص: 71

فليس في ما أحلّه اللّه إلاّ الطّيّب الّذي يرتاح إليه الذّوق الإنسانيّ،في ما يتذوّقه النّاس من الأشياء الطّيّبة،أو الّذي يلتقي بالمنفعة لحياتهم في أرواحهم و أجسادهم، و ليس في ما حرّمه اللّه إلاّ الخبيث الّذي تعافه النّفس، و يستقذره الذّوق،و ترفضه الفطرة.و إذا كان النّاس يستطيبون بعض المحرّمات أو يعافون بعض المحلّلات، فلأنّهم كانوا لا ينظرون إلاّ إلى الجانب السّطحيّ من تلك الأشياء،و لا يتطلّعون إلى أعماقها ليكتشفوا الجانب الخبيث في عناصرها الذّاتيّة الّتي يستطيبون،و ليعرفوا الجانب الطّيّب في أعماق الأشياء الّتي يعافونها،لأنّ المقياس في ذلك كلّه هو في الخصائص الذّاتيّة للأشياء و للأعمال،و ليس في الجوانب الظّاهريّة منها.

النّقطة الثّالثة:الإصر...(10:260)

2- وَ لُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ... الأنبياء:74

ابن عبّاس: اَلْخَبائِثَ يعني اللّواطة.(273)

مثله البيضاويّ.(2:77)

الطّبريّ: الخبائث الّتي كانوا يعملونها:إتيان الذّكران في أدبارهم،و حذفهم النّاس،و تضارطهم في أنديتهم مع أشياء أخر كانوا يعملونها من المنكر.

(17:49)

نحوه الماورديّ(3:455)،و الطّوسيّ(7:265)، و الواحديّ(3:245)،و ابن عطيّة(4:90).

الطّبرسيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:هي ما حكى اللّه تعالى: أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَ تَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ العنكبوت:29،و غير ذلك من القبائح.(4:56)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:370)

النّسفيّ: اللّواطة،و الضّراط،و حذف المارّة بالحصى و غيرها.(3:85)

نحوه القرطبيّ(11:306)،و الشّوكانيّ(3:521).

البروسويّ: جمع خبيثة،و الخبيثة:ما يكره رداءة و خساسة،يتناول الباطل في الاعتقاد،و الكذب في المقال،و القبيح في الفعال.و أعوذ بك من الخبث و الخبائث،أي من ذكور الشّياطين و إناثها،و المراد هاهنا:

اللّواطة.(5:502)

الآلوسيّ: قيل:أي اللّواطة،و الجمع باعتبار تعدّد الموادّ.و قيل:المراد الأعمال الخبيثة مطلقا،إلاّ أنّ أشنعها اللّواطة.(17:72)

نحوه القاسميّ.(11:4288)

المراغيّ: الأعمال الّتي من أشنعها إتيان البيوت من غير أبوابها.(17:54)

مكارم الشّيرازيّ: و التّعبير ب اَلْخَبائِثَ بصيغة الجمع إشارة إلى أنّهم إضافة إلى فعل اللّواط الشّنيع،كانوا يعملون أعمالا قبيحة و خبيثة أخرى.

(10:185)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخبث:الرّداءة.يقال:

خبث الشّيء و الرّجل يخبث خبثا و خباثة و خباثية،أي ردؤ و كره،فهو خبيث؛و الجمع:خبثاء و خباث و خبثة

ص: 72

و خبوث،و الأنثى:خبيثة،و بهما خبث و خباثة،و خبيث الفعل:رديئه،و هو خبيث الطّعم،و خبيث اللّون،و خبيث الرّائحة:الكريه الطّعم و اللّون و الرّائحة.و يقال في النّداء:

يا خبث،أي يا خبيث.و الخبّيث:الخبيث؛و الجمع:

خبّيثون،و الخابث:الرّديء من كلّ شيء فاسد.

و أخبث الرّجل:صار ذا خبث،أو اتّخذ أصحابا خبثاء،فهو خبيث مخبث و مخبثان،يقال:يا مخبثان؛ و الأنثى:مخبثانة،و يقال للرّجل و المرأة أيضا:يا مخبثان.

و خباث:معدول عن الخبث،و حرف النّداء محذوف،أي يا خباث.و أخبثه غيره:علّمه الخبث و أفسده، و المخبث:الّذي يعلّم النّاس الخبث،أو الّذي ينسب النّاس إلى الخبث،و تخابث:أظهر الخبث.

و الخبثة:نوع من أنواع الخبيث.يقال للأخلاق الخبيثة:يا خبثة،و سبي خبثة:خبيث،و هو سبي من كان له عهد من أهل الكفر،لا يجوز سبيه و لا ملك عبد و لا أمة منه،و الخبثة:الزّنية.يقال:ولد فلان لخبثة،أي ولد لغير رشدة.

و الأخبث:الخبيث؛و الجمع:أخابث.يقال:هم أخابث النّاس،و الأخبثان:البول و الغائط،و القيء و السّلاح،و السّهر و الضّجر.يقال:نزل به الأخبثان،أي البخر و السّهر.

و الخبائث:ما كانت تستقذره العرب و لا تأكله،مثل الأفاعي و العقارب و البرصة و الخنافس و الورلان و الفأر.

و الخبث:ما لا خير فيه،و منه:خبث الحديد و الفضّة، و ما نفاه الكير إذا أذيبا،و يكنى به عن ذي البطن.

و طعام مخبثة:تخبث عنه النّفس.

2-و الجمرة الخبيثة:مرض معد يصيب الإنسان، فيسبّب له قرحة جلديّة،و ينتقل إليه عادة من الحيوانات الأهليّة،كالخيل و البقر و الضّأن و غيرها.

و يبتلي به على الأغلب من يربّيها أو يتعهّدها و يعالجها، كالفلاّح و البيطريّ و القصّاب و الدّبّاغ.و قد ينتقل إلى الإنسان باستعمال منتجاتها،ك«فرشاة الحلاقة» المصنوعة من شعر الحيوان الملوّث بعصيّات هذا المرض.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت ماضيا مرّة،و وصفا مفردا و جمعا 15 مرّة،في 10 آيات:

1-الكلمة الخبيثة و الشّجرة الخبيثة

1- وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ... إبراهيم:26

2-الأموال الخبيثة

2- ...وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً...

الأعراف:58

3- ...وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ...

البقرة:267

4- وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ... النّساء:2

3-الإنسان الخبيث

5- قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ... المائدة:100

6- ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ

ص: 73

حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ... آل عمران:179

7- لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ... الأنفال:37

8- اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ...

النّور:26

4-الأطعمة الخبيثة

9- ...وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ... الأعراف:157

5-الأعمال الخبيثة

10- ...وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ... الأنبياء:74

و يلاحظ أوّلا:أنّ مشتقّات هذه المادّة جاءت في خمسة محاور:

المحور الأوّل:الكلمة الخبيثة و الشّجرة الخبيثة في (1): وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ، و فيها بحوث:

1-استعمل الخبيث في اللّغة-كما تقدّم-للرّديء و ما يستقذر من الأشياء،إلاّ أنّه حمل هنا على الشّرك و الكفر،كما حملت الشّجرة الخبيثة على شجرة الحنظل، و أوّلت ببعض الحكومات الظّالمة.

و ذهب ابن عبّاس في قول إلى أنّ هذا مثل،و ليس لهذه الشّجرة وجود في الدّنيا.و على هذا فهو معنى مجازيّ على الأصحّ،لأنّ الحنظل أو الكوث و أشباههما من النّجم، و هي النّباتات الزّاحفة على الأرض دون ساق،فإطلاق الشّجر عليها ليس على حقيقته.

2-قوله: كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ مشاكلة لقوله في الآية السّابقة: كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ، و قوله: ما لَها مِنْ قَرارٍ مقابلة لقوله هناك: أَصْلُها ثابِتٌ. و فيه حثّ على تطوير الجنان،و تهذيب اللّسان، و تذليل العنان.

3-اقتصر نعت الخبيث و الطّيّب على الكلمة،كما اقتصر الطّيّب على الكلم أيضا في قوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ فاطر:10،غير أنّ الشّجرة نعتت بالبركة في قوله: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ النّور:35، و باللّعنة في قوله: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ الإسراء:60،و هذا ينبئ أنّ معنى(مباركة)ينطبق على (طيّبة)،و معنى(الملعونة)على(الخبيثة).

المحور الثّاني:الأموال الخبيثة في(2): وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً و(3): وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ و(4): وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، و فيها بحوث أيضا:

1-جملة وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً في(2) معطوفة على الجملة الاستئنافيّة وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ...، و جاء(خبث)و(يخرج)فعلا بدل«الخبيثة» و«خارجة»رمزا إلى حدوث الصّفتان فيها.

و في فاعل(خبث)تقديران:

الأوّل:و الّذي خبث نباته...فيكون(نكدا)حالا،أو صفة لمفعول مطلق،و تقديره:و الّذي خبث نباته لا يخرج إلاّ خروجا نكدا.

الثّاني:و البلد الّذي خبث...على فرض قراءة (يخرج) ،فيكون (نكدا) مفعولا به،و تقديره:و البلد الّذي خبث لا يخرج إلاّ نكدا.و هذا وجه حسن،و لكن ما قرأ بهذه القراءة أحد نعلمه.

ص: 74

2-اختلف في شأن نزول قوله: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ في(3)،أ هو في من يتصدّق بالرّديء من التّمر عند صرامه،أم في من يتصدّق بالحرام من ربا الجاهليّة و غيره؟

و ليس في الآية ما يدلّ على ما ذكر،لأنّ سياقها عامّ، إلاّ أنّ الطّبريّ اختار القول الأوّل،و تبعه آخرون،و منهم أبو جعفر الطّوسيّ،و عدّه الأقوى مستدلاّ بقوله: وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، فقال:«و الإغماض لا يكون إلاّ في شيء رديء متسامح في أخذه دون ما هو حرام».

و لكن النّصوص الواردة في هذا المعنى لم تبتّ في نوع الصّدقة،أ هي المفروضة أم المندوبة؟فبعضها صرّح بوجوبها و جمعها بواسطة«صاحب الصّدقة»،و بعضها صرّح بتعليق المتصدّق أقناء التّمر في المسجد بنفسه دون عامل الزّكاة،و هو يشعر بالاستحباب و ليس الوجوب.

3-الخبيث في(4): وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ إمّا الحرام و إمّا الرّديء،و كلاهما بمعنى واحد،و هو معمول تَتَبَدَّلُوا الّذي يفيد التّكرار مرّة بعد مرّة،أو يفيد الطّلب،أي طلب البدل.و ضعّف الزّمخشريّ المعنى الأخير،و تعقّب قول السّدّيّ:«أن يجعل شاة مهزولة مكان سمينة»،فقال:«و هذا ليس بتبدّل،و إنّما هو تبديل، إلاّ أن يكارم صديقا له،فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصّبيّ».

المحور الثّالث:الإنسان الخبيث في(5-8)،و فيها بحوث:

1-فسّر ابن عبّاس الخبيث و الطّيّب في(5): قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ بالحرام و الحلال،و فسّرهما السّدّيّ بالمشرك و المؤمن، و عمّمهما الزّمخشريّ في المال و العمل و المعتقد،و في النّاس أيضا.

و لعلّ رأي الزّمخشريّ هو الأقرب،لعموم قوله بعده:

فَاتَّقُوا اللّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. و كأنّ قول الإمام عليّ عليه السّلام تفسير له:«أيّها النّاس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله،فانّ النّاس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير،و جوعها طويل»نهج البلاغة-الخطبة:201.

2-اختلفوا فيمن خوطب بقوله: حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ في(6)،فذهب الضّحّاك إلى أنّه أراد به المنافقين و الكافرين،و ظاهر قول الطّبريّ أنّه خطاب للمؤمنين،و عدّه الزّمخشريّ خطابا لكلتا الفئتين.

و لعلّ قول الزّمخشريّ هو الأنسب،لأنّه تزكية للطّيّب،و هو المؤمن،و فضيحة للخبيث،و هو المنافق.

فالمؤمن يحبّ أن ينماز عن المنافق حتّى يبين فضله، و المنافق يكره ذلك،حتّى لا يتّضح أمره،فانتصر اللّه للمؤمن لطيبه،و خذل المنافق لخبثه.

3-ماز اللّه الخبيث من الطّيّب بالنّار في(7):

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ* لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ. بينما ماز الخبيث من الطّيّب في(6)وقت الشّدّة عقب وقعة أحد.

و حرف«من»الواقع بينهما إمّا صلة(يميز)،نحو قوله:

تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ الملك:8،و قولهم:مزت بعضه

ص: 75

من بعض،فأنا أميزه ميزا،و قد أماز بعضه من بعض.و إمّا بمعنى الفصل،نحو: وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ البقرة:220،و هو يدخل على ثاني المتضادّين.و المعنى على كلا التّقديرين واحد،أي يفصل الخبيث و يفرزه عن الطّيّب.

4-اختلف في المسند و المسند إليه في(8):

اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ، فقيل:يراد به السّيّئات للسّيّئين و السّيّئون للسّيئات،أو القبيحات للقبيحين و القبيحون للقبيحات،أو الزّواني للزّناة و الزّناة للزّواني،و يضارعه قوله: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ النّور:3.

و قيل:يراد به الكلمات الخبيثات لا يقولهنّ إلاّ الخبيثون من النّاس،أو الكلمات و الفعلات الخبيثة.و لعلّ قوله: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ تفسير لما تقدّم و دعم لهذا الرّأي.

المحور الرّابع:الأطعمة الخبيثة في(9): وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ، و فيها بحوث:

1-فيما خبث هنا ثلاثة أقوال:

الأوّل:ما خبث في الطّبع،و هو ما تعيفه النّفس و تستقذره،كالفئران و الخنافس و الجعلان و العقارب و الحرابيّ و غيرها.

الثّاني:ما خبث في الحكم،و هو ما حرّمه اللّه،كالميتة و الدّم و لحم الخنزير و الرّبا و الرّشوة و غيرها.

الثّالث:ما خبث في الكلام،و هو قول من نصب العداء لأهل البيت عليهم السّلام و خالفهم و عند عنهم،كما روي ذلك عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام،و هو تأويل.

و لا يبعد أن يشمل معنى الخبائث الأقوال الثّلاثة، لأنّ الخبيث-كما جاء في اللّغة-الرّديء و المستقذر،و لا شكّ أنّ ما عافته النّفس،و ما حرّمه اللّه،و ما يقوله النّاصبيّ رديء مستقذر.

2-ذهب الإمام الشّافعيّ إلى أنّ«الألف و اللاّم»في اَلْخَبائِثَ عهديّة،فهي أشياء كانت معهودة عند المخاطبين بها.

و لكن يؤخذ عليه أنّ الخبيث مفردا و جمعا-عدا لفظ (خبيثة)-ورد معرّفا بالألف و اللاّم في جميع الموارد، و منها اَلْخَبائِثَ في موضعين أيضا،و قد اختلف العلماء في تفسير بعضها كما ترى.

3-يلحظ تقدّم الخبيث على الطّيّب إذا اجتمعا معا في جميع المواضع إلاّ في هذا الموضع،فقد تقدّم لفظ اَلطَّيِّباتِ على لفظ اَلْخَبائِثَ لعلّة،و هي اجتماع (يحلّ)و(يحرّم)في آية واحدة،و تقدّم الأوّل على الثّاني، كما في جميع المواضع،إلاّ إذا اقترن بالحلال و الحرام نهي أو إنكار أو عقاب،فيقدّم الثّاني على الأوّل،فلاحظ.

المحور الخامس:الأعمال الخبيثة في(10): تَعْمَلُ الْخَبائِثَ، و فيها بحوث:

1-فسّرت اَلْخَبائِثَ هنا باللّواط،استنادا إلى قوله تعالى: أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ الشّعراء:

165،كما فسّرت بالضّراط،و بحذف المارّة بالحصى، استنادا إلى بعض الأخبار.

و لكنّ ورود اَلْخَبائِثَ جمعا ينبئ بتعدّد القبائح الّتي كانوا منهمكين في مزاولتها،فهي تشمل ما ذكر منها

ص: 76

مجموعة،و لا شكّ أنّهم كانوا يعملون خبائث أخرى،لم يذكرها المفسّرون و أصحاب الأخبار.

2-استعملت اَلْخَبائِثَ مرّتين في سورتين مكّيّتين،كما استعمل مفردها-أي الخبيثة-في سورة مكّيّة أيضا،و هذا ممّا اختصّت به السّور المكّيّة،كما اختصّت السّور المدنيّة بلفظ«الخبيثين،»و مفرده «الخبيث»،و بلفظ«الخبيثات»أيضا دون السّور المكّيّة،و هو يدلّل على كثرة تداول كلّ من هذين الاستعمالين في تلكما الفترتين.

3-ربّما يقال:هلاّ اختصر الكلام و قال:و نجّيناه من القرية الخبيث أهلها،كما قال: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها النّساء:75.

الجواب:الخبائث-كما تقدّم-هي عادات مكتسبة، كاللّواط و أكل الحرام و غير ذلك،و أمّا الظّلم فهو صفة جبل عليها بعض النّاس منذ الولادة.فأراد هنا أن يصف عادة أهل هذه القرية،فأسند عمل الخبائث إليهم تَعْمَلُ الْخَبائِثَ. بينما وصف أهل تلك القرية بالظّلم دون العمل؛إذ لا يقال:عمل فلان ظلما،بل يقال:ظلم فلان فلانا،فهو ظالم و ذاك مظلوم.

و ثانيا:منها أربع مكّيّة و ستّ مدنيّة و هي تشريع أو فرع على التّشريع،و المكّيّات إمّا مثل للمؤمن و الكافر (1 و 2)أو قصّة(10)أو توصيف للرّسول الأمّيّ في التّوراة و الإنجيل.

و قد سبق أنّ لفظي الخبيثة و الخبائث مكّيّتان، و ألفاظ الخبيث و الخبيثين و الخبيثات مدنيّة.

ثالثا:لم نجد لهذه المادّة نظيرا في القرآن.

ص: 77

ص: 78

خ ب ر

اشارة

7 ألفاظ،52 مرّة:21 مكّيّة،31 مدنيّة

في 31 سورة:14 مكّيّة،17 مدنيّة

خبير 27:8-19 خبرا 2:1-1

الخبير 6:5-1 خبر 2:2

خبيرا 12:5-7 أخبارها 1:-1

أخباركم 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :أخبرته و خبّرته،و الخبر:النّبأ؛و يجمع على أخبار.

و الخبير:العالم بالأمر.

و الخبر:مخبرة الإنسان إذا خبر،أي جرّب فبدت أخباره،أي أخلاقه.

و الخبرة:الاختبار.تقول:أنت أبطن به خبرة، و أطول به عشرة.

و الخابر:المختبر المجرّب.

و الخبر علمك بالشّيء،تقول:ليس لي به خبر.

و الخبار:أرض رخوة يتتعتع فيها الدّوابّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخبر و المخابرة:أن تزرع على النّصف أو الثّلث و نحوه.

و الأكّار:الخبير،و المخابرة:المؤاكرة.

و الخبراء:شجر في بطن روضة يبقى الماء فيها إلى القيظ،و فيها ينبت«الخبر»و هو شجر السّدر و الأراك، و حواليها عشب كثير.

و يقال:الخبرة أيضا؛و الجميع:خبر،و خبر الخبرة:

شجرها،[ثمّ استشهد بشعر]

و الخبر من مناقع الماء:ما خبّر المسيل في الرّءوس، فيخوض النّاس فيه.(4:258)

سيبويه :و خبار،كسّروها تكسير الأسماء و سلّموها على ذلك،و إن كانت في الأصل صفة،لأنّها قد جرت مجرى الأسماء.(ابن سيده 5:179)

ص: 79

الكسائيّ: يقال:هو الخبر و الخبر،يقال:لأخبرنّ خبرك و خبرك.و هو السّكر و السّكر،يقال:سكر يسكر سكرا و سكرا.(إصلاح المنطق:86)

ما يدرى له أين خبر،و ما يدرى له ما خبر،أي ما يدرى،و«أين»صلة و«ما»صلة.(ابن سيده 5:179)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخبر من الإبل:الغزيرة.

و الخبرة من الطّعام:قصعة فيها خبز و لحم،بين أربعة أو خمسة.(1:221)

الخبرة:طعام يحمله الرّجل في سفرته،إذا خرج مسافرا.(1:228)

الخبير:الزّبد.(1:238)

الخبر:الغزيرة.[ثمّ استشهد بشعر](1:240)

مرمّعات الأخبار:الّتي لا يدرون ما هي.(1:306)

الخبار:أرض ليّنة فيها جحرة.(الأزهريّ 7:365)

الخبير:الإدام الطّيّب،و الخبرة:الأدم.

(الخطّابيّ 2:432)

أبو عبيدة :سمّي الأكّار خبيرا،لأنّه يخابر الأرض، و المخابرة هي المؤاكرة،و لهذا سمّي الأكّار خبيرا،لأنّه يؤاكر الأرض.(أبو عبيد 1:141)

الأصمعيّ: الخبرة و الخبراء:القاع ينبت السّدر.

و الخبار:ما لان من الأرض و استرخى.

(الأزهريّ 7:365)

الخبرة:النّصيب تأخذه من لحم أو سمك.

[الخبير]هو زبد أفواه الإبل.(الأزهريّ 7:366)

الخبر:المزادة.(الأزهريّ 7:368)

اللّحيانيّ: و الخبر:هي المزارعة فعمّ بها.

(ابن سيده 5:180)

العرب تقول:اجتمعوا على خبرته،يعنون ذلك [الطّعام].(ابن سيده 5:181)

و قد خبرت خبورا.(ابن سيده 5:179)

أبو عبيد: في حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه نهى عن المخابرة.هي المزارعة بالنّصف و الثّلث و الرّبع،و أقلّ من ذلك و أكثر،و هو الخبر أيضا،الخبر:الفعل،و الخبير:

الرّجل.(1:141)

الخبير:زبد أفواه الإبل.(الجوهريّ 2:642)

ابن الأعرابيّ: الخبار:ما استرخى من الأرض و تحفّر.(الأزهريّ 7:365)

المخبور:الطّيّب الإدام،و المخبور:المخمور.

(الأزهريّ 7:368)

ابن السّكّيت: و الخبر:المزادة؛و جمعها:خبور.

و يقال:ناقة خبر،إذا كانت غزيرة تشبّه بالمزادة في غزرها.

و الخبر من الأخبار.(إصلاح المنطق:42)

و الخبر:العلم بالشّيء.(إصلاح المنطق:124)

و يقال:قد خبرت الرّجل فأنا أخبره خبرا و خبرة.

و يقال:من أين خبرت هذا؟أي من أين علمته؟(إصلاح المنطق:198)

الرّياشيّ: الخبرة:لحم يشتريه الإنسان لأهله، يقال للرّجل:ما اختبرت لأهلك؟

الخبير:الزّبد،الخبير:الوبر،و الخبير:الأكّار.

(الأزهريّ 7:366)

أبو الهيثم:الخبر بالفتح المزادة.و منه قيل:ناقة

ص: 80

خبر،إذا كانت غزيرة.(الأزهريّ 7:368)

الحربيّ: خبراء:أرض تنبت السّدر.(2:440)

الزّجّاج: خبرت الرّجل:جرّبته.

(فعلت و أفعلت:55)

ابن دريد :و الخبر:معروف،أخبرني بكذا و كذا و أخبرت به،فأنا مخبر و مخبر.

و تقول العرب:هل من جائبة خبر؟أي هل من خبر يجوب البلاد فيجيء من مكان بعيد؟[ثمّ استشهد بشعر]

و لي بفلان خبرة و خبرة و خبرة-و الكسر أعلى- فأنابه خابر و خبير.

و يقال:فلان حسن المخبر.

و الخبار:الأرض السّهلة فيها جحرة و حفار.و من أمثالهم:«من تجنّب الخبار أمن العثار».

و الخبراء:الأرض السّهلة المنخفضة،يجتمع فيها ماء السّماء،و تنبت السّدر؛و تجمع:خبراوات.و يقال لها أيضا:الخبيرة؛و تجمع على:خبير.

و الخابور نهر أحسبه.

و تخبّر القوم بينهم خبرة،إذا اشتروا شاة فذبحوها و اقتسموا لحمها،و الشّاة خبيرة.

و الخبر:المزادة العظيمة؛و الجمع:خبور،و بذلك سمّيت النّاقة الغزيرة.

و الخبير:زبد البعير و ما أشبهه.(1:233)

الأزهريّ: الخبار:ما تهوّر و ساخت فيه القوائم.

قال الأصمعيّ: الخبر:المزادة.و يقال:الخبر.إلاّ أنّه بالكسر أكثر،و جمعه:خبور.

و الخبر و الخبر:النّاقة الغزيرة اللّبن،شبّهت بالمزادة في خبرها.

و في الحديث:«كنّا نستخلب الخبير»أراد ب«الخبير»:النّبات و العشب،و استخلابه:احتشاشه، كأنّ العشب شبّه بخبير الإبل،و هو وبرها.فالنّبات ينبت كما ينبت الوبر.

و خيبر:موضع بعينه معروف.

و يقال:تخبّرت الخبر و استخبرته،بمعنى واحد.

و الخبير:من أسماء اللّه تعالى،معناه العالم بما كان و ما يكون،و هذه الصّفة لا تكون إلاّ للّه تبارك و تعالى.

و خبرت بالأمر،أي علمته.

و قول اللّه جلّ و عزّ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً الفرقان:

59،أي سل عنه خبيرا عالما تخبر.

و الخابور:بلد معروف.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مخبر،أي إذا خبر وجد كاملا.

(7:365-368)

الصّاحب:الخبر:ما أتاك من نبإ،أخبرته و خبّرته؛ و الجميع:الأخبار.و رجل خبر:كريم الخبر.و هو يتخبّر الأخبار.

و الخبير:العالم بالأمر.

و الخبرة:مخبرة الإنسان إذا خبر،أي جرّب.

و الخبرة:الاختبار.و الخابر:المختبر المجرّب.

و خبرته أخبره،أي علمته.

و الخبار:أرض رخوة؛واحدها خبارة.

و الخبار:ما اجتمع من التّراب في أصل الشّجرة.

و الخبراء:شجر في بطن روضة فيها ينبت الخبر؛ و هو شجر السّدر و الأراك.و تسمّى الخبرة أيضا.

ص: 81

و الخبر:من مناقع الماء في رءوس الجبال.

و الخبر و المخابرة:أن يزرع على النّصف أو الثّلث و نحوه.

و الأكّار:خبير.و المخابرة:المؤاكرة.

و ناقة خبر:غزيرة،و كذلك الخبراء.تقول:أخبرت لقحة فلان،أي وجدتها خبراء.

و الخبرة الطّعام.

و الخبر:المزادة؛و جمعها:خبور.

و الخبرة:السّفرة.

و الخبور:الزّاد من الطّعام.

و الخبرة:النّصيب.و القسمة أيضا.

و الخبرة:اللّحم يشتريه الرّجل لأهله؛و جمعها:

خبر.و اجتمعوا على خبرته،أي طعامه.و اخبر طعامك، أي دسّمه.

و الخبيرة:الشّاة تشترى بين جماعة فتذبح.

و الصّوف الجيّد من أوّل الجزّ.و تجمع:خبائر،و كذلك الوبر و الزّبد.

و جحرة الفأر:مخابر.

و المخبرة:المخروءة.

و الخيبريّ: الحيّة السّوداء.و يقولون:حمّى خيبرى فإنّها خيسرى.(4:335)

الخطّابيّ: يقال:جاءنا بطعام و لم يأتنا بخبرة،أي بأدم.(2:432)

الجوهريّ: الخبر:المزادة العظيمة؛و الجمع:خبور.

و تشبّه بها النّاقة في غزرها فتسمّى:خبراء.

و الخبر بالتّحريك:واحد الأخبار.

و أخبرته بكذا و خبّرته،بمعنى.

و الاستخبار:السّؤال عن الخبر،و كذلك التّخبّر.

و المخبر:خلاف المنظر.و كذلك المخبرة و المخبرة أيضا بضمّ الباء،و هو نقيض المرآة.

و الخبراء:القاع ينبت السّدر؛و الجمع:الخبارى و الخباري،مثل الصّحارى و الصّحاري،و الخبراوات.

يقال:خبر الموضع بالكسر،فهو خبر.و أرض خبرة و خبراء.

و الخبار:الأرض الرّخوة ذات الجحرة.

و يقال أيضا:من أين خبرت هذا الأمر؟أي من أين علمت؟و الاسم:الخبر بالضّمّ،و هو العلم بالشّيء.

و الخبير:العالم.

و الخبير:الأكّار،و منه المخابرة،و هي المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض،و هو الخبر أيضا بالكسر.

و الخبير:النّبات.و في الحديث«نستخلب الخبير»، أي نقطع النّبات و تأكله.

و الخبير:الوبر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:لأخبرنّ خبرك،أي لأعلمنّ علمك.تقول منه:خبرته أخبره خبرا بالضّمّ،و خبرة بالكسر،إذا بلوته و اختبرته.يقال:«صدّق الخبر الخبر».

و أمّا قول أبي الدّرداء:«وجدت النّاس اخبر تقلهم» فيريد أنّك إذا خبرتهم قليتهم،فأخرج الكلام على لفظ الأمر،و معناه الخبر.

و الخابور:موضع بناحية الشّام.

و خيبر:موضع بالحجاز.يقال:«عليه الدّبرى، و حمّى خيبرى».

ص: 82

و الخبرة بالضّمّ:النّصيب تأخذه من سمك أو لحم، حكاه أبو عبيد.يقال:تخبّروا خبرة،إذا اشتروا شاة فذبحوها و اقتسموا لحمها.(2:641)

نحوه الرّازيّ.(186)

أبو هلال :الفرق بين السّؤال و الاستخبار:أنّ الاستخبار طلب الخبر فقط،و السّؤال يكون طلب الخبر و طلب الأمر و النّهي،و هو أن يسأل السّائل غيره أن يأمره بالشّيء أو ينهاه عنه.(25)

الفرق بين الخبر و بين الحديث:أنّ الخبر هو القول الّذي يصحّ وصفه بالصّدق و الكذب،و يكون الإخبار به عن نفسك و عن غيرك،و أصله:أن يكون الإخبار به عن غيرك،و ما به صار الخبر خبرا هو معنى غير صيغته، لأنّه يكون على صيغة ما ليس بخبر،كقولك:رحم اللّه زيدا،و المعنى اللّهمّ ارحم زيدا.

و الحديث في الأصل هو ما تخبر به عن نفسك من غير أن تسنده إلى غيرك،و سمّي حديثا لأنّه لا تقدّم له، و إنّما هو شيء حدث لك،فحدّثت به.

ثمّ كثر استعمال اللّفظين حتّى سمّى كلّ واحد منهما باسم الآخر،فقيل للحديث خبر و للخبر حديث،و يدلّ على صحّة ما قلنا أنّه يقال:فلان يحدّث عن نفسه بكذا و هو حديث النّفس،و لا يقال:مخبر عن نفسه و لا هو خبر النّفس و اختار مشايخنا قولهم:إن سأل سائل فقال أخبروني؟و لم يختاروا حدّثوني،لأنّ السّؤال استخبار و المجيب مخبر.

و يجوز أن يقال:إنّ الحديث ما كان خبرين فصاعدا، إذا كان كلّ واحد منهما متعلّقا بالآخر،فقولنا:رأيت زيدا،خبر،و رأيت زيدا منطلقا،حديث،و كذلك قولك:

رأيت زيدا و عمرا،حديث مع كونه خبرا.

الفرق بين النّبإ و الخبر:أنّ النّبأ لا يكون إلاّ للإخبار بما لا يعلمه المخبر،و يجوز أن يكون المخبر بما يعلمه و بما لا يعلمه،و لهذا يقال:تخبرني عن نفسي،و لا يقال:

تنبئني عن نفسي و كذلك تقول:تخبرني عمّا عندي،و لا تقول:تنبئني عمّا عندي.و في القرآن فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الشّعراء:6.و إنّما استهزءوا به، لأنّهم لم يعلموا حقيقته،و لو علموا ذلك لتوقّوه،يعني العذاب.و قال تعالى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ هود:100.و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكن يعرف شيئا منها.

و قال عليّ بن عيسى في النّبإ معنى عظيم الشّأن، و كذلك أخذ منه صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و لهذا يقال:سيكون لفلان نبأ،و لا يقال:خبر بهذا المعنى.و قال الزّجّاج في قوله تعالى: فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أنباؤه تأويله.و المعنى سيعلمون ما يؤول إليه استهزاؤهم.قلنا:و إنّما يطلق عليه هذا لما فيه من عظم الشّأن.

و الإنباء عن الشّيء أيضا قد يكون بغير حمل النّبأ عنه،تقول:هذا الأمر ينبئ بكذا،و لا تقول:يخبر بكذا، لأنّ الإخبار لا يكون إلاّ بحمل الخبر.(28)

الفرق بين الخبر و الشّهادة:أنّ شهادة الاثنين عند القاضي يوجب العمل عليها،و لا يجوز الانصراف عنها، و يجوز الانصراف عن خبر الاثنين و الواحد إلى القياس و العمل به،و يجوز العمل به أيضا.و التّعبّد أخرج الشّهادة

ص: 83

عن حكم الخبر المحض،و يفرق بين قولك:شهد عليه، و شهد على إقراره.فتقول إذا جرى الفصل أو الأخذ بحضرة الشّاهد:كتب شهد عليه،و إذا جرى ذلك رؤية ثمّ أقرّ به عنده:كتب شهد على إقراره.

الفرق بين الخبر و الأمر:أنّ الأمر لا يتناول الآمر، لأنّه لا يصحّ أن يأمر الإنسان نفسه،و لا أن يكون فوق نفسه في الرّتبة،فلا يدخل الآمر مع غيره في الأمر، و يدخل مع غيره في الخبر،لأنّه لا يمتنع أن يخبر عن نفسه كإخباره عن غيره،و لذلك قال الفقهاء:إنّ أوامر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم تتعدّاه إلى غيره من حيث كان لا يجوز أن يختصّ بها،و فصلوا بينها و بين أفعاله بذلك،فقالوا:أفعاله لا تتعدّاه إلاّ بدليل.و قال بعضهم:بل حكمنا و حكمه في فعله سواء،فإذا فعل شيئا فقد صار كأنّه قال لنا:إنّه مباح،قال:و يختصّ العامّ بفعله كما يختصّ بقوله.

و يفرق بينهما أيضا من وجه آخر،و هو أنّ النّسخ يصحّ في الأمر و لا يصحّ في الخبر عند أبي عليّ و أبي هاشم رحمهما اللّه تعالى،و ذهب أبو عبد اللّه البصريّ رحمه اللّه إلى أنّ النّسخ يكون في الخبر كما يكون في الأمر،قال:

و ذلك مثل أن يقول:الصّلاة تلزم المكلّف في المستقبل،ثمّ يقول بعد مدّة:إنّ ذلك لا يلزمه،و هذا أيضا عند القائلين بالقول الأوّل أمر،و إن كان لفظه لفظ الخبر.

و أمّا الخبر عند حال الشّيء الواحد المعلوم،أنّه لا يجوز خروجه عن تلك الحال،فإنّ النّسخ لا يصحّ في ذلك عند الجميع،نحو الخبر عن صفات اللّه بأنّه عالم و قادر.(30)

الفرق بين العلم و الخبر:أنّ الخبر هو العلم بكنه المعلومات على حقائقها،ففيه معنى زائد على العلم.قال أبو أحمد ابن أبي سلمة رحمه اللّه:لا يقال منه:خابر،لأنّه من باب«فعلت»،مثل طرقت و كرمت،و هذا غلط،لأنّ «فعلت»لا يتعدّى و هذه الكلمة تتعدّى به،و إنّما هو من قولك:خبرت الشّيء،إذا عرفت حقيقة خبره،و أنا خابر و خبير،من قولك:خبرت الشّيء،إذا عرفته مبالغة،مثل عليم و قدير،ثمّ كثر حتّى استعمل في معرفة كنهه و حقيقته.[ثمّ استشهد بشعر](74)

الفرق بين الإعلام و الإخبار:أنّ الإعلام التّعريض لأن يعلم الشّيء،و قد يكون ذلك بوضع العلم في القلب، لأنّ اللّه تعالى قد علّمنا ما اضطررنا إليه،و يكون الإعلام بنصب الدّلالة و الإخبار و الإظهار للخبر،علم به أو لم يعلم،و لا يكون اللّه مخبرا بما يحدثه من العلم في القلب.(77)

الفرق بين الابتلاء و الاختبار:أنّ الابتلاء لا يكون إلاّ بتحميل المكاره و المشاقّ.و الاختبار يكون بذلك و بفعل المحبوب،أ لا ترى أنّه يقال:اختبره بالإنعام عليه، و لا يقال:ابتلاه بذلك،و لا هو مبتلى بالنّعمة،كما قد يقال:

أختبره بالإنعام عليه،و لا تقول:ابتلاه بذلك،و لا هو مبتلى بالنّعمة،كما قد يقال إنّه مختبر بها.

و يجوز أن يقال:إنّ الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطّاعة و المعصية،و الاختبار يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك.و الخبر العلم الّذي يقع بكنه الشّيء و حقيقته،فالفرق بينهما بيّن.(178)

الفرق بين الفتنة و الاختبار:أنّ الفتنة أشدّ الاختبار و أبلغه،و أصله:عرض الذّهب على النّار لتبيّن صلاحه

ص: 84

من فساده،و منه قوله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ، و يكون في الخير و الشّرّ،أ لا تسمع قوله تعالى:

أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ الأنفال:28،و قال تعالى: لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ الجنّ:16، فجعل النّعمة فتنة،لأنّه قصد بها المبالغة في اختبار المنعم عليه بها،كالذّهب إذا أريد المبالغة في تعرّف حاله فيراني (1)أدخل النّار،و اللّه تعالى لا يختبر العبد لتغيير حاله في الخير و الشّرّ،و إنّما المراد بذلك شدّة التّكليف.

الفرق بين الاختبار و التّجريب:أنّ التّجريب هو تكرير الاختبار و الإكثار منه،و يدلّ على هذا أنّ «التّفعيل»هو للمبالغة و التّكرير،و أصله من قولك:

جرّبه،إذا داواه من الجرب،فنظر أصلح حاله أم لا.

و مثله قرد البعير،إذا نزع عنه القردان،و قرع الفصيل،إذا داواه من القرع؛و هو داء معروف.و لا يقال:إنّ اللّه تعالى يجرّب،قياسا على قولهم:يختبر و يبتلي،لأنّ ذلك مجاز، و المجاز لا يقاس عليه.(179)

ابن سيده: الخبر:النّبأ،و الجمع:أخبار،و أخابير:

جمع الجمع،فأمّا قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها الزّلزال:4،فمعناه يوم تزلزل،تخبر بما عمل عليها.

و خبّره،و أخبره:نبّأه.و استخبره:طلب أن يخبره.

و رجل خابر،و خبير:عالم بالخبر.و الخبير:المخبر.

و قال أبو حنيفة في وصف شجر:أخبرني بذلك الخبر،فجاء به على مثال«فعل»و هذا لا يكاد يعرف إلاّ أن يكون على النّسب.

و أخبره خبوره:أنبأه ما عنده.

و الخبر،و الخبر،و الخبرة،و الخبرة و المخبرة و المخبرة،كلّه:العلم بالشّيء.و قد خبره يخبره خبرا و خبرا،و اختبره،و تخبّره.

و الخبير:الّذي يخبر الشّيء بعلمه.

و رجل مخبرانيّ: ذو مخبر،كما قالوا:منظرانيّ،أي ذو منظر.

و الخبر،و الخبر:المزادة؛و الجميع:خبور.و هي الخبراء أيضا،عن كراع.

و الخبر،و الخبر:النّاقة الغزيرة اللّبن،شبّهت بالمزادة، و الجمع كالجمع.

و الخبراء:المجرّبة بالغزر.

و الخبرة:القاع ينبت السّدر؛و جمعه:خبر؛و هي الخبراء أيضا؛و الجمع:خبراوات،و خبار.

و الخبراء:منقع الماء،و خصّ بعضهم به منقع الماء في أصول السّدر.

و الخبر:شجر السّدر و الأراك و ما حولهما من العشب؛واحدته:خبرة.و خبراء الخبرة:شجرها.

و قيل:الخبر:منبت السّدر في القيعان.

و الخبار من الأرض:ما لان و استرخى.

و الخبار:الجراثيم،و جحرة الجرذان؛واحدته:

خبارة.و في المثل:«من تجنّب الخبار أمن العثار».

و خبرت الأرض خبرا:كثر خبارها.

و الخبر:أن تزرع على النّصف أو الثّلث،و هي المخابرة،و المخابرة،أيضا:المؤاكرة.و الخبير:الأكّار.

و الخبر:الزّرع.

و الخبير:الوبر.ا.

ص: 85


1- كذا.و كأنّ فيه سقطا.

و الخبير:نسالة الشّعر،و الخبيرة:الطّائفة منه.

و الخبير:زبد أفواه الإبل.

و الخبر،و الخبرة:اللّحم يشتريه الرّجل لأهله.

و الخبرة:الشّاة يشتريها القوم بأثمان مختلفة ثمّ يقتسمونها،فيسهمون،كلّ واحد منهم على قدر ما نقد.

و تخبّروها:اقتسموها.و شاة خبيرة:مقتسمة،أراه على طرح الزّائد.

و الخبرة:النّصيب تأخذه من لحم أو سمك.

و جمل مختبر:كثير اللّحم.

و الخبرة:الطّعام،و ما قدّم من شيء.

و الخبرة:الثّريدة الضّخمة.

و خبر الطّعام يخبره خبرا:دسمه.

و الخابور:نبت،أو شجر.

و الخابور:نهر،أو واد بالجزيرة.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](5:178)

الخبراء:هي من النّوق المجرّبة بالغزر.خبرت النّاقة تخبر خبورا:غزر لبنها.(الإفصاح 2:726)

الخبر:كلّ معالجة للأرض،و لذلك سمّي الأكّار خبيرا.(الإفصاح 2:1065)

الخبراء:مجتمع السّدر و منبته.(الإفصاح 2:1185)

الرّاغب: الخبر:العلم بالأشياء المعلومة من جهة الخبر،و خبرته خبرا و خبرة و أخبرت:أعلمت بما حصل لي من الخبر.

و قيل:الخبرة:المعرفة ببواطن الأمر.

و الخبار و الخبراء:الأرض اللّيّنة،و قد يقال ذلك لما فيها من الشّجر.

و المخابرة:مزارعة الخبار بشيء معلوم،و الخبير:

الأكّار فيه.

و الخبر:المزادة الصّغيرة،و شبّهت بها النّاقة فسمّيت خبرا.(141)

الحريريّ: و الخبور:الغزيرات الدّرّ.(105)

الزّمخشريّ: خبرت الرّجل و اختبرته خبرا و خبرة.«و وجدت النّاس اخبر تقله».

و ما لي به خبر،أي علم.

و من أين خبرت هذا،بالكسر؟و أنا به خبير.

و استخبرته عن كذا،فأخبرني به و خبّرني.

و خرج يتخبّر الأخبار:يتتبّعها.

و أعطاه خبرته،أي نصيبه.

و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن المخابرة و هي المزارعة.

و مشوا في الخبار و الخبراء،و هي أرض رخوة فيها جحرة.و في مثل«من تجنّب الخبار أمن العثار».

و من المجاز:تخبر عن مجهوله مرآته.

(أساس البلاغة:102)

[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]،«يتخبّر له خبر كفّار قريش...».تخبّر الخبر:تعرّفه.(الفائق 1:346)

في حديث أبي هريرة:«...لا آكل الخبير و لا ألبس الحبير».

الخبير:الإدام الطّيّب،لأنّه يصلح الطّعام و يدمّثه للأكل،من الخبراء؛و هي الأرض السّهلة الدّمثة،و هي الخبرة أيضا،يقال:«أتانا بخبزة و لم يأت بخبرة».و روي «الخمير».(الفائق 1:353)

في حديث وفود العرب:«...نستخلب الخبير...»

ص: 86

الخبير:النّبات؛و منه قيل للوبر:خبير.[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 2:277،278)

ابن الشّجريّ: الخبار:الأرض اللّيّنة،و يد رسلة ليّنة المفاصل.(1:109)

الاستخبار و الاستعلام و الاستفهام واحد؛ فالاستخبار:طلب الخبر،و الاستفهام:طلب الفهم، و الاستعلام:طلب العلم.

و الاستخبار:نقيض الإخبار من حيث لا يدخله صدق و لا كذب.(1:262)

المدينيّ: في حديث«لا آكل الخبير»أي الخبز المأدوم.و الخبرة:الإدام.و قيل:هي الطّعام من اللّحم و غيره،و قيل:هي قصعة فيها لحم و خبز بين أربعة و خمسة،و الجفنة أكبر من ذلك.

و يقال:اخبر طعامك،أي دسّمه،يقال:«أتانا بخبرة بلا خبزة»من الخبز،أو هي الأرض السّهلة.

و روي:«لا آكل الخمير».

في الحديث:«فدفعننا (1)في خبار»الخبار:الأرض اللّيّنة.[ثمّ استشهد بشعر](1:547)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الخبير»هو العالم بما كان و بما يكون،خبرت الأمر أخبره،إذا عرفته على حقيقته.

و في حديث الحديبيّة:«أنّه بعث عينا من خزاعة يتخبّر له خبر قريش»أي يتعرّف،يقال:تخبّر الخبر، و استخبر،إذا سأل عن الأخبار ليعرفها.

و فيه:«نهى عن المخابرة».و قيل أصل المخابرة من«خيبر»لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أقرّها في أيدي أهلها على النّصف من محصولها،فقيل:خابرهم،أي عاملهم في خيبر.

و في حديث طهفة:«و نستخلب الخيبر»الخبير:

النّبات و العشب،شبّه بخبير الإبل و هو وبرها، و استخلابه:احتشاشه بالمخلب و هو المنجل.و الخبير يقع على الوبر و الذّرع و الأكّار.(2:6)

الفيّوميّ: خبرت الشّيء أخبر،من باب«قتل» خبرا:علمته،فأنا خبير به،و اسم ما ينقل و يتحدّث به:

خبر؛و الجمع:أخبار.

و أخبرني فلان بالشّيء فخبرته.

و خبرت الأرض:شققتها للذّراعة،فأنا خبير،و منه المخابرة،و هي المزارعة على بعض ما يخرج من الأرض.

و اختبرته بمعنى امتحنته.و الخبرة بالكسر:اسم منه.

و خبر مثال فلس:قرية من قرى اليمن،و قرية من قرى شيراز،و النّسبة إليها:خبريّ على لفظها.

و خيبر:بلاد بني عنزة،عن مدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في جهة الشّأم،نحو ثلاثة أيّام.(1:162)

الجزائريّ: النّبأ:الخبر الّذي له شأن عظيم،و منه اشتقاق النّبوّة،لأنّ النّبيّ مخبر عن اللّه تعالى.[ثمّ استشهد بآيات و قال:]

قال الرّاغب:النّبأ:خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم و غلبة ظنّ،و لا يقال للخبر:نبأ حتّى يتضمّن هذه الأشياء.و حقّ الخبر الّذي يقال فيه:نبأ،أن يتعرّى عن الكذب،كالمتواتر و خبر اللّه و خبر النّبيّ.(92)».

ص: 87


1- كذا،و الظّاهر:«فدفعنا في خبار من الأرض».

الفيروزآباديّ: الخبر محرّكة النّبأ جمعه:أخبار،جمع الجمع أخابير،و رجل خابر و خبير و خبر ككتف و جحر:

عالم به.

و أخبره خبوره:أنبأه ما عنده.

و الخبر و الخبرة بكسرهما و يضمّان و المخبرة و المخبرة:العلم بالشّيء كالاختبار و التّخبّر و قد خبر ككرم.

و الخبر:المزادة العظيمة كالخبراء و النّاقة الغزيرة اللّبن و يكسر فيهما جمعه:خبور.

و الزّرع و منقع الماء في الجبل و السّدر كالخبر ككتف.

و الخبراء القاع تنبته كالخبرة جمعه:الخبارى و الخباري و الخبراوات و الخبار.و منقع الماء في اصوله.

و الخبار كسحاب:مالان من الأرض و استرخى، و الجراثيم و جحرة الجرذان.

و من تجنّب الخبار أمن العثار مثل.

و خبرت الأرض كفرح كثر خبارها.

و المخابرة أن يزرع على النّصف و نحوه كالخبر بالكسر و المؤاكرة.

و الخبير:الأكّار،و العالم باللّه تعالى،و الوبر،و النّبات، و العشب،و زبد أفواه الإبل،و نسالة الشّعر.

و الشّاة تشترى بين جماعة فتذبح كالخبرة بالضّمّ.

و تخبّر و افعلوا ذلك.

و الصّوف الجيّد من أوّل الجزّ.

و المخبرة المخرأة و نقيض المرآة.

و الخبرة بالضّمّ:الثّريدة الضّخمة و النّصيب تاخذه من لحم أو سمك،و ما تشتريه لأهلك كالخبز و الطّعام و اللّحم،و ما قدّم من شيء و طعام يحمله المسافر في سفرته،و قصعة فيها خبر و لحم بين أربعة أو خمسة.

و الخابور نبت و نهر بين رأس عين و الفرات و آخر شرقيّ دجلة الموصل و واد و خابوراء موضع و خيبر حصن موضع قرب المدينة.

و الخيبريّ الحيّة السّوداء و خبره خبرا بالضّمّ و خبرة بالكسر:بلاه كاختبره و الطّعام دسّمه.

و استخبره:سأله الخبر كتخبّره و خبّره تخبيرا أخبره.

و المخبور الطّيّب الإدام و كصبور الأسد،و كنبقة ماء لبني ثعلبة.

و لأخبرنّ خبرك:لأعلمنّ علمك.

و وجدت النّاس أخبر تقله أى وجدتهم مقولا فيهم هذا أى ما من أحد إلاّ و هو مسخوط الفعل عند الخبرة.

و أخبرت اللّقحة:وجدتها غزيرة.(2:17)

الجرجانيّ: الخبر:لفظ مجرّد عن العوامل اللّفظيّة، مسند إلى ما تقدّمه لفظا،نحو:زيد قائم،أو تقديرا نحو:

أ قائم زيد.

و قيل:الخبر:ما يصحّ السّكوت عليه.

الخبر:هو الكلام المحتمل للصّدق و الكذب.

خبر«كان»و أخواتها،هو المسند بعد دخول«كان» و أخواتها.

خبر«إنّ»و أخواتها،هو المسند بعد دخول«إنّ» و أخواتها.

خبر«لا»الّتي لنفي الجنس،هو المسند بعد دخول «لا»هذه.

ص: 88

خبر«ما»و«لا»المشبّهتين بليس،هو المسند بعد دخولهما.

خبر الواحد:هو الحديث الّذي يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا ما لم يبلغ الشّهرة و التّواتر.

الخبر المتواتر:هو الّذي نقله جماعة عن جماعة، و الفرق بينهما يكون جاحد الخبر المتواتر كافرا بالاتّفاق، و جاحد الخبر المشهور مختلف فيه.و الأصحّ أنّه يكفّر، و جاحد خبر الواحد لا يكفّر بالاتّفاق.

الخبر المتواتر:هو الخبر الثّابت على ألسنة قوم لا يتصوّر تواطؤهم على الكذب.

الخبر على ثلاثة أقسام:خبر متواتر،و خبر مشهور، و خبر واحد.

أمّا الخبر المتواتر فهو كلام يسمعه من رسول اللّه جماعة،و منها جماعة أخرى إلى أن ينتهي إلى المتمسّك.

و أمّا الخبر المشهور فهو كلام يسمعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم واحد،و يسمعه من الواحد جماعة،و من تلك الجماعة أيضا جماعة إلى أن ينتهي إلى المتمسّك.

و أمّا خبر الواحد فهو كلام يسمعه من رسول اللّه واحد،و يسمعه من ذلك الواحد واحد آخر،و من الواحد الآخر آخر إلى أن ينتهي إلى المتمسّك.

و الفرق هو أنّ جاحد الخبر المتواتر يكون كافرا بالاتّفاق،و جاحد الخبر المشهور مختلف فيه.و الأصح أنّه يكفّر،و جاحد خبر الواحد لا يكون كافرا بالاتّفاق.

الخبر نوعان:مرسل و مسند،فالمرسل منه ما أرسله الرّاوي إرسالا من غير إسناد إلى راو آخر،و هو حجّة عندنا كالمسند،خلافا للشّافعيّ في إرسال الصّحابيّ، و سعيد بن المسيّب.و المسند ما أسنده الرّاوي إلى راو آخر إلى أن يصل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

ثمّ المسند أنواع:متواتر،و مشهور،و آحاد.

فالمتواتر منه:ما نقله قوم عن قوم لا يتصوّر تواطؤهم على الكذب فيه،و هو الخبر المتّصل إلى رسول اللّه،و حكمه يوجب العلم و العمل قطعا حتّى يكفّر جاحده.

فالمشهور منه،هو ما كان من الآحاد في العصر الأوّل،ثمّ اشتهر في العصر الثّاني حتّى رواه جماعة، لا يتصوّر تواطؤهم على الكذب،و تلقّته العلماء بالقبول، و هو أحد قسمي المتواتر،و حكمه يوجب طمأنينة القلب،لا علم يقين حتّى يضلّ جاحده و لا يكفّر،و هو الصّحيح.

و خبر الآحاد هو ما نقله واحد عن واحد،و هو الّذي لم يدخل في حدّ الاشتهار،و حكمه يوجب العمل دون العلم،و لهذا لا يكون حجّة في المسائل الاعتقاديّة.

خبر الكاذب:ما تقاصر عن التّواتر.

الخبرة:هي المعرفة ببواطن الأمور.(43)

مجمع اللّغة :الخبر بفتح الخاء و الباء،هو الكلام الّذي يفيد به المتكلّم السّامع واقعة من الواقعات؛و جمعه:

أخبار.(1:318)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خبر الشّيء خبرا:

علمه عن تجربة أو امتحنه.و خبره و به:علم خبره على حقيقته.

و خبّره الشّيء و به:أعلمه إيّاه و أنبأه به.

و الخبر:ما ينقل و يتحدّث به النّاس؛و الجمع:أخبار.

ص: 89

و الخبير:العارف بالأخبار أو الحقائق،و الخبير:من أسماء اللّه الحسنى،و معناه العالم بكنه الأشياء و بواطن الأمور،و المطّلع على مخلوقاته ظاهرا و باطنا.

(1:156)

العدنانيّ: الخبرة،الخبرة،الخبر،الخبر،المخبرة، المخبرة

و يخطّئون من يقول:له خبرة في فحص الدّم،أي معرفة به،و علم بكنهه.و يقولون:إنّ الصّواب هو الخبرة، اعتمادا على:الصّحاح،و الأساس،و المختار،و المصباح.

و لكن:

أجاز الرّاغب الأصفهانيّ قول الخبرة،و أجاز الخبرة و الخبرة كلتيهما كلّ من:اللّسان،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و المتن.

و أجاز الخبر كلّ من:معجم ألفاظ القرآن الكريم، و الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و الوسيط.

و أجاز الخبر:المدّ و الوسيط.

و أجاز الخبر و الخبر و المخبرة و المخبرة كلّ من:

اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و الوسيط.نسي الوسيط ذكر المخبرة.قال أبو الطّيّب المتنبّي:

و ما زلت حتّى قادني الشّوق نحوه

يسايرني في كلّ ركب له ذكر

و أستكبر الأخبار قبل لقائه

فلمّا التقينا صغّر الخبر الخبر

أمّا حركات فعله و مصادره فهي كما جاء في المدّ:

خبر الأمر و بالأمر يخبره خبورا.

و خبره يخبره خبرا.

و خبره يخبره خبرا:علمه.

و خبره يخبره خبرا و خبرة:اختبره.

و الخبر،و الخبر،و الخبر،و الخبر،و الخبرة،و الخبرة.

و المخبرة،و المخبرة:العلم بالشّيء.

و اكتفى اللّسان بقوله:خبره يخبره خبرا،و خبرا و خبرة،و خبرة،و مخبرة،و مخبرة.

و من معاني الخبرة:

1-اللّحم يشتريه الرّجل لأهله.

2-الثّريدة الضّخمة الدّسمة.

3-الطّعام.و سمع اللّحيانيّ العرب تقول:اجتمعوا على خبرته.

4-الشّاة يشترونها و يقتسمون لحمها.فيأخذ كلّ واحد بقدر ما نقد من الثّمن.

5-الإدام.جاء في«النّهاية»في شرح حديث أبي هريرة«حين لا آكل الخبير»أي الخبز المأدوم.و الخبير و الخبرة:الإدام.و قيل:هي الطّعام من اللّحم و غيره.

يقال:اخبر طعامك.

أخبره النّبأ،أخبره بالنّبإ،خبّره النّبأ و بالنّبإ

و يخطّئون من يقول:أخبره النّبإ،و يقولون:إنّ الصّواب هو أخبره بالنّبإ،اعتمادا على ما جاء في:

الصّحاح،و المختار،و المصباح،و الوسيط.

و لكن:

أجاز الجملتين:أخبره النّبإ،و أخبره بالنّبإ كلتيهما كلّ من:اللّسان،و التّاج،و المدّ أجاز أيضا:أخبره عن

ص: 90

النّبإ.و محيط المحيط،و أقرب الموارد.

و اكتفى القاموس و محيط المحيط بذكر:أخبره النّبأ، و أجمعا مع اللّسان،و التّاج،و المدّ،و أقرب الموارد على الاستشهاد بجملة:أخبره خبوره،أي أنبأه ما عنده.

و أجاز محيط المحيط و أقرب الموارد لنا أن نقول:

خبّره النّبأ،و خبّره بالنّبإ،و اكتفى«الوسيط».بقوله:خبّره بكذا.

لذا قل:أخبره النّبأ،أخبره بالنّبإ،خبّره النّبأ،خبّره بالنّبإ.(183)

محمود شيت:خابره:بادله الأخبار.

خبّره بكذا:أخبره به.

اختبر الشّيء:خبره.

استخبره:سأله عن الخبر،و طلب أن يخبره به.

الأخباريّ: المؤرّخ.و الصّحيفة الأخباريّة:الّتي تعنى بالأخبار و الأحداث.

الخبر:ما ينقل و يحدّث به قولا أو كتابة؛جمعه:أخبار الخبير:ذو الخبرة الّذي يخبر الشّيء بعلمه.و-:المخبر.

المخابرة:أن يعطي المالك الفلاّح أرضا يزرعها على بعض ما يخرج منها.

خبر نيّات العدوّ:علمها.

أخبره بكذا:أنبأه.

خابره:اتّصل به بالهاتف أو كتب له تقريرا.

استخبره:سأله عن المعلومات العسكريّة.و-:

استنطقه.يقال:استخبر الأسير.

الخبر:ما ينقل بالتّقارير أو بالجواسيس أو العيون؛ جمعه:أخبار.

المخابرة:صنف المخابرة:«سلاح الإشارة».

الاستخبارات:قسم جمع المعلومات في الجيش.

و يسمّى المكتب الثّاني في سوريّة،و المباحث العسكريّة في الجمهوريّة العربيّة المتّحدة.

المخبر:العين.و-:الجاسوس.(1:210)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو الاطّلاع النّافذ و العلم بالتّحقيق و الإحاطة و الدّقّة.و من هذا المعنى التّخبّر و الاستخبار و الخبر و الخبير و الخبرة و مشتقّاتها.

و أمّا الخبر بفتحتين اسما؛فإنّه وسيلة الاطّلاع و الوصول إلى التّخبّر و العلم.

و أمّا مفهوم الزّراعة:فإنّ الزّارع يتخبّر دائما محيط أرضه المزروعة،و يتفحّص عن الآفات الدّاخليّة و الخارجيّة العارضة،و يجعلها تحت نظره و دقّته،فهو الخابر و المتخبّر في هذه القسمة،و يديم تحقيقه فيها.

فهذه الحيثيّة منظورة في مفهوم هذه الكلمة،أي الزّارع من حيث إنّه على هذه الصّفة.و كذلك مفهوم «الخبراء»و هي الأرض اللّيّنة،يراد منها:الأرض الّتي جعلت تحت النّظر و التّحقيق و التّليين،لا مطلق الأرض اللّيّنة،و بهذا يندفع اختلاف المعاني الّتي ذكرت لهذه الكلمة.

و أمّا الخبر بمعنى النّاقة،أي النّاقة الغزيرة الكاملة القويّة،و هي تكون ذات تجربة و فهم و معرفة بوظائفها، و كيفيّة سلوكها و سيرها متحمّلة صابرة،فكأنّ كلمة الخبر مصدر أطلق عليها،كالعدل بمعنى العادل،مبالغة.

و أمّا المزادة العظيمة بمعنى الرّاوية،فالظّاهر أنّ من

ص: 91

مصاديق النّاقة الغزيرة النّاقة الرّاوية الكاملة،و من هذه الحيثيّة قد اشتبه على بعض فجعلوا«الرّاوية»من معاني الخبر مستقلاّ،كما أنّ كلمة«الرّاوية»تطلق أوّلا على البعير الرّاوية،ثمّ بمناسبته على مطلق الرّاوية.(3:10)

النّصوص التّفسيريّة

خبير

1- ..فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.

البقرة:234

الطّبريّ: يعني ذو خبرة و علم،لا يخفى عليه منه شيء.(2:531)

الثّعالبيّ: و عيد يتضمّن التّحذير،و خبير:اسم فاعل من خبر إذا تقصّى علم الشّيء.(1:180)

مثله ابن عطيّة(1:315)،و نحوه أبو حيّان(2:

225).

الطّبرسيّ: أي عليم.(2:337)

الشّربيني:عالم بباطنه كظاهره،فيجازيكم عليه.(1:153)

الخازن :يعني أنّه تعالى لا يخفى عليه خافية، و الخبير في صفة اللّه تعالى هو العالم بكنه الشّيء و حقيقته من غير شكّ،و الخبير في صفة المخلوقين إنّما يستعمل في نوع من العلم،و هو الّذي يتوصّل إليه بالاجتهاد و الفكر، و اللّه تعالى منزّه عن ذلك كلّه.(1:202)

الآلوسيّ: وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فلا تعملوا خلاف ما أمرتم به.و الظّاهر أنّ المخاطب به هو المخاطب في سابقه،و جوّز أن يكون خطابا للقادرين من الأولياء و الأزواج،فيكون فيه تغليبان-الخطاب على الغيبة، و الذّكور على الإناث-و فيه تحديد للطّائفتين،و يحتمل أن يكون وعدا و وعيدا لهما.(2:150)

رشيد رضا :محيط بدقائق عملكم،لا يخفى عليه منه شيء،فإذا ألزمتم النّساء الوقوف معكم عند حدوده أصلح أحوالكم،و رفّه معيشتكم في الدّنيا،و أحسن جزاءكم في الآخرة،و إن لم تفعلوا أخذكم في الدّارين أخذا وبيلا.(2:424)

نحوه المراغيّ.(2:193)

مغنيّة:و ما دام اللّه سبحانه يعلم السّرّ تماما كما يعلم الجهر،فالأفضل السّرّ،لأنّه أبعد عن الرّياء،إلاّ إذا كان في العلانية مصلحة،كالأسوة و الاقتداء،و إنّ كثيرا من المخلصين يبالغون في إخفاء صدقاتهم،فيتبرّعون للمشاريع الخيريّة باسم بعض المحسنين.(1:424)

الطّباطبائيّ: لمّا كان الكلام مشتملا على تشريع عدّة الوفاة،و على تشريع حقّ الازدواج لهنّ بعدها، و كان كلّ ذلك تشخيصا للأعمال،مستندا إلى الخبرة الإلهيّة،كان الأنسب تعليله بأنّ اللّه خبير بالأعمال، مشخّص للمحظور منها عن المباح،فعليهنّ أن يتربّصن في مورد،و أن يخترن ما شئن لأنفسهنّ في مورد آخر، و لذا ذيّل الكلام بقوله: وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.

(2:243)

فضل اللّه :فهو المطّلع عليكم في كلّ أعمالكم و أوضاعكم،فاتّقوه في ذلك كلّه.

ص: 92

و هذه الملاحظة في الآية و في غيرها من الآيات، و هي اختتام الجملة المتضمّنة للتّشريع بالتّأكيد لرقابة اللّه على الإنسان،من خلال خبرته المطلقة بكلّ خفاياه و قضاياه،تمثّل أسلوبا تربويّا في ربط المكلّف بالحكم الشّرعيّ،على أساس الوعي لموقعه من ربّه و موقع ربّه منه،حتّى لا يكون التّكليف مجرّد مادّة قانونيّة جامدة، يتلقّاها الإنسان بشكل عاديّ؛بحيث لا تثير في نفسه أيّ معنى يربط الإلزام بالخطّ الإيمانيّ الرّوحيّ المنفتح،على إشراف اللّه عليه.

و قد يكون من الضّروريّ أن ينطلق الدّعاة و المبلّغون للأخذ بهذا الأسلوب في نطاق التّبليغ للأحكام الشرعيّة الإسلاميّة،و الدّعوة إلى الالتزام بها في حياة المسلمين.(4:338)

2- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. البقرة:271

الطّبريّ: يعني بذلك ذو خبرة و علم،لا يخفى عليه شيء من ذلك،فهو بجميعه محيط،و لكلّه محص على أهله، حتّى يوفيهم ثواب جميعه،و جزاء قليله و كثيره.

(3:94)

الطّوسيّ: معناه أنّه تعالى بما تعملونه في صدقاتكم من إخفائها و إعلانها،عالم خبير به،لا يخفى عليه شيء من ذلك،فيجازي على جميعه بحسبه.(2:353)

نحوه الطّبرسيّ.(1:385)

الفخر الرّازيّ: و هو إشارة إلى تفضيل صدقة السّرّ على العلانية،و المعنى أنّ اللّه عالم بالسّرّ و العلانية،و أنتم إنّما تريدون بالصّدقة طلب مرضاته.فقد حصل مقصودكم في السّرّ،فما معنى الإبداء،فكأنّهم ندبوا بهذا الكلام إلى الإخفاء،ليكون أبعد من الرّياء.(7:81)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ(3:62)،و البروسويّ(1:

433).

البيضاويّ: ترغيب في الإسرار.(1:140)

نحوه الشّربينيّ(1:181)،و أبو السّعود(1:314)، و الكاشانيّ(1:277)،و القاسميّ(3:686).

أبو حيّان :ختم اللّه بهذه الصّفة،لأنّها تدلّ على العلم بما لطف من الأشياء و خفي،فناسب الإخفاء ختمها بالصّفة المتعلّقة بما خفي،و اللّه أعلم.(2:326)

الآلوسيّ: عالم لا يخفى عليه شيء،فيجازيكم على ذلك كلّه.ففي الجملة ترغيب في الإعلان و الإسرار و إن اختلفا في الأفضليّة.و يجوز أن يكون الكلام مساقا للتّرغيب في الثّاني لقربه،و لكون الخبرة بالإبداء ليس فيها كثير مدح.(3:45)

نحوه المراغيّ.(3:46)

رشيد رضا :أي لا تخفى عليه نيّاتكم في الإبداء و الإخفاء،فإنّ الخبير هو العالم بدقائق الأمور.(3:79)

الطّباطبائيّ: و لمّا كان بناء الدّين على الإخلاص، و كان العمل كلّما قرب من الإخلاص كان أقرب من الفضيلة،رجّح سبحانه جانب صدقة السّرّ،فقال:و إن تخفوها و تعطوها الفقراء فهو خير لكم فإنّ كلمة(خير) أفعل التّفضيل،و اللّه تعالى خبير بأعمال عباده،لا يخطئ في تمييز الخير من غيره،و هو قوله تعالى: وَ اللّهُ بِما

ص: 93

تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. (2:397)

مكارم الشّيرازيّ: المعنى هو أنّ اللّه عالم بما تنفقون،سواء كان علانية أم سرّا،كما أنّه عالم بنيّاتكم و أغراضكم من إعلان إنفاقكم و من إخفائه.

على كلّ حال إنّ الّذي له تأثير في الإنفاق هو النّيّة الطّاهرة،و الخلوص في العمل للّه وحده،لأنّه هو الّذي يجزي أعمال العبد،و هو عالم بما يخفى و يعلن.

(2:229)

فضل اللّه :هو الخبير بكلّ ما تفيضون ممّا تبدونه و تكتمونه،و هو الّذي يملك الثّواب الّذي يقدّمه لعباده المحسنين،فلتكن النّظرة إلى رضاه،و لتكن الرّغبة في الحصول على موقع القرب عنده،فإنّه غاية الغايات لعباده المؤمنين.(5:112)

3- ..لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. آل عمران:153

الطّبريّ: ذو خبرة و علم،و هو محص ذلك كلّه عليكم.حتّى يجازيكم به:المحسن منكم بإحسانه، و المسيء بإساءته،أو يعفو عنه.(3:482)

الطّوسيّ: فيه تجديد تحذير بأنّه لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد.(3:22)

نحوه الواحديّ(1:506)،و القرطبيّ(4:241).

الطّبرسيّ: فيه ترغيب في الطّاعة،و ترهيب عن المعصية.(1:522)

النّسفيّ: عالم بعملكم،لا يخفى عليه شيء من أعمالكم،و هذا ترغيب في الطّاعة،و ترهيب عن المعصية.

(1:188)

النّيسابوريّ: عالم بجميع أعمالكم و قصودكم و دواعيكم،فيجازيكم بحسب ذلك.(4:96)

نحوه الشّربينيّ(1:256)،و أبو السّعود(2:50)، و البروسويّ(2:111).

أبو حيّان : وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ هذه الجملة تقتضي تهديدا،و خصّ العمل هنا و إن كان تعالى خبيرا بجميع الأحوال من الأعمال و الأقوال و النّيّات،تنبيها على أعمالهم من تولية الأدبار،و المبالغة في الفرار،و هي أعمال تخشى عاقبتها و عقابها.(3:85)

القاسميّ: قادر على مجازاتكم،و فيه أعظم زاجر عن الإقدام على المعصية.ثمّ إنّه تداركهم سبحانه برحمته، و خفّف عنهم ذلك الغمّ،و غيّبه عنهم بالنّعاس الّذي أنزله عليهم أمنا منه.(4:1002)

المراغيّ: [ذكر نحو النّيسابوريّ و النّسفيّ]

(4:103)

رشيد رضا :لا يخفى عليه شيء من دقائقه و أسبابه،و لا من نيّتكم فيه و عاقبته فيكم.و من بلاغة هذه الجملة في هذا الموضع أنّ كلّ واحد من المخاطبين يتذكّر عند سماعها أو تلاوتها،أنّ اللّه تعالى مطّلع على عمله،عالم بنيّته و خواطره،فيحاسب نفسه،فإن كان مقصّرا تاب من ذنبه،و إن كان مشمّرا ازداد نشاطا، خوف الوقوع في التّقصير،و أن يراه اللّه حيث لا يرضى.(4:185)

مكارم الشّيرازيّ: وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فهو يعرف جيّدا من ثبت منكم و أطاع،و كان مجاهدا

ص: 94

واقعيّا،و من هرب و عصى،و على ذلك فليس لأحد أن يخدع نفسه،فيدّعي خلاف ما صدر منه في تلك الحادثة، فإذا كنتم من الفريق الأوّل بحقّ و صدق فاشكروه سبحانه،و إن لم تكونوا كذلك فتوبوا إليه و استغفروه من ذنوبكم.(2:570)

4- وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لِلّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. آل عمران:180

الطّبريّ: ذو خبرة و علم،محيط بذلك كلّه،حتّى يجازي كلاّ منهم على قدر استحقاقه،المحسن بالإحسان، و المسيء على ما يرى تعالى ذكره.(3:535)

الواحديّ: وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ من منعهم الحقوق،فيجازيهم عليه.(4:527)

نحوه الشّربينيّ(1:269)،و الكاشانيّ(1:373)، و شبّر(1:406)،و القاسميّ(4:1050)،و فضل اللّه(6:

414).

الطّبرسيّ: هذا تأكيد للوعد و الوعيد في إنفاق المال،لإحراز الثّواب و الأجر و السّلامة من الإثم و الوزر.

(1:546)

أبو السّعود :(خبير)فيجازيكم على ذلك.

و إظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتربية المهابة،و الالتفات للمبالغة في الوعيد،و الإشعار باشتداد غضب الرّحمن،النّاشئ من ذكر قبائحهم.

و قرئ (يعملون) بالياء على الظّاهر.(2:73)

نحوه الآلوسيّ.(4:140)

رشيد رضا :أي لا يخفى عليه شيء من دقائق عملكم و لا ممّا تنطوي عليه الصّدور من الهوى فيه و النّيّة في إتيانه،فيجزي كلّ عامل بما عمل على حسب تأثير عمله في نفسه.(4:261)

نحوه المراغيّ.(4:147)

مكارم الشّيرازيّ: أي أنّه عليم بأعمالكم،يعلم إذا بخلتم،كما يعلم إذا أنفقتم ما أوتيتموه من المال في السّبيل الصّالح العامّ،و خدمة المجتمع الإنسانيّ،و يجازي كلاّ على عمله بما يليق.(3:24)

5- ..وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. المائدة:8

أبو حيّان :لمّا كان الشّنئان محلّه القلب،و هو الحامل على ترك العدل،أمر بالتّقوى،و أتى بصفة(خبير) و معناها عليم،و لكنّها تختصّ بما لطف إدراكه،فناسب هذه الصّفة أن ينبّه بها على الصّفة القلبيّة.(3:440)

رشيد رضا :الخبرة:العلم الدّقيق الّذي يؤيّده الاختبار،أي لا يخفى عليه تعالى شيء من أعمالكم، ظاهرها و باطنها،و لا من نيّاتكم و حيلكم فيها،و هو الحكم العدل القائم بالقسط،فاحذروا أن يجزيكم بالعدل على ترككم العدل،فقد مضت سنّته العادلة في خلقه؛بأنّ جزاء ترك العدل و عدم إقامة القسط في الدّنيا هو ذلّ الأمّة و هوانها و اعتداء غيرها من الأمم على استقلالها، و لجزاء الآخرة أذلّ و أخزى،و أشدّ و أبقى.(6:274)

ص: 95

6- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. التّوبة:16

الفخر الرّازيّ: أي عالم بنيّاتهم و أغراضهم مطّلع عليها،لا يخفى عليه منها شيء،فيجب على الإنسان أن يبالغ في أمر النّيّة و رعاية القلب.(16:6)

مغنيّة:أجل،إنّه خبير عليم،و لكنّه لا يعاقب أحدا على ما يعلم منه،بل على ما تكشّف عنه بفعله و سلوكه.

(4:19)

عبد الكريم الخطيب :و قوله تعالى: وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ تحذير للمؤمنين الّذين في صدورهم شيء من هذه المشاعر،الّتي تقيم بينهم و بين المشركين صلة على حساب دينهم،أو على حساب الجماعة الإسلاميّة و أمنها و سلامتها.(5:716)

7- ..إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. هود:111

8- ..إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ. النّور:30

9- ..إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. النّور:53

10- ..إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ. النّمل:88

هذه مثل ما تقدّمها من الآيات.

11- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. هود:1

ابن عبّاس: (خبير)بمن يعبد و بمن لا يعبد.(181)

خبير بمن يصدّق بنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و بمن يكذّب به.

(الواحديّ 2:563)

الماورديّ: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ فيه وجهان:

أحدهما:من عند حكيم في أفعاله،خبير بمصالح عباده.

الثّاني:حكيم بما أنزل،خبير بمن يتقبّل.(2:456)

الزّمخشريّ: و قوله: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ صفة ثانية،و يجوز أن يكون خبرا بعد خبر،و أن يكون صلة ل(احكمت)و(فصّلت):أي من عنده إحكامها و تفصيلها،و فيه طباق حسن،لأنّ المعنى أحكمها حكيم و فصّلها،أي بيّنها و شرحها(خبير):عالم بكيفيّات الأمور.(2:258)

نحوه الفخر الرّازيّ(17:179)،و البيضاويّ(1:

460)،و النّسفيّ(2:180).

ابن عطيّة: أي ذو خبرة بالأمور أجمع.(3:149)

القرطبيّ: بكلّ كائن و غير كائن.(9:3)

الخازن :يعني بأحوال عباده و ما يصلحهم.

(3:177)

أبو السّعود :صفة ل«الكتاب»وصف بها بعد ما وصف بإحكام آياته و تفصيلها الدّالّين على رتبته من حيث الذّات،إبانة لجلالة شأنه من حيث الإضافة،أو خبر للمبتدإ المذكور أو المحذوف،أو صلة للفعلين.

و في بنائها للمفعول،ثمّ إيراد الفاعل بعنوان الحكمة البالغة،و الإحاطة بجلائلها و دقائقها منكّرا بالتّنكير التّفخيميّ،و ربطهما به لا على النّهج المعهود في إسناد الأفاعيل إلى فواعلها،مع رعاية حسن الطّباق،من الجزالة و الدّلالة على فخامتهما،و كونهما على أكمل ما يكون،ما لا يكتنه كنهه.(3:281)

شبّر:بمصالح خلقه،و يدلّ على أنّ كلامه تعالى

ص: 96

محدث،لأنّ الإحكام و التّفصيل من صفات الأفعال، و كذا صدوره من لدن حكيم لا يصحّ في المحدث،لأنّ القديم يستحيل صدوره عن الغير.(3:195)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]

أو خبر ثان للمبتدإ الملفوظ أو المقدّر،أو هو معمول لأحد الفعلين على التّنازع،مع تعلّقه بهما معنى،أي من عنده إحكامها و تفصيلها.و اختار هذا في«الكشف»...

[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

ففي الآية اللّفّ و النّشر،و أصل الكلام على ما قال الطّيّبيّ:أحكم آياته الحكيم و فصّلها الخبير،ثمّ عدل عنه إلى أحكمت حكيم و فصّلت خبير،على حدّ قوله تعالى:

يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ* رِجالٌ النّور:36، 37،على قراءة البناء للمفعول.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

ثمّ إلى ما في النّظم الجليل،لما في الكناية من الحسن مع إفادة التّعظيم البالغ،الّذي لا يصل إلى كنهه وصف الواصف،لا سيّما و قد جيء بالاسمين الجليلين منكّرين بالتّنكير التّفخيميّ.(11:205)

ابن عاشور :أي من عند الموصوف بإبداع الصّنع لحكمته،و إيضاح التّبيين لقوّة علمه.و الخبير:العالم بخفايا الأشياء.و كلّما كثرت الأشياء كانت الإحاطة بها أعزّ.

فالحكيم مقابل ل(احكمت)و الخبير مقابل ل(فصّلت) و هما و إن كانا متعلّق العلم و متعلّق القدرة؛إذ القدرة لا تجري إلاّ على وفق العلم،إلاّ أنّه روعي في المقابلة الفعل الّذي هو أثر إحدى الصّفتين،أشدّ تبادرا فيه للنّاس من الآخر،و هذا من بليغ المزاوجة.(11:200)

12- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. الحجّ:63

ابن عبّاس: بمكانه.[النّبات](283)

(خبير)بما في قلوبهم من القنوط.

(الفخر الرّازيّ 23:62)

نحوه الطّبرسيّ.(4:49)

بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر.(القرطبيّ 12:92)

نحوه الواحديّ(3:278)،و ابن الجوزيّ(5:447).

الكلبيّ: بأعمال خلقه.(الفخر الرّازيّ 23:62)

مقاتل:بكيفيّة خلقه.[النّبت]

(الفخر الرّازيّ 23:62)

الطّبريّ: بما يحدث عن ذلك النّبت من الحبّ و به.(9:184)

أبو حيّان :[نحو الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:خبير بلطيف التّدبير،خبير بالصّنع الكثير.(6:387)

الطّوسيّ: بما يحدث عنه و ما يصلح له.(7:336)

الزّمخشريّ: بمصالح الخلق و منافعهم.(3:21)

الفخر الرّازيّ: إنّه عالم بمقادير مصالحهم،فيفعل على قدر ذلك من دون زيادة و نقصان.(23:62)

نحوه الآلوسيّ.(17:193)

البيضاويّ: بالتّدابير الظّاهرة و الباطنة.(2:98)

نحوه أبو السّعود(4:394)،و الكاشاني(3:389)، و البروسويّ(6:56)،و شبّر(4:255).

القرطبيّ: قيل:...(خبير)بحاجتهم

ص: 97

وفاقتهم.(12:92)

الشّربينيّ: أي بمصالح الخلق و منافعهم،فإنّه مطّلع على السّرائر و إن دقّت،فلا يستبعد عليه إحياء من أراد بعد موته.(2:564)

فضل اللّه :بعباده في ما يخلقه لهم من أسباب الرّزق بما يحتاجون إليه من عناصر القوّة لامتداد حياتهم.

(16:111)

و جاء بهذا المعنى في الآيات التّالية:

13- ..وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. الحديد:10

14- ..ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. المجادلة:3

15- ..وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. المجادلة:11

16- ..وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. المجادلة:13

17- ..إِذا جاءَ أَجَلُها وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.

المنافقون:11

18- ..فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. التّغابن:8

19- يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. لقمان:16

ابن عبّاس: بمكانها.(345)

مثله أبو العالية(النّحّاس 5:287)،و زيد بن عليّ (321)،و الرّبيع(الماورديّ 4:338)،و الطّبريّ(10:

213)،و الزّجّاج(4:197)،و الثّعلبي(7:314)، و الواحديّ(3:443).

الحسن :معنى الآية هو الإحاطة بالأشياء صغيرها و كبيرها.(الشّربينيّ(3:188)

قتادة :بمستقرّها.(الطّبريّ 10:213)

الطّوسيّ: و الخبير:العالم،و فيه مبالغة في الصّفة، مشتقّ من الخبر.و لم يزل اللّه خبيرا عالما بوجوه ما يصحّ أن يخبر به.(8:279)

ابن عطيّة: صفتان لائقتان بإظهار غرائب القدرة.

(4:350)

الشّربينيّ: أي عالم ببواطن الأمور فيعلم مستقرّها.روي في بعض الكتب أنّ هذه آخر كلمة تكلّم بها لقمان،فانشقّت مرارته من هيبتها،فمات.(3:188)

أبو السّعود :(لطيف)يصل علمه إلى كلّ خفيّ (خبير)بكنهه.(5:190)

مثله الآلوسيّ(21:89)،و نحوه الطّباطبائيّ(16:

218).

البروسويّ: [نحو أبي السّعود ثمّ قال:]

قال في شرح حزب البحر:الخبير هو العليم بدقائق الأمور الّتي لا يتوصّل إليها غيره إلاّ بالاختيار و الاحتيال.(7:82)

الآلوسيّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و نقل الآمديّ أنّه العالم بالخفيّات،و أنت تعلم أنّه المعنى المشهور للخبير،و فسّره بعضهم بالمخبر،و لا يناسب المقام،كتفسير«اللّطيف»بما لا تدركه الحاسّة.(17:193)

ص: 98

ابن عاشور: و جملة: إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يجوز أن يكون من كلام لقمان،فهي كالمقصد من المقدّمة،أو كالنّتيجة من الدّليل.و لذلك فصلت و لم تعطف،لأنّ النّتيجة كبدل الاشتمال يشتمل عليها القياس،و لذلك جيء بالنّتيجة كلّيّة بعد الاستدلال بجزئيّة.

و إنّما لم نجعلها تعليلا،لأنّ مقام تعليم لقمان ابنه يقتضي أنّ الابن جاهل بهذه الحقائق،و شرط التّعليل أن يكون مسلّما معلوما قبل العلم بالمعلّل،ليصحّ الاستدلال به.و يجوز أن تكون معترضة بين كلام لقمان تعليما من اللّه للمسلمين.

و اللّطيف:من يعلم دقائق الأشياء و يسلك في إيصالها إلى من تصلح به مسلك الرّفق،فهو وصف مؤذن بالعلم و القدرة الكاملين،أي يعلم و يقدر و ينفذ قدرته.

و تقدّم في قوله: وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ في سورة الأنعام:

103،ففي تعقيب يَأْتِ بِهَا اللّهُ بوصفه ب«اللّطيف»، إيماء إلى أن التّمكّن منها و امتلاكها بكيفيّة دقيقة تناسب فلق الصّخرة و استخراج الخردلة منها،مع سلامتها و سلامة ما اتّصل بهما من اختلال نظام صنعه.و هنا قد استوفى أصول الاعتقاد الصّحيح.و جملة: إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ لقمان:16،يجوز أن تكون من كلام لقمان،و أن تكون معترضة من كلام اللّه تعالى.(21:108)

جوادي آملىّ:لا شيء يحجب علم اللّه و يحول دونه،و ما يحجب غيره لا يحجبه.و قد قسّم الحجاب هنا أربعة أقسام:

الأوّل:الضّآلة و النّزارة الّتي تمنع الإنسان من رؤيتها،فالذّرّة لا ترى لدقّتها،أو النّغمة الضّعيفة لا يسمع صوتها لخفوتها.فالضّعف و الضّآلة و النّزارة تحول دون الرّؤية أو الإحساس بشيء.

الثّاني:السّتر و الحجاب،فهو يحول دون رؤية المستور؛إذ لا يرى ما كان خلف السّتار أو الجدار.

الثّالث:البعد،فلا يرى ما كان بعيدا،و إن لم يكن ضئيلا أو مستورا؛إذ لا ترى النّجوم البعيدة جدّا في السّماء.فالبعد حجاب يحول دون رؤية الأشياء البعيدة جدّا،و كذلك النّغمة،لا تسمع من بعيد.

الرّابع:الظّلمة،فهي تمنع الرّؤية،و لا تدع الإنسان يرى الأشياء.

و على ذلك لا يمكن رؤية الشّيء إذا كان صغيرا جدّا، أو بعيدا،أو مستورا،أو مخبوء في ظلمة،لأنّ النّزارة، و السّتر،و البعد،و الظّلمة تحول دون الرّؤية.

و لكنّ لقمان الحكيم قال:إنّ هذه الأمور لا تحجب رؤية اللّه أو تحول دون علمه.فقال يخاطب ابنه:يا بنيّ! إنّ ما تتّصف به من خصال،و تتحلّى به من خلال،و تجهر به من فعال،أو ما أضمرته في البال،و عقدت عليه الآمال،و كان ذلك مثقال حبّة من خردل،فتكن في صخرة صمّاء،أو في أرض أو سماء،يعلم بها اللّطيف الخبير،و يبصر بها العليم البصير!

(التّفسير الموضوعيّ 1:164)

20- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَ أَنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. لقمان:29

الآلوسيّ: عطف على قوله: أَنَّ اللّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ...

ص: 99

داخل معه في حيّز الرّؤية على تقديري خصوص الخطاب و عمومه،فإنّ من شاهد مثل ذلك الصّنع الرّائق و التّدبير اللاّئق،لا يكاد يغفل عن كون صانعه عزّ و جلّ محيطا بجلائل أعماله و دقائقها.(21:103)

ابن عاشور : أَنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ عطف على أَنَّ اللّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ فهو داخل في الاستفهام الإنكاريّ بتنزيل العالم منزلة غيره،لعدم جريه على موجب العلم،فهم يعلمون أنّ اللّه خبير بما يعملون،و لا يجرون على ما يقتضيه هذا العلم في شيء من أحوالهم.(21:126)

الطّباطبائيّ: [ذكر نحو الآلوسيّ ثمّ قال:]

و فيه أنّ استنتاج العلم بالأعمال من العلم بالنّظام الجاري في اللّيل و النّهار و الشّمس و القمر،و إن صحّ في نفسه،فهو علم حدسيّ لا مصحّح لتسميتها رؤية،و هو ظاهر.

و لعلّ المراد من مشاهدة خبرته تعالى بالأعمال،أنّ الإنسان لو أمعن في النّظام الجاري في أعمال نفسه بما أنّها صادرة عن العالم الإنسانيّ،موزّعة من جهة إلى الأعمال الصّادرة عن القوى الظّاهرة من سمع و بصر و شمّ و ذوق و لمس،و الصّادرة عن القوى الباطنة المدركة أو الفعّالة، أو من جهة إلى بعض القوى و الأدوات أو كلّها،و من جهة إلى جاذبة و دافعة،و من جهة إلى سنيّ العمر من طفوليّة و رهاق و شباب و شيب إلى غير ذلك.ثمّ في ارتباط بعضها ببعض،و استخدام بعضها لبعض،و اهتداء النّفس إلى وضع كلّ في موضعه الّذي يليق به،و حركته بهذه القافلة من القوى و الأعمال،نحو غايتها من الكمال، و سعادتها في المال و تورّطها في ورطات عالم المادّة و موطن الزّينة و الفتنة،فمن ناج أو هالك.

فإذا أمعن في هذا النّظام المحيّر للأحلام،لم يرتب أنّه تقدير قدّره ربّه،و نظام نظّمه صانعه العليم القدير، و مشاهدة هذا النّظام العلميّ العجيب،مشاهدة أنّه بما يعملون خبير،و اللّه العالم.(16:235)

نحوه ملخّصا مكارم الشّيرازيّ.(13:63)

21- إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.

لقمان:34

الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:عليم بالغيب خبير بالنّيّة.الثّاني:عليم بالأعمال،خبير بالجزاء.

(4:350)

الشّربينيّ: أي يعلم خبايا الأمور و خفايا الصّدور، كما يعلم ظواهرها و جلاياها،كلّ عنده على حدّ سواء، فهو الحكيم في ذاته و صفاته،و لذلك أخفى هذه المفاتيح عن عباده،لأنّه لو أطلعهم عليها لفات كثير من الحكم باختلال هذا النّظام على ما فيه من الأحكام،فقد انطبق آخر السّورة بإثبات العلم و الخبر-مع تقرير أمر السّاعة الّتي هي مفتاح الدّار الآخرة-على أوّلها،المخبر بحكمة صفته الّتي من علمها حقّ علمها،و تخلّق بما دعت إليه و حضّت عليه-لا سيّما الإيقان بالآخرة-كان حكيما.

فسبحان من هذا كلامه،و تعالى كبريائه،و عزّ مرامه.(3:201)

ص: 100

الآلوسيّ: يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها،فالجمع بين الوصفين للإشارة إلى التّسوية،بين علم الظّاهر و الباطن عنده عزّ و جلّ و الجملة-على ما قيل-في موضع التّعليل لعلمه سبحانه بما ذكر.و قيل:جواب سؤال نشأ من نفي دراية الأنفس ما ذا تكسب غدا،و بأيّ أرض تموت،كأنّه قيل:فمن يعلم ذلك؟فقيل: إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ و هو جواب بأنّ اللّه تعالى يعلم ذلك و زيادة.

و لا يخفى أنّه إذا كانت هذه الجملة من تتمّة الجملتين اللّتين قبلها،كانت دلالة الكلام-على انحصار العلم بالأمرين اللّذين نفى العلم بهما عن كلّ نفس-ظاهرة جدّا،فتأمّل ذاك،و اللّه عزّ و جلّ يتولّى هداك.

(21:113)

ابن عاشور :و جملة: إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ مستأنفة ابتدائيّة،واقعة موقع النّتيجة،لما تضمّنه الكلام السّابق،من إبطال شبهة المشركين بقوله تعالى: إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا لقمان:33، كموقع قوله في قصّة لقمان:16، إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ عقب قوله: إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ....

و المعنى:أنّ اللّه عليم بمدى وعده،خبير بأحوالكم ممّا جمعه قوله: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً إلخ؛ و لذا جمع بين الصّفتين:صفة عَلِيمٌ و صفة خَبِيرٌ، لأنّ الثّانية أخصّ.(21:137)

22- ..وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ. فاطر:14

لاحظ ن ب أ:«ينبّئك».

23- ..إِنَّ اللّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ. فاطر:31

ابن عبّاس: بمن يؤمن و من لا يؤمن.(367)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّ اللّه بعباده لذو علم و خبرة بما يعملون،بصير بما يصلحهم من التّدبير.

(10:411)

الطّوسيّ: (لخبير)أي عالم بهم.(بصير)بأحوالهم، لا يخفى عليه شيء منها،فيجازيهم على استعمال الحقّ بالثّواب،و على استعمال الباطل بالنّار.(8:429)

الزّمخشريّ: يعني أنّه خبّرك و أبصر أحوالك، فرآك أهلا،لأن يوحي إليك،مثل هذا الكتاب المعجز الّذي هو عيار على سائر الكتب.(3:308)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّه تقرير لكونه هو الحقّ،لأنّه وحي من اللّه،و اللّه خبير عالم بالبواطن،بصير عالم بالظّواهر،فلا يكون باطلا في وحيه،لا في الباطن و لا في الظّاهر.

و ثانيهما:أن يكون جوابا لما كانوا يقولونه:إنّه لم لم ينزل على رجل عظيم؟فيقال:إنّ اللّه بعباده لخبير يعلم بواطنهم،و بصير يرى ظواهرهم،فاختار محمّدا عليه السّلام و لم يختر غيره،فهو أصلح من الكلّ.(26:24)

البيضاويّ: عالم بالبواطن و الظّواهر،فلو كان في أحوالك ما ينافي النّبوّة لم يوح إليك،مثل هذا الكتاب المعجز الّذي هو عيار على سائر الكتب.و تقديم الخبر للدّلالة على أنّ العمدة في ذلك الأمور الرّوحانيّة.

(2:272)

النّيسابوريّ: تقرير لكونه حقّا،لأنّ الّذي يكون عالما بالبواطن و الظّواهر لم يمكن أن يكون في كلامه شوب باطل.و فيه لم يختر محمّدا للرّسالة جزافا و على

ص: 101

سبيل الاتّفاق،و لكنّه أعلم حيث يجعل رسالته.

(22:79)

أبو حيّان :عالم بدقائق الأشياء و بواطنها،بصير بما ظهر منها،و حيث أهّلك لوحيه و اختارك برسالته و كتابه،اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته.(7:313)

الآلوسيّ: محيط ببواطن أمورهم و ظواهرها،فلو كان في أحوالك ما ينافي النّبوّة،لم يوح إليك مثل هذا الحقّ المعجز الّذي هو عيار على سائر الكتب،و تقديم(الخبير) للتّنبيه على أنّ العمدة هي الأمور الرّوحانيّة،و إلى ذلك أشار صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:«إنّ اللّه لا ينظر إلى أعمالكم و إنّما ينظر إلى قلوبكم».(22:194)

مكارم الشّيرازيّ: ما الفرق بين الخبير و البصير؟

البعض قالوا:«الخبير»العالم بالبواطن،و«البصير» العالم بالظّواهر.

و البعض الآخر قالوا:«الخبير»إشارة إلى أصل خلق الإنسان،و«البصير»إشارة إلى أعماله و أفعاله.

و طبيعيّ أنّ التّفسير الأوّل يبدو أنسب،و إن كان شمول الآية لكلا المعنيين ليس مستبعدا.(14:81)

24- وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ. الشّورى:27

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث عن جبرئيل عن ربّه أنّه قال:]

إنّي أدبّر عبادي لعلمي بقلوبهم،إنّي عليم خبير.(الثّعلبيّ 8:318)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّ اللّه بما يصلح عباده و يفسدهم،من غنى و فقر وسعة و إقتار و غير ذلك من مصالحهم و مضارّهم،ذو خبرة و علم.

(بصير)بتدبيرهم و صرفهم فيما فيه صلاحهم.

(11:149)

و نحوه أكثر التّفاسير.

ابن عاشور :قوله: إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ و هي جملة واقعة موقع التّعليل للّتي قبلها.[إلى أن قال:]

و الجمع بين وصفي(خبير)و(بصير)،لأنّ وصف (خبير)دالّ على العلم بمصالح العباد و أحوالهم قبل تقديرها و تقدير أسبابها،أي العلم بما سيكون.و وصف (بصير)دالّ على العلم المتعلّق بأحوالهم الّتي حصلت، و فرق بين التّعلّقين للعلم الإلهي.(25:156)

مغنيّة:يعلم من يعيش على حساب المعدمين، و من يعيش بكدّ اليمين،و أعدّ للأوّل الخزي و العذاب، و للثّاني الكرامة و الثّواب.(6:525)

25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.

الحشر:18

الطّباطبائيّ: تعليل له،و تعليل هذه التّقوى بكونه تعالى خبيرا بالأعمال،يعطي أنّ المراد بهذه التّقوى المأمور بها ثانيا؛هي التّقوى في مقام المحاسبة،و النّظر فيها من حيث إصلاحها و إخلاصها للّه سبحانه،و حفظها عمّا يفسدها.(19:219)

لاحظ ع م ل:«عمل»،و و ق ي:«وقى».

ص: 102

26- إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ. العاديات:11

الفرّاء: و هي في قراءة عبد اللّه (بأنّه يومئذ بهم خبير) .(3:286)

الزّجّاج: اللّه عزّ و جلّ خبير بهم في ذلك اليوم و في غيره،و لكنّ المعنى إنّ اللّه يجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم،و ليس يجازيهم إلاّ بعلمه أعمالهم،و مثله أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ النّساء:63،فمعناه أولئك الّذين لا يترك مجازاتهم.(5:354)

نحوه الشّوكانيّ.(5:598)

الثّعلبيّ: و القراءة بكسر الألف[إنّ]لأجل (اللاّم)،و لولاها لكانت مفتوحة بوقوع العلم عليها.

و بلغني أنّ الحجّاج بن يوسف قرأ على المنبر هذه السّورة، يحضّ النّاس على الغزو،فجرى على لسانه«انّ ربّهم» بفتح الألف،ثمّ استدركها من جهة العربيّة،فقال:«خبير» و أسقط اللاّم.(10:273)

القيسيّ: العامل في(اذا)عند المبرّد(بعثر)،و لا يعمل فيه عنده(يعلم)و لا(خبير)،لأنّ الإنسان لا يراد منه العلم و الاعتبار ذلك الوقت،إنّما الاعتبار في الدّنيا، و لا يعمل ما بعد(انّ)فيما قبلها.لو قلت:يوم الجمعة إنّ زيدا لقائم،لم يجز إلاّ على كلامين.و إضمار عامل ل(يوم)، كأنّك قلت:اذكر يوم الجمعة،ثمّ قلت:إنّ زيدا لقائم،فلا يعمل فيه(قائم)البتّة.

فأمّا(يومئذ)الثّاني فالعامل فيه(خبير).و جاز أن يعمل ما بعد اللاّم فيما قبلها،لأنّ التّقدير في«اللاّم»أن تكون في الابتداء،و إنّما دخلت في الخبر لدخول(انّ)على الابتداء،فعمل الخبر فيما قبله،و إن كان فيه«لام»على أصل حكم اللاّم في التّقدير قبل الابتداء.(2:494)

نحوه أبو البركات(2:529)و القرطبيّ(20:163).

الماورديّ: أي عالم،و يحتمل وجهين:

أحدهما:لخبير بما في نفوسهم.

الثّاني:لخبير بما تؤول إليه أمورهم.(6:326)

الطّبرسيّ: [نقل كلام الزّجّاج ثمّ قال:]

و في هذا إشارة إلى الزّجر و الوعيد،فإنّ الإنسان متى علم أنّ خالقه يرى جميع أعماله،و يعلم سائر أفعاله و يحقّق ذلك،لا بدّ أن ينزجر عن المعاصي.(5:530)

ابن الجوزيّ: فإن قيل:أ ليس اللّه خبيرا بهم في كلّ حال،فلم خصّ ذلك اليوم؟

فالجواب:أنّ المعنى أنّه يجازيهم على أفعالهم يومئذ، و مثله أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ النّساء:

63،و معناه يجازيهم على ذلك،و مثله يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ المؤمن:16.(9:212)

نحوه الرّازيّ(381)،و النّسفيّ(4:373)، و الشّربينيّ(4:578).

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ فيه سؤالات:

الأوّل:أنّه يوهم أنّ علمه بهم في ذلك اليوم إنّما حصل بسبب الخبرة؛و ذلك يقتضي سبق الجهل،و هو على اللّه تعالى محال.

و الجواب من وجهين:

أحدهما:كأنّه تعالى يقول:إنّ من لم يكن عالما،فإنّه يصير بسبب الاختبار عالما،فمن كان لم يزل عالما [فحريّ]أن يكون خبيرا بأحوالك.

و ثانيهما:أنّ فائدة تخصيص ذلك الوقت في قوله:

ص: 103

(يومئذ)،مع كونه عالما لم يزل أنّه وقت الجزاء،و تقريره لمن الملك كأنّه يقول:لا حاكم يروج حكمه،و لا عالم تروج فتواه يومئذ إلاّ هو،و كم عالم لا يعرف الجواب وقت الواقعة،ثمّ يتذكّره بعد ذلك،فكأنّه تعالى يقول:

لست كذلك.[إلى أن قال:]

و اعلم أنّه بقي من مباحث هذه الآية مسألتان:

المسألة الأولى:هذه الآية تدلّ على كونه تعالى عالما بالجزئيّات الزّمانيّات،لأنّه تعالى نصّ على كونه عالما بكيفيّة أحوالهم في ذلك اليوم،فيكون منكره كافرا.

المسألة الثّانية:نقل أنّ الحجّاج سبق على لسانه(أنّ) بالنّصب،فأسقط اللاّم من قوله:(لخبير)حتّى لا يكون الكلام لحنا،و هذا يذكر في تقرير فصاحته،فزعم بعض المشايخ أنّ هذا كفر،لأنّه قصد لتغيير المنزل.و نقل عن أبي السّمال أنّه قرأ على هذا الوجه.و اللّه سبحانه و تعالى أعلم.و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه و سلّم.(32:69)

نحوه النّيسابوريّ(30:162)،و أبو السّعود(6:

462)،و البروسويّ(10:499).

أبو حيّان :و قرأ الجمهور(انّ)بكسر الهمزة(لخبير) باللاّم،هو استئناف إخبار،و العامل في(بهم)و في(يومئذ) (لخبير).و هو تعالى خبير دائما،لكنّه ضمّن(خبير)معنى مجاز لهم في ذلك اليوم.

و قرأ أبو السّمال و الحجّاج بفتح الهمزة و إسقاط اللاّم.

و يظهر في هذه القراءة تسلّط(يعلم)على(انّ)،لكنّه لا يمكن إعمال(خبير)في(اذا)لكونه في صلة أن المصدريّة،لكنّه لا يمكن أن يقدّر له عامل فيه من معنى الكلام،فإنّه قال:يجزيهم إذا بعثر،و على هذا التّقدير يجوز أن يكون(يعلم)معلّقة عن العمل في قراءة الجمهور،و سدّت مسدّ المعمول في(انّ)،و في خبرها اللاّم ظاهر؛إذ هي في موضع نصب ب(يعلم و إذا العامل فيها من معنى مضمون الجملة،تقديره كما قلنا:يجزيهم إذا بعثر.(8:505)

نحوه السّمين.(6:562)

شبّر:عليم بأحوالهم و أعمالهم فيجازيهم بها،و قيّد ب(يومئذ)مع أنّه عالم دائما،لأنّه يوم المجازاة،و جمع الضّمير نظرا إلى معنى الإنسان،و مفعول(يعلم)ما علم من الجملة،أي إنّا نجازيه يومئذ.(6:442)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان إلاّ أنّه قال:]

و قيل:الكلام على تقدير لام التّعليل،و هي متعلّقة ب(حصّل)،كأنّه قيل:و حصّل ما في الصّدور،لأنّ ربّهم بهم يومئذ خبير.و الأوّل أظهر،و اللّه تعالى أعلم و أخبر.(30:220)

ابن عاشور :و الخبير:مكنّى به عن المجازى بالعقاب و الثّواب،بقرينة تقييده ب(يومئذ)،لأنّ علم اللّه بهم حاصل من وقت الحياة الدّنيا.و أمّا الّذي يحصل من علمه بهم يوم بعثرة القبور،فهو العلم الّذي يترتّب عليه الجزاء.

و تقديم(بهم)على عامله و هو(لخبير)للاهتمام به، ليعلموا أنّهم المقصود بذلك.و تقديم المجرور على العامل المقترن بلام الابتداء مع أنّ لها الصّدر سائغ،لتوسّعهم في المجرورات و الظّرف كما تقدّم آنفا.(30:447)

لاحظ:«ي و م:«يوم».

ص: 104

الخبير

1- وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.

الأنعام:18

ابن عبّاس: (الخبير)بخلقه و بأعمالهم،ثمّ نزلت في مقالتهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ائتنا بشهيد يشهد أنّك نبيّ.(107)

الطّبريّ: (الخبير)بمصالح الأشياء و مضارّها، الّذي لا يخفى عليه عواقب الأمور و بواديها،و لا يقع في تدبيره خلل،و لا يدخل حكمه دخل.(5:161)

الطّوسيّ: معناه أنّه مع قدرته عليهم لا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة،و لا يفعل ما فيه مفسدة أو وجه قبح، لكونه عالما بقبح الأشياء،و بأنّه غنيّ عنها.(4:98)

الواحديّ: و تأويله[الخبير]أنّه العالم بما يصحّ أن يخبر به.و الخبر:علمك بالشّيء،تقول:لي به خبر،أي علم.و أصله من الخبر،لأنّه طريق من طرق العلم.(الفخر الرّازيّ 12:173)

ابن عطيّة: (الحكيم)بمعنى المحكم،و(الخبير) دالّة على مبالغة العلم،و هما وصفان مناسبان لنمط الآية.

(2:275)

الطّبرسيّ: و الخبير:العالم بالشّيء.[و ذكر مثل الواحديّ](2:281)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى كمال العلم.[ثمّ نقل كلام الواحديّ](12:173)

ابن عربيّ: الخبير:الّذي يطّلع على خفايا أحوالهم و استحقاقها،للّطف و القهر.(1:360)

النّيسابوريّ: وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ و هو إشارة إلى كمال القدرة وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ إنّه إشارة إلى كمال العلم،فالحكمة أعمّ من العلم،لأنّها عمل و علم، و كونه خبيرا أخصّ من العلم،لأنّه العلم ببواطن الأمور و خباياها،فإذا اجتمعت هذه المعاني حصل العلم بكماله و غايته.(7:79)

الآلوسيّ: أي العالم بما دقّ من أحوال العباد و خفي من أمورهم،و(اللاّم)هنا و فيما تقدّم للقصر.(7:117)

ابن عاشور :و الخبير:مبالغة في اسم الفاعل من «خبر»المتعدّي،بمعنى علم،يقال:خبر الأمر،إذا علمه و جرّ به.و قد قيل:إنّه مشتقّ من الخبر،لأنّ الشّيء إذا علم أمكن الإخبار به.(6:44)

الطّباطبائيّ: الخبير لا يخطئ و لا يغلط كغيره.

(7:36)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(4:221)

و تمام الكلام في«ح ك م».و بهذا المعنى جاء قوله تعالى ...وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الأنعام:18 و 73.

2- لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. الأنعام:103

لاحظ:ل ط ف:«اللّطيف».

ابن عبّاس: اللّطيف بأوليائه،الخبير بهم.

(الواحديّ 2:308) أبو العالية :اللّطيف باستخراجها،الخبير بمكانها.

(الثّعلبيّ 4:176)

نحوه الطّبريّ.(7:304)

الإمام الرّضا عليه السّلام:و أمّا الخبير فالّذي لا يعزب عنه شيء و لا يفوته شيء،ليس للتّجربة و لا للاعتبار

ص: 105

بالأشياء،فتفيده التّجربة و الاعتبار علما،و لولاهما ما علم،لأنّ من كان كذلك كان جاهلا،و اللّه لم يزل خبيرا بما يخلق،و الخبير من النّاس:المستخبر عن جهل المتعلّم، فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.(الكاشانيّ 2:146)

الماورديّ: فاحتمل وجهين من التّأويل:

أحدهما:لطيف بعباده في الإنعام عليهم،خبير بمصالحهم.

و الثّاني:لطيف في التّدبير،خبير بالحكمة.

(2:153)

الطّوسيّ: و الخبير:هو العالم بالأشياء،المتبيّن لها.

[أي اللّطيف](4:244)

القشيريّ: الخبير:الّذي أحاط علمه بكلّ معلوم.(2:188)

الزّمخشريّ: وَ هُوَ اللَّطِيفُ يلطف عن أن تدركه الأبصار،الخبير بكلّ لطيف،فهو يدرك الأبصار، لا تلطف عن إدراكه،و هذا من باب اللّفّ.(2:41)

نحوه البيضاويّ(1:325)،و النّيسابوريّ(7:

183)،و أبو السّعود(2:424)،و الآلوسيّ(7:248)، و القاسميّ(6:2454).

ابن عطيّة: اللّطيف:المتلطّف في خلقه و اختراعه و إتقانه و بخلقه و عباده،و الخبير:المختبر لباطن أمورهم و ظاهرها.(2:330)

الطّبرسيّ: العليم بكلّ شيء من مصالح عباده فيدبّرهم عليها،و بأفعالهم فيجازيهم عليها.(2:344)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

و هذا وجه حسن.(13:133)

ابن عاشور:و(خبير)صفة مشبّهة من خبر-بضمّ الباء في الماضي،خبرا-بضمّ الخاء و سكون الباء-بمعنى علم و عرف،فالخبير الموصوف بالعلم بالأمور الّتي شأنها أن يخبر عنها علما موافقا للواقع.

و وقوع الخبير بعد اللّطيف على المحمل الأوّل، وقوع صفة أخرى هي أعمّ من مضمون وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ فيكمل التّذييل بذلك،و يكون التّذييل مشتملا على محسّن النّشر بعد اللّفّ،و على المحمل الثّاني موقعه الاحتراس لمعنى اللّطيف،أي هو الرّفيق المحسن،الخبير بمواقع الرّفق و الإحسان و بمستحقّيه.

(6:254)

الطّباطبائيّ: و الخبير:من له الخبرة،فإذا كان تعالى محيطا بكلّ شيء بحقيقة معنى الإحاطة،كان شاهدا على كلّ شيء،لا يفقده ظاهر شيء من الأشياء و لا باطنه،و هو مع ذلك ذو علم و خبرة،كان عالما بظواهر الأشياء و بواطنها،من غير أن يشغله شيء عن شيء،أو يحتجب عنه شيء بشيء،فهو تعالى يدرك البصر[و] المبصر معا،و البصر لا يدرك إلاّ المبصر.(7:292)

3-جاء بهذا المعنى ...وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ

سبأ:1

4- أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. الملك:14

البروسويّ: (اللّطيف):العالم بدقائق الأشياء،يرى أثر النّملة السّوداء على الصّخرة الصّمّاء في اللّيلة الظّلماء.(الخبير):العالم ببواطنها...

فإن قلت:ذكر الخبير بعد اللّطيف تكرار؟

ص: 106

قلت:لا تكرار فيه،فإنّه قال الإمام الغزاليّ رحمه اللّه:إنّما يستحقّ اسم اللّطيف من يعلم دقائق المصالح و غوامضها،و ما دقّ منها و ما لطف،ثمّ يسلك في إيصالها إلى المستصلح على سبيل الرّفق دون العنف،فإذا اجتمع الرّفق في الفعل و اللّطف في الإدراك تمّ معنى اللّطف،و لا يتصوّر كمال ذلك في العلم و الفعل إلاّ اللّه تعالى.و الخبير هو الّذي لا يعزب عنه الأخبار الباطنة،فلا يجري في الملك و الملكوت شيء،و لا تتحرّك ذرّة و لا تسكن،و لا تضطرب نفس و لا تطمئنّ،إلاّ و يكون عنده خبرها، و هو بمعنى العليم،لكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة يسمّى خبرة،و يسمّى صاحبها خبيرا.(10:87)

لاحظ ل ط ف:«لطف»،و ع ل م:«علم».

خبيرا

1- وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً. النّساء:35

ابن عبّاس: (خبيرا)بفعل المرأة و الرّجل.(70)

الطّبريّ: (عليما)بما أراد الحكمان من إصلاح بين الزّوجين و غيره،(خبيرا)بذلك و بغيره من أمورهما و أمور غيرهما،لا يخفى عليه شيء منه،حافظ عليهم، حتّى يجازي كلاّ منهم جزاءه،بالإحسان إحسانا، و بالإساءة غفرانا أو عقابا.(4:80)

نحوه الزّجّاج(2:49)،و الطّوسيّ(3:192)، و أبو حيّان(3:244).

الواحديّ: (خبيرا)بما يكون منهما.(2:48)

الزّمخشريّ: عَلِيماً خَبِيراً يعلم كيف يوفّق بين المختلفين،و يجمع بين المفترقين.(1:526)

نحوه البيضاويّ(1:219)،و الشّربينيّ(1:301)، و أبو السّعود(2:134)،و الكاشانيّ(1:415).

الطّبرسيّ: عَلِيماً بما يريد الحكمان من الإصلاح و الإفساد.(خبيرا)بما فيه مصالحكم و منافعكم.(2:45)

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف]...و فيه و عيد.(5:39)

البروسويّ: بمآلهما،فقدّر لكلّ واحد منهما بما عليهما و بما لهما،كذا في«تأويلات»الشّيخ العارف نجم الدّين الكبريّ قدّس سرّه.و قد عرف منه أنّ التّهاجر و المخالفة تقع بين الكاملين كما بين عوامّ المؤمنين،و لا يمنع اختلافهم الصّوريّ اتّفاقهم المعنويّ،و قد اقتضت الحكمة الإلهيّة ذلك،فلمثل هذا سرّ لا يعرفه عقول العامّة.

(2:205)

2- ..فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً. النّساء:135

الطّوسيّ: معناه أنّه كان عالما بما يكون منهم من إقامة الشّهادة،و تحريفها،و الإعراض عنها.(3:356)

نحوه الطّبرسيّ.(2:124)

مكارم الشّيرازيّ: و الطّريف أنّ الآية اختتمت بكلمة(خبيرا)،و لم تختتم بكلمة(عليما)،لأنّ كلمة «خبير»تطلق بحسب العادة على من يكون مطّلعا على جزئيّات و دقائق موضوع معيّن.و في هذا دلالة على أنّ

ص: 107

اللّه يعلم حتّى أدنى انحراف يقوم به الإنسان عن مسير الحقّ و العدل،بأيّ عذر أو وسيلة كان،و هو يعلم كلّ موطن يتعمّد فيه إظهار الباطل حقّا،و يجازي على هذا العمل.(3:430)

3- ..وَ كَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً.

الإسراء:17

ابن عبّاس: بهلاكهم و إن لم نبيّن لك،و تعلم ذنوبهم و عذابهم.(235)

نحوه الطّبريّ(8:54)،و الزّمخشريّ(2:443)، و الطّبرسيّ(3:407).

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى عالم بجميع المعلومات،راء لجميع المرئيات،فلا يخفى عليه شيء من أحوال الخلق.

و ثبت أنّه قادر على كلّ الممكنات،فكان قادرا على إيصال الجزاء إلى كلّ أحد بقدر استحقاقه،و أيضا أنّه منزّه عن العبث و الظّلم.و مجموع هذه الصّفات الثّلاث، أعني العلم التّامّ،و القدرة الكاملة،و البراءة عن الظّلم بشارة عظيمة لأهل الطّاعة،و خوف عظيم لأهل الكفر و المعصية.(20:177)

البيضاويّ: يدرك بواطنها و ظواهرها فيعاقب عليها،و تقديم«الخبير»لتقدّم متعلّقه.(1:580)

نحوه الشّربينيّ(2:291)،و شبّر(4:13)، و القاسميّ(10:3915)،و المراغيّ(15:26).

أبو السّعود :يحيط بظواهرها و بواطنها فيعاقب عليها،و تقديم«الخبير»لتقدّم متعلّقه من الاعتقادات و النّيّات الّتي هي مبادئ الأعمال الظّاهرة،أو لعمومه حيث يتعلّق بغير المبصرات أيضا.و فيه إشارة إلى أنّ البعث و الأمر و ما يتلوهما من فسقهم،ليس لتحصيل العلم بما صدر عنهم من الذّنوب،فإنّ ذلك حاصل قبل ذلك،و إنّما هو لقطع الأعذار و إلزام الحجّة من كلّ وجه.(4:119)

نحوه البروسويّ.(5:143)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]

و تقديم«الخبير»لتقدّم متعلّقه من الاعتقادات و النّيّات الّتي هي مبادئ الأعمال الظّاهرة تقدّما وجوديّا، و قيل:تقدّما رتبيّا،لأنّ العبرة بما في القلب،كما يدلّ عليه «إنّ اللّه تعالى لا ينظر إلى صوركم و أعمالكم،و إنّما ينظر إلى قلوبكم و نيّاتكم»و«إنّما الأعمال بالنّيّات،و نيّة المؤمن خير من عمله»إلى غير ذلك،أو لعمومه من حيث يتعلّق بغير المبصرات أيضا.(15:45)

مكارم الشّيرازيّ: أمّا سبب ذكر كلمتي(خبير) و(بصير)معا،فإنّ ذلك يعود إلى المعنى المراد؛إذ«الخبير» تعني العلم و الإحاطة بالنّيّة و العقيدة،أمّا(بصير)فدالّة على رؤية الأعمال لذلك،فإنّ اللّه تبارك و تعالى يعلم بواطن الأعمال و النّيّات،و يحيط بنفس الأعمال،و مثل هذه القدرة لا يمكنها بحال أن تظلم أحدا،و لا أن يضيع حقّ أحد في ظلّ حكومتها.(8:386)

4-جاء بهذا المعنى ...وَ كَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً الفرقان:58.

5- إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً. الإسراء:30

ص: 108

ابن عبّاس: بالبسط و التّقتير.(236)

الطّبريّ: يقول:إنّ ربّك ذو خبرة بعباده،و من الّذي تصلحه السّعة في الرّزق و تفسده،و من الّذي يصلحه الإقتار و الضّيق و يهلكه.(8:72)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:خبيرا بمصالحهم،بصيرا بأمورهم.

و الثّاني:خبيرا بما أضمروا،بصيرا بما عملوا.

(3:239)

الطّوسيّ: أي و هو عالم بأحوالهم،لا يخفى عليه ما يصلحهم و ما يفسدهم،فيفعل معهم بحسب ذلك.

(6:471)

نحوه الطّبرسيّ(3:412)،و شبّر(4:20).

ابن الجوزيّ: حيث أجرى أرزاقهم على ما علم فيه صلاحهم.(5:30)

نحوه الفخر الرّازيّ(20:196)،و البيضاويّ(1:

583)،و النّيسابوريّ(15:31)،و أبو حيّان(6:31)، و الشّربينيّ(2:301)،و أبو السّعود(4:126)، و الآلوسيّ(15:66)،و المراغيّ(15:41).

6- اَلَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً.

الفرقان:59

ابن عبّاس: باللّه عالما.(305)

الخبير:إنّه جبريل.(ابن الجوزيّ 6:98)

سعيد بن جبير: الخبير:هو اللّه تعالى.

(القرطبيّ 13:63)

نحوه مجاهد(ابن الجوزيّ 6:99)،و ابن جريج (الطّبريّ 9:403)،و الكلبيّ(أبو حيّان 6:508).

أبو سليمان:مسلمة أهل الكتاب.

(ابن الجوزيّ 6:99)

شمر:إنّه القرآن.(ابن الجوزيّ 6:99)

الطّوسيّ: أي فاسأل سؤالك إيّاه خبيرا.و قيل:

معناه فاسأل به أيّها الإنسان عارفا،يخبرك بالحقّ في صفته.(7:502)

الطّبرسيّ: و قيل:إنّ الخبير هنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و المعنى ليسأل كلّ منكم عن اللّه تعالى محمّدا،فإنّه الخبير العارف به.(4:176)

ابن عطيّة: فيه تأويلان:

أحدهما:(فسئل)عنه،و خَبِيراً على هذا منصوب،إمّا بوقوع السّؤال عليه،و المعنى،اسأل جبريل و العلماء و أهل الكتب المنزلة.

و الثّاني:أن يكون المعنى كما تقول:لو لقيت فلانا لقيت به البحر كرما،أي لقيت منه.و المعنى فأسال اللّه عن كلّ أمره.و(خبيرا)على هذا منصوب إمّا بوقوع السّؤال،و إمّا على الحال المؤكّدة.(4:216)

أبو البركات: و(خبيرا)منصوب،لأنّه مفعول (اسال)،و هو وصف لموصوف محذوف،و تقديره:فاسأل به إنسانا خبيرا.(2:207)

نحوه النّسفيّ.(3:172)

ابن الجوزيّ: [نقل قول أبي سليمان ثمّ قال:]

و هذا يخرّج على قولهم:لا نعرف الرّحمن،فقيل سلوا مسلمة أهل الكتاب،فإنّ اللّه تعالى خاطب موسى في

ص: 109

التّوراة باسمه الرّحمن،فعلى هذا الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المراد سواه.(6:99)

الشّربينيّ: (خبيرا)أي عالما يخبرك بحقيقته هو اللّه تعالى،و يكون من التّجريد،كقوله:رأيت به أسدا، و المعنى:فاسأل اللّه الخبير بالأشياء.قال الزّمخشريّ:أو فاسأل بسؤاله خبيرا،كقولك:رأيت به أسدا،أي برؤيته، انتهى.

قال الكلبيّ: فقوله:(به)يعود إلى ما ذكر من خلق السّماوات و الأرض و الاستواء على العرش،و(الباء)من صلة الخبير،و ذلك الخبير هو اللّه تعالى،لأنّه لا دليل في العقل على كيفيّة خلق السّماوات و الأرض و الاستواء على العرش،و لا يعلمها أحد إلاّ اللّه تعالى.

و الثّاني:أن تكون الباء بمعنى«عن»إمّا مطلقا و إمّا مع السّؤال خاصّة كهذه الآية...و الضّمير في(به)للّه و(خبيرا)من صفات الملك و هو جبريل عليه السّلام،و إنّما قدّم لرءوس الآي و حسن النّظم.

و قال ابن جرير:(الباء)في(به)صلة،و المعنى فاسأله خبيرا،و(خبيرا)نصب على الحال.و قيل:(به)يجري مجرى القسم،كقوله تعالى: وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ النّساء:1.و قيل:فاسأل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب حتّى تعرف من ينكره...(2:670)

أبو السّعود :(خبيرا)عظيم الشّأن،محيطا بظواهر الأمور و بواطنها،و هو اللّه سبحانك يطلعك على جليّة الأمر.

و قيل:فاسأل به من وجده في الكتب المتقدّمة ليصدّقك فيه،فلا حاجة حينئذ إلى ما ذكرنا.

و قيل:الضّمير ل(الرّحمن)و المعنى إن أنكروا إطلاقه على اللّه تعالى،فاسأل عنه من يخبرك من أهل الكتاب، ليعرفوا مجيء ما يرادفه في كتبهم،و على هذا يجوز أن يكون(الرّحمن)مبتدأ و ما بعده خبرا.(5:22)

الكاشانيّ: و الخبير:هو اللّه سبحانه أو جبرئيل،أو من وجده في الكتب المتقدّمة،ليصدّقك فيه،كذا قيل.

أقول:و يحتمل أن يكون المراد بها الرّسل المتقدّمة، فيكون السّؤال في عالم الأرواح،كقوله تعالى: وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ الزّخرف:45.(4:21)

ابن عاشور :قوله: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً للدّلالة على أنّ في رحمته من العظمة و الشّمول ما لا تفي فيه العبارة،فيعدل عن زيادة التّوصيف إلى الحوالة على عليم بتصاريف رحمته،مجرّب لها متلقّ أحاديثها،ممّن علمها و جرّبها.و تنكير(خبيرا)للدّلالة على العموم،فلا يظنّ خبيرا معيّنا،لأنّ النّكرة إذا تعلّق بها فعل الأمر اقتضت عموما بدليل أيّ خبير سألته أعلمك.

و هذا يجري مجرى المثل،و لعلّه من مبتكرات القرآن،نظير قول العرب:«على الخبير سقطت»يقولها العارف بالشّيء،إذا سئل عنه.و المثلان و إن تساويا في عدد الحروف المنطوق بها،فالمثل القرآنيّ أفصح، لسلامته من ثقل تلاقي القاف و الطّاء و التّاء في «سقطت»،و هو أيضا أشرف لسلامته من معنى السّقوط، و هو أبلغ معنى،لما فيه من عموم كلّ خبير،بخلاف قولهم:

«على الخبير سقطت»لأنّها إنّما يقولها الواحد المعيّن.

و قريب من معنى فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً. [ثمّ استشهد

ص: 110

بشعر]

و(الباء)في(به)بمعنى«عن»،أي فاسأل عنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز أن تكون(الباء)متعلّقة ب(خبيرا)،و تقديم المجرور للرّعي على الفاصلة و للاهتمام،فله سببان.

(19:81)

7- وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً. الأحزاب:2

الطّبريّ: يقول:إنّ اللّه كان بما تعمل به أنت و أصحابك من هذا القرآن،و غير ذلك من أموركم و أمور عباده خبيرا.(10:254)

الزّمخشريّ: إنّ اللّه الّذي يوحي إليك خبير بما تعملون فموح إليك ما يصلح به أعمالكم،فلا حاجة بكم إلى الاستماع من الكفرة.و قرئ (يعملون) بالياء،أي بما يعمل المنافقون من كيدهم لكم و مكرهم بكم.

(3:248)

8- وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً. الأحزاب:34

لاحظ ل ط ف:«لطيفا».

9- ..قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً. الفتح:11

ابن عبّاس: بتخلّفكم عن غزوة الحديبيّة (خبيرا).(432)

نحوه الواحديّ(4:137)،و الطّبرسيّ(5:114).

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:ما الأمر كما يظنّ هؤلاء المنافقون من الأعراب،أنّ اللّه لا يعلم ما هم عليها منطوون من النّفاق،بل لم يزل اللّه بما يعملون من خير و شرّ خبيرا،لا يخفى عليه شيء من أعمال خلقه،سرّها و علانيتها،و هو محصيها عليهم حتّى يجازيهم بها.

(11:340)

الإسكافيّ: قوله تعالى: ...كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً، و قال بعده: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً الفتح:24.للسّائل أن يسأل عن الأولى لما ذا ختمت بقوله:(خبيرا)،و عن الثّانية لما ذا ختمت بقوله:(بصيرا)؟

و الجواب:أن يقال:لأنّ الأولى في ذكر ما أسرّه المنافقون من نفاقهم،لأنّهم أضمروا خلاف ما أظهروا، و طلبوا الاستغفار لهم و لا إرادة فيه منهم،فكأنّه قال:بل كان اللّه يخبر باطنكم.

و الآية الثّانية بعد قوله: كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ أي بما قذف في قلوبهم من الرّعب، وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ الفتح:

24،بأن أمركم أن لا تحاربوهم،فيفعل كلّ ما أراده اللّه منهم،و اللّه أبصر فعلكم،و هذا ظاهر يوصف بأنّ اللّه تعالى يراه،و الّذي في الأولى باطن يوصف بأنّ اللّه تعالى يخبره،فلذلك خصّت الأولى ب«خبير»،و الثّانية ب«بصير».(444)

أبو السّعود :قيل:الخطاب للرّسول عليه الصّلاة

ص: 111

و السّلام،و الجمع للتّعظيم.و قيل:له عليه الصّلاة و السّلام و للمؤمنين.و قيل:للغائبين بطريق الالتفات، و لا يخفى بعده.نعم يجوز أن يكون للكلّ على ضرب من التّغليب،و أيّا ما كان فالجملة تعليل للأمر و تأكيد لموجبه،أمّا على الوجهين الأوّلين فبطريق التّرغيب و التّرهيب،كأنّه قيل:إنّ اللّه خبير بما تعملونه من الامتثال و تركه،فيرتّب على كلّ منهما جزاءه ثوابا و عقابا.

و أمّا على الوجه الأخير فبطريق التّرغيب فقط، كأنّه قيل:إنّ اللّه خبير بما يعمله كلا الفريقين،فيرشدك إلى ما فيه صلاح حالك و انتظام أمرك،و يطلعك على ما يعملونه من المكايد و المفاسد،و يأمرك بما ينبغي لك أن تعمله في دفعها و ردّها،فلا بدّ من اتّباع الوحي و العمل بمقتضاه حتما.(5:209)

مكارم الشّيرازيّ: و أقصى من هذا فهو خبير بأسراركم و نيّاتكم،و هو يعلم جيّدا أنّ هذه الحيل و الحجج الواهية لا صحّة لها و لا واقعيّة.و ما هو الواقع هو شكّكم و تردّدكم و ضعف إيمانكم،و هذه الأعذار لا تخفى على اللّه،و لا تحول دون عقابكم أبدا.

الطّريف هنا أنّه يستفاد من لحن الآيات و من التّواريخ أيضا،أنّ هذه الآيات نزلت خلال عودة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة،أي إنّها قبل مجيء المخلّفين للاعتذار إليه،أماطت اللّثام عنهم،و كشفت السّتار و فضحتهم.(16:409)

خبرا

1- وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً.

الكهف:68

ابن عبّاس: بيانا.(250)

إنّه كان رجلا يعمل على الغيب.(الثّعلبيّ 6:183)

الطّبريّ: يقول عزّ ذكره مخبرا عن قول العالم لموسى:و كيف تصبر يا موسى على ما ترى منّي من الأفعال الّتي لا علم لك بوجوه صوابها،و تقيم معي عليها، و أنت إنّما تحكم على صواب المصيب و خطإ المخطئ، بالظّاهر الّذي عندك،و بمبلغ علمك،و أفعالي تقع بغير دليل ظاهر لرأي عينك على صوابها،لأنّها تبتدأ لأسباب تحدث آجلة غير عاجلة،لا علم لك بالحادث عنها،لأنّها غيب،و لا تحيط بعلم الغيب خبرا:علما.

(8:256)

نحوه ابن عطيّة.(3:530)

الزّجّاج: و نصب(خبرا)على المصدر،لأنّ معنى لَمْ تُحِطْ بِهِ لم تخبره خبرا.[ثمّ استشهد بشعر و قال:] لأنّ معنى أحطت به في معنى خبرته.(3:302)

نحوه القيسيّ(2:46)،و الطّوسيّ(7:72)، و أبو البركات(2:113)،و العكبريّ(2:855)،و شبّر (4:91).

النّحّاس: أي و كيف تصبر على ما ظاهره خطأ،و لم تخبر بوجه الحكمة فيه؟و الأنبياء لا يقرّون على منكر، و لا يسعهم التّقرير،أي لا يسعك السّكوت جريا على

ص: 112

عادتك و حكمك.(4:268)

الثّعلبيّ: يعني على ما لم تعلم.(6:183)

مثله البغويّ(3:206)،و الخازن(4:181).

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:لم تجد له سببا.

الثّاني:لم تعرف له علما،لأنّ الخضر علم أنّ موسى لا يصبر إذا رأى ما ينكر ظاهره.(3:326)

الواحديّ: أي لم تعلمه.و الخبر:علمك بالشّيء، يقول:كيف تصبر على أمر ظاهره منكر،و أنت لا تعلم باطنه.(3:158)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:170)

الزّمخشريّ: و(خبرا)تمييز،أي لم يحط به خبرك، أو لأنّ لم تحط به بمعنى لم تخبره،فنصبه نصب المصدر.(2:492)

نحوه البيضاويّ(2:20)،و أبو حيّان(6:148).

ابن عطيّة: ما تراه خطأ،و لم تخبر بوجه الحكمة فيه و لا طريق الصّواب...و قرأ الجمهور (خُبْراً) بسكون الباء،و قرأ الأعرج (خبرا) بضمّها.(3:530)

أبو السّعود :نفى عنه استطاعة الصّبر معه على وجه التّأكيد،كأنّه ممّا لا يصحّ و لا يستقيم،و علّله بقوله:

وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً، إيذانا بأنّه يتولّى أمورا خفيّة المدار منكرة الظّواهر،و الرّجل الصّالح لا سيّما صاحب الشّريعة لا يتمالك أن يشمئزّ عند مشاهدتها.و في صحيح البخاريّ قال:يا موسى إنّي على علم من علم اللّه تعالى علّمنيه لا تعلمه،و أنت على علم من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه.و(خبرا)تمييز،أي لم يحط به خبرك.(4:203)

الآلوسيّ: [قال نحو أبي السّعود و أضاف:]

و نصب(خبرا)على التّمييز المحوّل عن الفاعل، و الأصل:ما لم يحط به خبرك،و هو من«خبر»الثّلاثيّ، من باب:نصر و علم،و معناه:عرف.

و جوّز أن يكون مصدرا و ناصبه(تحط)،لأنّه يلاقيه في المعنى،لأنّ الإحاطة تطلق إطلاقا شائعا على المعرفة، فكأنّه قيل:لم تخبره خبرا.(15:333)

ابن عاشور :و الخبر-بضمّ الخاء و سكون الباء:

العلم،و هو منصوب على أنّه تمييز،لنسبة الإحاطة في قوله: ما لَمْ تُحِطْ بِهِ، أي إحاطة من حيث العلم.

و الإحاطة:مجاز في التّمكّن تشبيها لقوّة تمكّن الاتّصاف بتمكّن الجسم المحيط بما أحاط به.(15:108)

نحوه الطّباطبائيّ.(13:343)

عبد الكريم الخطيب :أي إنّ العلم الّذي معي، هو علم فوق إدراك العقول و تصوّراتها،و إذن فلن يكون مبعث اطمئنان لك؛إذ يرفضه عقلك،و يتأتّى عليه منطقك.و العلم الّذي يفيد صاحبه هو العلم الّذي يحيط به عقله،و تتّسع له مداركه،فينزل عنده منزل القبول و الاطمئنان.فإذا لم يكن كذلك أضرّ و لم ينفع،و أثار في النّفس قلقا،و اضطرابا،و عقد في سماء الفكر سحبا من الشّكوك و الرّيب.(8:653)

ص: 113

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هذا الرّجل العالم كان يحيط بأبواب من العلوم الّتي تخصّ أسرار و بواطن الأحداث، و الأعماق الخفيّة في المجريات الظّاهرة،في حين أنّ موسى عليه السّلام لم يكن مأمورا بمعرفة البواطن،و بالتّالي لم يكن يعرف عنها الكثير،و في مثل هذه الموارد يحدث كثيرا أن يكون ظاهر الحوادث يختلف تمام الاختلاف عن باطنها،فقد يكون الظّاهر قبيحا أو غير هادف في حين أنّ الباطن خير و مقدّس و هادف لأقصى غاية.

في مثل هذه الحالة يفقد الشّخص الّذي ينظر إلى الظّاهر صبره و تماسكه،فيقوم بالاعتراض و حتّى بالتّشاجر.

و لكنّ الأستاذ العالم و الخبير بالأسرار بقي ينظر إلى بواطن الأعمال،و استمرّ بعمله ببرود،و لم يعر أيّ أهمّية إلى اعتراضات موسى و صيحاته،بل كان في انتظار الفرصة المناسبة ليكشف عن حقيقة الأمر،إلاّ أنّ التّلميذ كان مستمرّا في الإلحاح،و لكنّه ندم حين توضّحت و انكشفت له الأسرار.(9:283)

لاحظ ص ب ر:«تصبر».

2-و جاء بهذا المعنى: كَذلِكَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً. الكهف:91

خبر

1- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ.

النّمل:7

ابن عبّاس: بخبر الطّريق،لأنّه قد كان ضلّ الطّريق.(الماورديّ 4:194)

مثله البيضاويّ(2:170)،و ابن كثير(5:223)، و أبو السّعود(5:70)،و الكاشانيّ(4:58)،و شبّر(4:

413)،و نحوه القاسميّ(13:4658).

الطّبريّ: يعني من النّار.(9:495)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:سأخبركم عنها بعلم،قاله ابن شجرة.

الثّاني:[قول ابن عبّاس](4:194)

الطّوسيّ: يعني بمن يدلّ على الطّريق و يهدينا إليه، لأنّه كان قد ضلّ.(8:76)

نحوه الطّبرسيّ.(4:211)

الواحديّ: عن الطّريق و كان قد تحيّر و ترك الطّريق،فإن لم أجد أحدا يخبرني عن الطّريق آتيكم بشعلة نار.(3:369)

نحوه البغويّ(3:490)،و الميبديّ(7:177).

القشيريّ: فقال[موسى]:امكثوا فإنّي لأجلكم أمضي و أتعرّف أمر هذه النّار،لعليّ آتيكم منها إمّا بقبس أو شعلة،أو بخبر عن قوم نزول عليها،تكون لنا بهم استعانة،و من جهتهم انتفاع.(5:25)

الزّمخشريّ: و الخبر:ما يخبر به عن حال الطّريق، لأنّه كان قد ضلّه.(3:137)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:181)،و النّسفيّ(3:

202)،و الخازن(5:110)،و البروسويّ(6:321)، و الآلوسيّ(19:159).

ابن عطيّة: و الخبر الّذي رجاه موسى عليه السّلام هو الإعلام بالطّريق.(4:249)

ص: 114

ابن عربيّ: أي علم بالطّريقة إلى اللّه،و كان حاله أنّه ضلّ الطّريقة إلى اللّه برعاية أغنام القوى البهيميّة، و زوجه النّفس الحيوانيّة.(2:193)

أبو حيّان :أي من موقدها بخبر يدلّ على الطّريق.

(7:54)

الطّباطبائيّ: و سياق الآية يشهد و يؤيّد ما وقع من القصّة في سور أخرى،أنّه كان حينذاك يسير بأهله و قد ضلّ الطّريق،و أصابه و أهله البرد في ليلة داجية، فأبصر نارا من بعيد فأراد أن يذهب إليها،فإن وجد عندها إنسانا استخبره،أو يأخذ قبسا يأتي به إلى أهله، فيوقدوا نارا يصطلون بها.فقال لأهله:امكثوا إنّي أحسست و أبصرت نارا،فالزموا مكانكم سآتيكم منها، أي من عندها بخبر نهتدي به،أو آتيكم بشعلة متناولة من النّار،لعلّكم توقدون بها نارا تصطلون و تستدفئون بها.

و يظهر من السّياق أيضا أنّ النّار إنّما ظهرت له عليه السّلام، و لم يشاهدها غيره،و إلاّ عبّر عنها بالإشارة دون التّنكير.

و لعلّ اختلاف الإتيان بالخبر،و الإتيان بالنّار نوعا هو الموجب لتكرار لفظ الإتيان حيث قال: سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ.... (15:342)

نحوه مكارم الشّيرازيّ(12:18)،و جوادي آمليّ (التّفسير الموضوعيّ 7:250).

المصطفويّ: أي ما فيه علم و اختبار عن حقيقة الحال.(3:11)

عبد الكريم الخطيب :ما يشير إلى أنّ موسى لم يكن على بيّنة من أمر هذه النّار،و هل سيجد عندها أحدا أم لا؟فقد تكون بقيّة نار أشعلها قوم أوّل اللّيل ثمّ ارتحلوا عنها.و لهذا فهو يتردّد فيما سيجيء به إلى أهله منها.فهو إن لم يجد عندها أحدا،فلا أقلّ من أن يجيء بجذوة،أي قطعة من النّار.(10:210)

فضل اللّه :فيمن يجتمع لدى النّار من النّاس،فقد يخبرنا عن الطّريق الّذي نريد أن نسير فيه،أو يعرّفنا ما نصنعه في هذه المرحلة من السّفر.(17:187)

2- قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ... القصص:29

مثل ما قبلها.

اخبارها

يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها. الزّلزال:4

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ الأرض لتخبر يوم القيامة بكلّ عمل عمل على ظهرها»و تلا رسول اللّه: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها حتى بلغ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها قال:«أ تدرون ما أخبارها؟إذا كان يوم القيامة أخبرت بكلّ عمل عمل على ظهرها».

في حديث عن أبي هريرة:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ذكر هذه الآية: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها فقال:«تدري ما أخبارها؟»قال:اللّه و رسوله أعلم.قال:«فإنّ أخبارها أن تشهد على كلّ عبد و أمة بما عمل على ظهرها من شيء،تقول:عمل على ظهري كذا و كذا،أو حملت على ظهري كذا و كذا،يوم كذا لكذا و كذا،فهذه

ص: 115

أخبارها».(الثّعلبيّ 10:264)

ابن مسعود:و تخبر بأنّ أمر الدّنيا قد انقضى،و أنّ أمر الآخرة قد أتى،فيكون ذلك منها جوابا عند سؤالهم، وعيدا للكافر و إنذارا للمؤمن.(الماورديّ 6:319)

الأرض تتكلّم يومئذ،فتقول:أمرني اللّه بهذا.(الطّوسيّ 10:394)

الإمام عليّ عليه السّلام:[في حديث]قال: وَ قالَ الْإِنْسانُ ما لَها... قال:أنا الإنسان و إيّاي تحدّث أخبارها.(الكاشانيّ 5:357)

يحيى بن سلاّم:تحدّث أخبارها بما أخرجت من أثقالها.(القرطبيّ 20:149)

الطّبريّ: يقول:يومئذ تحدّث الأرض أخبارها، و تحديثها:أخبارها،على القول الّذي ذكرناه عن عبد اللّه بن مسعود...و أمّا سعيد بن جبير،فإنّه كان...يقرأ في المغرب مرّة (يومئذ تنبئ أخبارها) و مرّة تُحَدِّثُ أَخْبارَها فكأنّ معنى تحدّث كان عند سعيد:تنبئ، و تنبيئها أخبارها:إخراجها أثقالها من بطنها إلى ظهرها.

و هذا القول قول عندي صحيح المعنى،و تأويل الكلام على هذا المعنى:يومئذ تبيّن الأرض أخبارها بالزّلزلة و الرّجّة،و إخراج الموتى من بطونها إلى ظهورها،بوحي اللّه إليها.(12:660)

مثله الميبديّ(10:578)،و نحوه أبو الفتوح(20:

366).

الثّعلبيّ: قال المفسّرون:تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شرّ،فتقول للمؤمن يوم القيامة:جدّ عليّ و صام و صلّى و اجتهد و أطاع ربّه،فيفرح المؤمن بذلك،و تقول للكافر:شرك عليّ وزنى و سرق و شرب الخمر فيوبّخ بالمشهد،و تشهد عليه الجوارح و الملائكة مع علم اللّه سبحانه به،حتّى يودّ أنّه سيق إلى النّار ممّا يرى من الفضوح.[ثمّ استشهد بروايات،فراجع]

(10:264)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:[ما جاء في رواية أبي هريرة]

الثّاني:...[و هو قول يحيى بن سلاّم (1)ثمّ أضاف:] و هذا قول من زعم أنّها زلزلة القيامة.

الثّالث:تحدّث بقيام السّاعة،إذا قال الإنسان:ما لها؟ [ثمّ ذكر قول ابن مسعود](6:319)

عبد الكريم الخطيب :و في التّعبير عن خبء الأرض،و ما تخرجه من بطنها بلفظ«الأخبار»،إشارة أخرى إلى هذه الأسرار المضمرة الّتي كانت مخبوءة في صدر الأرض،قد أعلنت و أصبحت أخبارا يعلمها النّاس جميعا.[و أيّده بحديث النّبيّ السّابق ثمّ قال:]

و على هذا يكون معنى قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها أي تنشر أخبارها،و تظهر أسرارها،و تخرج خبأها.(15:1651)

و تمام الكلام في«ح د ث»و«و ح ي».

اخباركم

1- يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ... التّوبة:94

ص: 116


1- و هذا الوجه غير موجود في(الماورديّ) و قد أثبتناه من القرطبيّ(20:149).

ابن عبّاس: من أسراركم و نفاقكم.(164)

نحوه الإسكافيّ(203)،و الواحديّ(2:518).

السّدّيّ: أخبرنا،لو خرجتم ما زدتمونا إلاّ خبالا.(296)

الطّبريّ: ...و أعلمنا من أمركم ما قد علمنا به كذبكم.(6:11)

مثله الطّوسي(5:325)،و الطّبرسيّ(3:61)، و شبّر(3:109).

القيسيّ: قوله تعالى: قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ (نبّأ)بمعنى أعلم،و أصله أن يتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل،و يجوز أن يقتصر على واحد،و لا يقتصر به على اثنين دون ثالث،و لذلك لا يجوز أن نقدّر زيادة (من)في قوله: مِنْ أَخْبارِكُمْ لأنّك لو قدّرت زيادتها لصار«نبّأ»قد تعدّى إلى مفعولين دون ثالث،و ذلك لا يجوز،و إنّما تعدّى إلى مفعول واحد،و هو(نا)ثمّ تعدّى بحرف جرّ،و لو أضمرت مفعولا ثالثا لحسن تقدير زيادة «من»على مذهب الأخفش،لأنّه قد أجاز زيادة«من» في الواجب،و يكون التّقدير:قد نبّأنا اللّه أخباركم مشروحة.

(1:370)

القشيريّ: أراد إذا تقوّلوا بما هم فيه كاذبون، و ضلّلوا عمّا كانوا في تخلّفهم به يتّصفون،فأخبروهم أنّا عرّفنا اللّه كذبكم فيما تقولون،و اتّضحت لنا فضائحكم، و تميّز-بما أظهره اللّه لنا-سيّئكم و صالحكم،فإنّ اللّه تعالى لا يخفى عليه شيء من أحوالكم.(3:56)

الرّاغب: أي من أحوالكم الّتي تخبر عنها.(142)

مثله الميبديّ(4:190)،و ابن كثير(3:442).

البغويّ: مِنْ أَخْبارِكُمْ فيما سلف.(2:379)

مثله الخازن.(3:112)

الزّمخشريّ: و قوله: قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ... علّة لانتفاء تصديقهم،لأنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أوحى إلى رسوله الإعلام بأخبارهم و أحوالهم،و ما في ضمائرهم من الشّرّ و الفساد،لم يستقم مع ذلك تصديقهم في معاذيرهم.

(2:208)

نحوه الفخر الرّازيّ(16:163)،و البيضاويّ(1:

428)،و النّسفيّ(2:141)،و أبو حيّان(5:89)، و الشّربينيّ(1:642)،و الكاشانيّ(2:368)، و المشهديّ(4:257)،و أبو السّعود(3:181)، و البروسويّ(3:487)،و القاسميّ(8:3236).

ابن عطيّة: و(نبّأ)في هذه الآية قيل:هي بمعنى عرف،لا تحتاج إلى أكثر من مفعولين،فالضّمير مفعول أوّل،و قوله: مِنْ أَخْبارِكُمْ مفعول ثان على مذهب أبي الحسن في زيادة«من»في الواجب،فالتّقدير:قد نبّأنا اللّه أخباركم،و هو على مذهب سيبويه نعت لمحذوف هو المفعول الثّاني،تقديره:قد نبّأنا اللّه جليّة من أخباركم.

و قيل:(نبّأ)بمعنى أعلم،يحتاج إلى ثلاثة مفاعيل، فالضّمير واحد،و مِنْ أَخْبارِكُمْ ثان حسب ما تقدّم من القولين،و الثّالث محذوف يدلّ الكلام عليه،تقديره:

قد نبّأنا اللّه من أخباركم كذبا أو نحوه.

و حذف هذا المفعول مع الدّلالة عليه جائز بخلاف الاقتصار؛و ذلك أنّ الاقتصار إنّما يجوز إمّا على المفعول الأوّل و يسقط الاثنان،إذ هما الابتداء و الخبر،و إمّا على

ص: 117

الاثنين الأخيرين و يسقط الأوّل،و إمّا أن يقتصر على المفعولين الأوّلين و يسقط الثّالث دون دلالة عليه،فذلك لا يجوز،و يجوز حذفه مع الدّلالة عليه.(3:72)

العكبريّ: قوله تعالى: قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ هذا الفعل قد يتعدّى إلى ثلاثة،أوّلها(نا)و الاثنان الآخران محذوفان،تقديره:أخبارا من أخباركم مثبتة.

و مِنْ أَخْبارِكُمْ تنبيه على المحذوف،و ليست (من)زائدة؛إذ لو كانت زائدة لكانت مفعولا ثانيا، و المفعول الثّالث محذوف،و هو خطأ،لأنّ المفعول الثّاني إذا ذكر في هذا الباب لزم ذكر الثّالث.(2:655)

ابن جزيّ: نعت لمحذوف و هو المفعول الثّاني، تقديره:قد نبّأنا اللّه جملة من أخباركم.(2:83)

السّمين:فيها وجهان:

أحدهما:أنّها المتعدّية إلى مفعولين أوّلهما(نا)، و الثّاني:قوله: مِنْ أَخْبارِكُمْ. و على هذا ففي(من) وجهان:

أحدهما:أنّها غير زائدة،و التّقدير:قد نبّأنا اللّه أخبارا من أخباركم،أو جملة من أخباركم،فهو في الحقيقة صفة للمفعول المحذوف.

و الثّاني:أنّ(من)مزيدة عند الأخفش،لأنّه لا يشترط فيها شيئا،و التّقدير:قد نبّأنا اللّه أخباركم.

الوجه الثّاني من الوجهين الأوّلين:أنّها متعدّية لثلاثة ك«أعلم»،فالأوّل و الثّاني ما تقدّم،و الثّالث محذوف اختصارا للعلم به،و التّقدير:نبّأنا اللّه من أخباركم كذبا و نحوه.[ثمّ ذكر قول العكبريّ و قال:]

إن عنى حذف الاقتصار فمسلّم،و إن عنى حذف الاختصار فممنوع،و قد مرّ بك في هذه المسألة مذاهب النّاس.(3:494)

الآلوسيّ: (نبّأ)عند جمع متعدّية إلى مفعولين:

الأوّل الضّمير،و الثّاني مِنْ أَخْبارِكُمْ، إمّا لأنّه صفة المفعول الثّاني،و التّقدير:جملة من أخباركم،أو لأنّه بمعنى بعض أخباركم،و ليست(من)زائدة على مذهب الأخفش من زيادتها في الإيجاب.

و قال بعضهم:إنّها متعدّية لثلاثة مِنْ أَخْبارِكُمْ سادّ مسدّ مفعولين،لأنّه بمعنى إنكم كذا و كذا،أو المفعول الثّالث محذوف،أي واقعا مثلا.

و تعقّب بأنّ السّدّ المذكور بعيد،و حذف المفعول الثّالث إذا ذكر المفعول الثّاني في هذا الباب خطأ أو ضعيف.و معنى(نبّأنا)على الأوّل عرّفنا كما قيل،و على الثّاني أعلمنا،و قيل:معناه خبّرنا.و(من)بمعنى«عن» و ليس بشيء.

و جمع ضمير المتكلّم في الموضعين للمبالغة في حسم أطماع المنافقين المعتذرين رأسا،ببيان عدم رواج اعتذارهم عند أحد من المؤمنين أصلا،فإنّ تصديق البعض لهم ربّما يطمعهم في تصديق الرّسول عليه الصّلاة و السّلام أيضا،و للإيذان بافتضاحهم بين المؤمنين كافّة.(11:2)

ابن عاشور :تعليل لنفي تصديقهم أي قد نبّأنا اللّه من أخباركم بما يقتضي تكذيبكم،فالإيهام في المفعول الثّاني ل(نبّأنا)السّادّ مسدّ مفعولين،تعويل على أنّ المقام يبيّنه.

و(من)اسم بمعنى بعض،أو هي صفة لمحذوف

ص: 118

تقديره:قد نبّأنا اللّه اليقين من أخباركم.(10:183)

فضل اللّه :بكلّ ما تحدّثتم فيه،و ما اتّفقتم عليه من الكيد للإسلام و المسلمين،ممّا كنتم تظنّون أنّ السّرّ لا يتجاوز أفرادكم.(11:190)

2- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ. محمّد:31

ابن عبّاس: تظهر أسراركم و بغضكم و عداوتكم و مخالفتكم للّه و لرسوله.(430)

الطّبريّ: فنعرف الصّادق منكم من الكاذب.

(11:325)

أبو زرعة:قرأ أبو بكر: (و ليبلونّكم حتّى يعلم المجاهدين...و يبلو اخباركم) بالياء،إخبارا عن اللّه،أي ليبلوكم اللّه.(670)

الماورديّ: وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ يحتمل وجهين:

أحدهما:نختبر أسراركم.

الثّاني:ما تستقبلونه من أفعالكم.(5:305)

نحوه الطّبرسيّ.(5:107)

الطّوسيّ: أي نختبر أخباركم،و نعلم المطيع من العاصي.(9:307)

الواحديّ: أي نظهرها و نكشفها بإباء من يأبى القتال،و لا يصبر على الجهاد.(4:129)

مثله البغويّ(4:218)،و ابن الجوزيّ(7:411)، و الخازن(6:154)،و نحوه الشّوكانيّ(5:50).

الزّمخشريّ: أَخْبارَكُمْ ما يحكى عنكم،و ما يخبر به عن أعمالكم،ليعلم حسنها من قبيحها،لأنّ الخبر على حسب المخبر عنه،إن حسنا فحسن و إن قبيحا فقبيح.(3:538)

نحوه ملخّصا أبو السّعود.(6:93)

الفخر الرّازيّ: و في قوله: حَتّى نَعْلَمَ و قوله:

اَلْمُجاهِدِينَ... و اَلصّابِرِينَ... و قوله: وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ يحتمل وجوها:

أحدها:قوله:(آمنّا)الحجرات:14،لأنّ المنافق وجد منه هذا الخبر،و المؤمن وجد منه ذلك أيضا، و بالجهاد يعلم الصّادق من الكاذب،كما قال تعالى:

أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ الحشر:8.

ثانيها:إخبارهم من عدم التّولية في قوله: وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ الأحزاب:

15،إلى غير ذلك،فالمؤمن وفى بعهده و قاتل مع أصحابه فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ الصّفّ:4، و المنافق كان كالهباء ينزعج بأدنى صيحة.

ثالثها:المؤمن كان له أخبار صادقة مسموعة من النّبيّ عليه السّلام،كقوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ الفتح:27، لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي و إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ الصّافّات:173،و للمنافق أخبار هي أراجيف،كما قال تعالى في حقّهم: وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ الأحزاب:60،فعند تحقّق الإيجاف،يتبيّن الصّدق من الإرجاف.(28:70)

نحوه النّيسابوريّ.(26:33)

البيضاويّ: ما يخبر به عن أعمالكم فيظهر حسنها و قبحها،أو أخبارهم عن إيمانهم و موالاتهم المؤمنين في صدقها و كذبها.(2:397)

ص: 119

الشّربينيّ: أي نخالطها بأن نسلّط عليها من يحرّفها،فيجعل حسنها قبيحا و قبيحها حسنا،ليظهر للنّاس العامل للّه و العامل للشّيطان،فإنّ العامل للّه إذا سمّي قبيحه باسم الحسن،علم أنّ ذلك إحسان من اللّه تعالى إليه،فيستحي منه و يرجع.و إذا سمّي حسنه باسم القبيح و أشهر به،علم أنّ ذلك لطف من اللّه تعالى به، لكي لا يدركه العجب أو يهاجمه الرّياء،فيزيد في إحسانه.و العامل للشّيطان يزداد في القبائح،لأنّ شهرته عند النّاس محطّ نظره و يرجع عن الحسن،لأنّه لم يوصله إلى ما أراد به من ثناء النّاس عليه بالخير.(4:33)

الكاشانيّ: عن إيمانكم و موالاتكم المؤمنين في صدقها و كذبها.(5:3)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

ففيه إشارة إلى أنّ بلاء الأخبار كناية عن بلاء الأعمال.(8:521)

شبّر:الّتي تحكي عنكم كدعواكم الإيمان أو أسراركم.(6:34)

الآلوسيّ: فيظهر حسنها و قبيحها،و الكلام كناية عن بلاء أعمالهم،فإنّ الخبر حسنه و قبيحه على حسب المخبر عنه،فإذا تميّز الحسن عن الخبر القبيح فقد تميّز المخبر عنه و هو العمل كذلك،و هذا أبلغ من«نبلو أعمالكم»،و الظّاهر عموم الأخبار.

و جوّز كون المراد بها أخبارهم عن إيمانهم و موالاتهم للمؤمنين،على أنّ إضافتها للعهد،أي و نبلو أخبار إيمانكم و موالاتكم فيظهر صدقها و كذبها.(26:78)

القاسميّ: أي أفانين أقوالكم،و ضروب بياناتكم، و أعمال قوّة ألسنتكم في نشر الحقّ و الصّدع به و الدّأب عليه،هل هو متمحّض لذلك،أم فيه ما فيه من المحاباة خفيفة لوم اللاّئم.(15:5390)

المراغيّ: أي و لنختبركم بالأمر بالجهاد و سائر التّكاليف الشّاقّة،حتّى يتميّز المجاهد الصّابر من غيره، و يعرف ذو البصيرة في دينه من ذي الشّكّ و الحيرة فيه، و المؤمن من المنافق،و نبلو أخباركم فنعرف الصّادق منكم في إيمانه من الكاذب.(26:72)

الطّباطبائيّ: كأنّ المراد بالأخبار:الأعمال من حيث إنّها تصدر عن العاملين،فيكون أخبارا لهم يخبر بها عنهم،و اختبار الأعمال يمتاز به صالحها من طالحها، كما أنّ اختبار النّفوس يمتاز به النّفوس الصّالحة الخيّرة.(18:243)

عبد الكريم الخطيب :و في قوله: وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ إشارة إلى أنّ الأفعال هي الّتي عليها المعوّل في الكشف عن إيمان المؤمنين و صبر الصّابرين.فابتلاء اللّه سبحانه لأخبار المؤمنين،إنّما هو ابتلاء لهم،و تعرّف على أحوالهم،من أخبارهم الّتي هي حكاية لأعمالهم و تصوير لها.و هذا يشير أيضا إلى أنّ للأعمال آثارها في الحياة و في النّاس،و أنّها تقع تحت حكم النّاس عليها و الإخبار عنها بما يرضيهم أو يسخطهم منها.

و هذا يشير مرّة أخرى إلى أنّ المجتمع الإنسانيّ له وزنه و له قدره في الحكم على أعمال النّاس،و أنّ حكمهم على عمل بأنّه حسن غير حكمهم عليه بأنّه سيّئ،فلهذا وزنه،و لذلك وزنه عندهم،و عند اللّه كذلك.

(13:372)

ص: 120

مكارم الشّيرازيّ: قال كثير من المفسّرين:إنّ المراد من الأخبار هنا:أعمال البشر؛و ذلك أنّ عملا ما إذا صدر من الإنسان،فإنّه سينتشر بين النّاس كخبر.

و قال آخرون:إنّ المراد من الأخبار هنا:الأسرار الدّاخليّة،لأنّ أعمال النّاس تخبر عن هذه الأسرار.

و يحتمل أن تكون الأخبار هنا بمعنى الأخبار الّتي يخبر بها النّاس عن وضعهم و عهودهم و مواثيقهم، فالمنافقون-مثلا-كانوا قد عاهدوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن لا يرجعوا عن القتال،في حين أنّهم نقضوا عهدهم وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ الأحزاب:15.و نراهم في موضع آخر: وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ... الأحزاب:13،و بهذا فإنّ اللّه سبحانه يختبر أعمال البشر،كما يختبر أقوالهم و أخبارهم.و طبقا لهذا التّفسير فإنّ لهاتين الجملتين في الآية معنيين متفاوتين، مع أنّ إحداهما تؤكّد الأخرى طبقا للتّفاسير السّابقة.(16:356)

الوجوه و النّظائر

الفيروزآباديّ: الخبر بالضّمّ:العلم بالشّيء،قال تعالى: وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً و يقال:

صدّق الخبر الخبر،و يقال:لأخبرنّ خبرك،أي لأعلمنّ علمك.

يقال منه:خبرته أخبره كنصرته أنصره خبرا بالضّمّ و خبرة بالكسر،إذا بلوته و اختبرته.و وجدت النّاس اخبر تقله،المعنى:وجدتهم مقولا فيهم هذا القول، أي ما منهم إلاّ و هو مسخوط الفعل عند الخبرة،إذا اختبرتهم قليتهم،فأخرج الكلام على لفظ الأمر و معناه الخبر.

العالم: قال تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً و الخبير في صفات اللّه تعالى:العالم بما كان و بما يكون.و أخبرت:

أعلمت بما حصل لي من الخبر.و قيل:الخبرة:المعرفة ببواطن الأمور.

و قوله تعالى: قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ أي من أحوالكم الّتي يخبر عنها.و قوله تعالى: وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ أي عالم بأخباركم و أعمالكم.و قيل:أي عالم ببواطن أموركم.

و قيل:خبير بمعنى مخبر،كقوله تعالى: فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ المائدة:105،و تخبّرته أي سألته عن الخبر.و قد جاء«يتفعّل»بمعنى«يستفعل»كتكبّر و استكبر و تضعّفه و استضعفه.و في الحديث:«بعث بين يديه عينا من خزاعة يتخبّر له خبر كفّار قريش».

و المخابرة:المزارعة على الخبرة و هي النّصيب كالثّلث و الرّبع و نحوه.و قيل:أصل الكلمة من خيبر،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان أقرّها في أيدي أهلها على النّصف؛فقيل:

خابرهم،أي عاملهم في خيبر.

(بصائر ذوي التّمييز 2:523)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخبر أو الخبر،أي المزادة العظيمة؛و الجمع:خبور،و هي الخبراء أيضا.

و الخبر و الخبر:النّاقة الغزيرة اللّبن؛و الجمع:خبور أيضا،شبّهت بالمزادة في غزرها،و قد خبرت خبورا،

ص: 121

و الخبراء:المجرّبة بالغزر.

و الخبر:منبت السّدر في القيعان؛واحدته:خبرة، و الخبر من مواقع الماء:ما خبر المسيل في الرّءوس فتخوض فيه،قيل له ذلك لغزارته.

و الخبرة:القاع ينبت السّدر؛و الجمع:خبر،و هي الخبراء أيضا؛و الجمع:خبراوات و خبار و خبارى و خباري،و خبر الموضع فهو خبر،و أرض خبرة،و خبر الخبرة و خبراؤها:شجرها.

و الخبار:أرض ليّنة و رخوة،فيها جحرة؛و واحدته:

خبارة.يقال:خبرت الأرض خبرا،أي كثر خبارها.

و المخابرة:المزارعة على نصيب معيّن كالنّصف و الثّلث و الرّبع،و هي من الخبار،أي الأرض اللّيّنة، و يقال لها:الخبر و الخبر أيضا.

و الخبير:الأكّار،لأنّه يليّن الأرض،و هو النّبات، و الوبر،و نسالة الشّعر،و الزّبد أيضا،للين هذه الأشياء.

و الخبرة:الشّاة يشتريها القوم بأثمان مختلفة،ثمّ يقتسمونها فيسهمون كلّ واحد منهم على قدر ما نقد.

يقال:تخبّروا خبرة،أي اشتروا شاة فذبحوها و اقتسموها،و هي شاة خبيرة مقتسمة،تشبيها بالمزادة.

و الخبرة أيضا:النّصيب تأخذه من لحم أو سمك، و الطّعام و ما قدّم من شيء.يقال:اجتمعوا على خبرته.

و الخبرة و الخبر:اللّحم يشتريه الرّجل لأهله.يقال له:ما اختبرت لأهلك؟

و الخبرة و الخبير:الطّعام من اللّحم و غيره.يقال:

اخبر طعامك،أي دسّمه،و خبر الطّعام يخبره خبرا:دسّمه، و أتانا بخبزة و لم يأتنا بخبرة،و المخبور:الطّيّب الأدام، و جمل مختبر:كثير اللّحم.

و الخبر:النّبأ؛و الجمع:أخبار،من الخبر،أي اللّحم يشتريه الرّجل لأهله،لأنّه يتطلّبه أيضا.يقال:خبرت بالأمر و خبرته أخبره،أي عرفته على حقيقته،و خبّرته بكذا و أخبرته:نبّأته،و تخبّرت الخبر و استخبرته:سألت عنه لأعرفه،و لأخبرنّ خبرك:لأعلمنّ علمك،و أخبره خبوره:أنبأه ما عنده.

و الخابر و الخبير:العالم بالخبر،و الخبير:المخبر، و الّذي يخبر الشّيء بعلمه،و هو من أسماء اللّه تعالى؛لأنّه خبير بما كان و ما يكون.

و المخبر:خلاف المنظر،و كذا المخبرة و المخبرة.

و الخبر و الخبر و الخبرة و الخبرة و المخبرة و المخبرة:العلم بالشّيء.يقال:لي به خبر،و قد خبره يخبره خبرا و خبرة و خبرة و خبرا،و اختبره و تخبّره.

و الخبرة:الاختبار،أي التّجربة،و الخابر:المختبر المجرّب.يقال:خبرت الرّجل أخبره خبرا و خبرا و خبرة و خبرة.

2-و الأخباريّ: نسبة إلى الأخبار؛جمع الخبر،و هو المؤرّخ و العالم بالتّاريخ و التّراجم،و الأخباريّة أو الأخباريّون:فرقة من الشّيعة تعارض الاجتهاد،و تعمل بالأخبار كيف ما شاءت،و تقتصر في ذلك على الكتاب و الخبر،و ترفض العقل و الإجماع،و هي خلاف الأصوليّين القائلين بالاجتهاد.

و أوّل من نادى بالأخباريّة الملاّ محمّد أمين بن محمّد شريف الاسترآباديّ،صاحب كتاب«الفوائد المدنيّة»، و المتوفّى عام 1036 ه

ص: 122

و تكاد هذه الدّعوة تأفل و تضمحلّ؛إذ لم يبق من أنصارها اليوم إلاّ أفراد قليلون،يعيشون في البحرين غالبا،و كان آخر أقطابها الشّيخ محمّد أمين زين الدّين، صاحب كتاب«الإسلام:ينابيعه،مناهجه،غاياته»، حيث توفّي في النّجف عام 1419 ه،و كانت له مساع حميدة في تخفيف حدّة النّزاع بين الأصوليّين و الأخباريّين،و خطا خطوات حثيثة نحو التّقريب بينهما.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها المصدر(خبر)مرّتين،و الاسم(خبر) مفردا و جمعا 5 مرّات،و الوصف(خبير)51 مرّة،في 52 آية:

خبرا

1- وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً

الكهف:68

2- كَذلِكَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً

الكهف:91

خبر و أخبار

3- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ... النّمل:7

4- ...قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ... القصص:29

5- ...قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ... التّوبة:94

6- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ محمّد:31

7- يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها* بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:3،4

خبير بما تعملون(أو)يعملون

(أو)يصنعون

8- ...لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ آل عمران:153

9- ...اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ المائدة:8

10- ...قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ النّور:53

11- ...وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ المجادلة:13

12- ...وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ الحشر:18

13- وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ المنافقون:11

14- ...وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ التّوبة:16

15- ...فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ البقرة:234

16- ...فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ البقرة:271

17- ...وَ لِلّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ آل عمران:180

18- ...وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَ أَنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ لقمان:29

ص: 123

19- ...وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ الحديد:10

20- ...ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ المجادلة:3

21- ...يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ المجادلة:11

22- فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ التّغابن:8

23- ...فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً

النّساء:94

24- ...وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً النّساء:128

25- ...وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً النّساء:135

26- وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً الأحزاب:2

27- ...بَلْ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً

الفتح:11

28- وَ إِنَّ كُلاًّ لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ هود:111

29- ...صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ النّمل:88

30- ...ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ النّور:30

31- إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ العاديات:11

32- ...وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَ كَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً الفرقان:58

اللّطيف الخبير

33- ...فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ لقمان:16

34- أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ

الملك:14

35- لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الأنعام:103

36- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ الحجّ:63

37- وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً الأحزاب:34

عليم خبير

38- إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

لقمان:34

39- ...إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات:13

40- ...قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ التّحريم:3

41- ...إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً النّساء:35

حكيم خبير

42- كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ

ص: 124

خَبِيرٍ هود:1

43- وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ سبأ:1

44- وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الأنعام:18

45- عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ

الأنعام:73

خبير بصير

46- إِنَّ اللّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ فاطر:31

47- وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ الشّورى:27

48- ...وَ كَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً

الإسراء:17

49- إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً الإسراء:30

50- إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً الإسراء:96

خبير

51- ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً الفرقان:59

52- وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ فاطر:14

يلاحظ أوّلا:أنّ مشتقّات هذه المادّة جاءت في ثلاثة محاور:

المحور الأوّل:الخبر في(1): ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً و(2): كَذلِكَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً، و فيه بحوث:

1-الخبر:الخبر،أي العلم بالشّيء،و أصله-كما تقدّم-المزادة العظيمة،و هو أيضا النّاقة الغزيرة اللّبن، و اللّحم يشتريه الرّجل لأهله،فهو يتطلّبه كما يتطلّب الغزارة من الماء و اللّبن و اللّحم.

و الخضر هنا ينفي عن موسى العلم الغزير و ليس مطلق العلم،كما يهدي إليه الحسّ اللّغويّ و السّياق القرآنيّ.و فسّره النّحّاس بقوله:«أي و كيف تصبر على ما ظاهره خطأ،و لم تخبر بوجه الحكمة فيه»؟

2-لعلّ المراد بالخبر في(1)الغيب،و يؤيّده ما رواه الثّعلبيّ عن ابن عبّاس أنّ العالم«كان رجلا يعمل على الغيب»،أي أطلعه اللّه على الغيب،كما أطلع النّبيّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله عليه،و هو قوله: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ يوسف:102،و التّقدير على هذا الرّأي:

و كيف تصبر على ما لم تحط به غيبا،كما أحطت به، فالمعنى على هذا مجازيّ.

3-الخبر في(2)العلم بالشّيء،أو الغيب كما قدّرناه، و هو متعلّق ب(احطنا)،نسبة إلى اللّه تعالى،و كذا في(1)، فهو متعلّق ب(تحط)نسبة إلى موسى عليه السّلام نفيا من حيث اللّفظ،و هو يدلّ على النّسبة إلى الخضر عليه السّلام إثباتا من حيث المعنى.

المحور الثّاني:الخبر و الأخبار في(3-7)،و فيها بحوث:

1-جاءت(3)و(4)حكاية عن لسان موسى حينما رأى النّار: سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ و لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ، و الخبر هنا العلم،سواء كان العلم بمن حول النّار فيستعين به،أو العلم بالطّريق فيهتدي.و لم يجتمع (الإتيان)و(الخبر)أو ما كان بمعنى الخبر-و هو العلم-إلاّ في هاتين الآيتين،و في قوله: يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ

ص: 125

اَلْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ مريم:43.

2-ورد الخبر في(5)و(6)جمعا مضافا إلى الضّمير «كم»الرّاجع إلى المنافقين: قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ، وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ. و الأخبار في(5)الأسرار أو الأحوال بقرينة(نبّأنا)،لأنّه من النّبو،أي الارتفاع و الظّهور،و التّقدير:قد أظهر اللّه لنا من أسراركم و أحوالكم،و رفع السّتر عن خبايا ضمائركم.و نظيره قوله: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ التّوبة:64.

و الأخبار في(6) وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ الأعمال،نحو قوله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً هود:7،أو الأسرار،نحو قوله: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9.

3-جاء(اخبارها)في(7): يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها مفعولا ثانيا ل(تحدّث)،و الأوّل محذوف، و التّقدير:تحدّث النّاس أخبارها.و تحديث الأرض الأخبار من الإسناد المجازيّ،و هو ما يقوم مقام الحديث، كالزّلزلة و إخراج الأثقال و غير ذلك.

و قيل:التّحديث هنا حقيقة؛و ذلك بأن يخلق اللّه فيها الحياة،فتحدّث النّاس بما عملوا على ظهرها،أو بما أخرجت من أثقالها،أو بقيام السّاعة.

المحور الثّالث:الخبير في(8-52)،و جاء بأنماط شتّى:

أ- خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8-14)،و فيها بحوث:

1-أجمع المفسّرون على أنّ هذا الكلام ضرب من التّرغيب في الطّاعة و ترهيب عن المعصية؛إذ جاء لفظ «الخبير»بعد خطاب المؤمنين في هذه الآيات،سوى (10)فإنّها خطاب للمنافقين،يأمرهم فيها بالطّاعة،بينما أمر المؤمنين في(9)بالعدل و التّقوى،و في(12)بالتّقوى فقط،و أمرهم في(11)بإقامة الصّلاة و إيتاء الزّكاة و إطاعته و إطاعة رسوله،و في(13)بالإنفاق قبل الموت، و نفى عنهم في(8)الحزن على ما فاتهم و ما أصابهم،و في (14)اتّخاذ وليجة.

2-خصّ العمل في هذه الآيات دون القول و النّيّة، فلم يقل:خبير بما تقولون،أو خبير بما تنوون،لأنّ العمل أجلى في الطّاعة و أنكى في المعصية،و تقدير الكلام:و اللّه خبير بعملكم؛إذ جملة(تعملون)صلة(ما)،و هو اسم موصول متعلّق ب(خبير).

و لا عبرة بقول الآلوسيّ في تفسير(12) إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ: «تقديم(الخبير)للتّنبيه على أنّ العمدة هي الأمور الرّوحانيّة»،لأنّ يدحضه.

3-إن قيل:أ ما يكون«عليم بما تعملون»أظهر من قوله: خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ؟

يقال:كلاّ،إنّ قوله: خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ورد عقب أمور إيجابيّة،كما تقدّم في البحث(1)من(أ)لهذا المحور، بينما ورد قوله: بَلى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ النّحل:28،و نظائره عقب أمور سلبيّة غالبا،فهو تهديد و وعيد.

ب- بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ في(15-27)،و فيها بحوث:

1-قدّم المتعلّق بِما تَعْمَلُونَ في هذه الآيات على المتعلّق به(خبير)للحصر،كما في(16)و(17)و(19) و(21)و(23)و(24)و(26)،أو للرّويّ أو لكليهما،كما في(15)و(18)و(20)و(22)و(25)و(27).فما كان

ص: 126

للحصر فهو مسبوق بإبداء الصّدقات و إخفائها و تكفير السّيّئات،كما في(16)،أو تهديد للبخلاء كما في(17)،أو الحثّ على الإنفاق كما في(19)،أو الأمر برعاية آداب المجالس كما في(21)،أو الأمر بالتّمييز بين المؤمن و الكافر كما في(24)،أو أمر النّبيّ باتّباع الوحي كما في (26)،أو أمره صلّى اللّه عليه و آله بالرّدّ على تخلّف الأعراب كما في (27).

2-يلحظ أنّ أكثر الآيات في مجموعتي(أ)و(ب)من هذا المحور ممّا قيّد(خبير)بالعمل مدنيّة،لأنّ العمل ينصرف إلى التّشريع،و المدينة دار التّشريع،و ما جاء عنها في المكّيّات مثل(18)و(28)و(29)فإمّا راجع إلى العقيدة،أو حكاية عن الأمم المتقدّمة.

و أمّا ما لم يقيّد منها بالعمل مثل(31)و ما بعدها، فأكثرها مكّيّة،و ترجع إلى العقيدة،فلاحظ.

3-ذهب بعض إلى أنّ(خبيرا)أدقّ من«عليم»في حيّز العلم و الاطّلاع،و هذا ليس بشيء،لأنّ لفظ «خبير»بمعنى«خابر»،فهو«فعيل»بمعنى«فاعل»،و أمّا لفظ«عليم»فهو مبالغة في العلم.

ج- بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ و خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ و خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ في(28)و(29)و(30)على التّوالي:

العمل و الفعل و الصّنع نظائر في اللّغة،غير أنّ العمل في(28)فيه تشدّد،لتقدّمه على(خبير)،فهو تهديد و وعيد لقوم موسى،لاختلافهم في الكتاب و شكّهم فيه.

كما استعمل الفعل في(9)في محاججة الكفّار حول الكون و ما فيه،و استعمل الصّنع في(30)في أمر المؤمنين بغضّ أبصارهم و حفظ فروجهم.

د-خبير بالمذنبين في(31): بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ و بذنوبهم في(32): بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً:

دخلت لام الابتداء في(31)على خبر«إنّ» المكسورة:(لخبير)لتأكيد علم اللّه بالمذنبين،و لا تدخل هذه اللاّم على خبر«أنّ»المفتوحة.و في الخبر:أنّ الحجّاج لحن في هذه الآية و هو على المنبر؛إذ فتح همزة «إنّ»،فاستدركها بحذف اللاّم،فقرأها «أنّ ربّهم بهم يومئذ خبير»، فوطّأ كلامه بالصّواب،و خبط في كلام اللّه باضطراب،و للفخر الرّازيّ و أبي حيّان هنا موقف غير مرضيّ،فلاحظ نصوصهما.

ه- لَطِيفٌ خَبِيرٌ في(33-37)،و فيها بحوث:

1-اقترن«الخبير»بلفظ«اللّطيف»في هذه الآيات، و هو صفة من صفات اللّه المفردة،نحو: اَلْحَيُّ الْقَيُّومُ البقرة:255،و مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ القمر:55.و لم يأت مضافا،كما في قوله: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ البقرة:118،و شَدِيدُ الْمِحالِ الرّعد:14.و لا ضير أن يقال من غير القرآن:خبير العالمين،و خبير يوم الدّين،و خبير السّماوات و الأرض،و خبير النّاس و نحو ذلك.

2-«الخبير»و«اللّطيف»متقاربان في المعنى، و اجتمعا هنا تأكيدا للصّفة،لما يتضمّنه السّياق من تأكيد و تشديد،فسياق(33)شدّة و دقّة في إحاطة اللّه تعالى، و سياق(34)استفهام إنكاريّ حول علمه و إحاطته بخلقه،و(35)إدراكه الأبصار و هي لا تدركه،و(36) استفهام إنكاريّ حول قدرته و إنزاله الماء من السّماء ثمّ

ص: 127

اخضرار الأرض،و(37)أمره لنساء النّبيّ بذكر ما يتلى في بيوتهنّ من آيات اللّه و الحكمة.

3-جاء اللّفظان لَطِيفٌ خَبِيرٌ بتقديم(لطيف) دائما معرّفين في الثّلاث الأولى تفخيما و تعظيما، و منكّرين في الأخيرتين،مرفوعين في أولاهما و منصوبين في الأخيرة منهما خبرا ل(كان)و كلّها حسب الرّوي،و كلّها-يفيد الدّوام كصفة ذاتيّة للّه تعالى، فلاحظ.

و- عَلِيمٌ خَبِيرٌ في(38-41)،و فيها بحوث:

1-جاء العلم في بداية(38)مرّتين،و الدّراية في وسطها مرّتين،و إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ في نهايتها،و كأنّ العلم و الدّراية بتكرارهما مرّتين يعادلان العليم و الخبير، لأنّ اللّفظين الأخيرين على وزن«فعيل»الّذي يفيد المبالغة.و ما دام العليم من العلم،فلعلّ الخبير يعني الدّراية أيضا،و الدّراية من الدّريّة،و هي الدّابّة يستتر بها الصّائد من الصّيد فيختل،فالخبير إذن يعلم أسرار الأمور،و يقف على خبايا الصّدور.

2-اجتمع العليم و الخبير في هذه الآيات مع النّقائض؛إذ سبقهما في(38)علم اللّه بالسّاعة و ما في الأرحام،و جهل النّفس باكتسابها في المستقبل و بمكان موتها،و كذا إنزال الغيث-و هو كناية عن الحياة-و موت النّفس.و في(39)خلق الذّكر و الأنثى،و هما نقيضان في الجنس.و في(40)الإسرار و الإظهار،و في(41)الشّقاق و الإصلاح بين الزّوجين.فهل في ذلك سرّ؟

3-كلّ هذه الآيات الأربع استئنافيّة المبتدأ و المنتهى و ما بينهما غالبا،فقوله في(38): إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ جملة استئنافيّة،و قوله: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً استئنافيّة،و إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ استئنافيّة أيضا.

و كذا في(39): يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى و إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ و إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.

و في(40): وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً و قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فقط.

و في(41): وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما... و إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً و إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.

4-و اللّفظان«عليم و خبير»فيها جاءا بتقديم «عليم»دائما،منكّرين في ثلاث و معرّفين في واحدة (40)مرفوعين في ثلاث منها.و منصوبين في واحدة (41)كلّ ذلك حسب رويّ الآيات أيضا،فلاحظ.

ز-حكيم خبير في(42-45)،لاحظ«ح ك م».

ح-خبير بصير في(46-50)،لاحظ«ب ص ر».

ط-خبير مطلق في(51): فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً و(52): وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ، و فيه بحثان:

1-الخبير هنا هو اللّه تعالى،و لكنّ بعض المفسّرين زعم أنّه غير اللّه في(51)،فقيل:هو جبريل،أو النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله،أو القرآن،أو عالم،أو مسلمة أهل الكتاب.

و الخبير هنا و في جميع القرآن صفة من صفات اللّه و أسمائه،و هو حال مؤكّدة،و التّقدير:فاسأل يا محمّد سؤالك إيّاه خبيرا.

2-جاء لفظ(خبير)في(52)مطلقا؛لا يتعلّق بشيء و لا يتعلّق به شيء،كما أنّ جملة وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ

ص: 128

خَبِيرٍ استئنافيّة،لا محلّ لها من الإعراب.

و كأنّه يقول:و لا ينبّئك مثل خبير أحد فرد صمد، غنيّ عن العالمين،مؤتنف الأشياء و مبتكرها.

و يلاحظ ثانيا أنّ نصفا من مجموع 52 آية مدنيّ-لو كانت سورة الحجّ مدنيّة-و نصفها مكّيّ،و السّبعة الأوائل منها-بمالها من الاشتقاق و المعنى-راجعة إلى غير اللّه، و الباقي و هي 45 آية وصف للّه تعالى،فكادت هذه المادّة أن تختصّ باللّه تعالى،و لا سيّما أنّ كلّ خبرة و خبر مصدره اللّه تعالى.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

1-الخبر: إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ النمل:7

النبأ: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً المائدة:27

الحديث: وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى طه:9

2-الخبر: وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً الكهف:68

العلم: قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ البقرة:32

المعرفة: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ

المطفّفين:24

البصر: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي يوسف:108

الفقه: قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمّا تَقُولُ هود:91

الدراية: وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ الحاقّة:26

الحبر: إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ التوبة:34

ص: 129

ص: 130

خ ب ز

اشارة

خبزا

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخبز:الضّرب باليد،و الخبز:السّوق الشّديد،قال:

لا تخبزا خبزا و نسّا نسّا.

و الخبزة:اسم لما يعالج في الملّة و هي الطّلمة.يقال:

أكلت خبز ملّة،لأنّ الملّة الخبز نفسه و الرّماد.

و اختبز فلان،إذا عالج دقيقا فعجنه ثمّ خبزه.

و الخبازة:صنعته.

و الخبيز:الخبز المخبوز من أيّ حبّ كان.يقال:

عندهم طبيخ و خبيز،أي مرق مطبوخ و خبز مخبوز.

(4:211)

سيبويه :و الاختباز:اتّخاذ الخبز.

(ابن سيده 5:101)

الكسائيّ: و الخبز:مصدر خبزت،و الخبازة:صنعة الخبّاز،و الخبيز:الخبز المخبوز.

و خبزت القوم أخبزهم،إذا أطعمتهم الخبز.

(الأزهريّ 7:216)

أبو عمرو الشّيبانيّ: ما خبزكم هذا إلاّ جلفة كلّه، إذا يبس أعلاه.(1:120)

أبو زيد :الخبز:السّوق الشّديد و الضّرب،و البسّ:

السّير الرّفيق...[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:216)

اللّحيانيّ: و قول بعض العرب:أتيت بني فلان فخبزوا و حاسوا و أقطوا،أي أطعموني كلّ ذلك.

(ابن سيده 5:101)

الأصمعيّ: [في حديث]«لمّا افتتحنا خيبر،إذا ناس من يهود مجتمعون على خبزة يملّونها...».

قوله:خبزة،هي الّتي عند العامّة الملّة.و إنّما الملّة عند العرب:الحفرة الّتي فيها الخبزة،و لهذا قيل:يملّونها،إذا عملوها في الملّة.(أبو عبيد 2:283)

أبو عبيد: الخبز هي الطّلمة الّتي تدفن في الملّة،

ص: 131

و الملّة:الرّماد و التّراب الّذي أوقد عليه النّار.

(الأزهريّ 7:216)

ابن الأعرابيّ: و الخبيزات:خبزاوات بصنعاء ماويّة،و هو ماء لبلعنبر.[ثمّ استشهد بشعر]

قال:و إنّما سمّين خبيزات،لأنّهنّ انخبزن في الأرض، أي انخفضن و اطمأننّ فيها.(ابن سيده 5:101)

ابن السّكّيت: و يقال:خبز خبزا.و الخبز الاسم.(إصلاح المنطق:128)

و رجل خابز،أي ذو خبز،مثل تامر و لابن.

(الجوهريّ 3:876)

ابن أبي اليمان :و الخبز:الضّرب باليد كلّها على الظّهر،و منه:أخذ الخبز.(441)

ابن دريد :و الخبز:ضرب البعير بيده الأرض في مشيه،و به سمّي الخبز لضربهم إيّاه بأيديهم.

و الخبزة:القرص أو الرّغيف.

و الخبازة:حرفة الخبّاز.

و الخبّازى:ضرب من النّبت.(1:234)

الأزهريّ: يقال:أطعمنا خبز ملّة،و لا يقال:أطعمنا ملّة.

و اختبز فلان،إذا عالج دقيقا فعجنه ثمّ خبزه في ملّة أو تنّور.

و الخبّاز:بقلة معروفة،عريضة الورق لها ثمرة مستديرة،و يقال لها:الخبّازى.

و تخبّزت الإبل العشب تخبّزا،إذا خبطته بقوائمها.

(7:216)

الصّاحب:الخبز:الضّرب باليد،و السّوق الشّديد.

و الخبزة:ما يعالج من الطّعام،و الخبز:المصدر.

و الخبازة:صنعته.

و خبزت القوم أخبزهم:أطعمتهم خبزا.

و يقولون:الصّلّيان:خبزة الإبل.

و عندهم طبيخ و خبيز.

و الخبّازى:نبت،و كذلك الخبّيز،و الخبّازة.

و رجل خبزون و امرأة خبزونة-لا يصرفان-إذا انتفخ وجهه.

و الخبز:الرّهل.

و تخبّزني برجله و خبزني،أي خبطني.و الخبيز:

الثّريد من خبز الفطير.

و في المثل«كلّ أداة الخبز عندي غيره»أي غير الخبز.(4:280)

الخطّابيّ: الخبز:الدّفع بالأيدي في السّوق.

(1:261)

الجوهريّ: الخبز:الّذي يؤكل؛و الخبز بالفتح:

المصدر،و قد خبزت الخبز و أخبزته.

و يقال أيضا:أخبزت القوم،إذا أطعمتهم الخبز.

و الخبز:ضرب البعير بيده الأرض،و هو على التّشبيه.و الخبزة:الطّلمة،و هي عجين يوضع في الملّة حتّى ينضج.

و الخبّاز و الخبّازى:نبت معروف.(3:876)

نحوه الرّازيّ(186)،و الطّريحيّ(4:17).

ابن سيده: الخبزة:الطّلمة،و هو الخبز.

و خبزه يخبزه خبزا،و اختبزه:عمله.

و الخبّاز:الّذي مهنته ذلك،و حرفته:الخبازة.

ص: 132

و خبز القوم يخبزهم خبزا:أطعمهم الخبز.

و قول بعض العرب:أتيت بني فلان فخبزوا و حاسوا و أقطوا،أي أطعموني كلّ ذلك.

كذا حكاها اللّحياني غير معدّيات،أي لم يقل:

خبزوني،و حاسوني،و أقطوني.

و الخبيز:المخبوز من أيّ حبّ كان.

و الخبزة:الثّريدة الضّخمة،و قيل:هي اللّحم.

و الخبز:الضّرب باليدين،و الخبز:ضرب البعير بيديه.

و قيل:به سمّي الخبز لضربهم إيّاه بأيديهم،و ليس بقويّ.

و الخبّازى و الخبّاز:نبت؛واحدته:خبّازة.[ثمّ استشهد بشعر]

و انخبز المكان:انخفض و اطمأنّ.(5:101)

الرّاغب: و الخبزة:ما يجعل في الملّة،و الخبز:اتّخاذه.

و اختبزت،إذا أمرت بخبزه،و الخبازة:صنعته.

و استعير الخبز للسّوق الشّديد،لتشبيه هيئة السّائق بالخابز.(142)

الزّمخشريّ: خبزت القوم و تمرتهم:أطعمتهم الخبز و التّمر.

و أطعمني خبزة و خبزة ملّة،أي طلمة.

و من المجاز:خبطني برجله و خبزني،و تخبّطني و تخبّزني.

و الخلّة:خبز الإبل،و الحمض:فاكهتها.

(أساس البلاغة:102)

الصّغانيّ: و خبزة بالضّمّ:جبل تحته ينبع،قرية عليّ رضى اللّه عنه.

و قد سمّوا خبزة أيضا.

و الخبازى:لغة في الخبّازى،و قال ابن دريد:إذا خفّفت الباء ألحقت الياء،و إذا ثقّلت الباء حذفت الياء، فقلت:خبّاز.

و تخبّزت الإبل السّعدان،أي خبطته بقوائمها.

(3:263)

الفيّوميّ: الخبز معروف،و خبزته خبزا من باب «ضرب».

و الخبّاز وزان تفّاح:نبت معروف،و في لغة بألف التّأنيث،فيقال:خبّازى،و هذه في لغة تخفّف كالخزامى.(1:163)

الفيروزآباديّ: الخبز معروف،و بالفتح:ضرب البعير بيده الأرض،و السّوق الشّديد و الضّرب،و مصدر خبز الخبز يخبزه،إذا صنعه،و كذا إذا أطعمه الخبز.

و بالتّحريك:الرّهل،و المكان المنخفض المطمئنّ من الأرض.

و الخبّازى و يخفّف،و الخبّاز و الخبّازة و الخبّيز:

نبت معروف.

و رجل خبزون محرّكة غير منصرف:منتفخ الوجه، و هي بهاء.

و رجل خابز:ذو خبز.

و الخبازة:حرفة الخبّاز.

و الخبزة:الطّلمة،و بلا لام:جبل مطلّ على ينبع.

و أمّ خبز بضمّ الخاء:قرية بالطّائف،و كعنبة:قرية بها.

ص: 133

و الخبيز:الخبز المخبوز و الثّريد،و انخبز:انخفض.

و الخبيزات:موضع.

و في المثل:«كلّ أداة الخبز عندي غيره».

استضاف قوم رجلا،فلمّا قعدوا ألقى نطعا و وضع عليه رحى،فسوّى قطبها و أطبقها،فأعجب القوم حضور آلته،ثمّ أخذ هادي الرّحى فجعل يديرها،فقالوا له:ما تصنع؟فقال:و اختبز الخبز:خبزه لنفسه.

(2:180)

العدنانيّ: الخبّازى.و يطلقون على البقلة المعروفة ذات الورق العريض اسم خبّيزة.و الصّواب:خبّازى، و خبّاز،و خبّيز،و خبازى و خبّازة.

(معجم الأخطاء الشّائعة:76)

مجمع اللّغة :الخبز:دقيق يعجن و ينضج.

(1:319)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:157)

محمود شيت:الخبازة:حرفة الخبّاز.يقال:قسم الخبازة:القسم الّذي يصنع الخبز.

الخبّاز:صانع الخبز،و من أرباب الحرف في الجيش في الوحدات،و في سرايا الخدمة،و في المداخر العسكريّة و نحوها.

الخبز:اسم لما يصنع من الدّقيق المعجون المنضّج بالنّار،و طعام الجنديّ المعمول من الدّقيق،و الّذي يقدّم له يوميّا.

المخبز:موضع الخبز.يقال:مخبز موقع الموصل، و مخبز المقرّ العامّ،و المخبز الآليّ.

و المخبز السّيّار:المخبز الّذي يعمل الخبز في معسكرات العراء.(1:212)

المصطفويّ: [نقل كلام بعض أهل اللّغة ثمّ قال:]

و الّذي تحصّل من مراجعة كلماتهم:أنّ الخبز اسم لما ينضج و يطبخ من الحنطة أو الشّعير أو سائر الحبوب في الملّة،أو بأيّ وسيلة.

ثمّ إنّ الاشتقاق منه انتزاعيّ،فيقال:خبز يخبز خبزا و هو خبّاز.

و أمّا مفهوم:الخبط أو ضرب البعير بيديه،فمأخوذ من مفهوم الخبز،فإنّ الخبز يلازمه عجن الدّقيق و غمزه و ضربه باليد أو بالرّجل حتّى يخمّر كاملا.

و أمّا السّوق الشّديد،فلم يثبت في الفصيح.(3:13)

النّصوص التّفسيريّة

إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ. يوسف:36

الواحديّ: قال صاحب الطّعام:رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز و ألوان الأطعمة.

(2:613)

مثله البغويّ(2:491)،و الطّبرسيّ(3:233)، و الشّربينيّ(2:107).

الميبديّ: ثلاث سلال فيها أنواع الأطعمة.

(5:67)

مثله الزّمخشريّ(2:320)،و النّسفيّ(2:221).

السّمين:في مصحف عبد اللّه(فوق راسى ثريدا) فإنّه أراد التّفسير فقط.و تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ صفة ل(خبزا)،و(فوق)يجوز أن يكون ظرفا ل«الحمل»،و أن

ص: 134

يتعلّق بمحذوف حالا من(خبزا)،لأنّه في الأصل صفة له.(4:183)

نحوه الآلوسيّ.(12:239)

أبو السّعود :تأخير المفعول عن الظّرف لما مرّ آنفا- و هو الاهتمام بالمقدّم و التّشويق إلى المؤخّر-

و قوله: تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ صفة للخبز،أو استئناف مبنيّ على السّؤال.(3:392)

القاسميّ: ثلاث سلال حوّارى.(9:3538)

المصطفويّ: و تأويل هذه الرّؤيا،قال يوسف:

وَ أَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ إنّ حمل الخبز فوق الرّأس عبارة عن حمل الغمز و الضّرب و الشّدّة و النّضج فوق الرّأس،و الحمل العادي هو الحمل على الظّهر.و أيضا إنّ المطلوب من الخبز أن يؤكل أو يطعم،و الحمل على الرّأس خارج عن العرف.

و أكل الطّير منه أيضا يدلّ على حالة غير متعارفة، فيدلّ على عروض حالة غير منتظرة تستطعم الطّير منها،أو يدلّ على حدوث حالة يكون ما فوق رأسه غذاء للطّير.(3:13)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخبز،أي الطّلم،و هو عجين يوضع في الملّة حتّى ينضج،و الملّة:الرّماد و التّراب الّذي توقد فيه النّار،و واحدة الخبز:خبزة.يقال:خبز الخبز يخبزه خبزا و اختبزه،أي عمله،و اختبز فلان:

عالج دقيقا يعجنه،ثمّ خبزه في ملّة أو تنّور.يقال:أخذنا خبز ملّة.و الخبيز:الخبز المخبوز من أي حبّ كان، و الخبزة:الثّريدة الضّخمة.

و خبز القوم يخبزهم خبزا:أطعمهم الخبز،و رجل خابز:ذو خبز،و الخبّاز:الّذي مهنته الخبز،و حرفته الخبازة.

و الخبز:السّوق الشّديد،يقال:خبز الدّابّة يخبزها خبزا،استعير لهذا المعنى لتشبيه هيئة السّائق بالخابز.

و الخبز أيضا:الضّرب باليدين،تشبيها بما يعمل الخابز بالعجين،ثمّ استعير لضرب البعير بيديه الأرض.

يقال:تخبّزت الإبل العشب تخبّزا،أي خبطته بقوائمها.

و الخبّاز و الخبّازى:نبت معروف عريض الورق،له ثمرة مستديرة؛واحدته:خبّازة،لأنّ ورقته تشبه رغيف الخبز،أو أنّها كالخبز تشبع من يتناولها؛إذ هي بقلة تؤكل.

2-و جاءت هذه المادّة في الآراميّة بمعنى الضّرب و الاصطدام و القسر،كما جاء الخبز في الحبشيّة بلفظ «حبزت»،و عمله«حبز» (1).

و زعم«نولدكه»أنّ العرب أخذت هذه المفردة من الأحباش،لأنّ الخبز-كما قال-لم يكن متداولا بينهم، و كانوا يعدّونه غذاء المترفين و الأشراف،و لكنّه كان عماد الحياة عند الأحباش (2).

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(خبز)اسما مرّة في آية:

1- ...وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي

ص: 135


1- المعجم المقارن.
2- المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم.

خُبْزاً... يوسف:36

يلاحظ أوّلا:أنّ الخبز وحيد الجذر في القرآن،و فيه بحوث:

1-«الخبز»فيها بمعناه الحقيقيّ،لأن الآخر رأى في الرّؤية الخبز بعينه،إلاّ أنّ يوسف عليه السّلام أوّله بالرّأس، و كان تعبيرا صادقا للرّؤيا،فوقعت الطّير على رأس المصلوب تأكل منه.كما أوّل«إعصار الخمر»بأنّه يسقي الخمر ربّه-و هو الملك-فصار ساقيا له.

و لكن لما ذا أوّل الخبز بالرّأس في تعبير يوسف عليه السّلام؟

قال بعض الأساتذة:«لأنّ بالخبز حياة الإنسان و قوام الأجسام،لذلك ناسب تأويله بالرّأس الّذي به حياة سائر البدن،لأنّه العضو الرّئيسيّ»:(كتاب مؤتمر تفسير سورة يوسف 10:670)؛و لعلّه من أجل أنّ الخبّاز يحمل في المعتاد الخبز فوق رأسه في سلّة و نحوها.

2-سمّي الخبز طعاما في قوله: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً الإنسان:8،إذ تظافرت الأخبار أنّ عليّا و أهله عليهم السّلام تصدّقوا على المحاويج الثّلاثة بأرغفة من الخبز.كما ذكر موقده،أي التّنّور في قوله: حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ هود:40،و ما يتكوّن منه،أي السّنبلة في قوله: فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ يوسف:47،و صفة المأكول، و لعلّ الخبز منه في قوله: كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً الطّور:

19 و الحاقّة:24.

3-جاء في مصحف عبد اللّه بن مسعود(فوق رأسى ثريدا)،قال السّمين:«أراد التّفسير فقط».و هذا التّفسير -إن صحّ تفسيرا-أنسب ممّا ذكره سائر المفسّرين،لأنّه يتّسق مع حال الطّير و خلقتها،فهي تلتقط طعامها بمنقار، و ليس بسنّ أو ناب،و الثّريد يناسب ذلك.و أمّا الخبز فلا يمكنها التقاطه،إلاّ أن يتجوّز فيطلق على أصله،أي الحبّ،و هذا لم يذكره أحد.

ثانيا:هل كان الخبز هنا من حبّ الحنطة أو الشّعير؟

لم يتعرّض المفسّرون لهذا الأمر،رغم أنّهم يخوضون في كلّ حديث،و يسلكون كلّ سبيل.و لعلّ فائدة الوقوف على نوع الخبز يهدي إلى تعبير رؤيا من رأى في منامه خبز حنطة أو خبز شعير،و اللّه أعلم.

4-و هذه الآيات بالضّبط سند للرّؤيا الصّادقة و تأويلها،مثل رؤية يوسف عليه السّلام الّتي بدأت القصّة بها إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً...، و جاء تأويلها بعد سنين: وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ يوسف:10،و مثل رؤيا الملك و تأويلها:يوسف:46- 49.و ينبغي تسمية سورة يوسف بسورة الرّؤيا أيضا، لاحظ رأي:«الرّؤيا».

ص: 136

خ ب ط

اشارة

يتخبّطه

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخبط:خبط ورق العضاه،و هو أن تضرب بالعصا حتّى يتناثر،ثمّ تعلفه الإبل،و خبطت له خبطا (1).

و الخبط:الهشّ،و هو اسم مثل النّفض و النّسل،و هو ما خبطته،أي كسرته.

و الخبطة:شيء من ماء و لبن قليل،و الرّفض مثله.

و خبطة من مسّ.و الشّيطان يخبط الإنسان إذا مسّه بأذى و أجنّه و خبّله.

و الخبط:شدّة الوطء بأيدي الدّوابّ.

و تخبّطت الشّيء:توطّأته.

و الخبطة كالزّكمة في قبل الشّتاء،و قد خبط فهو مخبوط.

و يقال للّذي فيه وعوثة في لبسه و عمله:يا خباطة.

و الخبيط:حوض خبطته الإبل حتّى هدمته؛و جمعه:

خبط.و يقال:بل سمّي لأنّ طينه خبط بالأرجل عند بنائه.

و الخبيط:لبن رائب أو مخيض،يصبّ الحليب من اللّبن،ثمّ تضربه حتّى يختلط.

و الاختباط:طلب المعروف،و اختبطت فلانا معروفه فخبطني.

و يقال:بل هو الطّالب بلا وسيلة و لا معرفة؛و الأوّل أجود.

و الخباط:سمة في الفخذ طويلة عرضا،و هي لبني سعد.

و خبوط:يخبط بيديه،أي يضرب.[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات](4:223)

ابن شميّل: الخبطة:الزّكام،و قد خبط الرّجل فهو مخبوط.(الأزهريّ 7:249)

ص: 137


1- و في الأزهريّ عن اللّيث:...خبيطا.

أبو عمرو الشّيبانيّ: قالوا:خبط إبله الرّمث،أي أدخلها الرّمث يخبط.(1:222)

خبط بالخاء من الخبطة،و هو الاسم.

(ابن السّكّيت:537)

أبو زيد:و يقال:أحوذ القوم السّير إحواذا،إذ أسرعوا السّير و أرادوا خروجا أو أمرا،ثمّ أخبطوا عنه إخباطا،إذا تركوه.لم يعرف المازنيّ: أخبطوا عنه إخباطا.(191)

في القربة رفض من ماء و من لبن،و هو مثل الجزعة و النّطفة.يقال منه:رفّضت فيها ترفيضا.و الخبطة مثل الرّفض،و لم يعرف لها و لا للنّطفة فعلا.

(ابن السّكّيت:536)

خبطت الرّجل،أخبطه خبطا،إذا وصلته.

(الأزهريّ 7:249)

الخبط من الماء:الرّفض،و هو ما بين الثّلث إلى النّصف من السّقاء،و الحوض،و الغدير،و الإناء.

و في القربة خبطة من ماء،و هو مثل الجرعة و نحوها، و لم يعرف له فعلا.(الجوهريّ 3:1122)

ابن بزرج:يقال:عليه خبطة جميلة،أي مسحة جميلة في هيئته و سحنته.(الصّغانيّ 4:123)

أبو عبيد: في حديث عمر:«لقد رأيتني بهذا الجبل أحتطب مرّة و أختبط مرّة أخرى على حمار للخطّاب».

و قوله:أختبط:أضرب الخبط من الشّجر،و هو علف الإبل.(2:106)

و في حديث عبد اللّه بن عامر:«قد كنت تقري الضّيف و تعطي المختبط...».

يعني بالمختبط الرّجل الّذي يسأله من غير معرفة كانت بينهما،و لا يد سلفت منه إليه،و لا قرابة.

(2:338)

الخبطة:الجرعة من الماء تبقى في قربة،أو مزادة أو حوض،و لا فعل لها.(الأزهريّ 7:251)

ابن الأعرابيّ: هي الخبطة و الخبطة و الخبطة...

و الحقلة و الحقلة و الحقلة،و الفرشة و الفراشة، و السّحبة و السّحبان.(الأزهريّ 7:251)

[الخباط:سمة]فوق الخدّ،و الجمع:خبط.[ثمّ استشهد بشعر]

و خبطه:وسمه بالخباط.(ابن سيده 5:125)

الخبطة:بقيّة الماء في الغدير،لغة في الخبطة بالكسر.(الصّغانيّ 4:123)

ابن السّكّيت: الإناء الخبط و الرّفض،و هما نحو من النّصف.و يقال:خبيط.[ثمّ استشهد بشعر](535)

و الخبط:مصدر خبط الرّجل القوم بسيفه يخبطهم خبطا،و قد خبط البعير بقوائمه يخبط.

و الخبط:ما سقط من ورق الشّجر،إذا خبط بالعصيّ ليعلفه الإبل.(إصلاح المنطق:68)

و قد خبطت الشّجر أخبطه خبطا.و يقال لما سقط من ورقه:الخبط.(إصلاح المنطق:234)

و قد خبطت الشّجر خبطا،إذا ضربت ورقه بعصا ليسقط فتعلفه الغنم.(إصلاح المنطق:329)

أبو حاتم: الخباط:داء كالجنون.

(ابن دريد 1:236)

شمر:روي عن مكحول:أنّه مرّ برجل نائم بعد

ص: 138

العصر،فدفعه برجله و قال:«لقد عوفيت،لقد رفع عنك،إنّها ساعة مخرجهم،و فيها ينتشرون،و فيها تكون الخبتة».

كان مكحول في لسانه لكنة،و إنّما أراد الخبطة.

(الأزهريّ 7:249)

الحربيّ: الفرس يخبط بيديه.(2:447)

و اختبط فلان فلانا،إذا أتاه فسأله من غير رحم و لا قرابة.(2:529)

المبرّد: الخباط:وسم في الوجه.(1:45)

مثله الخطّابيّ.(1:457)

قوله:«و كلّ مختبط يوما له ورق»أصل هذا في الشّجرة أن يختبطها الرّاعيّ،و هو أن يضربها حتّى يسقط ورقها،فضرب ذلك مثلا لمن يطلب فضله.[ثمّ استشهد بشعر](1:229)

كراع النّمل:الخباط:الضّراب.

(ابن سيده 5:126)

ابن دريد :خبط البعير الأرض بيديه،إذا ضربها.

و كلّ شيء ضربته بيدك فقد خبطته.و تخبّطته و خبطته.

الخبط:ورق يخبط من الشّجر و يلجّن،تعلفه الإبل، و هو الخبيط أيضا.و يقال:في أرض بني فلان خبطة من الكلإ،أي شيء يسير.

و أخبط الرّجل إبله،إذا أعلفها الخبط.

و يقال:اختبط فلان فلانا،إذا طلب معروفه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ربّما سمّيت المطيطة من الماء الباقية في الحوض:

خبطة.

و يقال:ما بقي في الوعاء إلاّ خبطة من طعام أو غيره.

(1:236)

الأزهريّ: يقال:تخبّطه الشّيطان إذا مسّه بخبل أو جنون.

و أصل الخبط:ضرب البعير الشّيء بخفّ يده،كما قال طرفة.

و خبطت الشّجرة بالعصا:ضربتها بها.

و المخبطة:العصا.

و قال أبو مالك:الاختباط:طلب المعروف، و الكسب،تقول:اختبطت فلانا،و اختبطت معروفه، فخبطني بخير.

و قال غيره:المختبط:الّذي يسألك بلا وسيلة و لا معرفة.

و يقال:خبطه أيضا،إذا سأله.

[و نقل قول ابن الأعرابيّ ثمّ قال:]

و قال أبو الرّبيع الكلابيّ: كان ذلك بعد خبطة من اللّيل و خدفة و خدمة،أي قطعة.

أبو مالك:الخبطة:القطعة من كلّ شيء.

و الحوض الصّغير يقال له:خبيط.

و الخبيط و الخبوط،من الخيل:الّذي يخبط بيديه.

و قال شجاع:يقال:تخبّطني برجله و تخبّزني...

و خبطني و خبزني،و الخبطة:ضربة الفحل النّاقة.

[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](7:249)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و يقولون:ما أدري أيّ خابط اللّيل هو؟أيّ الخلق هو؟

ص: 139

الخبطة:الجرعة من الماء،و كذلك الخبيط،و هي القطعة من كلّ شيء،و السّاعة من اللّيل.و مضت خبطة من اللّيل،أي ساعة.

و كذلك الخبطة:المطر الضّعيف،و الجماعة من النّاس؛ و جمعها:خبط.

و الخابط:النّائم.

و المخبط:المطروق.

و الخبّاط من السّمك:أولاد الكنعد الصّغار.

(4:295)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّ امرأتين من هذيل كانت إحداهما حبلى،فضربتها ضرّتها بمخبط فأسقطت،فحكم النّبيّ عليه السّلام فيه بغرّة.

المخبط:عصا يخبط بها ورق العضاه؛و هو أن يضرب أغصان الشّجر فيتحاتّ الورق فيعلف الماشية.

يقال:خبطت الورق خبطا؛فالخبط:الفعل،و الخبط مفتوح الباء:الاسم،و الهشّ نحوا من ذلك،و منه قوله تعالى حكاية عن موسى: وَ أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي طه:

18.(1:643)

الجوهريّ: خبط البعير الأرض بيده خبطا:ضربها.

و منه قيل:خبط عشواء،و هي النّاقة الّتي في بصرها ضعف،تخبط إذا مشت،لا تتوقّى شيئا.

و خبط الرّجل،إذا طرح نفسه حيث كان لينام.

...و خبطت الرّجل،إذا أنعمت عليه من غير معرفة بينكما.

و الخباط بالضّمّ،كالجنون و ليس به.تقول منه:

تخبّطه الشّيطان،أي أفسده.

و الخبطة بالكسر:القليل من اللّبن.[ثمّ ذكر قول أبي زيد و أضاف:]

و يقال أيضا:كان ذلك بعد خبطة من اللّيل،أي بعد صدر منه.

و الخبطة أيضا:القطعة من البيوت و النّاس؛و الجمع:

خبط.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:1121)

ابن فارس: خبط:الخاء و الباء و الطّاء أصل واحد، يدلّ على وطء و ضرب.

يقال:خبط البعير الأرض بيده،ضربها.و يقال:

خبط الورق من الشّجر؛و ذلك إذا ضربه ليسقط.

و قد يحمل على ذلك،فيقال لداء يشبه الجنون:

الخباط،كأنّ الإنسان يتخبّط.قال اللّه تعالى: إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ البقرة:275.

و يقال لما بقي من الطّعام أو غيره:خبطة.

الخبطة:الماء القليل،لأنّه يتخبّط فلا يمتنع.

فأمّا قولهم:اختبط فلان فلانا،إذا أتاه طالبا عرفه، فالأصل فيه أنّ السّاري إليه أو السّائر لا بدّ من أن يختبط الأرض،ثمّ اختصرا الكلام فقيل للآتي طالبا جدوى:

مختبط.

و يقال:إنّ الخبطة:المطرة الواسعة في الأرض، و سمّيت عندنا بذلك،لأنّها تخبط الأرض تضربها.

و قد روى ناس عن الشّيبانيّ: أنّ الخابط:النّائم.فإن كان هذا صحيحا فلأنّ النّائم يخبط الأرض بجسمه،كأنّه يضربها به.

و يجوز أن يكون الشّجاع:الخابط،إنّما سمّي به لأنّه يخبط،تخبطه المارّة.

ص: 140

فأمّا الخباط فسمة في الفخذ.و سمّي بذلك لأنّ الفخذ تخبط به.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:241)

الثّعالبيّ: الخبيط:اللّبن الرّائب باللّبن الحليب.(266)

ابن سيده: خبطه يخبطه خبطا:ضربه ضربا شديدا.

و خبط البعير بيده،يخبط خبطا:ضرب الأرض بها، و كلّ ما ضربه بيده،فقد خبطه.

و تخبّطه،كخبطه.

و رجل أخبط:يخبط برجليه.

و فرس خبيط و خبوط:يخبط الأرض برجليه.

و الخبط:الوطء الشّديد.و قيل:هو من أيدي الدّوابّ.

و الخبط:ما خبطته الدّوابّ.

و الخبط:الحوض الّذي قد خبطته الإبل فهدّمته؛ و الجمع:خبط.و قيل:سمّي بذلك لأنّ طينه يخبط بالأرجل عند بنائه.

و خبط القوم بسيفه يخبطهم خبطا:جلدهم.

و خبط الشّجرة يخبطها خبطا:شدّها ثم نفض ورقها منها ليعلفها الإبل و الدّوابّ.

و الخبط:ما انتفض من ورقها إذا خبطت؛و قد اختبط له خبطا.

و النّاقة تختبط الشّوك:تأكله.

و خبط اللّيل يخبطه خبطا:سار فيه على غير هدى.

و ما أدري أيّ خابط اللّيل هو؟أو أيّ خابط ليل هو؟أي أيّ النّاس هو؟

و قيل:الخبط:كلّ سير على غير هدى.

و الخباط:داء كالجنون.

و خبطه الشّيطان و تخبّطه:مسّه بأذى.

و خباطة،معرّفة:الأحمق؛كما قالوا للبحر:خضارة.

و الخبط:طلب المعروف،خبطه يخبطه خبطا، و اختبطه.

و المختبط:الّذي يسألك بلا وسيلة و لا قرابة و لا معرفة.

و خبطه بخير:أعطاه.

و الخباط:سمة تكون في الفخذ عرضا.و قيل:هي الّتي تكون على الوجه،حكاه سيبويه.

و الخبطة،كالزّكمة،تأخذ قبل الشّتاء؛و قد خبط.

و الخبط،و الخبطة،و الخبيط:الماء القليل يبقى في الحوض.

و الخبطة:اللّبن القليل يبقى في السّقاء،و لا فعل له.

و الخبطة:ما يبقى في الوعاء من طعام أو غيره.و أتونا خبطة،أي قطعة قطعة.

و الخبيط:لبن رائب أو مخيض يصبّ عليه الحليب من اللّبن،ثمّ يضرب حتّى يختلط.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](5:123)

و يقال:فلان يخبط في عمياء و يخبط خبط عشواء، أي يأتي ما يأتي بجهالة و بغير تبصّر.

(الإفصاح 1:273)

الخبطة:ما بقي في الوعاء من طعام أو غيره.[ثمّ استشهد بشعر](الإفصاح:448)

الطّوسيّ: و أصل الخبط:الضّرب على غير استواء،

ص: 141

خبطته أخبطه خبطا.

و الخبط:ضرب البعير الأرض بيديه.

و التّخبّط:المسّ بالجنون أو التّخييل،لأنّه كالضّرب على غير استواء في الإدهاش.

و الخبطة:البقيّة من طعام أو ماء أو غيره،لأنّه كالصّبّة من الدّلو،و هي الخبطة به.

و الخبط:ورق تعلفه الإبل.

و الخباط:داء كالجنون،لأنّه اضطراب في العقل كالاضطراب في الضّرب.

و الخبطة كالزّكمة،لأنّها تضرب بالانحدار على اضطراب.

و الخباط:سمة في الفخذ،لأنّها تضرب فيه على اضطراب.(2:360)

الرّاغب: الخبط:الضّرب على غير استواء،كخبط البعير الأرض بيده،و الرّجل الشّجر بعصاه،و يقال:

للمخبوط:خبط،كما يقال للمضروب:ضرب.و استعير لعسف السّلطان فقيل:سلطان خبوط.

و اختباط المعروف:طلبه بعسف،تشبيها بخبط الورق.

و قوله تعالى: يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ البقرة:275،فيصحّ أن يكون من خبط الشّجر،و أن يكون من الاختباط الّذي هو طلب المعروف،يروى عنه صلّى اللّه عليه و سلّم«اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن يتخبّطه الشّيطان من المسّ».(142)

الزّمخشريّ: خبط البعير بيده الأرض:ضربها ضربا شديدا و تخبّطها.

و تخبّطت الشّيء:توطّأته.

و خبط الورق،و علف 8 دابّته الخبط.

و حوض خبيط:خبطته الإبل فهدمته.

و من المجاز:خبط القوم بسيفه.و بات يخبط الظّلماء، و ما أدري أيّ خابط اللّيل هو؟و هو خابط عشوة:

للجاهل.

و خبطه الشّيطان و تخبّطه:مسّه فخبّله،و به خبطة من مسّ و خباط.

و رجل مخبوط:مزكوم،و به خبطة.

و خبطت فلانا و اختبطته:سألته بغير وسيلة.

و خبط في قومه بخير،إذا نفعهم.

و تخبّطت البلاد و اختبطت،إذا وقعت فيها الفتن و الغارات.

و ماله خابط و لا ناطح،أي بعير و لا ثور لمن لا شيء له.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:102)

«اشترى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أعرابيّ حمل خبط...» هو الورق المخبوط.(الفائق 1:348)

في حديث أبي عبيدة:«خرج في سريّة إلى أرض جهينة فأصابهم جوع فأكلوا الخبط».الخبط:«فعل» بمعنى مفعول كالنّفض.(الفائق 1:352)

[في حديث]ابن عامر:«دخل عليه أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في مرضه الّذي مات فيه،فقال:ما ترون في حالي؟قالوا:ما نشكّ لك في النّجاة؛قد كنت تقرى الضّيف و تعطي المختبط».

هو الّذي يسأل من غير سابق معرفة و لا وسيلة، شبّه بخابط الورق.(الفائق 1:353)

ص: 142

عليّ رضى اللّه عنه-سبق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و صلّى (1)أبو بكر، و ثلّث عمر رضي اللّه تعالى عنهما،و خبطتنا فتنة؛فما شاء اللّه!

الخبط:الضّرب على غير استواء كخبط البعير برجله.(الفائق 2:312)

المدينيّ: [ذكر حديث ابن عامر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و هو خبط الورق:و هو ضربك الشّجر بالعصا ليسقط ورقه.و الخبط و الاختباط أيضا:السّير على غير هداية.(1:548)

ابن الأثير: في حديث تحريم مكّة و المدينة:«نهى أن يخبط شجرها».الخبط:ضرب الشّجر بالعصا ليتناثر ورقها،و اسم الورق السّاقط:خبط بالتّحريك«فعل» بمعنى مفعول،و هو من علف الإبل.

و منه حديث عمر رضى اللّه عنه:«لقد رأيتني بهذا الجبل أحتطب مرّة و أختبط أخرى»أي أضرب الشّجر لينتثر الخبط منه.

و في حديث الدّعاء:«و أعوذ بك أن يتخبّطني الشّيطان».أي يصرعني و يلعب بي.و الخبط باليدين كالرّمح بالرّجلين.

و منه حديث سعد:«لا تخبطوا خبط الجمل،و لا تعطّوا بآمّين»نهاه أن يقدّم رجله عند القيام من السّجود.

و منه حديث عليّ: «خبّاط عشوات»أي يخبط في الظّلام.و هو الّذي يمشي في اللّيل بلا مصباح،فيتحيّر و يضلّ،و ربّما تردّى في بئر أو سقط على سبع،و هو كقولهم:يخبط في عمياء،إذا ركب أمرا بجهالة.(2:7)

الصّغانيّ: الخبطة:ضربة الفحل النّاقة.[ثمّ استشهد بشعر]

الخبط:موضع بأرض جهينة بالقبليّة،على خمسة أيّام من المدينة،بناحية السّاحل.(4:123)

الفيّوميّ: خبطت الورق من الشّجر خبطا،من باب «ضرب»:أسقطته،فإذا سقط فهو خبط بفتحتين، «فعل»بمعنى«مفعول»،مسموع كثيرا.

و تخبّطه الشّيطان:أفسده.

و حقيقة الخبط:الضّرب.و خبط البعير الأرض:

ضربها بيديه.(1:163)

الفيروزآباديّ: خبطه يخبطه:ضربه شديدا،و كذا البعير بيده الأرض،كتخبّطه و اختبطه،و وطئه شديدا، و القوم بسيفه:جلدهم،و الشّجرة:شدّها ثمّ نفض ورقها، و اللّيل:سار فيه على غير هدى،و الشّيطان فلانا:مسّه بأذى كتخبّطه،و زيدا:سأله المعروف من غير آصرة كاختبطه.

فخبطه زيد بخير:أعطاه و فلان:قام،و البعير:وسمه بالخباط،و فلان:طرح نفسه لينام،و فلان فلانا:أنعم عليه من غير معرفة بينهما.

و فرس خبوط و خبيط:يخبط الأرض برجليه.

و المخبط كمنبر:العصا يخبط بها الورق.

و الخبط محرّكة:ورق ينفض بالمخابط،و يجفّف و يطحن و يخلط بدقيق أو غيره،و يوخف بالماء فتوجره الإبل،و كلّ ورق مخبوط،و ما خبطته الدّوابّ و كسرته.ق.

ص: 143


1- صلّى:من المصلّي في الخيل،و هو الّذي رأسه عند صلا السّابق.

و موضع لجهينة على خمسة أيّام من المدينة،و منه سريّة الخبط من سراياه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى حيّ من جهينة،أو لأنّهم جاعوا حتّى أكلوا الخبط.

و الخبيط:الحوض خبطته الإبل فهدمته؛الجمع:

خبط،و لبن رائب،أو مخيض يصبّ عليه حليب،و الماء القليل يبقى في الحوض.

و الخباط كسحاب:الغبار.

و كغراب:داء كالجنون،و بالكسر:الضّراب،و سمة في الفخذ أو الوجه طويلة عرضا،و هي لبني سعد؛الجمع:

ككتب.

و الخبطة:الزّكمة تصيب في قبل الشّتاء،و قد خبط كعني،و بقيّة الماء في الغدير و الإناء،و يثلّث؛الجمع كعنب و صرد،و اللّبن يبقى في السّقاء،و الطّعام يبقى في الإناء.

و عليه خبطة:مسحة جميلة،و الشّيء القليل،و المطر الواسع في الأرض الضّعيف القطر.

و بالكسر:القطعة من البيوت و النّاس و من اللّيل، و اليسير من الكلإ أو من اللّبن،أو ما بين الثّلث إلى النّصف من السّقاء و الغدير و الإناء.

و أتوا خبطة خبطة:قطعة قطعة أو جماعة جماعة؛ الجمع:كعنب.

و كرمّان:ضرب من السّمك أولاد الكنعد.

و الأخبط:من يضرب برجليه؛الجمع:خبط.

و المخبط كمحسن:المطرق.

و قوله تعالى: كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ أي كما يقوم المجنون في حال جنونه،إذا صرع فسقط،أو يتخبّطه،أي يفسده.(2:369)

الطّريحيّ: الخبط:حركة على غير النّحو الطّبيعيّ، و على غير اتّساق،كخبط الشّعراء من المسّ،أي من مسّ الشّيطان.

و في الدّعاء:«و أعوذ بك أن يتخبّطني الشّيطان عند الموت»و المعنى أعوذ بك أن يمسّني الشّيطان بنزعاته الّتي تزول بها الأقدام،و تصارع العقول و الأحلام.

و الخبط:المشي على غير طريق،و الخبط باليدين كالرّمح بالرّجلين.[ثمّ ذكر نحو الفيّوميّ إلى أن قال:]

و في الحديث:«كان أبي ينزل الحصبة قليلا،و هو دون خبط و حرمان»و هما اسما موضعين.

و المختبط:طالب الرّفد من غير سابق معرفة و لا وسيلة،شبّه بخابط الورق أو خابط اللّيل.(4:244)

الزّبيديّ: قال شيخنا:عبارة الكشّاف«الخبط:

الضّرب على غير استواء»،و قال غيره:هو السّير على غير جادّة أو طريق واضحة،و قيل:أصل الخبط:ضرب متوال على أنحاء مختلفة،ثمّ تجوّز به عن كلّ ضرب غير محمود،و قيل:أصله:ضرب اليد أو الرّجل و نحوها، و المصنّف (1)جعل الخبط:الضّرب الشّديد،و ليس في شيء ممّا ذكرنا،إلاّ أن يدخل في الضّرب الغير المحمود، فتأمّل.

قلت قد تقدّم أنّ الخبط بمعنى الضّرب الشّديد،نقله المصنّف عن«المحكم»و قال غيره:هو الوطء الشّديد، و نقله في«اللّسان»فحينئذ لا يحتاج إلى التّكلّف الّذي ذهب إليه شيخنا من إدخاله في الضّرب الغير المحمود.

و ما نقله عن«الكشّاف»فإنّه مستعار من خبط البعير،ط.

ص: 144


1- :صاحب القاموس المحيط.

و كذا السّير على غير جادّة.

و قوله و لفظة«كذا»في قوله:«و كذا لبعير»زيادة غير محتاج إليها.

قلت:بل محتاج إليها،فإنّه إشارة إلى الضّرب الشّديد،و مراده من ذلك قولهم:خبط البعير بيده الأرض،إذا ضربها شديدا،كما في«الأساس»أيضا.

و تقدّم عن بعضهم:أنّ الخبط هو الوطء الشّديد،فلو لم يذكر لفظة«كذا»،احتاج إلى زيادة قوله:ضربها شديدا،أو كان يفهم منه مطلق الضّرب،كما هو في «الصّحاح»فتأمّل.(5:124)

مجمع اللّغة :خبطه يخبطه خبطا،مثل ضربه في الوزن و المعنى.

و خبط الشّجر:ضربها بالعصا ليسقط ورقها.

و الخبط:الضّرب على غير نظام،أو على غير استواء.

و تخبّطه تخبّطا:أوقعه في الاضطراب.(1:319)

نحوه محمد إسماعيل إبراهيم.(1:157)

المصطفويّ: [ذكر قول بعض اللّغويّين ثمّ قال:]

و الّذي يظهر من هذه الكلمات و غيرها:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الإسقاط بضرب أو نحوه، كالوطء و التّأثير و الإسقاط،و كذلك الضّرب و نحوه أعمّ من أن يكون محسوسا أو معقولا.

يقال:خبط الورق،خبط البعير بخفّ يده،خبطه بالعصا.و هو مخبوط،أي أصابه الزّكام.و خبطته الدّوابّ، أي كسرته.خبطتهم المنايا،أي أماتتهم،فالجامع بينها هو الإيصال و التّأثير بنحو يوجب السّقوط المطلق.

و باقي المعاني يرجع إلى هذا الأصل الكلّيّ،كما لا يخفى.

و أمّا مفاهيم؛الإفساد و النّوم و الجنون و المرض، فتفسير باللّوازم.(3:15)

النّصوص التّفسيريّة

يتخبّطه

اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ. البقرة:275

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:لمّا أسري بي إلى السّماء،رأيت أقواما يريد أحدهم أن يقوم،و لا يقدر عليه من عظم بطنه، فقلت:من هؤلاء يا جبرائيل؟قال:هؤلاء الّذين يأكلون الرّبا،لا يقومون إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ،و إذا هم بسبيل آل فرعون يعرضون على النّار غدوّا و عشيّا،يقولون:ربّنا متى تقوم السّاعة؟

(الطّبرسيّ 1:389)

ابن عبّاس: يتخبّله.(40)

يقال يوم القيامة لآكل الرّبا:خذ سلاحك للحرب.(الطّبريّ 3:102)

لا يقومون يوم القيامة من قبورهم إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ،يعني الّذي يخنقه الشّيطان في الدّنيا من المسّ،يعني الجنون،فيكون ذلك في القيامة علامة لآكل الرّبا في الدّنيا.

مثله سعيد بن جبير و مجاهد و الحسن.

(الماورديّ 1:275)

ص: 145

نحوه الطّبريّ.(3:102)

سعيد بن جبير: قال:يبعث آكل الرّبا يوم القيامة مجنونا يخنق.(الطّبريّ 3:102)

قتادة :تلك علامة أهل الرّبا يوم القيامة،بعثوا و بهم خبل من الشّيطان.

نحوه الرّبيع.(الطّبريّ 3:103)

هو التّخبّل الّذي يتخبّله الشّيطان من الجنون.(الطّبري 3:103)

ابن زيد :هذا مثلهم يوم القيامة،لا يقومون يوم القيامة مع النّاس،إلاّ كما يقوم الّذي يخنق من النّاس، كأنّه خنق،كأنّه مجنون.(الطّبريّ 3:102)

أبو الهذيل:يجوز أن يكون الصّرع من فعل الشّيطان في بعض النّاس دون بعض،لأنّ الظّاهر من القرآن يشهد به،و ليس في العقل ما يمنع منه.

مثله ابن الأخشاد.(الطّوسيّ 2:360)

الجبّائيّ: و قوله: يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مثل لا حقيقة،على وجه التّشبيه بحال من تغلب عليه المرّة السّوداء،فتضعف نفسه،و يلج الشّيطان بإغوائه عليه، فيقع عند تلك الحال،و يحصل به الصّرع من فعل اللّه.

و نسب إلى الشّيطان مجازا،لما كان عند وسوسته.[و قال بعد قول أبي الهذيل:]

لا يجوز ذلك،لأنّ الشّيطان خلق ضعيف،لم يقدره اللّه على كيد البشر بالقتل و التّخبيط،و لو قوي على ذلك لقتل المؤمنين الصّالحين و الدّاعين إلى الخير،لأنّهم أعداؤه،و من أشدّ الأشياء عليه.(الطّوسيّ 2:360)

الزّجّاج: المعنى:الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون في الآخرة إلاّ كما يقوم المجنون،من حال جنونه.زعم أهل التّفسير أنّ ذلك علم لهم في الموقف،يعرفهم به أهل الموقف،يعلم به أنّهم أكلة الرّبا في الدّنيا.(1:358)

الثّعلبيّ: أي يصرعه و يخبطه الشّيطان،و أصل الخبط:الضّرب و الوطء.و يقال:ناقة خبوط،الّتي تطأ النّاس،و تضرب بقوائمها الأرض.[ثمّ استشهد بشعر](2:281)

نحوه البغويّ.(1:381)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:كالسّكران من الخمر يقطع (1)ظهرا لبطن، و نسب إلى الشّيطان،لأنّه مطيع له في سكره.

الثّاني:[و هو قول ابن عبّاس و من تبعه](1:348)

الطّوسيّ: [ذكر قول الجبّائيّ و أبي الهذيل ثمّ قال:] و في ذلك نظر.(2:360)

القشيريّ: من أعرض عن الأمر،و رخّص لنفسه بما يسوّله له خاطره من التّأويل،فلا استقلال لهم في الحال،و لا انتعاش في المآل؛خسروا في عاجلهم و لم يربحوا في آجالهم.(1:223)

الواحديّ: التّخبّط معناه:الضّرب على غير استواء،و يقال للّذي يتصرّف في أمر و لا يهتدي فيه:

يخبط خبط عشواء.[ثمّ استشهد بشعر]

و تخبّطه الشّيطان:إذا مسّه بخبل أو جنون،يقال:به خبطة من الجنون.(1:394)

الزّمخشريّ: أي المصروع،و تخبّط الشّيطان من زعمات العرب،يزعمون أنّ الشّيطان يخبط الإنسانع.

ص: 146


1- جاء في الهامش:كذا في الأصل و لعلّه:يقع.

فيصرع.و الخبط:الضّرب على غير استواء كخبط العشواء،فورد على ما كانوا يعتقدون.(1:398)

نحوه البيضاويّ(1:142)،و النّيسابوريّ(3:73)، و الشّربينيّ(1:183)،و النّسفيّ(1:138)،و أبو السّعود (1:316)،و المراغيّ(3:63).

ابن عطيّة: يَتَخَبَّطُهُ «يتفعّله»من خبط يخبط، كما تقول:تملّكه و تعبّده و تحمّله.(1:372)

الفخر الرّازيّ: التّخبّط«تفعّل».فكيف يكون متعدّيا؟

الجواب:«تفعّل»بمعنى فعل كثير.نحو تقسّمه بمعنى قسمه،و تقطّعه بمعنى قطعه.[إلى أن قال:]

المسألة الثّانية:قال الجبائيّ:النّاس يقولون المصروع إنّما حدثت به تلك الحالة،لأنّ الشّيطان يمسّه و يصرعه.

و هذا باطل،لأنّ الشّيطان ضعيف لا يقدر على صرع النّاس و قتلهم.و يدلّ عليه وجوه:

أحدها:قوله تعالى حكاية عن الشّيطان: وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي إبراهيم:22،و هذا صريح في أنّه ليس للشّيطان قدرة على الصّرع و القتل و الإيذاء.

و الثّاني:الشّيطان إمّا أن يقال:إنّه كثيف الجسم،أو يقال:إنّه من الأجسام اللّطيفة،فإن كان الأوّل وجب أن يرى و يشاهد؛إذ لو جاز فيه أن يكون كثيفا و يحضر ثمّ لا يرى،لجاز أن يكون بحضرتنا شموس و رعود و بروق و جبال و نحن لا نراها.و ذلك جهالة عظيمة،و لأنّه لو كان جسما كثيفا فكيف يمكنه أن يدخل في باطن بدن الإنسان.

و أمّا إن كان جسما لطيفا كالهواء،فمثل هذا يمتنع أن يكون فيه صلابة و قوّة،فيمتنع أن يكون قادرا على أن يصرع الإنسان و يقتله.

الثّالث:لو كان الشّيطان يقدر على أن يصرع و يقتل،لصحّ أن يفعل مثل معجزات الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام،و ذلك يجرّ إلى الطّعن في النّبوّة.

الرّابع:أنّ الشّيطان لو قدر على ذلك فلم لا يصرع جميع المؤمنين،و لم لا يخبطهم مع شدّة عداوته لأهل الإيمان،و لم لا يغصب أموالهم،و يفسد أحوالهم،و يفشي أسرارهم،و يزيل عقولهم؟و كلّ ذلك ظاهر الفساد.

و احتجّ القائلون بأنّ الشّيطان يقدر على هذه الأشياء بوجهين:

الأوّل:ما روي أنّ الشّياطين في زمان سليمان بن داود عليهما السّلام كانوا يعملون الأعمال الشّاقّة،على ما حكى اللّه عنهم أنّهم كانوا يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل و جفان،كالجوابي و قدور راسيات.

و الجواب عنه:أنّه تعالى كلّفهم في زمن سليمان،فعند ذلك قدروا على هذه الأفعال،و كان ذلك من المعجزات لسليمان عليه السّلام.

و الثّاني:أنّ هذه الآية و هي قوله: يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ صريح في أن يتخبّطه الشّيطان بسبب مسّه.

و الجواب عنه:أنّ الشّيطان يمسّه بوسوسته المؤذية، الّتي يحدث عندها الصّرع،و هو كقول أيّوب عليه السّلام: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ و إنّما يحدث الصّرع عند تلك الوسوسة،لأنّ اللّه تعالى خلقه من ضعف الطّباع،و غلبة السّوداء عليه بحيث يخاف عند الوسوسة، فلا يجترئ فيصرع عند تلك الوسوسة،كما يصرع

ص: 147

الجبان من الموضع الخالي،و لهذا المعنى لا يوجد هذا الخبط في الفضلاء الكاملين،و أهل الحزم و العقل،و إنّما يوجد فيمن به نقص في المزاج،و خلل في الدّماغ،فهذا جملة كلام الجبّائيّ في هذا الباب.

و ذكر القفّال فيه وجها آخر،و هو أنّ النّاس يضيفون الصّرع إلى الشّيطان و إلى الجنّ،فخوطبوا على ما تعارفوه من هذا،و أيضا من عادة النّاس أنّهم إذا أرادوا تقبيح شيء أن يضيّفوه إلى الشّيطان،كما في قوله تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ الصّافّات:65.

المسألة الثّالثة:للمفسّرين في الآية أقوال:

الأوّل:أنّ آكل الرّبا يبعث يوم القيامة مجنونا،و ذلك كالعلامة المخصوصة بآكل الرّبا،فيعرفه أهل الموقف بتلك العلامة أنّه آكل الرّبا في الدّنيا،فعلى هذا معنى الآية:أنّهم يقومون مجانين،كمن أصابه الشّيطان بجنون.

و القول الثّاني:قال ابن منبّه:يريد إذا بعث النّاس من قبورهم خرجوا مسرعين،لقوله: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً المعارج:43،إلاّ أكلة الرّبا،فإنّهم يقومون و يسقطون،كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ؛و ذلك لأنّهم أكلوا الرّبا في الدّنيا،فأرباه اللّه في بطونهم يوم القيامة حتّى أثقلهم،فهم ينهضون و يسقطون،و يريدون الإسراع و لا يقدرون.

و هذا القول غير الأوّل،لأنّه يريد أنّ أكلة الرّبا لا يمكنهم الإسراع في المشي بسبب ثقل البطن،و هذا ليس من الجنون في شيء.و يتأكّد هذا القول بما روي في قصّة الإسراء أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم انطلق به جبريل إلى رجال كلّ واحد منهم كالبيت الضّخم،يقوم أحدهم فتميل به بطنه فيصرع،فقلت:يا جبريل من هؤلاء؟قال:

اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ البقرة:275.

و القول الثّالث:أنّه مأخوذ من قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ الأعراف:201.و ذلك لأنّ الشّيطان يدعو إلى طلب اللّذّات و الشّهوات و الاشتغال بغير اللّه، فهذا هو المراد من مسّ الشّيطان،و من كان كذلك كان في أمر الدّنيا متخبّطا،فتارة الشّيطان يجرّه إلى النّفس و الهوى،و تارة الملك يجرّه إلى الدّين و التّقوى،فحدثت هناك حركات مضطربة،و أفعال مختلفة.فهذا هو الخبط الحاصل بفعل الشّيطان.

و آكل الرّبا لا شكّ أنّه يكون مفرطا في حبّ الدّنيا متهالكا فيها،فإذا مات على ذلك الحبّ صار ذلك الحبّ حجابا بينه و بين اللّه تعالى،فالخبط الّذي كان حاصلا في الدّنيا بسبب حبّ المال أورثه الخبط في الآخرة،و أوقعه في ذلّ الحجاب.و هذا التّأويل أقرب عندي من الوجهين اللّذين نقلناهما عمّن نقلنا.(7:95)

ابن جزيّ: أجمع المفسّرون أنّ المعنى:لا يقومون من قبورهم في البعث إلاّ كالمجنون.(1:94)

أبو حيّان :[نحو قول الماورديّ الأوّل ثمّ قال:]

و ظاهر الآية أنّ الشّيطان يتخبّط الإنسان،فقيل:

ذلك حقيقة هو من فعل الشّيطان،بتمكين اللّه تعالى له من ذلك في بعض النّاس،و ليس في العقل ما يمنع من ذلك.

و قيل:ذلك من فعل اللّه لما يحدثه فيه من غلبة

ص: 148

السّوء،أو انحراف الكيفيّات و احتدادها فتصرعه، فنسب إلى الشّيطان مجازا،تشبيها بما يفعله أعوانه مع الّذين يصرعونهم.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و تخبّط هنا«تفعّل»موافق للمجرّد و هو«خبط»، و هو أحد معاني«تفعّل»نحو تعدّى الشّيء و عداه،إذا جاوزه من المسّ.(2:334)

السّمين: يَتَخَبَّطُهُ «يتفعّله»،و هو بمعنى المجرّد، أي يخبطه؛فهو مثل:تعدّى الشّيء و عداه.و معنى ذلك مأخوذ من خبط البعير بأخفافه،إذا ضرب بها الأرض.

و يقال:فلان يخبط خبط عشواء.[ثمّ استشهد بشعر](1:661)

الكاشانيّ: إلاّ كقيام المصروع من المسّ،أي الجنون.(1:278)

نحوه البروسويّ.(1:236)

الآلوسيّ: أي إلاّ قياما كقيام المتخبّط المصروع في الدّنيا.و التّخبّط«تفعّل»بمعنى«فعل»،و أصله:ضرب متوال على أنحاء مختلفة،ثمّ تجوّز به عن كلّ ضرب غير محمود.

و قيام المرابي يوم القيامة كذلك ممّا نطقت به الآثار، فقد أخرج الطّبرانيّ عن عوف بن مالك قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:إيّاك و الذّنوب الّتي لا تغفر:الغلول،فمن غلّ شيئا أتي به يوم القيامة؛و أكل الرّبا،فمن أكل الرّبا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبّط»ثمّ قرأ الآية.و هو ممّا لا يحيله العقل و لا يمنعه،و لعلّ اللّه تعالى جعل ذلك علامة له يعرف بها يوم الجمع الأعظم عقوبة له،كما جعل لبعض المطيعين أمارة تليق به يعرف بها كرامة له.

و يشهد لذلك أنّ هذه الأمّة يبعثون يوم القيامة غرّا محجّلين من آثار الوضوء.و إلى هذا ذهب ابن عبّاس و ابن مسعود و قتادة،و اختاره الزّجّاج.

و قال ابن عطيّة:المراد تشبيه المرابي في حرصه و تحرّكه في اكتسابه في الدّنيا بالمتخبّط المصروع،كما يقال لمن يسرع بحركات مختلفة:قد جنّ.

و لا يخفى أنّه مصادمة لما عليه سلف الأمّة،و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،من غير داع سوى الاستبعاد الّذي لا يعتبر في مثل هذه المقامات.(3:49)

القاسميّ: [ذكر كلام الفيروزآباديّ و قال:]

المعنى أنّهم يقومون يوم القيامة مخبّلين كالمصروعين،تلك سيماهم يعرفون بها عند الموقف، هتكا لهم و فضيحة.

قال الحرّاليّ: في إطلاقه إشعار بحالهم في الدّنيا و البرزخ و الآخرة.ففي إعلامه إيذان بأنّ آكله يسلب عقله،و يكون بقاؤه في الدّنيا بخرق لا بعقل.يقبل في محلّ الإدبار،و يدبر في محلّ الإقبال.

قال البقاعيّ: و هو مؤيّد بالمشاهدة،فإنّا لم نر و لم نسمع قطّ بآكل ربا ينطق بالحكمة،و لا يشهر بفضيلة،بل هم أدنى النّاس و أدنسهم.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

قال النّاصر في«الانتصار»:معنى قول«الكشّاف»:

«من زعمات العرب،أي كذباتهم و زخارفهم الّتي لا حقيقة لها».و هذا القول على الحقيقة من تخبّط الشّيطان بالقدريّة،من زعماتهم المردودة بقواطع الشّرع.ثمّ ساق ما ورد في ذلك من الأحاديث و الآثار.

ص: 149

و قال بعده:«و اعتقاد السّلف و أهل السّنّة أنّ هذه أمور على حقائقها واقعة،كما أخبر الشّرع عنها.و إنّما القدريّة خصماء العلانية،فلا جرم أنّهم ينكرون كثيرا ممّا يزعمونه مخالفا لقواعدهم،من ذلك:السّحر،و خبطة الشّيطان،و معظم أحوال الجنّ.و إن اعترفوا بشيء من ذلك فعلى غير الوجه الّذي يعترف به أهل السّنّة،و ينبئ عنه ظاهر الشّرع في خبط طويل لهم».لاحظ ش طن:

«الشّيطان».(3:701)

سيّد قطب :إنّهم لا يقومون في الحياة،و لا يتحرّكون إلاّ حركة الممسوس المضطرب القلق المتخبّط، الّذي لا ينال استقرارا و لا طمأنينة و لا راحة.و إذا كان هناك شكّ في الماضي أيّام نشأة النّظام الرّأسماليّ الحديث في القرون الأربعة الماضية،فإنّ تجربة هذه القرون لا تبقي مجالا للشّكّ أبدا.[و له بحث مستوفى سيأتي في«ر ب و»]

(1:326)

ابن عاشور :التّخبّط مطاوع خبطه،إذا ضربه ضربا شديدا فاضطرب له،أي تحرّك تحرّكا شديدا،و لمّا كان من لازم هذا التّحرّك عدم الاتّساق،أطلق التّخبّط على اضطراب الإنسان من غير اتّساق.

ثمّ إنّهم يعمدون إلى فعل المطاوعة فيجعلونه متعدّيا إلى مفعول،إذا أرادوا الاختصار،فعوضا عن أن يقولوا:

خبطه فتخبّط،يقولون:تخبّطه،كما قالوا:اضطرّه إلى كذا.

فتخبّط الشّيطان المرء:جعله إيّاه متخبّطا،أي متحرّكا على غير اتّساق.

و الّذي يتخبّطه الشّيطان هو المجنون الّذي أصابه الصّرع،فيضطرب به اضطرابات،و يسقط على الأرض إذا أراد القيام،فلمّا شبّهت الهيئة بالهيئة،جيء في لفظ الهيئة المشبّه بها بالألفاظ الموضوعة،للدّلالة عليها في كلامهم،و إلاّ لما فهمت الهيئة المشبّه بها،و قد عرف ذلك عندهم.(2:549)

مغنيّة:إنّ الشّيطان لا يمسّ أحدا،و لا سلطان له على أحد في الخبل و الصّرع،و إنّما القصد مجرّد التّشبيه و التّقريب لأذهان العرب،الّذين يقولون عمّن يصاب بالصّرع،مسّه الشّيطان.

و معنى الآية أنّ حال الّذين يتعاملون بالرّبا،تماما كحال المجنون و المصروع الّذي يخبط في تصرّفاته خبط عشواء.

و روي عن ابن عبّاس:أنّ المرابين يقومون من قبورهم غدا كالمصر و عين،و يكون ذلك أمارة لأهل الموقف على أنّهم أكلة الرّبا.(1:436)

الطّباطبائيّ: الخبط هو المشي على غير استواء، يقال:خبط البعير،إذا اختلّ جهة مشيه،و للإنسان في حياته طريق مستقيم لا ينحرف عنه،فإنّه لا محالة ذو أفعال و حركات في طريق حياته،بحسب المحيط الّذي يعيش فيه.

و هذه الأفعال محفوظة النّظام بأحكام اعتقاديّة عقلانيّة،وضعها و نظّمها الإنسان،ثمّ طبّق عليها أفعاله الانفراديّة و الاجتماعيّة،فهو يقصد الأكل إذا جاع، و يقصد الشّرب إذا عطش،و الفراش إذا اشتهى النّكاح، و الاستراحة إذا تعب،و الاستظلال إذا أراد السّكن، و هكذا.و ينبسط الأمور و ينقبض عن أخرى في معاشرته،و يريد كلّ مقدّمة عند إرادة ذيها،و إذا طلب

ص: 150

مسبّبا مال إلى جهة سببه.

و هذه الأفعال على هذه الاعتقادات مرتبطة متّحدة نحو اتّحاد،متلائمة غير متناقضة،و مجموعها طريق حياته.

و إنّما اهتدى الإنسان إلى هذا الطّريق المستقيم بقوّة مودوعة فيه،هي القوّة المميّزة بين الخير و الشّرّ،و النّافع و الضّارّ،و الحسن و القبيح،و قد مرّ بعض الكلام في ذلك.

و أمّا الإنسان الممسوس و هو الّذي اختلّت قوّته المميّزة،فهو لا يفرق بين الحسن و القبيح،و النّافع و الضّارّ،و الخير و الشّرّ،فيجري حكم كلّ مورد فيما يقابله من الموارد،لكن لا لأنّه ناس لمعنى الحسن و القبح و غيرهما،فإنّه بالأخرة إنسان ذو إرادة،و من المحال أن يصدر عن الإنسان غير الأفعال الإنسانيّة،بل لأنّه يرى القبيح حسنا و الحسن قبيحا،و الخير و النّافع شرّا و ضارّا،و بالعكس فهو خابط في تطبيق الأحكام و تعيين الموارد.

و هو مع ذلك لا يجعل الفعل غير العادي عاديّا دون العكس،فإنّ لازم ذلك أن يكون عنده آراء و أفكار منتظمة،ربّما طبّقها على غير موردها من غير عكس،بل قد اختلّ عنده حكم العادة و غيره،و صار ما يتخيّله و يريده هو المتّبع عنده،فالعادي و غير العادي عنده على حدّ سواء،كالنّاقة تخبط و تضرب على غير استواء،فهو في خلاف العادة،لا يرى العادة إلاّ مثل خلاف العادة،من غير مزيّة لها عليه،فلا ينجذب من خلاف العادة إلى العادة،فافهم ذلك.

و هذا حال المرابي في أخذه الرّبا:إعطاء الشّيء و أخذ ما يماثله و زيادة بالأجل،فإنّ الّذي تدعو إليه الفطرة،و يقوم عليه أساس حياة الإنسان الاجتماعيّة،أن يعامل بمعاوضة ما عنده من المال الّذي يستغني عنه،ممّا عند غيره من المال الّذي يحتاج إليه،و أمّا إعطاء المال و أخذ ما يماثله بعينه مع زيادة،فهذا شيء ينهدم به قضاء الفطرة و أساس المعيشة،فإنّ ذلك ينجرّ من جانب المرابي إلى اختلاس المال من يد المدين،و تجمّعه و تراكمه عند المرابي،فإنّ هذا المال لا يزال ينمو و يزيد،و لا ينمو إلاّ من مال الغير،فهو بالانتقاص و الانفصال من جانب، و الزّيادة و الانضمام إلى جانب آخر.

و ينجرّ من جانب المدين المؤدّي للرّبا إلى تزايد المصرف بمرور الزّمان،تزايدا لا يتداركه شيء مع تزايد الحاجة،و كلّما زاد المصرف،أي نما الرّبا بالتّصاعد زادت الحاجة.من غير أمر يجبر النّقص و يتداركه،و في ذلك انهدام حياة المدين.

فالرّبا يضادّ التّوازن و التّعادل الاجتماعيّ،و يفسد الانتظام الحاكم على هذا الصّراط المستقيم الإنسانيّ، الّذي هدته إليه الفطرة الإلهيّة.

و هذا هو الخبط الّذي يبتلي به المرابي كخبط الممسوس،فإنّ المراباة يضطرّه أن يختلّ عنده أصل المعاملة و المعاوضة،فلا يفرق بين البيع و الرّبا،فإذا دعي إلى أن يترك الرّبا و يأخذ بالبيع،أجاب أنّ البيع مثل الرّبا،لا يزيد على الرّبا بمزيّة،فلا موجب لترك الرّبا و أخذ البيع،و لذلك استدلّ تعالى على خبط المرابين بما حكاه من قولهم: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا البقرة:275.

و من هذا البيان يظهر أوّلا:أنّ المراد بالقيام في قوله تعالى: لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ هو الاستواء على الحياة

ص: 151

و القيام بأمر المعيشة،فإنّه معنى من معاني القيام،يعرفه أهل اللّسان في استعمالاتهم،قال تعالى: لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ الحديد:25،و قال تعالى: أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ الرّوم:25،و قال تعالى: وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ النّساء:127،و أمّا كون المراد به المعنى المقابل للقعود فممّا لا يناسب المورد،و لا يستقم عليه معنى الآية.

و ثانيا:أنّ المراد بخبط الممسوس في قيامه،ليس هو الحركات الّتي يظهر من الممسوس حال الصّرع،أو عقيب هذا الحال،على ما يظهر من كلام المفسّرين،فإنّ ذلك لا يلائم الغرض المسوق لبيانه الكلام،و هو ما يعتقده المرابي من عدم الفرق بين البيع و الرّبا،و بناء عمله عليه،و محصّله أفعال اختياريّة صادرة عن اعتقاد خابط،و كم من فرق بينهما و بين الحركات الصّادرة عن المصروع حال الصّرع،فالمصير إلى ما ذكرناه من كون المراد قيام الرّبويّ في حياته بأمر المعاش،كقيام الممسوس الخابط في أمر الحياة!

و ثالثا:النّكتة في قياس البيع بالرّبا دون العكس في قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا و لم يقل:إنّما الرّبا مثل البيع،كما هو السّابق إلى الذّهن، و سيجيء توضيحه.

و رابعا:أنّ التّشبيه،أعني قوله: اَلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ لا يخلو عن إشعار بجواز تحقّق ذلك في مورد الجنون في الجملة،فإنّ الآية و إن لم تدلّ على أنّ كلّ جنون هو من مسّ الشّيطان،لكنّها لا تخلو عن إشعار بأنّ من الجنون ما هو بمسّ الشّيطان،و كذلك الآية و إن لم تدلّ على أنّ هذا المسّ من فعل إبليس نفسه، فإنّ الشّيطان بمعنى الشّرّير،يطلق على إبليس و على شرار الجنّ و شرار الإنس؛و إبليس من الجنّ،فالمتيقّن من إشعار الآية أنّ للجنّ شأنا في بعض الممسوسين إن لم يكن في كلّهم.

و ما ذكره بعض المفسّرين:أنّ هذا التّشبيه من قبيل المجاراة مع عامة النّاس في بعض اعتقاداتهم الفاسدة؛ حيث كان اعتقادهم بتصرّف الجنّ في المجانين.و لا ضير في ذلك،لأنّه مجرّد تشبيه خال عن الحكم حتّى يكون خطأ غير مطابق للواقع،فحقيقة معنى الآية،أنّ هؤلاء الآكلين للرّبا حالهم حال المجنون الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ،و أمّا كون الجنون مستندا إلى مسّ الشّيطان فأمر غير ممكن،لأنّ اللّه سبحانه أعدل من أن يسلّط الشّيطان على عقل عبده أو على عبده المؤمن.

ففيه:أنّه تعالى أجلّ من أن يستند في كلامه إلى الباطل و لغو القول،بأيّ نحو كان من الاستناد،إلاّ مع بيان بطلانه و ردّه على قائله،و قد قال تعالى في وصف كلامه: لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ فصّلت:41،42،و قال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ* وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ الطّارق:13،14.

و أمّا أنّ استناد الجنون إلى تصرّف الشّيطان بإذهاب العقل ينافي عدله تعالى،ففيه أنّ الإشكال بعينه مقلوب عليهم في إسنادهم ذهاب العقل إلى الأسباب الطّبيعيّة، فإنّها أيضا مستندة بالآخرة إلى اللّه تعالى مع إذهابها العقل.

على أنّه في الحقيقة ليس في ذهاب العقل بإذهاب

ص: 152

اللّه إيّاه إشكال.لأنّ التّكليف يرتفع حينئذ بارتفاع الموضوع،و إنّما الإشكال في أن ينحرف الإدراك العقليّ عن مجرى الحقّ و سنن الاستقامة،مع بقاء موضوع العقل على حاله،كأن يشاهد الإنسان العاقل الحسن قبيحا و بالعكس،أو يرى الحقّ باطلا و بالعكس،جزافا بتصرّف من الشّيطان،فهذا هو الّذي لا يجوز نسبته إليه تعالى.و أمّا ذهاب القوّة المميّزة و فساد حكمها تبعا لذهاب نفسها،فلا محذور فيه سواء أسند إلى الطّبيعة أو إلى الشّيطان.

على أنّ استناد الجنون إلى الشّيطان ليس على نحو الاستقامة و من غير واسطة،بل الأسباب الطّبيعيّة كاختلال الأعصاب و الآفة الدّماغيّة أسباب قريبة ورائها الشّيطان،كما أنّ أنواع الكرامات تستند إلى الملك مع تخلّل الأسباب الطّبيعيّة في البين،و قد ورد نظير ذلك فيما حكاه اللّه عن أيّوب عليه السّلام؛إذ قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ ص:41،و إذ قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ الأنبياء:83، و الضّرّ هو المرض،و له أسباب طبيعيّة ظاهرة في البدن، فنسب ما به من المرض المستند إلى أسبابه الطّبيعيّة إلى الشّيطان.

و هذا و ما يشبهه،من الآراء المادّيّة الّتي دبّت في أذهان عدّة من أهل البحث،من حيث لم يشعروا بها، حيث إنّ أصحاب المادّة لمّا سمعوا الإلهيّين يسندون الحوادث إلى اللّه سبحانه،أو يسندون بعضها إلى الرّوح أو الملك أو الشّيطان اشتبه عليهم الأمر،فحسبوا أنّ ذلك إبطال للعلل الطّبيعيّة و إقامة لما وراء الطّبيعة مقامها،و لم يفقهوا أنّ المراد به تعليل في طول تعليل لا في عرض تعليل،و قد مرّت الإشارة إلى ذلك في المباحث السّابقة مرارا.

و خامسا:فساد ما ذكره بعض آخر من المفسّرين:

أنّ المراد بالتّشبيه بيان حال آكلي الرّبا يوم القيامة، و أنّهم سيقومون عن قبورهم يوم القيامة،كالصّريع الّذي يتخبّطه الجنون.و وجه الفساد:أنّ ظاهر الآية على ما بيّنّا لا يساعد هذا المعنى،و الرّواية لا تجعل للآية ظهورا فيما ليست بظاهرة فيه،و إنّما تبيّن حال آكل الرّبا يوم القيامة.

قال في تفسير«المنار»:و أمّا قيام آكل الرّبا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ،فقد قال ابن عطيّة في تفسيره:المراد تشبيه المرابي في الدّنيا بالمتخبّط المصروع،كما يقال لمن يصرع بحركات مختلفة:قد جنّ.

أقول:و هذا هو المتبادر،و لكن ذهب الجمهور إلى خلافه،و قالوا:إنّ المراد بالقيام:القيام من القبر عند البعث،و أنّ اللّه تعالى جعل من علامة المرابين يوم القيامة أنّهم يبعثون كالمصروعين،و رووا ذلك عن ابن عبّاس و ابن مسعود،بل روى الطّبرانيّ من حديث عوف بن مالك مرفوعا:[و ذكر مثل الآلوسي]

ثمّ قال:و المتبادر إلى جميع الأفهام ما قاله ابن عطيّة، لأنّه إذا ذكر القيام انصرف إلى النّهوض المعهود في الأعمال،و لا قرينة تدلّ على أنّ المراد به البعث.و هذه الرّوايات لا يسلم منها شيء من قول في سنده،و هي لم تنزل مع القرآن،و لا جاء المرفوع منها مفسّرا للآية، و لولاها لما قال أحد بغير المتبادر الّذي قال به ابن عطيّة،

ص: 153

إلاّ من لم يظهر له صحّته في الواقع.

ثمّ قال:و كان الوضّاعون الّذين يختلقون الرّوايات يتحرّون في بعضها ما أشكل عليهم ظاهره من القرآن، فيضعون لهم رواية يفسّرونه بها،و قلّما يصحّ في التّفسير شيء.انتهى ما ذكره.

و لقد أصاب فيما ذكره من خطئهم،لكنّه أخطأ في تقرير معنى التّشبيه الواقع في الآية؛حيث قال:أمّا ما قاله ابن عطيّة فهو ظاهر في نفسه،فإنّ أولئك الّذين فتنهم المال و استعبدهم حتّى ضربت نفوسهم بجمعه،و جعلوه مقصودا لذاته،و تركوا لأجل الكسب به جميع موارد الكسب الطّبيعيّ،تخرج نفوسهم عن الاعتدال الّذي عليه أكثر النّاس،و يظهر ذلك في حركاتهم و تقلّبهم في أعمالهم،كما تراه في حركات المولعين بأعمال البورصة و المغرمين بالقمار،يزيد فيهم النّشاط و الانهماك في أعمالهم،حتّى يكون خفّة تعقبها حركات غير منتظمة.

و هذا هو وجه الشّبه بين حركاتهم و بين تخبّط الممسوس،فإنّ التّخبط من الخبط،و هو ضرب غير منتظم و كخبط العشواء.انتهى.

فإنّ ما ذكره من خروج حركاتهم عن الاعتدال و الانتظام و إن كان في نفسه صحيحا،لكن لا هو معلول أكل الرّبا محضا،و لا هو المقصود من التّشبيه الواقع في الآية:

أمّا الأوّل:فإنّما ذلك لانقطاعهم عن معنى العبوديّة، و إخلادهم إلى لذائذ المادّة؛ذلك مبلغهم من العلم،فسلبوا بذلك العفّة الدّينيّة و الوقار النّفسانيّ،و تأثّرت نفوسهم عن كلّ لذّة يسيرة مترائية من المادّة،و تعقّب ذلك اضطراب حركاتهم،و هذا مشاهد محسوس من كلّ من حاله الحال الّذي ذكرنا،و إن لم يمسّ الرّبا طول حياته.

و أمّا الثّاني:فلأنّ الاحتجاج الواقع في الآية على كونهم خابطين،لا يلائم ما ذكره من وجه الشّبه،فإنّ اللّه سبحانه يحتجّ على كونهم خابطين في قيامهم،بقوله:

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا، و لو كان كما يقول،كان الأنسب الاحتجاج على ذلك بما ذكر من اختلال حركاتهم،و فساد النّظم في أعمالهم،فالمصير ما قدّمناه.(2:410)

المصطفويّ: صيغة«تفعّل»تدلّ على المطاوعة و المتابعة.يقال:خبّط الشّيطان،أي جعله خابطا،فتخبّطه الشّيطان،أي فطاوع الشّيطان و تابع و خبطه.

فالتّعبير بالتّخبّط دون الخبط،إشارة إلى أنّ خبط الشّيطان ليس ابتدائيّا و من دون مقدّمة و اقتضاء،بل بتبعيّة ذلك الشّخص و مطاوعته و طلبه و اقتضاء المورد.

و يدلّ عليه آخر الآية ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا.

و المعنى:أنّ آكل الرّبا لا يقوم في حياته و لإدامة حياته و في معيشته،إلاّ كقيام من خبطه الشّيطان و مسّه، و أسقطه من مقامه و تعقّله و استقلاله،فصار مغلوبا عقله، و مقهورا تعقّله،و مختلاّ تفكّره.

و لا يخفى أنّ الضّرب من الشّيطان يتحقّق بصورة المسّ،و هو أقوى مراتب التّأثير.[ثمّ استشهد بآيات:

يونس:12،و الأعراف:188،و ص:48،و البقرة:

236،237.]

و أمّا حالة المخبوطيّة،و كون آكل الرّبا كمن مسّه

ص: 154

الشّيطان،و صار في اختلال من جهة العقل و التّدبير و نظم الأمور،فقد يشاهد منهم بالحسّ و الدّقّة.(3:15)

عبد الكريم الخطيب :إنّهم كلّما أرادوا أن يقوموا من هذا الهمّ الثّقيل،الّذي أقعدهم و أعجزهم عن السّير في ركب الحياة مع النّاس،تخبّطوا و اضطربوا،فقاموا ثمّ قعدوا،و قاموا ثمّ قعدوا.ثمّ لا يكاد أحدهم يهمّ بالقيام حتّى يسقط،ثمّ يهمّ و يسقط،ثمّ يختلج جسده كلّه، و يضطرب كيانه كلّه،فيخرّ صريعا،و يضطرب على الأرض اضطراب الجمل المذبوح.(2:351)

مكارم الشّيرازيّ: الخبط هو فقدان توازن الجسم عند المشي أو القيام.فالآية تشبّه المرابي بالمصروع،أو المجنون الّذي لا يستطيع الاحتفاظ بتوازنه عند السّير، فيتخبّط في خطواته.

و لعلّ المقصود هو وصف طريقة«سير المرابين الاجتماعيّ»في الدّنيا،على اعتبار أنّهم أشبه بالمجانين في أعمالهم،فهم يفتقرون إلى التّفكير الاجتماعيّ السّليم،بل إنّهم لا يشخّصون حتّى منافعهم الخاصّة،و أنّ مشاعر المواساة و العواطف الإنسانيّة و أمثالها،لا مفهوم لها في عقولهم؛إذ أنّ عبادة المال تسيطر على عقولهم إلى درجة أنّها تعميهم عن إدراك ما ستؤدّي إليه أعمالهم الجشعة الاستغلاليّة،من غرس روح الحقد في قلوب الطّبقات المحرومة الكادحة،و ما سيعقب ذلك من ثورات و انفجارات اجتماعيّة تعرض أساس الملكيّة للخطر،و في مثل هذا المجتمع سينعدم الأمن و الاستقرار،و ستصادر الرّاحة من جميع النّاس بمن فيهم هذا المرابي،و لذلك فإنّه يجني على نفسه أيضا بعمله الجنونيّ هذا.

و يقال أيضا:إنّ هذا الوصف ينطبق على المرابي يوم القيامة؛إذ يتقدّم فيها مترنّحا و يحشر كالمجانين.

أكثر المفسّرين يرون الاحتمال الثّاني،إلاّ أنّ بعض المفسّرين المحدثين يفضّلون الاحتمال الأوّل.

و لكن بما أنّ وضع الإنسان في العالم الآخر تجسيد لأعماله في هذا العالم،فيحتمل أن تكون الآية إشارة إلى المعنيين.أي أنّ الّذين يقومون في الدّنيا قياما غير متعقّل و غير متوازن،يخالطه اكتناز جنونيّ للثّروة،سيحشرون يوم القيامة كالمجانين.

إنّ الرّوايات و الأحاديث تشير إلى كلا المفهومين.

ففي حديث عن الإمام الصّادق عليه السّلام في تفسير هذه الآية أنّه قال:«آكل الرّبا لا يخرج من الدّنيا حتّى يتخبّطه الشّيطان».

و في رواية أخرى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشأن تجسيد حال المرابين،الّذين لا يهمّهم غير مصالحهم الخاصّة،و ما ستجرّه عليهم أموالهم المحرّمة قال:«لمّا أسري بي إلى السّماء رأيت قوما،يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه،فقلت:من هؤلاء يا جبرائيل!؟قال:

هؤلاء الّذين يأكلون الرّبا،لا يقومون إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ».

الحديث الأوّل يبيّن اضطراب الإنسان في هذه الدّنيا،و يعكس الحديث الثّاني حال المرابين في مشهد يوم القيامة،و كلاهما يرتبطان بحقيقة واحدة،فكما أنّ الإنسان المبطان الأكول يسمن بإفراط و بغير حساب، كذلك المرابون الّذين يسمنون بالمال الحرام،لهم حياة اقتصاديّة مريضة تكون وبالا عليهم.

ص: 155

سؤال:هنا يبرز سؤال و هو:هل الجنون و الصّرع اللّذين أشارت إليهما الآية المذكورة من عمل الشّيطان، مع أنّنا نعلم أنّ الصّرع و الجنون من الأمراض النّفسيّة الّتي لها أسباب معروفة في الغالب؟

الجواب:يرى بعضهم أنّ تعبير«مسّ الشّيطان» كناية عن الأمراض النّفسيّة و الجنون،و هو تعبير كان شائعا عند العرب،و لا يعني أنّ للشّيطان تأثيرا فعليّا في روح الإنسان.

و لكن مع ذلك لا يستبعد أن يكون لبعض الأعمال الشّيطانيّة الّتي يرتكبها الإنسان دون تروّ،أثر يؤدّي إلى نوع من الجنون الشّيطانيّ،أي يكون للشّيطان على إثر هذه الأعمال فاعليّة في الشّخص يسبّب اختلال تعادله النّفسيّ.ثمّ إنّ الأعمال الشّيطانيّة الخاطئة إذا تكرّرت و تراكمت،يكون أثرها الطّبيعيّ هو أن يفقد الإنسان قدرته على تمييز السّقيم من السّليم،و الصّالح من الطّالح، و التّفكير المنطقيّ من المعوجّ.(2:241)

فضل اللّه :كيف نفهم هذا التّشبيه،هل هو حديث عن حالة المرابي في يوم القيامة؛حيث يقوم من قبره كما يقوم المصروع،كعلامة على أنّه من أكلة الرّبا،كما يروى عن ابن عبّاس؟

أو هو حديث عن جانب التّخبّط العمليّ الّذي يوجب اختلاط خطواته العمليّة بطريقة غير متوازنة،كما يتخبّط المصروع في خطواته عند ما يسير أو يتصرّف؟

أو هو تشبيه بحالة المصروع في السّير على غير هدى،لاختلاط الأمور في ذهنه،ممّا يؤدّي به إلى أن يرى الحسن قبيحا و القبيح حسنا،و يتحوّل ذلك إلى التّخبّط في مجاله العمليّ؟

لعلّ هذا هو الأقرب-و اللّه العالم-لمناسبته للفقرة التّالية ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا فقد جرت هذه الفقرة مجرى التّعليل لحالتهم في التّشبيه؛إذ اختلط الأمر عليهم،فاستنكروا الموقف السّلبيّ ضدّ الرّبا في الوقت الّذي يكون الموقف فيه إيجابيّا تجاه البيع، و خيّل إليهم أنّ البيع مثل الرّبا،لاشتمال كلّ منهما على الرّبح و الزّيادة.

و لكن هذا الموقف خاطئ،فإنّ البيع يؤدّي إلى تسهيل عمليّة التّبادل في المجتمع،في ما تختلف فيه خصائص الأشياء،فيدفع الإنسان إلى غيره ما يستغني عنه في مقابل الحصول على ما يحتاج إليه،لتعود المنفعة إليهما معا،في ما يفترق به كلّ من العوضين من خصوصيّات متنوّعة،و بذلك تتقدّم الحياة و تنمو و تزدهر.

أمّا الرّبا،فإنّه لا يضيف إلى المشتري الّذي يأخذ مثل ما يدفع بزيادة أيّة ميزة تفرض ذلك،ممّا يجعل الزّيادة أكلا للمال بالباطل من جهة،و انحرافا عن مصلحة الإنسان الفرد و المجتمع من جهة أخرى،في ما قدّمناه من حديث.

و قد يرى بعض المفسّرين،أنّ التّخبّط قد يظهر في اعتبار الأصل فرعا،لا كما هو كلام المرابين في عكس الموضوع؛و ذلك بقياس البيع على الرّبا،لأنّ من المعقول أن يقول الإنسان:إنّ الّذي تنهاني عنه كالّذي تأمرني به، و ليس من المعقول أن يقول:إنّ الّذي تأمرني به كالّذي تنهاني عنه،لأنّ معنى القول الأوّل أنّه يسلّم أنّ الّذي

ص: 156

يؤمر به أصل ذو مزيّة يجب اتّباعه،لكنّه يدّعي أنّ الّذي ينهى عنه ذو مزيّة مثله،و لم يكن معنى كلامه إبطال المزيّة و إهماله،كما يراه الممسوس.

و لكن هذا المعنى غير ظاهر من اللّفظ في تحديد حالة الخبط،بل الظّاهر من سياق الكلام هو إنكارهم التّفريق بينهما في التّشريع،في حلّيّة هذا و حرمة ذاك، فكأنّهم يريدون أن يقولوا:إنّ الشّيء الّذي تمارسونه و تستحلّونه لا يختلف عن الشّيء الّذي نمارسه،ممّا تستنكرونه علينا و تحرّمونه على أنفسكم،فلا بدّ لكم من أن تحرّموهما معا أو تحلّلوهما معا.و ما دامت المسألة حاسمة لديكم في تحليل البيع،فلا بدّ من أن تكون كذلك بتحليل الرّبا،لأنّ وحدة العلّة تقتضي وحدة المعلول.

و ربّما يؤكّد ذلك قوله تعالى في الفقرة التّالية من الآية: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فإنّه يوحي بالإنكار عليهم في ما قرّروه من رفض الفكرة في الفرق بينهما،من دون تحديد لخصائص التّعبير،و ذلك من خلال دعوتهم إلى التّفكير في المسألة بشكل أعمق،من خلال معرفتهم بأنّ اللّه أحلّ البيع و حرّم الرّبا،ممّا يعني بأنّ هناك مفسدة كبيرة في الرّبا،ليست موجودة في البيع، و أنّ هناك مصلحة في البيع لا يتضمّنها الرّبا،لأنّ اللّه لا يشرّع حكما إلاّ من خلال ما يحقّق صلاح الإنسان،أو يبعده عن الفساد.

و في ضوء ذلك يمكن فهم كلام علماء البلاغة،من أنّ هذا من التّشبيه المقلوب،فإنّهم يريدون القول:إنّما الرّبا مثل البيع،ليصلوا إلى غرضهم و هو التّحليل،فعكسوا الكلام للمبالغة،و قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا الّذي يوحي بأنّهم يريدون تحريم البيع،من خلال الظّاهر، فأصبح المشبّه به قائما بالمشبّه و تابعا له،فإنّ هذا النّحو من القلب في الكلام،لا يبتعد عن تحقيق غرضهم بالطّريقة الّتي أشرنا فيها إلى معنى الكلام المذكور.

و قد عرض المفسّرون لجانب آخر في تفسير هذه الفقرة من الآية،فإنّنا نستفيد منها أنّ هناك حالة من الصّرع أو الجنون تعرض للإنسان من خلال مسّ الشّيطان له،كما تعتقد العامّة في أمثال هذه الحالات أنّها من عمل الجنّ.فهل يريد القرآن أن يؤكّد هذه الفكرة، و يعتبرها كحقيقة دينيّة حاسمة في تقريره لبعض حقائق الظّواهر الإنسانيّة في الحياة،أو أنّ التّشبيه وارد في سياق التّعبير المعروف لدى النّاس في ما يعتقدونه من أسباب الصّرع،فكأنّ القرآن قصد الفكرة الّتي أريدت من الكلمات،لا المدلول الحرفيّ نفسه لها،تماما كما هو المعنى الّذي يراد الكناية عنه بلازمه في أساليب الكناية في اللّغة العربيّة،أو أنّ هناك وجها ثالثا للقضيّة غير هذين الوجهين؟

ربّما يجد بعض المفسّرين المعنى الثّاني أقرب إلى عدل اللّه،فإنّه سبحانه أعدل من أن يسلّط الشّيطان على عقل عبده،أو على عبده المؤمن.و لكن صاحب«الميزان»يردّ هذا الرّأي،بأنّ اللّه تعالى أجلّ من أن يستند في كلامه إلى الباطل و لغو القول،بأيّ نحو كان من الاستناد،إلاّ مع بيان بطلانه،و ردّه على قائله،و بأنّ تسليط الشّيطان على عقل الإنسان إذا كان منافيا للعدل،فإنّ تسليط الأسباب الطّبيعيّة عليه في ما كان منها مذهبا للعقل كذلك،لأنّهما سيّان في استنادهما إلى اللّه بالنّهاية،مع خروجهما عن

ص: 157

إرادة الإنسان و اختياره.و بأنّ مبدأ إذهاب العقل لا يتنافى مع العدل،فإنّه رافع للتّكليف من الأساس،فلا مشكلة أمام الإنسان من هذه الجهة.

ثمّ يضيف صاحب«الميزان»إلى ذلك قوله:على أنّ استناد الجنون إلى الشّيطان ليس على نحو الاستقامة و من غير واسطة،بل الأسباب الطّبيعيّة كاختلال الأعصاب و الآفة الدّماغيّة أسباب قريبة وراءها الشّيطان،كما أنّ أنواع الكرامات تستند إلى الملك مع تخلّل الأسباب الطبيعيّة في البين.و قد ورد نظير ذلك في ما حكاه اللّه عن أيّوب عليه السّلام؛إذ قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ؛ و إذ قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ الأنبياء:83،و الضّرّ هو المرض،و له أسباب طبيعيّة ظاهرة في البدن،فنسب ما به من المرض المستند إلى أسبابه الطّبيعيّة إلى الشّيطان.ثمّ يختم ملاحظته بأنّ أسلوب القرآن في إسناد الأعمال أو الظّواهر إلى اللّه أو إلى الرّوح أو الملك أو الشّيطان،لا يعني الإسناد المباشر الّذي يلغي الأسباب الطّبيعيّة،بل ما يتناسب مع ذلك ممّا يجعل الفاعل في طول السّبب لا في عرضه.

و نحن نوافق صاحب«الميزان»على ملاحظته بأنّ القضيّة لا علاقة لها بموضوع عدالة اللّه،غير أنّ ذلك لا يعني تأكيدنا للفكرة الّتي يعتقدها العامّة من خلال الآية،فإنّ القضيّة متعلّقة بالفهم الصّحيح لمعنى الآية في ما تذكره من كلمة«الشّيطان».فما هو المراد منها،هل هو المعنى الحقيقيّ الّذي تحدّث عنه القرآن في أكثر من مرّة، الّذي يعبّر عن الكائن الخفيّ الّذي أبقاه اللّه في الدّنيا، و منحه الخلود فيها من أجل أن يثير في الإنسان خواطر الشّرّ و دوافع العصيان،و هو الّذي يعطيه القرآن اسم إبليس في أكثر من مورد؟أو هو المعنى المجازيّ الّذي يراد منه العوامل الخفيّة المتنوّعة الّتي تسبّب الجنون و غيره من الأمراض،و تكون العلاقة بين المعنيين عبارة عن أنّ كلاّ منهما يمثّل عنصرا خفيّا يؤثّر في الفكر و الشّعور تارة،و في البدن و العقل تارة أخرى؟و إذا كان المراد هو المعنى المجازيّ،فما هي القرينة أو الدّليل على صرف اللّفظ عن معناه الحقيقيّ؟

إنّنا نستقرب ورود اللّفظ على أساس المجاز لا على أساس الحقيقة؛و ذلك من خلال دراستنا لشخصيّة الشّيطان في القرآن،و علاقته بالإنسان في ما أعطاه اللّه من دور فاعل في حياته.فإنّنا نلاحظ محاولة القرآن للتّأكيد أنّ دور الشّيطان الأوّل و الأخير،هو إثارة وساوس الشّرّ من خلال تزيينه في أعين النّاس،و محاولة الإضلال بالأساليب الّتي تساهم في تحقيق الضّلال، بإرادة الإنسان و اختياره.أمّا السّيطرة عليه بالمستوى الّذي لا يستطيع معه الوقوف أمامه،و لا يملك إلاّ الرّضوخ لسلطانه،فهذا ما نفاه القرآن في أكثر من آية إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ الحجر:42.

فإنّنا نجد في الآية نفيا مطلقا لسلطان الشّيطان على الإنسان،إلاّ من خلال الوسائل العاديّة الّتي لا تلغي عنصر الاختيار الّذي تتحرّك في داخله المسئوليّة.فإذا لم يكن للشّيطان سلطان تكوينيّ على نقل الإنسان من قناعة إلى قناعة مضادّة في موضوع الكفر و الإيمان و الخير و الشّرّ،فكيف يكون له سلطان على إلغاء عقل الإنسان

ص: 158

بالكلّيّة من خلال وسائل غير منظورة،لا يملك الإنسان أمامها القدرة على المقاومة.إنّ القضيّة ليست قضيّة عدالة الموضوع و عدم عدالته،بل هي قضيّة دور الشّيطان في حياة الإنسان من خلال حكمة وجوده في الأرض،ممّا يوحي لنا بأنّه لا يملك أيّ دور آخر تجاه الإنسان.

و هناك نقطة أخرى لا بدّ لنا من إثارتها في هذا المجال، و هي أنّ ذلك قد يتنافى مع الجوّ الّذي أراد اللّه أن يثيره في صراع الإنسان مع الشّيطان،و هو الإيحاء بكرامة الإنسان من خلال أمره للشّيطان بالسّجود لآدم،و جعله خليفة اللّه في الأرض،ممّا يوجب أن لا يجعله تحت رحمته في أقدس شيء وهبه اللّه له،و ميّزه به على مخلوقاته الأخرى و هو العقل،لأنّ ذلك يجعله ألعوبة في يده،يعبث به كيف يشاء من خلال الوسائل الخفيّة الّتي يملكها ضدّ الإنسان.

أمّا تسليطه على إضلاله بالوسوسة و أمثالها،فإنّها تؤكّد جانب الكرامة فيه و لا تنفيها؛و ذلك من خلال ثقة اللّه بالإنسان،بما زوده به من العقل و أرسله إليه من رسل،و في ما أنزله عليه من كتب و رسالات،بأنّه يستطيع الانتصار على الشّيطان باستعمال هذه الوسائل، ليبلغ بذلك الدّرجات الّتي تعلو درجات الملائكة في ما وردت به الأحاديث الشّريفة...إنّ اللّه سبحانه قد وضع الإنسان في ساحة المعركة الّتي يملك إرادة الانتصار فيها، و في ذلك تأكيد لقدرة الإنسان على الانتصار في معركته مع الشّيطان.

و من خلال هذا العرض،نستطيع الخروج بنتيجة حاسمة،و هي أنّ كلمة الشّيطان هنا لا يراد بها إبليس،كما لم يرد منها ذلك في ما حكاه اللّه عن أيّوب،فإنّ الظّاهر إرادة الضّرّ و المرض منه،لا على أساس أنّ الشّيطان هو السّبب الأعمق في سلسلة الأسباب الطّبيعيّة،بل على أساس استعمال اللّفظ في المرض نفسه و نحوه.أمّا الدّليل على هذا الاستعمال،فهو ما قرّرناه من عدم وجود دور للشّيطان في هذا المجال،و اللّه العالم.(5:136،142)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخبط،و هو ضرب البعير الأرض بخفّ يده.يقال:خبط بيده يخبط خبطا،أي ضرب الأرض بها.ثمّ توسّع فيه،فاستعمل في خبط الدّوابّ الشّيء بأيديها،و ربّما بأرجلها،يقال:فرس خبيط و خبوط،أي يخبط الأرض برجليه،و الخبوط من الخيل:الّذي يخبط بيديه.و في الآدميّين بالأرجل؛يقال:

رجل أخبط،أي يخبط برجليه.و في الضّرب الشّديد، و كذا في سائر اللّغات السّاميّة،كالعبريّة و الآراميّة و السّريانيّة.

و الخبط:ضرب ورق الشّجر حتّى ينحاتّ عنه،ثمّ يستخلف من غير أن يضرّ ذلك بأصل الشّجرة و أغصانها،يقال:خبط الشّجرة بالعصا يخبطها خبطا،أي شدّها ثمّ ضربها بالعصا،و نفض ورقها منها ليعلفها الإبل و الدّوابّ،و النّاقة تختبط الشّوك:تأكله،و المخبط:العصا الّتي يخبط بها الشّجر،و المخبطة:القضيب و العصا.

و الخبط:ما انتفض من ورق الشّجرة إذا خبطت؛ «فعل»بمعنى«مفعول»،و قد اختبط له خبطا،و هو ما

ص: 159

خبطته الدّوابّ أيضا،أي كسرته.

و الخبطة و الخبطة:بقيّة الماء في الغدير،لأنّه-كما قال ابن فارس-يتخبّط فلا يمتنع.

و الخبطة من الماء:الرّفض،و هو ما بين الثّلث إلى النّصف من السّقاء و الحوض و الغدير و الإناء.يقال:في الإناء خبط،و يقال:خبيط و خبيطة.

و الخبطة:ما بقي في الوعاء من طعام أو غيره.يقال:

في القربة خبطة من ماء،و هو مثل الجرعة و نحوها.

و الخبطة:القطعة من البيوت و النّاس،تشبيها بخبطة الغدير.يقال:أتونا خبطة خبطة،أي قطعة قطعة؛و الجمع:

خبط.

و الخباط:الضّراب،و الوسم في الفخذ أو الوجه؛ و الجمع:خبط.يقال:خبطه خبطا،أي وسمه بالخباط، و سمّي بذلك لأنّ الفخذ أو الوجه يخبط به.

و الخبيط:الحوض الّذي خبطته الإبل فهدّمته؛ و الجمع:خبط،سمّي بذلك لأنّ طينه يخبط بالأرجل عند بنائه.

و الخبيط:لبن رائب أو مخيض،يصبّ عليه الحليب من اللّبن،ثمّ يضرب حتّى يختلط.

و يقال مجازا:خبط عشواء،و هي النّاقة الّتي في بصرها ضعف تخبط إذا مشت لا تتوقّى شيئا،و فلان يخبط في عمياء،إذا ما ركب ركب بجهالة.

و الخبط:كلّ سير على غير هدى.يقال:خبط اللّيل يخبطه خبطا،أي سار فيه على غير هدى،و ما أدري أيّ خابط اللّيل هو؟أو أيّ خابط ليل هو؟أيّ النّاس هو؟

و الخبط:طلب المعروف.يقال:خبطه يخبطه خبطا، أي سأله،و اختبطت فلانا،و اختبطت معروفه،فاختبطني بخير.و اختبطني فلان:جاء يطلب المعروف من غير آصرة،فهو مختبط،و خبطت الرّجل أخبطه خبطا:

وصلته،شبّه بخابط الورق،أو خابط اللّيل.

و الخبطة:كالزّكمة تأخذ قبل الشّتاء،و قد خبط فهو مخبوط.

و الخباط:داء كالجنون و ليس به،كأنّ الإنسان يتخبّط،يقال:خبطه الشّيطان و تخبّطه،أي مسّه بأذى و أفسده،و بفلان خبطة من مسّ.و الخباطة:الأحمق.

و خبط الرّجل خبطا:طرح نفسه حيث كان و نام، لأنّه-على قول ابن فارس-يخبط الأرض بجسمه،كأنّه يضربها به.

و خبط القوم بسيفه يخبطهم خبطا:جلدهم.

2-و الخبط:الخلط.يقال:في كلام فلان خبط و خلط،و هو من قول المولّدين،و خبط الماء:خاض فيه فعكره،و هو ماء خابط،يريدون به مخبوط،و يستعمل اليوم بكثرة في لغة أهل العراق.كما يطلقون لفظ «خبّاطة»على آلة تخلط الإسمنت و الحصى بالماء، و يستعمل هذا الخليط في البناء.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد:(يتخبّطه)مرّة في آية:

1- اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ... البقرة:275

يلاحظ أوّلا:أنّ«التّخبّط»وحيد الجذر في القرآن، و فيه بحوث:

ص: 160

1-شبّه قيام من يتعاطى الرّبا بقيام الّذي يصرعه الشّيطان من الجنون؛إذ القيام نقيض الصّرع،و الصّرع قريب من معنى التّخبّط في اللّغة،و أمّا من فسّره بالتّخبّل و الخنق فقد بعد عن هذا المعنى.غير أنّ أغلب المفسّرين ذهبوا إليه،و جعلوه علامة يوم القيامة لآكل الرّبا،لأنّهم أوّلوا القيام بالبعث و النّشور.و لكن لم يرد في الآية ما يدلّ على ذلك،إلاّ أن يتأوّل متأوّل،كما فعل المتقدّمون.

2-وصف الشّيطان بأنّه عدوّ و مريد و رجيم و قرين سوء و غير ذلك،و وسم بصفات كثيرة؛و منها:الوسوسة و التّسويل،و الإيحاء و الإلقاء و غيرها.و لم يذكر بأنّه قام بعمل إلاّ في هذه الآية،لأنّ التّخبّط-كما تقدّم-هو الصّرع و التّخبّل و الخنق و كذا الضّرب أيضا.

و اختلف العلماء في جواز ذلك،قال أبو الهذيل:

«يجوز أن يكون الصّرع من فعل الشّيطان في بعض النّاس دون بعض،لأنّ الظّاهر من القرآن يشهد به، و ليس في العقل ما يمنع منه».

و تعقّبه الجبّائيّ قائلا:«لا يجوز ذلك،لأنّ الشّيطان خلق ضعيفا،لم يقدره اللّه على كيد البشر بالقتل و التّخبيط».

بيد أنّ الزّمخشريّ نحا نحوا آخر،و زعم أنّ اللّه أنزل هذه الآية وفقا لما تعتقده العرب،فقال:«من زعمات العرب يزعمون أنّ الشّيطان يخبط الإنسان فيصرع...

فورد على ما كانوا يعتقدون».

و ردّه القاسميّ بقول النّاصر:«معنى قول الكشّاف:

من زعمات العرب...من تخبّط الشّيطان بالقدريّة من زعماتهم المردودة بقواطع الشّرع».

3-يظهر أنّ المراد بالتّخبّط هنا الإغواء؛إذ يتصرّف المرابي في أموره على غير هدى من جرّاء وسوسة الشّيطان،فيخبط خبط عشواء،فالكلام على المجاز لا الحقيقة.

4-و هذه المسألة قد فصّل المفسّرون و طوّلوا الكلام فيها،و تجاوزوا حدّ الحاجة،فلاحظ النّصوص.

و لعلّ سائلا يقول:هل التّخبّط من فعل الشّيطان صرفا،أو من فعل اللّه بتسليطه على العباد؟

يقال:هو من فعل الشّيطان لا غير،و ليس من فعل اللّه،كما ذهبت الجبريّة.

و يلاحظ ثانيا:أنّ ورودها مرّة في سورة مدنيّة ربّما يشعر بأنّها خاصّة بلغة أهل المدينة،فكانوا يلفظون بها قليلا،و شكل المثل.

و ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن الصّرع:

فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ الحاقّة:7.

ص: 161

ص: 162

خ ب ل

اشارة

خبالا

لفظ واحد،مرّتان،في سورتين مدنيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخبل:جنون أو شبهه في القلب.و رجل مخبول:به خبل،و هو مخبّل،أي لا فؤاد له،و قد خبله الدّهر و الحزن و الشّيطان و الحبّ و الدّاء خبلا.

و قد خبل خبالا،و رجل أخبل.

و دهر خبل:ملتو على أهله،لا يرون فيه سرورا.

و الخبل:فساد في القوائم حتّى لا يدري كيف يمشي، فهو متخبّل خبل.

و مختبل الدّابّة:فعله،و مختبلها:قوائمها،و اختبالها:ألاّ تثبت في مواطئها.

و به خبال،أي مسّ و شرّ،قال اللّه تعالى:

لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً آل عمران:118،أي شرّا.

و هو خبال على أهله،أي عناء.

و طين الخبال:ما ذاب من أجساد أهل النّار.

و الرّجل تصيبه السّنة فيأتي أخاه فيستخبله غنما و إبلا ينتفع بها.[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:272)

الفرّاء: الخبال:أن تكون البئر متلجّفة،فربّما دخلت الدّلو في تلجيفها فتنخرق.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 7:424)

الخبل:الجنّ،و الخبل:الإنس،و الخبل:المزادة، و الخبل:الجنون،و الخبل:جودة الحمق بلا جنون،و الخبل:

القربة الملأى.(الأزهريّ 7:427)

الأصمعيّ: خبل فلان فلانا عن كذا و كذا،إذا منعه؛ يخبله خبلا.

و خبلت يده،أي شلّت.(الأزهريّ 7:427)

أبو عبيد: و أمّا الإخبال فإنّ الرّجل منهم كان يعطي الرّجل البعير أو النّاقة ليركبها،فيجتزّ وبرها، و ينتفع بها،ثمّ يردّها.[ثمّ استشهد بشعر](1:177)

ابن الأعرابيّ: الخبال:الفساد،و الخبال:الجنون، و الخبال،عصارة أهل النّار.

ص: 163

و في الحديث:«من أكل الرّبا أطعمه اللّه من طينة الخبال يوم القيامة».

و قال رجل من العرب:إنّ لنا في بني فلان خبلا في الجاهليّة،أي قطع أيد و أرجل.

الخبل:الجنّ،و الخبل الإنس،و الخبل:الجراحة.

و الخبل بالجزم:قطع اليد و الرّجل.يقال:بنو فلان يطالبوننا بخبل،أي بقطع أيد و أرجل و جراحات.

(الأزهريّ 7:425)

المخبّل:المجنون،و به سمّي المخبّل الشّاعر،و هو المخبل.

الخبال:السّمّ القاتل.

و الخبلة:الفساد من جراحة أو كلمة.

و الخبل:الفساد في الثّمر.(الأزهريّ 7:427)

ابن السّكّيت: خبل يده،إذا أشلّها.(103)

و أخبله فرسا،إذا أعاره فرسا يغزو عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و سمعت أبا عمرو يقول:أبعيته فرسا،في معنى أخبلته.(519)

الخبل:فساد الأعضاء.يقال:بنو فلان يطالبون بني فلان بدماء و خبل،أي بقطع أيد و أرجل.

و الخبل:الجنّ،يقال:به خبل،أي شيء من أهل الأرض.(إصلاح المنطق:52)

نحوه ابن جنّيّ.(ابن سيده 5:209)

الزّجّاج: الخبال:الفساد و ذهاب الشّيء.

(2:451)

ابن دريد :و الخبل و الخبل أصله من الجنون،لأنّ الجنّ يسمّون الخابل،ثمّ سمّوا العاشق مخبولا تشبيها بذلك.

و الخبال أصله من النّقصان مثل التّباب،ثمّ صار الهلاك خبالا.

و زعم المفسّرون في قوله عزّ و جلّ: ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً التّوبة:47،أي و هنا،هكذا قال أبو عبيدة.و قال آخرون:إنّ طينة الخبال موضع في جهنّم،و اللّه أعلم.

و رجل مخبول و مختبل.

و الخبال:داء يصيب الإنسان يسترخى منه مفاصله.

و أخبلت الرّجل،إذا أعطيته عن غير سؤال.[ثمّ استشهد بشعر]

و أهل اليمن يقولون للرّجل إذا رثوا له من عيب فيه:

خبالية من كذا و كذا،أخرجوها مخرج حنانية و هذاذية، و ما أشبه ذلك.(1:238)

و خباليك:من الخبال.(3:449)

القاليّ: الخبل:الفساد في البدن.(2:34)

الأزهريّ: يقال منه:أخبلت الرّجل أخبله إخبالا.

و في الحديث:«من أصيب بدم أو خبل...»معناه:بقطع يد أو عضو.

و في حديث آخر:«بين يدي السّاعة خبل».يعني فساد الفتنة و الهرج و القتل.

و الخابل:الجنّ؛و جمعه:خبل.(7:426)

الصّاحب:الخبل:الجنون،رجل مخبول و مخبّل:

لا فؤاد له.و خبله الحبّ و الحزن،و خبل خبالا.

و دهر خبل:ملتو على أهله.

و الخبل:فساد في القوائم حتّى لا يدري كيف يمشي،

ص: 164

فهو مخبّل خبل.

و مختبل الدّابّة:قوائمها.

و هو خبال على أهله،أي عناء.

و المخبّل:الدّهر.

و خبل فلان يد فلان:أشلّها.و خبل:أصابه فالج.

و الخبل:الجراح.

و الخابل:الجنّ،و كذلك الخبّل.

و الرّجل تصيبه السّنة فيأتي أخاه فيستخبله من ماله،لينتفع به إلى وقت الإخصاب،ثمّ يردّه فيخبله الّذي سأل.

و الإخبال:الإعارة.

و يقولون:وقع في خبلي من كذا،أي في نفسي و خلدي.قال:و هو كقولهم:سقط في يدي.و قد تفتح الخاء.

و قومي يطالبون بني فلان بدماء و خبل،أي بقطع أيد و أرجل.

و خبل الرّجل عن فعل أبيه،أي قصّر.(4:353)

الجوهريّ: الخبل بالتّسكين:الفساد؛و الجمع:

خبول.يقال:لنا في بني فلان دماء و خبول.فالخبول:قطع الأيدي و الأرجل.

و الخبل،بالتّحريك:الجنّ.يقال:به خبل،أي شيء من أهل الأرض.

و قد خبله و خبّله و اختبله،إذا أفسد عقله أو عضوه.

و رجل مخبّل،كأنّه قد قطعت أطرافه.

و مخبّل:اسم شاعر من بني سعد.

و دهر خبل،أي ملتو على أهله.

و مخبّل،بكسر الباء:اسم للدّهر.

و يقال:فلان خبال على أهله،أي عناء.و الخبال أيضا:الفساد.

و أمّا الّذي في الحديث:«من قفا مؤمنا بما ليس فيه، وقفه اللّه تعالى في ردغة الخبال حتّى يجيء بالمخرج منه» فيقال:هو صديد أهل النّار.قوله:«قفا»أي قذف، و الرّدغة:الطّينة.

و أخبلته المال،إذا أعرته ناقة لينتفع بألبانها و أوبارها.أو فرسا يغزو عليه،و هو مثل الإكفاء.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:1682)

أبو هلال :الفرق بين الإفقار و الإخبال:أنّ الإخبال أن يعطى الرّجل فرسا ليغزو عليه.و قيل:هو أن يعطيه ماله ينتفع بصوفه و وبره و سمنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الفرق بين ذلك-المنحة و العريّة-و بين الإفقار أنّ الإفقار:مصدر فقر الرّجل ظهر بعيره ليركبه ثمّ يردّه، مأخوذ من الفقار و هو عظم الظّهر،يقال:أفقرته البعير، أي أمكنته من فقاره.(139)

ابن سيده: الخبل:فساد الأعضاء.

و الخبل،في عروض البسيط و الرّجز:ذهاب السّين و التّاء من«مستفعلن»؛مشتقّ من«الخبل»،الّذي هو قطع اليد.

قال أبو إسحاق:لأنّ السّاكن كأنّه يد السّبب؛فإذا حذف السّاكنان صار الجزء كأنّه قطعت يداه،فبقي مضطربا.

و قد خبل الجزء،و خبّله.

و أصابه خبل،أي فالج و فساد أعضاء و عقل.

ص: 165

و الخبل:الجنّ،و هم الخابل.

و قيل الخابل:الجنّ،و الخبل:اسم للجمع؛كالقعد و الرّوح،أسماء لجمع:قاعد و رائح،و قيل:هو جمع.

و الخابل:الشّيطان.و الخابل:المفسد.

و قالوا:خبل خابل،يذهبون إلى المبالغة.

و الخبل،و الخبل،و الخبل،و الخبال:الجنون.

و قد خبله الحزن:و اختبله.

و خبل خبالا؛فهو أخبل،و خبل.

و دهر خبل:ملتو على أهله.و الخبال:النّقصان،و هو الأصل،ثمّ سمّي الهلاك خبالا،و استعاره بعض الشّعراء للدّلو.

و طينة الخبال:ما سال من جلود أهل النّار.

و فلان خبال على أهله،أي عناء.

و الخبل:فساد في القوائم.

و اختبلت الدّابّة:لم تثبت في موطنها.

و استخبل الرّجل إبلا و غنما،فأخبله:استعاره فأعاره.

و الخبل في كلّ شيء:القرض و الاستعارة.

و الخبل:ما زدته على شرطك الّذي يشترطه لك الجمّال.

و خبل الرّجل خبلا:عقله و حبسه.

و ما خبلك عنّا خبلا؟أي ما حبسك؟

و الخبل:طائر يصيح اللّيل كلّه صوتا واحدا يحكي:

ماتت خبل.

و المخبّل:شاعر.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(5:209)

الخبل:الجنون و شبهه كالهوج و البله.

خبله الحزن يخبله خبلا،و خبّله:أذهب فؤاده فهو مخبول و مخبّل.

و الخبال:الفساد و الجنون و قد خبل يخبل خبلا و خبالا.(الإفصاح 1:521)

الرّاغب: الخبال:الفساد الّذي يلحق الحيوان فيورثه اضطرابا،كالجنون و المرض المؤثّر في العقل و الفكر،و يقال:خبل و خبل و خبال،و يقال:خبله و خبّله فهو خابل؛و الجمع:الخبل،و رجل مخبّل.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و في الحديث:«من شرب الخمر ثلاثا كان حقّا على اللّه تعالى أن يسقيه من طينة الخبال».[ثمّ استشهد بشعر](142)

الزّمخشريّ: خبله خبلا و خبّله و اختبله:أفسده، فخبل خبلا و خبالا.

و به خبل و خبل و خبول:جنون و فساد في عقله.

و خبلته الجنّ و خبّلته.و مسّه الخابل،أي الجنّيّ.

و رجل مخبول و مخبّل،و خبّله الحبّ،و اختبلته فلانة، و عاشق مختبل.

و به خبل:فساد عضو من داء أو قطع.

و فلان خبال على أهله.

و بلاه اللّه بطينة الخبال،و ردغة الخبال،و هي ما يخوضونه من صديد أهل النّار.

و خبلت يده،إذا أشللتها.

و هم يطلبون بني فلان بدماء و خبل،و هو قطع الأيدي و الأرجل.

ص: 166

و أصاب النّاس خبل،أي فتنة من قتل و جراح.

و دهر خبل:ملتو على أهله فاسد.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:103)

في حديثه صلّى اللّه عليه و آله:«بين يدي السّاعة الخبل»هو الفساد بالفتن.(الفائق 1:350)

في الحديث:«من أكل الرّبا أطعمه اللّه تعالى من طينة الخبال يوم القيامة».قيل:هو ما ذاب من حراقة أجساد أهل النّار.(الفائق 1:354)

المدينيّ: في حديث الأنصار:«أنّ صاحب خبل يأتي إلى نخلهم فيفسد».و الخبل:الفساد.(1:548)

ابن الأثير: منه الحديث:«و بطانة لا تألوه خبالا» أي لا تقصّر في إفساد أمره.

و منه حديث ابن مسعود:«إنّ قوما بنوا مسجدا بظهر الكوفة،فأتاهم،فقال:جئت لأكسر مسجد الخبال»أي الفساد.(2:8)

الفيّوميّ: الخبل بسكون الباء:الجنون،و شبهه كالهوج و البله،و قد خبله الحزن،إذا أذهب فؤاده،من باب«ضرب».و خبّله فهو مخبول و مخبّل.

و الخبل بفتحها أيضا:الجنون.

و خبلته خبلا من باب«ضرب»أيضا فهو مخبول،إذا أفسدت عضوا من أعضائه أو أذهبت عقله.

و الخبال بفتح الخاء:يطلق على الفساد و الجنون.

(1:163)

الفيروزآباديّ: الخبل:فساد الأعضاء،و الفالج، و يحرّك فيهما،و قطع الأيدي و الأرجل؛جمعه:خيول، و ذهاب السين و الفاء من«مستفعلن»في البسيط و الرّجز،لأنّ السّاكن كأنّه يد السّبب،فإذا ذهب فكأنّه قطعت يده،و الحبس و المنع،و القرض،و الاستعارة،و ما زدته على شرطك الّذي يشترطه الجمّال.

و بالتّحريك الجنّ كالخابل،و فساد في القوائم، و الجنون،و يضمّ و يفتح،و طائر يصيح اللّيل كلّه يحكي ماتت خبل،و المزادة،و القربة الملأى.

و الخابل:المفسد،و الشّيطان.

و كسحاب:النّقصان،و الهلاك،و العناء،و الكلّ، و العيال،و السّمّ القاتل،و صديد أهل النّار،و أن تكون البئر متلجّفة،فربّما دخلت الدّلو في تلجيفها فتتخرّق.[ثمّ استشهد بشعر]

و خبله الحزن و خبّله و اختبله:جنّنه و أفسد عضوه أو عقله.

و خبله عنه يخبله:منعه،و عن فعل أبيه قصّر.

و خبل كفرح خبالا فهو أخبل؛و خبل:جنّ،و يده:

شلّت.

و دهر خبل:ملتو على أهله.

و اختبلت الدّابّة لم تثبت في موطنها.

و استخبلني ناقة فأخبلتها:استعارنيها فأعرتها،أو أعرتها لينتفع بلبنها و وبرها،أو فرسا ليغزو عليه، و كمعظّم:شعراء ثماليّ و قريعيّ و سعديّ،و كذا كعب المخبّل.

و كمحدث:اسم للدّهر.

و وقع في خبلي بالفتح و الضّمّ:في نفسي و خلدي بمعنى سقط في يديّ.

و الإخبال:أن تجعل إبلك نصفين،تنتج كلّ عام

ص: 167

نصفا،كفعلك بالأرض للزّراعة.(3:376)

الخبال:الفساد يلحق الحيوان فيورثه إضرابا، كالجنون و المرض المؤثّر في العقل و الفكر،قال تعالى: ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً التّوبة:47.

و الخبال:النّقصان،و الخبال:الهلاك،و الخبال:العناء، و الخبال:السّمّ القاتل.

و الخبل:فساد الأعضاء،و قطع الأيدي و الأرجل، و الجنون،و يضمّ خاؤه.

و الخبل بالتّحريك،و الخابل:الجنّ؛و اختبله:جنّنه.

[ثمّ استشهد بشعر](بصائر ذوي التّمييز 2:525)

الطّريحيّ: و الخبال:الفساد،و يكون في الأفعال و الأبدان و العقول.

و الخبل بالتّحريك:الجنّ،يقال:به خبل،أي شيء من أهل الأرض.

و خبله و اختبله،إذا أفسد عقله أو عضوه.

و في الحديث:«من شرب الخمر سقاه اللّه من طينة الخبال يوم القيامة»،بفتح خاء و باء موحّدة،و فسّرت بصديد أهل النّار،و ما يخرج من فروج الزّناة،فيجتمع ذلك في قدر جهنّم،فيشربه أهل النّار.(5:362)

المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو مطلق الاسترخاء و الهوان،سواء كان في الأعضاء الظّاهرة أو الباطنة،فالجنون و الفساد في عضو، و البله و العناء في القلب،و قطع اليد و الوجع في عضو و ضعفه و هلاكه،كلّها من مصاديق ذلك الأصل.

و أمّا«طينة الخبال»،أي مادّة الهوان و الاسترخاء في القوى الرّوحانيّة و الشّخصيّة فالموجودة في يوم القيامة.

و هذا الحديث (1)يفسّر الآية الكريمة السّابقة كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ.

و مفهوم الخبل قريب من الخبط و الخبت.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

ثمّ إنّ الأصل في مفهوم الخبل أن يستعمل في استرخاء القوى الباطنيّة من الإنسان،كاسترخاء العقل و الفكر و الإرادة و الصّبر و التّدبير و غيرها،و بهذا يظهر الفرق بين هذه المادّة و مادّة الضّعف و الاسترخاء و الهوان و غيرها.

و ظهر أيضا ضعف ما يفسّر المفسّرون الآيتين بالفساد،فإنّه معنى عامّ و لا يناسب الموردين،مضافا إلى أنّ الفساد ليس بمعنى حقيقيّ للمادّة،و قلنا:إنّ الأصل الواحد هو الاسترخاء.(3:16)

النّصوص التّفسيريّة

خبالا

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً... آل عمران:118

ابن عبّاس: لا يتركون الجهد في فسادكم.(55)

أبو عبيدة :أي شرّا.(1:103)

مثله ابن قتيبة.(109)

الزّجّاج: أخبر اللّه المؤمنين بأنّهم لا يألونهم خبالا، أي لا يبقون غاية في إلقائهم فيما يضرّهم،و أصل الخبال في اللّغة:ذهاب الشّيء.[ثمّ استشهد بشعر](1:462)

ص: 168


1- من أكل الرّبا أطعمه اللّه من طينة الخبال يوم القيامة.«التّهذيب 7:424»

القمّيّ: أي عداوة.(1:110)

السّجستانيّ: فسادا.(37)

النّحّاس: أي لا يقصّرون في السّوء.(1:466)

الثّعلبيّ: أي لا يقصّرون و لا يتركون عهدهم و طاقتهم فيما يورّثكم فوق الشّرّ و الفساد.يقال:ما ألوته خيرا أو شرّا،أي ما قصرت في فعل ذلك.[ثمّ استشهد بشعر،إلى أن قال:]

و نصب خَبالاً على المفعول الثّاني،لأنّ الألو تتعدّى إلى مفعولين.و إن شئت:المصدر،أي يخبلونكم خبالا،و إن شئت بنزع الخافض،أي بالخبال،كما يقال:

أوجعته ضربا،أي بالضّرب.(3:134)

نحوه البغويّ(1:498)،و القرطبيّ(4:180)، و الفخر الرّازيّ(8:211)،و أبو السّعود(2:23).

الماورديّ: أي لا يقصّرون في أمركم.و الخبال:

النّكال،و أصله الفساد،و منه الخبل:الجنون.(1:419)

نحوه الطّوسيّ(2:571)،و ابن عطيّة(1:496).

الواحديّ: المعنى لا يدعون جهدهم في مضرّتكم و فسادتكم.(1:483)

نحوه الطّبرسيّ(1:492)،و المراغيّ(4:44)، و مغنيّة(2:145).

البيضاويّ: أي لا يقصّرون لكم في الفساد.

(1:178)

مثله الشّربينيّ(1:241)،و نحوه الكاشانيّ(1:

344)،و البروسويّ(2:85).

ابن عاشور :أي لا يقصّرون في خبالكم،و ليس المراد لا يمنعونكم،لأنّ الخبال لا يرغب فيه و لا يسأل.

[إلى أن قال:]

و الخبال:اختلال الأمر و فساده،و منه سمّي فساد العقل خبالا،و فساد الأعضاء.(3:200)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(2:507)

الطّباطبائيّ: أي لا يقصّرون فيكم.و قوله:خبالا، أي شرّا و فسادا،و منه الخبل للجنون،لأنّه فساد العقل.(3:386)

فضل اللّه :فهم قد يظهرون لكم المحبّة بطريقة شخصيّة،و لكنّهم يخفون في أنفسهم العزيمة على الإيقاع بكم،و الإضرار بمصالحكم،و إفساد أموركم،و توجيه عقولكم في اتّجاه الغفلة و الجنون الفكريّ و الشّعوريّ و السّياسيّ،لأنّ الخطّة الموضوعة لديهم في مواجهة الإسلام تفرض عليهم السّير في هذا الاتّجاه.(6:238)

و قد مضى كثير من النّصوص في«أ ل و-أ ل ي» فلاحظ.

2- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً...

التّوبة:47

مثل ما قبلها.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخبل،أي قطع اليد أو الرّجل؛و الجمع:خبول.يقال:بنو فلان يطالبون بني فلان بدماء و خبل،أي بقطع أيد و أرجل،و لنا في بني فلان دماء و خبول:قطع أيد و أرجل،و خبلت يده:شلّت، و رجل مخبّل:كأنّه قطعت أطرافه.

ثمّ توسّع فيه و استعمل في فساد الأعضاء،حتّى

ص: 169

لا يدري كيف يمشي،فهو متخبّل خبل مختبل،و المخبّل من الوجع:الّذي يمنعه وجعه من الانبساط في المشي.و في المثل:«عاد غيث على ما خبل»:أفسد،و قد خبله و خبّله و اختبله،أي أفسد عقله و عضوه،و أصابه خبل،أي فالج و فساد أعضاء و عقل،و خبل الحبّ قلبه:أفسده بخبلة، و الخبلة:الفساد من جراحة أو كلمة.

و الخبل:الفساد في الثّمر،و ذهاب السّين و التّاء من «مستفعلن»في عروض البسيط و الرّجز،مشتقّ من الخبل الّذي هو قطع اليد،كأنّه قطعت يداه فبقي مضطربا، و قد خبل الجزء و خبّله.

و الخبل و الخبال:الفساد و الحبس و المنع.يقال:خبل الرّجل عن كذا و كذا يخبله خبلا،أي عقله و حبسه و منعه،و ما خبلك عنّا خبلا:ما حبسك؟

و الخبال:الفساد و النّقصان و الهلاك و العناء.يقال:

فلان خبال على أهله،أي عناء.

و الخبل:فساد في القوائم.يقال:اختبلت الدّابّة،أي لم تثبت في موطئها.

و الخبل أيضا:جنون أو شبهه في القلب.يقال:رجل مخبول،و به خبل،و هو مخبّل،أي لا فؤاد معه.

و الخبل و الخبل و الخبل و الخبال:الجنون،يقال:به خبال،أي مسّ،و به خبل:شيء من أهل الأرض.

و المخبّل:المجنون،و هو المختبل،أي الّذي اختبل عقله،أي جنّ،و قد خبله الحزن و اختبله،و خبل خبالا، فهو أخبل و خبل.

و دهر خبل:ملتو على أهله لا يرون فيه سرورا، و قد خبله الدّهر و الحزن و الشّيطان و الحبّ و الدّاء خبلا.

و الخابل:المفسد،و الجنّ،و الشّيطان.يقال:خبل خابل،يذهبون إلى المبالغة.

و الخابلان:اللّيل و النّهار،لأنّهما لا يأتيان على أحد إلاّ خبلاه بهرم.

2-و ممّا شذّ عن هذا الباب الخبل:القرض و الاستعارة،و الإخبال:هو أن يعطى الرّجل البعير أو النّاقة ليركبها و يجتزّ وبرها و ينتفع بها ثمّ يردّها.يقال:

أخبلت الرّجل أخبله إخبالا،و استخبل الرّجل إبلا و غنما فأخبله،أي استعار منه ناقة لينتفع بألبانها و أوبارها،أو فرسا يغزو عليه فأعاره.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد-خبالا-مصدرا مرّتين،في آيتين مدنيّتين:

1- ...لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً... آل عمران:118

2- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً...

التّوبة:47

يلاحظ أوّلا:

1-أنّ«الخبال»فسّر بالفساد و الشّرّ و الضّرر و السّوء و النّكال،و هو ما يوافق اللّغة و السّياق أيضا،أي إنّ المنافقين ينكّلون بالمؤمنين و يفسدون أمرهم.

و فسّره بعض بالعداوة،و هو بعيد عمّا ذكر،إلاّ أن يقال:إنّ العداوة من الفساد،فتدخل تحته،أي إنّ المنافقين يفسدون أمر المؤمنين بالعداوة و البغضاء.

2-إن قيل:لم ما استعمل الفساد بدل الخبال إن كانا

ص: 170

بمعنى،لأنّه أعرف؟

يقال:الخبال أخصّ من الفساد؛إذ فيه معنى الجنون كما تقدّم،فهو ضرر يصيب الإنسان خاصّة،و الفساد ضرر يصيب كلّ شيء،أ ما ترى أنّه استعمل في الأرض غالبا،بينما استعمل الجنون في الإنسان فقط؟

3-وصف اللّه تعالى عمل المنافقين و الكافرين بالخبال،لفساد عقائدهم،و اضطراب أنفسهم،فهم يتخيّلون أفكار المؤمنين ضربا من الجنون،فوصفوا الأنبياء على مرّ العصور بأنّهم مجانين،كما وصفت قريش نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله بأنّه مجنون أيضا: وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ الحجر:6، أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ المؤمنون:70.

و يلاحظ ثانيا:أنّ(خبالا)جاء في آيتين مدنيّتين، فهل كان من لغة أهل المدينة؟

و ثالثا:و في نظائر هذه المادّة في القرآن:

الجنون: وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ التكوير:22

المسّ: لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ البقرة:275

ص: 171

ص: 172

خ ب و

اشارة

خبت

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :خبت النّار تخبو خبوا،أي طفئت.و أخباها مخبيها.

و خبت الحرب:سكنت.

و الخباء:من بيوت الأعراب؛جمعه:أخبية،بغير همز.

و تخبّيت كسائي تخبّيا،إذا جعلته خباء.

و الخباء:غشاء البرّة و الشّعيرة في السّنبلة.

و خبت حدّة النّار،أي سكنت.(4:315)

اللّيث:و تخبّيت كسائي تخبّيا،و أخبيت كسائي،إذا جعلته خباء.(الأزهريّ 7:604)

أبو زيد:يقال-من الخباء-أخبيت إخباء،إذا أردت المصدر،إذا عملته.و تخبّيت أيضا.و قال الأمويّ:

أخبيت،و قال الكسائيّ:خبّيت.(الأزهريّ 7:605)

الأصمعيّ: من الأبنية:الخباء،و هو من الوبر أو الصّوف.و لا يكون من شعر.(الأزهريّ 7:605)

ابن الأعرابيّ: الخباء:بيت صغير من صوف،أو من شعر.و إذا كان أكبر من الخباء فهو بيت.

(الأزهريّ 7:605)

و هو[الخباء]دون المظلّة،بفتح الميم.

(ابن سيده 5:270)

ابن السّكّيت: و قد خبت النّار تخبو خبوّا،إذا ذهب لهبها.(إصلاح المنطق:151)

الزّجّاج: خبيت الخباء،و أخبيته،إذا عملته.(فعلت و أفعلت:198)

ابن دريد :خبت النّار تخبو خبوّا و خبوا.(3:201)

الأزهريّ: و يقال:خبت النّار،إذا خمد لهبها و سكن،خبوّا،فهي خابية.و قد أخبأها المخبئ،إذا أخمدها.

(7:604)

الصّاحب:و جمع الخباء من بيوت الأعراب:أخبية.

و تخبّيت كساء تخبّيا،و أخبينا إخباء،و استخبينا

ص: 173

خباء:نصبناه.

و الخباء:غشاء البرّة في السّنبلة،و هي أيضا:كواكب مستديرة،و سلّة الدّهن؛و جمعها:أخبية.

الخبوّ:سكون لهب النّار،خبت و أخباها مخبيها.

و خبت الحرب و حدّة النّاقة،إذا سكنتا.(4:427)

الجوهريّ: و الخباء:واحد الأخبية من وبر أو صوف،و لا يكون من شعره و هو على عمودين أو ثلاثة، و ما فوق ذلك فهو بيت.

و استخبينا الخباء،أي نصبناه و دخلنا فيه.

و أخبيت الخباء و تخبّيته،إذا عملته،و كذلك التّخبية.

و خبت النّار تخبو خبوّا،أي طفئت.و أخبيتها أنا.(6:2325)

ابن فارس: الخاء و الباء و الحرف المعتلّ و الهمزة يدلّ على ستر الشّيء،فمن ذلك:خبأت الشّيء أخبؤه خبأ.

و الخبأة:الجارية تخبأ.و من الباب:الخباء.تقول:

أخبيت إخباء،و خبّيت و تخبّيت،كلّ ذلك إذا اتّخذت خباء.(2:244)

ابن سيده: و الخباء:من الأبنية،و الجمع:كالجمع.

قال ابن دريد:أصله من«خبأت».و قد تخبّأت خباء.

و لم يقل أحد:إنّ«خباء»أصله الهمزة إلاّ هو،بل قد صرّح بخلاف ذلك.(5:240)

الخباء من الأبنية:ما كان من وبر أو صوف،و لا يكون من شعر.و قال ثعلب عن يعقوب:من الصّوف خاصّة.

و أخبيت خباء،و خبّيته،و تخبّيته:عملته و نصبته.

و استخبيته:نصبته و دخلت فيه.

و الخباء:غشاء البرّة و الشّعيرة في السّنبلة.

و خباء النّور،كمامته،و كلاهما على المثل.

(5:270)

خبت النّار،و الحرب،و الحدّة،خبوا و خبوّا:سكنت و طفئت.و أخبيتها أنا.(5:309)

الرّاغب: خبت النّار تخبو:سكن لهبها و صار عليها خباء من رماد،أي غشاء.

و أصل الخباء:الغطاء الّذي يتغطّى به.

و قيل لغشاء السّنبلة:خباء.(142)

الزّمخشريّ: خبت النّار خبوّا،و هم من أهل الخباء.

و نشأت في أخبيتهم،و تربّيت بين أحويتهم.

و تخبّيت خباء و استخبيته:نصبته و اتّخذته.

و من المجاز:خبت حدّة النّاقة،و خبا لهبه،إذا سكن نور غضبه.و الحبّ في خبائه،و هو غشاؤه من السّنبلة.

(أساس البلاغة:103)

الجواليقيّ: الخباء:من الشّعر و الصّوف.(182)

الفيّوميّ: الخباء:ما يعمل من وبر أو صوف،و قد يكون من شعر؛و الجمع:أخبية بغير همز،مثل كساء و أكسية و يكون على عمودين أو ثلاثة،و ما فوق ذلك فهو بيت.

و خبت النّار خبوّا،من باب«قعد»:خمد لهبها، و يعدّى بالهمزة.(1:163)

الفيروزآباديّ: خبت النّار،و الحرب،و الحدّة خبوا

ص: 174

و خبوّا:سكنت و طفئت.و أخبيتها:أطفأتها.

الخباء ككساء:من الأبنية يكون من وبر أو صوف أو شعر.

و أخبيت خباء و تخبّيته و خبّيته:عملته و نصبته.

و استخبيته:نصبته و دخلته.

و الخباء أيضا:غشاء البرّة و الشّعيرة في السّنبلة، و كواكب مستديرة،و ظرف للدّهن...(4:324)

الطّريحيّ: الخباء بالكسر و المدّ كالكساء[ذكر قول الجوهريّ فيه و قال:]

و منه الحديث:«ضعوا لي الماء في الخباء»أي في الخيمة.

و الخباء أيضا يعبّر به عن مسكن الرّجل و داره، و منه:«أتى خباء فاطمة»يريد منزلها،لأنّه يخبأ به و يستتر.(1:118)

مجمع اللّغة :خبت النّار تخبو خبوا و خبوّا:

سكنت،و خمد لهبها.(1:320)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:156)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ هذه المادّة يائيّا أو واويّا مشتقّ بالاشتقاق الأكبر من مادّة«خبأ»مهموزا،و قد سبقت،و هذه المادّة مضافا إلى كونها مخفّفة ليّنة تدلّ على انخفاض و انكسار،فتستعمل في المحسوسات و الأمور المادّيّة،كخفاء النّار و سترها،و خفاء اللّهب و انخفاضه، و خفاء الكنز...

و لا يخفى ما بين الخبي و البوخ و الخيب أيضا من التّناسب و الاشتقاق الأكبر.يقال:باخت النّار،أي خمدت،و باخ غضبه،أي سكن،و خاب،أي افتقر.

(3:18)

النّصوص التّفسيريّة

خبت

مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً.

الإسراء:97

ابن عبّاس: سكنت النّار و سكن لهبها.(242)

نحوه الضّحّاك(الطّبريّ 8:153)،و السّجستانيّ (110)،و الواحديّ(3:129)،و الخازن(4:152).

كلّما أحرقتهم تسعّر بهم حطبا،فإذا أحرقتهم فلم تبق منهم شيئا،صارت جمرا تتوهّج،فذلك خبوّها،فإذا بدّلوا خلقا جديدا عاودتهم.

مثله مجاهد.(الطّبريّ 8:153)

مجاهد :أي كلّما طفئت أوقدت.

(النّحّاس 4:197)

نحوه زيد بن عليّ عليهما السّلام(254)،و أبو الفتوح(12:

294)،و النّسفيّ(2:328).

قتادة :كلّما لان منها شيء.(الطّبريّ 8:153)

لانت و ضعفت.(الثّعلبيّ 6:136)

نحوه الطّبريّ.(8:153)

أبو عبيدة :سكنت.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و لم يذكر هاهنا جلودهم فيكون الخبوّ لها.

(1:391)

ابن قتيبة :أي سكنت.يقال:خبت النّار،إذا سكن لهبها،تخبو.فإن سكن اللّهب و لم يطفأ الجمر،قلت:

خمدت تخمد خمودا.فإن طفئت و لم يبق منها شيء،قيل:

همدت تهمد همودا.(261)

الزّجّاج: أي كلّما خمدت و نضجت جلودهم

ص: 175

و لحومهم،بدّلهم اللّه غيرها ليذوقوا العذاب.(3:261)

القمّيّ: أي كلّما انطفت.(2:29)

النّحّاس: [نحو ابن قتيبة إلاّ أنّه قال:]

...فإن سكن لهبها و عاد الجمر رمادا قيل:كبت،فإن طفئ بعض الجمر،و سكن اللّهب قيل:خمدت...

(4:197)

الماورديّ: [ذكر قول مجاهد و الضّحّاك و قال:]

و سكون التهابها من غير نقصان في آلامهم و لا تخفيف من عذابهم.(3:275)

الطّوسيّ: كلّما سكنت التهبت و استعرت،و ذلك من غير نقصان آلام أهلها.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:523)

البغويّ: [ذكر قول ابن عبّاس و مجاهد و قتادة و أضاف:]

و قيل:هو الهدو من غير أن يوجد نقصان في ألم الكفّار،لأنّ اللّه تعالى قال: لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ الزّخرف:

75.

و قيل: كُلَّما خَبَتْ أي أرادت أن تخبو.

و قيل:المراد منه،أي نضجت جلودهم و احترقت، أعيدوا إلى ما كانوا عليه،و زيد في تسعير النّار لتحرقهم و تؤلمهم.(3:163)

الميبديّ: أي عن اللّهب مع بقاء حرّها و أصلها.

و قيل: كُلَّما خَبَتْ بعض النّيران،اشتعلت بهم نار أخرى من جهة أخرى،فهم معذّبون بنار بعد نار.

(5:62)

الزّمخشريّ: كلما أكلت جلودهم و لحومهم و أ فنتها فسكن لهبها،بدّلوا غيرها،فرجعت ملتهبة مستعرة، كأنّهم لمّا كذّبوا بالإعادة بعد الإفناء،جعل اللّه جزائهم أن سلّط النّار على أجزائهم تأكلها و تفنيها،ثمّ يعيدها، لا يزالون على الإفناء و الإعادة ليزيد ذلك في تحسّرهم على تكذيبهم البعث،و لأنّه أدخل في الانتقام من الجاحد.(2:467)

نحوه ملخّصا ابن الجوزيّ(5:90)،و البيضاويّ(1:

598)،و ابن جزيّ(2:79)،و أبو السّعود(4:160)، و الكاشانيّ(3:224).

ابن عطيّة: أي كلّما فرغت من إحراقهم فسكن اللّهيب القائم عليهم قدر ما يعادون،ثمّ تثور،فتلك زيادة السّعير-قاله ابن عبّاس-فالزّيادة في حيّزهم.

و أمّا جهنّم فعلى حالها من الشّدّة لا يصيبها فتور.[ثمّ قال نحو ابن قتيبة](3:487)

نحوه أبو حيّان.(6:82)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و قال:]

و متى قيل:كيف يبقى الحيّ حيّا في تلك الحالة من الاحتراق دائما؟

قلنا:إنّ اللّه تعالى قادر على أن يمنع وصول النّار إلى مقاتلهم.(3:442)

الفخر الرّازيّ: لقائل أن يقول:إنّه تعالى لا يخفّف عنهم العذاب،و قوله: كُلَّما خَبَتْ يدلّ على أنّ العذاب يخفّ في ذلك الوقت!

قلنا: كُلَّما خَبَتْ يقتضي سكون لهب النّار،أمّا لا يدلّ هذا على أنّه يخفّ العذاب في ذلك الوقت.

قوله: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً ظاهره يقتضي

ص: 176

وجوب أن تكون الحالة الثّانية أزيد من الحالة الأولى، و إذا كان كذلك كانت الحالة الأولى بالنّسبة إلى الحالة الثّانية تخفيفا.

و الجواب:الزّيادة حصلت في الحالة الأولى أخفّ من حصولها في الحالة الثّانية،فكان العذاب شديدا.و يحتمل أن يقال:لمّا عظم العذاب صار التّفاوت الحاصل في أوقاته غير مشعور به،نعوذ باللّه منه.(21:61)

النّيسابوريّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و يحتمل أن يقال:المراد بعدم التّخفيف أنّه لا يتخلّل زمان محسوس أو معتدّ به بين الخبوّ و التّسعّر.

(15:87)

السّمين:قوله: كُلَّما خَبَتْ يجوز فيها الاستئناف و الحاليّة من(جهنّم)،و العامل فيها«المأوى».

[ثمّ أدام نحو ابن قتيبة](4:421)

الشّربينيّ: أي أخذ لهبها في السّكون عند أكلها لحومهم و جلودهم.(2:339)

الآلوسيّ: و الخبو و كذا الخبوّ بضمّتين و تشديد، و هما مصدرا خبت النّار:سكون اللّهب.[إلى أن قال:]

و في«القاموس»تفسير(خبت)ب«سكنت» و«طفئت»،و تفسير طفئت بذهب لهبها،و فيه مخالفة لما في«البحر»،و الأكثرون على ما فيه.

و من الغريب ما أخرجه ابن الأنباريّ عن أبي صالح من تفسير(خبت)ب«حميت»،و هو خلاف المشهور و المأثور،و«السّعير»:اللّهب.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ و ذكر قول ابن عبّاس و قال:]

و لعلّ ذلك على ما قاله بعض الأجلّة عقوبة لهم على إنكارهم الإعادة بعد الإفناء،بتكرّرها مرّة بعد أخرى، ليروها عيانا حيث لم يروها برهانا،كما يفصح عنه ما بعد.

و استشكل ما ذكر بأنّ قوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56،يدلّ على أنّ النّار لا تتجاوز عن أنضاجهم إلى إحراقهم و إفنائهم فيعارض ذلك.

و أجاب بعضهم:بأنّ تبديلهم جلودا غيرها بإحراقها و إفنائها و خلق غيرها،فكأنّه قيل:كلّما نضجت جلودهم أحرقناها و أفنيناها و خلقنا لهم غيرها.

و بعض:بأنّ المراد:كلّما نضجت جلودهم كمال النّضج، بأن يبلغ شيّها إلى حدّ لو بقيت عليه لا يحسّ صاحبها بالعذاب،و هو مرتبة الاحتراق بَدَّلْناهُمْ...، و يدلّ على ذلك قوله تعالى: لِيَذُوقُوا الْعَذابَ.

قال الخفاجيّ: أجيب بأنّه يجوز أن يحصل لجلودهم تارة النّضج و تارة الإفناء،أو كلّ منهما في حقّ قوم،على أنّه لا سدّ لباب المجاز،بأن يجعل النّضج عبارة عن مطلق تأثير النّار؛إذ لا يحصل في ابتداء الدّخول غير الإحراق دون النّضج،انتهى.

و لا يخفى ما في قوله:«بأن يجعل النّضج عبارة عن مطلق تأثير النّار»من المساهلة،و في قوله:«إذ لا يحصل...»إلخ،منع ظاهر،و ذكر أنّه أورد على الجواب الأوّل أنّ كلمة:(كلّما)تنافيه،و فيه بحث فتأمّل.

و ربّما يتوهّم أنّ بين هذه الآية و قوله تعالى:

فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ تعارضا،لأنّ الخبو يستلزم التّخفيف،و هو مدفوع بأنّ الخبو سكون اللّهب،كما

ص: 177

سمعت،و استلزامه تخفيف عذاب النّار ممنوع.على أنّا لو سلّمنا الاستلزام،فالعذاب الّذي لا يخفّف ليس منحصرا بالعذاب بالنّار و الإيلام بحرارتها،و حينئذ فيمكن أن يعوّض ما فات منه بسكون اللّهب بنوع آخر من العذاب،ممّا لا يعلمه إلاّ اللّه تعالى.[ثمّ ذكر قول الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و قد يقال:ليس في الآية أكثر من ازدياد توقّدهم، و لعلّه لا يستلزم ازدياد عذابهم،و المراد من الآية:كلّما أحرقوا أعيدوا،إلاّ أنّه عبّر بما عبّر للمبالغة،و يشير إلى كون المراد ذلك قوله تعالى: زِدْناهُمْ دون زدناها، فتدبّر.(15:176)

ابن عاشور :في قوله: كُلَّما خَبَتْ إشكال،لأنّ نار جهنّم لا تخبو،و قد قال تعالى: فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ البقرة:86.[و ذكر قول ابن عبّاس-و قد تقدّم عن الطّبريّ-ثمّ قال:]

فالخبوّ و ازدياد الاشتعال بالنّسبة إلى أجسادهم،لا في أصل نار جهنّم.و لهذه النّكتة سلّط فعل زِدْناهُمْ على ضمير المشركين للدّلالة على أنّ ازدياد السّعير كان فيهم،فكأنّه قيل:كلّما خبت فيهم زدناهم سعيرا،و لم يقل:زدناها سعيرا.

و عندي:أنّ معنى الآية جار على طريق التّحكّم و بادئ الإطماع المسفر عن خيبة،لأنّه جعل ازدياد السّعير مقترنا بكلّ زمان من أزمنة الخبوّ،كما تفيده كلمة:(كلّما)الّتي هي بمعنى كلّ زمان.و هذا في ظاهره إطماع بحصول خبوّ لورود لفظ«الخبو»في الظّاهر.و لكنّه يؤول إلى يأس منه؛إذ يدلّ على دوام سعيرها في كلّ الأزمان،لاقتران ازدياد سعيرها بكلّ أزمان خبوّها.

فهذا الكلام من قبيل التّلميح،و هو من قبيل قوله تعالى: وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الأعراف:40،و قول إياس القاضي للخصم الّذي سأله:على من قضيت؟فقال:على ابن أخت خالك.(14:171)

فضل اللّه :الخبو:سكون النّار عن الالتهاب.

(14:236)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخباء،و هو بيت من بيوت الأعراب من الوبر أو الصّوف؛و الجمع:أخبية.يقال:

خبيت الخباء و أخبيته و خبّيته و تخبّيته،أي عملته، و استخبينا خباء:نصبناه و دخلنا فيه،و أخبيت كسائي و تخبّيته تخبّيا:جعلته خباء.

و الخباء:غشاء البرّة و الشّعيرة في السّنبلة،و خباء النّور:كمامته،على المثل.

و منه أيضا:خبت النّار تخبوا خبوا و خبوّا،أي طفئت،فهي خابية،و قد أخبأها المخبئ،أي أخمدها، و كأنّ الرّماد صار عليها خباء.

و يقال مجازا:خبت الحرب،أي سكنت،و خبت حدّة النّاقة:سكنت.

2-و جعل ابن دريد الخباء من«خ ب أ»،فقال:

«الخباء:اشتقاقه من:خبأت و تخبّأت خباء،إذا اتّخذته».

و تعقّبه ابن سيده قائلا:«و لم يقل أحد:إنّ خباء أصله الهمز إلاّ هو،بل قد صرّح بخلاف ذلك».

ص: 178

و خلط ابن فارس بين المعتلّ و المهموز،و عدّ الأصل في المادّتين:ستر الشّيء،حسب نهجه في الاشتقاق الأكبر،غير أنّه لم يعدّ الخباء من المهموز،كما فعل ابن دريد.

و ذكر ابن الأثير الخباء في«خ ب و»من«النّهاية»، و لكنّه قال:«و أصل الخباء:الهمز،لأنّه يختبأ فيه».

3-و زعم أبو هلال أنّ الخباء معرّب لفظ«بيان» الفارسيّ،نقله الجواليقيّ عنه في«المعرّب»و هو بعيد،لأنّه من بيوت الأعراب،و هم أهل خيام و وبر،و الفرس أهل بناء و مدر.كما أنّ ما ذكره غير معروف في الفارسيّة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد:(خبت)في آية مكّيّة:

وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً

الإسراء:97

يلاحظ أوّلا:أنّ«الخبو»وحيد الجذر في القرآن، و فيه بحوث:

1-قصر ابن عبّاس خبوّ النّار و سكون لهبها على تأكل جلود الكفّار و لحومهم بها،و تبعه الزّجّاج و الزّمخشريّ و ابن عطيّة و غيرهم.و قال أبو عبيدة كالرّادّ عليه:«لم تذكر هاهنا جلودهم فيكون الخبوّ لها».

2-ذهب بعض المتأخّرين إلى أنّ معنى الآية جار على طريق التّهكّم،و هو بعيد،لأنّ الفعل نَحْشُرُهُمْ مسند إلى ضمير الفاعل العائد على اللّه تعالى،و هو للتّعظيم،و كذا الفعل زِدْناهُمْ، فلا يليق التّهكّم في موضع التّعظيم.و لو كان هذا تهكّما لكانت الآية كلّها كذلك،و هو منتف قطعا.

3-قال الصّغانيّ: «خبت النّار،إذا سكنت و إذا حميت» (1)،فالخبوّ هنا على الضّدّ،أي اشتداد الحرارة، و تقدير الكلام:كلّما حميت جهنّم زدناهم سعيرا.

4-الخبوّ و الخبء متقاربان عند الرّاغب؛إذ جعل أصل الأوّل الغشاء و الغطاء،و أصل الثّاني السّتر و الادّخار؛و عدّ قوله: كُلَّما خَبَتْ من الأوّل.

ثانيا:مجيئها مرّة واحدة في سورة مكّيّة مشعر بشذوذها في مكّة،و فقدانها في المدينة.

ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الإطفاء: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ المائدة:64

ص: 179


1- ثلاثة كتب في الأضداد(228).

ص: 180

خ ت ر

اشارة

ختّار

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الختر:شبه الغدر،و رجل ختّار:غدّار.

و الختر كالخدر،و هو ضعف يأخذك من شرب دواء أو سمّ أو سكر،تقول:انخترت يدي.(4:236)

ابن الأعرابيّ: خترت نفسه،أي خبثت،و تختّرت -بالتّاء-أي استرخت.(الأزهريّ 7:294)

ابن دريد :الختر:الغدر،رجل ختّار و خاتر و ختور.

و تختّر الرّجل،إذا فتر بدنه من كسل أو حمّى يتختّر تختّرا.(2:6)

نفطويه:الختر:الفساد،يكون ذلك في الغدر و غيره.يقال:ختره الشّراب،إذا أفسد نفسه.

(الهرويّ 2:532)

الأزهريّ: يقال:الختر:أسوء الغدر.

و التّختّر:التّفتّر،و الاسترخاء.يقال:شرب اللّبن حتّى تختّر.(7:294)

الصّاحب:الختر:شبه الغدر؛و جمعه:ختور،رجل ختّار.

و الختر:ما يأخذك من شرب الدّواء و السّمّ حتّى يضعف و يسكر.و رجل مختّر:مسترخ.و قد تختّر،أي اختلط ذهنه.(4:310)

الجوهريّ: الختر:الغدر،يقال:ختره فهو ختّار.(2:642)

ابن فارس: الخاء و التّاء و الرّاء أصل يدلّ على توان و فتور.يقال:تختّر الرّجل فى مشيته؛و ذلك أن يمشي مشية الكسلان.

و من الباب الختر،و هو الغدر؛و ذلك أنّه إذا ختر فقد قعد عن الوفاء.

و الختّار:الغدّار،قال اللّه تعالى: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ لقمان:32.(2:244)

ص: 181

ابن سيده:الختر:شبيه بالغدر،و قيل:هو الخديعة بعينها،و قيل:هو أقبح الغدر.

و في الخبر:لن تمدّ لنا شبرا من غدر إلاّ مددنا لك باعا من ختر.

ختر يختر خترا،و ختورا،فهو خاتر،و ختّار، و ختير،و ختور.

و الختر كالخدر،و هو ما يؤخذ عند شرب دواء أو سمّ حتّى يضعف و يسكن.

و تختّر:فتر بدنه من مرض أو غيره.(5:149)

و خترت تختر خترا:خبثت و فسدت.

و ختّره الشّراب:أفسد نفسه،و تختّر:تغيّر و استرخى و كسل و حمّ.(الإفصاح 1:482)

الرّاغب: الختر:غدر يختر فيه الإنسان،أي يضعف و يكسر لاجتهاده فيه.(142)

الزّمخشريّ: هو ختّار،و هو من أهل الختر،و هو أقبح الغدر.

و عن بعضهم:لن تمدّ لنا شبرا من غدر،إلاّ مددنا لك باعا من ختر.

و قال السّموأل الوفيّ للحارث بن ظالم-حين قال له:

إنّي قاتل ابنك-:أنت و ذاك،فأمّا الختر فلن أتلبّس به.(أساس البلاغة:103)

ابن الأثير: في الحديث:«ما ختر قوم بالعهد إلاّ سلّط عليهم العدوّ».

الختر:الغدر.يقال:ختر يختر فهو خاتر،و ختّار للمبالغة.(2:9)

نحوه مجمع اللّغة.(1:320)

الصّغانيّ: [نحو ابن سيده و أضاف:]

و رجل ختّير مثال:«فسّيق»:كثير الختر.(2:488)

الفيروزآباديّ: الختر:الغدر و الخديعة،أو أقبح الغدر كالختور.و الفعل كضرب و نصر،فهو خاتر و ختّار و ختير و ختور و ختّير.

و بالتّحريك:الخدر يحصل عند شرب دواء أو سمّ.

و تختّر:تفتّر،و استرخى و كسل،و حمّ،و اختلط ذهنه من شرب اللّبن و نحوه،و مشى مشية الكسلان.

و خترت نفسه:خبثت و فسدت.

و ختّره الشّراب تختيرا:أفسد نفسه.(2:18)

الطّريحيّ: الختّار:الغدّار،و الختر:أقبح.يقال:

ختره فهو ختّار و ختور،و الفعل كضرب و نصر.

و منه الحديث:«العاقل غفور و الجاهل ختور».

(3:283)

محمّد إبراهيم إسماعيل:ختر فلانا:خدعه و غدر به أقبح الغدر،فهو خاتر و ختّار.

و الختّار:الغادر النّاقض للعهد.(1:157)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو التّواني و الكسل.و هو قريب من مفهوم الخبل بمعنى الاسترخاء،و الرّخو بمعنى اللّين،و الخدر بمعنى الصّون و السّتر،و الخدع و الختل بمعنى الغدر.

و أمّا إطلاقها على الغدر:فإنّ منشأ الغدر في الأغلب هو التّواني و الكسل،حتّى يوجب التّخلّف و نقض العهد و عدم الوفاء،و ينتهي ذلك إلى الغدر.فالغدر من حيث هو ليس بمفهوم الختر،بل يستفهم في مورد التّواني.

و الفرق بين الخبل و الختر:أنّ الخبل:استرخاء في

ص: 182

الأعضاء،و لا سيّما في الأعضاء الباطنيّة ذاتها،و الختر:هو التّواني في القصد و العمل.(3:19)

النّصوص التّفسيريّة

ختّار

فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ. لقمان:32

ابن عبّاس: غدّار.(346)

مثله مجاهد،و الضّحّاك،و الحسن،و ابن زيد (الطّبريّ 10:224،225)،و الفرّاء(2:330)،و زيد بن عليّ(322)،و الثّعلبيّ(7:323).

جحّاد.(الطّبريّ 10:225)

نحوه العوفيّ.(الماورديّ 4:348)

قتادة :غدّار بذمّته.(الطّبريّ 10:225)

نحوه مقاتل(3:439)،و الطّبريّ(10:225)، و الطّوسيّ(8:288)،و الواحديّ(3:447).

أبو عبيدة :الختر:أقبح الغدر.[ثمّ استشهد بشعر](2:129)

ابن قتيبة :الغدّار،و الختر أقبح الغدر و أشدّه.

(345)

نحوه أكثر التّفاسير.

القمّيّ: الخدّاع.(2:167)

ابن عطيّة: و الختّار:القبيح الغدر؛و ذلك أنّ نعم اللّه تعالى على العباد كأنّها عهود و منن،يلزم عنها أداء شكرها،فمن كفر ذلك و جحد به فكأنّه ختر و خان...(4:356)

أبو الفتوح:الغدّار،و قالوا:الختر أبلغ من الغدر.[ثمّ استشهد بشعر](15:304)

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا في مقابلة قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لقمان:31، يعني يعترف بها الصّبّار الشّكور،و يجحدها الختّار الكفور.

و الصّبّار في موازنة الختّار لفظا و معنى،و الكفور في موازنة الشّكور.أمّا لفظا فظاهر،و أمّا معنى فلأنّ الختّار هو الغدّار الكثير الغدر أو الشّديد الغدر،و الغدر لا يكون إلاّ من قلّة الصّبر،لأنّ الصّبور إن لم يكن يعهد مع أحد لا يعهد منه الإضرار،فإنّه يصبر و يفوّض الأمر إلى اللّه، و أمّا الغدّار فيعهد و لا يصبر على العهد فينقضه،و أمّا أنّ الكفور في مقابلة الشّكور معنى،فظاهر.(25:162)

نحوه أبو حيّان.(7:193)

و الشّربينيّ.(3:198)

ابن عربيّ: يغدر في الوفاء بعقد العزيمة،و عهد الفطرة مع اللّه عند الابتلاء بالفترة.(2:271)

البيضاويّ: غدّار،فإنّه نقض للعهد الفطريّ،أو لما كان في البحر.و الختر:أشدّ الغدر.(2:232)

و مثله المشهديّ(8:51)،و نحوه البقاعيّ(6:35)، و أبو السّعود(5:195)،و الكاشانيّ(4:151)، و البروسويّ(7:100)،و القاسميّ(13:4807)، و الآلوسيّ(21:106).

بنت الشّاطئ:سأل نافع عن قوله تعالى:(ختّار)، فقال ابن عبّاس:هو الغدّار الظّلوم الغشوم.و لمّا سأله ابن الأزرق:و هل تعرف العرب ذلك؟قال:نعم،أ ما سمعت

ص: 183

قول الشّاعر:

لقد علمت و استيقنت ذات نفسها

بأن لا تخاف الدّهر صرمى و لا خترى

الكلمة وحيدة في القرآن صيغة و مادّة.

و من ظاهر دقّتها،أنّ ابن عبّاس احتاج في شرحها إلى ذكر ثلاث صفات متتابعات،بصيغ المبالغة:الغدّار، الظّلوم،الغشوم.فكان أقرب إلى حسّ السّياق من قول الرّاغب:الختر:غدر يختر فيه الانسان،أي يضعف و يكسر لاجتهاده فيه،قال تعالى: كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ.

و لحظ فيه ابن الأثير المبالغة في الغدر.[ثمّ ذكر ما تقدّم منه و قال:]

و الغدر من معاني الختر في المعاجم،و معه الخبث و الخديعة و الغدر.و إنّما جاء الفتور و الضّعف بملحظ من تختّر الشّارب الثّمل-سكران-و قد خترت نفسه:

خبثت و فسدت،فالفتور من ظواهر الختر،و الخبث و الفساد من أصل معناه.(463)

الطّباطبائيّ: الختّار مبالغة من الختر،و هو شدّة الغدر.و في السّياق دليل على الاستكثار،و المعنى ظاهر.(16:238)

عبد الكريم الخطيب :[نحو الفخر،ثمّ قال:]

و الختّار:المخادع الّذي يمكر بآيات اللّه،فلا يعرف اللّه إلاّ وقت المحنة و الضّيق.(11:592)

المصطفويّ: أي من كان متوانيا و كسلا في جريان أموره و العمل بوظائفه،فإنّه ينتهي إلى أن لا يستفيد من وسائل التّوفيق و أسباب التّعبّد و الطّاعة،و هي النّعم الدّاخليّة و الخارجيّة،و الأنفسيّة و الآفاقيّة،و هذا حقيقة الكفران.

و لمّا كان من أعظم النّعم الإلهيّة الآيات التّكوينيّة الإلهيّة و الآيات التّشريعيّة،فالكفران يتعلّق بها أيضا.

و التّعبير في الختر بصيغة المبالغة و في الكفران بصيغة الصّفة المشبّهة،إشارة إلى أنّ استمرار الختر ينجرّ إلى الكفران،و إذا تثبّت الكفران في الباطن،ينتهي إلى جحود الآيات و مخالفة النّعم الإلهيّة.

و الفرق بين الختر و التّواني و الكسل،يظهر في مادّتهما.(3:19)

مكارم الشّيرازيّ: (ختّار)من الختر بمعنى نقض العهد.و هذه الكلمة صيغة مبالغة،لأنّ المشركين و العاصين يتوجّهون إلى اللّه مرارا،و يقطعون على أنفسهم العهود،و ينذرون النّذور.إلاّ أنّهم بمجرّد أن يهدأ طوفان الحوادث ينقضون عهودهم بصورة متلاحقة، و يكفرون بنعم اللّه عليهم.[ثمّ قال نحو الفخر الرّازيّ](13:68)

فضل اللّه :و الختّار هو الغادر الشّديد الغدر،الّذي ينحرف عن التزامه الإيمانيّ باللّه،فيكفر به و بنعمه.أمّا المؤمنون الصّادقون الّذين يعمق في داخلهم معنى الوفاء للّه في ما تتحرّك به فطرتهم في معرفته و الإيمان به،فإنّهم يؤمنون بآياته الّتي تشرق قلوبهم،فتفتح كلّ حياتهم للسّير في خطّ الاستقامة.(18:213)

الأصول اللّغويّة

الأصل في هذه المادّة:الختر،أي الغدر و الخديعة.

يقال:ختره يختره و يختره خترا و ختورا،أي غدره

ص: 184

و خدعه،فهو خاتر و ختّار و ختّير و ختور.

و أمّا الختر و مشتقّاته فتاؤه مبدل من الدّال،و هو الخدر،أي ما يأخذ عند شرب دواء أو سمّ حتّى يضعف و يسكر.يقال:ختّره الشّراب،إذا فسد بنفسه و تركه مسترخيا.و التّختّر:التّفتّر و الاسترخاء.يقال:شرب اللّبن حتّى تختّر،و تختّر:فتر بدنه من مرض أو غيره.

و نظير هذا الضّرب من الإبدال السّدى و السّتى:

خلاف لحمة الثّوب،و السّبندى و السّبنتى:النّمر،و الدّولج و التّولج:الكنّاس،و هرت الثّوب و هرده:خرّقه،و مدّ في السّير و متّ:مضى.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(ختّار)مرّة في آية مكّيّة:

...فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ لقمان:32

يلاحظ أوّلا:أنّ هذا اللّفظ وحيد الجذر في القرآن، و فيه بحوث:

1-جاء مبالغة في الختر و موصوفا بلفظ مبالغة في الكفر أو الكفران: خَتّارٍ كَفُورٍ، و لذا فسّر بأقبح الغدر و أشدّه،و فسّره ابن عبّاس بأنّه الغدّار الظّلوم الغشوم.

و قد أشارت بنت الشّاطئ إلى دقّة و شدّة هذا المعنى عند ابن عبّاس حيث فسّره بثلاثة ألفاظ.و لكنّها-تبعا للرّاغب و غيره-عدّت الفتور من ظواهره.

و يبدو أنّ هذا تناقض و اضطراب بيّن؛إذ كيف يسعى إلى الختر و الغدر بشدّة و قوّة من فيه ضعف و فتور؟!

إلاّ أنّ الفتور يحصل-كما قال الرّاغب-لاجتهاده فيه،و ليس علّة للشّدّة،بل معلول لها،و بذلك يرتفع التّناقض.

و الصّواب ما ذهبنا إليه في الأصول اللّغويّة،و هو أنّ تاء«الختر»مبدّل من الدّال.قال الأزهريّ:«الخدر من الشّراب و الدّواء فتور يعتري الشّارب و ضعف»تهذيب اللّغة(7:267).

2-لعلّ قائلا يقول:أما كان القول:فمنهم مقتصد و منهم جاحد بآياتنا ختّار كفور،أخصر و أنسب؟

يقال له:كلاّ،لأنّه أراد ذكر المقتصد بعد النّجاة من أهوال موج البحر فقط،فقوله: فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يريد به ما تقدّم ذكره في الآية السّابقة: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ. و أمّا جملة وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ استئنافيّة،لا محلّ لها من الإعراب.

3-وصف من يجحد بآيات اللّه بأنّه كافر،نحو قوله:

وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ العنكبوت:47،أو ظالم،نحو قوله: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظّالِمُونَ العنكبوت:49،بيد أنّه وصف من يفعل ذلك هنا ب خَتّارٍ كَفُورٍ، و هذا يعني أنّ الختّار ظالم أيضا،و لذا فسّره ابن عبّاس بأنّه«الغدّار الظّلوم الغشوم»،فجمعت الصّفتان في هذه الآية:الظّلم و الكفر،لتهويل الجحد بآيات اللّه.

لكنّ الظّاهر أنّ المراد ب(كفور)هنا الكفران دون الكفر بقرينة مجيئه مقابل(شكور)كما يأتي.

4-التزم الفخر الرّازيّ بالتّقابل لفظا و معنى بين هذه

ص: 185

الآية و الّتي قبلها،و هذا نصّ الآيتين:

1- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ.

2- وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ.

فقال:«قوله: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا... في مقابلة قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ... يعني يعترف بها-أي بهذه النّعمة-الصّبّار الشّكور،و يجحدها الختّار الكفور، و الصّبّار في موازنة الختّار-لفظا و معنى-أمّا لفظا فظاهر، و أمّا معنى فلأنّ الختّار هو الغدّار الكثير الغدر،أو الشّديد الغدر،و الغدر لا يكون إلاّ من قلّة الصّبر،لأنّ الصّبور إن لم يكن يعهد مع أحد لا يعهد منه الإضرار،فإنّه يصبر و يفوّض الأمر إلى اللّه،و أمّا الغدّار فيعهد و لا يصبر على العهد فينقضه.و أمّا أنّ الكفور في مقابلة«الشّكور»معنى فظاهر».

و نقول:الآيتان و إن كانت لهما علاقة بالفلك و البحر إلاّ أنّهما مختلفتان موردا،فمورد الأولى جريان الفلك في البحر،ففيه آيات لكلّ صبّار شكور،أي من يصبر على التّأمّل في آيات اللّه و نعمائه،أو من يصبر على المشقّات الّتي يعانيها من ركب البحر،و يشكر اللّه على هذه النّعمة الكبرى.

و أمّا مورد الثّانية فغشيان الموج كالظّلل و النّجاة منه، فيشكر اللّه المقتصد على نعمة النّجاة من ذلك الموج الهائل،و يجحدها الختّار الكفور.

نعم،المقابلة لفظا و معنى بين كلّ من الوصفين،أي لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ، و كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ ظاهرة تماما بتنكير الوصفين تلو(كلّ)و تقابل(صبّار)، ل(ختّار)،و(شكور)ل«كفور»،كما أنّ المخالفة بين سياق الآيتين أيضا ظاهرة؛حيث إنّ الأولى مدح كلّها و تخصّ بالصّبّار الشّكور،و الثّانية مدح للمقتصد و ذمّ للختّار الكفور،و كذلك مقابلة إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ... في الأولى الدّالّ على الاعتراف ل وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ... في الثّانية،الدّالّ على عدم الاعتراف،بل الإكفار.

ثانيا:مجيء هذه المادّة مرّة في سورة مكّيّة مشعر بشذوذها و اختصاصها بلغة أهل مكّة.كمادّة«جحد»، فلاحظ الاستعمال القرآنيّ من تلك المادّة.

ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الخيانة: وَ إِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ الأنفال:71

الغلول: وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ

آل عمران:161

ص: 186

خ ت م

اشارة

6 ألفاظ،8 مرّات:5 مكّيّة،3 مدنيّة

في 7 سور:5 مكّيّة،2 مدنيّة

ختم 3:2-1 خاتم 1:1

يختم 1:-1 مختوم 1:-1

نختم 1:1 ختامه 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :ختم يختم ختما،أي طبع فهو خاتم.

و الخاتم:ما يوضع على الطّينة،اسم،مثل العالم.

و الختام:الطّين الّذي يختم به على كتاب.و يقال:هو الختم،يعني الطّين الّذي يختم به.

و ختام الوادي:أقصاه.

و يقرأ: (خاتمه مسك) المطفّفين:26،أي ختامه، يعني عاقبته ريح المسك.

و يقال:بل أراد به خاتمه،يعني ختامه المختوم،و يقال:

بل الختام و الخاتم هاهنا ما ختم عليه.

و خاتمة السّورة:آخرها.و خاتم العمل و كلّ شيء:آخره.

و ختمت زرعي،إذا سقيته أوّل سقية فهو الختم،و الختام:

اسم،لأنّه إذا سقي فقد ختم بالرّجاء.

و ختموا على زرعهم ختما،أي سقوه و هو كراب (1)بعد.(4:241)

ابن شميّل: قال الطّائفيّ:الختام:أن تثار الأرض بالبذر حتّى يصير البذر تحتها،ثمّ يسقونها،يقولون:

ختموا عليه.(الأزهريّ 7:313)

اللّحيانيّ: هو الخاتم و الخاتام و الخيتام.

(الأزهريّ 7:315)

و ختام القوم،و خاتمهم:آخرهم.

(ابن سيده 5:156)

ابن الأعرابيّ: الختم:أفواه خلايا النّحل،و الختم:

المنع،و الختم أيضا:حفظ ما في الكتاب بتعليم الطّينة.(الأزهريّ 7:314)

ص: 187


1- أي مجاري الماء في الوادي.

جاء فلان متختّما،أي متعمّما،و ما أحسن تختّمه.

الختم:فصوص مفاصل الخيل؛واحدها:ختام، و خاتم.

و الخاتم و الخاتم:من أسماء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و معناه:آخر الأنبياء،و قال اللّه: وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ الأحزاب:40.

(الأزهريّ 7:316)

الحربيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«الأعمال بالخواتيم»يريد:آخرها.

و خواتم السّور:أواخرها.

و ختم الكتاب:آخر ما يعمل منه،و هو طبعه بالخاتم على طينه.و قال اللّه تعالى: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7.(2:557)

ابن دريد :ختمت الشّيء أختمه ختما،إذا بلغت آخره،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:خاتم النّبيّين.

و الخاتم معروف،يقال:خاتم و خاتام.[ثمّ استشهد بشعر]

و ختام كلّ شيء:ما ختمته به.

و ختام كلّ مشروب:آخره.

و تختّم الرّجل عن الشّيء،إذا تغافل عنه و سكت.

و فرس مختم،إذا كان بأشاعرة بياض خفيّ كاللّمع دون التّخديم،و المختم:الجوزة الّتي تدلك لتملاسّ فينقد بها، تسمّى التّير بالفارسيّة.(2:7)

الأزهريّ: و نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن التّختّم بالذّهب.

و يقال:فلان ختم عليك بابه،أي أعرض عنك، و ختم فلان لك بابه،إذا آثرك على غيرك.

و ختم فلان القرآن،إذا قرأه إلى آخره.

أصل الختم:التّغطية،و ختم البذر:تغطيته،و لذلك قيل للزّارع:كافر،لأنّه يغطّي البذر بالتّراب.(7:316)

الصّاحب:الختم:الطّبع،ختم يختم ختما.

و الخاتم:الفاعل.و الخاتم:الاسم،و الخاتام و الخيتام:

مثله،و منهم من يهمز الخاتم.

و الختام:الطّين الّذي يختم على الكتاب.

و ختام الوادي:أقصاه.

و خاتمة السّورة:آخرها،و كذلك خاتم كلّ شيء.

و ختمنا زرعنا،إذا سقيت أوّل سقية،و الختام:اسم.

و ختموا على زروعهم ختما،أي سقوه و هو كراب بعد.

و الخاتم:أقلّ وضح قوائم الفرس.

و تسمّى نقرة القفا:خاتم القفا.

و يقال للنّحل إذا ملأ شورته عسلا:قد ختم.

(4:315)

الجوهريّ: ختمت الشّيء ختما فهو مختوم، و مختّم،شدّد للمبالغة.

و ختم اللّه له بخير.

و ختمت القرآن:بلغت آخره.

و اختتمت الشّيء:نقيض افتتحته.

و الخاتم و الخاتم،بكسر التّاء و فتحها.

و الخيتام و الخاتام كلّه بمعنى؛و الجمع:الخواتيم.

و تختّمت،إذا لبسته.

و خاتمة الشّيء:آخره.

و محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:خاتم الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام.

و الختام:الطّين الّذي يختم به.و قوله تعالى: خِتامُهُ

ص: 188

مِسْكٌ المطفّفين:26،أي آخره،لأنّ آخر ما يجدونه رائحة المسك.و قول الأعشى:

*و أبرزها و عليها ختم*

أي عليها طينة مختومة،مثل نفض بمعنى منفوض، و قبض بمعنى مقبوض.(5:1908)

ابن فارس: الخاء و التّاء و الميم أصل واحد،و هو بلوغ آخر الشّيء.يقال:ختمت العمل،و ختم القارئ السّورة.

فأمّا الختم،و هو الطّبع على الشّيء،فذلك من الباب أيضا،لأنّ الطّبع على الشّيء لا يكون إلاّ بعد بلوغ آخره في الأحراز.

و الخاتم مشتقّ منه،لأنّ به يختم.و يقال:الخاتم، و الخاتام،و الخيتام.[ثمّ استشهد بشعر]

و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:خاتم الأنبياء،لأنّه آخرهم.و ختام كلّ مشروب:آخره.قال اللّه تعالى: خِتامُهُ مِسْكٌ، المطفّفين:26،أي إنّ آخر ما يجدونه منه عند شربهم إيّاه رائحة المسك.(2:245)

أبو هلال :الفرق بين الرّسم و الختم:أنّ الختم ينبئ عن إتمام الشّيء،و قطع فعله و عمله،تقول:ختمت القرآن،أي أتممت حفظه و قرأته و قطعت قراءته، و ختمت الكنز،لأنّه آخر ما يفعل به لحفظه.و لا ينبئ الرّسم عن ذلك،و إنّما الرّسم إظهار الأثر بالشّيء،ليكون علامة فيه،و ليس يدلّ على تمامه.أ لا ترى أنّك تقول:

ختمت القرآن،و لا تقول:رسمته.فإن استعمل الرّسم في موضع الختم في بعض المواضع،فلقرب معناه من معناه.

و الأصل في الختم:ختم الكتاب،لأنّه يقع بعد الفراغ منه،و منه قوله تعالى: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ يس:

65،منع،و قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:

7،ليس بمنع،و لكنّه ذمّ بأنّها كالممنوعة من قبول الحقّ على أنّ الرّسم فارسيّ معرّب،لا أصل له في العربيّة، فيجوز أن يكون بمعنى الختم لا فرق بينهما،لأنّهما لغتان.

الفرق بين الختم و الطّبع:أنّ الطّبع أثر يثبت في المطبوع و يلزمه،فهو يفيد من معنى الثّبات و اللّزوم ما لا يفيده الختم،و لهذا قيل:طبع الدّرهم طبعا،و هو الأثر الّذي يؤثّره فيه فلا يزول عنه،كذلك أيضا قيل:طبع الإنسان،لأنّه ثابت غير زائل،و قيل:طبع فلان على هذا الخلق،إذا كان لا يزول عنه.

و قال بعضهم:الطّبع علامة تدلّ على كنه الشّيء قال:و قيل:طبع الإنسان لدلالته على حقيقة مزاجه من الحرارة و البرودة،قال:و طبع الدّرهم علامة جوازه.

(56)

الثّعالبيّ: لا يقال:خاتم،إلاّ إذا كان فيه فصّ،و إلاّ فهو فتخة.(50)

فصل في الأواخر...الخاتمة:آخر الأمر.(56)

فصل في الحلي...الخاتم:للإصبع.(250)

أبو سهل الهرويّ: خاتم و خاتم:معروف للّذي يجعل في خنصر اليد.(87)

ابن سيده: ختمه يختمه ختما و ختاما؛الأخيرة عن اللّحيانيّ:طبعه.

و الختم على القلب:ألاّ يفهم شيئا،و لا يخرج منه شيء،كأنّه طبع.[إلى أن قال:]

و الخاتم:ما يوضع على الطّينة.

ص: 189

و الختام:الطّين الّذي يختم به على الكتاب.

و الختم،و الخاتم،و الخاتم،و الخاتام،و الخيتام:من الحليّ،كأنه أوّل وهلة ختم به،فدخل بذلك في باب الطّابع،كثر استعماله لذلك،و إن أعدّ الخاتم لغير الطّبع؛ و الجمع:خواتم،و خواتيم.

و قال سيبويه:الّذين قالوا:خواتيم،إنّما جعلوه تكسير«فاعال»،و إن لم يكن في كلامهم،و هذا دليل على أنّ سيبويه لم يعرف«خاتاما».

و قد تختّم به:لبسه.

و ختم الشّيء يختمه ختما:بلغ آخره.

و خاتم كلّ شيء،و خاتمته:عاقبته و آخره...

و ختام كلّ مشروب:آخره...

و ختام الوادي:أقصاه...

و ختم زرعه يختمه ختما،و ختم عليه:سقاه أوّل سقية.و الختام اسم له.

و الختم:أن تجمع النّحل من الشّمع شيئا رقيقا أرقّ من شمع القرص فتطليه به.

و الخاتم:أقلّ وضح القوائم.

و فرس مختّم:بأشاعرة بياض خفيّ كاللّمع دون التّخديم.

و خاتم الفرس الأنثى:الحلقة الدّنيا من ظبيتيها.

و تختّم عن الشّيء:تغافل و سكت.

و المختم:الجوزة الّتي تدلك لتملاسّ فينقد بها،تسمّى:

التّيز بالفارسيّة.

و جاء متختّما،أي متعمّما.

و ما أحسن تختّمه،عن الزّجّاجيّ.(5:155)

الرّاغب:الختم و الطّبع،يقال:على وجهين:مصدر ختمت و طبعت،و هو تأثير الشّيء كنقش الخاتم و الطّابع.و الثّاني:الأثر الحاصل عن النّقش.

و يتجوّز بذلك تارة في الاستيثاق من الشّيء، و المنع منه اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب و الأبواب،نحو: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7، وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ الجاثية:23،و تارة في تحصيل أثر عن شيء اعتبارا بالنّقش الحاصل،و تارة يعتبر منه بلوغ الآخر.و منه قيل:ختمت القرآن،أي انتهيت إلى آخره.

فقوله: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7،و قوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ الأنعام:46،إشارة إلى ما أجرى اللّه به العادة،أنّ الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل أو ارتكاب محظور،و لا يكون منه تلفّت بوجه إلى الحقّ،يورثه ذلك هيئة تمرّنه على استحسان المعاصي،و كأنّما يختم بذلك على قلبه،و على ذلك: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ النّحل:108.

و على هذا النّحو استعارة«الإغفال»في قوله عزّ و جلّ: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا الكهف:

28،و استعارة«الكنّ»في قوله تعالى: وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ الأنعام:25،و استعارة «القساوة»في قوله تعالى: وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً المائدة:13.

قال الجبّائيّ: يجعل اللّه ختما على قلوب الكفّار، ليكون دلالة للملائكة على كفرهم،فلا يدعون لهم.

ص: 190

و ليس ذلك بشيء،فإنّ هذه الكتابة إن كانت محسوسة فمن حقّها أن يدركها أصحاب التّشريح،و إن كانت معقولة غير محسوسة،فالملائكة باطّلاعهم على اعتقاداتهم مستغنية عن الاستدلال.

و قال بعضهم:ختمه:شهادته تعالى عليه أنّه لا يؤمن.(142)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:526)

الزّمخشريّ: وضع الخاتم على الطّعام،و الخاتم و هو الطّابع.

و ما ختامك؟طينة أم شمعة؟

و ختم الكتاب و على الكتاب.

و من المجاز:لبس الخاتم و الخاتم،و تختّم بالعقيق، و ختّم صاحبه،سمّي باسم الطّابع،لأنّه يختم به.

و ختم القرآن،و كلّ عمل إذا أتمّه و فرغ منه.

و التّحميد:مفتتح القرآن،و الاستعاذة:مختتمه.و قد افتتح عمل كذا و اختتمه.

و ختم اللّه على سمعه و قلبه.

و يقال للنّحل إذا ملأ شورته عسلا:قد ختم.

و خِتامُهُ مِسْكٌ أي عاقبته ريح المسك.

و هذه خاتمة السّورة،و كلّ أمر.

و الأمور بخواتيمها.و بلغوا ختامه.

و إذا أثاروا الأرض بعد البذر،ثمّ سقوها،قالوا:

اختموا عليه،و قد ختموا على زرعهم،و ختمنا زرعنا.

قالوا:لأنّه إذا سقي،فقد ختم عليه بالرّجاء.

و فلان ختم عليك بابه،إذا أعرض عنك.و ختم لك بابه،إذا آثرك على غيرك.

و تختّم بعمامته:تنقّب بها،و جاءنا متختّما متعمّما.

و تختّم بأمره:كتمه.

و احتجم في خاتم القفا،و هو نقرته.

و ما في قوائمه إلاّ خاتم،و هو شيء من الوضح يقال له:الزّرق:شعيرات بيض.

و زفّت إليه بخاتم ربّها و خاتمها و ختامها.

و سيقت هديّهم إليه بخيتامها.[ثمّ استشهد بشعر](103)

الطّبرسيّ: الختم:نظير الطّبع،يقال:طبع عليه بمعنى ختم عليه.و يقال:طبعه أيضا بغير حرف،و لا يمتنع في ختم ذلك.[ثمّ استشهد بشعر](1:44)

المدينيّ: في الحديث:«أنّه جاءه رجل عليه خاتم شبه.فقال:ما لي أجد منك ريح الأصنام؟»أي لأنّ الأصنام كانت تتّخذ من الشّبه،فطرحه،ثمّ جاء و عليه خاتم من حديد،فقال:«ما لي أرى عليك حلية أهل النّار»؟قيل:إنّما كرهه من أجل سهوكة (1)ريحه.و قوله:

«حلية أهل النّار»:أي أنّه من زيّ الكفّار الّذين هم أهل النّار.

و في حديث آخر:«أنّه نهى عن لبس الخاتم إلاّ لذي سلطان»أي إذا لبسه لغير حاجة،و كان للزّينة المحضة، فكره له ذلك.(1:550)

ابن الأثير: في الحديث:«آمين خاتم ربّ العالمين على عباده المؤمنين»قيل:معناه طابعه و علامته الّتي تدفع عنهم الأعراض و العاهات،لأنّ خاتم الكتاب يصونه،و يمنع النّاظرين عمّا في باطنه،و تفتح تاؤهة.

ص: 191


1- السّهوكة:الرّيح الكريهة.

و تكسر:لغتان.

و فيه:«التّختّم بالياقوت ينفي الفقر»يريد أنّه إذا ذهب ماله باع خاتمه،فوجد فيه غنى،و الأشبه-إن صحّ الحديث-أن يكون لخاصيّة فيه.(2:10)

الفيّوميّ: [نحو السّابقين و أضاف:]

و في الحديث:«التمس و لو خاتما من حديد»قيل:

«لو»هنا بمعنى عسى،و التّقدير:التمس صداقا،فإن لم تجد ما يكون كذلك،فعساك تجد خاتما من حديد.فهو لبيان أدنى ما يلتمس ممّا ينتفع به.

و ختمت القرآن:حفظت خاتمته،و هي آخره.

و المعنى:حفظته جميعه عن ظهر غيب.(1:163)

الفيروزآباديّ: ختمه يختمه ختما و ختاما:

طبعه،و على قلبه:جعله لا يفهم شيئا،و لا يخرج منه شيء،و الشّيء ختما:بلغ آخره،و الزّرع و عليه:سقاه أوّل سقية.

و ككتاب:الطّين يختم به على الشّيء.

و الخاتم:ما يوضع على الطّينة،و حلي للإصبع كالخاتم و الخاتام و الخيتام و الخيتام و الختم محرّكة و الخاتيام،جمعه:خواتم و خواتيم.و قد تختّم به.

و من كلّ شيء:عاقبته و آخرته كخاتمته،و آخر القوم كالخاتم،و من القفا:نقرته،و أقلّ وضح القوائم،و هو مختّم كمعظّم،و من الفرس الأنثى:الخلفة الدّنيا من طبييها.

و تختّم عنه:تغافل و سكت،و يأمره:كتمه،و تعمّم، و الاسم التّختمة.

و كمنبر:الجوزة تدلك لتملاسّ و ينقد بها،فارسيّته تير.

و الختم العسل،و أفواه خلايا النّحل،و أن تجمع النّحل شيئا من الشّمع رقيقا أرقّ من شمع القرص فتطليه به.

و المختوم:الصّاع.

و الختم بضمّتين:فصوص مفاصل الخيل؛الواحد:

ككتاب و عالم.(4:103)

الطّريحيّ: [نقل معاني بعض الآيات و قال:]

و ختمت الكتاب ختما،من باب«ضرب».

و خاتمة العمل:آخره،و منه الدّعاء:«اللّهمّ إنّي أستودعك خاتمة عملي».

و في الحديث:«من ختم له بقيام ليلة ثمّ مات فله الجنّة».

و في الحديث:«سئل عن رجل أسلم دراهم في خمسة مخاتيم حنطة أو شعير».كأنّه يريد بالمخاتيم:ما ختم عليه من صبر الطّعام المعلومة الخاتم،و هو ما يختم به الطّعام من الخشب و غيره.

و في الخبر:«أوتيت جوامع الكلم و خواتمه»يعني القرآن كلّه.

و فيه:«فنظرت إلى خاتم النّبوّة»أي شيء يدلّ على أنّه لا نبيّ بعده.و روي:أنّه مثل التّفّاحة.

و ذكرت أمّه«أنّه لمّا ولد غمسه الملك في ماء،أتبعه ثلاث غمسات،ثمّ أخرج صرّة من حرير أبيض،فإذا فيها خاتم،فضرب به على كتفه،كالبيضة المكنونة تضيء كالزّهرة».

و قيل:كان المكتوب فيه«توجّه حيث شئت فإنّك منصور».(6:54)

ص: 192

العدنانيّ: الخاتم،الخاتم،الخاتام،الخيتام،الختم، الخاتيام،الخيتام،الختم،الخيتوم،الخأتم،الخأتم،الختام

و يخطّئون من يطلق على الحلقة تلبس في الإصبع، و تكون ذات فصّ،اسم الخيتام،و هو اسم صحيح،كما يقول القاموس،و التّاج،و المدّ.و هنالك أسماء كثيرة أخرى سوى الخيتام،تطلق على هذه الحلقة،و هي:

1-الخاتم:في الحديث:جاءه رجل عليه خاتم شبه.

فقال:«ما لي أجد منك ريح الأصنام؟»لأنّها كانت تتّخذ من الشّبه،و هو النّحاس الأصفر.

و ذكر الخاتم أيضا كلّ من الألفاظ الكتابيّة، و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و التّلخيص لأبي هلال العسكريّ،و الذّخائر و التّحف للقاضي ابن الزّبير، و الأساس،و ابن الجوزيّ،و النّهاية،و المختار،و ابن مالك، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و دوزيّ،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

2-و الخاتم:الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و التّلخيص لأبي هلال العسكريّ الّذي قال:إنّ استعمال الخاتم قليل شاذّ،و الأساس،و ابن الجوزيّ،و المختار، و ابن مالك،و اللّسان،و المصباح الّذي قال:إنّ الخاتم أشهر،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و دوزيّ،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

3-و الخاتام:الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و التّلخيص للعسكريّ،و المختار،و ابن مالك،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.

4-و الخيتام:الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و المختار،و ابن مالك،و اللّسان الّذي استشهد بالبيت الّذي أنشده ابن برّيّ:

يا هند ذات الجورب المنشقّ

أخذت خيتامي بغير حقّ

و التّاج،و المدّ،و المتن،و الوسيط.

5-و الختم:ابن سيده،و اللّسان،و ابن هشام الأنصاريّ،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

6-و الخاتيام:القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و الوسيط.

7-و الخيتام:القاموس،و التّاج،و المدّ.

8-و الختم:هامش القاموس،و التّاج،و المدّ،و ذيل أقرب الموارد،و المتن.

9-و الخيتوم:هامش القاموس،و التّاج،و المدّ، و المتن.

10-و الخيتم:ابن مالك،و المدّ.

11-و الخأتم:التّاج،و المدّ.

12-و الختام:القاموس،و التّاج.

و يجمع الخاتم و الخاتم على:خواتم و خواتيم.

و انفرد محيط المحيط بذكر الخيتام،و المتن بذكر الخايتام،و لم أعثر على من يؤيّدهما،و أرجّح أنّ صاحب المتن أراد الخاتيام(رقم 6)،فقدّم منضّد الحروف الياء على التّاء.

الختام،الخاتم،الخاتم،الختم

أ-الطّين أو الشّمع الّذي يختم به

ب-الأداة الّتي توضع على الشّمع أو الطّين

ص: 193

و يخطّئون من يطلقون على ما يختم به اسم الختم، و يقولون إنّ الصّواب هو:الختام الطّين أو الشّمع الّذي يختم به،اعتمادا على قوله تعالى في الآية:26 من سورة المطفّفين: خِتامُهُ مِسْكٌ، و على ما جاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم،و جامع الكرمانيّ،و الأزهريّ، و الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و قد ذكر المتن:أنّ مجمع مصر أطلق اسم الختام على الشّمع الأحمر المعروف للختم،في الجدول رقم 115.

و لكن:قال ابن الفارض:

و لو نظر النّدمان ختم إنائها

لأسكرهم من دونها ذلك الختم

و ذكر أيضا أنّ الختم هو كلّ ما يختم به:محيط المحيط و أقرب الموارد،أي الأداة الّتي توضع على الشّمع أو الطّين.

و هنا لك اسمان لما يوضع على الشّمع أو الطّين، تذكرهما المعجمات أكثر من الختم،هما:

1-الخاتم:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و معجم مقاييس اللّغة،و مجاز الأساس،و النّهاية،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن.

2-و الخاتم:الأزهريّ،و التّلخيص لأبي هلال العسكريّ،و مجاز الأساس،و النّهاية،و اللّسان،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.(184)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل الافتتاح و الابتداء،أي إكمال الشّيء و البلوغ إلى آخره و نهايته.

و أمّا مفهوم الطّبع:فهو قريب من التّثبيت،و هو متّحد مصداقا بالختم لا مفهوما،و اتّحادهما مصداقا أوجب الالتباس،و لا سيّما إذا استعملا بحرف«على»، يقال:ختم عليه و طبع عليه،و قد يفترقان في بعض الموارد،يقال:ختم القارئ السّورة،و طبع الدّرهم،أي نقشه.

و الختام مصدر كالختم،و قد يطلقان على الذّات مبالغة،يقال:و عليها ختم،و ختامه مسك،كما أنّ الخاتم صفة قد يطلق على الذّات باعتبار اتّصافه في المعنى بصفة الخاتميّة.

و الخاتم كالعالم اسما مزيدا فيه من الختم:يدلّ على الذّات المتّصفة بالختم،و فيه مبالغة زائدة.

و أمّا إطلاق الختم على الطّينة المختومة بها،و على أوّل سقية بعد الزّرع،و على تغطية البذر:كلّها باعتبار الأصل الواحد،كإطلاق الخاتم على معانيه.

فهذه المعاني كلّها من مصاديق المفهوم الحقيقيّ،و قد لوحظت فيها حيثيّة الأصل،و ليست هذه المعاني بذاتها منظورة.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

ثمّ إنّ التّكميل و التّتميم يستعملان غالبا بالنّسبة إلى الأجزاء الارتباطيّة في مقابل النّقص.و الختم يستعمل في الأجزاء الاستقلاليّة.و قلنا في مادّة«تمم»:أنّ الكمال يستعمل في الكيفيّات،و التّمام في الكمّيّات.(3:23)

ص: 194

النّصوص التّفسيريّة

ختم
اشارة

1- خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ... البقرة:7

ابن عبّاس: طبع اللّه على قلوبهم.(4)

مثله السّدّيّ(103)،و السّجستانيّ(5)،و البغويّ (1:86).

مجاهد :نبّئت أنّ الذّنوب على القلب تحفّ به من نواحيه حتّى تلتقي عليه،فالتقاؤها عليه:الطّبع،و الطّبع:

الختم.

الرّان أيسر من الطّبع،و الطّبع أيسر من الإقفال، و الإقفال أشدّ ذلك كلّه.(الطّبريّ 1:145)

ابن جريج:الختم:ختم على القلب و السّمع.(الطّبريّ 1:145)

الإمام الرّضا عليه السّلام:الختم:هو الطّبع على قلوب الكفّار،عقوبة على كفرهم،كما قال عزّ و جلّ: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً النّساء:

155.(الكاشانيّ 1:80)

الأخفش: إنّ الختم ليس يقع على الأبصار،إنّما قال:

خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ ثمّ قال: وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ مستأنفا.

و قوله: خَتَمَ اللّهُ لأنّ ذلك كان لعصيانهم اللّه، فجاز ذلك اللّفظ،كما تقول:«أهلكته فلانة»إذا أعجب بها.و هي لا تفعل به شيئا،لأنّه هلك في اتّباعها،أو يكون (ختم):حكم بها أنّها مختوم عليها.(1:188)

ابن قتيبة: خَتَمَ اللّهُ... بمنزلة طبع اللّه عليها، و الخاتم بمنزلة الطّابع.و إنّما أراد:أنّه أقفل عليها و أغلقها، فليست تعي خيرا و لا تسمعه.و أصل هذا:أنّ كلّ شيء ختمته،فقد سددته و ربطته.(40)

الطّبريّ: و أصل الختم:الطّبع،و الخاتم:هو الطّابع، يقال منه:ختمت الكتاب،إذا طبعته.

فإن قال لنا قائل:و كيف يختم على القلوب،و إنّما الختم طبع على الأوعية و الظّروف و الغلف؟

قيل:فإنّ قلوب العباد أوعية لما أودعت من العلوم، و ظروف لما جعل فيها من المعارف بالأمور،فمعنى الختم عليها و على الأسماع الّتي بها تدرك المسموعات،و من قبلها يوصل إلى معرفة حقائق الأنباء،عن المغيّبات، نظير معنى الختم،على سائر الأوعية و الظّروف.

فإن قال:فهل لذلك من صفة تصفها لنا فنفهمها؟ أ هي مثل الختم الّذي يعرف لما ظهر للأبصار،أم هي بخلاف ذلك؟

قيل:قد اختلف أهل التّأويل في صفة ذلك، و سنخبر بصفته بعد ذكرنا قولهم.[و ذكر بعض الأقوال في ذلك ثمّ قال:]

و قال بعضهم:إنّما معنى قوله: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ إخبار من اللّه جلّ ثناؤه عن تكبّرهم، و إعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحقّ،كما يقال:

إنّ فلانا لأصمّ عن هذا الكلام،إذا امتنع من سماعه، و رفع نفسه عن تفهّمه تكبّرا.

و الحقّ في ذلك عندي،ما صحّ بنظيره الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة

ص: 195

سوداء في قلبه،فإن تاب و نزع و استغفر صقل قلبه،فإن زاد زادت حتّى يغلف قلبه،فذلك الرّان الّذي قال اللّه جلّ ثناؤه: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ.

فأخبر صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّ الذّنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها،و إذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل اللّه عزّ و جلّ و الطّبع،فلا يكون للإيمان إليها مسلك،و لا للكفر منها مخلص،فذلك هو الطّبع و الختم الّذي ذكره اللّه تبارك و تعالى في قوله: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ، نظير الطّبع و الختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية و الظّروف الّتي لا يوصل إلى ما فيها إلاّ بفضّ ذلك عنها ثمّ حلّها،فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف اللّه:

أنّه ختم على قلوبهم،إلاّ بعد فضّه خاتمه،و حلّه رباطه عنها.

و يقال لقائلي القول الثّاني الزّاعمين،أنّ معنى قوله جلّ ثناؤه: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ هو وصفهم بالاستكبار و الإعراض عن الّذي دعوا إليه من الإقرار بالحقّ تكبّرا:أخبرونا عن استكبار الّذين وصفهم اللّه جلّ ثناؤه بهذه الصّفة،و إعراضهم عن الإقرار بما دعوا إليه من الإيمان و سائر المعاني اللّواحق به، أفعل منهم،أم فعل من اللّه تعالى ذكره بهم؟

فإن زعموا أنّ ذلك فعل منهم،و ذلك قولهم.قيل لهم:فإنّ اللّه تبارك و تعالى قد أخبر أنّه هو الّذي ختم على قلوبهم و سمعهم،و كيف يجوز أن يكون إعراض الكافر عن الإيمان و تكبّره عن الإقرار به،و هو فعله عندكم ختما من اللّه على قلبه و سمعه،و ختمه على قلبه و سمعه،فعل اللّه عزّ و جلّ دون فعل الكافر.فإن زعموا أنّ ذلك جائز أن يكون كذلك،لأنّ تكبّره و إعراضه كانا عن ختم اللّه على قلبه و سمعه،فلمّا كان الختم سببا لذلك جاز أن يسمّى مسبّبه به،تركوا قولهم،و أوجبوا أنّ الختم من اللّه على قلوب الكفّار و أسماعهم معنى غير كفر الكافر،و غير تكبّره و إعراضه عن قبول الإيمان و الإقرار به،و ذلك دخول فيما أنكروه.

و هذه الآية من أوضح الأدلّة على فساد قول المنكرين:تكليف ما لا يطاق إلاّ بمعونة اللّه،لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر أنّه ختم على قلوب صنف من كفّار عباده و أسماعهم،ثمّ لم يسقط التّكليف عنهم،و لم يضع عن أحد منهم فرائضه،و لم يعذره في شيء ممّا كان منه من خلاف طاعته،بسبب ما فعل به من الختم و الطّبع على قلبه و سمعه،بل أخبر أنّ لجميعهم منه عذابا عظيما،على تركهم طاعته فيما أمرهم به،و نهاهم عنه،من حدوده و فرائضه مع حتمه القضاء عليهم،مع ذلك بأنّهم لا يؤمنون.(1:144)

الزّجّاج: معنى(ختم)في اللّغة و«طبع»معنى واحد، و هو التّغطية على الشّيء،و الاستيثاق من ألاّ يدخله شيء،كما قال عزّ و جلّ: أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها محمّد:

24،و قال جلّ ذكره: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ المطفّفين:14،معناه غلب على قلوبهم ما كانُوا يَكْسِبُونَ، و كذلك: طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:

155،و هم كانوا يسمعون و يبصرون و يعقلون،و لكنّهم لم يستعملوا هذه الحواسّ استعمالا يجزي عنهم،فصاروا كمن لا يسمع و لا يبصر.[ثمّ استشهد بشعر](1:82)

ص: 196

نحوه أبو مسلم الأصفهانيّ و الأصمّ.

(الطّبرسيّ 1:45)

النّحّاس: أي طبع اللّه على قلوبهم و على أسماعهم، و غطّى عليها،على جهة الجزاء بكفرهم و صدّهم النّاس عن دين اللّه.و هؤلاء الكفّار هم الّذين سبق في علمه من أنّهم لا يؤمنون،و يكون مثل قولهم:أهلكه المال،و ذهب المال بعقله،أي هلك فيه و بسببه،فهو كقوله:

فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى* لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى اللّيل:

14،15،فإنّ ذلك من اللّه عن فعلهم في أمره.(1:87)

الفارسيّ: و يذهب قوم من المتأوّلين إلى أنّ معنى:

خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7،ختم عليها بأن طبع عليها و وسمها سمة تدلّ على أنّ فيها الكفر،ليعرفهم من يشاهدهم من الملائكة بهذه السّمة،و يفرقوا بينهم و بين المؤمنين الّذين في قلوبهم الشّرح و الطّمأنينة،اللّذان وصفوا بهما في قوله تعالى: أَ فَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ الزّمر:22،و قوله: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ الرّعد:28.

و الختم و الطّبع واحد،و هما سمة و علامة في قلب المطبوع على قلبه.و كما ختم على قلب الكافر و طبع فوسم بسمة تعرف بها الملائكة كفره،كذلك وسم قلوب المؤمنين بسمات تعرفهم الملائكة بها،كما عرفوا بها الكافر.و من ثمّ قال بعض المتأوّلين في قوله تعالى. وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا الكهف:28،أي لم نسم قلبه بما نسم به قلوب الذّاكرين للّه،لأنّ اللّه تعالى وسم قلوب الذّاكرين بسمات تبيّن لمن شاهدها من الملائكة أنّهم مؤمنون،كما قال: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ المجادلة:22،أي علامته.فإذا لم يسمهم بهذه السّمة،فقد أغفلهم.

و مثل ما تأوّلوا في هذا من أنّه علامة يعرف بها الكافر من المؤمن،مناولة الكتاب باليمين و بالشّمال،في أنّ المناولة باليمين علامة،أنّ المناول باليمين من أهل الجنّة، و المناول بالشّمال من أهل النّار.و قوله: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155،يحتمل أمرين،أي طبع عليها و ختم،جزاء للكفر و عقوبة عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

قوله:بل طبع اللّه عليها بكفرهم،أي طبع عليها بعلامة كفرهم،كما تقول:طبع عليه بالطّين،و ختم عليه بالشّمع.

و يجوز أن يكون قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ... وصفا للّذي ذمّ بهذا الكلام،بأن قلبه ضاق عن قبول الحكمة و الإسلام،و الاستدلال على توحيد اللّه تعالى،و قبول شرائع أنبيائه عليهم السّلام،فلم ينشرح له،و لم يتّسع لقبوله،فهو خلاف من ذكر في قوله تعالى: أَ فَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ الزّمر:22.

و مثل ذلك قوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها محمّد:24،و مثله: وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5،و من ذلك قوله: وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ البقرة:88،إنّما هو جمع أغلف،أي في غلاف، كقوله: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ، وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ الأعراف:179.

و يقوّي ذلك أنّ المطبوع على قلبه وصف بقلّة الفهم

ص: 197

بما يسمع من أجل الطّبع،فقال: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً النّساء:155،و قال:

وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ التّوبة:87.

و ممّا يبيّن ذلك قوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ الأنعام:46، فعدل الختم على القلوب بأخذه السّمع و البصر،فدلّ هذا على أنّ الختم على القلب،هو أن يصير على وصف لا ينتفع به فيما يحتاج فيه إليه،كما لا ينتفع بالسّمع و البصر مع أخذهما،و إنّما يكون ضيقه بألاّ يتّسع لما يحتاج إليه من النّظر و الاستدلال الفاصل بين الحقّ و الباطل.و من ذلك قوله تعالى: وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ الأنعام:125.

فهذا كلام كالمثل،أي من يستحقّ الإضلال عن الثّواب يجعل صدره ضيّقا في نهاية الضّيق،لما كان القلب محلاّ للعلوم و الاعتقادات،بدلالة قوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها الأعراف:179،فوصفه بالضّيق و أنّه على خلاف الشّرح و الانفساح،دلّ أنّه لا يعي علما،و لا يستدلّ على ما أريد له و دعي إليه،كما وصف الجبان بأنّه لا قلب له،لمّا أريد به المبالغة في وصفه بالجبن،لأنّ الشّجاعة محلّها القلب،فإذا لم يكن القلب الّذي يكون محلّ الشّجاعة لو كانت،فألاّ تكون الشّجاعة أولى.

و من ثمّ قالوا في النّعامة:جؤجؤه هواء،أي ذو هواء، فهو فارغ من القلب،فهذا كما وصفوها بالشّراد لجبنها.

[ثمّ استشهد بأشعار]

فكما وصف الجبان بأنّه لا قلب له،و أنّه مجوّف و أنّه يراعة،لأنّه إذا كان كذلك بعد من الشّجاعة،و من الفهم لعدمه القلب،كذلك وصف من بعد عن قبول الإسلام بعد الدّعاء إليه و إقامة الحجّة عليه،بأنّه مطبوع على قلبه، و ضيّق صدره،و قلبه في كنان،و في غلاف.(1:301)

الثّعلبيّ: أي طبع عَلى قُلُوبِهِمْ و الختم و الطّبع بمعنى واحد،و هما التّغطية للشّيء،و الاستيثاق من أن يدخله شيء آخر.

فمعنى الآية:طبع اللّه على قلوبهم و أغلقها و أقفلها، فليست تعي خبرا،و لا تفهمه،يدلّ عليه قوله تعالى:

أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها محمّد:24.

و قال بعضهم:معنى الطّبع و الختم:حكم اللّه عليهم بالكفر و الشّقاوة،كما يقال للرّجل:ختمت عليك أن لا تفلح أبدا.(1:150)

الماورديّ: الختم:الطّبع،و منه ختم الكتاب.و فيه أربعة تأويلات:

أحدها:[نقل معنى قول مجاهد].

و الثّاني:أنّها سمة تكون علامة فيهم،تعرفهم الملائكة بها من بين المؤمنين.

و الثّالث:أنّه إخبار من اللّه تعالى عن كفرهم و إعراضهم عن سماع ما دعوا إليه من الحقّ،تشبيها بما قد انسدّ و ختم عليه،فلا يدخله خير.

و الرّابع:أنّها شهادة من اللّه تعالى على قلوبهم،بأنّها لا تعي الذّكر و لا تقبل الحقّ،و على أسماعهم بأنّها لا تصغي إليه.(1:72)

الطّوسيّ: أي شهد عليها بأنّها لا تقبل الحقّ،يقول

ص: 198

القائل:أراك تختم على كلّ ما يقول فلان،أي تشهد به و تصدّقه.و قد ختمت عليك بأنّك لا تعلم،أي شهدت، و ذلك استعارة.و قيل:إنّ«ختم»بمعنى طبع فيها أثرا للذّنوب،كالسّمة و العلامة لتعرفها الملائكة فيتبرّءوا منهم،و لا يوالوهم،و لا يستغفروا لهم مع استغفارهم للمؤمنين.و قيل:المعنى في ذلك أنّه ذمّهم بأنّها كالمختوم عليها في أنّها لا يدخلها الإيمان،و لا يخرج عنها الكفر.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الختم:آخر الشّيء و منه قوله تعالى: خِتامُهُ مِسْكٌ المطفّفين:26،و منه:خاتم النّبيّين،أي آخرهم، و منه:ختم الكتاب،لأنّه آخر حال الفراغ منه.

و الختم:الطّبع،و الخاتم:الطّابع.

و ما يختم اللّه على القلوب من السّمة و العلامة الّتي ذكرناها ليست بمانعة من الإيمان،كما أنّ ختم الكتاب و الظّرف و الوعاء لا يمنع من أخذ ما فيه.[ثمّ ذكر قول مجاهد و قال:]

و قيل:إنّ قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ إخبار عن تكبّرهم و إعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحقّ، كما يقال:فلان أصمّ عن هذا الكلام،إذا امتنع عن سماعه، و رفع نفسه عن تفهّمه.(1:63)

[نحوه الطّبرسيّ](1:44)

القشيريّ: الختم على الشّيء يمنع ما ليس فيه أن يدخله،و ما فيه أن يخرج منه،و كذلك حكم الحقّ سبحانه بألاّ يفارق قلوب أعدائه ما فيها من الجهالة و الضّلالة،و لا يدخلها شيء من البصيرة و الهداية،على أسماع قلوبهم غطاء الخذلان،سدّت تلك المسامع عن إدراك خطاب الحقّ من حيث الإيمان،فوساوس الشّيطان و هواجس النّفوس شغلتها عن استماع خواطر الحقّ.(1:72)

الواحديّ: الختم على الوعاء يمنع الدّخول فيه، و الخروج منه،كذلك الختم على قلوب الكفّار،يمنع دخول الإيمان فيها،و خروج الكفر منها،و إنّما يكون ذلك:بأن يخلق اللّه الكفر فيها،و يصدّهم عن الهدى،فلا يدخل الإيمان في قلوبهم،كما قال اللّه عزّ و جلّ: وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ الجاثية:23.(1:85)

الزّمخشريّ: الختم و الكتم أخوان،لأنّ في الاستيثاق من الشّيء كضرب الخاتم عليه كتما له، و تغطية لئلاّ يتوصّل إليه و لا يطّلع عليه.و الغشاوة:

الغطاء،«فعالة»من غشاه،إذا غطّاه.

و هذا البناء لما يشتمل على الشّيء كالعصابة و العمامة.

فإن قلت:ما معنى الختم على القلوب و الأسماع و تغشية الأبصار؟

قلت:لا ختم و لا تغشية ثمّ على الحقيقة،و إنّما هو من باب المجاز.و يحتمل أن يكون من كلا نوعيه و هما الاستعارة و التّمثيل.

أمّا الاستعارة فأن تجعل قلوبهم لأنّ الحقّ لا ينفذ فيها،و لا يخلص إلى ضمائرها من قبل إعراضهم عنه، و استكبارهم عن قبوله و اعتقاده،و أسماعهم لأنّها تمجّه و تنبو عن الإصغاء إليه،و تعاف استماعه كأنّها مستوثق منها بالختم،و أبصارهم لأنّها لا تجتلي آيات اللّه

ص: 199

المعروضة و دلائله المنصوبة،كما تجتليها أعين المعتبرين المستبصرين،كأنّما غطّي عليها و حجبت،و حيل بينها و بين الإدراك.

و أمّا التّمثيل فإن تمثّل حيث لم يستنفعوا بها في الأغراض الدّينيّة الّتي كلّفوها،و خلّفوا من أجلها بأشياء، ضرب حجاب بينها و بين الاستنفاع بها بالختم و التّغطية.

و قد جعل بعض المازنيّين الحبسة في اللّسان و العيّ ختما عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

فإن قلت:فلم أسند الختم إلى اللّه تعالى،و إسناده إليه يدلّ على المنع من قبول الحقّ و التّوصّل إليه بطرقه،و هو قبيح،و اللّه يتعالى عن فعل القبيح علوّا كبيرا،لعلمه بقبحه و علمه بغناه عنه،و قد نصّ على تنزيه ذاته بقوله:

وَ ما أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ ق:29، وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِينَ الزّخرف:7، إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ الأعراف:28،و نظائر ذلك ممّا نطق به التّنزيل؟

قلت:القصد إلى صفة القلوب بأنّها كالمختوم عليها، و أمّا إسناد الختم إلى اللّه عزّ و جلّ،فلينبّه على أنّ هذه الصّفة في فرط تمكّنها و ثبات قدمها،كالشّيء الخلقيّ غير العرضيّ.أ لا ترى إلى قولهم:فلان مجبول على كذا و مفطور عليه،يريدون:أنّه بليغ في الثّبات عليه.

و كيف تتخيّل ما خيّل إليك،و قد وردت الآية ناعية على الكفّار شناعة صفتهم و سماجة حالهم،و نيط بذلك الوعيد بعذاب عظيم؟

و يجوز أن تضرب الجملة كما هي-و هي خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ -مثلا،كقولهم:سال به الوادي،إذا هلك، و طارت به العنقاء،إذا طال الغيبة.و ليس للوادي و لا للعنقاء عمل في هلاكه،و لا في طول غيبته،و إنّما هو تمثيل مثّلت حاله في هلاكه بحال من سال به الوادي،و في طول غيبته بحال من طارت به العنقاء،فكذلك مثّلت حال قلوبهم فيما كانت عليه من التّجافي عن الحقّ،بحال قلوب ختم اللّه عليها،نحو قلوب الأغتام الّتي هي في خلوّها عن الفطن كقلوب البهائم،أو بحال قلوب البهائم أنفسها،أو بحال قلوب مقدّر ختم اللّه عليها،حتّى لا تعي شيئا و لا تفقه.و ليس له عزّ و جلّ فعل في تجافيها عن الحقّ و نبوّها عن قبوله،و هو متعال عن ذلك.

و يجوز أن يستعار الإسناد في نفسه من غير اللّه للّه، فيكون الختم مسندا إلى اسم اللّه على سبيل المجاز،و هو لغيره حقيقة.

تفسير هذا أنّ للفعل ملابسات شتّى،يلابس الفاعل و المفعول به و المصدر و الزّمان و المكان و المسبّب له.

فإسناده إلى الفاعل حقيقة،و قد يسند إلى هذه الأشياء على طريق المجاز المسمّى استعارة؛و ذلك لمضاهاتها الفاعل في ملابسة الفعل،كما يضاهي الرّجل الأسد في جراءته،فيستعار له اسمه،فيقال في المفعول به:عيشة راضية و ماء دافق،و في عكسه:سيل مفعم،و في المصدر:

شعر شاعر و ذيل ذائل،و في الزّمان:نهاره صائم و ليله قائم.و في المكان:طريق سائر و نهر جار،و أهل مكّة يقولون:صلّى المقام،و في المسبّب:بنى الأمير المدينة، و ناقة ضبوث و حلوب.و قال:

*إذا ردّعا في القدر من يستعيرها*

ص: 200

فالشّيطان هو الخاتم في الحقيقة أو الكافر،إلاّ أنّ اللّه سبحانه لمّا كان هو الّذي أقدره و مكّنه،أسند إليه الختم كما يسند الفعل إلى المسبّب.

و وجه رابع:و هو أنّهم لمّا كانوا على القطع و البتّ ممّن لا يؤمن،و لا تغني عنهم الآيات و النّذر،و لا تجدي عليهم الألطاف المحصّلة و لا المقرّبة إن أعطوها،لم يبق- بعد استحكام العلم،بأنّه لا طريق إلى أن يؤمنوا طوعا و اختيارا-طريق إلى إيمانهم إلاّ القسر و الإلجاء.و إذا لم تبق طريق-إلاّ أن يقسّرهم اللّه و يلجئهم،ثمّ لم يقسّرهم و لم يلجئهم لئلاّ ينتقض الغرض في التّكليف-عبّر عن ترك القسر و الإلجاء بالختم،إشعارا بأنّهم الّذين ترامى أمرهم في التّصميم على الكفر و الإصرار عليه إلى حدّ لا يتناهون عنه إلاّ بالقسر و الإلجاء،و هي الغاية القصوى في وصف لجاجهم في الغيّ و استشرائهم في الضّلال و البغي.

و وجه خامس:و هو أن يكون حكاية لما كان الكفرة يقولونه تهكّما بهم،من قولهم: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5.و نظيره في الحكاية و التّهكّم قوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ البيّنة:1.

فإن قلت:اللّفظ يحتمل أن تكون الأسماع داخلة في حكم الختم و في حكم التّغشية،فعلى أيّهما يعوّل؟

قلت:على دخولها في حكم الختم،لقوله تعالى:

وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً الجاثية:23،و لوقفهم على سمعهم دون قلوبهم.

فإن قلت:أيّ فائدة في تكرير الجارّ في قوله:و عَلى سَمْعِهِمْ؟

قلت:لو لم يكرّر لكان انتظاما للقلوب و الأسماع في تعدية واحدة،و حين استجدّ للأسماع تعدية على حدّة، كان أدلّ على شدّة الختم في الموضعين.(1:155)

ابن عطيّة: خَتَمَ اللّهُ مأخوذ من الختم و هو الطّبع،و الخاتم:الطّابع،و ذهبت طائفة من المتأوّلين إلى أنّ ذلك على الحقيقة،و أنّ القلب على هيئة الكفّ، ينقبض مع زيادة الضّلال و الإعراض إصبعا إصبعا.

و قال آخرون:ذلك على المجاز،و إنّ ما اخترع له في قلوبهم من الكفر و الضّلال و الإعراض عن الإيمان سمّاه ختما.

و قال آخرون ممّن حمله على المجاز:الختم هنا أسند إلى اللّه تعالى لمّا كفر الكافرون به،و أعرضوا عن عبادته و توحيده،كما يقال:أهلك المال فلانا،و إنّما أهلكه سوء تصرّفه فيه.(1:88)

ابن الجوزيّ: الختم:الطّبع.[إلى أن قال:]

و إنّما خصّه[القلب]بالختم،لأنّه محلّ الفهم.

(1:28)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا بيّن في الآية الأولى أنّهم لا يؤمنون،أخبر في هذه الآية بالسّبب الّذي لأجله لم يؤمنوا،و هو الختم،و الكلام هاهنا يقع في مسائل:

المسألة الأولى:الختم و الكتم أخوان،لأنّ في الاستيثاق من الشّيء بضرب الخاتم عليه كتما له و تغطية،لئلاّ يتوصّل إليه أو يطّلع عليه،و الغشاوة:

ص: 201

الغطاء«فعالة»من غشاء،إذا غطّاه.و هذا البناء لما يشتمل على الشّيء كالعصابة و العمامة.

المسألة الثّانية:اختلف النّاس في هذا الختم،أمّا القائلون بأنّ أفعال العباد مخلوقة للّه تعالى،فهذا الكلام على مذهبهم ظاهر،ثمّ لهم قولان:منهم من قال:الختم هو خلق الكفر في قلوب الكفّار،و منهم من قال:هو خلق الدّاعية الّتي إذا انضمّت إلى القدرة،صار مجموع القدرة معها سببا موجبا لوقوع الكفر.

و تقريره:أنّ القادر على الكفر إمّا أن يكون قادرا على تركه،أو لا يكون.فإن لم يقدر على تركه كانت القدرة على الكفر موجبة للكفر،فخلق القدرة على الكفر يقتضي خلق الكفر،و إن قدر على التّرك كانت نسبة تلك القدرة إلى فعل الكفر و إلى تركه على سواء.

فأمّا أن يكون صيرورتها مصدرا للفعل بدلا عن التّرك،يتوقّف على انضمام مرجّح إليها،أو لا يتوقّف.

فإن لم يتوقّف فقد وقع الممكن لا عن مرجّح، و تجويزه يقتضي القدح في الاستدلال بالممكن على المؤثّر؛و ذلك يقتضي نفي الصّانع،و هو محال.

و أمّا إن توقّف على المرجّح فذلك المرجّح إمّا أن يكون من فعل اللّه،أو من فعل العبد،أو لا من فعل اللّه و لا من فعل العبد،لا جائز أن يكون من فعل العبد و إلاّ لزم التّسلسل،و لا جائز أن يكون لا بفعل اللّه و لا بفعل العبد،لأنّه يلزم حدوث شيء لا لمؤثّر؛و ذلك يبطل القول بالصّانع.فثبت أنّ كون قدرة العبد مصدرا للمقدور المعيّن،يتوقّف على أن ينضمّ إليها مرجّح هو من فعل اللّه تعالى.

فنقول:إذا انضمّ ذلك المرجّح إلى تلك القدرة فإمّا أن يصير تأثير القدرة في ذلك الأثر واجبا أو جائزا أو ممتنعا،و الثّاني و الثّالث باطل،فتعيّن الأوّل.

و إنّما قلنا:إنّه لا يجوز أن يكون جائزا،لأنّه لو كان جائزا لكان يصحّ في العقل أن يحصل مجموع القدرة مع ذلك المرجّح تارة مع ذلك الأثر،و أخرى منفكّا عنه، فلنفرض وقوع ذلك،لأنّ كلّ ما كان جائزا لا يلزم من فرض وقوعه محال،فذاك المجموع تارة يترتّب عليه الأثر،و أخرى لا يترتّب عليه الأثر،فاختصاص أحد الوقتين يترتّب ذلك الأثر عليه،إمّا أن يتوقّف على انضمام قرينة إليه،أو لا يتوقّف.فإن توقّف كان المؤثّر هو ذلك المجموع مع هذه القرينة الزّائدة،لا ذلك المجموع، و كنّا قد فرضنا أنّ ذلك المجموع هو المستقلّ خلف هذا.

و أيضا فيعود التّقسيم في هذا المجموع الثّاني،فإن توقّف على قيد آخر لزم التّسلسل،و هو محال،و إن لم يتوقّف فحينئذ حصل ذلك المجموع تارة بحيث يكون مصدرا للأثر،و أخرى بحيث لا يكون مصدرا له،مع أنّه لم يتميّز أحد الوقتين عن الآخر بأمر ما البتّة.فيكون هذا قولا بترجّح الممكن لا عن مرجّح،و هو محال.

فثبت أنّ عند حصول ذلك المرجّح يستحيل أن يكون صدور ذلك الأثر جائزا،و أمّا أنّه لا يكون ممتنعا فظاهر،و إلاّ لكان مرجّح الوجود مرجّحا للعدم،و هو محال.و إذا بطل القسمان ثبت أنّ عند حصول مرجّح الوجود،يكون الأثر واجب الوجود عن المجموع الحاصل من القدرة،و من ذلك المرجّح،و إذا ثبت هذا كان القول بالجبر لازما،لأنّ قبل حصول ذلك المرجّح كان صدور

ص: 202

الفعل ممتنعا،و بعد حصوله يكون واجبا.

و إذ عرفت هذا كان خلق الدّاعية الموجبة للكفر في القلب ختما على القلب،و منعا له عن قبول الإيمان،فإنّه سبحانه لمّا حكم عليهم بأنّهم لا يؤمنون،ذكر عقيبة ما يجري مجرى السّبب الموجب له،لأنّ العلم بالعلّة يفيد العلم بالمعلول،و العلم بالمعلول لا يكمل إلاّ إذا استفيد من العلم بالعلّة،فهذا قول من أضاف جميع المحدثات إلى اللّه تعالى.

و أمّا المعتزلة فقد قالوا:إنّه لا يجوز أجراء هذه الآية على المنع من الإيمان،و احتجّوا فيه بالوجوه الّتي حكيناها عنهم في الآية الأولى و زادوا هاهنا بأنّ اللّه تعالى قد كذّب الكفّار الّذين قالوا:إنّ على قلوبهم كنّا و غطاء يمنعهم عن الإيمان وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً النّساء:

155،و قال: فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ فصّلت:4،5، و هذا كلّه عيب و ذمّ من اللّه تعالى فيما ادّعوا أنّهم ممنوعون عن الإيمان.

ثمّ قالوا:بل لا بدّ من حمل«الختم و الغشاوة»على أمور أخر،ثمّ ذكروا فيه وجوها:

أحدها:أنّ القوم لمّا أعرضوا و تركوا الاهتداء بدلائل اللّه تعالى حتّى صار ذلك كالألف و الطّبيعة لهم،أشبه حالهم حال من منع عن الشّيء و صدّ عنه،و كذلك هذا في عيونهم حتّى كأنّها مسدودة لا تبصر شيئا،و كأنّ بآذانهم و قرا حتّى لا يخلص إليها الذّكر،و إنّما أضيف ذلك إلى اللّه تعالى،لأنّ هذه الصّفة في تمكّنها و قوّة ثباتها كالشّيء الخلقيّ،و لهذا قال تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ النّساء:155، كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ المطفّفين:14، فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ التّوبة:77.

و ثانيها:أنّه يكفى في حسن الإضافة أدنى سبب، فالشّيطان هو الخاتم في الحقيقة أو الكافر،إلاّ أنّ اللّه تعالى لمّا كان هو الّذي أقدره،أسند إليه الختم،كما يسند الفعل إلى السّبب.

و ثالثها:أنّهم لمّا أعرضوا عن التّدبّر و لم يصغوا إلى الذّكر،و كان ذلك عند إيراد اللّه تعالى عليهم الدّلائل، أضيف ما فعلوا إلى اللّه تعالى،لأنّ حدوثه إنّما اتّفق عند إيراده تعالى دلائله عليهم،كقوله تعالى في سورة براءة:

فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ التّوبة:125،أي ازدادوا بها كفرا إلى كفرهم.

و رابعها:أنّهم بلغوا في الكفر إلى حيث لم يبق طريق إلى تحصيل الإيمان لهم إلاّ بالقسر و الإلجاء،إلاّ أنّ اللّه تعالى ما أقرّهم عليه لئلاّ يبطل التّكليف،فعبّر عن ترك القسر و الإلجاء بالختم،إشعارا بأنّهم الّذين انتهوا في الكفر إلى حيث لا يتناهون عنه إلاّ بالقسر،و هي الغاية القصوى في وصف لجاجهم في الغيّ.

و خامسها:أن يكون ذلك حكاية لما كان الكفرة يقولونه تهكّما به،من قولهم: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:

5،و نظيره في الحكاية و التّهكّم قوله: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ البيّنة:1.

ص: 203

و سادسها:الختم على قلوب الكفّار من اللّه تعالى هو الشّهادة منه عليهم بأنّهم لا يؤمنون،و على قلوبهم بأنّها لا تعي الذّكر،و لا تقبل الحقّ،و على أسماعهم بأنّها لا تصغي إلى الحقّ،كما يقول الرّجل لصاحبه:أريد أن تختم على ما يقوله فلان،أي تصدّقه و تشهد بأنّه حقّ، فأخبر اللّه تعالى في الآية الأولى بأنّهم لا يؤمنون،و أخبر في هذه الآية بأنّه قد شهد بذلك و حفظه عليهم.

و سابعها:قال بعضهم:هذه الآية إنّما جاءت في قوم مخصوصين من الكفّار،فعل اللّه تعالى بهم هذا الختم و الطّبع في الدّنيا،عقابا لهم في العاجل،كما عجّل لكثير من الكفّار عقوبات في الدّنيا،فقال: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ البقرة:65،و قال: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ المائدة:26،و نحو هذا من العقوبات المعجّلة،لما علم اللّه تعالى فيها من العبرة لعبادة و الصّلاح لهم،فيكون هذا مثل ما فعل بهؤلاء من الختم و الطّبع،إلاّ أنّهم إذا صاروا بذلك إلى أن لا يفهموا،سقط عنهم التّكليف،كسقوطه عمّن مسخ.و قد أسقط اللّه التّكليف عمّن يعقل بعض العقل،كمن قارب البلوغ.و لسنا ننكر أن يخلق اللّه في قلوب الكافرين مانعا يمنعهم عن الفهم و الاعتبار،إذا علم أنّ ذلك أصلح لهم،كما قد يذهب بعقولهم و يعمي أبصارهم،و لكن لا يكونون في هذا الحال مكلّفين.

و ثامنها:يجوز أن يجعل اللّه على قلوبهم الختم و على أبصارهم الغشاوة،من غير أن يكون ذلك حائلا بينهم و بين الإيمان،بل يكون ذلك كالبلادة الّتي يجدها الإنسان في قلبه،و القذى في عينيه،و الطّنين في أذنه.فيفعل اللّه كلّ ذلك بهم ليضيّق صدورهم و يورثهم الكرب و الغمّ، فيكون ذلك عقوبة مانعة من الإيمان،كما قد فعل ببني إسرائيل فتاهوا،ثمّ يكون هذا الفعل في بعض الكفّار، و يكون ذلك آية للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و دلالة له،كالرّجز الّذي أنزل على قوم فرعون حتّى استغاثوا منه،و هذا كلّه مقيّد بما يعلم اللّه تعالى أنّه أصلح للعباد.

و تاسعها:يجوز أن يفعل هذا الختم بهم في الآخرة، كما قد أخبر أنّه يعميهم،قال: وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا الإسراء:97، و قال: وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً طه:102، و قال: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ يس:65،و قال:

لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ هُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ الإسراء:97، الأنبياء:100.

و عاشرها:ما حكوه عن الحسن البصريّ-و هو اختيار أبي عليّ الجبّائيّ و القاضي-أنّ المراد بذلك:

علامة و سمة يجعلها في قلب الكفّار و سمعهم،فتستدلّ الملائكة بذلك على أنّهم كفّار،و على أنّهم لا يؤمنون أبدا، فلا يبعد أن يكون في قلوب المؤمنين علامة تعرف الملائكة بها كونهم مؤمنين عند اللّه،كما قال: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ المجادلة:22،و حينئذ الملائكة يحبّونه و يستغفرون له،و يكون لقلوب الكفّار علامة تعرف الملائكة بها كونهم ملعونين عند اللّه فيبغضونه و يلعنونه.

و الفائدة في تلك العلامة إمّا مصلحة عائدة إلى الملائكة،لأنّهم متى علموا بتلك العلامة كونه كافرا

ص: 204

ملعونا عند اللّه تعالى،صار ذلك منفّرا لهم عن الكفر أو إلى المكلّف،فإنّه إذا علم أنّه متى آمن فقد أحبّه أهل السّماوات،صار ذلك مرغّبا له في الإيمان،و إذا علم أنّه متى أقدم على الكفر عرف الملائكة منه ذلك فيبغضونه و يلعنونه،صار ذلك زاجرا له عن الكفر.

قالوا:و الختم بهذا المعنى لا يمنع(لأنّا نتمكّن بعد ختم الكتاب أن نفكّه و نقرأه،و لأنّ الختم هو بمنزلة أن يكتب على جبين الكافر أنّه كافر،فإذا لم يمنع ذلك من الإيمان، فكذا هذا الكافر يمكنه أن يزيل تلك السّمة عن قلبه،بأن يأتي بالإيمان و يترك الكفر.قالوا:و إنّما خصّ القلب و السّمع بذلك،لأنّ الأدلّة السّمعيّة لا تستفاد إلاّ من جهة السّمع،و الأدلّة العقليّة لا تستفاد إلاّ من جانب القلب، و لهذا خصّهما بالذّكر.

فإن قيل:فيتحمّلون الغشاوة في البصر أيضا على معنى العلامة؟

قلنا:لا،لأنّا إنّما حملنا ما تقدّم على السّمة و العلامة.

لأنّ حقيقة اللّغة تقتضي ذلك،و لا مانع منه،فوجب إثباته.

أمّا الغشاوة فحقيقتها الغطاء المانع من الإبصار، و معلوم من حال الكفّار خلاف ذلك،فلا بدّ من حمله على المجاز،و هو تشبيه حالهم بحال من لا ينتفع ببصره في باب الهداية.فهذا مجموع أقوال النّاس في هذا الموضع.

المسألة الثّالثة:الألفاظ الواردة في القرآن القريبة من معنى الختم هي:الطّبع،و الكنان،و الرّين على القلب، و الوقر في الآذان،و الغشاوة في البصر،ثمّ الآيات الواردة في ذلك مختلفة فالقسم الأوّل:وردت دلالة على حصول هذه الأشياء،قال: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ المطفّفين:14، وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً الأنعام:25، وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ التّوبة:87، بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155، فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ فصّلت:4، لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا يس:70، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ النّمل:80، أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ النّحل:21، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ البقرة:10.

و القسم الثّاني:وردت دلالة على أنّه لا مانع البتّة وَ ما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا الإسراء:94، فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ الكهف:29، لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها البقرة:286، وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78، كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ البقرة:28، لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ آل عمران:

71.

و القرآن مملوء من هذين القسمين،و صار كلّ قسم منهما متمسّكا لطائفة،فصارت الدّلائل السّمعيّة لكونها من الطّرفين واقعة في حيّز التّعارض.أمّا الدّلائل العقليّة فهي الّتي سبقت الإشارة إليها.

و بالجملة فهذه المسألة من أعظم المسائل الإسلاميّة و أكثرها شعبا و أشدّها شغبا،و يحكى أنّ الإمام أبا القاسم الأنصاريّ سئل عن تكفير المعتزلة في هذه المسألة، فقال:لا،لأنّهم نزّهوه،فسئل عن أهل السّنّة،فقال:لا، لأنّهم عظّموه،و المعنى أنّ كلا الفريقين ما طلب إلاّ إثبات جلال اللّه و علوّ كبريائه،إلاّ أنّ أهل السّنّة وقع نظرهم

ص: 205

على العظمة،فقالوا:ينبغي أن يكون هو الموجد و لا موجد سواه.و المعتزلة وقع نظرهم على الحكمة،فقالوا:

لا يليق بجلال حضرته هذه القبائح.

و أقول:هاهنا سرّ آخر،و هو أنّ إثبات الإله يلجئ إلى القول بالجبر،لأنّ الفاعليّة لو لم تتوقّف على الدّاعية، لزم وقوع الممكن من غير مرجّح،و هو نفي الصّانع،و لو توقّفت لزم الجبر.و إثبات الرّسول يلجئ إلى القول بالقدرة.

بل هاهنا سرّ آخر هو فوق الكلّ،و هو أنّا لمّا رجعنا إلى الفطرة السّليمة و العقل الأوّل،وجدنا أنّ ما استوى الوجود و العدم بالنّسبة إليه،لا يترجّح أحدهما على الآخر إلاّ لمرجّح،و هذا يقتضي الجبر.و نجد أيضا تفرقة بديهيّة بين الحركات الاختياريّة و الحركات الاضطراريّة،و جزما بديهيّا بحسن المدح و قبح الذّمّ، و الأمر و النّهي.و ذلك يقتضي مذهب المعتزلة،فكأنّ هذه المسألة وقعت في حيّز التّعارض بحسب العلوم الضّروريّة،و بحسب العلوم النّظريّة،و بحسب تعظيم اللّه تعالى نظرا إلى قدرته و حكمته،و بحسب التّوحيد و التّنزيه،و بحسب الدّلائل السّمعيّة،فلهذه المآخذ الّتي شرحناها و الأسرار الّتي كشفنا عن حقائقها،صعبت المسألة و غمضت و عظمت،فنسأل اللّه العظيم أن يوفّقنا للحقّ،و أن يختم عاقبتنا بالخير،آمين ربّ العالمين.

(2:48)

القرطبيّ: في الآية مسائل:

الأولى:قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ بيّن سبحانه في هذه الآية المانع لهم من الإيمان بقوله: خَتَمَ اللّهُ. و الختم:

مصدر ختمت الشّيء ختما فهو مختوم و مختّم،شدّد للمبالغة،و معناه التّغطية على الشّيء،و الاستيثاق منه حتّى لا يدخله شيء،و منه:ختم الكتاب و الباب و ما يشبه ذلك،حتّى لا يوصل إلى ما فيه،و لا يوضع فيه غير ما فيه.

و قال أهل المعاني:وصف اللّه تعالى قلوب الكفّار بعشرة أوصاف:بالختم و الطّبع و الضّيق و المرض و الرّين و الموت و القساوة و الانصراف و الحميّة و الإنكار.فقال في الإنكار: قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ النّحل:

22.و قال في الحميّة: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ الفتح:26.و قال في الانصراف: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ التّوبة:127.

و قال في القساوة: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ الزّمر:22،و قال: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ البقرة:74،و قال في الموت: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122،و قال: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ الأنعام:36، و قال في الرّين: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ المطفّفين:14،و قال في المرض: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ البقرة:10،و قال في الضّيق: وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً الأنعام:125،و قال في الطّبع: فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ المنافقون:

3،و قال: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155، و قال في الختم: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7، و سيأتي بيانها كلّها في مواضعها إن شاء اللّه تعالى.

الثّانية:الختم يكون محسوسا كما بيّنّا،و معنى كما في

ص: 206

هذه الآية.فالختم على القلوب:عدم الوعي عن الحقّ سبحانه مفهوم مخاطباته و الفكر في آياته،و على السّمع:

عدم فهمهم للقرآن،إذا تلي عليهم أو دعوا إلى وحدانيّته،و على الأبصار:عدم هدايتها للنّظر في مخلوقاته و عجائب مصنوعاته؛هذا معنى قول ابن عبّاس و ابن مسعود و قتادة و غيرهم.

الثّالثة:في هذه الآية أدلّ دليل و أوضح سبيل على أنّ اللّه سبحانه خالق الهدى و الضّلال،و الكفر و الإيمان، فاعتبروا أيّها السّامعون،و تعجّبوا أيّها المفكّرون من عقول القدريّة القائلين:بخلق إيمانهم و هداهم؛فإنّ الختم هو الطّبع،فمن أين لهم الإيمان و لو جهدوا،و قد طبع على قلوبهم و على سمعهم،و جعل على أبصارهم غشاوة فمتى يهتدون،أو من يهديهم من بعد اللّه إذا أضلّهم و أصمّهم و أعمى أبصارهم وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ الرّعد:33!و كان فعل اللّه ذلك عدلا فيمن أضلّه و خذله؛إذ لم يمنعه حقّا وجب له فتزول صفة العدل،و إنّما منعهم ما كان له أن يتفضّل به عليهم،لا ما وجب لهم.

فإن قالوا:إنّ معنى الختم و الطّبع و الغشاوة:التّسمية و الحكم،و الإخبار بأنّهم لا يؤمنون،لا الفعل.

قلنا:هذا فاسد،لأنّ حقيقة الختم و الطّبع،إنّما هو فعل ما يصير به القلب مطبوعا مختوما؛لا يجوز أن تكون حقيقته التّسمية و الحكم.أ لا ترى أنّه إذا قيل:فلان طبع الكتاب و ختمه،كان حقيقة أنّه فعل ما صار به الكتاب مطبوعا و مختوما،لا التّسمية و الحكم.هذا ما لا خلاف فيه بين أهل اللّغة،و لأنّ الأمّة مجمعة على أنّ اللّه تعالى قد وصف نفسه بالختم و الطّبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم،كما قال تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155.

و أجمعت الأمّة على أنّ الطّبع و الختم على قلوبهم من جهة النّبيّ عليه السّلام و الملائكة و المؤمنين ممتنع؛فلو كان الختم و الطّبع هو التّسمية و الحكم،لما امتنع من ذلك الأنبياء و المؤمنون،لأنّهم كلّهم يسمّون الكفّار بأنّهم مطبوع على قلوبهم،و أنّهم مختوم عليها،و أنّهم في ضلال لا يؤمنون؛ و يحكمون عليهم بذلك.فثبت أنّ الختم و الطّبع هو معنى غير التّسمية و الحكم؛و إنّما هو معنى يخلقه اللّه في القلب يمنع من الإيمان به،دليله قوله تعالى: كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ* لا يُؤْمِنُونَ بِهِ الحجر:12 و 13، و قال: وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ الأنعام:

25 و الإسراء:46،أي لئلاّ يفقهوه،و ما كان مثله.

(1:185)

البيضاويّ: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ تعليل للحكم السّابق،و بيان ما يقتضيه.و الختم:الكتم،سمّي به الاستيثاق من الشّيء بضرب الخاتم عليه،لأنّه كتم له و البلوغ آخره،نظرا إلى أنّه آخر فعل يفعل في إحرازه،و الغشاوة:«فعالة»من غشاه،إذا غطّاه بنيت لما يشتمل على الشّيء كالعصابة و العمامة،و لا ختم و لا تغشية على الحقيقة،و إنّما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم هيئة تمرّنهم على استحباب الكفر و المعاصي،و استقباح الإيمان و الطّاعات بسبب غيّهم،و انهماكهم في التّقليد،و إعراضهم عن النّظر الصّحيح،فتجعل قلوبهم بحيث لا ينفذ فيها الحقّ، و أسماعهم تعاف استماعه،فتصير كأنّها مستوثق منها

ص: 207

بالختم،و أبصارهم لا تجتلي الآيات المنصوبة لهم في الأنفس و الآفاق،كما تجتليها أعين المستبصرين،فتصير كأنّها غطّي عليها،و حيل بينها و بين الإبصار،و سمّاه على الاستعارة ختما و تغشية،أو مثّل قلوبهم و مشاعرهم المئوفة بها بأشياء،ضرب حجاب بينها و بين الاستنفاع بها ختما و تغطية.

و قد عبّر عن إحداث هذه الهيئة بالطّبع في قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ النّحل:108،و بالإغفال في قوله تعالى:

وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا الكهف:28، و بالإقساء في قوله تعالى: وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً المائدة:13،و هي من حيث إنّ الممكنات بأسرها، مستندة إلى اللّه تعالى واقعة بقدرته،أسندت إليه،و من حيث إنّها مسبّبة ممّا اقترفوه بدليل قوله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155،و قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ المنافقون:3، وردت الآية ناعية عليهم شناعة صفتهم و وخامة عاقبتهم.

و اضطربت المعتزلة فيه فذكروا وجوها من التّأويل:

الأوّل:أنّ القوم لمّا أعرضوا عن الحقّ و تمكّن ذلك في قلوبهم حتّى صار كالطّبيعة لهم،شبّه بالوصف الخلقي المجبول عليه.

الثّاني:أنّ المراد به تمثيل حال قلوبهم بقلوب البهائم الّتي خلقها اللّه تعالى خالية عن الفطن،أو قلوب مقدّرة ختم اللّه عليها.و نظيره:سال به الوادي،إذا هلك.

و طارت به العنقاء،إذا طالت غيبته.

الثّالث:أن ذلك في الحقيقة فعل الشّيطان أو الكافر، لكن لمّا كان صدوره عنه بإقداره تعالى إيّاه،أسند إليه إسناد الفعل إلى المسبّب.

الرّابع:أنّ أعراقهم لمّا رسخت في الكفر و استحكمت؛بحيث لم يبق طريق إلى تحصيل إيمانهم سوى الإلجاء و القسر،ثمّ لم يقسرهم إبقاء على غرض التّكليف،عبّر عن تركه بالختم فإنّه سدّ لإيمانهم،و فيه إشعار على تمادي أمرهم في الغيّ،و تناهي انهماكهم في الضّلال و البغي.

الخامس:أن يكون حكاية لما كانت الكفرة يقولون مثل: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5،تهكّما و استهزاء بهم،كقوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا البيّنة:1.

السّادس:أنّ ذلك في الآخرة،و إنّما أخبر عنه بالماضي لتحقّقه و تيقّن وقوعه،و يشهد له قوله تعالى:

وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا الإسراء:97.

السّابع:أنّ المراد بالختم و سم قلوبهم بسمة تعرفها الملائكة،فيبغضونهم و يتنفّرون منهم.و على هذا المنهاج كلامنا و كلامهم فيما يضاف إلى اللّه تعالى من طبع و إضلال و نحوهما.(1:20)

النّسفيّ: [نقل قول الزّجّاج ثمّ قال:]

قال ابن عبّاس:طبع اللّه على قلوبهم فلا يعقلون الخير،يعني أنّ اللّه طبع عليها،فجعلها بحيث لا يخرج منها ما فيها من الكفر،و لا يدخلها ما ليس فيها من الإيمان.

و حاصل الختم و الطّبع:خلق الظّلمة و الضّيق في

ص: 208

صدر العبد عندنا،فلا يؤمن ما دامت تلك الظّلمة في قلبه.

و عند المعتزلة أعلام محض على القلوب بما يظهر للملائكة أنّهم كفّار،فيلعنونهم و لا يدعون لهم بخير.

و قال بعضهم:إنّ إسناد الختم إلى اللّه تعالى مجاز، و الخاتم في الحقيقة الكافر،إلاّ أنّه تعالى لمّا كان هو الّذي أقدره و مكّنه،أسند إليه الختم،كما يسند الفعل إلى المسبّب،فيقال:بنى الأمير المدينة،لأنّ للفعل ملابسات شتّى يلابس الفاعل و المفعول به و المصدر و الزّمان و المكان و المسبّب له،فإسناده إلى الفاعل حقيقة،و قد يسند إلى هذه الأشياء مجازا،لمضاهاتها الفاعل في ملابسة الفعل،كما يضاهي الرّجل الأسد في جرأته، فيستعار له اسمه.و هذا فرع مسألة خلق الأفعال.

(1:16)

أبو حيّان :هل قوله: لا يُؤْمِنُونَ خبر عنهم أو حكم عليهم أو ذمّ لهم أو دعاء عليهم،أقوال:و ظاهر قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ أنّه إخبار من اللّه تعالى بختمه، و حمله بعضهم على أنّه دعاء عليهم،و كنّى بالختم على القلوب عن كونها لا تقبل شيئا من الحقّ و لا تعيه لإعراضها عنه،فاستعار الشّيء المحسوس للشّيء المعقول،أو مثّل القلب بالوعاء الّذي ختم عليه صونا لما فيه،و منعا لغيره من الدّخول إليه،و الأوّل مجاز الاستعارة،و الثّاني مجاز التّمثيل.

و نقل عمّن مضى:أنّ الختم حقيقة،و هو انضمام القلب و انكماشه،قال مجاهد:إذا أذنبت ضمّ من القلب هكذا-و ضمّ مجاهد الخنصر-ثمّ إذا أذنبت ضمّ هكذا- و ضمّ البنصر-ثمّ هكذا إلى الإبهام،و هذا هو الختم و الطّبع و الرّين.

و قيل:الختم:سمة تكون فيهم تعرفهم الملائكة بها من المؤمنين،و قيل:حفظ ما في قلوبهم من الكفر ليجازيهم،و قيل:الشّهادة على قلوبهم بما فيها من الكفر.

و نسبة الختم إلى اللّه تعالى بأيّ معنى فسّر إسناد صحيح؛إذ هو إسناد إلى الفاعل الحقيقيّ؛إذ اللّه تعالى خالق كلّ شيء.[ثمّ نقل وجوه التّأويل عن المعتزلة نحو ما تقدّم عن الفخر الرّازيّ و البيضاويّ و قال:]

و تكرير حرف الجرّ يدلّ على أنّ الختم ختمان،أو على التّوكيد إن كان الختم واحدا،فيكون أدلّ على شدّة الختم.(1:48)

ابن كثير :[نقل بعض أقوال المتقدّمين و قال:]

و قال بعضهم:إنّما معنى قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ إخبار من اللّه عن تكبّرهم،و إعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحقّ،كما يقال:إنّ فلانا أصمّ عن هذا الكلام،إذا امتنع من سماعه،و رفع نفسه عن تفهّمه تكبّرا.قال:و هذا لا يصحّ؛لأنّ اللّه تعالى قد أخبر أنّه هو الّذي ختم على قلوبهم و أسماعهم.

قلت:و قد أطنب الزّمخشريّ في تقرير ما ردّه ابن جرير هاهنا،و تأوّل الآية من خمسة أوجه،و كلّها ضعيفة جدّا،و ما جرّأه على ذلك إلاّ اعتزاله،لأنّ الختم على قلوبهم و منعها من وصول الحقّ إليها قبيح عنده،يتعالى اللّه عنه في اعتقاده،و لو فهم قوله تعالى: فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ الصّفّ:5،و قوله: وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ نَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ الأنعام:110،و ما أشبه ذلك من

ص: 209

الآيات،الدّالّة على أنّه تعالى إنّما ختم على قلوبهم و حال بينهم و بين الهدى،جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل و تركهم الحقّ.و هذا عدل منه تعالى حسن و ليس بقبيح، فلو أحاط علما بهذا لما قال ما قال،و اللّه أعلم.

قال القرطبيّ: و أجمعت الأمّة على أنّ اللّه عزّ و جلّ قد وصف نفسه بالختم و الطّبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم،كما قال: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155.[ثمّ أيّد كلام القرطبيّ بالأحاديث،و ما نقل عن الطّبريّ].(1:80)

أبو السّعود : خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ استئناف تعليليّ لما سبق الحكم،و بيان لما يقتضيه،أو بيان و تأكيد له،و المراد بالقلب محلّ القوّة العاقلة من الفؤاد،و الختم على الشّيء:الاستيثاق منه بضرب الخاتم عليه صيانة له،أو لما فيه من التّعرّض له،كما في البيت الفارغ و الكيس المملوء.و الأوّل هو الأنسب بالمقام؛إذ ليس المراد به صيانة ما في قلوبهم،بل إحداث حالة تجعلها بسبب تماديهم في الغيّ و انهماكهم في التّقليد،و إعراضهم عن منهاج النّظر الصّحيح؛بحيث لا يؤثّر فيها الإنذار،و لا ينفذ فيها الحقّ أصلا:

إمّا على طريقة الاستعارة التّبعيّة،بأن يشبّه ذلك بضرب الخاتم على نحو أبواب المنازل الخالية المبنيّة للسّكنى،تشبيه معقول بمحسوس بجامع عقليّ،هو الاشتمال على منع القابل عمّا من شأنه و حقّه أن يقبله، و يستعار له الختم،ثمّ يشتقّ منه صيغة الماضي.

و إمّا على طريقة التّمثيل بأن يشبه الهيئة المنتزعة من قلوبهم،و قد فعل بها ما فعل من إحداث تلك الحالة المانعة،من أن يصل إليها ما خلقت هي لأجله من الأمور الدّينيّة النّافعة،و حيل بينها و بينه بالمرّة بهيئة منتزعة من محالّ معدّة لحلول ما يحلّها حلولا مستتبعا لمصالح مهمّة،و قد منع من ذلك بالختم عليها،و حيل بينها و بين ما أعدّت لأجله بالكلّيّة،ثمّ يستعار لها ما يدلّ على الهيئة المشبّه بها،فيكون كلّ من طرفي التّشبيه مركّبا من أمور عدّة،قد اقتصر من جانب المشبّه به على ما عليه يدور الأمر في تصوير تلك الهيئة و انتزاعها و هو الختم،و الباقي منويّ مراد قصدا بألفاظ متخيّلة بها يتحقّق التّركيب، و تلك الألفاظ و إن كان لها مدخل في تحقيق وجه الشّبه الّذي هو أمر عقليّ منتزع منها،و هو امتناع الانتفاع بما أعدّ له بسبب مانع قويّ،ليس في شيء منها على الانفراد تجوّز باعتبار هذا المجاز،بل هي باقية على حالها من كونها حقيقة أو مجازا أو كناية،و إنّما التّجوّز في المجموع،و حيث كان معنى المجموع مجموع معاني تلك الألفاظ الّتي ليس فيها التّجوّز المعهود،و لم تكن الهيئة المنتزعة منها مدلولا وضعيّا لها،ليكون ما دلّ على الهيئة المشبّه بها عند استعماله في الهيئة المشبّهة مستعملا في غير ما وضع له، فيندرج تحت الاستعارة الّتي هي قسم من المجاز اللّغويّ، الّذي هو عبارة عن الكلمة المستعملة في غير ما وضع له.

ذهب قدماء المحقّقين كالشّيخ عبد القاهر و أضرابه إلى جعل التّمثيل قسما برأسه،و من رام تقليل الأقسام عدّ تلك الهيئة المشبّه بها من قبيل المدلولات الوضعيّة، و جعل الكلام المفيد لها عند استعماله فيما يشبّه بها من هيئة أخرى،منتزعة من أمور أخر من قبيل الاستعارة، و سمّاه استعارة تمثيليّة،و إسناد إحداث تلك الحالة في

ص: 210

قلوبهم إلى اللّه تعالى،لاستناد جميع الحوادث عندنا من حيث الخلق إليه سبحانه و تعالى،و ورود الآية الكريمة ناعية عليهم سوء صنيعهم و وخامة عاقبتهم،لكون أفعالهم من حيث الكسب مستندة إليهم،فإنّ خلقها منه سبحانه ليس بطريق الجبر،بل بطريق التّرتيب على ما اقترفوه من القبائح،كما يعرب عنه قوله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155،و نحو ذلك.

و أمّا المعتزلة فقد سلكوا مسلك التّأويل،و ذكروا في ذلك عدّة من الأقاويل.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن الفخر الرّازيّ](1:52)

البروسويّ: في«التّأويلات النّجميّة»في الختم إشارة إلى بداية سوابق أحكام القدر بالسّعادة و الشّقاوة، على وفق الحكمة و الإرادة الأزليّة للخليقة،كما قال تعالى: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ هود:105،مع حسن استعداد جميعهم بقبول الإيمان و الكفر،و لهذا لمّا خاطب الحقّ ذرّاتهم بخطاب أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى جميعا.

ثمّ أودع اللّه الذّرّات في القلوب،و القلوب في الأجساد، و الأجساد في الدّنيا في ظلمات ثلاث،و كانت روزنة القلوب كلّها مفتوحة إلى عالم الغيب بواسطة الذّرّات المودعات الّتي سمعت خطاب الحقّ،و شاهدت كمال الحقّ،إلى وقت ولادة كلّ إنسان،كما قال عليه السّلام:«كلّ مولود يولد على فطرة الإسلام،فأبواه يهوّدانه و ينصّرانه و يمجّسانه».

و فيه إشارة إلى أنّ اللّه يكل الأشقياء إلى تربية الوالدين في معنى الدّين،حتّى يلقّنوهم تقليد ما ألفوا عليه آباءهم من الضّلالة فيضلّوهم،كما قال تعالى:

أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ الأنبياء:54،فكانت تلك الشّقاوة المقدّرة مضمرة في ضلالة التّقليد و الصّفات النّفسانيّة الظّلمانيّة و الهوى و الطّبيعة،ثمّ جعل تأثيرها و ظلمتها و رينها يندرج إلى القلوب فيقسيها،و يسوّدها و يغطّيها،و يسدّ روزنتها إلى الذّرّات،فيعميها و يصمّها حتّى لا يبصر أهل الشّقاوة ببصر الذّرّات من الحقّ ما كانوا يبصرون،و لا يسمع بسمع الذّرّات من الحقّ ما كانوا يسمعون،فينكرون على الأنبياء و يكفرون بهم و بما يدعونهم إليه،فيختم اللّه شقاوتهم بكفرهم هذا،و يطبع به على قلوبهم،كقوله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155.

فسرّ القدر مستور لا يطّلع عليه أحد إلاّ اللّه،فيظهر آثار السّعادة بإقرار السّعداء،و يظهر آثار الشّقاوة بإنكار الأشقياء و كفرهم من القدر،كالبذر في الأرض مستور فتظهر الشّجرة منه،و هو في الشّجرة مستور فيخرج مع الأغصان من الشّجرة،و هو في الأغصان مستور حتّى يخرج مع الثمرة من الأغصان،و هو في الثّمرة مستور حتّى يظهر من الثّمرة،فيختم ظهور البذر بالثّمرة.

فكذلك سرّ القدر و هو بذر السّعادة أو الشّقاوة مستور في علم اللّه تعالى،فتظهر شجرة وجود الإنسان منه،و السّعادة و الشّقاوة مستورة فيها،فتخرج مع أغصان الأخلاق،و هي مستورة فيها فتخرج مع ثمرة الأعمال،و هي الإقرار و الإنكار و الإيمان و الكفر،فيختم ظهور سرّ القدر و هو السّعادة أو الشّقاوة بثمرة الإيمان أو الكفر،فيظهر سرّ القدر عند الختم بالسّعادة أو الشّقاوة، فالّذين خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ إنّما ختم بخاتم كفرهم،

ص: 211

و إن كان نقش خاتمهم هو الأحكام الأزليّة و سرّ القدر، حتّى حرموا من دولة الوصال،و به ختم عَلى سَمْعِهِمْ حتّى لم يسمعوا خطاب الملك ذي الجلال.(1:50)

الآلوسيّ: إشارة إلى برهان لمّيّ للحكم السّابق،كما أنّ سَواءٌ عَلَيْهِمْ إلخ،على تقدير كونه اعتراضا برهان إنّيّ،فالختم و التّغشية مسبّبان عن نفس الكفر،و اقتراف المعاصي سببان للاستمرار على عدم الإيمان،أو لاستواء الإنذار و عدمه.فالقطع لأنّه سؤال عن سبب الحكم، و الختم:الوسم بطابع و نحوه و الأثر الحاصل.و يتجوّز بذلك تارة في الاستيثاق من الشّيء،و المنع منه اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب و الأبواب،و تارة في تحصيل أثر عن أثر اعتبارا بالنّقش الحاصل،و تارة يعتبر معه بلوغ الآخر،و منه ختمت القرآن.

و حمل الظّاهريّون الختم و التّغشية على حقيقتهما، و فوّضوا الكيفيّة إلى علم من لا كيفيّة له سبحانه.و روي عن مجاهد أنّه قال:«إذا أذنب العبد ضمّ من القلب هكذا -و ضمّ الخنصر-ثمّ إذا أذنب ضمّ هكذا-و ضمّ البنصر -و هكذا إلى الإبهام.ثمّ قال:و هذا هو الختم و الطّبع و الرّين».

و هو عندي غير معقول.و الّذي ذهب إليه المحقّقون:

أنّ الختم استعير من ضرب الخاتم على نحو الأواني لإحداث هيئة في القلب و السّمع مانعة من نفوذ الحقّ إليهما،كما يمنع نقش الخاتم-تلك الظّروف-من نفوذ ما هو بصدد الانصباب فيها،فيكون استعارة محسوس لمعقول بجامع عقليّ،و هو الاشتمال على منع القابل عمّا من شأنه أن يقبله،ثمّ اشتق من الختم ختم،ففيه استعارة تصريحيّة تبعيّة.

و أمّا الغشاوة فقد استعيرت من معناها الأصليّ لحالة في أبصارهم مقتضية لعدم اجتلائها الآيات و الجامع ما ذكر؛فهناك استعارة تصريحيّة أصليّة أو تبعيّة،إذا أوّلت«الغشاوة»بمشتقّ،أو جعلت اسم آلة على ما قيل.

و يجوز أن يكون في الكلام استعارة تمثيليّة بأن يقال:

شبّهت حال قلوبهم و أسماعهم و أبصارهم-مع الهيئة الحادثة فيها المانعة من الاستنفاع بها-بحال أشياء معدّة للانتفاع بها في مصالح مهمّة مع المنع من ذلك بالختم و التّغطية،ثمّ يستعار للمشبّه اللّفظ الدّال على المشبّه به، فيكون كلّ واحد من طرفي التّشبيه مركّبا،و الجامع عدم الانتفاع بما أعدّ له بسبب عروض مانع يمكن فيه كالمانع الأصليّ،و هو أمر عقليّ منتزع من تلك العدّة.

ثمّ إنّ إسناد الختم إليه عزّ و جلّ باعتبار الخلق و الذّمّ و التّشنيع الّذي تشير إليه الآية؛باعتبار كون ذلك مسبّبا عمّا كسبه الكفّار من المعاصي،كما يدلّ عليه قوله تعالى:

بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155،و إلاّ أشكل التّشنيع و الذّمّ على ما ليس فعلهم.كذا قاله مفسّر و أهل السّنّة عن آخرهم فيما أعلم.

و المعتزلة لما رأوا أنّ الآية يلزم منها أن يكون سبحانه مانعا عن قبول الحقّ و سماعه بالختم،و هو قبيح يمتنع صدوره عنه تعالى على قاعدتهم،التزموا للآية تأويلات ذكر الزّمخشريّ جملة منها،حتّى قال:الشّيطان هو الخاتم في الحقيقة أو الكافر،إلاّ أنّ اللّه سبحانه و تعالى لمّا كان هو الّذي أقدره أو مكّنه أسند الختم إليه،كما يسند إلى السّبب نحو:بنى الأمير المدينة،و ناقة حلوب.

ص: 212

و أنا أقول:إنّ ماهيّات الممكنات معلومة له سبحانه أزلا،فهي متميّزة في أنفسها تميّزا ذاتيّا غير مجعول، لتوقّف العلم بها على ذلك التّميّز،و إنّ لها استعدادات ذاتيّة غير مجعولة أيضا مختلفة الاقتضاءات،و العلم الإلهيّ متعلّق بها كاشف لها على ما هي عليه في أنفسها، من اختلاف استعداداتها الّتي هي من مفاتيح الغيب الّتي لا يعلمها إلاّ هو،و اختلاف مقتضيات تلك الاستعدادات.فإذا تعلّق العلم الإلهيّ بها على ما هي عليه ممّا يقتضيه استعدادها من اختيار أحد الطّرفين الخير و الشّرّ،تعلّقت الإرادة الإلهيّة بهذا الّذي اختاره العبد بمقتضى استعداده،فيصير مراده بعد تعلّق الإرادة الإلهيّة مرادا للّه تعالى.فاختياره الأزليّ بمقتضى استعداده متبوع للعلم المتبوع للإرادة مراعاة للحكمة،و أنّ اختياره فيما لا يزال تابع للإرادة الأزليّة المتعلّقة باختياره لما اختاره.

فالعباد منساقون إلى أن يفعلوا ما يصدر عنهم باختيارهم لا بالإكراه و الجبر،و ليسوا مجبورين في اختيارهم الأزليّ،لأنّه سابق الرّتبة على تعلّق العلم السّابق على تعلّق الإرادة،و الجبر تابع للإرادة التّابعة للعلم التّابع للمعلوم الّذي هو هنا اختيارهم الأزليّ، فيمتنع أن يكون تابعا لما هو متأخّر عنه بمراتب،فما من شيء يبرزه اللّه تعالى بمقتضى الحكمة و يفيضه على الممكنات،إلاّ و هو مطلوبها بلسان استعدادها،و ما حرّمها سبحانه شيئا من ذلك،كما يشير إليه قوله تعالى:

أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ طه:50،أي الثّابت له في الأزل،ممّا يقتضيه استعداده الغير المجعول،و إن كانت الصّور الوجوديّة الحادثة مجعولة.و قوله تعالى: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها الشّمس:8،أي الثّابتين لها في نفس الأمر.و الكلّ من حيث أنّه خلقه حسن،لكونه بارزا بمقتضى الحكمة من صانع مطلق لا حاكم عليه،و لهذا قال عزّ شأنه: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ السّجدة:7،و ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ الملك:3،أي من حيث إنّه مضاف إليه و مفاض منه،و إن تفاوت من جهة أخرى،و افترق عند إضافة بعضه إلى بعض.

فعلى هذا يكون الختم منه سبحانه و تعالى دليلا على سواء استعدادهم الثّابت في علمه الأزليّ الغير المجعول،بل هذا الختم الّذي هو من مقتضيات الاستعداد لم يكن من اللّه تعالى،إلاّ إيجاده و إظهار يقينه طبق ما علمه فيهم أزلا حيث لا جعل وَ ما ظَلَمَهُمُ اللّهُ تعالى في إظهاره، إذ من صفته سبحانه إفاضة الوجود على القوابل بحسب القابليّات،على ما تقتضيه الحكمة وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ النّحل:33،حيث كانت مستعدّة بذاتها لذلك.

فحينئذ يظهر أنّ إسناد الختم إليه تعالى باعتبار الإيجاد حقيقة،و يحسن الذّمّ لهم به من حيث دلالته على سوء الاستعداد و قبح ما انطوت عليه ذواتهم في ذلك النّاد وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً الأعراف:58.

أمّا ما ذكره المفسّرون من أنّ إسناد الختم إليه تعالى باعتبار الخلق،فمسلّم لا كلام لنا فيه.

و أمّا إنّ الذّمّ باعتبار كون ذلك مسبّبا عمّا كسبه الكفّار إلخ،فنقول فيه:

ص: 213

إن أرادوا بالكسب ما شاع عند الأشاعرة من مقارنة الفعل لقدرة العبد من غير تأثير لها فيه أصلا،و إنّما المؤثّر هو اللّه تعالى،فهو مع مخالفته لمعنى الكسب،و كونه كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً النّور:39،لا يشفي عليلا،و لا يروي غليلا إذ للخصم أن يقول:أيّ معنى لذمّ العبد بشيء لا مدخل لقدرته فيه إلاّ كمدخل اليد الشّلاّء فيما فعلته الأيدي السّليمة،و حينئذ يتأتّى ما قاله الصّاحب بن عبّاد في هذا الباب:

كيف يأمر اللّه تعالى العبد بالإيمان و قد منعه منه، و ينهاه عن الكفر و قد حمله عليه،و كيف يصرفه عن الإيمان ثمّ يقول: أَنّى يُصْرَفُونَ المؤمن:69،و يخلق فيهم الإفك ثمّ يقول: فَأَنّى تُؤْفَكُونَ الأنعام:95، و أنشأ فيهم الكفر ثمّ يقول: لِمَ تَكْفُرُونَ، و خلق فيهم لبس الحقّ بالباطل ثمّ يقول: لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ آل عمران:71،و صدّهم عن السّبيل ثمّ يقول: لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ آل عمران:99، و حال بينهم و بين الإيمان ثمّ قال: وَ ما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا النّساء:39،و ذهب بهم عن الرّشد ثمّ قال:

فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ التّكوير:26،و أضلّهم عن الدّين حتّى أعرضوا ثمّ قال: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ؟!! المدّثّر:49،فإن أجابوا بأنّ للّه أن يفعل ما يشاء و لا يتعرّض للاعتراض عليه المعترضون لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ الأنبياء:23.

قلنا لهم:هذه كلمة حقّ أريد بها باطل،و روضة صدق،و لكن ليس لكم منها حاصل،لأنّ كونه تعالى لا يسأل عمّا يفعل ليس إلاّ لأنّه حكيم،لا يفعل ما عنه يسأل،و إذا قلتم:لا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها،كما لا أثر للعلم في معلومه،فوجه مطالبة العبد بأفعاله كوجه مطالبته بأن يثبت في نفسه ألوانا و إدراكات،و هذا خروج عن حدّ الاعتدال إلى التزام الباطل و المحال،و فيه إبطال الشّرائع العظام،و ردّ ما ورد عن النّبيّين عليهم الصّلاة و السّلام.و إن أرادوا بالكسب فعل العبد استقلالا ما يريده هو و إن لم يرده اللّه تعالى،فهذا مذهب المعتزلة، و فيه الخروج عمّا درج عليه سلف الأمّة،و اقتحام ورطات الضّلال و سلوك مهامه الوبال.

مساو لو قسمن على الغواني

لما أمهرن إلاّ بالطّلاق

و إن أرادوا به تحصيل العبد بقدرته الحادثة حسب استعداده الأزلي المؤثّرة لا مستقلاّ،بل بإذن اللّه تعالى ما تعلّقت به من الأفعال الاختياريّة مشيئته التّابعة لمشيئة اللّه تعالى على ما أشرنا إليه،فنعمت الإرادة و حبّذا السّلوك في هذه الجادّة،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى بسطها، و إقامة الأدلّة على صحّتها،و إماطة الأذى عن طريقها، إلاّ أنّ أشاعرتنا اليوم لا يشعرون،و أنّهم ليحسبون أنّهم يحسنون صنعا،و لبئس ما كانوا يصنعون.

ما في الدّيار أخو و جدّ نطارحه

حديث نجد و لا خلّ نجاريه

و أمّا ما ذكره المعتزلة لا سيّما علاّمتهم الزّمخشريّ فليس أوّل عشواء خبطوها،و في مهواة من الأهواء أهبطوها،و لكم نزلوا عن منصّة الإيمان بالنّصّ إلى حضيض تأويله،ابتغاء الفتنة و استيفاء لما كتب عليهم

ص: 214

من المحنة،و طالما استوخموا من السّنّة المناهل العذاب، و وردوا من حميم البدعة موارد العذاب،و الشّبهة الّتي تدندن هنا حول الحمى،أنّ أفعال العباد لو كانت مخلوقة للّه تعالى لما نعاها على عباده و لا عاقبهم بها،و لا قامت حجّة اللّه تعالى عليهم،و هي أوهى من بيت العنكبوت، و إنّه لأوهن البيوت،و قد علمت جوابها ممّا قدّمناه لك- و ليكن على ذكر منك-على أنّا نرجع فنقول:

إن أسندوا الملازمة-و كذلك يفعلون-إلى قاعدة التّحسين و التّقبيح،و قالوا:معاقبة الإنسان مثلا بفعل غيره قبيحة في الشّاهد،لا سيّما إذا كانت من الفاعل، فيلزم طرد ذلك غائبا،قيل:و يقبح في الشّاهد أيضا أن يمكّن الإنسان عبده من القبائح و الفواحش بمرأى و مسمع،ثمّ يعاقبه على ذلك مع القدرة على ردعه و ردّه من الأوّل عنها.و أنتم تقولون:إنّ القدرة-الّتي بها يخلق العبد الفواحش لنفسه-مخلوقة للّه تعالى،على علم منه عزّ و جلّ،أنّ العبد يخلق بها لنفسه ذلك،فهو بمثابة إعطاء سيف باتر لفاجر يعلم أنّه يقطع به السّبيل و يسبي به الحريم،و ذلك في الشّاهد قبيح جزما.

فإن قالوا:ثمّ حكمة استأثر اللّه تعالى بعلمها،فرّقت بين الغائب و الشّاهد فحسن من الغائب ذلك التّمكين، و لم يحسن في الشّاهد.قلنا:على سبيل التّنزّل و الموافقة لبعض النّاس،ما المانع أن تكون تلك الأفعال مخلوقة للّه تعالى،و يعاقب العبد عليها لمصلحة و حكمة استأثر بها، كما فرغتم منه الآن حذو القذّة بالقذّة؟!على أنّ في كون الخاتم في الحقيقة هو الشّيطان ممّا لا يقدم عليه حتّى الشّيطان،أ لا تسمعه كيف قال: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ص:82،فلا حول و لا قوّة إلاّ باللّه.و ليكن هذا المقدار كافيا في هذا المقام.(1:131)

ابن عاشور :هذه الجملة جارية مجرى التّعليل للحكم السّابق،في قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ البقرة:6،و بيان لسببه في الواقع،ليدفع بذلك تعجّب المتعجّبين من استواء الإنذار و عدمه عندهم،و من عدم نفوذ الإيمان إلى نفوسهم مع وضوح دلائله.فإذا علم أنّ على قلوبهم ختما و على أسماعهم،و أنّ على أبصارهم غشاوة،علم سبب ذلك كلّه و بطل العجب.فالجملة استئناف بيانيّ يفيد جواب سائل يسأل عن سبب كونهم لا يؤمنون،و موقع هذه الجملة في نظم الكلام مقابل موقع جملة: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ البقرة:5،فلهذه الجملة مكانة بين ذمّ أصحابها بمقدار ما لتلك من المكانة في الثّناء على أربابها.

و الختم حقيقته:السّدّ على الإناء و الغلق على الكتاب بطين و نحوه،مع وضع علامة مرسومة في خاتم، ليمنع ذلك من فتح المختوم،فإذا فتح علم صاحبه أنّه فتح لفساد يظهر في أثر النّقش،و قد اتّخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم خاتما لذلك.و قد كانت العرب تختم على قوارير الخمر، ليصلحها انحباس الهواء عنها،و تسلم من الأقذار في مدّة تعتيقها.و أمّا تسمية البلوغ لآخر الشّيء ختما،فلأنّ ذلك الموضع أو ذلك الوقت هو ظرف وضع الختم، فيسمّى به مجازا.

و الخاتم بفتح التّاء:الطّين الموضوع على المكان المختوم،و أطلق على القالب المنقوش فيه علامة،أو كتابة يطبع بها على الطّين الّذي يختم به.و كان نقش خاتم

ص: 215

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:محمّد رسول اللّه.و طين الختم طين خاص يشبه الجبس،يبلّ بماء و نحوه و يشدّ على الموضع المختوم،فإذا جفّ كان قويّ الشّدّ لا يقلع بسهولة،و هو يكون قطعا صغيرة،كلّ قطعة بمقدار مضغة،و كانوا يجعلونه خواتيم في رقاب أهل الذّمّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الغشاوة«فعالة»من غشاه و تغشّاه،إذا حجبه، و ممّا يصاغ له وزن«فعالة»بكسر الفاء معنى الاشتمال على شيء،مثل العمامة و العلاوة و اللّفافة.و قد قيل:إنّ صوغ هذه الزّنة للصّناعات كالخياطة،لما فيها من معنى الاشتمال المجازيّ،و معنى الغشاوة:الغطاء.

و ليس الختم على القلوب و الأسماع و لا الغشاوة على الأبصار هنا حقيقة،كما توهّمه بعض المفسّرين فيما نقله ابن عطيّة،بل ذلك جار على طريقة المجاز،بأن جعل قلوبهم،أي عقولهم في عدم نفوذ الإيمان،و الحقّ و الإرشاد إليها،و جعل أسماعهم في استكاكها عن سماع الآيات و النّذر،و جعل أعينهم في عدم الانتفاع بما ترى من المعجزات و الدّلائل الكونيّة،كأنّها مختوم عليها و مغشّى دونها:إمّا على طريقة الاستعارة بتشبيه عدم حصول النّفع المقصود منها بالختم و الغشاوة،ثمّ إطلاق لفظ ختم على وجه التّبعيّة،و لفظ الغشاوة على وجه الأصليّة،و كلتاهما استعارة تحقيقيّة،إلاّ أنّ المشبّه محقّق عقلا لا حسّا.

و لك أن تجعل الختم و الغشاوة تمثيلا بتشبيه هيئة وهميّة متخيّلة في قلوبهم،أي إدراكهم من التّصميم على الكفر و إمساكهم عن التّأمّل في الأدلّة-كما تقدّم-بهيئة الختم،و تشبيه هيئة متخيّلة في أبصارهم-من عدم التّأمّل في الوحدانيّة و صدق الرّسول-بهيئة الغشاوة، و كلّ ذينك من تشبيه المعقول بالمحسوس.

و لك أن تجعل الختم و الغشاوة مجازا مرسلا بعلاقة اللّزوم،و المراد اتّصافهم بلازم ذلك،و هو أن لا تعقل و لا تحسّ.و الختم في اصطلاح الشّرع:استمرار الضّلالة في نفس الضّالّ أو خلق الضّلالة،و مثله الطّبع،و الأكنّة.[إلى أن قال:]

و بعد كون الختم مجازا في عدم نفوذ الحقّ لعقولهم و أسماعهم،و كون ذلك مسبّبا لا محالة عن إعراضهم و مكابرتهم،أسند ذلك الوصف إلى اللّه تعالى،لأنّه المقدّر له على طريقة إسناد نظائر مثل هذا الوصف في غير ما آية من القرآن،نحو قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ النّحل:108،و قوله: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا الكهف:28،و نظائر ذلك كثيرة في القرآن كثرة تنبو عن التّأويل.

و محملها عندنا على التّحقيق:أنّها واردة على اعتبار أن كلّ واقع هو بقدر اللّه تعالى،و أنّ اللّه هدى و وفّق بعضا،و أضلّ و خذل بعضا في التّقدير و التّكوين،فلا ينافي ذلك ورود الآية و نظائرها في معنى النّعي على الموصوفين بذلك،و التّشنيع بحالهم،لأنّ ذلك باعتبار ما لهم من الميل و الاكتساب،و بالتّحقيق القدرة على الفعل و التّرك الّتي هي دون الخلق.فاللّه تعالى قدّر الشّرور و أوجد في النّاس القدرة على فعلها،و لكنّه نهاهم عنها، لأنّه أوجد في النّاس القدرة على تركها أيضا،فلا تعارض بين القدر و التّكليف؛إذ كلّ راجع إلى جهة خلاف ما توهّمته القدريّة،فنفوا القدر و هو التّقدير

ص: 216

و العلم،و خلاف ما توهّمته المعتزلة من عدم تعلّق قدرة اللّه تعالى بأفعال المكلّفين،و لا هي مخلوقة له،و إنّما المخلوق له ذواتهم و آلات أفعالهم،ليتوسّلوا بذلك إلى إنكار صحّة إسناد مثل هاته الأفعال إلى اللّه تعالى،تنزيها له عن إيجاد الفساد،و تأويل ما ورد من ذلك.على أنّ ذلك لم يغن عنهم شيئا،لأنّهم قائلون بعلمه تعالى بأنّهم سيفعلون،و هو قادر على سلب القدر منهم،فبتركه إيّاهم على تلك القدرة،إمهال لهم على فعل القبيح،و هو قبيح.

فالتّحقيق ما ذهب إليه الأشاعرة و غيرهم من أهل السّنّة:أنّ اللّه هو مقدّر أفعال العباد،إلاّ أنّ فعلها هو من العبد لا من اللّه،و هو الّذي أفصح عنه إمام الحرمين و أضرابه من المحقّقين.و لا يردّ علينا أنّه كيف أقدرهم على فعل المعاصي؟لأنّه يردّ على المعتزلة أيضا أنّه كيف علم بعد أن أقدرهم بأنّهم شارعون في المعاصي،و لم يسلب عنهم القدرة؟فكان مذهب الأشاعرة أسعد بالتّحقيق،و أجرى على طريق الجمع بين ما طفح به الكتاب و السّنّة من الأدلّة.و لنا فيه تحقيق أعلى من هذا، بسطناه في«رسالة القدرة و التّقدّر»الّتي لمّا تظهر.

و إسناد الختم المستعمل مجازا إلى اللّه تعالى للدّلالة على تمكّن معنى الختم من قلوبهم،و أن لا يرجى زواله، كما يقال:خلقة في فلان،و الوصف الّذي أودعه اللّه في فلان أو أعطاه فلانا.و فرق بين هذا الإسناد و بين الإسناد في المجاز العقليّ،لأنّ هذا أريد منه لازم المعنى،و المجاز العقليّ إنّما أسند فيه فعل لغير فاعله لملابسة،و الغالب صحّة فرض الاعتبارين فيما صلح لأحدهما،و إنّما يرتكب ما يكون أصلح بالمقام.(1:250)

مغنيّة:سؤال ثان:أنّ الظّاهر من قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ أنّه هو الّذي منعهم من الإيمان و اتّباع الحقّ،و عليه يكون الكافر مسيّرا لا مخيّرا،و بالتّالي،فلا يستحق ذمّا و لا عقابا؟.

الجواب:أنّ كلّ شيء لا ينتفع به،و لا يؤدّي الغرض المطلوب منه يكون وجوده و عدمه سواء،و الغرض المطلوب من القلب أن ينتفع و يهتدي بالأدلّة و البراهين الصّحيحة،كما أنّ الغرض من السّمع أن ينتفع بما يسمع من أصوات،و من البصر بما يشاهد من كيفيّات و كمّيّات.فإذا قامت الدّلائل القاطعة على الحقيقة، و انصرف الإنسان عنها مصرّا على ضلاله،فإنّ معنى هذا أنّه لم ينتفع بقلبه،و لا قلبه انتفع بما ينبغي الانتفاع به،حتّى كأنّ اللّه قد خلقه بلا قلب،أو بقلب موصد لا ينفتح للحقّ،و لذا جاز أن ينعت قاسي القلب بأنّه لا قلب له.قال عزّ من قائل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ ق:37،مع العلم بأنّ القلب موجود و ثابت،لكنّه ليس بشيء ما دام بعيدا عن الهدى و الرّشاد.و عليه تكون نسبة الختم إليه سبحانه مجازا لا حقيقة،و يؤيّد هذا أن لا غشاوة حسّيّة على سمع الكافرين و بصرهم،فلذلك لا ختم حقيقيّ على القلوب.(1:53)

الطّباطبائيّ: خَتَمَ اللّهُ...، يشعر تغيير السّياق؛ حيث نسب الختم إلى نفسه تعالى،و الغشاوة إليهم أنفسهم،بأنّ فيهم حجابا دون الحقّ في أنفسهم،و حجابا من اللّه تعالى عقيب كفرهم و فسوقهم،فأعمالهم متوسّطة

ص: 217

بين حجابين من ذاتهم و من اللّه تعالى،و سيأتي بعض ما يتعلّق بالمقام في قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً البقرة:26.

و اعلم أنّ الكفر كالإيمان وصف قابل للشّدّة و الضّعف،فله مراتب مختلفة الآثار كالإيمان.[ثمّ ذكر حديث مراتب الكفر و الإيمان فلاحظ](1:52)

المصطفويّ: إنّ الختم إتمام الجزء الآخر من الشّيء،و المراد هنا حيث استعمل بحرف(على):الوصول إلى الغاية و البلوغ إلى المنتهى،في قبال القلوب و السّمع و الأفواه و على ضررها،فينتج قطع الرّحمة و اللّطف و التّوجّه من جانب اللّه عزّ و جلّ عنهم،و طبع قلوبهم و سمعهم و أفواههم بحيث لا يدخل فيها شيء من الفيوضات الرّحمانيّة،و لا يخرج منها شيء.(3:23)

مكارم الشّيرازيّ: أجهزة استقبال الحقائق معطوبة عند هؤلاء،العين الّتي يرى المتّقون فيها آيات اللّه،و الأذن الّتي يسمعون بها نداء الحقّ،و القلب الّذي يدركون به الحقائق،كلّها قد تعطّلت و توقّفت عن العمل لدى الكافرين.هؤلاء لهم عيون و آذان و عقول،لكنّهم يفتقدون قدرة«الرّؤية»و«الإدراك»و«السّمع»،لأنّ انغماسهم في الانحراف و عنادهم و لجاجهم،كلّها عناصر تشكّل حجابا أمام أجهزة المعرفة.

الإنسان قابل للهداية طبعا-إن لم يصل إلى هذه المرحلة-مهما بلغ به الضّلال.أمّا حينما يبلغ في انحرافه درجة يفقد معها حسّ التّشخيص«فلات حين نجاة» لأنّه افتقد أدوات الوعي و الفهم،و من الطّبيعيّ أن يكون في انتظاره عذاب عظيم.

بحوث

1-سلب قدرة التّشخيص و مسألة الجبر

أوّل سؤال يطرح في هذا المجال يدور حول مسألة الجبر،الّتي قد تتبادر إلى الأذهان من قوله تعالى: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ...

فهذا الختم يفيد بقاء هؤلاء في الكفر إجبارا،دون أن يكون لهم اختيار في الخروج من حالتهم هذه،أ ليس هذا بجبر؟و إذا كان جبرا فلما ذا العقاب؟

القرآن الكريم يجيب على هذه التّساؤلات و يقول:

إنّ هذا الختم و هذا الحجاب هما نتيجة إصرار هؤلاء و لجاجهم و تعنّتهم أمام الحقّ،و استمرارهم في الظّلم و الطّغيان و الكفر.يقول تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ النّساء:155،و يقول: كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ المؤمن:35،و يقول أيضا:

أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً الجاثية:

23.

كلّ هذه الآيات تقرّر أنّ السّبب في سلب قدرة التّشخيص،و توقّف أجهزة الإدراك عن العمل،يعود إلى الكفر و التّكبّر و التّجبّر و اتّباع الهوى و اللّجاج و العناد أمام الحقّ،هذه الحالة الّتي تصيب الإنسان،هي في الحقيقة ردّ فعل لأعمال الإنسان نفسه.

من المظاهر الطّبيعيّة في الموجود البشريّ،أنّ الإنسان لو تعوّد على انحراف و استأنس به،يتّخذ في المرحلة الأولى شكلا«حالة»،ثمّ يتحوّل إلى«عادة»، و بعدها يصبح«ملكة»و«جزء»من تكوين الإنسان،

ص: 218

حتّى يبلغ أحيانا درجة لا يستطيع الإنسان أن يتخلّى عنها أبدا.لكن الإنسان اختار طريق الانحراف هذا عن علم و وعي،و من هنا كان هو المسئول عن عواقب أعماله،دون أن يكون في المسألة جبر.تماما مثل شخص فقأ عينيه و سدّ أذنيه عمدا،كي لا يسمع و لا يرى.

و لو رأينا أنّ الآيات تنسب الختم و إسدال الغشاوة إلى اللّه،فذلك لأنّ اللّه هو الّذي منح الانحراف مثل هذه الخاصيّة.تأمّل بدقّة.

عكس هذه الظّاهرة مشهود أيضا في قوانين الطّبيعة،أي إنّ الفرد السّائر على طريق الطّهر و التّقوى و الاستقامة يجد يد اللّه تمتدّ إليه لتقوّي حاسّة تشخيصه و إدراكه و رؤيته،هذه الحقيقة توضّحها الآية الكريمة:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً الأنفال:29.

في حياتنا اليوميّة صور عديدة لأفراد ارتكبوا عملا محرّما،فتألّموا لما فعلوه و اعترفوا بذنبهم،لكنّهم استأنسوا تدريجيّا بفعلهم،و زالت من نفوسهم حسّاسيّتهم السّابقة تجاه الذّنب،و وصل أمرهم في مراحل تالية إلى أنّهم يجدون اللّذّة و الانشراح في الانحراف،و قد يضفون عليه صفة الواجب الإنسانيّ،أو الواجب الدّينيّ.

و في تاريخنا الإسلاميّ ظهر مجرمون سفّاكون مولعون بإزهاق الأرواح و التّنكيل بالمسلمين،و مع ذلك كانوا يضعون لأعمالهم الإجراميّة تبريرات دينيّة،كأن يقولوا مثلا:إنّ اللّه سلّطنا على هؤلاء النّاس المذنبين لنظلمهم، فهم مستحقّون لذلك!!

2-لما ذا يصرّ الأنبياء على هداية هؤلاء،إذا كانوا لا يهتدون؟

و هذا سؤال آخر يطرح في إطار الآيات المذكورة.

و الجواب عليه يتّضح لو عرفنا أنّ العقاب الإلهيّ،يرتبط بمواقف الإنسان العمليّة و سلوكه الفعليّ،لا بما يكنّه في قلبه من زيغ و ضلال فقط.من هنا كان لا بدّ من توجيه الدّعوة حتّى إلى هؤلاء الّذين لا يهتدون،بعد ذلك يستحقّ الفرد العقاب تبعا لموقفه من الدّعوة.بعبارة أخرى لا بدّ من«إتمام الحجّة»قبل العقاب.

بعبارة موجزة:الثّواب و العقاب يتوقّفان حتما على العمل بعد إنجازه،لا على الأرضيّة الفكريّة و الرّوحيّة الدّاخليّة للفرد.أضف إلى ما سبق:أنّ الأنبياء بعثوا للنّاس جميعا،و هؤلاء الّذين طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ قليلون في المجتمع،أمّا الأكثريّة فهم التّائهون الّذين يتقبّلون الهداية ضمن برنامج تعليميّ تربويّ صحيح.

3-الختم على القلوب

في الآيات المذكورة و آيات أخرى،عبّر القرآن عن عمليّة سلب حسّ التّشخيص و الإدراك الواقعيّ للأفراد بالفعل«ختم»،و أحيانا بالفعل«طبع»و«ران».

في اللّغة:ختم الإناء،بمعنى سدّه بالطّين أو غيره، و أصلها من وضع الختم على الكتب و الأبواب كي لا تفتح،و الختم اليوم مستعمل في الاستيثاق من الشّيء و المنع منه،كختم سندات الأملاك و الرّسائل السّرّيّة الهامّة.

و«طبع»بمعنى ختم أيضا.أما«ران»،فمن«الرّين» و هو صدأ يعلو الشّيء الجليّ،و استعمل القرآن هذه الكلمة في حديثه عن قلوب الغارقين في أو حال الفساد

ص: 219

و الرّذيلة: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ المطفّفين:14.

المهمّ أنّ الإنسان ينبغي أن يكون حذرا لدى صدور الذّنب منه،فيسارع إلى غسله بماء التّوبة و العمل الصّالح، كي لا يتحوّل إلى صفة ثابتة مختوم عليها في القلب.

في حديث عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام:«ما من عبد مؤمن إلاّ و في قلبه نكتة بيضاء،فإذا أذنب ذنبا خرج في تلك النّكتة نكتة سوداء،فإذا تاب ذهب ذلك السّواد،فإن تمادى في الذّنوب زاد ذلك السّواد حتّى يغطّي البياض،فإذا غطّي البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا،و هو قول اللّه عزّ و جلّ: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ». (1:79)

فضل اللّه :فقد أغلقوا قلوبهم عن الحقّ،فلم يسمحوا لها بالتّفكير فيه و إدارة الحوار حوله،و أعرضوا عن الإقبال عليه أو قبوله،عنادا و استكبارا و تمرّدا،فلم تبق هناك وسيلة لنفاذ الحقّ إلى داخلهم،كما أنّهم أغلقوا أسماعهم عن سماع كلماته،تعقيدا و استنكارا،فلم ينفذ إليها شيء منها.(1:134)

2- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ... الأنعام:46

ابن عبّاس: طبع.(109)

معناه و طبع على قلوبهم فلم يعقلوا الهدى.

(الفخر الرّازيّ 12:227)

الطّبريّ: فطبع عليها حتّى لا تفقهوا قولا،و لا تبصروا حجّة،و لا تفهموا مفهوما.(5:195)

الطّوسيّ: بأن سلب ما فيها من العقول الّتي بها يتهيّأ لكم أن تؤمنوا بربّكم،و تتوبوا من ذنوبكم.و وسمها بسمة من يكون خاتمة أمره المصير إلى عذاب النّار.

(4:149)

الزّمخشريّ: بأن يغطّي عليها ما يذهب عنده فهمكم و عقلكم.(2:19)

نحوه الشّربينيّ.(1:420)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في قوله: وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ وجوها:

الأوّل:[ذكر قول ابن عبّاس]

الثّاني:معناه و أزال عقولكم حتّى تصيروا كالمجانين.

و الثّالث:المراد بهذا الختم الإماتة،أي يميت قلوبكم.

(12:227)

أبو السّعود :بأن غطّى عليها بما لا يبقى لكم معه عقل و فهم أصلا،و تصيرون مجانين،و يجوز أن يكون الختم عطفا تفسيريّا للأخذ المذكور،فإنّ السّمع و البصر طريقان للقلب،منهما يرد ما يرده من المدركات، فأخذهما سدّ لبابه بالكلّيّة،و هو السّرّ في تقديم أخذهما على ختمها.(2:383)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و اعترض بأنّ من المدركات ما لا يتوقّف على السّمع و البصر،و لهذا قال غير واحد:بوجوب الإيمان باللّه تعالى على من ولد أعمى و أصمّ و بلغ سنّ التّكليف.

و قيل في التّقديم:إنّه من باب تقديم ما يتعلّق بالظّاهر على ما يتعلّق بالباطن.(7:152)

الطّباطبائيّ: الختم على القلوب:إغلاق بابها

ص: 220

إغلاقا لا يدخلها معه شيء من خارج،حتّى تتفكّر في أمرها،و تميّز الواجب من الأعمال من غيرها،و الخير النّافع منها من الشّرّ الضّارّ،مع حفظ أصل الخاصيّة و هو صلاحيّة التّعقّل،و إلاّ كان جنونا و خبلا.

و إذ كان هؤلاء المشركون لا يسمعون حقّ القول في اللّه سبحانه،و لا يبصرون آياته الدّالّة على أنّه واحد لا شريك له،فصارت قلوبهم لا يدخلها شيء من واردات السّمع و البصر حتّى تعرف بذلك الحقّ من الباطل.أقام الحجّة بذلك على إبطال مذهبهم في أمر الإله تعالى و وحدته.(7:93)

3- أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً...

الجاثية 23

مثل ما قبلها.

يختم

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَ يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. الشّورى:24

ابن عبّاس: يربط.(408)

مجاهد :يعني يربط عليه بالصّبر حتّى لا يشقّ عليك أذاهم.(الثّعلبيّ 8:314)

قتادة :إن يشأ أنساك ما قد أتاك.

(الطّبريّ 25:27)

يعني يطبع على قلبك فينسيك للقرآن.

(الثّعلبيّ 8:314)

السّدّيّ: يطبع.(432)

مقاتل:يقول:يربط على قلبك،فلا يدخل في قلبك المشقّة من قولهم:بأنّ محمّدا كذّاب مفتر.(3:769)

الطّبريّ: يا محمّد يطبع على قلبك،فتنس هذا القرآن الّذي أنزل إليك.(11:146)

نحوه ابن كثير.(6:201)

الزّجّاج: يربط على قلبك بالصّبر على أذاهم و على قولهم: اِفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً. (4:399)

نحوه الواحديّ.(4:53)

النّحّاس: قيل المعنى:إن يشأ يزل تمييزك،فاشكره إذ لم يفعل.(6:310)

الرّمّانيّ: معناه:لو حدّثت نفسك أن تفتري على اللّه كذبا لطبع اللّه على قلبك.(الماورديّ 5:203)

الطّوسيّ: معناه:لو حدّثتك نفسك بأن تفتري على اللّه كذبا لطبعت على قلبك،و أذهبت الوحي الّذي أتيتك، لأنّي أمحو الباطل و أحقّ الحقّ.(9:159)

القشيريّ: أي أنّك إن افتريته ختم اللّه على قلبك، و لكنّك لم تكذب على ربّك.و معنى الآية أنّ اللّه يتصرّف في عباده بما يشاء من إبعاد و تقريب،و إدناء و تبعيد.

(5:351)

فإن يشأ اللّه يختم على قلوب الكفّار و على ألسنتهم و عاجلهم بالعقاب،فالخطاب له و المراد الكفّار.

(القرطبيّ 16:25)

الزّمخشريّ: فإن يشأ اللّه يجعلك من المختوم على قلوبهم حتّى تفتري عليه الكذب،فإنّه لا يجترئ على

ص: 221

افتراء الكذب على اللّه إلاّ من كان في مثل حالهم.و هذا الأسلوب مؤدّاه استبعاد الافتراء من مثله،و أنّه في البعد مثل الشّرك باللّه و الدّخول في جملة المختوم على قلوبهم.

و مثال هذا أن يخون بعض الأمناء،فيقول:لعلّ اللّه خذلني،لعلّ اللّه أعمى قلبي،و هو لا يريد إثبات الخذلان و عمى القلب،و إنّما يريد استبعاد أن يخون مثله،و التّنبيه على أنّه ركب من تخوينه أمر عظيم.(3:468)

نحوه الفخر الرّازيّ(27:167)،و الشّربينيّ(3:

539)،و الآلوسيّ(25:34)،و المراغيّ(25:40).

ابن عطيّة: معناه في قول قتادة و فرقة من المفسّرين:ينسيك القرآن،و المراد الرّدّ على مقالة الكفّار و بيان إبطالها؛و ذلك كأنّه يقول:و كيف يصحّ أن تكون مفتريا و أنت من اللّه بمرأى و مسمع،و هو قادر لو شاء على أن يختم على قلبك،فلا تعقل و لا تنطق،و لا يستمرّ افتراؤك.فمقصد اللّفظ هذا المعنى،و حذف ما يدلّ عليه الظّاهر اختصارا و اقتصارا.[ثمّ نقل قول مجاهد و قال:]

فهذا التّأويل لا يتضمّن الرّدّ على مقالتهم.(5:34)

نحوه المصطفويّ.(3:23)

الطّبرسيّ: أي لو حدّثت نفسك بأن تفتري على اللّه كذبا لطبع اللّه على قلبك،و لأنساك القرآن،فكيف تقدر أن تفتري على اللّه،و هذا كقوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:65.[ثمّ نقل كلام مجاهد و قال:]

فعلى هذا لا يحتاج إلى إضمار و حذف.(5:29)

البيضاويّ: استبعاد للافتراء عن مثله بالإشعار على أنّه إنّما يجترئ عليه من كان مختوما على قلبه جاهلا بربّه،فأمّا من كان ذا بصيرة و معرفة فلا،و كأنّه قال:إن يشأ اللّه خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه.

و قيل:يختم على قلبك:يمسك القرآن أو الوحي عنه، أو يربط عليه بالصّبر،فلا يشقّ عليك أذاهم.(2:357)

نحوه الكاشانيّ(4:374)،و المشهديّ(9:271).

أبو السّعود :استشهاد على بطلان ما قالوا ببيان أنّه عليه السّلام لو افترى على اللّه تعالى لمنعه من ذلك قطعا.

و تحقيقه أنّ دعوى كون القرآن افتراء عليه تعالى قول منهم،بأنّه تعالى لا يشاء صدوره عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،بل يشاء عدم صدوره عنه،و من ضرورته منعه عنه قطعا،فكأنّه قيل:لو كان افتراء عليه تعالى لشاء عدم صدوره عنك، و إن يشأ ذلك يختم على قلبك؛بحيث لم يخطر ببالك معنى من معانيه،و لم تنطق بحرف من حروفه.و حيث لم يكن الأمر كذلك بل تواتر الوحي حينا فحينا،تبيّن أنّه من عند اللّه تعالى.[ثمّ نقل بعض أقوال المفسّرين](6:16)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و فيه إشارة إلى أنّ الملائكة و الرّسل و الورثة محفوظون عن المغالطة في بيان الشّريعة،و الافتراء على اللّه في شيء من الأشياء.و نقل السّلميّ في«الحقائق»عن سهل بن عبد اللّه التّستريّ قدّس سرّه:أنّ اللّه يقذف في قلبك محبّة شوقه الأزليّة و محبّته السّرمديّة حتّى لا تلتفت إلاّ إليه،فلا يضرّك إقبال الخلق عليك أو إدبارهم عنك.(8:313)

ابن عاشور :هو تفريع فيه خفاء و دقّة،لأنّ المتبادر من التّفريع أنّ ما بعد الفاء إبطال لما نسبوه إليه من الافتراء على اللّه،و توكيد للتّوبيخ،فكيف يستفاد هذا

ص: 222

الإبطال من الشّرط و جوابه المفرّعين على التّوبيخ؟

و للمفسّرين في بيان هذا التّفريع و ترتّبه على ما قبله أفهام عديدة،لا يخلو معظمها عن تكلّف و ضعف اقتناع.و الوجه في بيانه:أنّ هذا الشّرط و جوابه المفرّعين في ظاهر اللّفظ على التّوبيخ و الإبطال،هما دليل على المقصود بالتّفريع المناسب لتوبيخهم و إبطال قولهم، و تقدير المفرّع هكذا:فكيف يكون الافتراء منك على اللّه و اللّه لا يقرّ أحدا أن يكذب عليه،فلو شاء لختم على قلبك،أي سلبك العقل الّذي يفكّر في الكذب،فتفحم عن الكلام،فلا تستطيع أن تتقوّل عليه،أي و ليس ثمّة حائل يحول دون مشيئة اللّه ذلك لو افتريت عليه، فيكون الشّرط كناية عن انتفاء الافتراء،لأنّ اللّه لا يقرّ من يكذب عليه كلاما،فحصل بهذا النّظم إيجاز بديع، و تكون الآية قريبا من قوله تعالى: وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ الحاقّة:44-46.

و لابن عطيّة كلمات قليلة يؤيّد مغزاها هذا التّقرير، مستندة لقول قتادة،محمولا على ظاهر اللّفظ،من كون ما بعد الفاء هو المفرّع،و يكون الكلام كناية عن الإعراض عن قولهم: اِفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً، أي أنّ اللّه يخاطب رسوله بهذا تعريضا بالمشركين.

و المعنى:أنّ افتراءه على اللّه لا يهمّكم حتّى تناصبوا محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم العداء،فاللّه أولى منكم بأن يغار على انتهاك حرمة رسالته،و بأن يذبّ عن جلاله،فلا تجعلوا هذه الدّعوى همّكم،فإنّ اللّه لو شاء لختم على قلبك فسلبك القدرة على أن تنسب إليه كلاما.و هذان الوجهان هما المناسبان لموقع الآية،و لفاء التّفريع،و لما في الشّرط من الاستقبال،و لوقوع فعل الشّرط مضارعا،فالوقف على قوله: عَلى قَلْبِكَ و هو انتهاء كلام.(25:149)

عبد الكريم الخطيب : فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ... هو تهديد للمشركين بقبض هذه اليد الممدودة لهم بالهدى،و رفع هذه المائدة المبسوطة لهم بالخير.و إذا هذا القرآن الّذي نزّل على النّبيّ قد ختم عليه في قلبه-صلوات اللّه و سلامه عليه-فاحتواه كلّه، و غربت شمسه فيه،فلم يخرج منه شيء لهؤلاء المشركين،بل يتركون و ما هم فيه من ظلام و ضلال.

و هذا ما يشير إليه سبحانه و تعالى في قوله: وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً* إِلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً الإسراء:

86،87،و اللّه سبحانه و تعالى قادر على أن يمحو هذا الباطل المجسّد في هؤلاء المشركين و يقطع دابرهم، فلا ترى منهم أحدا.فبكلمة من كلمات اللّه،يمحو سبحانه هذا الباطل،و يقضي على أهله،و يحقّ الحقّ،و يثبت دعائمه.(13:49)

الطّباطبائيّ: فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ معناه على ما يعطيه السّياق أنّك لست مفتريا على اللّه كذبا،فإنّه ليس لك من الأمر شيء حتّى تشاء الفرية فتأتي بها،و إنّما هو وحي من اللّه سبحانه من غير أن يكون لك فيه صنع،و الأمر إلى مشيّته تعالى،فإن يشأ يختم على قلبك و سدّ باب الوحي إليك،لكنّه شاء أن يوحي إليك و يبيّن الحقّ،و قد جرت سنّته أن يمحو الباطل و يحقّ الحقّ بكلماته.

ص: 223

فقوله: فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ كناية عن إرجاع الأمر إلى مشيئة اللّه،و تنزيه لساحة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يأتي بشيء من عنده.

و هذا المعنى-كما سترى-أنسب للسّياق،بناء على كون المراد بالقربى قرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،[أي فيما قبلها قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ]و التّوبيخ متوجّها إلى المنافقين و مرضى القلوب.

و قد ذكروا في معنى الجملة وجوها أخر:[و ذكر بعض الوجوه ثمّ قال:]

و هي وجوه لا تخلو من ضعف.[ثمّ قال:]

و منها ما قيل:إنّ المعنى:فإن يشأ اللّه يختم على قلبك كما ختم على قلوبهم،و هو تسلية للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليشكر ربّه على ما آتاه من النّعمة.

و منها ما قيل:إنّ المعنى:فإن يشأ اللّه يختم على قلوب الكفّار و على ألسنتهم و يعاجلهم بالعذاب،و عدل عن الغيبة إلى الخطاب،و عن الجمع إلى الإفراد،و المراد:

يختم على قلبك أيّها القائل:إنّه افترى على اللّه كذبا.(18:49)

مكارم الشّيرازيّ: فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ و يجرّدك من قابليّة إظهار هذه الآيات.

و في الحقيقة،فإنّ هذا الأمر إشارة إلى الاستدلال المنطقيّ المعروف،و هو أنّه إذا ادّعى شخص النّبوّة و جاء بالآيات البيّنات و المعاجز،و شمله النّصر الإلهيّ،فلو كذب على الخالق فإنّ الحكمة الإلهيّة تقتضي سحب المعاجز منه،و عدم حمايته و فضحه،كما ورد في الآيات (44-46)من سورة الحاقّة: وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ.

و قد ذكر بعض المفسّرين احتمالات أخرى في تفسير هذه الجملة،إلاّ أنّ ما قلناه هو أفضل و أوضح التّفاسير كما يظهر.

و الإشارة ضروريّة إلى هذه الملاحظة،و هي أنّ إحدى التّهم الّتي نسبها الكفّار و المشركون إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،هي أنّه كان يعتبر أجر الرّسالة في مودّة أهل بيته،و كان يكذب على الخالق في هذا الأمر-جاء ذلك وفقا للبحث في الآيات السّابقة-إلاّ أنّ هذه الآية نفت هذه التّهمة عنه صلّى اللّه عليه و آله.

و لكن بالرّغم من هذا،فإنّ مفهوم الآية لا يختصّ بهذا المعنى،فأعداء الرّسول صلّى اللّه عليه و آله كانوا يتّهمونه بهذه التّهمة بخصوص كلّ القرآن و الوحي،كما تقول الآيات القرآنيّة الأخرى؛حيث نقرأ في الآية:38،من سورة يونس: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ.

و ورد نفس هذا المعنى باختلاف بسيط في الآيات:

13 و 35،من سورة هود،و قسم آخر من الآيات القرآنيّة؛حيث إنّ هذه الآيات دليل لما انتخبناه من تفسير للآية.(15:481)

نختم

اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. يس:65

النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله:«إذا كان يوم القيامة عرّف الكافر بعمله،فجحد و خاصم،فيقال له:هؤلاء جيرانك يشهدون.فيقول:كذبوا.فيقال:أهلك و عشيرتك،

ص: 224

فيقول:كذبوا،فيقال:احلفوا،فيحلفون.ثمّ يصمتهم اللّه عزّ و جلّ،و يشهد عليهم ألسنتهم،ثمّ يدخلهم النّار.(الثّعلبيّ 8:134)

أبو موسى الأشعريّ: يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة،فيعرض عليه ربّه عمله فيما بينه و بينه،فيعترف فيقول:نعم أي ربّ،عملت عملت عملت:فيغفر اللّه له ذنوبه،و يستره منها،فما على الأرض خليقة ترى من تلك الذّنوب شيئا،و تبدو حسناته،فودّ أنّ النّاس كلّهم يرونها.و يدعى الكافر و المنافق للحساب،فيعرض عليه ربّه عمله فيجحده،و يقول:أي ربّ،و عزّتك لقد كتب عليّ هذا الملك ما لم أعمل،فيقول له الملك:أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا؟فيقول:لا و عزّتك أي ربّ ما عملته،فإذا فعل ذلك ختم على فيه.فإنّي أحسب أوّل ما ينطق منه لفخذه اليمنى،ثمّ تلا: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. و[قال في سبب الختم:]لأنّهم قالوا:

وَ اللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ الأنعام:23،فختم اللّه على أفواههم حتّى نطقت جوارحهم.(الماورديّ 5:27)

ابن عبّاس: نمنع ألسنتهم عن الكلام بعد ما أنكروا.

(372)

الشّعبيّ: يقال للرّجل يوم القيامة:عملت كذا و كذا،فيقول:ما عملت،فيختم على فيه و تنطق جوارحه،فيقول لجوارحه:«أبعدكنّ اللّه ما خاصمت إلاّ فيكنّ».(الطّبريّ 10:458)

قتادة :قوله: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ الآية،قد كانت خصومات و كلام،فكان هذا آخره و ختم على أفواههم.(الطّبريّ 10:458)

السّدّيّ: فلا يتكلّمون.(396)

مثله الثّعلبيّ.(8:134)

الطّبريّ: اليوم نطبع على أفواه المشركين،و ذلك يوم القيامة.(10:458)

القمّيّ: إذا جمع اللّه الخلق يوم القيامة دفع إلى كلّ إنسان كتابه،فينظرون فيه فينكرون أنّهم عملوا من ذلك شيئا،فتشهد عليهم الملائكة،فيقولون يا ربّ ملائكتك يشهدون لك،ثمّ يحلفون أنّهم لم يعملوا من ذلك شيئا، و هو قوله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ... المجادلة:18،فإذا فعلوا ذلك ختم اللّه على ألسنتهم،و تنطق جوارحهم.(2:216)

نحوه ابن عطيّة(4:46)،و المراغيّ(23:27).

الماورديّ: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون منعهما من الكلام هو الختم عليها.

الثّاني:أن يكون ختما يوضع عليها فيرى،و يمنع من الكلام.

و في سبب الختم أربعة أوجه:أحدها:[نقل قول أبي موسى الأشعريّ]

الثّاني:ليعرفهم أهل الموقف فيتميّزون منهم،قاله ابن زياد.

الثّالث:لأنّ إقرار غير النّاطق أبلغ في الإلزام من إقرار النّاطق،لخروجه مخرج الإعجاز،و إن كان يوما لا يحتاج فيه إلى الإعجاز.

الرّابع:ليعلم أنّ أعضاءه الّتي كانت له أعوانا في حقّ

ص: 225

نفسه،صارت عليه شهودا في حقّ ربّه.(5:27)

الطّوسيّ: أخبر تعالى بأنّه يختم على أفواه الكفّار يوم القيامة،فلا يقدرون على الكلام و النّطق.

(8:471)

الواحديّ: قال المفسّرون:إنّهم ينكرون الشّرك و تكذيب الرّسل،و قالوا: وَ اللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ الأنعام:23،فختم اللّه على أفواههم،و تكلّمت جوارحهم بإذن اللّه لها في الكلام،فشهدت عليهم بما عملوا.

(3:518)

الزّمخشريّ: يروى أنّهم يجحدون و يخاصمون، فتشهد عليهم جيرانهم و أهاليهم و عشائرهم،فيحلفون ما كانوا مشركين،فحينئذ يختم على أفواههم،و تكلّم أيديهم و أرجلهم.و في الحديث:«يقول العبد يوم القيامة:

إنّي لا أجيز عليّ شاهدا إلاّ من نفسي،فيختم على فيه، و يقال لأركانه:انطقي،فتنطق بأعماله،ثمّ يخلّي بينه و بين الكلام،فيقول:بعدا لكنّ و سحقا،فعنكنّ كنت أناضل».

و قرئ (يختم على افواههم و تتكلّم ايديهم).

(3:328)

نحوه أبو حيّان.(7:344)

الطّبرسيّ: هذا حقيقة الختم،فتوضع على أفواه الكفّار يوم القيامة،فلا يقدرون على الكلام و النّطق.

(4:430)

ابن الجوزيّ: قرأ أبو المتوكّل و أبو الجوزاء: (يختم) بياء مضمومة و فتح التّاء.[إلى أن قال:]

و معنى(نختم):نطبع عليها،و قيل:منعها من الكلام هو الختم عليها.[ثمّ قال في سبب الختم مثل الماورديّ](7:31)

الفخر الرّازيّ: في التّرتيب وجوه:

الأوّل:أنّهم حين يسمعون قوله تعالى: بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ آل عمران:106،يريدون أن ينكروا كفرهم،كما قال تعالى عنهم: ما أَشْرَكْنا الأنعام:

148،و قالوا: آمَنّا بِهِ آل عمران:7،فيختم اللّه على أفواههم فلا يقدرون على الإنكار،و ينطق اللّه غير لسانهم من الجوارح فيعترفون بذنوبهم.

الثّاني لمّا قال اللّه تعالى لهم: أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يس:

60،لم يكن لهم جواب،فسكتوا و خرسوا و تكلّمت أعضاؤهم غير اللّسان.

و في الختم على الأفواه وجوه:أقواها،أنّ اللّه تعالى يسكت ألسنتهم فلا ينطقون بها،و ينطق جوارحهم فتشهد عليهم،و إنّه في قدرة اللّه يسير،أمّا الإسكات فلا خفاء فيه،و أمّا الإنطاق فلأنّ اللّسان عضو متحرّك بحركة مخصوصة،فكما جاز تحرّكه بها جاز تحرّك غيره بمثلها،و اللّه قادر على الممكنات.

و الوجه الآخر:أنّهم لا يتكلّمون بشيء لانقطاع أعذارهم و انتهاك أستارهم،فيقفون ناكسي الرّءوس، وقوف القنوط اليئوس،لا يجد عذرا فيعتذر،و لا مجال توبة فيستغفر،و تكلّم الأيدي ظهور الأمور بحيث لا يسع معه الإنكار،حتّى تنطق به الأيدي و الأبصار،كما يقول القائل:الحيطان تبكي على صاحب الدّار،إشارة إلى ظهور الحزن،و الأوّل الصّحيح،و فيه لطائف لفظيّة و معنويّة.

أمّا اللّفظيّة،فالأولى منها:هي أنّ اللّه تعالى أسند فعل

ص: 226

الختم إلى نفسه،و قال:(نختم)،و أسند الكلام و الشّهادة إلى الأيدي و الأرجل،لأنّه لو قال تعالى: نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ و تنطق أيديهم،يكون فيه احتمال أنّ ذلك منهم كان جبرا و قهرا،و الإقرار بالإجبار غير مقبول، فقال تعالى: وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ أي باختيارها بعد ما يقدرها اللّه تعالى على الكلام،ليكون أدلّ على صدور الذّنب منهم.

الثّانية منها:هي أنّ اللّه تعالى قال: تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ جعل الشّهادة للأرجل و الكلام للأيدي،لأنّ الأفعال تسند إلى الأيدي،قال تعالى وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ يس:35 أي ما عملوه،و قال وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ البقرة:195،أي و لا تلقوا بأنفسكم، فإذا الأيدي كالعاملة،و الشّاهد على العامل ينبغي أن يكون غيره،فجعل الأرجل و الجلود من جملة الشّهود، لبعد إضافة الأفعال إليها.

و أمّا المعنويّة،فالأولى منها:أنّ يوم القيامة من تقبل شهادته من المقرّبين و الصّدّيقين كلّهم أعداء للمجرمين، و شهادة العدوّ على العدوّ غير مقبولة،و إن كان من الشّهود العدول،و غير الصّدّيقين من الكفّار و الفسّاق غير مقبول الشّهادة،فجعل اللّه الشّاهد عليهم منهم.

لا يقال:الأيدي و الأرجل أيضا صدرت الذّنوب منها فهي فسقة،فينبغي أن لا تقبل شهادتها؟لأنّا نقول في ردّ شهادتها:قبول شهادتها،لأنّها إن كذبت في مثل ذلك اليوم فقد صدر الذّنب منها في ذلك اليوم،و المذنب في ذلك اليوم مع ظهور الأمور،لا بدّ من أن يكون مذنبا في الدّنيا،و إن صدقت في ذلك اليوم فقد صدر منها الذّنب في الدّنيا،و هذا كمن قال لفاسق:إن كذبت في نهار هذا اليوم فعبدي حرّ،فقال الفاسق:كذبت في نهار هذا اليوم عتق العبد،لأنّه إن صدق في قوله:كذبت في نهار هذا اليوم، فقد وجد الشّرط و وجب الجزاء،و إن كذب في قوله:

كذبت،فقد كذب في نهار ذلك اليوم،فوجد الشّرط أيضا،بخلاف ما لو قال في اليوم الثّاني:كذبت في نهار اليوم الّذي علّقت عتق عبدك على كذبي فيه.

المسألة الثّانية:الختم لازم الكفّار في الدّنيا على قلوبهم،و في الآخرة على أفواههم،ففي الوقت الّذي كان الختم على قلوبهم كان قولهم بأفواههم،كما قال تعالى:

ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ التّوبة:30،فلمّا ختم على أفواههم أيضا لزم أن يكون قولهم بأعضائهم،لأنّ الإنسان لا يملك غير القلب و اللّسان و الأعضاء،فإذا لم يبق القلب و الفم تعيّن الجوارح و الأركان.(26:101)

نحوه الشّربينيّ.(3:359)

البيضاويّ: نمنعها عن الكلام.(2:284)

مثله الكاشانيّ(4:258)،و شبّر(5:235).

النّسفيّ: أي نمنعهم من الكلام.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](4:11)

أبو السّعود :أي ختما يمنعها عن الكلام.التفات إلى الغيبة للإيذان بأنّ ذكر أحوالهم القبيحة،استدعى أن يعرض عنهم و يحكي أحوالهم الفظيعة لغيرهم،مع ما فيه من الإيماء إلى أنّ ذلك من مقتضيات الختم،لأنّ الخطاب لتلقّي الجواب،و قد انقطع بالكلّيّة.

و قرئ (تختم). [ثمّ قال نحو الزّمخشريّ]

(5:308)

ص: 227

الآلوسيّ: كناية عن منعهم من التّكلّم،و لا مانع من أن يكون هناك ختم على أفواههم حقيقة.و جوّز أن يكون الختم مستعارا لمعنى المنع،بأن يشبّه إحداث حالة في أفواههم مانعة من التّكلّم بالختم الحقيقيّ،ثمّ يستعار له الختم و يشتقّ منه«نختم»،فالاستعارة تبعيّة،أي اليوم نمنع أفواههم من الكلام منعا شبيها بالختم.و الأوّل أولى في نظري.(23:41)

ابن عاشور :و القول في لفظ(اليوم)كالقول في نظائره الثّلاثة المتقدّمة،و هو تنويه بذكره بحصول هذا الحال العجيب فيه،و هو انتقال النّطق من موضعه المعتاد إلى الأيدي و الأرجل.

و ضمائر الغيبة في(افواههم-ايديهم-ارجلهم- يكسبون)عائدة على الّذين خوطبوا بقوله: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ يس:63،على طريقة الالتفات.

و أصل النّظم:اليوم نختم على أفواهكم و تكلّمنا أيديكم، و تشهد أرجلكم بما كنتم تكسبون.و مواجهتهم بهذا الإعلام تأييس لهم بأنّهم لا ينفعهم إنكار ما أطلعوا عليه من صحائف أعمالهم،كما قال تعالى: اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً الإسراء:14.

و قد طوي في هذه الآية ما ورد تفصيله في آي أخر، فقد قال تعالى: وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ* ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا وَ اللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ الأنعام:

22،23،و قال: وَ قالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيّانا تَعْبُدُونَ* فَكَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ إِنْ كُنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ يونس:28،29.[ثمّ ذكر حديثا و قال:]

و قد يخيّل تعارض بين هذه الآية و بين قوله: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ النّور:24،و لا تعارض،لأنّ آية(يس)في أحوال المشركين،و آية سورة النّور في أحوال المنافقين.

و المراد بتكلّم الأيدي تكلّمها بالشّهادة،و المراد بشهادة الأرجل نطقها بالشّهادة،ففي كلتا الجملتين احتباك.

و التّقدير:و تكلّمنا أيديهم فتشهد،و تكلّمنا أرجلهم فتشهد.(22:256)

مغنيّة:تسأل:كيف تجمع بين قوله تعالى هنا:

اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ، و قوله في الآية:24،من سورة النّور: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ فقد أثبت لهم النّطق هنا و نفاه هناك؟

الجواب:إنّ للعباد غدا مواقف لا موقفا واحدا،يؤذن لهم بالكلام في بعضها دون بعض،قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ هود:105.(6:321)

فضل اللّه :فلا تنبس ببنت شفة،فلا دور لها في التّعبير عن الواقع.(19:159)

خاتم

ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً. الأحزاب:40

النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث قال:]«أنا محمّد، و أنا أحمد،و أنا الحاشر الّذي يحشر النّاس على قدمي، و أنا العاقب الّذي ليس بعدي نبيّ».(الثّعلبيّ 8:50)

[و قال في حديث آخر:]«لا تقوم السّاعة حتّى

ص: 228

يخرج دجّالون كذّابون قريب من ثلاثين،كلّهم يزعم أنّه نبيّ و لا نبيّ بعدي».(الماورديّ 4:409)

[و قال في حديث آخر:]«إنّما مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها و حسّنها،إلاّ موضع لبنة،فكلّ من دخل فنظر إليها قال:ما أحسبها إلاّ موضع هذه اللّبنة قال صلّى اللّه عليه و آله:فأنا موضع اللّبنة ختم بي الأنبياء».

(الواحديّ 3:474)

[و قال في حديث آخر:]«أنا خاتم الأنبياء»بفتح التّاء.[و قال:]«أنا خاتم ألف نبيّ».(ابن عطيّة 4:388)

[و قال في حديث آخر لعليّ عليه السّلام:]«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى،إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

(الآلوسيّ 22:33)

ابن عبّاس: ختم اللّه به النّبيّين قبله،فلا يكون نبيّ بعده.(354)

يريد[اللّه]:لو لم أختم به النّبيّين لجعلت له ولدا يكون بعد نبيّا.(الواحديّ 3:474)

قتادة :أي آخرهم.(الطّبريّ 10:305)

مقاتل:يعني آخر النّبيّين،لا نبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و لو أنّ لمحمّد ولدا لكان نبيّا رسولا فمن ثمّ قال:و خاتم النّبيّين.

(3:498)

الفرّاء: قوله وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ كسرها الأعمش و أهل الحجاز،و نصبها-يعني التّاء-عاصم و الحسن، و هي في قراءة عبد اللّه: (و لكن نبيّا ختم النّبيّين) .فهذه حجّة لمن قال:(خاتم)بالكسر،و من قال:(خاتم)أراد هو آخر النّبيّين،كما قرأ علقمة فيما ذكر عنه (خاتمه مسك) المطفّفين:26،أي آخره مسك.(2:344)

الطّبريّ: الّذي ختم النّبوّة فطبع عليها،فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام السّاعة.[ثمّ قال نحو الفرّاء]

(10:305)

الزّجّاج: [نحو الفرّاء و أضاف:]

و يجوز:(و لكن رسول اللّه و خاتم النّبيّين)،فمن نصب فالمعنى:و لكن كان رسول اللّه و كان خاتم النّبيّين،و من رفع فالمعنى:و لكن هو خاتم النّبيّين.(4:230)

القمّيّ: يعني لا نبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(2:194)

الرّمّانيّ: ختم به عليه السّلام الاستصلاح،فمن لم يصلح به فميئوس من صلاحه.(ابن عطيّة 4:388)

الثّعلبيّ: أي آخرهم ختم اللّه به النّبوّة،فلا نبيّ بعده،و لو كان لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم ابن لكان نبيّا.[ثمّ قال نحو الفرّاء](8:50)

الماورديّ: يعني آخرهم،و ينزل عيسى فيكون حكما عدلا و إماما مقسطا،فيقتل الدّجّال و يكسر الصّليب.(4:409)

الطّوسيّ: أي آخرهم،لأنّه لا نبيّ بعده إلى يوم القيامة.

و قيل:إنّما ذكر وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ هاهنا،لأنّ المعنى أنّ من لا يصلح بهذا النّبيّ الّذي هو آخر الأنبياء،فهو مأيوس من صلاحه،من حيث إنّه ليس بعده نبيّ يصلح به الخلق.(8:346)

الواحديّ: آخرهم فلا نبيّ بعده...قال أبو عبيدة:

الوجه الكسر،لأنّ التّأويل أنّه ختمهم فهو خاتمهم، و لأنّه قال:«أنا خاتم النّبيّين».لم نسمع أحدا يروي إلاّ بكسر التّاء.وجه الفتح[قال نحو الفرّاء].(3:474)

ص: 229

البغويّ: ختم اللّه به النّبوّة.(3:646)

الزّمخشريّ: يعني:أنّه لو كان له ولد بالغ مبلغ الرّجال لكان نبيّا،و لم يكن هو خاتم الأنبياء،كما يروى أنّه قال في إبراهيم حين توفّي:«لو عاش لكان نبيّا».[إلى أن قال:]

و قرئ: وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ بالنّصب عطفا على أَبا أَحَدٍ، و بالرّفع على (و لكن هو رسول اللّه) ، «و لكنّ»بالتّشديد على حذف الخبر،تقديره:و لكنّ رسول اللّه من عرفتموه،أي لم يعش له ولد ذكر.

و(خاتم)بفتح التّاء بمعنى الطّابع،و بكسرها بمعنى الطّابع و فاعل الختم،و تقوّيه قراءة ابن مسعود: (و لكن نبيّا ختم النّبيّين) .

فإن قلت:كيف كان آخر الأنبياء و عيسى ينزل في آخر الزّمان؟

قلت:معنى كونه آخر الأنبياء أنّه لا ينبأ أحد بعده، و عيسى ممّن نبئ قبله،و حين ينزل ينزل عاملا على شريعة محمّد مصلّيا إلى قبلته،كأنّه بعض أمّته.

(3:264)

نحوه البيضاويّ(2:247)،و النّسفيّ(3:306)، و أبو السّعود(5:229).

ابن عطيّة: قرأ عاصم وحده و الحسن و الشّعبيّ و الأعرج بخلاف(و خاتم)بفتح التّاء،بمعنى أنّهم به ختموا،فهو كالخاتم و الطّابع لهم،و قرأ الباقون و الجمهور (خاتم)بكسر التّاء،بمعنى أنّه ختمهم،أي جاء آخرهم، و روت عائشة أنّه عليه السّلام قال:«أنا خاتم الأنبياء»بفتح التّاء،و روي عنه عليه السّلام أنّه قال:«أنا خاتم ألف نبيّ»، و هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمّة خلفا و سلفا متلقّاة على العموم التّامّ،مقتضية نصّا:أنّه لا نبيّ بعده صلّى اللّه عليه و سلّم.

و ما ذكره القاضي ابن الطّيّب في كتابه المسمّى ب«الهداية»من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف،و ما ذكره الغزّاليّ في هذه الآية و هذا المعنى في كتابه الّذي سمّاه ب«الاقتصاد»إلحاد عندي،و تطرّق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم النّبوءة،فالحذر الحذر منه،و اللّه الهادي برحمته.

و قرأ ابن مسعود (من رجالكم و لكن نبيّنا ختم النّبيّين) .(4:388)

نحوه القرطبيّ.(14:196)

الطّبرسيّ: أي و آخر النّبيّين ختمت النّبوّة به، فشريعته باقية إلى يوم الدّين،و هذا فضيلة له صلوات اللّه عليه و آله،اختصّ بها من بين سائر المرسلين.

فإن قيل:إنّ اليهود يدّعون في موسى مثل ذلك.

فالجواب:أنّ بعض اليهود يدّعون أنّ شريعته لا تنسخ،و هم مع ذلك يجوّزون أن يكون بعده أنبياء، و نحن إذا أثبتنا نبوّة نبيّنا بالمعجزات القاهرة،وجب نسخ شريعته بذلك.(4:362)

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى لمّا نفى كونه أبا،عقّبه بما يدلّ على ثبوت ما هو في حكم الأبوّة من بعض الوجوه، فقال: وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ فإنّ رسول اللّه كالأب للأمّة في الشّفقة من جانبه،و في التّعظيم من طرفهم بل أقوى، فإنّ النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم،و الأب ليس كذلك.

ثمّ بيّن ما يفيد زيادة الشّفقة من جانبه و التّعظيم من

ص: 230

جهتهم،بقوله: وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ، و ذلك لأنّ النّبيّ الّذي يكون بعده نبيّ إن ترك شيئا من النّصيحة و البيان، يستدركه من يأتي بعده،و أمّا من لا نبيّ بعده يكون أشفق على أمّته و أهدى لهم و أجدى؛إذ هو كوالد لولده الّذي ليس له غيره من أحد.(25:214)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و من ذهب إلى أنّ النّبوّة مكتسبة لا تنقطع،أو إلى أنّ الوليّ أفضل من النّبيّ،فهو زنديق يجب قتله،و قد ادّعى النّبوّة ناس فقتلهم المسلمون على ذلك،و كان في عصرنا شخص من الفقراء ادّعى النّبوّة بمدينة مالقة،فقتله السّلطان بن الأحمر ملك الأندلس بغرناطة،و صلب إلى أن تناثر لحمه.(7:236)

الشّربينيّ: أي آخرهم الّذي ختمهم،لأنّ رسالته عامّة و معها إعجاز القرآن،فلا حاجة مع ذلك إلى استنباء و لا إرسال،و ذلك مفض لئلاّ يبلغ له ولد،إذ لو بلغ له ولد لاق بمنصبه أن يكون نبيّا إكراما له،لأنّه أعلى النّبيّين رتبة و أعظمهم شرفا،و ليس لأحد من الأنبياء كرامة إلاّ و له مثلها و أعظم منها،و لو صار أحد من ولده رجلا لكان نبيّا بعد ظهور نبوّته،و قد قضى اللّه تعالى أن لا يكون بعده نبيّ إكراما له.

روى أحمد و ابن ماجة عن أنس و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال في ابنه إبراهيم عليه السّلام:لو عاش لكان صدّيقا نبيّا،و للبخاريّ نحوه عن البراء بن عازب و للبخاريّ من حديث ابن أبي أوفى:لو قضى أن يكون بعد محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم نبيّ لعاش ابنه،و لكن لا نبيّ بعده.

و قال ابن عبّاس رضى اللّه عنه:يريد لو لم اختم به النّبيّين،لجعلت له ابنا يكون من بعده نبيّا.و روى عطاء عن ابن عبّاس رضى اللّه عنه:لما حكم أنّه لا نبيّ بعده لم يعطه ولدا ذكرا يصير رجلا.

و قيل:من لا نبيّ بعده يكون أشفق على أمّته و أهدى لهم؛إذ هو كالوالد لولد ليس له غيره،و الحاصل أنّه لا يأتي بعده نبيّ مطلقا بشرع جديد،و لا يتجدّد بعده مطلقا استنباء.

و هذه الآية مثبتة لكونه خاتما على أبلغ وجه و أعظمه،و ذلك أنّها في سياق الإنكار بأن يكون بينه و بين أحد من رجالهم نبوّة حقيقيّة أو مجازيّة،و لو كانت بعده لأحد لم يكن ذلك إلاّ لولده،و لأنّ فائدة إثبات النّبيّ تتميم شيء لم يأت به من قبله و قد حصل به صلّى اللّه عليه و سلّم التّمام، فلم يبق بعد ذلك مرام«بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق».

و أمّا تجديد ما-و هي ممّا أحدث بعض الفسقة- فالعلماء كافون فيه لوجود ما خصّ به صلّى اللّه عليه و سلّم من هذا القرآن المعجز،الّذي من سمعه فكأنّما سمعه من اللّه عزّ و جلّ، لوقوع التّحقّق و القطع بأنّه لا يقدر غيره أن يقول شيئا منه،فمهما حصل ذهول عن ذلك قرّره من يريد اللّه تعالى من العلماء،فيعود الاستبصار كما روي في بعض الآثار:

«علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل».

و أمّا إتيان عيسى عليه السّلام بعد تجديد الهدى لجميع ما- و هي من أركان المكارم،-فلأجل فتنة الدّجّال،ثمّ طامّة يأجوج و مأجوج،و نحو ذلك ممّا لا يستقلّ بأعبائه غير نبيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال الغزّاليّ في آخر كتابه«الاقتصاد»:«إنّ الأمّة فهمت من هذا اللّفظ و من قرائن أحواله صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّه أفهم

ص: 231

عدم نبيّ بعده أبدا و عدم رسول بعده أبدا و أنّه ليس فيه تأويل و لا تخصيص.و قال:إنّ من أوّله بتخصيص النّبيّين بأولي العزم من الرّسل و نحو هذا،فكلامه من أنواع الهذيان لا يمنع الحكم بتكفيره،لأنّه مكذّب لهذا النّص الّذي أجمعت الأمّة على أنّه غير مؤوّل و لا مخصوص»انتهى.

و قد بان بهذا أنّ إتيان عيسى عليه السّلام غير قادح في هذا النّصّ،فإنّه من أمّته صلّى اللّه عليه و سلّم المقرّرين لشريعته،و هو قد كان نبيّا قبله لم يستجدّ له شيء لم يكن،فلم يكن ذلك قادحا في الختم،و هو مثبت لشرف نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم؛إذ لولاه لما وجد.

و ذلك أنّه لم يكن لنبيّ من الأنبياء شرف إلاّ و له صلّى اللّه عليه و سلّم مثله أو أعلى منه.و قد كانت الأنبياء تأتي مقرّرة لشريعة موسى عليه السّلام مجدّدة لها،فكان المقرّر لشريعة نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم المتّبع لملّته من كان ناسخا لشريعة موسى صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قرأ عاصم بفتح التّاء،و الباقون بكسرها،فالفتح اسم للآلة الّتي يختم بها كالطّابع و القالب لما يطبع به، و يقلب فيه،و الكسر على أنّه اسم فاعل.و قال بعضهم:

هو بمعنى المفتوح،يعني بمعنى آخرهم،لأنّه ختم النّبيّين فهو خاتمهم.(3:252)

نحوه البروسويّ.(7:187)

الآلوسيّ: وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ فقد قيل:إنّه جيء به ليشير إلى كمال نصحه و شفقته صلّى اللّه عليه و سلّم،فيفيد أنّ أبوّته عليه الصّلاة و السّلام للأمّة المشار إليها بقوله تعالى: وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ أبوّة كاملة فوق أبوّة سائر الرّسل عليهم السّلام لأممهم؛و ذلك لأنّ الرّسول الّذي يكون بعده رسول ربّما لا يبلغ في الشّفقة غايتها و في النّصيحة نهايتها،اتّكالا على من يأتي بعده،كالوالد الحقيقيّ إذا علم أنّ لولده بعده من يقوم مقامه.

و قيل:إنّه جيء به للإشارة إلى امتداد تلك الأبوّة المشار إليها بما قبل إلى يوم القيامة،فكأنّه قيل: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ بحيث تثبت بينه و بينه حرمة المصاهرة،و لكن كان أبا كلّ واحد منكم و أبا أبنائكم و أبناء أبنائكم،و هكذا إلى يوم القيامة،بحيث يجب له عليكم و على من تناسل منكم احترامه و توقيره،و يجب عليه لكم و لمن تناسل منكم الشّفقة و النّصح الكامل.

و قيل:إنّه جيء به لدفع ما يتوهّم من قوله تعالى:

مِنْ رِجالِكُمْ من أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم يكون أبا أحد من رجاله الّذين ولدوا منه عليه الصّلاة و السّلام،بأن يولد له ذكر فيعيش حتّى يبلغ مبلغ الرّجال؛و ذلك لأنّ كونه عليه الصّلاة و السّلام خاتم النّبيّين يدلّ على أنّه لا يعيش له ولد ذكر حتّى يبلغ،لأنّه لو بلغ لكان منصبه أن يكون نبيّا،فلا يكون هو صلّى اللّه عليه و سلّم خاتم النّبيّين.

و يراد بالأب عليه الأب الصّلب،لئلاّ يعترض بالحسنين رضي اللّه تعالى عنهما.و دليل الشّرطيّة ما رواه إبراهيم السّدّيّ عن أنس قال:كان إبراهيم-يعني ابن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم-قد ملأ المهد،و لو بقي لكان نبيّا لكن لم يبق، لأنّ نبيّكم آخر الأنبياء عليهم السّلام،و جاء نحوه في روايات أخر.[إلى أن قال:]

و قول بعض الأفاضل:-ليس مبنى تلك الشّرطيّة على اللّزوم العقليّ و القياس المنطقيّ،بل على مقتضى الحكمة الإلهيّة،و هي أنّ اللّه سبحانه أكرم بعض الرّسل عليهم السّلام بجعل أولادهم أنبياء كالخليل عليه السّلام،

ص: 232

و نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم أكرمهم عليه و أفضلهم عنده،فلو عاش أولاده اقتضى تشريف اللّه تعالى له،و أفضليّته عنده-ذلك ليس بشيء.لأنّا نقول:لا يلزم من إكرام اللّه تعالى بعض رسله عليهم السّلام بنبوّة الأولاد،و كون نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم أكرمهم و أفضلهم اقتضاء التّشريف و الأفضليّة نبوّة أولاده لو عاشوا و بلغوا،ليقال:إنّ حكمة كونه عليه الصّلاة و السّلام خاتم النّبيّين لكونها أجلّ و أعظم منعت من أن يعيشوا فينبّؤا،أ لا ترى أنّ اللّه تعالى أكرم بعض الرّسل بجعل بعض أقاربهم في حياتهم و بعد مماتهم أنبياء معينين لهم،و مؤيّدين لشريعتهم غير مخالفين لها في أصل أو فرع كموسى عليه السّلام،و نبيّنا عليه الصّلاة و السّلام أكرمهم و أفضلهم و لم يجعل له ذلك.

فإن قيل:إنّه عوّض صلّى اللّه عليه و سلّم عنه بأن جعل جلّ شأنه له من أقاربه و أهل بيته علماء أجلاّء كأنبياء بني إسرائيل، كعليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،كما يرشد إليه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم له رضى اللّه عنه «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

قلنا:فلم لا يجوز أن يبقي سبحانه له عليه الصّلاة و السّلام أولادا ذكورا بالغين،و يعوّضه عن نبوّتهم الّتي منعت عنها حكمة الخاتميّة،نحو ما عوّضه عن نبوّة بعض أقاربه الّتي منعت عنها تلك الحكمة و ذلك أقرب لمقتضى التّشريف كما لا يخفى.

و قيل:الملازمة مستفادة من الآية،لأنّه لولاها لم يكن للاستدراك معنى،إذ(لكن)تتوسّط بين متقابلين، فلا بدّ من منافاة بنوّتهم له عليه الصّلاة و السّلام،لكونه خاتم النّبيّين،و هو إنّما يكون باستلزام بنوّتهم نبوّتهم.و لا يقدح فيه قوله تعالى: رَسُولَ اللّهِ كما يتوهّم،لأنّه لو سلّم رسالتهم لكانت إمّا في عصره صلّى اللّه عليه و سلّم-و هي تنافي رسالته-أو بعده و هي تنافي خاتميّته،انتهى.

و فيه أنّ الملازمة في قوله:و لو لا ذلك لم يكن للاستدراك معنى ممنوعة،و الدّليل المذكور لم يثبتها لجواز أن يكون معنى الاستدراك ما ذكرناه أوّلا.على أنّ فيما ذكره بعد ما لا يخفى.

و قيل في توجيه الاستدراك:إنّه لمّا كان عدم النّسل من الذّكور يفهم منه أنّه لا يبقى حكمه صلّى اللّه عليه و سلّم و لا يدوم ذكره،استدرك بما ذكر،و هو كما ترى.[إلى أن قال:]

و قال المبرّد: (خاتم)فعل ماض على«فاعل»و هو في معنى:ختم النّبيّين،فالنّبيّين منصوب على أنّه مفعول به.و ليس بذاك.و قرأ الجمهور (وَ خاتَمَ) بكسر التّاء على أنّه اسم فاعل،أي الّذي ختم النّبيّين،و المراد به آخرهم أيضا.و في حرف ابن مسعود (و لكن نبيّا ختم النّبيّين)، و المراد بالنّبيّ ما هو أعمّ من الرّسول،فيلزم من كونه صلّى اللّه عليه و سلّم خاتم النّبيّين كونه خاتم المرسلين.و المراد بكونه عليه الصّلاة و السّلام خاتمهم،انقطاع حدوث وصف النّبوّة في أحد من الثّقلين بعد تحلّيه عليه الصّلاة و السّلام بها في هذه النّشأة.

و لا يقدح في ذلك-ما أجمعت الأمّة عليه و اشتهرت فيه الأخبار-و لعلّها بلغت مبلغ التّواتر المعنويّ-و نطق به الكتاب على قول،و وجب الإيمان به،و أكفر منكره كالفلاسفة-من نزول عيسى عليه السّلام آخر الزّمان،لأنّه كان نبيّا قبل تحلّي نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم بالنّبوّة في هذه النّشأة.

و مثل هذا يقال في بقاء الخضر عليه السّلام-على القول بنبوّته و بقائه-ثمّ إنّه عليه السّلام حين ينزل باق على نبوّته

ص: 233

السّابقة لم يعزل عنها بحال،لكنّه لا يتعبّد بها،لنسخها في حقّه و حقّ غيره،و تكليفه بأحكام هذه الشّريعة أصلا و فرعا،فلا يكون إليه عليه السّلام وحي و لا نصب أحكام،بل يكون خليفة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و حاكما من حكّام ملّته،بين أمّته بما علمه في السّماء قبل نزوله من شريعته عليه الصّلاة و السّلام،كما في بعض الآثار،أو ينظر في الكتاب و السّنّة،و هو عليه السّلام لا يقصر عن رتبة الاجتهاد المؤدّي إلى استنباط ما يحتاج إليه أيّام مكثه في الأرض من الأحكام،و كسره الصّليب،و قتله الخنزير،و وضعه الجزية و عدم قبولها،ممّا علم من شريعتنا صوابيّته في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ عيسى ينزل حكما عدلا يكسر الصّليب و يقتل الخنزير و يضع الجزية»فنزوله عليه السّلام غاية لإقرار الكفّار ببذل الجزية على تلك الأحوال،ثمّ لا يقبل إلاّ الإسلام لا نسخ لها،قاله شيخ الإسلام إبراهيم اللّقانيّ في «هداية المريد لجوهرة التّوحيد».

و قوله:«إنّه عليه السّلام حين ينزل باق على نبوّته السّابقة لم يعزل عنها بحال،لكنّه لا يتعبّد بها إلخ»أحسن من قول الخفّاجيّ:الظّاهر أنّ المراد من كونه على دين نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم انسلاخه عن وصف النّبوّة و الرّسالة بأن يبلّغ ما يبلغه عن الوحي،و إنّما يحكم بما يتلقّى عن نبيّنا عليه الصّلاة و السّلام،و لذا لم يتقدّم لإمامة الصّلاة مع المهديّ.

و لا أظنّه عنى بالانسلاخ عن وصف النّبوّة و الرّسالة عزله عن ذلك،بحيث لا يصحّ إطلاق الرّسول و النّبيّ عليه عليه السّلام،فمعاذ اللّه أن يعزل رسول أو نبيّ عن الرّسالة أو النّبوّة،بل أكاد لا أتعقّل ذلك.و لعلّه أراد أنّه لا يبقى له وصف تبليغ الأحكام عن وحي،كما كان له قبل الرّفع، فهو عليه السّلام نبيّ رسول قبل الرّفع،و في السّماء،و بعد النّزول، و بعد الموت أيضا.و بقاء النّبوّة و الرّسالة بعد الموت في حقّه و حقّ غيره من الأنبياء و المرسلين عليهم السّلام حقيقة ممّا ذهب إليه غير واحد،فإنّ المتّصف بهما و كذا بالإيمان هو الرّوح،و هي باقية لا تتغيّر بموت البدن.نعم ذهب الأشعريّ-كما قال النّسفيّ-إلى أنّهما بعد الموت باقيان حكما،و ما أفاده كلام اللّقانيّ من أنّه عليه السّلام يحكم بما علم في السّماء قبل نزوله من الشّريعة،قد أفاده السّفارينيّ في «البحور الزّاخرة»و هو الّذي أميل له.

و أمّا أنّه يجتهد ناظرا في الكتاب و السّنّة فبعيد،و إن كان عليه السّلام قد أوتي فوق ما أوتي مجتهد و الأمم ممّا يتوقّف عليه الاجتهاد بكثير؛اذ قد ذهب معظم أهل العلم إلى أنّه حين ينزل يصلّي وراء المهدي رضى اللّه عنه صلاة الفجر، و ذلك الوقت يضيق عن استنباط ما تضمّنته تلك الصّلاة من الأقوال و الأفعال من الكتاب و السّنّة على الوجه المعروف.

نعم لا يبعد أن يكون عليه السّلام قد علم في السّماء بعضا، و وكّل إلى الاجتهاد و الأخذ من الكتاب و السّنّة في بعض آخر.

و قيل:إنّه عليه السّلام يأخذ الأحكام من نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم شفاها بعد نزوله،و هو في قبره الشّريف عليه الصّلاة و السّلام، و أيّد بحديث أبي يعلى«و الّذي نفسي بيده لينزلنّ عيسى ابن مريم،ثمّ لئن قام على قبري و قال:يا محمّد، لأجيبنّه».(22:32)

ابن عاشور :عطف صفة وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ على صفة رَسُولَ اللّهِ تكميل و زيادة في التّنويه بمقامه صلّى اللّه عليه و سلّم،

ص: 234

و إيماء إلى أنّ في انتفاء أبوّته لأحد من الرّجال حكمة قدّرها اللّه تعالى،و هي إرادة أن لا يكون إلاّ مثل الرّسل، أو أفضل في جميع خصائصه.

و إذ قد كان الرّسل لم يخل عمود أبنائهم من نبيّ،كان كونه خاتم النّبيّين مقتضيا أن لا يكون له أبناء بعد وفاته، لأنّهم لو كانوا أحياء بعد وفاته و لم تخلع عليهم خلعة النّبوّة لأجل ختم النّبوّة به،كان ذلك غضّا فيه دون سائر الرّسل؛و ذلك ما لا يريده اللّه به.أ لا ترى أنّ اللّه لمّا أراد قطع النّبوّة من بني إسرائيل بعد عيسى عليه السّلام،صرف عيسى عن التّزوّج.

فلا تجعل قوله: وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ داخلا في حيّز الاستدراك،لما علمت من أنّه تكميل و استطراد بمناسبة إجراء وصف الرّسالة عليه.و ببيان هذه الحكمة يظهر حسن موقع التّذييل بجملة: وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً؛ إذ أظهر مقتضى حكمته فيما قدّره من الأقدار، كما في قوله تعالى: جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ إلى قوله: ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ المائدة:97.

و الآية نصّ في أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم خاتم النّبيّين،و أنّه لا نبيّ بعده في البشر،لأنّ النّبيّين عامّ فخاتم النّبيّين هو خاتمهم في صفة النّبوّة.و لا يعكّر على نصيّة الآية أنّ العموم دلالته على الأفراد ظنّيّة،لأنّ ذلك لاحتمال وجود مخصّص،و قد تحقّقنا عدم المخصّص بالاستقراء.

و قد أجمع الصّحابة على أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم خاتم الرّسل و الأنبياء،و عرف ذلك و تواتر بينهم و في الأجيال من بعدهم،و لذلك لم يتردّدوا في تكفير مسيلمة و الأسود العنسيّ،فصار معلوما من الدّين بالضّرورة،فمن أنكره فهو كافر خارج عن الإسلام،و لو كان معترفا بأنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم رسول اللّه للنّاس كلّهم.و هذا النّوع من الإجماع موجب العلم الضّروريّ،كما أشار إليه جميع علمائنا،و لا يدخل هذا النّوع في اختلاف بعضهم في حجّيّة الإجماع؛إذ المختلف في حجّيّته هو الإجماع المستند لنظر و أدلّة اجتهاديّة،بخلاف المتواتر المعلوم بالضّرورة.

في كلام الغزّاليّ في خاتمة كتاب«الاقتصاد في الاعتقاد»مخالفة لهذا على ما فيه من قلّة تحرير.و قد حمل عليه ابن عطيّة حملة غير منصفة،و ألزمه إلزاما فاحشا ينزّه عنه علمه و دينه،فرحمة اللّه عليهما.(21:272)

عبد الكريم الخطيب :في قوله تعالى: وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ إشارة إلى أنّه صلوات اللّه و سلامه عليه أب لكلّ مؤمن و مؤمنة،من كلّ دين؛حيث إنّه-صلوات اللّه و سلامه عليه-وارث النّبيّين جميعا،و المهيمن برسالته على رسالات الرّسل كلّهم،فلا رسول بعده إلى يوم الدّين.لقد ختمت به-صلوات اللّه و سلامه عليه- رسالات السّماء،و أضيفت شعاعاتها كلّها إلى شمس شريعته،فأصبحت تلك الشّعاعات مضمونا من مضامينها،و قبسا من أقباسها.فلا هدى بعد هذا إلاّ من هداها،و لا نورا إلاّ من نورها وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ آل عمران:85.(11:726)

مغنيّة:لما ذا ختمت النّبوّة بمحمّد؟

اتّفق المسلمون قولا واحدا على أنّه لا وحي إلى أحد

ص: 235

بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و من أنكر ذلك فما هو بمسلم،و من ادّعى النّبوّة بعد محمّد وجب قتله،و من طلب الدّليل على نبوّة هذا الدّعي محتملا الصّدق في قوله فهو كافر.و في تفسير إسماعيل حقّي«روح البيان»:«لو جاء بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نبيّ لجاء عليّ بن أبي طالب،لأنّه كان منه بمنزلة هارون من موسى».

و تسأل:لما ذا ختمت النّبوّة بمحمّد؟

الجواب:أنّ الغاية الأولى و الأخيرة من بعثة النّبيّ هي أن يبلّغ قوله تعالى إلى عباده،و ما من شيء يريد اللّه سبحانه أن يبلّغه إلى عباده إلاّ و هو موجود في القرآن الكريم،قال تعالى: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ النّمل:89،و قال: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ الأنعام:38،أي من شيء يتّصل بوظيفة الأنبياء و اختصاصهم في هداية الخلق،و ارشادهم إلى مصالحهم الّتي تضمن لهم سعادة الدّارين.

و لا وسيلة لإثبات هذه الحقيقة إلاّ بالتّجربة الّتي لا تقبل الشّكّ و الجدال،و نعني بها أن يدرس أهل الاختصاص القرآن دراسة علميّة شاملة من ألفه إلى يائه،ثمّ يقارنوا بينه و بين غيره من كتب الأديان.و نحن على يقين بأنّهم ينتهون من ذلك إلى أمرين:

الأوّل:أنّ القرآن ببلاغته و عقيدته و شريعته يفوق جميع كتب الأديان.

الثّاني:أنّهم يجدون في القرآن جميع الأصول و المبادئ الّتي تتجاوب مع حاجات النّاس و مصالحهم و تقدّمهم إلى قيام السّاعة.فما من نهضة علميّة أو ثورة تحرّريّة إلاّ و يدعو إليها القرآن و يباركها،و ما من تشريع يحتاج إليه النّاس في دور من أدوار التّاريخ،إلاّ و يستطيع أهل العلم و الاجتهاد أن يستخرجوه من أحد أصول القرآن و مبادئه.و قد أذن اللّه و رسوله لمن له الأهليّة و الكفاءة،أن يفرّع على أصول القرآن،و يستخرج منها الأحكام الّتي فيها خير و صلاح للنّاس بجهة من الجهات.

و معنى هذا أنّ حكم المجتهد العادل هو حكم القرآن و الرّسول،و لذا جاء في بعض الرّوايات أنّ الرّادّ على حكمه كالرّادّ على اللّه.و معنى هذا أيضا أنّ النّبيّ موجود بوجود القرآن الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.و قد أجاد ابن عربي في قوله:«من حفظ القرآن فقد أدرج النّبوّة بين جنبيه».طبعا على شرط التّدبّر و الإيمان الخالص.

و بعد،فإنّ محمّدا بشر يوحى إليه كنوح و إبراهيم و موسى و عيسى و غيرهم من الأنبياء،و لكن اللّه سبحانه قد خصّ محمّدا بما لم يخصّ به أحدا من الأنبياء،مع العلم بأنّه تعالى قد منح كلّ نبيّ جميع الفضائل،لأنّ النّبوّة أمّ الفضائل كلّها.و لكن للفضل مراتب،فهناك فاضل و أفضل،و كامل و أكمل،تماما مثل عالم و أعلم،و كريم و أكرم وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ الإسراء:55.و قد خصّ اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله باسمى المراتب و أكمل صفات الكمال؛بحيث لا شيء فوقها إلاّ اللّه و صفات اللّه.

و من ذلك إكمال الوحي الّذي أنزل إليه،إكماله من جميع الجهات.و الدّليل هذا القرآن الّذي فيه تبيان كلّ شيء ممّا يدخل في وظيفة رسل اللّه،فأين هي كتب الأنبياء؟فليأت الجاحدون بواحد منها فيه تبيان كلّ

ص: 236

شيء،أو يجرأ على القول:إنّه ما فرّط فيه من شيء.و إلى هذا أشار خاتم النّبيّين و سيّد المرسلين؛حيث قال:«إنّ مثلي و مثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه و جمّله إلاّ موضع لبنة،فجعل النّاس يطوفون به و يعجبون له و يقولون:هلاّ وضعت هذه اللّبنة؟فأنا اللّبنة،و أنا خاتم النّبيّين».

و نختم الجواب بما قلناه في كتاب«إمامة عليّ و العقل»:«و إذا قال قائل:لما ذا كان محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم خاتم الأنبياء؟أجبناه بأنّ محمّدا و دين محمّد قد استوفيا جميع صفات الكمال،و بلغا الغاية منها و النّهاية،تماما كما بلغت الشّمس الحدّ الأعلى من النّور،فلا كوكب و لا كهرباء يمتلئ الكون بنورهما بعد كوكب الشّمس،كذلك لا نبيّ يأتي بجديد لخير الإنسانيّة بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله».(6:225)

الطّباطبائيّ: الخاتم بفتح التّاء:ما يختم به كالطّابع و القالب،بمعنى ما يطبع به و ما يقلب به.و المراد بكونه خاتم النّبيّين أنّ النّبوّة اختتمت به صلّى اللّه عليه و آله،فلا نبيّ بعده.

و قد عرفت فيما مرّ معنى الرّسالة و النّبوّة،و أنّ الرّسول هو الّذي يحمل رسالة من اللّه إلى النّاس،و النّبيّ هو الّذي يحمل نبأ الغيب الّذي هو الدّين و حقائقه، و لازم ذلك أن يرتفع الرّسالة بارتفاع النّبوّة،فإنّ الرّسالة من أنباء الغيب،فإذا انقطعت هذه الأنباء انقطعت الرّسالة.و من هنا يظهر أنّ كونه صلّى اللّه عليه و آله خاتم النّبيّين يستلزم كونه خاتما للرّسل.

و في الآية إيماء إلى أنّ ارتباطه صلّى اللّه عليه و آله و تعلّقه بكم تعلّق الرّسالة و النّبوّة،و أنّ ما فعله كان بأمر من اللّه سبحانه.(16:325)

المصطفويّ: أي الفرد الآخر من سلسلة الأنبياء، و به تنتهي النّبوّة و هذه الصّيغة آكد في الدّلالة على الخاتميّة من صيغة الخاتم اسم فاعل،لأنّ الخاتم أعمّ من أن يكون الختم بنفسه أو بغيره،بخلاف الخاتم اسما فإنّه يدلّ على من به يتحقّق صفة الختم.

و أمّا علّة ذكر هذه الصّفة في المورد:فإنّ المورد في مقام تبليغ الفرائض و الأحكام اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ الأحزاب:39، ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللّهُ لَهُ الأحزاب:38،فيصرّح بأنّه رسول اللّه الموظّف بأن يبلّغ رسالات اللّه،بل إنّه خاتم النّبيّين،و له الرّسالة التّامّة و النّبوّة الكاملة.(3:23)

مكارم الشّيرازيّ: [ذكر حكم زواج النّبيّ في الآية ثمّ قال:إنّ الآية]تضيف بأنّ علاقة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله معكم إنّما هي من جهة الرّسالة و الخاتميّة فقط وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ و بهذا فقد قطع صدر الآية الارتباط و العلاقة النّسبيّة بشكل تامّ و قطعيّ،و أثبت ذيلها العلاقة المعنويّة النّاشئة من الرّسالة و الخاتميّة.و من هنا يتّضح ترابط صدر الآية و ذيلها.

هذا إضافة إلى أنّ للآية إشارة إلى حقيقة هي:أنّ علاقته معكم في الوقت نفسه أشدّ و أسمى من علاقة والد بولده،لأنّ علاقته علاقة الرّسول بالأمّة،و هو رسول يعلم أن سوف لا يأتي رسول بعده،فكان يجب عليه أن يبيّن لهذه الأمّة،و يطرح لها كلّ ما تحتاجه إلى يوم القيامة،في منتهى الدّقّة و غاية الحرص عليها.

و لا شكّ أنّ اللّه العليم الخبير قد وضع تحت تصرّفه كلّ ما كان لازما في هذا الباب،من الأصول و الفروع

ص: 237

و الكلّيّات و الجزئيّات في جميع المجالات،و لذلك يقول سبحانه في نهاية الآية: وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً.

و ينبغي الالتفات إلى هذه المسألة،و هي أنّ كونه خاتم الأنبياء،يعني أيضا أنّه خاتم المرسلين،و ما ألصقه بعض مبتدعي الأديان لخدش كون مسألة الخاتميّة بهذا المعنى،من أنّ القرآن قد اعتبر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله خاتم الأنبياء لا خاتم المرسلين،إنّما هو اشتباه كبير،لأنّ من كان خاتما للأنبياء يكون خاتما للرّسل بطريق أولى،لأنّ مرحلة الرّسالة أسمى من مرحلة النّبوّة،تأمّلوا ذلك.

إنّ هذا الكلام يشبه تماما أن نقول:إنّ فلانا ليس في بلاد الحجاز،فمن المسلّم أنّ هذا الشّخص سوف لا يكون موجودا في مكّة.أمّا إذا قلنا:إنّه ليس في مكّة،فمن الممكن أن يكون في مكان آخر من الحجاز.

بناء على هذا،فإنّه تعالى لو كان قد سمّى النّبيّ خاتم المرسلين،فمن الممكن أن لا يكون خاتم الأنبياء،أمّا و قد سمّاه خاتم الأنبياء فمن المسلّم أنّه سيكون خاتم الرّسل أيضا،و بتعبير المصطلحات فإنّ النّسبة بين النّبيّ و الرّسول نسبة العموم و الخصوص المطلق،لاحظوا ذلك مرّة أخرى.

ملاحظات:

1-ما هو الخاتم؟

الخاتم كما يقول أرباب اللّغة:هو الشّيء الّذي تنهى به الأمور،و كذلك جاء بمعنى الشّيء الّذي تختم به الأوراق و ما شابهها.

و كان هذا الأمر متداولا فيما مضى-و لا يزال إلى اليوم-حينما يريدون إغلاق الرّسالة أو غطاء الوعاء أو باب المنزل لئلاّ يفتحها أحد،فإنّهم كانوا يضعون مادّة لاصقة على الباب أو القفل و يختمون عليها.و بذلك يكون هذا الخاتم من الصّلابة بحيث إنّه لا بدّ أن يكسر هذا الخاتم أو الشّيء الملصق إذا ما أريد فتح الباب.

و هذه المادّة الّتي يضعونها على مثل هذه الأشياء تسمّى خاتما.

و لمّا كانوا في السّابق يستعملون لهذا الأمر الطّين الصّلب الّذي يلصق،فإنّنا نقرأ في متون بعض كتب اللّغة المعروفة أنّ معنى الخاتم هو ما يوضع على الطّينة.

كلّ ذلك بسبب أنّ هذه الكلمة مأخوذة من مادّة الختم أي النّهاية،و لمّا كان هذا العمل-أي الختم-يجري في الخاتمة و النّهاية فقد أطلق عليه اسم الخاتم لذلك.

و إذا ما رأينا أنّ أحد معاني الخاتم هو الخاتم الّذي يوضع في اليد،فبسبب أنّهم كانوا يضعون إمضاءهم و توقيعهم على خواتيمهم و يختمون الرّسائل بها،و لذلك فإنّ من جملة الأمور الّتي تذكر في أحوال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أئمّة الهدى عليهم السّلام و الشّخصيّات الأخرى هو نقش خاتمهم.

و يروي الكلينيّ-رحمه اللّه-في«الكافي»حديثا عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه قال:«إنّ خاتم رسول اللّه كان من فضّة نقشه محمّد رسول اللّه».

و جاء في بعض التّواريخ أنّ إحدى حوادث السّنة السّادسة للهجرة،أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد اختار لنفسه خاتما نقش فيها،و ذلك أنّهم أخبروه أنّ الملوك لا يقرءون الرّسائل إذا لم تكن مختومة.

و جاء في كتاب«الطّبقات»:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا صمّم أن ينشر دعوته في الآفاق،و يكتب الرّسائل إلى ملوك

ص: 238

الأرض و سلاطينها،أمر أن يصنعوا له خاتما كتب عليه «محمّد رسول اللّه»و كان يختم به رسائله.

بهذا البيان يتّضح جيّدا أنّ الخاتم و إن أطلق اليوم على خاتم الزّينة أيضا،إلاّ أنّ أصله مأخوذ من الختم أي النّهاية،و كان يطلق ذلك اليوم على الخواتيم الّتي كانوا يختمون بها الرّسائل.

إضافة إلى أنّ هذه المادّة قد استعملت في القرآن في موارد متعددة،و كلّها تعني الإنهاء أو الختم و الغلق،مثل:

اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ يس:65، خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ البقرة:7.

و من هنا يعلم أنّ أولئك الّذين شكّكوا في دلالة هذه الآية على كون نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله خاتم الأنبياء،و انتهاء سلسلة الأنبياء به،غير مطّلعين على معنى هذه الكلمة تماما،أو أنّهم ادّعوا عدم الإحاطة و الاطّلاع عليها،و إلاّ فإنّ من له أدنى إحاطة بآداب العرب يعلم أنّ كلمة خاتم النّبيّين تدلّ على الخاتميّة.

و إذا قيل-عند ذاك-في تفسير هذه الآية غير هذا التّفسير فإنّه تفسير متطفّل غير متّزن،كأن نقول:إنّ نبيّ الإسلام كان خاتم الأنبياء،أي أنّه يعدّ زينة الأنبياء،لأنّا نعلم أن الخاتم آلة بسيطة للإنسان،و لا يمكن أن توازي الإنسان في المرتبة مطلقا،و إذا فسّرنا الآية بهذا التّفسير فسنكون قد حططنا من مقام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و أنزلنا منزلته أيّما تنزيل،مع أنّه لا يناسب المعنى اللّغويّ،و لذلك فإنّ هذه الكلمة حيثما استعملت في القرآن الكريم-في ثمانية موارد-فإنّها أعطت معنى الإنهاء و الإغلاق.

2-أدلّة كون نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله خاتما للأنبياء:

بالرّغم من أنّ الآية المذكورة كافية لوحدها في إثبات هذا المطلب،إلاّ أنّ الدّليل على كون نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله خاتما للأنبياء لا ينحصر بها،فإنّ آيات أخرى في القرآن الكريم تشير إلى هذا المعنى،إضافة إلى الرّوايات الكثيرة الواردة في هذا الباب:

فمن جملتها ما نراه في الآية:19،من سورة الأنعام:

وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ فإنّ سعة مفهوم تعبير وَ مَنْ بَلَغَ توضّح رسالة القرآن و نبيّ الإسلام العالميّة من جهة،و مسألة الخاتميّة من جهة أخرى.

و هناك آيات أخرى تثبت عموميّة دعوة نبيّ الإسلام لكلّ البشر،مثل: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً الفرقان:1،و كقوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً سبأ:28،و الآية: قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الأعراف:158.

إنّ ملاحظة سعة مفهوم العالمين و النّاس و الكافّة تؤيّد هذا المعنى أيضا.إضافة إلى أنّ إجماع علماء الإسلام من جهة،و كون هذه المسألة ضروريّة لدى المسلمين من جانب آخر،و الرّوايات الكثيرة الواردة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و باقي أئمّة الهدى عليهم السّلام من جانب ثالث توضّح هذا المطلب،و نحن هنا نكتفي بذكر بعضها،من باب الشّاهد و المثال:

1-ورد في الحديث المرويّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«حلالي حلال إلى يوم القيامة،و حرامي حرام إلى يوم القيامة».

ص: 239

إنّ هذا التّعبير مبيّن لاستمرار هذه الشّريعة حتّى نهاية العالم و فنائه.

و قد روي هذا الحديث بهذه الصّيغة أحيانا:«حلال محمّد حلال أبدا إلى يوم القيامة،و حرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة،لا يكون غيره،و لا يجيء غيره».

2-حديث المنزلة المعروف،و الّذي ورد في مختلف كتب الشّيعة و السّنّة،و هو في شأن عليّ عليه السّلام و بقائه مكان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في المدينة،عند ما توجّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى غزوة تبوك،فإنّه يوضّح مسألة الخاتميّة تماما،لأنّا نقرأ في هذا الحديث أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لعليّ عليه السّلام:«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى،إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

3-و ثمّة حديث مشهور أيضا،و قد روي في كثير من مصادر أهل السّنّة و ذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«مثلي و مثل الأنبياء كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه و أجمله،فجعل النّاس يطيفون به يقولون:ما رأينا بنيانا أحسن من هذا إلاّ هذه اللّبنة،فكنت أنا تلك اللّبنة».

لقد ورد هذا الحديث في صحيح مسلم بعبارات مختلفة،و روي عن رواة عديدين،و قد وردت هذه الجملة«و أنا خاتم النّبيّين»في ذيل الحديث الآنف الذّكر في أحد الموارد.

و نرى في نهاية حديث آخر:«جئت فختمت الأنبياء».

و قد ورد هذا الحديث أيضا في صحيح البخاريّ- كتاب المناقب-و مسند أحمد بن حنبل،و سنن التّرمذيّ و النّسائيّ و كتب أخرى،و هو من الأحاديث المعروفة و المشهورة جدّا،و قد أورده مفسّر و الفريقين كالطّبرسيّ في«مجمع البيان»،و القرطبيّ في تفسيره،في ذيل هذه الآية.

4-لقد ورد كون نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله خاتما للنّبيّين صريحا في كثير من خطب«نهج البلاغة»،و من جملة ذلك ما نراه في الخطبة:173،في وصف نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله؛حيث يقول عليه السّلام:«أمين وحيه،و خاتم رسله،و بشير رحمته،و نذير نقمته».

و جاء في الخطبة:133،«أرسله على حين فترة من الرّسل،و تنازع من الألسن.فقفّى به الرّسل،و ختم به الوحي».

و قال عليه السّلام في الخطبة الأولى من«نهج البلاغة»،بعد أن عدّد تعليمات الأنبياء الماضين:«إلى أن بعث اللّه سبحانه محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لإنجاز عدته،و إتمام نبوّته».

5-و قد وردت مسألة الخاتميّة في ختام خطبة الوداع،تلك الخطبة الّتي ألقاها نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله في آخر حجّة له،و في آخر سنة من عمره المبارك،كوصيّة جامعة للنّاس؛حيث قال صلّى اللّه عليه و آله:«ألا فليبلّغ شاهدكم غائبكم لا نبيّ بعدي،و لا أمّة بعدكم»ثمّ رفع يديه إلى السّماء حتّى بان بياض إبطيه،فقال:«اللّهمّ اشهد أنّي قد بلّغت».

6-و جاء في حديث آخر ورد في«الكافي»عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه قال:«إنّ اللّه ختم بنبيّكم النّبيّين، فلا نبيّ بعده أبدا،و ختم بكتابكم الكتب،فلا كتاب بعده أبدا».

إنّ الأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة جدّا؛ بحيث جمع منها في كتاب«معالم النّبوّة»135 حديثا من

ص: 240

كتب علماء الإسلام،عن نفس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و أئمّة الإسلام العظام.

3-إجابة عن عدّة أسئلة:

1-كيف تتناسب الخاتميّة مع سير الإنسان التّكامليّ؟

إنّ السّؤال الأوّل الّذي يطرح في هذا البحث هو:هل يمكن أن يتوقّف المجتمع الإنسانيّ؟أ ترى يوجد لسير البشر التّكامليّ حدّ محدود؟ألسنا نرى بأمّ أعيننا أنّ بشر اليوم قد وصلوا في العلم و الثّقافة إلى مرحلة تفوق مستوى سابقيهم؟فمع هذا الحال كيف يمكن أن يغلق سجل النّبوّة مطلقا،فيحرم الإنسان من قيادة أنبياء جدد في سيره التّكامليّ؟

إنّ الإجابة عن هذا السّؤال تتّضح بملاحظة مسألة واحدة،و هي أنّ الإنسان يصل أحيانا إلى مرتبة من النّضج الفكريّ و الثّقافيّ؛بحيث يكون قادرا على الاستمرار في طريقه بالاستعانة المستمرة بالأصول و التّعليمات الّتي تركها له النّبيّ الخاتم بصورة جامعة،دون أن يحتاج إلى شريعة جديدة.

إنّ هذا الأمر يشبه تماما أن يكون الإنسان محتاجا لمعلّم جديد و مربّ آخر في كلّ مرحلة من مراحل الدّراسة المختلفة،حتّى يقضي المراحل المختلفة،أمّا إذا حصل على الدّكتوراة،أو أصبح مجتهدا له رأيه في العلم أو العلوم المختلفة،فإنّه لا يستمرّ في دراسته على يدي أستاذ جديد،بل يباشر البحث و المطالعة و التّحقيق استنادا إلى ما اكتسبه من الأساتذة السّابقين،و خاصّة أستاذه الأخير.

و بتعبير آخر فإنّه يحلّ المشاكل و العقبات الّتي تعترضه بالاستعانة بتلك الأصول الكلّيّة الّتي تعلّمها من أستاذه الأخير،و بناء على هذا فلا حاجة لأن يظهر دين جديد على مرّ الزّمان،تأمّلوا ذلك.

و بعبارة أخرى،فإنّ الأنبياء السّابقين قد مهّدوا جانبا و جزء من مسير التّكامل،ليكون الإنسان قادرا على سلوك هذا الطّريق المليء بالتّعرّجات،و يشقّ طريقه نحو التّكامل كي ينال هذه الأهليّة،و يعلم بأنّ المخطّط الكامل الجامع لهذا الطّريق قد مهّده له آخر نبيّ أرسل من قبل اللّه تعالى.

من البديهيّ أنّه مع استلام الخريطة الكاملة و المخطّط الجامع سوف لا تكون هناك حاجة إلى مخطّط آخر،و هذا في الحقيقة هو نفس التّعبير الّذي ورد في الرّوايات الدّالّة على كونه صلّى اللّه عليه و آله خاتما،و الّتي عدّت نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله آخر لبنة،أو واضع آخر لبنة في قصر الرّسالة البديع المحكم.

كان كلّ ذلك في مورد عدم الحاجة إلى دين جديد و شريعة مستحدثة.

أمّا فيما يتعلّق بمسألة القيادة و الإمامة،و الّتي تعني الإشراف التّامّ على تنفيذ هذه الأصول،و القبض على المتخلّفين في الطّريق،فهي مسألة أخرى لا يمكن أن يستغني الإنسان عنها في أيّ حين،و لذلك فإنّ ختام سلسلة النّبوّة لا يعني أبدا نهاية سلسلة الإمامة،لأنّ تبيين و توضيح هذه الأصول و وجودها في عالم الوجود و تحقّقها في الخارج،لا يمكن أن يتمّ من دون الاستعانة بوجود قائد و إمام معصوم.

2-كيف تتلاءم القوانين الثّابتة مع الحاجات

ص: 241

المتغيّرة؟

بغضّ النّظر عن مسألة السّير التّكامليّ للبشر،و الّتي طرحت في السّؤال الأوّل،فإنّ هناك سؤالا آخر يطرح هنا،و هو:أنّنا نعلم أنّ مقتضيات الأزمنة و الأمكنة و متطلّباتها متفاوتة،و بتعبير آخر فإنّ حاجات الإنسان في تغيّر مستمرّ،في حين أنّ للشّريعة الختاميّة قوانين ثابتة،فهل تقوى هذه القوانين الثّابتة على أن تؤمّن حاجات الإنسان المتغيّرة على مدى الزّمان؟

و يمكن الإجابة على هذا السّؤال جيّدا بملاحظة المسألة التّالية،و هي:أنّه لو كانت لكلّ قوانين الإسلام صفة جزئيّة،و أنّها قد عيّنت لكلّ موضوع حكما جزئيّا معيّنا،لكان هناك مجال لهذا السّؤال،أمّا إذا عرفنا بأنّ في تعليمات الإسلام سلسلة من الأصول الكلّيّة الواسعة جدّا،و الّتي تقدر على أن تطابق الحاجات المتغيّرة و تؤمّنها،فلا يبقى مجال لهذا الإشكال.

إنّنا نرى استحداث سلسلة من الاتفاقيّات الجديدة و الرّوابط الحقوقيّة بين البشر،لم يكن لها وجود في عصر نزول القرآن بتاتا،فمثلا لم يكن في ذلك العصر شيء اسمه الضّمان بفروعه المتعدّدة،و كذلك أنواع الشّركات الّتي ظهرت في عصرنا و زماننا حسب الاحتياج اليوميّ،لكن يوجد لدينا في الإسلام أصل عامّ ورد في بداية سورة المائدة بعنوان لزوم الوفاء بالعهد و العقد: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و هو يقدر على احتواء كلّ هذه الاتّفاقيّات.

طبعا هناك قيود و شروط بصورة عامّة وضعت لهذا الأصل العامّ في الإسلام،يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار أيضا.

بناء على هذا فالقانون الكلّيّ ثابت في هذا الباب بالرّغم من أنّ مصاديقه متغيّرة،فلا مانع من أن يظهر مصداق جديد له في كلّ يوم.

و نضرب مثالا آخر،و هو:لدينا في الإسلام قانون مسلّم به،و هو قانون«لا ضرر»يمكن من خلاله تحديد أيّ حكم يمكن أن يكون منبعا و مصدرا للضّرر و الخسارة في المجتمع،و عن هذا الطّريق ترفع كثير من الاحتياجات.إضافة إلى أنّ مسائل لزوم حفظ المجتمع، و وجوب مقدّمة الواجب،و تقديم الأهمّ على المهمّ يمكن أن تكون حلاّ للمشاكل في كثير من الموارد.

و فضلا عن كلّ ذلك فإنّ الصّلاحيّات الّتي تمنح للحكومة الإسلاميّة عن طريق ولاية الفقيه،تضع تحت تصرّفها إمكانيّات واسعة لحلّ المشاكل في إطار أصول الإسلام العامّة.

إنّ بيان كلّ واحد من هذه الأمور،مع الأخذ بنظر الاعتبار كون باب الاجتهاد-أي استنباط الأحكام الإلهيّة من المصادر الإسلاميّة-يحتاج إلى بحث واسع يبعدنا تناوله عن الهدف،و لكن مع ذلك فإنّ ما أوردناه هنا من باب الإشارة يمكن أن يكون جوابا للإشكال المذكور.

3-كيف يحرم البشر من فيض الارتباط بعالم الغيب؟

السّؤال الآخر هو:إنّ نزول الوحي و الاتّصال بعالم الغيب و ما وراء الطّبيعة يعتبر نافذة أمل لكلّ المؤمنين الحقيقيّين،إضافة إلى أنّه موهبة و فخر لعالم البشريّة،ألا

ص: 242

يعتبر قطع طريق الاتّصال هذا،و غلق نافذة الأمل هذه حرمانا عظيما للبشر الّذين يحيون بعد وفاة خاتم الأنبياء؟

إنّ الإجابة على هذا السّؤال تتّضح بملاحظة النّقطتين أدناه،و هما:

الأولى:إنّ الوحي و الارتباط بعالم الغيب وسيلة لإدراك الحقائق الّتي قيلت لاستحقاقها القول و الذّكر، و قد بيّنت كلّ الاحتياجات إلى يوم القيامة في الأصول العامّة و التّعليمات الجامعة الّتي وضعها خاتم النّبيّين، و لذلك فإنّ قطع طريق الاتّصال هذا لا يوجد مشكلة.

الثّانية:إنّ ما يقطع إلى الأبد بعد ختم النّبوّة هو الوحي لشريعة جديدة،أو لتكميل شريعة سابقة،لا كلّ نوع من الاتّصال بما وراء عالم الطّبيعة،لأنّ للأئمّة ارتباطا بعالم الغيب،و كذلك المؤمنون الحقيقيّون الّذين أزالوا الحجب عن قلوبهم،و وصلوا إلى مقام المكاشفة و الشّهادة نتيجة تهذيبهم أنفسهم.

يقول الفيلسوف الشّهير صدر المتألّهين الشّيرازيّ في«مفاتيح الغيب»:الوحي يعني نزول الملك على السّمع و القلب لإلقاء المهمّة،و إذا كانت النّبوّة قد انقطعت،و لم يعد ينزل الملك على أحد ليأمره بتنفيذ أمر-لأنّ كلّ ما يجب أن يصل إلى البشر قد وصله بحكم اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ المائدة:3،فإنّ باب الإلهام لم يغلق و لن يغلق مطلقا،و لا يمكن أن يغلق هذا السّبيل.

إنّ هذا الارتباط يكون عادة نتيجة سموّ النّفس، و ارتقاء الرّوح المراقي،و تصفيتها،و صفاء الباطن،و لا علاقة لها بمسألة النّبوّة و الرّسالة،و بناء على هذا فمتى ما تحقّقت مقدّماته و شروطه وجدت هذه الرّابطة المعنويّة، و بذلك فلم يكن أيّ بشر محروما من هذا الفيض العظيم، و لن يكون،تأمّلوا ذلك.(13:253-262)

فضل اللّه :أمّا صفة خاتَمَ النَّبِيِّينَ، فالظّاهر أنّ المراد بها أنّه هو النّبيّ الّذي يختم خطّ النّبوّة،الّذي ابتدأ من آدم لينتهي به،و قد ورد ذلك في ما روي عن جابر بن عبد اللّه عن النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله قال:«مثلي و مثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمّها و أكملها إلاّ موضع لبنة،فجعل النّاس يدخلونها و يتعجّبون منها،و يقولون:لو لا موضع اللّبنة،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:فأنا موضع اللّبنة،جئت فختمت الأنبياء»،أورده البخاريّ و مسلم في صحيحيهما.

و هناك رواية أخرى رواها السّيوطيّ في«الدّرّ المنثور»:أخرج ابن الأنباريّ في المصاحف عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ قال:كنت أقرئ الحسن و الحسين،فمرّ بي عليّ بن أبي طالب و أنا أقرئهما،فقال لي:أقرئهما وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ بفتح التّاء.

و الرّواية الأولى أقرب و أشهر،لأنّ التّعبير عن النّبيّ بأنّه خاتمهم بمعنى زينتهم،كما هو الخاتم من مظاهر الزّينة، غير مألوف-على الظّاهر-و اللّه العالم.(18:323)

مختوم-ختامه

يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ* خِتامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ. المطفّفين:25،26

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث:]قيل:يا رسول اللّه ما الرّحيق المختوم؟قال:غدران الخمر.(الماورديّ 6:23)

ص: 243

ابن مسعود: مَخْتُومٍ: ممزوج،و خِتامُهُ مِسْكٌ: طعمه و ريحه.

و في رواية أخرى: خِتامُهُ مِسْكٌ أما إنّه ليس بالخاتم الّذي ختم،أما سمعتم المرأة من نسائكم تقول:

طيب كذا و كذا خلطه مسك.(الطّبريّ 12:497)

عاقبته طعم المسك.(الأزهريّ 7:314)

أبو الدّرداء: خِتامُهُ مِسْكٌ فالشّراب أبيض مثل الفضّة،يختمون به شرابهم،و لو أنّ رجلا من أهل الدّنيا أدخل إصبعه فيه ثمّ أخرجها،لم يبق ذو روح إلاّ وجد طيبها.(الطّبريّ 12:498)

ابن عبّاس: مَخْتُومٍ: ممزوج، خِتامُهُ:

عاقبته.(505)

* خِتامُهُ مِسْكٌ: طيّب اللّه لهم الخمر؛فكان آخر شيء جعل فيها حتّى تختم بالمسك.

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 12:498)

*إنّ ختمه الّذي ختم به إناؤه مسك.

(الماورديّ 6:230)

سعيد بن جبير: إذا رفع الشّارب فاه من آخر شرابه،وجد ريحه كريح المسك.

مثله الضّحّاك و علقمة و قتادة و مقاتل.

(الفخر الرّازيّ 31:99)

النّخعيّ: خِتامُهُ مِسْكٌ: عاقبته مسك.

مثله الحسن.(الطّبريّ 12:498)

مجاهد :طينه مسك.(الطّبريّ 12:498)

مثله البغويّ.(5:226)

مزاجه مسك.(الماورديّ 6:230)

الإمام الباقر عليه السّلام:ماء إذا شربه المؤمن وجد رائحة المسك فيه.(القمّيّ 2:411)

قتادة : خِتامُهُ مِسْكٌ: عاقبته مسك،قوم تمزج لهم بالكافور،و تختم بالمسك.(الطّبريّ 12:498)

ابن أبي نجيح:إنّ طعمه و ريحه مسك.

(الماورديّ 6:230)

ابن زيد : مَخْتُومٍ: الخمر خِتامُهُ مِسْكٌ:

ختامه عند اللّه مسك،و ختامها اليوم في الدّنيا طين.

(الطّبريّ 12:498)

الفرّاء: قرأ الحسن و أهل الحجاز و عاصم و الأعمش خِتامُهُ مِسْكٌ. و عن عليّ أنّه قرأ (خاتمه مسك) ...أ ما رأيت المرأة تقول للعطّار:اجعل لي خاتمه مسكا،تريد:آخره،و الخاتم و الختام متقاربان في المعنى، إلاّ أنّ الخاتم اسم،و الختام:المصدر.[ثمّ استشهد بشعر]

و مثل الخاتم و الختام قولك للرّجل،هو كريم الطّابع و الطّباع،و تفسيره:أنّ أحدهم إذا شرب وجد آخر كأسه ريح المسك.(3:248)

أبو عبيدة : مَخْتُومٍ له ختام،عاقبة ريح، خِتامُهُ عاقبته.(2:290)

نحوه المبرّد و الزّجّاج.(الفخر الرّازيّ 31:99)

ابن قتيبة : خِتامُهُ مِسْكٌ أي آخر طعمه و عاقبته إذا شرب.(520)

الطّبريّ: رَحِيقٍ مَخْتُومٍ: يسقى هؤلاء الأبرار من خمر صرف،لا غشّ فيها.

قوله: مَخْتُومٍ* خِتامُهُ مِسْكٌ فإنّ أهل التّأويل

ص: 244

اختلفوا في تأويله،فقال بعضهم:معنى ذلك،ممزوج مخلوط،مزاجه و خلطه مسك.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:أنّ آخر شرابهم يختم بمسك يجعل فيه.

و قال آخرون:عني بقوله: مَخْتُومٍ مطيّن.

خِتامُهُ مِسْكٌ طينه مسك.

و أولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب قول من قال:

معنى ذلك:آخره و عاقبته مسك،أي هي طيّبة الرّيح،إنّ ريحها في آخر شربهم،يختم لها بريح المسك.

و إنّما قلنا:ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصّحّة،لأنّه لا وجه للختم في كلام العرب إلاّ الطّبع و الفراغ،كقولهم:

ختم فلان القرآن،إذا أتى على آخره،فإذا كان لا وجه للطّبع على شراب أهل الجنّة،يفهم إذا كان شرابهم جاريا جري الماء في الأنهار،و لم يكن معتقا في الدّنان، فيطيّن عليها و تختم،تعيّن أنّ الصّحيح من ذلك الوجه الآخر،و هو العاقبة و المشروب آخرا،و هو الّذي ختم به الشّراب.و أمّا الختم بمعنى المزج،فلا نعلمه مسموعا من كلام العرب.

و قد اختلف القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الأمصار خِتامُهُ مِسْكٌ سوى الكسائيّ،فإنّه كان يقرؤه (خاتمه مسك) .

و الصّواب من القول عندنا في ذلك ما عليه قراءة الأمصار،و هو خِتامُهُ، لإجماع الحجّة من القرّاء عليه،و الختام و الخاتم،و إن اختلفا في اللّفظ،فإنّهما متقاربان في المعنى،غير أنّ الخاتم:اسم،و الختام:مصدر.

[ثمّ استشهد بشعر]

و نظير ذلك قولهم:هو كريم الطّبائع و الطّباع.

(12:496)

الزّجّاج: معنى مَخْتُومٍ في انقطاعه خاصّة،ثمّ بيّن فقال: (خِتامُهُ مِسْكٌ .و قرئت (خاتمه مسك)؟ بفتح التّاء، و قرئت (خاتمه مسك) و المعنى أنّهم إذا شربوا هذا الرّحيق فني ما في الكأس و انقطع الشّرب،انختم ذلك بطعم المسك و رائحته.(5:300)

السّجستانيّ: مَخْتُومٍ له ختام،أي عاقبة ريح، كما قال: خِتامُهُ مِسْكٌ أي آخر طعامه و عاقبته إذا شرب،أي يوجد في آخره طعم المسك و رائحته.يقال للعطّار إذا اشترى منه الطّيب:اجعل خاتمه مسكا.

(214)

القفّال: مَخْتُومٍ يحتمل أنّ هؤلاء يسقون من شراب مختوم قد ختم عليه،تكريما له بالصّيانة على ما جرت به العادة،من ختم ما يكرم و يصان.و هناك خمر آخر تجري منها أنهار،كما قال: وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ، إلاّ أنّ هذا المختوم أشرف من الجاري.

خِتامُهُ مِسْكٌ معناه:أنّ الّذي يختم به رأس قارورة ذلك الرّحيق هو المسك،كالطّين الّذي يختم به رءوس القوارير،فكان ذلك المسك رطب ينطبع فيه الخاتم.(الفخر الرّازيّ 31:99)

أبو عليّ الفارسيّ: خِتامُهُ مِسْكٌ المراد لذاذة المقطع و ذكاء الرّائحة،مع طيب الطّعم.

(ابن عطيّة 5:453)

الثّعلبيّ: مَخْتُومٍ ختمت و منعت عن أن يمسّها ماسّ،أو تنالها يد إلى أن يفكّ ختمها الأبرار يوم القيامة

ص: 245

خِتامُهُ: طينة.[و نقل الأقوال إلى أن قال:]

و ختم كلّ شيء:الفراغ منه،و منه ختم القرآن، و الأعمال بخواتيمها.

و قراءة العامّة خِتامُهُ بتقديم التّاء.و قرأ الكسائيّ (خاتمه) و هي قراءة عليّ و علقمة.[ثمّ أدام نحو الفرّاء](10:156)

الماورديّ: في(مختوم)ثلاثة أقاويل:أحدها:[قول ابن مسعود]

الثّاني:مختوم في الإناء بالختم،و هو الظّاهر.[ثمّ نقل القول الثّالث المنقول عن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بأنّها غدران الخمر،ثمّ نقل الأقوال في خِتامُهُ مِسْكٌ ].(6:230)

الطّوسيّ: قوله مَخْتُومٍ قيل:إنّ هذا الخمر مختوم في الآنية بالمسك،و هو غير الّذي يجري في الأنهار.

[ثمّ نقل قولين في معنى خِتامُهُ مِسْكٌ ].(10:303)

القشيريّ: مَخْتُومٍ أي رحيق لا غشّ فيه، و يقال:عتيق طيّب،و يقال:إنّهم يشربون شرابا آخره مسك،و يقال:بل هو مختوم قبل حضورهم.

و يقال: خِتامُهُ مِسْكٌ: ممنوع من كلّ أحد،معدّ مدّخر لكلّ أحد باسمه.(6:271)

الواحديّ: مَخْتُومٍ و هو الّذي له ختام،أي عاقبة.و قال مجاهد:مختوم:مطيّن.كأنّه ذهب إلى معنى الختم بالطّين،و يكون المعنى:أنّه ممنوع من أن تمسّه يد إلى أن يفكّ ختمه الأبرار.

ثمّ فسّر«المختوم»بقوله: خِتامُهُ مِسْكٌ، أي آخر طعمه ريح المسك،إذا رفع الشّارب فاه من آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك.

و معنى خِتامُهُ: عاقبته و ما يختم به،و المعنى:

لذاذة المقطع و ذكاء الرّائحة،و الختام:آخر كلّ شيء، و كذلك الخاتم و الخاتم،و هو قراءة الكسائيّ.(4:448)

نحوه الطّبرسيّ(5:456)،و البروسويّ(10:

371).

الرّاغب: خِتامُهُ مِسْكٌ قيل:ما يختم به،أي يطبع،و إنّما معناه:منقطعه،و خاتمة:شربه،أي سؤره في الطّيب مسك.و قول من قال:يختم بالمسك أي يطبع، فليس بشيء،لأنّ الشّراب يجب أن يطيب في نفسه، فأمّا ختمه بالطّيب فليس ممّا يفيده.و لا ينفعه طيب خاتمه،ما لم يطب في نفسه.(143)

الزّمخشريّ: مَخْتُومٍ تختم أوانيه من الأكواب و الأباريق بمسك مكان الطّينة.و قيل: خِتامُهُ مِسْكٌ:

مقطعه رائحة مسك إذا شرب،و قيل:يمزج بالكافور و يختم مزاجه بالمسك.

و قرئ: (خاتمه) بفتح التّاء و كسرها،أي ما يختم به و يقطع.(4:233)

البيضاويّ: أي مختوم أوانيه بالمسك مكان الطّين، و لعلّه تمثيل لنفاسته أو الّذي له ختام،أي مقطع هو رائحة المسك.

و قرأ الكسائيّ (خاتمه) بفتح التّاء،أي ما يختم به و يقطع.(2:547)

نحوه أبو السّعود.(6:397)

ابن عطيّة: مَخْتُومٍ يحتمل أن يختم على كئوسه الّتي يشرب بها تهمّما و تنظيفا،و الأظهر أنّه مختوم شرابه بالرّائحة المسكيّة،حسبما فسّر قوله تعالى:

ص: 246

خِتامُهُ مِسْكٌ. [ثمّ نقل الأقوال في معنى ذلك منها قول مجاهد:طينه مسك،و قال:]

و هذا إنّما يكون في الكئوس،لأنّ خمر الآخرة ليست في دنان،إنّما هي في أنهار.

و قرأ الجمهور: خِتامُهُ، و قرأ الكسائيّ و عليّ بن أبي طالب و الضّحّاك و النّخعيّ: (خاتمه) ،و هذه بيّنة المعنى:أنّه يراد بها الطّبع على الرّحيق،و روي عنهم أيضا كسر التّاء.(5:453)

الفخر الرّازيّ: الصّفة الأولى: مَخْتُومٍ، و فيه وجوه:[ذكر الوجوه الّتي ذكرناها ثمّ قال:]

و الأقرب من جميع هذه الوجوه الوجه الأوّل،الّذي ذكره القفّال.

الصّفة الثّانية لهذا الرّحيق قوله: خِتامُهُ مِسْكٌ، و فيه وجوه:

الأوّل:قال القفّال:معناه أنّ الّذي يختم به رأس قارورة ذلك الرّحيق هو المسك،كالطّين الّذي يختم به رءوس القوارير،فكان ذلك المسك رطب ينطبع فيه الخاتم،و هذا الوجه مطابق للوجه الأوّل الّذي حكيناه عن القفّال في تفسير قوله:(مختوم).

الثّاني:المراد من قوله: خِتامُهُ مِسْكٌ، أي عاقبته المسك،أي يختم له آخره بريح المسك.و هذا الوجه مطابق للوجه الّذي حكيناه عن أبي عبيدة في تفسير قوله:

مَخْتُومٍ، كأنّه تعالى قال:من رحيق له عاقبة،ثمّ فسّر تلك العاقبة فقال:تلك العاقبة مسك،أي من شربه كان ختم شربه على ريح المسك.و هذا قول علقمة و الضّحّاك و سعيد بن جبير،و مقاتل و قتادة قالوا:إذا رفع الشّارب فاه من آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك، و المعنى لذاذة المقطع و ذكاء الرّائحة و أرجها،مع طيب الطّعم.

و الختام:آخر كلّ شيء،و منه يقال:ختمت القرآن، و الأعمال بخواتيمها،و يؤكّده قراءة عليّ عليه السّلام،و اختيار الكسائيّ،فإنّه يقرأ: (خاتمه مسك) أي آخره،كما يقال:

خاتم النّبيّين.قال الفرّاء:و هما متقاربان في المعنى،إلاّ أنّ الخاتم:اسم،و الختام:مصدر،كقولهم:هو كريم الطّباع و الطّابع.

الثّالث:معناه خلطه مسك،و ذكروا أنّ فيه تطييبا لطعمه،و قيل:بل لريحه.و أقول:لعلّ المراد أنّ الخمر الممزوج بهذه الأفاويه الحارّة ممّا يعين على الهضم و تقوية الشّهوة،فلعلّ المراد منه الإشارة إلى قوّة شهوتهم و صحّة أبدانهم.و هذا القول رواه سعيد بن جبير عن الأسود عن عائشة،تقول المرأة:لقد أخذت ختم طيني،أي لقد أخذت أخلاط طيني.

قال أبو الدّرداء:هو شراب أبيض مثل الفضّة، يختمون به آخر شربهم،لو أنّ رجلا من أهل الدّنيا أدخل فيه يده ثمّ أخرجها،لم يبق ذو روح إلاّ وجد طيب ريحه.(31:99)

نحوه النّيسابوريّ.(30:52)

الآلوسيّ: مَخْتُومٍ* خِتامُهُ مِسْكٌ أي مختوم أوانيه و أكوابه بالمسك مكان الطّين،كما روي عن مجاهد، و ذكر أنّ طين الجنّة مسك معجون،و الظّاهر أنّ الختام ما يختم به،و أنّ الختم على حقيقته و كذا إسناده.و قولنا:

مختوم أوانيه إلخ،ليس لأنّ الإسناد مجازيّ،بل لأنّ الختم

ص: 247

على الشّيء،أعني الاستيثاق منه بالختم طريقه ذلك، و ختم اعتناء به و إظهارا لكرامة شاربه.و كان ذلك ممّا هو على هيئة الطّين،ليكون على النّهج المألوف.و يجوز أن يكون ذلك تمثيلا لكمال نفاسته،و إلاّ فليس ثمّة غبار أو ذباب أو خيانة،ليصان عن ذلك بالختم.

و قال ابن عبّاس و ابن جبير و الحسن:المعنى خاتمته و نهايته رائحة مسك إذا شرب،أي يجد شاربه ذلك عند انتهاء شربه،و كان ذلك لأنّ اشتغال الذّائقة بكمال لذّته تمنع عن إدراك الرّائحة،فاذا انقطع الشّرب أدركت،و إلاّ فالرّائحة لا تختصّ بالانتهاء.

و قيل:المعنى ذو نهاية،نهايته و ما يبقى بعد شربه، و يشرب في أوانه مسك،و ليس كشراب الدّنيا نهايته و ما يرسب في إنائه طين أو نحوه،و هو كما ترى.

و قيل:إنّ الرّحيق يمزج بالكافور،و يختم مزاجه بالمسك.فالمعنى ذو ختام،ختام مزاجه مسك،و هو مع كونه خلاف الظّاهر،و فيما بعد ما يبعده في الجملة يحتاج إلى نقل يعوّل عليه.

و قرأ عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه و النّخعيّ و الضّحّاك و زيد بن عليّ و أبو حيوة و ابن أبي عبلة و الكسائيّ (خاتمه)بالف بعد الخاء و فتح التّاء،و المراد ما يختم به أيضا،فإنّ«فاعلا»بالفتح يكون أيضا اسم آلة كالقالب و الطّابع،لكنّه سماعيّ.

و عن الضّحّاك و عيسى و أحمد بن جبير الأنطاكيّ عن الكسائيّ كسر التّاء،أي آخره رائحة مسك.

(30:75)

ابن عاشور :و المختوم:المسدود إناؤه،أي باطيته[:إناؤه]،و هو اسم«مفعول»من ختمه إذا شدّ بصنف من الطّين معروف بالصّلابة،إذا يبس فيعسر قلعه،و إذا قلع ظهر أنّه مقلوع،كانوا يجعلونه للختم على الرّسائل،لئلاّ يقرأ حاملها ما فيها،و لذلك يقولون:من كرم الكتاب ختمه،و يجعلون علامة عليه تطبع فيه و هو رطب،فإذا يبس تعذّر فسخها،و يسمّى ما تطبع به (خاتما)بفتح الفوقيّة.و كان الملوك و الأمراء و السّادة يجعلون لأنفسهم خواتيم،يضعونها في أحد الخنصرين، ليجدوها عند إصدار الرّسائل عنهم.

و الختام بوزن كتاب:اسم للطّين الّذي يختم به،كانوا يجعلون طين الختام على محلّ السّداد من القارورة أو الباطية أو الدّنّ للخمر،لمنع تخلّل الهواء إليها،و ذلك أصلح لاختمارها و زيادة صفائها و حفظ رائحتها.و جعل ختام خمر الجنّة بعجين المسك عوضا عن طين الختم.

و المسك:مادّة حيوانيّة ذات عرف طيّب،مشهور طيبه و قوّة رائحته منذ العصور القديمة.و هذه المادّة تتكوّن في غدّة مملوءة دما تخرج في عنق صنف من الغزال في بلاد التّبت من أرض الصّين،فتبقى متّصلة بعنقه إلى أن تيبس فتسقط،فيلتقطها طلاّبها و يتّجرون فيها.و هي جلدة في شكل فأر صغير،و لذلك يقولون:

فأرة المسك.

و فسّر خِتامُهُ مِسْكٌ بأنّ المعنى ختام شربه،أي آخر شربه مسك،أي طعم المسك بمعنى نكهته.

و جملة: خِتامُهُ مِسْكٌ نعت ل رَحِيقٍ. أو بدل مفصّل من مجمل،أو استئناف بيانيّ ناشئ عن وصف الرّحيق بأنّه مَخْتُومٍ أن يسأل سائل عن ختامها،أي

ص: 248

شيء هو من أصناف الختام،لأنّ غالب الختام أن يكون بطين أو سداد.[و استشهد بالشّعر مرّتين](30:182)

الطّباطبائيّ: الرّحيق:الشّراب الصّافي الخالص من الغشّ،و يناسبه وصفه بأنّه مختوم،فإنّه إنّما يختم على الشّيء النّفيس الخالص،ليسلم من الغشّ و الخلط، و إدخال ما يفسده فيه.

قيل:الختام بمعنى ما يختم به،أي إنّ الّذي يختم به مسك بدلا من الطّين،و نحوه الّذي يختم به في الدّنيا.

و قيل:أي آخر طعمه الّذي يجده شاربه رائحة المسك.(20:238)

المصطفويّ: الختام يرجع إلى صدر الآية يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ الرّحيق هو الشّراب الصّافي الخالص،و المختوم:هو البالغ إلى حدّ النّهاية، و المنتهى إلى الكمال و التّمام في موضوعه،و بحسب حاله و وصفه و خصوصيّته.فيكون المراد من الختام هو آخر جزء و منتهى قسمة من الشّراب الّذي يشربون.

(3:23)

مكارم الشّيرازيّ: مَخْتُومٍ: إشارة إلى أنّه أصليّ،و يحمل كلّ صفاته المميّزة عن غيره من الأشربة، و لا يجاريه شراب قطّ،و هذا بحدّ ذاته تأكيد آخر لخلوص الشّراب و طهارته.

و الختم بالصّورة المذكورة يظهر مدى الاحترام الخاصّ لأهل الجنّة؛حيث إنّ ذلك الإحكام و تلك الأختام مختصّة لهم،و لا يفتحها أحد سواهم.

و تقول الآية التّالية: خِتامُهُ مِسْكٌ، فختامه ليس كختوم أهل الدّنيا الّتي تلوّث الأيدي،و أقلّ ما فيها أنّها في حال فتحها ترمى في سلّة الأوساخ،بل هو شراب طاهر مختوم،و إذا ما فتح ختمه فتفوح رائحة المسك منه.

و قيل: خِتامُهُ يعني نهايته،فعند ما ينتهي من شرب الرّحيق،ستفوح من فمه رائحة المسك،على خلاف أشربة أهل الدّنيا،الّتي لا تترك في الفم إلاّ المرارة و الرّائحة الكريهة.و لكن بملاحظة الآية السّابقة يعدّ هذا التّفسير بعيدا.(20:35)

فضل اللّه : رَحِيقٍ مَخْتُومٍ و هو الشّراب الخالص المصفّى،الّذي لا غشّ فيه و لا كدر،أمّا كلمة، مَخْتُومٍ فإنّها توحي بالصّيانة،فلا يمسّها أحد،ليضع فيها أيّ شيء يسيء إلى المذاق أو الصّحّة،فهي مختومة مغلقة لا تفتح إلاّ عند الشّراب، خِتامُهُ مِسْكٌ و إذا كان الختم من المسك،فإنّ إيحاءه يعني الرّائحة الطّيّبة الّتي تضيف إلى مذاقه الطّيّب عطرا ينعش الرّوح.

(24:136)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: الختم على أربعة أوجه:الطّبع،الحفظ، الآخر،المنع.

فوجه منها:الختم:الطّبع،قوله في سورة البقرة الآية:

7، خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ أي طبع،كقوله في سورة الجاثية،الآية:23، وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ أي طبع.

و الوجه الثّاني:ختم يعني:حفظ و ربط،قوله في الشّورى،الآية:24: فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ يعني:يربط على قلبك و يحفظ.

ص: 249

و الوجه الثّالث:خاتمه يعني آخره،قوله في سورة التّطفيف،الآية:25،26، مَخْتُومٍ* خِتامُهُ مِسْكٌ يعني آخره،كقوله في سورة الأحزاب،الآية:40، وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ يعني آخرهم.

و الوجه الرّابع:الختم:المنع،قوله تعالى في سورة يس،الآية:65، اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ أي نمنع أفواههم من الكلام.(311)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخاتم،أي ما يوضع على الطّينة؛و الجمع:خواتم و خواتيم،و هو الخاتم و الختم و الخيتام و الخاتام أيضا.يقال:ختم الشّيء يختمه ختما و ختاما،أي طبعه،فهو مختوم و مختّم،و الفاعل:خاتم، و الختام:الطّين الّذي يختم به على الكتاب.ثمّ استعمل في الحلّي.يقال:تختّم بالخاتم،أي لبسه.

و من المجاز:الختم على القلب:أن لا يفهم شيئا،و لا يخرج منه شيء،كأنّه طبع،و فلان ختم عليك بابه:

أعرض عنك،و ختم فلان لك بابه:آثرك على غيره.

و الخاتم و الخاتم:من صفات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أي آخرهم، و خاتم كلّ شيء و خاتمته:عاقبته و آخره،كأنّه ختم بالخاتم،كما يختم الكتاب.يقال:ختم الشّيء يختمه ختما، أي بلغ آخره،و ختم فلان القرآن:قرأه إلى آخره، و خاتمة السّورة:آخرها،و ختام القوم و خاتمهم و خاتمهم:

آخرهم،و ختام كلّ مشروب:آخره،و ختام الوادي:

أقصاه.

و الختام:أن تثار الأرض بالبذر حتّى يصير البذر تحتها ثمّ يسقونها،لأنّ الزّرع يختم بالسّقي،أو لأنّه إذا سقي ختم بالرّجاء.بأنّ يرجو الزّارعون نبت،و نموّه يقال:

ختم زرعه يختمه ختما،و ختم عليه،أي سقاه أوّل سقية،و هو الختم،و الختام اسم له.

و الختام و الختام:فصّ مفصل الخيل؛و الجمع:ختم.

و الخاتم:أقلّ وضح القوائم،يقال:فرس مختّم،أي بأشاعرة بياض خفيّ كاللّمع دون التّخديم،و خاتم الفرس الأنثى:الحلقة الدّنيا من ظبيتها،على التّشبيه بالخاتم.

و الختم:أن تجمع النّحل من الشّمع شيئا رقيقا،أرقّ من شمع القرص فتطليه به،كأنّها تختم العسل به.

2-و ذهب بعض المستشرقين إلى أنّ لفظ«الخاتم» ليس عربيّا أصيلا،بل هو إمّا آراميّ أو عبريّ،و أنّ أفعال هذه المادّة مشتقّة من هذا اللّفظ،و زعموا أنّ وزن (فاعل)غير قياسيّ في العربيّة (1).

و أصرّ«آرش جفري»على أنّه لفظ دخيل،رغم اعترافه بوروده في شعر امرئ القيس جمعا،و استعماله منذ القدم في جنوب شبه الجزيرة العربيّة،كما أنبأت بذلك التّنقيبات الأثريّة (2).

و جاءت ألفاظ تضارع«خاتم»في الوزن،و هي إمّا عربيّة،نحو:العالم:الخلق،و الرّاسن:نبات يشبه الزّنجبيل، و التّابل:الفوه يعالج به الطّعام،و الرّامك:ضرب من الطّيب،و الطّابع:الميسم،و هو ما يوسم به الحيوان و ما يختم به،و القالب:ما تفرّغ فيه المعادن و غيرها ليكون

ص: 250


1- معجم المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم.
2- المصدر السّابق.

مثالا لما يصاغ منها،و الرّاجل:ماء الظّليم و ضرب من الوسم،و الشّالم:الزّؤان الّذي يكون في البرّ،و النّاطل:

مكيال الشّراب و اللّبن.

و إمّا فارسيّة معرّبة،نحو:الدّانق:سدس الدّرهم، و الرّائج:الجوز الهنديّ،و الرّامق و الرّامج:الملواح الّذي تصاد به البزاة و الصّقور،و السّاذج:غير البالغ،و الطّابق:

ظرف يطبخ فيه،و الطّاجن:صحفة من صحاف الطّعام، و الباذق:الخمر الحمراء،و الكاغد:القرطاس،و الكامخ:ما يؤتدم به،و الهاون:وعاء مجوّف من الحديد أو النّحاس يدقّ فيه،و اليارج:من حلي اليدين،و اليارق:السّوار.

و أضاف السّيوطيّ إلى ما تقدّم لفظي سالخ و قارب، و لم نعثر على معنييهما (1).

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الماضي 3 مرّات،و المضارع مرّتين،و اسم المفعول،و المصدر،و الاسم كلّ منها مرّة في 8 آيات:

1- خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ... البقرة:7

2- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ... الأنعام:46

3- أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ... الجاثية:23

4- أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ... الشّورى:24

5- اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يس:65

6- ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ... الأحزاب:40

7- يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ المطفّفين:25

8- خِتامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ

المطفّفين:26

و يلاحظ أوّلا:

الف-أنّه إذا كان أصل المادّة هو الخاتم-كما سبق- فهو ينطبق على جميع الآيات؛حيث إنّ المراد بالختم على قلوب الكفّار في(1-4)إقفال القلوب بالختم عليها،فلا يدخلها إيمان،و لا يخرج منها كفر،كما أنّ الختم على أفواههم في(5)هو إقفالها عن التّكلّم،فلا يقدرون أن يدافعوا عن أنفسهم كذبا،بل تكلّم أيديهم بما عملوا من المعاصي صدقا،و كما أنّ النّبيّ عليه السّلام خاتم النّبوّة فأقفل بابها،فلا نبيّ بعده،و أيضا الرّحيق المختوم في(7)ما ختم عليه فلا تناله الأيدي.و هذا هو المعنيّ ب خِتامُهُ مِسْكٌ في(8)أي ما ختم عليه بالمسك،فتفوح منه رائحة طيّبة.

ب-في مسألة الختم على القلوب نزاع معروف بين الأشاعرة و المعتزلة،و هي من فروع مسألة خلق أفعال العباد؛حيث إنّ الطّائفة الأولى يعتقدون أنّها من اللّه و يعترفون فيها بالجبر،و ينكره المعتزلة و الإماميّة و كلّ من قال بمقولتهم،و يرون أنّها من العباد أنفسهم.فأوّلوا أمثال هذه الآيات بتأويلات عديدة-قد أنهاها الفخر الرّازيّ إلى تسعة وجوه-فرارا من الجبر.

و نحن لا نريد هنا الخوض في هذه المسألة اكتفاء

ص: 251


1- المزهر(2:115 و 116).

بتلك النّصوص الطّويلة.و الّذي نختاره فيها أنّ الختم و الإضلال و الغشاوة،و نفي الهداية و ما جاء بمعناها في الآيات،كلّ ذلك فعل اللّه و مجازاة منه لمن بلغتهم الدّعوة الحقّة،و تمّت عليهم الحجّة فرفضوها باختيارهم،و ليس الختم و الإضلال ابتداء قبل أن تتمّ الدّعوة.و بذلك يرتفع الخلاف بين الفريقين.و قد جاء ما اخترناه في كلمات بعض من الطّائفتين،و منهم الفخر الرّازيّ و ابن كثير و غيرهما من الأشاعرة،و الطّوسيّ و الطّبرسيّ و الطّباطبائيّ،فلاحظ نصوصهم.

على أنّ القرآن نفسه قد صرّح مرّة بعد أخرى بأنّ ذلك من اللّه،مجازاة لإعراضهم عن الحقّ،و ظلمهم على أنفسهم:

1- ..يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ البقرة:26

2- ...كَذلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ الأنعام:125

3- ...إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ

الأنعام:144،و القصص:50،و الأحقاف:10

4- ...وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ

التّوبة:19،و 109

5- وَ ما كانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ التّوبة:115

6- ...وَ يُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ

إبراهيم:27

7- ...وَ ما ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ النّحل:33

8- ...إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ المؤمن:28

9- ...كَذلِكَ يُضِلُّ اللّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ

المؤمن:34

10- ...كَذلِكَ يُضِلُّ اللّهُ الْكافِرِينَ* ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ إلى غيرها.المؤمن:74،75

و قد جاء في نصّ الكاشانيّ عن الإمام الرّضا عليه السّلام:

«الختم هو الطّبع على قلوب الكفّار عقوبة على كفرهم، كما قال عزّ و جلّ: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً النّساء:155.

و من ذلك كلّه يظهر أنّ الختم على القلوب الكافرة هو مجازاة لهم في الدّنيا قبل عذاب الآخرة؛حيث يحرمهم اللّه عن نعمة الهداية،إلاّ أن يرجعوا و يتوبوا،فإنّ اللّه هو التّوّاب الغفور.

و كأنّ الطّباطبائيّ أراد أن يشير إلى ذلك بقوله في (1):«يشعر تغيير السّياق حيث نسب الختم إلى نفسه تعالى،و الغشاوة إليهم أنفسهم،بأنّ فيهم حجابا دون الحقّ في أنفسهم،و حجابا من اللّه تعالى عقيب كفرهم و فسوقهم،فأعمالهم متوسّطة بين حجابين من ذاتهم و من اللّه تعالى»ثمّ حوّل البحث إلى إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً... البقرة:26،لاحظ«ه د ي،و ض ل ل،

ص: 252

و ظ ل م،و ف س ق».

ج-للفخر الرّازيّ في(5) اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بحوث:

1:ذكر في التّرتيب بين الختم على أفواههم و تكلّم أيديهم و شهادة أرجلهم وجهين،لا بأس بهما و لا شاهد عليهما.

2:ذكر في الختم على الأفواه وجهين أيضا،لا يخلوا كلاهما عن وجه.

3:أنّ فيها لطائف لفظيّة و معنويّة:

أمّا اللّفظيّة فمنها إسناد الختم إلى نفسه،و الكلام و الشّهادة إلى الأيدي و الأرجل،و منها جعل الكلام للأيدي و الشّهادة للأرجل.

و أمّا المعنويّة فجعله الشّاهد عليهم منهم لا من أعدائهم.

4:أنّ الختم لازم الكفّار في الدّنيا على قلوبهم،و في الآخرة على أفواههم،و حين ختم على قلوبهم كان قولهم بِأَفْواهِهِمْ كما قال: ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ التّوبة:

30،فلمّا ختم على أفواههم أيضا لزم قولهم بأعضائهم، لأنّ الإنسان لا يملك سوى القلب و اللّسان و الأعضاء، فإذا لم يبق القلب و الفم تعيّن الجوارح و الأركان، فلاحظ.

د-قال ابن عاشور:«قد يخيّل تعارض بين هذه الآية(5)و بين يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ النّور:24.و أجاب بأنّ (5)جاءت في المشركين و هذه في المنافقين.و أنّ في الآيتين احتباكا،فالمراد بتكلّم الأيدي:الشّهادة و بشهادة الأرجل:نطقها بالشّهادة أيضا،و التّكلّم و الشّهادة مقدّران في كلّ منهما.

و قد أجاب مغنيّة عن التّعارض بأنّ للعباد غدا مواقف،فيؤذن لهم بالكلام في بعضها دون بعض،كما قال: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ هود:105.

ه:لقد طوّلوا الكلام في(6): وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ، بإيراد الأحاديث في ختم النّبوّة به عليه السّلام، و باختلاف القراءة بفتح التّاء في(خاتم)و كسرها، و الفرق بينهما،و أنّها فضيلة للرّسول عليه السّلام،و أنّه إجماعيّ، و ببيان سرّ الخاتميّة و الجمع بينها و بين نظام تطوّر الأمم زمانا و مكانا،و بالنّقض بعيسى عليه السّلام،حيث يرجع إلى الدّنيا قبل يوم القيامة إجماعا،و الجواب عنه،و بالنّقض أيضا بما جاء في إبراهيم ابن النّبيّ عليه السّلام أنّه لو بقي لكان نبيّا و الجواب عنه.

و بأنّ وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ، استثناء من ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ، و فيها إشعار بأنّه عليه السّلام أب لأمّته،و غيرها من المباحث،و بعضها قابل للنّقد،فلاحظ.

و:يبدو أنّها و إن كانت في اللّغة بمعنى ضرب الخاتم على الشّيء و سدّه،إلاّ أنّها في الآيات كناية عن سدّ الشّيء و انتهائه،و ليس فيها ختم بالخاتم.

ص: 253

و يلاحظ ثانيا:أنّ الآيات كلّها مكّيّة سوى اثنتين منها(1)و(6)،و هذا يكشف عن وجودها في البلدين، و إن كانت صيغة الفعل في المكّيّات غالبة.و سياق الخمس الأولى ذمّ،و الثّلاث الأخيرة مدح،فلاحظ.

و ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

1-الإكمال: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي المائدة:3

2-الآخر: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10

3-الغشاء: وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً الجاثية:23

ص: 254

خ د د

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

خدّك 1:1 الأخدود 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :المخدّة:المصدغة،و اشتقاقهما من الخدّ و الصّدغ،و هو أي الخدّ من لدن المحجر إلى اللّحي من الجانبين.

و الخدّ:جعلك أخدودا في الأرض تحفره مستطيلا، يقال:خدّه خدّا.قال:

*ضاحي الأخاديد إذا اللّيل ادلهمّ*

و مثله:أخاديد السّياط في الظّهر،و هي طرائقها.

و التّخديد:تخديد اللّحم عند الهزال.و رجل متخدّد و امرأة متخدّدة،أي مهزول قليل اللّحم.

و إذا شقّ الجمل بنابه شيئا قيل:خدّه.[ثمّ استشهد بشعر](4:138)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخدود من الغنم:الّتي تكون في آخرها أبدا.(1:225)

أفناهم خدّا فخدّا،أي مرّة ثمّ مرّة.(1:227)

الفرّاء: يقال:مضى خدّ من النّاس،أي قرن من النّاس.(ابن السّكّيت:41)

أبو زيد :و خدد الطّريق:شركه.

(ابن منظور 3:161)

الأصمعيّ: الخدود في الغبط و الهوادج:جوانب الدّفّتين عن يمين و شمال،و هي صفائح خشبها؛الواحد:

خدّ.(الأزهريّ 6:561)

اللّحيانيّ: هو[الخدّ]مذكّر لا غير؛و الجمع:خدود، لا يكسّر على غير ذلك.و استعار بعض الشّعراء الخدّ للّيل.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 4:505)

ابن هشام:الأخدود:الحفر المستطيل في الأرض، كالخندق و الجدول و نحوه؛و جمعه:أخاديد.(1:37)

ابن الأعرابيّ: الخدّ:الجماعة من النّاس.

الخدّ:الطّريق.و الدّخّ:الدّخان؛جاء به بفتح الدّال.

أخدّه فخدّه،إذا قطعه.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 255

و ضربة أخدود:شديدة قدّ خدّت فيه.

و أخاديد السّياط في الظّهر:ما شقّت منه.

و أخاديد الأرشية في رأس البئر:تأثير جرّها فيه.

و خدّ السّيل في الأرض،إذا شقّها بجريه.

و الخدّان في صفحتي الوجه،و هي الخدود.

(الأزهريّ 6:561)

ابن السّكّيت: و تخدّد:هزل و اضطرب لحمه.(146)

و الأخاديد:كلّ ما انحفر في الأرض من الجوادّ؛ واحدها:أخدود.(473)

ابن أبي اليمان :و الخدّ:الشّقّ في الأرض،و الخدّ:

خدّ الإنسان.(307)

و الأخدود:الحفرة في الأرض،قال جلّ و عزّ: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ البروج:4.(322)

المبرّد: و قوله:«أبصرت تخدّدي» (1)يريد ما حدث في جسمه من النّحول،و أصل الخدّ:ما شققته في الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للشّيخ:قد تخدّد،يراد قد تشنّج جلده،و قال اللّه عزّ و جلّ: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ. و قيل في التّفسير:هؤلاء قوم خدّوا أخاديد في الأرض،و أشعلوا فيها نيرانا،فحرّقوا بها المؤمنين.(1:119)

ابن دريد :الخدّ:معروف،و هو ما اكتنف الأنف من عن يمين و شمال،و هما خدّان.

و الخدّ و الأخدود:شقّان مستطيلان غامضان في الأرض،و هكذا فسّره أبو عبيدة في التّنزيل-و اللّه أعلم -في قوله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ.

و المخدّة«مفعلة»من الخدّ،لأنّ الخدّ يوضع عليها.

و المخدّة أيضا:حديدة تخدّ بها الأرض؛و الاسم:خدّ، و المصدر:خددت أخدّ خدّا.

و جمع خدّ الإنسان:خدود،و قد قيل للخدّ في الأرض أيضا:خدّة.(1:65)

و أخدود:و هو الخدّ في الأرض،و كذلك فسّر في التّنزيل؛و اللّه أعلم.(3:378)

القاليّ: و مخدّ يخدّ الأرض،أي يجعل فيها أخاديد، و الأخاديد:الشّقوق؛واحدها:أخدود.(1:193)

الأزهريّ: و في القرآن: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ و كانوا خدّوا في الأرض أخاديد،و أوقدوا عليها النّيران حتّى حميت،ثمّ عرضوا النّاس على الكفر،فمن امتنع ألقوه فيها حتّى يحترق.

رأيت خدّا من النّاس،أي طبقة و طائفة،و قتلهم خدّا فخدّا،أي طبقة بعد طبقة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:تخدّد القوم،إذا صاروا فرقا.

و خدد الطّريق:شركه.(6:560)

الصّاحب:[مثل الخليل و أضاف:]

و المخادّة بين رجلين:أن يحنق أحدهما على الآخر فيعارضه في عمله.

و مضى خدّ من النّاس،أي جماعة.

و الخدخد و الخدخد:دويبّة.(4:165)

الجوهريّ: الخدّ في الوجه،و هما خدّان.

و المخدّة بالكسر،لأنّها توضع تحت الخدّ.و المخدّ أيضا:حديدة تخدّ بها الأرض،أي تشقّ.ر.

ص: 256


1- مقتطف من الشّعر.

و الأخدود:شقّ في الأرض مستطيل.و خدّ الأرض يخدّها.

و ضربة أخدود،أي خدّت في الجلد.

و الخدّة بالضّمّ:الحفرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخداد:ميسم في الخدّ.و البعير مخدود.

و المتخدّد:المهزول،و قد خدّد لحمه و تخدّد،أي تشنّج.(2:468)

ابن فارس: الخاء و الدّال أصل واحد،و هو تأسّل الشّيء و امتداده إلى السّفل.فمن ذلك:الخدّ:خدّ الإنسان، و به سمّيت المخدّة.

و الخدّ:الشّقّ.و الأخاديد:الشّقوق في الأرض.

و التّخدّد:تخدّد اللّحم من الهزال.و امرأة متخدّدة:

مهزولة.

و الخداد:ميسم من المياسم،و لعلّه يكون في الخدّ، يقال منه:بعير مخدود.(2:149)

الثّعالبيّ: المصدغة و المخدّة:للرّأس.(249)

ابن سيده: و الخدّان:جانبا الوجه،و هما ما جاوز مؤخر العين إلى منتهى الشّدق.و قيل:الخدّ من الوجه من لدن المحجر إلى اللّحي.و قيل:الخدّان اللّذان يكتنفان الأنف عن يمين و شمال.

و المخدّة:المصدغة،مشتقّ من ذلك،لأنّ الخدّ يوضع عليها.

و الخدّ و الخدّة و الأخدود:الحفرة نحفرها في الأرض مستطيلة،و قيل:الخدّ و الأخدود شقّان في الأرض غامضان مستطيلان.

خدّها يخدّها خدّا.و الخدّ:الجدول،مشتقّ منه؛ و الجمع:أخدّة،على غير قياس،و الكثير:خداد و خدّان.

و المخدّة:حديدة تخدّ بها الأرض.

و خدّ الدّمع في خدّه:أثّر.و خدّ الفرس الأرض بحوافره:أثّر فيها.

و أخاديد السّياط:آثارها.

و خدّد لحمه و تخدّد:هزل و نقص،و قيل:التّخدّد:أن يضطرب اللّحم من الهزال.

و امرأة متخدّدة،إذا نقص جسمها و هي سمينة.

و الخدّ:الجمع من النّاس،و مضى خدّ من النّاس،أي قرن.

و المخدّان:النّابان.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخدخد:دويبّة.(4:505)

الثّعلبيّ: و الأخدود:الحفرة و الشّقّ المستطيل في الأرض كالنّهر؛و جمعه:أخاديد،و هو«أفعول»من الخدّ، يقال:خددت في الأرض خدّا،أي شققت و حفرت.

(10:174)

نحوه البغويّ(5:233)،و الفخر الرّازيّ(31:

119)،و الواحديّ(4:459).

الطّوسيّ: و الأخدود:هو الشّق العظيم في الأرض، و منه ما روي في معجزة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أنّ الشّجرة دعاها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فجعلت تخدّ الأرض خدّا حتّى أتته.

و منه الخدّ:لمجاري الدّموع.و المخدّة:لوضع الخدّ عليها.

و تخدّد لحمه،إذا صار فيه طرائق كالشّقوق.

(10:317)

مثله الطّبرسيّ(5:464)،و نحوه الميبديّ(10:

ص: 257

439)،و القرطبيّ(19:284).

الرّاغب: قال اللّه تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ. الخدّ و الأخدود:شقّ في الأرض مستطيل غائص،و جمع الأخدود:أخاديد،و أصل ذلك من خدّي الإنسان،و هما ما اكتنفا الأنف عن اليمين و الشّمال.

و الخدّ:يستعار للأرض و لغيرها كاستعارة الوجه.

و تخدّد اللّحم:زواله عن وجه الجسم،يقال:خدّدته فتخدّد.(143)

الزّمخشريّ: دخل عليه فأظهر له المودّة،و ألقى له المخدّة،و طرحوا لهم النّمارق و المخادّ.

و بعير مخدود:موسوم في خدّه،و به خداد.و خدّ في الأرض،و فيها خدود و أخاديد و خدّ و أخدود.

و من المجاز:ضربة أخدود.و تخدّد لحمه من الهزال.

و خدّده سوء الحال.

و أصلح خدود الهوادج،و هي صفائح الخشب في جوانب الدّفّتين عن يمين و شمال.

و مضى خدّ من النّاس و جبهة،و قتلنا خدّا فخدّا،أي طبقه و طائفة و ناحية من النّاس.

و عارضه خدّ من القفّ:جانب منه.

و خادّه:عارضه،و تخادّ الرّجلان في الخصومة و غيرها.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(أساس البلاغة:104)

مسروق رحمه اللّه:«أنهار الجنّة تجري من غير أخدود، و شجرها نضيد من أصلها إلى فرعها»،أي في غير شقّ في الأرض.(الفائق 1:357)

نحوه الهرويّ.(2:537)

ابن الأثير:فيه ذكر«أصحاب الأخدود» الأخدود:الشّقّ في الأرض؛و جمعه:الأخاديد.(2:13)

الصّغانيّ: [ذكر نحو المتقدّمين ثمّ قال:]

و خدّاء،و خدّاد:موضعان.

و الخدود:مخلاف من مخاليف الطّائف.

و كان يسمّون«الكوفة»خدّ العذراء لنزاهتها و طيبها.

و خدد مثال زفر:موضعان،أحدهما بديار بني سليم، و الآخر:عين بهجر.(2:227)

الفيّوميّ: الأخدود:حفرة في الأرض؛و الجمع:

أخاديد.و يسمّى الجدول أخدودا.

و الخدّ جمعه:خدود،و هو من المحجر إلى اللّحي من الجانبين.

و المخدّة بكسر الميم:سمّيت بذلك لأنّها توضع تحت الخدّ؛و الجمع:المخادّ،وزان دوابّ.(1:165)

الفيروزآباديّ: الخدّتان بالضّمّ:ما جاوز مؤخّر العينين إلى منتهى الشّدق،أو اللّذان يكتنفان الأنف عن يمين و شمال،أو من لدن المحجر إلى اللّحي مذكّر.

و الخدّ:الطّريق،و الجماعة،و الحفرة المستطيلة في الأرض كالخدّة بالضّمّ و الأخدود،و الجدول،و صفيحة الهودج؛جمعه:أخدّة و خداد و خدّان،و التّأثير في الشّيء.

و الأخاديد:آثار السّياط،و خدّد لحمه و تخدّد:هزل و نقص.

و خدّده السّير،لازم و متعدّ.

و خدّاء:موضع.

و ككتاب:ميسم في الخدّ،و موضع.

ص: 258

و كهدهد و علبط:دويبّة.

و خادّه:حنق عليه فعارضه في عمله.

و تخدّد:تشنّج.(1:301)

الطّريحيّ: و خدّ الأرض-من باب مدّ-شقّها.

و منه حديث الميّت:«أتاه ملكا القبر يخدّان الأرض بأقدامهما»أي يشقّانها شقّا.

و منه الخبر:«أنهار الجنّة تجري في غير أخدود».

و في الحديث:«لا يبقى على وجهه-يعني إبليس- مضغة لحم إلاّ تخدّدت،أي تشقّقت.(3:42)

مجمع اللّغة:

1-الخدّ:أحد جانبي الوجه.

2-خدّ الأرض يخدّها خدّا:شقّها.و من ذلك الأخدود،و هو الحفرة المستطيلة.(1:321)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خدّ الأرض:شقّها.

و الأخدود:الحفرة المستطيلة.و الخدّ من الوجه:جانبه، و هو ما بين أسفل العين إلى الشّدق.(1:158)

محمود شيت:أ-خدّ الموضع الدّفاعيّ: حفره.

ب-خدّد الحصان:ضمّره و هزّله.

ج-تخدّد الجيش:تنظّم فرقا.

د-الأخدود:الخندق الطّويل الواسع؛جمعه:

أخاديد.

ه-مخدّة:الوسادة،و هي من تجهيزات فراش الجنديّ،توزّع من عينة الجيش.(1:213)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الشّقّ المستطيل،سواء كان في أرض أو في جلد أو لحم أو وجه أو في غيرها.

و يقرب منها لفظا و معنى:الخقّ،و الخطّ،و الخرق، و الخرب،و الشّقّ.

و قيد الشّقّ و الاستطالة مأخوذان في موارد استعمالها و مصاديقها كلاّ،و لا يقال:خدّة و لا أخدود إلاّ في الحفرة المستطيلة.

و أمّا خدّ الوجه،فكأنّ جانبي الأنف مجرى مستطيل لدمع العين.

و أمّا الطّبقة من النّاس،فتطلق عليها إذا لوحظت انتزاعها و اشتقاقها صفّا واحدا من بين جماعة من النّاس.

و أمّا صيغة أخدود،فهي«أفعول»كالأحدوث و الأغلوط و الأعجوب و الأرجوز و غيرها،تدلّ على ذات أو مفهوم متشخّص متظاهر متميّز.(3:24)

النّصوص التّفسيريّة

خدّك

وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً...

لقمان:18

المصطفويّ: أي لا تمله عنهم،و أمّا علّة التّعبير بهذه الكلمة دون الوجه و غيره،فإنّ التّصعير و الإمالة في الوجه يظهر في المرتبة الأولى في الخدّين،فإنّ الخدّ واقع في وسط الوجه و قبال نظر النّاظر،و الأنف كالشّاخص المستقيم بين الخدّين،و هذا المعنى توجّه دقيق و رعاية أدب لطيف عند الصّحبة و المذاكرة.(3:25)

لاحظ ص ع ر:«لا تصعّر».

ص: 259

الاخدود

قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ* اَلنّارِ ذاتِ الْوَقُودِ.

البروج:4،5

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«كان فيمن كان قبلكم ملك،و كان له ساحر،فأتى السّاحر الملك،فقال:قد كبرت سنّي،و دنا أجلي،فادفع لي غلاما أعلّمه السّحر،قال:فدفع إليه غلاما يعلّمه السّحر،قال:فكان الغلام يختلف إلى السّاحر،و كان بين السّاحر و بين الملك راهب؛قال:

فكان الغلام إذا مرّ بالرّاهب قعد إليه،فسمع من كلامه، فأعجب بكلامه،فكان الغلام إذا أتى السّاحر ضربه، و قال:ما حبسك؟و إذا أتى أهله قعد عند الرّاهب يسمع كلامه،فإذا رجع إلى أهله ضربوه و قالوا:ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الرّاهب،فقال له الرّاهب:إذا قال لك السّاحر:ما حبسك؟قل حبسني أهلي،و إذا قال أهلك:ما حبسك؟فقل حبسني السّاحر.فبينما هو كذلك إذ مرّ في طريق و إذا دابّة عظيمة في الطّريق قد حبست النّاس لا تدعهم يجوزون،فقال الغلام:الآن أعلم أمر السّاحر أرضى عند اللّه أم أمر الرّاهب؟قال:فأخذ حجرا،قال:

فقال:اللّهمّ إن كان أمر الرّاهب أحبّ إليك من أمر السّاحر،فإنّي أرمي بحجري هذا فيقتله،و يمرّ النّاس.

قال:فرماها فقتلها،و جاز النّاس.فبلغ ذلك الرّاهب، قال:و أتاه الغلام فقال الرّاهب للغلام:إنّك خير منّي،و إن ابتليت فلا تدلّنّ عليّ.

قال:و كان الغلام يبرئ الأكمه و الأبرص،و سائر الأدواء.و كان للملك جليس،قال:فعمي:قال:فقيل له:

إنّ هاهنا غلاما يبرئ الأكمه و الأبرص و سائر الأدواء، فلو أتيته؟قال:فاتّخذ له هدايا،قال:ثمّ أتاه فقال:يا غلام إن أبرأتني فهذه الهدايا كلّها لك،فقال:ما أنا بطبيب يشفيك،و لكنّ اللّه يشفي،فإذا آمنت دعوت اللّه أن يشفيك،قال.فآمن الأعمى،فدعا اللّه فشفاه،فقعد الأعمى إلى الملك كما كان يقعد،فقال له الملك:أ ليس كنت أعمى؟قال:نعم،قال:فمن شفاك؟قال:ربّي.قال:

و لك ربّ غيري؟قال:نعم،ربّي و ربّك اللّه،قال:فأخذه بالعذاب فقال:لتدلّنّني؟على من علّمك هذا،قال:فدلّ على الغلام،فدعا الغلام فقال:ارجع عن دينك،قال:

فأبى الغلام؛قال:فأخذه بالعذاب،قال:فدلّ على الرّاهب،فأخذ الرّاهب،فقال:ارجع عن دينك فأبى، قال:فوضع المنشار على هامته فشقّه حتّى بلغ الأرض، قال:و أخذ الأعمى فقال:لترجعنّ أو لأقتلنّك،قال:

فأبى الأعمى،فوضع المنشار على هامته،فشقّه حتّى بلغ الأرض.

ثمّ قال للغلام:لترجعنّ أو لأقتلنّك،قال:فأبى، قال:فقال:اذهبوا به حتّى تبلغوا به ذروة الجبل،فإن رجع عن دينه،و إلاّ فدهدهوه،فلمّا بلغوا به ذروة الجبل فوقعوا فماتوا كلّهم.و جاء الغلام يتلمّس حتّى دخل على الملك،فقال:أين أصحابك؟قال:كفانيهم اللّه.قال:

فاذهبوا به فاحملوه في قرقور،فتوسّطوا به البحر،فإن رجع عن دينه و إلاّ فغرّقوه.قال:فذهبوا به،فلمّا توسّطوا به البحر قال الغلام:اللّهمّ اكفنيهم،فانكفأت بهم السّفينة.

و جاء الغلام يتلمّس حتّى دخل على الملك فقال الملك:

أين أصحابك؟فقال:دعوت اللّه فكفانيهم،قال:

لأقتلنّك،قال:ما أنت بقاتلي حتّى تصنع ما آمرك،قال:

ص: 260

فقال الغلام للملك:اجمع النّاس في صعيد واحد،ثمّ اصلبني،ثمّ خذ سهما من كنانتي فارمني و قل:باسم ربّ الغلام،فإنّك ستقتلني.

قال:فجمع النّاس في صعيد واحد؛قال:و صلبه و أخذ سهما من كنانته،فوضعه في كبد القوس ثمّ رمى، فقال:باسم ربّ الغلام،فوقع السّهم في صدغ الغلام، فوضع يده هكذا على صدغه،و مات الغلام،فقال النّاس:آمنّا بربّ الغلام.فقالوا للملك:ما صنعت؟الّذي كنت تحذر قد وقع،قد آمن النّاس،فأمر بأفواه السّكك فأخذت،و خدّ الأخدود و ضرّم فيه النّيران،و أخذهم و قال:إن رجعوا و إلاّ فألقوهم في النّار،قال:فكانوا يلقونهم في النّار.قال:فجاءت امرأة معها صبيّ لها،قال:

فلمّا ذهبت تقتحم وجدت حرّ النّار،فنكصت،قال:فقال لها صبيّها يا أمّاه،امضي فإنّك على الحقّ،فاقتحمت في النّار».(الطّبريّ 12:524)

الإمام عليّ عليه السّلام:[إنّهم حين اختلفوا في أحكام المجوس قال:]

قد كانوا أهل كتاب،و قد كانت الخمر أحلّت لهم، فشربها ملك من ملوكهم،حتّى ثمل منها،فتناول أخته فوقع عليها،فلمّا ذهب عنه السّكر قال لها:ويحك!فما المخرج ممّا ابتليت به؟فقالت:اخطب النّاس،فقل:يا أيّها النّاس إن اللّه قد أحلّ نكاح الأخوات،فقام خطيبا،فقال:

يا أيّها النّاس إنّ اللّه قد أحلّ نكاح الأخوات،فقال النّاس:إنّا نبرأ إلى اللّه من هذا القول،ما أتانا به نبيّ،و لا وجدناه في كتاب اللّه،فرجع إليها نادما،فقال لها:ويحك! إنّ النّاس قد أبوا عليّ أن يقرّوا بذلك،فقالت:ابسط عليهم السّياط،ففعل،فبسط عليهم السّياط،فأبوا أن يقرّوا،فرجع إليها نادما،فقال:إنّهم أبوا أن يقرّوا، فقالت:اخطبهم فإن أبوا فجرّد فيهم السّيف،ففعل،فأبى عليه النّاس،فقال لها:قد أبى عليّ الناس،فقالت:خدّ لهم الأخدود،ثمّ اعرض عليها أهل مملكتك،فمن أقرّ و إلاّ فاقذفه في النّار،ففعل،ثمّ عرض عليها أهل مملكته،فمن لم يقرّ منهم قذفه في النّار،فأنزل اللّه فيهم قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ* اَلنّارِ ذاتِ الْوَقُودِ...

هم ناس بمذارع (1)اليمن،اقتتل مؤمنوها و كفّارها، فظهر مؤمنوها على كفّارها،ثمّ اقتتلوا الثّانية،فظهر مؤمنوها على كفّارها،ثم أخذ بعضهم على بعض عهدا و مواثيق أن لا يغدر بعضهم ببعض،فغدر بهم الكفّار فأخذوهم أخذا.ثمّ إنّ رجلا من المؤمنين قال لهم:هل لكم إلى خير،توقدون نارا ثمّ تعرضوننا عليها،فمن تابعكم على دينكم فذلك الّذي تشتهون،و من لا،اقتحم النّار فاسترحتم منه،قال:فأجّجوا نارا و عرضوا عليها، فجعلوا يقتحمونها صناديدهم،ثمّ بقيت منهم عجوز كأنّها نكصت،فقال لها طفل في حجرها:يا أمّاه،امضي و لا تنافقي،قصّ اللّه عليكم نبأهم و حديثهم.

(الطّبريّ 12:523)

نحوه قتادة.(ابن الجوزيّ 9:75)

كان أصحاب الأخدود نبيّهم حبشيّ،بعث نبيّ من الحبشة إلى قومه...فدعاهم النّبيّ،فتابعه أناس فقاتلهم فقتل أصحابه،و أخذ فأوثق فأفلت منهم،فخدّ (2)ا.

ص: 261


1- في الثّعلبيّ:بمدراع.
2- يعني:فخدّ الملك الكافر أخدودا.

أخدودا فملأها نارا،فمن تبع النّبيّ رمي فيها،و من تابعهم تركوه،فجاءوا بامرأة معها صبيّ رضيع فجزعت،فقال:

يا أمّاه مرّي و لا تنافقي.(الثّعلبيّ 10:172)

نحوه الإمام الباقر عليه السّلام.(العروسيّ 5:544)

[ذكر أصحاب الأخدود عنده فقال:]كانوا عشرة و على مثالهم عشرة يقتلون في هذا السّوق.

(الطّبرسيّ 5:466)

ابن عبّاس: هم ناس من بني إسرائيل،خدّوا أخدودا في الأرض،ثمّ أوقدوا فيه نارا،ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالا و نساء،فعرضوا عليها،و زعموا أنّه دانيال و أصحابه.

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 12:524)

كان بنجران ملك من ملوك حمير يقال له:يوسف ذو نواس بن شرحبيل،في الفترة قبل مولد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بسبعين (1)سنة،و كان في بلاده غلام يقال له:عبد اللّه بن تامر،و كان أبوه قد سلّمه إلى معلّم يعلّمه السّحر،فكره ذلك الغلام و لم يجد بدّا من طاعة أبيه،فجعل يختلف إلى المعلّم.و كان في طريقه راهب حسن القراءة،حسن الصّوت فأعجبه ذلك.[ثمّ ذكر قريبا من معنى حديث رسول اللّه عليه السّلام](البغويّ 5:234) أبو العالية :بعث اللّه على المؤمنين ريحا فقبضت أرواحهم أو نحو هذا،و خرجت النّار فأحرقت الكافرين الّذين كانوا على حافّتي الأخدود،فعلى هذا يكون القتل حقيقة لا بمعنى اللّعن،و يكون خبرا عن ما فعله اللّه بالكفّار و الّذين أرادوا أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم.

مثله الرّبيع و ابن إسحاق.(أبو حيّان 8:450)

مجاهد:كان شقوق في الأرض بنجران،كانوا يعذّبون فيها النّاس.(الطّبريّ 12:524)

كانوا من أهل نجران.(الماورديّ 6:241)

عكرمة :كانوا من النّبط أحرقوا بالنّار.

(البغويّ 5:235)

كانوا من قومك من السّجستان.

(القرطبيّ 19:288)

الضّحّاك: هم قوم من النّصارى كانوا باليمن قبل مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بأربعين سنة،أخذهم يوسف بن شراحيل بن تبّع الحميريّ،و كانوا نيفا و ثمانين رجلا، و حفر لهم أخدودا أحرقهم فيه.(الماورديّ 6:242)

أحرق بخت نصّر قوما من المسلمين.

(الثّعلبيّ 10:174)

الحسن :كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا ذكر عنده أصحاب الأخدود،تعوّذ باللّه من جهد البلاء.

(الواحديّ 4:461)

هم قوم من أهل اليمن.(الماورديّ 6:242)

وهب بن منبّه:إنّ رجلا كان بقي على دين عيسى فوقع إلى نجران فدعاهم فأجابوه،فسار إليه ذو نواس اليهوديّ بجنود من حمير،و خيّرهم بين النّار و اليهوديّة فأبوا عليه،فخدّ الأخاديد و أحرق اثني عشر ألفا.(الثّعلبيّ 10:170)

نحوه المراغيّ.(30:100)

العوفيّ: هم دانيال و أصحابه.

(الماورديّ 6:242)ة.

ص: 262


1- و في رواية:بتسعين سنة.

قتادة:يعني القاتلين الّذين قتلوهم يوم قتلوا.

(الطّبريّ 12:524)

زيد بن عليّ: لعن أصحاب الأخدود.و الأخدود:

الحفرة؛و الجمع:الأخاديد،و كانوا باليمن،فحفر الكفّار للمؤمنين هذه الحفرة،و أوقدوا فيها نارا،ثمّ قذفوهم فيها.(473)

السّدّيّ: الأخدود ثلاثة:واحد بالشّام،و واحد بالعراق،و واحد باليمن.(الماورديّ 6:242)

الرّبيع:كان أصحاب الأخدود قوما مؤمنين، اعتزلوا النّاس في الفتر،و إنّ جبّارا من عبدة الأوثان أرسل إليهم،فعرض عليهم الدّخول في دينه فأبوا،فخدّ أخدودا و أوقد فيه نارا،ثمّ خيّرهم بين الدّخول في دينه، و بين إلقائهم في النّار،فاختاروا إلقاءهم في النّار على الرّجوع عن دينهم،فألقوا في النّار،فنجّى اللّه المؤمنين الّذين ألقوا في النّار من الحريق،بأن قبض أرواحهم قبل أن تمسّهم النّار،و خرجت النّار إلى من على شفير الأخدود من الكفّار فأحرقتهم،فذلك قول اللّه: فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ البروج:10،في الآخرة وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ في الدّنيا.(الطّبريّ 12:525)

نحوه الفرّاء.(3:253)

الكلبيّ: كان أصحاب الأخدود سبعين ألفا،قال وهب:لمّا علت أرباط على اليمن خرج ذو نواس هاربا، فاقتحم البحر بفرسه فغرق.(الثّعلبيّ 10:170)

مقاتل:و ذلك أنّ يوسف بن ذي نواس من أهل نجران كان حفر خدّا و أوقد فيه النّار،فمن تكلّم منهم بالتّوحيد أحرقه بالنّار؛و ذلك أنّه كان قد آمن من قومه ثمانون رجلا و تسع نسوة،فأمرهم أن يرتدّوا عن الإسلام فأبوا،فأخبرهم أنّه سيعذّبهم بالنّار،فرضوا لأمر اللّه عزّ و جلّ،فأحرقهم كلّهم،فلم يزل يلقي واحدا بعد واحد في النّار،حتّى مرّت امرأة و معها صبيّ لها صغير يرضع،فلمّا نظرت المرأة إلى ولدها أشفقت عليه فرجعت،فعرضوا عليها أن تكفر فأبت،فضربوها حتّى رجعت،فلم تزل ترجع مرّة،و تشفق مرّة،حتّى تكلّم الصّبيّ فقال لها:

يا أمّاه إنّ بين يديك نارا لا تطفأ أبدا،فلمّا سمعت قول الطّفل أحضرت،حتّى ألقت نفسها في النّار،فجعل اللّه عزّ و جلّ أرواحهم في الجنّة،و أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ يوسف بن ذي نواس و أصحابه.(4:647)

كانت الأخاديد ثلاثة:واحدة بنجران باليمن، و الأخرى بالشّام،و الأخرى بفارس،حرّقوا بالنّار،أمّا الّتي بالشّام فهو انطياخوس بن ميسر الرّوميّ،أمّا الّتي بفارس فهو بخت نصّر،و أمّا الّتي بأرض العرب فهو يوسف بن ذي نواس.فأمّا الّتي بفارس و الشّام فلم ينزل اللّه سبحانه فيهما قرآنا،و أنزل في الّتي كانت بنجران، و ذلك أنّ رجلين مسلمين ممّن يقرءون الإنجيل،أحدهما بأرض تهامة،و الآخر بنجران اليمن،فآجر أحدهما نفسه في عمل يعمله،و جعل يقرأ الإنجيل...

فسمع ذلك يوسف بن ذي نواس بن شراحيل بن تبّع بن اليسوح الحميريّ،فخدّ لهم في الأرض فأوقد فيها فعرضهم على الكفر،فمن أبى منهم أن يكفر قذفه في النّار،و من رجع عن دين عيسى لم يقذف في النّار.[ثمّ

ص: 263

أدام القصّة](الثّعلبيّ 10:170)

ابن هشام:[ذكر قصّة أهل نجران و الإيمان بما جاء به عيسى عليه السّلام نحو ما تقدّم عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال:]

فسار إليهم ذو نواس بجنوده فدعاهم إلى اليهوديّة، و خيّرهم بين ذلك و القتل،فاختاروا القتل،فخدّ لهم الأخدود،فحرق من حرق بالنّار و قتل بالسّيف،و مثّل بهم حتّى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا،ففي ذو نواس و جنده تلك أنزل اللّه تعالى على رسوله سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:

قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ... [إلى أن قال:]

الأخدود:الحفر المستطيل في الأرض،كالخندق و الجدول و نحوه؛و جمعه:أخاديد.(1:37)

الدّينوريّ: قالوا:و في ملك قباذ بن فيروز مات ربيعة بن نصر اللّخميّ،و رجع الملك إلى حمير.فوليهم ذو نواس،و اسمه زرعة بن كعب...و إنّما سمّي ذا نواس لذؤابة كانت تنوس على رأسه.قالوا:و كان لذي نواس بأرض اليمن نار يعبدها هو و قومه...حتّى انطفأت، فتهوّد ذو نواس،و دعا أهل اليمن إلى الدّخول فيها،فمن أبى قتله.

ثمّ سار إلى مدينة نجران ليهوّد من فيها من النّصارى، و كان بها قوم على دين المسيح الّذي لم يبدّل،فدعاهم إلى ترك دينهم و الدّخول في اليهوديّة فأبوا،فأمر بملكهم، و كان اسمه عبد اللّه بن التّامر،فضربت هامته بالسّيف،ثمّ أدخل في سور المدينة،فضمّ عليه،و خدّ للباقين أخاديد فأحرقهم فيها،فهم أصحاب الأخدود الّذين ذكرهم اللّه عزّ اسمه في القرآن.(الأخبار الطّوال:61)

الجبّائيّ: يحتمل أن يكون المعنيّ بذلك القاتلين، و يحتمل أن يكون المقتولين،فإذا حمل على القاتلين فمعناه لعنوا بما فعلوه من قتل المؤمنين،و إن حمل على المقتولين فالمعنى إنّهم قتلوا بالإحراق بالنّار.

(الطّوسيّ 10:316)

نحوه الطّبرسيّ.(5:467)

ابن قتيبة :الأخدود:الشّقّ العظيم المستطيل في الأرض؛و جمعه:أخاديد.و كان رجل من الملوك،خدّ لقوم في الأرض أخاديد،و أوقد فيها نارا،ثمّ ألقى قوما من المؤمنين في تلك الأخاديد.(522)

الطّبريّ: لعن أصحاب الأخدود،و كان بعضهم يقول:معنى قوله: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ خبر من اللّه عن النّار أنّها قتلتهم.

و قد اختلف أهل العلم في أصحاب الأخدود من هم؟فقال بعضهم:قوم كانوا أهل كتاب من بقايا المجوس.

و قال آخرون:بل الّذين أحرقتهم النّار،هم الكفّار الّذين فتنوا المؤمنين.

و أولى التّأويلين بقوله: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ لعن أصحاب الأخدود الّذين ألقوا المؤمنين و المؤمنات في الأخدود.

و إنّما قلت ذلك أولى التّأويلين بالصّواب:للّذي ذكرنا عن الرّبيع من العلّة و هو أنّ اللّه أخبر أنّ لهم عذاب الحريق مع عذاب جهنّم،و لو لم يكونوا أحرقوا في الدّنيا، لم يكن لقوله: وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ معنى مفهوم،مع إخباره أنّ لهم عذاب جهنّم،لأنّ عذاب جهنّم هو عذاب الحريق مع سائر أنواع عذابها في الآخرة.

و الأخدود:الحفرة في الأرض.(12:523)

ص: 264

الزّجّاج:الأخدود:شقّ في الأرض؛و يجمع:

أخاديد،و قيل:أصحاب الأخدود قوم كانوا يعبدون صنما،و كان معهم قوم يكتمون إيمانهم،يعبدون اللّه عزّ و جلّ و يوحّدونه،فعلموا بهم فخدّوا لهم أخدودا و ملئوه نارا،و قذفوا بهم في تلك النّار فتقحّموها،و لم يرتدّوا عن دينهم ثبوتا على الإسلام،و يقينا أنّهم يصيرون إلى الجنّة.فجاء في التّفسير أنّ آخر من ألقي منهم امرأة معها صبيّ رضيع،فلمّا رأت النّار صدّت بوجهها و أعرضت، فقال لها الصّبيّ: يا أمّتاه قفي و لا تنافقي.و قيل إنّه قال لها:

و ما هي إلاّ غميضة،فصبرت فألقيت في النّار.

و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوّذ من جهد البلاء.فأعلم اللّه عزّ و جلّ قصّة قوم بلغت بصيرتهم و حقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على أن يحرقوا بالنّار في اللّه عزّ و جلّ.(5:307)

نحوه ابن سيده.(4:505)

المسعوديّ: ثمّ ملك بعده«ذو شناتر»و لم يكن من أهل بيت الملك،فغرى بالأحداث من أبناء الملوك، و طالبهم بما تطالب به النّسوان،و أظهر الفسق باليمن و اللّواط،و عدل مع ذلك في الرّعيّة،و أنصف المظلوم، و كان ملكه ثلاثين سنة،و قيل:تسعا و عشرين سنة، و قتله«يوسف ذو نواس»،و كان من أبناء الملوك خوفا على نفسه،و أنفة أن يفسق به.

ثمّ ملك بعده يوسف ذو نواس بن زرعة بن تبّع الأصغر بن حسّان بن كليكرب و قد ذكرنا خبره في غير هذا الموضع من كتبنا،و ما كان من أمره مع أصحاب الأخدود،و تحريقه إيّاهم بالنّار،و هم الّذين أخبر اللّه تعالى عنهم في كتابه،فقال: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ و إليه عبرت الحبشة من بلاد ناصح و الزّيلع-و هو ساحل الحبشة على حسب ما ذكرنا-إلى بلاد غلافقة من ساحل زبيد من أرض اليمن،فغرّق يوسف نفسه بعد حروب طويلة خوفا من العار،و كان ملكه مائتي سنة و ستّين سنة،و قيل:أقلّ من ذلك.

(مروج الذّهب 2:51)

المقدسيّ: ثمّ ملك بعده تبّع الأصغر،و هو تبّع بن حسّان ثمانيا و سبعين سنة،و هو الّذي قتل يهود يثرب في أصحّ الرّوايات...

أنّه بلغ[ذا شناتر]من ذي نواس ظرافة و ملاحة فبعث إليه فأحضر،و كان له ذؤابتان تنوسان على عاتقه و هو على دين اليهود،و هو صاحب الأخدود،و كان قد خبّأ سكّينا صغيرة تحت ثيابه،فلمّا راوده على الفاحشة و خلا به،وثب عليه ذو نواس و بعج بطنه و قتله،فحمدت حمير مذهبه و ملّكوه على أنفسهم...

فسار إليهم بجنوده فحاصرهم زمانا،ثمّ آمنهم فأعطاهم عهدا لا يغدر بهم إن هم نزلوا،فلمّا نزلوا،خدّ بهم الأخدود و أوقد فيه النّار،ثمّ جعل يجاء بفوج بعد فوج،و يخيّرون بين اليهوديّة و النّار،فمن أبى عليه قذفه في النّار...(البدء و التّاريخ 3:179 و 182)

القفّال:ذكروا في قصّة أصحاب الأخدود روايات مختلفة،و ليس في شيء منها ما يصحّ،إلاّ أنّها متّفقة في أنّهم قوم من المؤمنين خالفوا قومهم أو ملكا كافرا كان حاكما عليهم،فألقاهم في أخدود حفر لهم.

و أظنّ أنّ تلك الواقعة كانت مشهورة عند قريش

ص: 265

فذكر اللّه تعالى ذلك لأصحاب رسوله،تنبيها لهم على ما يلزمهم من الصّبر على دينهم و احتمال المكاره فيه،فقد كان مشركوا قريش يؤذون المؤمنون على حسب ما اشتهرت به الأخبار من مبالغتهم في إيذاء عمّار و بلال.(الفخر الرّازيّ 31:118)

الماورديّ: و هي حوافر شقّت في الأرض و أوقدت نارا،و ألقي فيها مؤمنون امتنعوا من الكفر.[ثمّ ذكر أقوال المتقدّمين و قال:]

و قال عبد الرّحمن بن الزّبير:هم قوم من النّصارى كانوا بالقسطنطنيّة زمان قسطنطين.(الماورديّ 6:241)

نحوه ابن الجوزيّ.(9:74)

الزّمخشريّ: و الأخدود:الخدّ في الأرض و هو الشّقّ،و نحوهما بناء و معنى الخقّ و الأخقوق.[ثمّ ذكر حديث النّبيّ الّذي سبق](4:237)

نحوه البيضاويّ(2:550)،و النّسفيّ(4:345)، و النّيسابوريّ(30:64)،و أبو السّعود(6:405)، و الآلوسيّ(29:87).

ابن عطيّة: [نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]

قيل:أصحاب الأخدود ذو نواس في قصّة عبد اللّه ابن التّامر الّتي وقعت في السّير،و قيل:كان أصحاب الأخدود في بني إسرائيل.

و رأيت في بعض الكتب أنّ أصحاب الأخدود هو محرق و آله الّذي حرق من بني تميم المائة،و يعترض هذا القول بقوله: وَ هُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ البروج:7،فينفصل عن هذا الاعتراض،بأنّ هذا الكلام من قصّة أصحاب الأخدود،و أنّ المراد بقوله:

(و هم)قريش الّذين كانوا يفتنون المؤمنين و المؤمنات.

(5:462)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ...

ففيه مسائل:

المسألة الأولى:ذكروا قصّة أصحاب الأخدود على طرق متباينة،و نحن نذكر منها ثلاثة:

أحدها:[قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]و ثانيها و ثالثها[قول عليّ عليه السّلام و وهب بن منبّه إلى أن قال:]

فإن قيل:تعارض هذه الرّوايات يدلّ على كذبها.

قلنا:لا تعارض،فقيل:إنّ هذا كان في ثلاث طوائف ثلاث مرّات،مرّة باليمن،و مرّة بالعراق،و مرّة بالشّام، و لفظ الأخدود و إن كان واحدا إلاّ أنّ المراد هو الجمع، و هو كثير من القرآن.[ثمّ ذكر قول القفّال و قال:]

المسألة الثّالثة:يمكن أن يكون المراد بأصحاب الأخدود القاتلين،و يمكن أن يكون المراد بهم المقتولين، و الرّواية المشهورة أنّ المقتولين هم المؤمنون.

و روي أيضا أنّ المقتولين هم الجبابرة،لأنّهم لمّا ألقوا المؤمنين في النّار عادت النّار على الكفرة فأحرقتهم، و نجّى اللّه المؤمنين منها سالمين،و إلى هذا القول ذهب الرّبيع بن أنس و الواقديّ،و تأوّلوا قوله: فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ، أي لهم عذاب جهنّم في الآخرة،و لهم عذاب الحريق في الدّنيا.

إذا عرفت هذه المقدّمة فنقول:ذكروا في تفسير قوله: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ وجوها ثلاثة،و ذلك لأنّا إمّا أن نفسّر أصحاب الأخدود بالقاتلين أو بالمقتولين.

ص: 266

أمّا على الوجه الأوّل ففيه تفسيران:

أحدهما:أن يكون هذا دعاء عليهم،أي لعن أصحاب الأخدود،و نظيره قوله تعالى: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ عبس:17، قُتِلَ الْخَرّاصُونَ الذّاريات:

10.

و الثّاني:أن يكون المراد أنّ أولئك القاتلين قتلوا بالنّار،على ما ذكرنا:أنّ الجبابرة لمّا أرادوا قتل المؤمنين بالنّار عادت النّار عليهم فقتلتهم.

و أمّا إذا فسّرنا أصحاب الأخدود بالمقتولين كان المعنى:أنّ أولئك المؤمنين قتلوا بالإحراق بالنّار،فيكون ذلك خبرا لا دعاء.(31:118)

أبو حيّان :ذكر المفسّرون في أصحاب الأخدود أقوالا فوق العشرة،و لكلّ قول منها قصّة طويلة،كسلنا عن كتابتها في كتابنا هذا،و مضمّنها:أنّ ناسا من الكفّار خدّوا أخدودا في الأرض و سجّروه نارا و عرضوا المؤمنين عليها،فمن رجع عن دينه تركوه،و من أصرّ على الإيمان أحرقوه.و أصحاب الأخدود هم المحرقون للمؤمنين.[ثمّ ذكر قول أبي العالية و الرّبيع و ابن إسحاق و قال:]

و قول هؤلاء مخالف لقول الجمهور،و لما دلّ عليه القصص الّذي ذكروه.(8:450)

ابن الورديّ: ثمّ«ذو شناتر»ثمّ«ذو نواس»و كان من لا يتهوّد ألقاه في أخدود مضطرم،فسمّي صاحب الأخدود،ثمّ«ذو جدن»آخر ملوك حمير،و مدّة ملكهم على ما قيل:ألفان و عشرون سنة...ثمّ ملك اليمن بعدهم من الحبشة و من الفرس ثمانية،ثمّ صارت اليمن للإسلام.(تاريخ ابن الورديّ 1:77)

الطّريحيّ: الأخدود:شقق في الأرض مستطيل؛ جمعه:أخاديد.و أصحاب الأخدود هو أخدود بنجران، خدّه الملك ذو نواس الحميريّ،و أحرق فيه نصارى نجران،و كان على دين اليهود،فمن لم يرجع عن دين النّصارى إلى دين اليهود أحرقه.(3:42)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:185)

البروسويّ: و الأخدود:الخدّ في الأرض،و هو شقّ مستطيل كالنّهر غامض،أي عميق القرار،و أصل ذلك من خدّي الإنسان،و هما ما اكتنفا الأنف على اليمين و الشّمال،و في«عين المعاني»:و منه الخدّ لمجاري الدّموع عليه،و أصحاب الأخدود ثلاثة...[ثمّ ذكر نحو مقاتل](10:386)

سيّد قطب :و الموضوع المباشر الّذي تتحدّث عنه السّورة هو حادث أصحاب الأخدود.و الموضوع هو أنّ فئة من المؤمنين السّابقين على الإسلام-قيل:إنّهم من النّصارى الموحّدين-ابتلوا بأعداء لهم طغاة قساة شرّيرين،أرادوهم على ترك عقيدتهم و الارتداد عن دينهم،فأبوا و تمنّعوا بعقيدتهم.فشقّ الطّغاة لهم شقّا في الأرض،و أوقدوا فيه النّار،و كبّوا فيه جماعة المؤمنين فماتوا حرقا،على مرأى من الجموع الّتي حشدها المتسلّطون،لتشهد مصرع الفئة المؤمنة بهذه الطّريقة البشعة،و لكي يتلهّى الطّغاة بمشهد الحريق،حريق الآدميّين المؤمنين، وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ البروج:8.[إلى أن قال:]

و الأخدود:الشّقّ في الأرض،و كان أصحابه قد

ص: 267

شقّوه و أوقدوا فيه النّار حتّى ملئوه نارا،فصارت النّار بدلا في التّعبير من الأخدود،للإيحاء بتلهّب النّار فيه كلّه و توقّدها.(6:3871)

عزّة دروزة :الأخدود:الشّق الطّويل الّذي يحفر في الأرض.و قد رويت روايات مختلفة في صدد هذا الحادث.[ثمّ ذكر حديث النّبيّ و قال:]

و مهما يكن من أمر،فإنّ روح الآيات و اكتفاءها بالإشارة الخاطفة إلى أصحاب الأخدود،يدلاّن على أنّ سامعي القرآن،كانوا يعرفون حادث التّحريق في الأخدود و أسبابه،فاقتضت حكمة التّنزيل التّذكير به في صدر الجملة على مقتر في إثم يماثل إثم أصحاب الأخدود.

و أسلوب الآيات أسلوب تقريعيّ لهذا العمل الوحشيّ الظّالم،غضبا على أناس آمنوا باللّه و تمسّكوا بإيمانهم.و فيه تلقين قرآنيّ عامّ مستمرّ المدى،كما هو المتبادر.(1:251)

ابن عاشور :و هذه قصّة اختلف الرّواة في تعيينها و في تعيين المراد منها في هذه الآية.

و الرّوايات كلّها تقتضي أنّ المفتونين بالأخدود قوم اتّبعوا النّصرانيّة في بلاد اليمن على أكثر الرّوايات،أو في بلاد الحبشة على بعض الرّوايات،و ذكرت فيها روايات متقاربة تختلف بالإجمال و التّفصيل،و التّرتيب، و الزّيادة،و التّعيين،و أصحّها ما رواه مسلم و التّرمذيّ عن صهيب:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قصّ هذه القصّة على أصحابه.

و ليس فيما روي تصريح بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ساقها تفسيرا لهذه الآية،و التّرمذيّ ساق حديثها في تفسير سورة البروج.

[إلى أن قال:]

و الأخدود:بوزن«أفعول»و هو صيغة قليلة الدّوران غير مقيسة،و منها قولهم:أفحوص مشتقّ من فحصت القطاة و الدّجاجة،إذا بحثت في التّراب موضعا تبيض فيه،و قولهم:أسلوب:اسم لطريقة،و لسطر النّخل،و أقنوم:اسم لأصل الشّيء،و قد يكون هذا الوزن مع هاء تأنيث مثل أكرومة،و أعجوبة،و أطروحة، و أضحوكة.(30:215)

مغنيّة:الأخدود:شقّ في الأرض يحفر مستطيلا، و أصحابه قوم كافرون لهم بأس و سلطان.و قيل:المراد بهم ذو نواس و قومه،و هو أحد ملوك اليمن،و أيّا كان أصحاب الأخدود،فإنّ هذه الآيات تشير إلى أناس طغاة قد حفروا خندقا و أضرموه بنار تسطع باللّهب،ثمّ جاءوا بالمؤمنين المخلصين و عرضوهم على النّار،فمن رجع عن دينه و وافقهم على الكفر و البغي تركوه،و من أصرّ على الإيمان و الإخلاص أحرقوه،و هم قاعدون على جوانب الخندق حول النّار،يتلذّذون و يتمتّعون بمشاهدة الأجسام تحترق حيّة طريّة.(7:546)

الطّباطبائيّ: قُتِلَ أَصْحابُ... إشارة إلى قصّة الأخدود لتكون توطئة و تمهيدا لما سيجيء من قوله:

إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا... و ليس جوابا للقسم البتّة.

و الأخدود:الشّقّ العظيم في الأرض،و أصحاب الأخدود هم الجبابرة الّذين خدّوا أخدودا و أضرموا فيها النّار و أمروا المؤمنين بدخولها،فأحرقوهم عن آخرهم نقما منهم لإيمانهم.

فقوله:(قتل...)دعاء عليهم،و المراد بالقتل:اللّعن و الطّرد.

ص: 268

و قيل:المراد بأصحاب الأخدود:المؤمنون و المؤمنات الّذين أحرقوا فيه.

و قوله:(قتل)إخبار عن قتلهم بالإحراق و ليس من الدّعاء في شيء.و يضعّفه ظهور رجوع الضّمائر في قوله:

إِذْ هُمْ عَلَيْها و هُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ و (ما نَقَمُوا) البروج:6-8،إلى أصحاب الأخدود،و المراد بها و خاصّة بالثّاني و الثّالث:الجبابرة النّاقمون دون المؤمنين المعذّبين.(20:251)

المصطفويّ: و هم كانوا كفّارا جبّارين من الملل الماضية،يعذّبون المؤمنين بالأخاديد الممتلئة نارا،و لم يتشخّص زمان حياتهم و مكانهم و سائر خصوصيّاتهم في التّاريخ،و المقصود فناؤهم و قتلهم،و أنّ قدرتهم و سلطتهم و حكومتهم ما أغنى عنهم شيئا.

ليشير تعالى إلى ضعف عقلهم و وهن تدبيرهم، و تصوّرهم بأنّ حياتهم و بقاءهم و إدامة عيشهم يستند إلى هذه الأخاديد و تعذيب المخالفين.(3:25)

[و نقل أقوال المورّخين و قال:]فظهر من هذه الكلمات أنّ الإحراق في الأخاديد كانت في زمان التّبابعة من ملوك اليمن،و كانوا مقتدرين،و يقال:إنّ ذا القرنين كان من هذه الطّائفة-راجع:«التّبّع،ذا القرنين».

و يظهر ممّا في كتب التّواريخ أنّ الإحراق بالنّار كان معمولا به في تلك الدّورة.(3:357)

مكارم الشّيرازيّ: [ذكر معنى الأخدود على قول الرّاغب و قال:]

أمّا من هم الّذين عذّبوا المؤمنين؟و متى؟ فللمفسّرين و أرباب التّواريخ آراء مختلفة.

و لكنّ القدر المسلّم به،إنّهم حفروا خندقا عظيما و وجّروه بالنّيران،و أوقفوا المؤمنين على حافّة الخندق، و طلبوا منهم واحدا واحدا بترك إيمانهم و الرّجوع إلى الكفر،و من رفض ألقي بين ألسنة النّيران حيّا،ليذهب إلى ربّه صابرا محتسبا![إلى أن قال:]

ملاحظتان:

1-من هم أصحاب الأخدود؟

قلنا:إنّ الأخدود هو الشّقّ العظيم في الأرض،أو الخندق.و هو في الآية إشارة إلى تلك الخنادق الّتي ملأها الكفّار نارا،ليردعوا فيها المؤمنين بالتّنازل عن إيمانهم و الرّجوع إلى ما كانوا عليه من كفر و ضلال.

و لكن:متى حدث ذلك؟في أيّ قوم؟و هل حدث مرّة واحدة أم لمرّات؟في منطقة أم مناطق؟

جرى بين المفسّرين و المؤرّخين مخاض طويل بخصوص الإجابة عن هذه الأسئلة.

و المشهور:إنّ الآية قد أشارت إلى قصّة «ذو نواس»،و هو آخر ملوك حمير (1)في أرض اليمن.

و كان ذو نواس قد تهوّد،و اجتمعت معه حمير على اليهوديّة،و سمّى نفسه«يوسف»،و أقام على ذلك حينا من الدّهر،ثم أخبر أنّ بنجران بقايا قوم على دين النّصرانيّة،و كانوا على دين عيسى عليه السّلام و حكم الإنجيل، فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم و يحملهم على اليهوديّة،و يدخلهم فيها،فسار حتّى قدم نجران،فجمع من كان بها على دين النّصرانيّة،ثمّ عرض عليهم دين اليهوديّة و الدّخول فيها،فأبوا عليه،فجادلهم و حرصة.

ص: 269


1- حمير:إحدى قبائل اليمن المعروفة.

الحرص كلّه،فأبوا عليه و امتنعوا من اليهوديّة و الدّخول فيها،و اختاروا القتل.فاتّخذ لهم أخدودا و جمع فيه الحطب،و أشعل فيه النّار،فمنهم من أحرق بالنّار،و منهم من قتل بالسّيف،و مثّل بهم كلّ مثلة،فبلغ عدد من قتل و أحرق بالنّار عشرين ألفا.

و أضاف بعض آخر:إنّ رجلا من بني نصارى نجران تمكّن من الهرب،فالتحق بالرّوم و شكا ما فعل «ذو نواس»إلى قيصر.فقال قيصر:إنّ أرضكم بعيدة، و لكنّي سأكتب كتابا إلى ملك الحبشة النّصرانيّ و أطلب منه مساعدتكم.ثمّ كتب رسالته إلى ملك الحبشة،و طلب منه الانتقام لدماء المسيحيّين الّتي أريقت في نجران،فلمّا قرأ الرّسالة تأثّر جدّا،و عقد العزم على الانتقام لدماء شهداء نجران.

فأرسل كتائبه إلى اليمن و التقت بجيش«ذو نواس»، فهزمته بعد معركة طاحنة،و أصبحت اليمن ولاية من ولايات الحبشة.

و ذكر بعض المفسّرين:أنّ طول ذلك الخندق كان أربعين ذراعا،و عرضه اثني عشر ذراع،و كلّ ذراع يقرب من نصف متر،و أحيانا يقصد به ما يقرب من متر كامل.و قيل:إنّها كانت سبعة أخاديد،و كلّ منها بالحجم الّذي ذكرناه.

و ذكرت القصّة في كتب تاريخيّة و تفسيريّة كثيرة، بتفاصيل متفاوتة،منها:ما ذكره المفسّر الكبير الطّبرسيّ في«مجمع البيان»،و أبو الفتوح الرّازيّ في تفسيره، و الفخر الرّازيّ في«تفسيره الكبير»،و الآلوسيّ في «روح البيان»،و القرطبيّ في تفسيره،و كذلك ابن هشام في الجزء الأوّل من كتاب«السّيرة ص:35»و غيرهم كذلك.

و قد تبيّن ممّا ذكرناه أنّ العذاب الإلهيّ قد أصاب أولئك الّذين قاموا بتعذيب المؤمنين،و انتقم منهم في دنياهم،جرّاء ما هدروا من دماء زكيّة بريئة،و أنّ عذاب نار الآخرة لفي انتظارهم.

و أوّل من أوجد المحارق البشريّة في التّاريخ هم اليهود،و سرت هذه الممارسة الخبيثة على أيدي الطّواغيت المجرمين،حتّى شملت اليهود أنفسهم،كما حدث في ألمانيا النّازيّة حينما أحرق جمع كبير من اليهود في محارق هتلر،فذاقوا«عذاب الحريق»في دنياهم قبل آخرتهم.

كما أصاب الخزي«ذو نواس اليهوديّ»في دنياه، و هو مؤسّس هذا الأسلوب القذر من الجريمة،و لجزاء خزي الآخرة أعظم في انتظاره جزاء لعمله المشئوم.

ذكرنا ما اشتهر بين أرباب التّاريخ و التّفسير من قصّة أصحاب الأخدود،و ثمّة روايات تذكر بأنّ هذه الجريمة البشعة ما اقتصرت على أهل اليمن فقط،و لم تقف عند عصر«ذو نواس»،حتّى قيل عشرة أقوال في ذلك.

و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:«إنّهم كانوا مجوس،أهل كتاب،و كانوا متمسّكين بكتابهم،فتناول ملكهم الخمرة فوقع على أخته،و بعد أن أفاق ندم، فأعلن حلّيّة زواج الأخت،فلم يقبل النّاس،فهدّدهم فلم يقبلوا،فخدّ لهم الأخدود،و أوقد فيه النّيران، و عرض أهل مملكته على ذلك،فمن أبى قذفه في النّار، و من أجاب خلّى سبيله».

ص: 270

هذا في أصحاب فارس.أمّا أصحاب أخدود الشّام، فهم قوم مؤمنون أحرقهم«آنطياخوس».

و قيل أيضا:إنّ هذه الواقعة تعود لأصحاب نبيّ اللّه دانيال من بني إسرائيل،و قد أشير إلى ذلك في كتاب دانيال من التّوراة.

و اعتبر الثّعلبيّ: أنّهم هم الّذين أحرقوا في أخدود فارس.

و لا يبعد انطباق قصّة«أصحاب الأخدود»على كلّ ما ذكر،و إن كان المشهور منها قصّة«ذو نواس»في أرض اليمن.

2-الإيمان الثّابت:

في قصص الأوّلين و ما يجري عند الآخرين،ثمّة وقائع رائعة في الثّبات على الإيمان،حتى أنّ بعض القصص دخلت في كلّ أذن لما ذيع صيتها من الشّهرة، فقد تحمّل البعض الحرق في النّار و أشدّ من ذلك على أن يترك طريق الحقّ أو العدول عن دينه.

و ها هي«آسية»زوجة فرعون شاخصة بما تحمّلت من عذاب بسبب تصديقها بنبيّ اللّه موسى عليه السّلام و إيمانها برسالته،حتّى انتهى بها المطاف للارتواء من كأس الشّهادة.

و في حديث عن الإمام عليّ عليه السّلام أنّه قال: «إنّ اللّه بعث رجلا حبشيّا نبيّا،و هم حبشيّة،فكذّبوه فقاتلهم، فقتلوا أصحابه،فأسروه و أسروا أصحابه،ثمّ بنوا له حيرا،ثمّ ملئوه نارا،ثمّ جمعوا النّاس فقالوا:من كان على ديننا و أمرنا فليعتزل،و من كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النّار،فجعل أصحابه يتهافتون في النّار،فجاءت امرأة معها صبيّ لها ابن شهر،فلمّا هجمت هابت و رقّت على ابنها،فنادى الصّبيّ: لا تهابي،و ارميني و نفسك في النّار،فإنّ هذا و اللّه في اللّه قليل،فرمت بنفسها في النّار و صبيّها،و كان ممّن تكلّم في المهد».

و يفهم من هذه الرّواية،أنّ في الحبشة قسم رابع قد انطبقت عليهم قصّة«أصحاب الأخدود».

و من تاريخنا هناك قصّة عمّار بن ياسر و أبويه و أمثالهم،و أهمّ من كلّ ذلك ما جرى للحسين عليه السّلام و أصحابه في ميدان التّضحية و الفداء«كربلاء»،و كيف أنّهم قد تسابقوا على شرف نيل و سام الشّهادة،كما هو معروف في التّاريخ.

و ها هو عصرنا يرينا الكثير من صور التّضحية و الفداء في سبيل إعلاء كلمة الحقّ و حفظ الدّين القويم.

و ينبغي القول هنا:إنّ بقاء الدّين الإلهيّ على مرّ العصور،مرتهن على ما تقدّم في سبيله من تضحيات مقدّسة.(20:78)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الخدّ في الوجه،و هما خدّان يكتنفان الأنف عن يمين و شمال؛و الجمع:خدود.يقال:

خدّ الدّمع في خدّه،أي أثّر و قد ربط الطّوسيّ الخدّ بالأخدود:فقال:«و منه أي(من الأخدود):الخدّ لمجاري الدّموع».و الخداد:ميسم في الخدّ،و البعير مخدود.

و الخدّ:جانب دفّة الغبيط و الهودج،أي صفحة خشبه،و هما خدّان عن يمين و شمال؛و الجمع:خدود أيضا،على التّشبيه.

ص: 271

و المخدّة:المصدغة،لأنّ الخدّ يوضع عليها.

و الخدّ:الجدول،تشبيها بمجرى الدّمع في الخدّ؛ و الجمع:أخدّة،و الكثير:خداد و خدّان.

و الخدّ:التّأثير في الشّيء،كما يؤثّر الدّمع في الخدّ.

يقال:خدّ السّيل في الأرض،أي شقّها بجريه،و خدّ الفرس الأرض بحوافره:أثّر فيها،و إذا شقّ الجمل بنابه شيئا قيل:خدّه،و المخدّان:النّابان،و المخدّة:حديدة تخدّ بها الأرض،أي تشقّ.

و الخدّ و الخدّة و الأخدود:الحفرة تحفرها في الأرض مستطيلة،و قد خدّها يخدّها خدّا؛و جمع الأخدود:

أخاديد،و أخاديد الأرشية في البئر:تأثير جرّها فيه، و أخاديد السّياط:آثارها،يقال:ضربة أخدود،أي شديدة قد خدّت فيه.

و الخدّ:الطّريق،لأنّه مخدّد،أي خدّه المارّة بأرجلهم، كما خدّ الفرس الأرض بحوافره.و خدد الطّريق:شركه، أي طرقه،كأنّها أخاديد.

و يقال مجازا:تخدّد القوم،أي صاروا فرقا،تشبيها بخدد الطّريق،لضعف أسباب المودّة بينهم،و تشتّت كلمتهم.

2-و ورد الخدّ-أي الطّريق-بلفظ خطّ أيضا،و لعلّ الطّاء مبدلة من الدّال،لأنّهما يخرجان من مخرج واحد، و هو طرف اللّسان و الثّنايا العليا.و ورد الجدّة و الجدود بمعنى شرك الطّريق،كالخدد كما تقدّم.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها اسمان:خدّ و أخدود،كلّ منهما مرّة في آيتين:

1- وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً... لقمان:18

2- قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ البروج:4

يلاحظ أوّلا:أنّه استعمل الخدّ و الأخدود في سورتين مكّيّتين،و فيهما بحوث:

1-اختلف في(1): وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ أ هو نهي عن التّكبّر و التّجبّر أم عن الخضوع و الخنوع؟لأنّ تصعير الخدّ-أي إمالته-يتضمّن كلا المعنيين،فيقال في التّكبّر:هو أصيد،و أصور،و أزور،إذا كان مائل العنق من الكبر و نظيره قوله: أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً الزّخرف:5،أي نعرض عنكم.و يقال في الضّراعة:عفّر خدّه،و وضع خدّه،و تطأطأ فلان، و نظيره قوله: حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ التّوبة:29.

بيد أنّ معنى التّكبّر في تصعير الخدّ أعرف في اللّغة، و سياق الآية يشعر بذلك أيضا،و لذا ذهب أغلب المفسّرين إلى هذا المعنى،سوى قليل منهم،نحو ابن خويزمنداد،قال:«كأنّه نهى أن يذلّ الإنسان نفسه من غير حاجة».

2-استعمل تصعير الخدّ مرّة واحدة في سورة مكّيّة، تشتمل على حكم لقمان و وصاياه لابنه،و منها النّهي عن الشّرك و التّكبّر،و كلاهما من مساوئ المجتمع المكّيّ حينذاك.فوصم اللّه مشركي مكّة بهذه الصّفة،و بكلّ ما جاء من العتوّ و العلوّ و العناد و أغلب الكبر في القرآن.

لاحظ:(ع ت و)و(ع ل و)و(ع ن د)و(ص ع ر)

ص: 272

و(ك ب ر)و كذلك(خ ي ل)في المعجم.

3-اختلف في(2): قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ من هم؟و أين و متى عاشوا؟و ما دينهم؟و ما عددهم؟و ما اسم نبيّهم أو ملكهم؟و لما ذا أحرقوا بالنّار؟

لا نريد أن نخوض في فحوى هذه الأمور؛إذ ليس لدينا ما نعوّل عليه أو نبتّ فيه،سوى ما جاء في ظاهر الآية،و هو أنّ أناسا قتلوا حرقا بنار أجّجت في أخدود.

أمّا التّفصيل فقد جاء في النّصوص بتفاوت،فلاحظ.

و ثانيا:يبدو أنّ هذه المادّة كانت مكّيّة،ثمّ شاعت في غيرها.

و ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الشّقّ: ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا عبس:26

الحفرة: وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها آل عمران:103

ص: 273

ص: 274

خ د ع

اشارة

4 ألفاظ،5 مرّات:مدنيّة،في 3 سور مدنيّة

يخدعون 1:-1 خادعهم 1:-1

يخدعوك 1:-1 يخادعون 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :خدعه خدعا و خديعة؛و الخدعة:المرّة الواحدة.

و الانخداع:الرّضا بالخدع.

و التّخادع:التّشبّه بالمخدوع.

و الخدعة:الرّجل المخدوع.و يقال:هو الخيدع أيضا.

و الخدعة:قبيلة من تميم.

و المخدّع:الّذي خدع مرارا في الحرب،و في غيرها.

و غول خيدع،و طريق خيدع:مخالف للقصد،جائر عن وجهه لا يفطن له،و خادع أيضا.

و الإخداع:إخفاء الشّيء،و به سمّيت الخزانة مخدعا.

و الأخدعان:عرقان في اللّبّتين،لأنّهما خفيا و بطنا؛ و يجمع على أخادع.

و رجل مخدوع:قطع أخدعاه.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](1:115)

اللّيث:خادعته مخادعة و خداعا.

و المخدع و المخدع:الخزانة.(الأزهريّ 1:158)

الضّبّيّ: يقال:الحرب خدعة و خدعة.

(إصلاح المنطق:114)

الكسائيّ: الحرب خدعة.

مثله أبو زيد.(الأزهريّ 1:158)

الأحمر:خدعت السّوق،إذا قامت.

(الأزهريّ 1:159)

ابن شميّل: رجل مخدّع،أي مجرّس:صاحب دهاء و مكر.و قد خدّع.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 1:160)

أبو عمرو الشّيبانيّ: خدع الرّجل،يخدع خدوعا، إذا أمسك بعد ما كان يعطي.و قال الكلبيّ:خدع.

و قال أبو الغمر:قد خدعت الإبل،إذا تغيّبت في

ص: 275

الوعث إلى أخفافها.(1:231)

كان فلان يعطي ثمّ خدع،إذا امتنع.[ثمّ استشهد بشعر](1:237)

الفرّاء: و قد استثقلت العرب الضّمّة في حروف فكسرت ميمها و أصلها الضّمّ،من ذلك:مصحف و مخدع و مطرف...(إصلاح المنطق:120)

بنو أسد يقولون:إنّ السّوق لخادع،و إنّ السّعر لخادع،و قد خدع،إذا ارتفع و غلا.(الأزهريّ 1:159)

أبو زيد :يقال:خدعته خدعا و خديعة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 1:157)

الأصمعيّ: في حديث مرفوع:«يكون قبل خروج الدّجّال سنون خدّاعة».

[أي]سنون يقلّ فيها المطر.يقال:خدع المطر،إذا قلّ،و خدع الرّيق في فمه،إذا قلّ.(الأزهريّ 1:159)

و في العنق الأخدعان:و هما عرقان في موضع الحجامة،و ربّما اعتراه الوجع عند الكبر.

و يقال للرّجل إذا امتنع و أبى:إنّه لشديد الأخدع، و إذا لان و استرخى قيل:قد لان أخدعه.[ثمّ استشهد بشعر](الكنز اللّغويّ: 198)

خادع،أي ترك.[ثمّ استشهد بشعر]

(الصّغانيّ 4:236)

اللّحيانيّ: يقال:خدعت السّوق و انخدعت،أي كسدت.و قال أبو الدّينار في حديثه:و السّوق خادعة،أي كاسدة.

و يقال:رجل خدّاع و خدوع و خدعة،إذا كان خبا.

و الخدعة:ما يخدع به.

خدعت ثوبي خدعا و ثنيته ثنيا،بمعنى واحد.

و خادعت الرّجل،بمعنى خدعته.

(الأزهريّ 1:157)

و رجل خدّاع و خدع.(ابن سيده 1:132)

و خدعت عين الرّجل:غارت.

و الأخدعان:عرقان في الرّقبة.(ابن سيده 1:135)

أبو عبيد: [ذكر قول الكسائيّ و أبي زيد و أضاف:]

و رجل خدعة،إذا كان يخدع.

و روي في الحديث:«الحرب خدعة»،أي ينقضي أمرها بخدعة واحدة.

و قيل:«الحرب خدعة»ثلاث لغات،و أجودها ما قال الكسائيّ و أبو زيد:«خدعة».(الأزهريّ 1:158)

ابن الأعرابيّ: الخداع:المنع.و الخداع:الحيلة.

الخادع:الفاسد من الطّعام و غيره.[ثمّ استشهد بشعر]

خدع الرّيق،أي فسد.

الخدع:منع الحقّ،و الختم:منع القلب من الإيمان.

و الخدعة هم ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.(الأزهريّ 1:158)

ابن السّكّيت: خدعته خدعا و خدعا.

(إصلاح المنطق:31)

شمر:في حديث مرفوع«...سنون خدّاعة»:السّنون الخوادع:القليلة الخير،الفواسد.

و يقال:السّوق خادعة،إذا لم يقدر على الشّيء إلاّ بغلاء.

و كان فلان يعطي فخدع،أي أمسك

ص: 276

و منع.(الأزهريّ 1:159)

الجاحظ:«إنّه لأخدع من ضبّ»،و الضّبّ:الحقد إذا تمكّن و سرت عقاربه،و أخفى مكانه.و الضّبّ:ورم في خفّ البعير.

و يقال:ضبّ خدع،أي مراوغ،و لذلك سمّوا الخزانة:

المخدع.[و استشهد بالشّعر مرّتين](6:95)

أبو الهيثم:انخدعت السّوق،أي كسدت.

(الصّغانيّ 4:236)

ثعلب :«الحرب خدعة»،بلغنا أنّها لغة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

(الخطّابيّ 2:166)

كراع النّمل:و الخدع:حبس الماشية و الدّوابّ، على غير مرعى و لا علف.(ابن سيده 1:135)

ابن دريد :خدعت الرّجل أخدعه خدعا،إذا أظهرت له خلاف ما تخفي.و كلّ شيء كتمته فقد خدعته؛و الاسم:الخديعة و الخدع.

و رجل خادع و خدّاع،إذا كان يخدع النّاس،و كذلك رجل خدعة:يخدع النّاس،و خدعة:يخدعه النّاس.

و الخدعة:جمع خادع.

و الخدعة نبز قوم من العرب.

و اشتقاق المخدع من قولهم:خدعت الشّيء،إذا كتمته و خبّأته.

و انخدع الضّبّ،إذا استروح الإنسان فدخل في جحره.

و رجل مخدّع:مجرّب للأمور.

و مثل من أمثالهم:«أخدع من ضبّ حرشته».و مثل من أمثالهم:«الحرب خدعة»بفتح الخاء،هكذا لغة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.و يقال:إنّه صلّى اللّه عليه و آله أوّل من تكلّم بهذه الكلمة.

و الخيدع:السّراب،الياء زائدة.

و الخديعة:قوم من العرب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:201)

و الخيدع:اسم من أسماء الغول.و ربما سمّوا السّراب خيدعا.

و الخيدع:الّذي لا يوثق بمودّته.

و طريق خيدع:مخالف عن القصد.(3:357)

القاليّ: و الخوادع؛واحدها:خادعة،و هي الّتي لا تنام.يقال:خدعت عينه تخدع،إذا لم تنم.و أتيناهم بعد ما خدعت العين.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«إنّ قبل الدّجّال سنين خدّاعة»يرون أنّ معناها ناقصة الزّكاة.(2:321)

الأزهريّ: قال أبو العميثل:خدع الضّبّ،إذا دخل في وجاره ملتويا.و خدع الثّعلب،إذا أخذ في الرّوغان.

و رفع رجل إلى عمر بن الخطّاب ما أهمّه من قحوط المطر،فقال له:«خدعت الضّباب و جاعت الأعراب».

و الخدوع من النّوق:الّتي تدرّ مرّة و ترفع لبنها مرّة.

و طريق خدوع،إذا كان يبين مرّة و يخفى أخرى.[ثمّ استشهد بشعر]

و من أمثال العرب:«أخدع من ضبّ حرشته»و هو من قولك:«خدع منّي فلان»إذا توارى و لم يظهر.

[و قيل:خدع الرّيق،أي]نقص فتغيّر.

و ماء خادع:لا يهتدى له.[ثمّ نقل قول الأصمعيّ في معنى«سنون خدّاعة»و أضاف:]

و قال غيره:الخدّاعة:الّتي يكثر فيها المطر،و يقلّ

ص: 277

النّبات و الرّيع،كأنّه من الخديعة؛و التّفسير هو الأوّل.

و إنّه لذو خدعة،و ذو خدعات،أي ذو تجريب للأمور.

و بعير به خادع و خالع،و هو أن يزول عصبه في وظيف رجله إذا برك.و به خويدع و خويلع.و الخادع أقلّ من الخالع.

و فلان خادع الرّأي،إذا كان متلوّنا لا يثبت على رأي واحد.و قد خدع الدّهر،إذا تلوّن.(1:158)

الصّاحب:خدع خدعا و خديعة و خدعا.

و تخدّعه:أكثر خدعه.

و الخدعة:ما يخدع به،و المخدوع أيضا.

و الخدعة:الخدوع؛و كذلك الخيدع.و الدّهر يسمّى:

الخدعة.

و غول خيدع و طريق خيدع و خادع:مخالف للقصد لا يفطن له.

و ريق خادع:متغيّر.و خلقه و وصاله خادع:متلوّن.

و الإخداع:إخفاء الشّيء،و منه المخدع.و الأصل في خدع:دخل.

و ضبّ خدع و خدوع:يلزم أقصى جحره.

و الأخدعان:عرقان في العنق.

و خدع:قطع أخدعه.

و خدع المطر:قلّ،و منه سنون خدّاعة.

و خدع الرّجل:قلّ شيئه،و منه عيش مخدّع.

و خدع:أعطى ثمّ منع.

و خدع السّعر:ارتفع.

و خدعت السّوق:قامت.

و خدعت أمورهم:اختلفت.

و خدعت عين الشّمس و الرّجل:غارت.

و الخادعة:الباب الصّغير في الباب الكبير،و البيت في جوف البيت.(1:122)

الخطّابيّ: عن عليّ أنّه قال:«إذا سمعتموني أحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فلأن أخرّ من السّماء أحبّ إليّ من أن أكذب عليه،و إذا حدّثتكم عن غيره فإنّما أنا رجل محارب،و الحرب خدعة».

يريد أنّ الخداع في الحرب جائز،و معناه أن يظهر الرّجل من أمره خلاف ما يضمره،يريد بذلك أن يلبس أمره على عدوّه لئلاّ يفطن لعوراته.

و أصل الخدع:السّتر و الإخفاء،و منه سمّي البيت الّذي يخبأ فيه المتاع مخدعا.و قد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«الحرب خدعة».

و في قوله:«الحرب خدعة»ثلاث لغات،أعلاها خدعة بفتح الخاء.عن عمرو بن دينار،قال:أهل العربيّة يقولون:«خدعة»بالنّصب.

و قال بعض أهل اللّغة:معنى«الخدعة»المرّة الواحدة،أي من خدع فيها مرّة لم يقل العثرة بعدها.

و يقال:إنّ الخدعة،إنّها تخدع الرّجال و تمنّيهم الظّفر، ثمّ لا تفي لهم.(2:164،166)

و نحوه ملخّصا أبو سهل الهرويّ.

(فصيح ثعلب:46)

الجوهريّ: خدعه يخدعه خدعا و خداعا أيضا، بالكسر،مثال سحره سحرا،أي ختله و أراد به المكروه، من حيث لا يعلم؛و الاسم:الخديعة.

يقال:هو يتخادع،أي يري ذلك من نفسه.

ص: 278

و خدعته فانخدع،و خادعته مخادعة و خداعا.

و خدع الضّبّ في جحره،أي دخل.يقال:ما خدعت في عيني نعسة.

و خلق خادع،أي متلوّن.و يقال:سوقهم خادعة، أي مختلفة متلوّنة.

و دينار خادع،أي ناقص.

و الأخدع:عرق في موضع المحجمتين،و هو شعبة من الوريد.و هما أخدعان،و ربّما وقعت الشّرطة على أحدهما فينزف صاحبه.

و رجل مخدّع،أي خدّع مرارا في الحرب حتّى صار مجرّبا.

و قولهم:«سنون خدّاعة»أي قليلة الزّكاء و الرّيع.

و«الحرب خدعة و خدعة»و الفتح أفصح، و«خدعة»أيضا:مثال همزة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(3:1201)

ابن فارس: الخاء و الدّال و العين أصل واحد،ذكر الخليل قياسه،[و]قال:الإخداع:إخفاء الشّيء؛و بذلك سمّيت الخزانة:المخدع.

و على هذا الّذي ذكر الخليل يجري الباب.فمنه خدعت الرّجل ختلته،و منه:«الحرب خدعة،و خدعة».

و يقال:خدع الرّيق في الفم،و ذلك أنّه يخفى في الحلق و يغيب.

و يقال:ما خدعت بعيني نعسة،أي لم يدخل المنام في عيني.

و الأخدع:عرق في سالفة العنق،و هو خفيّ.و رجل مخدوع:قطع أخدعه.

و لفلان خلق خادع،إذا تخلّق بغير خلقه.و هو من الباب،لأنّه يخفي خلاف ما يظهره.

و يقال:إنّ الخدعة:الدّهر،في قوله:

*يا قوم من عاذري من الخدعة*

و هذا على معنى التّمثيل،كأنّه يغرّ و يخدع.

و يقال:غول خيدع،كأنّها تغتال و تخدع.

و زعم ناس أنّهم يقولون:دينار خادع،أي ناقص الوزن.فإنّه كان كذا،فكأنّه أرى التّمام و أخفى النّقصان حتّى أظهره الوزن.

و من الباب الخيدع،و هو السّراب؛و القياس واحد.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:161)

أبو هلال :الفرق بين الخدع و الكيد:أنّ الخدع هو إظهار ما ينطق خلافه،أراد اجتلاب نفع أو دفع ضرّ،و لا يقتضي أن يكون بعد تدبّر و نظر و فكر،أ لا ترى أنّه يقال:خدعه في البيع،إذا غشّه من جشاء وهمه الإنصاف،و إن كان ذلك بديهة من غير فكر و نظر.

و الكيد لا يكون إلاّ بعد تدبّر و فكر و نظر،و لهذا قال أهل العربيّة:الكيد:التّدبير على العدوّ و إرادة إهلاكه.

و سمّيت الحيل الّتي يفعلها أصحاب الحروب بقصد إهلاك أعدائهم«مكايد»،لأنّها تكون بعد تدبّر و نظر.

و يجيء الكيد بمعنى الإرادة،و هو قوله تعالى:

كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ أي أردنا،و دلّ على ذلك بقوله:

إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ يوسف:76،و إن شاء اللّه بمعنى المشيئة.

و يجوز أن يقال:الكيد:الحيلة الّتي تقرب وقوع

ص: 279

المقصود به من المكروه،و هو من قولهم:كاد يفعل كذا، أي قرب،إلاّ أنّه قيل في هذا:يكاد و في الأولى يكيد، للتّصرّف في الكلام،و التّفرقة بين المعنيين.

و يجوز أن يقال:إنّ الفرق بين الخدع و الكيد:أنّ الكيد اسم لفعل المكروه بالغير قهرا،تقول:كايدني فلان، أي ضرّني قهرا،و الخديعة:اسم لفعل المكروه بالغير من غير قهر،بل بأن يريد بأنّه ينفعه،و منه الخديعة في المعاملة.

و سمّى اللّه تعالى قصد أصحاب الفيل مكّة كيدا،في قوله تعالى أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ و ذلك أنّه كان على وجه القهر.

الفرق بين الخدع و الغرور:أنّ الغرور إيهام يحمل الإنسان على فعل ما يضرّه،مثل أن يرى السّراب فيحسبه ماء،فيضيّع ماءه فيهلك عطشا.و تضييع الماء فعل أدّاه إليه غرور السّراب إيّاه،و كذلك غرّ إبليس آدم ففعل آدم الأكل الضّارّ له.

و الخدع:أن يستر عنه وجه الصّواب،فيوقعه في مكروه،و أصله من قولهم:خدع الضّبّ،إذا توارى في جحره،و خدعه في الشّراء أو البيع،إذا أظهر له خلاف ما أبطن،فضرّه في ماله.

و قال عليّ بن عيسى:الغرور إيهام حال السّرور فيما الأمر بخلافه في المعلوم،و ليس كلّ إيهام غرورا،لأنّه قد يوهمه مخوّفا ليحذر منه فلا يكون قد غرّه.

و الاغترار:ترك الحزم فيما يمكن أن يتوثّق فيه،فلا عذر في ركوبه.و يقال في الغرور:غرّه فضيّع ماله و أهلك نفسه.

و الغرور:قد يسمّى خدعا،و الخدع يسمّى غرورا على التّوسّع،و الأصل ما قلناه.

و أصل الغرور:الغفلة،و الغرّ الّذي لم يجرّب الأمور، يرجع إلى هذا،فكأنّ الغرور يوقع المغرور فيما هو غافل عنه من الضّرر.و الخدع مرجع يستر عنه وجه الأمر.(213)

الهرويّ: و من أمثالهم:«أخدع من ضبّ حرشته».

و إنّما قيل للضّبّ ذلك،لأنّه يلوي جحره تلوية.

و في الحديث:«سنون خدّاعة».[ثمّ ذكر قول الأصمعيّ و أضاف:]

و قيل:إنّه يكثر فيها الأمطار،و يقلّ الرّيع،فذلك خداعها.(2:536)

ابن سيده: الخدع:إظهار خلاف ما تخفيه.خدعه يخدعه خدعا،و خدعا،و خديعة،و خدعة.

و خادعه مخادعة،و خداعا.قال عزّ و جلّ:

يُخادِعُونَ اللّهَ البقرة:9،جاز«يفاعل»لغير اثنين، لأنّ هذا المثال يقع كثيرا في اللّغة للواحد،نحو عاقبت اللّصّ،و طارقت النّعل.

و خدعه و اختدعه:كذلك.

و قيل:الخدع و الخديعة:المصدر؛و الخدع و الخداع:

الاسم.

و تخادع القوم:خدع بعضهم بعضا،و تخادع و انخدع، أرى أنه قد خدع.

و الخدعة:ما تخدع به.

و رجل خدعة:يخدع كثيرا،و خدعة يخدع كثيرا.

و رجل خدّاع،و خدع،عن اللّحيانيّ.و خيدع

ص: 280

و خدوع:كثير الخداع.و كذلك المرأة،بغير هاء.

قال الفارسيّ: و قرئ: (يخادعون اللّه و يخدعون) .

قال:و العرب تقول:خادعت فلانا،إذا كنت تروم خدعه،و خدعته:ظفرت به.و قيل:(يخادعون)في الآية، بمعنى يخدعون؛بدلالة ما أنشد أبو زيد:

*و خادعت المنيّة عنك سرّا*

أ لا ترى أنّ المنيّة لا يكون منها خداع.و كذلك قوله:

وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ يكون على لفظ«فاعل» و إن لم يكن الفعل إلاّ من واحد،كما كان الأوّل كذلك.

و إذا كانوا قد استجازوا لتشاكل الألفاظ،أن يجروا على الثّاني ما لا يصحّ في المعنى،طلبا للتّشاكل،فإن يلزم ذاك و يحافظ عليه،فيما يصحّ به المعنى،أجدر.

و قالوا:الحرب خدعة و خدعة و خدعة.قال ثعلب:

و رويت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«خدعة».فمن قال:«خدعة» فمعناه:من خدع فيها خدعة،فزلّت قدمه و عطب،فليس لها إقالة.و من قال:«خدعة»أراد:و هي تخدع،كما يقال:

رجل لعنة:يلعن كثيرا،و إذا خدع أحد الفريقين صاحبه في الحرب،فكأنّما خدعت هي.و من قال:«خدعة»أراد أنها تخدع أهلها.

و رجل مخدّع:خدع في الحرب مرّة بعد مرّة.

و الخيدع:الّذي لا يوثق بمودّته.و الخيدع:السّراب، لذلك.و غول خيدع منه.و طريق خيدع،و خادع:جائر، مخالف للقصد،لا يفطن به.

و خدعت الشّيء،و اختدعته:كتمته و أخفيته.

و المخدع:الخزانة.و المخدع:ما تحت الجائز الّذي يوضع على العرش،و العرش:الحائط يبنى فوق حائطي البيت،لا يبلغ به أقصاه،ثم يوضع الجائز من طرف العرش الدّاخل إلى أقصى البيت،و يسقف به.قال سيبويه:لم يأت«مفعل»اسما إلاّ المخدع،و ما سواه صفة.

و المخدع و المخدع:لغة في المخدع.

و خدع الضّبّ يخدع خدعا،و انخدع:استروح ريح الإنسان،فدخل في جحره لئلاّ يحترش.و كذلك الظّبي في كناسه،و الضّبع في وجارها،و هو في الضّبّ أكثر.

و خدع الشّيء خدعا:فسد.و خدع الرّيق خدعا:

نقص،و إذا نقص خثر،و إذا خثر أنتن.

و خدع الرّجل:أعطى،ثمّ أمسك.

و خدع الزّمان خدعا:قلّ مطره.

و خدع خير الرّجل:قلّ.و خدع الرّجل:قلّ ماله.

و خدع الرّجل خدعا:تخلّق بغير خلقه.

و خلق فلان خادع،إذا تخلّق بغير خلقه.

و خدعت العين خدعا:لم تنم.و ما خدعت بعينه نعسة تخدع،أي ما مرّت بها.

و خدعت السّوق خدعا،و انخدعت:كسدت؛- الأخيرة عن اللّحيانيّ-و كلّ كاسد خادع.و خادعته:

كاسدته.

و خدعت السّوق:قامت،فكأنّه ضدّ.

و رجل مخدّع:مجرّب للأمور.

و الأخدعان:عرقان خفيّان في موضع الحجامة من العنق.و قيل:الأخدعان:الودجان.

و رجل شديد الأخدع:ممتنع أبيّ؛و ليّن الأخدع:

بخلاف ذلك.

و خدع يخدعه خدعا:قطع أخدعيه.

ص: 281

و الخدعة:قبيلة من تميم.

[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](1:132)

الطّوسيّ: الخديعة:إظهار المحبوب في الأمر للاستجابة له مع إبطان خلافه:خدع خدعا و خديعة، و اختدعه اختداعا،و تخادع له تخادعا،و انخدع انخداعا.(5:176)

الرّاغب: الخداع:إنزال الغير عمّا هو بصدده بأمر يبديه،على خلاف ما يخفيه.[إلى أن قال:]

و قيل:خدع الضّبّ،أي استتر في جحره.و استعمال ذلك في الضّبّ أنّه يعدّ عقربا تلدغ من يدخل يديه في جحره،حتّى قيل:العقرب بوّاب الضّبّ و حاجبه، و لاعتقاد الخديعة فيه قيل:أخدع من ضبّ.

و طريق خادع و خيدع:مضلّ،كأنّه يخدع سالكه.

و المخدع:بيت في بيت،كأنّ بانيه جعله خادعا لمن رام تناول ما فيه.

و خدع الرّيق،إذا قلّ متصوّرا منه هذا المعنى.

و الأخدعان:تصوّر منهما الخداع،لاستتارهما تارة و ظهورهما تارة.يقال خدعته:قطعت أخدعه.

و في الحديث:«بين يدي السّاعة سنون خدّاعة»أي محتالة،لتلوّنها بالجدب مرّة و بالخصب مرّة.(143)

الزّمخشريّ: خدعه و خادعه و اختدعه خدّعه و تخدّعه و تخادعوا،و هو لا ينخدع.

و فلان خدّاع و خدعة و خيدع،و هذه خدعة منه و خديعة و خدع و خدائع.

و تخادع لي فلان،إذا قبل منك الخديعة،و هو يعلمها.

و خبأ الشّيء في المخدع،و هو المخزن،من الإخداع بمعنى الإخفاء.

و من المجاز:طريق خادع:مخالف للقصد حائد عن وجهه،لا يفطن له.

و غرّهم الخيدع أي السّراب أو الغول.و ذئب خيدع.

و سوقهم خادعة:متلوّنة،تقوم تارة و تكسد أخرى.

و خدع الدّهر:تلوّن.و فلان خادع الرّأي و الخلق.

و خدع المطر:قلّ.

و خدعت عين الشّمس:غارت،من خدع الضّبّ، إذا أمعن في جحره،و جعل في ذنابته عقربا يمتنع بها من الحارش،و هي خديعة منه،و ضبّ خادع و خدع.

و خدع خير فلان.

و رجل خادع:نكد.

و خدع الرّيق في الفم:قلّ و جفّ.

و ما خدعت في عيني نعسة.

و لوّى فلان أخدعه:أعرض و تكبّر.و سوّى أخدعه:ترك الكبر.[و استشهد بالشّعر مرّتين](105)

[في حديث عمر:]«...خدعت الضّباب و جاعت الأعراب»أي أمعنت في جحرتها.

و منه خدعت العين،إذا غارت،و المخدع:البيت الدّاخل.

و خدع الرّجل:أن تظهر له خلاف ما تخفي.

(الفائق 1:356)

الطّبرسيّ: أصل الخدع:الإخفاء و الإبهام،بخلاف الحقّ و التّزوير.يقال:خدعت الرّجل أخدعه خدعا بالكسر،و خديعة.(1:46)

ص: 282

المدينيّ: في الحديث:«أنّه احتجم على الأخدعين و الكاهل».الأخدعان:عرقان في موضعي محجمتي العنق،يقال لهما:الأخادع.

و فلان شديد الأخدع،إذا امتنع،و لان أخدعه،إذا سهل و لان،و خدع:قطع أخدعه.

[و قال في حديث عمر]خدعت،إذا استترت و تغيّبت،لأنّهم طلبوها و مالوا عليها للجدب الّذي أصابهم،و الخدع:إخفاء الشّيء،و به سمّي المخدع.

في الحديث:«...إن دخل عليّ بيتي.قال:ادخل المخدع»و بالفتح أيضا،و إن جعل كالآلة فبالكسر أيضا.

و خدع الرّجل:قلّ شيبه،و خدع المطر:قلّ.

«و الحرب خدعة»أي تخدع أهلها و تمنّيهم،ثمّ لا تفي لهم كاللّعبة.و خدعة،أي تخدع هي،كنّي بها عن أهلها.

و قيل:هو من خدع الدّهر إذا تلوّن.

و قيل:الخدعة بالفتح لغة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هي للمرّة الواحدة،أي إذا خدع المقاتل مرّة،لم يكن لها إقالة.

و يقال:خدعة بالضّمّ على الاسم كاللّعبة.

(1:555)

ابن الأثير: فيه:«الحرب خدعة»يروى بفتح الخاء و ضمّها مع سكون الدّال،و بضمّها مع فتح الدّال.

فالأوّل معناه:أنّ الحرب ينقضي أمرها بخدعة واحدة،من الخداع،أي إنّ المقاتل إذا خدع مرّة واحدة لم تكن لها إقالة،و هي أفصح الرّوايات و أصحّها.

و معنى الثّاني:هو الاسم من الخداع.

و معنى الثّالث:أنّ الحرب تخدع الرّجال و تمنّيهم و لا تفي لهم،كما يقال:فلان رجل لعبة و ضحكة،أي كثير اللّعب و الضّحك.(2:14)

الصّغانيّ: بعير به خادع و خالع،و هو أن يزول عصبه في وظيف رجله إذا برك،و به خويدع و خويلع.

و الخادع أقلّ من الخالع.

و الخيدع:الّذي لا يوثق بمودّته.

و التّخدّع:تكلّف الخداع.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:235)

الفيّوميّ: خدعته خدعا؛و الخدع بالكسر:اسم منه،و الخديعة مثله.و الفاعل:الخدوع،مثل رسول، و خدّاع أيضا،و خادع.

و الخدعة بالضّمّ ما يخدع به الإنسان،مثل اللّعبة لما يلعب به...

و المخدع،بضمّ الميم:بيت صغير يحرز فيه الشّيء.

و تثليث الميم لغة مأخوذ من:أخدعت الشّيء بالألف،إذا أخفيته.(1:165)

الفيروزآباديّ: خدعه كمنعه خدعا،و يكسر:

ختله،و أراد به المكروه من حيث لا يعلم،كاختدعه فانخدع؛و الاسم:الخديعة.

و الحرب خدعة مثلّثة و كهمزة و روي بهنّ جميعا،أي تنقضي بخدعة.

و خدعة:ماءة لغنيّ ثمّ لبني عتريف،و امرأة،و ناقة.

و خدع الضبّ في جحره:دخل،و الرّيق:يبس، و الكريم:أمسك،و الثّوب:ثناه،و المطر:قلّ،و الأمور:

اختلفت،و الرّجل:قلّ ماله،و عينه:غارت،و عين الشّمس:غابت،و السّوق:كسدت كانخدع.

و سوق خادعة:مختلفة متلوّنة.

ص: 283

و خلق خادع:متلوّن.

و بعير خادع:إذا برك زال عصبه في وظيف رجله.

و به خويدع.

و كصبور:النّاقة تدرّ مرّة القطر و ترفع لبنها مرّة، و الطّريق الّذي يبين مرّة و يخفى أخرى كالخادع،و الكثير الخداع كالخدعة كهمزة.

و الخدعة بالضّمّ:من يخدعه النّاس كثيرا.

و كهمزة:قبيلة من تميم و هم ربيعة بن كعب،و اسم للدّهر.

و الخيدع:من لا يوثق بمودّته،و الغول الخدّاعة، و الطّريق المخالف للقصد،و السّراب،و الذّئب المحتال.

و ضبّ خدع ككتف:مراوغ،و في المثل:«أخدع من ضبّ».

و الأخدع:عرق في المحجمتين،و هو شعبة من الوريد؛جمعه:أخادع.

و المخدوع:من قطع أخدعه.

و سنون خدّاعة:قليلة الزّكاء،و الرّيع.

و الخادعة:الباب الصّغير في الكبير،و البيت في جوف البيت.و الخديعة طعام لهم[:للعرب].

و كمنبر و محكم:الخزانة.

و أخدعه؛أوثقه إلى الشّيء و حمله على المخادعة.

و كمعظّم:المجرّب،و قد خدع مرارا.

و التّخديع:ضرب لا ينفذ و لا يحيك.

و تخادع:أرى أنّه مخدوع و ليس به.

و انخدع:رضي بالخدع.

و المخادعة في الآية الكريمة:إظهار غير ما في النّفس، و ذلك أنّهم أبطنوا الكفر و أظهروا الإيمان،و إذا خادعوا المؤمنين فقد خادعوا اللّه وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ أي ما تحلّ عاقبة الخداع إلاّ بهم.و قراءة مورق (و ما يخدّعون) بفتح الياء و الخاء و كسر الدّال المشدّدة،على إرادة يختدعون.

و خادع:ترك.

و ككتاب:المنع و الحيلة؛و التّخدّع:تكلّفه.(3:16)

الطّريحيّ: و خدعه يخدعه خدعا و خداعا أيضا بالكسر:ختله و أراد به المكروه من حيث لا يعلم؛ و الاسم:الخديعة.

و منه الحديث:«إيّاك و الخديعة»أي احذرها.

و منه:«و أعوذ بك من صاحب خديعة إن رأى حسنة دفنها و إن رأى سيّئة أفشاها».

و الخدع:إخفاء الشّيء،و سمّي به المخدع،و هو البيت الصّغير الّذي يكون داخل البيت الكبير،و تضمّ ميمه و تفتح.

و منه:«صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها».

و في دعاء المؤمنين الّذين حبسهم المنصور:«اللّهمّ اخدع عنهم سلطانه»أي اقطع،من التّخديع:

التّقطيع.(4:320)

مجمع اللّغة :خدعه يخدعه خدعا و خدعا و خديعة:أظهر له خلاف ما يخفيه،أو أراد وقوعه في المكروه من حيث لا يعلم،فهو خادع.و خادعه مخادعة و خداعا مثل خدعه.

و إذا أسند«الخداع»إلى اللّه فإنّما يقصد به الجزاء

ص: 284

و العقاب.(1:321)

محمّد إسماعيل إبراهيم:[نحو مجمع اللّغة،و قال في آخر كلامه:]

و هو من باب المشاكلة المجازيّة.(1:158)

العدنانيّ: المخدع،المخدع،المخدع.

و يخطّئون من يقول:المخدع،و يقولون:إنّ الصّواب هو:المخدع:الحجرة في البيت.و الحقيقة هي أنّنا نستطيع أن نقول:المخدع،و المخدع،و المخدع.

و قد أجاز استعمال المخدع و المخدع كليهما:الفرّاء، و الأزهريّ،و الصّحاح،و النّهاية،و العباب،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و تذكرة علي راتب، و الوسيط.

و قال الفرّاء:استثقلت العرب الضّمّة في مخدع فكسرت ميمه:مخدع،و أصله بالضّمّ:مخدع.

و يجيزون المخدع أيضا،و قد اكتفى الرّاغب الأصفهانيّ بذكره في«مفرداته»،و قال اللّسان:إنّه لغة، بينما قال المتن:إنّه أفصحها.و يجمع المخدع على:

مخادع.(185)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو إخفاء ما من شأنه أن يكون ظاهرا و معلوما.و صيغة خادعته فتخادع تدلّ على إدامة الخدع.

و المخدع:بمعنى الخزانة و المحفظة،أي ما يحفظ و يخفى فيه الأموال أو الأجناس الّتي من شأنها أن تكون في أيدي النّاس و اختيارهم.

و هذه الخصوصيّة لا بدّ أن تكون ملحوظة في جميع موارد استعمالها.

و إنّ الخدع غير الحيلة و الغرور و المكر.(3:27)

النّصوص التّفسيريّة

يخدعون-يخادعون
اشارة

يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ. البقرة:9

ابن عبّاس: يخالفون اللّه و يكذّبونه في السّرّ...

وَ ما يَخْدَعُونَ يكذّبون.(4)

إنّهم كانوا يخادعون المؤمنين،فكأنّهم خادعوا اللّه.

مثله ابن قتيبة.(ابن الجوزيّ 1:29)

الحسن : يُخادِعُونَ اللّهَ أي نبيّه،لأنّ اللّه بعث نبيّه بدينه،فمن أطاعه فقد أطاع اللّه،كما قال اللّه تعالى:

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ النّساء:80،و قال:

إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ الفتح:10، و إذا خادعوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقد خادعوا اللّه.(الواحديّ 1:

87)

الإمام الباقر عليه السّلام:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سئل:فيم النّجاة غدا؟فقال:إنّما النّجاة في أن لا تخادعوا اللّه فيخدعكم،فإنّه من يخادع اللّه يخدعه،و يخلع اللّه منه الإيمان،و نفسه يخدع لو يشعر.

فقيل له:كيف يخادع اللّه؟فقال:يعمل بما أمر اللّه عزّ و جلّ به،ثمّ يريد به غيره،فاتّقوا الرّياء فإنّه شرك باللّه عزّ و جلّ،إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء:

يا كافر،يا فاجر،يا غادر،يا خاسر،حبط عملك،و بطل أجرك،و لا خلاق لك اليوم،فالتمس أجرك ممّن كنت

ص: 285

تعمل له».(البحرانيّ 1:276)

و مثله روي عن الإمام الصّادق عليه السّلام.

(الطّريحيّ 4:319)

ابن زيد :هؤلاء المنافقون يخادعون اللّه و رسوله، و الّذين آمنوا أنّهم مؤمنون بما أظهروا.

(الطّبريّ 1:152)

أبو عبيدة : يُخادِعُونَ في معنى يخدعون، و معناها:يظهرون غير ما في أنفسهم،و لا يكاد يجيء «يفاعل»إلاّ من اثنين،إلاّ في حروف هذا أحدها؛قوله:

قاتَلَهُمُ اللّهُ التّوبة:31،معناها:قتلهم اللّه.(1:31)

الطّبريّ: و خداع المنافق ربّه و المؤمنين:إظهاره بلسانه من القول و التّصديق خلاف الّذي في قلبه من الشّكّ و التّكذيب،ليدرأ عن نفسه بما أظهر بلسانه حكم اللّه عزّ و جلّ،اللاّزم من كان بمثل حاله من التّكذيب لو لم يظهر بلسانه ما أظهر من التّصديق و الإقرار من القتل و السّباء،فذلك خداعه ربّه و أهل الإيمان باللّه.

فإن قال قائل:و كيف يكون المنافق للّه و للمؤمنين مخادعا و هو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلاّ تقيّة؟

قيل:لا تمتنع العرب أن تسمّي من أعطى بلسانه غير الّذي هو في ضميره تقيّة لينجو ممّا هو له خائف،فنجا بذلك ممّا خافه مخادعا لمن تخلّص منه بالّذي أظهر له من التّقيّة،فكذلك المنافق سمّي مخادعا للّه و للمؤمنين بإظهاره ما أظهر بلسانه تقيّة ممّا تخلّص به من القتل و السّباء و العذاب العاجل،و هو لغير ما أظهر مستبطن؛و ذلك من فعله و إن كان خداعا للمؤمنين في عاجل الدّنيا،فهو لنفسه بذلك من فعله،خادع،لأنّه يظهر لها بفعله ذلك بها أنّه يعطيها أمنيّتها،و يسقيها كأس سرورها،و موردها به حياض عطبها،و مجرّعها به كأس عذابها،و مذيقها من غضب اللّه و أليم عقابه ما لا قبل لها به،فذلك خديعته نفسه ظنّا منه،مع إساءته إليها في أمر معادها أنّه إليها محسن،كما قال جلّ ثناؤه: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ إعلاما منه عباده المؤمنين أنّ المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسخاطهم ربّهم بكفرهم و شكّهم و تكذيبهم غير شاعرين و لا دارين،و لكنّهم على عمياء من أمرهم مقيمون.

و هذه الآية من أوضح الدّليل على تكذيب اللّه جلّ ثناؤه،قول الزّاعمين:إنّ اللّه لا يعذّب من عباده إلاّ من كفر به عنادا بعد علمه بوحدانيّته،و بعد تقرّر صحّة ما عاند ربّه تبارك و تعالى عليه من توحيده،و الإقرار بكتبه و رسله عنده،لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قد أخبر عن الّذين وصفهم بما وصفهم به من النّفاق،و خداعهم إيّاه و المؤمنين أنّهم لا يشعرون أنّهم مبطلون،فيما هم عليه من الباطل مقيمون،و أنّهم بخداعهم الّذي يحسبون أنّهم به يخادعون ربّهم و أهل الإيمان به مخدوعون.ثمّ أخبر تعالى ذكره أنّ لهم عذابا أليما بتكذيبهم بما كانوا يكذّبونه،من نبوّة نبيّه و اعتقاد الكفر به،و بما كانوا يكذّبون في زعمهم أنّهم مؤمنون،و هم على الكفر مصرّون.

فإن قال لنا قائل:قد علمت أنّ«المفاعلة»لا تكون إلاّ من فاعلين،كقولك:ضاربت أخاك،و جالست أباك إذا كان كلّ واحد مجالس صاحبه و مضاربه.فأمّا إذا كان الفعل من أحدهما فإنّما يقال:ضربت أخاك و جلست إلى

ص: 286

أبيك،فمن خادع المنافق فجاز أن يقال فيه:خادع اللّه و المؤمنين؟

قيل:قد قال بعض المنسوبين إلى العلم بلغات العرب:إنّ ذلك حرف جاء بهذه الصّورة،أعني«يخادع» بصورة«يفاعل»و هو بمعنى«يفعل»في حروف أمثالها شاذّة من منطق العرب،نظير قولهم:«قاتلك اللّه»بمعنى قتلك اللّه.

و ليس القول في ذلك عندي كالّذي قال،بل ذلك من التّفاعل الّذي لا يكون إلاّ من اثنين كسائر ما يعرف من معنى«يفاعل و مفاعل»في كلّ كلام العرب،و ذلك أنّ المنافق يخادع اللّه جلّ ثناؤه،بكذبه بلسانه على ما قد تقدّم وصفه،و اللّه تبارك اسمه،خادعه بخذلانه عن حسن البصيرة،بما فيه نجاة نفسه في آجل معاده،كالّذي أخبر في قوله: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً آل عمران:

178،و بالمعنى الّذي أخبر أنّه فاعل به في الآخرة بقوله:

يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ الحديد:13،فذلك نظير سائر ما يأتي من معاني الكلام ب«يفاعل و مفاعل».

و قد كان بعض أهل النّحو من أهل البصرة يقول:

لا تكون«المفاعلة»إلاّ من شيئين،و لكنّه إنّما قيل:

يخادعون اللّه عند أنفسهم بظنّهم أن لا يعاقبوا،فقد علموا خلاف ذلك في أنفسهم بحجّة اللّه تبارك اسمه الواقعة على خلقه بمعرفته وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ قال:و قد قال بعضهم: وَ ما يَخْدَعُونَ يقول:يخدعون أنفسهم بالتّخلية بها،و قد تكون«المفاعلة»من واحد في أشياء كثيرة.

القول في تأويل قوله جلّ ثناؤه: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ.

إن قال لنا قائل:أو ليس المنافقون قد خدعوا المؤمنين بما أظهروا بألسنتهم،من قيل الحقّ عن أنفسهم و أموالهم و ذراريهم حتّى سلمت لهم دنياهم،و إن كانوا قد كانوا مخدوعين في أمر آخرتهم؟

قيل:خطأ أن يقال:إنّهم خدعوا المؤمنين،لأنّا إذا قلنا ذلك أوجبنا لهم حقيقة خدعة جاءت لهم على المؤمنين،كما أنّا لو قلنا:«قتل فلان فلانا»أوجبنا له حقيقة قتل كان منه لفلان.و لكنّا نقول:خادع المنافقون ربّهم،و المؤمنين و لم يخدعوهم،بل خدعوا أنفسهم،كما قال جلّ ثناؤه دون غيرها،نظير ما تقول في رجل قاتل آخر فقتل نفسه و لم يقتل صاحبه:قاتل فلان فلانا و لم يقتل إلاّ نفسه،فتوجب له مقاتلة صاحبه،و تنفي عنه قتله صاحبه،و توجب له قتل نفسه.فكذلك تقول:

خادع المنافق ربّه و المؤمنين،و لم يخدع إلاّ نفسه،فتثبت منه مخادعة ربّه و المؤمنين،و تنفي عنه أن يكون خدع غير نفسه،لأنّ الخادع هو الّذي قد صحّت له الخديعة و وقع منه فعلها.

فالمنافقون لم يخدعوا غير أنفسهم،لأنّ ما كان لهم من مال و أهل فلم يكن المسلمون ملّكوه عليهم في حال خداعهم إيّاه عنه بنفاقهم،و لا قبلها،فيستنقذوه بخداعهم منهم،و إنّما دافعوا عنه بكذبهم،و إظهارهم بألسنتهم غير الّذي في ضمائرهم،و يحكم اللّه لهم في أموالهم و أنفسهم و ذراريهم في ظاهر أمورهم بحكم ما انتسبوا إليه من

ص: 287

الملّة،و اللّه بما يخفون من أمورهم عالم،و إنّما الخادع من ختل غيره عن شيئه،و المخدوع غير عالم بموضع خديعة خادعه.

فأمّا المخادع فعارف بخداع صاحبه إيّاه،و غير لا حقه من خداعه إيّاه مكروه،بل إنّما يتجافى للظّانّ به أنّه له مخادع،استدراجا ليبلغ غاية يتكامل له عليه الحجّة للعقوبة الّتي هو بها موقع عند بلوغه إيّاها.

و المستدرج غير عالم بحال نفسه عند مستدرجه،و لا عارف باطّلاعه على ضميره،و أنّ إمهال مستدرجه و تركه إيّاه،معاقبته على جرمه ليبلغ المخاتل المخادع من استحقاقه عقوبة مستدرجة بكثرة إساءته و طول عصيانه إيّاه،و كثرة صفح المستدرج و طول عفوه عنه أقصى غاية،فإنّما هو خادع نفسه لا شكّ دون من حدّثته نفسه أنّه له مخادع،و لذلك نفى اللّه جلّ ثناؤه عن المنافق أن يكون خدع غير نفسه؛إذ كانت الصّفة الّتي وصفنا صفته،و إذ كان الأمر على ما وصفنا من خداع المنافق ربّه و أهل الإيمان به،و أنّه غير سائر بخداعه ذلك إلى خديعة صحيحة إلاّ لنفسه دون غيرها لما يورطها بفعله من الهلاك و العطب.

فالواجب إذا أن يكون الصّحيح من القراءة وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ دون: (و ما يخادعون) لأنّ لفظ المخادع غير موجب تثبيت خديعة على صحّة،و لفظ خادع موجب تثبيت خديعة على صحّة.و لا شكّ أنّ المنافق قد أوجب خديعة اللّه عزّ و جلّ لنفسه بما ركب من خداعه ربّه و رسوله و المؤمنين بنفاقه،فلذلك وجبت الصّحّة لقراءة من قرأ وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ.

و من الدّلالة أيضا على أنّ قراءة من قرأ وَ ما يَخْدَعُونَ أولى بالصّحّة من قراءة من قرأ:(و ما يخادعون)أن اللّه جلّ ثناؤه قد أخبر عنهم أنّهم يخادعون اللّه و المؤمنين في أوّل الآية،فمحال أن ينفي عنهم ما قد أثبت أنّهم قد فعلوه،لأنّ ذلك تضادّ في المعنى؛و ذلك غير جائز من اللّه جلّ و عزّ.(1:151)

الزّجّاج: و معنى يُخادِعُونَ: يظهرون غير ما في نفوسهم،و التّقيّة تسمّى أيضا خداعا،فكأنّهم لمّا أظهروا الإسلام و أبطنوا الكفر صارت تقيّتهم خداعا،و جاء ب«فاعل»لغير اثنين،لأنّ هذا المثال يقع كثيرا في اللّغة للواحد نحو:عاقبت اللّصّ،و طارقت النّعل.

و قوله: وَ ما يَخْدَعُونَ... تأويله أنّ الخداع يرجع عليهم بالعذاب و العقاب.(1:85)

إنّهم كانوا يخادعون نبيّ اللّه،فأقام اللّه نبيّه مقامه،كما قال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ الفتح:10.

(ابن الجوزيّ 1:29)

النّحّاس: المخادعة في اللّغة:إظهار خلاف الاعتقاد، و تسمّى التّقيّة خداعا،و هو يكون من واحد.

قال ابن كيسان:لأنّ فيه معنى راوغت،كأنّه قابل شيئا بشيء.

وَ ما يَخْدَعُونَ... أي إنّ عقوبة ذلك ترجع عليهم.

و فرّق أهل اللّغة بين«خادع»و«خدع»فقالوا:

خادع أي قصد الخدع،و إن لم يكن خدع،و خدع معناه:

بلغ مراده.

و الاختيار عندهم(يخادعون)في الأولى،لأنّه غير

ص: 288

واقع،و الاختيار في الثّاني يَخْدَعُونَ لأنّه أخبر تعالى أنّه واقع بهم،لما يطّلع عليه من أخبارهم،فعاد ما ستروه و أظهروا غيره وبالا عليهم.

و قال محمّد بن يزيد:يجوز في الثّاني(و ما يخادعون) أي بتلك المخادعة بعينها،إنّما يخادعون أنفسهم بها،لأنّ وبالها يرجع عليهم.(1:89)

الفارسيّ: [ذكر القراءات و بعض الأقوال إلى أن ذكر قول الحسن ثمّ قال:]

فقد ذهب هذا المتأوّل إلى أنّ معنى يُخادِعُونَ اللّهَ: يخادعون نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم.و في تأويله تقوية لقول أبي عبيدة: يُخادِعُونَ: يخدعون؛أ لا ترى أنّه قد جاء في الأخرى: وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ الأنفال:62،فجاء المثال على«يفعل».

و مثل قوله: يُخادِعُونَ اللّهَ في إرادة مضاف محذوف على قول من ذكرناه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ الأحزاب:57،التّقدير:يؤذون أولياء اللّه،لأنّ الأذى لا يصل إلى اللّه سبحانه،كما أنّ الخداع لا يجوز عليه،فهي مثل قوله: وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا الأحزاب:

58،و فيما أنشده أبو زيد دلالة على صحّة تفسير أبي عبيدة أنّ يُخادِعُونَ: يخدعون؛أ لا ترى أنّ المنيّة لا يكون منها خداع،كما لا يكون من اللّه سبحانه و لا من رسوله؟فكذلك قوله: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ يكون على لفظ«فاعل»و إن لم يكن الفعل إلاّ من واحد، كما كان الأوّل كذلك.

و إذا كانوا قد استجازوا لتشاكل الألفاظ و تشابهها أن يجروا على الثّاني طلبا للتّشاكل ما لا يصحّ في المعنى على الحقيقة،فإن يلزم ذلك و يحافظ عليه فيما يصحّ في المعنى أجدر و أولى.[ثمّ استشهد بآيات:البقرة:194، و الشّورى:40،و التّوبة:79 و نحو ذلك.ثمّ قال:]

فإن يلزم التّشاكل في اللّفظ مع صحّة المعنى أولى.

و قد جاء هذا المثال للفاعل الواحد نحو:عاقبت اللّصّ و طارقت النّعل،و عافاه اللّه.

و حجّة من قرأ: (يخدعون) أن«فاعل»هنا بمعنى «فعل»فيما فسّره أهل اللّغة،فإذا كانا جميعا بمعنى،و كان «فعل»أولى بفعل الواحد من«فاعل»من حيث كان أخصّ به،كان الأولى أليق بالموضع من«فاعل»الّذي هو في أكثر الأمر أن يكون لفاعلين؛إذ كانوا قد استعملوهما جميعا،و لم يكن خادع بمنزلة عاقبت اللّصّ الّذي لم يستعمل فيه إلاّ«فاعل»و رفض معه«فعل».

و يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه قوله تعالى في الآية الأخرى في صفة المنافقين أيضا: يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ النّساء:142،فكما وقع الاتّفاق هنا على «فاعل»الجاري على«فعل»كذلك يكون في قوله تعالى:

وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ.

و لمن قرأ يُخادِعُونَ وجه آخر،و هو أن ينزّل ما يخطر بباله و يهجس في نفسه من الخدع منزلة آخر يجازيه ذلك و يفاوضه إيّاه؛فعلى هذا يكون الفعل كأنّه من اثنين،فيلزم أن يقول:«فاعل»و هذا في كلامهم غير ضيّق؛أ لا ترى الكميت أو غيره قال في ذكره حمارا أراد الورود:

ص: 289

تذكّر من أنّى و من أين شربه

يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل

فجعل ما يكون منه من ورود الماء أو ترك الورود و التّمثيل بينهما بمنزلة نفسين.

و على هذا قوله:

و هل تطيق وداعا أيّها الرّجل

و قولهم:أنا أفعل كذا و كذا أيّها الرجل.

و على هذا المذهب قرأ من قرأ: قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة:259.فنزّل نفسه-عند الخاطر الّذي يخطر له عند نظره-منزلة مناظر له غيره.

[إلى أن قال:]

فهذه في المعنى كقوله:

أنخت قلوصي و اكتلأت بعينها

و آمرت نفسي أيّ أمريّ أفعل

إلاّ أنّ من ثنّى النّفس،جعل ما يهجس في نفسه من الشّيء و خلافه نفسين،و نزّل الهاجس منزلة من يخاطبه و ينازله في ذلك،فكذلك يكون قوله:(و ما يخادعون) على هذا.[و استشهد بالشعر 3 مرّات](1:201)

أبو زرعة:قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو:(و ما يخادعون)بالألف،و احتجّ أبو عمرو بأن قال:إنّ الرّجل يخادع نفسه و لا يخدعها.قال الأصمعيّ:ليس أحد يخدع نفسه،إنّما يخادعها.

و قرأ أهل الشّام:بغير ألف،و حجّتهم في ذلك أنّ اللّه أخبر عن هؤلاء المنافقين أنّهم يخادعون اللّه و الّذين آمنوا بقولهم: آمَنّا بِاللّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ فأثبت لهم مخادعتهم اللّه و المؤمنين،ثمّ يخبر عنهم عقيب ذلك أنّهم لا يخادعونه،و لا يخادعون إلاّ أنفسهم،فيكون قد نفى عنهم في آخر الكلام ما أثبته لهم في أوّله.و لكنّه أخبر أنّ المخادعة من فعلهم،ثمّ إنّ الخدع إنّما يحيق بهم خاصّة دونه.(87)

الشّريف الرّضيّ: ربّما حمل قوله سبحانه:

يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا على أنّه مستعار في بعض الأقوال،و هو أن يكون المعنى أنّهم يمنون أنفسهم ألاّ يعاقبوا و قد علموا أنّهم مستحقّون العقاب،فقد أقاموا أنفسهم بذلك مقام المخادعين،و لذلك قال سبحانه:

وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ. (2)

عبد الجبّار:يقال:كيف قال تعالى: يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا و معلوم أنّ الخداع منهم و إن جاز على المؤمنين الّذين لا يعرفون باطنهم فلا جائز على اللّه تعالى،فكيف جاز أن يقول ذلك؟

و جوابنا:أنّ فعلهم لمّا كان فعل المخادع قال تعالى ذلك،و إن لم يكن خداعا للّه تعالى في الحقيقة،و لذلك قال تعالى بعده وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ... لأنّ الّذي فعلوه عاد بأعظم الضّرر عليهم،من حيث ينالهم ذلك بغتة،و هم لا يشعرون.(15)

الثّعلبيّ: أي يخالفون اللّه و يكذّبونه.[إلى أن قال:]

و قال بعضهم:أصل الخداع في لغة:الفساد.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

فيكون معناه:ليفسدون بما أضمروا بأنفسهم و بما أضمروا في قلوبهم.

و قيل:معناه يخادعون اللّه بزعمهم و في ظنّهم،يعني أنّهم اجترءوا على اللّه حتّى أنّهم ظنّوا أنّهم يخادعون.

ص: 290

و هذا كقوله تعالى: وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً طه:97،يعني بظنّك و على زعمك.

و قيل:معناه يفعلون في دين اللّه ما هو خداع فيما بينهم.

و قيل:معناه يخادعون رسوله،كقوله: فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ الزّخرف:55،أي أسخطونا،و في قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ الأحزاب:57،أي أولياء اللّه،لأنّ اللّه سبحانه لا يؤذى و لا يخادع،فبيّن اللّه تعالى أنّ من آذى نبيّا من أنبيائه و وليّا من أوليائه استحقّ العقوبة،كما لو آذى رسوله و خادعه.يدلّ عليه الخبر المرويّ:«إنّ اللّه تعالى يقول:من آذى وليّا من أوليائي فقد بارزني بالمحاربة».

و قيل:إنّ ذكر اللّه سبحانه في قوله: يُخادِعُونَ اللّهَ تحسين و تزيين لسامع الكلام،و المقصد بالمخادعة للّذين آمنوا،كقوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ الأنفال:41،ثمّ المخادعة على قدر المعاجلة،و أكثر المفاضلة إنّما تجيء في الفعل المشترك بين اثنين،كالمقاتلة و المضاربة و المشاتمة،و قد يكون أيضا من واحد كقولك:طارقت النّعل،و عاقبت اللّصّ،و عافاك اللّه،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ الأعراف:21،و قال: قاتَلَهُمُ اللّهُ التّوبة:

30،و المخادعة هاهنا عبارة عن الفعل الّذي يختصّ بالواحد في حين[أنّ]اللّه تعالى لا يكون منه الخداع.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا أي و يخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم:آمنّا،و هم غير مؤمنين.و قال بعضهم:من خداعهم المؤمنين:هو أنّهم كانوا يجالسون المؤمنين و يخالطونهم حتّى يأنس بهم المؤمنون و يعدّونهم من أنفسهم،فيبثّون إليهم أسرارهم،فينقلونها إلى أعدائهم.

قال اللّه تعالى: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ لأنّ وبال خداعهم راجع إليهم،كأنّهم في الحقيقة يخدعون أنفسهم؛و ذلك أنّ اللّه تعالى لمطّلع نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم على أسرارهم و نفاقهم.فيفتضحون في الدّنيا و يستوجبون العقاب الشّديد في العقبى.

قال أهل الإشارة:إنّما يخادع من لا يعرف البواطن، فأمّا من عرف البواطن فإنّ من خادعه فإنّما يخدع نفسه.

[ثمّ ذكر القراءات كما ذكرنا عن أبي زرعة](1:152)

نحوه البغويّ(1:87)،و ملخّصا و بتفاوت يسير، أبو الفتوح(1:120)و الخازن(1:28).

القيسيّ: يُخادِعُونَ اللّهَ يجوز أن يكون حالا من(من)فلا يوقف دونه،و يجوز أن يكون لا موضع له من الإعراب فيوقف دونه.(1:23)

الماورديّ: يعني المنافقين يخادعون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين بأن يظهروا من الإيمان خلاف ما يبطنون من الكفر،لأنّ أصل الخديعة:الإخفاء،و منه مخدع البيت، الّذي يخفى فيه،و جعل اللّه خداعهم لرسوله خداعا له، لأنّه دعاهم برسالته وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ في رجوع وباله عليهم.(1:73)

الطّوسيّ: و خداع المنافق:إظهاره بلسانه من القول أو التّصديق خلاف ما في قلبه من الشّكّ و التّكذيب.

و ليس لأحد أن يقول:كيف يكون المنافق للّه و لرسوله و للمؤمنين مخادعا،و هو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلاّ تقيّة؟

ص: 291

و ذلك أن العرب تسمّي من أظهر بلسانه غير ما في قلبه لينجو ممّا يخافه مخادعا لمن تخلّص منه بما أظهر له من التّقيّة،فلذلك سمّي المنافق مخادعا من حيث إنّه نجا من إجراء حكم الكفر عليه بما أظهره بلسانه،فهو و إن كان مخادعا للمؤمنين فهو لنفسه مخادع،لأنه يظهر لها بذلك أنّه يعطيها أمنيّتها،و هو يوردها بذلك أليم العذاب و شديد الوبال،فلذلك قال: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ.

و قوله: وَ ما يَشْعُرُونَ يدلّ على بطلان قول من قال:إنّ اللّه لا يعذّب إلاّ من كفر عنادا بعد علمه بوحدانيّته ضرورة،لأنّه أخبر عنهم بالنّفاق و بأنّهم لا يعلمون ذلك.و«المفاعلة»،و إن كانت تكون من اثنين، من كلّ واحد منهما لصاحبه،مثل ضاربت و قاتلت و غير ذلك،فقد ورد من هذا الوزن«فاعل»بمعنى«فعل»مثل:

قاتله اللّه،و طابقت (1)النّعل،و عافاه اللّه،و غير ذلك.

و قد حكينا أنّ معناه:يخدعون،كما قال في البيت المقدّم.

و قيل:إنّه لم يخرج بذلك عن الباب و معناه:أنّ المنافق يخادع اللّه بكذبه بلسانه على ما تقدّم،و اللّه يخادعه بخلافه بما فيه نجاة نفسه،كما قال: إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ آل عمران:178.

و حكي عن الحسن:أنّ معنى يُخادِعُونَ اللّهَ أنّهم يخدعون نبيّه،لأنّ طاعته طاعة اللّه،و معصيته معصية اللّه،كما قال: وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ الأنفال:62.

و قيل:معناه:أنّهم يعملون عمل المخادع،كما يقال:

فلان يسخر من نفسه.

و من قرأ (و ما يخادعون) بألف طلب المشاكلة و الازدواج،كما قال: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا النّحل:

126،و كما قال: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:

40.

و قال تعالى: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ التّوبة:79،كثير.

و قيل في حجّة من قرأ (يخادعون) بألف:هو أن ينزّل ما يخطر بباله و يهجس في نفسه من الخداع بمنزلة آخر يجازيه ذلك و يفاوضه،فكأنّ الفعل من اثنين.[إلى أن قال:]

و على هذا قول من قرأ: قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة:259:فوصل فخاطب نفسه،و نظائر ذلك كثيرة.

و إنّما دعاهم إلى المخادعة أمور:

أحدها:التّقيّة و خوف القتل.

و الثّاني:ليكرموهم إكرام المؤمنين.

الثّالث:ليأنسوا إليهم في أسرارهم،فينقلوها إلى أعدائهم.و الخداع:مشتقّ من الخدع،و هو إخفاء الشّيء مع إيهام غيره،و منه المخدع:البيت الّذي يخفى فيها الشّيء.

فإن قيل:أ ليس الكفّار قد خدعوا المؤمنين بما أظهروا بألسنتهم حتّى حقنوا بذلك دماءهم و أموالهم، و إن كانوا مخدوعين في أمر آخرتهم؟

قيل:لا نقول:خدعوا المؤمنين،لأنّ إطلاق ذلكا.

ص: 292


1- الظّاهر:طارقت النّعل.كما جاء عند الزّجّاج و الفارسيّ و الثّعلبيّ و غيرهم.و لكن«طابقت» صحيح أيضا.

يوجب حقيقة الخديعة.لكن نقول:خادعوهم و ما خدعوهم بل خدعوا أنفسهم،كما قال في الآية.و لو أنّ إنسانا قاتل غيره،فقتل نفسه جاز أن يقال:إنّه قاتل فلانا،فلم يقتل إلاّ نفسه،فيوجب مقاتلة صاحبه،و ينفي عنه قتله.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](1:69)

القشيريّ: ...وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ عاد وبال خداعهم و العقوبة عليه إلى أنفسهم،فصاروا في التّحقيق كأنّهم خادعوا أنفسهم،فما استهانوا إلاّ بأقدارهم،و ما استخفّوا إلاّ بأنفسهم،و ما ذاق وبال فعلهم سواهم،و ما قطعوا إلاّ وتينهم.و من كان عالما بحقائق المعلومات فمن رام خداعه إنّما يخدع نفسه.

و الإشارة في هذه الآية أنّ من تناسى لطفه السّابق، و قال:لي و بي منّي و أنا،يقع في وهمه و ظنّه لك و بك و منك و أنت،و هذا التّوهّم أصعب العقوبات،لأنّه يرى سرابا فيظنّه شرابا،حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا،و وجد اللّه عنده فوفّاه حسابه.(1:73)

الواحديّ: و المعنى:أنّ هؤلاء المنافقين يظهرون غير ما في نفوسهم ليدرءوا عنهم أحكام الكفر في ظاهر الشّريعة من القتل و الجزية و غيرهما.[إلى أن قال:]

و قوله: وَ ما يَخْدَعُونَ... قرئ بوجهين:فمن قرأ بالألف قال:هو من«المفاعلة»الّتي تقع من الواحد، كقوله: يُخادِعُونَ اللّهَ فلمّا وقع الاتّفاق على الألف في قوله: يُخادِعُونَ اللّهَ أجري الثّاني على الأوّل طلبا للتّشاكل.

و من قرأ يَخْدَعُونَ قال:إنّ«فعل»أولى بفعل الواحد من«فاعل»الّذي في أكثر الأمر يكون لفاعلين.

و معنى قوله: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ هو أنّهم طلبوا الخداع فلم يخدعوا اللّه و لا المؤمنين،و ما خدعوا إلاّ أنفسهم،لأنّ وبال خداعهم عاد عليهم،لأنّ اللّه تعالى يطّلع نبيّه على أسرارهم و نفاقهم فيفتضحون في الدّنيا، و يستوجبون العقاب في العقبى.(1:86)

الرّاغب: أي يخادعون رسوله و أولياءه.و نسب ذلك إلى اللّه تعالى من حيث إنّ معاملة الرّسول كمعاملته، و لذلك قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ الفتح:10،و جعل ذلك خداعا تفظيعا لفعلهم و تنبيها على عظم الرّسول و عظم أوليائه.

و قول أهل اللّغة:إنّ هذا على حذف المضاف و إقامة المضاف إليه مقامه،فيجب أن يعلم أنّ المقصود بمثله في الحذف لا يحصل لو أتي بالمضاف المحذوف،لما ذكرنا من التّنبيه على أمرين:

أحدهما:فظاعة فعلهم فيما تحرّوه من الخديعة،و أنّهم بمخادعتهم إيّاه يخادعون اللّه.

و الثّاني:التّنبيه على عظم المقصود بالخداع،و أنّ معاملته كمعاملة اللّه،كما نبّه عليه بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ. و قوله تعالى: وَ هُوَ خادِعُهُمْ قيل:

معناه مجازيهم بالخداع.و قيل:على وجه آخر مذكور في قوله تعالى: وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ آل عمران:

54.(143)

الزّمخشريّ: و الخدع:أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه،من قولهم:ضبّ خادع و خدع،إذا أمرّ الحارش يده على باب جحره أوهمه إقباله عليه،ثمّ خرج من باب آخر.

ص: 293

فإن قلت:كيف ذلك و مخادعة اللّه و المؤمنين لا تصحّ لأنّ العالم الّذي لا تخفى عليه خافية لا يخدع،و الحكيم الّذي لا يفعل القبيح لا يخدع،و المؤمنون و إن جاز أن يخدعوا لم يجز أن يخدعوا.[ثمّ استشهد بشعر]

قلت:فيه وجوه:

أحدها أن يقال:كانت صورة صنعهم مع اللّه؛حيث يتظاهرون بالإيمان و هم كافرون صورة لصنع الخادعين، و صورة صنع اللّه معهم-حيث أمر بإجراء أحكام المسلمين عليهم،و هم عنده في عداد شرار الكفرة و أهل الدّرك الأسفل من النّار-،صورة صنع الخادع،و كذلك صورة صنع المؤمنين معهم؛حيث امتثلوا أمر اللّه فيهم، فأجروا أحكامهم عليهم.

و الثّاني أن يكون ذلك ترجمة عن معتقدهم،و ظنّهم أنّ اللّه ممّن يصحّ خداعه،لأنّ من كان ادّعاؤه الإيمان باللّه نفاقا لم يكن عارفا باللّه و لا بصفاته،و لا أنّ لذاته تعلّقا بكلّ معلوم،و لا أنّه غنيّ عن فعل القبائح،فلم يبعد من مثله تجويز أن يكون اللّه في زعمه مخدوعا و مصابا بالمكروه من وجه خفيّ،و تجويز أن يدلّس على عباده و يخدعهم.

و الثّالث:أن يذكر اللّه تعالى و يراد الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه خليفته في أرضه و النّاطق عنه بأوامره و نواهيه مع عباده،كما يقال:قال الملك:كذا و رسم كذا،و إنّما القائل و الرّاسم وزيره أو بعض خاصّته الّذين قولهم قوله و رسمهم رسمه.مصداقه قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ الفتح:10،و قوله:

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ النّساء:80.

و الرّابع أن يكون من قولهم:أعجبني زيد و كرمه، فيكون المعنى:يخادعون الّذين آمنوا باللّه.

و فائدة هذه الطّريقة قوّة الاختصاص،و لمّا كان المؤمنون من اللّه بمكان سلك بهم ذلك المسلك،و مثله:

وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62،و كذلك:

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ الأحزاب:57، و نظيره في كلامهم:علمت زيدا فاضلا.و الغرض فيه ذكر إحاطة العلم بفضل زيد لا به نفسه،لأنّه كان معلوما له قديما،كأنّه قيل:علمت فضل زيد،و لكن ذكر زيد توطئة و تمهيد لذكر فضله.

فإن قلت:هل للاقتصار ب«خادعت»على واحد وجه صحيح؟

قلت:وجهه أن يقال:عنى به فعلت،إلاّ أنّه أخرج في زنة«فاعلت»لأنّ الزّنة في أصلها للمبالغة و المباراة، و الفعل متى غولب فيه فاعله جاء أبلغ و أحكم منه إذا زاوله وحده من غير مغالب و لا مبار،لزيادة قوّة الدّاعي إليه.و يعضده قراءة من قرأ (يخدعون الله و الذين آمنوا) - و هو أبو حيوة-و يُخادِعُونَ بيان ل(يقول).و يجوز أن يكون مستأنفا كأنّه قيل:و لم يدّعون الإيمان كاذبين،و ما رفقهم (1)في ذلك؟فقيل: يُخادِعُونَ.

فإن قلت:عمّ كانوا يخادعون؟قلت:كانوا يخادعونهم عن أغراض لهم و مقاصد:

منها:متاركتهم و إعفاؤهم عن المحاربة و عمّا كانوا يطرقون به من سواهم من الكفّار.

و منها:اصطناعهم بما يصطنعون به المؤمنين من..

ص: 294


1- و ما نفعهم...

إكرامهم و الإحسان إليهم،و إعطائهم الحظوظ من المغانم، و نحو ذلك من الفوائد.

و منها:اطّلاعهم لاختلاطهم بهم على الأسرار الّتي كانوا حرّاصا على إذاعتها إلى منابذيهم.

فإن قلت:فلو أظهر عليهم حتّى لا يصلوا إلى هذه الأغراض بخداعهم عنها.

قلت:لم يظهر عليهم لما أحاط به علما من المصالح الّتي لو أظهر عليهم لانقلبت مفاسد.و استبقاء إبليس و ذرّيّته و متاركتهم،و ما هم عليه من إغواء المنافقين، و تلقينهم النّفاق أشدّ من ذلك،و لكن السّبب فيه ما علمه تعالى من المصلحة.

فإن قلت:ما المراد بقوله:(و ما يخادعون الاّ انفسهم)؟

قلت:يجوز أن يراد و ما يعاملون تلك المعاملة المشبّهة بمعاملة المخادعين إلاّ أنفسهم،لأنّ ضررها يلحقهم و مكرها يحيق بهم،كما تقول:فلان يضارّ فلانا و ما يضارّ إلاّ نفسه،أي دائرة الضّرار راجعة إليه و غير متخطّية إيّاه.

و أن يراد حقيقة المخادعة،أي و هم في ذلك يخدعون أنفسهم حيث يمنّونها الأباطيل،و يكذّبونها فيما يحدّثونها به،و أنفسهم كذلك تمنّيهم و تحدّثهم بالأماني.

و أن يراد و ما يخدعون،فجيء به على لفظ «يفاعلون»للمبالغة.

و قرئ وَ ما يَخْدَعُونَ، و (يخدّعون) من خدّع، و(يخدّعون)بفتح الياء بمعنى يختدعون،و(يخدعون)، و(يخادعون)على لفظ ما لم يسمّ فاعله.(1:170)

نحوه ملخّصا البيضاويّ(1:23)،و النّسفيّ(1:18)، و النّيسابوريّ(1:170)،و الشّربينيّ(1:23)،و شبّر (1:70).

ابن عطيّة: و اختلف المتأوّلون في قوله تعالى:

يُخادِعُونَ اللّهَ.

فقال الحسن بن أبي الحسن:«المعنى يخادعون رسول اللّه،فأضاف الأمر إلى اللّه تجوّزا،لتعلّق رسوله به.

و مخادعتهم هي تحيّلهم في أن يفشي رسول اللّه و المؤمنون لهم أسرارهم،فيتحفّظون ممّا يكرهونه،و يتنبّهون من ضرر المؤمنين على ما يحبّونه».

و قال جماعة من المتأوّلين:«بل يخادعون اللّه و المؤمنين؛و ذلك بأن يظهروا من الإيمان خلاف ما أبطنوا من الكفر،ليحقنوا دماءهم،و يحرزوا أموالهم،و يظنّون أنّهم قد نجوا و خدعوا و فازوا،و إنّما خدعوا أنفسهم لحصولهم في العذاب،و ما شعروا لذلك».

و اختلف القرّاء في(يخادعون)الثّاني.

فقرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو (يخادعون) .

و قرأ عاصم و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ (و ما يخدعون) .

و قرأ أبو طالوت عبد السّلام بن شدّاد و الجارود بن أبي سبرة (يخدعون) بضمّ الياء.

و قرأ قتادة و مورّق العجلي (يخدّعون) بضمّ الياء و فتح الخاء و كسر الدّال و شدّها.فوجه قراءة ابن كثير و من ذكر إحراز تناسب اللّفظ،و أن يسمّى الفعل الثّاني باسم الفعل الأوّل المسبّب له.

و يؤيّد هذا المنزع في هذه الآية أنّ«فاعل»قد تجيء

ص: 295

من واحد ك«عاقبت اللّصّ،و طارقت النّعل».و تتّجه أيضا هذه القراءة بأن ينزّل-ما يخطر ببالهم و يهجس في خواطرهم من الدّخول في الدّين و النّفاق فيه و الكفر في الأمر و ضدّه في هذا المعنى-بمنزلة مجاورة أجنبيّين، فيكون الفعل كأنّه من اثنين.

و وجه قراءة عاصم و من ذكر،أنّ ذلك الفعل هو خدع لأنفسهم يمضي عليها،تقول:خادعت الرّجل بمعنى أعملت التّحيّل عليه،فخدعته بمعنى تمّت عليه الحيلة و نفذ فيه المراد.و المصدر خدع بكسر الخاء و خديعة، حكى ذلك أبو زيد.فمعنى الآية و ما ينفذون السّوء إلاّ على أنفسهم و فيها.

و وجه قراءة أبي طالوت أحد أمرين:

إمّا أن يقدّر الكلام:و ما يخدعون إلاّ عن أنفسهم، فحذف حرف الجرّ و وصل الفعل،كما قال تعالى:

وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ الأعراف:155 أي من قومه.

و إمّا أن يكون يَخْدَعُونَ أعمل عمل ينتقصون، لما كان المعنى:و ما ينقصون و يستلبون إلاّ أنفسهم،و نحوه قول اللّه تعالى: لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ البقرة:187،و لا تقول:رفثت إلى المرأة و لكن لمّا كان بمعنى الإفضاء ساغ ذلك،و منه قوله تعالى: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى النّازعات:18،و إنّما يقال:هل لك في كذا، و لكن لمّا كان المعنى أجد بك إلى أن تزكّى،ساغ ذلك و حسن،و هو باب سنيّ من فصاحة الكلام.

و وجه قراءة قتادة المبالغة في الخدع؛إذ هو مصير إلى عذاب اللّه.

قال الخليل :«يقال:خادع من واحد لأنّ في المخادعة مهلة،كما يقال عالجت المريض لمكان المهلة».

و هذا من دقيق نظره،و كأنّه يرد«فاعل»إلى الاثنين،و لا بدّ من حيث ما فيه مهلة و مدافعة و مماطلة، فكأنّه يقاوم في المعنى الّذي تجيء فيه«فاعل».

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](1:90)

الطّبرسيّ: يُخادِعُونَ فعل و فاعل،و النّون علامة الرّفع،و الجملة في موضع نصب بكونها حالا،و ذو الحال الضّمير الّذي في قوله:(آمنّا)العائد إلى(من)، و(اللّه)نصب ب يُخادِعُونَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا عطف، و(ما)نفي،و(الاّ)إيجاب،و أَنْفُسَهُمْ نصب بأنّه مفعول(يخادعون)الثّانية،و(ما)نفي،و يَشْعُرُونَ فعل و فاعل.و كلّ موضع يأتي فيه«إلاّ»بعد نفي،فهو إيجاب و نقض للنّفي.

معنى قوله: يُخادِعُونَ اللّهَ أي يعملون عمل المخادع،لأنّ اللّه تعالى لا يصحّ أن يخادعه من يعرفه و يعلم أنّه لا يخفى عليه خافية.و هذا كما تقول لمن يزيّن لنفسه ما يشوبه بالرّياء في معاملته:ما أجهله يخادع اللّه و هو أعلم به من نفسه،أي يعمل عمل المخادع،و هذا يكون من العارف و غير العارف.

و قيل:المعنى يخادعون رسول اللّه،لأنّ طاعته طاعة اللّه و معصيته معصية اللّه،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه،و هذا كقوله تعالى: وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ الأنفال:62.و المفاعلة قد تقع من واحد كقولهم:عافاه اللّه،و عاقبت اللّصّ،و طارقت النّعل، فكذلك يُخادِعُونَ إنّما هو من واحد.

فمعنى يُخادِعُونَ: يظهرون غير ما في نفوسهم،

ص: 296

و قوله: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أي و يخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم قالوا:آمنّا و هم غير مؤمنين،أو بمجالستهم و مخالطتهم إيّاهم حتّى يفشوا إليهم أسرارهم،فينقلوها إلى أعدائهم.

و التّقيّة أيضا تسمّى خداعا،فكأنّهم لمّا أظهروا الإسلام و أبطنوا الكفر صارت تقيّتهم خداعا؛من حيث إنّهم نجوا بها من إجراء حكم الكفر عليهم.

و معنى قوله: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ أنّهم و إن كانوا يخادعون المؤمنين في الظّاهر فهم يخادعون أنفسهم، لأنّهم يظهرون لها بذلك أنّهم يعطونها ما تمنّت،و هم يوردونها به العذاب الشّديد.فوبال خداعهم راجع إلى أنفسهم وَ ما يَشْعُرُونَ أي ما يعلمون أنّه يرجع عليهم بالعذاب،فهم في الحقيقة إنّما خدعوا أنفسهم،كما لو قاتل إنسان غيره فقتل نفسه جاز أن يقال:إنّه قاتل فلانا و لم يقتل إلاّ نفسه.

و قوله: وَ ما يَشْعُرُونَ يدلّ على بطلان قول أصحاب المعارف،لأنّه تعالى أخبر عنهم بالنّفاق، و بأنّهم لا يعلمون ذلك.(1:47)

ابن الجوزيّ: [ذكر عديدا من الأقوال ثمّ قال:]

و متى يعود وبال خداعهم عليهم؟فيه قولان:

أحدهما:في دار الدّنيا؛و ذلك بطريقين:أحدهما:

بالاستدراج و الإمهال الّذي يزيدهم عذابا.و الثّاني:

باطّلاع النّبيّ و المؤمنين على أحوالهم الّتي أسرّوها.

و القول الثّاني:أنّ عود الخداع عليهم في الآخرة،و في ذلك قولان:

أحدهما:أنّه يعود عليهم عند ضرب الحجاب بينهم و بين المؤمنين،و ذلك قوله: قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ الحديد:13.

و الثّاني:أنّه يعود عليهم عند اطّلاع أهل الجنّة عليهم،فإذا رأوهم طمعوا في نيل راحة من قبلهم،فقالوا:

أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ الأعراف:

50،فيجيبونهم. إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ الأعراف:51.(1:30)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ اللّه تعالى ذكر من قبائح المنافقين أربعة أشياء:

أحدها:ما ذكره في هذه الآية،و هو أنّهم يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فيجب أن يعلم أوّلا:ما المخادعة؟ثمّ ثانيا:ما المراد بمخادعة اللّه؟و ثالثا:أنّهم لما ذا كانوا يخادعون اللّه،و رابعا:أنّه ما المراد بقوله: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ؟

المسألة الأولى:اعلم أنّه لا شبهة في أنّ الخديعة مذمومة،و المذموم يجب يميّز من غيره،لكي لا يفعل.

و أصل هذه اللّفظة:الإخفاء،و سمّيت الخزانة:المخدع، و الأخدعان:عرقان في العنق لأنّهما خفيّان.و قالوا:

خدع الضّبّ خدعا،إذا توارى في جحره فلم يظهر إلاّ قليلا،و طريق خيدع و خادع،إذا كان مخالفا للمقصد بحيث لا يفطن له،و منه المخدع.

و أمّا حدّها فهو إظهار ما يوهم السّلامة و السّداد، و إبطان ما يقتضي الإضرار بالغير و التّخلّص منه،فهو بمنزلة النّفاق في الكفر،و الرّياء في الأفعال الحسنة،و كلّ ذلك بخلاف ما يقتضيه الدّين،لأنّ الدّين يوجب الاستقامة و العدول عن الغرور و الإساءة،كما يوجب

ص: 297

المخالصة،للّه تعالى في العبادة.و من هذا الجنس وصفهم المرائي بأنّه مدلّس إذا أظهر خلاف مراده،و منه أخذ التّدليس في الحديث،لأنّ الرّاوي يوهم السّماع ممّن لم يسمع؛و إذا أعلن ذلك لا يقال:إنّه مدلّس.

المسألة الثّانية:و هي أنّهم كيف خادعوا اللّه تعالى؟ للقائل أن يقول:إنّ مخادعة اللّه تعالى ممتنعة من وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى يعلم الضّمائر و السّرائر فلا يجوز أن يخادع،لأنّ الّذي فعلوه لو أظهروا أنّ الباطن بخلاف الظّاهر لم يكن ذلك خداعا،فإذا كان اللّه تعالى لا يخفى عليه البواطن لم يصحّ أن يخادع.

الثّاني:أنّ المنافقين لم يعتقدوا أنّ اللّه بعث الرّسول إليهم،فلم يكن قصدهم في نفاقهم مخادعة اللّه تعالى، فثبت أنّه لا يمكن إجراء هذا اللّفظ على ظاهره بل لا بدّ من التّأويل،و هو من وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى ذكر نفسه و أراد به رسوله على عادته في تفخيم و تعظيم شأنه.قال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ و قال في عكسه:

وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ الأنفال:41،أضاف السّهم الّذي يأخذه الرّسول إلى نفسه،فالمنافقون لمّا خادعوا الرّسول قيل:إنّهم خادعوا اللّه تعالى.

الثّاني:أن يقال صورة حالهم مع اللّه-حيث يظهرون الإيمان و هم كافرون-صورة من يخادع،و صورة صنيع اللّه معهم-حيث أمر بإجراء أحكام المسلمين عليهم، و هم عنده في عداد الكفرة-صورة صنيع اللّه معهم؛ حيث امتثلوا أمر اللّه فيهم فأجروا أحكامه عليهم.

المسألة الثّالثة:فهي في بيان الغرض من ذلك الخداع، و فيه وجوه:

الأوّل:أنّهم ظنّوا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين يجرونهم في التّعظيم و الإكرام مجرى سائر المؤمنين إذا أظهروا لهم الإيمان،و إن أسرّوا خلافه،فمقصودهم من الخداع هذا.

الثّاني:يجوز أن يكون مرادهم إفشاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إليهم أسراره،و إفشاء المؤمنين أسرارهم،فينقلونها إلى أعدائهم من الكفّار.

الثّالث:أنّهم دفعوا عن أنفسهم أحكام الكفّار مثل القتل،لقوله عليه الصّلاة و السّلام:«أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا:لا إله إلاّ اللّه».

الرّابع:أنّهم كانوا يطمعون في أموال الغنائم.

فإن قيل:فاللّه تعالى كان قادرا على أن يوحي إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كيفيّة مكرهم و خداعهم،فلم لم يفعل ذلك هتكا لسترهم؟

قلنا:إنّه تعالى قادر على استئصال إبليس و ذرّيّته و لكنّه تعالى أبقاهم و قوّاهم،إمّا لأنّه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد،أو لحكمة لا يطّلع عليها إلاّ هو.

فإن قيل:هل للاقتصار ب«خادعت»على واحد وجه صحيح؟

قلنا:قال صاحب الكشّاف:وجهه أن يقال:عنى به «فعلت»إلاّ أنّه أخرج في زنة«فاعلت»،لأنّ الزّنة في أصلها للمبالغة،و الفعل متى غولب فيه فاعله جاء أبلغ و أحكم منه إذا زاوله وحده من غير مغالب،لزيادة قوّة الدّاعي إليه.و يعضده قراءة أبي حيوة (يخدعون اللّه) .

ثم قال:(يخادعون)بيانا ل(يقول)،و يجوز أن يكون

ص: 298

مستأنفا كأنّه قيل:و لم يدّعون الإيمان كاذبين.و ما نفعهم فيه؟فقيل: يُخادِعُونَ.

المسألة الرّابعة قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمر (و ما يخادعون) و الباقون يَخْدَعُونَ و حجّة الأوّلين:

مطابقة اللّفظ حتّى يكون مطابقا للفظ الأوّل،و حجّة الباقين أنّ المخادعة إنّما تكون بين اثنين،فلا يكون الإنسان الواحد مخادعا لنفسه.

ثمّ ذكروا في قوله: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى يجازيهم على ذلك و يعاقبهم عليه، فلا يكونون في الحقيقة خادعين إلاّ أنفسهم،عن الحسن.

و الثّاني:و ما ذكره أكثر المفسّرين،و هو أنّ وبال ذلك راجع إليهم في الدّنيا،لأنّ اللّه تعالى كان يدفع ضرر خداعهم عن المؤمنين و يصرفه إليهم،و هو كقوله إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ و قوله: إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ* اَللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ البقرة:14، أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ البقرة:

13، وَ مَكَرُوا مَكْراً وَ مَكَرْنا مَكْراً آل عمران:54، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَ أَكِيدُ كَيْداً الطّارق:15، إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ المائدة:33، إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ الأحزاب:57.

و بقي في الآية بعد ذلك أبحاث:

أحدها:قرئ (و ما يخادعون) من أخدع.

و(يخدعون)بفتح الياء بمعنى يختدعون(و يخدعون) و(يخادعون)على لفظ ما لم يسمّ فاعله.

و ثانيها:النّفس ذات الشّيء و حقيقته،و لا تختصّ بالأجسام،لقوله تعالى: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ المائدة:116،و المراد بمخادعتهم ذواتهم أنّ الخداع لا يعدوهم إلى غيرهم.

و ثالثها:أنّ الشعور علم الشّيء إذا حصل بالحسّ، و مشاعر الإنسان حواسّه،و المعنى أنّ لحوق ضرر ذلك بهم كالمحسوس،لكنّهم لتماديهم في الغفلة كالّذي لا يحسّ.

(2:62)

العكبريّ: في الجملة وجهان:

أحدهما:لا موضع لها.

و الثّاني:موضعها نصب على الحال،و في صاحب الحال و العامل فيها وجهان:

أحدهما:هي من الضّمير في(يقول)،فيكون العامل فيها(يقول)،و التّقدير:يقول آمنّا مخادعين.

و الثّاني:هي حال من الضّمير في قوله:(بمؤمنين) و العامل فيها اسم الفاعل،و التّقدير:و ما هم بمؤمنين في حال خداعهم.

و لا يجوز أن يكون في موضع جرّ على الصّفة ل(مؤمنين)لأنّ ذلك يوجب نفي خداعهم،و المعنى على إثبات الخداع.

و لا يجوز أن تكون الجملة حالا من الضّمير في (آمنّا)،لأنّ(آمنّا)محكيّ عنهم ب(يقول)،فلو كان يُخادِعُونَ حالا من الضّمير في(آمنّا)لكانت محكيّة أيضا،و هذا محال لوجهين:

أحدهما:أنّهم ما قالوا آمنّا و خادعنا.

و الثّاني:أنّه أخبر عنهم بقوله: يُخادِعُونَ و لو كان منهم لكان:«نخادع»بالنّون.

ص: 299

و في الكلام حذف تقديره:يخادعون نبيّ اللّه.

و قيل:هو على ظاهره من غير حذف.

(و ما يخادعون) و أكثر القراءة بالألف،و أصل «المفاعلة»أن تكون من اثنين،و هي على ذلك هنا، لأنّهم في خداعهم ينزلون أنفسهم منزلة أجنبيّ يدور الخداع بينهما،فهم يخدعون أنفسهم،و أنفسهم تخدعهم.

و قيل:«المفاعلة»هنا من واحد،كقولك:سافر الرّجل، و عاقبت اللّصّ.

و يقرأ (يخدعون) بغير ألف مع فتح الياء.و يقرأ بضمّها على أن يكون الفاعل للخدع الشّيطان،فكأنّه قال:و ما يخدعهم الشّيطان.(1:25)

ابن عربيّ: المخادعة:استعمال الخدع من الجانبين، و هو إظهار الخير و استبطان الشّرّ،و مخادعة اللّه مخادعة رسوله،لقوله: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ النّساء:80،و قوله: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى الأنفال:17،و لأنّه حبيبه.[ثمّ استشهد برواية]

فخداعهم للّه و للمؤمنين:إظهار الإيمان و المحبّة، و استبطان الكفر و العداوة،و خداع اللّه و المؤمنين إيّاهم:

مسالمتهم،و إجراء أحكام الإسلام عليهم بحقن الدّماء و حصن الأموال،و غير ذلك،و ادّخار العذاب الأليم، و المآل الوخيم،و سوء المغبّة لهم،و خزيهم في الدّنيا لافتضاحهم بأخباره تعالى و بالوحي عن حالهم.

لكنّ الفرق بين الخداعين أنّ خداعهم لا ينجح إلاّ في أنفسهم بإهلاكها و تحسيرها،و إيراثها الوبال و النّكال، بازدياد الظّلمة و الكفر و النّفاق،و اجتماع أسباب الهلكة و البعد،و الشّقاء عليها،و خداع اللّه يؤثّر فيهم أبلغ تأثير، و يوبقهم أشدّ إيباق،كقوله تعالى: وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ آل عمران:54،و هم من غاية تعمّقهم في جهلهم،لا يحسّون بذلك الأمر الظّاهر.

(1:20)

القرطبيّ: [ذكر الأقوال و القراءات كما نقلنا عن الثّعلبيّ و ابن عطيّة و قال:]

قوله تعالى: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ نفي و إيجاب،أي ما تحلّ عاقبة الخدع إلاّ بهم،و من كلامهم؛ «من خدع من لا يخدع فإنّما يخدع نفسه»و هذا صحيح، لأنّ الخداع إنّما يكون مع من لا يعرف البواطن،و أمّا من عرف البواطن فمن دخل معه في الخداع فإنّما يخدع نفسه.

و دلّ هذا على أنّ المنافقين لم يعرفوا اللّه؛إذ لو عرفوه لعرفوا أنّه لا يخدع.و قد تقدّم من قوله عليه السّلام أنّه قال:

«لا تخادع اللّه فإنّه من يخادع اللّه يخدعه اللّه و نفسه يخدع لو يشعر».قالوا:يا رسول اللّه،و كيف يخادع اللّه؟قال:

«تعمل بما أمرك اللّه به و تطلب به غيره».(1:195)

ابن جزيّ: أي يفعلون فعل المخادع،و يرومون الخدع بإظهار خلاف ما يسرّون.

و قيل:معناه يخدعون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و الأوّل أظهر.

و ما يخادعون الا انفسهم أي وبال فعلهم راجع عليهم،و قرئ و ما يخدعون بفتح الياء من غير ألف، من«خدع»و هو أبلغ في المعنى،لأنّه يقال:خادع إذا رام الخداع،و خدع إذا تمّ له.(1:37)

أبو حيّان :...يحتمل قوله: يُخادِعُونَ اللّهَ أن يكون مستأنفا،كأنّ قائلا يقول:لم يتظاهرون بالإيمان و ليسوا بمؤمنين في الحقيقة؟فقيل: يُخادِعُونَ.

ص: 300

و يحتمل أن يكون بدلا من قوله: يَقُولُ آمَنّا و يكون ذلك بيانا؛لأنّ قولهم:(آمنّا)-و ليسوا بمؤمنين في الحقيقة-مخادعة،فيكون بدل فعل من فعل،لأنه في معناه،و على كلا الوجهين لا موضع للجملة من الإعراب.

و يحتمل أن تكون الجملة في موضع الحال،و ذو الحال الضّمير المستكنّ في يَقُولُ أي و من النّاس من يقول آمنّا مخادعين اللّه و الّذين آمنوا.

و جوّز أبو البقاء أن يكون حالا،و العامل فيها اسم الفاعل الّذي هو بِمُؤْمِنِينَ و ذو الحال الضّمير المستكنّ في اسم الفاعل.و هذا إعراب خطأ و ذلك أنّ (ما)دخلت على الجملة فنفت نسبة الإيمان إليهم،فإذا قيّدت تلك النّسبة بحال تسلّط النّفي على تلك الحال- و هو القيد-فنفته،و لذلك طريقان في لسان العرب.

أحدهما،و هو الأكثر:أن ينتفي ذلك القيد فقط و يكون،إذ ذاك قد ثبت العامل في ذلك القيد،فإذا قلت:

«ما زيد أقبل ضاحكا»فمفهومه نفي الضّحك،و يكون قد أقبل غير ضاحك.و ليس معنى الآية على هذا؛إذ لا ينفي عنهم الخداع فقط و يثبت لهم الإيمان بغير خداع بل المعنى نفي الإيمان عنهم مطلقا.

و الطّريق الثّاني،و هو الأقلّ:أن ينتفي القيد،و ينتفي العامل فيه،فكأنّه قال في المثال السّابق:«لم يقبل زيد و لم يضحك»أي لم يكن منه إقبال و لا ضحك.و ليس معنى الآية على هذا إذ ليس المراد نفي الإيمان عنهم،و نفي الخداع.

و العجب من أبي البقاء كيف تنبّه لشيء من هذا،فمنع أن يكون يُخادِعُونَ في موضع الصّفة،فقال:«و لا يجوز أن يكون في موضع جرّ على الصّفة ل(مؤمنين) لأنّ ذلك يوجب نفي خداعهم،و المعنى على إثبات الخداع»انتهى كلامه،فأجاز ذلك في الحال،و لم يجز ذلك في الصّفة،و هما سواء،و لا فرق بين الحال و الصّفة في ذلك بل كلّ منهما قيد يتسلّط النّفي عليه،و اللّه تعالى هو العالم الّذي لا يخفى عليه شيء.

فمخادعة المنافقين اللّه هو من حيث الصّورة لا من حيث المعنى،من جهة تظاهرهم بالإيمان و هم مبطنون للكفر-قاله جماعة-أو من حيث عدم عرفانهم باللّه و صفاته،فظنّوا أنّه ممّن يصحّ خداعه،فالتّقدير الأوّل مجاز،و الثّانى حقيقة،أو يكون على حذف مضاف،أي يخادعون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و الّذين آمنوا،فتارة يكون المحذوف مرادا و تارة لا يكون مرادا بل نزّل مخادعتهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بمنزلة مخادعة اللّه،فجاء يُخادِعُونَ اللّهَ و هذا الوجه قاله الحسن و الزّجّاج.

و إذا صحّ نسبة مخادعتهم إلى اللّه تعالى بالأوجه الّتي ذكرناها كما ذكرناها،فلا ضرورة تدعوا إلى أن نذهب إلى أنّ الاسم مقحم،لأنّ المعنى:يخادعون الّذين آمنوا، كما ذهب إليه الزّمخشريّ،و قال:يكون من باب «أعجبني زيد و كرمه»المعنى هذا:أعجبني كرم زيد، و ذكر زيد توطئة لذكر كرمه،و النّسبة إلى الإعجاب إلى كرمه هي المقصودة و جعل من ذلك وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62، إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ الأحزاب:57،و ما ذكره في هذه المثل غير مسلّم له،و للآيتين الشّريفتين محامل تأتي في مكانها إن شاء اللّه تعالى.

ص: 301

و أمّا«أعجبنى زيد و كرمه»فإنّ الإعجاب أسند إلى زيد بجملته بعض صفاته تمييزا لصفة الكرم من سائر الصّفات الّتي انطوى عليها،الشرف هذه الصّفة،فصار من المعنى نظيرا لقوله تعالى: وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ البقرة:98،فلا يدّعى كما ادّعى الزّمخشريّ أنّ الاسم مقحم،و أنّه ذكر توطئة لذكر الكرم، و«خادع»الّذي مضارعه«يخادع»على وزن«فاعل».

و«فاعل»يأتي لخمسة معان:لاقتسام الفاعليّة و المفعوليّة في اللّفظ،و الاشتراك فيهما من حيث المعنى، و لموافقة«أفعل»المتعدّي،و موافقة المجرّد للإغناء عن «أفعل»و عن المجرّد.

و مثل ذلك:ضارب زيدا عمر،و باعدته،و واريت الشّيء،و قاسيت.

و«خادع»هنا إمّا لموافقة الفعل المجرّد،فيكون بمعنى «خدع»و كأنّه قال:يخدعون اللّه،و يبيّنه قراءة ابن مسعود و أبي حياة،و قد تقدّمت.

و يحتمل أن يكون«خادع»من باب«المفاعلة»، فمخادعتهم تقدّم تفسيرها،و مخادعة اللّه لهم حيث أجرى عليهم أحكام المسلمين،و اكتفى منهم في الدّنيا بإظهار الإسلام،و إن أبطنوا خلافه.و مخادعة المؤمنين لهم كونهم امتثلوا أحكام المسلمين عليهم.

و في مخادعتهم هم للمؤمنين فوائد لهم:من تعظيمهم عند المؤمنين،و التّطلّع على أسرارهم،فيفشونها إلى أعدائهم،و رفع حكم الكفّار عنهم:من القتل،و ضرب الجزية،و غير ذلك،و ما ينالون من الإحسان بالهداية، و قسم الغنائم.[ثمّ ذكر القراءات و بحث فيها بما ذكر نحوه في مطاوي كلام المفسّرين فلا نحتاج إلى تكرارها]

(1:55)

نحوه السّمين.(1:113)

أبو السّعود : يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا بيان ل يَقُولُ و توضيح لما هو غرضهم ممّا يقولون،أو استئناف وقع جوابا عن سؤال ينساق إليه الذّهن،كأنّه قيل:ما لهم يقولون ذلك و هم غير مؤمنين؟فقيل:

يُخادِعُونَ اللّهَ إلخ،أي يخدعون،و قد قرئ كذلك.

و إيثار صيغة«المفاعلة»لإفادة المبالغة في الكيفيّة،فإنّ الفعل متى غولب فيه بولغ فيه قطعا،أو في الكمّيّة،كما في الممارسة و المزاولة،فإنّهم كانوا مداومين على الخدع، و الخدع أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه، ليوقعه فيه من حيث لا يحتسب،أو يوهمه المساعدة على ما يريد هو به،ليغترّ بذلك فينجوا منه بسهولة،من قولهم:«ضبّ خادع و خدع»و هو الّذي إذا أمرّ الحارش [الصّيّاد]يده على باب جحره يوهمه الإقبال عليه، فيخرج من بابه الآخر.

و كلا المعنيين مناسب للمقام،فإنّهم كانوا يريدون بما صنعوا أن يطّلعوا على أسرار المؤمنين،فيذيعوها إلى المنابذين،و أن يدفعوا عن أنفسهم ما يصيب سائر الكفرة.

و أيّا ما كان فنسبته إلى اللّه سبحانه:إمّا على طريق الاستعارة و التّمثيل،لإفادة كمال شناعة جنايتهم،أي يعاملون معاملة الخادعين،و إمّا على طريقة المجاز العقليّ، بأن ينسب إليه تعالى ما حقّه أن ينسب إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم إبانة لمكانته عنده تعالى،كما ينبئ عنه: إِنَّ الَّذِينَ

ص: 302

يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ الفتح:

10،و مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ النّساء:80، مع إفادة كمال الشّناعة كما مرّ.

و إمّا لمجرّد التّوطئة و التّمهيد لما بعده من نسبته إلى الّذين آمنوا،و الإيذان بقوّة اختصاصهم به تعالى،كما في وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62، إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ الأحزاب:57.

و إبقاء صيغة«المخادعة»على معناها الحقيقيّ بناء على زعمهم الفاسد،و ترجمة عن اعتقادهم الباطل،كأنّه قيل:يزعمون أنّهم يخدعون اللّه و اللّه يخدعهم،أو على جعلها استعارة تبعيّة،أو تمثيلا لما أنّ صورة صنعهم مع اللّه تعالى و المؤمنين و صنعه تعالى معهم بإجراء أحكام الإسلام عليهم-و هم عنده أخبث الكفرة،و أهل الدّرك الأسفل من النّار-استدراجا لهم.و امتثال الرّسول عليه الصّلاة و السّلام و المؤمنين بأمر اللّه تعالى في ذلك مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المتخادعين-كما قيل-ممّا لا يرتضيه الذّوق السّليم.

أمّا الأوّل:فلأنّ المنافقين لو اعتقدوا أنّ اللّه تعالى يخدعهم بمقابلة خدعهم له،لم يتصوّر منهم التّصدّي للخدع.

و أمّا الثّاني:فلأنّ مقتضى المقام إيراد حالهم خاصّة و تصويرها بما يليق بها من الصّورة المستهجنة،و بيان أنّ غائلتها آئلة إليهم من حيث لا يحتسبون،كما يعرب عنه وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ.

فالتّعرّض لحال الجانب الآخر ممّا يخلّ بتوفية المقام حقّه،و هو حال من ضمير يُخادِعُونَ، أي يفعلون ما يفعلون،و الحال أنّهم ما يضرّون بذلك إلاّ أنفسهم،فإنّ دائرة فعلهم مقصورة عليهم،أو ما يخدعون حقيقة إلاّ أنفسهم؛حيث يغرونها بالأكاذيب فيلقونها في مهاوي الرّدى.

و قرئ (و ما يخادعون) و المعنى هو المعنى.و من حافظ على الصّيغة فيما قبل قال:و ما يعاملون تلك المعاملة الشّبيهة بمعاملة المخادعين إلاّ أنفسهم،لأنّ ضررها لا يحيق إلاّ بهم،أو ما يخادعون حقيقة إلاّ أنفسهم حيث يمنّونها الأباطيل،و هي أيضا تغرّهم و تمنّيهم الأمانيّ الفارغة.

و قرئ (و ما يخدّعون) من التّخديع، وَ ما يَخْدَعُونَ أي يختدعون،(و يخدعون)(و يخادعون)على البناء للمفعول...(1:57)

صدر المتألهين :إنّ للمنافقين قبائح كثيرة من رذائل القلب و خبائث النّفس،ذكر اللّه أربعة منها في هذه الآيات:

أحدها ما ذكره في هذه الآية،و هي المخادعة مع اللّه و المؤمنين.

و الخدع:أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه في نفسك من المكروه،لتصرفه عمّا هو بصدده،من قولهم:خدع الضّبّ،إذا توارى في جحره،و ضبّ خادع و خدع،إذا أوهم الحارش إقباله عليه،ثمّ خرج من باب آخر.

و أصله:الإخفاء،و منه المخدع:للخزانة، و الأخدعان:لعرقين خفيّين في العنق.فهو ضرب من النّفاق و الغرور و الرّياء في الأفعال الحسنة.و كلّ ذلك بخلاف ما يقتضيه دين اللّه و طريقه،لأنّ الدّين يوجب

ص: 303

الاستقامة و العدول عن الغرور و التّدليس و المكر و الإساءة،كما يوجب الإخلاص أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ الزّمر:3.

و أمّا إنّهم كيف خادعوا اللّه و لا يخفى عنه خافية، و كيف خادعهم اللّه و المؤمنون-كما يقتضيه صيغة المفاعلة-و الخدعة صفة مذمومة؟فالمراد من الأوّل أحد أمور خمسة:

أوّلها:أن يكون ذلك على معتقدهم و ظنّهم أنّ اللّه ممّن يرضى عنهم بصورة الأعمال الصّادرة عنهم سمعة و رياء،مع أنّ القصد منهم بها لم يكن إلاّ أغراض النّفس و الهوى،و محبّة الجاه و الثّروة و متاع الدّنيا؛و ذلك لاغترارهم و جهلهم بأنّ النّاقد بصير،و الطّريق إليه خطير،و البضاعة معيبة مموّهة،و لا يقبل عند اللّه إلاّ العمل الخالص،و كيف و من كان ادّعاؤه الإيمان باللّه و اليوم الآخر نفاقا،لم يكن قد عرف الحقّ و صفاته،و إنّ له تعلّقا بكلّ معلوم،و له غنى عن كلّ ما سواه.فلم يبعد عن مثله تجويز أن يكون اللّه في زعمه مخدوعا من وجه خفيّ،و ربّما يوجد في النّاس بل في أكثر الأكياس منهم من كان هذا شأنهم مع اللّه،و قد شاهدناهم و صحبناهم كثيرا.

و ثانيها:أن يقال:صورة صنيعهم مع اللّه-حيث يتظاهرون بالإيمان و يستبطنون الكفر-صورة صنيع الخادعين.

و ثالثها:أنّ المراد من يُخادِعُونَ اللّهَ المخادعة مع رسول اللّه،إمّا على حذف المضاف،أو على أنّ معاملة الرّسول معاملة اللّه؛من حيث إنّه خليفته في أرضه، و النّاطق عنه بأوامره و نواهيه مع عباده،و هو مع ذلك خارج عن مقام بشريّته،ذاهب إلى اللّه و ملكوته،واصل بكلّيّته في بحبوحة قربه و مطالعة جماله و جلاله،مستغرق في شهود إلهيّته،كما قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ المائدة:80،و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ الفتح:10،و قال صلّى اللّه عليه و آله:«من رآني فقد رأى الحقّ»و في الحديث القدسيّ:«من بارز وليّا فقد بارزني و من عاداه فقد عاداني».

و رابعها:ما ذكره صاحب«الكشّاف»و هو أن يكون من قبيل قولهم:«أعجبني زيد و كرمه»فيكون المعنى:

يخادعون الّذين آمنوا باللّه،و فائدة هذه الطّريقة،قوّة الاختصاص،و له نظائر ذكرها.

و خامسها:ما في«الكشّاف»أيضا،و هو أن يقال:

عنى به يخدعون إلاّ أنّه أخرج في زنة«المفاعلة»للمبالغة، لأنّ الزّنة في أصلها للمبالغة،و الفعل متى غولب فيه فاعله كان أبلغ و أحكم منه إذا زاوله من غير مقابلة معارض،و يعضده قراءة من قرأ يَخْدَعُونَ، و لأنّه بيان ل يَقُولُ. و يحتمل الاستئناف لذكر ما هو الغرض من دعواهم الإيمان كذبا.

و المراد من الثّاني:هو أنّ صورة صنع اللّه معهم صورة صنع الخادع؛حيث أمر بإجراء أحكام المسلمين عليهم، و هم عنده أخبث الكفّار،و أهل الدّرك الأسفل من النّار، استدراجا لهم و تلطّفا في إغفالهم عمّا أعدّ لأوليائه، و ردعهم و طردهم من جناب قدسه و محلّ كرامته من حيث لا يشعرون،مجازاة لهم بمثل صنيعهم.

و كذا صورة صنع الرّسول و المؤمنين معهم؛من حيث

ص: 304

امتثالهم أمر اللّه في إخفاء حالهم و إجراء حكم الإسلام عليهم،و ربّما كانوا ولاة في البلاد و قضاة في دار الإسلام، يحكمون على أموال المسلمين و فروجهم و دمائهم،و يجب على النّاس الاقتداء بهم في الصّلاة و الامتثال لأمرهم و نهيهم تقيّة و مداراة معهم،كما أخبر عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقوله:«سيكون بعدي أثرة»و قال للأصحاب:«إنّكم ستحرصون على الإمارة و ستكون ندامة يوم القيمة».

و عن أبي ذرّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:كيف أنتم و أئمّة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟قلت:أما و الّذي بعثك بالحقّ أضع سيفي على عاتقي،ثمّ أضرب به حتّى ألقاك.قال:أو لا أدلّك على خير من ذلك؟تصبر حتّى تلقاني.

فصل

الدّاعي لهم على الخديعة مع المؤمنين يحتمل مقاصد

و أغراضا شتّى:

منها:أنّهم دفعوا عن أنفسهم أحكام الكفّار،من قتل نفوسهم و نهب أموالهم و سبي ذراريهم،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه».

و منها:قبولهم عند أهل الإسلام و إجراؤهم مجرى المؤمنين في التّعظيم و الإكرام.

و منها:أنّهم ربّما التمسوا من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المؤمنين إفشاء أسراره و أسرارهم،لينقلوها إلى أعداءهم من الكفّار.

و منها:أنّهم طمعوا الاقتسام من أموال الغنائم،إلى غير ذلك من المقاصد و الأغراض.و ليس لك أن تقول:

لمّا كان اللّه قادرا على أن يوحي إلى نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله جميع ما قصدوه و أضمروه في نفوسهم،ليدفع شرّهم و خداعهم و إفسادهم،فلم لم يفعل ذلك و لم يهتك أسرارهم؟

قلنا:و إنّه أيضا قادر على استئصال إبليس و ذرّيّته أجمعين،و لكنّه أبقاهم و قوّاهم،و أجراهم مجرى الدّم في عروق الآدميّين،لأنّ في ذلك من الحكمة و المصلحة ما لا يعلم غوره إلاّ اللّه،و من اهتدى بنوره،و اطّلع على وحيه من أهل الرّسالة و الولاية.

فصل فيه حكمة مشرقيّة

كيف يخدع الإنسان نفسه

قوله: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ، أي خداع المنافقين لا ينجع إلاّ في أنفسهم،بإهلاكها و تخسيرها و إيراثها الوبال و النّكال،بازدياد الظّلمة و الكفر و النّفاق، و اجتماع أسباب البعد من اللّه و الشّقاء عليها،كما في قوله تعالى: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فاطر:43.

و كذا خداع اللّه المتسبّب عن خداعهم يؤثّر في أنفسهم أبلغ تأثير،و يوبقهم أشدّ إيباق،لقوله تعالى:

وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ آل عمران:

54،و هم من غاية تعمّقهم في جهلهم ما يحسّون بذلك الأمر المكشوف الظّاهر؛إذ الشّعور علم الشّيء إذا حصل بالحسّ من الشّعار،و مشاعر الإنسان:حواسّه عنى به أنّ لحوق ضرر ذلك بهم كالمحسوس،لكنّهم لتماديهم في الغفلة،كالّذي به خدر لا يحسّ.و المراد من النّفس:ذات الشّيء و حقيقته و لا يختصّ بالأجسام،لقوله تعالى تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ و قد يطلق

ص: 305

على جوهر مفارق عن الأجسام ذاتا و حقيقة،مقارن لها فعلا و تاثيرا.ثمّ قيل للقلب:نفس،لأنّه خليفة النّفس في البدن،كما أنّ الصّدر خليفة الطّبيعة.

و يقال:للدّم:نفس،لأنّ قوام حياتها البدنيّة بالدّم، و للماء:نفس،لفرط حاجتها إليه.قال تعالى: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ الأنبياء:30،و للرّأي في قولهم:

«فلان يؤامر نفسه»،إذا تردّد في الأمر و اتّجه له رأيان و داعيان،كأنّهم أرادوا داعيي النّفس و ناجييها فسمّوهما نفسين،لصدورهما عن النّفس،أو تشبيها لهما بمبشّرين يأمر أحدهما و ينهى الآخر،و ستطّلع على هذا السّرّ.

و قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو: (و ما يخادعون) ، و الباقون: يَخْدَعُونَ. و حجّة الأوّلين التّطابق في اللّفظ بين الكلامين.

و حجّة الباقين:أنّ المخادعة إنّما تكون بين اثنين،فلا يكون الإنسان الواحد مخادعا لنفسه.

أقول:و كذلك الخداع لا يكون إلاّ بين اثنين،و الفرق بينهما بأنّ الفعل في الأوّل من الجانبين،و كذا الانفعال، و في الثّاني،الفعل من جانب،و الانفعال من جانب آخر.

فالإنسان الواحد كما لا يخادع مع نفسه،كذلك لا يخدع نفسه أيضا،فما هو الجواب لذاك،فهو الجواب لهذا.

فالأولى أن يراد حقيقة المخادعة،أي و هم في ذلك يخدعون أنفسهم؛حيث يمنّونها الأماني الباطلة، و يحدّثونها بالأكاذيب من الإيعاد بالخير و الوعد بالشّرّ و غير ذلك،و كذلك أنفسهم يعدهم و يمنّيهم و يحدّثهم بالأمانيّ.

و تحقيق ذلك يبتني على معرفة النّفس الإنسانيّة، و هي أنّ للنّفس الإنسانيّة نشآت و مقامات متعدّدة:

كالحسّيّة و الخياليّة و العقليّة،و لها مراحل و منازل متفاوتة،كالدّنيا و البرزخ و الآخرة.و أكثر النّاس ما داموا في الدّنيا فمقام نفوسهم بالفعل عالم الحسّ،و لها بالقوّة نشأة الرّوح و العقل،و ذلك إذا لم يبطل استعدادها لحصول النّشأة الباقية.و أمّا إذا بطل ذلك بمسخ باطنهم و طمسه بالكلّيّة،فليست نفوسهم هي أرواحا و لا عقولا لا بالفعل و لا بالقوّة،و لا لها نشأة إلاّ نشأة الحسّ فقط، كنفوس سائر الحيوانات.

و بعض النّاس ممّن خرجت نفسه من القوّة إلى الفعل في نشآته الثّلاث كالكمّل من العلماء الإلهيّين و الأولياء، فلهم من الأحديّة الحقّة ما حازوا به الأكوان الثّلاثة،و لا يشغلهم شأن عن شأن،و لا يمنعهم موطن عن موطن.

فإذا تقرّر هذا فنقول:النّفس بحسب كلّ مقام و نشأة هي غيرها بحسب مقام آخر و نشأة أخرى،و بواسطة مزاولة أفعال تناسب النّشأة الدّنيويّة،و تكريرها تقوّي الجنبة السّافلة منها و تضعف الجنبة العالية،و بالعكس عند مزاولة أفعال تناسب النّشأة الآخرة و تكريرها.

و عند الرّسوخ في الأفعال الشّهويّة و الغضبيّة و الأعمال البهيميّة و السّبعيّة،يبطل النّشأة العقليّة و الحياة الملكيّة بالكلّيّة؛بحيث لا يرجى إمكان عودها؛و ذلك هو الخسران المبين،لأنّ النّفس خسرت ذاتها الباقية و نشأتها العقليّة و عوّضت عنها بهذه النّشأة الفانية و الحياة الحسّيّة،كما قال: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الأنعام:12،بتضييع رأس مالهم،و هو

ص: 306

الفطرة السّليمة و العقل السّليم.

و من هذا القبيل وقوع المخادعة بين النّفس و ذاتها، لكونها ذات وجهين:وجه إلى الحسّ و الشّهوة و الدّنيا و الشّيطان،و وجه إلى العقل و العدالة و العقبى و الملك، و لكلّ من الوجهين أسباب و مهيّجات و دواعي و أغراض و أشخاص،من جنود الشّيطان و جنود الملك، و المنازعة بين القبيلين،و المطاردة قائمة في عرصة باطن الإنسان و ميدان صدره،و معركة قلبه عند بلوغ الإنسان إلى مرتبة التّمييز و صيرورته مكلّفا،و المملكة الإنسانيّة و هي البنية بما فيها من القوى و المشاعر و الأجزاء مشتركة بين الخصمين،إلى أن ينفتح لأحدهما و يتخلّص عن الآخر.

و أكثر النّاس ممّن انفتحت عرصة باطنه و مملكة ظاهره للهوى و الشّيطان،و بقي لمقابلهما من العقل و الملك اجتياز و اختلاس و عبور فيها على النّدرة إلاّ من عصمه اللّه،و قوى الملكيّة على نفسه الشّيطانيّة.

فإذا ثبت حكم المحاربة بين النّفس و ذاتها باعتبار كونها ذات الوجهين،فكذلك حكم المخادعة بينها و بين ذاتها.كيف و الحرب خدعة فالمحاربة لا تخلو عن المخادعة.

و من هذا الباب حكم الآيات الدّالّة على مغايرة النّفس لذاتها،كقوله: أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ الأنفال:24،و قوله: وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى النّازعات:40،و قوله: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً التّحريم:6،و قوله: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ المائدة:105،و قول موسى: يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ البقرة:54،و قوله: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ التّوبة:

111.

فاعلم ما ذكرنا فإنّه مفتاح من مفاتيح معرفة النّفس الّتي بها يفتح أبواب خزان علم القرآن إن شاء اللّه.

(1:388)

الطّريحيّ: يُخادِعُونَ اللّهَ و هو بمعنى يخدعون اللّه،أي يظهرون غير ما في أنفسهم.و الخداع منهم يقع بالاحتيال و المكر،و من اللّه أن يتمّ عليهم النّعمة في الدّنيا و يستر عنهم ما أعدّ لهم من عذاب الآخرة.فجمع الفعلان لتشابههما من هذه الجهة.[إلى أن ذكر حديثا عن الإمام الصّادق و قد مرّ مثله عن الإمام الباقر عليهما السّلام و أضاف:]

و مثله قوله عليه السّلام:«هيهات لا يخدع اللّه عن جنّته» و ذلك أنّ من أظهر الطّاعة للّه و هو عاص في باطنه لا يدخله اللّه الجنّة و لا يثيبه بذلك،لأنّ الخديعة تجوز على من لا يعلم السّرّ دون من يعلمه.(4:319)

الآلوسيّ: أصل الخدع بفتح الخاء و كسرها؛ الإخفاء و الإيهام،و قيل:بالكسر اسم مصدر،و منه المخدع للخزانة،و الأخدعان:لعرقين خفيّين في موضع المحجمة.و خدع الضّبّ إذا توارى و اختفى.و يستعمل في إظهار ما يوهم السّلامة و إبطال ما يقتضي الإضرار بالغير أو التّخلّص منه،كما قاله الإمام.

و قال السّيّد:هو أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه و تصيبه به.

و في«الكشف»التّحقيق أن الخدع صفة فعليّة قائمة بالنّفس عقيب استحضار مقدّمات في الذّهن،متوصّل بها

ص: 307

توصّلا يستهجن شرعا أو عقلا أو عادة إلى استجرار منفعة من نيل معروف لنفسه،أو إصابة مكروه لغيره مع خفائهما على الموجّه نحوه القصد،بحيث لا يتأتّى ذلك النّيل أو الإصابة بدونه،أو لو تأتّى لزم فوت غرض آخر حسب تصوّره.و عليه يكون الحرب خدعة مجازا،و لا تخفى غرابته.

و المخادعة«مفاعلة»،و المعروف فيها أن يفعل كلّ أحد بالآخر مثل ما يفعله به،فيقتضي هنا أن يصدر من كلّ واحد من اللّه و من المؤمنين و من المنافقين فعل يتعلّق بالآخر و ظاهر هذا مشكل،لأنّ اللّه سبحانه لا يخدع و لا يخدع:

أمّا على التّحقيق فلأنّه غنيّ عن كلّ نيل و إصابة و استجرار منفعة لنفسه،و هو أيضا متعال على التّعمّل و استحضار المقدّمات،و لأنّه جلّ عن أن يحوم حول سرادقات جلاله نقص الانفعال،و خفاء معلوم ما عليه.

و أمّا على ما ذكره السّيّد فلأنّه جلّ شأنه أجلّ من أن تخفى عليه خافية أو يصيبه مكروه،فكيف يمكن للمنافقين أن يخدعوه و يوقعوا في علمه خلاف ما يريدون من المكروه و يصيبونه به،مع أنّهم لكونهم من أهل الكتاب عالمون باستحالة ذلك؟و العاقل لا يقصد ما تحقّق لديه امتناعه.

و أمّا أنّه لا يخدع،فلأنّه و إن جاز عندنا أن يوقع سبحانه في أوهام المنافقين خلاف ما يريده من المكاره ليغترّوا،ثمّ يصيبهم به،لكن يمتنع أن ينسب إليه،لما يوهمه من أنّه إنّما يكون عن عجز عن المكافحة،و إظهار المكتوم،لأنّه المعهود منه في الإطلاق-كما في «الانتصاف»-و لذا زيد في تفسيره مع استشعار خوف أو استحياء من المجاهرة.

و أمّا المؤمنون و إن جاز أن يخدعوا إلاّ أنّه يبعد أن يقصدوا خدع المنافقين،لأنّه غير مستحسن بل مذموم مستهجن،و هي أشبه شيء بالنّفاق،و هم في غنى عنه.

على أنّ الانخداع المتمدّح به هو التّخادع بمعنى إظهار التّأثّر دونه كرما،كما يشير إليه قوله صلّى اللّه عليه و آله:«المؤمن غرّ كريم»لا الانخداع الدّالّ على البله،و لذا قالت عائشة في عمر رضي اللّه تعالى عنهما:«كان أعقل من أن يخدع و أفضل من أن يخدع.

و يجاب عن ذلك بأنّ صورة صنيعهم مع اللّه تعالى حيث يتظاهرون بالإيمان و هم كافرون،و صورة صنيع اللّه تعالى معهم حيث أمر بإجراء أحكام المسلمين عليهم و هم عنده أهل الدّرك الأسفل،و صورة صنيع المؤمنين معهم-حيث امتثلوا أمر اللّه تعالى فيهم،فأجروا ذلك عليهم-تشبه صورة المخادعة.

ففي الكلام إمّا استعارة تبعيّة في يُخادِعُونَ وحده،أو تمثيليّة في الجملة.و حيث إنّ ابتداء الفعل في باب«المفاعلة»من جانب الفاعل صريحا،و كون المفعول آتيا بمثل فعله مدلول عليه من عرض الكلام،حسن إيراد ذلك في معرض الذّمّ،لما أسند إليه الفعل صريحا و كون مقتضى المقام إيراد حالهم خاصّة-كما قاله مولانا مفتي الدّيار الرّوميّة-ممّا لا يخدش هذا الوجه الحسن،أو يجاب-كما قيل-بأنّ المراد مخادعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أوقع الفعل على غير ما يوقع عليه للملابسة بينهما، و هي الخلافة،فهناك مجاز عقليّ في النّسبة الإيقاعيّة.

ص: 308

و هذا ظاهر على رأي من يكتفي بالملابسة بين ما هو له و غير ما هو له.و أمّا على رأي من يعتبر ملابسة الفعل بغير ما هو له-بأن يكون من معمولاته-فلا،على أنّه يبقى من الإشكال أن لا خدع من الرّسول و المؤمنين،و لا مجال لأن يكون الخدع من أحد الجانبين حقيقة و من الآخر مجازا،لاتّحاد اللّفظ.

و كأنّ المجيب إمّا قائل بجواز الجمع بين الحقيقة و المجاز،أو غير قائل بامتناع صدور الخدع من الرّسول و المؤمنين،حتّى يتأتّى لهم ما يريدون من إعلاء الدّين و مصالح المسلمين.

و قرأ ابن مسعود رضى اللّه عنه و أبو حيوة يخدعون و الجواب عمّا يلزم هو الجواب فيما لزم،و قد تأتي«فاعل» بمعنى«فعل»كعافاني اللّه تعالى،و عاقبت اللّصّ.فلا بعد في حمل قراءة الجمهور على ذلك،و يكون إيثار صيغة «المفاعلة»لإفادة المبالغة في الكيفيّة،فإنّ الفعل متى غولب فيه بولغ به،أو في الكمّيّة كما في«الممارسة و المزاولة»فإنّهم كانوا مداومين على الخدع.

و يُخادِعُونَ إمّا بيان ل يَقُولُ لا على وجه العطف؛إذ لا يجري عطف البيان في الجمل عند النّحاة، و إن أوهمه كلام أهل المعاني،و إمّا استئناف بيانيّ،كأنّه قيل:لم يدّعون الإيمان كاذبين و ما ذا نفعهم؟فقيل يُخادِعُونَ إلخ،و هذا في المآل كالأوّل،و لعلّ الأوّل أولى.

و جوّز أبو حيّان كون هذه الجملة بدلا من صلة(من) بدل اشتمال،أو حالا من الضّمير المستكنّ في يَقُولُ أي مخادعين،و أبو البقاء أن يكون حالا من الضّمير المستتر في(مؤمنين)و لعلّ النّفي متوجّه للمقارنة، لا لنفس الحال-كما في:ما جاءني زيد،و قد طلع الفجر- وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ الأنفال:33،على أنّه قد تجعل الحال و نحوها في مثل ذلك قيدا للنّفي لا للمنفيّ كما قرّروه في-لم أبالغ-في اختصاره تقريبا،و جعل الجملة صفة ل«المؤمنين»ممنوع لمكان النّفي و القيد،و ليست حال الصّفة كصفة الحال،فلا عجب في تجويز إحداهما و منع الأخرى-كما توهّمه أبو حيّان في«بحره»-نعم التّعجّب من كون الجملة بيانا للتّعجّب،من كونهم من النّاس،كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الغرض من مخادعة هؤلاء لمن خادعوه كالغرض من نفاقهم طبق النّعل بالنّعل،فقد قصدوا تعظيمهم عند المؤمنين،و التّطلّع على أسرارهم ليفشوها، و رفع القتل عنهم،أو ضرب الجزية عليهم،و الفوز بسهم من الغنائم،و نحو ذلك.و ثمرة مخادعة من خادعوه إيّاهم إن كانت حكم إلهيّة و مصالح دينيّة ربما يؤدّي تركها إلى مفاسد لا تحصى،و محاذير لا تستقصى.

و قرأ الحرميّان و أبو عمرو (و ما يخادعون) ،و قرأ باقي السّبعة وَ ما يَخْدَعُونَ، و قرأ الجارود و أبو طالوت (و ما يخدعون) بضمّ الياء مبنيّا للمفعول.و قرأ بعضهم (و ما يخادعون) بفتح الدّال مبنيّا للمفعول أيضا و قرأ قتادة و العجليّ (و ما يخدّعون) من«خدع»مضاعفا مبنيّا للفاعل،و بعضهم بفتح الياء و الخاء و تشديد الدّال المكسورة.و ما عدا القراءتين الأوليين شاذّة،و عليهما نصب أَنْفُسَهُمْ على المفعوليّة الصّرفة،أو مع

ص: 309

الفاعليّة معنى.

و أمّا على قراءة بناء الفعل للمفعول،فهو إمّا على إسقاط الجارّ أي في أنفسهم أو عن أنفسهم أو على التّمييز على رأي الكوفيّين،أو التّشبيه بالمفعول على زعم بعضهم،أو على أنّه مفعول بتضمين الفعل يتنقّصون مثلا.

و لا يشكل على قراءة(يخادعون)أنّه كيف يصحّ حصر الخداع على أنفسهم؛و ذلك يقتضي نفيه عن اللّه تعالى و المؤمنين،و قد أثبت أوّلا؟و إنّ المخادعة إنّما تكون في الظّاهر بين اثنين فكيف يخادع أحد نفسه؟لأنّا نقول:

المراد أنّ دائرة الخداع راجعة إليهم،و ضررها عائد عليهم،فالخداع هنا هو الخداع الأوّل،و الحصر باعتبار أنّ ذرره عائد إلى أنفسهم فتكون العبارة الدّالّة عليه مجازا،أو كناية عن انحصار ضررها فيهم،أو نجعل لفظ الخداع مجازا مرسلا عن ضرره في المرتبة الثّانية.و كونه مجازا باعتبار الأوّل-كما قاله السّعد-غير ظاهر.و قد يقال:إنّهم خدعوا أنفسهم لما غرّوها بذلك،و خدعتهم حيث حدّثتهم بالأمانيّ الخالية،فالمراد بالخداع غير الأوّل.و المخادع و المخادع متغايران بالاعتبار،فالخداع على هذا مجاز عن إيهام الباطل و تصويره بصورة الحقّ.

و حمله على حقيقته بعيد،و كون ذلك من التّجريد- كقوله:

لا خيل عندك تهديها و لا مال

فليسعد النّطق إن لم يسعد الحال

لا يرتضيه الذّوق السّليم،كالقول بأنّ الكلام من باب المبالغة في امتناع خداعهم للّه تعالى و للمؤمنين،لأنّه كما لا يخفى خداع المخادع لنفسه،فيمتنع خداعه لها يمتنع خداع اللّه تعالى لعلمه.و المؤمنون لاطّلاعهم بإعلامه تعالى،أو الكناية عن أنّ مخالفتهم و معاداتهم للّه تعالى و أحبابه معاملة مع أنفسهم،لأنّ اللّه تعالى و المؤمنين ينفعونهم كأنفسهم.

و بعضهم يجعل التّعبير هنا بالمخادعة للمشاكلة،مع كون كلّ من المشاكل و المشاكل مجازا،و كلّ يعمل على شاكلته.(1:145)

رشيد رضا :الخدع أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه من المكروه له،لتنزّله عمّا هو بصدده،من قولهم:

خدع الضّبّ،إذا توارى في جحره،و ضبّ خادع،إذا أوهم الصّائد إقباله عليه،ثمّ خرج من باب آخر.

و أصله:الإخفاء.هذا ما حرّره البيضاويّ،و قد جعله الرّاغب أعمّ،فلم يعتبر فيما يخفيه الخادع أن يكون مكروها.

و هذا المعنى لا يمتنع إسناده إلى اللّه تعالى و إلى المؤمنين،و هو ما تدلّ عليه صيغة المشاركة يُخادِعُونَ. و قالوا:إنّه محال على اللّه و غير لائق بالمؤمنين بل يستقبح،لأنّه عمل المنافقين،و قد جاء في سورة النّساء:142 إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ. و لمّا كان إخفاء شيء عن اللّه تعالى محالا فسّروا مخادعتهم للّه هنا و هناك بأنّه خداع في الصّورة لا في الحقيقة؛و ذلك أنّه شرّع أن يعاملوا معاملة المؤمنين، و لكنّهم لا يجزون جزاءهم في الآخرة،بل يكونون في الدّرك الأسفل من النّار.فمعاملتهم الظّاهرة غير جزائهم المغيّب عنهم في الآخرة،كما أنّ عملهم الظّاهر غير

ص: 310

كفرهم الخفيّ في أنفسهم،فالجزاء من جنس العمل، و لكن عملهم خداع.و مقابله حقّ صورته صورة الخداع، و لكنّه لا غشّ فيه،لأنّ النّصوص صريحة في كفر المنافقين.

و التّحقيق:أنّ فعل المشاركة هنا خاصّ بالفاعل المسند إليه فعله-و هم المنافقون-و صيغة«فاعل» لا تطّرد فيها المشاركة بالفعل ك«عاقبت اللّصّ»و قد تكون مقدّرة،أو باعتبار الشّأن أو القصد.و من التّكلّف قول بعضهم:إنّه عبّر عن مخادعتهم للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بمخادعة اللّه تعالى.

و قال شيخنا:«العمل الظّاهر الّذي لا يصدّقه الباطن إذا قصد به إرضاء آخر يسمّى في اللّغة مداجاة و مداراة و مخادعة،فإن كان يقصد به المخادعة فظاهر،و إلاّ فيكفي لصحّة الإطلاق أنّ العمل عمل المخادع،لا عمل الطّائع الخاضع».و هذا مراد القرآن من مخادعة هؤلاء الّذين هم من أهل الكتاب المؤمنين باللّه إيمانا ناقصا،لم يقدّروا اللّه فيه حقّ قدره،و يستحيل أن يقصد المؤمن باللّه تعالى مخادعته،و لكنّهم لجهلهم باللّه ظنّوا به ما سوّغ وصفهم بما ذكر عنهم.

قال تعالى: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ أقول:و قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو(و ما يخادعون الاّ انفسهم) و هو دليل على ما قلنا آنفا في صيغة«فاعل»و المشاركة هنا للإشارة إلى أنّهم هم الخادعون المخدوعون،و قراءة الجمهور يَخْدَعُونَ نصّ في أنّ مخادعتهم للّه و للمؤمنين لا تأثير لها فيهما،فهي بالنّسبة إليهما صوريّة، و في الحقيقة أنّ القوم يخدعون أنفسهم،لأنّ ضرر عملهم خاصّ بهم،و عاقبته وبال عليهم وحدهم.و قال الأستاذ في الدّرس فيها ما مثاله:

إذا رجع الإنسان إلى نفسه؛و أصغى لمناجاة سرّه، يجد عند ما يهمّ بعمل شيء أنّ في قلبه طريقين،و في نفسه خصمين مختصمين:أحدهما يأمره بالعمل و سلوك الطّريق الأعوج،و آخر ينهاه عن العوج،و يأمره بالاستقامة على المنهج،و لا يترجّح عنده باعث الشّرّ، و لا يجيب داعي السّوء،إلاّ إذا خدع نفسه بعد المشاورة و المذاكرة المطويّة فيها،و صرفها عن الحقّ،و زيّن لها الباطل.و هذه الشّئون النّفسيّة في غاية الخفاء،تكون المنازعة ثمّ المخادعة ثمّ التّرجيح،و يمرّ ذلك كلّه كلمح البصر،و ربّما لا يلتفت إليه الإنسان بفكره.و لذلك قال وَ ما يَشْعُرُونَ فإنّ الشّعور هو إدراك ما خفي.[ثمّ ذكر قول الرّاغب في معنى ما يَشْعُرُونَ و قال:]

فمعنى نفي الشّعور عن المنافقين في مخادعتهم للّه تعالى أنّهم يجرون في كذبهم و تلبيسهم و ريائهم على ما ألفوا و تعوّدوا،فلا يحاسبون أنفسهم عليه،و لا يراقبون اللّه فيه،و ما كلّهم يؤمنون بوجود اللّه و إحاطة علمه.و من يؤمن بوجوده لم يتربّ على خشيته و مراقبته،و لا يفكّر فيما يرضيه و فيما يغضبه،فهو يعمل عمل المخادع له و ما يشعر بذلك.

و أمّا مخادعتهم للمؤمنين فظاهرة،لأنّهم اتّخذوهم أعداء و هم عاجزون عن إظهار عداوتهم،فأعمالهم الّتي يقصدون بها إرضاء المؤمنين كلّها خداع و رياء،و قد فصّل شيخنا سرّ مخادعتهم و فلسفتها ببيان علميّ جليّ، فقال ما معناه:

ص: 311

هؤلاء المغرورون إذا عرض زاجر الدّين بينهم و بين شهواتهم،قام لهم من أنفسهم ما يسهّل لهم أمره من أمل في الغفران،أو تأويل إلى غير المراد،أو تحريف إلى ما يخالف القصد من الخطاب؛و ذلك بما رسخ في نفوسهم من ملكات السّوء،المغشّاة بصور من العقائد الملوّنة بما قد يتجلّى للأعين فيما يسمّونه إيمانا.و ما هم في الحقيقة بمؤمنين،و إنّما هم خادعون مخدوعون،و لكنّهم لمّا عمي عليهم من أمر أنفسهم،لا يشعرون،لأنّ ذلك يمرّ في أنفسهم،و هم عنه غافلون.

و فرق ظاهر بين ما تستحضره النّفس من المعلومات و تستعرضه عند ما تسأل عنه،و ما هو راسخ فيها من تلك المعلومات،بصيرورته ملكة في النّفس متصرّفة في الإرادة،باعثة لها على العمل.فمن العلوم ما هو ثابت في النّفس ممتزج بها على النّحو الّذي ذكرنا فيتبع امتزاجه هذا تمكّن ملكات أخر تصدر عنها الأعمال.و هي ما يعبّر عنه بالأخلاق و الصّفات،كالكرم و الشّجاعة و نحوهما،فإنّها إنّما تنطبع في النّفس تبعا للعلم الّذي يلائمها،و هو العلم الحقيقيّ الّذي تصدر عنه الأعمال،و ربّما يغفل الإنسان عنه و لا يلاحظه عند ما يعمل.و فرق بين ملاحظة العلم و استحضاره و بين وجوده و تحقّقه في نفسه.

و من العلوم ما يلاحظ الإنسان أنّه عنده،فهو صورة عند النّفس تستحضره عند المناسبة،و يغيب عنها عند عدمها،لأنّه لم يشربه القلب و لم يمتزج بالنّفس،فيصير صفة من صفاتها الرّاسخة الّتي لا تزايلها.و هذا النّوع من العلم يتعلّق بما تعلّق به النّوع الأوّل،كعلم الحلال و الحرام الّذي يحصله طلبة الفقه الإسلاميّ مثلا،و كعلم مزايا الفضيلة،و رزايا الرّذيلة الّذي يخزنه طلاّب علوم الآداب و الأخلاق،و النّظّار في كتب الأواخر و الأوائل، لتغزير مادّة العلم و توسيع مجال القول،و توفير القدرة على حسن المنطق،و نحو ذلك.

فهذا العلم كالأداة المنفصلة عن العامل،يبقى في خزانة الخيال،تستحضره النّفس عند ما تدفعها الشّهوة إلى تزيين ظاهر المقال لا إلى تحسين باطن الحال،و لن يكون لهذا الضّرب من العلم أدنى أثر في عمل من أعمال صاحبه.و تسميته علما،لأنّه يدخل في تعريفه العامّ «صورة من الشّيء حاضرة عند النّفس»و عند التّدقيق لا ترتفع به منزلته إلى أن يندرج في معنى العلم الحقيقيّ.

فاستحضار هذا العلم كاستحضار الكتاب و اللّوح، و إدراك ما فيه،ثمّ الذّهول عنه و نسيانه عند الاشتغال بشيء آخر.

فهؤلاء-الّذين يخدعون أنفسهم و يخادعون اللّه تعالى-عندهم علم حقيقيّ تنبعث عنه أعمالهم،و إن كان باطلا في نفسه،و هو تصديقهم بما في شهواتهم من المصلحة لذواتهم،و هو الّذي رجّح عندهم اختيار ما فيه قضاؤها و الانصباب إلى ما تدعو إليه،و هو ما أنساهم ما كانوا خزنوا في أنفسهم من صور الاعتقادات الدّينيّة، فأبعدهم ذلك عن الاعتقاد الحقيقيّ الّذي يعتدّ به،و جعله رسما مخزونا في الخيال،لا أثر له في الأفعال،يدعونه بألسنتهم،و تكذّبهم في دعواهم أعمالهم و أحوالهم، و لذلك نسبهم إلى الدّعوى القوليّة،و لم يقل فيهم ما قال في ذلك الفريق الأوّل اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ

ص: 312

اَلصَّلاةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ البقرة:3،فإنّ هناك ذكر إيمانهم وقفا عليه بذكر العمل الّذي يشهد له.

و من هنا يعلم ما الايمان الّذي يعتدّ به القرآن،و هو يظهر لمن يقرأ القرآن ليحاسب به نفسه،و يزن إيمانه و أعماله بما حكم به على إيمان من قبله و أعمالهم،لا لمن يقرؤه على أنّه قصّة تاريخيّة مات من يحكي عنها، و استثنى القارئ نفسه ممّن حكم عليهم فيها.

فإن كان مات من كانوا سبب النّزول،فالقرآن حيّ لا يموت،ينطبق حكمه و يحكم سلطانه على النّاس في كلّ زمان.فكلّ مؤمن باللّه و اليوم الآخر و مع ذلك يصدر في عمله عن شهواته،و لا يمنعه إيمانه عن ركوب خطيئاته، فاعتقاده إنّما هو خيال،لا يعلو عن لفظ في مقال،و دعوى عند جدال،فإذا ركن إلى هذا المعتقد فهو خادع لنفسه، مخادع لربّه،يظنّ أنّ علاّم الغيوب،لا ينظر إلى ما في القلوب.(1:149)

المراغيّ: الخدع:أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه لتحول بينه و بين ما يريد،و أصله من قولهم:«خدع الضّبّ»إذا توارى في جحره،و«ضبّ خادع»،إذا أوهم حارشه الإقبال عليه ثمّ خرج من باب آخر.

و الخدع هنا من جانب المنافقين للّه و للمؤمنين، و التّعبير بصيغة المخادعة للدّلالة على المبالغة في حصول الفعل،-و هو الخدع-أو للدّلالة على حصوله مرّة بعد أخرى،كما يقال:«مارست الشّيء و زاولته»إذ هم كانوا مداومين على الخدع؛إذ أعمالهم الظّاهرة لا تصدّقها بواطنهم،و هذا لا يكون إلاّ من مخادع،لا من تائب خاشع.

و خداعهم للمؤمنين بإظهار الإيمان و إخفاء الكفر، للاطّلاع على أسرارهم و إذاعتها إلى أعدائهم من المشركين و اليهود،و دفع الأذى عن أنفسهم.

وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ إذ ضرر عملهم لاحق بهم،فهم يغرّون أنفسهم بالأكاذيب،و يلقونها في مهاوي الهلاك و الرّدى.(1:50)

الطّباطبائيّ: [ليس له هنا بحث و قد أرجعه إلى سورة المنافقين،فراجع](1:55)

ابن عاشور :جملة: يُخادِعُونَ بدل اشتمال من جملة: يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ البقرة:8 و ما معها،لأنّ قولهم ذلك يشتمل على المخادعة.و الخداع:مصدر«خادع» الدّالّ على معنى مفاعلة الخدع،و الخدع هو فعل أو قول معه ما يوهم أنّ فاعله يريد بمدلوله نفع غيره،و هو إنّما يريد خلاف ذلك،و يتكلّف ترويجه على غيره ليغيّره عن حالة هو فيها،أو يصرفه عن أمر يوشك أن يفعله، تقول العرب:خدع الضّبّ،إذا أوهم حارشه أنّه يحاول الخروج من الجهة الّتي أدخل فيها الحارش يده حتّى لا يرقبه الحارش،لعلمه أنّه آخذه لا محالة،ثمّ يخرج الضّبّ من النّافقاء.

و الخداع:فعل مذموم إلاّ في الحرب،و الانخداع:

و تمشّي حيلة المخادع على المخدوع،و هو مذموم أيضا، لأنّه من البله.و أمّا إظهار الانخداع مع التّفطّن للحيلة إذا كانت غير مضرّة،فذلك من الكرم و الحلم...

و في حديث:«المؤمن غرّ كريم»أي من صفاته الصّفح و التّغاضي حتّى يظنّ أنّه غرّ،و لذلك عقّبه ب«كريم»لدفع الغرّيّة المؤذنة بالبله،فإنّ الإيمان يزيد

ص: 313

الفطنة،لأنّ أصول اعتقاده مبنيّة على نبذ كلّ ما من شأنه تضليل الرّأي و طمس البصيرة؛أ لا ترى إلى قوله:

«و السّعيد من وعظ بغيره»مع قوله:«لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين»،و كلّها تنادي على أنّ المؤمن لا يليق به البله.

و أمّا معنى«المؤمن غرّ كريم»فهو أنّ المؤمن لمّا زكت نفسه عن ضمائر الشّرّ و خطورها بباله،و حمل أحوال النّاس على مثل حاله،فعرضت له حالة استئمان تشبه الغرّيّة.قال ذو الرّمّة:

تلك الفتاة الّتي علّقتها عرضا

إنّ الحليم و ذا الإسلام يختلب

فاعتذر عن سرعة تعلّقه بها و اختلابها عقله بكرم عقله و صحّة إسلامه،فإنّ كلّ ذلك من أسباب جودة الرّأي و رقّة القلب،فلا عجب أن يكون سريع التّأثّر منها.

و معنى صدور الخداع من جانبهم للمؤمنين ظاهر، و أمّا مخادعتهم اللّه تعالى المقتضية أنّ المنافقين قصدوا التّمويه على اللّه تعالى،مع أنّ ذلك لا يقصده عاقل يعلم أنّ اللّه مطّلع على الضّمائر،و المقتضية أنّ اللّه يعاملهم بخداع،و كذلك صدور الخداع من جانب المؤمنين للمنافقين،كما هو مقتضى صيغة«المفاعلة»مع أنّ ذلك من مذموم الفعل لا يليق بالمؤمنين فعله،فلا يستقيم إسناده إلى اللّه،و لا قصد المنافقين تعلّقه بمعاملتهم للّه،كلّ ذلك يوجب تأويلا في معنى«المفاعلة»الدّالّ عليه صيغة يُخادِعُونَ أو في فاعله المقدّر من الجانب الآخر،و هو المفعول المصرّح به.

فأمّا التّأويل في يُخادِعُونَ فعلى وجوه:

أحدها:أنّ مفعول«خادع»لا يلزم أن يكون مقصودا للمخادع-بالكسر-إذ قد يقصد خداع أحد فيصادف غيره،كما يخادع أحد وكيل أحد في مال،فيقال له:أنت تخادع فلانا و فلانا،تعني الوكيل و موكّله،فهم قصدوا خداع المؤمنين،لأنّهم يكذّبون أن يكون الإسلام من عند اللّه.فلمّا كانت مخادعتهم المؤمنين لأجل الدّين، كان خداعهم راجعا لشارع ذلك الدّين.و أمّا تأويل معنى خداع اللّه تعالى و المؤمنين إيّاهم،فهو إغضاء المؤمنين عن بوادرهم و فلتات ألسنهم و كبوات أفعالهم و هفواتهم الدّالّ جميعها على نفاقهم،حتّى لم يزالوا يعاملونهم معاملة المؤمنين،فإنّ ذلك لما كان من المؤمنين بإذن الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى لقد نهى من استأذنه في أن يقتل عبد اللّه بن أبيّ ابن سلّول،كان ذلك الصّنيع بإذن اللّه،فكان مرجعه إلى اللّه، و نظيره قوله تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ النّساء:142،كما رجع إليه خداعهم للمؤمنين.و هذا تأويل في المخادعة من جانبيها،كلّ بما يلائمه.

الثّاني:ما ذكره صاحب«الكشّاف»أنّ يُخادِعُونَ استعارة تمثيليّة تشبيها للهيئة الحاصلة من معاملتهم للمؤمنين و لدين اللّه،و من معاملة اللّه إيّاهم في الإملاء لهم و الإبقاء عليهم،و معاملة المؤمنين إيّاهم في إجراء أحكام المسلمين عليهم،بهيئة فعل المتخادعين.

الثّالث:أن يكون خادع بمعنى خدع،أي غير مقصود به حصول الفعل من الجانبين،بل قصد المبالغة.قال ابن عطيّة عن الخليل :يقال خادع من واحد،لأنّ في المخادعة

ص: 314

مهلة كما يقال عالجت المريض لمكان المهلة.قال ابن عطيّة:كأنّه يردّ«فاعل»إلى اثنين،و لا بدّ من حيث إنّ فيه مهلة و مدافعة و مماطلة،فكأنّه يقاوم في المعنى الّذي يجيء فيه«فاعل»انتهى.و هذا يرجع إلى جعل صيغة «المفاعلة»مستعارة لمعنى المبالغة،بتشبيه الفعل القويّ بالفعل الحاصل من فاعلين على وجه التّبعيّة.و يؤيّد هذا التّأويل قراءة ابن عامر و من معه: (يخدعون اللّه) .و هذا إنّما يدفع الإشكال عن إسناد صدور الخداع من اللّه و المؤمنين مع تنزيه اللّه و المؤمنين عنه،و لا يدفع إشكال صدور الخداع من المنافقين للّه.

و أمّا التّأويل في فاعل يُخادِعُونَ المقدّر و هو المفعول أيضا،فبأن يجعل المراد أنّهم يخادعون رسول اللّه.

فالإسناد إلى اللّه تعالى إمّا على طريقة المجاز العقليّ لأجل الملابسة بين الرّسول و مرسله،و إمّا مجاز بالحذف للمضاف،فلا يكون مرادهم خداع اللّه حقيقة،و يبقى أن يكون رسول اللّه مخدوعا منهم و مخادعا لهم.و أمّا تجويز مخادعة الرّسول و المؤمنين للمنافقين لأنّها جزاء لهم على خداعهم،فذلك غير لائق.

و قوله: يُخادِعُونَ اللّهَ قرأه نافع و ابن كثير و أبو عمرو و خلف(يخادعون)بألف بعد الخاء،و قرأه ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائيّ و أبو جعفر و يعقوب (يخدعون) بفتح التّحتيّة و سكون الخاء.

و جملة: و ما يخادعون الا انفسهم حال من الضّمير في«يخادعون»الأوّل،أي يخادعون في حال كونهم لا يخادعون إلاّ أنفسهم،أي خداعهم مقصور عن ذواتهم،لا يرجع شيء منه إلى اللّه و الّذين آمنوا،فيتعيّن أنّ الخداع في قوله:(؟و ما يخادعون؟)عين الخداع المتقدّم في قوله: يُخادِعُونَ اللّهَ فيرد إشكال صحّة قصر الخداع على أنفسهم مع إثبات مخادعتهم اللّه تعالى و المؤمنين.

و قد أجاب صاحب«الكشّاف»بما حاصله:أنّ المخادعة الثّانية مستعملة في لازم معنى المخادعة الأولى و هو الضّرّ،فإنّها قد استعملت أوّلا في مطلق المعاملة الشّبيهة بالخداع،و هي معاملة الماكر المستخفّ،فأطلق عليها لفظ المخادعة استعارة،ثمّ أطلقت ثانيا و أريد منها لازم معنى الاستعارة و هو الضّرّ،لأنّ الّذي يعامل بالمكر و الاستخفاف يتصدّى للانتقام من معامله،فقد يجد قدرة من نفسه أو غرة من صاحبه فيضرّه ضرّا،فصار حصول الضّرّ للمعامل أمرا عرفيّا لازما لمعامله،و بذلك صحّ استعمال«يخادع»في هذا المعنى مجازا أو كناية،و هو من بناء المجاز على المجاز،لأنّ المخادعة أطلقت أوّلا استعارة، ثمّ نزّلت منزلة الحقيقة،فاستعملت مجازا في لازم المعنى المستعار له،فالمعنى و ما يضرّون إلاّ أنفسهم،فيجري فيه الوجوه المتعلّقة بإطلاق مادّة الخداع على فعلهم، و يجيء تأويل معنى جعل أنفسهم شقّا ثانيا للمخادعة مع أنّ الأنفس هي عينهم،فيكون الخداع استعارة للمعاملة الشّبيهة بفعل الجانبين المتخادعين،بناء على ما شاع في وجدان النّاس من الإحساس،بأنّ الخواطر الّتي تدعو إلى ارتكاب ما تسوء عواقبه أنّها فعل نفس هي مغايرة للعقل،و هي الّتي تسوّل للإنسان الخير مرّة و الشّرّ أخرى،و هو تخيّل بني على خطابة أخلاقيّة لإحداث العداوة بين المرء و بين خواطره الشّريرة،

ص: 315

بجعلها واردة عليه من جهة غير ذاته بل من النّفس،حتّى يتأهّب لمقارعتها و عصيان أمرها،و لو انتسبت إليه لما رأى من سبيل إلى مدافعتها.

و ذكر ابن عطية أنّ أبا عليّ الفارسيّ أنشد لبعض الأعراب:

لم تدر ما(لا)و لست قائلها

عمرك ما عشت آخر الأبد

و لم تؤامر نفسيك ممتريا

فيها و في أختها و لم تكد

يريد بأختها كلمة«نعم»و هي أخت«لا»و المراد أنّها أخت في اللّسان.و قلت:و منه قول عروة بن أذينة:

و إذا وجدت لها وساوس سلوة

شفع الفؤاد إلى الضمير فسلّها

فكأنّهم لمّا عصوا نفوسهم الّتي تدعوهم للإيمان عند سماع الآيات و النّذر؛إذ لا تخلو النّفس من أوبة إلى الحقّ، جعل معاملتهم لها في الإعراض عن نصحها و إعراضها عنهم في قلّة تجديد النّصح لهم و تركهم في غيّهم، كالمخادعة من هذين الجانبين.

و اعلم أنّ قوله:(و ما يخادعون الاّ انفسهم)أجمعت القراءات العشر على قراءته بضمّ التّحتيّة و فتح الخاء بعدها ألف.و النّفس في لسان العرب:الذّات و القوّة الباطنيّة المعبّر عنها:بالرّوح و خاطر العقل.(1:270)

مكارم الشيرازيّ: [له بحث مستوفى حول النّفاق و المنافقين،إلى أن قال:]

خداع الضّمير:المنافقون،يشكّلون مشكلة كبرى للمسلمين،ذلك لأنّ المسلمين مكلّفون-من جهة- باحتضان كلّ من يظهر الإسلام و بالامتناع عن تفتيش عقائد الأفراد،و مسئولون-من جهة أخرى-عن الحذر من مؤامرات المنافقين و تحرّكاتهم المشبوهة الّتي يستهدفون منها الوقوف بوجه الرّسالة،و إن اتّخذت هذه التّحرّكات صفة إسلاميّة ظاهريّة.

المنافقون يظنّون أنّهم بعملهم هذا يستطيعون أن يخدعوا المسلمين و يمرّروا عليهم مؤامراتهم،بينما هؤلاء يخدعون أنفسهم.

التّعبير القرآنيّ يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا يوضّح مفهوما دقيقا،فكلمة يُخادِعُونَ تعني الخداع المشترك،و تبيّن أنّ هؤلاء المنافقين كانوا يعتقدون- لعمى بصيرتهم-أنّ النّبيّ خدّاع،توسّل بالدّين و النّبوّة، و جمع حوله السّذّج من النّاس،ليكون له حكم و سلطان.

و من هنا راح المنافقون يتوسّلون بخدعة لمقابلة خدعة النّبيّ!فالتّعبير القرآنيّ المذكور يوضّح إذن لجوء المنافقين إلى الخدعة،و يبيّن كذلك نظرة هؤلاء الخاطئة إلى النّبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله.

ثمّ تردّ الآية الكريمة على هؤلاء و تقول: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ، فالفعل(يخدعون) يوضّح أنّ الخداع من جانب المنافقين فقط،و تؤكّد الآية أيضا أنّهم يخدعون أنفسهم دون أن يشعروا،لأنّهم يبدّدون بأفعالهم هذه طاقاتهم العظيمة على طريق الانحراف،و يحرمون أنفسهم من السّعادة الّتي رسم اللّه طريقها لهم،و يغادرون الدّنيا و هم صفر اليدين من كلّ خير،مثقلون بأنواع الذّنوب و الآثام.

لا يمكن لأحد أن يخدع اللّه طبعا،لأنّه سبحانه عالم

ص: 316

بالجهر و ما يخفى،و تعبير يُخادِعُونَ اللّهَ إمّا أن يكون المقصود به يخادعون الرّسول و المؤمنين،لأنّ من يخدع الرّسول و المؤمنين فكأنّه خدع اللّه-في القرآن مواضع كثيرة عظّم فيها اللّه رسوله و المؤمنين؛إذ قرن اسمهم باسمه -و إمّا أن يكون نقص العقل و سوء الفهم قد بلغ بالمنافقين حدّا تصوّروا معه أنّهم قادرون على أن يخفوا على اللّه شيئا من أعمالهم.شبيه ذلك ما ورد في آيات أخرى من كتاب اللّه العزيز.

على أيّ حال،الآية المذكورة تشير بوضوح إلى حقيقة خداع الضّمير و الوجدان،و أنّ الإنسان المنحرف الملوّث كثيرا ما يعمد إلى خداع نفسه و وجدانه، للتّخلّص من تأنيب الضّمير،و يصبح بالتّدريج مقتنعا بأنّ قبائحه ليست عملا انحرافيّا،بل هي أعمال إصلاحيّة (انّما نحن مصلحون)،و بذلك يخدعون أنفسهم، و يستمرّون في غيّهم.

ذكر أنّ أحد القادة الأمريكيّين وجّه إليه سؤال حول سبب إلقاء القنبلة الذّرّيّة على مدينتي«هيروشيما و ناكازاكي»اليابانيّتين ممّا أدّى إلى مقتل مأتي ألف إنسان بريء أو أصابتهم بالعاهات،فقال:نحن فعلنا ذلك من أجل السّلام!و لو لم نفعل ذلك لطالت الحرب أكثر، و لذهب ضحيّتها عدد أكبر من القتلى!!

المنافقون في كلّ عصر و في عصرنا هذا،يتشبّثون بمثل هذه الأقاويل لخداع النّاس و خداع أنفسهم،فهذا الزّعيم الأمريكيّ يضع أمامه طريقين فقط،هما:

استمرار الحرب أو القصف الذّرّيّ للمدن الآمنة،متناسيا طريقا ثالثا و هو الكفّ عن الاعتداء على الشّعوب و على ثرواتهم.و ممّا تقدّم يتّضح أنّ النّفاق وسيلة لخداع الضّمير و شلّ مفعوله،و ما أخطر عمليّة شلّ الضّمير الإنسانيّ،الّذي يعتبر الواعظ الدّاخليّ و الرّقيب اليقظ الأمين،و المندوب الإلهيّ في نفس الإنسان!!(1:92)

فضل اللّه :الخداع:أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه،و أصله:الإخفاء و الإبهام.و يُخادِعُونَ اللّهَ أي:يعملون عمل المخادع الّذي يريد أن يصل إلى أغراضه بطريقة خفيّة،فيما اللّه تعالى لا يصحّ أن يخادعه من يعرفه،و يعلم أنّه لا تخفى عليه خافية.(1:135)

يخدعوك

وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ...

الأنفال:62

ابن عبّاس: بالصّلح.(151)

نحوه أكثر المفسّرين.

الطّبرسيّ: معناه و إن يرد الّذين يطلبون منك الصّلح أن يخدعوك في الصّلح،بأن يقصدوا بالتماس الصّلح دفع أصحابك و الكفّ عن القتال حتّى يقووا، فيبدءوكم بالقتال من غير استعداد منكم.(2:556)

نحوه أبو حيّان.(4:514)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا أمر في الآية المتقدّمة بالصّلح،ذكر في هذه الآية حكما من أحكام الصّلح،و هو أنّهم إن صالحوا على سبيل المخادعة،وجب قبول ذلك الصّلح،لأنّ الحكم يبنى على الظّاهر،لأنّ الصّلح لا يكون أقوى حالا من الإيمان،فلمّا بنينا أمر الإيمان على الظّاهر لا على الباطن،فهاهنا أولى،و لذلك

ص: 317

قال: وَ إِنْ يُرِيدُوا المراد من تقدّم ذكره في قوله:

وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ الأنفال:61.

فإن قيل:أ ليس قال: وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ الأنفال:58،أي أظهر نقض ذلك العهد، و هذا يناقض ما ذكره في هذه الآية؟

قلنا:قوله: وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً محمول على ما إذا تأكّد ذلك الخوف بأمارات قويّة دالّة عليها، و تحمل هذه المخادعة على ما إذا حصل في قلوبهم نوع نفاق و تزوير،إلاّ أنّه لم تظهر أمارات تدلّ على كونهم قاصدين للشّرّ و إثارة الفتنة،بل كان الظّاهر من أحوالهم الثّبات على المسالمة و ترك المنازعة.(15:188)

الطّباطبائيّ: الآية متّصلة بما قبلها،و هي بمنزلة دفع الدّخل؛و ذلك أنّ اللّه سبحانه لمّا أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و آله بالجنوح للسّلم إن جنحوا له و لم يرض بالخديعة-لأنّها من الخيانة في حقوق المعاشرة و المواصلة للعامّة،و اللّه لا يحبّ الخائنين-كان أمره بالجنوح المذكور مظنّة سؤال:

و هو أنّ من الجائز أن يكون جنوحهم للسّلم خديعة منهم،يضلّون بها المؤمنين ليغيروا عليهم في شرائط و أحوال مناسبة؟فأجاب سبحانه بأنّا أمرناك بالتّوكّل، فإن أرادوا بذلك أن يخدعوك فإنّ حسبك اللّه،و قد قال تعالى: وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ... الطّلاق:3.

(9:118)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(5:437)

فضل اللّه : يَخْدَعُوكَ بالأساليب الملتوية و المظاهر الخادعة،ليقوموا بعمليّة تحضير لهجوم مفاجئ، يستغلّون فيه حالة الاسترخاء الّتي يوحي بها السّلم.(10:412)

جلال الحنفيّ: خداع النّاس للنّاس لا يشترط فيه أبدا أن يكون من تفعل الخديعة فيه،فعلها غير واع و لا حذر و لا متثبّت،فلعلّ من يعرض له ذلك يعدّ من أحذق الحذّاق و أذكى الأذكياء و أكثر الحذرين حذرا؛و ذلك أنّ المخادعين حين يعمدون إلى المخادعة فإنّهم يتّخذون لها أدقّ الوسائل،و يحوكون لها أقوى الخيوط.

و القرآن الكريم نبّه الرّسول الأعظم إلى أنّ اللّه عالم بخداع المنافقين.و لقد جاء في النّصّ ما يشبه العهد الإلهيّ إنّ وراء النّبيّ عند خداع المخادعين ربّه يبدّد خداعهم و يفسد عليهم خططهم،و هنالك المؤمنون الّذين يكونون مع النّبيّ فلا يضرّه من خداع المخادعين شيء.إنّ دقّة مكر الماكرين و قوّة حبكهم خدعهم سيكشفها اللّه للنّبيّ.

(شخصيّة الرّسول الأكرم:36)

خادعهم-يخادعون
اشارة

إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ...

النّساء:142

ابن عبّاس: يُخادِعُونَ اللّهَ يكذّبون اللّه في السّرّ و يخالفونه،يظنّون أنّهم يخادعون اللّه وَ هُوَ خادِعُهُمْ يوم القيامة على الصّراط،حين يقول المؤمنون في السّير:

اِرْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً الحديد:13،و قد علموا أنّهم لا يرجعون.(83)

الحسن :يلقى على كلّ مؤمن و منافق نور يمشون به، حتّى إذا انتهوا إلى الصّراط طفئ نور المنافقين،و مضى المؤمنون بنورهم،فينادونهم اُنْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ

ص: 318

نُورِكُمْ إلى قوله: وَ لكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ الحديد:

13،14،فذلك خديعة اللّه إيّاهم.(الطّبريّ 4:333)

السّدّيّ: يعطيهم يوم القيامة نورا يمشون به مع المسلمين،كما كانوا معهم في الدّنيا،ثمّ يسلبهم ذلك النّور فيطفئه،فيقومون في ظلمتهم،و يضرب بينهم بالسّور.(الطّبريّ 4:332)

ابن جريج:[الآية]مثل قوله في البقرة:9 يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا...، و أمّا قوله: وَ هُوَ خادِعُهُمْ، فيقول:في النّور الّذي يعطى المنافقون مع المؤمنين،فيعطون النّور،فإذا بلغوا السّور سلب.و ما ذكر اللّه من قوله: اُنْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ الحديد:

13،قال:قوله: وَ هُوَ خادِعُهُمْ. (الطّبريّ 4:332)

الإمام الرّضا عليه السّلام:إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يخادع، و لكنّه يجازيهم جزاء الخديعة.(البحرانيّ 3:256)

الطّبريّ: إنّ المنافقين يخادعون اللّه،بإحرازهم بنفاقهم دماءهم و أموالهم،و اللّه خادعهم بما حكم فيهم من منع دمائهم بما أظهروا بألسنتهم من الإيمان،مع علمه بباطن ضمائرهم و اعتقادهم الكفر،استدراجا منه لهم في الدّنيا،حتّى يلقوه في الآخرة،فيوردهم بما استبطنوا من الكفر نار جهنّم.(4:332)

الزّجّاج: أي يخادعون النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بإظهارهم له الإيمان و إبطانهم الكفر،فجعل اللّه عزّ و جلّ مخادعة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مخادعة له،كما قال عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ الفتح:10.

و معنى قوله: وَ هُوَ خادِعُهُمْ فيه غير قول:قال بعضهم:مخادعة اللّه إيّاهم جزاؤهم على المخادعة بالعذاب،و كذلك قوله: وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّهُ الأنفال:30.

و قيل:و هو خادعهم بأمره عزّ و جلّ بالقبول منهم ما أظهروا،فاللّه خادعهم بذلك.(2:122)

نحوه فضل اللّه.(7:514)

القمّيّ: الخديعة من اللّه:العذاب.(1:157)

النّحّاس: قال أهل اللّغة:سمّي الثّاني خداعا،لأنّه مجازاة للأوّل،فسمّي خداعا على الازدواج،كما قال جلّ و عزّ: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:40.[ثمّ ذكر قول الحسن و أضاف:]

و هذا القول ليس بخارج من قول أهل اللّغة،لأنّه قد سمّاه خداعا،لأنّه مجازاة لهم.(2:221)

الثّعلبيّ: وَ هُوَ خادِعُهُمْ أي يجازيهم جزاء خداعهم؛و ذلك أنّهم على الصّراط يعطون نورا كما يعطي المؤمنين،فإذا مضوا على الصّراط يسلبهم ذلك النّور و يبقى المؤمنون ينظرون بنورهم،فينادون المؤمنين اُنْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ، فيناديهم الملائكة على الصّراط اِرْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً الحديد:

13،و قد علموا أنّهم لا يستطيعون الرّجوع فيشفق المؤمنون حينئذ من نورهم أن يطفئ،فيقولون: رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَ اغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ التّحريم:8.

(3:404)

نحوه ملخّصا الواحديّ(2:131)،و البغويّ(1:

714).

الماورديّ: [نحو الزّجّاج إلاّ أنّه قال:]

وَ هُوَ خادِعُهُمْ يعني اللّه تعالى،و فيه ثلاثة أوجه:

ص: 319

أحدها:يعني يعاقبهم على خداعهم،فسمّي الجزاء على الفعل باسمه.

و الثّاني:أنّه أمر فيهم بأمر المختدع لهم بما أمر به من قبول إيمانهم،و إن علم ما يبطنون من كفرهم.

و الثّالث:ما يعطيهم في الآخرة من النّور الّذي يمشون به مع المؤمنين،فإذا جاءوا إلى الصّراط طفئ نورهم، فتلك خديعة اللّه إيّاهم.(1:538)

الطّوسيّ: إنّ الخداع من المنافقين:إظهارهم الإيمان الّذي حقنوا به دماءهم و أموالهم،كما حقن المؤمنون على الحقيقة.[ثمّ ذكر بعض الأقوال و قال:]

و معنى الخداع من اللّه يحتمل أمرين:[ثمّ ذكر نحو قول النّحّاس و الطّبريّ](3:365)

نحوه الطّبرسي.(2:129)

القشيريّ: خداع المنافقين:إظهار الوفاق في الطّريقة و استشعار الشّرك في العقيدة.

و خداع الحقّ إيّاهم:ما توهّموه من الخلاص، و حكموا به لأنفسهم من استحقاق الاختصاص،فإذا كشف الغطاء أيقنوا أنّ الّذي ظنّوه شرابا كان سرابا،قال تعالى: وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ الزّمر:47.(2:72)

الميبديّ: [نحو الزّجّاج،و الثّعلبيّ](2:736)

الزّمخشريّ: يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان و إبطان الكفر، وَ هُوَ خادِعُهُمْ و هو فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع؛حيث تركهم معصومي الدّماء و الأموال في الدّنيا،و أعدّ لهم الدّرك الأسفل من النّار في الآخرة،و لم يخلهم في العاجل من فضيحة و إحلال بأس، و نقمة و رعب دائم.و الخادع اسم فاعل،من خادعته فخدعته،إذا غلبته،و كنت أخدع منه.(1:573)

نحوه النّسفيّ(1:258)،و الشّوكانيّ(1:674)، و أبو السّعود(2:210)،و البروسويّ(2:307)، و الآلوسيّ(5:175)،و القاسميّ(5:1618).

ابن عطيّة: مخادعة المنافقين هي لأولياء اللّه تعالى؛ إذ يظنّونهم غير أولياء.ففي الكلام حذف مضاف،و إلزام ذنب اقتضته أفعالهم،و إن كانت نيّاتهم لم تقتضه،لأنّه لا يقصد أحد من البشر مخادعة اللّه تعالى.و قوله: وَ هُوَ خادِعُهُمْ أي منزل الخداع بهم.و هذه عبارة عن عقوبة سمّاها باسم الذّنب،فعقوبتهم في الدّنيا:ذلّهم و خوفهم و غمّ قلوبهم،و في الآخرة:عذاب جهنّم.

و قرأ مسلمة بن عبد اللّه (و هو خادعهم) بإسكان العين؛و ذلك على التّخفيف.(2:127)

العكبريّ: قوله تعالى: وَ هُوَ خادِعُهُمْ حال.

(1:400)

الخازن :يعني يعاملون اللّه و هو يجازيهم على خداعهم. وَ هُوَ خادِعُهُمْ يعني و اللّه مجازيهم بالعقاب.

(1:510)

ابن جزيّ: وَ هُوَ خادِعُهُمْ تسمية للعقوبة باسم الذّنب،لأنّ وبال خداعهم راجع عليهم.(1:161)

أبو حيّان :[ذكر بعض الأقوال إلى أن قال بعد كلام الزّمخشريّ]:...و بعضه مسترقّ من كلام الزّجّاج،قال الزّجّاج:لمّا أمر بقبول ما أظهروا،كان خادعا لهم بذلك.(3:377)

ابن كثير :...لا شكّ أنّ اللّه لا يخادع،فإنّه العالم

ص: 320

بالسّرائر و الضّمائر،و لكنّ المنافقين لجهلهم و قلّة علمهم و عقلهم يعتقدون أنّ أمرهم-كما راج عند النّاس و جرت عليهم أحكام الشّريعة-ظاهر،فكذلك يكون حكمهم عند اللّه يوم القيامة،و أنّ أمرهم يروج عنده،كما أخبر تعالى عنهم أنّهم يوم القيامة يحلفون له أنّهم كانوا على الاستقامة و السّداد،و يعتقدون أنّ ذلك نافع لهم عنده،كما قال تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ المجادلة:18.

و قوله: وَ هُوَ خادِعُهُمْ أي هو الّذي يستدرجهم في طغيانهم و ضلالهم،و يخذلهم عن الحقّ و الوصول إليه في الدّنيا،و كذلك يوم القيامة،كما قال تعالى: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ إلى قوله: وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ الحديد:13-15.(2:417)

الشّربينيّ: يُخادِعُونَ اللّهَ أي بإظهارهم خلاف ما يبطنونه من الكفر،ليدفعوا عنهم أحكامهم الدّنيويّة، وَ هُوَ خادِعُهُمْ أي مجازيهم على خداعهم،فيفضحهم في الدّنيا بإطلاع نبيّه على ما أبطنوه،و يعاقبهم في الآخرة.

(1:340)

رشيد رضا :[نقل بعض كلام اللّغويّين ثمّ قال:]

فسّر مخادعة اللّه عزّ و جلّ بمخادعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أوليائه،و هم الصّحابة(رض)لأنّ المعاملة كانت بين المنافقين و بينهم،و لأنّ المؤمنين باللّه لا يقصدون مخادعته، و المعطّلين لا يؤمنون بوجوده،و المعدوم لا تتوجّه النّفس إلى معاملته.

فإن قيل:إنّ هؤلاء هم الّذين قال اللّه فيهم: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ البقرة:8،و قد عزا إليهم المخادعة هنالك في الآية الّتي بعد هذه الآية،و ذكرت في تفسيرها عن الأستاذ الإمام أنّهم صنف ثالث غير المؤمنين و الكافرين الّذين ذكروا ثمّت في آيات أخرى،و إنّ المراد بهم أنّ إيمانهم باللّه على غير الوجه الصّحيح فلا يعتدّ به،و من كان هذا شأنه لا يبعد أن تصدر عنه مخادعة اللّه تعالى،كما يفعل الّذين يحتالون على منع الزّكاة و أكل الرّبا،بتطبيق حيلهم على أقوال لفقهائهم،و هم يعلمون أنّ هذا مخالف لمراد اللّه تعالى،من إيجاب الزّكاة و منع الرّبا،و هو الرّحمة بالفقراء و المساكين و مواساتهم،و إعانة سائر أصناف المستحقّين للزّكاة على الإيمان و البرّ و الخير،و عدم أكل أموال النّاس بالباطل.أقول:إنّ مثل هذا قد يقع من أهل الإيمان التّقليديّ غير المطابق للحقّ،و لكنّهم لا يقصدون به مخادعة اللّه تعالى قصدا،و إنّما هو جهل و ضلال في معنى المخادعة.

و الوجه المعقول للتّعبير عن مخادعة الرّسول و المؤمنين بمخادعة اللّه عزّ و جلّ،هو أنّهم يخادعونهم فيما يقيمون به دين اللّه و يعملون بما أنزل إليهم منه،لا في المعاملات الشّخصيّة الدّنيويّة كالبيع و الشّراء و المعاشرة،فإنّ المخادعة في مثل هذا قد تكون مباحة أو مكروهة إذا لم يكن فيها غشّ و لا ضرر،و المحرّم منها لضرره لا يصل إلى درجة المخادعة في شئون الإيمان و تبليغ دين اللّه و إقامة كتابه،فيكون من قبيل المخادعة له.و هذا الوجه يتضمّن أيضا تعظيم شأن الرّسول و المؤمنين في التّعبير عن مخادعتهم بمخادعة اللّه تبارك

ص: 321

و تعالى.

و أمّا قوله تعالى: وَ هُوَ خادِعُهُمْ فقد قيل:إنّ معناه يجازيهم على خداعهم و إنّه عبّر عن ذلك بالمخادعة للمشاكلة،كما قال في آية أخرى: وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ آل عمران:54،و إنّما جعلوه من المشاكلة،لأنّ هذا اللّفظ كلفظ المكر قد استعمل في التّعبير عن المعاني المذمومة الّتي تتضمّن الكذب غالبا أو تدلّ على ضعف صاحبها و عجزه،و غلب ذلك فيه،و إلاّ فإنّ الخداع قد يكون في الخير،و لأجل حماية الحقيقة و إقامة الحقّ،و قد أباح الشّرع الخداع في الحرب،لأنّ الحرب في الإسلام لا تكون إلاّ للدّفاع عن الملّة و الأمّة،و لحماية الدّعوة،و في الحديث:«الحرب خدعة».فيجوز أن يعبّر عن سنّة اللّه تعالى في عاقبة أمرهم عاجلها و آجلها،من حيث إنّها تكون على خلاف ما يحبّون و ما يريدون بلفظ مشتقّ من الخديعة،كأنّهم بخداعهم للرّسول و المؤمنين يسيرون في طريق خادع يضلّون فيه مطلبهم و ينتهون إلى الخزي و النّكال،من حيث يطلبون السّلامة و الفلاح،و هذا يلاقي قوله تعالى: يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ البقرة:9.

فخداعهم لأنفسهم بسوء اختيارهم لها هو عين خديعة اللّه تعالى لهم؛إذ كانت سنّته فيمن يعمل عملهم ما أشرنا إليه آنفا،من خزي الدّنيا و عذاب الآخرة.

و لفظ خادِعُهُمْ اسم فاعل من الثّلاثي،و الّذي يسبق إلى ذهني أنّه يدلّ على الغلبة،و هو ما تضمّ عين فعله المضارع أي و هو تعالى يغلبهم في الخديعة بجعل خداعهم عليهم لا لهم.

هذا شأن المنافقين في كلّ ملّة و أمّة،يخادعون و يكذبون،و يكيدون و يغشّون،و يتولّون أعداء أمّتهم، و يتّخذون لهم يدا عندهم،يمنّون بها إليهم إذا دالت الدّولة لهم،و سيأتي في الآية الّتي بعد هذه بيان ذبذبتهم، و لكن لا يخفى على كلّ من الأمّتين حالهم.

و مهما تكن عند امرئ من خليقة

و إن خالها تخفى على النّاس تعلم

فهم يهدمون بناء الثّقة بهم بأيديهم،و كأيّن من منافق كانت خيانته لأمّته و مساعدة أعدائها عليها سببا لهلاكه بأيدي أولئك الأعداء أنفسهم،و قولهم:لو كان في هذا خير لكان قومه أولى بخيره منّا و نحن أعداؤه و أعداؤهم،فإن كان قد خانهم فستكون خيانته لنا أشدّ.

و النّاس يقرءون أخبار هؤلاء الأشرار في كتب التّأريخ و لا يعتبرون،و يكثر هؤلاء المنافقون في طور ضعف الأمّة و قوّة أعدائها،لأنّهم طلاّب المنافع،و لو فيما يضرّ أمّتهم و النّاس أجمعين.و إنّما تلتمس المنافع من الأقوياء و إن اقترن التماسها بالعار،و الذّلّ و الصّغار.(5:468)

المراغيّ: [نحو الزّجّاج و الرّاغب و أضاف:]

وَ هُوَ خادِعُهُمْ أي مجازيهم على خداعهم،و سمّي ذلك مخادعة مشاكلة للّفظ الأوّل،و نظيره: وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ آل عمران:54.

إنّما جعل كذلك،لأنّه قد استعمل في المعاني المذمومة الّتي تتضمّن الكذب،أو تدلّ على ضعف صاحبها و عجزه غالبا...(5:186)

ابن عاشور :تقدّم الكلام على معنى مخادعة المنافقين اللّه تعالى في سورة البقرة:9،عند قوله:

ص: 322

يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا.

و زادت هذه الآية بقوله: وَ هُوَ خادِعُهُمْ أي فقابلهم بمثل صنيعهم،فكما كان فعلهم مع المؤمنين المتّبعين أمر اللّه و رسوله خداعا للّه تعالى،كان إمهال اللّه لهم في الدّنيا حتّى اطمأنّوا و حسبوا أنّ حيلتهم و كيدهم راجا على المسلمين و أنّ اللّه ليس ناصرهم،و إنذاره المؤمنين بكيدهم حتّى لا تنطلي عليهم حيلهم،و تقدير أخذه إيّاهم بأخرة،شبيها بفعل المخادع جزاء وفاقا.

فإطلاق الخداع على استدراج اللّه إيّاهم استعارة تمثيليّة،و حسّنتها المشاكلة،لأنّ المشاكلة لا تعدو أن تكون استعارة لفظ لغير معناه،مع مزيد مناسبة مع لفظ آخر مثل اللّفظ المستعار.فالمشاكلة ترجع إلى التّلميح، أي إذا لم تكن لإطلاق اللّفظ على المعنى المراد علاقة بين معنى اللّفظ و المعنى المراد إلاّ محاكاة اللّفظ،سمّيت مشاكلة...[ثمّ استشهد بشعر](4:287)

الطّباطبائيّ: المخادعة هي الإكثار أو التّشديد في الخدعة بناء على أنّ زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني.

و قوله: وَ هُوَ خادِعُهُمْ في موضع الحال،أي يخادعون اللّه في حال هو يخدعهم،و يؤول المعنى إلى أنّ هؤلاء يريدون بأعمالهم الصّادرة عن النّفاق من إظهار الإيمان،و الاقتراب من المؤمنين،و الحضور في محاضرهم و مشاهدهم أن يخادعوا اللّه،أي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المؤمنين، فيستدرّوا منهم بظاهر إيمانهم و أعمالهم من غير حقيقة، و لا يدرون أنّ هذا الّذي خلّى بينهم و بين هذه الأعمال و لم يمنعهم منها هو اللّه سبحانه،و هو خدعة منه لهم، و مجازاة لهم بسوء نيّاتهم و خباثة أعمالهم،فخدعتهم له بعينها خدعته لهم.(5:116)

عبد الكريم الخطيب :جناية المنافقين على أنفسهم جناية فادحة؛إذ يعيشون بهذا الدّاء،و لا يجدون له في أنفسهم ألما،و لا يحسّون له في ضمائرهم و خزا،و من ثمّ كان داؤهم هذا داء عصيّ الدّواء؛إذ كيف يطلب الدّواء من لا يعرف الدّاء و لا يجد له ألما؟ذلك أخبث داء و أقتل علّة؛حيث يأخذ هذا الدّاء من كيان صاحبه كلّ يوم بضعة،و تغتال هذه العلّة من وجوده جانبا،دون أن يحسّ أو يشعر.حتّى إذا جاء يوم استفاق فيه من سكرته،وجد الدّاء مستوليا عليه،و لا مكان للإنسان فيه.

و هذا ما يشير إليه[فذكر الآية]

إذ هم يحسبون أنّهم بهذه الأثواب التّنكّريّة الّتي يلبسونها في أحوالهم المختلفة قد خدعوا اللّه و خدعوا النّاس،و في الحقيقة أنّهم قد خدعوا أنفسهم،و أضلّوها عن سواء السّبيل،و ركبوا بها هذا المركب الّذي يقذف بهم في قرار الجحيم.

و في المنافقين يقول اللّه سبحانه: يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ البقرة:9،و خداع اللّه سبحانه للمنافقين هو أن يفسد عليهم تدبيرهم،و أن يردّ كيدهم إليهم،و أن يخلّيهم لأنفسهم،و يأخذهم بجريرتهم، وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فاطر:43.(3:941)

المصطفويّ: أي و هم مستمرّون في الخداع في قبال الحقّ تعالى؛و ذلك بإظهار الإيمان و الطّاعة و العبوديّة و العبادة و الامتثال،مع استبطان الكفر

ص: 323

و الخلاف و النّفاق.

و موضوع الخداع بالنّسبة إليهم و في أنفسهم، و كذلك في كلّ مورد،و علم اللّه تعالى و إحاطته و عدم التّأثير فيه،لا ينافي صدق الخداع.

و أمّا قوله تعالى: وَ هُوَ خادِعُهُمْ معناه:أنّه تعالى يختم على قلبه و يحجبه عن مشاهدة آياته،و شواهد ربوبيّته،و مظاهر عظمته،و مجالي جلاله و جماله،و يخفي عنه ما فيه خيره و هدايته و سعادته.

فتحقّق أنّ نتيجة الخداع مع أيّ شخص كان،إنّما ترجع إلى نفس العامل.(3:27)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هؤلاء-لأجل تحقيق أهدافهم الدّنيئة-يتوسّلون بالخدعة و الحيلة،حتّى أنّهم يريدون على حسب ظنّهم أن يخدعوا اللّه تعالى أيضا، و لكنّهم يقعون في نفس الوقت-و من حيث لا يشعرون- في حبال خدعتهم و مكرهم؛إذ هم-لأجل اكتساب ثروات مادّيّة تافهة-يخسرون الثّروات الكبيرة الكامنة في وجودهم،تقول الآية في هذا المجال: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ النّساء:142.

و نستدلّ على التّفسير المذكور بالواو الحاليّة الواردة مع عبارة وَ هُوَ خادِعُهُمْ. (3:445)

فضل اللّه : يُخادِعُونَ يعملون عمل المخادع، فيظهرون الإيمان و يبطنون الكفر،للحصول على ثقة المؤمنين بصدق إيمانهم،و للوصول إلى أهدافهم.يقال:

خدعه خدعا و خديعة،إذا أظهر له خلاف ما يخفيه،أو أراد وقوعه في المكروه من حيث لا يعلم،و إذا أسند الخداع إلى اللّه سبحانه،فهو من باب الجزاء و العقاب، فخدعتهم له تعالى هي بعينها خدعته لهم.[إلى أن قال:]

و هذه صفة ثالثة تحدّد بعض ملامح المنافقين،فهم يحاولون في مظهرهم الإيمانيّ و أسلوبهم في الاندماج بمجتمع المؤمنين،أن يحصلوا على الثّقة بصدق إيمانهم من قبل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين معهم،ظنّا منهم بأنّ حيلتهم تنجح و تنطلي على المجتمع الإيمانيّ،كمن يقوم بعمليّة الخداع في سبيل الوصول إلى هدفه،و لكنّهم لم يلتفتوا إلى أنّهم لا يخادعون المؤمنين،بل حاولوا خداع اللّه،لأنّ المؤمنين لا يمثّلون أنفسهم،بما يثيرونه من قضايا،أو يقفونه من مواقف،أو يواجهونه من مؤامرات و تحدّيات، أو يقيمونه من علاقات؛بل يمثّلون خطّ اللّه،و هو خادعهم،عند ما يتركهم لأوهامهم في نجاح الخطّة، و امتداد الخدعة.

ثمّ يملي لهم في الحياة و ما تحفل به من النّعم و الملذّات، حتّى يظنّوا أنّ اللّه قد رضي عنهم؛و لكن اللّه يواجههم بالموقف الّذي يكشف به كلّ خفاياهم الشّريرة،بعد أن يستسلموا للشّعور بالأمن و الطّمأنينة.جاء في«العيون» بإسناده عن الحسن بن فضّال قال:سألت عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام عن قوله: يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ فقال:اللّه تبارك و تعالى لا يخادع،و لكنّه يجازيهم جزاء الخديعة.

و في تفسير العيّاشيّ عن مسعدة بن زياد عن جعفر ابن محمّد عن أبيه:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سئل فيم النّجاة غدا؟فقال:«النّجاة أن لا تخادعوا اللّه فيخدعكم،فإنّه من يخادع اللّه يخدعه و يخلع منه الإيمان،و نفسه يخدع لو يشعر».

ص: 324

فقيل:فكيف يخادع اللّه؟قال:«يعمل بما أمر اللّه ثمّ يريد به غيره،فاتّقوا الرّئاء،فإنّه شرك باللّه،إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء:يا كافر،يا فاجر،يا غادر، يا خاسر،حبط عملك،و بطل أجرك،و لا خلاق لك اليوم،فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له».(7:514)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخدع،أي إخفاء الشّيء، يقال:خدعت الشّيء و أخدعته،أي كتمته و أخفيته، و ماء خادع:لا يهتدى له،و طريق خدوع:تبين مرّة و تخفى أخرى،و طريق خيدع و خادع:جائر مخالف للقصد لا يفطن له.و المخدع:الخزانة،و ما تحت الجائز الّذي يوضع على العرش،و هو المخدع و المخدع أيضا.

و الأخدع:عرق في موضع المحجمتين،لأنّه قد خفي و بطن،و هما أخدعان؛و الجمع:أخادع.و رجل مخدوع:قطع أخدعه.يقال:خدعه يخدعه خدعا،أي قطع أخدعاه،و هو مخدوع،و رجل شديد الأخدع:شديد موضع الأخدع.و يقال مجازا:فلان شديد الأخدع،أي ممتنع أبيّ،و ليّن الأخدع:بخلاف ذلك.و خدع ثوبه خدعا و خدعا:ثناه،كأنّه ستره و أخفاه.

و الخدع:إظهار خلاف ما تخفيه.يقال:خدعه يخدعه خدعا و خدعا و خديعة و خدعة،أي أراد به المكروه، و ختله من حيث لا يعلم،و خدعته:ظفرت به،و خادعه مخادعة و خداعا،و خدّعه و اختدعه:خدعه،و تخادع القوم:خدع بعضهم بعضا،و تخادع و انخدع:أرى أنّه قد خدع،و خدعته فانخدع،و رجل خدّاع و خدوع و خدعة:خبّ.

و الخدعة:ما تخدع به،و رجل خدعة:يخدع كثيرا، و خدعة:يخدع النّاس كثيرا،و خدّاع و خدع و خيدع و خدوع:كثير الخداع،و كذلك المرأة؛بغير هاء.

و رجل مخدّع:خدع في الحرب مرّة بعد مرّة حتى حذق و صار مجرّبا،و قد خدع،و إنّه لذو خدعة و ذو خدعات:ذو تجريب للأمور.

و منه:خدع الثّعلب:أخذ في الرّوغان،و ضبّ خدع:

مراوغ،و في المثل:«أخدع من ضبّ حرشته»،و إنّه لضبّ كلدة؛لا يدرك حفرا،و لا يؤخذ مذنّبا،يضرب للرّجل الدّاهية لا يدرك ما عنده.

و الخدع:التّلوّن.يقال:خدع الرّجل خدعا،أي تخلّق بغير خلقه،و خلق خادع:متلوّن،و فلان خادع الرّأي:متلوّن لا يثبت على رأي واحد،و خدع الدّهر:

تلوّن،و سوقهم خادعة:مختلفة متلوّنة.

و الخيدع:الّذي لا يوثق بمودّته،و السّراب،لأنّه يتراءى للرّأي كالماء في المفاوز،و الغول أيضا،لأنّه-كما يقولون-يتلوّن للنّاس بصور شتّى.

و الخدع:النّقصان و الفساد،و منه قولهم:دينار خادع،أي ناقص.قال ابن فارس:«فكأنّه أرى التمام و أخفى النّقصان حتّى أظهره الوزن»،و الخادع:الفاسد من الطّعام و غيره،و خدع الرّيق خدعا:نقص و فسد.

و الخدع:القلّة.يقال:خدع الزّمان خدعا،أي قلّ مطره،و السّنون الخوادع:القليلة الخير الفواسد،و خدع الرّجل،قلّ ماله.و خدع خيره:قلّ،و خدعت السّوق خدعا و انخدعت:كسدت،و خادعته:كاسدته.

ص: 325

و الخدع:المنع،و أصله:حبس الماشية و الدّوابّ على غير مرعى و لا علف،و خدع الرّجل:أعطى ثمّ أمسك.

يقال:كان فلان يعطي ثمّ خدع،أي أمسك و منع، و الخدوع من النّوق الّتي تدرّ مرّة و ترفع لبنها مرّة.

و خدعت العين خدعا:لم تنم.يقال:ما خدعت بعينه نعسة تخدع،أي ما مرّت بها،و خدعت عين الرّجل:

غارت.

2-و الخداع و الحيلة واحد،إلاّ أنّ الأوّل يطلب بالخفاء و المخاتلة،و الثّاني يطلب بالحذق و جودة النّظر، كما مرّ في(ح و ل)،و لذا يقال:حاول الأمر،أي طلبه بالحيل،و خدع الأمر،أي كتمه و أخفاه.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا«المضارع»مرّتين،و اسم الفاعل مرّة،و من«المفاعلة»المضارع مرّتين في 3 آيات:

1- وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ الأنفال:62

2- يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ البقرة:9

3- إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ...

النّساء:142

يلاحظ أوّلا:أنّ«الخدع»جاء من المجرّد فعلا،و اسم فاعل 3 مرّات،و من«المفاعلة»فعلا مرّتين،و كلّها من جانب المنافقين سوى اثنتين:إحداهما من الكفّار(1) وَ إِنْ يُرِيدُوا -أي المشركون - أَنْ يَخْدَعُوكَ، و الأخرى من اللّه(3) وَ هُوَ -أي الله - خادِعُهُمْ، هذا في جانب الفاعل،و أمّا المفعول-أي المخدوع-فهو في(1) النّبيّ عليه السّلام. أَنْ يَخْدَعُوكَ أي بزعمهم،و في(2)اللّه و المؤمنون مرّة يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا، و المنافقون أنفسهم مرّة أخرى وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ، و في(3)اللّه: يُخادِعُونَ اللّهَ. هذا هو الفارق بين الآيات الثّلاثة في ناحية الفاعل و المفعول.

و أمّا الفارق بين المجرّد و المفاعلة:«خدع و خادع»، ففيه تفصيل في الآيات:

أ-أمّا(1) وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ... -و هي كما سبق و يشهد سياقها في سورة الأنفال،فقد جاءت بشأن مشركي مكّة،لأنّها نزلت بعد غزوة«بدر».بدء بشأن الغنائم الّتي غنموها في تلك الغزوة.ثمّ سائر ما وقع فيها من الأحداث-و فيها بحوث:

1-الآية متّصلة بما قبلها: وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها... فربّما أرادوا به خداعك لتظنّ أنّهم رجعوا عن عدوانهم عليك،فتعاملهم معاملة الصّلح:أي إنّ المشركين لو جنحوا للصّلح،فاجنح أنت أيضا للصّلح، و توكّل أمرك إلى اللّه،ليحفظك من خداعهم.فالمراد بخداعهم للنّبيّ عليه السّلام ظهورهم بمظهر المصالح و هم لا يزالون أعداء له،و بقبوله الصّلح قبوله ظاهرا-كما قال الفخر الرّازيّ-:«لأنّ الحكم يبنى على الظّاهر،لأنّ الصّلح لا يكون أقوى من الإيمان،فلمّا بنينا أمر الإيمان على الظّاهر لا على الباطن فهاهنا أولى».

و يظهر من بعضهم مثل فضل اللّه أنّ الآية نزلت بشأن المنافقين،و هو سهو كما يشهد به السّياق،إلاّ أن يريد ب«المنافقين»الأعمّ حتّى يشمل الكفّار،و هو

ص: 326

خلاف المصطلح.

2-و للفخر الرّازيّ فيها سؤال،و هو أنّها تناقض الآية:58،قبلها: وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ ؟

و أجاب بأنّها محمولة على ما إذا تأكّد ذلك الخوف بأمارات قويّة دالّة عليها.

و تحمّل الخداع في هذه الآية على ما إذا حصل في قلوبهم نفاق و تزوير،و لم تقم أمارات على ذلك،بل كان الظّاهر من حالهم الثّبات على المسالمة و ترك المنازعة.

و يشهد على ما ذكره من شدّة ذلك في تلك الآية وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ...، و على عدم شدّته في هذه هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ... الأنفال:60 و 62.

3-جاء فيها(يخدعوك)دون«يخادعوك»و لم تقرأ به أيضا(و يخدعوك)يناسب ضعف احتمال الخداع من ناحيتهم و عدم تأكّده،بخلاف ما جاء فيها(يخادع) فإنّ الخدعة فيها-كما يأتي-شديدة.

ب-و أمّا الآية(2)فجاءت بشأن المنافقين كما تشهد به الآيات من سورة البقرة،ابتداء من(8): وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، و انتهاء إلى(20): يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ...، و هي من أوائل الآيات في القرآن بشأن المنافقين،و آكدها في تمثيلهم و تجسيمهم بمظهر النّفاق طيّ أمثال.لاحظ«ن ف ق»:المنافقين.

و قد جاءت فيها المخادعة و الخدعة كلاهما:

يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا، و ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ، فقد خادعوا اللّه و المؤمنين،و خدعوا أنفسهم، و فيها بحوث أيضا:

1-قالوا:إنّهم كانوا يخادعون المؤمنين،فكأنّهم خادعوا اللّه،كما قال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ النّساء:80،و إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ الفتح:10.

2-و للطّبريّ فيها سؤال كيف يكون المنافق مخادعا بما أظهره خلاف معتقده إلاّ تقيّة؟

و أجاب بأنّ العرب تسمّي من أعطى بلسانه غير الّذي هو في ضميره تقيّة مخادعا،فكذلك المنافق سمّي مخادعا للّه و للمؤمنين بإظهاره ما أظهره تقيّة.

3-و لهم في معنى المخادعة و الخداع هنا آراء:

فقال بعضهم: يُخادِعُونَ هنا في معنى(يخدعون)، و هذا كالاستثناء من معنى«يفاعل»،و مثله: قاتَلَهُمُ اللّهُ التّوبة:31،فإنّ معناها:قتلهم اللّه.و مثله«عاقبت اللّصّ»،و«طارقت النّعل»،و«عافاه اللّه»؛إذ ليس الخداع هنا بين اثنين.و أيّده بعضهم بأنّه قال في(1) بشأن النّبيّ عليه السّلام: وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ.

و قد ردّه الطّبريّ بأنّ الخداع هنا بين اثنين أيضا:

فالمنافق يخادع اللّه بكذبه بلسانه،و اللّه يخادعه بخذلانه عن حسن البصيرة،كما قال: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً... آل عمران:178،و قال: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ... الحديد:13،و هذا لا يعدّ ردّا لما قبله من السّؤال بل فيه تكلّف.

ص: 327

و قد حكى النّحّاس:أنّ أهل اللّغة فرّقوا بين «خادع»،و«خدع»بأنّ«خادع»أي قصد الخدع،و إن لم يكن خدع،و«خدع»أي بلغ مراده و وقع الخدع،فجاء في الأولى(يخادعون)،لأنّه غير واقع على اللّه و على المؤمنين،و في الثّانية يَخْدَعُونَ لأنّه واقع على أنفسهم.و هذا أحسن ممّا قاله الطّبريّ لو ثبت.

و قال بعضهم:يجوز في الثّانية أيضا(يخادعون)أي بتلك المخادعة بعينها-و قد قرئت بها-فقد لوحظ فيها التّشاكل لفظا،و إنّ رعاية التّشاكل في اللّفظ مع صحّة المعنى أولى.

و قال الفارسيّ: «و لمن قرأ: (يخادعون انفسهم) وجه آخر،و هو أن ينزل ما يخطر بباله،و يهجس في نفسه من الخدع منزلة آخر يجازيه ذلك و يفاوضه إيّاه على هذا»،و هذا أيضا لا يخلو عن تكلّف.

و احتجّ أبو عمرو-و كذا الأصمعيّ-على هذه القراءة بأنّ الرّجل يخادع نفسه،و لا يخدعها-و استشهد بالقرآن و بالشّعر،فلاحظ-و قال:«أثبت لهم مخادعتهم اللّه،و المؤمنين ثمّ يخبر عنهم عقيب ذلك بأنّهم لا يخادعونه،و لا يخادعون إلاّ أنفسهم،فيكون قد نفى عنهم في آخر الكلام ما أثبته لهم في أوّله،و لكنّه أخبر أنّ المخادعة من فعلهم،ثمّ إنّ الخدع إنّما يحيق بهم خاصّة دونه».

و قال عبد الجبّار في جواب«كيف جاز أن يخادعوا اللّه؟»:

«إنّ فعلهم لمّا كان فعل المخادع قال اللّه ذلك،و إن لم يكن خداعا للّه في الحقيقة،و لذلك قال بعده: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ، لأنّ الّذي فعلوه عاد بأعظم الضّرر عليهم،من حيث ينالهم ذلك بغتة،و هم لا يشعرون».

و قال الشّريف الرّضيّ: ربّما حمل قوله:

يُخادِعُونَ... على أنّه مستعار في بعض الأقوال،و هو أن يكون المعنى أنّهم يمنّون أنفسهم ألاّ يعاقبوا،و قد علموا أنّهم مستحقّون العقاب،فقد أقاموا أنفسهم بذلك مقام المخادعين،و لذلك قال: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ.

و قال الثّعلبيّ في نصّ طويل:«أصل الخداع في اللّغة:

الفساد،أي ليفسدوا بما أضمروا بأنفسهم،و بما أضمروا في قلوبهم،أو يخادعون اللّه بزعمهم و في ظنّهم،يعني أنّهم اجترءوا على اللّه حتّى أنّهم ظنّوا أنّهم يخادعون.و هذا كقوله: وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً طه:

97،يعني بظنّك و على زعمك،و قيل:يفعلون ما هو خداع فيما بينهم.أو يخادعون رسوله،كقوله: فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ الزّخرف:55،أي أسخطونا.

و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ الأحزاب:57،أي أولياء اللّه.[و استشهد بالحديث:«من آذى وليّا من أوليائي فقد بارزني بالمحاربة»،ثمّ قال:]

و قيل:إنّ ذكر(اللّه)سبحانه في: يُخادِعُونَ اللّهَ، تحسين و تزيين لسامع الكلام،و المقصود المخادعة للّذين آمنوا،كقوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ... الأنفال:41-إلى أن قال- وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ، لأنّ وبال خداعهم راجع إليهم،كأنّهم في الحقيقة يخدعون أنفسهم-إلى أن قال-و قال أهل

ص: 328

الإشارة:«إنّما يخادع من لا يعرف البواطن،فأمّا من عرف البواطن فإنّ من خادعه فإنّما يخدع نفسه».

و قال الماورديّ: «...و جعل اللّه خداعهم لرسوله خداعا له-أي للّه-لأنّه دعاهم برسالته: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ، في رجوع وباله عليهم.

و للقشيريّ كلام في عود وباله عليهم؛حيث قال:

«فما استهانوا إلاّ بأقدارهم،و ما استخفّوا إلاّ بأنفسهم، و ما ذاق وبال فعلهم سواهم،و ما قطعوا إلاّ وتينهم.و من كان عالما بحقائق المعلومات،فمن رام خداعه إنّما يخدع نفسه.

و الإشارة فيها أنّ من تناسى لطفه السّابق،و قال:

لي،و بي،و منّي،و أنا،يقع في وهمه و ظنّه:لك،و بك، و منك،و أنت و هذا التّوهّم أصعب العقوبات،لأنّه يرى سرابا فيظنّه شرابا: حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللّهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُ حِسابَهُ النّور:39».

و قال الرّاغب في يُخادِعُونَ اللّهَ...: «نسب ذلك إلى اللّه من حيث إنّ معاملة الرّسول كمعاملة اللّه...و جعل ذلك خداعا تفظيعا لفعلهم،و تنبيها على عظم الرّسول، و عظم أوليائه.

و قول أهل اللّغة:إنّ هذا على حذف المضاف و إقامة المضاف إليه مقامه،فيجب أن يعلم أنّ المقصود بمثله في الحذف لا يحصل لو أتي بالمضاف المحذوف،لما ذكرنا من التّنبيه على أمرين:

أحدهما:فظاعة فعلهم فيما تحرّوه من الخدعة،و أنّهم بمخادعتهم إيّاه يخادعون اللّه.

و الثّاني:التّنبيه على عظم المقصود بالخداع،و أنّ معاملته كمعاملة اللّه...».

و قال في: وَ هُوَ خادِعُهُمْ «قيل:معناه مجازيهم بالخداع.و قيل:على وجه آخر مذكور في قوله:

وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ آل عمران:54».

و قال الزّمخشريّ: «فإن قلت:كيف ذلك و مخادعة اللّه و المؤمنين لا تصحّ؟لأنّ العالم الّذي لا تخفى عليه خافية لا يخدع،و الحكيم الّذي لا يفعل القبيح لا يخدع.

و المؤمنون و إن جاز أن يخدعوا لم يجز أن يخدعوا...» و أجاب عنه بوجوه أربعة:

الأوّل:كانت صورة صنعهم مع اللّه،و صورة صنع اللّه و المؤمنين معهم صورة صنع الخادعين؛حيث تظاهروا بالإيمان و هم كافرون،و حيث أمر اللّه بإجراء أحكام المسلمين عليهم،و كذلك كان صنع المؤمنين معهم، فأجروا أحكام الإسلام عليهم ظاهرا،فلم يكن الخداع من الطّرفين إلاّ صورة الخداع دون حقيقته.

الثّاني:أنّ هذا ترجمة عن معتقدهم و ظنّهم أنّ اللّه ممّن يصحّ أن يخدع،لأنّهم-من أجل نفاقهم-لم يكونوا عارفين باللّه و لا بصفاته،و أنّه عالم بكلّ شيء،و أنّه غنيّ عن فعل القبائح...

الثّالث:ذكر اللّه و أريد به الرّسول،لأنّه خليفته في أرضه،و النّاطق عنه بأوامره و نواهيه...كما قال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ... الفتح:10،و قال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ النّساء:80.

الرّابع:أن يكون من قبيل«أعجبني زيد و كرمه» فالمعنى يخادعون الّذين آمنوا باللّه...و نظيره:«علمت زيدا فاضلا»،و الغرض العلم بفضله لا بنفسه.

ص: 329

ثمّ أجاب عن السّؤال:«هل يجوز الاقتصار على واحد في«خادعت»مع أنّ المفاعلة بين اثنين؟»بأنّه عنى به«فعلت»لكنّه أخرج في زنة«فاعلت»لأنّ الزّنة في أصلها للمبالغة و المباراة،و الفعل متى غولب فيه فاعله جاء أبلغ و أحكم منه إذا زاوله وحده من غير مغالب و لا مبار،لزيادة قوّة الدّاعي إليه،و استشهد عليه بقراءة (يخدعون اللّه...).

ثمّ أطال البحث سؤالا و جوابا فلاحظ،و من جملتها ما المراد بقوله:(و ما يخادعون الاّ انفسهم)؟،و أجاب بوجوه:

الأوّل-ما يعاملون بما يشبه المخادعة إلاّ أنفسهم، لأنّ ضرره يلحقهم،كما تقول:«فلان يضارّ فلانا،و لا يضارّ إلاّ نفسه».

الثّاني-يراد حقيقة المخادعة فيما يحدّثون به أنفسهم.

الثّالث-أريد ب(يخادعون)(يخدعون)فجيء به بلفظ«يفاعلون»للمبالغة.

4-و جاء في نصوص من بعدهم مثل ما ذكر موجزا أو مطوّلا،و أطولها نصّ الفخر الرّازيّ،و صدر المتألّهين- فلاحظهما-و نصّ أبي السّعود حيث قال في يُخادِعُونَ اللّهَ: «إيثار صيغة المفاعلة لإفادة المبالغة في الكيفيّة، فإنّ الفعل متى غولب فيه بولغ فيه قطعا،أو في الكمّيّة،كما في الممارسة و المزاولة،فإنّهم كانوا مداومين على الخدع، و الخداع:أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد من المكروه، ليوقعه فيه من حيث لا يحتسب،أو يوهمه المساعدة على ما يريد هو،ليغترّ بذلك فينجو منه بسهولة.من قولهم:

«ضبّ خادع و خدع»،و هو الّذي إذا أمرّ الحارش-أي الصّيّاد-يريد على باب جحره يوهمه الإقبال عليه فيخرج من بابه الآخر.[إلى أن قال:]

و أيّا ما كان فنسبته إلى اللّه سبحانه:إمّا على طريق الاستعارة و التّمثيل،لإفادة كمال شناعة جنايتهم،أي يعاملون معاملة الخادعين.

و إمّا على طريقة المجاز العقليّ،بأن ينسب إليه تعالى ما حقّه أن ينسب إلى الرّسول،إبانة لمكانته عند اللّه تعالى،كما ينبئ عنه: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ... الفتح:10،و مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ النّساء:80،مع إفادة كمال الشّناعة كما مرّ.

و إمّا لمجرّد التّوطئة و التّمهيد لما بعده من نسبته إلى الّذين آمنوا،و الإيذان بقوّة اختصاصهم به تعالى،كما في:

وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62،و إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ الأحزاب:57»ثمّ قال ردّا لما تقدّم في الأقوال:

«و إبقاء صيغة المخادعة على معناها الحقيقيّ-بناء على زعمهم الفاسد،و ترجمة عن اعتقادهم الباطل- كأنّه قيل:يزعمون أنّهم يخدعون اللّه و اللّه يخدعهم،أو على جعلها استعارة تبعيّة،أو تمثيلا،لما أنّ سورة صنعهم مع اللّه تعالى و المؤمنين و صنعه تعالى معهم بإجراء أحكام الإسلام عليهم-و هم عنده أخبث الكفرة،و أهل الدّرك الأسفل من النّار-استدراجا لهم.و امتثال الرّسول و المؤمنين بأمر اللّه في ذلك مجازاة لهم بمثل صنعهم صورة صنيع المتخادعين-كما قيل-ممّا لا يرتضيه الذّوق السّليم».ثمّ ذكر وجهه،فلاحظ.

5-و جاء في الآية زيادة على ما مضى أمور:

ص: 330

الأمر الأوّل قال ابن الجوزيّ: متى يعود وبال خداعهم عليهم؟،فيه قولان:

أحدهما:في دار الدّنيا و ذلك بطريقين:أحدهما:

بالاستدراج و الإمهال الّذي يزيدهم عذابا،و الثّاني باطّلاع النّبيّ و المؤمنين على أحوالهم الّتي أسرّوها.

و القول الثّاني:أنّ عود الخداع عليهم في الآخرة،و في ذلك قولان:

أحدهما:أنّه يعود عليهم عند ضرب الحجاب بينهم و بين المؤمنين،و ذلك قوله: قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ الحديد:13.

و ثانيهما:أنّه يعود عليهم عند اطّلاع أهل الجنّة عليهم،فإذا رأوهم طمعوا في نيل راحة من قبلهم،فقالوا:

أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ الأعراف:50،فيجيبونهم: إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ.

الأمر الثّاني:قال العكبريّ في محلّ يُخادِعُونَ اللّهَ وجهان:

أحدهما:لا موضع لها-أي هي جملة مستأنفة-و هو الأقرب عندنا.

و الثّاني:موضعها نصب على الحال.و في صاحب الحال و العامل فيها وجهان:

أحدهما:هي من الضمير في(يقول): وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، و التّقدير:يقول آمنّا مخادعين.

و ثانيهما:هي حال من الضّمير في بِمُؤْمِنِينَ، و العامل فيها اسم الفاعل،و التّقدير:و ما هم بمؤمنين في حال خداعهم،ثمّ قال:

«و لا يجوز أن تكون الجملة حالا من الضّمير في (آمنّا)،لأنّ(آمنّا)محكيّ عنهم ب يَقُولُ فلو كان يُخادِعُونَ حالا من الضّمير في(آمنّا)لكانت محكيّة أيضا،و هذا محال لوجهين:

أحدهما:أنّهم ما قالوا:آمنّا و خادعنا.

و الثّاني:أنّه أخبر عنهم بقوله: يُخادِعُونَ، و لو كان منهم لكان(نخادع)بالنّون.و في الكلام حذف تقديره:يخادعون نبيّ اللّه.و قيل:هو على ظاهره من غير حذف».

و قال أبو حيّان:«يحتمل أن يكون يُخادِعُونَ اللّهَ مستأنفا كأنّ قائلا يقول:لم يتظاهرون بالإيمان و ليسوا بمؤمنين في الحقيقة؟فقيل: يُخادِعُونَ».

«و يحتمل أن يكون بدلا من قوله: يَقُولُ آمَنّا، و يكون ذلك بيانا،لأنّ قولهم:(آمنّا)،و ليسوا بمؤمنين في الحقيقة مخادعة،فيكون بدل فعل من فعل،لأنّه في معناه، و على كلا الوجهين لا موضع للجملة من الإعراب».ثمّ ذكر احتمال كونه حالا،و الاختلاف في ذي الحال، و ناقش أبا البقاء حيث منع كونه في موضع الصّفة، فلاحظ كلامه بطوله.

الأمر الثّالث:قال صدر المتألّهين في وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ: «قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو و خلف (يخادعون) ،و الباقون: يَخْدَعُونَ. و حجّة الأوّلين التّطابق في اللّفظ بين الكلامين،و حجّة الباقين:أنّ المخادعة إنّما يكون بين اثنين،فلا يكون الإنسان الواحد مخادعا لنفسه».

ص: 331

ثمّ قال:«أقول و كذلك الخداع لا يكون إلاّ بين اثنين، و الفرق بينهما بأنّ الفعل في الأوّل من الجانبين،و كذا الانفعال،و في الثّاني الفعل من جانب و الانفعال من جانب آخر،فالإنسان الواحد كما لا يخادع مع نفسه، كذلك لا يخدع نفسه أيضا،فما هو الجواب لذاك،فهو الجواب لهذا.

فالأولى أن يراد حقيقة المخادعة،أي و هم في ذلك يخدعون أنفسهم؛حيث يمنّون الأمانيّ الباطلة،و يحدّثونها بالأكاذيب،من الإيجاد بالخير و الوعد بالشّرّ و غير ذلك، و كذلك أنفسهم يعدهم و يمنّيهم و يحدّثهم بالأمانيّ.

و تحقيق ذلك يبتني على معرفة النّفس الإنسانيّة،ثمّ فيها بحث.

الأمر الرّابع:ذكر صدر المتألّهين أيضا في الدّاعي لهم على الخدمة أمورا:

منها:أنّهم دفعوا بذلك عن أنفسهم أحكام الكفّار من قتل النّفوس،و نهب الأموال،و سبي الذّراريّ،حسب قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه...».

و منها:قبولهم عند أهل الإسلام و إجراؤهم مجرى المؤمنين في التّعظيم و الإكرام.

و منها:أنّهم ربّما التمسوا من النّبيّ و المؤمنين إفشاء أسراره و أسرارهم،لينقلوها إلى أعداءهم من الكفّار.

و منها أنّهم طمعوا الاقتسام من أموال الغنائم،إلى غير ذلك من المقاصد و الأغراض،ثمّ قال:

«و ليس لك أن تقول:لمّا كان اللّه قادرا على أن يوحي إلى نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله جميع ما قصدوه و أضمروه في نفوسهم،ليدفع شرّهم و خداعتهم و إفسادهم،فلم لم يفعل ذلك،و لم يهتك أسرارهم؟

قلنا:و إنّه أيضا قادر على استئصال إبليس و ذرّيّته أجمعين،و لكنّه أبقاهم و قوّاهم و أجراهم مجرى الدّم في عروق الآدميّين،لأنّ في ذلك من الحكمة و المصلحة ممّا لا يعلم غوره إلاّ اللّه،و من اهتدى بنوره،و اطّلع على وحيه من أهل الرّسالة و الولاية».

و نقول نحن:قد نبّه اللّه-بهذه الآيات و آيات أخرى نزلت في قبائح أفعال و صفات المنافقين-النّبيّ و المؤمنين على حقيقة نفاقهم،فلم تردّد هذا المحقّق في ذلك بقوله:

«و ليس لك أن تقول...»؟فلم يبق مجال لهذا السّؤال.

الأمر الخامس:ذكر صدر المتألّهين أيضا في:«فصل فيه حكمة مشرقيّة كيف يخدع الإنسان نفسه؟»في تفسير: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ، أنّ خداع المنافقين لا ينجع إلاّ في أنفسهم بإهلاكها، و تخسيرها،و إيرائها الوبال و النّكال،بازدياد الظّلمة، و الكفر،و النّفاق،و اجتماع أسباب البعد من اللّه و الشّقاء عليها،كما في قوله تعالى: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فاطر:43.

و كذا خداع اللّه المتسبّب عن خداعهم يؤثّر في نفوسهم أبلغ تأثير،و يوبقهم أشدّ إيباق،لقوله:

وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ آل عمران:

54،و هم من غاية تعمّقهم في جهلهم ما يحسّون بذلك الأمر المكشوف الظّاهر؛إذ الشّعور علم الشّيء إذا حصل بالحسّ من الشّعار-و مشاعر الإنسان حواسّه-عنى به- أي بقوله: وَ ما يَشْعُرُونَ -أنّ لحوق ضرر ذلك بهم

ص: 332

كالمحسوس،لكنّهم لتماديهم في الغفلة،كالّذي به خدر لا يحسّ-ثمّ دخل في تفسير أَنْفُسَهُمْ و ذكر معاني النّفس في القرآن-لاحظ:ن ف س:«نفس».

ج-في(3) إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ... بحثان:

1-الكلام في يُخادِعُونَ اللّهَ هنا نفس الكلام في (2): يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا من الوجوه المذكورة في النّصوص،-و قد لخّصنا جملة منها و بحثنا فيها -و هي:خداع اللّه هو خداع المؤمنين،أو أنّ«خادع»هنا بمعنى«خدع»،أو أنّ«خادع»بمعنى قصد الخدع، و«خدع»بمعنى إيقاع الخدع،أو أنّ فعلهم فعل المخادع دون أن يكون خداعا للّه في الحقيقة،أو أنّهم أقاموا أنفسهم مقام المخادعين،أو أنّ الخداع بمعنى الفساد أي يفسدون،أو يخادعون بزعمهم و في ظنّهم،أو أنّ ذكر اللّه تحسين و تزيين لسامع الكلام،أو جعل اللّه خداعهم لرسوله خداعا له من حيث إنّ معاملة الرّسول كمعاملة اللّه،أو جعل ذلك خداعا للّه تفظيعا لفعلهم،و تنبيها على عظم الرّسول،أو على أنّ ذلك بحذف المضاف،أي يخادعون رسوله،أو أنّ المخادعة بالإكثار و التّشديد،أي يخدعون اللّه كثيرا.

2-قالوا في: وَ هُوَ خادِعُهُمْ وجوها أيضا:

منها:يخدعهم يوم القيامة على الصّراط؛حيث يقول المؤمنون لهم: اِرْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً الحديد:13،و قد علموا أنّهم لا يرجعون.أو أنّهم على الصّراط يعطون نورا كما يعطي المؤمنين،فإذا مضوا على الصّراط يسلبهم ذلك النّور،و يبقى المؤمنون ينظرون بنورهم،فينادون المؤمنين اُنْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ، فيناديهم الملائكة على الصّراط اِرْجِعُوا...، مع علمهم أنّهم لا يرجعون.

و منها:أنّ اللّه لا يخادع،و لكنّه يجازيهم بالخداع في الدّنيا فيفضحهم بإطلاع نبيّه على ما أبطنوه،و في الآخرة بالعذاب.و هذا لا يخرج من قول أهل اللّغة؛حيث يسمّون جزاء الخداع خداعا تسمية للعقوبة باسم الذّنب،لأنّ وبال خداعهم راجع عليهم.

و منها:أنّه عبّر عنه بالخداع للمشاكلة،كما قال:

وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ آل عمران:54.و لاحظ نصّ رشيد رضا في توجيه المشاكلة.

و منها:أنّهم يخادعون اللّه بإحرازهم بنفقاتهم و دمائهم و أموالهم،و اللّه قابلهم به و خادعهم بما حكم فيهم من منع دمائهم بما أظهروا بألسنتهم من الإيمان،مع علمه بباطنهم من الكفر،استدراجا منه لهم في الدّنيا حتّى يلقوه في الآخرة،فيعاملهم بما استبطنوه من الكفر فيدخلهم النّار.

و منها:ما قاله القشيريّ في خداعهم و خداعه:

«خداع المنافقين:إظهار الوفاق في الطّريقة و استشعار الشّرك في العقيدة.و خداع الحقّ إيّاهم ما توهّموا من الخلاص،و حكموا به لأنفسهم من استحقاق الاختصاص،فإذا كشف الغطاء أيقنوا أنّ الّذي ظنّوه شرابا كان سرابا،كما قال: وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ الزّمر:47».

و منها:أنّ«خادع»اسم فاعل من«خادعته فخدعته»إذا غلبته و كنت أخدع منه،أي إنّهم يخادعون

ص: 333

اللّه،و اللّه يغلبهم في المخادعة.

و منها:أنّه يستدرجهم في طغيانهم و ضلالهم، و يخذلهم عن الحقّ و الوصول إليه في الدّنيا،و كذلك يوم القيامة،كما قال: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ....

و قال ابن عاشور-بعد ذكره مقابلة اللّه إيّاهم على خداعهم استدراجا-:«فإطلاق الخداع على استدراج اللّه إيّاهم استعارة تمثيليّة،و حسّنتها المشاكلة،لأنّ المشاكلة لا تعدو أن تكون استعارة لفظ لغير معناه،مع مزيد مناسبة مع لفظ آخر مثل اللّفظ المستعار.فالمشاكلة ترجع إلى التّلميح،أي إذا لم تكن لإطلاق اللّفظ على المعنى المراد علاقة بين معنى اللّفظ و المعنى المراد إلاّ محاكاة اللّفظ،سمّيت مشاكلة».

و منها:ما ذكره الطّباطبائيّ من أنّ وَ هُوَ خادِعُهُمْ في موضع الحال،أي يخادعون اللّه في حال هو يخدعهم، و يؤوّل المعنى إلى أنّ هؤلاء يريدون بما أسرّوه من النّفاق خدعة منه لهم و مجازاة و استدراجا،فخدعتهم له بعينها خدعته لهم.

و ثانيا:أنّ الآيات الثّلاث كلّها مدنيّة كسائر ما جاءت من الآيات في إدانة المنافقين في القرآن،لما أنّ المدينة كانت موطن الهجرة و الجهاد و التّضحية في سبيل اللّه،و بالتّالي كانت موطن القوّة للمؤمنين،و كذلك كانت موطن النّفاق للّذين أظهروا الإيمان خوفا من سلطان الإسلام و المسلمين،و هذه الحالة لم يوجد في مكّة،فلم يكن للمسلمين فيها سلطان.لاحظ ن ف ق:

«المنافقين».

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

المكر: أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ الأعراف:99

الكيد: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً يوسف:5

الغرور: فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ لقمان:33

ص: 334

خ د ن

اشارة

لفظ واحد،مرّتان،في سورتين مدنيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل :خدن الجارية:محدّثها.و كانوا لا يمتنعون من خدن يحدّثها فهدمه الإسلام.قال: وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ النّساء:25.

و الخدان و الخدين:مخادنك،يكون معك في ظاهر أمرك و باطنه.(4:232)

نحوه الصّاحب.(4:304)

ابن دريد :الخدن:الصّاحب؛و الجمع:أخدان.

و خادنت الرّجل مخادنة و خدانا،و فلان خدني و خديني.

و جمع خدين:خدناء،و جمع خدن:أخدان.(2:202)

الجوهريّ: الخدن و الخدين:الصّديق.يقال:

خادنت الرّجل،و منه خدن الجارية.قال اللّه تعالى: وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ النّساء:25.

و رجل خدنة:يخادن النّاس كثيرا.(5:2107)

نحوه المدينيّ.(1:557)

ابن سيده: الخدن و الخدين:الصّاحب المحدّث؛ و الجمع:أخدان،و خدناء.

و المخادنة:المصاحبة.

و الأخدن:ذو الأخدان.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:142)

الرّاغب: خدن:قال اللّه تعالى: وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ جمع:خدن،أي المصاحب.و أكثر ذلك يستعمل فيمن يصاحب شهوة،يقال:خدن المرأة و خدينها، و قول الشّاعر:

*خدين العلى*

فاستعارة كقولهم:يعشق العلى،و يشبّب بالنّدى، و ينسب بالمكارم.(144)

الزّمخشريّ: خادنته:صاحبته،و هو خدني و خديني،و هم إخواني و أخداني،و هو خدنها،أي حدثها و هي خدنه وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ النّساء:25، وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ المائدة:5.

و هو يخادن أخدان سوء،و أخدان صدق،و بينهما

ص: 335

مخادنة و مخاضنة،و هي المغاضّة و المكاسرة بالعينين.(أساس البلاغة:105)

الطّبرسيّ: الخدن:الصّديق؛و جمعه:أخدان،نحو ترب و أتراب و يسوّى فيه المذكّر و المؤنّث،و الواحد و الجمع.و الخدين بمعناه.(2:33)

ابن الأثير: في حديث عليّ:«إن احتاج إلى معونتهم فشرّ خليل و ألأم خدين».الخدن و الخدين:

الصّديق.(2:15)

الفيّوميّ: الخدن:الصّديق في السّرّ؛و الجمع:

أخدان،مثل حمل و أحمال.و خادنته:صادقته.

(1:165)

الفيروزآباديّ: الخدن بالكسر.و كأمير:

الصّاحب،و من يخادنك في كلّ أمر ظاهر و باطن، و كهمزة:من يخادن النّاس كثيرا،و كشدّاد:خدّان بن عامر،في أسد بن خزيمة.(4:220)

الطّريحيّ: في الكتاب الكريم ذكر«الأخدان»و هم الأصدقاء في السّرّ للزّنى؛واحدها:خدن بالكسر.

و الخدن و الخدين:الصّديق،يقال:خادنت الرّجل، أي صادقته.(6:242)

مجمع اللّغة :الخدن:الصّديق الّذي يكون معك ظاهرا و باطنا في كلّ أمر.

و يطلق الخدن على المذكّر و المؤنّث.

و الرّجل خدن المرأة،و المرأة خدن الرّجل،و الجمع:

أخدان.

و أريد بالمخادنة في القرآن المصاحبة غير الشّرعيّة.(1:322)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خادنه مخادنة:صادقه و صاحبه،و الخدن:الخليل و الصّديق للمذكّر و المؤنّث؛ و جمعه:أخدان.

و الخدن:خليل المرأة يزني بها سرّا،و كان النّاس في الجاهليّة يحرّمون ما ظهر من الزّنى و يستحلّون ما خفي منه،فحرّمهما اللّه بقوله: وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الأنعام:151.(1:158)

المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة بقرينة موارد الاستعمال و اللّغات القريبة منها مادّة و اشتقاقا:هو المصاحب سرّا،بأن تكون مصاحبته في الخفاء لا في الظّاهر و العلن.

و جهة الخفاء و السّرّ تستفهم من موادّ-الخبن و الخبأ و الخدر و الخدع و الخفي و الخلب و الخمن-القريبة منها مادّة.

غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ النّساء:

25،بأن لا يتّخذن رفقاء في السّرّ يخفين بها.

فظهر الفرق بين الخدن و المصاحب و الرّفيق،ثمّ ظهر أيضا لطف التّعبير بها دون مادّة المصاحبة و الرّفاقة و غيرها.

و لا يخفى أنّ التّعبير باتّخاذ الخدن يؤيّد مفهوم المصاحب في السّرّ،و على خلاف الجريان العاديّ.[ثمّ أيّده بآيات:النّساء:139،و مريم:92،و آل عمران:

118،و الفرقان:43،و الجنّ:3](3:28)

ص: 336

النّصوص التّفسيريّة

اخدان

1- ...وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ... النّساء:25

ابن عبّاس: فلا يكون لها خليل يزني بها في السّرّ.

(68)

يعني أخلاّء.(الطّبري 4:22)

نحوه أبو هريرة،و الشّعبيّ،و الضّحّاك،و السّدّيّ، و عطاء الخراسانيّ،و يحيى بن أبي كثير،و مقاتل ابن حيّان(ابن كثير 2:246)،و البيضاويّ(1:214)، و النّسفيّ(1:220).

ذات الخليل الواحد،كان أهل الجاهليّة يحرّمون ما ظهر من الزّنى،و يستحلّون ما خفي،يقولون:أمّا ما ظهر منه فهو لؤم،و أمّا ما خفي فلا بأس بذلك،فأنزل اللّه تبارك و تعالى وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الأنعام:151.(الطّبريّ 4:22)

نحوه ابن العربيّ.(1:404)

الشّعبيّ: الزّنى وجهان قبيحان،أحدهما أخبث من الآخر.فأمّا الّذي هو أخبثهما:فالمسافحة،الّتي تفجر بمن أتاها.و أمّا الآخر:فذات الخدن.(الطّبريّ 4:22)

مجاهد :الخليلة،يتّخذها الرّجل،و المرأة تتّخذ الخليل.(الطّبريّ 4:22)

الضّحّاك: أمّا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فذات الخليل الواحد المستسرّة به،نهى اللّه عن ذلك.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 4:22)

الحسن:المسافحة هي أنّ كلّ من دعاها تبعته، و ذات الخدن:أي تختصّ بواحد،لا تزني إلاّ معه،و العرب كانت تحرم الأولى،و تجوّز الثّانية.(البغويّ 1:599)

يعني الصّديق.(ابن كثير 2:246)

السّدّيّ: و لا متّخذة صديقا.(201)

نحوه ابن قتيبة(124)،و القمّيّ(1:136).

ابن زيد :و«المخادن»،الّذي يقيم معها على معصية اللّه و تقيم معه،فذاك الأخدان.(الطبريّ 4:22)

الطّبريّ: ذكر أنّ ذلك قيل كذلك،لأنّ الزّواني كنّ في الجاهليّة،في العرب:المعلنات بالزّنى،و المتّخذات الأخدان:اللّواتي قد حبسن أنفسهنّ على الخليل و الصّديق،للفجور بها سرّا دون الإعلان بذلك.

(4:21)

الثّعلبيّ: أحباب يزنون بهنّ في السّرّ.(3:28)

مثله البغويّ.(1:599)

الماورديّ: هو أن تتّخذ المرأة خدنا و صديقا،و لا تزني بغيره.[ثمّ ذكر مثل ابن عبّاس](1:473)

الطّوسيّ: الخدن:هو الصّديق يكون للمرأة،يزني بها سرّا،كذا كان في الجاهليّة و السّفاح:ما ظهر منه، و كان فيهم من يحرّم ما ظهر من الزّنى و لا يحرّم ما خفي منه،ذكر ذلك ابن عبّاس و غيره من المفسّرين.و خدن الرّجل و خدينه:صديقه.(3:170)

الواحديّ: جمع:خدن،و هو الّذي يخادنك.

(2:36)

الكرمانيّ: وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ، حرمة للحرائر المسلمات،لأنّهنّ إلى الصّيانة أقرب،و من

ص: 337

الخيانة أبعد،و لأنّهنّ لا يتعاطين ما يتعاطا الإماء و الكتابيّات من اتّخاذ الأخدان.(48)

الميبديّ: يعني و غير زانيات سرّا.(2:476)

الزّمخشريّ: الأخلاّء في السّرّ،كأنّه قيل:غير مجاهرات بالسّفاح،و لا مسرّات له.(1:520)

ابن عطيّة: هنّ المتستّرات اللّواتي يصحبن واحدا واحدا و يزنين خفية،و هذان[المسافحة و اتّخاذ الأخدان]كانا نوعين في زنى الجاهليّة.

و أيضا فهو تقسيم عقليّ لا يعطي الوجود إلاّ أن تكون الزّانية إمّا لا تردّ يد لامس،و إمّا أن تختصّ من تقتصر عليه.(2:39)

نحوه أبو حيّان.(3:222)

الطّبرسيّ: أي أخلاّء في السّرّ،لأنّ الرّجل منهم كان يتّخذ صديقة فيزني بها،و المرأة تتّخذ صديقا فيزني بها.(2:34)

الفخر الرّازيّ: (اخدان)جمع:خدن،كالأتراب جمع:ترب،و الخدن:الّذي يخادنك،و هو الّذي يكون معك في كلّ أمر ظاهر و باطن.

قال أكثر المفسّرين المسافحة:هي الّتي تؤاجر نفسها مع أيّ رجل أرادها،و الّتي تتّخذ الخدن فهي الّتي تتّخذ خدنا معيّنا،و كان أهل الجاهليّة يفصلون بين القسمين،و ما كانوا يحكمون على ذات الخدن بكونها زانية،فلمّا كان هذا الفرق معتبرا عندهم لا جرم أنّ اللّه سبحانه أفرد كلّ واحد من هذين القسمين بالذّكر،و نصّ على حرمتهما معا.و نظيره أيضا قوله تعالى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الأعراف:

33.(10:63)

نحوه النّيسابوريّ.(5:21)

القرطبيّ: أصدقاء على الفاحشة؛واحدهم:خدن و خدين،و هو الّذي يخادنك.و رجل خدنة،إذا اتّخذ أخدانا؛عن أبي زيد.

و قيل:المسافحة:المجاهرة بالزّنى،أي الّتي تكري نفسها لذلك.و ذات الخدن هي الّتي تزني سرّا.

و قيل:المسافحة المبذولة،و ذات الخدن الّتي تزني بواحد.و كانت العرب تعيب الإعلان بالزّنى،و لا تعيب اتّخاذ الأخدان،ثمّ رفع الإسلام جميع ذلك،و في ذلك نزل قوله الأعراف:33.(5:143)

نحوه الشّربينيّ.(1:296)

البيضاويّ: أخلاّء في السّرّ.(1:214)

مثله النّسفيّ(1:220)،و الكاشانيّ(1:408)، و المشهديّ(2:422)،و طنطاوي(3:32)و شبّر(2:

33).

ابن جزيّ: جمع:خدن،و هو الخليل،و كان من نساء الجاهليّة من تتّخذ خدنا تزني معه خاصّة،و منهنّ من كانت لا تردّ يد لامس.(1:138)

أبو حيّان :[ذكر نحو ابن عطيّة و أضاف:]

الخدن هو الصّديق للمرأة يزني بها سرّا،فنهى اللّه تعالى عن الفواحش ما ظهر منها و ما بطن.

و انتصاب(محصنات)على الحال،و الظّاهر أنّ العامل فيه وَ آتُوهُنَّ، و يجوز على هذا الوجه أن يكون معنى(محصنات)مزوّجات،أي و آتوهنّ أجورهنّ في حال تزويجهنّ،لا في حال سفاح،و لا اتّخاذ

ص: 338

خدن.(3:222)

أبو السّعود : وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ عطف على (مسافحات)،و(لا)لتأكيد ما في(غير)من معنى النّفي، و الخدن:الصّاحب.

قال أبو زيد:الأخدان:الأصدقاء على الفاحشة؛ و الواحد:خدن و خدين،و الجمع:للمقابلة بالانقسام على معنى ألاّ يكون لواحدة منهنّ خدن،لا على معنى ألاّ يكون لها أخدان،أي غير مجاهرات بالزّنى،و لا مسرّات له.و كان الزّنى في الجاهليّة منقسما إلى هذين القسمين.

(2:126)

نحوه البروسويّ(2:191)،و الآلوسيّ(5:10).

القاسميّ: أي أخلّة يتخصّصن بهم في الزّنى.

(5:1196)

ابن عاشور : وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ قصد منها تفضيع ما كانت ترتكبه الإماء في الجاهليّة بإذن مواليهنّ لاكتساب المال بالبغاء و نحوه،و كان النّاس يومئذ قريبا عصرهم بالجاهليّة.

و المسافحات:الزّاني مع غير معيّن،و متّخذات الأخدان:هنّ متّخذات أخلاّء،تتّخذ الواحدة خليلا تختصّ به لا تألف غيره.و هذا و إن كان يشبه النّكاح من جهة عدم التّعدّد،إلاّ أنّه يخالفه من جهة التّستّر،و جهل النّسب،و خلع برقع المروءة،و لذلك عطفه على قوله:

غَيْرَ مُسافِحاتٍ سدّ المداخل الزّنى كلّها.(4:93)

مغنيّة:أي و لا بصورة سرّيّة،كالّتي تختصّ بصديق في الخفاء.(2:299)

الطّباطبائيّ: الأخدان:جمع:خدن بكسر الخاء، و هو الصّديق،يستوي فيه المذكّر و المؤنّث،و المفرد و الجمع،و إنّما أتى به بصيغة الجمع للدّلالة على الكثرة نصّا،فمن يأخذ صديقا للفحشاء لا يقنع بالواحد و الاثنين فيه،لأنّ النّفس لا تقف على حدّ إذا أطيعت فيما تهواه.

و بالنّظر إلى هذه المقابلة قال من قال:إنّ المراد بالسّفاح:الزّنى جهرا و باتّخاذ الخدن:الزّنى سرّا.و قد كان اتّخاذ الخدن متداولا عند العرب حتّى عند الأحرار و الحرائر،لا يعاب به مع ذمّهم زنى العلن لغير الإماء.

(4:278)

مكارم الشّيرازيّ: أي أصدقاء و أخلاّء في السّرّ.

و يمكن أن يطرح هنا سؤال،هو أنّ النّهي عن الزّنى بلفظة غَيْرَ مُسافِحاتٍ تكفي و تغني عن النّهي عن اتّخاذ الأخدان،فلما ذا ذكر الوصف الثّاني أيضا؟

و يجاب على هذا:بأنّ البعض-في عهد الجاهليّة- كان يرى أنّ المذموم فقط هو الزّنى العلنيّ و السّفاح الظّاهر،و أمّا اتّخاذ الأخلاّء و الرّفاق أو الرّفيقات في السّرّ فلا بأس به،و بهذا يتّضح سبب ذكر القرآن و تصريحه بكلا النّوعين.(3:173)

2- ..إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ... المائدة:5

ابن عبّاس: يقول:و لا يكون لها خليل يزني بها في السّرّ.(89)

الشّعبيّ: الزّنى ضربان:السّفاح،و هو الزّنى على سبيل الإعلان،و اتّخاذ الخدن،و هو الزّنى في السّرّ،و اللّه

ص: 339

تعالى حرّمهما في هذه الآية،و أباح التّمتّع بالمرأة على جهة الإحسان،و هو التّزوّج.(الفخر الرّازيّ 11:148)

الطّبريّ: يقول:و لا منفردين ببغيّة واحدة،قد خادنها و خادنته،و اتّخذها لنفسه صديقة يفجر بها.

(4:448)

مثله الطّبرسيّ.(2:162)

الزّجّاج: و قوله: وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ و هنّ الصّديقات و الأصدقاء،فحرّم اللّه عزّ و جلّ الجماع على جهة السّفاح،أو على جهة اتّخاذ الصّديقة،و أحلّه على جهة الإحسان،و هو التّزويج،على ما عليه جماعة العلماء.(2:152)

السّجستانيّ: أخدان:أصدقاء؛واحدهم:خدن و خدين.(50)

الماورديّ: هي ذات الخليل الواحد،تقيم معه على السّفاح.(2:17)

الطّوسيّ: يعني أعفّاء غير مسافحين بكلّ فاجرة، و هو الزّنى،و لا متّخذي أخدان،يعني أعمال غير مسافحين و لا متّخذي أخدان،متفرّدين ببغيّة واحدة، خادنها و خادنته،اتّخذها لنفسه صديقة يفجر بها.

(3:446)

الواحديّ: تسرّون بالزّنى.(2:158)

نحوه الميبديّ(3:36)،و السّيوطيّ(3:24).

البغويّ: أي غير مسرّين بالزّنى.(2:19)

الزّمخشريّ: وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ صدائق، و الخدن:يقع على الذّكر و الأنثى.(1:596)

مثله النّسفيّ(1:272)،و نحوه البيضاويّ(1:263)، و الشّربينيّ(1:356)،و المشهديّ(3:23)،و شبّر(2:

144)،و أبو السّعود(2:240).

ابن عطيّة: و المخادنة:أن يكون الزّانيان قد وقف كلّ واحد نفسه على صاحبه.(2:159)

الخازن :[نحو الطّبريّ و أضاف:]

حرّم اللّه الجماع على جهة السّفاح و هو الزّنى،و اتّخاذ الصّديق،و هو الخدن،و أحلّه على جهة الإحسان،و هو التّزويج بعقد صحيح.(2:13)

ابن كثير : غَيْرَ مُسافِحِينَ و هم الزّناة الّذين لا يرتدعون عن معصية،و لا يردّون أنفسهم عمّن جاءهم، وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ أي ذوي العشيقات، الّذين لا يفعلون إلاّ معهنّ-كما تقدّم في سورة النّساء- سواء،و لهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللّه إلى أنّه لا يصحّ نكاح المرأة البغيّ حتّى تتوب،و ما دامت كذلك لا يصحّ تزويجها من رجل عفيف،و كذلك لا يصحّ عنده عقد الرّجل الفاجر على عفيفة حتّى يتوب و يقلع عمّا هو فيه من الزّنى لهذه الآية و للحديث:«لا ينكح الزّاني المجلود إلاّ مثله».(2:504)

الشّوكانيّ: و الخدن:يقع على الذّكر و الأنثى،أي لم يتّخذوا معشوقات،فقد شرط اللّه في الرّجال العفّة، و عدم المجاهرة بالزّنى،و عدم اتّخاذ أخدان،كما شرط في النّساء أن يكنّ محصنات.(2:21)

المراغيّ: الخدن يطلق على الصّاحب و الصّاحبة، أي هنّ حلّ لكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ فعلا و التزمتم به،حال كونكم أعفّاء عن الزّنى جهرا و سرّا،إذ المقصد من الزّواج أن يكون الرّجل محصنا و المرأة محصنة،يعفّ

ص: 340

كلّ منهما الآخر،و يجعله في حصن يمنعه من الفاحشة، على أيّ وجه كانت،فلا يزني الرّجل جهرة و لا سرّا باتّخاذ صاحبة خاصّة به،و لا تكون المرأة كذلك.

(6:59)

سيّد قطب :المخادنة:أن تكون المرأة لخدين خاصّ بغير زواج،و هذا و ذلك كانا معروفين في الجاهليّة العربيّة،و معترفا بهما من المجتمع الجاهليّ قبل أن يطهّره الإسلام و يزكّيه،و يرفعه من السّفح الهابط إلى القمّة السّامقة.(2:848)

عبد الكريم الخطيب :هو حال بعد حال،بعد حال،كشرط لحلّ المرأة،و إضافتها إلى الطّيّبات الّتي أحلّها اللّه؛و ذلك بأن يكون المراد بالاتّصال بها الإحصان،و الحماية من الفساد،لا أن يكون الاتّصال بها لإشباع الشّهوة،و الزّنى بها،لقاء أجر معلوم؛أو اتّخاذها خليلة لا زوجا للمتعة،مع التّحلّل من رابطة الزّوجيّة.(3:1040)

فضل اللّه :فلا تكون الرّابطة بينهما رابطة الصّديق بصديقته الّتي يستمتع بها سرّا عن طريق الاستمتاع الجنسيّ،بعيدا عن الارتباط الزّوجيّ.

و هذا هو التّجسيد العمليّ للإيمان الّذي لا يتمثّل بالعقيدة و الكلمة فحسب،بل يمتدّ إلى الجانب العمليّ في الوقوف عند حدود اللّه في الحلال و الحرام،لأنّ ذلك يؤكّد عمق الإيمان في الذّات،و ثباته في الواقع.(8:58)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخدن:الصّاحب و الصّديق؛و الجمع:أخدان،و هو الخدين أيضا؛و جمعه:

خدناء.يقال:فلان خدني و خديني،و الأخدن:ذو الأخدان،و خدن الجارية:محدّثها.

و المخادنة:المصاحبة و المصادقة.يقال:خادنت الرّجل مخادنة و خدانا،أي صاحبته و صادقته،و رجل خدنة:يخادن النّاس كثيرا.

2-و الخدن و الخلص و الصّاحب و الصّديق و الرّفيق و الخليل و العشير و الصّفيّ و حواريّ الرّجل و وليجته بمعنى واحد،غير أنّ الخدن كما قال الرّاغب:«أكثر ما يستعمل في من يصاحب بشهوة»،نظرا إلى قوله تعالى:

وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ النّساء:25،خطابا للنّساء، و قوله: وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ المائدة:5،خطابا للرّجال.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد(أخدان)مرّتين،في آيتين مدنيّتين:

1- ...وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ... النّساء:25

2- ...إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ... المائدة:5

يلاحظ أوّلا:أنّ الأخدان في الآيتين جمع خدن مذكّرا و مؤنّثا،و فيهما بحوث:

1-أمر اللّه الرّجال في(1)بإيتاء مهور النّساء لذويهنّ بالمعروف،في حال كونهنّ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ. فائتمر المسلمون بما

ص: 341

أمرهم اللّه،فقال في(2)تقريرا لما تقدّم: إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ في حال كون الرّجال مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ. و لم يذكر لفظ «بالمعروف»في(2)لظنّه تعالى بالمسلمين حسنا،فيؤتون النّساء أجورهنّ بما لا ينكر في الشّرع.و هو دليل أيضا على أنّهم آتوهنّ كما أمرهم اللّه به في(1)،لأنّ المائدة من آخر السّور نزولا.

2-ينبئ سياق الآية(2)أنّ اتّخاذ الأخدان من قبل الرّجال كان شائعا بين العرب في الآونة الأخيرة،من عصر الوحي أيضا،و يبدو أنّ النّساء أقلعن عن هذه العادة المشينة،و لو كنّ عاكفات عليها لذكر ذلك أيضا.

3-إن قيل:أ لم يكن اتّخاذ الأخدان معروفا في مكّة؟

يقال:بلى،غير أنّه ذكر في المدينة فقط،لأنّها دار التّشريع؛حيث سنّت فيها القوانين الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و السياسيّة و غيرها.

ثانيا:جاء الأخدان في الآيتين للرّجال و النّساء يلفظ واحد حيث اشتهر كذلك بين النّاس.و لعلّه مشعر بدناءته حتّى كأنّه ليس من ذوي العقول،حتّى يفرّق بين المذكّر و المؤنّث و له نظائر في اللّغة.

ثالثا و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

المصاحبة: وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً

لقمان:15

الرّفاقة: وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً النّساء:69

الوليجة: وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً التّوبة:16

ص: 342

خ ذ ل

اشارة

3 ألفاظ،3 مرّات:2 مكّيّتان،1 مدنيّة

في 3 سور:2 مكّيّتان،1 مدنيّة

يخذلكم 1:-1 مخذولا 1:1

خذولا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :خذل،يخذل خذلا و خذلانا،و هو تركك نصرة أخيك.

و خذلان اللّه للعبد:ألاّ يعصمه من السّوء.

و الخاذل و الخذول،من الظّباء و البقر الوحشيّة:الّتي تخذل صواحبها في المرعى،و تنفرد مع ولدها،و قد أخذلها ولدها.(4:244)

أبو زيد :تقول العرب:أنا عذلة و أنت خذلة،و كلانا ليس بابن أمة،يقول:أنا ألومك،و أنت تخذلني،و لم نؤت من أمّنا.(ابن دريد 3:463)

الأصمعيّ: الخذول:الّتي تتخلّف عن القطيع،و قد خذلت و خذرت.(الأزهريّ 7:324)

ابن الأعرابيّ: الخاذل:المنهزم،و الخاذل:ضدّ النّاصر.(الأزهريّ 7:324)

الحربيّ: قوله:«لا يضرّهم من خذلهم».و الخذل:

ضدّ النّصرة.خذل يخذل خذلانا و خذلا و رجل مخذول؛ ترك وحده،و الخاذل من الوحش الّتي تخذل صواحبها، فتنفرد مع ولدها.[ثمّ استشهد بشعر](3:974)

ابن دريد :خذلت الرّجل أخذله خذلا و خذلانا، إذا تركت معونته،فأنا خاذل و هو مخذول.

خذلت الوحشيّة و أخذلت فهي خاذل و خذول و مخذل،إذا أقامت على ولدها و لم تتّبع السّرب.و هذا مقلوب،لأنّها هي المخذولة،فقلبوا فقالوا:خاذل و خذول و مخذل.

و يقال للشّيخ إذا ضعفت رجلاه:قد تخاذلتا،و كذلك السّكران.[ثمّ استشهد بشعر](2:204)

ظبية خاذل و خذول،إذا تأخّرت عن القطيع.

(3:444)

ص: 343

يقال:خذل القوم عنّي يخذلون خذلانا،و خذلوني خذلانا و خذلا.(3:495)

الأزهريّ: [نقل قول الخليل ثمّ قال:]

قلت:هكذا رأيته في النّسخة:«و تنفر»،و الصّواب:

«و تتخلّف»مع ولدها.و قيل:«تنفرد»مع ولدها،هكذا رواه أبو عبيد عن الأصمعيّ.

و التّخذيل:حمل الرّجل على خذلان صاحبه، و تثبيطه عن نصرته.(7:323)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و يقولون:«أنا عذلة و أخي خذلة،و كلانا ليس بابن أمة»يضرب مثلا لتفاوت الأمر و اختلافه.(4:318)

الجوهريّ: خذله خذلانا،إذا ترك عونه و نصرته.

و يقال:خذلت الوحشيّة،إذا قامت على ولدها.

و يقال:هو مقلوب،لأنّها هي المتروكة،و تخاذلت مثله.

و تخاذلت رجلاه،أي ضعفتا.[ثمّ استشهد بشعر]

و خذّل عنه أصحابه تخذيلا،أي حملهم على خذلانه.

و تخاذلوا،أي خذل بعضهم بعضا.

و رجل خذلة،مثال همزة،أي خاذل لا يزال يخذل.(4:1683)

ابن فارس: الخاء و الذّال و اللاّم أصل واحد،يدلّ على ترك الشّيء و القعود عنه.فالخذلان:ترك المعونة.

و يقال:خذلت الوحشيّة:أقامت على ولدها و هي خذول.

و من الباب:تخاذلت رجلاه:ضعفتا.

و رجل خذلة:للّذي لا يزال يخذل.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:165)

ابن سيده: خذله و خذل عنه،يخذل خذلا و خذلانا:ترك نصرته.

و خذلان اللّه العبد:ألاّ يعصمه من الشّبه.

و تخاذل القوم:تدابروا.

و خذلت الظّبية و البقرة،و غيرهما من الدّوابّ،و هي خاذل و خذول:تخلّفت عن صواحبها و انفردت،و قيل:

تخلّفت فلم تلحق.

و خذلت الظّبية و أخذلت و هي خاذل و مخذل:

أقامت على ولدها.

و الخذول من الخيل:الّتي إذا ضربها المخاض لم تبرح من مكانها.

و تخاذلت رجلا الشّيخ:ضعفتا.

و رجل خذول الرّجل:تخذله رجله من ضعف أو عاهة أو سكر.[ثمّ استشهد بشعر](5:159)

الرّاغب: و الخذلان:ترك-من يظنّ به أن ينصر- نصرته،و لذلك قيل:خذلت الوحشيّة ولدها،و تخاذلت رجلا فلان.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل خذلة:كثيرا ما يخذل.(144)

الزّمخشريّ: أعوذ باللّه من خذلانه،و هو خذّال لأصحابه،و خذول:غير نصور،و عذلة خذلة.

و تقول:لا يستوي من بذل نصرته لقومه بذلا،و من يخذلهم إذا استنصروه خذلا.

و من المجاز:خذلت الوحشيّة عن القطيع:تخلّفت عنها على ولدها.

و هي خذول و خاذل،و هنّ خواذل و خذّل.كأنّها

ص: 344

حين لم توافق صواحبها خذلتها و أخذلها ولدها.

و خذّل عنّي أصحابي:ثبّطهم،و لذلك سمّي الأحنف المخذّل لتخذيله النّاس عن عائشة رضي اللّه عنها يوم الجمل.

و خذل عنّي أصحابي:تأخّروا.

و هو خذول الرّجل:لمن لا تتبعه رجله إذا مشى لضعفه.

و تخاذلت رجلاه.

و تقول:فلان نوؤه متخاذل،و نهضه متواكل.

و شخص متخاذل:مختلف الخلقة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:105)

ابن الأثير: فيه:«و المؤمن أخو المؤمن لا يخذله» الخذل:ترك الإغاثة و النّصرة.(2:16)

الفيّوميّ: خذلته و خذلت عنه،من باب«قتل»، و الاسم:الخذلان،إذا تركت نصرته و إعانته،و تأخّرت عنه.

و خذّلته تخذيلا:حملته على الفشل،و ترك القتال.(1:165)

الفيروزآباديّ: خذله و عنه خذلا و خذلانا بالكسر:ترك نصرته،فهو خاذل و خذلة كهمزة،و الظّبية و غيرها:تخلّفت عن صواحبها و انفردت،أو تخلّفت فلم تلحق،فهي خاذل و خذول،و الظّبية:أقامت على ولدها كأخذلت و تخاذلت،فهي خاذل و مخذل.

و الخذول:الفرس الّتي إذا ضربها المخاض لم تبرح من مكانها.

و تخاذلت رجلاه:ضعفتا،و القوم:تدابروا.

و الخاذل:المنهزم و أخذل ولد الوحشيّة:وجد أمّه تخذله.(3:378)

الطّريحيّ: و تخاذلوا:أي خذل بعضهم بعضا.

و المخذّل هو الّذي يجبّن عن القتال،و يخوّف ملاقاة الأبطال.(5:362)

مجمع اللّغة :خذله يخذله خذلا و خذلانا:ترك عونه و نصرته،و هو ينتظر منه المعونة،و اسم المفعول:

مخذول.(1:322)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:159)

العدنانيّ: خذلان

و يقولون:بئس خذلان المرء وطنه في الملمّات.

و الصّواب:خذلان،كما تقول المعاجم كلّها.و فعله:خذله يخذله خذلا و خذلانا:تخلّى عن عونه و نصرته.قال تعالى: وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ آل عمران:160.

و في الحديث الشّريف:«المؤمن أخو المؤمن لا يخذله».

و جاء في معجم مقاييس اللّغة:الخاء و الذّال و اللاّم أصل واحد،يدلّ على ترك الشّيء و القعود عنه.

فالخذلان:ترك المعونة.

و من معاني خذل:

1-بان و انقطع.

2-خذلت الظّبية و نحوها:تخلّفت عن القطيع،أو أقامت على ولدها،فهي:خاذل و خذول.

3-فلان خذول الرّجل:تخذله رجله من ضعف،أو عاهة،أو سكر.(186)

ص: 345

محمود شيت:الخذلان:الاندحار.و الفشل.

خذل:حمل على الفشل و ترك القتال.خذّل أعداءه:

حملهم على ترك القتال.و خذّل أصحابه:حملهم على ترك القتال.(1:214)

المصطفويّ: فظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ترك النّصرة و العون،و يختلف هذا المعنى باختلاف الموارد و الأشخاص،فإنّ مفهوم النّصرة من الأفراد و في مواردها مختلفة،فنصر اللّه عزّ و جلّ و عونه أشدّ مراتب النّصر و أقوى و أتمّ،ثمّ النّصر من الأنبياء الهادين و الأئمّة حجج اللّه على النّاس أجمعين،ثمّ من العلماء الّذين هم ورثة الأنبياء،ثمّ من الآباء المؤمنين المتّقين،ثمّ من الأصدقاء الإخوان في اللّه ربّ العالمين.

و يؤيّد هذا الأصل:استعمالها في مقابل النّصر في الآية الكريمة وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ آل عمران:160،فاذا انقطع النّصر من عند اللّه تعالى و صرف عونه و لطفه و توجّهه و كرمه و فضله و تأييده و توفيقه عن عبد-و هو أتمّ النّصر و أكمل الإعانة و التّأييد-فمن ذا الّذي ينصره من بعده و من غيره.

وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً الفرقان:29 و من شأن الشّيطان خذل العبد و إضلاله،و تركه على الحيرة و الضّلالة و المخذوليّة.

لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً الإسراء:22،فإنّ غير اللّه تعالى لا يليق بأن يتوجّه إليه و يستعان به،و من اتّخذ غيره إلها و يتوجّه إليه و يستنصر منه،فهو يكون في نتيجة أمره مخذولا.

و خصوصيّة الأصل ملحوظ في جميع المشتقّات.

و لا يخفى لطف التّعبير في الآية: وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ بصورة الشّرط و التّعليق،دون الشّيطان و من يتّخذ إلها:

فنسب إليهما الخذلان.فإنّ نصر اللّه عزّ و جلّ لا ينقطع عن عباده بالكلّيّة.(3:30)

النّصوص التّفسيريّة

يخذلكم

إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ... آل عمران:160

الطّبريّ: إن يخذلكم ربّكم بخلافكم أمره و ترككم طاعته و طاعة رسوله فيكلكم إلى أنفسكم.(3:497)

الواحديّ: معنى الخذلان:القعود عن النّصرة وقت الحاجة إليها.(1:513)

نحوه البغويّ(1:527)،و ابن عطيّة(1:534)، و البروسويّ(2:117).

الزّمخشريّ: كما خذلكم يوم أحد.(1:475)

نحوه الشّربينيّ.(1:26)

الطّبرسيّ: أي يمنعكم معونته و يخل بينكم و بين أعدائكم بمعصيتكم إيّاه.(1:528)

الفخر الرّازيّ: من أتى بالمعصية فإنّ اللّه يخذله، و من خذله اللّه فقد وقع في شقاوة لا سعادة معها و ذلّ لا عزّ معه.(9:68)

أبو السّعود :كما فعل يوم أحد.و قرئ (يخذلكم) من أخذله،إذا جعله مخذولا.(2:56)

ص: 346

القرطبيّ: أي لا ينصركم أحد من بعده،أي من بعد خذلانه إيّاكم،لأنّه قال: وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ و الخذلان:

ترك العون...[ثمّ ذكر نحو كلام اللّغويّين](4:254)

أبو حيّان :هذا التفات،إذ هو خروج من غيبة إلى الخطاب،و لمّا أمره بمشاورتهم و بالتّوكّل عليه أوضح أنّ ما صدر من النّصر أو الخذلان إنّما هو راجع لما يشاء، و أنّه متى نصركم لا يمكن أن يغلبكم أحد،و متى خذلكم فلا ناصر لكم فيما وقع لكم من النّصر،أو بكم من الخذلان كيومي بدر و أحد فبمشيئته،و في هذا تسلية لهم عمّا وقع لهم من الفرار.(3:100)

الآلوسيّ: أي و إن يرد خذلانكم و يمنعكم معونته، كما فعل يوم أحد.(4:108)

نحوه المراغيّ.(4:118)

فضل اللّه : وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ لأنّكم ابتعدتم عن الطّاعة لأوامره و نواهيه،و فقدتم الإحساس بالوحدة الإيمانيّة بينكم،و رفضتم السّير على وفق حركة الأسباب في وجودكم.(6:349)

خذولا

لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً. الفرقان:29

ابن عبّاس: خاذلا يخذله عند ما يحتاج إليه.(302)

الطّبريّ: مسلّما لما ينزل به من البلاء،غير منقذه و لا منجيه.(9:385)

الثّعلبيّ: خَذُولاً عند نزول البلاء و العذاب به.(7:131)

الطّوسيّ: يخذله في وقت حاجته و معاونته،لأنّه على باطل.(7:486)

الواحديّ: يعني الكافر يتبرّأ منه يوم القيامة.

(3:339)

البغويّ: أي تاركا يتركه و يتبرّأ منه عند نزول البلاء و العذاب.و حكم هذه الآيات عامّ في حقّ كلّ متحابّين،اجتمعا على معصية اللّه عزّ و جلّ.(3:443)

الطّبرسيّ: لأنّه يتبرّأ منه في الآخرة و يسلّمه إلى الهلاك،و لا يغني عنه شيئا.(4:168)

النّسفيّ: هو مبالغة من«الخذلان»أي من عادة الشّيطان ترك من يواليه،و هذا حكاية كلام اللّه أو كلام الظّالم.(3:165)

الشّربينيّ: أي شديد الخذلان يورده ثمّ يسلّمه إلى أكره ما يكون،لا ينصره و لو أراد ما استطاع،بل هو في شرّ من ذلك،لأنّ عليه إثمه في نفسه،و مثل إثم من أضلّه.

[ثمّ أدام نحو البغويّ](2:659)

القرطبيّ: قيل:هذا من قول اللّه لا من قول الظّالم.

و تمام الكلام على هذا عند قوله: بَعْدَ إِذْ جاءَنِي.

و الخذل:التّرك من الإعانة،و منه خذلان إبليس للمشركين لمّا ظهر لهم في صورة«سراقة بن مالك»فلما رأى الملائكة تبرّأ منهم.و كلّ من صدّ عن سبيل اللّه و أطيع في معصية اللّه،فهو شيطان للإنسان خذولا عند نزول العذاب و البلاء.[ثمّ استشهد بشعر](13:26)

البيضاويّ: يواليه حتّى يؤدّيه إلى الهلاك،ثمّ يتركه و لا ينفعه؛«فعول»من الخذلان.(2:143)

ص: 347

البروسويّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و الخذلان:ترك النّصرة ممّن يظنّ به أن ينصر.و في وصفه بالخذلان إشعار بأنّه كان يعده في الدّنيا و يمنّيه بأنّه ينفعه في الآخرة.و هذا اعتراض مقرّر لمضمون ما قبله:

إمّا من جهته تعالى،و إمّا من تمام كلام الظّالم.و هذه الآية عامّة في كلّ متحابّين اجتمعا على معصية اللّه تعالى.

(6:206)

نحوه أبو السّعود.(5:8)

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

وصفه بالخذلان يشعر بأنّه كان يعده في الدّنيا و يمنّيه بأن ينفعه في الآخرة،و هو أوفق لحال إبليس عليه اللّعنة.

(19:13)

الطّباطبائيّ: وَ كانَ الشَّيْطانُ... من كلامه تعالى،و يمكن أن يكون تتمّة لكلام الظّالم ذكره تأسّفا و تحسّرا.

و الخذلان بضمّ الخاء:ترك من يظنّ به أن ينصر نصرته.و خذلانه أنّه يعد الإنسان أن ينصره على كلّ مكروه إن تمسّك بالأسباب و نسي ربّه،فلمّا تقطّعت الأسباب بظهور القهر الإلهيّ يوم الموت جزئيّا يوم القيامة كلّيّا،خذله و سلّمه إلى الشّقاء،قال تعالى:

كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ الحشر:16،و قال فيما يحكي عن الشّيطان يوم القيامة: ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إبراهيم:22.

و في هذه الآيات الثّلاث إشعار بل دلالة على أنّ السّبب العمدة في ضلال أهل الضّلال ولاية أهل الأهواء و أولياء الشّيطان،و المشاهدة يؤيّد ذلك.(15:204)

مكارم الشّيرازيّ: ذلك لأنّه يجرّ الإنسان إلى مواقع الخطر و الطّرق المنحرفة،ثمّ يتركه حيران،ثمّ يلحقه في خدمته.

ينبغي الانتباه إلى أنّ خَذُولاً صيغة مبالغة،بمعنى كثير الخذلان.و حقيقة الخذلان هي أن يربط الشّخص قلبه بصديق آخر يرفع يده عن مساعدته و إعانته تماما في اللّحظات الحسّاسة.

في هذه الجملة الأخيرة وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً الّتي هي مقولة اللّه،على سبيل الإنذار لجميع الظّالمين و الضّالّين،أو تتمّة لمقولة هؤلاء الأفراد المتحسّرين في القيامة،ذكر المفسّرون تفسيرين،و كلّ منهما منسجم مع معنى الآية،غير أنّ كونها مقولة اللّه تعالى أكثر انسجاما.(11:212)

فضل اللّه :الخذلان،بضمّ الخاء:ترك من يظنّ به أن ينصر نصرته:و خذلانه:أنّه يعد الإنسان أن ينصره على كلّ مكروه إن تمسّك بالأسباب و نسي ربّه،فلمّا تقطّعت الأسباب بظهور القهر الإلهيّ خذله و سلّمه إلى الشّقاء.[إلى أن قال:]

...خَذُولاً في كلّ ما يضلّه فيه ممّا ينحرف به عن الصّراط المستقيم.و بذلك يعيش الإنسان الإيحاء العميق،من خلال هذه الآية،كيف يواجه خطوات الشّيطان بوعي و حذر،ليبتعد عن السّير معها في معصية اللّه،و كيف يكون حذرا في صداقاته فيختار أصدقاءه من مواقع إيمانه،و لا يستسلم للمشاعر الحميمة في أحاسيسه حتّى لا تغلبه مشاعره على مبادئه،و حتّى لا تحتويه

ص: 348

الصّداقة بأوضاعها الضّاغطة من ناحية عاطفيّة،فيبتعد عن خطّ الاستقامة،و يقترب من خطّ الانحراف؛فيندم حيث لا ينفعه النّدم.(17:35،38)

مخذولا

لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً. الإسراء:22

ابن عبّاس: يخذلك معبودك.(235)

الواحديّ: لا ناصر لك.(3:102)

نحوه ابن الجوزيّ(5:21)و القرطبيّ(10:236) و شبّر(4:16).

البغويّ: مذموما من غير حمد مخذولا من غير نصر.(3:126)

الزّمخشريّ: و الخذلان و العجز عن النّصرة ممّن جعلته شريكا له.(2:444)

ابن عطيّة: و الخذلان في هذا يكون بإسلام اللّه و أن لا يكفل له بنصر،و المخذول:الّذي لا ينصره من يحبّ أن ينصره،و الخاذل من الظّباء:الّتي تترك ولدها.

(3:447)

الطّبرسيّ: معناه فإنّك إن فعلت ذلك قعدت، و بقيت ما عشت مذموما على لسان العقلاء،مخذولا و لا ناصر لك،يمنع اللّه نصرته عنك،و يكلك إلى ما أشركت به.(3:407)

نحوه الكاشانيّ.(3:184)

البيضاويّ: جامعا على نفسك الذّمّ من الملائكة و المؤمنين،و الخذلان من اللّه تعالى.و مفهومه أنّ الموحّد يكون ممدوحا منصورا.(1:581)

النّسفيّ: فتصير جامعا على نفسك الذّمّ و الخذلان.

و قيل:مشتوما بالإعانة محروما عن الإهانة؛إذ الخذلان ضدّ النّصر و العون،دليله قوله تعالى: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ آل عمران:160،حيث ذكر الخذلان بمقابلة النّصر.(2:310)

الشّربينيّ: لأنّ المشرك كاذب،و الكاذب يستوجب الذّمّ و الخذلان،و لأنّه قد ثبت بالدّليل أنّه لا إله و لا مدبّر إلاّ اللّه تعالى،فحينئذ تكون جميع النّعم حاصلة من اللّه تعالى،فمن أشرك باللّه فقد أضاف بعض تلك النّعم إلى غير اللّه،فاستحقّ الذّمّ و الخذلان.

(2:294)

أبو السّعود :خبران أو حالان،أي جامعا على نفسك الذّمّ من الملائكة و المؤمنين،و الخذلان من اللّه تعالى.و فيه إشعار بأنّ الموحّد جامع بين المدح و النّصرة.

(4:122)

نحوه البروسويّ.(5:146)

الآلوسيّ: إمّا خبران ل(تقعد)على القول الأخير [أي على القول بأن قعد بمعنى عجز]و إمّا حالان مترادفان،أي فتقعد جامعا على نفسك الخذلان من اللّه تعالى و الذّمّ من الملائكة و المؤمنين،أو من ذوي العقول؛ حيث اتّخذت محتاجا مفتقرا مثلك لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرّا لها،و نسبت إليه ما لا يصلح له،و جعلته شريكا لمن له الكمال الذّاتيّ،و هو الّذي خلقك و رزقك و أنعم عليك على ما عداه.(15:53)

ص: 349

مكارم الشّيرازيّ: الشّرك يكون سببا في أن يترك اللّه و تعالى الإنسان إلى الأشياء الّتي يعبدها،و يمنع عنه حمايته،و بما أنّ هذه المعبودات المختلفة و المصطنعة لا تملك حماية أيّ إنسان أو دفع الضّرر عنه،و لأنّ اللّه لا يحمي مثل هؤلاء،لذا فإنّهم يصبحون مخذولين،أي بدون ناصر و معين.(8:395)

فضل اللّه : مَخْذُولاً أي ليس له من ينصره.[إلى أن قال:]

عند ما انحرفت عن خطّ الاستقامة في العقيدة و العمل،ففقدت النّصير الّذي بيده النّصر كلّه و له القوّة كلّها،و لن تجد من دونه وليّا و لا نصيرا،فتعيش مخذولا عاجزا ذليلا.(14:74)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الخذل،و هو تخلّف الظّبي عن القطيع.يقال:خذلت الظّبية و البقرة و غيرهما تخذل خذلا و أخذلت،أي تخلّفت عن صواحبها و انفردت،أو أقامت على ولدها،و هي خاذل و خذول و مخذل،و قد أخذلها ولدها.و الخذول من الخيل:الّتي إذا ضربها المخاض لم تبرح مكانها.

و يقال على التّوسّع:تخاذلت رجلا الشّيخ،أي ضعفتا،و رجل خذول الرّجل:تخذله رجله من ضعف أو عاهة أو سكر.

و يقال أيضا:خذله و خذل عنه يخذله خذلا و خذلانا،أي ترك نصرته و عونه،و هو خاذل،و الخاذل:

المنهزم،و رجل خذلة:خاذل،لا يزال يخذل،و خذّل عنه تخذيلا:حملهم على خذلانه،و خذلان اللّه العبد:أن لا يعصمه من الشّبه فيقع فيها،و تخاذل القوم:تدابروا، و خذل بعضهم بعضا.

2-و قد انعكس معنى الخذلان على لفظه أيضا،أي التّخلّف و الفتور،فوافق اللّفظ المعنى في ذلك حسب نظريّة ابن جنّيّ،لأنّ«الخاء»حرف مهموس رخو، و«الذّال»مجهور رخو،و«اللاّم»مجهور متوسّط.و هذا التّركيب قليل في اللّغة؛إذ يبلغ عدد الموادّ الّتي تتّصف حروفها بهذه الصّفات الثّلاث في اللّغة العربيّة بضعا و عشرين مادّة.

كما أنّ سائر تقاليب هذه المادّة مهملة،و نظيرها في هذا النّوع مادّة(خ ذ م)و(ش ع ل)و(ش غ ل) و(ف ع م).

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المضارع،و اسم المفعول،و المبالغة،كلّ منها مرّة،في 3 آيات:

1- ...إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَ عَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ آل عمران:160

2- ...وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً

الفرقان:29

3- لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً الإسراء:22

يلاحظ أوّلا:أنّ الخذلان أسند إلى اللّه و إلى الشّيطان و إلى الإنسان،و فيه بحوث:

ص: 350

1-ذكر النّصر في(1)مرّتين،و الغلبة مرّة واحدة، تفؤّلا بذلك و تثبيتا لقلوب المؤمنين.و قوبل النّصر بالخذلان ترهيبا و ترغيبا،فالتّرهيب يراد به أنّه لو لا اللّه لتخطّفكم النّاس من هاهنا و هاهنا،فما تبقى لكم باقية، و التّرغيب أنّه حثّهم على الاستسلام إليه إذ قال:

وَ عَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ بالوثوق به و إناطة أمورهم عليه.

2-ربما قائل يقول:إنّ لفظ«و ان يخذلكم فلا ناصر لكم»يماثل قوله تعالى: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ، كما أنّه أخصر من قوله: فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ، فلم استغني عنه بذلك؟

يقال:أراد بقوله هذا أن يحملهم على الاعتراف بهذه الحقيقة و الإذعان له بها،لأنّ«من»هنا استفهاميّة تفيد معنى التّقرير،و لا يتحقّق هذا المعنى بما افترض.

3-جاءت(2) وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً بعد آيات من قول الظّالم ابتداء من يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ و انتهاء ب إِذْ جاءَنِي فاحتمل المفسّرون أنّه من كلام الظّالم أو من كلام اللّه،و هذا متعيّن عندنا،لأنّه متناسق لأكثر الآيات اللاّتي تختم بحكم كلّيّ من اللّه تعالى.مثل:

وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ المجادلة:6،فلاحظ خواتم الآيات.

4-وصف الشّيطان في(2)بأنّه خذول للإنسان:

وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً، و«فعول»مبالغة في الخذلان،أي أنّه شديد الخذلان للإنسان.و وصف الإنسان في(3)بأنّه مخذول: فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً، و«مفعول»يدلّ على من وقع عليه الفعل،أي أنّ الإنسان مخذول من اللّه كما في(1)،و مخذول من الشّيطان كما في(2)،إلاّ أنّ اللّه تعالى يخذل الكافرين، و الشّيطان يخذل المؤمنين،فخذلانه تعالى للإنسان عدل مجازاة لكفره لاستحقاقه،و خذلان الشّيطان له باطل لعدم استحقاقه و لكنّه لازم لعمله السّيّئ،فهذه الآيات لا تنفي اختيار الإنسان و حرّيّته،و لا تسلّمه للجبر.

لاحظ«ض ل ل،ه د ي».

ثانيا:الآية الأولى مدنيّة،و الأخيرتان مكّيتان.و قد عنى اللّه تعالى بهما مشركي مكّة،و عنى في الأولى المسلمين في المدينة.

ثالثا و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الفشل: وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا الأنفال:46

التّفرّق: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا آل عمران:103

ص: 351

ص: 352

خ ر ب

اشارة

لفظان مرّتان،في سورتين مدنيّتين

خرابها 1:-1 يخربون 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :يقال:خراب،و ثلاثة أخربة؛و الجمع:

خرب،كالكلمة و الكلم.و لغة تميم:خرب و كلم؛ الواحدة:خربة و كلمة.

و خرب خرابا و خرّبته تخريبا.و في الدّعاء:«اللّهمّ مخرّب الدّنيا و معمّر الآخرة»أي خلقتها للخراب.

و الخرّوبة:شجرة الينبوت.

و الخرب:الذّكر من الحبارى،و يجمع على خربان.

و الخربة:سعة خرت الأذن،و أهل السّند خرب.

و امرأة خرباء و عبد أخرب.

و الخرب:مصدر الخربة.

و الخربة أيضا:شرمة،أي شقّ في ناحية،و يقال:

ربّما كانت في ثغر الدّابّة.

و الخربة أيضا:عروة المزادة،و كلّ ثقبة مستديرة فهي خربة،و كذلك من الدّلو الّذي فيه عروة العرقوة.

و الخارب:اللّصّ.و ما رأينا من فلان خربا و خربة، أي فسادا في دينه أو شينا.

و خريبة:موضع بالبصرة يسمّى بصيرة الصّغرى.

و الخارب:من شدائد الدّهر.[ثمّ استشهد بشعر]

و اللّصّ من شدائد الدّهر،لأنّه يستأصل أموال النّاس.

و الخرابة:حبل من ليف و نحوه.

و خرّابة الإبرة:خرتها.

و الخرخوب:النّاقة الخوّارة الكثيرة اللّبن،في سرعة انقطاع.(4:255)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخرب:كهيئة«القصر»من الجبال،و هي الخربان.(1:221)

خربة الورك،و الخربة:عروة المزادة.(1:239)

خرب الدّار:مثل خرّبها و أخربها.

مثله ابن الأعرابيّ.(الصّغانيّ 1:114)

ص: 353

الخرب:ثقب الورك،و هو الخرابة و الخرّابة.

الخرب أيضا:منقطع الجمهور المشرف من الرّمل.(الأزهريّ 7:362)

أبو عبيدة :لكلّ مزادة:خربتان و كليتان.و يقال:

خربان،و يخرز الخربان إلى الكليتين.

(الأزهريّ 7:360)

من دوائر الفرس دائرة الخرب،و هي الدّائرة الّتي تكون عند الصّقرين،و دائرتا الصّقرين:هما اللّتان بين الحجبتين و القصريين.(الأزهريّ 7:362)

الأصمعيّ: الخرب:الشّعر المقشعرّ في الخاصرة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:362)

الخارب:اللّصّ،هو سارق البعران خاصّة؛و الجمع:

الخرّاب.تقول منه:خرب فلان بإبل يخرب خرابة،مثل كتب يكتب كتابة.(الجوهريّ 1:119)

اللّحيانيّ: خرب فلان بإبل فلان يخرب بها خربا و خروبا و خرابة و خرابة،أي سرقها.

(ابن سيده 5:177)

ابن الأعرابيّ: خربة المزادة:أذنها،و خربة السّنديّ:ثقبة شحمة أذنه.(الأزهريّ 7:360)

ابن دريد :و الخرب:ذكر الحبارى؛و الجمع:

خربان.

و الخربة:عروة المزادة؛و جمع خربة:خرب.

و الخربة:خرق في الورك في العظم،يلبسه اللّحم و الجلد ينفذ إلى الجوف.

و الخرب:دائرة في أعلى كشح الفرس.

و الثّقب في أذن الأخرب:خربة.و الأخرب:

السّندي المثقوب الأذن،و هو الأخرم أيضا.

و أخرب:اسم موضع.

و الخراب:ضدّ العمارة،و يقال:خرب المكان خرابا.

و الخرّوب:نبت معروف.

و الخرابة:سرقة الإبل خاصّة،هكذا قال الأصمعيّ: و لا يكادون يسمّون الخارب إلاّ سارق الإبل، و الفاعل:خارب و خرّاب.و قال:غيره:بل اللّصّ خارب.

(1:233)

أبو عبيد: في حديث ابن عمر في الّذي يقلّد بدنته فيضنّ بالنّعل،قال:«يقلّدها خرابة».

قال مروان،و قال عاصم:هي عروة المزادة،و الّذي يعرف في الكلام أنّها الخربة،و هي العروة؛و جمعها:

خرب.و إنّما سمّاها خربة لاستدارتها،و كذلك كلّ ثقب مستدير فهو خربة.[ثمّ استشهد بشعر](2:314)

الأزهريّ: و الخرّوبة:شجرة الينبوت.و بلغني أنّه كان ينبت في مصلّى سليمان كلّ يوم شجرة،فيسألها:ما أنت؟فتقول:أنا شجرة كذا،أنبت في أرض كذا،أنا دواء من داء كذا،فيأمر بها فتقطع،ثمّ تصرّ،و يكتب على الصّرّة اسمها و دواؤها.حتّى إذا كان في آخر ذلك نبتت الينبوتة،فقال لها:ما أنت؟فقالت:أنا الخرّوبة و سكتت،فقال سليمان صلّى اللّه عليه و سلّم:الآن أعلم أنّ اللّه قد أذن في خراب هذا المسجد و ذهاب هذا الملك،فلم يلبث أن مات.

يقال:خربة:إذا كان ثقبا غير مخروم؛و جمعها:

خرب.فإذا كانت مخرومة فهي خربة؛و الجميع:

ص: 354

الخرب.(7:359)

الصّاحب:الخراب:نقيض العمران،و ثلاثة أخربة؛ و الجميع:خرب بكسر الرّاء؛و الواحد:خربة؛و خرب يخرب خرابا.

و استخرب الرّجل:انكسر من أمر أصابه.

و استخربت إليه،إذا فارقك فوجدت عليه.

و استخربت لهذا الأمر خربة شديدة:تريد التّوجّع.

و رجل خرب:جبان.

و الخرّوبة:شجرة الينبوت.

و الخرب:الذّكر من الحبارى؛و الجميع:الخربان.

و الخربة و الخرب:سعة خرق الأذن؛أمة خرباء و عبد أخرب.و هي أيضا:شرمة في ثفر النّاقة.و عروة المزادة،و هي الخرّابة أيضا.

و كلّ ثقب مستدير:خربة و خريبة.

و الخرب:ثقب الورك الّذي عليه الفائل.و هو:

منقطع الجمهور المشرف من الرّمل.

و المخرّب من المزاد:الّذي جعل له عروة.

و ما رأينا منه خربة-أي فسادا في دينه و شينا- و خربة:مثله،و خربات و خربان للجميع.

و الخارب:اللّصّ؛و جمعه:أخراب،و المخرب:الّذي جمعهم.و شدائد الدّهر.

و خرّابة الإبرة:خرتها.

و الخرابة:حبل من ليف أو نحوه.

و خريبة:موضع.

و الخرّبة:الغربال؛و الجمع:خرّبات.

و الخرّابة:فم الدّبرة الّذي يسكر عند سقي الأرض.

و خربة في الجبل.

و الخرّاب:السّهم،و النّفيّ من المطر.

و الخرخوب:النّاقة الخوّارة الكثيرة اللّبن في سرعة انقطاع.

و الخربة:دائرة تكون تحت القصريين.(4:333)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّ رجلا سأله عن إتيان النّساء في أدبارهنّ،فقال:حلال،فلمّا ولّى دعاه، فقال:كيف قلت؟في أيّ الخربتين...؟

كلّ ثقب مستدير:خربة؛و الجميع:خرب.[ثمّ استشهد بشعر](1:375)

الجوهريّ: الخرب بالضّمّ:منقطع الجمهور من الرّمل،و الخرب أيضا:ثقب الورك،و الخربة مثله، و كذلك الخرابة،و قد يشدّد.

و الخربة أيضا:عروة المزادة،و كلّ ثقب مستدير فهو خربة.

و المخروب:المشقوق،و منه قيل:رجل أخرب للمشقوق الأذن،و كذلك إذا كان مثقوب الأذن،فإذا انخرم بعد الثّقب فهو أخرم.

و الخراب:ضدّ العمارة.و قد خرب الموضع بالكسر فهو خرب.

و دار خربة،و أخربها صاحبها،و خرّبوا بيوتهم،شدّد لفشوّ الفعل أو للمبالغة.

و الخارب:اللّصّ.[ثمّ نقل قول الأصمعيّ و أضاف:]

تقول منه:خرب فلان بإبل فلان يخرب خرابة:

مثل كتب يكتب كتابة.

و الخرب:ذكر الحبارى؛و الجمع:الخربان.و الخرب

ص: 355

أيضا:مصدر الأخرب،و هو الّذي فيه شقّ أو ثقب مستدير.

و الخرّوب بالتّشديد:نبت معروف،و الخرنوب لغة، و لا تقل:الخرنوب بالفتح.(1:118)

ابن فارس: الخاء و الرّاء و الباء أصل يدلّ على التّثلّم و التّثقّب.فالخربة:الثّقبة،و العبد الأخرب:

المثقوب الأذن.و الخرب:ثقب الورك،و الخربة:عروة المزادة.

و من الباب-و هو الأصل-الخراب:ضدّ العمارة، و الخرب:منقطع الجمهور من الرّمل.فأمّا الخارب:

فسارق الإبل خاصّة،و هو القياس،لأنّ السّرق إيقاع ثلمة في المال.

و ممّا شذّ عن الباب:الخرب،و هو ذكر الحبارى؛ و الجمع:خربان.

و أخرب:موضع.[ثمّ استشهد بشعر](2:174)

الهرويّ: في حديث المغيرة:«كأنّه أمة مخرّبة»أي مثقوبة الأذن،و تلك الثّقبة هي الخربة.

و في حديث عبد اللّه:«و لا سترت الخربة»يعني العورة،يقال:ما فيه خربة،أي عيب.و الخارب:اللّصّ.

(2:539)

ابن سيده: الخراب:ضدّ العمران؛و الجمع:أخربة.

خرب خربا،و أخربه،و خرّبه.

و الخربة:موضع الخراب؛و الجمع:خربات،و خرب.

قال سيبويه:و لا تكسّر«فعلة»لقلّتها في كلامهم.

و كلّ ثقب مستدير:خربة.

و قيل:هو الثّقب:مستديرا كان أو غير ذلك.

و خربة السّنديّ: ثقب شحمة أذنه،إذا كان غير مخروم.فإن كان مخروما،قيل:خربة السّنديّ.

و قيل:الخربة:سعة خرق الأذن.

و أخرب الأذن:كخربتها،اسم،كأفكل.

و خربة الإبرة،و خرّابتها:خرتها.

و خرب الورك،و خربه:ثقبه؛و الجمع:أخراب.

و كذلك،خربته،و خرابته،و خرّابته؛و خرّابته.

و خرب الشّيء يخربه خربا:ثقبه أو شقّه.

و الخربة:عروة المزادة،و قيل:أذنها؛و الجمع:

خرب،و خروب.هذه عن أبي زيد،نادرة،و هي الأخراب.

و الخرّابة،كالخربة.

و الخرباء من المعز:الّتي خربت أذنها و ليس لخربتها طول و لا عرض.

و أذن خرباء:مشقوقة الشّحمة.

و عبد أخرب:مشقوق الأذن.

و الخرب في الهزج:أن يدخل الجزء الخرم و الكفّ معا؛فيصير«مفاعيلن»إلى«فاعيل»،فينقل في التّقطيع إلى«مفعول».

قال أبو إسحاق:سمّي:أخرب،لذهاب أوّله و آخره، فكأنّ الخراب لحقه لذلك.

و الخربتان:مغرز رأس الفخذ.

و الأخراب:أطراف أعيار الكتفين السّفل.

و الخربة:وعاء يحمل فيه الرّاعي زاده،و الحاء فيه لغة.

و الخربة:و الخربة،و الخرب،و الخرب:الفساد في

ص: 356

الدّين،و هو من ذلك.

و الخارب:اللّصّ؛و خصّ بعضهم به سارق الإبل؛ و الجمع:خرّاب.

و قد خرب يخرب خرابة.[ثمّ نقل قول اللّحيانيّ و أضاف:]

هكذا حكاه متعدّيا بالباء.

و قال مرّة:خرب فلان،أي صار لصّا.

و الخرّاب،كالخارب.

و الخرابة:حبل من ليف.

و خليّة مخربة:خالية لم يعسّل فيها.[ثمّ ذكر النّخاريب و قال:]

و الخرب:منقطع الجمهور المشرف من الرّمل،ينبت الغضى.

و الخرب:حدّ من الجبل خارج.

و الخرب:اللّجف من الأرض.

و ما خرب عليه خربة،أي كلمة قبيحة.

و الخرب من الفرس:الشّعر المختلف وسط مرفقه.

و الخرب:ذكر الحبارى،و قيل:هو الحبارى كلّها؛ و الجمع:خراب،و أخراب،و خربان،عن سيبويه.

و مخرّبة:حيّ من بني تميم،أو قبيلة.

و مخربة:اسم.

و الخريبة:موضع؛و النّسب إليه خريبيّ،على غير قياس؛و ذلك أنّ ما كان على«فعيلة»فالنّسب إليه بطرح الياء،إلاّ ما شذّ،كهذا و نحوه.

و الخرّوب:شجر الينبوت؛واحدته:خرّوبة،و هو الخرنوب،و الخرنوب؛واحدته:خرنوبة،و خرنوبة.

و أراهم أبدلوا النّون من إحدى الرّاءين،كراهية التّضعيف،كقولهم:إنجانة،في:إجّانة.قال أبو حنيفة:هما ضربان:أحدهما الينبوتة،و هي هذا الشّوك الّذي يستوقد به،يرتفع الذّراع ذو أفنان و حمل أحمّ خفيف، كأنّه نفّاح،و هو بشع لا يؤكل إلاّ في الجهد،و فيه حبّ صلب زلاّل؛و الآخر الّذي يقال له:الخروب الشّاميّ، و هو حلو يؤكل،و له حبّ كحبّ الينبوت إلاّ أنّه أكبر، و ثمره طوال كالقثّاء الصّغار،إلاّ أنّه عريض،و يتّخذ منه سويق و ربّ.

و خرّوب،و أخرب:موضعان.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](5:175)

الطّوسيّ: الخرب،و الهدم،و النّقض نظائر،و نقيض الخراب:العمارة.يقال:خرب خرابا،و أخربه إخرابا، و تخرّب تخرّبا،و خرّبه تخريبا.

و الخرب:الذّكر من الحبارى؛و الجمع:الخربان.

و الخربة:سعة خرق الأذن.

و الخربة:عروة المزادة،و كذلك كلّ بيت مستدير.

و الخارب:اللّصّ.

و ما رأينا من فلان خربة،أي فسادا في دينه أو شينا.و الخارب:من شدائد الدّهر.

و الخرّوبة:شجرة الينبوت.

و الخرابة:سرقة الإبل.

قال الأصمعيّ: «لا يكادون يسمّون الخارب إلاّ سارق الإبل».

و أصل الباب:الخراب ضدّ العمران.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](1:418)

ص: 357

نحوه الطّبرسيّ.(1:189)

الرّاغب: يقال:خرب المكان خرابا،و هو ضدّ العمارة.قال اللّه تعالى: وَ سَعى فِي خَرابِها البقرة:

114،و قد أخربه و خرّبه.قال اللّه تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ الحشر:2، فتخريبهم بأيديهم إنّما كان لئلاّ تبقى للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه.

و قيل:كان بإجلائهم عنها.

و الخربة:شقّ واسع في الأذن،تصوّرا أنّه قد خرب أذنه.و يقال:رجل أخرب و امرأة خرباء،نحو أقطع و قطعاء،ثمّ شبّه به الخرق في أذن المزادة،فقيل:خربة المزادة.و استعارة ذلك كاستعارة الأذن له،و جعل الخارب مختصّا بسارق الإبل.

و الخرب:ذكر الحبارى؛و جمعه:خربان.[ثمّ استشهد بشعر](144)

الزّمخشريّ: أخربوا البلاد و خرّبوها،و قد خربت خربا،و بلد خراب.

و هو صاحب خربة،أي فساد و ريبة.

و ما رأينا من فلان خربة في دينه،و وقعوا في وادي خربات.

و قد خرب الإبل يخربها خرابة،مثل يطلبها طلابة، و هو خارب من خرّاب.

و في أذنه و سقائه و أديمه خربة،و هي الثّقبة الواسعة المستديرة.

و اجعل هذا الحبل في خربة المزادة،و هي عروتها.

و طعنه في خربة وركه.

و استخرب السّقاء:تثقّب.

و من المجاز:فلان خرب،أي جبان،استعير من «الخرب»واحد الخربان.

و هو خرب العظام،إذا لم يكن فيها مخّ،و هو خرب الأمانة،و عنده تخرب الأمانات.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](أساس البلاغة:106)

[في]حديث المغيرة«...كأنّه أمة مخرّبة».المخرّبة:

المثقوبة الآذان،من الخربة:شبّهه بأمة سنديّة،لشدّة أدمة لونه.(الفائق 1:311)

«من اقتراب السّاعة إخراب العامر،و عمارة الخراب».

قال أبو عمرو:الإخراب:أن يترك الموضع خربا، و التّخريب:الهدم،و قرأ وحده (يخرّبون بيوتهم) مشدّدة، و الباقون يُخْرِبُونَ و المراد ما يخرّبه الملوك من العمران،و تعمّره من الخراب شهوة لا صلاحا.

(الفائق 1:361)

[في حديث ابن عمر]:«في الّذي يقلّد بدنته فيضنّ بالنّعل:يقلّدها خرابة»هي بتشديد الرّاء و تخفيفها:عروة المزادة.و يقال لثقب الورك أيضا:خرابة باللّغتين،و لفم الدّبرة الّتي تفتح و تسكر:خرّابة بالتّشديد.

(الفائق 1:366)

ابن الأثير: فيه:«الحرم لا يعيذ عاصيا و لا فارّا بخربة»،الخربة:أصلها:العيب،و المراد بها هاهنا الّذي يفرّ بشيء يريد أن ينفرد به،و يغلب عليه،ممّا لا تجيزه الشّريعة.و الخارب أيضا:سارق الإبل خاصّة،ثمّ نقل إلى غيرها اتّساعا.و قد جاء في سياق الحديث في كتاب البخاريّ:أنّ الخربة:الجناية و البليّة.

ص: 358

قال التّرمذيّ: و قد روي:بخزية،فيجوز أن يكون بكسر الخاء،و هو الشّيء الّذي يستحيا منه،أو من الهوان و الفضيحة،و يجوز أن يكون بالفتح.و هو الفعلة الواحدة منها.

و في حديث بناء مسجد المدينة:«كان فيه نخل و قبور المشركين و خرب،فأمر بالخرب فسوّيت».

الخرب:يجوز أن يكون بكسر الخاء و فتح الرّاء جمع خربة،كنقمة و نقم،و يجوز أن تكون جمع خربة-بكسر الخاء و سكون الرّاء على التّخفيف-كنعمة و نعم،و يجوز أن يكون الخرب-بفتح الخاء و كسر الرّاء-كنبقة و نبق و كلمة و كلم،و قد روي بالحاء المهملة و الثّاء المثلّثة،يريد به الموضع المحروث للزّراعة.

و فيه:«أنّه سأله رجل عن إتيان النّساء في أدبارهنّ، فقال:في أيّ الخربتين؟أو في أيّ الخرزتين؟أو في أي الخصفتين؟»يعني في أيّ الثّقبين،و الثّلاثة بمعنى واحد، و كلّها قد رويت.

و منه حديث عليّ: «كأنّي بحبشيّ مخرّب على هذه الكعبة»يريد مثقوب الأذن.يقال:مخرّب و مخرّم.

و فيه:ذكر«الخريبة»هي بضمّ الخاء مصغّرة:محلّة من محالّ البصرة ينسب إليها خلق كثير.(2:17)

الصّغانيّ: أخرب،بفتح الهمزة و ضمّ الرّاء:موضع.

و خرّوب على وزن تنّور:موضع.و خرّوب أيضا:فرس النّعمان بن قريع أحد بني جشم بن بكر.

و خريبة:بالبصرة تسمّى البصيرة الصّغرى.

و جمع الخربة:خرب،كما أنّ جمع الكلمة:كلم.[إلى أن قال:]

و التّخربوت:النّاقة الفارهة،وزنها«تفعلوت».[إلى أن قال:]و الخربّان على«فعلاّن»بكسر الخاء و الرّاء و تشديد الباء:الجبان.

و الخرب بالتّحريك:موضع.

خرّبت المزادة:جعلت لها خربة.

و الخربة:الغربال.

و استخرب،الرّجل:انكسر من أمر أصابه، و استخربت إليه:إذا فارقك فوجدت عليه.

و الخرب:الجبان.و أخراب:موضع بنجد.

و خرب:جبل قرب تعار.و خرب أيضا:أرض عريضة بين هيت و الشّام.

و ذو الخرب:من نواحي سرّ من رأى.

و خربي:موضع كان ينزله عمرو بن الجموح.

و الخربة:أرض ممّا يلي ضريّة.

و خربة الملك على ستّ مراحل من قفط،يوجد فيها الزّمرّد.

و خرّوبة:حصن على سواحل بحر الشّام،مشرف على عكّاء.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](1:114)

الفيّوميّ: خرب المنزل فهو خراب،و يتعدّى بالهمزة و التّضعيف،فيقال:أخربته و خرّبته.

و الخربة:الثّقبة وزنا و معنى؛و الجمع:خرب،مثل غرفة و غرف.و الخربة أيضا:عروة المزادة.

و الأخرب:الكبش الّذي في أذنه شقّ أو ثقب مستدير،فإن انخرم ذلك فهو أخرم،و فعله:خرب و خرم خرما،من باب«تعب»،و خرب يخرب من باب«قتل» خرابة بالكسر،إذا سرق.(1:166)

ص: 359

الجرجانيّ: [في أوزان الأشعار]

الخرب:هو حذف الميم و النّون من«مفاعيلن»ليبقى «فاعيل»فينقل إلى مفعول و يسمّى:أخرب.(44)

الفيروزآباديّ: الخراب:ضدّ العمران،جمعه:

أخربة،و خرب كعنب عن الخطّابيّ،و لقب زكريّاء ابن يحيى الواسطيّ المحدّث،و هو كلقبه.

خرب ك«فرح»،و أخربه و خرّبه.

و الخربة ك«فرحة»:موضع الخراب؛جمعها:خربات و خرب ك«كتف»و خرائب،كالخربة بالكسر عن اللّيث؛ جمعها:كعنب،و قرى بمصر خمس بالشّرقيّة،و بلدة بالمنوفيّة.

و الخربة بالفتح:الغربال،و بالتّحريك:أرض لغسّان،و موضع لبني عجل،و سوق باليمامة،و العيب، و العورة،و الزّلّة؛جمعها:خربات محرّكة.و بالكسر:هيئة الخارب،و بالضّمّ:كلّ ثقب مستدير،وسعة خرق الأذن كالأخرب،و من الإبرة و الاست:ثقبها كخربها و خرّابتها مشدّدة و يضمّان،و عروة المزادة أو أذنها؛جمعها:خرب و خروب-و هذه نادرة-و أخراب،و وعاء يجعل فيه الرّاعي زاده،و الفساد في الدّين كالخرب،و يفتحان.

و خربه:ضرب خربته،و ثقبه أو شقّه،و فلان:صار لصّا،و الدّار:خرّبها كأخربها،و بإبل فلان خرابة- بالكسر و الفتح-و خربا و خروبا:سرقها.

و الخرب محرّكة ذكر الحبارى،و الشّعر المقشعرّ في الخاصرة أو المختلف وسط المرفق؛جمعه:أخراب و خراب و خربان بكسرهما.

و الخرباء:الأذن المشقوقة الشّحمة،و معزى خربت أذنها،و ليس لخربتها طول و لا عرض.

و الأخرب:المشقوق الأذن،و المصدر:الخرب محرّكة.

[ثمّ ذكر مواضع إلى أن قال]

و الخرّوب كتنّور،و الخرنوب و قد تفتح هذه:شجر برّيّه شوك ذو حمل كالتّفّاح لكنّه بشع،و شاميّه ذو حمل كالخيار شنبر إلاّ أنّه عريض،و له ربّ و سويق.

و الخرابة كثمامة:حبل من ليف،و صفيحة من حجارة تنقب فيشدّ فيها حبل،و ثقب الإبرة و نحوها.

و خليّة مخربة كمحسنة:فارغة.

و التّخاريب:خروق كبيوت الزّنابير،و الثّقب الّتي تمجّ النّحل العسل فيها.

و تخرّب القادح الشّجرة:قدحها.

و الخرّابتان مشدّدة و الخرنابتان بكسرهما:

الخنّابتان.(1:62)

الطّريحيّ: يقال:خرب المنزل فهو خرب.و دار خربة بكسر الرّاء،و هي الّتي باد أهلها.و الخراب:ضدّ العمارة.

و الخرب بفتح الخاء و الرّاء المهملة و الباء الموحّدة:

ذكر الحبارى؛و الجمع:خراب و أخراب،قاله في حياة الحيوان.

و الخرّوب بالضّمّ و التّشديد:نبت معروف.

و الخرنوب بالنّون:لغة فيه.(2:48)

مجمع اللّغة :خرب المنزل يخرب خربا و خرابا:

ضدّ عمر،و يتعدّى بالهمزة و التّضعيف،فيقال:أخربته و خرّبته.(1:322)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:159)

ص: 360

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل العمران.ثمّ إنّ مفهوم الخراب يختلف بالموارد و الموضوعات،فقد يكون بالتّثلّم و الانكسار، و قد يكون بالتّثقّب،أو بالاختلال و حدوث خلل،أو بالضّعف و الوهن،أو بالفساد،أو بالهدن،أو غير ذلك.

و آية تلك المعاني أن تصحّ نسبة العمران إليها،و تقبل التّعمير.

و هذه الخصوصيّة ملحوظ في جميع موارد استعمالها، فيقال:خرب المنزل،و خرب الكبش،إذا شقّ أذنه، و خرب الرّجل،إذا وهن أمانته و سرق،و خرب العبد فهو أخرب،إذا ثقب أذنه،و هكذا خرّب المزادة:جعل لها ثقبة،و تخرّب الدّود الشّجرة:ثقبها،و خرّب البيت:هدمه يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ الحشر:2،أي يهدمونها لئلاّ تستنفع منها غيرهم مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها البقرة:114،أي في هدمها،أو في إحداث خلل فيها،أو بالإفساد في نظمها،أو بإيجاد ضعف و وهن في جريان برنامجها،و كلّ ذلك يطلق عليه التّخريب.

و لا يخفى أنّ الخرب قريب من الخرق و الخرم لفظا و معنى،و لا يبعد أن يكون مفهوم الثّقب في الخرب مأخوذا،من الخرم فيكون استعمال الخرب في الثّقب واردا في غير الفصيح،و من غير الفصحاء تشابها.

(3:32)

العدنانيّ: الخرّوب و الخرنوب و الخرنوب، و يخطّئون من يقول:الخرنوب،اعتمادا على قول الصّحاح، ثمّ مختار،ثمّ الدّكتور مصطفى جواد في الجزء الأوّل من كتابه:«قل و لا تقل»:لا تقل الخرنوب بالفتح.و لكنّ اللّسان أجاز الخرّوب و الخرنوب و الخرنوب.

و قال التّاج:الخرّوب:نبت معروف،و الخرنوب- بالضّمّ على الأفصح،و قد تفتح هذه الأخيرة،و هي لغيّة -واحدته:خرنوبة و خرنوبة.و أجاز المغرب للمطرّزيّ، و القاموس،و مدّ القاموس:الخرنوب و الخرنوب.و قال متن اللّغة:الخرنوب لغيّة،واحده:خرنوبة و خرنوبة.

و قال مصطفى الشّهابيّ في كتابه:«أخطاء شائعة في ألفاظ العلوم الزّراعيّة و النّباتيّة»:الشّحرور:العصفور، الزّغلول:الصّرصور،البرغوث:العرقوب،الخرطوم:

العنقود،الخرنوب:كلّ هذه الألفاظ و أشباهها مضمومة الحروف الأولى،و النّاس يلفظونها بالفتح،و لم يرد بالضّمّ و الفتح إلاّ الخرنوب،و الخرّوب:اسم صحيح للخرنوب.(معجم الأخطاء الشّائعة:76)

النّصوص التّفسيريّة

خرابها

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها... البقرة:114

ابن عبّاس: في خراب بيت المقدس من إلقاء الجيف فيها،فكان خرابا إلى زمان عمر.(17)

مجاهد :النّصارى،كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى،و يمنعون النّاس أن يصلّوا فيه.

(الطّبريّ 1:545)

ص: 361

قتادة:هو بخت نصّر و أصحابه،خرّب بيت المقدس، و أعانه على ذلك النّصارى (1).(الطّبريّ 1:546)

السّدّيّ: الرّوم،كانوا ظاهروا بخت نصّر على خراب بيت المقدس حتّى خرّبه،و أمر به أن تطرح فيه الجيف، و إنّما أعانه الرّوم على خرابه،من أجل أنّ بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريّا.(الطّبريّ 1:546)

ابن زيد :هؤلاء المشركون،حين حالوا بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم الحديبيّة و بين أن يدخل مكّة،حتّى نحر هديه بذي طوى و هادنهم،و قال لهم:ما كان أحد يردّ عن هذا البيت،و قد كان الرّجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فما يصدّه،و قالوا:لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر و فينا باق.

و في قوله: وَ سَعى فِي خَرابِها قال:إذ قطعوا من يعمرها بذكره،و يأتيها للحجّ و العمرة.

(الطّبريّ 1:546)

الطّبريّ: و أمّا قوله: وَ سَعى فِي خَرابِها فإنّ معناه:و من أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه، و ممّن سعى في خراب مساجد اللّه ف(سعى)إذا عطف على(منع).[ثمّ ذكر الأقوال و أضاف:]

و أولى التّأويلات الّتي ذكرتها بتأويل الآية قول من قال:عنى اللّه عزّ و جلّ بقوله: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ النّصارى،و ذلك أنّهم هم الّذين سعوا في خراب بيت المقدس،و أعانوا بخت نصّر على ذلك،و منعوا مؤمني بني إسرائيل من الصّلاة فيه بعد منصرف بخت نصّر عنهم إلى بلاده.

و الدّليل على صحّة ما قلنا في ذلك قيام الحجّة بأن لا قول في معنى هذه الآية إلاّ أحد الأقوال الثّلاثة الّتي ذكرناها،و أن لا مسجد عنى اللّه عزّ و جلّ بقوله: وَ سَعى فِي خَرابِها إلاّ أحد المسجدين:إمّا مسجد بيت المقدس،و إمّا المسجد الحرام.و إذ كان ذلك كذلك،و كان معلوما أنّ مشركي قريش لم يسعوا قطّ في تخريب المسجد الحرام-و إن كانوا قد منعوا في بعض الأوقات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه من الصّلاة فيه-صحّ و ثبت أنّ الّذين وصفهم اللّه عزّ و جلّ بالسّعي في خراب مساجده غير الّذين وصفهم اللّه بعمارتها؛إذ كان مشركو قريش بنوا المسجد الحرام في الجاهليّة،و بعمارته كان افتخارهم، و إن كان بعض أفعالهم فيه كان منهم على غير الوجه الّذي يرضاه اللّه منهم.(1:545)

الثّعلبيّ: نزلت في ططيوس بن استيسانوس الرّوميّ و أصحابه؛و ذلك أنّهم غزوا بني إسرائيل،فقتلوا مقاتليهم و سبوا ذراريهم و حرّقوا التّوراة و خرّبوا بيت المقدس،و قذفوا فيه الجيف و ذبحوا فيه الخنازير،و كان خرابا إلى أن بناه المسلمون في أيّام عمر بن الخطّاب.

(1:260)

نحوه البغويّ.(1:156)

الطّوسيّ: اختلف المفسّرون في المعنيّ بهذه الآية، فقال ابن عبّاس،و مجاهد،و اختاره الفرّاء:إنّهم الرّوم،ا:

ص: 362


1- كان بخت نصّر قبل عيسى بقرون،فكيف أعانه النّصارى على خراب بيت المقدس؟و مثله النّصوص بعدها:

لأنّهم كانوا غزوا بيت المقدس،و سعوا في خرابه حتّى كانت أيّام عمر،فأظهر اللّه عليهم المسلمين،و صاروا لا يدخلونه إلاّ خائفين.

و قال الحسن و قتادة و السّدّيّ: هو بخت نصّر خرب بيت المقدس.قال قتادة:و أعانه عليه النّصارى.

و قال قوم:عنى به سائر المشركين،لأنّهم يريدون صدّ المسلمين عن المساجد.

و قال ابن زيد،و البلخيّ،و الجبّائيّ و الرّمّانيّ: المراد به مشركي العرب.و ضعّف هذا الوجه الطّبريّ من بين المفسّرين بأن قال:إنّ مشركي قريش لم يسعوا قطّ في تخريب المسجد الحرام.

و هذا ليس بشيء،لأنّ عمارة المساجد بالصّلاة فيها، و خرابها بالمنع من الصّلاة فيها.و قد روي أنّهم هدّموا مساجد كان أصحاب النّبيّ يصلّون فيها بمكّة،لمّا هاجر النّبيّ و أصحابه.

و قال:و هو أيضا لا يتعلّق بما قبله من ذمّ أهل الكتاب كما يتعلّق إذا عنى به النّصارى و بيت المقدس، فيصير الكلام منقطعا.

فيقال له:قد جرى ذكر لغير أهل الكتاب من المشركين في قوله: كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ و هذا أقرب من اليهود و النّصارى،و لأنّ ذلك كلّه ذمّ،فمرّة يوجّه إلى اليهود،و مرّة إلى النّصارى،و مرّة إلى عبّاد الأوثان،و غيرهم من أهل الشّرك.(1:416)

الواحديّ: لأنّ عمارتها بالعبادة فيها،و كلّ من منع من عبادة اللّه في مسجد فقد سعى في خرابها.(1:193)

الزّمخشريّ: بانقطاع الذّكر أو بتخريب البنيان، و ينبغي أن يراد ب(من منع)العموم،كما أريد ب مَساجِدَ اللّهِ و لا يراد الّذين منعوا بأعيانهم من أولئك النّصارى أو المشركين.(1:306)

الطّبرسيّ: أيّ عمل في تخريبها،و التّخريب:

إخراجهم أهل الإيمان منها عند الهجرة.و قيل:هو صدّهم عنها،و يجوز حمله على الأمرين.

و قيل:المراد المنع عن الصّلاة و الطّاعة فيها،و هو السّعي في خرابها.(1:190)

ابن الجوزيّ: في المراد بخرابها قولان:أحدهما أنّه نقضها،و الثّاني:منع ذكر اللّه فيها.(1:134)

الفخر الرّازيّ: السّعي في تخريب المسجد قد يكون لوجهين:

أحدهما:منع المصلّين و المتعبّدين و المتعهّدين له من دخوله،فيكون ذلك تخريبا.

و الثّاني:بالهدم و التّخريب،و ليس لأحد أن يقول:

كيف يصحّ أن يتأوّل على بيت اللّه الحرام و لم يظهر فيه التّخريب؟لأنّ منع النّاس من إقامة شعار العبادة فيه يكون تخريبا له.(4:11)

القرطبيّ: خراب المساجد قد يكون حقيقيّا كتخريب بخت نصّر و النّصارى بيت المقدس،على ما ذكر أنّهم غزوا بني إسرائيل مع بعض ملوكهم قيل:اسمه نطوس بن اسبيسانوس الرّوميّ-فيما ذكر الغزنويّ- فقتلوا و سبوا و حرّقوا التّوراة،و قذفوا في بيت المقدس العذرة و خرّبوه.

و يكون مجازا كمنع المشركين المسلمين حين صدّوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن المسجد الحرام.و على الجملة فتعطيل

ص: 363

المساجد عن الصّلاة و إظهار شعائر الإسلام فيها خراب لها.(2:77)

نحوه أبو حيّان.(1:358)

البيضاويّ: بالهدم أو التّعطيل.(1:77)

نحوه أبو السّعود(1:186)،و الآلوسيّ(1:364)، و المراغيّ(1:189).

النّسفيّ: بانقطاع الذّكر.(1:70)

السّمين: فِي خَرابِها متعلّق ب(سعى).و اختلف في(خراب)فقال:أبو البقاء:هو اسم مصدر بمعنى التّخريب كالسّلام بمعنى التّسليم،و أضيف اسم المصدر لمفعوله،لأنّه يعمل عمل الفعل.و هذا على أحد القولين في اسم المصدر هل يعمل أو لا؟

و قال غيره:هو مصدر خرب المكان يخرب خرابا، فالمعنى:سعى في أن تخرب هي بنفسها بعدم تعاهدها بالعمارة،و يقال:منزل خراب و خرب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:348)

الشّربينيّ: بالهدم أو التّعطيل،هذا عامّ لكلّ من خرب مسجدا أو سعى في تعطيله،و إن نزل في أهل الرّوم الّذين خربوا بيت المقدس،و قذفوا فيه الجيف،و ذبحوا فيه الخنازير،فكان خرابا إلى أن بناه المسلمون في أيّام عمر بن الخطّاب،أو في المشركين لما صدّوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عام الحديبيّة عن البيت.(1:87)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّ هؤلاء كفّار مكّة قبل الهجرة،فإنّ هذه الآيات نزلت في أوائل ورود رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة.(1:258)

مكارم الشّيرازيّ: تخريب المساجد مفهوم الآية المذكورة واسع-دون شكّ-غير محدود بزمان أو مكان معيّنين.إنّها مثل سائر الآيات الّتي نزلت في ظروف خاصّة،لكن حكمها ثابت على مرّ العصور و الدّهور.فكلّ الّذين يسعون بنوع من الأنواع في تخريب المساجد مشمولون بهذا الخزي و العذاب العظيم.

من الضّروريّ أن نؤكّد أنّ منع الذّكر في مساجد اللّه و السّعي في خرابها،لا يقتصر على هدم بنائها،بل إنّ كلّ عمل يؤدّي إلى القضاء على دور المسجد في المجتمع مشمول بهذه الآية.

سوف نرى في الآية: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ...

التّوبة:18،أنّ المقصود من العمران-استنادا إلى الأحاديث و الرّوايات الصّريحة-ليس هو تشييد البناء فحسب،بل الحضور فيها و إحيائها بالذّكر،هو نوع من العمران،بل أهمّ أنواع العمران.

و في النّقطة المقابلة-إذن-يكون كلّ عمل يبعد النّاس عن المساجد،و يبعد المساجد عن دورها ظلما كبيرا.[ثمّ أسف من سعي أتباع محمّد بن عبد الوهّاب في تخريب المشاهد المشرّفة،و عدّه من مصاديق إخراب المساجد الّتي يذكر فيها اسم اللّه.](1:301)

فضل اللّه:ما معنى خراب المساجد؟

و للمفسّرين خلاف في هؤلاء المقصودين بالآية، هل هم الرّوم الّذين غزوا بيت المقدس،و سعوا في خرابه،حتّى كانت أيّام عمر،فأظهر اللّه المسلمين عليهم، و صاروا لا يدخلونه إلاّ خائفين،كما روي عن ابن عبّاس و مجاهد،أم أنّهم قريش حين منعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دخول مكّة و المسجد الحرام،كما روي عن أبي عبد اللّه جعفر

ص: 364

الصّادق عليه السّلام،و به قال البلخيّ و الرّمّانيّ و الجبّائيّ؟

و قد علّق الطّبري في تفسيره على هذا الرّأي بأنّ قريشا لم يسعوا في تخريب المسجد الحرام،و بأنّ هذا لا يتناسب مع الآيات المتقدّمة الواردة في سياق ذمّ أهل الكتاب،بينما ينسجم الرّأي الأوّل معه.

و لكنّنا نرى مع صاحب«مجمع البيان»أنّ من الممكن أن يكون المراد من خرابها:تعطيل دورها في العبادة،لأنّ ذلك هو الأهمّ في وجودها،و هذا ما نستوحيه من التّركيز على المنع عن ذكر اسم اللّه فيها في بداية الآية،ممّا يوحي بأنّ القضيّة تعيش في هذا الجوّ.

و قد ورد في التّفسير في قوله تعالى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ التّوبة:18،أنّ المقصود بالتّعمير،هنا،تعميرها بالعبادة.و قد جاء في بعض الكلمات المأثورة في أخبار آخر الزّمان في صفات النّاس آنذاك:«مساجدهم عامرة و هي خراب من الهدى»،ممّا يقرّب إرادة هذا المعنى في نطاق هذا التّعبير.

و ربّما كان من القريب أن يكون السّعي بالخراب لا يعبّر عن واقع مباشر في حياة قريش في مكّة،بل يعبّر عن نتائج السّعي في تخريب الإسلام و تدميره،بما أثاروه من حروب ضدّه،و حاولوه من إضعاف لقوّته.و قد يتأيّد ذلك بالتّعبير بكلمة«المساجد»بصيغة الجمع،مع أنّها ليست متعدّدة في مكّة أو في بيت المقدس،ممّا يرجّح أنّ الآية لم تجر مجرى الحديث عن القصّة في نطاقها الخاصّ،بل جرت مجرى الانطلاق منها كنموذج للتّحدّث عن الفكرة العامّة،ممّا يجعل أجواء الآية قريبة من التّعبير عن الرّوح الّتي يعيشها أمثال هؤلاء،ممّن يحملون عقليّة قريش و روحيّتها،فتدفعهم إلى خنق حرّيّة المؤمنين و إلى السّعي في خراب المساجد.

و قد روى صاحب«مجمع البيان»أن الرّواية قد وردت بأنّ القرشيّين قد قاموا بهدم مساجد كان أصحاب النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم يتّخذونها أماكن للصّلاة لمّا هاجر النّبيّ إلى المدينة،و بذلك لا يبقى مجال لاعتراض الطّبريّ.

و لكنّنا لا نستقرب هذا الوجه،لأنّ الآية تتحدّث عن حالة قائمة يتحرّك فيها هؤلاء القوم للمنع من ذكر اسم اللّه و السّعي في خراب المساجد،لا تخريبها بعد رحيل المسلمين إلى المدينة.أمّا قضيّة الانسجام مع سياق الآيات المتقدّمة،فإنّنا لا نرى رأيه في اختصاص الحديث بأهل الكتاب،بل الظّاهر أنّ الحديث قد تعدّاه إلى غيرهم من المشركين،لأنّ السّياق قد تحرّك في اتّجاه توعية المسلمين في ما يتعلّق بأوضاع الفئات الّتي تقف ضدّهم،كما لاحظناه في الآيات الّتي تحدّثت عن المشركين و أهل الكتاب معا.

و نلاحظ في الآية أنّها لم تتحدّث عن دخولهم خائفين كواقع حيّ ليشار إلى القصّة في تفسير الآية،بل إنّها تحدّثت عمّا ينبغي أن يبلغه المسلمون من القوّة الّتي تخيف الكافرين؛فإذا جاءوا إليها-و هي مراكز المسلمين القياديّة و الاجتماعيّة-دخلوها دخول الخائف،سواء كان مجيئهم إليها لأجل الدّخول في الإسلام،أو لغير ذلك من الأغراض الأخرى.(2:182)

يخربون

...وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ

ص: 365

وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ. الحشر:2

ابن عبّاس: يعني بني النّضير،جعل المسلمون كلّما هدّموا شيئا من حصونهم جعلوا ينقضون بيوتهم و يخربونها،ثمّ يبنون ما يخرب المسلمون،فذلك هلاكهم.(الطّبريّ 12:30)

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 12:30)

كلّما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدّموها ليتّسع لهم المقاتل،و جعل أعداء اللّه ينقّبون دورهم من أدبارهم،فيخرجون إلى الّتي بعدها،فيتحصّنون فيها، و يكسرون ما يليهم منها،و يرمون بالّتي خرجوا منها أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(الثّعلبيّ 9:269)

عكرمة :كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها فخربوها من داخل،و خربها المسلمون من خارج.(الماورديّ 5:500)

نحوه الواحديّ.(4:270)

قتادة :جعلوا يخربونها من أجوافها،و جعل المؤمنون يخربون من ظاهرها.(الطّبريّ 12:29)

مقاتل:ذلك أنّ المنافقين دسّوا و كتبوا إلى اليهود ألاّ يخرجوا من الحصن،و أن يدرّبوا على الأزقّة و حصونها، فإن قاتلتم محمّدا فنحن معكم لا نخذلكم و لننصرنّكم، و لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم.فلمّا سار النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إليهم وجدهم ينوحون على كعب بن الأشرف،قالوا:يا محمّد واعية على إثر واعية،و باكية على إثر باكية،و نائحة على إثر النّائحة.قال:نعم،قالوا:فذرنا نبكي شجونا ثمّ نأتمر لأمرك.فقال:النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:اخرجوا من المدينة،قالوا:الموت أقرب إلينا من ذلك،فتنادوا الحرب،و اقتتلوا،و كان المؤمنون إذا ظهروا على درب من دروبهم تأخّروا إلى الّذي يليه،فنقّبوه من دبره،ثمّ حصّنوها،و يخرب المسلمون ما ظهروا عليه من نقض بيوتهم،فيبنون دروبا على أفواه الأزقّة،فذلك قوله: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ. (4:276)

ابن زيد :هؤلاء النّضير،صالحهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على ما حملت الإبل،فجعلوا يقلعون الأوتاد يخربون بيوتهم.(الطّبريّ 12:29)

الزّهريّ: بِأَيْدِيهِمْ بنقض الموادعة،و أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ بالمقاتلة.(الماورديّ 5:499)

نحوه الطّبرسيّ.(5:258)

أبو عمرو ابن العلاء: بِأَيْدِيهِمْ في تركها وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ في إجلائهم عنها.

(الماورديّ 5:500)

خرب بمعنى هدم و أفسد،و أخرب:ترك الموضع خرابا،و ذهب عنه.(أبو حيّان 8:243)

الفرّاء: اجتمع القرّاء على يُخْرِبُونَ إلاّ أبا عبد الرّحمن السّلميّ،فإنّه قرأ (يخرّبون) ،كأنّ(يخرّبون):

يهدّمون،و يُخْرِبُونَ بالتّخفيف:يخرجون منها يتركونها؛أ لا ترى أنّهم كانوا ينقبون الدّار فيعطّلونها؟

فهذا معنى: يُخْرِبُونَ، و الّذين قالوا(يخرّبون) ذهبوا إلى التّهديم الّذي كان المسلمون يفعلونه،و كلّ صواب.و الاجتماع من قراءة القرّاء أحبّ إليّ.(3:143)

أبو زرعة:قرأ أبو عمرو: (يخرّبون) بالتّشديد،أي يهدّمون.و حجّته قوله: بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فذكر البيوت و الأيدي للتّكثير و تردّد

ص: 366

الفعل،كما قال: وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ يوسف:23،و قد أجمعوا على التّشديد في هذا الحرف.

و قرأ الباقون: يُخْرِبُونَ بالتّخفيف؛و فيها وجهان:

أحدهما:أن يكون الإخراب يعني به التّرك.تقول:

أخربت المكان،إذا خرجت عنه و تركته،فمعنى يُخْرِبُونَ أي يتركون بيوتهم.

و الوجه الآخر:أن يراد معنى الهدم فيجرى ذلك مجرى:أوفيت و وفّيت،و أكرمت و كرّمت،و أذكرته و ذكّرته،و كذلك:خرّبت و أخربت.و الأصل أن تقول:

خرب المنزل و أخربه صاحبه،و خرّبه أيضا.(705)

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قراء الحجاز و المدينة و العراق سوى أبي عمرو يُخْرِبُونَ بتخفيف الرّاء،بمعنى يخرجون منها، و يتركونها معطّلة خرابا،و كان أبو عمرو يقرأ ذلك (يخرّبون) بالتّشديد في الرّاء،بمعنى يهدّمون بيوتهم.و قد ذكر عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ و الحسن البصريّ أنّهما كانا يقرءان ذلك نحو قراءة أبي عمرو.و كان أبو عمرو فيما ذكر عنه يزعم أنّه اختار التّشديد في الرّاء، لما ذكرت من أنّ الإخراب إنّما هو ترك ذلك خرابا بغير ساكن،و أنّ بني النّضير لم يتركوا منازلهم،فيرحلوا عنها، و لكنّهم خرّبوها بالنّقض و الهدم،و ذلك لا يكون فيما قال إلاّ بالتّشديد.

و أولى القراءتين في ذلك بالصّواب عندي قراءة من قرأه بالتّخفيف،لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.و قد كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يقول:التّخريب و الإخراب بمعنى واحد،و إنّما ذلك في اختلاف اللّفظ لا الاختلاف في المعنى.(12:30)

الزّجّاج: و معنى تخريبها بأيدي المؤمنين أنّهم عرضوها لذلك.(الواحديّ 4:370)

الثّعلبيّ: قراءة العامّة بالتّخفيف من الإخراب،أي يهدمون،و قرأ أبو عبد الرّحمن السّلميّ و الحسن البصريّ و أبو عمر و ابن العلاء بالتّشديد،من التّخريب.

و قال أبو عمرو:إنّما اخترت التّشديد،لأنّ الإخراب ترك الشّيء خرابا بغير ساكن،و أنّ بني النّضير لم يتركوا منازلهم فيرتحلوا عنها،و لكنّهم خرّبوها بالنّقض و الهدم.

و قال آخرون:التّخريب و الإخراب بمعنى واحد، قال الزّهريّ:ذلك أنّهم لمّا صالحهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على أنّ لهم ما أقلّت الإبل،كانوا ينظرون إلى الخشبة في منازلهم ممّا يستحسنونه أو العمود أو الباب،فيهدمون بيوتهم، و ينزعونها منها،و يحملونها على إبلهم،و يخرّب المؤمنون باقيها.(9:269)

الماورديّ: فيه خمسة أوجه:[الأوّل و الثّاني قولي الزّهريّ و أبي عمرو ابن العلاء و قد تقدّم]

الثّالث: بِأَيْدِيهِمْ في إخراب دواخلها و ما فيها، لئلاّ يأخذها المسلمون«و بايدى المؤمنين»في إخراب ظواهرها ليصلوا بذلك إليهم.[إلى أن قال:]

و في قوله: يُخْرِبُونَ قراءتان:بالتّخفيف و بالتّشديد،و فيهما وجهان:

أحدهما:أنّ معناهما واحد و ليس بينهما فرق.

الثّاني:أنّ معناهما مختلف.

و في الفرق بينهما وجهان:

ص: 367

أحدهما:أنّ من قرأ بالتّشديد أراد إخرابها بأفعالهم، و من قرأ بالتّخفيف أراد إخرابها بفعل غيرهم،قاله أبو عمرو.

و الثّاني:أنّ من قرأ بالتّشديد أراد إخراجها بهدمهم لها،و بالتّخفيف أراد فراغها بخروجهم عنها،قاله الفرّاء.

و لمن تعمّق بغوامض المعاني في تأويل ذلك وجهان:

أحدهما:يخربون بيوتهم،أي يبطلون أعمالهم بأيديهم،يعني باتّباع البدع،و أيدي المؤمنين في مخالفتهم.

[و لم يذكر الوجه الثّاني](5:500)

الزّمخشريّ: قرئ (يخرّبون) و يُخْرِبُونَ مثقّلا و مخفّفا.

و التّخريب و الإخراب:الإفساد بالنّقض و الهدم.

و الخربة:الفساد.كانوا يخربون بواطنها و المسلمون ظواهرها،لمّا أراد اللّه من استئصال شأفتهم،و أن لا يبقى لهم بالمدينة دار و لا منهم ديّار.

و الّذي دعاهم إلى التّخريب حاجتهم إلى الخشب و الحجارة ليسدّوا بها أفواه الأزقّة،و أن لا يتحسّروا بعد جلائهم على بقائها مساكن للمسلمين،و أن ينقلوا معهم ما كان في أبنيتهم من جيّد الخشب و السّاج المليح.

و أمّا المؤمنون فداعيهم إزالة متحصّنهم و متمنّعهم، و أن يتّسع لهم مجال الحرب.

فإن قلت:ما معنى تخريبهم لها بأيدي المؤمنين؟

قلت:لمّا عرّضوهم لذلك،و كانوا السّبب فيه، فكأنّهم أمروهم به و كلّفوهم إيّاه.(4:80)

نحوه النّسفيّ(4:239)،و أبو السّعود(6:224)، و المراغيّ(28:34).

ابن عطيّة:فقال الضّحّاك و الزّجّاج و غيره:كلّما هدم المسلمون من حصنهم في القتال هدموا هم من البيوت و خربوا الحصون دأبا،فهذا معنى تخريبهم.

و قال الزّهراويّ و غيره:كانوا لمّا أبيح لهم ما تستقلّ به الإبل لا يدعون خشبة حسنة،و لا نجافا و لا سارية إلاّ قلعوه و خربوا البيوت عنه.و قوله تعالى: وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ من حيث فعلهم،و كفرهم داعية إلى تخريب المؤمنين بيوتهم،فكأنّهم قد خربوها هم بأيدي المؤمنين.

و قال جماعة من المفسّرين:إنّهم لمّا أزمعوا الجلاء شحّوا على ترك البيوت سليمة للمؤمنين،فهدموا و خربوا لمعنى الإفساد،على من يأتي.

قال قتادة:خرب المؤمنون من خارج ليدخلوا، و خربوا هم من داخل.[ثمّ ذكر القراءتين](5:284)

ابن العربيّ: فيه خمسة أقوال:[و نقل قول الزّهريّ و أبي عمرو ابن العلاء و عكرمة ثمّ قال:]

الرّابع:كان المسلمون إذا هدموا بيتا من خارج الحصن هدموا بيوتهم يرمونهم منها.

الخامس:كانوا يحملون ما يعجبهم،فذلك خراب أيديهم.

و تحقيق هذه الأقوال:أنّ التّناول للإفساد إذا كان باليد كان حقيقة،و إن كان بنقض العهد كان مجازا،إلاّ أنّ قول الزّهريّ في المجاز أمثل من قول أبي عمر و ابن العلاء.

المسألة الثّالثة:زعم قوم أنّ من قرأها بالتّشديد أراد هدمها،و من قرأها بالتّخفيف أراد جلاءهم عنها،و هذه دعوى لا يعضدها لغة و لا حقيقة،و التّضعيف بديل

ص: 368

الهمزة في الأفعال.(4:1766)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:قال أبو عليّ:قرأ أبو عمرو وحده (يخرّبون) مشدّدة،و قرأ الباقون يُخْرِبُونَ خفيفه- و كان أبو عمرو يقول:الإخراب أن يترك الشّيء خرابا و التّخريب الهدم-و بنو النّضير خرّبوا و ما أخربوا.قال المبرّد:و لا أعلم لهذا وجها؛و يخربون هو الأصل خرب المنزل،و أخربه صاحبه،كقوله:علم و أعلمه،و قام و أقامه،فإذا قلت:يخرّبون من التّخريب،فإنّما هو تكثير، لأنّه ذكر بيوتا تصلح القليل و الكثير.و زعم سيبويه أنّهما يتعاقبان في بعض الكلام،فيجري كلّ واحد مجرى الآخر،نحو فرّحته و أفرحته،و حسّنه اللّه و أحسنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال الفرّاء:يخرّبون بالتّشديد:يهدّمون، و بالتّخفيف:يخرجون منها و يتركونها.

المسألة الثّانية:ذكر المفسّرون في بيان أنّهم كيف كانوا يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ وجوها:

أحدها:أنّهم لمّا أيقنوا بالجلاء،حسدوا المسلمين أن يسكنوا مساكنهم و منازلهم،فجعلوا يخربونها من داخل، و المسلمون من خارج.

و ثانيها:قال مقاتل:إنّ المنافقين دسّوا إليهم أن لا يخرجوا.و دربوا على الأزقّة و حصّنوها،فنقضوا بيوتهم و جعلوها كالحصون على أبواب الأزقّة،و كان المسلمون يخربون سائر الجوانب.

و ثالثها:أنّ المسلمين إذا ظهروا على درب من دروبهم خربوه،و كان اليهود يتأخّرون إلى ما وراء بيوتهم،و ينقّبونها من أدبارها.

و رابعها:أنّ المسلمين كانوا يخربون ظواهر البلد، و اليهود لمّا أيقنوا بالجلاء،و كانوا ينظرون إلى الخشبة في منازلهم ممّا يستحسنونه أو الباب فيهدمون بيوتهم، و ينزعونها و يحملونها على الإبل.

فإن قيل:ما معنى تخريبهم لها بأيدي المؤمنين؟

قلنا:قال الزّجّاج:لمّا عرّضوهم لذلك،و كانوا السّبب فيه،فكأنّهم أمروهم به و كلّفوه إيّاهم.

(29:280)

نحوه الشّربينيّ.(4:239)

القرطبيّ: [قال نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

و قال آخرون:التّخريب و الإخراب بمعنى واحد، و التّشديد بمعنى التّكثير.و حكى سيبويه:أنّ معنى فعّلت و أفعلت يتعاقبان،نحو أخربته و خرّبته و أفرحته و فرّحته.و اختار أبو عبيد و أبو حاتم الأولى.قال قتادة و الضّحّاك:كان المؤمنون يخرّبون من خارج ليدخلوا، و اليهود يخرّبون من داخل ليبنوا به ما خرّب من حصنهم.

فروي أنّهم صالحوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على ألاّ يكونوا عليه، و لا له،فلمّا ظهر يوم بدر قالوا:هو النّبيّ الّذي نعت في التّوراة،فلا تردّ له راية.فلمّا هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا و نكثوا،فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكّة،فحالفوا عليه قريشا عند الكعبة،فأمر عليه السّلام محمّد بن مسلمة الأنصاريّ فقتل كعبا غيلة ثم صبّحهم بالكتائب،فقال لهم:اخرجوا من المدينة.فقالوا:الموت أحبّ إلينا من ذلك؛فتنادوا بالحرب.

ص: 369

و قيل:استمهلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عشرة أيّام ليتجهّزوا للخروج،فدسّ إليهم عبد اللّه بن أبيّ المنافق و أصحابه:

لا تخرجوا من الحصن،فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم،و لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم.فدرّبوا على الأزقّة و حصّنوها إحدى و عشرين ليلة،فلمّا قذف اللّه في قلوبهم الرّعب و أيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصّلح،فأبى عليهم إلاّ الجلاء،على ما يأتي بيانه.[ثمّ نقل الأقوال](18:4)

نحوه الشّوكانيّ.(5:240)

البيضاويّ: بِأَيْدِيهِمْ ضنّا بها على المسلمين، و إخراجا لما استحسنوا من آلاتها، وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فإنّهم أيضا كانوا يخربون ظواهرها نكاية و توسيعا لمحالّ القتال.و عطفها على(ايديهم)من حيث إنّ تخريب المؤمنين مسبّب عن بغضهم،فكأنّهم استعملوهم فيه.

و الجملة حال أو تفسير للرّعب.[ثمّ نقل القراءتين]

(2:464)

أبو حيّان :[نقل الأقوال ثمّ قال:]

و قيل:شحّوا على بقائها سليمة فخرّبوها إفسادا.

و قرأ قتادة و الجحدريّ و مجاهد و أبو حيوة و عيسى و أبو عمرو (يخرّبون) مشدّدا،و باقي السّبعة مخفّفا، و القراءتان بمعنى واحد،عدّي«خرب»اللاّزم بالتّضعيف و بالهمزة.و قال صاحب الكامل في القراءات:التّشديد الاختيار على التّكثير.[ثمّ نقل كلام أبي عمرو المتقدّم](8:243)

السّمين:قوله: يُخْرِبُونَ يجوز أن يكون مستأنفا للإخبار به،و أن يكون حالا من ضمير قُلُوبِهِمُ و ليس بذاك.

و قرأ أبو عمرو (يخرّبون) بالتّشديد و باقيهم بالتّخفيف،و هما بمعنى،لأنّ«خرب»عدّاه أبو عمرو بالتّضعيف و هم بالهمزة.و عن أبي عمرو أنّه فرّق بمعنى آخر يقال:خرّب بالتّشديد هدم و أفسد،و أخرب بالهمزة:ترك الموضع خرابا،و ذهب عنه.و اختار الهذليّ قراءة أبي عمرو،لأجل التّكثير.

و يجوز أن يكون يُخْرِبُونَ تفسيرا للرّعب فلا محلّ له أيضا.(6:293)

البروسويّ: الجملة استئناف لبيان حالهم عند الرّعب،أي يخربونها بأيديهم ليسدّوا بما نقضوا منها من الخشب و الحجارة أفواه الأزقّة،و لئلاّ تبقى بعد جلائهم مساكين للمسلمين،و لينقلوا معهم بعض آلاتها المرغوب فيها ممّا يقبل النّقل.

و الإخراب و التّخريب واحد،يقال:خرب المكان خرابا و هو ضدّ العمارة،و قد أخربه و خرّبه،أي أفسده بالنّقض و الهدم،غير أنّ في التّشديد مبالغة من حيث التّكثير،لكثرة البيوت،و هو قراءة أبي عمرو.

و فرّق أبو عمرو بين الإخراب و التّخريب،فقال:

خرّب بالتّشديد،بمعنى هدم و نقض و أفسد،و أخرب بالهمزة،ترك الموضع.[ثمّ ذكر وجه التّشديد كما تقدّم عن أبي عمرو]

إن قيل:البيوت هي الدّيار،فلم لم يقل:«يخربون ديارهم»على وفق ما سبق؟و أيضا كيف ما كان الإخراج من ديارهم و هي مخرّبة؟

أجيب بأنّ الدّار ما له بيوت،فيجوز إخراب بعضها

ص: 370

و إبقاء بعضها على مقتضى الرّأي،فيكون الخروج من الباقي،على أنّ الإخراج لا يقتضي العمارة،إذ يجوز أن يكون بإخراب المساكن و الطّرح منها.

قال سهل رحمه اللّه: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ أي قلوبهم بالبدع. وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ حيث كانوا يخربونها إزالة لمتحصّنهم و متمنّعهم،و توسيعا لمجال القتال،و اضرارا بهم.و إسناد هذا إليهم لما أنّهم السّبب فيه،فكأنّهم كلّفوهم إيّاه،و أمروهم به.و هذا كما في قوله عليه السّلام:«لعن اللّه من لعن والديه»و هو كقوله عليه السّلام:

«من أكبر الكبائر أن يسبّ الرّجل والديه»فقالوا:و كيف يسبّ الرّجل والديه؟فقال:يسابّ الرّجل فيسبّ أباه فيسبّ أباه و يسبّ أمّه فيسبّ أمّه».

يقول الفقير:فيه إشارة إلى أنّ استناد الكفّار إلى الحصون و الأحجار،و أنّ اعتماد المؤمنين على اللّه الملك الغفّار.و لا شكّ أنّ من اعتمد على المأمن الحقيقيّ ظفر بمراده فيه دنياه و آخرته،و من استند إلى ما سوى اللّه تعالى خسر خسرانا مبينا في تجارته.و إنّ الإنسان بنيان الرّبّ،فربّما قتل المرء نفسه و تسبّب له،فهدم بنيان اللّه فصار ملعونا.و قس على هذا حال القلب فإنّه بيت اللّه و اجتهد حتّى لا يغلب عليه النّفس و الشّيطان.(9:419)

الآلوسيّ: بِأَيْدِيهِمْ ليسدّوا بما نقضوا منها من الخشب و الحجارة أفواه الأزقّة،و لئلاّ تبقى صالحة لسكنى المسلمين بعد جلائهم،و لينقلوا بعض آلاتها المرغوب فيها ممّا يقبل النّقل كالخشب و العمد و الأبواب وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ حيث كانوا يخربونها من خارج ليدخلوها عليهم،و ليزيلوا تحصّنهم بها،و ليتّسع مجال القتال، و لتزداد نكايتهم.و لمّا كان تخريب أيدى المؤمنين بسبب أمر أولئك اليهود،كان التّخريب بأيدي المؤمنين كأنّه صادر عنهم،و بهذا الاعتبار عطفت أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ على(ايديهم)و جعلت آلة لتخريبهم، مع أنّ الآلة هي أيديهم أنفسهم.

(فيخربون)على هذا إمّا من الجمع بين الحقيقة و المجاز،أو من عموم المجاز،و الجملة إمّا في محلّ نصب على الحاليّة من ضمير(قلوبهم)أو لا محلّ لها من الإعراب، و هي إمّا مستأنفة جواب عن سؤال تقديره:فما حالهم بعد الرّعب؟أو معه،أو تفسير للرّعب بادّعاء الاتّحاد،لأنّ ما فعلوه يدلّ على رعبهم،إذ لولاه ما خرّبوها.[ثمّ نقل القراءتين](28:41)

ابن عاشور :جملة: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ حال من الضّمير المضاف إليه قُلُوبِهِمُ، لأنّ المضاف جزء من المضاف إليه،فلا يمنع مجيء الحال منه.

و المقصود التّعجيب من اختلال أمورهم،فإنّهم و إن خربوا بيوتهم باختيارهم لكن داعي التّخريب قهريّ.

و الإخراب و التّخريب:إسقاط البناء و نقضه.

و الخراب:تهدّم البناء.[ثمّ أشار إلى القراءتين و قال:]

و أشارت الآية إلى ما كان من تخريب بني النّضير بيوتهم،ليأخذوا منها ما يصلح من أخشاب و أبواب ممّا يحملونه معهم،ليبنوا به منازلهم في مهاجرهم،و ما كان من تخريب المؤمنين بقيّة تلك البيوت كلّما حلّوا بقعة تركها بنو النّضير.

و قوله: بِأَيْدِيهِمْ هو تخريبهم البيوت بأيديهم، حقيقة في الفعل و في ما تعلّق به.و أمّا تخريبهم بيوتهم

ص: 371

بأيدي المؤمنين،فهو مجاز عقليّ في إسناد التّخريب الّذي خرّبه المؤمنون إلى بني النّضير،باعتبار أنّهم سبّبوا تخريب المؤمنين لما تركه بنو النّضير.

فعطف أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ على بِأَيْدِيهِمْ بحيث يصير متعلّقا بفعل يُخْرِبُونَ استعمال دقيق، لأنّ تخريب المؤمنين ديار بني النّضير لمّا وجدوها خاوية تخريب حقيقيّ،يتعلّق المجرور به حقيقة.

فالمعنى:و يسبّبون خراب بيوتهم بأيدي المؤمنين، فوقع إسناد فعل يُخْرِبُونَ على الحقيقة،و وقع تعلّق و تعليق وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ به على اعتبار المجاز العقليّ،فالمجاز في التّعليق الثّاني.

و أمّا معنى التّخريب فهو حقيقيّ بالنّسبة لكلا المتعلّقين،فإنّ المعنى الحقيقيّ فيهما هو العبرة الّتي نبّه عليها قوله تعالى: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ، أي اعتبروا بأن كان تخريب بيوتهم بفعلهم،و كانت آلات التّخريب من آلاتهم و آلات عدوّهم.(28:64)

الطّباطبائيّ: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ لئلاّ تقع في أيدي المؤمنين بعد خروجهم،و هذه من قوّة سلطانه تعالى عليهم؛حيث أجرى ما أراده بأيدي أنفسهم و أيدي المؤمنين،حيث أمرهم بذلك،و وفّقهم لامتثال أمره و إنفاذ إرادته. فَاعْتَبِرُوا و خذوا بالعظة يا أُولِي الْأَبْصارِ بما تشاهدون من صنع اللّه العزيز، الحكم بهم قبال مشاقّتهم له و لرسوله...

و قيل:المراد بتخريب البيوت اختلال نظام حياتهم، فقد خرّبوا بيوتهم بأيديهم؛حيث نقضوا الموادعة، و بأيدي المؤمنين:بعثوهم على قتالهم.و فيه أنّ ظاهر قوله: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ... أنّه بيان لقوله: فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا... من حيث أثره،فهو متأخّر عن نقض الموادعة.(19:202)

مكارم الشّيرازيّ: و الطّريف هنا أنّ المسلمين كانوا يخرّبون الحصون من الخارج ليدخلوا إلى عمق قلاعهم،و اليهود كانوا يخرّبونها من الدّاخل حتّى لا يقع شيء مفيد منها بأيدي المسلمين،و نتيجة لهذا فقد عمّ الخراب التّامّ جميع قلاعهم و حصونهم.

و حول تفسير هذه الآية فقد وردت تفاسير أخرى أيضا من ضمنها:أنّ اليهود كانوا يخرّبونها من الدّاخل لينهزموا،أمّا المسلمون فتخريبهم لها من الخارج، ليظفروا باليهود،و يجهزوا عليهم.إلاّ أنّ هذا الاحتمال مستبعد.

و قيل:إن للآية تفسيرا آخر،و هو كقولنا:إنّ الشّخص الفلانيّ هدم بيته و حياته بيده،يعني أنّه بسبب جهله و تعنّته دمّر حياته.

أو أنّ المقصود من تخريب بعض البيوت،هو من أجل إغلاق الأزقّة الموجودة داخل القلاع،و منع المسلمين من التّقدّم،أو لكي لا يستطيعوا السّكن فيها.

أو أنّهم خرّبوا قسما من البيوت داخل القلعة حتّى إذا ما تحوّلت الحرب إلى داخلها،يكون هنالك مكان كاف للمناورة و الحرب.

أو أنّ موادّ بناء بعض البيوت كان ثمينا،فخرّبوها لكي يحملوا ما هو مناسب منها،إلاّ أنّ التّفسير الأوّل أنسب من الجميع.(18:159)

ص: 372

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخربة:سعة خرق الأذن؛ و الجمع:خرب،و المخروب:المشقوق،يقال:رجل أخرب،أي مشقوق الأذن أو مثقوبها،و امرأة خرباء كذلك،و خربة السّنديّ:ثقب شحمة أذنه إذا كان ثقبا غير مخروم،فإن كان مخروما قيل:خربة السّنديّ.

و الخرباء من المعز:الّتي خربت أذنها،و ليس لخربتها طول و لا عرض،و أذن خرباء:مشقوقة الشّحمة.

ثمّ أطلق على كلّ ثقب مستدير خربة توسّعا، كخربة الإبرة،و هي خرّابتها أيضا،و خربة المزادة:

عروتها،لاستدارتها؛و الجمع:خرب و خروب و أخراب، و قد خرب الشّيء يخربه خربا:ثقبه أو شقّه.

و الخربة:ثقب رأس الورك،و هو الخرب و الخرابة و الخرّابة و الخرب،و الجمع:أخراب،و الأخراب:أطراف أعيار الكتفين السّفل.

و الخربة:وعاء يجعل فيه الرّاعي زاده،كأنّه مستدير.

و الخرب:منقطع الجمهور من الرّمل،لاستدارته.

و الخرب:حدّ من الجبل خارج،و اللّجف من الأرض،أي حفرها،لاستدارته.

و الخرب من الفرس:الشّعر المختلف وسط مرفقه، كأنّه مستدير.

و خليّة مخربة:فارغة لم يعسّل فيها،كأنّها مثقوبة.

و منه:الخراب:ضدّ العمران؛و الجمع:أخربة.يقال:

خرب خربا فهو خرب،و أخربه و خرّبه.و الخربة:

موضع الخراب؛و الجمع:خربات و خرب.يقال:دار خربة،و أخربها صاحبها،و قد خرّبها المخرّب تخريبا، و خرّبوا بيوتهم:هدموها.و الأخرب في الشّعر:ذهاب أوّله و آخره،فكأنّ الخراب لحقه لذلك.

و الخارب:سارق الإبل خاصّة،ثمّ نقل إلى غيرها اتّساعا،لأنّه يوجد ثلمة في المال؛و الجمع:خرّاب.يقال:

خرب فلان بإبل فلان يخرب بها خربا و خروبا و خرابة و خرابة،أي سرقها.و الخارب:من شدائد الدّهر،لأنّها تثلم من تصيبه،و هو الخرّاب أيضا.

و الخربة و الخربة و الخرب و الخرب:الفساد في الدّين،و هو من ذلك،لأنّ من يفسد فيه يخربه كما يخرب الهادم الدّار.يقال:ما رأينا من فلان خربة و خرباء منذ جاورنا،أي فسادا في دينه،و ما خرّب عليه خربة:كلمة قبيحة.

2-و قد اعترى الإبدال بعض أحرف هذه المادّة، نحو:الخربة،أي الوعاء الّذي يجعل فيه الرّاعي زاده، و هو الحربة بالحاء أيضا،و لغة الخاء هي الأصل،كما تقدّم في«ح ر ب».

و الخرابة:حبل من ليف أو نحوه،و لعلّه من«خ ل ب»:إذ الخلب:حبل دقيق صلب الفتل من ليف أو قنّب أو شيء صلب،و الخلبة و الخلبة:اللّيفة؛و الجمع:خلب و خلّب.و إبدال اللاّم راء سائغ في اللّغة،مثل:هدل الحمام هديلا،و هدر هديرا،إذا صوّت.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظان: يُخْرِبُونَ و(خراب)في آيتين:

1- ...يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ

ص: 373

فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ الحشر:2

2- وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها... البقرة:114

يلاحظ أوّلا:أنّ الخراب كان بفعل الإنسان،ليس بفعل الحدثان،و فيه بحوث:

1-وصف اللّه في(1)حال اليهود حينما باغتهم و قذف في قلوبهم الرّعب بأنّهم يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ للتّقهقر؛إذ طارت أنفسهم شعاعا.و تابعهم المسلمون في خرابها أيضا للتّقدّم،و شتّان بين خراب الفرار و خراب الانتصار فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ.

2-و قد اختلفوا في سبب إخراب بيوتهم بأيديهم على وجوه:

منها:أنّهم كلّما أخرب المسلمون دارا لهم فإنّهم هدموها رأسا ليبنوها من جديد.

و منها:كلّما هدم المسلمون دارا لهم فاليهود ينقّبون دورهم من أدبارهم،فيخرجون إلى الّتي بعدها فيتحصّنون فيها و يكسرون ما يليهم منها،و يرمون بالّتي خرجوا منها المسلمين.

و منها:أنّ بيوتهم كانت مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها،و يتحسّروا هم عليها،فكانوا يخربونها من داخلها،و المسلمون أخربوها من خارجها.

و منها:أنّ المسلمين إذا ظهروا على درب من دروبهم فإنّهم تأخّروا إلى الّذي يليه فنقّبوه من دبره،ثمّ حصّنوه،فيخرب المسلمون ما ظهروا عليه من نقض بيوتهم،فيبنون دروبا و يسدّون بها أفواه الأزقّة.أو اليهود هم سدّوها بذلك لئلاّ يدخلها المسلمون.

و منها:أنّهم كانوا يهدمونها ليأخذوا ما فيها من الخشب،و العمد،و الأوتاد،و السّاج المليح،و السّارية، و الحجارة،و يحملوها معهم بعد ما صالحهم النّبيّ عليه السّلام على ما حملت الإبل.و هذا الوجه يتناسب مع ما نعرفه من الشّحّ و البخل فيهم.

و منها:أنّ المراد بإخراجهم بيوتهم،تركها،و بذلك فرّقوا بين الإخراب و التّخريب في القراءة بالتّخفيف و التّشديد،فلاحظ النّصوص.

و كلّ من هذه الأقوال له وجه،لاحظ نصوص ابن العربيّ،و الفخر الرّازيّ و المتأخّرين.

و لكن لا عبرة بقول من قال:إنّ الخراب هنا مجازيّ، و يراد به خراب الألفة بينهم و بين المسلمين،لأنّه حال لما تقدّم من قوله: فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، و صاحب الحال هو الضّمير في قُلُوبِهِمُ. و يجوز أن يكون الخراب بيان لما تقدّم أيضا،و على كلا التّقديرين إنّ الخراب متأخّر عن مباغتتهم و امتلاء قلوبهم رعبا،فلا يتّسق مع ما ذكر.

3-اختلفوا في فحوى التّخريب في(2)و في المخرّب و المخرّب على أقوال؛قالوا:يراد بالخراب:الهدم أو التّعطيل،و المخرّب نبوخدنصّر أو الرّوم أو قريش أو النّصارى،و المخرّب بيت المقدس أو المسجد الحرام أو مواضع السّجود فيه،أو مساجد كانت في مكّة،أو جميع الأرض.

و إن ذهبنا إلى معنى«الخراب»حقيقة،فلا بدّ أن نقول:إنّ المخرّب نبوخذنصّر،لأنّه خرّب بيت المقدس في القرن السّابع قبل ميلاد المسيح عليه السّلام،و كانفه على ذلك

ص: 374

الرّوم الوثنيّون،و ليس النّصارى كما قال به بعض؛إذ ما كان في زمانه دين سماويّ إلاّ اليهوديّة في فلسطين، و الحنيفيّة في بعض بقاع الأرض.

و لعلّ المخرّب على هذا المعنى قريش،فإنّها خرّبت المساجد الّتي بناها المسلمون في مكّة،بعد هجرتهم منها.

و الأظهر أنّ معنى الخراب هنا مجازيّ،أي تعطيل الصّلاة في مساجد اللّه و منع العبادة فيها،كما منعت قريش النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه من الصّلاة في المسجد الحرام في بعض الأوقات،و حالت بينهم و بين دخول مكّة يوم الحديبيّة.

4-هل تكتسب المراقد المقدّسة لدى المسلمين حكم المساجد فيحرم تخريبها؟

نعم،فهذا ما أجمعت عليه مذاهب المسلمين الخمسة، عدا فرقة منهم،و هي الوهّابيّة؛إذ تحرّم الصّلاة فيها، و تعتبر زيارتها معصية (1)،فلذا قام أتباعها بتخريبها في مكّة و المدينة و الطّائف،و استثنوا قبر النّبيّ خوفا من المسلمين.

و الطّريف أنّ الوهّابيّين اتّخذوا ما خرّبه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسجدا،إذ أدخلوا مسجد الضّرار في مسجد قبا عند ما وسّعوه (2)،فأضحى المسلم هناك مرتابا في صلاته، أصلّى في أرض«قبا»فأصاب ثوابا،أم في أرض «الضّرار»فاجترح عقابا؟

كما أنّهم يصلّون تحت قبّة مسجد النّبيّ خلافا لعقيدتهم،لأنّهم يعتبرون الصّلاة عند القبور-و منها قبر النّبيّ-باطلة و ضربا من الشّرك!

5-استعمل الخراب في البيوت و المساجد عند وجود أهلها،بينما استعمل الخواء في القرى و البيوت عند غياب أهلها،و بهذا يتّضح الفرق بينهما؛قال تعالى:

فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَ هِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها الحجّ:45

فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا لاحظ خ و ي:

«خاوية».النّمل:52

ثانيا:الآيتان مدنيّتان و الأولى-كما تقدّم-جاءت بشأن يهود بني النّضير في سورة الحشر.أمّا الثّانية فجاءت في سورة البقرة،و اختلفت الأقوال فيها-كما سبق-أنّها نزلت بشأن تخريب بيت المقدس أو المسجد الحرام،أو كلّ مسجد في الأرض.

و عندنا أنّها من تتمّة الآيات قبلها النّازلة بشأن أهل الكتاب و اليهود خاصّة،ابتداء من قوله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ... البقرة:109،و قد كانوا يضعّفون إيمان المسلمين و يصرفونهم عن الصّلاة في مساجدهم،و لا سيّما عند تغيير القبلة و تولّيهم عن بيت المقدس إلى المسجد الحرام،كما قال: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النّاسِ ما وَلاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ... البقرة:142.

و يؤيّد ذلك قوله بعد(2)مباشرة: لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ...، و ما بعدهاّ.

ص: 375


1- انظر كتاب آل سعود و آثار الإسلام(100) للدّكتور سعيد السّامرّائيّ و غيره من الكتب الكثيرة.
2- المهدّم من آثار المدينة المنوّرة(39)-عبد القادر المغربيّ.

من الآيات بشأن اليهود و لا سيّما قوله: وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لاَ النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ... البقرة:

120.

فقد ظهر بذلك كلّه أنّ أهل الكتاب كانوا يمنعون المسلمين عن ذكرهم اسم اللّه في مساجدهم،و أريد بها مسجد النّبيّ و غيره من مساجد المدينة،و أنّ المراد بسعيهم في خرابها:ترك الصّلاة فيها،فلاحظ.

ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الهدم: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ الحجّ:40

الهدّ: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا مريم:90

الانهيار: أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ التّوبة:109

الدّكّ: كَلاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا

الفجر:21

ص: 376

خ ر ج

اشارة

80 لفظا،182 مرّة:96 مكّيّة،86 مدنيّة

في 55 سورة:36 مكّيّة،19 مدنيّة

خرج 3:3 ليخرجنّ 1:-1

خرجوا 5:-3 يخرجهم 2:-2

خرجن 1:-1 يخرجنّكما 1:1

خرجت 2:-2 يخرجكم 6:4-2

خرجتم 1:-1 يخرجاكم 1:1

خرجنا 1:-1 يخرجون 1:-1

يخرج 11:6-5 يخرجونهم 1:-1

يخرجون 3:2-1 يخرجوك 2:-2

ليخرجنّ 1:-1 يخرجوكم 1:-1

يخرجوا 6:-6 تخرج 4:1-3

تخرج 8:7-1 لتخرجنا 1:1

يخرجن 1:-1 تخرجون 2:-2

تخرجون 1:1 لتخرجوا 1:1

تخرجوا 1:-1 فتخرجوه 1:1

لنخرجنّ 1:-1 تخرجوهنّ 1:-1

اخرج 6:-6 نخرج 5:-5

اخرجوا 1:-1 لنخرجنّهم 1:1

بخارج 1:1 لنخرجنّك 1:1

بخارجين 2:-2 نخرجكم 2:1-1

مخرجا 1:-1 لنخرجنّكم 1:1

خروج 1:1 يخرجون 1:1

الخروج 4:2-2 تخرجون 3:3

خرجا 2:1-1 اخرج 2:2

فخراج 1:1 اخرج 1:1

أخرج 11:7-4 اخرجنى 1:-1

أخرجه 1:-1 اخرجنا 3:2-1

فاخرجهما 1:-1 اخرجوا 2:1-1

أخرجك 1:-1 اخرجوهم 2:1-1

ص: 377

أخرجكم 1:1 مخرج 3:1-2

أخرجنى 1:1 مخرج 1:-1

أخرجوكم 2:-2 مخرجون 2:2

أخرجت 1:-1 مخرجين 2:2

أخرجتك 1:-1 اخراج 3:-3

أخرجنا 9:8-1 اخراجا 1:1

فأخرجناهم 1:1 اخراجهم 1:-1

اخرجوا 4:-4 اخراجكم 1:-1

أخرجت 1:-1 استخرجها 1:1

أخرجتم 1:-1 يستخرجا 1:1

اخرجنا 1:-1 تستخرجون 1:1

يخرج 11:7-4 تستخرجوا 1:1

النّصوص اللّغويّة

ابن إسحاق: في الحديث:«إنّ قوم صالح سألوه أن يخرج لهم من الصّخرة ناقة مخترجة...»و المخترجة:ما شاكلت البخت من الإبل.(الخطّابيّ 3:213)

أبو عمرو بن العلاء: الخراج:ما لزمك و وجب عليك أداؤه.

و الخرج:ما تبرّعت به من غير وجوب.

(الثّعلبيّ 7:52)

الخرج:من الرّقاب،و الخراج:من الأرض.

(الماورديّ 4:63)

الخليل: الخروج:نقيض الدّخول،خرج يخرج خروجا فهو خارج.

و اخترجت الرّجل،و استخرجته سواء.

و ناقة مخترجة:خرجت على خلقة الجمل.

و الخروج:السّحاب أوّل ما يبدأ.

و الخرج و الخراج:ما يخرج من المال في السّنة بقدر معلوم.

و الخراج:ورم و قرح يخرج من ذاته.

و الخروج:الألف الّتي بعد الصّلة في القافية،كقول لبيد:

*عفت الدّيار محلّها فمقامها*

فالرّويّ هو الميم،و الهاء بعد الميم هي الصّلة،لأنّها اتّصلت بالرّويّ،و الألف الّتي بعدها هي الخروج.

و الخراج و الخريج:مخارجة لعبة لفتيان العرب.

و الخروج:خروج الأديب،و السّائق و نحوهما،يخرّج فيخرج،فهو خرّيج.

و الخارجيّة:خيل ليس لها عرق في الجودة فتخرّج سوابق.

و الخارجيّ: الّذي لم يكن له شرف في آبائه،فيخرج و يشرف بنفسه.

و السّحاب يخرج السّحاب،كما يخرج اللّيل ظلما.

و الأخرج:المكّاء.و الأخرج:لون سواده أكثر من بياضه،كلون الرّماد.و الأخرج من المعز و النّعام و الجبال:

ما كان على هذه الصّفة.

و قارة خرجاء:ذات لونين.

و الخرج،و الخرجة جمعه:جوالق ذو أونين.

و للعرب بئر احتفرت في أصل جبل أخرج يسمّونها:أخرجة،و بئر احتفرت في أصل جبل أسود، يسمّونها:أسودة.اشتقّوا لهما اسمين من نعت الجبلين.

ص: 378

و اخترجوه من السّجن،أي استخرجوه.

و أرض مخرّجة،و تخريجها:أن يكون نبتها في مكان دون مكان،فترى بياض الأرض في خضرة النّبات.

(4:158)

اللّيث:و خرجت خوارج فلان،إذا ظهرت نجابته، و توجّه لإبرام الأمور و إحكامها،و عقل عقل مثله بعد صباه.(الأزهريّ 7:50)

يقال:خرّج الغلام لوحه تخريجا،إذا كتبه فترك فيه مواضع لم يكتبها،و الكتاب إذا كتب فترك منه مواضع لم تكتب فهو مخرّج.

و خرّج فلان عمله،إذا جعله ضروبا يخالف بعضه بعضا.

و عام فيه تخريج،إذا أنبت بعض المواضع،و لم ينبت بعض.(الأزهريّ 7:53)

سيبويه :ما جاء معدولا عن حدّه من بنات الأربعة...و نظيرها من الثّلاثة:خراج،أي اخرجوا،و هي لعبة أيضا.(3:276)

و قد يجيء«استفعلت»على غير هذا المعنى:[إصابة الشّيء]...و تقول:استخرجته،أي لم أزل أطلب إليه حتّى خرج،و قد يقولون:اخترجته،شبّهوه بافتعلته و انتزعته.(4:70)

أبو عمرو الشّيبانيّ: «خرج لهم من جراب خفره»إذا برز إليهم،و هو مثل.(1:116)

و قال:إذا رأوا سحابة تعجبهم:إنّ هذه السّحابة لفي خروج.

و الخروج:سحاب للمطر.(1:226)

و قال الخرج:قرية باليمامة لبني قيس بن ثعلبة.

و الخرج:أعلام.(1:227)

هذا خروج حسن،إذا خرج السّحاب.(1:228)

الخارجيّ: المنكر من الخيل و الرّجال.(1:235)

هذه غنم خرجاء،إذا اختلط المعزى و الضّأن.

(1:237)

و الخرج:السّحاب.[ثمّ استشهد بشعر](1:238)

الأخرج:من نعت الظّليم في لونه.

(الأزهريّ 7:52)

الفرّاء: خراج:اسم لعبة لهم معروفة،و هو أن يمسك أحدهم شيئا بيده،و يقول لسائرهم:أخرجوا ما في يدي.

(الأزهريّ 7:52)

أخرجة:اسم ماءة،و كذلك أسودة،سمّيتا بجبلين؛ يقال لأحدهما:أسود،و للآخر:أخرج.

(الأزهريّ 7:53)

أبو عبيدة :من صفات الخيل:الخروج-بفتح الخاء-و كذلك الأنثى بغير هاء؛و الجميع:الخرج،و هو الّذي يطول عنقه فيغتال بطولها كلّ عنان جعل في لجامه.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:50)

أبو زيد :و الخرجاء من الشّاء:الّتي ابيضّت رجلاها مع الخاصرتين.(الجوهريّ 1:310)

الأخفش: يقال للماء الّذي يخرج من السّحاب:

خرج،و خروج.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخرج أن يؤدّي إليك العبد خراجه،أي غلّته، و الرّعيّة تؤدّي الخرج إلى الولاة.(الأزهريّ 7:48)

يلزم القافية بعد الرّويّ«الخروج»،و لا يكون إلاّ

ص: 379

بحروف اللّين؛و سبب ذلك أنّ هاء الإضمار لا تخلو من ضمّ أو كسر أو فتح،نحو ضربه،و مررت به،و لقيتها.

و الحركات إذا أشبعت لم تلحقها أبدا إلاّ حروف اللّين، و ليست«الهاء»حرف لين،فيجوز أن تتبع حركة هاء الضّمير.

هذا أحد قولي ابن جنّيّ،جعل«الخروج»هو «الوصل»،ثمّ جعل«الخروج»غير«الوصل»،فقال:

الفرق بين الخروج و الوصل:أنّ الخروج أشدّ بروزا عن حرف الرّويّ،و كلّما تراخى الحرف في القافية وجب له أن يتمكّن في السّكون و اللّين،لأنّه منقطع الوقف و الاستراحة و فناء الصّوت و حسور النّفس،و ليست «الهاء»في لين الألف و الياء و الواو،لأنّهنّ مستطيلات ممتدّات.(ابن سيده 5:6)

الأصمعيّ: يقال:أوّل ما ينشأ السّحاب فهو نشء، و يقال:قد خرج له خروج حسن.(الأزهريّ 7:49)

الخرج:الجعل مرّة واحدة،و الخراج:ما تردّد لأوقات ما.(ابن عطيّة 4:151)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّه قضى«أنّ الخراج بالضّمان».

معناه-و اللّه أعلم-الرّجل يشتري المملوك فيستغلّه،ثم يجد فيه عيبا كان عند البائع،يقضي أنّه يردّ العبد على البائع بالعيب و يرجع بالثّمن فيأخذه، و تكون له الغلّة طيّبة و هي الخراج.و إنّما طابت له الغلّة، لأنّه كان ضامنا للعبد،لو مات مات من مال المشتري، لأنّه في يده،و هذا مفسّر في حديث لشريح:

أنّ رجلا اشترى من رجل غلاما فأصاب من غلّته، ثمّ وجد به داء كان عند البائع،فخاصمه إلى شريح، فقال:«ردّ الدّاء بدائه»و كذلك الغلّة بالضّمان،أ لا تراه أنّه قد ألزمه بدائه أن يردّه هذا،ليعلم أنّه لو مات كان من مال المشتري،فلهذا طابت له الغلّة؟و حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم هذا أصل لكلّ من ضمن شيئا أنّه يطيب له الفضل إذا كان ذلك على وجه المبايعة،لا على الغصب.(1:393)

في حديث ابن عبّاس:«يتخارج الشّريكان و أهل الميراث»إذا كان المتاع بين ورثة لم يقتسموه أو بين شركاء،و هو في يد بعضهم دون بعض،فلا بأس بأن يتبايعوه،و إن لم يعرف كلّ واحد منهم نصيبه بعينه و لم يقبضه،و لو أراد رجل أجنبيّ أن يشتري نصيب بعضهم لم يجز حتّى يقبضه البائع قبل ذلك.(2:299)

الخارجيّ: الّذي يخرج و يشرف بنفسه،من غير أن يكون له قديم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخوارج:قوم من أهل الأهواء،لهم مقالة على حدة.(الأزهريّ 7:50)

ابن الأعرابيّ: الخرج على الرّءوس،و الخراج على الأرضين.

و أخرج الرّجل،إذا تزوّج بخلاسيّة.

و أخرج،إذا اصطاد الخرج،و هي النّعام:الذّكر:

أخرج،و الأنثى:خرجاء.

و أخرج:مرّ به عام:نصفه خصب و نصفه جدب.(الأزهريّ 7:54)

ابن السّكّيت: و قد ركب الخرجة،أي الطّريق.

و قد صحّف بعض العلماء فقال:الجرجة.قال ثعلب:

يقال:الخرجة و الجرجة جميعا،و منه سمّي:

ص: 380

جريج.(470)

أبو حاتم: التّخريج:ألوان سواد و بياض،و غير ذلك من الألوان.(أبو زيد:9)

و الخرج باليمامة،و الخرج:الخراج،و الخرج:سواد و بياض،يقال:نعامة خرجاء و ظليم أخرج بيّن الخرج.

و عام فيه تخريج،أي خصب و جدب.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:79)

لعب الصّبيان:خراج،بكسر الجيم،بمنزلة دراك و قطام.(الأزهريّ 7:53)

الخرج:الجعل،و الخراج:العطاء.

(القرطبيّ 12:141)

الجاحظ:يقال لموضع الغائط:الخلاء،و المذهب، و المخرج،و الكنيف،و الحشّ،و المرحاض،و المرفق.

و كلّ ذلك كناية و اشتقاق،و هذا أيضا يدلّك على شدّة هربهم من الدّناءة و الفسولة،و الفحش و القذع.

(5:295)

و الإتاوة و الأربان و الخرج،كلّه شيء واحد.

(6:148)

شمر:يقال:مررت على أرض مخرّجة،و فيها على ذلك أرتاع.و الأرتاع:أماكن أصابها مطر فأنبتت البقل، و أماكن لم يصبها مطر فتلك المخرّجة.(الأزهريّ 7:51)

الخريج:لعبة تسمّى خراج،يقال فيها:خراج خراج،مثل قطام.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن منظور 2:253)

المبرّد: قوله:«أخرج» (1)يعني رمادا، و الأخرج:الّذي في لونه سواد و بياض.يقال:نعامة خرجاء.(1:127)

الزّجّاج: الخرج:المصدر،و الخراج:اسم لما يخرج.(ابن سيده 5:4)

ابن دريد :و الخرج و الخراج:الإتاوة،تؤخذ من أموال النّاس.

و قرئ (ام تسألهم خرجا و خراجا) المؤمنون:72، و اللّه جلّ و عزّ أعلم بذلك.

و الخراج:لعبة يلعب بها الصّبيان عربيّة معروفة.

و الخراج:ما خرج على الجسد من دمل و نحوه.

و الخرج:عربيّ معروف،و الخرج:واد لا منفذ له.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للسّحاب أوّل ما ينشأ:ما أحسن خرجه و خروجه.

و الخروج من الشّيء:ضدّ الدّخول فيه.

و فرس خارجيّ،إذا خرج جوادا بين مقرفين، و كذلك رجل خارجيّ،إذا ساد و ليس له أصل في ذلك.

و الخوارج:معروفون،و إنّما لزمهم هذا الاسم لخروجهم على النّاس.

و يقال:فلان خرّيج فلان،إذا خرج من تحت يده و تعلّم من علمه.

و الخرج:لونان من بياض و سواد و غير ذلك.نعامة خرجاء و ظليم أخرج،إذا كان في لونه سواد و بياض.

و الخرجاء:منزل بين مكّة و البصرة،و إنّما سمّيت الخرجاء،لأنّها أرض تركبها حجارة بيض و سود...

ص: 381


1- :في شعر الطّرمّاح:و أخرج أمّه لسواس سلمى...

و بنو الخارجيّة:بطن من العرب ينسبون إلى أمّهم، و أحسبها من بني عمرو بن تميم.

و الأخرجان:جبلان معروفان.

و الخرج:السّحاب المنتصب.(2:61)

و إخريج:نبت.(3:377)

و خاروج:ضرب من النّخل.(3:388)

القاليّ: يقال للصّبيّ إذا ولد:رضيع و طفل،ثمّ فطيم،ثمّ دارج،ثمّ جفر،ثمّ يفعة يافع،ثمّ شدخ،ثمّ حزوّر،ثمّ مراهق،ثمّ محتلم،ثمّ خرج وجهه.

(ذيل الأماليّ: 39)

الأزهريّ: أمّا الخراج الّذي وظّفه عمر بن الخطّاب على السّواد و أرض الفيء،فإنّ معناه الغلّة أيضا،لأنّه أمر بمساحة السّواد و دفعها إلى الفلاّحين الّذين كانوا فيه على غلّة يؤدّونها كلّ سنة،و لذلك سمّي:خراجا،ثمّ قيل بعد ذلك للبلاد الّتي فتحت صلحا،و وظّف ما صولحوا عليه على أرضهم:خراجيّة،لأنّ تلك الوظيفة أشبهت الخراج الّذي ألزم الفلاّحون و هو الغلّة،لأنّ جملة معنى الخراج:

الغلّة.

و يقال:خارج فلان غلامه،إذا اتّفقا على ضريبة يردّها العبد على سيّده كلّ شهر،و يكون مخلّى بينه و بين عمله،فيقال:عبد مخارج.

و قيل للجزية الّتي ضربت على رقاب أهل الذّمّة:

خراج،لأنّه كالغلّة الواجبة عليهم.

خرجت السّماء خروجا،إذا أصحت بعد إغامتها.

و الخرج:هذا الوعاء،ثلاثة خرجة،و هو جوالق ذو أونين.

و في حديث قصّة ثمود:أنّ النّاقة الّتي أرسلها اللّه جلّ و عزّ آية لقوم صالح،و هم ثمود كانت مخترجة.و معنى المخترجة:أنّها جبلت على خلقة الجمل،و هي أكبر منه و أعظم.

و السّحابة تخرّج السّحابة،كما يخرّج اللّيل الظّلم.

و قال بعضهم:تخريج الأرض:أن يكون نبتها في مكان دون مكان،فترى بياض الأرض في خضرة النّبات.

و شاة خرجاء:بيضاء المؤخّر،نصفها أبيض و النّصف الآخر لا يضرّك على ما كان لونه.

و يقال:الأخرج:أسود في بياض،و السّواد الغالب.

ابن هانئ عن زيد بن كثوة يقال:«فلان خرّاج ولاّج»،يقال ذلك عند تأكيد الظّرف و الاحتيال.

و رجل خرّاج ولاّج،إذا لم يشرع في أمر لا يسهل له الخروج منه إذا أراد ذلك.[ثمّ ذكر قول أبي عبيد في حديث ابن عبّاس و قال:]

قلت:و قد جاء هذا عن ابن عبّاس مفسّرا على غير ما ذكره أبو عبيد،حدّثناه محمّد بن إسحاق...عن عطاء عن ابن عبّاس قال:«لا بأس أن يتخارج القوم في الشّركة تكون بينهم،فيأخذ هذا عشرة دنانير نقدا، و يأخذ هذا عشرة دنانير دينا».

و رواه الثّوريّ عن ابن الزّبير عن ابن عبّاس-في الشّريكين-«لا بأس أن يتخارجا»يعني العين و الدّين.

و فرس أخرج،و هو الأبيض البطن و الجنبين إلى منتهى الظّهر،و لم يصعد إليه،و لون سائره ما كان.

و خرجاء:اسم ركيّة بعينها.

ص: 382

و خرج:اسم موضع بعينه.(7:48-54)

الصّاحب:الخراج و الخرج:واحد للسّلطان؛ و جمعه:أخرجة،و خرجان.و في الحديث:«الخراج بالضّمان».

و المخارجة و الخريج و الخراج:لعبة لفتيان الأعراب.و لعبوا خراج.

و الخروج:نقيض الدّخول.

و اخترجوه من السّجن،بمعنى استخرجوه.

و الخريج:الّذي يخرّجه غيره في أدب أو ما سواه.

و الخارجيّة:طائفة من الخوارج.و هي أيضا:خيل سابقة ليس لها عرق في الجودة.

و ناقة مخترجة:خرجت على خلقة الجمل.

و الخروج:السّحاب إذا نشأت و خرجت.

و الخرج:معروف،و ثلاثة أخرجة.

و الخرجاء من الضّأن:الّتي ابيضّت رجلاها مع الخاصرتين.

و أخرجة:بئر احتفرت في أصل جبل أخرج.

و أرض مخرّجة:نبتها في مكان دون مكان.

و التّخريج:أكل بعض الكلإ و ترك بعضه.

و الأخرج:المكّاء.

و الخرجين في قوله:«أ لم تقتلوا الخرجين»اسم رجلين،كذا رواه.

و الخرجة:الطّريق؛بالخاء و الجيم،و أنكر أن تكون بجيمين.

و خاروج:ضرب من النّخل.

و تخريج النّخل:تلوين بسره.

و الخروج من الخيل:الّذي يغتال بعنقه كلّ عنان جعل عليه.

و التّخارج:شبه المناهدة بين قوم.(4:206)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ:«...خرج سهمك».

قوله:«خرج سهمك»معناه الفلج و الظّفر،و أصله في الشّيء يتداعاه الجماعة فيستهمون عليه،أي يجيلون السّهام،فمن خرج سهمه منهم حازه دون أصحابه.قال اللّه تعالى: فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ الصّافّات:

141،و قال: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ آل عمران:44.(1:182)

في حديث أبي موسى:«مثل الّذي يقرأ القرآن و يعمل به كمثل الأترجّة طيّب ريحها،طيّب خراجها...».

قوله:«طيّب خراجها»يريد طعم ثمرها،و كلّ ما خرج من شيء و حصل من نفعه،فهو خراجه،فخراج الشّجر،ثمرها،و خراج الحيوان:نسلها و درّها.و من هذا قوله صلّى اللّه عليه:«الخراج بالضّمان»و الخراج و الخرج أيضا بمعنى الأجرة و العمالة،قال اللّه تعالى: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ أي ثواب اللّه خير.(2:366)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 1:365)

الجوهريّ: خرج خروجا و مخرجا.و قد يكون المخرج:موضع الخروج.يقال:خرج مخرجا حسنا، و هذا مخرجه.

و أمّا المخرج فقد يكون مصدر قولك:أخرجه، و المفعول به،و اسم المكان و الوقت،تقول:أخرجنى مخرج صدق،و هذا مخرجه،لأنّ الفعل إذا جاوز الثّلاثة فالميم منه مضمومة،مثل دحرج و هذا مدحرجنا،فشبّه

ص: 383

مخرج ببنات الأربعة.

و الاستخراج،كالاستنباط.

و الخرج و الخراج:الإتاوة؛و يجمع على أخراج، و أخاريج،و أخرجة.

و الخرج:اسم موضع باليمامة.

و الخرج:السّحاب أوّل ما ينشأ.يقال:خرج له خرج حسن.

و الخرج:خلاف الدّخل.

و خرّجه في الأدب فتخرّج،و هو خرّيج فلان على «فعّيل»بالتّشديد،مثال عنّين،بمعنى مفعول.

و ناقة مخترجة،إذا خرجت على خلقة الجمل.

و الخرج:من الأوعية معروف،و هو عربيّ؛و الجمع خرجة،مثل جحر و جحرة.

و الخراج:ما يخرج في البدن من القروح.

و رجل خرجة ولجة مثال همزة،أي كثير الخروج و الولوج.

و الخارجيّ: الّذي يسود بنفسه من غير أن يكون له قديم.

و بنو الخارجيّة:قوم من العرب،النّسبة إليهم خارجيّ.

و قولهم:«أسرع من نكاح أمّ خارجة».هي امرأة من بجيلة ولدت كثيرا من قبائل العرب،كانوا يقولون لها:

خطب،فتقول:نكح.و خارجة ابنها،و لا يعلم ممّن هو.

و الخرج،بالتّحريك:لونان سواد و بياض.

يقال:كبش أخرج،و ظليم أخرج بيّن الخرج.

و تقول:اخرجّت النّعامة اخرجاجا،و اخراجّت اخريجاجا،أي صارت خرجاء.

و تخريج الرّاعية المرتع:أن تأكل بعضه و تترك بعضا.

و أرض مخرّجة،أي نبتها في مكان دون مكان.و عام فيه تخريج،أي خصب و جدب.

و الخريج:لعبة لهم،يقال فيها:خراج خراج،مثل قطام.

و المخارجة:المناهدة بالأصابع.و التّخارج:التّناهد.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:309)

ابن فارس: الخاء و الرّاء و الجيم أصلان،و قد يمكن الجمع بينهما،إلاّ أنّا سلكنا الطّريق الواضح.فالأوّل:

النّفاذ عن الشّيء،و الثّاني:اختلاف لونين.

فأمّا الأوّل:فقولنا:خرج يخرج خروجا.و الخراج:

بالجسد.و الخراج و الخرج:الإتاوة،لأنّه مال يخرجه المعطي.

و الخارجيّ: الرّجل المسوّد بنفسه،من غير أن يكون له قديم،كأنّه خرج بنفسه.و هو كالّذي يقال:

*نفس عصام سوّدت عصاما*

و الخروج:خروج السّحابة،يقال ما أحسن خروجها!

و فلان خرّيج فلان،إذا كان يتعلّم منه،كأنّه هو الّذي أخرجه من حدّ الجهل.

و يقال:ناقة مخترجة،إذا خرجت على خلقة الجمل.

و الخروج:النّاقة تخرج من الإبل،تبرك ناحية، و هو من الخروج.

و الخريج فيما يقال:لعبة لفتيان العرب،يقال فيها:

خراج خراج.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 384

بنو الخارجيّة:قبيلة،و النّسبة إليه خارجيّ.

و أمّا الأصل الآخر:فالخرج لونان بين سواد و بياض،يقال:نعامة خرجاء و ظليم أخرج.و يقال:إنّ الخرجاء:الشّاة،تبيضّ رجلاها إلى خاصرتها.

و من الباب:أرض مخرّجة،إذا كان نبتها في مكان دون مكان.و خرّجت الرّاعية المرتع،إذا أكلت بعضا و تركت بعضا؛و ذلك ما ذكرناه من اختلاف اللّونين.

(2:175)

أبو هلال :الفرق بين الفسق و الخروج:أنّ الفسق في العربيّة:خروج مكروه،و منه يقال للفأرة:الفويسقة، لأنّها تخرج من جحرها للإفساد.

و قيل:فسقت الرّطبة،إذا خرجت من قشرها،لأنّ ذلك فساد لها،و منه سمّي الخروج من طاعة اللّه بكبيرة فسقا.

و من الخروج مذموم و محمود،و الفرق بينهما بيّن.(191)

الفرق بين السّلخ و الإخراج:أنّ السّلخ هو إخراج ظرف أو ما يكون بمنزلة الظّرف له،و الإخراج عامّ في كلّ شيء،و هو الإزالة من محيط أو ما يجري مجرى المحيط.(249)

الهرويّ: في حديث سويد بن غفلة قال:«و دخلت على عليّ يوم الخروج،فإذا بين يديه فاثور عليه خبز السّمراء،و صحفة فيها خطيفة ملبنة».

قال أبو العبّاس:يقال:هو يوم العيد،و يوم الخروج، و يوم الصّفّ،و يوم المشرق،و يوم الزّينة،و الفاثور، الخوان،و خبز السّمراء:الخشكار،و الملبنة:الملعقة، و الخطيفة:مفسّر في بابها.[ثمّ ذكر حديث ابن عبّاس و قال:]

و قد رواه عنه عطاء مفسّرا في الحديث،قال:لا بأس أن يتخارج القوم في الشّركة تكون بينهم،فيأخذ هذا عشرة دنانير نقدا،و يأخذ عشرة دنانير دينا.

و في الحديث في قصّة ثمود:«إنّ ناقة صالح كانت مخترجة»أي إنّها كانت على خلقة الجمل.(2:541)

الثّعالبيّ: الخرج،وعاء آلات المسافر.(262)

ابن سيده: الخروج:نقيض الدّخول،خرج يخرج خروجا،فهو خارج و خروج و خرّاج؛و قد أخرجه و خرج به.

و اخترجه:طلب إليه أن يخرج.

و ناقة مخترجة:خرجت على خلقة الجمل.

و استخرجت الأرض:أصلحت للزّراعة أو الغراسة، و هو من ذلك عند أبي حنيفة.

و خارج كلّ شيء:ظاهره.قال سيبويه:لا يستعمل ظرفا إلاّ بالحرف،لأنّه مخصوص كاليد و الرّجل.

و الخروج:خروج الأديب و السّابق و نحوهما.

و الخارجيّ: الّذي يخرج و يشرف بنفسه من غير أن يكون له قديم.

و الخارجيّة:خيل لا عرق لها في الجودة،و هي مع ذلك جياد.و قيل:الخارجيّ: كلّ ما فاق جنسه و نظائره.

و فلان خريج فلان و خريجه (1)،إذا درّبه و علّمه، و قد خرّجه.

و الخرج و الخروج:أوّل ما ينشأ من السّحاب.يقال:ه.

ص: 385


1- و الظاهر:خرّيجه.

خرج له خروج حسن.

و قيل:خروج السّحاب:انبساطه و اتّساعه.

و الخروج من الإبل:المعتاق المتقدّمة.

و الخراج:ورم يخرج بالبدن من ذاته؛و الجمع:

أخرجة و خرجان.

و الخوارج:الحروريّة.

و الخارجيّة:طائفة منهم لزمهم هذا الاسم، لخروجهم على النّاس.

و تخارج السّفر:أخرجوا نفقاتهم.

و الخرج و الخراج:شيء يخرجه القوم في السّنة من مالهم بقدر معلوم.

و الخراج:غلّة العبد و الأمة.

و الخرج و الخراج:الإتاوة تؤخذ من أموال النّاس.

و في التّنزيل: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ المؤمنون:72.

قال الزّجّاج:الخراج:الفيء،و الخرج:الضّريبة و الجزية.

و الخرج:جوالق ذو أونين؛و الجمع:أخراج و خرجة.

و خرّجت الإبل المرعى:أبقت بعضه و أكلت بعضه.

و الخرج:سواد و بياض؛نعامة خرجاء،و ظليم أخرج.و استعاره العجّاج للثّوب فقال:

*و لبست للموت جلاّ أخرجا*

و عام أخرج:فيه جدب و خصب،و كذلك أرض خرجاء:فيها تخريج.

و الخرجاء:قرية في طريق مكّة،سمّيت بذلك لأنّ في أرضها سوادا و بياضا إلى الحمرة.

و الأخرجة:مرحلة معروفة،لونها ذلك.

و النّجوم تخرّج اللّيل فيتلوّن بلونين من سواده و بياضها.

و جبل أخرج كذلك:و قارة خرجاء،و نعجة خرجاء،و هي السّوداء البيضاء إحدى الرّجلين أو كلتيهما،و الخاصرتين و سائرها أسود.

و الأخرج:جبل معروف للونه،غلب ذلك عليه، و اسمه الأحول.

و فرس أخرج:أبيض البطن و الجنبين إلى منتهى الظّهر،و لم يصعد إليه،و لون سائره ما كان.

و الأخرج:المكّاء للونه.

و الأخرجان:جبلان معروفان.

و أخرجة:بئر احتفرت في أصل أحدهما.

و خراج،و الخراج،و خريج،و التّخريج:كلّه لعبة لفتيان العرب.

و الخرج:واد لا منفذ فيه،و دارة الخرج هنالك.

و بنو الخارجيّة:بطن من العرب ينسبون إلى أمّهم.

قال ابن دريد:و أحبسها من بني عمرو بن تميم.

و خاروج:ضرب من النّخل.

و الإخريج:نبت.

و خراج:فرس جريبة بن الأشيم الأسديّ.

[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](5:3)

الخرج:وعاء من صوف أو أدم ذو عدلين،يوضع على ظهر الدّابّة؛الجمع:خرجة و أخراج.

(الإفصاح 1:580)

ص: 386

الخرجاء:نعجة خرجاء و هي الّتي ابيضّت رجلاها مع الخاصرتين.

و قيل:هي السّوداء البيضاء إحدى الرّجلين أو كلتيهما و الخاصرتين.خرجت تخرج خرجا و اخرجّت و اخراجّت.

و الشّيء:كان ذا لونين،هو أخرج و هي خرجاء؛ الجمع:خرج.

و الخرج:لونان من بياض و سواد.

(الإفصاح 2:786)

الخرج:أجرة العامل.(الإفصاح 2:1229)

الطّوسيّ: و الإخراج:نقل الشّيء عن محيط إلى غيره،كما أنّ الإدخال:النّقل إلى محيط عن غيره.

(4:489)

الخرج:المصدر لما يخرج من المال.

و الخراج:الاسم لما يخرج عن الأرض و نحوها.

(7:90)

أصل الخرج و الخراج واحد،و هو الغلّة الّتي تخرج على سبيل الوظيفة منه.و منه:خراج الأرض،و هما مصدران لا يجمعان.(7:383)

مثله الطّبرسيّ.(4:113)

الرّاغب: خرج خروجا:برز من مقرّه أو حاله، سواء كان مقرّه دارا أو بلدا أو ثوبا،و سواء كان حاله حالة في نفسه أو في أسبابه الخارجة.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و الإخراج:أكثر ما يقال في الأعيان نحو: أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ المؤمنون:35،و يقال في التّكوين الّذي هو من فعل اللّه تعالى: وَ اللّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ النّحل:78.

و التّخريج:أكثر ما يقال في العلوم و الصّناعات.

و قيل لما يخرج من الأرض و من وكر الحيوان و نحو ذلك:خرج و خراج،قال اللّه تعالى: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ المؤمنون:72،فإضافته إلى اللّه تعالى تنبيه أنّه هو الّذي ألزمه و أوجبه.

و الخرج:أعمّ من الخراج،و جعل الخرج بإزاء الدّخل،و قال تعالى: فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً الكهف:

94.

و الخراج مختصّ في الغالب بالضّريبة على الأرض.

و قيل:العبد يؤدّي خرجه،أي غلّته،و الرّعيّة تؤدّي إلى الأمير الخراج.

و الخرج أيضا:من السّحاب؛و جمعه:خروج.

و قيل:«الخراج بالضّمان»،أي ما يخرج من مال البائع فهو بإزاء ما سقط عنه من ضمان المبيع.

و الخارجيّ: الّذي يخرج بذاته عن أحوال أقرانه، و يقال ذلك تارة على سبيل المدح إذا خرج إلى منزله من هو أعلى منه،و تارة يقال على سبيل الذّمّ إذا خرج إلى منزله من هو أدنى منه؛و على هذا يقال:فلان ليس بإنسان،تارة على المدح،كما قال الشاعر:

فلست بإنسيّ و لكن كملأك

تنزّل من جوّ السّماء يصوب

و تارة على الذّمّ،نحو: إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ الفرقان:44.

و الخرج:لونان من بياض و سواد،و يقال:ظليم

ص: 387

أخرج،و نعامة خرجاء،و أرض مخرّجة:ذات لونين، لكون النّبات منها في مكان دون مكان.

و الخوارج:لكونهم خارجين عن طاعة الإمام.

(145)

الزّمخشريّ: ما خرج إلاّ خرجة واحدة،و ما أكثر خرجاتك و تارات خروجك،و كنت خارج الدّار، و خارج البلد.

و هذا يوم الخروج،أي يوم العيد.

و كم خراج أرضك،و خراج غلامك،أي ما يخرج لك من غلّتهما.و منه«الخراج بالضّمان»ثمّ سمّي ما يأخذه السّلطان خراجا باسم الخارج.

و يقال للجزية:الخراج،فيقال:أدّى خراج أرضه، و أدّى أهل الذّمّة خراج رءوسهم.

و تخارج القوم:تناهدوا.

و ظليم أخرج،و نعامة خرجاء.

و الخرج:بياض و سواد.و قارّة خرجاء.

و من المجاز:خرج فلان في العلم و الصّناعة خروجا، إذا نبع.و خرّجه فتخرّج و هو خرّيجه.

و ناقة مخترجة:خرجت على خلقة الجمل،من:

اخترجه بمعنى استخرجه.

و خرجت السّماء خروجا:أصحت و انقشع عنها الغيم.

و يقال للسّحابة إذا نشأت من الأفق أوّل ما تنشأ:ما أحسن خروجها!

و فرس خروج:يغتال بطول عنقه كلّ عنان جعل عليه.

و عام مخرّج،و فيه تخريج،فيه خصب و جدب.

و خرّجت الرّاعية المرتع:أكلت بعضا و تركت بعضا.

و خرّج الغلام لوحه:ترك بعضه غير مكتوب،و إذا كتبت الكتاب فتركت مواضع الفصول و الأبواب،فهو كتاب مخرّج.

و خرّج عمله:جعله ضروبا مختلفة.

و فلان خرّاج ولاّج:للمتصرّف،و هو يعرف موالج الأمور و مخارجها،و مواردها و مصادرها.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(أساس البلاغة:106)

المدينيّ: في حديث أبي رافع:«فخرج بساقي خراج فأمدّ فبطّ».الخراج:بثر يخرج من الجسد،و قيل:

ورم؛و الجمع:خراجات و خرجان.[و ذكر حديث أبي موسى عن النّبيّ و قد تقدّم](1:562)

ابن الأثير: في حديث بدر:«فاخترج تمرات من قرنه»أي أخرجها،و هو«افتعل»منه.[و هناك أحاديث أخرى فلاحظ:](2:20)

عبد اللّطيف البغداديّ: و ممّا يخفّف و العامّة تشدّده،هن المرأة...و خرج بالرّجل خراج،و لا يشدّد، و هي الدّية.(136)

الفيّوميّ: خرج من الموضع خروجا و مخرجا، و أخرجت أنا.

و وجدت للأمر مخرجا،أي مخلصا.

و الخراج و الخرج:ما يحصل من غلّة الأرض،و لذلك أطلق على الجزية.

و قول الشّافعيّ: «و لا أنظر إلى من له الدّواخل

ص: 388

و الخوارج و لا معاقد القمط و لا أنصاف اللّبن».

فالخوارج،هي الطّاقات و المحاريب في الجدار من باطنه،و الدّواخل:الصّور و الكتابة في الحائط بجصّ أو غيره.

و يقال:الدّواخل و الخوارج:ما خرج من أشكال البناء مخالفا لأشكال ناحيته؛و ذلك تحسين و تزيين،فلا يدلّ على ملك...

و الخرج:وعاء معروف عربيّ صحيح؛و الجمع:

خرجة وزان عنبة.

و الخراج وزان غراب:بثر؛الواحدة:خراجة.

و استخرجت الشّيء من المعدن:خلّصته من ترابه.

(1:166)

الجرجانيّ: الخراج الموظّف:هو الوظيفة المعيّنة الّتي توضع على أرض،كما وضع عمر رضى اللّه عنه على سواد العراق.

خراج المقاسمة:كربع الخارج و خمسه و نحوهما.

(44)

الخوارج:هم الّذين يأخذون العشر من غير إذن سلطان.(45)

الفيروزآباديّ: خرج خروجا و مخرجا،و المخرج أيضا:موضعه،و بالضّمّ:مصدر أخرجه،و اسم المفعول، و اسم المكان،لأنّ الفعل إذا جاوز الثّلاثة فالميم منه مضموم،تقول:هذا مدحرجنا.

و الخرج:الإتاوة كالخراج،و يضمّان؛جمعه:أخراج و أخاريج و أخرجة.و السّحاب أوّل ما ينشأ،و خلاف الدّخل،و موضع باليمامة.

و بالضّمّ:الوعاء المعروف؛جمعه:كجحرة،و واد.

و بالتّحريك:لونان من بياض و سواد،كبش أو ظليم أخرج،و قد اخرجّ و اخراجّ.

و أرض مخرّجة كمنقّشة:نبتها في مكان دون مكان.

و عام فيه تخريج،خصب و جدب.

و الخريج كقتيل:لعبة،يقال لها:خراج خراج كقطام.

و كالغراب:القروح.

و رجل خرجة كهمزة:كثير الخروج و الولوج.

و الخارجيّ: من يسود بنفسه من غير أن يكون له قديم.

و بنو الخارجيّة:معروفة،و النّسبة خارجيّ.و أمّ خارجة امرأة من بجيلة،ولدت كثيرا من القبائل،كان يقال لها:خطب،فتقول:نكح.

و تخريج الرّاعية المرعى:أن تأكل بعضا و تترك بعضا.

و الخروج:فرس يطول عنقه،فيغتال بعنقه كلّ عنان جعل في لجامه،و ناقة تبرك ناحية من الإبل؛جمعه:

خرج.

و بالضّمّ:اسم يوم القيامة،و الألف الّتي بعد الصّلة في الشّعر.

و خرجت خوارجه:ظهرت نجابته،و توجّه لإبرام الأمور.

و أخرج:أدّى خراجه،و اصطاد الخرج من النّعام، و تزوّج بخلاسيّة،و مرّ به عام ذو تخريج،و الرّاعية أكلت بعض المرتع و تركت بعضه.

و الاستخراج و الاختراج:الاستنباط.

ص: 389

و خرّجه في الأدب فتخرّج،و هو خرّيج كعنّين:بمعنى مفعول.

و ناقة مخترجة:خرجت على خلقة الجمل.

و الأخرج:المكّاء.

و الأخرجان:جبلان معروفان.

و أخرجة:بئر في أصل جبل.

و خراج:كقطام فرس جريبة بن الأشيم.

و خرّج اللّوح تخريجا:كتب بعضا و ترك بعضا، و العمل جعله ضروبا و ألوانا.

و المخارجة:أن يخرج هذا من أصابعه ما شاء و الآخر مثل ذلك.

و التّخارج:أن يأخذ بعض الشّركاء الدّار،و بعضهم الأرض.

و رجل خرّاج ولاّج:كثير الظّرف و الاحتيال.

و الخاروج:نخل معروف.

و خرجة محرّكة:ماء.

و الخرجاء:منزل بين مكّة و البصرة،به حجارة بيض و سود.

و خوارج المال:الفرس الأنثى،و الأمة،و الأتان.

و الخوارج:من أهل الأهواء،لهم مقالة على حدة، سمّوا به لخروجهم على النّاس.

و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«الخراج بالضّمان»أي غلّة العبد للمشتري، بسبب أنّه في ضمانه؛و ذلك بأن يشتري عبدا و يستغلّه زمانا،ثمّ يعثر منه على عيب دلّسه البائع،فله ردّه و الرّجوع بالثّمن.و أمّا الغلّة الّتي استغلّها فهي له طيّبة، لأنّه كان في ضمانه،و لو هلك هلك من ماله.(1:191)

الطّريحيّ: و في الخبر:بلغنا مخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أي خروجه من المدينة المشرّفة...

و في الخبر:«ظهر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض لهم»أي فصالحهم على ذلك و ما يقرب منه.

و«وجدت للأرض مخرجا»أي مخلصا.

و خرّجه في الأدب فتخرّج.

و المخرج بالفتح:مكان خروج الفضلات،أعني الكنيف،و منه قوله:«إذا خلت المخرج فقل كذا».و ربّما أريد به الخروج،كما يقال:بئر المخرج،فيحمل عليه قوله:«رجل مات في بئر مخرج».

و الخرج-بالضّمّ-الجوالق ذو أذنين،و هو عربيّ.

و الخروج:ما قابل الدّخول،يقال:خرج خروجا.

و قد يكون موضع الخروج،فيقال:هذا مخرجه،أي موضع خروجه.

و في الحديث:«القوم إذا خرجوا في سفر من السّنة يخرجوا نفقتهم فإنّ ذلك أطيب لأنفسهم».

و الخارجيّ: واحد الخوارج،و هم فرقة من فرق الإسلام،سمّوا خوارج:لخروجهم على عليّ عليه السّلام،ذكر المؤرّخون أنّه عليه السّلام قتل منهم يوم النّهروان ألفي نفس، و كان يدخل و يضرب بسيفه حتّى ينتهي و يخرج.و ذكر الخوارج عند عليّ عليه السّلام أ كفّارهم؟فقال:من الكفر فرّوا، فقيل:منافقون؟فقال:إنّ المنافقين لا يذكرون اللّه بكرة و أصيلا،قوم أصابتهم فتنة فعموا و صمّوا.

و الأخيرجة:أوّل منزل يعدل من فيد إلى المدينة.(2:293)

ص: 390

مجمع اللّغة:1-خرج من مقرّه يخرج خروجا:

برز منه،فهو خارج و هم خارجون،و اسم المكان:مخرج.

2-أخرجه إخراجا و مخرجا:أبرزه،و يكون في الأعيان و المعاني،فهو مخرج،و اسم المفعول مخرج،و هم مخرجون.

3-استخرج الشّيء،بمعنى أخرجه،و السّين و التّاء تومئان إلى معنى التّطلّب.

4-الخرج و الخراج:ما يخرج في مقابلة العمل إثابة له.(1:323،325،328)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خرج خروجا من موضعه:برز و ترك مكانه.

و خرج عليه:برز لقتاله.

و خرجت الرّعيّة على الملك:تمرّدت عليه.

خرج إلى فلان من دينه:قضاه له.

أخرج و خرّج الشّيء:جعله يخرج.

و خرّج الأرض:قوّمها و وضع عليها خرجا و خراجا،أي إتاوة،و أصله:ما يخرج من غلّة الأرض و المال؛و الخرج:الأجر.

و خرّج المسألة:بيّن لها وجها.

و استخرج الشّيء:استنبطه و طلب خروجه.

و المخرج:مكان الخروج.

و يوم الخروج:يوم القيامة.(1:159)

العدنانيّ: الخراج:و يسمّون القرح،أو الورم.أو البثرة الّتي تخرج في البدن:خراجا.و الصّواب:هو خراج؛ و جمعه:أخرجة و خرجان.

أمّا الخرّاج فهو الكثير الخروج.

و من المجاز:«فلان خرّاج ولاّج»أي كثير الظّرف و الاحتيال.و قيل:هو الّذي لا يسرع في أمر،لا يسهل له الخروج منه،إذا أراد ذلك.

خرج عن القانون أو خرج على القانون.

و يخطّئ الدّكتور مصطفى جواد من يقول:خرج فلان على القانون،و يقول:إنّ الصّواب هو:خرج عن القانون، لأنّ الخروج عن الشّيء يستلزم الابتعاد عنه.و حرف الجرّ«عن...هو للمجاوزة و الابتعاد،أمّا حرف الجرّ «على»فيستعمل في مثل:«خرج فلان على الدّولة»أي ثار عليها و وثب بأصحابها.و من ذلك اسم الخوارج.

و هم الّذين خرجوا على الدّولة الإسلاميّة في خلافة الإمام عليّ.

و يقول الدّكتور أيضا:لا يقتصر الخطأ في قولهم:

«خرج فلان على القانون»على مخالفة التّعبير الصّحيح، بل يفيد عكس المراد،لأنّ معنى«خرج فلان على القانون»هو سيره على حسب ما يوجبه القانون.

قال الشّريف الرّضيّ في الكلام على الحديث النّبويّ الشّريف،الخاصّ بالخيل و منافعها«ظهورها حرز و بطونها كنز»:و هذا القول خارج على طريق المجاز.يعني أنّه سائر في طريق المجاز،و ظاهر على طريق المجاز.

فاستشهاد الدّكتور مصطفى جواد بقول الشّريف الرّضيّ صحيح،و لكنّه لا يحول دون خروجه على طريق المجاز أيضا؛إذ يبيح لنا المجاز أن نقول:خرج على القانون، لأنّ القانون تضعه الدّولة،و هو مسبّب عنها،فهو مجاز مرسل علاقته المسبّبيّة،كقوله تعالى في الآية:13،من سورة المؤمن: وَ يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً فالرّزق

ص: 391

لا ينزّل من السّماء،و لكنّ الّذي ينزّل مطر،ينشأ عنه النّبات،الّذي منه طعامنا و رزقنا،فالرّزق مسبّب عن المطر،و هو مجاز مرسل علاقته المسبّبيّة،مثل علاقة القانون الّذي تضعه الدّولة،و يكون مسبّبا عنها،لذا يصحّ أن نقول:

1-خرج عن القانون.

2-و خرج على القانون«مجاز».راجع مادّتي:

«لا يخفى على القرّاء،و اعتقد».

تخرّج في المعهد

و يقولون:تخرّج من معهد كذا،و الصّواب:تخرّج في معهد كذا،لأنّ تخرّج معناه:تعلّم و تدرّب،و هو خرّيج و خريج و متخرّج.

أمّا الّذي يتعلّم في معهد و يفوز بشهادته،فنقول:إنّه تخرّج في معهد كذا و فاز بشهادته.

(معجم الأخطاء الشّائعة:76)

المصطفويّ: ظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:

هو ما يقابل الدّخول و الولوج،أي النّفاذ عن شيء،قال تعالى: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ الإسراء:80، لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها المائدة:22، ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها الحديد:4.

ثمّ إنّ الخروج إمّا في المادّيّات،كما في خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ البقرة:243،أو يكون أحد الطّرفين مادّيّا،كما في كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها الأنعام:

122، وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ محمّد:37، لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إبراهيم:1.

أو يكون الطّرفان خارجين عن المادّة فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ الحجر:34.[و فيه نظر]

أو يكون الخروج تكوينيّا لا اختيار فيه وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ المؤمنون:20، وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها فصّلت:47.

و أمّا معاني الخرج و الخراج و الخرّيج و الخارجيّ و الخرجاء و غيرها:فهذه كلّ واحد منها باعتبار جهة الخروج و النّفاذ و البروز،كما لا يخفى.

فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً الكهف:94،أي شيئا مخرجا من أموالنا. أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ المؤمنون:72،و الخراج:مزيد من الخرج،زيدت الألف فيه لتدلّ على الاستمرار و التّحقّق.و فيه إشارة إلى أنّ الخرج المفروض المعدّ من جانب اللّه المتعال مستمرّ و ثابت.

و قلنا:إنّ الخرج هو ما يخرج و يفرض من المال بأيّ غرض كان،و بأيّ مقدار يفرض و يتعيّن،و بأيّ مصرف يكون،و هذا هو الفرق بينه و بين الثّمن و العوض و الأجر و أمثالها.

فظهر لطف التّعبير به في الآيتين الكريمتين،فإنّ الخرج المنظور فيهما ليس في قبال مبيع،و لا في معاملة، و لا عوضا من عمل،و لا أجرا لشيء،و لا محدودا بحدود معيّنة،أو في مصرف معيّن.(3:34)

النّصوص التّفسيريّة

خرج

فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ...

مريم:11

ص: 392

ابن جريج:فأشرف على قومه من المحراب.

(الطّبريّ 8:313)

مثله القرطبيّ.(11:84)

خرجت

وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ...

البقرة:149،150

الطّبريّ: و من أيّ موضع خرجت،إلى أيّ موضع وجّهت،فولّ يا محمّد وجهك...[و في الآية الثّانية]

من أيّ مكان و بقعة شخصت فخرجت يا محمّد، فولّ وجهك...(2:33)

الإسكافيّ: قوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ... البقرة:144،و قال بعده في هذه العشر:

وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ* وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ...

للسّائل أن يسأل عن الفائدة لتكرار هذه الآية في هذه العشر،مع أنّ في كلّ واحدة كفاية؟

و الجواب عنه أن يقال:إنّ قوله: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ هو الأمر الأوّل بالتّوجّه نحو القبلة الّتي هي الكعبة،و اللّفظ للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و ما بعده هو خطاب له و لأمّته، و هو قوله: وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.

و أمّا الآية الثّانية،و هي قوله: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ... فالخروج خروجان:

أحدهما:خروج المصلّي من مكان إلى مكان يرى فيه الكعبة و هو المسجد الحرام،فكأنّه قال:و من أيّ باب من أبواب المسجد خرجت فتوخّ استقبال الكعبة بالصّلاة.

و الخروج الثّاني خروج من البلد الّذي فيه المسجد الحرام و هو الحرم،فكأنّه قال:و إن خرجت من البلد من أيّ باب خرجت،فاجعل الكعبة قبلة تتوجّه نحوها بصلاتك.

فعلى هذا يكون لكلّ آية فائدة،فالأولى ليس فيها خروج،و الثّانية هي خروج من أقرب الأماكن إلى الكعبة،و الثّالثة خروج ممّا عدا ذلك عامّ في البلاد،و قد كان يتوهّم أنّ للقرب حرمة لا يثبت مثلها للعبد،فوقعت مظاهرة بالأمر بتولّي القبلة في القرب و البعد.

و لفظة(خرجت)لفظة الماضي و هي في موضع المستقبل،لأنّ المعنى معنى الشّرط و الجزاء،و(حيث) وحدها و إن تضمّنت معنى الشّرط،فإنّه لا يجزم بها الفعل المستقبل،بل تقول:من حيث تخرج،فترفع الفعل،فإن أردت:من أيّ موضع تخرج،«فأيّ موضع»يجزم الفعل، و«حيث»لا تجزمه إلاّ إذا قارنتها«ما»،فتقول:حيث ما تنزل أنزل.

فإن قلت:حيث تنزل أنزل،بطل الجزم و وجب الرّفع،فقوله تعالى: وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ (كنتم)في هذا المكان في موضع فعل مجزوم،فكأنّه قال:و حيث ما تكونوا فولّوا وجوهكم شطره،و ليس كذلك وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ إلاّ أنّه لا يخرج عن تضمّن معنى الشّرط،

ص: 393

يبيّن ذلك دخول الفاء في الجواب،و لو لا هذا المعنى ما احتيج إليها،فلهذا قلنا:إنّ الماضي بعدها بمنزلة المستقبل، كما يكون في قولك:إن خرجت خرجت،إلاّ أنّ الماضي لا يجزم كما لا يجزم الفعل في صلة«الّذي»و إن دخله معنى الشّرط إذا قلت:الّذي يزورني فله درهم،فأوجبت الدّرهم بالزّيارة،و«حيث»في هذا الموضع على غير ما هي عليه في قولك:قعدت اليوم حيث قعدت أمس،لأنّ تلك شائعة كشياع الأسماء الّتي تقع بمعنى الشّرط و مجازاتها.(36)

الطّوسيّ: قيل في تكرار قوله: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ثلاثة أقوال:

أحدها:لاختلاف المعنى و إن اتّفق اللّفظ،لأنّ المراد بالأوّل من حيث خرجت منصرفا عن التّوجّه إلى بيت المقدس فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و أريد بالثّاني أين كنت في البلاد فتوجّه نحو المسجد الحرام مستقبلا كنت لظهر الكعبة،أو وجهها،أو يمينها،أو شمالها.

الثّاني:لاختلاف المواطن الّتي تحتاج إلى هذا المعنى فيها.

الثّالث:لأنّه مواضع التّأكيد بالنّسخ الّذي نقلوا فيه من جهة إلى جهة،للتّقرير و التّثبيت.(2:26)

مثله الطّبرسيّ.(1:232)

الكرمانيّ: قوله: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ هذه الآية مكرّرة ثلاث مرّات،قيل:إنّ الأولى لنسخ القبلة، و الثّانية للسّبب،و هو قوله: وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، و الثّالثة للعلّة،و هو قوله: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ البقرة:149،150،و قيل:الأولى في مسجد المدينة،و الثّانية خارج المسجد،و الثّالثة خارج البلد.

و قيل:في الآيات خروجان:خروج إلى مكان ترى فيه القبلة،و خروج إلى مكان لا ترى،أي الحالتان فيه سواء.

قلت:إنّما كرّر لأنّ المراد بذلك الحال،و المكان، و الزّمان،و قلت:في الآية الأولى وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ و ليس فيها وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فجمع في الآية الثّالثة بين قوله: حَيْثُ خَرَجْتَ -و حَيْثُ ما كُنْتُمْ ليعلم أنّ النّبيّ و المؤمنين في ذلك سواء.(33)

البغويّ: إنّما كرّر لتأكيد النّسخ.(1:181)

الزّمخشريّ: أي و من أيّ بلد خرجت للسّفر فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ.... (1:322)

نحوه البيضاويّ(1:89)،و النّيسابوريّ(2:26)، و النّسفيّ(1:83)،و الشّربينيّ(1:103)،و البروسويّ (1:254).

ابن عطيّة: معناه حيث كنت و أنّى توجّهت من مشارق الأرض و مغاربها.(1:225)

أبو حيّان :قيل:الخروج الأوّل إلى مكان ترى فيه الكعبة،و الثّاني إلى مكان لا ترى فيه،فسوّى بين الحالتين.

و قيل:الخروج الأوّل متّصل بذكر السّبب و هو وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، و الثّاني متّصل بانتفاء الحجّة و هو لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ.

و قيل:الأوّل لجميع الأحوال،و الثّاني لجميع الأمكنة،و الثّالث لجميع الأزمنة.

و قيل:الأوّل أن يكون الإنسان في المسجد الحرام،

ص: 394

و الثّاني أن يكون خارجا عنه و هو في البلد،و الثّالث أن يخرج عن البلد إلى أقطار الأرض،فسوّى بين هذه الأحوال لئلاّ يتوهّم أنّ للأقرب حرمة لا تثبت للأبعد.

(1:440)

السّمين: مِنْ حَيْثُ متعلّق بقوله: فَوَلِّ، و خَرَجْتَ في محلّ جرّ بإضافة(حيث)إليها،و قرأ عبد اللّه(حيث)بالفتح،و قد تقدّم أنّها إحدى اللّغات،و لا تكون هنا شرطيّة،لعدم زيادة«ما».(1:407)

أبو السّعود :تأكيد لحكم التّحويل،و تصريح بعدم تفاوت الأمر في حالتي السّفر و الحضر.و(من)متعلّقة بقوله تعالى: فَوَلِّ، أو بمحذوف عطف هو عليه،أي من أيّ مكان خرجت إليه للسّفر فَوَلِّ وَجْهَكَ... أو افعل ما أمرت به من أيّ مكان خرجت إليه فَوَلِّ....

(1:217)

رشيد رضا :أي و من أيّ مكان خرجت و في أيّ بقعة حللت فولّ وجهك في صلاتك شطر المسجد الحرام، فهو حكم عامّ.

قال الأستاذ الإمام:أعاد الأمر في صورة أخرى ليبيّن أنّه شريعة عامّة،في كلّ زمان و مكان لا يختصّ ببلاد دون أخرى،و لا بحضر دون سفر.و قد كان الأمر بالتّحويل نزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هو في الصّلاة،فأعلمه بصيغة الأمر أنّه ليس خاصّا بتلك الصّلاة و لا بذلك المكان،بل عليه أن يفعل ذلك من حيث خرج و أين توجّه.(2:23)

نحوه المراغيّ.(2:16)

ابن عاشور :عطف قوله: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ على قوله: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ البقرة:

144،عطف حكم على حكم من جنسه،للإعلام بأنّ استقبال الكعبة في الصّلاة المفروضة لا تهاون في القيام به و لو في حالة العذر كالسّفر،فالمراد من حَيْثُ خَرَجْتَ:

من كلّ مكان خرجت مسافرا،لأنّ السّفر مظنّة المشقّة في الاهتداء لجهة الكعبة،فربّما يتوهّم متوهّم سقوط الاستقبال عنه،و في معظم هاته الآية مع قوله: وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ زيادة اهتمام بأمر القبلة،يؤكّد قوله في الآية السّابقة: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ البقرة:147.(2:44)

الطّباطبائيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ المعنى:و من أيّ مكان خرجت،و في أيّ بقعة حللت فَوَلِّ وَجْهَكَ. و ذكر بعضهم أنّ المعنى:و من حيث خرجت من البلاد،و يمكن أن يكون المراد بقوله: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ: مكّة،الّتي خرج رسول اللّه منها،كما قال تعالى: مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ محمّد:13،و يكون المعنى:أنّ استقبال البيت حكم ثابت لك في مكّة و غيرها من البلاد و البقاع،و في قوله: وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ تأكيد و تشديد.

قوله تعالى: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ...

تكرار الجملة الأولى بلفظها،لعلّه للدّلالة على ثبوت حكمها على أيّ حال،فهو كقول القائل:اتّق اللّه إذا قمت، و اتّق اللّه إذا قعدت،و اتّق اللّه إذا نطقت،و اتّق اللّه إذا سكتّ،يريد:التزم التّقوى عند كلّ واحدة من هذه الأحوال و لتكن معك.و لو قيل:اتّق اللّه إذا قمت و إذا قعدت و إذا نطقت و إذا سكتّ،فاتت هذه النّكتة.

و المعنى استقبل شطر المسجد الحرام من الّتي خرجت

ص: 395

منها و حيث ما كنتم من الأرض فولّوا وجوهكم شطره.

(1:328)

خرجتم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ... أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي... الممتحنة:1

الطّبريّ: إن كنتم خرجتم من دياركم،فهاجرتم منها إلى مهاجركم للجهاد في طريقي الّذي شرعته لكم.(28:58)

الزّمخشريّ: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ متعلّق ب لا تَتَّخِذُوا يعني لا تتولّوا أعدائي إن كنتم أوليائي.

و قول النّحويّين في مثله:هو شرط جوابه محذوف، لدلالة ما قبله عليه.(4:89)

نحوه النّسفيّ(4:246)،و أبو حيّان(8:253)، و السّمين(6:302).

الطّبرسيّ: و المعنى إن كان غرضكم في خروجكم و هجرتكم الجهاد و طلب رضاي،فأوفوا خروجكم حقّه من معاداتهم،و لا تلقوا إليهم بالمودّة و لا تتّخذوهم أولياء.(5:270)

الفخر الرّازيّ: [ذكر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

لقائل أن يقول: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ قضيّة شرطيّة، و لو كان كذلك فلا يمكن وجود الشّرط،و هو قوله: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ بدون ذلك النّهي[لا تتّخذوا]،و من المعلوم أنّه يمكن.

فنقول:هذا المجموع شرط لمقتضى ذلك النّهي، لا للنّهي بصريح اللّفظ،و لا يمكن وجود المجموع بدون ذلك،لأنّ ذلك موجود دائما،فالفائدة في اِبْتِغاءَ مَرْضاتِي ظاهرة؛إذ الخروج قد يكون ابتغاء لمرضاة اللّه و قد لا يكون.(29:298)

القرطبيّ: قيل:في الكلام تقديم و تأخير،و التّقدير:

لا تتّخذوا عدوّي و عدوّكم أولياء إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي.

و قيل:في الكلام حذف،و المعنى إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي و ابتغاء مرضاتي،فلا تلقوا إليهم بالمودّة.

و قيل:إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي و ابتغاء مرضاتي شرط،و جوابه مقدّم.

و المعنى إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي فلا تتّخذوا عدوّي و عدوّكم أولياء.(18:53)

البيضاويّ: عن أوطانكم.(2:469)

البروسويّ: متعلّق ب لا تَتَّخِذُوا كأنّه قيل:

لا تتولّوا أعدائي إن كنتم أوليائي-و انتصاب(جهادا) و(ابتغاء)على أنّهما مفعول لهما ل(خرجتم)أي إن كنتم خرجتم عن أوطانكم لأجل هذين فلا تتّخذوهم أولياء و لا تلقوا إليهم بالمودّة.[إلى أن قال:]

و إسناد الخروج إليهم معلّلا بالجهاد و الابتغاء،يدلّ على أنّ المراد من إخراج الكفرة كونهم سببا لخروجهم بأذيّتهم لهم،فلا ينافي تلك السّببيّة كون إرادة الجهاد و الابتغاء علّة له.(9:474)

الآلوسيّ: متعلّق بقوله:(لا تتخذوا)إلخ،كأنّه قيل:لا تتولّوا أعدائي إن كنتم أوليائي،فجواب الشّرط محذوف دلّ عليه ما تقدّم،و جعله الزّمخشريّ حالا من

ص: 396

فاعل(لا تتخذوا)و لم يقدّر له جوابا،أي لا تتّخذوا عدوّي و عدوّكم أولياء،و الحال أنّكم خرجتم لأجل الجهاد و طلب مرضاتي.

و اعترض بأنّ الشّرط لا يقع حالا بدون جواب في غير«إن»الوصليّة،و لا بدّ فيها من الواو،«و إن»ترد حيث يكون ضدّ المذكور أولى-كأحسن إلى زيد و إن أساء إليك-و ما هنا ليس كذلك.

و أجيب:بأنّ ابن جنّيّ جوّزه و ارتضاه جار اللّه هنا، لأنّ البلاغة و سوق الكلام يقتضيانه،فيقال لمن تحقّقت صداقته من غير قصد للتّعليق و الشّكّ:لا تخذلني إن كنت صديقي تهييجا للحميّة،و فيه من الحسن ما فيه،فلا يضرّ إذا خالف المشهور،و نصب المصدرين على ما أشرنا إليه على التّعليل،و جوّز كونهما حالين،أي مجاهدين و مبتغين.و المراد بالخروج:إمّا الخروج للغزو،و إمّا الهجرة،فالخطاب للمهاجرين خاصّة،لأنّ القصّة صدرت منهم.(28:67)

القاسميّ: أي هاجرتم.(16:5759)

الطّباطبائيّ: [ذكر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و تقييد النّهي عن ولائهم،و اشتراطه بخروجهم للجهاد و ابتغائهم مرضاته،من باب اشتراط الحكم بأمر محقّق الوقوع،تأكيدا له و إيذانا بالملازمة بين الشّرط و الحكم،كقول الوالد لولده:إن كنت ولدي فلا تفعل كذا.

(19:227)

مكارم الشّيرازيّ: فإذا كنتم ممّن تدّعون حبّ اللّه حقّا،و هاجرتم من دياركم لأجله سبحانه،و ترغبون في الجهاد في سبيله طلبا لرضاه تعالى،فإنّ هذه الأهداف العظيمة لا يناسبها إظهار الولاء لأعداء اللّه سبحانه.(18:222)

فضل اللّه :من أجل أن تكون كلمة اللّه هي العليا، و يكون الدّين كلّه للّه.(22:146)

يخرج

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ. الرّحمن:22

ابن عبّاس: يخرج من المالح خاصّة.(451)

نحوه الفرّاء.(3:115)

يعني من ماء بحر السّماء و بحر الأرض،لأنّ ماء السّماء إذا وقع في صدف البحر انعقد اللّؤلؤ فكان خارجا منها.(الميبديّ 9:412)

أبو عبيدة :إنّما يخرج اللّؤلؤ من أحدهما،فخرج مخرج:أكلت خبزا و لبنا.(2:244)

إنّ خروج هذه الأشياء إنّما هي من الملح،لكنّه قال:

(منهما)تجوّزا.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن عطيّة 5:228)

الأخفش: زعم قوم أنّه قد ينفرج اللّؤلؤ و المرجان من الملح و من العذب.(ابن عطيّة 5:228)

الطّبريّ: و قد زعم بعض أهل العربيّة أنّ اللّؤلؤ و المرجان يخرج من أحد البحرين،و لكن قيل:يخرج منهما،كما يقال:أكلت خبزا و لبنا،و كما قيل:

و رأيت زوجك في الوغى

متقلّدا سيفا و رمحا

و ليس ذلك كما ذهب إليه،بل ذلك كما وصفت من قبل،من أنّ ذلك يخرج من أصداف البحر عن قطر

ص: 397

السّماء،فلذلك قيل: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ يعني بهما البحران.[إلى أن قال:]

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا...

فقرأته عامّة قرّاء المدينة و البصرة (يخرج) على وجه ما لم يسمّ فاعله،و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة و بعض المكّيّين بفتح الياء.

و الصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب،لتقارب معنييهما.(11:589)

الزّجّاج: اَلْمَرْجانُ: صغار اللّؤلؤ، و اَللُّؤْلُؤُ: اسم جامع للحبّ الّذي يخرج من البحر.

و قال: يَخْرُجُ مِنْهُمَا... و إنّما يخرج من البحر الملح،لأنّه قد ذكرهما و جمعهما،فإذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما،و مثل ذلك قوله عزّ و جلّ: أَ لَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً و الشّمس في السّماء الدّنيا إلاّ أنّه لمّا أجمل ذكر السّبع،كأنّ ما في إحداهنّ فيهنّ،و يقرأ:

(يخرج منهما) بضمّ الياء.(5:100)

الفارسيّ: أراد يخرج من أحدهما،فحذف المضاف.

(ابن الجوزيّ 8:113)

عبد الجبّار:ربّما قيل في قوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ كيف يصحّ ذلك و إنّما يخرج من أحد البحرين؟

و جوابنا:أنّه إذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما، و المراد من هذا،المجموع،و قد قيل:إنّه لا يخرج من البحر الّذي ليس بعذب إلاّ إذا مازجه الماء العذب.(410)

الماورديّ: و في قوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا وجهان:

أحدهما:أنّ المراد أحدهما و إن عطف بالكلام عليهما.

الثّاني:أنّه خارج منهما على قول ابن عبّاس.

و فيه وجه ثالث:أنّ العذب و المالح قد يلتقيان، فيكون العذب كاللّقاح للمالح،فنسب إليهما كما نسب الولد إلى الذّكر و الأنثى و إن ولدته الأنثى،و لذلك قيل:إنّه لا يخرج اللّؤلؤ إلاّ من موضع يلتقي فيه العذب و المالح.(5:430)

الطّوسيّ: و إنّما جاز أن يقول يَخْرُجُ مِنْهُمَا و هو يخرج من الملح دون العذب[و ذكر الوجه الثّالث من قول الماوردي و أضاف:]

و قال قوم:المعنى من جهتهما،و لا يجب أنّه من كلّ واحد منهما؛و الأوّل وجه التّأويل.(9:471)

الواحديّ: أكثر القرّاء على(يخرج)بضمّ الياء من:

الإخراج،لأنّه يخرج و لا يخرج بنفسه،و من قرأ (يخرج)فهو اتّساع؛و ذلك أنّه إذا أخرج خرج.[ثمّ ذكر قول الزّجّاج](4:220)

البغويّ: قرأ أهل المدينة و البصرة (يخرج) بضمّ الياء و فتح الرّاء،و قرأ الآخرون بفتح الياء و ضمّ الرّاء، اَللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ و إنّما يخرج من المالح دون العذب،و هذا جائز في كلام العرب أن يذكر شيئان ثمّ يخصّ أحدهما بفعل،كما قال عزّ و جلّ: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ الأنعام:130،و كانت الرّسل من الإنس دون الجنّ.(4:334)

نحوه القرطبيّ.(17:163)

ص: 398

الميبديّ: قيل:يخرج من الأجاج و العذب جميعا.

و ذهب أكثرهم إلى أنّهما يخرجان من المالح و لا يخرجان من العذب،و لكن لمّا ذكرهما جميعا أضاف الإخراج إليهما،كما قال تعالى: وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً و إنّما هو في السّماء الدّنيا،لكن لمّا ذكر سبع سماوات و ذكر القمر بعدها،أضافه إلى ما جرا ذكره قبله.(9:412)

الزّمخشريّ: قرئ يَخْرُجُ و (يخرج) من:أخرج و خرج،و(يخرج)أي اللّه عزّ و جلّ اَللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ بالنّصب،و(نخرج)بالنّون.

فإن قلت:لم قال:(منهما)و إنّما يخرجان من الملح؟

قلت:لمّا التقيا و صارا كالشّيء الواحد جاز أن يقال:

يخرجان منهما،كما قال:يخرجان من البحر و لا يخرجان من جميع البحر و لكن من بعضه،و تقول:خرجت من البلد،و إنّما خرجت من محلّة من محالّه،بل من دار واحدة من دوره.و قيل:لا يخرجان إلاّ من ملتقى الملح و العذب.(4:45)

نحوه البيضاويّ(2:441)و النّسفيّ(4:209)، و أبو السّعود(6:177).

ابن عطيّة: و اختلف النّاس في قوله:(منهما)[ثمّ ذكر قول الأخفش و قال:]و ردّ النّاس على هذا القول، لأن الحسّ يخالفه،و لا يخرج ذلك إلاّ من الملح...

و قال جمهور من المتأوّلين:إنّما يخرج ذلك[اللّؤلؤ...] من الأجاج في المواضع الّتي تقع فيها الأنهار و المياه العذبة،فلذلك قال:(منهما)،و هذا مشهور عند الغوّاصين...

و قال ابن عبّاس و عكرمة:إنّما تتكوّن هذه الأشياء في البحر بنزول المطر،لأنّ الصّدف و غيرها تفتح أجوافها للمطر،فلذلك قال:(منهما).

فمن حيث هما نوع واحد فخروج هذه الأشياء إنّما هي منهما،و إن كانت تختصّ عند التّفصيل المبالغ بأحدهما،و هذا كما قال تعالى: سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً* وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نوح:15،16،و إنّما هو في إحداهنّ، و هي الدّنيا إلى الأرض.[ثمّ ذكر اختلاف القراءة]

(5:228)

أبو البركات: أي من أحدهما،لأنّ اللّؤلؤ و المرجان لا يخرج من العذب،و إنّما يخرج من الملح،فحذف المضاف و هو«أحد»و أقام المضاف إليه مقامه،كقوله تعالى:

عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ الزّخرف:31،أي من إحدى القريتين،فحذف المضاف على ما قدّمنا.

(2:409)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:[في القراءات في(يخرج)].

المسألة الثّانية:اللّؤلؤ لا يخرج إلاّ من المالح فكيف قال(منهما)؟

نقول:الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:أنّ ظاهر كلام اللّه تعالى أولى بالاعتبار من كلام بعض النّاس الّذي لا يوثق بقوله،و من علم أنّ اللّؤلؤ لا يخرج من الماء العذب،وهب أنّ الغوّاصين ما أخرجوه إلاّ من المالح و ما وجدوه إلاّ فيه،لكن لا يلزم من هذا أن لا يوجد في الغير،سلّمنا،لم قلتم أنّ الصّدف يخرج بأمر اللّه من الماء العذب إلى الماء المالح،و كيف يمكن الجزم به و الأمور الأرضيّة الظّاهرة خفيت عن التّجّار

ص: 399

الّذين قطعوا المفاوز و داروا البلاد،فكيف لا يخفى أمر ما في قعر البحر عليهم؟

ثانيهما:أن نقول:إن صحّ قولهم في اللّؤلؤ:إنّه لا يخرج إلاّ من البحر المالح،فنقول فيه وجوه:

أحدها:أنّ الصّدف لا يتولّد فيه اللّؤلؤ إلاّ من المطر، و هو بحر السّماء.

ثانيها:أنّه يتولّد في ملتقاهما ثمّ يدخل الصّدف في المالح عند انعقاد الدّرّ فيه طالبا للملوحة،كالمتوحّمة الّتي تشتهي الملوحة أوائل الحمل فيثقل هناك،فلا يمكنه الدّخول في العذب.

ثالثها:أنّ ما ذكرتم إنّما كان يرد أن لو قال:يخرج من كلّ واحد منهما،فأمّا على قوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا لا يرد؛ إذ الخارج من أحدهما،مع أنّ أحدهما مبهم خارج منهما، كما قال تعالى: وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً يقال:فلان خرج من بلاد كذا،و دخل في بلاد كذا،و لم يخرج إلاّ من موضع من بيت من محلّة في بلدة.

رابعها:أنّ(من)ليست لابتداء شيء كما يقال:

خرجت من الكوفة،بل لابتداء عقليّ كما يقال:خلق آدم من تراب و وجدت الرّوح من أمر اللّه،فكذلك اللّؤلؤ يخرج من الماء،أي منه يتولّد.(29:101)

النّيسابوريّ: أي من كلّ منهما.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و قال:]

قلت:و نحن قد سمعنا أنّ الأصداف تخرج من البحر المالح و من الأمكنة الّتي فيها عيون عذبة في مواضع من البحر الملح،و يؤيّده قوله سبحانه في فاطر: وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها فلا حاجة إلى هذه التّكلّفات.(27:65)

أبو حيّان :[ذكر أقوال المتقدّمين](8:191)

السّمين:[ذكر أقوال المتقدّمين](6:240)

السّيوطيّ: في الحقيقة و المجاز:[العشرون:من المجاز إقامة صيغة مقام أخرى]و منه كلّ فعل نسب إلى شيئين و هو لأحدهما فقط،نحو: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ و إنّما يخرج من أحدهما و هو الملح دون العذب،و نظيره: وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها فاطر:12،و إنّما تخرج الحلية من الملح. وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً نوح:16، أي في إحداهنّ. نَسِيا حُوتَهُما الكهف:61، و النّاسي يوشع،بديل قوله لموسى: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ الكهف:63،و إنّما أضيف النّسيان إليهما معا لسكوت موسى عنه. فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ البقرة:

203،و التّعجيل في اليوم الثّاني. عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال الفارسيّ:أي من إحدى القريتين، و ليس منه: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:46، و أنّ المعنى جنّة واحدة،خلافا للفرّاء و في كتاب«ذا القدّ» لابن جنّيّ أنّ منه: أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ المائدة:116،و إنّما المتّخذ إلها عيسى دون مريم.(3:130)

البروسويّ: و اعلم أنّه إن أريد ب(البحرين)هنا بحر فارس و بحر الرّوم،فلا حاجة في قوله:(منهما)إلى التّأويل؛إذ اللّؤلؤ و المرجان بمعنييه يخرجان منهما،لأنّ كلاّ منهما ملح،و لا عذب في البحار السّبعة إلاّ على قول من قال في الآية:يخرج من مالح بحري فارس و الرّوم،

ص: 400

و من عذب بحر الصّين.و في«بحر العلوم»:أنّ اللّؤلؤ يخرج من بحر فارس،و المرجان من بحر الرّوم،يعني لا من كليهما.

و إن أريد بهما البحر الملح و البحر العذب فنسبة خروجهما حينئذ إلى البحرين-مع أنّهما إنّما يخرجان من البحر الملح،أو مع أنّهما لا يخرجان من جميع البحر،و لكن من بعضه،كما يقال:يخرج الولد من الذّكر و الأنثى و إنّما تلده الأنثى-و هو الأظهر،أو لأنّهما لا يخرجان إلاّ من ملتقى الملح و العذب،و هذا يحتمل معنيين:أحدهما:أنّ الملتقى اسم مكان،و الخروج بمعنى الانتقال من الباطن إلى الظّاهر،فإنّه قال الجمهور:يخرج من الأجاج من المواضع الّتي يقع فيها الأنهار و المياه العذبة،فناسب إسناد ذلك إليهما،و هذا مشهور عند الغوّاصين.

و الثّاني:أنّه مصدر ميميّ بمعنى الالتقاء،و الخرج بمعنى الحدوث،و الحدوث بمعنى الوجود،فإنّه يحدث و يتكوّن عن التقائهما و اجتماعهما،كما قال الرّازيّ:يكون العذب كاللّقاء للملح.(9:295)

نحوه شوقي ضيف.

(سورة الرّحمن و سور قصار:71)

الآلوسيّ: [ذكر أقوال السّابقين فلاحظ]

(27:106)

لا يخرجون-اخرجوا

لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَ لَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ... الحشر:12

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:لئن أخرج بنو النّضير من ديارهم فأجلوا عنها،لا يخرج معهم المنافقون الّذين و عدوهم الخروج من ديارهم.(12:44)

نحوه الطّوسيّ.(9:568)

الفخر الرّازيّ: و لمّا شهد على كذبهم[المنافقين] على سبيل الإجمال أتبعه بالتّفصيل،فقال: لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ....

و اعلم أنّه تعالى عالم بجميع المعلومات الّتي لا نهاية لها،فعلم الموجودات في الأزمنة الثّلاثة،و المعدومات في الأزمنة الثّلاثة،و علم في كلّ واحد من هذه الوجوه السّتّة،أنّه لو كان على خلاف ما وقع كيف كان يكون على ذلك التّقدير.

فهاهنا أخبر تعالى أنّ هؤلاء اليهود لئن أخرجوا، فهؤلاء المنافقون لا يخرجون معهم،و قد كان الأمر كذلك، لأنّ بني النّضير لمّا أخرجوا لم يخرج معهم المنافقون، و قوتلوا أيضا فما نصروهم.(29:289)

القرطبيّ: و المعنى لئن أخرج اليهود لا يخرج معهم المنافقون.

و قيل: لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ... أي علم اللّه منهم أنّهم لا يخرجون إن أخرجوا.(18:34)

البروسويّ: لَئِنْ أُخْرِجُوا قهرا و إذلالا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ تكذيب لهم في كلّ واحد من أقوالهم على التّفصيل،بعد تكذيبهم في الكلّ على الإجمال.(9:439)

مثله الآلوسيّ.(28:57)

الطّباطبائيّ: [ذكر مثل البروسويّ و أضاف:]

و كرّر فيه لام القسم،و المعنى:أقسم لئن أخرج بنو

ص: 401

النّضير لا يخرج معهم المنافقون،و أقسم لَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ. (19:212)

ليخرجنّ

وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا... النّور:53

ابن عبّاس: من ماله كلّه.(298)

مقاتل:و المراد بهذا الخروج:الخروج للجهاد.(الآلوسيّ 18:199)

الطّوسيّ: يعني إلى الغزو.(7:453)

البغويّ: و ذلك أنّ المنافقين كانوا يقولون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:أينما كنت نكن معك،لئن خرجت خرجنا،و إن أقمت أقمنا،و إن أمرتنا بالجهاد جاهدنا،فقال تعالى:(قل) لهم، لا تُقْسِمُوا. (3:424)

ابن عطيّة: معناه إلى الغزو،و هذه في المنافقين الّذين تولّوا حين دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ النّور:

48.(4:192)

القرطبيّ: عاد إلى ذكر المنافقين،فإنّه لمّا بيّن كراهتهم لحكم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أتوه فقالوا:و اللّه لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا و نسائنا و أموالنا لخرجنا،و لو أمرتنا بالجهاد لجاهدنا،فنزلت هذه الآية.أي و أقسموا باللّه أنّهم يخرجون معك في المستأنف و يطيعون.(12:297)

نحوه النّسفيّ.(3:151)

أبو السّعود :جواب ل(اقسموا)بطريق حكاية فعلهم لا حكاية قولهم؛و حيث كانت مقالتهم هذه كاذبة و يمنيهم فاجرة أمر عليه السّلام بردّها؛حيث قيل:(قل)...

(4:476)

البروسويّ: [نحو القرطبيّ و أضاف:]

جواب ل(اقسموا)لأنّ اللاّم الموطئة للقسم في قوله:

لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ جعلت ما يأتي بعد الشّرط المذكور، جوابا للقسم لاجزاء للشّرط،و كان جزاء الشّرط مضمرا مدلولا عليه بجواب القسم،و جواب القسم و جزاء الشّرط لمّا كانا متماثلين اقتصر على جواب القسم؛و حيث كانت مقالتهم هذه كاذبة و يمينهم فاجرة أمر عليه السّلام بردّها؛حيث قيل: قُلْ لا تُقْسِمُوا.

(6:172)

الآلوسيّ: [ذكر قول ابن عبّاس و مقاتل و قال:]

و أيّا ما كان فالجملة جواب ل(اقسموا)و جواب الشّرط محذوف،لدلالة هذه الجملة عليه و هي حكاية بالمعنى.و الأصل(لنخرجنّ)بصيغة المتكلّم مع الغير، و قيل:الأصل لخرجنا،إلاّ أنّه أريد حكاية الحال الماضية،فعبّر بذلك.

و تعقّب بأنّ المعتبر زمان الحكم و هو مستقبل،(قل) أي ردّا عليهم و زجرا لهم عن التّفوّه بتلك الأيمان، و إظهارا لعدم القبول لكونهم كاذبين فيها.(18:199)

ابن عاشور :[ذكر كلام ابن عطيّة و القرطبيّ و قال:]

و كلام القرطبيّ يقتضي أنّهم ذكروا خروجين، و بذلك يكون من الإيجاز في الآية حذف متعلّق الخروج، يشمل ما يطلق عليه لفظ الخروج من حقيقة و مجاز، بقرينة ما هو معروف من قصّة سبب نزول الآية يومئذ، فإنّه بسبب خصومة في مال فكان معنى الخروج من المال

ص: 402

أسبق في القصد.و اقتصر جمهور المفسّرين على أنّ المراد:

ليخرجنّ من أموالهم و ديارهم،و اقتصر الطّبريّ على أنّ المراد:ليخرجنّ إلى الجهاد.على اختلاف الرّأيين في سبب النّزول.(18:221)

الطّباطبائيّ: و الظّاهر أنّ المراد بقوله:

(ليخرجن)الخروج إلى الجهاد على ما وقع في عدّة من الآيات،كقوله: وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ* لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً التّوبة:46،47.[إلى أن قال:]

و معنى الآية و أقسموا باللّه بأغلظ أيمانهم،لئن أمرتهم بالخروج إلى الجهاد ليخرجنّ،قل لهم: لا تُقْسِمُوا فالخروج إلى الجهاد طاعة معروفة من الدّين-و هو واجب لا حاجة إلى إيجابه بيمين مغلّظ-و أن تكونوا تقسمون لأجل أن ترضوا اللّه و رسوله بذلك،فاللّه خبير بما تعملون،لا يغرّه إغلاظكم في الأيمان.

و قيل:المراد بالخروج:خروجهم من ديارهم و أموالهم لو حكم الرّسول بذلك،و قوله: طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ مبتدأ لخبر محذوف،و التّقدير:طاعة معروفة للنّبيّ خير من إقسامكم.و معنى الآية:و أقسموا باللّه بأغلظ الأيمان،لئن أمرتهم و حكمت عليهم في منازعاتهم بالخروج من ديارهم و أموالهم ليخرجنّ منها،قل لهم:

لا تُقْسِمُوا لأنّ طاعة حسنة منكم للنّبيّ خير من إقسامكم باللّه،و اللّه خبير بما تعملون.

و فيه أنّ هذا المعنى و إن كان يؤكّد اتّصال الآية بما قبلها بخلاف المعنى السّابق،لكنّه لا يلائم التّصريح السّابق بردّهم الدّعوة إلى اللّه و رسوله،ليحكم بينهم،لأنّهم إذ كانوا تولّوا و أعرضوا عن حكم اللّه و رسوله لم يكن يسعهم أن يقسموا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لئن أمرهم في حكمه بالخروج من ديارهم و أموالهم ليخرجنّ و هو ظاهر، اللّهمّ إلاّ أن يكون المقسمون فريقا آخر منهم غير الرّادّين للدّعوة المعرضين عن الحكم،و حينئذ كان حمل (ليخرجن)على هذا المعنى لا دليل يدلّ عليه.

(15:149)

مكارم الشّيرازيّ: يرى كثير من المفسّرين أنّ كلمة(ليخرجن)في هذه الآية يقصد منها الخروج للجهاد في سبيل اللّه،غير أنّ مفسّرين آخرين يرون أنّها تقصد عدم التّهالك على المال و الحياة،و اتّباع الرّسول صلّى اللّه عليه و آله أينما رحل و حلّ و طاعته.

و قد وردت كلمة«الخروج»و مشتقّاتها في القرآن المجيد بمعنى الخروج إلى ميادين الجهاد،و ترك المنزل و الأهل و الوطن في سبيل اللّه تعالى،إلاّ أنّها توجد خلافا مع تفسير الآيات السّابقة الّتي تحدّثت عن حكم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله في القضايا المختلفة،يجعلنا نتقبّل التّفسير الثّاني،بمعنى أنّ المنافقين جاءوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليعربوا عن طاعتهم لحكمه صلّى اللّه عليه و آله و التّسليم له،فأقسموا على إخراج قسم من أموالهم،بل أن يخرجوا إلى الجهاد إن أمرهم بذلك.

و لا مانع من الجمع بين التّفسيرين،أي إنّهم كانوا على استعدادهم لترك أموالهم و أهلهم،و الخروج للجهاد، و التّضحية في سبيل اللّه.و لكن بما أنّ المنافقين يتقلّبون في مواقفهم بحسب الظّروف السّائدة في المجتمع،فتراهم تارة

ص: 403

يقسمون الأيمان المغلّظة حتّى تشعر بأنّهم كاذبون،فقد ردّ القرآن بصراحة،أنّه لا حاجة إلى اليمين،و إنّما لا بدّ من البرهنة على صدق الادّعاء بالعمل،لأنّ اللّه خبير بما تعملون،يعلم هل تصدقون في يمينكم أم تبغون تغيير مواضعكم؟

لهذا أكّدت الآية التّالية-الّتي هي آخر الآيات في موضع البحث-هذا المعنى و تقول للرّسول صلّى اللّه عليه و آله:أن قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ.

ثمّ تضيف الآية أنّ هذا الأمر لا يخرج عن إحدى حالتين فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا النّور:54،لأنّه قائد لا يدعو لغير سبيل اللّه و الحقّ و الصّواب.

في كلّ الأحوال وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ و إنّه صلّى اللّه عليه و آله مكلّف بإبلاغ جميع ما أمر اللّه به، فإن أطاعوه استفادوا،و إن لم يطيعوه خسروا.

و ليس على النّبيّ أن يجبر النّاس على الهداية و تقبّل دعوته.

و الّذي يلفت النّظر في الآية السّابقة استعمالها عبارة الحمل الثّقيل للمسئوليّات،و هذا هو الواقع،فرسالة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله تستوجب الإبلاغ صلّى اللّه عليه و آله و على النّاس طاعته، إنّها لمسئوليّة لا يطيق حملها إلاّ المخلصون الّذين يطيقون حمل هذه المسئوليّة.

و قد روى الإمام الباقر عليه السّلام حديثا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، قال فيه:«يا معشر قرّاء القرآن،اتّقوا اللّه عزّ و جلّ فيما حملكم من كتابه،فإنّي مسئول و أنتم مسئولون،إنّي مسئول عن تبليغ الرّسالة،و أمّا أنتم فتسألون عمّا حمّلتم من كتاب اللّه و سنّتي».(11:126)

يخرجوا

1- قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ.

المائدة:22

الفخر الرّازيّ: و إنّما قالوا هذا على سبيل الاستبعاد،كقوله: وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الأعراف:40.(11:198)

القرطبيّ: أي حتّى يسلّموها لنا من غير قتال، و قيل:قالوا ذلك خوفا من الجبّارين و لم يقصدوا العصيان،فإنّهم قالوا: فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ.

(6:127)

أبو حيّان :هذا تصريح بالامتناع التّامّ من أن يقاتلوا الجبابرة،و لذلك كان النّفي ب(لن)،و معنى حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها بقتال غيرنا،أو بسبب يخرجهم اللّه به فيخرجون فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ و هذا توجيه منهم لأنفسهم بخروج الجبّارين منها،إذ علّقوا دخولهم على شرط ممكن وقوعه.

و قال أكثر المفسّرين لم يشكّوا فيما وعدهم اللّه به، و لكن كان نكوصهم عن القتال من خور الطّبيعة و الجبن الّذي ركبه اللّه فيهم،و لا يملك ذلك إلاّ من عصمه اللّه و قال تعالى: فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ البقرة:246.

و قيل:قالوا ذلك على سبيل الاستبعاد أن يقع خروج الجبّارين منها،كقوله تعالى: وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ

ص: 404

حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ... الأعراف:40.(3:455)

الآلوسيّ: بقتال غيرنا،أو بسبب يخرجهم اللّه تعالى به،فإنّه لا طاقة لنا بإخراجهم منها،و هذا امتناع عن القتال على أتمّ وجه، فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها بسبب من الأسباب الّتي لا تعلّق لنا بها...(6:107)

ابن عاشور :تصريح بمفهوم الغاية في قوله: وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها لقصد تأكيد الوعد بدخولها إذا خلت من الجبّارين الّذين فيها.(5:78)

2- يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ. المائدة:37

ابن عبّاس: [في جواب نافع بن الأزرق قال:]

ويحك،اقرأ ما فوقها،هذه للكفّار.

(الطّبريّ 6:228)

الحسن :الإرادة على الحقيقة،لأنّه قال:كلّما رفعتهم النّار بلهبها رجوا أن يخرجوا منها،و هو قوله:

كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها.

(الطّوسيّ 3:513)

الجبّائيّ: يتمنّون أن يخرجوا منها،لأنّ الإرادة هنا بمعنى التّمنّي.(الطّبرسيّ 2:190)

الطّوسيّ: قوله: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ في معناه ثلاثة أقوال:[الأوّل و الثّاني قول الحسن و الجبّائيّ]

و قال بعضهم:معناه يكادون أن يخرجوا منها،إذا رفعتهم بلهبها كما قال عزّ و جلّ: جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ الكهف:78،أي يكاد و يقارب.

فإن قيل:كيف يجوز أن يريدوا الخروج من النّار مع علمهم بأنّهم لا يخرجون؟

قلنا:لأنّ العلم بأنّ الشّيء لا يكون،لا يصرف عن إرادته،كما أنّ العلم بأنّه يكون،لا يصرف عن إرادته، و إنّما يدعو إلى الإرادة حسنها أو الحاجة إليها كما أنّ (1)المراد بهذه المنزلة.

فإن قيل:هل يجوز أن يطمعوا في الخروج من النّار كما قال الحسن؟

قلنا:الخروج منها إلى غير عذاب يجري مجرى عذابها فلا يجوز،لعلمهم بأنّ العذاب دائم لا يفتر عنهم، فإن كان معه العلم بأنّهم لا يخرجون منها لم يجز أن يطمعوا في الخروج،لأنّ العلم ينافي الطّمع و لا ينافي الإرادة،كما لا يطمع العاقل في أن يعود في الدّنيا شابّا كما كان.

و قال أبو عليّ: إنّما يتمنّون الخلاص منها قبل دخولها، لما في التّمنّي من التّروّح،و ليس ذلك من صفة أهلها.

و لا يجوز أن يقال في الكلام:يريدون أن يستخرجون من النّار كما جاز عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى المزّمّل:

20،لأنّ«أن»المخفّفة من الشّديدة لتحقيق كائن في الحال أو الماضي أو المستقبل،و ليس في الإرادة تحقيق وقوع المراد لا محالة،كما ليس في الأمر تحقيق وقوع المأمور به، فلذلك لم يجز أمرته أن سيقوم،و جاز أمرته أن يقوم.

قوله: وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها يعني من جهنّم.

(3:513)

نحوه الطّبرسيّ.(2:190)ه.

ص: 405


1- كذا،و الظّاهر:أنّه.

البغويّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّهم يقصدون و يطلبون المخرج منها،كما قال اللّه تعالى: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها الحجّ:

22.

و الثّاني:أنّهم يتمنّون ذلك بقلوبهم،كما قال اللّه إخبارا عنهم: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها المؤمنون:107.

(2:46)

الزّمخشريّ: قرأ أبو واقد (ان يخرجوا) بضمّ الياء من:أخرج،و يشهد لقراءة العامّة قوله:(بخارجين.) و ما يروى عن عكرمة-أنّ نافع بن الأزرق قال لابن عبّاس:يا أعمى البصر أعمى القلب،تزعم أنّ قوما يخرجون من النّار و قد قال اللّه تعالى: وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها؟ فقال:ويحك اقرأ ما فوقها هذا للكفّار-فممّا لفّقته المجبّرة و ليس بأوّل تكاذيبهم و فراهم،و كفاك بما فيه من مواجهة ابن الأزرق ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو بين أظهر أعضاده من قريش و أنضاده من بني عبد المطّلب،و هو حبر الأمّة و بحرها و مفسّرها بالخطاب الّذي لا يجسر على مثله أحد من أهل الدّنيا،و برفعه إلى عكرمة دليلين ناصّين أنّ الحديث فرية ما فيها مرية.(1:610)

ابن عطيّة: (يريدون)إخبار عن أنّهم يتمنّون هذا في قلوبهم.و في غير ما آية أنّهم ينطقون عن هذه الإرادة.و قال الحسن بن أبي الحسن:إذا فارت بهم النّار قربوا من حاشيتها فحينئذ يريدون الخروج و يطمعون به،و ذلك قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ.

و قد تأوّل قوم هذه الإرادة أنّها بمعنى«يكادون» على هذا القصص الّذي حكى الحسن،و هذا لا ينبغي أن يتأوّل إلاّ فيما لا تتأتّى منه الإرادة الحقيقة،كقوله تعالى:

يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ الكهف:77،و أمّا في إرادة بني آدم فلا،إلاّ على تجوّز كثير.

و قرأ جمهور النّاس يَخْرُجُوا بفتح الياء و ضمّ الرّاء،و قرأ يحيى بن وثّاب و إبراهيم النّخعيّ (يخرجوا) بضمّ الياء و فتح الرّاء،و أخبر تعالى عن هؤلاء الكفّار أنّهم ليسوا بخارجين من النّار،بل عذابهم فيها مقيم متأبّد.(2:187)

الفخر الرّازيّ: [ذكر نحو البغويّ و أضاف:]

المسألة الثّانية:احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّه تعالى يخرج من النّار من قال:«لا إله إلاّ اللّه»على سبيل الإخلاص،قالوا:لأنّه تعالى جعل هذا المعنى من تهديدات الكفّار،و أنواع ما خوّفهم به من الوعيد الشّديد،و لو لا أنّ هذا المعنى مختصّ بالكفّار و إلاّ لم يكن لتخصيص الكفّار به معنى،و اللّه أعلم.

و ممّا يؤيّد هذا الّذي قلناه قوله: وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ و هذا يفيد الحصر،فكان المعنى و لهم عذاب مقيم لا لغيرهم،كما أنّ قوله: لَكُمْ دِينَكُمْ أي لكم لا لغيركم،فكذا هاهنا.(11:221)

القرطبيّ: قال يزيد الفقير:قيل لجابر بن عبد اللّه:

إنّكم يا أصحاب محمّد تقولون:إنّ قوما يخرجون من النّار و اللّه تعالى يقول: وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ فقال جابر:إنّكم تجعلون العامّ خاصّا و الخاصّ عامّا،إنّما هذا في الكفّار خاصّة.فقرأت الآية كلّها من أوّلها إلى آخرها،فإذا هي في الكفّار خاصّة.(6:159)

البيضاويّ: و قرئ (يخرجوا) من:أخرج،و إنّما

ص: 406

قال: وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ بدل و ما يخرجون للمبالغة.(1:274)

أبو حيّان :[ذكر أقوال السّابقين،فلاحظ]

(3:474)

أبو السّعود :استئناف مسوق لبيان حالهم في أثناء مكابدة العذاب،مبنيّ على سؤال نشأ ممّا قبله،كأنّه قيل:

فكيف يكون حالهم؟أو ما ذا يصنعون؟فقيل:

(يريدون)إلخ،و قد بيّن في تضاعيفه أنّ عذابهم عذاب النّار.قيل:إنّهم يقصدون ذلك و يطلبون المخرج فيلفحهم لهب النّار و يرفعهم إلى فوق،فهناك يريدون الخروج و لات حين مناص.

و قيل:يكادون يخرجون منها لقوّة النّار و زيادة رفعها إيّاهم.و قيل:يتمنّون و يريدونه بقلوبهم.

و قوله عزّ و جلّ: وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها إمّا حال من فاعل يُرِيدُونَ أو اعتراض،و أيّا ما كان،فإيثار الجملة الاسميّة على الفعليّة مصدّرة ب(ما)الحجازيّة الدّالّة بما في خبرها من الباء على تأكيد النّفي،لبيان كمال سوء حالهم باستمرار عدم خروجهم منها،فإنّ الجملة الاسميّة الإيجابيّة كما تفيد بمعونة المقام دوام الثّبوت،تفيد السّلبيّة أيضا بمعونة دوام النّفي لا نفي الدّوام،كما مرّ في قوله تعالى: ما أَنَا بِباسِطٍ المائدة:28.و قرئ (ان يخرجوا) على بناء المفعول من الإخراج.(2:268)

نحوه البروسويّ.(2:389)

الآلوسيّ: [ذكر نحو أبي السّعود و أضاف:]

لا يقال:كيف يجوز أن يريدوا الخروج من النّار مع علمهم بالخلود؟

لأنّا نقول:الهول يومئذ ينسيهم ذلك،و على تقدير عدم النّسيان يقال:العلم بعدم حصول الشّيء لا يصرف عن إرادته،كما أنّ العلم بالحصول كذلك،فإنّ الدّاعي إلى الإرادة حسن الشّيء و الحاجة إليه.[ثمّ ذكر أقوال السّابقين](6:131)

تخرج

1- ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً. الكهف:5

الواحديّ: أي إنّها قول بالفم لا صحّة له،و لا دليل عليه.(3:136)

مثله ابن الجوزيّ.(5:104)

البغويّ: أي تظهر من أفواههم.(3:172)

الزّمخشريّ: صفة للكلمة،تفيد استعظاما لاجترائهم على النّطق به و إخراجها من أفواههم،فإنّ كثيرا ممّا يوسوسه الشّيطان في قلوب النّاس،و يحدّثون به أنفسهم من المنكرات،لا يتمالكون أن يتفوّهوا به و يطلقوا به ألسنتهم،بل يكظمون عليه تشوّرا من إظهاره،فكيف بمثل هذا المنكر.(2:472)

مثله النّسفيّ.(3:3)

الطّبرسيّ: و وصف«الكلمة»بالخروج من الأفواه توسّعا و مجازا،و إن كانت الكلمة عرضا لا يجوز عليها الدّخول و الخروج،و لا الحركة و السّكون،و لكن لمّا كانت الكلمة قد تحفظ و تثبت و توجد مكتوبة و مقروءة في غير الموضع الّذي فعلت فيه،وصفها بالخروج،و ذكر الأفواه تأكيدا،و المعنى أنّهم صرّحوا بهذه الكلمة العظيمة في

ص: 407

القبح و أظهروها.(3:449)

الفخر الرّازيّ: قوله: تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ يدلّ على أنّ هذا الكلام مستكره جدّا عند العقل،كأنّه يقول هذا الّذي يقولونه لا يحكم به عقلهم و فكرهم البتّة، لكونه في غاية الفساد و البطلان،فكأنّه شيء يجري به لسانهم على سبيل التّقليد،لأنّهم-مع أنّها قولهم- عقولهم و فكرهم تأباها و تنفر عنها.(21:78)

النّيسابوريّ: [ذكر نحو الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و احتجّ النّظّام على مذهبه أنّ الكلام جسم بأنّ الخروج عبارة عن الحركة،و الحركة من خواصّ الأجسام.

و الجواب:أنّ الخارج من الفم هو الهواء،لأنّ الحروف و الأصوات كيفيّات قائمة بالهواء،فأسند إلى الحالّ ما هو من شأن المحلّ مجازا.(15:102)

نحوه الآلوسيّ.(15:204)

السّمين:و قوله: تَخْرُجُ في الجملة وجهان:

أحدهما:هي صفة ل كَلِمَةً. و الثّاني:أنّها صفة للمخصوص بالذّمّ المقدّر،تقديره:كبرت كلمة خارجة كلمة.(4:433)

أبو السّعود :صفة للكلمة،مفيدة لاستعظام اجترائهم على التّفوّه بها،و إسناد الخروج إليها-مع أنّ الخارج هو الهواء المتكيّف بكيفيّة الصّوت-لملابستها بها.

(4:168)

مثله البروسويّ.(5:216)

2- إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. الصّافّات:64

الطّوسيّ: أي تنبت في قعر جهنّم.(8:502)

الآلوسيّ: منبتها في قعر جهنّم،و أغصانها ترتفع إلى دركاتها،و قرئ (نابتة فى اصل الجحيم) .(23:95)

لا يخرجن-لا تخرجوهنّ

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ...

وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ... الطّلاق:1

ابن عبّاس: هي المطلّقة،لا تخرج من بيتها ما دام لزوجها عليها رجعة،و كانت في عدّة.

(الطّبريّ 12:125)

الضّحّاك: ليس لها أن تخرج إلاّ بإذنه،و ليس للزّوج أن يخرجها ما كانت في العدّة،فإن خرجت فلا سكنى لها و لا نفقة.(الطّبريّ 12:125)

قتادة :و ذلك إذا طلّقها واحدة أو ثنتين لها ما لم يطلّقها ثلاثا.(الطّبريّ 12:125)

السّدّيّ: حتّى تنقضي عدّتهنّ.

(الطّبريّ 12:125)

الجصّاص :فيه نهي للزّوج عن إخراجها و نهي لها عن الخروج،و فيه دليل على وجوب السّكنى لها ما دامت في العدّة،لأنّ بيوتهنّ الّتي نهى اللّه عن إخراجها منها،هي البيوت الّتي كانت تسكنها قبل الطّلاق،فأمر بتبقيتها في بيتها،و نسبها إليها بالسّكنى،كما قال: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ الأحزاب:33،و إنّما البيوت كانت للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و لهذه الآية قال أصحابنا:«لا يجوز له أن يسافر بها حتّى

ص: 408

يشهد على رجعتها»و منعوها من السّفر في العدّة.

و لا خلاف نعلمه بين أهل العلم في أنّ على الزّوج إسكانها و نفقتها في الطّلاق الرّجعيّ،و أنّه غير جائز له إخراجها من بيتها.(3:607)

الطّوسيّ: يعني زمان العدّة،لأنّه لا يجوز إخراجها من بيتها.

و عندنا و عند جميع الفقهاء يجب عليه السّكنى و النّفقة و الكسوة إذا كانت المطلّقة رجعيّة،فإن كانت بائنا فلا نفقة لها و لا سكنى.

و قال الشّافعيّ: فلا نفقة لها و لا سكنى إذا كانت بائنا.

و قال أهل العراق:لها السّكنى و النّفقة.(10:31)

الواحديّ: لا يجوز للزّوج أن يخرج المطلّقة المعتدّة من مسكنه الّذي كان يساكنها فيه قبل الطّلاق، وَ لا يَخْرُجْنَ و على المرأة أيضا ألاّ تخرج في عدّتها إلاّ لضرورة ظاهرة،فإن خرجت أثمت،سواء خرجت ليلا أو نهارا.(4:312)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:32)،و القرطبيّ(18:

154).

البغويّ: [ذكر نحو الواحديّ و أضاف:]

فإن وقعت ضرورة بأن خافت هدما أو غرقا،لها أن تخرج إلى منزل آخر،و كذلك إن كانت لها حاجة من بيع غزل أو شراء قطن،فيجوز لها الخروج نهارا،و لا يجوز ليلا.(5:108)

الزّمخشريّ: [ذكر نحو الواحديّ و أضاف:]

فإن قلت:ما معنى الجمع بين إخراجهم أو خروجهنّ؟

قلت:معنى الإخراج أن لا يخرجهنّ البعولة غضبا عليهنّ،و كراهة لمساكنتهنّ،أو لحاجة لهم إلى المساكن، و أن لا يأذنوا لهنّ في الخروج إذا طلبن ذلك،إيذانا بأنّ إذنهم لا أثر له في رفع الحظر،و لا يخرجن بأنفسهنّ إن أردن ذلك.(4:119)

نحوه النّيسابوريّ(28:71)،و المراغيّ(28:136).

ابن العربيّ: جعل اللّه للمطلّقة المعتدّة السّكنى فرضا واجبا،و حقّا لازما،هو للّه سبحانه و تعالى،لا يجوز للزّوج أن يمسكه عنها،و لا يجوز لها أن تسقطه عن الزّوج،و هذه مسألة عسيرة على أكثر المذاهب.

قال مالك:لكلّ مطلّقة السّكنى،كان الطّلاق واحدا أو ثلاثا.

و قال قتادة و ابن أبي ليلى،لا سكنى إلاّ للرّجعيّة.

و قال الضّحّاك:لها أن تترك السّكنى،فجعله حقّا لها.

و ظاهر القرآن أنّ السّكنى للمطلّقة الرّجعيّة لقوله تعالى: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً و إنّما عرفنا وجوبه لغيرها من دليل آخر بيّنّاه في مسائل الخلاف و شرح الحديث،و ذكرنا التّحقيق فيه.و أمّا قول الضّحّاك فيردّه قول اللّه تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ... و هذا نصّ.[إلى أن قال:]

و قوله: لا تُخْرِجُوهُنَّ يقتضي أن يكون حقّا على الأزواج،و يقتضي قوله: وَ لا يَخْرُجْنَ أنّه حقّ على الزّوجات.

ذكر اللّه الإخراج و الخروج عامّا مطلقا،و لكن روى مسلم عن جابر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أذن لخالته في

ص: 409

الخروج في جداد (1)نخلها.[ثمّ ذكر روايات أخرى فلاحظ](4:1829)

أبو حيّان :و نهى تعالى عن إخراجهنّ من مساكنهنّ حتّى تنقضي العدّة،و نهاهنّ أيضا عن خروجهنّ، و أضاف«البيوت»إليهنّ لما كان سكناهنّ فيها،و نهيهنّ عن الخروج لا يبيحه إذن الأزواج؛إذ لا أثر لإذنهم، و الإسكان على الزّوج،فإن كان ملكه أو بكراء فذاك،أو ملكها فلها عليه أجرته،و سواء في ذلك الرّجعيّة و المبتوتة،و سنّة ذلك أن لا تبيت عن بيتها و لا تخرج عنه نهارا إلاّ لضرورة؛و ذلك لحفظ النّسب و الاحتفاظ بالنّساء.(8:282)

أبو السّعود :من مساكنهنّ عند الفراق إلى أن تنقضي عدّتهنّ،و إضافتها إليهنّ و هي لأزواجهنّ لتأكيد النّهي،ببيان كمال استحقاقهنّ لسكناها،كأنّها أملاكهنّ.

وَ لا يَخْرُجْنَ و لو بإذن منكم،فإنّ الإذن بالخروج في حكم الإخراج.

و قيل:المعنى لا يخرجنّ باستبداد منهنّ،أمّا إذا اتّفقا على الخروج جاز؛إذ الحقّ لا يعدوهما.(6:260)

نحوه البروسويّ.(10:28)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و النّهي عن الإخراج يتناول عدم إخراجهنّ غضبا عليهنّ،أو كراهة لمساكنتهنّ،أو لحاجة لهم إلى المساكن، أو محض سفه بمنطوقه،و يتناول عدم الإذن لهنّ في الخروج بإشارته،لأنّ خروجهنّ محرّم بقوله تعالى: وَ لا يَخْرُجْنَ. أمّا إذا كانت(لا)ناهية كالّتي قبلها فظاهر، و أمّا إذا كانت نافية فلأنّ المراد به النّهي،و هو أبلغ من النّهي الصّريح،كما لا يخفى.و الإذن في فعل المحرّم محرّم، فكأنّه قيل:لا تخرجوهنّ و لا تأذنوا لهنّ في الخروج إذا طلبن ذلك،و لا يخرجن بأنفسهنّ إن أردن.

فهناك دلالة على أنّ سكونهنّ في البيوت حقّ للشّرع مؤكّد،فلا يسقط بالإذن.و هذا على ما ذكره الجلبيّ مذهب الحنفيّة،و مذهب الشّافعيّة أنّهما لو اتّفقا على الانتقال جاز؛إذ الحقّ لا يعدوهما،فالمعنى لا تخرجوهنّ و لا يخرجن باستبدادهنّ.و تعقّب الشّهاب كون ذلك مذهب الحنفيّة بقوله:فيه نظر،و قد ذكر الرّازيّ في«الأحكام»ما يدلّ على خلافه،و أنّ السّكنى كالنّفقة تسقط بالإسقاء،انتهى.

و الّذي يظهر من كلامهم ما ذكره الجلبيّ،و قد نصّ عليه الحصكفيّ في«الدّرّ المختار»و علّله بأنّ ذلك حقّ اللّه تعالى فلا يسقط بالإذن،و في«الفتح»:لو اختلعت على أن لا سكنى لها تبطل مئونة السّكنى عن الزّوج و يلزمها أن تكتري بيته،و أمّا أن يحلّ لها الخروج فلا.(28:133)

ابن عاشور :و جملة وَ لا يَخْرُجْنَ عطف على جملة لا تُخْرِجُوهُنَّ و هو نهي لهنّ عن الخروج،فإنّ المطلّق قد يخرجها فترغب المطلّقة في الخروج،لأنّها تستثقل البقاء في بيت زالت عنه سيادتها،فنهاهنّ اللّه عن الخروج.فإذا كان البيت مكترى سكنته المطلّقة و كراؤه على المطلّق،و إذا انتهى أمد كرائه فعلى المطلّق تجديده إلى انتهاء عدّة المطلّقة.

و هذا التّرتيب بين الجملتين يشعر بالسّببيّة،و أنّ لكلّ امرأة معتدّة حقّ السّكنى في بيت زوجها مدّة العدّة،ل.

ص: 410


1- الجداد:بفتح الجيم و كسرها قطع ثمر النّخل.

لأنّها معتدّة لأجله،أي لأجل حفظ نسبه و عرضه.فهذا مقتضى الآية،و لذلك قال مالك و جمهور العلماء:بوجوب السّكنى للمطلّقة المدخول بها،سواء كان الطّلاق رجعيّا أو بائنا.و قال ابن أبي ليلى:لا سكنى إلاّ للمطلّقة الرّجعيّة،و علّل وجوب الإسكان للمطلّقة المدخول بها بعدّة أمور:حفظ النّسب،و جبر خاطر المطلّقة،و حفظ عرضها.(28:269)

مغنيّة:و اتّفق الفقهاء على أنّ المطلّقة الرّجعيّة تستحقّ النّفقة بما فيها السّكنى ما دامت في العدّة، و اختلفوا في نفقة المعتدّة من الطّلاق البائن.

فقال الحنفيّة:لها النّفقة حائلا كانت أم حاملا.

و قال المالكيّة:إن كانت حائلا فلا شيء لها من النّفقة إلاّ السّكنى،و إن تكن حاملا فلها كلّ النّفقة.

و قال الشّافعيّة و الإماميّة و الحنابلة:لا نفقة لها إن كانت حائلا،و لها النّفقة إن كانت حاملا.

و من أوجب النّفقة للمعتدّة بشتّى أنواعها،أوجب بقائها في بيت الزّوج الّذي طلّقت فيه إلى أن تنتهي عدّتها،و يحرم عليها أن تخرج منه كما يحرم عليه إخراجها،لقوله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ... وَ لا يَخْرُجْنَ. (7:348)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق كون لا تُخْرِجُوهُنَّ بدلا من اِتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ و يفيد ذلك تأكيد النّهي في لا تُخْرِجُوهُنَّ و المراد ب بُيُوتِهِنَّ البيوت الّتي كنّ يسكنه قبل الطّلاق،أضيفت إليهنّ بعناية السّكنى.

و قوله: وَ لا يَخْرُجْنَ نهي عن خروجهنّ أنفسهنّ، كما كان سابقه نهيا عن إخراجهنّ.(19:312)

مكارم الشّيرازيّ: [بعد بيان أحكام يتعلّق بالأزواج و الزّوجات قال:]

يقول تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ... و رغم أنّ كثيرا من الجهلة لا يلتزمون بهذا الحكم عند الطّلاق؛ حيث يسمح الرّجل لنفسه أن يخرج المرأة بمجرّد إجراء صيغة الطّلاق،كما تسمح المرأة لنفسها بالخروج من بيت زوجها و الرّجوع إلى أقاربها بمجرّد ذلك.

و لكن يبقى لهذا الحكم فلسفته المهمّة و حكمته البالغة،فهو بالإضافة إلى إسداء الاحترام إلى المرأة يهيّئ أرضيّة جيّدة للانصراف و الإعراض عن الطّلاق، و يؤدّي إلى تقوية الأواصر الزّوجيّة.

إنّ عدم الالتزام بهذا الحكم الإسلاميّ الخطير،الّذي جاء في نصّ القرآن الكريم،يسبّب كثيرا من حالات الطّلاق الّتي تؤدّي إلى الفراق الدّائم،بينما كثيرا ما يؤدّي الالتزام بهذا الحكم إلى الرّجوع و الصّلح و العودة إلى الزّوجيّة مجدّدا.(18:370)

فضل اللّه :الّتي كنّ يسكنها قبل الطّلاق،بل يجب إبقاؤهنّ فيها، وَ لا يَخْرُجْنَ بأنفسهنّ،لأنّ طبيعة العدّة الرّجعيّة تجعل المطلّقة بحكم الزّوجة واقعيّا،فليس لها أن تقترن بشخص آخر في هذه المدّة،و للزّوج أن يرجع إليها من دون عقد،و من دون أن يكون لها حقّ الاختيار في الرّفض،فتعود الزّوجة إليه بمجرّد اختياره الرّجعة،و إعلانه ذلك على مستوى الالتزام،ممّا لا يترك لها حرّيّة التّحرّك في هذه الفترة،بعيدا عن رضا الزّوج المطلّق.(22:284)

ص: 411

لن تخرجوا

فَإِنْ رَجَعَكَ اللّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً... التّوبة:83

الطّوسيّ: و الخروج:الانتقال عن محيط،فقال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله قل لهم حينئذ: لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً أي لا يقع منكم الخروج أبدا.(5:314)

ابن عطيّة: هو عقوبة لهم و إظهار لدناءة منزلتهم و سوء حالهم،و هذا هو المقصود في قصّة ثعلبة بن حاطب الّتي تقدّمت في الامتناع من أخذ صدقته،و لا خزي أعظم من أن يكون إنسان قد رفضه الشّرع و ردّه كالجمل الأجرب.(3:66)

مثله أبو حيّان.(5:80)

الفخر الرّازيّ: أي للغزو معك فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً إلى غزوة،و هذا يجري مجرى الذّمّ و اللّعن لهم،و مجرى إظهار نفاقهم و فضائحهم؛و ذلك لأنّ ترغيب المسلمين في الجهاد أمر معلوم بالضّرورة من دين محمّد عليه السّلام،ثمّ إنّ هؤلاء إذا منعوا من الخروج إلى الغزو بعد إقدامهم على الاستئذان،كان ذلك تصريحا بكونهم خارجين عن الإسلام موصوفين بالمكر و الخداع،لأنّه عليه السّلام إنّما منعهم من الخروج حذرا من مكرهم و كيدهم و خداعهم،فصار هذا المعنى من هذا الوجه جاريا مجرى اللّعن و الطّرد.و نظيره قوله تعالى:

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها إلى قوله: قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا الفتح:15.(16:150)

القرطبيّ: أي عاقبهم بألاّ تصحبهم أبدا.و هو كما قال في سورة الفتح:15 قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا.

(8:217)

البروسويّ: معك إلى غزوة أخرى بعد غزوتك هذه،و هي تبوك فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً أي لا تأذن لهم بحال،و هو إخبار في معنى النّهي للمبالغة، و كذا قوله: وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا. (3:477)

رشيد رضا :أي لن يكون لكم شرف صحبة الإيمان بالخروج معي إلى الجهاد في سبيل اللّه،و لا إلى غيره كالنّسك أبدا ما بقيت.(10:571)

ابن عاشور :أي إلى طائفة منهم يبتغون الخروج للغزو،فيجوز أن تكون هذه الطّائفة من المنافقين أرادوا الخروج للغزو طمعا في الغنيمة،أو نحو ذلك.و يجوز أن يكون طائفة من المخلّفين تابوا و أسلموا،فاستأذنوا للخروج للغزو.

و على الوجهين يحتمل أنّ منعهم من الخروج للخوف من عذرهم إن كانوا منافقين،أو لمجرّد التّأديب لهم إن كانوا قد تابوا و آمنوا.و ما أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يقوله لهم، صالح للوجهين.

و الجمع بين النّفي ب(لن)و بين كلمة(ابدا)تأكيد لمعنى(لن)لانتفاء خروجهم في المستقبل إلى الغزو مع المسلمين.(10:169)

فضل اللّه :ليثبتوا إخلاصهم في الظّاهر،بعد انكشاف أمر جماعتهم في الجولة الأولى،ليحصلوا على الثّقة الجديدة من أجل أن يتآمروا من جديد،من مواقع هذه الثّقة الّتي يستطيعون-من خلالها-أن يكيدوا للإسلام و المسلمين بكلّ حرّيّة و ثقة و امتداد، فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً و لن أمنحكم هذه الفرصة-الّتي

ص: 412

تدخلكم في صفوف المجاهدين،الّذين يحصلون على امتياز القيمة العليا الكبيرة في حركة الإنسان في الحياة- لأنّكم لا تعيشون روحيّة الجهاد في العمق الرّوحيّ من شخصيّتكم،فكيف تحملون قيمته!(11:179)

اخرج

1- قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً...

الأعراف:18

الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:من حيث كان من جنّة أو سماء،و الثّاني:من الطّاعة على وجه التّهديد.(2:208)

أبو حيّان :الجمهور على أنّ الضّمير عائد على الجنّة، و الخلاف فيه كالخلاف في(فاحبط منها)و هذه ثلاث أوامر،أمر بالهبوط مطلقا،و أمر بالخروج مخبرا أنّه ذو صغار[الأعراف:13]و أمر بالخروج مقيّدا بالذّمّ و الطّرد.(4:277)

الآلوسيّ: أي من الجنّة أو من زمرة الملائكة أو من السّماء:الخلاف السّابق.(8:96)

رشيد رضا :و الأمر الأوّل بالخروج[الأعراف:

13]قد ذكر لبيان سببه،و هذا لبيان صفته،و المعنى اخرج من الجنّة أو المنزلة الّتي أنت فيها حال كونك معيبا مذموما من اللّه و ملائكته،مطرودا من جنّته،فهو بمعنى لعنه،و جعله رجيما في آيات أخرى.(8:338)

2- فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَ... وَ قالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ... يوسف:31

الثّعلبيّ: و ذلك أنّها قد كانت أجلسته في مجلس غير المجلس الّذي هنّ فيه جلوس،فخرج عليهنّ يوسف عليه السّلام.(5:217)

مثله البغويّ.(2:489)

ابن الجوزيّ: و ذكر بعض أهل العلم أنّها إنّما قالت:

اُخْرُجْ و أضمرت في نفسها عَلَيْهِنَّ فأخبر الحقّ عمّا في النّفس كأنّ اللّسان قد نطق به،و مثله إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ الدّهر:9،لم يقولوا ذلك،إنّما أضمروه.و يدلّ على صحّة هذا أنّها لو قالت له و هو شابّ مستحسن:أخرج على نسوة من طبعهنّ الفتنة،ما فعل.(4:217)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: وَ قالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ و إنّما يقال خرجت إلى السّوق و طرقت عليه الباب فخرج إليّ؟

قلنا:إذا كان الخروج بقهر و غلبة أو بجمال و زينة أو بآية و أمر عظيم،فإنّما يعدّى ب«على»و منه قولهم:خرج علينا في السّفر قطّاع الطّريق،و قوله تعالى: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ القصص:79،و قوله تعالى: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ مريم:11.

(مسائل الرّازيّ: 149)

أبو حيّان :هذا الخطاب ليوسف عليه السّلام،و خروجه يدلّ على طواعيتها فيما لا يعصى اللّه فيه.و في الكلام حذف تقديره:فخرج عليهنّ.(5:302)

أبو السّعود :و العطف بالواو ربّما يشير إلى أنّ قولها:

اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ أي ابرز لهنّ لم يكن عقيب ترتيب أمورهنّ،ليتمّ غرضها من استغفالهنّ.(3:387)

ص: 413

نحوه البروسويّ.(4:246)

الآلوسيّ: [ذكر مثل أبي السّعود و أضاف:]

و الظّاهر أنّها لم تأمره بالخروج إلاّ لمجرّد أن يرينه فيحصل مرامها.و قيل:أمرته بالخروج عليهنّ للخدمة أو للسّلام،و قد أضمرت مع ذلك ما أضمرت،يحكي أنّها ألبسته ثيابا بيضا في ذلك اليوم،لأنّ الجميل أحسن ما يكون في البياض.(12:229)

المراغيّ: أي و أمرته بالخروج عليهنّ،و في هذا إيماء إلى أنّه كان في حجرة في داخل حجرة المائدة الّتي كنّ فيها محجوبا عنهنّ،و قد تعمّدت إتماما للحيلة و المكر بهنّ أن يفجأهنّ و هنّ مشغولات بما يقطعنه و يأكلنه، علما منها بما يكون لهذه المفاجأة من الدّهشة،و قد تمّ لها ما أرادت كما يشير إلى ذلك قوله: فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ.... (12:139)

ابن عاشور :قوله: اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ يقتضي أنّه كان في بيت آخر،و كان لا يدخل عليها إلاّ بإذنها.

و عدّي فعل الخروج بحرف«على»لأنّه ضمّن معنى «أدخل»لأنّ المقصود دخوله عليهنّ لا مجرّد خروجه من البيت الّذي هو فيه.(12:55)

الطّباطبائيّ: أي أمرت يوسف أن يخرج عليهنّ، و هنّ خاليات الأذهان فارغات القلوب،مشتغلات بأخذ الفاكهة و قطعها.و في اللّفظ دلالة على أنّه عليه السّلام كان غائبا عنهنّ،و كان في مخدع هناك،أو بيت آخر في داخل بيت المأدبة الّذي كنّ فيه،فإنّها قالت: اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ و لو كان في خارج من البيت لقالت:«أدخل عليهنّ».

و في السّياق دلالة على أنّ هذا التّدبير كان مكرا منها تجاه مكرهنّ،ليفتضحن به فيعذرنها فيما عذلنها.

و قد أصابت في رأيها حيث نظّمت برنامج اللّقاء، فأعتدت (1)لهنّ متّكأ،و آتت كلّ واحدة منهنّ سكّينا، و أخفت يوسف عن أعينهنّ،ثمّ فاجأتهنّ بإظهاره دفعة لهنّ،ليغبن عن عقولهنّ،و يندهشن بذاك الجمال البديع، و يأتين بما لا يأتي به ذو شعور البتّة،و هو تقطيع الأيدي مكان الفواكه،لا من الواحدة و الثّنتين منهنّ،بل من الجميع.(11:149)

مكارم الشّيرازيّ: و تعبير اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ بدلا من«أدخل»يشير إلى أنّها كانت أخفت يوسف داخل البيت،أو جعلته مشغولا في إحدى الغرف الّتي يوضع فيها الغذاء عادة،لئلاّ يكون منتظرا في المجلس.

(7:179)

فضل اللّه :...و هنا كانت المفاجأة الّتي لم يتهيّأن لها، فلم يكن في البرنامج،أو هكذا يبدو أن يخرج يوسف إليهنّ،أو يجلس معهنّ،لأنّ التّقاليد الطّبقيّة لا تسمح بذلك. وَ قالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ في أمر حاسم صادر من السّيّدة لعبدها،فخرج إليهنّ،لأنّ موقعه يفرض عليه الطّاعة لسيّدته،فإذا بالزّلزال الرّوحيّ و العاطفيّ و الشّهوانيّ يهزّ كلّ كيانهنّ،و يسيطر على كلّ مشاعرهنّ،في اندفاعة ساحقة، فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ لإشراقة وجهه،و جمال صورته،و سحر ملامحه،و حلاوة شخصيّته.

الدّخول المفاجئ:لقد كان ذلك كلّه مفاجأة لهنّ، لأنّهنّ كنّ يتصوّرنه على صورة العبيد الّذين لا يملكوند.

ص: 414


1- الإعتاد:الإعداد.

أيّة ميزة جماليّة،و لهذا كنّ ينكرن على امرأة العزيز أن تراود فتاها عن نفسه،و أن تعشقه،و قد لا يكون الإنكار ناشئا من احترامهنّ للأخلاق و العفّة،لأنّ مجتمعهنّ الطّبقيّ لا يعير ذلك أهمّيّة،بل قد يكون ناشئا من اعتبار موقفها شذوذا في التّصرّف،و انحرافا في الذّوق تستسلم معه المرأة الكبيرة،لعبد لا جمال فيه أو إثارة...أمّا الآن، فقد وجدن لها كلّ العذر،لأنّهنّ وقفن أمام هذا الجمال الباهر العظيم في ذهول و انجذاب،فقدن معه السّيطرة على مشاعرهنّ،و وعيهنّ حتّى لم يعدن يعقلن ما ذا يفعلن،فعند ما رأينه تركن تقطيع الفاكهة بالسّكاكين الّتي قدّمت لهنّ لذلك وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ. (12:195)

3- قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. الحجر:34

الجبّائيّ: أمره بالخروج من الجنّة.

(الطّوسيّ 6:334)

أبو مسلم الأصفهانيّ: من السّماء.

(الطّبرسيّ 3:336)

الطّوسيّ: هذا خطاب من اللّه تعالى لإبليس لمّا احتجّ لامتناعه من السّجود لآدم بما ليس بحجّة بل هو حجّة عليه، فَاخْرُجْ مِنْها قال الجبّائيّ:أمره بالخروج من الجنّة،و قال غيره:أمره بالخروج من السّماء.

(3:334)

الميبديّ: من السّماء،و قيل:من الجنّة،و قيل:من صورة الملائكة.(5:308)

الزّمخشريّ: و الضّمير في(منها)راجع إلى الجنّة أو السّماء أو إلى جملة الملائكة.(2:391)

نحوه النّسفيّ(2:272)،و النّيسابوريّ(14:19)، و القرطبيّ(10:26).

نحوه الفخر الرّازيّ(19:183)،و مكارم الشّيرازيّ (8:58).

الطّبرسيّ: أي من الجنّة.[ثمّ ذكر قول أبي مسلم و قال:]

و قيل:من الأرض،فألحقه بالبحار،لا يدخل الأرض إلاّ كالسّارق.(3:336)

البروسويّ: أمر إهانة كما في قوله تعالى: قالَ فَاذْهَبْ الإسراء:63،و الضّمير للجنّة،و خروجه منها لا ينافي دخولها بطريق الوسوسة،و كذا يستلزم خروجه من السّماوات أيضا،و من زمرة الملائكة المقرّبين،و من الخلقة الّتي كان عليها،و هي الصّورة الملكيّة و صفاتها كما هو شأن المطرودين المغضوبين،و قد كان يفتخر بخلقته، فغيّر اللّه خلقته فاسودّ بعد ما كان أبيض،و قبح بعد ما كان حسنا،و أظلم بعد ما كان نورانيّا.

قال أبو القاسم الأنصاريّ: إنّ اللّه باين بين الملائكة و الجنّ و الإنس في الصّور و الأشكال،فإن قلب اللّه تعالى الملك إلى بنية الإنسان ظاهرا و باطنا خرج عن كونه ملكا،و قس عليه غيره.(4:464)

الآلوسيّ: قيل:الظّاهر أنّ الضّمير للسّماء و إن لم يجر لها ذكر،و أيّد بظاهر قوله تعالى: فَاهْبِطْ مِنْها الأعراف:13،و قيل:لزمرة الملائكة عليهم السّلام و يلزم خروجه من السّماء؛إذ كونه بانزوائه عنهم في جانب لا يعدّ خروجا في المتبادر،و كفى به قرينة،و قيل:للجنّة لقوله تعالى: اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ الأعراف:

ص: 415

19،و لوقوع الوسوسة،و ردّ بأنّ وقوعها كان بعد الأمر بالخروج.(14:47)

خارجين

...كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ. البقرة:167

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بذلك:و ما هؤلاء الّذين و صفتهم من الكفّار-و إن ندموا بعد معاينتهم ما عاينوا من عذاب اللّه،فاشتدّت ندامتهم على ما سلف منهم من أعمالهم الخبيثة،و تمنّوا إلى الدّنيا كرّة لينيبوا فيها،و يتبرّءوا من مضلّيهم،و سادتهم الّذين كانوا يطيعونهم في معصية اللّه فيها-بخارجين من النّار الّتي أصلاهموها اللّه بكفرهم به في الدّنيا،و لا ندمهم فيها بمنجيهم من عذاب اللّه حينئذ،و لكنّهم فيها مخلّدون.

و في هذه الآية الدّلالة على تكذيب اللّه الزّاعمين أنّ عذاب اللّه أهل النّار من أهل الكفر منقض،و أنّه إلى نهاية،ثمّ هو بعد ذلك فان،لأنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الّذين وصف صفتهم في هذه الآية،ثمّ ختم الخبر عنهم بأنّهم غير خارجين من النّار،بغير استثناء منه وقتا دون وقت،فذلك إلى غير حدّ و لا نهاية.(2:80)

الماورديّ: يريد أمرين:أحدهما:فوات الرّجعة، و الثّاني:خلودهم في النّار.(1:219)

البغويّ: بكفرهم و موتهم عليه.(1:198)

الزّمخشريّ: (هم)بمنزلته في قوله:«هم يفرشون اللّبد كلّ طمرّة»في دلالته على قوّة أمرهم فيما أسند إليهم،لا على الاختصاص.(1:327)

الفخر الرّازيّ: فقد احتجّ به الأصحاب على أنّ أصحاب الكبيرة من أهل القبلة يخرجون من النّار، فقالوا:إنّ قوله:(و ما هم)تخصيص لهم بعدم الخروج على سبيل الحصر،فوجب أن يكون عدم الخروج مخصوصا بهم،و هذه الآية تكشف عن المراد بقوله:

وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ* يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ* وَ ما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ الانفطار:13-15.

و ثبت أنّ المراد بالفجّار هاهنا الكفّار لدلالة هذه الآية عليه.(4:239)

القرطبيّ: دليل على خلود الكفّار فيها،و أنّهم لا يخرجون منها.و هذا قول جماعة أهل السّنّة لهذه الآية، و لقوله تعالى: وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الأعراف:40.(2:207)

البيضاويّ: أصله:و ما يخرجون،فعدل به إلى هذه العبارة للمبالغة في الخلود،و الإقناط عن الخلاص و الرّجوع إلى الدّنيا.(1:95)

نحوه الشّربينيّ.(1:111)

النّسفيّ: بل هم فيها دائمون.(1:87)

أبو حيّان :هذا يدلّ على دخول النّار؛إذ لا يقال:ما زيد بخارج من كذا،إلاّ بعد الدّخول،و لم يتقدّم في الآية نصّ على دخولهم،إنّما تقدّم رؤيتهم العذاب و مفاوضة بسبب تبرّؤ المتبوعين من الاتباع،و جاء الخبر مصحوبا بالباء الدّالّة على التّوكيد.

و قال الزّمخشريّ: (هم)بمنزلته في قوله:«هم يفرشون اللّبد كلّ طمرّة»في دلالته على قوّة أمرهم فيما أسند إليهم،لا على الاختصاص،انتهى كلامه.

و فيه دسيسة اعتزال،لأنّه إذا لم يدلّ على

ص: 416

«الاختصاص»لا يكون فيه ردّ لقول المعتزلة:إنّ الفاسق يخلّد في النّار و لا يخرج منها.و أمّا قول صاحب «المنتخب»:إنّ الأصحاب احتجّوا على أنّ صاحب الكبيرة من أهل القبلة-إلى آخر كلامه-فهو غير مسلّم.

و لا دلالة في الآية على شيء من المذهبين،لأنّك إذا قلت:ما زيد بمنطلق،و إنّما في ذلك دلالة على نفي انطلاق زيد،و أمّا إنّ في ذلك دلالة على اختصاصه بنفي الانطلاق أو مشاركة غيره له في نفي الانطلاق فلا،إنّما يفهم ذلك أعني الاختصاص بنفي الخروج من النّار،إذا المشاركة في ذلك من دليل خارج،و هل النّفي إلاّ مركّب على الإيجاب،فإذا قلت:زيد منطلق،فليس في هذا دليل على شيء من الاختصاص و لا شيء من المشاركة،فكذلك النّفي،و كونه قابلا للخصومة و الاشتراك يدلّ على ذلك؛ أ لا ترى أنّك تقول:زيد منطلق لا غيره،و زيد منطلق مع غيره.(1:475)

أبو السّعود :كلام مستأنف لبيان حالهم بعد دخولهم النّار،و الأصل:(و ما يخرجون)،و العدول إلى الاسميّة لإفادة دوام نفي الخروج،و الضّمير للدّلالة على قوّة أمرهم فيما أسند إليهم.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:228)

الآلوسيّ: المتبادر في أمثاله حصر النّفي في المسند إليه،نحو وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا هود:29، وَ ما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ هود:91،ففيه إشارة إلى عدم خلود عصاة المؤمنين الدّاخلين في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ في النّار،و إذا أريد من اَلَّذِينَ ظَلَمُوا البقرة:165،الكفّار مطلقا دون المشركين فقط،كان الحصر حقيقيّا،و يكون المقصود منه المبالغة في الوعيد،بأنّه لا يشاركهم في الخلود غيرهم،فإنّ الشّركة تهوّن العقوبات.

و قيل:إنّ المقصود نفي أصل الفعل،لأنّه اللاّئق بمقام الوعيد لا حصر النّفي؛إذ ليس المقام مقام تردّد و نزاع في أنّ الخارج هم أو غيرهم،على الشّركة أو الانفراد،و إن كان صحيحا بالنّظر إلى العصاة،إلاّ أنّه غيّر إلى ما ترى إفادة للمبالغة في الخلود،و الإقناط عن الخلاص، و الرّجوع إلى الدّنيا،و زيادة«الباء»و إخراج ذواتهم من عداد الخارجين،لتأكيد النّفي.

و أنت تعلم أنّه إذا لم يعتبر في الحصر حال المخاطب لم يبق فيه ما يقال،سوى أنّ ظواهر بعض الآيات تقتضي عدم إرادة الحصر»و من ذلك قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ المائدة:37،فليس القول بعدم الحصر نصّا في الاعتزال،كما وهم.(2:36)

المراغيّ: إلى الدّنيا و هم على صحّة العقيدة و صلاح الأعمال،فيشفعوا غيظهم من رؤسائهم و أندادهم،و لا إلى الجنّة،لأنّ سبب دخولهم هو ما طبعوا عليه من خرافات الشّرك و حبّ الأنداد.(2:41)

مخرجا

فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ... وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. الطّلاق:2

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:مخرجا من شبهات الدّنيا،و من غمرات الموت،و من شدائد يوم القيامة.(الثّعلبيّ 9:336)

من أكثر الاستغفار جعل اللّه له من كلّ همّ فرجا،

ص: 417

و من كلّ ضيق مخرجا.(الواحديّ 4:314)

ابن مسعود:يعلم أنّه من عند اللّه،و أنّ اللّه هو الّذي يعطي و يمنع.

نحوه مسروق.(الطّبريّ 12:130)

ربيع بن خثيم:من كلّ شيء ضاق على النّاس.(الطّبريّ 12:130)

ابن عبّاس: من الشّدّة،و يقال:من المعصية إلى الطّاعة،و يقال:من النّار إلى الجنّة.(475)

نجاته من كلّ كرب في الدّنيا و الآخرة.

(الطّبريّ 12:130) أبو العالية :من كلّ شدّة.(البغويّ 5:110)

الشّعبيّ: من يطلّق للعدّة يجعل اللّه له سبيلا إلى الرّجعة.

مثله عكرمة و الضّحّاك.(البغويّ 5:109)

نحوه الطّبرسيّ.(5:306)

عكرمة :من طلّق كما أمره اللّه يجعل له مخرجا.(الطّبريّ 12:130)

نحوه السّدّيّ.(ابن الجوزيّ 8:291)

الضّحّاك: و من يتّق اللّه يجعل له من أمره يسرا، يعني بالمخرج و اليسر إذا طلّق واحدة ثمّ سكت عنها،فإن شاء راجعها بشهادة رجلين عدلين،فذلك اليسر الّذي قال اللّه،و إن مضت عدّتها و لم يراجعها،كان خاطبا من الخطاب.و هذا الّذي أمر اللّه به،و هكذا طلاق السّنّة.فأمّا من طلّق عند كلّ حيضة فقد أخطأ السّنّة.و عصى الرّبّ، و أخذ بالعسر.(الطّبريّ 12:130)

الحسن :عمّا نهاه اللّه عنه.(البغويّ 5:110)

قتادة:من شبهات الأمور،و الكرب عند الموت.(الطّبريّ 12:131)

الكلبيّ: و من يتّق اللّه بالصّبر عند المصيبة يجعل له مخرجا من النّار إلى الجنّة.(الماورديّ 6:31)

الحسين بن فضل: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ في أداء الفرائض يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً من العقوبة و يرزقه الثّواب من حيث لا يحتسب.(الثّعلبيّ 9:337)

نحوه الطّوسيّ.(10:33)

ابن جريج:مخرجا من الباطل إلى الحقّ،و من الضّيق إلى السّعة.(الماورديّ 6:31)

أبو سعيد الخرّاز:و من يتبرّأ من حوله و قوّته بالرّجوع إليه،يجعل له مخرجا ممّا كلّفه بالمعونة له.(الثّعلبيّ 9:337)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:من يخف اللّه-فيعمل بما أمره به،و يجتنب ما نهاه عنه-يجعل له من أمره مخرجا، بأن يعرّفه بأنّ ما قضى فلا بدّ من أن يكون؛و ذلك أنّ المطلّق إذا طلّق كما ندبه اللّه إليه للعدّة،و لم يراجعها في عدّتها حتّى انقضت ثمّ تتبعها نفسه،جعل اللّه له مخرجا فيما تتبعها نفسه،بأن جعل له السّبيل إلى خطبتها و نكاحها، و لو طلّقها ثلاثا لم يكن له إلى ذلك السّبيل.(12:130)

الزّجّاج: معناه يجعل له مخرجا من الحرام إلى الحلال، و قيل أيضا:من النّار إلى الجنّة.(5:184)

الثّعلبيّ: قال سهل: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ في اتّباع السّنّة يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً من عقوبة أهل البدع،و يرزقه الجنّة من حيث لا يحتسب.

عمرو بن عثمان الصّدفيّ: و من يقف عند حدوده،

ص: 418

و يحتسب معاصيه يخرجه من الحرام إلى الحلال،و من الضّيق إلى السّعة،و من النّار إلى الجنّة.

عليّ بن صالح: يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً يقنّعه برزقه.

و قيل:و من يتّق اللّه في الرّزق و غيره بقطع العلائق،يجعل له مخرجا بالكفاية،و يرزقه من حيث لا يحتسب.

(9:337)

الزّمخشريّ: ممّا في شأن الأزواج من الغموم و الوقوع في المضايق،و يفرّج عنه و ينفّس و يعطه الخلاص.(4:120)

نحوه أبو السّعود.(6:261)

ابن الجوزيّ: [حكى أقوال المتقدّمين ثمّ قال:]

و الصّحيح أنّ هذا عامّ،فإنّ اللّه تعالى يجعل للتّقيّ مخرجا من كلّ ما يضيق عليه،و من لا يتّقي يقع في كلّ شدّة.(8:291)

القشيريّ: إذا صدق العبد في تقواه أخرجه من بين أشغاله،كالشّعرة تخرج من بين العجين،لا يعلق بها شيء.و يضرب اللّه تعالى على المتّقي سرادقات عنايته، و يدخله في كنف الإيواء.و يصرف الأشغال عن قلبه، و يخرجه من ظلمات تدبيره،و يجرّده من كلّ أمر،و ينقله إلى شهود فضاء تقديره.(6:168)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ يَرْزُقْهُ... و نحن نرى كثيرا من الأتقياء مضيّقا عليهم رزقهم؟

قلنا:معناه يجعل له مخلصا من هموم الدّنيا و الآخرة.

[ثمّ ذكر مثل ابن الجوزيّ و قال:]

و أمّا تضييق رزق الأتقياء فهو مع ضيقه و قلّته يأتيهم من حيث لا يأملون و لا يرجون،و تقليله لطف بهم و رحمة،ليتوفّر حظّهم في الآخرة و يخفّ حسابهم، و لتقلّ عوائقهم عن الاشتغال بمولاهم،و لا يشغلهم الرّخاء و السّعة عمّا خلقوا له من الطّاعة و العبادة،و لهذا اختار الأنبياء و الأولياء و الصّدّيقون الفقر على الغنى.(مسائل الرّازيّ:347)

أبو حيّان : يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً يخلّصه من كذب الدّنيا و الآخرة.[إلى أن قال:]

و قيل:و من يتّق الحرام يجعل له مخرجا إلى الحلال.

و قيل:مخرجا من الشّدّة إلى الرّخاء.و قيل:من النّار إلى الجنّة.و قيل:من العقوبة.(8:283)

البروسويّ: مصدر ميميّ،أي خروجا و خلاصا ممّا عسى يقع في شأن الأزواج من الغموم و الوقوع في المضايق،و يفرّج عنه ما يعتريه من الكروب.

و قال بعضهم:هو عامّ،أي و من يتّق اللّه في كلّ ما يأتي و ما يذر،يجعل له خروجا من كلّ ضيق يشوّش البال و يكدّر الحال،و خلاصا من عموم الدّنيا و الآخرة، فيندرج فيه ما نحن فيه اندراجا أوّليّا.و عن النّبيّ عليه السّلام أنّه قرأها،فقال:مخرجا من شبهات الدّنيا و من غمرات الموت و من شدائد يوم القيامة.و في«الجلالين»:من الشّدّة إلى الرّخاء،و من الحرام إلى الحلال،و من النّار إلى الجنّة.

أو اسم مكان بمعنى يخرجه إلى مكان يستريح فيه.

و في«فتح الرّحمن»:يجعل له مخرجا إلى الرّجعة.و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:أنّه سئل عمّن طلّق امرأته ثلاثا أو ألفا هل له من مخرج؟فقال:لم يتّق اللّه فلم يجعل

ص: 419

له مخرجا،بانت منه بثلاث،و الزّيادة إثم في عنقه.

و يقال:المخرج على وجهين:

أحدهما:أن يخرجه من تلك الشّدّة.

و الثّاني:أن يكرمه بالرّضى و الصّبر،فإنّه من قبيل العافية أيضا،كما قال عليه السّلام:و أسأل اللّه العافية من كلّ بليّة.(10:31)

نحوه الآلوسيّ.(28:135)

الطّباطبائيّ: من مضائق مشكلات الحياة،فإنّ شريعته فطريّة،يهدي بها اللّه الإنسان إلى ما تستدعيه فطرته،و تقضي به حاجته،و تضمن سعادته في الدّنيا و الآخرة.(19:314)

خروج

قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ. المؤمن:11

ابن عبّاس: رجوع إلى الدّنيا.(393)

الحسن :فهل عمل نخرج به من النّار،و نتخلّص به من العذاب.(الماورديّ 5:146)

قتادة :فهل إلى كرّة إلى الدّنيا.(الطّبريّ 11:45)

فهل طريق نرجع فيها إلى الدّنيا فنقرّ بالبعث.(الماورديّ 5:146)

الطّبريّ: فهل إلى خروج من النّار لنا سبيل،لنرجع إلى الدّنيا،فنعمل غير الّذي كنّا نعمل فيها.(11:45)

نحوه الواحديّ.(4:6)

الثّعلبيّ: فنصلح أعمالنا،نظيرها قوله: هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ الشّورى:44.(8:268)

الماورديّ: و في الكلام مضمر محذوف،تقديره:

لا سبيل إلى الخروج.(5:147)

الطّوسيّ: و إنّما تمنّوا الخروج ممّا هم فيه من العذاب، فقالوا: فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ و المعنى فهل إلى خروج لنا من سبيل،فنسلكه في طاعتك و اتّباع مرضاتك.و لو علم اللّه تعالى أنّهم يفلحون،لردّهم إلى حال التّكليف،لأنّه لا يمنع إحسانا بفعل ما ليس بإحسان،و لا يؤتى أحد من عقابه إلاّ من قبل نفسه.

و كذلك قال في موضع آخر: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ الأنعام:28،تنبيها أنّهم لو صدقوا في ذلك لأجابهم إلى ما تمنّوه،و إنّما يقولون هذا القول على سبيل التّمنّي،بكلّ ما يجدون إليه سبيلا في التّلطّف للخروج عن تلك الحال،و إنّه لا يمكن أحدا أن يتجلّد على عذاب اللّه،كما يمكن أن يتجلّد على عذاب الدّنيا.[إلى أن قال:]

و في الكلام حذف و تقديره:فأجيبوا:ليس من سبيل لكم إلى الخروج.(9:61)

نحوه الطّبرسيّ.(4:517)

البغويّ: أي من خروج من النّار إلى الدّنيا،فنصلح أعمالنا و نعمل بطاعتك،نظيره: هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ الشّورى:44.(4:108)

مثله الميبديّ،(8:454)،و الشّربينيّ(3:473).

الزّمخشريّ: أي إلى نوع من الخروج سريع أو بطيء مِنْ سَبِيلٍ قطّ،أم اليأس واقع دون ذلك،فلا خروج و لا سبيل إليه.و هذا كلام من غلب عليه اليأس و القنوط،و إنّما يقولون ذلك تعلّلا و تحيّرا،و لهذا جاء

ص: 420

الجواب على حسب ذلك،و هو قوله:(ذلكم)أي ذلكم الّذي أنتم فيه،و أن لا سبيل لكم إلى خروج قطّ، بسبب كفركم بتوحيد اللّه،و إيمانكم بالإشراك به.

(3:418)

نحوه الفخر الرّازيّ(27:41)،و البيضاويّ(2:

332)،و النّسفيّ(4:72)،و النّيسابوريّ(24:31)، و أبو حيّان(7:453)،و البروسويّ(8:161).

ابن عطيّة: و هذا كما تكلّف إنسانا أن يقرّ لك بحقّ و هو ينكرك،فإذا رأى الغلبة و ضرع أقرّ بذلك الأمر متمّما،أو في ممّا كنت تطلب به أوّلا،و فيما بعد قولهم:

فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ محذوف من الكلام يدلّ عليه الظّاهر،تقديره:لا إسعاف لطلبتكم أو نحو هذا من الرّدّ و الزّجر.(4:549)

ابن الجوزيّ: أي من النّار إلى الدّنيا لنعمل بالطّاعة مِنْ سَبِيلٍ و في الكلام اختصار،تقديره:فأجيبوا أن لا سبيل إلى ذلك.(7:209)

القرطبيّ: أي هل نردّ إلى الدّنيا لنعمل بطاعتك، نظيره: هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ، و قوله: فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً السّجدة:12، يا لَيْتَنا نُرَدُّ... الأنعام:

27.(15:298)

أبو السّعود :مع نوع استبعاد له و استشعار يأس منه،لا أنّهم قالوه بطريق القنوط البحت-كما قيل-و لا ريب في أنّ الّذي كان ينكرونه و يفرّعون عليه فنون الكفر و المعاصي ليس إلاّ الإحياء بعد الموت،و أمّا الإحياء الأوّل فلم يكونوا ينكرونه لينظموه في سلك ما اعترفوا به،و زعموا أنّ الاعتراف يجديهم نفعا.

و إنّما ذكروا الموتة الأولى مع كونهم معترفين بها في الدّنيا،لتوقّف حياة القبر عليها،و كذا حال الموتة في القبر،فإنّ مقصدهم الأصليّ هو الاعتراف بالإحياءين، و إنّما ذكروا الإماتتين لترتيبهما عليهما ذكرا حسب ترتّبهما عليهما وجودا.

و تنكير«سبيل»للإبهام،أي من سبيل ما:كيفما كان.

و قوله تعالى:(ذلكم)إلخ جواب لهم باستحالة حصول ما يرجونه،ببيان ما يوجبها من أعمالهم السّيّئة،أي ذلكم الّذي أنتم فيه من العذاب مطلقا لا مقيّدا بالخلود،كما قيل.(5:411)

الآلوسيّ: أي إلى نوع خروج من النّار،أي فهل إلى خروج سريع أو بطيء،أو من مكان منها إلى آخر،أو إلى الدّنيا أو غيرها مِنْ سَبِيلٍ طريق من الطّرق فنسلكه.و مثل هذا التّركيب يستعمل عند اليأس، و ليس المقصود به الاستفهام.و إنّما قالوه من فرط قنوطهم تعلّلا أو تحيّرا،و لذلك أجيبوا بذكر ما أوقعهم في الهلاك،و هو قوله تعالى:(ذلكم)إلخ من غير جواب عن الخروج نفيا أو إثباتا و إن كان الاستفهام على ظاهره، و المراد طلب الخروج نظير: فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً السّجدة:12،و نحوه لقيل: اِخْسَؤُا فِيها المؤمنون:

108،أو نحو ذلك،كذا قيل.

و جوّز أن يكونوا طلبوا الرّجعة ليعملوا بموجب ذلك الاعتراف،لكن مع استبعاد لها و استشعار يأس منها.

و الجواب إقناط لهم ببيان أنّهم كانوا مستمرّين على الشّرك،فجوّزوا باستمرار العقاب و الخلود في النّار كما يقتضيه حكمه تعالى،و ذلك جواب بنفي السّبيل إلى

ص: 421

الخروج على أبلغ وجه،و لا أرى في هذا الوجه بأسا، و يوشك أن يكون المتبادر،و المعنى ذلكم الّذي أنتم فيه من العذاب.(24:53)

نحوه المراغيّ.(24:51)

ابن عاشور :فالاستفهام مستعمل في العرض و الاستعطاف كلّيّا لرفع العذاب،و قد تكرّر في القرآن حكاية سؤال أهل النّار الخروج أو التّخفيف و لو يوما.

و الاستفهام بحرف(هل)مستعمل في الاستعطاف، و حرف(من)زائد لتوكيد العموم الّذي في النّكرة،ليفيد تطلّبهم كلّ سبيل للخروج،و شأن زيادة(من)أن تكون في النّفي و ما في معناه دون الإثبات.

و قد عدّ الاستفهام ب(هل)خاصّة من مواقع زيادة (من)لتوكيد العموم،كقوله تعالى: وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ق:30،و تقدّم ذلك عند قوله تعالى: فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا الأعراف:53،و أنّ وجه اختصاص(هل)بوقوع(من)الزّائدة في المستفهم عنه بها أنّه كثر استعمال الاستفهام بها في معنى النّفي،و زيادة (من)حينئذ لتأكيد النّفي و تنصيص عموم النّفي،فخفّ وقوعها بعد(هل)على ألسن أهل الاستعمال.

و تنكير(خروج)للنّوعيّة تلطّفا في السّؤال،أي إلى شيء من الخروج قليل أو كثير،لأنّ كلّ خروج ينتفعون به راحة من العذاب،كقولهم: اُدْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ المؤمن:49.(24:160)

الطّباطبائيّ: و قولهم: فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ دعاء و مسألة في صورة الاستفهام،و في تنكير «الخروج»و«السّبيل»إشارة إلى رضاهم بأيّ نوع من الخروج كان،من أيّ سبيل كانت،فقد بلغ بهم الجهد و اليوم،يوم تقطّعت بهم الأسباب،فلا سبب يرجى أثره في تخلّصهم من العذاب.(17:314)

الخروج

1- فَإِنْ رَجَعَكَ اللّهُ... فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ... التّوبة:83

لاحظ لَنْ تَخْرُجُوا.

2- رِزْقاً لِلْعِبادِ وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ.

ق:11

الزّجّاج: أي كما خلقنا هذه الأشياء نبعثكم.

(5:43)

نحوه الواحديّ.(4:164)

البغويّ: من القبور.(4:271)

الميبديّ: من قبوركم يوم البعث بعد إن كنتم أمواتا.(9:278)

الزّمخشريّ: كما حييت هذه البلدة الميتة كذلك تخرجون أحياء بعد موتكم.و الكاف في محلّ الرّفع على الابتداء.(4:5)

نحوه القرطبيّ(17:7)،و البيضاويّ(2:414)، و النّسفيّ(4:177).

الفخر الرّازيّ: و قوله تعالى: كَذلِكَ الْخُرُوجُ أي كالإحياء الخروج.

فإن قيل:الإحياء يشبّه به الإخراج لا الخروج، فنقول:تقديره أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً فتشقّقت و خرج منها النّبات،كذلك تشقّق و يخرج منها الأموات،و هذا

ص: 422

يؤكّد قولنا:الرّجع بمعنى الرّجوع في قوله: ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ق:3،لأنّه تعالى بيّن لهم ما استبعدوه،فلو استبعدوا الرّجع الّذي هو من المتعدّي،لناسب أن يقول:

كذلك الإخراج،و لمّا قال: كَذلِكَ الْخُرُوجُ فهم أنّهم أنكروا الرّجوع،فقال: كَذلِكَ الْخُرُوجُ.

نقول:فيه معنى لطيف على القول الآخر؛و ذلك لأنّهم استبعدوا الرّجع الّذي هو من المتعدّي بمعنى الإخراج،و اللّه تعالى أثبت الخروج.و فيهما مبالغة تنبيها على بلاغة القرآن مع أنّها مستغنية عن البيان،و وجهها هو أنّ الرّجع و الإخراج كالسّبب للرّجوع و الخروج، و السّبب إذا انتفى ينتفي المسبّب جزما،و إذا وجد قد يختلف عنه المسبّب لمانع،تقول:كسرته فلم ينكسر و إن كان مجازا،و المسبّب إذا وجد فقد وجد سببه،و إذا انتفى لا ينتفي السّبب لما تقدّم.إذا علم هذا فهم أنكروا وجود السّبب و نفوه،و ينتفي المسبّب عند انتفائه جزما،فبالغوا و أنكروا الأمرين جميعا،لأنّ نفي السّبب نفي المسبّب، فأثبت اللّه الأمرين جميعا بالخروج،كما نفوا الأمرين جميعا بنفي الإخراج.(28:160)

الشّربينيّ: أي مثل الإخراج العظيم(الخروج)من قبورهم على ما كانوا عليه في الدّنيا؛إذ لا فرق بين خروج النّبات بعد ما تهشّم و تفتّت في الأرض،و صار ترابا كما كان من بين أصغره و أبيضه و أحمره و أزرقه إلى غير ذلك،و بين إخراج ما تفتّت من الموتى كما كانوا في الدّنيا.(4:82)

القاسميّ: أي خروجهم أحياء من القبور.شبّه بعث الأموات و نشرهم بقدرته تعالى بإخراج النّبات من الأرض بعد وقوع المطر عليها.ف كَذلِكَ خبر اَلْخُرُوجُ أو مبتدأ،فالكاف بمعنى «مثل».(15:5487)

ابن عاشور : كَذلِكَ الْخُرُوجُ بعد ظهور الدّلائل بصنع اللّه على إمكان البعث،لأنّ خلق تلك المخلوقات من عدم،يدلّ على أنّ إعادة بعض الموجودات الضّعيفة أمكن و أهون،جيء بما يفيد تقريب البعث بقوله:

كَذلِكَ الْخُرُوجُ.

فهذه الجملة فذلكة للاستدلال على إمكان البعث الّذي تضمّنته الجمل السّابقة،فوجب انفصال هذه الجملة،فتكون استئنافا أو اعتراضا في آخر الكلام،على رأي من يجيزه،و هو الأصحّ.

و الإشارة ب(ذلك)إلى ما ذكر آنفا من إحياء الأرض بعد موتها،أي كما أحيينا الأرض بعد موتها كذلك نحيي النّاس بعد موتهم و بلاهم،مع إفادتها تعظيم شأن المشار إليه،أي مثل البعث العظيم الإبداع.

و التّعريف في اَلْخُرُوجُ للعهد،أي خروج النّاس من الأرض،كما قال تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً المعارج:43،ف(الخروج)صار كالعلم بالغلبة على البعث،و سيأتي قوله تعالى: ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ق:42،و تقديم المجرور على المبتدإ للاهتمام بالخبر،لما في الخبر من دفع الاستحالة و إظهار التّقريب، و فيه تشويق لتلقّي المسند إليه.(26:244)

و فيه مباحث أخرى لاحظ ح ي ي:«احيينا».

3- يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ

ص: 423

اَلْخُرُوجِ. ق:42

زيد بن عليّ: معناه يوم القيامة.(384)

أبو عبيدة :يوم الخروج من أسماء يوم القيامة.(الزّجّاج 5:50)

ابن قتيبة :يوم البعث من القبور،و يقال ليوم العيد:

يوم الخروج،لخروج النّاس فيه.(419)

الزّجّاج: أي يوم يبعثون و يخرجون،و مثله يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ... القمر:6.(5:50)

الطّبرسيّ: من القبور إلى أرض الموقف.

(5:151)

ابن عاشور :و يَوْمُ الْخُرُوجِ علم بالغلبة على يوم البعث،أي الخروج من الأرض.(26:276)

مكارم الشّيرازيّ: من القبور و البعث و النّشور.(17:61)

خرجا

1- قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا. الكهف:94

ابن عبّاس: جعلا.(252)

أجرا.

مثله قتادة.(الطّبريّ 8:284)

أبو عمرو ابن العلاء:الخرج:ما تبرّعت به، و الخراج:ما لزمك أداؤه.(الثّعلبيّ 6:199)

الخراج:اسم لما يخرج من الأرض،و الخرج:ما يؤخذ عن الرّقاب.(الماورديّ 3:342)

الفرّاء:الخراج:الاسم الأوّل،و الخرج:كالمصدر كأنّه الجعل.(2:159)

ثعلب :الخرج:ما يؤخذ دفعة،و الخراج ثابت مأخوذ في كلّ سنة.(الماورديّ 3:342)

قطرب: الخرج:الجزية،و الخراج في الأرض.

(الفخر الرّازيّ 21:171)

اللّيث:إنّهما[خرجا و خراجا]لغتان بمعنى واحد.

مثله أبو عبيدة.(ابن الجوزيّ 5:191)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و البصرة و بعض أهل الكوفة فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً كأنّهم نحوا به نحو المصدر من خرج الرّأس،و ذلك جعله.و قرأته عامّة قرّاء الكوفيّين (فهل نجعل لك خراجا) بالألف،و كأنّهم نحوا به نحو الاسم، و عنوا به أجرة على بنائك لنا سدّا بيننا و بين هؤلاء القوم.

و أولى القراءتين في ذلك عندنا بالصّواب قراءة من قرأ (فهل نجعل لك خراجا) بالألف،لأنّ القوم فيما ذكر عنهم،إنّما عرضوا على ذي القرنين أن يعطوه من أموالهم ما يستعين به على بناء السّدّ،و قد بيّن ذلك بقوله:

فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً الكهف:

95،و لم يعرضوا عليه جزية رءوسهم.و الخراج عند العرب هو الغلّة.(8:284)

الزّجّاج: و تقرأ (خراجا) ،فمن قرأ خَرْجاً فالخرج:الفيء،و الخراج:الضّريبة،و قيل:الجزية.

و الخراج عند النّحويّين الاسم لما يخرج من الفرائض في الأموال،و الخرج المصدر.(3:310)

أبو زرعة:قرأ حمزة و الكسائيّ (فهل نجعل لك

ص: 424

خراجا) بالألف،و قرأ الباقون بغير ألف.[ثمّ ذكر قول الزّجّاج و أضاف:]

و قال غيره: خَرْجاً أي عطيّة نخرجه إليك من أموالنا،و أمّا المضروب على الأرض فالخراج.و يدلّ على العطيّة قوله في جوابه لهم: ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ الكهف:95.(433)

الثّعلبيّ: قرأ أهل الكوفة خراجا بالألف، الباقون بغير ألف،و هما لغتان بمعنى واحد.(6:199)

الماورديّ: قرأ حمزة و الكسائيّ (خراجا) ،و قرأ الباقون خَرْجاً. و في اختلاف القراءتين ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّ الخراج:الغلّة،و الخرج:الأجرة.

[و الثّاني و الثّالث:قول أبي عمرو و ثعلب،قد تقدّم]

(6:342)

الطّوسيّ: [ذكر نحو الماورديّ و أضاف:]

و الخرج:المصدر لما يخرج من المال،و الخراج:الاسم لما يخرج عن الأرض و نحوها.(7:90)

الواحديّ: و قرئ (خراجا) ،قال ابن عبّاس:يريد جعلا،قال اللّيث:الخرج و الخراج واحد،و هو شيء يخرجه القوم من مالهم بقدر معلوم،و المعنى هل نخرج إليك من أموالنا شيئا كالجعل لك.(3:167)

البغويّ: قرأ حمزة و الكسائيّ (خراجا) بالألف، و قرأ الباقون خَرْجاً بغير ألف،و هما لغتان بمعنى واحد،أي جعلا و أجرا من أموالنا.

و قيل:الخراج:على الأرض،و الخرج على الرّقاب.

يقال:أدّ خرج رأسك و خراج مدينتك.(3:216)

نحوه القرطبيّ.(11:59)

الميبديّ: [نقل اختلاف القراءة و قال:]

و كلّهم قرأ في المؤمنين:72، فَخَراجُ رَبِّكَ بالألف إلاّ ابن عامر،فإنّه قرأ (فخرج ربّك خير) بغير ألف،و هما في المعنى واحد،كالنّبت و النّبات،و هو ما يخرج من فيء أو جزية أو غلّة أو ضريبة.

و قيل:الخراج على الأرض و الذّمّة،و الخرج:

المصدر.

و قيل:الخرج:الجعل و الأجر و العطيّة.و المعنى هل نجعل لك عطيّة نخرجها إليك من أموالنا تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا. (5:743)

الزّمخشريّ: قرئ (خرجا و خراجا) أي جعلا نخرجه من أموالنا،و نظيرهما النّول و النّوال.(2:499)

نحوه البيضاويّ(2:25)،و النّيسابوريّ(16:26).

الطّبرسيّ: أو خراجا،معناه فهل نجعل لك بعضا من أموالنا.[ثمّ ذكر نحو الطّوسيّ](3:494)

ابن الجوزيّ: قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو و ابن عامر و عاصم: خَرْجاً بغير ألف و قرأ حمزة و الكسائيّ:(خراجا)بألف.و هل بينهما فرق؟فيه قولان.

[هو قول اللّيث و أبو عمرو ابن العلاء]

قال المفسّرون:المعنى هل نخرج إليك من أموالنا شيئا كالجعل لك؟(5:191)

الفخر الرّازيّ: قرأ حمزة و الكسائيّ (خراجا) و الباقون خَرْجاً. قيل:الخراج و الخرج واحد،و قيل:

هما أمران متغايران.و على هذا القول اختلفوا،قيل:

الخرج بغير ألف هو الجعل،لأنّ النّاس يخرج كلّ واحد منهم شيئا منه فيخرج هذا أشياء و هذا أشياء،و الخراج

ص: 425

هو الّذي يجبيه السّلطان كلّ سنة.(21:171)

العكبريّ: و الخرج:يقرأ بغير ألف،مصدر:خرج، و المراد به:الأجر.

و قيل:هو بمعنى مخرج.و الخراج:بالألف و هو بمعنى الأجر أيضا.و قيل:هو المال المضروب على الأرض أو الرّقاب.(2:861)

ابن جزيّ: هذا استفهام في ضمنه عرض و رغبة، و الخرج:الجباية،و يقال فيه خراج،و قد قرئ بهما، فعرضوا عليه أن يجعلوا له أموالا ليقيم بها السّدّ.

(2:196)

أبو حيّان :استدعاء منهم قبول ما يبذلونه ممّا يعينه على ما طلبوا على جهة حسن الأدب؛إذ سألوه ذلك، كقول موسى للخضر: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ الكهف:66.

و قرأ الحسن و الأعمش و طلحة و خلف و ابن سعدان و ابن عيسى الأصبهانيّ و ابن جبير الأنطاكيّ، و من السّبعة حمزة و الكسائيّ: (خراجا) بألف هنا و في حرفيّ(قد أفلح)،و سكّن ابن عامر الرّاء فيها.

و قرأ باقي السّبعة خَرْجاً فيهما بسكون الرّاء فخراج بالألف.و الخرج و الخراج بمعنى واحد كالنّول و النّوال،و المعنى جعلا نخرجه من أموالنا،و كلّ ما يستخرج من ضريبة و جزية و غلّة فهو خراج و خرج.

و قيل:الخرج:المصدر أطلق على الخراج،و الخراج:

الاسم لما يخرج.

و قيل:الخرج:المال،يخرج مرّة،و الخراج:المجبى المتكرّر عرضوا عليه أن يجمعوا له أموالا يقيم بها أمر السّدّ.(6:164)

نحوه السّمين(4:482)،و الآلوسيّ(16:39).

أبو السّعود :[ذكر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:الخراج:ما على الأرض و الذّمّة،و الخرج:

المصدر.

و قيل:الخرج:ما كان على كلّ رأس،و الخراج:ما كان على البلد.

و قيل:الخرج:ما تبرّعت به،و الخراج:ما لزمك أداؤه.(4:216)

نحوه البروسويّ.(5:298)

الطّباطبائيّ: الخرج:ما يخرج من المال ليصرف في شيء من الحوائج،عرضوا عليه أن يعطوه مالا على أن يجعل بينهم و بين يأجوج و مأجوج سدّا يمنع من تجاوزهم و تعدّيهم عليهم.(13:364)

2- أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ هُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ. المؤمنون:72

ابن عبّاس: جعلا،فلذلك لا يجيبونك، فَخَراجُ رَبِّكَ فثواب ربّك في الجنّة...(289)

الحسن :أجرا.(الطّبريّ 9:234)

السّدّيّ: أي رزقا؛ فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ أي رزق ربّك،و من قرأ خَرْجاً أراد جعلا.(أبو زرعة:490)

الكلبيّ: فرزق ربّك في الدّنيا خير منهم.

(الماورديّ 4:63)

فعطاؤه،لأنّه يعطي لا لحاجة،و غيره يعطي لحاجة.(أبو حيّان 6:415)

ص: 426

الفرّاء:يريد أجرا،فأجر ربّك خير.(2:240)

أبو عبيدة :أي إتاوة و غلّة،كخرج العبد إلى مولاه، أو الرّعيّة إلى الوالي.و الخرج أيضا من السّحاب،و منه يرى اشتقّ هذا أجمع.[ثمّ استشهد بشعر](2:61)

الأخفش: و الخرج و الخراج واحد،إلاّ أنّ اختلاف الكلام أحسن.(القرطبيّ 12:141)

أبو حاتم: الخرج:الجعل،و الخراج:العطاء.

(القرطبيّ 12:141)

ابن قتيبة :أي خراجا،فهم يستثقلون ذلك، فَخَراجُ رَبِّكَ أي رزقه.(299)

الطّبريّ: أم تسأل هؤلاء المشركين يا محمّد من قومك خَرْجاً، يعني أجرا على ما جئتهم به من عند اللّه من النّصيحة و الحقّ فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ فأجر ربّك على نفاذك لأمره،و ابتغاء مرضاته خير لك من ذلك،و لم يسألهم صلّى اللّه عليه و سلّم على ما أتاهم به من عند اللّه أجرا،قال لهم كما قال اللّه له،و أمره بقيله لهم: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى الشّورى:23،و إنّما معنى الكلام:أم تسألهم على ما جئتهم به أجرا،فنكصوا على أعقابهم إذ تلوته عليهم،مستكبرين بالحرم،فخراج ربّك خير.

(9:234)

الزّجّاج: أي أم تسألهم على ما أتيتهم به أجرا.

و يقرأ (خراجا فخراج ربّك...) و يجوز خراجا فخرج ربّك خير.(4:19)

أبو زرعة:[ذكر اختلاف القراءة و قول السّدّيّ ثمّ قال:]

و قال آخرون:الخرج:الجعل،و الخراج:العطاء.

و قال آخرون:الخرج و الخراج بمعنى واحد.(489)

الثّعلبيّ: أجرا و جعلا،و أصل الخرج و الخراج:

الغلّة و الضّريبة و الإتاوة،كخراج العبد و الأرض.[إلى أن قال:]

فَخَراجُ رَبِّكَ: رزقه و ثوابه.(7:52)

الماورديّ: يعني أمرا.[ثمّ ذكر أقوال المتقدّمين]

(4:63)

الطّوسيّ: و أصل الخرج و الخراج واحد،و هو الغلّة الّتي تخرج على سبيل الوظيفة منه،و منه خراج الأرض، و هما مصدران لا يجمعان.ثمّ قال: فَخَراجُ رَبِّكَ أي أجر ربّك...(7:383)

الواحديّ: أجرا و مالا يعطونك. فَخَراجُ رَبِّكَ...

فما يعطيك اللّه من أجره و ثوابه و رزقه خير لك.

(3:295)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:485)

البغويّ: [ذكر نحو الواحديّ مع اختلاف القراءة]

(3:371)

الميبديّ: جعلا و أجرا فيعرضوا عنك كذلك فَخَراجُ رَبِّكَ أي فعطاء ربّك خَيْرٌ ممّا في أيديهم.

[ثمّ ذكر اختلاف القراءة و قال:]

و الخرج و الخراج:ما يخرج من ريع ما يقاسه،و قيل:

الخرج:الجعل،و الخراج:العطاء.(6:455)

الزّمخشريّ: قرئ (خراجا فخراج) و (خرجا فخرج) و خَرْجاً فَخَراجُ و هو ما تخرجه إلى الإمام من زكاة أرضك،و إلى كلّ عامل من أجرته و جعله.

و قيل:الخرج:ما تبرّعت به،و الخراج:ما لزمك

ص: 427

أداؤه.

و الوجه:أنّ الخرج أخصّ من الخراج،كقولك:

خراج القرية و خرج الكردة (1)،زيادة اللّفظ لزيادة المعنى،و لذلك حسنت قراءة من قرأ خَرْجاً فَخَراجُ...

يعني أم تسألهم على هدايتك لهم قليلا من عطاء الخلق، فالكثير من عطاء الخالق خير.(3:38)

نحوه الفخر الرّازيّ(23:112)،و النّسفيّ(3:

124)،و النّيسابوريّ(18:32).

ابن عطيّة: هذا توبيخ لهم،كأنّه قال:أم سألتهم مالا فقلقوا بذلك و استثقلوا من أجله.[ثمّ ذكر اختلاف القراءة و قال:]

قال الأصمعيّ: الخرج:الجعل مرّة واحدة،و الخراج:

ما تردّد لأوقات ما،و هذا فرق استعماليّ و إلاّ فهما في اللّغة بمعنى.و قد قرئ (خراجا) في قصّة ذي القرنين، و قوله: فَخَراجُ رَبِّكَ يريد ثوابه،سمّاه خراجا من حيث كان معادلا للخراج في هذا الكلام.و يحتمل أن يريد فَخَراجُ رَبِّكَ: رزق ربّك،و يؤيّد هذا قوله:

وَ هُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ (4:151)

الطّبرسيّ: أَمْ تَسْئَلُهُمْ يا محمّد على ما جئتهم به من القرآن و الإيمان خَرْجاً أي أجرا و مالا يعطونك،فيورث ذلك تهمة في حالك أو يثقل عليهم قبول قولك لأجله، فَخَراجُ رَبِّكَ أي من رزق ربّك في الدّنيا منه،عن الكلبيّ.و قيل:فأجر ربّك في الآخرة خير منه،عن الحسن.(4:113)

القرطبيّ: [ذكر اختلاف القراءة و قال:]

و المعنى:أم تسألهم رزقا فرزق ربّك خير...و قيل:

أي ما يؤتيك اللّه من الأجر على طاعتك له و الدّعاء إليه خير من عرض الدّنيا،و قد عرضوا عليك أموالهم حتّى تكون ك«أعين»رجل من قريش فلم تجبهم إلى ذلك، قال معناه الحسن.(12:141)

البيضاويّ: أجرا على أداء الرّسالة، فَخَراجُ رَبِّكَ: رزقه في الدّنيا أو ثوابه في العقبى خَيْرٌ لسعته و دوامه.ففيه مندوحة لك عن عطائهم،و الخرج بإزاء الدّخل،يقال لكلّ ما تخرجه إلى غيرك.

و الخراج غالب في الضّريبة على الأرض،ففيه إشعار بالكثرة و اللّزوم فيكون أبلغ،و لذلك عبّر به عن عطاء اللّه إيّاه.

و قرأ ابن عامر (خرجا فخرج) و حمزة و الكسائيّ (خراجا فخراج) للمزاوجة.(2:111)

نحوه الشّربينيّ(2:586)،و طنطاوي(11:152).

أبو حيّان :تقدّم الكلام في قوله: خَرْجاً فَخَراجُ في قوله: فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً في الكهف:94،قراءة و مدلولا.و قرأ الحسن و عيسى: (خراجا فخرج) ،فكملت بهذه القراءة أربع قراءات،و في الحرفين فَخَراجُ رَبِّكَ أي ثوابه،لأنّه الباقي،و ما يؤخذ من غيره فان.

و قيل:فرزقه،و يؤيّده خَيْرُ الرّازِقِينَ. (6:415)

أبو السّعود :انتقال من توبيخهم بما ذكر من قوله:

أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ المؤمنون:70،إلى التّوبيخ بوجه آخر،كأنّه قيل:أم يزعمون أنّك تسألهم عن أداء الرّسالة،(خرجا)أي جعلا،فلأجل ذلك لا يؤمنون بك، و قوله تعالى: فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ أي رزقه في الدّنياع.

ص: 428


1- الأرض ذات الزّرع.

و ثوابه في الآخرة،تعليل لنفي السّؤال المستفاد من الإنكار،أي لا تسألهم ذلك.فإنّ ما رزقك اللّه تعالى في الدّنيا و العقبى خير لك من ذلك،و في التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة مع الإضافة إلى ضميره عليه الصّلاة و السّلام من تعليل الحكم و تشريفه عليه الصّلاة و السّلام ما لا يخفى.[ثمّ ذكر نحو البيضاويّ](4:427)

نحوه المراغيّ.(18:42)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

قال في تفسير المناسبات:و كأنّه سمّاه خراجا إشارة إلى أنّه أوجب رزق كلّ أحد على نفسه بوعد لا خلف فيه.(6:95)

الآلوسيّ: [ذكر نحو أبي السّعود و اختلاف القراءة ثمّ قال:]

و كأنّ اختيار(خراجا)في جانبه عليه الصّلاة و السّلام للإشارة إلى قوّة تمكّنهم في الكفر،و اختيار (خرجا)في جانبه تعالى للمبالغة في حطّ قدر خراجهم؛ حيث كان المعنى فالشّيء القليل منه عزّ و جلّ خير من كثيرهم.(18:53)

ابن عاشور :الاستفهام الّذي في قوله: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً إنكاريّ؛إذ لا يجوز أن يصدر عن الرّسول ما يوجب إعراض المخاطبين عن دعوته، فانحصرت تبعة الإعراض فيهم.

و الخرج:العطاء المعيّن على الذّوات أو على الأرضين كالإتاوة،و أمّا الخراج فقيل:هو مرادف الخرج، و هو ظاهر كلام جمهور اللّغويّين.و عن ابن الأعرابيّ:

التّفرقة بينهما بأن الخرج:الإتاوة على الذّوات،و الخراج:

الإتاوة على الأرضين.

و قيل:الخرج:ما تبرّع به المعطي،و الخراج:ما لزمه أداؤه.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و هذا الّذي ينبغي التّعويل عليه،لأنّ الأصل في اللّغة عدم التّرادف.

هذا و قد قرأ الجمهور: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ و قرأ ابن عامر: (خرجا فخرج...) و قرأ حمزة و الكسائيّ و خلف (...خراجا فخراج...) .

فأمّا قراءة الجمهور فتوجيهها على اعتبار ترادف الكلمتين أنّها جرت على التّفنّن في الكلام،تجنّبا لإعادة اللّفظ في غير المقام،المقتضي إعادة اللّفظين مع قرب اللّفظين،بخلاف قوله تعالى: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ سبأ:47،فإنّ لفظ «أجر»أعيد بعد ثلاثة ألفاظ.

و أمّا على اعتبار الفرق الّذي اختاره الزّمخشريّ فتوجيهها باشتمالها على التّفنّن و على محسّن المبالغة.

و أمّا قراءة ابن عامر و حمزة و الكسائيّ و خلف فتوجيهها على طريقة التّرادف،أنّهما وردتا على اختيار المتكلّم في الاستعمال مع محسّن المزاوجة بتماثل اللّفظين.

و لا توجّهان على طريقة الزّمخشريّ.(18:78)

الطّباطبائيّ: و هذا رابع الأعذار الّتي ذكرت في هذه الآيات و ردّت،و وبّخوا عليها،و قد ذكره اللّه بقوله:

أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً أي مالا يدفعونه إليك على سبيل الرّسم و الوظيفة،ثمّ ذكر غنى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقوله: فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ أي إنّ اللّه هو رازقك و لا حاجة لك إلى خرجهم،و قد تكرّر الأمر بإعلامهم ذلك في الآيات:

ص: 429

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً الأنعام:90.

و قد تمّت بما ذكر في الآية الرّابعة من الأعذار المردودة إليهم،و هي مختلفة:

فأوّلها: أَ فَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ المؤمنون:68،راجع إلى القرآن.

و الثّاني: أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ المؤمنون:68،إلى الدّين الّذي إليه الدّعوة.

و الثّالث: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ المؤمنون:70،إلى نفس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و الرّابع: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً المؤمنون:72،إلى سيرته.(15:48)

فخراج

أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ... المؤمنون:

72،راجع:(خرجا).

اخرج

1- ...وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ... البقرة:22

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى إخراج الثّمرات بالماء و إنّما خرجت بقدرته و مشيئته؟

قلت:المعنى أنّه جعل الماء سببا في خروجها و مادّة لها،كماء الفحل في خلق الولد،و هو قادر على أن ينشئ الأجناس كلّها بلا أسباب و لا موادّ،كما أنشأ نفوس الأسباب و الموادّ.و لكن له في إنشاء الأشياء مدرجا لها من حال إلى حال،و ناقلا من مرتبة إلى مرتبة حكما و دواعي يجدّد فيها لملائكته،و النّظّار بعيون الاستبصار من عباده عبرا و أفكارا صالحة،و زيادة طمأنينة، و سكون إلى عظيم قدرته و غرائب حكمته،ليس ذلك في إنشائها بغتة من غير تدريج و ترتيب.(1:234)

نحوه البيضاويّ(1:33)،و النّيسابوريّ(1:197)، و النّسفيّ(1:29)،و الشّربينيّ(1:33)،و أبو حيّان(1:

98).

البروسويّ: أي أنبت اللّه بسبب الماء الّذي أنزل من السّماء.(1:75)

2- يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ... الأعراف:27

الطّبرسيّ: نسب الإخراج إليه لما كان بإغوائه،و إن كان خروجهما بأمر اللّه تعالى.و جرى ذلك مجرى ذمّه لفرعون بأنّه يذبح أبناءهم و إنّما أمر بذلك،و تحقيق الذّمّ فيها راجع إلى فعل المذموم،و لكنّه يذكر بهذه الصّفة لبيان منزلة فعله في عظم الفاحشة.(2:409)

الفخر الرّازيّ: و هاهنا بحثان:

البحث الأوّل:قال الكعبيّ: هذه الآية حجّة على من نسب خروج آدم و حوّاء و سائر وجوه المعاصي إلى الشّيطان؛و ذلك يدلّ على أنّه تعالى بريء منها.

فيقال له:لم قلتم أنّ كون هذا العمل منسوبا إلى الشّيطان يمنع من كونه منسوبا إلى اللّه تعالى؟و لم لا يجوز أن يقال:إنّه تعالى لمّا خلق القدرة و الدّاعية الموجبتين لذلك العمل،كان منسوبا إلى اللّه تعالى؟

و لمّا أجرى عادته بأنّه يخلق تلك الدّاعية بعد تزيين الشّيطان و تحسينه تلك الأعمال عند ذلك الكافر،كان

ص: 430

منسوبا إلى الشّيطان.

البحث الثّاني:ظاهر الآية يدلّ على أنّه تعالى إنّما أخرج آدم و حوّاء من الجنّة،عقوبة لهما على تلك الزّلّة، و ظاهر قوله: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:

30،يدلّ على أنّه تعالى خلقهما لخلافة الأرض،و أنزلهما من الجنّة إلى الأرض لهذا المقصود،فكيف الجمع بين الوجهين؟

و جوابه:أنّه ربّما قيل:حصل لمجموع الأمرين،و اللّه أعلم.(14:53)

الآلوسيّ: أي كما فتن أبويكم و محنهما،بأن أخرجهما منها،فوضع السّبب موضع المسبّب،و جوّز أن يكون التّقدير:لا يفتننّكم فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم، أو لا يخرجنّكم بفتنته إخراجا مثل إخراجه أبويكم، و نسبة الإخراج إليه،لأنّه كان بسبب إغوائه.(8:104)

3- قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ... الأعراف:32

أبو حيّان :و معنى أَخْرَجَ أبرزها و أظهرها، و قيل:فصل حلالها من حرامها.(4:291)

البروسويّ: أَخْرَجَ بمحض قدرته لِعِبادِهِ من النّبات كالقطن و الكتّان،و من الحيوان كالحرير و الصّوف،و من المعادن كالدّروع.(3:155)

نحوه الآلوسيّ.(8:111)

الطّباطبائيّ: و الإخراج:كناية عن الإظهار، و استعارة تخييليّة،كأنّ اللّه سبحانه بإلهامه و هدايته الإنسان من طريق الفطرة،إلى إيجاد أنواع الزّينة-الّتي يستحسنها مجتمعه،و يستدعي انجذاب نفوسهم إليه، و ارتفاع نفرتهم و اشمئزازهم عنه-يخرج لهم الزّينة،و قد كانت مخبيّة خفيّة،فأظهرها لحواسّهم.(8:80)

4- فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ... طه:88

الطّباطبائيّ: في لفظ«الإخراج»دلالة على أنّ كيفيّة صنع العجل كانت خفيّة على النّاس في غير مرأى منهم،حتّى فاجأهم بإظهاره و إراءته.(14:192)

لاحظ ع ج ل:«عجلا».

5- وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها. النّازعات:29

راجع ض ح و:«ضحيها».

6- أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها. النّازعات:31

ابن عبّاس: فجّر الأنهار و البحار و العيون.

(الواحديّ 4:421)

نحوه أبو السّعود(6:371)،و البروسويّ(10:

325)،و الآلوسيّ(30:34).

الزّمخشريّ: فإن قلت:هلاّ أدخل حرف العطف على أَخْرَجَ؟

قلت:فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون معنى دَحاها بسطها و مهّدها للسّكنى،ثمّ فسّر التّمهيد بما لا بدّ منه في تأتّي سكناها من تسوية أمر المأكل و المشرب،و إمكان القرار عليها، و السّكون بإخراج الماء و المرعى،و إرساء الجبال و إثباتها أوتادا لها حتّى تستقرّ و يستقرّ عليها.

و الثّاني:أن يكون(اخرج)حالا بإضمار«قد»

ص: 431

كقوله: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ النّساء:90.

(4:215)

مثله الفخر الرّازيّ.(31:48)

الطّباطبائيّ: و المراد بإخراج مائها منها:تفجير العيون و إجراء الأنهار عليها،و إخراج المرعى:إنبات النّبات عليها ممّا يتغذّى به الحيوان و الإنسان،فالظّاهر أنّ المراد بالمرعى مطلق النّبات الّذي يتغذّى به الحيوان و الإنسان،كما يشعر به قوله: مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ النّازعات:33،لا ما يختصّ بالحيوان،كما هو الغالب في استعماله.(20:190)

7- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ... الحشر:2

عبد الجبّار:و ربّما قيل في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا... أنّه يدلّ على أنّ إخراجهم من خلق اللّه.و ربّما قيل أيضا ما معنى لِأَوَّلِ الْحَشْرِ فسمّي خروجهم حشرا؟

و جوابنا أنّه تعالى لمّا فعل سبب إخراجهم أضيف ذلك إليه،و لمّا أمر بإخراجهم أضيف إليه أيضا،و لذلك قال تعالى: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ و ذلك لا يصحّ إلاّ و الخروج من قبلهم،و إنّما سمّاه حشرا من حيث وقع خروجهم على وجه الجمع و السّوق، كقوله تعالى: وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً ص:19.(420)

قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا...

تعلّقوا به في أنّ خروجهم يجب أن يكون خلقا للّه تعالى، و قد بيّنّا في مواضع أنّ ذلك يوجب أنّه تعالى يوصف به، لأنّه إن كان يوصف بأنّه أخرجهم من حيث خلق الإخراج الّذي هو خروجهم،فيجب أن يوصف الظّلم بأنّه ظلمهم،و هذا ممّا لا يقول به مسلم.و لو كان ذلك حقيقة لما جاز أن يصفهم فيقول: ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا الحشر:2،فيضيف الخروج إليهم.

فالمراد بذلك:أنّه تعالى لمّا أمر بإخراجهم،و تخريب منازلهم،و إجلائهم إلى الشّام،جاز أن يقول تعالى على طريق الامتنان على النّبيّ صلّى اللّه عليه،بهذا القول.

(متشابه القرآن 2:649)

الماورديّ: و الفرق بين الجلاء و الإخراج-و إن كان معناهما في الإبعاد واحد-من وجهين:

أحدهما:أنّ الجلاء ما كان مع الأهل و الولد، و الإخراج قد يكون مع بقاء الأهل و الولد.

الثّاني:أنّ الجلاء لا يكون إلاّ لجماعة،و الإخراج يكون لجماعة و لواحد.(5:501)

الطّباطبائيّ: و المراد بإخراج اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إجلاء بني النّضير حيّ من أحياء اليهود، كانوا يسكنون خارج المدينة،و كان بينهم و بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عهد أن لا يكونوا له و لا عليه،ثمّ نقضوا العهد، فأجلاهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(19:201)

8- وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى. الأعلى:4

لاحظ ر ع ي:«المرعى».

اخرجه

إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ

ص: 432

كَفَرُوا... التّوبة:200

الثّعلبيّ: من مكّة حين مكروا به،و أرادوا إخراجه،و همّوا بقتله.(5:47)

مثله البغويّ.(2:349)

الماورديّ: يعني من مكّة،و لم يكن معه من يحامي عنه و يمنع منه إلاّ اللّه تعالى،ليعلمهم بذلك أنّ نصره نبيّه ليس بهم فيضرّه انقطاعهم و قعودهم،و إنّما هو من قبل اللّه تعالى،فلم يضرّه قعودهم عنه.(2:363)

الزّمخشريّ: و أسند الإخراج إلى الكفّار،كما أسنده إليهم في قوله: مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ محمّد:13، لأنّهم حين همّوا بإخراجه أذن اللّه له في الخروج، فكأنّهم أخرجوه.(2:190)

نحوه ابن عطيّة(3:35)،و البيضاويّ(1:415)، و النّسفيّ(2:126)،و مكارم الشّيرازيّ(6:54).

الطّبرسيّ: من مكّة،فخرج يريد المدينة.(3:31)

القرطبيّ: و هو خرج بنفسه فارّا،لكن بإلجائهم إلى ذلك حتّى فعله،فنسب الفعل إليهم و رتّب الحكم فيه عليهم،فلهذا يقتل المكره على القتل و يضمن المال المتلف بالإكراه،لإلجائه القاتل و المتلف إلى القتل و الإتلاف.(8:143)

أبو حيّان :و معنى إخراج الّذين كفروا إيّاه:فعلهم به ما يؤدّي إلى الخروج.و الإشارة إلى خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من مكّة إلى المدينة.

و نسب الإخراج إليهم مجازا،كما نسب في قوله:

اَلَّتِي أَخْرَجَتْكَ (5:43)

أبو السّعود :أي تسبّبوا لخروجه حيث أذن له عليه الصّلاة و السّلام في ذلك حين همّوا بإخراجه.(3:149)

نحوه البروسويّ.(3:430)

الآلوسيّ: من مكّة،و إسناد الإخراج إليهم إسناد إلى السّبب البعيد،فإنّ اللّه تعالى أذن له عليه الصّلاة و السّلام بالخروج حين كان منهم ما كان،فخرج صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم بنفسه.(10:96)

اخرجهما

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ...

البقرة:36

الطّبريّ: يعني إبليس مِمّا كانا فِيهِ لأنّه كان الّذي سبّب لهما الخطيئة الّتي عاقبهما اللّه عليها بإخراجهما من الجنّة.(1:272)

الثّعلبيّ: من النّعيم.[ثمّ ذكر كيفيّة خروج آدم و حوّاء](1:183)

مثله البغويّ.(1:106)

المهدويّ: إذا جعل(ازلهما)من زلّ عن المكان،فقوله: فَأَخْرَجَهُما توكيد؛إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر من الجنّة.

(أبو حيّان 1:162)

الطّوسيّ: و إنّما نسب الإزلال و الإخراج إلى الشّيطان،لما وقع ذلك بدعائه و وسوسته و إغوائه.و لم يكن إخراجهما من الجنّة على وجه العقوبة،لأنّا قد بيّنّا أنّ الأنبياء لا يجوز عليهم القبائح على حال،و من أجاز عليهم العقاب فقد أعظم الفرية و قبّح الذّكر على الأنبياء، و إنّما أخرجهم من الجنّة،لأنّه تغيّرت المصلحة لمّا تناول

ص: 433

من الشّجرة،و اقتضى التّدبير و الحكمة تكليفه في الأرض و سلبه ما ألبسه اللّه تعالى من لباس الجنّة.(1:161)

الزّمخشريّ: من النّعيم و الكرامة،أو من الجنّة إن كان الضّمير للشّجرة في(عنها).(1:274)

نحوه النّسفيّ.(1:42)

ابن عطيّة: يحتمل وجوها:

فقيل:أخرجهما من الطّاعة إلى المعصية.

و قيل:من نعمة الجنّة إلى شقاء الدّنيا.

و قيل:من رفعة المنزلة إلى سفل مكانة الذّنب.و هذا كلّه يتقارب.(1:129)

الطّبرسيّ: أخرجهما ممّا كانا فيه من النّعمة و الدّعة، و يحتمل أن يكون أراد إخراجهما من الجنّة حتّى أهبطا.

و يحتمل أن يكون أراد من الطّاعة إلى المعصية.و أضاف الإخراج إليه،لأنّه كان السّبب فيه،كما يقال:صرفني فلان عن هذا الأمر.[ثمّ ذكر نحو الطّوسيّ](1:87)

القرطبيّ: إذا جعل«أزال»من:زال عن المكان، فقوله: فَأَخْرَجَهُما تأكيد و بيان للزّوال؛إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر من الجنّة، و ليس كذلك،و إنّما كان إخراجهما من الجنّة إلى الأرض، لأنّهما خلقا منها،و ليكون آدم خليفة في الأرض.و لم يقصد إبليس لعنه اللّه إخراجه منها،و إنّما قصد إسقاطه من مرتبته،و إبعاده كما أبعد هو،فلم يبلغ مقصده و لا أدرك مراده،بل ازداد سخنة عين،و غيظ نفس،و خيبة ظنّ.قال اللّه جلّ ثناؤه ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى طه:122،فصار عليه السّلام خليفة اللّه في أرضه بعد أن كان جارا له في داره،فكم بين الخليفة و الجار!صلّى اللّه عليه و سلّم.

و نسب ذلك إلى إبليس،لأنّه كان بسببه و إغوائه.

(1:312)

النّيسابوريّ: و إسناد الإزلال و الإخراج إلى الشّيطان،لأنّه حصل بسبب منه.(1:283)

أبو حيّان : فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ من الطّاعة إلى المعصية،أو من نعمة الجنّة إلى شقاء الدّنيا،أو من رفعة المنزلة إلى سفل مكانة الذّنب،أو رضوان اللّه أو جواره،و كلّ هذه الأقوال متقاربة.[إلى أن قال:]

و نسب الإزلال و الإزالة و الإخراج لإبليس على جهة المجاز،و الفاعل للأشياء هو اللّه تعالى.(1:162)

أبو السّعود :أي من الجنّة إن كان ضمير(عنها) للشّجرة،و التّعبير عنها بذلك للإيذان بفخامتها و حلالتها و ملابستهما له،أي من المكان العظيم الّذي كانا مستقرّين فيه،أو من الكرامة و النّعيم إن كان الضّمير للجنّة.

(1:122)

البروسويّ: من النّعيم و الكرامة،و لم يقصد إبليس إخراج آدم من الجنّة،و إنّما قصد إسقاطه من مرتبته و إبعاده كما أبعد،فلم يبلغ مقصده،قال اللّه تعالى: فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى طه:122.[إلى أن قال:]

فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ من السّلامة إلى الملامة،و من الفرح إلى التّرح.و من النّعمة إلى النّقمة، و من المحبّة إلى المحنة،و من القربة إلى الغربة،و من الألفة إلى الكلفة،و من الوصلة إلى الفرقة.و كان قبل أكل الشّجرة مستأنسا بكلّ شيء و مؤانسا مع كلّ أحد، و لذلك سمّي إنسانا،فلمّا ذاق شجرة المحبّة استوحش من كلّ شيء و اتّخذ كلّ أحد عدوّا،و هكذا شرط صحّة

ص: 434

المحبّة عداوة ما سوى المحبوب،فكما أنّ ذات المحبوب لا يقبل الشّركة في التّعبّد،كذا لا يقبل الشّركة في المحبّة.(1:109)

الآلوسيّ: أي من النّعيم و الكرامة،أو من الجنّة، و الأوّل:جار على تقدير رجوع ضمير(عنها)إلى الشّجرة،أو الجنّة.و الثّاني:مخصوص بالتّقدير الأوّل لئلاّ يسقط الكلام.

و قيل:أخرجهما من لباسهما الّذي كانا فِيهِ لأنّهما لمّا أكلا تهافت عنهما.و في الكلام من التّفخيم ما لا يخفى.(1:236)

رشيد رضا :أي من ذلك المكان أو النّعيم الّذي كانا فيه،فكان الذّنب متّصلا بالعقوبة اتّصال السّبب بالمسبّب،ثمّ بيّن اللّه تعالى كيفيّة الإخراج بقوله: وَ قُلْنَا اهْبِطُوا. (1:278)

نحوه المراغيّ.(1:91)

ابن عاشور :تفريع عن الإزلال بناء على أنّ الضّمير للشّجرة،و المراد من الموصول و صلته:التّعظيم، كقولهم:«قد كان ما كان».فإن جعلت الضّمير في قوله:

(عنها)عائدا إلى الجنّة،كان هذا التّفريع تفريع المفصّل عن المجمل،و كانت الفاء للتّرتيب الذّكريّ المجرّد،كما في قوله تعالى: وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً الأعراف:4،و قوله: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا... القمر:9،أمّا دلالة الموصول عن التّعظيم فهي هي.(1:419)

مكارم الشّيرازيّ: أخرجا من الجنّة حيث الرّاحة و الهدوء و البعد عن الألم و التّعب و العناء،على أثر وسوسة الشّيطان.(1:145)

اخرجك

كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ* يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ...

الأنفال:5،6

مجاهد :كما أخرجك ربّك يا محمّد من بيتك بالحقّ على كره فريق من المؤمنين،كذلك يكرهون القتال و يجادلونك فيه،أي أنّهم يكرهون القتال و يجادلونك فيه كما فعلوا ببدر.(الثّعلبيّ 4:329)

عكرمة :أي إنّ هذا خير لكم،كما كان إخراجك من بيتك بالحقّ خيرا لك.(الطّبريّ 6:180)

معنى ذلك فاتّقوا اللّه و أصلحوا ذات بينكم،فإنّ ذلك خير لكم كما كان إخراج اللّه تعالى محمّد من بيته بالحقّ خيرا لكم،و إن كرهه فريق منكم.(الثّعلبيّ 4:329)

السّدّيّ: أنزل اللّه في خروجه،يعني خروج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى بدر و مجادلتهم إيّاه،فقال: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ.... (الطّبريّ 6:181)

الكسائيّ: الكاف متعلّق بما بعده،و هو قوله:

يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ، و التّقدير كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ... على كره فريق من المؤمنين،كذلك هم يكرهون القتال و يجادلونك فيه،و اللّه أعلم.

(الفخر الرّازيّ 15:125)

الفرّاء: على كره منهم،فامض لأمر اللّه في الغنائم كما مضيت على مخرجك و هم كارهون.و يقال فيها:

يسألونك عن الأنفال كما جادلوك يوم بدر،فقالوا:

ص: 435

أخرجتنا للغنيمة و لم تعلمنا قتالا فنستعدّ له.(1:403)

أبو عبيدة :مجازها مجاز القسم،كقولك:و الّذي أخرجك ربّك،لأنّ«ما»،في موضع«الّذي»و في آية أخرى: وَ السَّماءِ وَ ما بَناها الشّمس:5،أي و الّذي بناها.[ثمّ استشهد بشعر](1:240)

الأخفش: الكاف نعت ل(حقّا)و التّقدير:هم المؤمنون حقّا كما أخرجك.(أبو حيّان 4:462)

المبرّد: تقديره:الأنفال للّه و الرّسول و إن كرهوا، كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ و إن كرهوا.

(البغويّ 2:269)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في الجالب لهذه الكاف الّتي في قوله: كَما أَخْرَجَكَ و ما الّذي شبّه بإخراج اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم من بيته بالحقّ.

فقال بعضهم:شبّه به في الصّلاح للمؤمنين،اتّقاؤهم ربّهم،و إصلاحهم ذات بينهم،و طاعتهم اللّه و رسوله.

و قالوا:معنى ذلك يقول اللّه:و أصلحوا ذات بينكم،فإنّ ذلك خير لكم،كما أخرج اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم من بيته بالحقّ، فكان خيرا له.

و قال آخرون:معنى ذلك:كما أخرجك ربّك يا محمّد من بيتك بالحقّ على كره من فريق من المؤمنين،كذلك هم يكرهون القتال،فهم يجادلونك فيه بعد ما تبيّن لهم.

و اختلف أهل العربيّة في ذلك.

فقال بعض نحويّي الكوفيّين:ذلك أمر من اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم أن يمضي لأمره في الغنائم على كره من أصحابه،كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير و هم كارهون.

و قال آخرون منهم:معنى ذلك يسألونك عن الأنفال مجادلة كما جادلوك يوم بدر،فقالوا:أخرجتنا للعير و لم تعلمنا قتالا فنستعدّ له.

و قال بعض نحويّي البصرة:يجوز أن يكون هذا «الكاف»في كَما أَخْرَجَكَ على قوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ و قال:«الكاف»بمعنى«على».

و قال آخر منهم:هي بمعنى القسم،قال:و معنى الكلام:و الّذي أخرجك ربّك.

و أولى هذه الأقوال عندي بالصّواب،قول من قال في ذلك بقول مجاهد،و قال:معناه كما أخرجك ربّك بالحقّ على كره من فريق من المؤمنين،كذلك يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن،لأنّ كلا الأمرين قد كان،أعني خروج بعض من خرج من المدينة كارها،وجد الهم في لقاء العدوّ، و عند دنوّ القوم بعضهم من بعض،فتشبيه بعض ذلك ببعض،مع قرب أحدهما من الآخر،أولى من تشبيهه بما بعد عنه.(6:180)

الزّجّاج: أي بالحقّ الواجب،و يكون تأويله: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ... كذلك ننفل من رأينا و إن كرهوا، لأنّ بعض الصّحابة قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حين جعل لكلّ من أتى بأسير شيئا،قال يبقى أكثر النّاس بغير شيء.

فموضع الكاف في(كما)نصب،المعنى:الأنفال ثابتة لك مثل إخراج ربّك إيّاك من بيتك بالحقّ.(2:399)

قوله: كَما أَخْرَجَكَ معطوف على قوله: قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ و المعنى في ذلك أنّ رسول اللّه لمّا

ص: 436

جعل النّفل لمن جعله له،و سلمه المؤمنون لذلك على كراهية بعضهم له كراهية طباع،فقال: اَلْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ فامض لذلك و إن كرهه قوم كما مضيت، كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ... و هم كارهون أيضا، لأنّهم كانوا كرهوا خروجه الكراهية الّتي ذكرناها، و ليس على المؤمنين في هذه الكراهية حرج؛إذا سلّموا الأمر للّه و رسوله،و عملوا بما فيه طاعاتهما.[ثمّ ذكر قول غيره كما يأتي](الطّوسيّ 5:92)

الثّعلبيّ: [ذكر نحو الطّبريّ و قال:]

و قيل:معناه أولئك هم المؤمنون حقّا كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ.

و قال بعضهم:الكاف بمعنى«على»تقديره:امض على الّذي أخرجك ربّك.

و قيل:الكاف بمعنى«إذ»تقديره:و إذ أخرجك ربّك من بيتك بالمدينة إلى بدر بالحقّ.(4:329)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:كما أخرجك ربّك من مكّة إلى المدينة بالحقّ مع كراهة فريق من المؤمنين،كذلك ينجز وعدك في نصرك على أعدائك بالحقّ.

و الثّاني:كما أخرجك ربّك من بيتك من المدينة إلى بدر بالحقّ،كذلك جعل لك غنيمة بدر بالحقّ.(2:295)

الطّوسيّ: [ذكر قول الزّجّاج كما سبق و أضاف:]

و قال غيره ذلك[كما اخرجك]معطوف على قوله:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ كأنّه قال:يسألونك الأنفال كما جادلوك عند ما أخرجك ربّك من بيتك،فذلك قوله:

يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ.

و قال قوم:يجوز أن يكون الكاف[معطوفا]على قوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ.

و قال بعضهم:كما أخرجك ربّك من بيتك فاتّقوا اللّه و أصلحوا ذات بينكم.[ثمّ ذكر قول المتقدّمين و قال:]

و الإخراج في الآية معناه الدّعاء إلى الخروج الّذي يقع به،تقول:أخرجته فخرج،أي دعاه فخرج،و مثله:

أضربت زيدا عمرا فضربه.(3:93)

الواحديّ: أي أمرك بالخروج و دعاك إليه مِنْ بَيْتِكَ يعني المدينة بِالْحَقِّ أي بالوحي،ذلك أنّ جبريل أتاه و أمره بالخروج.قال المفسّرون:إنّ اللّه تعالى أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالخروج من المدينة لطلب عير قريش،و كره ذلك طائفة من المؤمنين،لأنّهم علموا أنّهم لا يظفرون بالعير عفوا دون قتال،فذلك قوله: وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يعني كراهة الطّبع الّتي تلحق في السّفر و القتال.[ثمّ ذكر قول الفرّاء و الزّجّاج في معنى الكاف في(كما)](2:445)

البغويّ: [ذكر أقوال المتقدّمين فلاحظ]

(2:269)

نحوه الميبديّ.(4:6)

الزّمخشريّ: فيه وجهان:

أحدهما:أن يرتفع محلّ الكاف على أنّه خبر مبتدإ محذوف،تقديره:هذا الحال كحال إخراجك،يعني أنّ حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة مثل حالهم في كراهة خروجك للحرب.

و الثّاني:أن ينتصب على أنّه صفة مصدر الفعل

ص: 437

المقدّر في قوله: اَلْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ أي الأنفال استقرّت للّه و الرّسول،و ثبتت مع كراهتهم ثباتا،مثل ثبات إخراج ربّك إيّاك من بيتك و هم كارهون.

(2:143)

نحوه البيضاويّ(1:384)،و النّسفيّ(2:94)، و أبو السّعود(3:78).

ابن عطيّة: اختلف النّاس في الشّيء الّذي تتعلّق به الكاف،من قوله:(كما)و الّذي يلتئم به المعنى و يحسن سرد الألفاظ قولان؛و أنا أبدأ بهما:

قال الفرّاء:«التّقدير:امض لأمرك في الغنائم و نفّل من شئت،و إن كرهوا كما أخرجك ربّك»هذا نصّ قوله في«هداية مكّيّ»رحمه اللّه،و العبارة بقوله:«امض لأمرك و نفّل من شئت،غير محرّرة،و تحرير هذا المعنى عندي أن يقال:إنّ هذه الكاف شبّهت هذه القصّة الّتي هي إخراجه من بيته بالقصّة المتقدّمة الّتي هي سؤالهم عن الأنفال، كأنّهم سألوا عن النّفل و تشاجروا فأخرج اللّه ذلك عنهم،فكانت فيه الخيرة كما كرهوا في هذه القصّة انبعاث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فأخرجه اللّه من بيته،فكانت في ذلك الخيرة، فتشاجرهم في النّفل بمثابة كراهيتهم هاهنا للخروج، و حكم اللّه في النّفل بأنّه للّه و للرّسول دونهم هو بمثابة إخراجه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم من بيته،ثمّ كانت الخيرة في القصّتين فيما صنع اللّه.و على هذا التّأويل يمكن أن يكون قوله:

(يجادلونك)كلاما مستأنفا يراد به الكفّار،أي يجادلونك في شريعة الإسلام من بعد ما تبيّن الحقّ فيها، كأنّما يساقون إلى الموت في الدّعاء إلى الإيمان.

و هذا الّذي ذكرت من أنّ(يجادلونك)في الكفّار منصوص.

و القول الثّاني:قال مجاهد و الكسائيّ و غيرهما:

المعنى في هذه الآية:كما أخرجك ربّك من بيتك على كراهية من فريق منهم،كذلك يجادلونك في قتال كفّار مكّة،و يودّون غير ذات الشّوكة من بعد ما تبيّن لهم أنّك إنّما تفعل ما أمرت به،لا ما يريدون هم.

و التّقدير على هذا التّأويل:يجادلونك في الحقّ مجادلة،ككراهتهم إخراج ربّك إيّاك من بيتك.فالمجادلة على هذا التّأويل بمثابة الكراهية،و كذلك وقع التّشبيه في المعنى.

و قائل هذه المقالة يقول:إنّ المجادلين هم المؤمنون، و قائل المقالة الأولى يقول:إنّ المجادلين هم المشركون، فهذان قولان مطّردان يتمّ بهما المعنى و يحسن رصف اللّفظ.

و قال الأخفش:الكاف نعت ل حَقًّا الأنفال:4، و التّقدير هم المؤمنون حقّا كما أخرجك.و المعنى على هذا التّأويل كما تراه لا يتناسق.

و قيل:الكاف في موضع رفع،و التّقدير:كما أخرجك ربّك فاتّقوا اللّه،كأنّه ابتداء و خبر.و هذا المعنى وضعه هذا المفسّر و ليس من ألفاظ الآية في ورد و لا صدر.[ثمّ ذكر أقوال السّابقين](2:501)

الطّبرسيّ: الكاف في قوله: كَما أَخْرَجَكَ...

يتعلّق بما دلّ عليه قوله: قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ لأنّ في هذا معنى نزعها من أيديهم بالحقّ كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ.

و قيل:تقديره:قل الأنفال ثابت للّه و الرّسول ثبوتا

ص: 438

مثل ما أخرجك ربّك،أي هذا كائن لا محالة كما أنّ ذلك كان لا محالة.

و قيل:إنّه يتعلّق ب(يجادلونك)و تقديره يجادلونك بالحقّ كما كرهوا إخراجك من بيتك بالحقّ.

و قيل:إنه يعمل فيه معنى الحقّ،بتقدير هذا الذّكر الحقّ،كما أخرجك ربّك من بيتك بالحق.

و على التّقدير الأوّل:قل الأنفال للّه،ينزعها عنكم مع كراهتكم و مشقّة ذلك عليكم،لأنّه أصلح لكم كما أخرجك ربّك من بيتك مع كراهة فريق من المؤمنين ذلك،لأنّ الخروج كان أصلح لكم من كونكم في بيتكم.

و المراد ب«البيت»هنا:المدينة،يعني خروج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله منها إلى بدر،و يكون معنى أَخْرَجَكَ رَبُّكَ دعاك إلى الخروج و أمرك به و حملك عليه،كما يقال:

أضربت زيدا عمرا فضربه.

و أمّا على التّقدير الثّاني:و هو أن يكون اتّصاله بما بعده،فيكون معناه يجادلونك في الحقّ كارهين له،كما جادلوك يا محمّد حين أخرجك ربّك كارهين للخروج، كرهوه كراهية طباع،فقال بعضهم:كيف نخرج و نحن قليل و العدوّ كثير.و قال بعضهم:كيف نخرج على عمياء، لا ندري إلى العير نخرج أم إلى القتال؟فشبّه جدالهم بخروجهم،لأنّ القوم جادلوه بعد خروجهم كما جادلوه عند الخروج،فقالوا:هلاّ أخبرتنا بالقتال فكنّا نستعدّ لذلك؟فهذا هو جدالهم على تأويل مجاهد.

و أمّا على التّقدير الثّالث:فمعناه إنّ هذا خير لكم،كما أنّ إخراجك من بيتك على كراهية جماعة منكم خير لكم،و قريب منه ما جاء في حديث أبي حمزة الثّماليّ:

«فاللّه ناصرك كما أخرجك من بيتك».(2:520)

ابن الجوزيّ: [ذكر أقوال السّابقين فلاحظ]

(3:322)

الفخر الرّازيّ: و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أنّ قوله: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ يقتضي تشبيه شيء بهذا الإخراج،و ذكروا فيه وجوها:

الأوّل:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا رأى كثرة المشركين يوم بدر و قلّة المسلمين قال:«من قتل قتيلا فله سلبه و من أسر أسيرا فله كذا و كذا»ليرغّبهم في القتال،فلمّا انهزم المشركون قال سعد بن عبادة:يا رسول اللّه إنّ جماعة من أصحابك و قومك فدوك بأنفسهم،و لم يتأخّروا عن القتال جبنا و لا بخلا ببذل مهجهم،و لكنّهم أشفقوا عليك من أن تغتال،فمتى أعطيت هؤلاء ما سمّيته لهم،بقي خلق من المسلمين بغير شيء،فأنزل اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ يصنع فيها ما يشاء،فأمسك المسلمون عن الطّلب،و في أنفس بعضهم شيء من الكراهية.

و أيضا حين خرج الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم إلى القتال يوم بدر كانوا كارهين لتلك المقاتلة...فلمّا قال تعالى: قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ كان التّقدير:أنّهم رضوا بهذا الحكم في الأنفال و إن كانوا كارهين له،كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ إلى القتال،و إن كانوا كارهين له.و هذا الوجه أحسن الوجوه المذكورة هنا.

الثّاني:أن يكون التّقدير:ثبت الحكم بأنّ الأنفال للّه، و إن كرهوه،كما ثبت حكم اللّه بإخراجك إلى القتال و إن كرهوه.

ص: 439

الثّالث:لمّا قال: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا كان التّقدير:أنّ الحكم بكونهم مؤمنين حقّ،كما أنّ حكم اللّه بإخراجك عن بيتك للقتال حقّ.

الرّابع:[قول الكسائيّ و قد تقدّم،إلى أن قال:]

المسألة الثّالثة:روي أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم إنّما خرج من بيته باختيار نفسه،ثمّ إنّه تعالى أضاف ذلك الخروج إلى نفسه،فقال: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ.

و هذا يدلّ على أنّ فعل العبد بخلق اللّه تعالى إمّا ابتداء،أو بواسطة القدرة و الدّاعية اللّذين مجموعهما يوجب الفعل، كما هو قولنا.

قال القاضي معناه:أنّه حصل ذلك الخروج بأمر اللّه تعالى و إلزامه،فأضيف إليه.

قلنا:لا شكّ أنّ ما ذكرتموه مجاز،و الأصل:حمل الكلام على حقيقته.(15:125)

العكبريّ: في موضع الكاف أوجه:

أحدها:أنّها صفة لمصدر محذوف،ثمّ في ذلك المصدر أوجه،تقديره:ثابتة للّه ثبوتا كما أخرجك.

و الثّاني:و أصلحوا ذات بينكم إصلاحا كما أخرجك.

و في هذا رجوع من خطاب الجمع إلى خطاب الواحد.

و الثّالث:تقديره:و أطيعوا اللّه طاعة كما أخرجك، و المعنى طاعة محقّقة.

و الرّابع:تقديره:يتوكّلون توكّلا كما أخرجك.

و الخامس:هو صفة ل«حقّ»،تقديره:أولئك هم المؤمنون حقّا مثل ما أخرجك.

و السّادس:تقديره:يجادلونك جدالا كما أخرجك.

و السّابع:تقديره:و هم كارهون كراهية كما أخرجك،أي ككراهيتهم،أو كراهيتك لإخراجك.

و قد ذهب قوم إلى أنّ«الكاف»بمعنى«الواو»الّتي للقسم،و هو بعيد.و(ما)مصدريّة و(بالحق)حال،و قد ذكر نظائره.(2:616)

القرطبيّ: [ذكر أقوال السّابقين و أضاف:]

و قيل:الكاف في(كما)كاف التّشبيه،و مخرجه على سبيل المجازاة،كقول القائل لعبده:كما وجّهتك إلى أعدائي فاستضعفوك،و سألت مددا فأمددتك و قوّيتك و أزحت علّتك،فخذهم الآن فعاقبهم بكذا،و كما كسوتك و أجريت عليك الرّزق فاعمل كذا و كذا،و كما أحسنت إليك فاشكرني عليه.فقال:كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ،و غشّاكم النّعاس أمنة منه،يعني به إيّاه و من معه، و أنزل من السّماء ماء ليطهّركم به،و أنزل عليكم من السّماء ملائكة مردفين فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ الأنفال:12،كأنّه يقول:قد أزحت عللكم و أمددتكم بالملائكة فاضربوا منهم هذه المواضع،و هو المقتل،لتبلغوا مراد اللّه في إحقاق الحقّ و إبطال الباطل.(7:368)

أبو حيّان :اضطرب المفسّرون في قوله كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ و اختلفوا على خمسة عشر قولا:

أحدها:أنّ الكاف بمعنى واو القسم و(ما)بمعنى «الّذي»واقعة على ذي العلم و هو اللّه،كما وقعت في قوله وَ ما خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى و جواب القسم (يجادلونك)و التّقدير:و اللّه الّذي أخرجك من بيتك يجادلونك في الحقّ،قاله أبو عبيدة و كان ضعيفا في علم

ص: 440

النّحو.و قال الكرمانيّ:هذا سهو،و قال ابن الأنباريّ:

الكاف ليست من حروف القسم،انتهى.

و فيه أيضا:أنّ جواب القسم بالمضارع المثبت جاء بغير لام و لا نون توكيد و لا بدّ منهما في مثل هذا على مذهب البصريّين،أو من معاقبة أحدهما الآخر على مذهب الكوفيّين،أمّا خلوّه عنهما أو أحدهما فهو قول مخالف لما أجمع عليه الكوفيّون و البصريّون.

القول الثّاني:أنّ الكاف بمعنى«إذ»و(ما)زائدة، تقديره:اذكر إذ أخرجك،و هذا ضعيف،لأنّه لم يثبت أنّ الكاف تكون بمعنى«إذ»في لسان العرب،و لم يثبت أنّ (ما)تزاد بعد هذا غير الشّرطيّة،و كذلك لا تزاد ما ادّعي أنّه بمعناها.

القول الثّالث:الكاف بمعنى«على»و(ما)بمعنى «الّذي»تقديره:امض على الّذي أخرجك ربّك من بيتك،و هذا ضعيف،لأنّه لم يثبت أنّ الكاف تكون بمعنى «على»و لأنّه يحتاج الموصول إلى عائد،و هو لا يجوز أن يحذف في مثل هذا التّركيب.[ثمّ ذكر أقوال المتقدّمين و قال:]

القول التّاسع:قال الزّجّاج:الكاف في موضع نصب، و التّقدير:الأنفال ثابتة للّه ثباتا،كما أخرجك ربّك.و هذا الفعل أخذه الزّمخشريّ و حسّنه،فقال:ينتصب على أنّه صفة مصدر للفعل المقدّر في قوله: اَلْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ أي الأنفال استقرّت للّه و الرّسول و ثبتت مع كراهتهم ثباتا،مثل ثبات إخراج ربّك إيّاك من بيتك و هم كارهون.انتهى.و هذا فيه بعد لكثرة الفصل بين المشبّه و المشبّه به،و لا يظهر كبيره معنى لتشبيه هذا بهذا،بل لو كانا متقاربين لم يظهر للتّشبيه كبير فائدة.

القول العاشر:أنّ الكاف في موضع رفع،و التّقدير:

لهم درجات عند ربّهم و مغفرة و رزق كريم،هذا وعد حقّ كما أخرجك،و هذا في حذف مبتدإ و خبر،و لو صرّح بذلك لم يلتئم التّشبيه و لم يحسن.

القول الحادي عشر:أنّ الكاف في موضع رفع أيضا، و المعنى و أصلحوا ذات بينكم ذلكم خير لكم كما أخرجك،فالكاف نعت لخبر ابتداء محذوف،و هذا أيضا فيه حذف و طول فصل بين قوله وَ أَصْلِحُوا و بين كَما أَخْرَجَكَ.

القول الثّاني عشر:أنه شبّه كراهية أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بخروجه من المدينة حين تحقّقوا خروج قريش للدّفع عن أبي سفيان و حفظ غيره،بكراهيتهم نزع الغنائم من أيديهم و جعلها للرّسول،أو التّنفيل منها،و هذا القول أخذه الزّمخشريّ و حسّنه،فقال:يرتفع محلّ الكاف على أنّه خبر مبتدإ محذوف،تقديره:هذا الحال كحال إخراجك،يعني أنّ حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل القراءة مثل حالهم في كراهة خروجهم للحرب، و هذا النّهي قاله هذا القائل و حسّنه الزّمخشريّ هو ما فسّر به ابن عطيّة قول الفرّاء بقوله:هذه الكاف شبّهت هذه القصّة الّتي هي إخراجه من بيته بالقصّة المتقدّمة الّتي هي سؤالهم عن الأنفال،إلى آخر كلامه.

القول الثّالث عشر:أنّ المعنى قسمتك للغنائم حقّ كما كان خروجك حقّا.

القول الرّابع عشر:أنّ التّشبيه وقع بين إخراجين، أي إخراجك ربّك إيّاك من بيتك و هو مكّة،و أنت كاره

ص: 441

لخروجك-و كانت عاقبة ذلك الخير و النّصر و الظّفر- كإخراج ربّك إيّاك من المدينة و بعض المؤمنين كاره يكون عقيب ذلك الظّفر و النّصر.[ثمّ ذكر قول القرطبيّ و قال:]

و ملخّص هذا القول الطّويل أنّ كَما أَخْرَجَكَ يتعلّق بقوله فَاضْرِبُوا و فيه من الفصل و البعد ما لا خفاء به.

و قد انتهى ذكر هذه الأقوال الخمسة عشر الّتي وقفنا عليها،و من دفع إلى حوك الكلام و تقلّب في إنشاء أفانينه و زاول الفصاحة و البلاغة،لم يستحسن شيئا من هذه الأقوال و إن كان بعض قائلها له إمامة في علم النّحو و رسوخ قدم،لكنّه لم يحتط بلفظ الكلام و لم يكن في طبعه صوغه أحسن صوغ،و لا التّصرّف في النّظر فيه من حيث الفصاحة،و ما به يظهر الإعجاز.

و قيل:تسطير هذه الأقوال هنا وقعت على جملة منها،فلم يلق لخاطري منها شيء،فرأيت في النّوم أنّني أمشي في رصيف و معي رجل أباحثه في قوله: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ فقلت له:ما مرّ بي شيء مشكل مثل هذا،و لعلّ ثمّ محذوفا يصحّ به المعنى،و ما وقفت فيه لأحد من المفسّرين على شيء طائل،ثمّ قلت له:ظهر لي السّاعة تخريجه،و أنّ ذلك المحذوف هو نصرك،و استحسنت أنا و ذلك الرّجل هذا التّخريج،ثمّ انتبهت من النّوم و أنا أذكره.

و التّقدير:فكأنّه قيل:كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ،أي بسبب إظهار دين اللّه و إعزاز شريعته،و قد كرهوا خروجك تهيّبا للقتال و خوفا من الموت،إذ كان أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لخروجهم بغتة و لم يكونوا مستعدّين للخروج،و جادلوك في الحقّ بعد وضوحه،نصرك اللّه و أمدّك بملائكته،و دلّ على هذا المحذوف الكلام الّذي بعده،و هو قوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ الأنفال:9،الآيات.

و يظهر أنّ الكاف في هذا التّخريج المنامي ليست لمحض التّشبيه،بل فيها معنى التّعليل،و قد نصّ النّحويّون على أنّها قد تحدث فيها معنى التّعليل و خرّجوا عليه قوله تعالى: وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ البقرة:198، و أنشدوا.

*لا تشتم النّاس كما لا تشتم*

أي لانتفاء أن يشتمك النّاس لا تشتمهم.و من الكلام الشّائع على هذا المعنى كما تطيع اللّه يدخلك الجنّة، أي لأجل طاعتك اللّه يدخلك الجنّة،فكان المعنى:إن خرجت لإعزاز دين اللّه و قتل أعدائه نصرك اللّه و أمدّك بالملائكة.(4:459)

السّمين:فيه عشرون وجها[تقدّم في أقوال السّابقين إلى أن قال:]

و هذه الأقوال مع كثرتها غالبها ضعيف.(3:394)

البروسويّ: المراد بإخراج اللّه تعالى إيّاه:كونه سببا آمرا له بالخروج و داعيا إليه،فإنّ جبرائيل عليه السّلام أتاه و أمره بالخروج.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](3:314)

الآلوسيّ: و إضافة الإخراج إلى الرّبّ سبحانه و تعالى إشارة إلى أنّه كان بوحي منه عزّ و جلّ،و لا يخفى لطف ذكر الرّبّ و إضافته إلى ضميره صلّى اللّه عليه و سلّم.و الكاف يستدعي مشبّها و هو غير مصرّح به في الآية،و فيه

ص: 442

خفاء.

و من هنا اختلفوا في بيانه،و كذا في إعرابه على وجوه:

فاختار بعضهم أنّه خبر مبتدإ محذوف،هو المشبّه، أي حالهم هذه في كراهة ما وقع في أمر الأنفال كحال إخراجك من بيتك في كراهتهم له.و إلى هذا يشير كلام الفرّاء؛حيث قال:الكاف شبّهت هذه القصّة الّتي هي إخراجه صلّى اللّه عليه و سلّم من بيته بالقصّة المتقدّمة الّتي هي سؤالهم عن الأنفال،و كراهتهم لما وقع فيها،مع أنّه أولى بحالهم.أو أنّه صفة مصدر الفعل المقدّر في للّه و للرّسول،أي الأنفال ثبتت للّه تعالى و للرّسول عليه الصّلاة و السّلام مع كراهتهم،ثباتا كثبات إخراجك.و ضعّف هذا ابن الشّجريّ،و ادّعى أنّ الوجه هو الأولى،لتباعد ما بين ذلك الفعل و هذا بعشر جمل،و أيضا جعله في حيّز(قل) ليس بحسن في الانتظام.

و قال أبو حيّان:إنّه ليس فيه كبير معنى و لا يظهر للتّشبيه فيه وجه،و أيضا لم يعهد مثل هذا المصدر.

و ادّعى العلاّمة الطّيّبيّ أنّ هذا الوجه أدقّ التئاما من الأوّل،و التّشبيه فيه أكثر تفصيلا،لأنّه حينئذ من تتمّة الجملة السّابقة داخل في حيّز المقول مع مراعاة الالتفات،و أطال الكلام في بيان ذلك،و اعتذر عن الفصل بأنّ الفاصل جار مجرى الاعتراض.و لا أراه سالما من الاعتراض.[ثمّ ذكر نحو العكبريّ و قال:]

و قيل:الكاف بمعنى«إذ»أي و اذكر إذ أخرجك،و هو مع بعده لم يثبت.

و قيل:الكاف للقسم،و لم يثبت أيضا،و إن نقل عن أبي عبيد و جعل(يجادلونك)الجواب مع خلوّه عن اللاّم و التّأكيد،و(ما)حينئذ موصولة،أي و الّذي أخرجك.

و قيل:إنّها بمعنى«على»و(ما)موصولة أيضا،أي امض على الّذي أخرجك ربّك له من بيتك،فإنّه حقّ.

و لا يخفى ما فيه.

و قيل:هي مبتدأ خبره مقدّر،و هو ركيك جدّا.

و قيل:في محلّ رفع خبر مبتدإ محذوف،أي وعده حقّ كما أخرجك.

و قيل:تقديره:قسمتك حقّ كإخراجك.

و قيل:ذلكم خير لكم كإخراجك.

و قيل:تقديره:إخراجك من مكّة لحكم كإخراجك هذا.

و قيل:هو متعلّق ب اِضْرِبُوا الأنفال:12،و هو كما تقول لعبدك:ربّيتك افعل كذا.[إلى أن قال:]

و لو قيل:إنّ هذا مرتبط بقوله سبحانه: رِزْقٌ كَرِيمٌ على معنى رزق حسن كحسن إخراجك من بيتك،لم يكن بأبعد من كثير من هذه الوجوه.

(9:169)

رشيد رضا :أي إنّ الأنفال للّه يحكم فيها بالحقّ، و لرسوله يقسّمها بين من جعل اللّه لهم الحقّ فيها بالسّويّة،و إن كره ذلك بعض المتنازعين فيها،و الّذين كانوا يرون أنّهم أحقّ بها و أهلها،فهي كإخراج ربّك إيّاك من بيتك بالحقّ للقاء إحدى الطّائفتين من المشركين في الظّاهر،و كون تلك الطّائفة هي المقاتلة في الواقع،و الحال أنّ كثيرا من المؤمنين لكارهون لذلك،

ص: 443

لعدم استعدادهم للقتال،أو له و لغيره من الأسباب الّتي تعلم ممّا يأتي.

هذا ما أراه المتبادر من هذا التّشبيه،و قد راجعت بعض كتب التّفسير فرأيت للمفسّرين فيها بضعة عشر وجها،أكثرها متكلّف و بعضها قريب،و لكن هذا أقرب.

و قد بسطه الإمام أبو جعفر بن جرير الطّبريّ باعتبار غايته و ما كان من المصلحة فيه،و هو حقّ في نفسه، و لكنّ اللّفظ لا يدلّ عليه،و ذكره الزّمخشريّ مبنيّا على قواعد الإعراب.

و لا يظهر المعنى تمام الظّهور في الآيات إلاّ ببيان ما وقع في ذلك.[ثمّ ذكر رواية محمّد بن إسحاق في واقعة بدر](9:597)

ابن عاشور :تشبيه حال بحال،و هو متّصل بما قبله، إمّا بتقدير مبتدإ محذوف،و هو اسم إشارة لما ذكر قبله، تقديره:هذا الحال كحال ما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ،و وجه الشّبه هو كراهية المؤمنين في بادئ الأمر لما هو خير لهم في الواقع.

و إمّا بتقدير مصدر لفعل الاستقرار الّذي يقتضيه الخبر بالمجرور،في قوله: اَلْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ إذ التّقدير استقرّت للّه و الرّسول استقرارا كما أخرجك ربّك،أي فيما يلوح إلى الكراهية و الامتعاض في بادئ الأمر،ثمّ ناولهم النّصر و الغنيمة في نهاية الأمر.

فالتّشبيه تمثيليّ و ليس مراعى فيه تشبيه بعض أجزاء الهيئة المشبّهة ببعض أجزاء الهيئة المشبّه بها،أي إنّ ما كرهتموه من قسمة الأنفال على خلاف مشتهاكم سيكون فيه خير عظيم لكم،حسب عادة اللّه تعالى بهم في أمره و نهيه،و قد دلّ على ما في الكلام من معنى مخالفة مشتهاهم قوله: فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ....

فجملة: وَ إِنَّ فَرِيقاً في موضع الحال،و العامل فيها أَخْرَجَكَ رَبُّكَ. هذا وجه اتّصال كاف التّشبيه بما قبلها على ما (1)الأظهر.و للمفّسرين وجوه كثيرة بلغت العشرين قد استقصاها ابن عادل،و هي لا تخلو من تكلّف،و بعضها متّحد المعنى و بعضها مختلفه،و أحسن الوجوه ما ذكره ابن عطيّة،و معناه قريب ممّا ذكرنا، و تقديره بعيد منه.

و المقصود من هذا الأسلوب:الانتقال إلى تذكيرهم بالخروج إلى بدر و ما ظهر فيه من دلائل عناية اللّه تعالى برسوله صلّى اللّه عليه و سلّم و بالمؤمنين.و(ما)مصدريّة،و الإخراج إمّا مراد به الأمر بالخروج للغزو،و إمّا تقدير الخروج لهم و تيسيره.

و الخروج:مفارقة المنزل و البلد إلى حين الرّجوع إلى المكان الّذي خرج منه،أو إلى حين البلوغ إلى الموضع المنتقل إليه.و الإخراج من البيت:هو الإخراج المعيّن الّذي خرج به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم غازيا إلى بدر...

و المعنى أنّ اللّه أمره بالخروج إلى المشركين ببدر أمرا موافقا للمصلحة،في حال كراهة فريق من المؤمنين ذلك الخروج.[ثمّ ذكر سبب خروج المسلمين إلى بدر]

(9:22)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّ قوله: كَما أَخْرَجَكَ متعلّق بما يدلّ عليه قوله تعالى: قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ و التّقدير:أنّ اللّه حكم بكون الأنفال لهر.

ص: 444


1- كذا،و الظّاهر:على الأظهر.

و لرسوله بالحقّ مع كراهتهم له،كما أخرجك من بيتك بالحقّ مع كراهة فريق منهم له،فللجميع حقّ يترتّب عليه من مصلحة دينهم و دنياهم ما هم غافلون عنه.

و قيل:إنّه متعلّق بقوله: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ، و قيل:إنّ العامل فيه معنى الحقّ،و التّقدير:هذا الذّكر من الحقّ كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ.و المعنيان كما ترى بعيدان عن سياق الآية.(9:13)

فضل اللّه :[نقل كلام الطّباطبائيّ و أضاف:]

و هذا الوجه معقول،و لكنّه غير واضح من الكلام بطريقة واضحة.(10:333)

اخرجنى

...وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ... يوسف:100

لاحظ س ج ن:«السّجن».

اخرجوكم

وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ... البقرة:191

الطّبريّ: فإنّه يعني بذلك المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم و منازلهم لمكّة،فقال لهم تعالى ذكره:

أخرجوا هؤلاء الّذين يقاتلونكم-و قد أخرجوكم من دياركم-من مساكنهم و ديارهم كما أخرجوكم منها.(2:197)

الثّعلبيّ: يعني مكّة.(2:88)

مثله ابن قتيبة:(76)،و الماورديّ(1:251)، و الطّوسيّ(2:146)،و الواحديّ(1:292)،و الطّبرسيّ (1:286).

البغويّ: أخرجوهم من ديارهم كما أخرجوكم من دياركم.(1:237)

الزّمخشريّ: أي من مكّة،و قد فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بمن لم يسلم منهم يوم الفتح.(1:342)

مثله البيضاويّ.(1:105)

ابن عطيّة: قال الطّبريّ:الخطاب للمهاجرين، و الضّمير لكفّار قريش.بل الخطاب لجميع المؤمنين، و يقال:(اخرجوكم)إذا أخرجوا بعضهم الأجلّ قدرا، و هم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المهاجرون.(1:262)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ففيه بحثان:

البحث الأوّل:أنّ الإخراج يحتمل وجهين:أحدهما:

أنّهم كلّفوا الخروج قهرا.و الثّاني:أنّهم بالغوا في تخويفهم و تشديد الأمر عليهم،حتّى صاروا مضطرّين إلى الخروج.

البحث الثّاني:أنّ صيغة(حيث)تحتمل وجهين:

أحدهما:أخرجوهم من الموضع الّذي أخرجوكم،و هو مكّة.و الثّاني:أخرجوهم من منازلكم.

إذا عرفت هذا فنقول:إنّ اللّه تعالى أمر المؤمنين بأن يخرجوا أولئك الكفّار من مكّة،إن أقاموا على شركهم، إن تمكّنوا منه.لكنّه كان في المعلوم أنّهم يتمكّنون منه فيما بعد،و لهذا السّبب أجلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كلّ مشرك من الحرم،ثمّ أجلاهم أيضا من المدينة،و قال عليه السّلام:«لا يجتمع دينان في جزيرة العرب».(5:142)

ص: 445

أبو حيّان:أي من المكان الّذي أخرجوكم منه،يعني مكّة،و هو أمر بالإخراج أمر تمكين،فكأنّه وعد من اللّه بفتح مكّة،و قد أنجز ما وعد،و قد فعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم فتح مكّة بمن لم يسلم معهم. مِنْ حَيْثُ متعلّق بقوله: وَ أَخْرِجُوهُمْ، و قد تصرّف في(حيث) بدخول حرف الجرّ عليها،ل«من و الباء و في»و بإضافة «لدى»إليها،و ضمير النّصب في أَخْرَجُوكُمْ عائد على المأمورين بالقتل و الإخراج،و هو في الحقيقة عائد على بعضهم،جعل إخراج بعضهم و هو أجلّهم قدرا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و المهاجرون إخراجا لكلّهم.(2:66)

البروسويّ: أي من مكّة،لأنّهم أخرجوا المسلمين منها أوّلا،و أخرج عليه الصّلاة و السّلام منها ثانيا من لم يؤمن به منهم يوم الفتح.[إلى أن قال:]

قال في«التّأويلات القاشانيّة»: وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ مكّة الصّدر عند استيلائهم عليها،كما أَخْرَجُوكُمْ منها باستنزالكم إلى بقعة النّفس و إخراجكم من مقرّ القلب.(1:306)

الآلوسيّ: أي مكّة،و قد فعل بهم ذلك عام الفتح.

و هذا الأمر معطوف على سابقه،و المراد:افعلوا كلّ ما تيسّر لكم من هذين الأمرين في حقّ المشركين.فاندفع ما قيل:إنّ الأمر بالإخراج لا يجامع الأمر بالقتل،فإنّ القتل و الإخراج لا يجتمعان،و لا حاجة إلى ما تكلّف من أنّ المراد:إخراج من دخل في الأمان أو وجدوه بالأمان، كما لا يخفى.(2:75)

رشيد رضا :أي من المكان الّذي أخرجوكم منه، و هو مكّة،فقد كان المشركون أخرجوا النّبيّ و أصحابه المهاجرين منها بما كانوا يفتنونهم في دينهم،ثمّ صدّوهم عن دخولها لأجل العبادة،فرضي النّبيّ و المؤمنون على شرط أن يسمحوا لهم في العام القابل بدخولها،لأجل النّسك و الإقامة فيها ثلاثة أيّام،كما تقدّم.(2:209)

ابن عاشور :أي يحلّ لكم حينئذ أن تخرجوهم من مكّة الّتي أخرجوكم منها،و في هذا تهديد للمشركين و وعد بفتح مكّة،فيكون هذا اللّقاء لهذه البشرى في نفوس المؤمنين ليسعوا إليه،حتّى يدركوه،و قد أدركوه بعد سنتين،و فيه وعد من اللّه تعالى لهم بالنّصر،كما قال تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ الفتح:27.(2:198)

مغنيّة:أخرج مشركو مكّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه منها،لا لشيء إلاّ لأنّهم آمنوا باللّه و رسوله،فأمر اللّه نبيّه و المسلمين إن عادوا إلى مكّة منتصرين أن يخرجوا منها من لا يؤمن باللّه و رسوله تماما،كما فعل المشركون من قبل جزاء وفاقا.

و قيل:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخرج المشركين من مكّة بعد أن جاء نصر اللّه و الفتح عملا بهذه الآية.(1:298)

اخرجت

وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها. الزّلزال:2

لاحظ ث ق ل:«اثقالها».

اخرجنا

1- وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً... الأنعام:99

ص: 446

الطّبريّ: فأخرجنا بالماء الّذي أنزلناه من السّماء من غذاء الأنعام و البهائم و الطّير و الوحش،و أرزاق بني آدم و أقواتهم،ما يتغدّون به و يأكلونه فينبتون عليه و ينمون.

و إنّما معنى قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ... فأخرجنا به ما ينبت به كلّ شيء و ينمو عليه و يصلح.

و لو قيل:معناه فأخرجنا به نبات جميع أنواع النّبات،فيكون كُلِّ شَيْءٍ هو أصناف النّبات،كان مذهبا،و إن كان الوجه الصّحيح هو القول الأوّل.

(5:287)

نحوه الطّوسيّ.(4:233)

الفخر الرّازيّ: المسألة الثّالثة:قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ... فيه أبحاث:

البحث الأوّل:ظاهر قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ... يدلّ على أنّه تعالى إنّما أخرج النّبات بواسطة الماء؛و ذلك يوجب القول بالطّبع،و المتكلّمون ينكرونه،و قد بالغنا في تحقيق هذه المسألة في سورة البقرة[22]في تفسير قوله تعالى: وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فلا فائدة في الإعادة.[إلى أن قال:]

البحث الثّالث:قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ بعد قوله:

(انزل)يسمّى التفاتا،و يعدّ ذلك من الفصاحة.

و اعلم أنّ أصحاب العربيّة ادّعوا أنّ ذلك يعدّ من الفصاحة و ما بيّنوا أنّه من أيّ الوجوه يعدّ من هذا الباب؟ و أمّا نحن فقد أطنبنا فيه في تفسير قوله تعالى: حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ... فلا فائدة في الإعادة.

و البحث الرّابع:قوله: فَأَخْرَجْنا صيغة الجمع، و اللّه فرد لا شريك له،إلاّ أنّ الملك العظيم إذا كنّى عن نفسه فإنّما يكنّي بصيغة الجمع،فكذلك هاهنا،و نظيره قوله: إِنّا أَنْزَلْناهُ القدر:1، إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً نوح:

1، إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ الحجر:9.(7:107)

أبو السّعود :التفات إلى التّكلّم،إظهارا لكمال العناية بشأن ما أنزل الماء لأجله،أي فأخرجنا بعظمتنا بذلك الماء مع وحدته.(2:420)

البروسويّ: التفت من الغيبة إلى التّكلّم،فقال:

فَأَخْرَجْنا بعظمتنا،فالنّون للعظمة لا الجمع،فإنّ الملك العظيم يعبّر عن نفسه بلفظ الجمع تعظيما له.(3:73)

الآلوسيّ: أي بسبب الماء،و الفاء للتّعقيب، و تعقيب كلّ شيء بحسبه،و(اخرجنا)عطف على (انزل)و الالتفات إلى التّكلّم إظهارا لكمال العناية بشأن ما أنزل الماء لأجله.

و ذكر بعضهم نكتة خاصّة لهذا الالتفات غير ما ذكر،و هي أنّه سبحانه لمّا ذكر فيما مضى ما ينبّئك على أنّه الخالق،اقتضى ذلك التّوجّه إليه حتّى يخاطب،و اختيار ضمير العظمة دون ضمير المتكلّم وحده،لإظهار كمال العناية،أي فأخرجنا بعظمتنا بذلك الماء مع وحدته.

(7:238)

2- ...حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. الأعراف:57

مجاهد :إذا أراد اللّه أن يخرج الموتى أمطر السّماء حتّى تتشقّق عنهم الأرض،ثمّ يرسل الأرواح فتعود كلّ

ص: 447

روح إلى جسدها،فكذلك يحيي اللّه الموتى بالمطر كإحيائه الأرض.(الطّبريّ 5:518)

السّدّيّ: و كذلك تخرجون،و كذلك النّشور،كما نخرج الزّرع بالماء.(الطّبريّ 5:518)

الطّبريّ: فإنّه يقول تعالى ذكره:كما نحيي هذا البلد الميّت بما ننزل به من الماء الّذي ننزله من السّحاب، فنخرج به من الثّمرات بعد موته و جدوبته و قحوط أهله،كذلك نخرج الموتى من قبورهم أحياء بعد فنائهم و دروس آثارهم.(5:518)

الزّجّاج: جائز أن يكون فأنزلنا بالسّحاب الماء فأخرجنا به،من كلّ الثّمرات.

الأحسن-و اللّه أعلم-فأخرجنا بالماء من كلّ الثّمرات.و جائز أن يكون فأخرجنا بالبلد من كلّ الثّمرات،لأنّ البلد ليس يخصّ به هاهنا بلد سوى سائر البلدان.

و قوله عزّ و جلّ: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى أي مثل ذلك الإخراج الّذي أشرنا إليه نخرج الموتى.(2:345)

الطّوسيّ: فالهاء في(به)يحتمل أن تكون راجعة إلى البلد،و يكون التّقدير:أخرجنا بهذا البلد.و يحتمل أن تكون راجعة إلى الماء،فكأنّه قال:فأخرجنا بهذا الماء من كلّ الثّمرات.

و قوله: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى معناه كما أخرجنا الثّمرات كذلك نخرج الموتى بعد موتها،بأن نحييها.

و استدلّ البلخيّ بهذه الآية على أنّ كثيرا من الأشياء تكون بالطّبع،قال:لأنّ اللّه تعالى بيّن أنّه يخرج الثّمرات بالماء الّذي ينزله من السّماء،قال:و لا ينبغي أن ينكر ذلك،و إنّما ينكر قول من يقول بقدم الطّبائع،أو قول من يقول:إنّ الجمادات تفعل.فأمّا من قال:إنّ اللّه تعالى يفعل هذه الأشياء،غير أنّه يفعلها تارة مخترعة بلا وسائط و تارة بوسائط،فلا كراهة في ذلك،كما تقول في السّبب و المسبّب.

و هذا الّذي ذكره ليس بصحيح،لأنّه إن أشار بالطّبع إلى رطوبات مخصوصة و يبوسات مخصوصة،فلا خلاف في ذلك،غير أنّ هذه الأشياء لا تتولّد عنها ذوات أخر، بل ما يحصل عندها اللّه تعالى يفعلها مبتدأ،و ليس كذلك السّبب و المسبّب،لأنّ السّبب الّذي يفعل الفعل بها و هو الاعتماد و المجاوزة يوجب التّأليف،و ما عدا ذلك فليس فيه شيء تولّد أصلا،و إن أراد بالطّبع غير هذا المعقول فليس في الآية دلالة على صحّته بحال.(4:461)

نحوه الطّبرسيّ.(2:431)

الواحديّ: نحيي الموتى مثل ذلك الإحياء الّذي وصفناه في البلد الميّت،فإحياء الأموات كإحياء الأرض بالنّبات.(2:379)

الزّمخشريّ: فَأَخْرَجْنا بِهِ... (كذلك)مثل ذلك الإخراج،و هو إخراج الثّمرات. نُخْرِجُ الْمَوْتى...

فيؤدّيكم التّذكّر إلى أنّه لا فرق بين الإخراجين؛إذ كلّ واحد منهما إعادة للشّيء بعد إنشائه.(2:84)

مثله النّسفيّ.(2:57)

ابن عطيّة: يحتمل مقصدين:

أحدهما:أن يراد كهذه القدرة العظيمة في إنزال الماء، و إخراج الثّمرات به من الأرض المجدبة،هي القدرة على إحياء الموتى من الأجداث،و هذه مثال لها.

ص: 448

و يحتمل أن يراد أنّ هكذا يصنع بالأموات من نزول المطر عليهم حتّى يحيوا به،فيكون الكلام خبرا لا مثلا.

(2:413)

الفخر الرّازي:الكناية عائدة إلى الماء،لأنّ إخراج الثّمرات كان بالماء.قال الزّجّاج:و جائز أن يكون التّقدير:فأخرجنا بالبلد من كلّ الثّمرات،لأنّ البلد ليس يخصّ به هنا بلد دون بلد.و على القول الأوّل:فاللّه تعالى إنّما يخلق الثّمرات بواسطة الماء.

و قال أكثر المتكلّمين:إنّ الثّمار غير متولّدة من الماء،بل اللّه تعالى أجرى عادته بخلق النّبات ابتداء عقيب اختلاط الماء بالتّراب،و قال جمهور الحكماء:

لا يمتنع أن يقال:إنّه تعالى أودع في الماء قوّة طبيعيّة،ثمّ إنّ تلك القوّة الطّبيعيّة توجب حدوث الأحوال المخصوصة عند امتزاج الماء بالتّراب و حدوث الطّبائع المخصوصة.

و المتكلّمون احتجّوا على فساد هذا القول،بأنّ طبيعة الماء و التّراب واحدة.ثمّ إنّا نرى أنّه يتولّد في النّبات الواحد أحوال مختلفة مثل العنب،فإنّ قشره بارد يابس،و لحمه و ماؤه حارّ رطب،و عجمه بارد يابس، فتولّد الأجسام الموصوفة بالصّفات المختلفة من الماء و التّراب،يدلّ على أنّها إنّما حدثت بإحداث الفاعل المختار لا بالطّبع و الخاصّة.

ثمّ قال تعالى: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى و فيه قولان:

الأوّل:أنّ المراد هو أنّه تعالى كما يخلق النّبات بواسطة إنزال الأمطار،فكذلك يحيى الموتى بواسطة مطر ينزله على تلك الأجسام الرّميمة.

و روي أنّه تعالى يمطر على أجساد الموتى فيما بين النّفختين مطرا كالمنيّ أربعين يوما،و أنّهم ينبتون عند ذلك و يصيرون أحياء.[ثمّ ذكر قول مجاهد]

و القول الثّاني:أنّ التّشبيه إنّما وقع بأصل الإحياء بعد أن كان ميّتا،و المعنى:أنّه تعالى كما أحيا هذا البلد بعد خرابه،فأنبت فيه الشّجر و جعل فيه الثّمر،فكذلك يحيي الموتى بعد أن كانوا أمواتا،لأنّ من يقدر على إحداث الجسم،و خلق الرّطوبة و الطّعم فيه،فهو أيضا يكون قادرا على إحداث الحياة في بدن الميّت،و المقصود منه إقامة الدّلالة على أنّ البعث و القيامة حقّ.

و اعلم أنّ الذّاهبين إلى القول الأوّل إن اعتقدوا أنّه لا يمكن بعث الأجسام إلاّ بأن يمطر على تلك الأجسام البالية مطرا على صفة المنيّ،فقد أبعد،و لأنّ الّذي يقدر على أن يحدث في ماء المطر الصّفات الّتي باعتبارها صار المنيّ منيّا ابتداء،فلم لا يقدر على خلق الحياة و الجسم ابتداء؟و أيضا فهب أنّ ذلك المطر ينزل،إلاّ أنّ أجزاء الأموات غير مختلطة،فبعضها يكون بالمشرق،و بعضها يكون بالمغرب،فمن أين ينفع إنزال ذلك المطر في توليد تلك الأجساد؟

فإن قالوا:إنّه تعالى بقدرته و بحكمته يخرج تلك الأجزاء المتفرّقة،فلم لم يقولوا:إنّه بقدرته و حكمته يخلق الحياة في تلك الأجزاء ابتداء من غير واسطة ذلك المطر؟ و إن اعتقدوا أنّه تعالى قادر على إحياء الأموات ابتداء، إلاّ أنّه تعالى إنّما يحييهم على هذا الوجه،كما أنّه قادر على خلق الأشخاص في الدّنيا ابتداء،إلاّ أنّه أجرى عادته بأنّه لا يخلقهم إلاّ من الأبوين،فهذا جائز.(14:142)

نحوه النّيسابوريّ.(8:149)

ص: 449

القرطبيّ: الكاف في موضع نصب،أي مثل ذلك الإخراج نحيي الموتى.و خرّج البيهقيّ و غيره عن أبي رزين العقيليّ قال:قلت:يا رسول اللّه كيف يعيد اللّه الخلق،و ما آية ذلك في خلقه؟قال:«أما مررت بوادي قومك جدبا ثمّ مررت به يهتزّ خضرا؟قال:نعم،قال:

فتلك آية اللّه في خلقه».

و قيل:وجه التّشبيه أنّ إحياءهم من قبورهم يكون بمطر يبعثه اللّه على قبورهم فتنشقّ عنهم القبور،ثمّ تعود إليهم الأرواح.[ثمّ ذكر حديثا آخرا](7:230)

البيضاويّ: يحتمل فيه عود الضّمير إلى الماء،و إذا كان للبلد،فالباء للإلصاق في الأوّل،و للظّرفيّة في الثّاني، و إذا كان لغيره فهي للسّببيّة فيهما، مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ من كلّ أنواعها، كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى الإشارة فيه إلى إخراج الثّمرات،أو إلى إحياء البلد الميّت،أي كما نحييه بإحداث القوّة النّامية فيه و تطريتها بأنواع النّبات و الثّمرات،نخرج الموتى من الأجداث و نحييها بردّ النّفوس إلى موادّ أبدانها،بعد جمعها و تطريتها بالقوى و الحواسّ.(1:353)

مثله أبو السّعود.(2:500)

أبو حيّان : فَأَخْرَجْنا بِهِ... الخلاف في(به) كالخلاف السّابق في(به).و قيل:الأوّل عائد على السّحاب،و الثّاني على البلد،عدل عن كناية إلى كناية من غير فاصل،كقوله: اَلشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى لَهُمْ القتال:25،و فاعل (أَمْلى لَهُمْ) اللّه تعالى. كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى... أي مثل هذا الإخراج نخرج الموتى من قبورهم أحياء إلى الحشر،لعلّكم تذكّرون بإخراج الثّمرات و إنشائها خروجكم للبعث،إذ الإخراجات سواء،فهذا الإخراج المشاهد نظير الإخراج الموعود به.

[ثمّ ذكر ما خرّج البيهقيّ كما تقدّم في القرطبيّ]

(4:318)

البروسويّ: [ذكر نحو البيضاويّ و أضاف:]

و الإشارة في الآية أنّ الرياح رياح العناية، و السّحاب سحاب الهداية،و الماء ماء المحبّة،فيخرج اللّه تعالى بهذا الماء ثمرات المشاهدات و المكاشفات و أنواع الكمالات،كذلك نخرج الموتى،أي موتى القلوب من قبور الصّدور لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي تذكّرون أيّام حياتكم دون حياض الأنس و رياض القرب عند حظائر القدس.

(3:180)

الآلوسيّ: [ذكر نحو البيضاويّ و أضاف:]

و هو إشارة-كما قيل-إلى طريقي القائلين بالمعاد الجسمانيّ،و هما إيجاد البدن بعد عدمه،ثمّ إحياؤه و ضمّ أجزائه إلى بعض على النّمط السّابق بعد تفرّقها،ثمّ إحياؤه.

و استظهر الأوّل بأنّ المتبادر من الآية كون التّشبيه بين الإخراجين من كتم العدم،و الثّاني يحتاج إلى تمحّل تقدير الإحياء و اعتبار جمع الأجزاء،مع أنّه غير معتبر في جانب المشبّه به.و جوّز أن يرجع ما في الشّقّ الثّاني من الإحياء بردّ النّفوس إلخ إلى الأوّل.

و أنت تعلم أنّه لا مانع من الإخراج من كتم العدم، و أدلّة استحالة ذلك ممّا لا تقوم على ساق و قدم،إلاّ أنّ الأدلّة النّقليّة على كلّ من الطّريقين متجاذبة،و إذا صحّ القول بالمعاد الجسمانيّ فلا بأس بالقول بأيّ كان منهما،

ص: 450

و كون إخراج الثّمرات من كتم العدم قد لا يسلم،فإنّ لها أصلا في الجملة،على أنّ إخراج الموتى عند القائلين بالطّريق الأوّل إعادة،و ليس إخراج الثّمرات كذلك؛إذ لم يكن لها وجود قبل،نعم كون الأظهر أنّ التّشبيه بين الإخراجين ممّا لا مرية فيه.

و في«الخازن»:اختلفوا في وجه التّشبيه،فقيل:إنّ اللّه تعالى كما يخلق النّبات بواسطة إنزال المطر،كذلك يحيي الموتى بواسطة إنزال المطر.[ثمّ ذكر قول ابن عبّاس و مجاهد و أضاف:]

و قيل:إنّما وقع التّشبيه بأصل الإحياء من غير اعتبار كيفيّة،فيجب الإيمان به،و لا يلزمنا البحث عن الكيفيّة و يفعل اللّه ما يشاء.(8:146)

القاسميّ: أي المختلفة الأنواع،مع أنّ ماءها واحد.

و المراد ب كُلِّ الثَّمَراتِ المعتادة في كلّ بلد تخرج به على الوجه الّذي أجرى اللّه العادة بها و دبّرها.و الضّمير في(به)للماء أو للبلد،(كذلك)أي مثل ذلك الإخراج نُخْرِجُ الْمَوْتى أي نحييها بعد صيرورتها رميما يوم القيامة،ينزل اللّه سبحانه و تعالى ماء من السّماء،فتمطر الأرض أربعين يوما،فتنبت منه الأجساد في قبورها،كما ينبت الحبّ في الأرض لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي إنّما وصفنا ما وصفنا من هذا التّمثيل،لكي تتذكّروا من أحوال الثّمرات-الّتي أعيدت إلى حالها بعد تلفها- أحوال الآخرة،فتعلموا أنّ من قدر على ذلك قدر على هذا بلا ريب.

تنبيه:من أحكام الآية-كما قال الجشميّ: -أنّها تدلّ على عظم نعمه تعالى علينا بالمطر،و تدلّ على الحجاج في إحياء الموتى بإحياء الأرض بالنّبات،و تدلّ على أنّه أراد من الجميع التّذكّر،و تدلّ على أنّه أجرى العادة بإخراج النّبات بالماء،و إلاّ فهو قادر على إخراجه من غير ماء، فأجرى العادة على وجوه دبّرها عليها على ما نشاهده، لضرب من المصلحة دينا و دنيا.

و منها إذا رأى الأرض الطّيّبة تزرع دون الأرض السّبخة،و أنّها قطع متجاورات،علم فساد التّقليد،و أنّه يجب أن يتفحّص عن الحقّ حتّى يعتقده.

و منها أنّه إذا زرع و علم وجوب حفظه من المبطلات،علم وجوب حفظ الأعمال الصّالحة من المحبطات.(7:2758)

رشيد رضا : فَأَخْرَجْنا بِهِ عطف كلاّ من إنزال الماء على سوق السّحاب،و من إخراج النّبات على إنزال الماء،بالفاء الدّالّة على التّعقيب،و هو يتفاوت بتفاوت الأشياء،فإنزال الماء يعقب سوق السّحاب الثّقال، و جعله كسفا أو ركاما بدقائق معدودة،قلّما يتجاوزها إلى السّاعات،و سبب السّرعة فيه شدّة الرّيح،و يقابله سبب البطء و هو ضعفها.

و أمّا إخراج النّبات بسبب هذا الماء فأمد التّعقيب فيه أوسع،فإنّه يكون بعد أيّام تختلف قلّة و كثرة باختلاف الأقطار في الحرارة و البرودة.و من التّعقيب ما يكون في أشهر أو سنين،فمن الأوّل قولهم:تزوّج فولد له،فهو يصدق بمن يولد له بعد مضيّ مدّة الحمل الغالبة، و هي تسعة أشهر بالتّقريب،و لعلّه لا ينافي التّعقيب فيه زيادة شهر أو شهرين أو ثلاثة.[إلى أن قال:]

كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى... أي مثل هذا الإخراج

ص: 451

لأنواع النّبات من الأرض الميتة،بإحيائها بالماء،نخرج الموتى من البشر و غيرهم.فالقادر على هذا قادر على ذاك لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ هذا الشّبه،فيزول استبعادكم للبعث الّذي عبّرتم عنه بقولكم: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ ؟ يس:78، أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَدِينُونَ الصّافّات:53.

ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ق:3،و أمثال هذه الأقوال الدّالّة على أنّ إنكاركم لا منشأ له إلاّ ما تحكمون به بادي الرّأي،من امتناع خروج الحيّ من الميّت،ذاهلين عن خروج النّبات الحيّ من الأرض الميتة.و عن عدم الفرق بين حياة النّبات و حياة الحيوان في خضوعهما،لقدرة الرّبّ الخالق لكلّ شيء،فوجه الشّبه في الآية هو إخراج الحيّ من الميّت،و الحيّ في عرفهم يعرف بالنّماء و التّغذّي كالنّبات،و بالحسّ و التّحرّك بالإرادة كالحيوان.

فإن قيل:إنّ العلم قد أثبت أنّ الحيّ لا يولد إلاّ من حيّ،سواء في ذلك النّبات و الحيوان بأنواعه،من أدنى الحشرات إلى أعلاها،فالنّبات الّذي يخرج من الأرض القفراء بعد سقيها بالماء،لا بدّ أن يكون له بذور أو جذور فيها حياة كامنة،لا تظهر من مكمنها إلاّ بالماء،كما أنّ البيوض الّتي يتولّد منها الحيوان،أدناها كالصّئبان[بيضة القمل]و بذور الدّيدان و أوسطها كبيض الطّير و الحيّات و أعلاها كبيوض الأرحام،كلّها ذات حياة لا تنتج إلاّ بتلقيح ماء الذّكور لها؟

قلنا:إنّ هذه الحياة لم تكن معروفة عند واضعيّ اللّغة،فهي اصطلاح جديد،و أهل اللّغة خوطبوا بعرفهم في الحياة و الموت ففهموا،بل إنّ قول هؤلاء العلماء لا ينفي صحّة خروج النّبات الحيّ من الأرض الميتة،فلو لا تغذّي البذور و الجذور بموادّ الأرض الميتة بسبب الماء،لما نبتت.على أنّ بعض المتكلّمين و المفسّرين قالوا:إنّ الإنسان يبلى كلّه إلاّ عجب الذّنب،و هو أصل الذّنب المسمّى بالعصعص أو رأس العصعص،فهو كنواة النّخلة تبقى فيه الحياة كامنة بعد فناء الجسم،و إنّ اللّه تعالى ينزل من السّماء ماء فينبت النّاس من عجب الذّنب كما ينبت البقل.فهؤلاء يرون أنّ ذلك المطر يفعل فيه ما يفعل هذا المطر في الحبّ و النّوى.و ليس لهذا القول أصل صريح يعدّ حجّة قطعيّة في مسألة اعتقاديّة غير معقولة المعنى كهذه.

[ثمّ ذكر روايات](8:469)

نحوه المراغيّ.(8:183)

ابن عاشور :و الضّمير المجرور بالباء في قوله:

فَأَخْرَجْنا بِهِ يجوز أن يعود إلى البلد،فيكون الباء بمعنى«في»و يجوز أن يعود إلى الماء،فيكون الباء للآلة.

[إلى أن قال:]

و جملة كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى معترضة استطرادا للموعظة و الاستدلال،على تقريب البعث الّذي يستبعدونه.و الإشارة ب كَذلِكَ إلى الإخراج المتضمّن له فعل فَأَخْرَجْنا باعتبار ما قبله،من كون البلد ميّتا،ثمّ إحيائه أي إحياء ما فيه أثر الزّرع و الثّمر، فوجه الشّبه هو إحياء بعد موت.و لا شكّ أنّ لذلك الإحياء كيفيّة قدّرها اللّه و أجمل ذكرها،لقصور الأفهام عن تصوّرها.(8:141)

مغنيّة:يقول الجاهدون:كيف نؤمن بالبعث،و ما رأينا واحدا عادت إليه الحياة بعد موته؟

ص: 452

يقولون هذا،و هم يرون رأي العين حياة الأرض بعد موتها،و لكنّهم ذهلوا أنّ السّبب واحد،و أنّه لا فرق إلاّ في الصّورة،فذكّرهم اللّه بذلك لعلّهم ينتفعون بالتّذكير،أو تلزمهم الحجّة.(3:343)

الطّباطبائيّ: و الآية تحتجّ بإحياء الأرض على جواز إحياء الموتى،لأنّهما من نوع واحد،و حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد،و ليس الأحياء الّذين عرض لهم عارض الموت بمنعدمين من أصلهم،فإنّ أنفسهم و أرواحهم باقية محفوظة و إن تغيّرت أبدانهم،كما أنّ النّبات يتغيّر ما على وجه الأرض منها،و يبقى ما في أصله من الرّوح الحيّة على انعزال من النّشوء و النّماء،ثمّ تعود إليه حياته الفعّالة،كذلك يخرج اللّه الموتى،فما إحياء الموتى في الحشر الكلّيّ يوم البعث إلاّ كإحياء الأرض الميتة في بعثه الجزئيّ العائد كلّ سنة.(8:160)

3- اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى. طه:53

البغويّ: يعني المطر،تمّ الإخبار عن موسى،ثمّ أخبر اللّه عن نفسه بقوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ بذلك الماء.(3:264)

مثله ابن الجوزيّ.(5:292)

الزّمخشريّ: انتقل فيه من لفظ الغيبة إلى لفظ المتكلّم المطاع،لما ذكرت من الافتنان و الإيذان بأنّه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لأمره،و تذعن الأجناس المتفاوتة لمشيئته،لا يمتنع شيء على إرادته.و مثله قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ الأنعام:99، أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها فاطر:

27، أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ النّمل:60.

و فيه تخصيص أيضا بأنّا نحن نقدر على مثل هذا، و لا يدخل تحت قدرته (1)أحد.(2:540)

نحوه البيضاويّ(2:52)،و الشّربينيّ(2:468).

ابن عطيّة: يحتمل أن يكون كلام موسى تمّ عند قوله: وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً ثمّ وصل اللّه تعالى كلام موسى بإخباره لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و المراد الخلق أجمع،فهذه الآيات المنبّهة عليها.(4:48)

الفخر الرّازي:ففيه مسائل:

المسألة الأولى:قوله: فَأَخْرَجْنا فيه وجوه:

أحدها:أن يكون هذا من تمام كلام موسى عليه السّلام، كأنّه يقول:ربّي الّذي جعل لكم كذا و كذا،فأخرجنا نحن معاشر عباده بذلك الماء بالحراثة،أزواجا من نبات شتّى.

و ثانيها:أنّ عند قوله: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً تمّ كلام موسى عليه السّلام،ثمّ بعد ذلك أخبر اللّه تعالى عن صفة نفسه متّصلا بالكلام الأوّل،بقوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ ثمّ يدلّ على هذا الاحتمال قوله: كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ طه:54.

و ثالثها:[ذكر قول الزّمخشريّ و قال:]

و اعلم أنّ قوله: فَأَخْرَجْنا إمّا أن يكون من كلام موسى عليه السّلام،أو من كلام اللّه تعالى؛و الأوّل باطل،لأنّد.

ص: 453


1- كذا،و الظّاهر:و لا يدخل تحت قدرة أحد.

قوله بعد ذلك: كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ...

لا يليق بموسى عليه السّلام،و أيضا فقوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى لا يليق بموسى،لأنّ أكثر ما في قدرة موسى عليه السّلام صرف المياه إلى سقي الأراضي.و أمّا إخراج النّبات على اختلاف ألوانها و طبائعها فليس من موسى عليه السّلام،فثبت أنّ هذا كلام اللّه تعالى،و لا يجوز أن يقال:كلام اللّه ابتداؤه من قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى، لأنّ الفاء يتعلّق بما قبله،فلا يجوز جعل هذا كلام اللّه تعالى،و جعل ما قبله كلام موسى عليه السّلام،فلم يبق إلاّ أن يقال:إنّ كلام موسى عليه السّلام تمّ عند قوله:

لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى طه:52،ثمّ ابتدئ كلام اللّه تعالى من قوله: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً و يكون التّقدير:هو الّذي جعل لكم الأرض مهدا، فيكون(الّذى)خبر مبتدإ محذوف،و يكون الانتقال من الغيبة إلى الخطاب التفاتا.(22:68)

النّيسابوريّ.(16:135)

القرطبيّ: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ... و هذا آخر كلام موسى،ثمّ قال اللّه تعالى فَأَخْرَجْنا بِهِ. و قيل:

كلّه من كلام موسى،و المعنى فَأَخْرَجْنا بِهِ أي بالحرث و المعالجة،لأنّ الماء المنزل سبب خروج النّبات.

(11:209)

النّسفيّ: بالماء،نقل الكلام من الغيبة إلى لفظ المتكلّم المطاع للافتنان و قيل:تمّ كلام موسى ثمّ أخبر اللّه تعالى عن نفسه بقوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ. و قيل:هذا كلام موسى أي فأخرجنا نحن بالحراثة و الغرس.(3:55)

أبو حيّان :و لمّا ذكر موسى دلالته على ربوبيّة اللّه تعالى و تمّ كلامه عند قوله: وَ لا يَنْسى طه:52،ذكر تعالى ما نبّه به على قدرته تعالى و وحدانيّته،فأخبر عن نفسه بأنّه تعالى هو الّذي صنع كيت و كيت.و إنّما ذهبنا إلى أنّ هذا هو من كلام اللّه تعالى لقوله تعالى:

فَأَخْرَجْنا و قوله: كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ طه:54، و قوله: وَ لَقَدْ أَرَيْناهُ طه:59،فيكون قوله:

فَأَخْرَجْنا و أَرَيْناهُ التفاتا من الضّمير الغائب في (جعل)و(سلك)إلى ضمير المتكلّم المعظّم نفسه،و لا يكون الالتفات من قائلين.

و أبعد من ذهب إلى أنّ(الّذى)نعت لقوله:(ربّى) فيكون في موضع رفع،أو يكون في موضع نصب على المدح-و قالهما الحوفيّ و الزّمخشريّ-لكونه كان يكون كلام موسى،فلا يتأتّى الالتفات في قوله: فَأَخْرَجْنا وَ لَقَدْ أَرَيْناهُ. [ثمّ ذكر قول ابن عطيّة](6:250)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

خلا أنّ ما قبل الالتفات هناك صريح كلامه تعالى، و أمّا هاهنا فحكاية عنه تعالى،و جعل قوله تعالى:

فَأَخْرَجْنا بِهِ هو المحكيّ،مع كون ما قبله كلام موسى عليه الصّلاة و السّلام خلاف الظّاهر،مع أنّه يفوّت حينئذ الالتفات لعدم اتّحاد المتكلّم.(4:286)

البروسويّ: يقال:خرج خروجا:برز من مقرّه أو حاله،و أكثر ما يقال الإخراج في الأعيان،أي أنبتنا بسببه.ذكر الماء و عدل عن لفظ الغيبة إلى صيغة التّكلّم على الحكاية لكلام اللّه،تنبيها على زيادة اختصاص الفعل بذاته،و أنّ ذلك منه و لا يقدر عليه غيره تعالى.(5:396)

ص: 454

الآلوسيّ: أي بذلك الماء و واسطته؛حيث إنّ اللّه تعالى أودع فيه ما أودع،كما ذهب إلى ذلك الماتريديّة و غيرهم من السّلف الصّالح،لكنّه لا يؤثّر إلاّ بإذن اللّه تعالى كسائر الأسباب،فلا ينافي كونه عزّ و جلّ هو المؤثّر الحقيقيّ،و إنّما فعل ذلك سبحانه مع قدرته تعالى الكاملة على إيجاد ما شاء بلا توسيط شيء،كما أوجد بعض الأشياء كذلك مراعاة للحكمة.

و قيل:(به)أي عنده،و إليه ذهب الأشاعرة،فالماء كالنّار عندهم في أنّه ليس فيه قوّة الرّيّ مثلا،و النّار كالماء في أنّها ليس فيها قوّة الإحراق،و إنّما الفرق بينهما في أنّ اللّه تعالى قد جرت عادته أن يخلق الرّيّ عند شرب الماء،و الإحراق عند مسيس النّار دون العكس، و زعموا أنّ من قال:إنّ في شيء من الأسباب قوّة تأثير أودعها اللّه تعالى فيه،فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان.و هو لعمري من المجازفة بمكان.

و الظّاهر أن يقال:«فاخرج»إلاّ أنّه التفت إلى التّكلّم للتّنبيه على ظهور ما فيه من الدّلالة على كمال القدرة و الحكمة،بواسطة أنّه لا يسند إلى العظيم إلاّ أمر عظيم،و الإيذان بأنّه لا يتأتّى إلاّ من قادر مطاع عظيم الشّأن ينقاد لأمره و يذعن لمشيئته الأشياء المختلفة،فإنّ مثل هذا التّعبير يعبّر به الملوك و العظماء النّافذ أمرهم.

و يقوّي هذا الماضي الدّالّ على التّحقيق كالفاء الدّالّة على السّرعة،فإنّها للتّعقيب على ما نصّ عليه بعض المحقّقين، و جعل الإنزال و الإخراج عبارتين عن إرادة النّزول و الخروج،معلّلا باستحالة مزاولة العمل في شأنه تعالى شأنه.

و اعترض عليه بما فيه بحث،و لا يضرّ في ذلك كونه تعقيبا عرفيّا،و لم تجعل للسّببيّة،لأنّها معلومة من الباء.

و قال الخفاجيّ: لك أن تقول:إنّ الفاء لسببيّة الإرادة عن الإنزال،و الباء لسببيّة النّبات عن الماء،فلا تكرار كما في قوله تعالى: لِنُحْيِيَ بِهِ الفرقان:49،و لعلّ هذا أقرب،انتهى.

و أنت تعلم أنّ التّعقيب أظهر و أبلغ.و قد ورد على هذا النّمط من الالتفات للنّكتة المذكورة،قوله تعالى:

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ...

فاطر:27.[ثمّ ذكر آيات](16:206)

القاسميّ: جعل الزّمخشريّ قوله تعالى: فَأَخْرَجْنا من باب الالتفات.و ناقشه النّاصر بأنّ الالتفات إنّما يكون في كلام المتكلّم الواحد،يصرف كلامه على وجوه شتّى،و ما نحن فيه ليس كذلك،فإنّ اللّه تعالى حكى عن موسى عليه السّلام قوله لفرعون: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى.

ثمّ قوله: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً إلى قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً طه:51-53،فإمّا أن يجعل من قول موسى فيكون من باب قول خواصّ الملك «أمرنا و عمرنا»و إنّما يريدون الملك،و ليس هذا بالتفات.

و إمّا أن يكون كلام موسى قد انتهى عند قوله: وَ لا يَنْسى ثمّ ابتدا للّه تعالى وصف ذاته بصفات إنعامه على خلقه،فليس التفاتا أيضا،و إنّما هو انتقال من حكاية إلى إنشاء خطاب.و على هذا التّأويل ينبغي للقارئ أن يقف وقيفة عند قوله: وَ لا يَنْسى ليستقرّ بانتهاء الحكاية.

و يحتمل وجها آخر و هو أنّ موسى وصف اللّه تعالى

ص: 455

بهذه الصّفات على لفظ الغيبة،فقال: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً... فلمّا حكاه اللّه تعالى عنه أسند الضّمير إلى ذاته،لأنّ الحاكي هو المحكيّ في كلام موسى،فمرجع الضّميرين واحد.و هذا الوجه وجه حسن رقيق الحاشية،و هذا أقرب الوجوه إلى الالتفات،لكنّ الزّمخشريّ لم يعنه،و اللّه أعلم.انتهى كلام النّاصر.

(11:4185)

ابن عاشور :و العدول عن ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلّم في قوله: فَأَخْرَجْنا التفات،و حسّنه هنا أنّه بعد أن حجّ المشركين بحجّة انفراده بخلق الأرض و تسخير السّماء ممّا لا سبيل بهم إلى نكرانه،ارتقى إلى صيغة المتكلّم المطاع،فإنّ الّذي خلق الأرض و سخّر السّماء حقيق بأن تطيعه القوى و العناصر،فهو يخرج النّبات من الأرض بسبب ماء السّماء،فكان تسخير النّبات أثرا لتسخير أصل تكوينه من ماء السّماء و تراب الأرض.

و لملاحظة هذه النّكتة تكرّر في القرآن مثل هذا الالتفات عند ذكر الإنبات،كما في قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ الأنعام:99.[ثمّ ذكر آيات فاطر:35،و النّمل:

60،و الزّخرف:11،و قال:]

و قد نبّه إلى ذلك في«الكشّاف»و للّه درّه.و نظائره كثيرة في القرآن.(16:133)

الطّباطبائيّ: و الباء في(به)للسّببيّة،و فيه تصديق السّببيّة و المسبّبيّة بين الأمور الكونيّة.و المراد بكون النّبات أزواجا،كونها أنواعا و أصنافا متقاربة،كما فسّره القوم،أو حقيقة الازدواج بين الذّكور و الإناث من النّبات،و هي من الحقائق الّتي نبّه عليها الكتاب العزيز.

و قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى فيه التفات من الغيبة إلى التّكلّم بالغير.قيل:الوجه فيه ما في هذا الصّنع العجيب و إبداع الصّور المشتّتة و الأزواج المختلفة على ما فيها من تنوّع الحياة من ماء واحد،من العظمة و الصّنع العظيم لا يصدر إلاّ من العظيم،و العظماء، يتكلّمون عنهم و عن غيرهم من أعوانهم،و قد ورد الالتفات في معنى إخراج النّبات بالماء في مواضع من كلامه تعالى.[ثمّ ذكر الآيات](14:171)

4- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ...

فاطر:27

الطّبرسيّ: أخبر عن نفسه بنون الكبرياء و العظمة.

(4:406)

الفخر الرّازيّ: هذا استدلال على قدرة اللّه و اختياره؛حيث أخرج من الماء الواحد ثمرات مختلفة، و فيه لطائف:

الأولى:قال:(انزل)و قال:(اخرجنا)و قد ذكرنا فائدته و نعيدها،فنقول:قال اللّه تعالى: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ فإن كان جاهلا يقول:نزول الماء بالطّبع لثقله،فيقال له:فالإخراج لا يمكنك أن تقول فيه:إنّه بالطّبع،فهو بإرادة اللّه،فلمّا كان ذلك أظهر أسنده إلى المتكلّم.

و وجه آخر:هو أنّ اللّه تعالى لمّا قال: أَنَّ اللّهَ

ص: 456

أَنْزَلَ علم اللّه بدليل،و قرب المتفكّر فيه إلى اللّه تعالى فصار من الحاضرين،فقال له:(اخرجنا)لقربه.

و وجه ثالث:الإخراج:أتمّ نعمة من الإنزال،لأنّ الإنزال لفائدة الإخراج،فأسند الأتمّ إلى نفسه بصيغة المتكلّم،و ما دونه بصيغة الغائب.(26:20)

نحوه النّيسابوريّ.(22:78)

أبو حيّان :و خرج من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلّم في قوله:(فاخرجنا)لما في ذلك من الفخامة؛إذ هو مسند للمعظم المتكلّم.[ثمّ ذكر مثل الوجه الثّالث من قول الفخر الرّازيّ](7:311)

الشّربينيّ: أي بما لنا من القدرة و العظمة(به)أي بالماء(ثمرات)أي متعدّدة الأنواع،فيه التفات من الغيبة إلى التّكلّم،و إنّما كان ذلك لأنّ المنّة بالإخراج أبلغ من إنزال الماء.(3:324)

أبو السّعود :و الالتفات لإظهار كمال الاعتناء بالفعل،لما فيه من الصّنع البديع المنبئ عن كمال القدرة و الحكمة.(5:280)

نحوه الطّباطبائيّ.(17:42)

البروسويّ: [ذكر مثل أبي السّعود و أضاف:]

و لأنّ الرّجوع إلى نون العظمة أهيب في العبارة.

(7:342)

الآلوسيّ: أي بذلك الماء على أنّه سبب عاديّ للإخراج.و قيل:أي أخرجنا عنده.[ثمّ ذكر مثل أبي السّعود](22:189)

مكارم الشّيرازيّ: و الملفت للنّظر هو استخدام صيغة الغائب في الحديث عنه عزّ و جلّ،ثمّ الانتقال إلى صيغة المتكلّم،و هذا النّوع من التّعابير،غير منحصر في هذه الآية فقط،و إنّما يلاحظ في مواضع أخرى من القرآن المجيد أيضا،و كأنّ الجملة الأولى تعطي للمخاطب إدراكا و معرفة جديدة،و تستحضره بهذا الإدراك و المعرفة بين يدي البارئ عزّ و جلّ،ثمّ عند حضوره يلقى عليه الحديث مباشرة.(14:69)

5- وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ. يس:33

الفخر الرّازيّ: إن قلنا:إنّ الآية مذكورة للاستدلال على جواز إحياء الموتى،فيكفي قوله:

(احيينا)و لا حاجة إلى قوله: وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا و غير ذلك،و إن قلنا:إنّها للاستدلال على وجود الإله و وحدته،فلا فائدة في قوله: اَلْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها لأنّ نفس الأرض دليل ظاهر و برهان باهر، ثمّ هب أنّها غير كافية،فقوله: اَلْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها كاف في التّوحيد فما فائدة قوله: وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا؟

نقول:مذكورة للاستدلال عليها،و لكلّ ما ذكره اللّه تعالى فائدة.

أمّا قوله: وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فله فائدة بالنّسبة إلى بيان إحياء الموتى؛و ذلك لأنّه لمّا أحيا الأرض و أخرج منها حبّا كان ذلك إحياء تامّا،لأنّ الأرض المخضرّة الّتي لا تنبت الزّرع و لا تخرج الحبّ دون ما تنبته في الحياة،فكأنّه قال تعالى:الّذي أحيا الأرض إحياء كاملا منبتا للزّرع،يحيي الموتى إحياء كاملا بحيث تدرك الأمور.

ص: 457

و أمّا بالنّسبة إلى التّوحيد،فلأنّ فيه تعديد النّعم، كأنّه يقول:آية لهم الأرض،فإنّها مكانهم و مهدهم الّذي فيه تحريكهم و إسكانهم،و الأمر الضّروريّ الّذي عنده وجودهم و إمكانهم،و سواء كانت ميتة أو لم تكن،فهي مكان لهم لا بدّ لهم منها،فهي نعمة.

ثمّ إحياؤها بحيث تخضرّ نعمة ثانية،فإنّها تصير أحسن و أنزه،ثمّ إخراج الحبّ منها نعمة ثالثة،فإنّ قوتهم يصير في مكانهم.و كان يمكن أن يجعل اللّه رزقهم في السّماء أو في الهواء فلا يحصل لهم الوثوق.ثمّ جعل الجنّات فيها نعمة رابعة،لأنّ الأرض تنبت الحبّ في كلّ سنة، و أمّا الأشجار بحيث تؤخذ منها الثّمار فتكون بعد الحبّ وجودا،ثمّ فجّرنا فيها العيون،ليحصل لهم الاعتماد بالحصول و لو كان ماؤها من السّماء لحصل،و لكن لم يعلم أنّها أين تغرس و أين يقع المطر و ينزل القطر.

و بالنّسبة إلى بيان إحياء الموتى كلّ ذلك مفيد؛و ذلك لأنّ قوله: وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا كالإشارة إلى الأمر الضّروريّ الّذي لا بدّ منه...(26:66)

الآلوسيّ: أي جنس الحبّ من الحنطة و الشّعير و الأرزّ و غيرها،و النّكرة قد تعمّ،كما إذا كانت في سياق الامتنان أو نحوه.و في ذكر الإخراج و كذا الجعل الآتي تنبيه على كمال الإحياء.(23:6)

6- فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

الذّاريات:35

الطّوسيّ: أي أخرجنا من كان في قرية لوط من المؤمنين،نحو لوط و أهله،و خلّصناهم من العذاب و الإهلاك.(9:390)

الفخر الرّازيّ: فيه فائدتان:

إحداهما:بيان القدرة و الاختيار،فإنّ من يقول بالاتّفاق يقول:يصيب البرّ و الفاجر،فلمّا ميّز اللّه المجرم عن المحسن دلّ على الاختيار.

ثانيهما:بيان أنّه ببركة المحسن ينجو المسيء،فإنّ القرية ما دام فيها المؤمن لم تهلك،و الضّمير عائد إلى القرية و هي معلومة و إن لم تكن مذكورة.(28:218)

أبو السّعود : فَأَخْرَجْنا... حكاية من جهته تعالى لما جرى على قوم لوط عليه السّلام بطريق الإجمال،بعد حكاية ما جرى بين الملائكة و بين إبراهيم عليه السّلام من الكلام.و الفاء فصيحة مفصحة عن جمل قد حذفت ثقة بذكرها في مواضع أخر،كأنّه قيل:فباشروا ما أمروا به فأخرجنا بقولنا: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ... هود:81 مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. (6:138)

نحوه البروسويّ(9:164)،و الآلوسيّ(27:14).

الطّباطبائيّ: [ذكر نحو أبي السّعود و أضاف:]

فقوله: فَأَخْرَجْنا إلخ بيان إهلاكهم بمقدّمته، و ضمير(فيها)للقرية المفهومة من السّياق.(18:379)

اخرجوا

1- ..فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي... آل عمران:195

ابن عطيّة: عبارة إلزام ذنب للكفّار؛و ذلك أنّ المهاجرين إنّما أخرجهم سوء العشرة و قبيح الأفعال فخرجوا باختيارهم،فإذا جاء الكلام في مضمار إلزام

ص: 458

الذّنب للكفّار قيل:أخرجوا من ديارهم،و إخراج أهله منه أكبر عند اللّه،إلى غير ذلك من الأمثلة.و إذا جاء الكلام في مضمار الفخر و القوّة على الأعداء،تمسّك بالوجه الآخر من:أنّهم خرجوا برأيهم،فمن ذلك إنكار النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على أبي سفيان بن الحارث حين أنشده:

*و ردّني...إلى اللّه من طرّدت كلّ مطّرد*

فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:أنت طرّدتني كلّ مطّرد؟ إنكارا عليه...(1:557)

نحوه أبو حيّان.(3:145)

الفخر الرّازيّ: المراد من قوله: فَالَّذِينَ هاجَرُوا: الّذين اختاروا المهاجرة من أوطانهم في خدمة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و المراد من الّذين أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ الّذين ألجأهم الكفّار إلى الخروج.و لا شكّ أنّ رتبة الأوّلين أفضل،لأنّهم اختاروا خدمة الرّسول عليه السّلام و ملازمته على الاختيار،فكانوا أفضل.(9:151)

أبو السّعود :و قوله تعالى: فَالَّذِينَ هاجَرُوا ضرب تفصيل لما أجمل في العمل،و تعداد لبعض أحاسن أفراده على وجه المدح و التّعظيم،أي فالّذين هجروا الشّرك أو الأوطان و العشائر للدّين،و قوله تعالى:

وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ على الأوّل عبارة عن نفس الهجرة،و على الثّاني عن كيفيّتها،و كونها بالقسر و الاضطرار.(2:88)

رشيد رضا :ذكر الإخراج من الدّيار بعد الهجرة من باب التّفصيل بعد الإجمال،فالهجرة إنّما كانت، و تكون بالإخراج من الدّيار.(4:307)

2- اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ... الحجّ:40

ابن عطيّة: يريد كلّ من نبت به مكّة و آذاه أهلها، حتّى أخرجوا بإذايتهم طائفة إلى الحبشة،و طائفة إلى المدينة،و نسب الإخراج إلى الكفّار،لأنّ الكلام في معرض تقرير الذّنب و إلزامه.(4:124)

الفخر الرّازيّ: فاعلم أنّه تعالى لمّا بيّن أنّهم إنّما أذنوا في القتال لأجل أنّهم ظلموا،فبيّن ذلك الظّلم بقوله:

الذين أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ... فبيّن تعالى ظلمهم لهم بهذين الوجهين:

أحدهما:أنّهم أخرجوهم من ديارهم.و الثّاني:أنّهم أخرجوهم بسبب أنّهم قالوا: رَبُّنَا اللّهُ و كلّ واحد من الوجهين عظيم في الظّلم.

فإن قيل:كيف استثنى من غير حقّ قولهم: رَبُّنَا اللّهُ و هو من الحقّ؟

قلنا:تقدير الكلام أنّهم أخرجوا بغير موجب سوى التّوحيد الّذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار و التّمكين،لا موجب الإخراج و التّسيير.و مثله: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إِلاّ أَنْ آمَنّا بِاللّهِ المائدة:59.(23:39)

القرطبيّ: هذا أحد ما ظلموا به،و إنّما أخرجوا لقولهم:ربّنا اللّه وحده.فقوله: إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ استثناء منقطع،أي لكن لقولهم رَبُّنَا اللّهُ، قاله سيبويه.و قال الفرّاء:يجوز أن تكون في موضع خفض، يقدرها مردودة على الباء،و هو قول أبي إسحاق الزّجّاج،و المعنى عنده:الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلاّ بأن يقولوا:ربّنا اللّه،أي أخرجوا بتوحيدهم،

ص: 459

أخرجهم أهل الأوثان.و اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا في موضع خفض بدلا من قوله: لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ الحجّ:39.

(12:69)

السّمين:قوله: اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا يجوز أن يكون في محلّ جرّ نعتا للموصول الأوّل،أو بيانا له،أو بدلا منه، و أن يكون في محلّ نصب على المدح،و أن يكون في محلّ رفع على إضمار مبتدإ.(5:153)

الطّباطبائيّ: بيان جهة كونهم مظلومين و هو أنّهم أخرجوا من ديارهم،و قد أخرجهم المشركون من ديارهم بمكّة بغير حقّ يجوز لهم إخراجهم.

و لم يخرجوهم بحمل و تسفير،بل آذوهم و بالغوا في إيذائهم،و شدّدوا بالتّعذيب و التّفتين،حتّى اضطرّوهم إلى الهجرة من مكّة و التّغرّب عن الوطن،و ترك الدّيار و الأموال،فقوم إلى الحبشة و آخرون إلى المدينة،بعد هجرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فإخراجهم إيّاهم:إلجاؤهم إلى الخروج.(14:384)

3- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ... الحشر:8

القرطبيّ: و معنى أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ أي أخرجهم كفّار مكّة،أي أحوجوهم إلى الخروج،و كانوا مائة رجل.(18:20)

البروسويّ: حيث اضطرّهم كفّار مكّة إلى الخروج و أخذوا أموالهم،و كانوا مائة رجل،فخرجوا منها،و إلاّ فهم هاجروا باختيارهم حبّا للّه و رسوله،و اختاروا الإسلام على ما كانوا فيه من الشّدّة،حتّى كان الرّجل يعصب الحجر على بطنه ليقيم صلبه من الجوع،و كان الرّجل يتّخذ الحفيرة في الشّتاء ما له دار غيرها.و صحّ عن رسول اللّه عليه السّلام أنّه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين.و قال عليه السّلام:ابشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنّور التّامّ يوم القيامة،تدخلون الجنّة قبل الأغنياء بنصف يوم،و ذلك مقدار خمسمائة عام.

(9:430)

الآلوسيّ: حيث اضطرّهم كفّار مكّة و أحوجوهم إلى الخروج فخرجوا منها،و هذا وصف باعتبار الغالب، و قيل:كان هؤلاء مائة رجل.(28:51)

4- لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ... الحشر:12

لاحظ: يُخْرَجُونَ.

اخرجت

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ... آل عمران:110

راجع أم م:«امّة».

اخرجنا

...وَ ما لَنا أَلاّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَ أَبْنائِنا فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ... البقرة:246

الطّبريّ: بالقهر و الغلبة.(2:613)

الثّعلبيّ: و قرأ عبيد بن حميد: (قد اخرجنا) بفتح الهمزة و الجيم يعني العدوّ.

و معنى الكلام:و قد أخرج من كتب عليهم من ديارهم و أبنائهم،ظاهر الكلام العموم،و باطنه الخصوص،لأنّ الّذين قالوا لنبيّهم اِبْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ

ص: 460

فِي سَبِيلِ اللّهِ كانوا في ديارهم و أوطانهم،و إنّما من داره من أسر و قهر منهم.

و معنى الآية:إنّهم قالوا مجيبين:إنّما كنّا نزهد في الجهاد إذ كنّا ممنوعين في بلادنا،لا يطؤنا عدوّنا و لا يظهر علينا،فأمّا إذا بلغ ذلك منّا،فلا بدّ من الجهاد،فنطيع ربّنا في الغزو،و نمنع نساءنا و أولادنا.(2:210)

مثله البغويّ.(1:333)

الواحديّ: أي بالسّبي و القهر على نواحينا.

(1:357)

نحوه النّيسابوريّ.(2:310)

الزّمخشريّ: و ذلك أنّ قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الرّوم بين مصر و فلسطين،فأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة و أربعين.(1:378)

نحوه النّسفيّ.(1:124)

ابن عطيّة: و أيّ شيء يجعلنا ألاّ نقاتل،و قد وترنا و أخرجنا من ديارنا؟و قالوا:هذه المقالة،و إن كان القائل لم يخرج من حيث قد أخرج من هو مثله و في حكمه.

(1:331)

ابن الجوزيّ: يعنون أخرج بعضنا،و هم الّذين سبوا منهم و قهروا،فظاهره العموم،و معناه الخصوص.(1:292)

البيضاويّ: أي أيّ غرض لنا في ترك القتال،و قد عرض لنا ما يوجبه و يحثّ عليه من الإخراج عن الأوطان و الإفراد عن الأولاد.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ]

(1:129)

نحوه الشّربينيّ(1:160)،و أبو السّعود(1:286)، و البروسويّ(1:382)،و الآلوسيّ(2:166).

أبو حيّان : وَ قَدْ أُخْرِجْنا جملة حاليّة،أنكروا ترك القتال،و قد التبسوا بهذه الحال من إخراجهم من ديارهم و أبنائهم،و القائل هذا لم يخرج،لكنّه أخرج مثله، فكان ذلك إخراجا له.و يمكن حمله على الظّاهر،لأنّ كثيرا منهم استولي على بلادهم و أسر أبناؤهم فارتحلوا إلى غير بلادهم الّتي كان منشأهم بها،كما مرّ في قصّتهم.

و قرأ عبيد بن عمير (و قد اخرجنا) أي العدوّ، و المعنى في وَ أَبْنائِنا، أي من بين أبنائنا.و قيل:هو على القلب أي و أخرج منّا أبناؤنا.

و يحتمل أن يكون الفاعل ب(اخرجنا)على قراءة عبيد المذكور ضميرا يعود على اللّه،أي و قد أخرجنا اللّه بعصياننا و ذنوبنا،فنحن نتوب و نقاتل في سبيله ليردّنا إلى أوطاننا،و يجمع بيننا و بين أبنائنا،كما تقول:ما لي لا أطيع اللّه و قد عاقبني على معصيته،فينبغي أن أطيعه حتّى لا يعاقبني.(2:256)

نحوه السّمين.(1:600)

ابن عاشور :يقتضي أنّ الفلسطينيّين أخذوا بعض مدن بني إسرائيل،و قد صرّح بذلك إجمالا في الإصحاح السّابع من سفر صمويل الأوّل،و أنّهم أسروا أبناءهم، و أطلقوا كهولهم و شيوخهم.و في ذكر الإخراج من الدّيار و الأبناء تلهيب للمهاجرين من المسلمين على مقاتلة المشركين الّذين أخرجوهم من مكّة،و فرّقوا بينهم و بين نسائهم،و بينهم و بين أبنائهم،كما قال تعالى: وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ... النّساء:75.(2:466)

الطّباطبائيّ: الإخراج من البلاد لمّا كان ملازما

ص: 461

للتّفرقة بينهم و بين أوطانهم المألوفة،و منعهم عن التّصرّف فيها و التمتّع بها،كنّي به عن مطلق التّصرّف و التّمتّع،و لذلك نسب الإخراج إلى الأبناء أيضا،كما نسب إلى البلاد.(2:286)

مكارم الشّيرازيّ: كيف يمكن أن نعصي أوامر أميرنا و نرفض القيام بواجبنا،مع أنّ العدوّ قد شرّدنا من أوطاننا،و استولى على أرضنا،و أسر أبناءنا!!.

(2:147)

فضل اللّه :انطلاقا من واقع الاضطهاد الّذي تعرّضوا له،من إخراج الظّالمين لهم من ديارهم و أهاليهم،ممّا يجعل من قضيّة القتال قضيّة ترتبط بالذّات من جهة،و بالعقيدة من جهة أخرى.(4:387)

يخرج

1- ..فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ...

البقرة:61

الزّجّاج: يُخْرِجْ مجزوم،و فيه غير قول:

قال بعض النّحويّين:المعنى سله و قل له:أخرج لنا يخرج لنا«هو».و قال في قوله تعالى: وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الإسراء:53،قالوا:المعنى قل لهم:قولوا الّتي هي أحسن أن يقولوا.

و قال قوم:معنى يُخْرِجْ لَنا معنى الدّعاء كأنّه قال:أخرج لنا،و كذلك قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ إبراهيم:31،المعنى قل لعبادي:أقيموا،و لكنّه صار قبله(ادع)و(قل)فجعل بمنزلة جواب الأمر.

و كلا القولين مذهب.و لكنّه على الجواب أجود،لأنّ ما في القرآن من لفظ الأمر الّذي ليس معه جازم مرفوع، قال اللّه عزّ و جلّ: تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ... ثمّ جاء بعد تمام الآية يَغْفِرْ لَكُمْ الصّفّ:11،12،المعنى آمنوا باللّه و رسوله و جاهدوا يغفر لكم.(1:142)

نحوه القرطبيّ.(1:423)

الطّوسيّ: قوله: يُخْرِجْ جزم جواب الأمر.

(1:275)

الزّمخشريّ: يظهر لنا و يوجد.(1:284)

نحوه النّيسابوريّ.(1:329)

ابن عطيّة: جزم بما تضمّنه الأمر من معنى الجزاء، و بنفس الأمر على مذهب أبي عمر الجرميّ،و المفعول على مذهب سيبويه مضمر،تقديره:مأكولا ممّا تنبت الأرض.(1:153)

البيضاويّ: يظهر لنا و يوجد،و جزمه بأنّه جواب فَادْعُ فإنّ دعوته سبب الإجابة.(1:59)

نحوه الشّربينيّ(1:64)،و أبو السّعود(1:140)، و البروسويّ(1:150).

أبو حيّان :جزمه على جواب الأمر الّذي هو (ادع)و قد مرّ نظيره في أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ البقرة:40،و قيل:ثمّ محذوف،تقديره:و قل له أخرج فيخرج،مجزوم على جواب هذا الأمر الّذي هو أخرج.

و قيل:جزم يُخْرِجْ بلام مضمرة و هي لام الطّلب،أي ليخرج،و هذا عند البصريّين لا يجوز.

(1:232)

نحوه السّمين.(1:240)

ص: 462

الآلوسيّ: المراد بالإخراج المعنى المجازيّ اللاّزم للمعنى الحقيقيّ،و هو الإظهار بطريق الإيجاد،لا بطريق إزالة الخفاء.و الحمل على المعنى الحقيقيّ يقتضي مخرجا عنه،و ما يصلح له هاهنا هو(الارض)و بتقديره يصير الكلام سخيفا،و يُخْرِجْ مجزوم لأنّه جواب الأمر،و جزمه بلام الطّلب محذوفة لا يجوز عند البصريّين.(1:274)

مغنيّة: يُخْرِجْ مضارع مجزوم جوابا لفعل الأمر، و هو(ادع،)و ذلك مبتدأ،و خبره بِأَنَّهُمْ كانُوا، و مثله ذلِكَ بِما عَصَوْا. (1:115)

2- إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ... الأنعام:95

رشيد رضا : وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ كالحبّ و النّوى من النّبات،و البيضة و النّطفة من الحيوان،و هذا قيل:إنّه عطف على فالِقُ الْحَبِّ لأنّ الأصل في الكلام الفصيح أن يعطف الاسم على الاسم،و لأنّ إخراج الميّت من الحيّ لا يدخل في بيان فلق الحبّ و النّوى.

و قيل:إنّه عطف على يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ سواء كان بيانا لما قبله أو خبرا بعد خبر،لأنّ التّناسب بين هذين الأمرين المتقابلين أقوى من التّناسب بين الثّاني و بين فلق الحبّ و النّوى،و لذلك وردا بصيغة الفعل في سورتي يونس:31 و الرّوم:19 يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ و قد حسن عطف اسم الفاعل(مخرج)على الفعل(يخرج)لنكتة بيان التّفاوت بين الأمرين،مع كون اسم الفاعل بمعنى فعل المضارع،فإنّ مخرج الشّيء هو الّذي يخرجه في الحال أو الاستقبال،و لكن هذا الفعل يدلّ أيضا على التّجدّد و الاستمرار.

و قد يراد بوضعه موضع اسم الفاعل أو موضع الفعل الماضي إفادة تجدّده و استمراره،أو تصوّر حدوث متعلّقه و استحضار صورته.

مثال الأوّل:المقابلة الّتي أوردها الشّيخ عبد القاهر في«دلائل الإعجاز»بين قوله تعالى: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ فاطر:3،و قوله:

وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ الكهف:18،فصيغة الفعل في يَرْزُقُكُمْ تدلّ على أنّه يرزقهم حالا فحالا و ساعة فساعة،و صيغة الاسم في باسِطٌ ذِراعَيْهِ تفيد البقاء على تلك الحالة.

و مثال الثّاني:قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً الحجّ:63،جعل فَتُصْبِحُ موضع فأصبحت،لإفادة استحضار تلك الهيئة الجميلة،و تمثّلها كأنّها حاضرة.مشاهدة.

و كلّ من هذين المعنيين للمضارع،قيل:بأنّه مراد بقوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، القائل بالأوّل هو فخر الدّين الرّازيّ،و القائل بالآخر هو ابن المنير في «الانتصاف على الكشّاف».

و قال الرّازيّ في تعليل اختلاف التّعبير في المعنى:إنّ العناية بإيجاد الحيّ من الميّت أكثر و أكمل من العناية بإخراج الميّت من الحيّ.

و قال ابن المنير:إنّ الأوّل أظهر في القدرة من الثّاني، و إنّه أوّل الحالين،و النّظر أوّل ما يبدأ به،فلهذا كان

ص: 463

جديرا بالتّصوّر و التّأكيد في النّفس و بالتّقديم،انتهى.

و ذهب الخطيب الإسكافيّ في«درّة التّنزيل»إلى جعل اختلاف التّعبير لفظيّا محضا.و ملخّص كلامه أنّ مقتضى السّياق أن يقال:«و مخرج الحيّ من الميّت مخرج أعيت من الحيّ»لمناسبة فالِقُ الْحَبِّ قبله و فالِقُ الْإِصْباحِ بعده،و لكن لمّا كان ذلك مستثقلا في النّطق بعد كلمة وَ النَّوى الّذي اجتمع فيها ثلاثة من حروف العلّة،عدل عن(و مخرج)المبدأ بحرف العلّة إلى (يخرج)الّتي بمعناها،ثمّ عطف عليها(و مخرج) لمناسبة اسم الفاعل قبله و بعده انتهى.

و المراد أنّ وَ النَّوى بدئت بالواو المفتوحة و ختمت بها،فإذا عطف عليها وَ مُخْرِجُ تتكرّر الواو المفتوحة تكرارا مستثقلا،كما هو ظاهر.

و نقل بعض المفسّرين عن ابن عبّاس رضى اللّه عنه أنّ معنى الجملتين يخرج المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن.

و مثله إخراج البارّ من الفاجر،و الصّالح من الطّالح،و العالم من الجاهل،و عكسه.يحمل الحياة و الموت على المعنويّ منهما على حدّ قوله تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ الأنعام:122.و لكن هذا التّفسير لا يناسب هذا السّياق،و إنّما يناسب سياق آيتي آل عمران:4:27،و يونس:10:31،فراجع تفسير الأولى في ص:275 ج 3 من التّفسير.(7:631)

3- ..أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ... يونس:31

4- يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ... الرّوم:19

لاحظ ح ي ي:«الحىّ».

5- أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ. النّمل:25

الزّمخشريّ: و في إخراج الخبء أمارة على أنّه من كلام الهدهد،لهندسته و معرفته الماء تحت الأرض؛و ذلك بإلهام من يخرج الخبء في السّماوات و الأرض جلّت قدرته و لطف علمه،و لا يكاد تخفى على ذي الفراسة النّظّار بنور اللّه،مخائل كلّ مختصّ بصناعة أو فنّ من العلم في إروائه و منطقه و شمائله،و لهذا ورد:«ما عمل عبد عملا إلاّ ألقى اللّه عليه رداء عمله».(3:145)

الفخر الرّازيّ: الآية دلّت على وصف اللّه تعالى بالقدرة و العلم:أمّا القدرة فقوله: يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و سمّي المخبوء بالمصدر،و هو يتناول جميع أنواع الأرزاق و الأموال،و إخراجه من السّماء بالغيث،و من الأرض بالنّبات.و أمّا العلم فقوله:

وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ النّمل:25.

و اعلم أنّ المقصود من هذا الكلام الرّدّ على من يعبد الشّمس.و تحرير الدّلالة هكذا:الإله يجب أن يكون قادرا على إخراج الخبء و عالما بالخفيّات،و الشّمس ليست كذلك،فهي لا تكون إلها،و إذا لم تكن إلها لم يجز السّجود لها.

أمّا أنّه سبحانه و تعالى يجب أن يكون قادرا عالما على الوجه المذكور،فلمّا أنّه واجب لذاته فلا تختصّ

ص: 464

قادريّته و عالميّته ببعض المقدورات و المعلومات دون البعض.و أمّا أنّ الشّمس ليست كذلك،فلأنّها جسم متناه،و كلّ ما كان متناهيا في الذّات،كان متناهيا في الصّفات،و إذا كان كذلك فحينئذ لا يعلم كونها قادرة على إخراج الخبء عالمة بالخفيّات،فإذا لم يعلم من حالها ذلك،لم يعلم من حالها كونها قادرة على جلب المنافع و دفع المضارّ.فرجع حاصل الدّلالة إلى ما ذكره إبراهيم عليه السّلام في قوله لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً مريم:42،و في قوله: لِلّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ... النّمل:25.

وجه آخر و هو أنّ هذا إشارة إلى ما استدلّ به إبراهيم عليه السّلام في قوله: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ البقرة:258،و في قوله: فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ...؛ و ذلك لأنّه سبحانه و تعالى هو الّذي يخرج الشّمس من المشرق بعد أفولها في المغرب،فهذا هو إخراج الخبء في السّماوات،و هو المراد من قول إبراهيم عليه السّلام: لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ الأنعام:76،و من قوله:

فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ...، و من قول موسى عليه السّلام: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ. و حاصله يرجع إلى أنّ أفول الشّمس و طلوعها يدلاّن على كونها تحت تدبير مدبّر قاهر،فكانت العبادة لقاهرها و المتصرّف فيها أولى.و أمّا إخراج الخبء من الأرض فهو يتناول إخراج النّطفة من الصّلب و التّرائب و تكوين الجنين منه.(24:192)

النّيسابوريّ: و في تخصيص وصف اللّه تعالى في هذا المقام بإخراج الخبء،إشارة إلى ما عهده الهدهد من قدرة اللّه تعالى في إخراج الماء من الأرض،ألهمه هذا التّخصيص كما ألهمه تلك المعرفة.(19:93)

أبو السّعود :أي يظهر ما هو مخبوء مخفيّ فيهما كائنا ما كان،و تخصيص هذا الوصف بالذّكر بصدد بيان تفرّده تعالى باستحقاق السّجود له من بين سائر أوصافه الموجبة لذلك،لما أنّه أرسخ في معرفته و الإحاطة بأحكامه بمشاهدة آثاره الّتي من جملتها ما أودعه اللّه تعالى في نفسه من مقدرة على معرفة الماء تحت الأرض.

و أشار بعطف قوله: وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ على (يخرج)إلى أنّه تعالى يخرج ما في العالم الإنسانيّ من الخفايا،كما يخرج ما في العالم الكبير من الخبايا،لما أنّ المراد يظهر ما تخفونه من الأحوال فيجازيكم بها،و ذكر ما تُعْلِنُونَ لتوسيع دائرة العلم و للتّنبيه على تساويهما بالنّسبة إلى العلم الإلهيّ...

و إخراج الخبء يعمّ إشراق الكواكب و إظهارها من آفاقها بعد استنارتها وراءها و إنزال الأمطار و إنبات النّبات،بل الإنشاء الّذي هو إخراج ما في الشّيء بالقوّة إلى الفعل،و الإبداع الّذي هو إخراج ما في الإمكان و العدم إلى الوجود،و غير ذلك من غيوبه عزّ و جلّ.

(5:80)

6- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّهُ أَضْغانَهُمْ. محمّد:29

الفرّاء: أن لن يبدي اللّه عداوتهم و بغضهم لمحمّد صلّى اللّه عليه.(3:63)

مثله الزّجّاج.(5:15)

ص: 465

الطّبريّ: أحسب هؤلاء المنافقون-الّذين في قلوبهم شكّ في دينهم،و ضعف في يقينهم،فهم حيارى في معرفة الحقّ-أن لن يخرج اللّه ما في قلوبهم من الأضغان على المؤمنين،فيبديه لهم و يظهره،حتّى يعرفوا نفاقهم و حيرتهم في دينهم؟(11:324)

نحوه البغويّ.(4:218)

الواحديّ: أن لن يطّلع اللّه على ما في قلوبهم من الحقد و العداوة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و للمؤمنين،و معنى يُخْرِجَ اللّهُ يظهر اللّه ذلك من ستر الكتمان.(4:128)

الزّمخشريّ: أحقادهم،و إخراجها إبرازها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و للمؤمنين،و إظهارهم على نفاقهم و عداوتهم لهم،و كانت صدورهم تغلي حنقا عليهم.(3:537)

نحوه النّيسابوريّ(26:32)،و أبو حيّان(8:84).

الفخر الرّازيّ: [احتمل أن يكون(ام)منقطعة أو استفهاميّة ثمّ قال:]

فكأنّه تعالى قال:أحسب الّذين كفروا أن لن يعلم اللّه أسرارهم،أم حسب المنافقون أن لن يظهرها،و الكلّ قاصر،و إنّما يعلمها و يظهرها.و يؤيّد هذا أنّ المنقطعة لا تكاد تقع في صدر الكلام،فلا يقال ابتداء:«بل جاء زيد،و لا أم جاء عمر»و الإخراج:بمعنى الإظهار،فإنّه إبراز.(28:69)

القرطبيّ: أم حسبوا أن لن يظهر اللّه عداوتهم و حقدهم لأهل الإسلام.(16:252)

البيضاويّ: أن لن يبرز اللّه لرسوله و المؤمنين.

(2:397)

الشّربينيّ: أي يبرز من هو محيط بصفات الكمال للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين على سبيل التّجديد و الاستمرار.(4:33)

أبو السّعود :أي بل أحسب الّذين في قلوبهم حقد و عداوة للمؤمنين،أنّه لن يخرج اللّه أحقادهم و لن يبرزها لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم و للمؤمنين،فتبقى أمورهم مستورة؟ و المعنى أنّ ذلك ممّا لا يكاد يدخل تحت الاحتمال.

(6:92)

الآلوسيّ: و الإخراج:مختصّ بالأجسام،و المراد به هنا الإبراز.[ثمّ ذكر مثل أبي السّعود](26:77)

ابن عاشور :انتقال من التّهديد و الوعيد إلى الإنذار،بأنّ اللّه مطلع رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم على ما يضمره المنافقون من الكفر و المكر و الكيد،ليعلموا أنّ أسرارهم غير خافية،فيوقنوا أنّهم يكدّون عقولهم في ترتيب المكائد بلا طائل؛و ذلك خيبة لآمالهم.[إلى أن قال:]

و الإخراج:أطلق على الإظهار و الإبراز على وجه الاستعارة،لأنّ الإخراج استلال شيء من مكمنه، فاستعير للإعلام بخبر خفيّ.(26:101)

7- إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ. محمّد:37

الفرّاء: و يخرج ذلك البخل عداوتكم،و يكون يخرج اللّه أضغانكم.(3:64)

الطّبريّ: يقول:و يخرج جلّ ثناؤه-لو سألكم أموالكم بمسألته ذلك منكم-أضغانكم.قد علم اللّه أنّ في مسألته المال خروج الأضغان.(11:328)

الزّمخشريّ: أي تضطغنون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم

ص: 466

و تضيق صدوركم لذلك،و أظهرتم كراهتكم و مقتكم لدين يذهب بأموالكم.و الضّمير في(يخرج)للّه عزّ و جلّ،أي يضغنكم بطلب أموالكم،أو للبخل لأنّه سبب الاضطغان.و قرئ نخرج بالنّون،و يخرج بالياء و التّاء مع فتحهما و رفع (اضغانكم) .(3:539)

نحوه القرطبيّ(16:257)،و البيضاويّ(2:398)، و أبو السّعود(6:94)،و ابن عاشور(26:114).

ابن عطيّة: أي يبديها من مكانها في نفوسهم.

(5:120)

ابن الجوزيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

أي يظهر بغضكم و عداوتكم للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، و لكنّه فرض عليكم يسيرا.(7:414)

أبو حيّان :و قرأ الجمهور وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ جزما على جواب الشّرط،و الفعل مسند إلى اللّه أو إلى الرّسول أو إلى البخل.

و قرأ عبد الوارث عن أبي عمرو (و يخرج) بالرّفع على الاستئناف،بمعنى و هو يخرج،و حكاها أبو حاتم عن عيسى.و في«اللّوامح»عن عبد الوارث عن أبي عمرو (و تخرج)بالتّاء و فتحها و ضمّ الرّاء و الجيم،(اضغانكم) بالرّفع،بمعنى و هو يخرج أو سيخرج أضغانكم،رفع بفعله.

و قرأ ابن عبّاس و مجاهد و ابن سيرين و ابن محيصن و أيّوب بن المتوكّل و اليماني (و تخرج) بتاء التّأنيث مفتوحة (اضغانكم) رفع به،و يعقوب (و نخرج) بالنّون (اضغانكم) رفعا،و هي مرويّة عن عيسى،إلاّ أنّه فتح الجيم بإضمار(ان)فالواو عاطفة على مصدر متوهّم،أي يكف بخلكم و إخراج أضغانكم.(8:86)

نحوه السّمين(6:158)،و الآلوسيّ(26:81).

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قال في«عين المعاني»:أي يظهر أضغانكم عند الامتناع.و قال قتادة:علم اللّه أنّ ابن آدم ينقم ممّن يريد ماله،و يقال:و يخرج ما في قلوبكم من حبّ المال.و هذه المرتبة لمن يوقي شحّ نفسه،فأمّا الأحرار عن رقّ الكونين و من علت رتبتهم في طلب الحقّ،فلا يسامحون في استبقاء ذرّة،و يطالبون ببذل الرّوح و التزام الغرامات، فإنّ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.(8:525)

يخرجهم-يخرجونهم

1- اَللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ... البقرة:257

2- ..مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ... المائدة:16

لاحظ ظ ل م:«الظّلمات».

يخرجكم

1- يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ.

الأعراف:110

النّقّاش:كانوا يأخذون من بني إسرائيل خرجا كالجزية،فرأوا أنّ ملكهم يذهب بزوال ذلك.

(ابن عطيّة 2:437)

الطّوسيّ: بإزالة ملككم بتقوية أعدائكم عليكم.

(4:525)

ص: 467

ابن عطيّة:يعنون بأنّه يحكم فيكم بنقل رعيّتكم في بني إسرائيل،فيفضي ذلك إلى خراب دياركم إذا ذهب الخدمة و العمرة،و أيضا فلا محالة أنّهم خافوا أن يقاتلهم و جالت ظنونهم كلّ مجال.(2:437)

الطّبرسيّ: معناه:يريد أن يستميل بقلوب بني إسرائيل إلى نفسه،و يتقوّى بهم،فيغلبكم بهم و يخرجوكم من بلدتكم.(2:460)

أبو حيّان :استشعرت نفوسهم ما صار إليه أمرهم من إخراجهم من أرضهم،و خلوّ مواطنهم منهم،و خراب بيوتهم،فبادروا إلى الإخبار بذلك،و كان الأمر كما استشعروا؛إذ غرّق اللّه فرعون و آله،و أخلى منازلهم منهم،و نبّهوا على هذا الوصف الصّعب الّذي هو معادل لقتل الأنفس،كما قال: وَ لَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ النّساء:66.و أراد به إخراجهم:إمّا بكونه يحكم فيكم بإرسال خدمكم و عمّار أرضكم معه؛حيث يسير فيفضي ذلك إلى خراب دياركم.و إمّا بكونهم خافوا منه أن يقاتلهم بمن يجتمع إليه من بني إسرائيل،و يغلب على ملكهم.

و جاء في سورة الشّعراء: بِسِحْرِهِ و هنا حذفت، لأنّ الآية الأولى هنا بنيت على الاختصار فناسبت الحذف،و لأنّ لفظ(ساحر)يدلّ على السّحر.(4:358)

ابن عاشور :الخطاب في قوله: يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ خطاب بعضهم لبعض،و هو حاصل من طوائف ذلك الملأ لطوائف يردّدونه بينهم،و يقوله بعضهم لبعض.

و وجه استفادتهم أنّ موسى يريد إخراجهم من أرضهم:إمّا أنّهم قاسوا ذلك عن قول موسى: فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ الأعراف:105،بقاعدة ما جاز على المثل يجوز على المماثل،يعنون أنّه ما أظهر إخراج بني إسرائيل إلاّ ذريعة لإخراج كلّ من يؤمن به،ليتّخذهم تبعا،و يقيم بهم ملكا خارج مصر،فزعموا أنّ تلك مكيدة من موسى لثلم ملك فرعون.

و إمّا أن يكون ملأ فرعون محتويا على رجال من بني إسرائيل،كانوا مقرّبين عند فرعون و من أهل الرّأي في المملكة،فهم المقصود بالخطاب،أي يريد إخراج قومكم من أرضكم الّتي استوطنتموها أربعة قرون،و صارت لكم موطنا كما هي للمصريّين،و مقصدهم من ذلك تذكيرهم بحبّ وطنهم،و تقريبهم من أنفسهم، و إنساؤهم ما كانوا يلقون من اضطهاد القبط و استذلالهم، شعورا منهم بحراجة الموقف.

و إمّا أنّهم علموا أنّه إذا شاع في الأمّة ظهور حجّة موسى و عجز فرعون و ملئه،أدخل ذلك فتنة في عامّة الأمّة،فآمنوا بموسى و أصبح هو الملك على مصر، فأخرج فرعون و ملأه منها.

و يجوز أن يكون الملأ خاطبوا بذلك فرعون،فجرت ضمائر الخطاب في قوله: أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ على صيغة الجمع،تعظيما للملك،كما في قوله تعالى:

قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ المؤمنون:99،و هذا استعمال مطّرد.(8:229)

الطّباطبائيّ: أي يريد أن يتأيّد ببني إسرائيل فيتملّك مصر،و يبطل استقلالكم و يخرجكم من

ص: 468

أرضكم،و كثيرا ما كان يتّفق في الأعصار السّابقة أن يهجم قوم على قوم،فيتغلّبوا عليهم فيشغلوا أرضهم و يتملّكوا ديارهم،فيخرجوهم منها و يشرّدوهم في الأرض.(8:215)

فضل اللّه :بسحره،في ما كانوا يعتقدونه من قدرة السّحرة على ممارسة كلّ أساليب الضّغط،و كلّ وسائل السّيطرة،فيفقدهم سلطانهم،و يقودهم إلى متاهات الضّياع.(10:204)

2- يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ. الشّعراء:35

الطّبريّ: يريد أن يخرج بني إسرائيل من أرضكم إلى الشّام بقهره إيّاكم بالسّحر.و إنّما قال: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ فجعل الخطاب للملإ حوله من القبط،و المعنيّ به بنو إسرائيل،لأنّ القبط كانوا قد استعبدوا بني إسرائيل،و اتّخذوهم خدما لأنفسهم و مهّانا،فلذلك قال لهم: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ و هو يريد أن يخرج خدمكم و عبيدكم من أرض مصر إلى الشّام.

و إنّما قلت:معنى ذلك كذلك،لأنّ اللّه إنّما أرسل موسى إلى فرعون يأمره بإرسال بني إسرائيل معه،فقال له و لأخيه: فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ* أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ الشّعراء:16،17.

(9:441)

الطّوسيّ: قيل:معناه:يريد أن يخرج عبيدكم بني إسرائيل قهرا.و يحتمل أن يكون أراد يخرجكم من دياركم و يتغلّب عليكم.(8:18)

الميبديّ: أي يريد أن يوقع العداوة و الفرقة بينكم حتّى يحارب بعضكم بعضا،و حتّى يخرجكم من دياركم و يتغلّب عليكم.

و قيل:لم يرد إخراج القبط،إنّما أراد إخراج بني إسرائيل؛أ لا تراه يقول: أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ و تقديره:يخرج خدمكم و مهّانكم من بني إسرائيل من أرض مصر إلى أرض الشّام،و إذا أخرجهم فكأنّما أخرجكم.(7:103)

الفخر الرّازيّ: و هذا يجري مجرى التّنفير عنه،لئلاّ يقبلوا قوله،و المعنى:يريد أن يخرجكم من أرضكم بما يلقيه بينكم من العداوات،فيفرّق جمعكم.و معلوم أنّ مفارقة الوطن أصعب الأمور،فنفّرهم عنه بذلك،و هذا نهاية ما يفعله المبطل في التّنفير عن المحقّ.(24:132)

أبو حيّان :ليقوّي تنفيرهم عنه و ابتغاؤهم الغوائل له،و أن لا يقبلوا قوله؛إذ من أصعب الأشياء على النّفوس مفارقة الوطن الّذي نشئوا فيه.(7:15)

الآلوسيّ: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ قسرا مِنْ أَرْضِكُمْ الّتي نشأتم فيها و توطّنتموها بِسِحْرِهِ و في هذا غاية التّنفير عنه عليه السّلام و ابتغاء الغوائل له؛إذ من أصعب الأشياء على النّفوس مفارقة الوطن،لا سيّما إذا كان ذلك قسرا،و هو السّرّ في نسبة الإخراج و الأرض إليهم.(19:76)

3- هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ... الأحزاب:43

لاحظ ظ ل م:«الظّلمات».

ص: 469

4- ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَ يُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً. نوح:18

الطّبريّ: يقول:و يخرجكم منه إذا شاء أحياء كما كنتم بشرا من قبل أن يعيدكم فيها،فيصيّركم ترابا إخراجا.(12:252)

الماورديّ: للنّشور بالبعث.(6:103)

نحوه الواحديّ(4:359)،و القرطبيّ(18:305).

الطّوسيّ: منها يوم القيامة،كما قال: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى طه:

55.(10:138)

البغويّ: منها يوم البعث أحياء.(5:157)

الميبديّ: عند البعث،دلّ بالنّشأة الأولى على جواز البعث في الثّانية.(10:240)

الزّمخشريّ: يوم القيامة.و أكّده بالمصدر،كأنّه قال:يخرجكم حقّا و لا محالة.(4:163)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:141)،و النّيسابوريّ(29:

58)،و أبو حيّان(8:340).

ابن عطيّة: و الإخراج هو البعث يوم القيامة لموقف العرض و الجزاء.(5:375)

أبو السّعود :منها عند البعث و الحشر، إِخْراجاً محقّقا لا ريب فيه.(6:310)

البروسويّ: [ذكر مثل أبي السّعود و أضاف:]

و ذلك لمجازاة الأولياء و محاسبة الأعداء،و لم يقل:ثمّ يخرجكم،بل ذكر بالواو الجامعة إيّاها مع(يعيدكم)، رمزا إلى أنّ الإخراج مع الإعادة في القبر كشيء واحد، لا يجوز أن يكون بعضها محقّق الوقوع دون بعض.

و في«التّأويلات النّجميّة»:و اللّه أنبت من أرض بشريّتكم نبات الأخلاق و الصّفات،ثمّ يعيدكم في تلك الأرض بالبقاء بعد الفناء،بطريق الرّجوع إلى أحكام البشريّة باللّه،لا بالطّبع و الميل الطّبيعيّ. وَ يُخْرِجُكُمْ أي و يظهركم و يغلبكم على التّصرّف في العالم باللّه، لا بكم و لا بقدرتكم و استطاعتكم.(10:179)

نحوه الآلوسيّ.(29:76)

ابن عاشور :و أكّد يُخْرِجَكُمْ بالمفعول المطلق، لردّ إنكارهم البعث.(29:190)

الطّباطبائيّ: و الإخراج للجزاء يوم القيامة، فالآية و الّتي قبلها قريبتا المعنى من قوله تعالى: فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ الأعراف:25.

و في قوله: وَ يُخْرِجُكُمْ دون أن يقول:ثمّ يخرجكم إيماء إلى أنّ الإعادة و الإخراج كالصّنع الواحد، و الإعادة مقدّمة للإخراج،و الإنسان في حالتي الإعادة و الإخراج في دار الحقّ،كما أنّه في دار الدّنيا في دار الغرور.(20:33)

مكارم الشّيرازيّ: كنتم في البدء ترابا،ثمّ تعودون إلى التّراب ثانية،و من كانت له القدرة على أن يخلقكم من التّراب،هو قادر على أن يحييكم بعد الموت.

هذا الانتقال من التّوحيد إلى المعاد الّذي جاء في سياق هذه الآيات بصورة لطيفة،يشير إلى العلاقة القريبة بينهما،و هكذا كان نوح عليه السّلام يوضّح لمخالفيه أمر التّوحيد بالاستدلال عن طريق نظام الخلقة،و يستدلّ كذلك بها على المعاد.(19:59)

فضل اللّه :لتواجهوا الموقف النّهائيّ الحاسم،الّذي تقفون فيه بين يدي اللّه في موقف الحساب؛حيث ينطلق

ص: 470

كلّ التّاريخ المضيء،ليضيء لكم الطّريق نحو الجنّة،و كلّ التّاريخ المظلم ليقودكم إلى النّار.(23:131)

يخرجوك

1- وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ.

الأنفال:30

الفرّاء: على بعير تطرد به حتّى تهلك أو يكفيكموه بعض العرب.(الطّوسيّ 5:128)

الطّبرسيّ: من مكّة إلى طرف من أطراف الأرض.

و قيل:أو يخرجوك على بعير،و يطردونه حتّى يذهب في وجهه.(2:537)

ابن عاشور :و التّعبير بالمضارع في:(يثبتوك)، و(يقتلوك)،و(يخرجوك)،لأنّ تلك الأفعال مستقبلة بالنّسبة لفعل المكر؛إذ غاية مكرهم تحصيل واحد من هذه الأفعال.

و أشارت الآية إلى تردّد قريش في أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، حين اجتمعوا للتّشاور في ذلك بدار النّدوة،في الأيّام الأخيرة قبيل هجرته،فقال أبو البختريّ: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق و سدّوا عليه باب بيت غير كوّة تلقون إليه منها الطّعام.و قال أبو جهل:أرى أن نأخذ من كلّ بطن في قريش فتى جلدا فيجتمعون،ثمّ يأخذ كلّ واحد منهم سيفا،و يأتون محمّدا في بيته،فيضربونه ضربة رجل واحد،فلا تقدر بنو هاشم على قتال قريش بأسرها،فيأخذون العقل و نستريح منه.و قال هشام بن عمرو:الرّأي أن تحملوه على جمل و تخرجوه من بين أظهركم،فلا يضرّكم ما صنع.(9:81)

الطّباطبائيّ: و التّرديد في الآية بين الحبس و القتل و الإخراج بيانا لما كانوا يمكرونه من مكر،يدلّ أنّه كان منهم شورى يشاور فيها بعضهم بعضا في أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و ما كان يهمّهم و يهتمّون به من إطفاء نور دعوته،و بذلك يتأيّد ما ورد من أسباب النّزول،أنّ الآية تشير إلى قصّة دار النّدوة.(9:66)

2- وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاّ قَلِيلاً. الإسراء:76

البروسويّ: إن قلت:أ ليس أخرجوه بشهادة قوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ محمّد:13،و قوله عليه السّلام حين خرج من مكّة متوجّها إلى المدينة:«و اللّه إنّي لأخرج منك،و إنّي لأعلم أنّك أحبّ بلاد اللّه إلى اللّه،و أكرمها على اللّه،و لو لا أنّ أهلك أخرجوني منك ما خرجت».

قلت:لم يتحقّق الإخراج بعد نزول هذه الآية،ثمّ وقع بعده حيث هاجر عليه السّلام بإذن اللّه تعالى،و كانوا قد ضيّقوه قبل الهجرة ليخرج.(5:190)

ابن عاشور :و قوله:(يخرجوك)تعليل للاستفزاز،أي استفزازا لقصد الإخراج.و المراد بالإخراج:مفارقة المكان دون رجوع،و بهذا الاعتبار جعل علّة للاستفزاز،لأنّ الاستفزاز أعمّ من الإخراج.(14:141)

ص: 471

تخرج

1- تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ. آل عمران:27

لاحظ ح ي ي:«الحىّ».

2- ..وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي... المائدة:110

الكلبيّ: و الّذين أحياهم من الموتى رجلان و امرأة.

(الماورديّ 2:80)

الثّعلبيّ: من قبورهم أحياء. بِإِذْنِي فأحيا سام بن نوح و رجلين و امرأة و جارية.(4:123)

نحوه البغويّ(2:101)،و الزّمخشريّ(1:653)، و النّسفيّ(1:309)،و ابن عطيّة(2:259)،و الشّربينيّ (1:405).

الماورديّ: يعني و اذكر نعمتي عليك؛إذ تدعوني أن أحيي الموتى،فأجيب دعاءك،حتّى تخرجهم من القبور أحياء،و نسب إليه ذلك توسّعا أيضا لأجل دعائه، و يجوز أن ينسب إخراجهم إليه حقيقة،لأنّ إخراجهم من قبورهم بعد إحياء اللّه لهم يجوز أن يكون من فعل المسيح.(2:80)

الطّوسيّ: أي اذكر إذ تدعوني،فأحيي الموتى عند دعائك،و أخرجهم من القبور حتّى يشاهدهم النّاس أحياء.و إنّما نسبه إلى عيسى لما بيّنّا من أنّه كان بدعائه.(4:60)

مثله الطّبرسيّ.(2:262)

الفخر الرّازيّ: أي و إذ تخرج الموتى من قبورهم أحياء، بِإِذْنِي أي بفعلي ذلك عند دعائك،و عند قولك للميّت:أخرج بإذن اللّه من قبرك.

و ذكر«الإذن»في هذه الأفاعيل،إنّما هو على معنى إضافة حقيقة الفعل إلى اللّه تعالى،كقوله: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:145،أي إلاّ بخلق اللّه الموت فيها.(12:126)

أبو حيّان :و التّقدير في: وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى تحيي الموتى،فعبّر بالإخراج عن الإحياء،كقوله تعالى:

كَذلِكَ الْخُرُوجُ بعد قوله: وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ق:11،أو يكون التّقدير:و إذ تخرج الموتى من قبورهم أحياء.(4:52)

البروسويّ: أي تحيي الموتى و تخرجهم من قبورهم أحياء.قيل:أخرج سام بن نوح و رجلين و جارية.

(2:461)

الآلوسيّ: عطف على إِذْ تَخْلُقُ أعيدت فيه(اذ) -كما قيل-لكون إخراج الموتى من قبورهم،لا سيّما بعد ما صاروا رميما،معجزة باهرة حريّة بتذكير وقتها صريحا.و ما في النّظم الكريم أبلغ من(تحيي الموتى)،فلذا عدل عنه إليه.(7:57)

ابن عاشور :و قال هنا: وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى و لم يقل: وَ أُحْيِ الْمَوْتى كما قال في سورة آل عمران:

49،أي تخرجهم من قبورهم أحياء،فأطلق الإخراج و أريد به لازمه،و هو الإحياء،لأنّ الميّت وضع في القبر لأجل كونه ميّتا،فكان إخراجه من القبر ملزوما

ص: 472

لانعكاس (1)السّبب الّذي لأجله وضع في القبر.و سمّى اللّه الإحياء:خروجا،في قوله: وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ ق:11،و قال: إِذا مِتُّمْ وَ كُنْتُمْ تُراباً وَ عِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ المؤمنون:35.(5:261)

الطّباطبائيّ: إخراج الموتى كناية عن إحيائها، و فيه عناية ظاهرة،بأنّ الإحياء الّذي جرى على يديه عليه السّلام كان إحياء لموتى مقبورين،بإضافة الحياة عليهم،و إخراجهم من قبورهم إلى حياة دنيويّة،و في اللّفظ دلالة على الكثرة.(6:221)

3- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. إبراهيم:1

الطّبريّ: لتهديهم به من ظلمات الضّلالة و الكفر، إلى نور الإيمان و ضيائه،و تبصّر به أهل الجهل و العمى سبل الرّشاد و الهدى.(7:413)

نحوه الطّوسيّ(6:271)،و الطّبرسيّ(3:302).

الثّعلبيّ: لتدعوهم إليه، مِنَ الظُّلُماتِ الضّلالة و الجهالة، إِلَى النُّورِ العلم و الإيمان.

(5:305)

نحوه البغويّ.(3:29)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه:

أحدها:من الشّكّ إلى اليقين.

الثّاني:من البدعة إلى السّنّة.

الثّالث:من الضّلالة إلى الهدى.

الرّابع:من الكفر إلى الإيمان.(3:120)

ابن عطيّة:أسند الإخراج إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من حيث له فيه المشاركة بالدّعاء و الإنذار،و حقيقته إنّما هي للّه تعالى بالاختراع و الهداية.و في هذه اللّفظة تشريف للنّبيّ عليه السّلام.(3:321)

الفخر الرّازيّ: قالت المعتزلة:اللاّم في قوله:

لِتُخْرِجَ النّاسَ لام الغرض و الحكمة،و هذا يدلّ على أنّه تعالى إنّما أنزل هذا الكتاب لهذا الغرض؛و ذلك يدلّ على أنّ أفعال اللّه تعالى و أحكامه معلّلة برعاية المصالح.

أجاب أصحابنا عنه:بأنّ من فعل فعلا لأجل شيء آخر،فهذا إنّما يفعله لو كان عاجزا عن تحصيل هذا المقصود،إلاّ بهذه الواسطة؛و ذلك في حقّ اللّه تعالى محال، و إذا ثبت بالدّليل أنّه يمتنع تعليل أفعال اللّه تعالى و أحكامه بالعلل،ثبت أنّ كلّ ظاهر أشعر به،فإنّه مؤوّل محمول على معنى آخر.(19:73)

القرطبيّ: أي بالكتاب،و هو القرآن،أي بدعائك إليه. مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أي من ظلمات الكفر و الضّلالة و الجهل إلى نور الإيمان و العلم.و هذا على التّمثيل،لأنّ الكفر بمنزلة الظّلمة؛و الإسلام بمنزلة النّور.

و قيل:من البدعة إلى السّنّة،و من الشّكّ إلى اليقين، و المعنى متقارب.(9:338)

البيضاويّ: بدعائك إيّاهم إلى ما تضمّنه مِنَ الظُّلُماتِ من أنواع الضّلال إِلَى النُّورِ إلى الهدى.

(1:524)

نحوه النّسفيّ.(2:254)

أبو حيّان :و إسناد الإنزال إلى نون العظمة و مخاطبته!!

ص: 473


1- و في الأصل:الانعكاس!!

تعالى بقوله:(اليك)،و إسناد الإخراج إليه عليه الصّلاة و السّلام،تنويه عظيم و تشريف له صلّى اللّه عليه و سلّم من حيث المشاركة في تحصيل الهداية،بإنزاله تعالى و بإخراجه عليه الصّلاة و السّلام؛إذ هو الدّاعي و المنذر،و إن كان في الحقيقة مخترع الهداية هو اللّه تعالى.(5:403)

نحوه الآلوسيّ.(13:180)

أبو السّعود :متعلّق ب(انزلناه)أي لتخرجهم كافّة بما في تضاعيفه من البيّنات،الواضحة المفصحة عن كونه من عند اللّه عزّ و جلّ،الكاشفة عن العقائد الحقّة.

و قرئ (ليخرج النّاس) .(3:468)

نحوه البروسويّ.(4:393)

ابن عاشور :و إسناد الإخراج إلى النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،لأنّه يبلّغ هذا الكتاب المشتمل على تبيين طرق الهداية إلى الإيمان،و إظهار فساد الشّرك و الكفر،و هو مع التّبليغ يبيّن للنّاس و يقرّب إليهم معاني الكتاب بتفسيره و تبيينه،ثمّ بما يبنيه عليه من المواعظ و النّذر و البشارة.و إذ قد أسند الإخراج إليه في سياق تعليل إنزال الكتاب إليه،علم أنّ إخراجه إيّاهم من الظّلمات بسبب هذا الكتاب المنزل،أي بما يشتمل عليه من معاني الهداية.

و تعليل الإنزال بالإخراج من الظّلمات،دلّ على أنّ الهداية هي مراد اللّه تعالى من النّاس،و أنّه لم يتركهم في ضلالهم،فمن اهتدى فبإرشاد اللّه،و من ضلّ فبإيثار الضّالّ هوى نفسه على دلائل الإرشاد،و أمر اللّه لا يكون إلاّ لحكم و مصالح بعضها أكبر من بعض.

و الإخراج:مستعار للنّقل من حال إلى حال.شبّه الانتقال بالخروج فشبّه النّقل بالإخراج.(12:215)

الطّباطبائيّ: و قد نسب الإخراج من الظّلمات إلى النّور إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لكونه أحد الأسباب الظّاهريّة لذلك،و إليه ينتهي إيمان المؤمنين بدعوته بلا واسطة أو بواسطة،و لا ينافيه قوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ القصص:56،فإنّ الآية إنّما تنفي أصالته صلّى اللّه عليه و آله في الهداية و استقلاله فيها،من غير أن تنفي عنه مطلق الهداية،حتّى ما يكون على نحو الوساطة و بإذن من اللّه تعالى،و الدّليل عليه قوله تعالى: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الشّورى:52،و لذلك قيّد سبحانه قوله: لِتُخْرِجَ بقوله: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ. [إلى أن قال:]

و اللاّم في قوله: لِتُخْرِجَ النّاسَ إلخ،لام الغرض، بناء على عموم النّاس،كما هو ظاهر الآية،و ليس بلام العاقبة؛إذ لو كان كذلك لكان النّاس كلّهم مؤمنين، و المعلوم خلافه.

و أمّا ما اعترض عليه بعضهم،أنّ التّربية الإلهيّة بإخراج النّاس من الظّلمات إلى النّور و إيصالهم إلى السّعادة و الكمال،مشروطة بالتّهيّؤ و الاستعداد،مع كون الفيض عامّا،فالمقدار الممكن من هذه العاقبة على تقدير عمومه هو هذا المقدار.

ففيه أنّه اعتراف بأنّ كون اللاّم للعاقبة خلاف ظاهر الآية،فإنّ الّذي ذكره لا يتمّ إلاّ بتقييد النّاس بالمستعدّين،لكن الّذي يجب أن يعلم أنّ هذا الغرض غرض تشريعيّ،معناه أنّ للحكم غاية مقصودة،و هي المصلحة الّتي يستعقبها،فإنّ اللّه سبحانه يدعو النّاس

ص: 474

ليغفر لهم و يهديهم إلى الإيمان و العمل الصّالح،ليسعدهم بذلك و يدخلهم الجنّة،و يرسل الرّسل و ينزّل عليهم الكتاب،ليخرجوا النّاس من الظّلمات إلى النّور بإذن ربّهم.و يريد بما يوجّهه إليهم من الأمر و النّهي أن يطهّرهم و يذهب عنهم رجز الشّيطان.و الآيات الدّالّة على ذلك كثيرة لا موجب لإيرادها،و كذا الرّوايات، و لعلّها تزهو الألوف.

و قد قال سبحانه: إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ الزّخرف:3،و قال: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ الآية:4،من سورة إبراهيم،فبيّن أنّ ما نعقله من كتابه و يظهر لنا من بيان رسوله حجّة لا مناص عنه، و نحن لا نعقل من قوله مثلا: يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ إبراهيم:10،إلاّ أنّ المغفرة غرض الدّعوة،كما لا نعقل من قول السّيّد لعبده أو أيّ متبوع لتابعه:«ائتني بماء لأشربه، أو بغذاء لآكله،أو اكس فلانا ليستر به عورته»إلاّ أنّ الشّرب و الأكل و ستر العورة أغراض لأوامرها،فللّه سبحانه فيما ينزّله من الأحكام و الشّرائع أغراض و غايات مقصودة.

نعم،بيّن سبحانه أنّ ساحته منزّهة عن الفقر و الحاجة،مبرّأة عن النّقص و الشّين؛إذ قال: إِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ العنكبوت:6،و قال: وَ رَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ الأنعام:133،و قال: يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ فاطر:15،فأفاد أنّه في غنى عن كلّ شيء،لا ينتفع بشيء من هذه الأغراض، و ليست أفعاله تعالى بالعبث و الجزاف،حتّى تخلو عن الغرض،كيف؟و قد وصف نفسه بالحكمة،و الحكيم لا يعبث و لا يجازف،و نصّ على انتفاء العبث من فعله أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً المؤمنون:115، و الأمر و النّهي اللّذان يتمّ بهما الكمال في العالم الإنسانيّ، يعودان بالآخرة إلى ما يتمّ به الخلقة.

فللّه سبحانه في خلقه و أمره أغراض،و إن كان لا يستكمل بأغراض أفعاله كما نستكمل نحن بأغراض أفعالنا،لكنّه سبحانه لا يتأثّر عن أغراضه.و بعبارة أخرى:الحكم و المصالح لا تؤثّر فيه تعالى،كما أنّ مصلحة الفعل تؤثّر فينا فيبعثنا تعقّلها نحو الفعل،و نرجّح الفعل على التّرك،فإنّه سبحانه هو القاهر غير المقهور،و الغالب غير المغلوب،يملك كلّ شيء،و لا يملكه شيء،و يحكم على كلّ شيء،و لا يحكم عليه شيء،و لم يكن له شريك في الملك،و لا وليّ من الذّلّ،فلا يكون تعالى محكوما بعقل،بل هو الّذي يهدي العقل إلى ما يعقله،و لا تضطرّه مصلحة إلى فعل،و لا مفسدة إلى ترك،بل هو الهادي لهما إلى ما توجبانه.

فالغرض و المصلحة منتزعة من مقام فعله،بمعنى أنّ فعله يتوقّف على المصلحة،لكنّها لا تحكم في ذاته تعالى، و لا تضطرّه إلى الفعل،فكما أنّه تعالى إذا خلق شيئا و قال له:كن،فكان،ك«زيد»مثلا،انتزع العقل من العين الخارجيّة نفسها،أنّها إيجاد من اللّه تعالى و وجود لزيد، و حكم بأنّ وجوده يتوقّف على إيجاده،كذلك ينتزع العقل من فعله تعالى النّظر إلى ما أشرنا إليه من صفاته العليا،أنّه فعله و أنّه ذو مصلحة مقصودة،ثمّ يحكم بأنّ تحقّق الفعل يتوقّف على كونه ذا مصلحة.

ص: 475

فهذا هو الّذي يعطيه التّدبّر في كلامه تعالى في كون أفعاله تعالى مشتملة على الحكم و المصالح،متوقّفة على الأغراض،و المتحصّل من ذلك،أنّ له تعالى في أفعاله أغراضا،لكنّها راجعة إلى خلقه دونه.

و ملخّصه:أنّ غرضه في فعله يفارق أغراضنا في أفعالنا من وجهين:

أحدهما:أنّه تعالى لا يستكمل بأغراض أفعاله و غاياتها،بخلافنا معاشر ذوي الشّعور و الإرادة من الإنسان و سائر الحيوان.

و ثانيهما:أنّ المصلحة و المفسدة لا تحكمان فيه تعالى بخلاف غيره.

و أمّا النّزاع المعروف بين الأشاعرة و المعتزلة،في أنّ أفعال اللّه معلّلة بالأغراض أم لا؟بمعنى أنّه تعالى هل هو محكوم بالمصلحة الواقعيّة في فعله؛بحيث إنّ المصلحة ترجّح له الفعل على التّرك،و لولاها لم يكن له ليفعل؟أو أنّه لا غاية له في فعله،و إنّما يفعل بإرادة جزافيّة من غير غرض؟

فذلك ممّا لا يهدي إلى شيء من طرفيه النّظر المستوفى،و الحقّ خلاف القولين جميعا،و هو أمر بين الأمرين كما أشرنا إليه.(12:7)

لا تخرجون

وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ.

البقرة:84

الثّعلبيّ: أي لا يخرج بعضكم بعضا من داره،و لا تسبّوا من جاوركم،فتلجئوهم إلى الخروج بسوء جواركم.(1:229)

نحوه البغويّ(1:139)،و الخازن(1:67).

الطّوسيّ: معناه لا تغلبوا أحدا على داره، فتخرجوه،فقبلتم ذلك و أقررتم به.(1:332)

الواحديّ: أي لا يخرج بعضكم بعضا من داره، و غلبه عليها.(1:167)

ابن عطيّة: معناه و لا ينفي بعضكم بعضا بالفتنة و البغي.و لمّا كانت ملّتهم واحدة،و أمرهم واحدا،و كانوا في الأمم كالشّخص الواحد،جعل قتل بعضهم لبعض، و نفي بعضهم بعضا قتلا لأنفسهم،و نفيا لها،و كذلك حكم كلّ جماعة تخاطب بهذا اللّف في القول.(1:173)

الطّبرسيّ: معناه لا يخرج بعضكم بعضا من دياركم، بأن تغلبوا على الدّار.و قيل:معناه لا تفعلوا ما تستحقّون به الإخراج من دياركم،كما فعله بنو النّضير.(1:151)

الفخر الرّازيّ: ففيه وجهان:

الأوّل:لا تفعلوا ما تستحقّون بسببه أن تخرجوا من دياركم.

الثّاني:المراد النّهي عن إخراج بعضهم بعضا من ديارهم،لأنّ ذلك ممّا يعظم فيه المحنة و الشّدّة حتّى يقرب من الهلاك.(3:171)

البيضاويّ: و المراد به:أن لا يتعرّض بعضهم بعضا بالقتل و الإجلاء عن الوطن،و إنّما جعل قتل الرّجل غيره قتل نفسه،لاتّصاله به نسبا أو دينا،أو لأنّه يوجبه قصاصا.

و قيل:معناه لا ترتكبوا ما يبيح سفك دمائكم

ص: 476

و إخراجكم من دياركم،أو لا تفعلوا ما يرديكم و يصرفكم عن الحياة الأبديّة،فإنّه القتل في الحقيقة.و لا تقترفوا ما تمنعون به عن الجنّة الّتي هي داركم،فإنّه الجلاء الحقيقيّ.(1:67)

نحوه النّسفيّ.(1:59)

أبو حيّان :معناه:لا يخرج بعضكم بعضا،أو لا تسيئوا جوار من جاوركم،فتلجئوهم إلى الخروج من دياركم، أو لا تفعلوا ما تخرجون به أنفسكم من الجنّة الّتي هي داركم،أو لا تخرجون أنفسكم،أي إخوانكم،لأنّكم كنفس واحدة،أو لا تفسدوا،فيكون سببا لإخراجكم من دياركم،كأنّه يشير إلى تغريب الجاني،أو لا تفسدوا و تشاقّوا الأنبياء و المؤمنين،فيكتب عليكم الجلاء،أقوال ستّة.(1:289)

أبو السّعود : وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ كما قبله إخبار في معنى النّهي،غيّر السّبك إليه،لما ذكر من نكتة المبالغة،و المراد به النّهي الشّديد عن تعرّض بعض بني إسرائيل لبعض بالقتل و الإجلاء.و التّعبير عن ذلك بسفك دماء أنفسهم و إخراجها من ديارهم،بناء على جريان كلّ واحد منهم مجرى أنفسهم،لما بينهم من الاتّصال القويّ نسبا و دينا للمبالغة في الحمل على مراعاة حقوق الميثاق بتصوير المنهيّ عنه،بصورة تكرهها كلّ نفس،و تنفر عنها كلّ طبيعة.فضمير أَنْفُسَكُمْ للمخاطبين حتما؛إذ به يتحقّق تنزيل المخرجين منزلتهم،كما أنّ ضمير دِيارِكُمْ للمخرجين قطعا؛إذ المحذور إنّما هو إخراجهم من ديارهم لا من ديار المخاطبين،من حيث إنّهم مخاطبون،كما يفصح عنه ما سيأتي من قوله تعالى: مِنْ دِيارِهِمْ. و إنّما الخطاب هاهنا باعتبار تنزيل ديارهم منزلة ديار المخاطبين،بناء على تنزيل أنفسهم منزلتهم،لتأكيد المبالغة و تشديد التّشنيع.(1:158)

البروسويّ: [نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

و في اقتران الإخراج من الدّيار بالقتل،إيذان بأنّه بمنزلة القتل.(1:174)

الآلوسيّ: و المراد أن لا يتعرّض بعضكم بعضا بالقتل و الإجلاء.و جعل قتل الرّجل غيره قتل نفسه، لاتّصاله نسبا أو دينا،أو لأنّه يوجبه قصاصا.ففي الآية مجاز إمّا في ضمير(كم)حيث عبّر به عمّن يتّصل به،أو في تَسْفِكُونَ حيث أريد به ما هو سبب السّفك.

و قيل:معناه لا ترتكبوا ما يبيح سفك دمائكم و إخراجكم من دياركم،أو لا تفعلوا ما يرديكم و يصرفكم عن لذّات الحياة الأبديّة،فإنّه القتل في الحقيقة،و لا تقترفوا ما تمنعون به عن الجنّة الّتي هي داركم.و ليس النّفي في الحقيقة جلاء الأوطان،بل البعد من رياض الجنان،و لعلّ ما يساعده سياق النّظم الكريم هو الأوّل.(1:310)

رشيد رضا :فجعل دم كلّ فرد من أفراد الأمّة، كأنّه دم الآخر عينه،حتّى إذا سفكه كان كأنّه بخع نفسه و انتحر بيده.و قال: وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ على هذا النّسق،و هذا التّعبير المعجز ببلاغته خاصّ بالقرآن.فهذه الأحكام لا تزال محفوظة عند الإسرائيليّين في الكتاب، و إن لم يجروا عليها في العمل،و لكن العبارة عنها عندهم لا تطاول هذه العبارة الّتي تدهش صاحب الذّوق

ص: 477

السّليم،و الوجدان الرّقيق،فهذا إرشاد حكيم طلع من ثنايا الأحكام يهدي إلى أسرارها،و يومئ إلى مشرق أنوارها.من تدبّره علم أنّه لا قوام للأمم،إلاّ بالتّحقّق بما تضمّنته هذه الحكم،و شعور كلّ فرد من أفرادها بأنّ نفسه نفس الآخرين و دمه دمهم.لا فرق في الاحترام بين الرّوح الّتي تجول في بدنه و الدّم الّذي يجري في عروقه، و بين الأرواح و الدّماء الّتي يحيا بها إخوانه،الّذين وحّدت بينه و بينهم الشّريعة العادلة،و المصالح العامّة، هذا هو الوجه الوجيه في الآية.

و قيل:معناها لا ترتكبوا من الجرائم ما تجازون عليه بالقتل و الإخراج من الدّيار.(1:372)

المراغيّ: أي و إذ أخذنا عليكم العهد لا يريق بعضكم دم بعض و لا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم و أوطانهم،و قد جعل غير الرّجل كأنّه نفسه،و دمه كأنّه دمه،إذا اتّصل به دينا أو نسبا،إشارة إلى وحدة الأمّة و تضامنها،و أنّ ما يصيب واحدا منها فكأنّما يصيب الأمّة جمعاء،فيجب أن يشعر كلّ فرد منها بأنّ نفسه نفس الآخرين و دمه دمهم،فالرّوح الّذي يحيا به و الدّم الّذي ينبض في عرقه هو كدم الآخرين و أرواحهم، لا فرق بينهم في الشّريعة الّتي وحّدت بينهما في المصالح العامّة.و هذا ما يومئ إليه الحديث:«إنّما المؤمنون في تراحمهم و تعاطفهم بمنزلة الجسد الواحد،إذا اشتكى بعضه تداعى له سائر الجسد بالحمّى و السّهر».

و قد يجوز أن يكون المعنى،لا تركبوا من الجرائم ما تجازون عليه بالقتل قصاصا،أو بالإخراج من الدّيار فتكونون كأنّكم قد قتلتم أنفسكم،لأنّكم فعلتم ما تستحقّون به القتل،كما يقول الرّجل لآخر قد فعل ما يستحقّ به العقوبة:أنت الّذي جنى على نفسه.

(1:160)

ابن عاشور :بالجناية على الغير فتنفوا من دياركم.

و هذا مبنيّ على المجاز التّبعيّ في تَسْفِكُونَ و تُخْرِجُونَ بعلاقة التّسبّب.(1:568)

نخرج

وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. الإسراء:13

الزّجّاج: في هذه أربعة أوجه:و تخرج له،و يخرج له، أي و يخرج اللّه له.و يخرج له،أي و يخرج عمله له يوم القيامة كتابا،و كذلك يخرج له عمله يوم القيامة.

(3:231)

الثّعلبيّ: قرأ الحسن و مجاهد و ابن محيصن و يعقوب: (و يخرج) بفتح الياء و ضمّ الرّاء،على معنى و يخرج له الطّائر يوم القيامة كتابا،نصب كتابا على الحال.

و يحتمل أن يكون معناه:و يخرج له الطّائر فيصير كتابا.

و قرأ أبو جعفر: (و يخرج) بضمّ الياء و فتح الرّاء على غير تسمية الفاعل،و مجازه:و يخرج له الطّائر كتابا.

و قرأ يحيى بن وثّاب: (و يخرج) أي و يخرج اللّه.

و قرأ الباقون:بنون مضمومة و كسر الرّاء على معنى:

و نحن نخرج له يوم القيامة كتابا.و نصب كِتاباً بإيقاع الإخراج عليه،و احتجّ أبو عمرو لهذه القراءة بقوله:

ص: 478

أَلْزَمْناهُ. (6:89)

نحوه الطّوسيّ(6:455)،و الزّمخشريّ(2:441)، و البغويّ(3:124)،و القرطبيّ(10:229)،و أبو حيّان (6:15)،و الآلوسيّ(15:32).

الفخر الرّازيّ: أي من قبره،يجوز أن يكون معناه:

نخرج له ذلك،لأنّه لم ير كتابه في الدّنيا،فإذا بعث أظهر له ذلك و أخرج من السّتر.و قرأ يعقوب: (يخرج له يوم القيامة كتابا) أي يخرج له الطّائر،أي عمله كتابا منشورا، كقوله: وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ التّكوير:10.

(20:168)

أبو السّعود :بنون العظمة،و قد قرئ بالياء مبنيّا للفاعل،على أنّ الضّمير للّه عزّ و جلّ،و للمفعول، و الضّمير للطّائر كما في قراءة يخرج من الخروج.

(4:116)

ابن عاشور :و عطف جملة: وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً إخبار عن كون تلك الأعمال المعبّر عنها بالطّائر، تظهر يوم القيامة مفصّلة معيّنة،لا تغادر منها صغيرة و لا كبيرة،إلاّ أحصيت للجزاء عليها.(14:39)

لنخرجنّك

قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَ وَ لَوْ كُنّا كارِهِينَ. الأعراف:88

الطّبرسيّ: أي نخرجنّك و أتباعك من المؤمنين بك من بلدتنا الّتي هي وطنك و مستقرّك.(2:448)

البروسويّ: و نسبة الإخراج إليه أوّلا،و إلى المؤمنين ثانيا،تنبيه على أصالته في الإخراج،و تبعيّتهم له فيه،كما ينبئ عنه قوله تعالى:(معك)فإنّه متعلّق بالإخراج لا بالإيمان.و المعنى و اللّه لنخرجنّك و أتباعك.(3:202)

نحوه الآلوسيّ.(9:2)

نخرجكم

مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى. طه:55

الطّبريّ: و من الأرض نخرجكم كما كنتم قبل مماتكم أحياء،فننشئكم منها،كما أنشأناكم أوّل مرّة.

(8:425)

الزّجّاج: و قوله: تارَةً أُخْرى متعلّق بقوله:

مِنْها نُخْرِجُكُمْ لأنّ المعنى معنى الأوّل،لأنّ معنى وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ بمنزلة منها خلقناكم،فكأنّه قال- و اللّه أعلم-:و منها نخلقكم تارة أخرى،لأنّ إخراجهم و هم تراب بمنزلة خلق آدم من تراب.(3:359)

الثّعلبيّ: مرّة أخرى بعد الموت عند البعث.

(6:248)

الواحديّ: عند البعث،كما أخرجكم أوّلا عند خلق آدم من الأرض.(3:210)

الزّمخشريّ: و أراد بإخراجهم منها،أنّه يؤلّف أجزاءهم المتفرّقة المختلطة بالتّراب،و يردّهم كما كانوا أحياء،و يخرجهم إلى المحشر يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً المعارج:43.(2:541)

نحوه البيضاويّ.(2:52)

ص: 479

ابن عطيّة:يريد بالبعث ليوم القيامة.(4:48)

الفخر الرّازيّ: ففيه وجوه:

أحدها:و هو الأقرب: وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ يوم الحشر و البعث.

و ثانيها:و منها نخرجكم ترابا و طينا،ثمّ نحييكم بعد الإخراج،و هذا مذكور في بعض الأخبار.

و ثالثها:المراد عذاب القبر عن البراء قال:خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في جنازة رجل من الأنصار،فذكر عذاب القبر و ما يخاطب به المؤمن و الكافر،و أنّه تردّ روحه في جسده و يردّ إلى الأرض،و أنّه تعالى يقول عند إعادتهم إلى الأرض:«إنّي وعدتهم أنّي منها خلقتهم و فيها أعيدهم و منها أخرجهم تارة أخرى».(22:70)

القرطبيّ: أي للبعث و الحساب.(11:211)

البروسويّ: أي عند البعث،بتأليف الأجزاء، و تسوية الأجساد،و ردّ الأرواح للحساب و الجزاء، و كون هذا الإخراج تارة أخرى باعتبار أنّ خلقهم من الأرض إخراج لهم منها،و إن لم يكن على نهج التّارة الثّانية.(5:397)

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

و ما ألطف ذكر قوله تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ إلخ، بعد ذكر النّبات و إخراجه من الأرض،فقد تضمّن كلّ إخراج أجسام (1)لطيفة من التّرباء الكثيفة،و خروج الأموات أشبه شيء بخروج النّبات هذا.(16:208)

ابن عاشور :و الإخراج:هو إخراجها إلى الحشر بعد إعادة هياكل الأجسام في داخل الأرض،كما هو ظاهر قوله: وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ و لذلك جعل الإخراج تارة ثانية للخلق الأوّل من الأرض.و فيه إيماء إلى أنّ إخراج الأجساد من الأرض بإعادة خلقها،كما خلقت في المرّة الأولى قال تعالى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ الأنبياء:104.(16:135)

الطّباطبائيّ: الضّمير للأرض،و الآية تصف ابتداء خلق الإنسان من الأرض،ثمّ إعادته فيها و صيرورته جزء منها،ثمّ إخراجه منها للرّجوع إلى اللّه، ففيها الدّورة الكاملة من هداية الإنسان.(14:172)

يخرجون

ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللّهِ هُزُواً وَ غَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ.

الجاثية:35

الطّوسيّ: يعني من النّار.و قرأ أهل الكوفة إلاّ عاصما (يخرجون) بفتح الياء و بضمّ الرّاء،الباقون بضمّ الياء و فتح الرّاء.و من فتح الياء فلقوله: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ و من ضمّ فلقوله:

وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ و طابق بينهما.(9:264)

نحوه الفخر الرّازيّ(27:275)،و أبو حيّان(8:

52)،و ابن عطيّة(5:90).

أبو السّعود :أي من النّار.و قرئ (يخرجون) من الخروج.و الالتفات إلى الغيبة للإيذان بإسقاطهم عن رتبة الخطاب استهانة،أو بنقلهم من مقام الخطاب إلى غيابة النّار.(6:64)

المراغيّ: أي فاليوم لا يخرجون من النّار،و لا هم

ص: 480


1- كذا،و الظّاهر:أجساما لطيفة.

يردّون إلى الدّنيا،ليتوبوا و يراجعوا الإنابة ممّا عوقبوا عليه.(25:166)

تخرجون

قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ.

الأعراف:25

الجبّائيّ: في الآية دلالة على أنّ اللّه عزّ و جلّ يخرج العباد يوم القيامة من هذه الأرض الّتي حيّوا فيها بعد موتهم،و أنّه يفنيها بعد أن يخرج العباد منها في يوم الحشر،و إذا أراد إفناءها زجرهم عنها زجرة،فيصيرون إلى أرض أخرى،و هذا معنى قوله: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسّاهِرَةِ النّازعات:14.

(الطّوسيّ 4:406)

الطّبريّ: يقول:و من الأرض يخرجكم ربّكم، و يحشركم إليه لبعث القيامة أحياء.(5:455)

نحوه الواحديّ(2:357)،و الطّبرسيّ(2:408)، و الآلوسيّ(8:103).

الطّوسيّ: قرأ ابن ذكوان و حمزة و الكسائيّ و خلف و يعقوب (تخرجون) بفتح التّاء و ضمّ الرّاء،الباقون بضمّ التّاء و فتح الرّاء.من قرأ بضمّ التّاء،فلقوله: أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ المؤمنون:35،و قوله: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى الأعراف:56،و من فتح التّاء،فلإجماع الكلّ في قوله: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ الرّوم:25،بفتح التّاء،و لقوله: إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ فأسند الفعل إليهم،و لأنّه أشبه بما قبله من قوله: فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ، و كما قال: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ الأعراف:29،أضاف الفعل إليهم.

و في الآية إخبار من اللّه تعالى و حكاية عمّا قاله لآدم:إنّكم تحيون في هذه الأرض الّتي تهبطون إليها، و فيها تموتون،و منها تخرجون،للبعث يوم القيامة.

(4:405)

أبو حيّان :أي إلى المجازاة بالثّواب و العقاب.و هذا كقوله: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى طه:55.

و قرأ الأخوان و ابن ذكوان (تخرجون) مبنيّا للفاعل هنا،و في الجاثية و الزّخرف و أوّل الرّوم.و عن ابن ذكوان في أوّل الرّوم خلاف،و قرأ باقي السّبعة مبنيّا للمفعول.

(4:281)

البروسويّ: للجزاء،فعلم آدم من مضمون هذا الخطاب،أنّه يعود إلى الجنّة،فصار متسلّيا بفضل اللّه تعالى و وعده.[إلى أن قال:]

وَ مِنْها تُخْرَجُونَ إلى عالم الحقيقة،يدلّ عليه قوله عليه السّلام:«كما تعيشون تموتون و كما تموتون تبعثون».

(3:147)

اخرجنى-مخرج

وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً.

الإسراء:80

ابن عبّاس: يقول: أَدْخِلْنِي في المدينة إدخال صدق،و كان خارجا من المدينة، وَ أَخْرِجْنِي من المدينة مُخْرَجَ صِدْقٍ إخراج صدق بعد ما كنت فيها،

ص: 481

فأدخلني مكّة.

و يقال: أَدْخِلْنِي في القبر مُدْخَلَ صِدْقٍ:

إدخال صدق، وَ أَخْرِجْنِي من القبر يوم القيامة مُخْرَجَ صِدْقٍ؛ إخراج صدق.(240)

نحوه سعيد بن جبير،و الحسن،و قتادة.

(الطّبرسيّ 3:435)

كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بمكّة،ثمّ أمر بالهجرة،فأنزل اللّه تبارك و تعالى اسمه: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ....

(الطّبريّ 8:135)

نحوه الحسن،و قتادة،و ابن زيد.

(ابن الجوزيّ 5:77)

يعني بالإدخال:الموت،و الإخراج:الحيات بعد الممات.(الطّبريّ 8:136)

إدخاله المدينة حين أخرج من مكّة.

نحوه الحسن و قتادة.(الطّوسيّ 6:512)

أدخلني المدينة،و أخرجني إلى مكّة،يعني لفتحها.

(ابن الجوزيّ 5:77)

مجاهد : أَدْخِلْنِي...: فيما أرسلتني به من أمرك، وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ كذلك أيضا.

(الطّبريّ 8:136)

الضّحّاك: يعني مكّة،دخل فيها آمنا،و خرج منها آمنا.(الطّبريّ 8:137)

وَ أَخْرِجْنِي... من مكّة آمنا من المشركين، وَ أَدْخِلْنِي مكّة مُدْخَلَ... ظاهرا عليها بالفتح.(الثّعلبيّ 6:127)

الحسن :كفّار أهل مكّة لمّا ائتمروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ليقتلوه،أو يطردوه،أو يوثقوه،و أراد اللّه قتال أهل مكّة، فأمره أن يخرج إلى المدينة،فهو الّذي قال اللّه: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ. (الطّبريّ 8:135)

أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ: الجنّة،و مُخْرَجَ صِدْقٍ من مكّة إلى المدينة.(الطّبريّ 8:136)

أَدْخِلْنِي في طاعتك، وَ أَخْرِجْنِي... بالصّدق، أي سالما غير مقصّر فيها.(الثّعلبيّ 6:127)

عطاء:أدخلني في طاعتك،و أخرجني منها،أي سالما غير مقصّر في أدائها.(ابن الجوزيّ 5:78)

قتادة :أخرجه اللّه من مكّة إلى الهجرة بالمدينة. (1)

(الطّبريّ 8:136)

الكلبيّ: أَدْخِلْنِي المدينة، مُدْخَلَ صِدْقٍ حين أدخلها بعد أن قصدها الشّام، وَ أَخْرِجْنِي منها إلى مكّة افتحها لي.(الثّعلبيّ 6:127)

مقاتل: أَدْخِلْنِي المدينة مُدْخَلَ صِدْقٍ يعني آمنا على رغم أنف اليهود، وَ أَخْرِجْنِي من المدينة إلى مكّة مُخْرَجَ صِدْقٍ يعني آمنا على رغم أنف كفّار مكّة ظاهرا عليهم.(2:546)

ابن زيد : مُدْخَلَ صِدْقٍ: المدينة حين هاجر إليها،و مُخْرَجَ صِدْقٍ: مكّة حين خرج منها مخرج صدق،قال ذلك حين خرج مهاجرا.(الطّبريّ 8:136)

الفرّاء: قال ذلك حين رجع من معسكره،الّذي أراد أن يخرج إلى الشّام،حين قالوا له:ليست المدينة أرض الأنبياء. وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ يعني إلى مكّة.

(الطّوسيّ 6:512)ة.

ص: 482


1- كذا،و الصّحيح:بالهجرة إلى المدينة.

أبو سليمان الدّمشقيّ: أدخلني مكّة،و أخرجني إلى حنين.(ابن الجوزيّ 5:78)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه:و قل يا محمّد:يا ربّ أدخلني مدخل صدق.

و اختلف أهل التّأويل في معنى مدخل الصّدق الّذي أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يرغب إليه،في أن يدخله إيّاه،و في مخرج الصّدق الّذي أمره أن يرغب إليه،في أن يخرجه إيّاه،فقال بعضهم:عنى بمدخل الصّدق:مدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم المدينة،حين هاجر إليها،و مخرج الصّدق:مخرجه من مكّة،حين خرج منها مهاجرا إلى المدينة.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:و قل ربّ أمتني إماتة صدق،و أخرجني بعد الممات من قبري يوم القيامة مخرج صدق.

و قال آخرون:بل عنى بذلك:أدخلني في أمرك الّذي أرسلتني به:النّبوّة مدخل صدق،و أخرجني منه مخرج صدق.

و قال آخرون:بل معنى ذلك: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ: الجنّة، وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ: من مكّة إلى المدينة.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:أدخلني في الإسلام مدخل صدق.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:أدخلني مكّة آمنا، و أخرجني منها آمنا.

و أشبه هذه الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك،قول من قال:معنى ذلك:و أدخلني المدينة مدخل صدق، و أخرجني من مكّة مخرج صدق.

و إنّما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية،لأنّ ذلك عقيب قوله: وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاّ قَلِيلاً و قد دلّلنا فيما مضى،على أنّه عنى بذلك أهل مكّة،فإذ كان ذلك عقيب خبر اللّه عمّا كان المشركون أرادوا من استفزازهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،ليخرجوه عن مكّة،كان بيّنا-إذ كان اللّه قد أخرجه منها-أنّ قوله: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ أمر منه له بالرّغبة إليه،في أن يخرجه من البلدة الّتي همّ المشركون،بإخراجه منها مخرج صدق،و أن يدخله البلدة الّتي نقله اللّه إليها مدخل صدق.(8:135)

الزّجّاج: و جاء في التّفسير: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ: الجنّة، وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ أي و أخرجني من مكّة إلى المدينة.و جاء أيضا:مدخل و مخرج صدق:دخوله المدينة،و خروجه من مكّة.و جاء:

مُدْخَلَ صِدْقٍ و مُخْرَجَ صِدْقٍ الإدخال في الدّين، و الخروج من الدّنيا،و هو على الحقّ،و جاء أيضا-و هو حسن-دخوله في الرّسالة،و خروجه ممّا يجب عليه فيها صلّى اللّه عليه و سلّم،و كلّ ذلك حسن.

فمن قال: مُدْخَلَ بضمّ الميم،فهو مصدر:أدخلته مدخلا،و من قال: (مدخل صدق) فهو على أدخلته فدخل مدخل صدق،و كذلك شرح مُخْرَجَ مثله.

(3:256)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّه أمر بهذا الدّعاء إذا دخل في أمر،أو خرج من أمر،و المراد:أدخلني كلّ أمر مدخل صدق.(الطّبرسيّ 3:435)

ص: 483

الثّعلبيّ: قرأه العامّة:بضمّ الميمين على معنى الإدخال و الإخراج.و قرأ الحسن:بفتحهما على معنى الدّخول و الخروج.

و اختلف المفسّرون في تأويلها.[إلى أن قال:]

و قيل:معناه أَدْخِلْنِي حيث ما أدخلتني بالصّدق.

وَ أَخْرِجْنِي بالصّدق،أي لا تجعلني (1)ممّن أدخل بوجه،و أخرج بوجه،فإنّ ذا الوجهين لا يكون أمينا عند اللّه.(6:126)

الماورديّ: أدخلني فيما أمرتني به من طاعتك مدخل صدق،و أخرجني ممّا نهيتني عنه من معاصيك مخرج صدق،قاله بعض المتأخّرين.(3:267)

الطّوسيّ: قيل:أدخلني فيما أمرتني،و أخرجني عمّا نهيتني،بلطف من ألطافك.(6:512)

القشيريّ: أي أدخلني إدخال صدق،و أخرجني إخراج صدق.و الصّدق أن يكون دخوله في الأشياء باللّه للّه لا لغيره،و خروجه عن الأشياء باللّه للّه لا لغيره.

(4:37)

الواحديّ: و المعنى:أدخلني المدينة،و أخرجني من مكّة،و«المدخل»و«المخرج»بمعنى المصدر،و إضافتهما إلى«الصّدق»مدح لهما.و كلّ شيء أضفته إلى الصّدق فهو مدح،نحو قوله: قَدَمَ صِدْقٍ يونس:2، مَقْعَدِ صِدْقٍ القمر:55.لاحظ ص د ق:«صدق».

(3:122)

البغويّ: [ذكر نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

و وصف الإدخال و الإخراج بالصّدق،لما يؤول إليه الخروج و الدّخول من النّصر و العزّ و دولة الدّين،كما وصف القدم بالصّدق،فقال: أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ يونس:2.(3:157)

الزّمخشريّ: قرئ (مدخل و مخرج) بالضّمّ و الفتح بمعنى المصدر.و معنى الفتح:أدخلني فأدخل مدخل صدق،أي أدخلني القبر مدخل صدق إدخالا مرضيّا على طهارة و طيب من السّيّئات.و أخرجني منه عند البعث إخراجا مرضيّا ملقى بالكرامة،آمنا من السّخط، يدلّ عليه ذكره على أثر ذكر البعث.

و قيل:نزلت حين أمر بالهجرة،يريد إدخال المدينة و الإخراج من مكّة.

و قيل:إدخاله مكّة ظاهرا عليها بالفتح،و إخراجه منها آمنا من المشركين.

و قيل:إدخاله الغار،و إخراجه منه سالما.

و قيل:إدخاله فيما حمله من عظيم الأمر و هو النّبوّة، و إخراجه منه مؤدّيا لما كلّفه من غير تفريط.

و قيل:الطّاعة.و قيل:هو عامّ في كلّ ما يدخل فيه و يلابسه من أمر و مكان.(2:463)

نحوه البيضاويّ(1:595)،و النّسفيّ(2:325)، و أبو السّعود(4:152).

ابن عطيّة: ظاهر هذه الآية و الأحسن فيها أن يكون دعاء في أن يحسن اللّه حالته في كلّ ما يتناول من الأمور،و يحاول من الأسفار و الأعمال،و ينتظر من تصرّف المقادير في الموت و الحياة،فهي على أتمّ عموم، معناه:ربّ أصلح لي وردي في كلّ الأمور و صدري.!!

ص: 484


1- هكذا جاء من القرطبيّ،و في الأصل: لتجعلني!!

و ذهب المفسّرون إلى أنّها في غرض مخصوص،ثمّ اختلفوا في تعيينه،فقال ابن عبّاس و الحسن و قتادة:أراد أَدْخِلْنِي المدينة،و أَخْرِجْنِي من مكّة،و تقدّم في هذا التّأويل المتأخّر في الوقوع،فإنّه متقدّم في القول،لأنّ الإخراج من مكّة هو المتقدّم،اللّهمّ إنّ مكان الدّخول و القرار هو الأهمّ.

و قال أبو صالح و مجاهد: أَدْخِلْنِي في أمر تبليغ الشّرع و أَخْرِجْنِي منه بالأداء التّامّ.

و قال ابن عبّاس:الإدخال بالموت في القبر، و الإخراج البعث.و ما قدّمت من العموم التّامّ الّذي يتناول هذا كلّه،أصوب.

و قرأ الجمهور: مُدْخَلَ و مُخْرَجَ بضمّ الميم، فهو جرى على:أدخلني و أخرجني.و قرأ أبو حيوة و قتادة و حميد(مدخل)و(مخرج)بفتح الميم،فليس بجار على أَدْخِلْنِي و لكن التّقدير:«أدخلني فأدخل مدخل...»لأنّه إنّما يجري على«دخل».(3:479)

الطّبرسيّ: «المدخل»و«المخرج»هنا:مصدر الإدخال و الإخراج،فالتّقدير:أدخلني إدخال صدق، و أخرجني إخراج صدق.و في معناه أقوال:[ثمّ ذكر الأقوال و قال:]

و«مدخل الصّدق»:ما تحمد عاقبته في الدّنيا و الدّين.و إنّما أضاف الإدخال و الإخراج إليه سبحانه، و إن كانا من فعل العبد،لأنّه سأله اللّطف المقرّب إلى خير الدّين،و الدّنيا.(3:435)

ابن الجوزيّ: و للمفسّرين في المراد بهذا «المدخل»و«المخرج»أحد عشر قولا.[ذكر أقوال المتقدّمين و أضاف:]

و التّاسع:أدخلني الغار،و أخرجني منه،قاله محمّد بن المنكدر.

و أمّا إضافة«الصّدق»إلى المدخل و المخرج،فهو مدح لهما.(5:76)

الفخر الرّازيّ: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ و هو المدينة، وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ يعني أخرجني منها إلى مكّة مخرج صدق،أي افتحها لي.

و القول الثّاني:في تفسير هذه الآية و هو أكمل ممّا سبق،أنّ المراد وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي في الصّلاة وَ أَخْرِجْنِي منها مع الصّدق و الإخلاص،و حضور ذكرك و القيام بلوازم شكرك.

و القول الثّالث:و هو أكمل ممّا سبق،أنّ المراد: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي في القيام بمهمّات أداء دينك و شريعتك، وَ أَخْرِجْنِي منها بعد الفراغ منها إخراجا لا يبقى عليّ منها تبعة ربقيّة.

و القول الرّابع:و هو أعلى ممّا سبق وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي في بحار دلائل توحيدك و تنزيهك و قدسك،ثمّ أخرجني من الاشتغال بالدّليل إلى ضياء معرفة المدلول، و من التّأمّل في آثار حدوث المحدثات إلى الاستغراق في معرفة الأحد،الفرد المنزّه عن التّكثيرات و التّغيّرات.

و القول الخامس: أَدْخِلْنِي في كلّ ما تدخلني فيه مع الصّدق في عبوديّتك،و الاستغراق بمعرفتك، وَ أَخْرِجْنِي عن كلّ ما تخرجني عنه مع الصّدق في العبوديّة و المعرفة و المحبّة.و المقصود منه أن يكون صدق العبوديّة حاصلا في كلّ دخول و خروج و حركة

ص: 485

و سكون.

و القول السّادس: أَدْخِلْنِي القبر مدخل صدق، وَ أَخْرِجْنِي منه مخرج صدق.

مُدْخَلَ بضمّ الميم مصدر كالإدخال،يقال:

أدخلته مدخلا،كما قال: وَ قُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً المؤمنون:29،و معنى إضافة المدخل و المخرج إلى«الصّدق»مدحهما،كأنّه سأل اللّه تعالى إدخالا حسنا و إخراجا حسنا،لا يرى فيهما ما يكره.(21:33)

القرطبيّ: قيل:المعنى أمتني إماتة صدق،و ابعثني يوم القيامة مبعث صدق؛ليتّصل بقوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. كأنّه لمّا وعده ذلك أمره أن يدعو لينجز له الوعد.

و قيل:أدخلني في المأمور و أخرجني من المنهيّ.

و قيل:علّمه ما يدعو به في صلاته و غيرها،من إخراجه من بين المشركين و إدخاله موضع الأمن؛ فأخرجه من مكّة و صيّره إلى المدينة...

أبو سهل:حين رجع من تبوك،و قد قال المنافقون:

لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ المنافقون:8،يعني إدخال عزّ و إخراج نصر إلى مكّة.

و قيل:المعنى أدخلني في الأمر الّذي أكرمتني به من النّبوّة مدخل صدق،و أخرجني منه مخرج صدق إذا أمتني؛قال معناه مجاهد.

و«المدخل»و«المخرج»بضمّ الميم،بمعنى الإدخال و الإخراج،كقوله: أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً المؤمنون:

29،أي إنزالا لا أرى فيه ما أكره،و هي قراءة العامّة.

و قرأ الحسن و أبو العالية و نصر بن عاصم (مدخل) و (مخرج) بفتح الميمين،بمعنى الدّخول و الخروج؛فالأوّل رباعيّ و هذا ثلاثيّ...

و قيل:أدخلني حيثما أدخلتني بالصّدق و أخرجني بالصّدق،أي لا تجعلني ممّن يدخل بوجه و يخرج بوجه، فإنّ ذا الوجهين لا يكون وجيها عندك.

و قيل:الآية عامّة في كلّ ما يتناول من الأمور، و يحاول من الأسفار و الأعمال،و ينتظر من تصرّف المقادير في الموت و الحياة،فهي دعاء،و معناه:ربّ أصلح لي وردي و صدري في كلّ الأمور.(10:312)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّه عامّ في جميع موارده و مصادره،دنيويّة و أخرويّة،و الصّدق هنا لفظ يقتضي رفع المذامّ و استيعاب المدح،كما تقول:رجل صدق إذ هو مقابل رجل سوء.و قال ابن عبّاس و الحسن و قتادة:هو إدخال خاصّ و هو في المدينة،و إخراج خاصّ و هو من مكّة،فيكون المقدّم في الذّكر هو المؤخّر في الوقوع، و مكان الواو هو الأهمّ فبدئ به.[ثمّ ذكر بعض الأقوال و قال:]

و الأحسن في هذه الأقوال أن تكون على سبيل التّمثيل لا التّعيين،و يكون اللّفظ كما ذكرناه يتناول جميع الموارد و المصادر.

و قرأ الجمهور مُدْخَلَ و مُخْرَجَ بضمّ ميمهما، و هو جار قياسا على«أفعل»مصدر،نحو أكرمته مكرما، أي إكراما.

و قرأ قتادة و أبو حيوة و حميد و إبراهيم بن أبي عبلة بفتحهما.و قال صاحب«اللّوامح»:و هما مصدران من دخل و خرج لكنّه جاء من معنى أَدْخِلْنِي

ص: 486

و أَخْرِجْنِي المتقدّمين دون لفظهما،و مثلهما: أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً نوح:17.

و يجوز أن يكونا اسم المكان،و انتصابهما على الظّرف،و قال غيره:منصوبان مصدرين على تقدير فعل، أي أَدْخِلْنِي فأدخل مدخل صدق،و أَخْرِجْنِي فأخرج مخرج صدق.(6:73)

نحوه السّمين.(4:415)

الشّربينيّ: [ذكر أقوال المتقدّمين و أضاف:]

و الجامع لهذه الأقوال ما جرى عليه البقاعيّ في تفسيره بقوله:في كلّ مقام تريد إدخالي فيه،حسّيّ و معنويّ،دنيا و أخرى،مدخل صدق يستحقّ الدّاخل فيه أن يقال له:أنت صادق في قولك و فعلك،فإنّ ذا الوجهين لا يكون عند اللّه وجيها،و أخرجني من كلّما تخرجني منه،مخرج صدق،انتهى.

و المراد من«المدخل»و«المخرج»:الإدخال و الإخراج.و معنى إضافة المدخل و المخرج إلى «الصّدق»مدحهما،كأنّه سأل اللّه تعالى إدخالا حسنا و إخراجا حسنا،لا يرى فيهما ما يكره.(2:330)

البروسويّ: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي القبر مُدْخَلَ صِدْقٍ أي إدخالا مرضيّا على طهارة و طيب من السّيّئات وَ أَخْرِجْنِي منه عند البعث. مُخْرَجَ صِدْقٍ أي إخراجا مرضيّا ملقى بالكرامة،آمنا من السّخط،يدلّ على هذا المعنى ذكره أثر البعث.فالمدخل و المخرج مصدران،بمعنى الإدخال و الإخراج،و الإضافة إلى «الصّدق»لأجل المبالغة،نحو:حاتم الجود،أي إدخالا يستأهل أن يسمّى إدخالا،و لا يرى فيه ما يكره،لأنّه في مقابلة مدخل سوء و مخرج سوء.

و قيل:المراد إدخال المدينة،و الإخراج من مكّة، فيكون نزولها حين أمر بالهجرة،و يدلّ عليه قوله تعالى:

وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ. قيل:إدخاله في كلّ ما يلابسه من مكان أو أمر،و إخراجه منه.و رجّح الأكثرون هذا الوجه،فالمعنى:حيثما أدخلتني و أخرجتني فليكن بالصّدق منّي،و لا تجعلني ذا وجهين،فإنّ ذا الوجهين لا يجوز أن يكون أمينا.(5:193)

الآلوسيّ: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ أي إدخالا مرضيّا جيّدا لا يرى فيه ما يكره،و الإضافة للمبالغة. وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ نظير الأوّل.

و اختلف في تعيين المراد من ذلك،فأخرج الزّبير بن بكار عن زيد بن أسلم أنّ المراد إدخال المدينة،و الإخراج من مكّة.و يدلّ عليه على ما قيل:قوله تعالى: وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ إلخ.و أيّد بما أخرجه أحمد و الطّبرانيّ و التّرمذيّ و حسّنه،و الحاكم و صحّحه و جماعة عن ابن عبّاس قال:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بمكّة،ثمّ أمر بالهجرة،فأنزل اللّه تعالى عليه: وَ قُلْ رَبِّ... و بدأ بالإدخال،لأنّه الأهمّ.[ثمّ نقل الأقوال السّابقة و قال:]

و الأظهر أنّ المراد إدخاله عليه الصّلاة و السّلام في كلّ ما يدخل فيه و يلابسه من مكان أو أمر،و إخراجه منه،فيكون عامّا في جميع الموارد و المصادر،و استظهر ذلك أبو حيّان.و في«الكشف»أنّه الوجه الموافق لظاهر اللّفظ و المطابق لمقتضى النّظم،فسابقه و لاحقه، لا يختصّان بمكان دون آخر،و كفاك قوله تعالى: وَ اجْعَلْ لِي... شاهد صدق على إيثاره.(15:143)

ص: 487

القاسميّ: أي مدخلا حسنا مرضيّا بلا آفة، وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ أي مخرجا حسنا مرضيّا من غير آفة الميل إلى النّفس،و لا الضّلال بعد الهدى...

و قد رأى المهايميّ: ارتباط الآية بما قبلها في معناها؛ حيث قال: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي أي في هذه العبادات، فإنّها لا توصلك إلى المقام المحمود،إلاّ إذا صدق دخولك فيها،و خروجك عنها.و لا يتمّ إلاّ بإمداد اللّه بعد استمدادك منه.و قولك: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ أي بمشاهدتك في هذه العبادات،و تخليتي عن الرّياء و العجب،و تصفيتي بإخلاص العمل،و إخلاص طلب الأجر،و رؤية المنّة للّه و رؤية التّقصير فيها.

وَ أَخْرِجْنِي عنها، مُخْرَجَ صِدْقٍ فلا تستعملني فيما يحبطها عليّ،و لا تردّني على نفسي...انتهى.و اللّفظ الكريم محتمل لذلك،و يظهر لنا أنّه إشارة للهجرة كما ستراه.(10:3975)

ابن عاشور :و«المدخل»و«المخرج»بضمّ الميم و بفتح الحرف الثّالث،أصله اسم مكان الإدخال و الإخراج.اختير هنا الاسم المشتقّ من الفعل المتعدّي، للإشارة إلى أنّ المطلوب دخول و خروج ميسّران من اللّه تعالى،و واقعان بإذنه؛و ذلك دعاء بكلّ دخول و خروج مباركين،لتتمّ المناسبة بين المسئول و بين الموعود به، و هو المقام المحمود.و هذا السّؤال يعمّ كلّ مكان يدخل إليه و مكان يخرج منه.

و الصّدق:هنا الكمال و ما يحمد في نوعه،لأنّ ما ليس بمحمود فهو كالكاذب،لأنّه يخلف ظنّ المتلبّس به.

و قد عمّت هذه الدّعوة جميع المداخل إلى ما يقدر له الدّخول إليه،و جميع المخارج الّتي يخرج منها حقيقة أو مجازا.و عطف عليه سؤال التّأييد و النّصر في تلك المداخل و المخارج،و غيرها من الأقطار النّائية،و الأعمال القائم بها غيره،من أتباعه و أعدائه،بنصر أتباعه و خذل أعدائه.

و منهم من فسّر«المدخل»و«المخرج»،بأنّ المخرج:الإخراج إلى فتح مكّة،و المدخل:الإدخال إلى بلد مكّة فاتحا.و جعل الآية نازلة قبيل الفتح،فبنى عليه أنّها مدنيّة،و هو مدخول من جهات،و قد تقدّم أنّ السّورة كلّها مكّيّة على الصّحيح.(14:147)

مغنيّة:أمر اللّه نبيّه الكريم أن يدعو بهذا الدّعاء، و صدق المدخل و المخرج كناية عن الحقّ و الإخلاص في العقيدة،و القصد و الأفعال و جميع الحركات و السّكنات،و ما من شكّ أنّ من تسلّح بالحقّ،و أخلص للّه وحده،ثبّته اللّه بالقول الثّابت،و أمدّه بالحجّة الدّامغة، و مكّن له في القلوب البريئة الطّاهرة.(5:75)

الطّباطبائيّ: «المدخل»بضمّ الميم و فتح الخاء مصدر ميميّ بمعنى الإدخال،و نظيره«المخرج»بمعنى الإخراج،و العناية في إضافة الإدخال و الإخراج إلى الصّدق،أن يكون الدّخول و الخروج في كلّ أمر منعوتا بالصّدق،جاريا على الحقيقة،من غير أن يخالف ظاهره باطنه،أو يضادّ بعض أجزائه بعضا،كأن يدعو الإنسان بلسانه إلى اللّه،و هو يريد بقلبه أن يسود النّاس،أو يخلص في بعض دعوته للّه،و يشرك في بعضها غيره.

و بالجملة:هو أن يرى الصّدق في كلّ مدخل منه و مخرج،و يستوعب وجوده،فيقول ما يفعل،و يفعل ما

ص: 488

يقول،و لا يقول و لا يفعل إلاّ ما يراه و يعتقد به،و هذا مقام الصّدّيقين.و يرجع المعنى إلى نحو قولنا:اللّهم تولّ أمري كما تتولّى أمر الصّدّيقين.(13:176)

مكارم الشّيرازيّ: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ فأيّ عمل فرديّ أو اجتماعيّ لا أبدؤه إلاّ بالصّدق،و لا أنهيه إلاّ بالصّدق، فالصّدق و الإخلاص و الأمانة هي الخطّ الأساس لبداية و نهاية مسيرتي.

بعض المفسّرين أراد تحديد المعنى الواسع لهذه الآية، في مصداق أو مصاديق معيّنة،فمثلا قال بعضهم:إنّ الآية تعني الدّخول إلى المدينة،و الخروج منها إلى مكّة المكرّمة،أو الدّخول إلى القبر،و الخروج منه يوم البعث، و أمثال هذه الأمور.و لكن من الواضح جدّا أنّ التّعبير القرآنيّ الجامع في الآية الكريمة لا يمكن تحديده،فهو طلب في الدّخول و الخروج الصّادق من جميع الأمور، و في كلّ الأعمال و المواقف و البرامج.

و في الحقيقة فإنّ سرّ الانتصار يكمن هنا،و هذا هو طريق الأنبياء و الأولياء الرّبّانيّين؛حيث كانوا يتجنّبون كلّ غشّ و خداع و حيلة في أفكارهم و أقوالهم و أعمالهم، و كلّ ما يتعارض مع الصّدق.

و عادة فإنّ المصائب الّتي نشاهدها اليوم،و الّتي تصيب الأفراد و المجتمعات و الأقوام و الشّعوب،إنّما هي بسبب الانحرافات عن هذا الأساس،ففي بعض الأحيان يكون أساس علمهم قائما على الكذب و الغشّ و الحيلة، و في بعض الأحيان يدخلون إلى عمل معيّن بصدق، و لكنّهم لا يستمرّون على صدقهم حتّى النّهاية.و هذا هو سبب الفشل و الهزيمة.(9:81)

فضل اللّه : وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ إنّه الصّدق الّذي يحكم الاهتمامات الرّوحيّة و العمليّة في كلّ مداخل الإنسان و مخارجه،سواء في الأفكار الّتي يتبنّاها كمدخل طبيعيّ لحركته في الحياة،أو في العلاقات الخاصّة و العامّة الّتي تربطه بالواقع و بالنّاس،لتحدّد له موقعه في ساحات الصّراع و اللّقاء،على المستوى الإيجابيّ أو السلبيّ،أو في المشاريع المتنوّعة الّتي تنظّم للإنسان حركته،و تحدّد له دوره و طريقه في الوصول إلى أهدافه و أسلوبه في ممارسة ذلك.و هكذا يعيش الصّدق في كلّ موقع يدخل إليه،و يتحرّك فيه،لأنّ ذلك ممّا ينسجم مع دعوة الحقّ،كواجهة للرّسالة،و كعمق للحركة،و كطابع للشّخصيّة،في ما يمثله ذلك الواقع من انسجام الكلمة و الأسلوب و الموقف.

وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ في جميع المواقف الّتي يريد الإنسان التّحرّك منها إلى موقف آخر،أو في كلّ المواقع الّتي تلتقي بالخط السّلبي في الحياة،فلا يكون الموقف منطلقا من الزّيف و الدّجل و الرّياء،و لا يكون الموقع مختلفا مع الثّوابت المتّصلة بالرّسالة،بل يستمد الصّدق و الثّبات من حركته الإيجابيّة في خطّ العقيدة و التّشريع.

إنّها الكلمة الّتي تعبّر عن العقيدة،و تنسجم مع الفعل.و هذه هي الدّعوة الّتي يطلقها المؤمن من كلّ قلبه، مبتهلا إلى ربّه أن يعينه على الإخلاص في النّيّة و الفكر و الشّعور،و على الصّدق في القول و العمل في مواجهة الضّغوط الّتي تتحدّى فيه ثباته،و تخاطب انفعاله،

ص: 489

و تتلاعب بعاطفته،و تضغط على حركته...إنّه لا يريد أن يسترخي للدّعاء،ليكون بديلا عن الجهد و المعاناة في سبيل تأكيد الموقف،ليترك الأمر للإرادة الإلهيّة المباشرة في ما يدخل فيه،و ما يخرج منه،و لكنّه يوحي بأنّه يريد أن يتّجه هذا الاتّجاه،و يعمل على تأكيده،و يعاني-كلّ المعاناة-في سبيله،و يريد من اللّه أن يثبّته في مواقع الزّلل،و يقوّيه في مواطن الضّعف،كما يريد اللّه للإنسان أن يعمل ما يستطيع،و يستعين به على ما لا يستطيع.

(14:206)

اخرجوا

...وَ لَوْ تَرى إِذِ الظّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ... الأنعام:93

الحسن :أخرجوا أنفسكم من العذاب إن قدرتم، تقريعا لهم و توبيخا بظلم أنفسهم.(الماورديّ 2:145)

الطّبريّ: فإن قال قائل:ما وجه قوله: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ و نفوس بني آدم إنّما يخرجها من أبدان أهلها ربّ العالمين؟فكيف خوطب هؤلاء الكفّار،و أمروا في حال الموت بإخراج أنفسهم؟فإن كان ذلك كذلك،فقد وجب أن يكون بنو آدم هم يقبضون أنفس أجسامهم!

قيل:إنّ معنى ذلك بخلاف الّذي إليه ذهبت،و إنّما ذلك أمر من اللّه على ألسن رسله الّذين يقبضون أرواح هؤلاء القوم من أجسامهم،بأداء ما أسكنها ربّها من الأرواح إليه،و تسليمها إلى رسله الّذين يتوفّونها.

(5:271)

الزّجّاج:فيه وجهان-اللّه أعلم-:يقولون:

أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ، فجائز أن يكون كما تقول للّذي تعذّبه:لأزهقنّ نفسك،و لأخرجنّ نفسك،فهم يقولون- و اللّه أعلم-: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ على هذا المعنى.

و جائز أن يكون المعنى:خلّصوا أنفسكم،أي لستم تقدرون على الخلاص.(2:272)

الثّعلبيّ: أي يقولون: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ أرواحكم كرها،لأنّ نفس المؤمن تنشط للخروج للقاء ربّه،و الجواب محذوف،يعني:و لو تراهم في هذا الحال لرأيت عجبا.(4:170)

مثله البغويّ.(2:145)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:من أجسادكم عند معاينة الموت،إرهاقا لهم و تغليظا عليهم،و إن كان إخراجها من فعل غيرهم.

و الثّاني:[قول الحسن]

و يحتمل ثالثا:أن يكون معناه خلّصوا أنفسكم بالاحتجاج عنها فيما فعلتم.(2:144)

الطّوسيّ: و قوله: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ يحتمل أمرين:

أحدهما:أن يكون تقديره:يقولون: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ كما تقول للّذي تعذّبه:لأزهقنّ نفسك و لأخرجنّ نفسك،فهم يقولون لهم:أخرجوا أنفسكم، على معنى الوعيد و التّهديد،كما يدفع الرّجل في ظهر صاحبه و يكرهه على المضيّ بأن يجرّه أو بغير ذلك،و هو في ذلك يقول:امض الآن لترى ما يحلّ بك.

و الثّاني:أن يكون معناه خلّصوا أنفسكم،أي لستم

ص: 490

تقدرون على الخلاص اليوم.(4:219)

الواحديّ: أي يقولون لهم: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ.

قال المفسّرون:إنّ نفس المؤمن تنشط للخروج للقاء ربّه،و نفس الكافر تكره ذلك،و يشقّ عليها الخروج، لأنّها تصير إلى أشدّ العذاب،فهؤلاء الكفّار تكرههم الملائكة على نزع الرّوح كرها.(2:300)

الزّمخشريّ: يبسطون إليهم أيديهم،يقولون:هاتوا أرواحكم أخرجوها إلينا من أجسادكم.و هذه عبارة عن العنف في السّياق،و الإلحاح و التّشديد في الإزهاق من غير تنفيس و إمهال،و أنّهم يفعلون بهم فعل الغريم المسلّط،يبسط يده إلى من عليه الحقّ،و يعنف عليه في المطالبة،و لا يمهله،و يقول له:أخرج إليّ ما لي عليك السّاعة،و لا أريم مكاني حتّى أنزعه من أحداقك.

و قيل:معناه باسطو أيديهم عليهم بالعذاب، أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ خلّصوها من أيدينا،أي لا تقدرون على الخلاص.(2:36)

ابن عطيّة: حكاية لما تقوله الملائكة،و التّقدير:

يقولون:أخرجوا أنفسكم.و يحتمل قول الملائكة ذلك، أن يريدوا فأخرجوا أنفسكم من هذه المصائب و المحن، و خلّصوها إن كان ما زعمتموه حقّا في الدّنيا.و في ذلك توبيخ و توقيف على سالف فعلهم القبيح،قال الحسن:

هذا التّوبيخ على هذا الوجه هو في جهنّم.

و يحتمل أن يكون ذلك على معنى الزّجر و الإهانة، كما يقول الرّجل لمن يقهره بنفسه على أمر ما:أفعل كذا، لذلك الأمر الّذي هو يتناوله بنفسه منه،على جهة الإهانة و إدخال الرّعب عليه.(2:323)

الطّبرسيّ: يقولون:أخرجوا أنفسكم من سكرات الموت إن استطعتم،و صدقتم فيما قلتم و ادّعيتم.

و قيل:أخرجوا أنفسكم من أجسادكم عند معاينة الموت،إرهاقا لهم و تغليظا عليهم،و إن كان إخراجها من فعل غيرهم.

و قيل:على التّأويل الأوّل يقولون لهم يوم القيامة:

أخرجوا أنفسكم من عذاب النّار،إن استطعتم،أي خلّصوها منه.(2:335)

ابن الجوزيّ: قوله تعالى: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ فيه إضمار«يقولون»و في معناه قولان:

أحدهما:استسلموا لإخراج أنفسكم.

و الثّاني:أخرجوا أنفسكم من العذاب إن قدرتم.

(3:87)

الفخر الرّازيّ: هاهنا محذوف،و التّقدير:يقولون:

أخرجوا أنفسكم،و فيه مسألتان:

المسألة الأولى:في الآية سؤال،و هو أنّه لا قدرة لهم على إخراج أرواحهم من أجسادهم،فما الفائدة في هذا الكلام؟

فنقول:في تفسير هذه الكلمة وجوه:

الوجه الأوّل:و لو ترى الظّالمين إذا صاروا إلى غمرات الموت في الآخرة،فأدخلوا جهنّم،فغمرات الموت عبارة عمّا يصيبهم هناك من أنواع الشّدائد و التّعذيبات،و الملائكة باسطو أيديهم عليهم بالعذاب يبكّتونهم،و يقولون لهم:أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب الشّديد إن قدرتم.

الوجه الثّاني:أن يكون المعنى:و لو ترى إذ الظّالمون

ص: 491

في غمرات الموت عند نزول الموت بهم في الدّنيا، و الملائكة باسطو أيديهم لقبض أرواحهم،يقولون لهم:

أخرجوا أنفسكم من هذه الشّدائد و خلّصوها من هذه الآفات و الآلام.

و الوجه الثّالث:أنّ قوله: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ أي أخرجوها إلينا من أجسادكم،و هذه عبارة عن العنف و التّشديد في إزهاق الرّوح من غير تنفيس و إمهال، و أنّهم يفعلون بهم فعل الغريم الملازم الملحّ،يبسط يده إلى من عليه الحقّ،و يعنف عليه في المطالبة و لا يمهله، و يقول له:أخرج إليّ ما لي عليك السّاعة،و لا أبرح من مكاني حتّى أنزعه من أحداقك.

و الوجه الرّابع:أنّ هذه اللّفظة كناية عن شدّة حالهم، و أنّهم بلغوا في البلاء و الشّدّة إلى حيث تولّى بنفسه إزهاق روحه.

و الوجه الخامس:أنّ قوله: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ليس بأمر،بل هو وعيد و تقريع،كقول القائل:امض الآن لترى ما يحلّ بك.

قال المفسّرون:إنّ نفس المؤمن تنشط في الخروج للقاء ربّه،و نفس الكافر تكره ذلك فيشقّ عليها الخروج،لأنّها تصير إلى أشدّ العذاب،كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«من أراد لقاء اللّه،أراد اللّه لقاءه،و من كره لقاء اللّه،كره اللّه لقاءه.و ذلك عند نزع الرّوح»،فهؤلاء الكفّار تكرههم الملائكة على نزع الرّوح.(13:85)

نحوه النّيسابوريّ.(7:162)

القرطبيّ: أي خلّصوها من العذاب إن أمكنكم، و هو توبيخ.و قيل:أخرجوها كرها،لأنّ روح المؤمن تنشط للخروج للقاء ربّه،و روح الكافر تنتزع انتزاعا شديدا.و يقال:أيّتها النّفس الخبيثة،أخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب اللّه و هوانه،كذا جاء في حديث أبي هريرة و غيره.و قد أتينا عليه في كتاب «التّذكرة»و الحمد للّه.

و قيل:هو بمنزلة قول القائل لمن يعذّبه:لأذيقنّك العذاب،و لأخرجنّ نفسك؛و ذلك لأنّهم لا يخرجون أنفسهم،بل يقبضها ملك الموت و أعوانه.

و قيل:يقال هذا للكفّار و هم في النّار،و الجواب محذوف لعظم الأمر،أي و لو رأيت الظّالمين في هذه الحال لرأيت عذابا عظيما.(7:72)

البيضاويّ: أي يقولون لهم:أخرجوها إلينا من أجسادكم تغليظا و تعنيفا عليهم،أو أخرجوها من العذاب،و خلّصوها من أيدينا.(1:321)

نحوه أبو السّعود(2:417)،و البروسويّ(3:68).

أبو حيّان :[ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و من قال:إنّ بسط الأيدي هو في النّار،فالمعنى أخرجوا أنفسكم من هذه المصائب و المحن و خلّصوها إن كان ما زعمتموه حقّا في الدّنيا.و في ذلك توقيف و توبيخ على سالف فعلهم القبيح.و قيل:هو أمر على سبيل الإهانة و الإرعاب،و أنّهم بمنزلة من تولّى إزهاق نفسه.(4:181)

الشّربينيّ: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ إلينا لنقبضها، فإن قيل:إنّه لا قدرة لأحد على إخراج روحه من بدنه فما فائدة هذا؟

أجيب:بأنّهم يقولون لهم:أخرجوها كرها،لأنّ

ص: 492

المؤمن يحبّ لقاء اللّه بخلاف الكافر.و قيل:يقولون لهم:

خلّصوا أنفسكم من هذا العذاب إن قدرتم على ذلك، فيكون هذا القول توبيخا لهم،لأنّهم لا يقدرون على خلاص أنفسهم من العذاب في ذاك الوقت.(1:437)

الآلوسيّ: أي خلّصوها ممّا أنتم فيه من العذاب، و الأمر للتّوبيخ و التّعجيز.و ذهب بعضهم أنّ هذا تمثيل لفعل الملائكة،في قبض أرواح الظّلمة بفعل الغريم الملحّ، يبسط يده إلى من عليه الحقّ،و يعنف عليه في المطالبة و لا يمهله،و يقول له:أخرج ما لي عليك السّاعة،و لا أريم مكاني حتّى أنزعه من أحداقك.

و في«الكشف»أنّه كناية عن العنف في السّياق، و الإلحاح و التّشديد في الإزهاق من غير تنفيس و إمهال، و لا بسط و لا قول حقيقة هناك،و استظهر ابن المنير:

أنّهم يفعلون معهم هذه الأمور حقيقة على الصّور المحكيّة،و إذا أمكن البقاء على الحقيقة فلا معدل عنها.(7:223)

رشيد رضا :حكاية لقول الملائكة عند بسط أيديهم لتعذيبهم أو لقبض أرواحهم،و معناه:أخرجوها ممّا هي فيه،أي إن استطعتم،فهو أمر توبيخ و تهكّم،أو أخرجوها من أبدانكم.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و وافقه صاحب«الكشف»في المعنى،و لكنّه جعل الكلام كناية عن العنف في السّياق،و الإلحاح و التّشديد في الإزهاق من غير تنفيس و لا إمهال.و إنّه ليس هناك بسط يد و لا قول لسان.و كلّ من القولين جائز لغة لا تكلّف فيه،و كأن يكون متعيّنا،لو كان صدور ما ذكر عن الملائكة متعذّرا،و لو كشف لصاحبي«الكشّاف» و«الكشف»الحجاب عن تمثّل الملائكة للبشر بمثل صورهم،و مخاطبتهم بمثل كلامهم،لرأيا أنّهما في مندوحة عن العدول عن الحقيقة،إلى التّمثيل أو الكناية.

(7:626)

ابن عاشور :جملة: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ حكاية قول الملائكة لهم عند قبض أرواحهم.فيكون إطلاق الغمرات مجازا مفردا و يكون الموت حقيقة.و معنى بسط اليد تمثيلا للشّدّة في انتزاع أرواحهم،و لا بسط و لا أيدي.و الأنفس بمعنى الأرواح،أي أخرجوا أرواحكم من أجسادكم،أي هاتوا أرواحكم.و الأمر للإهانة و الإرهاق إغلاظا في قبض أرواحهم،و لا يتركون لهم راحة و لا يعاملونهم بلين.

و فيه إشارة إلى أنّهم يجزعون فلا يلفظون أرواحهم، و هو على هذا الوجه وعيد بالآلام عند النّزع،جزاء في الدّنيا على شركهم،و قد كان المشركون في شكّ من البعث فتوعّدوا بما لا شكّ فيه،و هو حال قبض الأرواح، بأنّ اللّه يسلّط عليهم ملائكة تقبض أرواحهم بشدّة و عنف،و تذيقهم عذابا في ذلك.و ذلك الوعيد يقع في نفوسهم موقعا عظيما،لأنّهم كانوا يخافون شدائد النّزع،و هو كقوله تعالى: وَ لَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ...

الأنفال:50،و قول: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ على هذا صادر من الملائكة.

و يجوز أن يكون هذا وعيدا بما يلاقيه المشركون من شدائد العذاب يوم القيامة،لمناسبة قوله بعد: وَ لَقَدْ

ص: 493

جِئْتُمُونا فُرادى الأنعام:94،فغمرات الموت تمثيل لحالهم يوم الحشر في منازعة الشّدائد،و أهوال القيامة بحال منهم في غمرات الموت و شدائد النّزع،فالموت تمثيل و ليس بحقيقة.و المقصود من التّمثيل تقريب الحالة،و إلاّ فإنّ أهوالهم يومئذ أشدّ من غمرات الموت، و لكن لا يوجد في المتعارف ما هو أقصى من هذا التّمثيل دلالة على هول الألم.و هذا كما يقال:وجدت ألم الموت.

[إلى أن قال:]

و جملة: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ مقول لقول محذوف، و حذف القول في مثله شائع،و القول على هذا من جانب اللّه تعالى،و التّقدير:نقول لهم:أخرجوا أنفسكم، و الأنفس بمعنى الذّوات.و الأمر للتّعجيز،أي أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب إن استطعتم،و الإخراج مجاز في الإنقاذ و الإنجاء،لأنّ هذا الحال قبل دخولهم النّار.و يجوز إبقاء الإخراج على حقيقته إن كان هذا الحال واقعا في حين دخولهم النّار.(6:224)

الطّباطبائيّ: قوله: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ أمر تكوينيّ،لأنّ الموت و الوفاة ليس في قدرة الإنسان كالحياة،حتّى يؤمر بذلك،قال تعالى: وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا النّجم:44،فالأمر تكوينيّ،و الملائكة من أسبابه،و الكلمة مصوغة صوغ الاستعارة بالكناية و الاستعارة التّخييليّة،كأنّ النّفس الإنسانيّة أمر داخل في البدن،و به حياته،و بخروجه عن البدن طروّ الموت؛ و ذلك أنّ كلامه تعالى ظاهر في أنّ النّفس ليست من جنس البدن،و لا من سنخ الأمور المادّيّة الجسمانيّة،و إنّما لها سنخ آخر من الوجود يتّحد مع البدن،و يتعلّق به نوعا من الاتّحاد،و التّعلّق غير مادّيّ.فالمراد بقوله: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ قطع علقة أنفسهم من أبدانهم و هو الموت، و القول قول الملائكة على ما يعطيه السّياق.(7:285)

مكارم الشّيرازيّ: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ تعني في الواقع ضربا من التّحقير تبديه الملائكة نحو هؤلاء الظّالمين،و إلاّ فإنّ إخراج الرّوح ليس من عمل هؤلاء، بل هو من واجب الملائكة،مثل ما يقال للمجرم عند إعدامه:مت!و لعلّ هذا التّحقير يقابل تحقيرهم لآيات اللّه و أنبيائه و عباده.(4:358)

اخرجوهم

وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ... البقرة:191

لاحظ:«اخرجوكم».

مخرج

1- وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ. البقرة:72

الطّبريّ: يعني بقوله: وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ: و اللّه معلن ما كنتم تسرّونه من قتل القتيل، الّذي قتلتم،ثمّ ادّارأتم فيه.

و معنى الإخراج في هذا الموضع،الإظهار و الإعلان لمن خفي ذلك عنه،و اطّلاعهم عليه،كما قال اللّه تعالى ذكره: أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ النّمل:25،يعني بذلك:يظهره و يطّلعه من مخبئه بعد خفائه.و الّذي كانوا يكتمونه فأخرجه،هو قتل

ص: 494

القاتل القتيل،لما كتم ذلك،القاتل و من علمه ممّن شايعه على ذلك،حتّى أظهره اللّه و أخرجه،فأعلن أمره لمن لا يعلم أمره.(1:402)

الزّجّاج: الأجود في مُخْرَجَ التّنوين،لأنّه إنّما هو لما يستقبل أو للحال.و يجوز حذف التّنوين استخفافا، فيقرأ: (مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) فإن كان قرئ به،و إلاّ فلا يخالف القرآن كما شرحنا.(1:154)

الماورديّ: أي و اللّه مظهر ما كنتم تسرّون من القتل،فعند ذلك قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لو أنّ أحدكم يعمل في صخرة صمّاء ليس لها باب لأخرج اللّه عمله».

(1:143)

نحو الطّوسيّ.(1:304)

الزّمخشريّ: مظهر لا محالة ما كتمتم من أمر القتل، لا يتركه مكتوما.

فإن قلت:كيف أعمل مخرج و هو في معنى المضيّ؟

قلت:و قد حكى ما كان مستقبلا في وقت التّدارؤ، كما حكى الحاضر في قوله: باسِطٌ ذِراعَيْهِ الكهف:

18،و هذه الجملة اعتراض بين المعطوف و المعطوف عليه،و هما:(اداراتم)و(فقلنا.)(1:289)

نحوه البيضاويّ(1:63)،و النّسفيّ(1:57)، و أبو السّعود(1:147)،و البروسويّ(1:162).

الطّبرسيّ: أي مظهر ما كنتم تسرّون من القتل.

و قيل:معناه أنّه مخرج من غامض أخباركم،و مطّلع من معايبكم و معايب أسلافكم على ما تكتمونه أنتم،و هو خطاب لليهود في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:137)

الفخر الرّازيّ: [ذكر مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

فيه مسائل:

المسألة الأولى:قالت المعتزلة قوله: وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ أي لا بدّ و أن يفعل ذلك،و إنّما حكم بأنّه لا بدّ و أن يفعل ذلك،لأنّ الاختلاف و التّنازع في باب القتل يكون سببا للفتن و الفساد،و اللّه لا يحبّ الفساد،فلأجل هذا قال:لا بدّ و أن يزيل هذا الكتمان، ليزول ذلك الفساد،فدلّ ذلك على أنّه سبحانه لا يريد الفساد و لا يرضى به،و لا يخلقه.

المسألة الثّانية:الآية تدلّ على أنّه تعالى عالم بجميع المعلومات،و إلاّ لما قدر على إظهار ما كتموه.

المسألة الثّالثة:تدلّ الآية على أنّ ما يسرّه العبد من خير أو شرّ و دام ذلك منه،فإنّ اللّه سيظهره.

قال عليه الصّلاة و السّلام:«إنّ عبدا لو أطاع اللّه من وراء سبعين حجابا لأظهر اللّه ذلك على ألسنة النّاس» و كذلك المعصية.

و روي أنّ اللّه تعالى أوحى إلى موسى عليه السّلام:«قل لبني إسرائيل يخفون لي أعمالهم و عليّ أنّ أظهرها لهم».

(3:124)

نحوه النّيسابوريّ.(1:344)

أبو حيّان :(ما)منصوب باسم الفاعل،و هو موصول معهود،فلذلك أتى باسم الفاعل،لأنّه يدلّ على الثّبوت،و لم يأت بالفعل الّذي هو دالّ على التّجدّد و التّكرار،و لا تكرار؛إذ لا تجدّد فيه،لأنّها قصّة واحدة معروفة،فلذلك-و اللّه أعلم-لم يأت بالفعل.و جاء اسم الفاعل معملا،و لم يضف و إن كان من حيث المعنى ماضيا، لأنّه حكى ما كان مستقبلا وقت التّدارؤ؛و ذلك مثل ما

ص: 495

حكى الحال في قوله تعالى: وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ. الكهف:18.(1:259)

السّمين:قوله: وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ، (اللّه)رفع بالابتداء و مُخْرِجٌ خبره،و(ما)موصولة منصوبة المحلّ باسم الفاعل.

فإن قيل:اسم الفاعل لا يعمل بمعنى الماضي إلاّ محلّى بالألف و اللاّم.

فالجواب:أنّ هذه حكاية حال ماضية،و اسم الفاعل فيها غير ماض،و هذا كقوله تعالى: وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ و الكسائيّ يعمله مطلقا و يستدلّ بهذا و نحوه.و(ما)يجوز أن تكون موصولة اسميّة،فلا بدّ من عائد،تقديره:مخرج الّذي كنتم تكتمونه،و يجوز أن تكون مصدريّة،و المصدر واقع موقع المفعول به،أي مخرج مكتومكم.و هذه الجملة لا محلّ لها من الإعراب، لأنّها معترضة بين المعطوف و المعطوف عليه،و هما:

فَادّارَأْتُمْ. (1:262)

الآلوسيّ: أي مظهر لا محالة ما كنتم تكتمونه من أمر القتيل و القاتل،كما يشير إليه بناء الجملة الاسميّة و بناء اسم الفاعل على المبتدإ المفيد لتأكيد الحكم و تقوّيه؛ و ذلك بطريق التّفضّل عندنا،و الوجوب عند المعتزلة، و تقدير المتعلّق خاصّا،هو ما عليه الجمهور.

و قيل:يجوز أن يكون عامّا في القتيل و غيره، و يكون القتيل من جلالة أفراده،و فيه نظر:إذ ليس كلّ ما كتموه عن النّاس أظهره اللّه تعالى،و أعمل مُخْرِجٌ لأنّه مستقبل بالنّسبة للحكم الّذي قبله،و هو التّدارؤ، و مضيّه الآن لا يضرّ،و الجمع بين صيغتي الماضي و المستقبل للدّلالة على الاستمرار.(1:293)

ابن عاشور :و قوله: وَ اللّهُ مُخْرِجٌ جملة حاليّة من(اداراتم)أي تدارأتم في حال أن اللّه سيخرج ما كتمتموه،فاسم الفاعل فيه للمستقبل باعتبار عامله، و هو(اداراتم.)و الخطاب هنا على نحو الخطاب في الآيات السّابقة،المبنيّ على تنزيل المخاطبين منزلة أسلافهم،لحمل تبعتهم عليهم،بناء على ما تقرّر من أنّ خلق السّلف يسري إلى الخلف،كما بيّنّاه فيما مضى، و سنبيّنه إن شاء اللّه تعالى عند قوله: أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ البقرة:75.

و إنّما تعلّقت إرادة اللّه تعالى بكشف حال قاتلي هذا القتيل،مع أنّ دمه ليس بأوّل دم طلّ في الأمم،إكراما لموسى عليه السّلام أن يضيع دم في قومه،و هو بين أظهرهم و بمرأى منه و مسمع،لا سيّما و قد قصد القاتلون استغفال موسى،و دبّروا المكيدة في إظهارهم المطالبة بدمه،فلو لم يظهر اللّه تعالى هذا الدّم في أمّة لضعف يقينها برسولها، و لكان ذلك ممّا يزيدهم شكّا في صدقه فينقلبوا كافرين، فكان إظهار هذا الدّم كرامة لموسى و رحمة بالأمّة،لئلاّ تضلّ،فلا يشكل عليكم أنّه قد ضاع دم في زمن نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم كما في حديث حويصة و محيصة الآتي،لظهور الفرق بين الحالين بانتفاء تدبير المكيدة و انتفاء شكّ الأمّة في رسولها،و هي خير أمّة أخرجت للنّاس.(1:543)

2- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ.

التّوبة:64

ص: 496

لاحظ ح ذ ر:«يحذرون».

مخرجين

1- لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ.

الحجر:48

الطّبريّ: و ما هم من الجنّة و نعيمها و ما أعطاهم اللّه فيها بمخرجين،بل ذلك دائم أبدا.(7:521)

الطّوسيّ: لا يخرجون من الجنّة،بل يبقون فيها مؤبّدين.(6:340)

نحوه الطّبرسيّ(3:339)،و القرطبيّ(10:34).

أبو حيّان :و أكّد انتفاء الإخراج بدخول الباء في بِمُخْرَجِينَ.

و قيل:للثّواب أربع شرائط:أن يكون منافع،و إليه الإشارة بقوله: فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ الحجر:45،مقرونة بالتّعظيم،و إليه الإشارة بقوله: اُدْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ الحجر:46،خالصة عن مظانّ الشّوائب الرّوحانيّة، كالحقد و الحسد و الغلّ،و الجسمانيّة،كالإعياء و النّصب، و إليه الإشارة بقوله: وَ نَزَعْنا الحجر:47،إلى لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ دائمة،و إليه الإشارة بقوله:

وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ. (5:457)

البروسويّ: أبد الآباد،لأنّ تمام النّعمة بالخلود.

و في«التّأويلات النّجميّة»: لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ من الحسد لبعضهم على درجات بعض،و أهل كلّ درجة مقيمون في تلك الدّرجة لا خروج لهم منها إلى درجة تحتها و لا فوقها،و هم راضون بذلك،لأنّ غلّ الحسد منزوع منهم.(4:472)

الآلوسيّ: أي هم خالدون فيها،فالمراد استمرار النّفي؛و ذلك لأنّ إتمام النّعمة بالخلود.و هذا متكرّر مع (امنين)إن أريد منه الأمن من زوالهم عن الجنّة و انتقالهم منها،و ارتكب ذلك للعناء و التّأكيد.و إن أريد به الأمن من زوال ما هم عليه من النّعيم و السّرور و الصّحّة لا يتكرّر.و بحث بعضهم في لزوم التّكرار بأنّ الأمن من الشّيء لا يستلزم عدم وقوعه،كأمن الكفرة من مكر اللّه تعالى مثلا،و أنّه يجوز أن يكون المراد:زوال أنفسهم بالموت لا الزّوال عن الجنّة.و تعقّب بأنّ الثّاني في غاية البعد،فإنّه لا يقال للميّت:إنّه فيها،و إن دفن بها كالأوّل، فإن اللّه تعالى إذا بشّرهم بالأمن منه كيف يتوهّم عدم وقوعه.(14:59)

2- قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ. الشّعراء:167

الطّبريّ: من بين أظهرنا و بلدنا.(9:470)

نحوه القرطبيّ.(13:133)

الطّوسيّ: أي نخرجك من بيننا و عن بلدنا.

(8:54)

الزّمخشريّ: من جملة من أخرجناه من بين أظهرنا و طردنا من بلدنا.و لعلّهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوإ حال،من تعنيف به،و احتباس لأملاكه،و كما يكون حال الظّلمة إذا أجلوا بعض من يغضبون عليه، و كما كان يفعل أهل مكّة بمن يريد المهاجرة.(3:125)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:161)،و أبو السّعود(5:

56).

ص: 497

أبو حيّان:و لمّا نهاهم عن هذا الفعل القبيح توعّدوه بالإخراج،و هو النّفي من بلده الّذي نشأ فيه،أي لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ عن دعواك النّبوّة،و عن الإنكار علينا فيما نأتيه من الذّكران،لننفينّك،كما نفينا من نهانا قبلك.

و دلّ قوله: مِنَ الْمُخْرَجِينَ على أنّه سبق من نهاهم عن ذلك،فنفوه بسبب النّهي،أو من المخرجين بسبب غير هذا السّبب،كأنّه من خالفهم في شيء نفوه، سواء كان الخلاف في هذا الفعل الخاصّ،أم في غيره.

(7:36)

الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و في هذا إشارة إلى أنّه غريب عندهم،و أنّ عادتهم المستمرّة نفي من اعترض عليهم.(3:29)

البروسويّ: من المعهودين بالنّفي،و الإخراج من القرية على عنف و سوء حال.(6:302)

الآلوسيّ: أي من المنفيّين من قريتنا المعهودين، و كأنّهم كانوا يخرجون من غضبوا عليه بسبب من الأسباب.و قيل:بسبب إنكار تلك الفاحشة من بينهم على عنف و سوء حال،و لهذا هدّدوه عليه السّلام بذلك،و عدلوا عن«لنخرجنّك»الأخصر إلى ما ذكر،و لا يخفى ما في الكلام من التّأكيد.(19:116)

ابن عاشور :فهدّدوه بالإخراج من مدينتهم،لأنّه كان من غير أهل المدينة،بل كان مهاجرا بينهم و له صهر فيهم.و صيغة مِنَ الْمُخْرَجِينَ أبلغ من«لنخرجنّك»، كما في قوله: لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ الشّعراء:116.

(19:186)

الطّباطبائيّ: أي المبعدين المنفيّين من قريتنا،كما نقل عنهم في موضع آخر: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ الأعراف:82.(15:310)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ كلامك يبلبل أفكارنا، و يسلب اطمئناننا و هدوءنا،فنحن غير مستعدّين حتّى للإصغاء إلى كلامك.و إذا واصلت هذا الأسلوب و لم تنته منه،فإنّ أقلّ ما تجزى به هو الإبعاد و الإخراج من هذه الأرض.

و نقرأ في مكان آخر من القرآن:أنّ قوم لوط سعوا لتنفيذ تهديدهم،و أمروا بإخراج لوط و أهله،فقالوا:

أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ الأعراف:82.

إنّ فعل هؤلاء الضّالّين بلغ بهم أن يعدّوا التّقوى و التّطهّر بينهم أكبر عيب،و أن يفخروا بالرّجس و عدم الطّهارة.و هذه هي العاقبة المشئومة للمجتمع المسرع نحو الفساد!

و يستفاد من عبارة: لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ أنّ هذه الجماعة الفاسدة كانوا قد أخرجوا أناسا طاهرين من حيّهم،فهدّدوا لوطا بهذا الأمر أيضا،و هو أنّه إذا لم تنته فستنال ما ناله سواك من الإبعاد و الإخراج.و قد صرّح في بعض التّفاسير أنّهم كانوا يخرجون المتطهّرين من القرية بأسوء الحال.(11:394)

اخراج

وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَ اللّهُ

ص: 498

عَزِيزٌ حَكِيمٌ. البقرة:240

الطّبريّ: و قوله: غَيْرَ إِخْراجٍ فإنّ معناه أنّ اللّه تعالى ذكره جعل ما جعل لهنّ من الوصيّة متاعا منه لهنّ إلى الحول،لا إخراجا من مسكن زوجها،يعني:لا إخراج فيه منه حتّى ينقضي الحول.فنصب(غير)على النعت ل«المتاع»كقول القائل:هذا قيام غير قعود،بمعنى:هذا قيام لا قعود معه،أو لا قعود فيه.

و قد زعم بعضهم أنّه منصوب بمعنى:لا تخرجوهنّ إخراجا؛و ذلك خطأ من القول،لأنّ ذلك إذا نصب على هذا التّأويل،كان نصبه من كلام آخر غير الأوّل،و إنّما هو منصوب بما نصب«المتاع»على النّعت له.(5972)

الطّوسيّ: غَيْرَ إِخْراجٍ نصب بأحد الشّيئين:

أحدها:أن يكون صفة ل«متاع».و الثّاني:أن يكون مصدرا،كأنّه قيل:لا إخراجا.(2:279)

نحوه ابن عطيّة.(1:326)

البغويّ: غَيْرَ إِخْراجٍ نصب على الحال.و قيل:

بنزع حرف على الصّفة،أي غير إخراج.(1:327)

الزّمخشريّ: مصدر مؤكّد،كقولك:هذا القول غير ما تقول،أو بدل من مَتاعاً، أو حال من الأزواج،أي غير مخرجات.(1:377)

رشيد رضا :معناه غير مخرجات،أي يجب ذلك لهنّ مقيمات في دار الميّت غير مخرجات فلا يمنعن السّكنى.

قال الأستاذ الإمام:الأحسن ما قاله بعضهم:من أنّ مَتاعاً مصدر بمعنى تمتيعا،أو معمول للمصدر الّذي هو وَصِيَّةً، و معنى غَيْرَ إِخْراجٍ غير مخرجات، و هو حال من الأزواج.و النّكتة في العدول عنه هي أنّ المراد أن يوصي الرّجل بعدم إخراج زوجه،و أن ينفّذ أولياؤه وصيّته،فلا يخرجوهنّ من بيوتهنّ.و لو قال:

«غير مخرجات»لكان تحتيما عليهنّ بالبقاء في البيوت، و لأفاد عدم جواز إخراجهنّ لأحد و لو كان وليّا كأبيها، و ليس هذا بمراد،فعبارة الآية تفيد معنى المراد و لا توهم سواه.

هذا ما ذهب إليه الجمهور في معنى الآية،فهي عندهم توجب أن تكون عدّة الوفاة سنة كاملة،و أن ينفق على المعتدّة من تركة زوجها،مقيمة في داره، لا يجوز إخراجها منه،إلاّ أن تخرج باختيارها،فتسقط نفقتها.قالوا:ثمّ نسخت بجعل العدّة أربعة أشهر و عشرا، كما في تلك الآية الّتي تقدّمت عليها في الذّكر،و هي متأخّرة عنها في النّزول.و بجعلها وارثة للزّوج بنصّ القرآن مع تحريم الوصيّة للوارث في الحديث.[إلى أن قال:]

قال الأستاذ الإمام:و هناك وجه آخر يتّصل بقول الجمهور،و هو أنّ الآية كانت في فرض الوصيّة،و طلب مع هذا الفرض من ورثة الميّت أن لا يخرجن النّساء في مدّة الحول.و أنّ الخروج الّذي يبرأ به أولياء الميّت من الوصيّة المفروضة الّتي هي النّفقة،هو الخروج الّذي بعد العدّة الّتي هي أربعة أشهر و عشر.قال:و هو قول ضعيف.(2:446)

ابن عاشور : غَيْرَ إِخْراجٍ حال من مَتاعاً مؤكّدة،أو بدل من مَتاعاً بدلا مطابقا،و العرب تؤكّد الشّيء بنفي ضدّه.(2:451)

ص: 499

اخراج

أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ... التّوبة:13

الحسن :أخرجوا الرّسول عليه السّلام من المدينة لقتال أهل مكّة،للنّكث الّذي كان منهم.(القرطبيّ 8:86)

الطّبريّ: من بين أظهرهم فأخرجوه.(6:331)

الثّعلبيّ: محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من مكّة.(5:16)

البغويّ: من مكّة،حين اجتمعوا في دار النّدوة.

(2:322)

الزّمخشريّ: من مكّة،حين تشاوروا في أمره بدار النّدوة،حتّى أذن اللّه تعالى في الهجرة فخرج بنفسه.

(2:177)

الفخر الرّازيّ: و اختلفوا فيه،فقال بعضهم:المراد إخراجه من مكّة حين هاجر.

و قال بعضهم:بل المراد من المدينة لمّا أقدموا عليه من المشورة و الاجتماع على قصده بالقتل.

و قال آخرون:بل همّوا بإخراجه من حيث أقدموا على ما يدعوه إلى الخروج،و هو نقض العهد،و إعانة أعدائه،فأضيف الإخراج إليهم توسّعا لما وقع منهم من الأمور الدّاعية إليه.

و قوله: وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ إمّا بالفعل و إمّا بالعزم عليه،و إن لم يوجد ذلك الفعل بتمامه.(15:235)

القرطبيّ: أي كان منهم سبب الإخراج،فأضيف الإخراج إليهم.(8:86)

البيضاويّ: حين تشاوروا في أمره بدار النّدوة على ما ذكره في قوله: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا.

و قيل:هم اليهود نكثوا عهد الرّسول و همّوا بإخراجه من المدينة.(1:407)

نحوه أبو السّعود(3:129)،و البروسويّ(3:395).

الآلوسيّ: من مكّة مسقط رأسه عليه الصّلاة و السّلام،حين تشاوروا بدار النّدوة حسبما ذكر في قوله تعالى: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا.

و قال الجبّائيّ: هم اليهود الّذين نقضوا العهد و خرجوا مع الأحزاب،و همّوا بإخراج الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم من المدينة،و لا يخفى أنّه يأباه السّياق و عدم القرينة عليه، و الأوّل هو المرويّ عن مجاهد و السّدّيّ و غيرهما.

و اعترض بأنّ ما وقع في دار النّدوة هو الهمّ بالإخراج أو الحبس أو القتل،و الّذي استقرّ رأيهم عليه هو القتل لا الإخراج،فما وجه التّخصيص؟

و أجيب:بأنّ التّخصيص لأنّه الّذي وقع في الخارج ما يضاهيه ممّا ترتّب على همّهم و إن لم يكن بفعل منهم، بل من اللّه تعالى لحكمة،و ما عداه لغو،فخصّ بالذّكر لأنّه المقتضي للتّحريض لا غيره ممّا لم يظهر له أثر.

و قيل:إنّه سبحانه اقتصر على الأدنى ليعلم غيره بطريق أولى،و لا يرد عليه أنّه ليس بأدنى من الحبس كما توهّم،لأنّ بقاءه عليه الصّلاة و السّلام في يد عدوّه المقتضي للتّبريح بالتّهديد و نحوه،أشدّ منه بلا شبهة.

(10:61)

ابن عاشور :و أمّا همّهم بإخراج الرّسول فظاهره أنّه همّ حصل مع نكث أيمانهم،و أنّ المراد إخراج الرّسول من المدينة،أي نفيه عنها،لأنّ إخراجه من مكّة أمر قد مضى منذ سنين،و لأنّ إلجاءه إلى القتال لا يعرف إطلاق

ص: 500

الإخراج عليه،فالظّاهر أنّ همّهم هذا أضمروه في أنفسهم،و علمه اللّه تعالى و نبّه المسلمين إليه،و هو أنّهم لمّا نكثوا العهد طمعوا في إعادة القتال،و توهّموا أنفسهم منصورين،و أنّهم إن انتصروا أخرجوا الرّسول عليه الصّلاة و السّلام من المدينة.

و الهمّ هو العزم على فعل شيء،سواء فعله أم انصرف عنه.مؤاخذتهم في هذه الآية على مجرّد الهمّ بإخراج الرّسول،تدلّ على أنّهم لم يخرجوه،و إلاّ لكان الأجدر أن ينعى عليهم الإخراج لا الهمّ به،كما في قوله:

إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا التّوبة:40،و تدلّ على أنّهم لم يرجعوا عمّا همّوا به إلاّ لما حيل بينهم و بين تنفيذه.فعن الحسن:همّوا بإخراج الرّسول من المدينة حين غزوه في أحد و حين غزوا غزوة الأحزاب،أي فكفاه اللّه سوء ما همّوا به،و لا يجوز أن يكون المراد إخراجه من مكّة للهجرة،لأنّ ذلك قد حدث قبل انعقاد العهد بينهم و بين المسلمين في الحديبيّة.

فالوجه عندي:أنّ المعنيّ بالّذين همّوا بإخراج الرّسول قبائل كانوا معاهدين للمسلمين،فنكثوا العهد سنة ثمان،يوم فتح مكّة،و همّوا بنجدة أهل مكّة يوم الفتح،و الغدر بالنّبيّ عليه الصّلاة و السّلام و المسلمين، و أن يأتوهم و هم غارون،فيكونوا هم و قريش ألبا واحدا على المسلمين،فيخرجون الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و المسلمين من مكّة.(10:38)

استخرجها

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ... يوسف:76

الطّبريّ: و اختلف أهل العربيّة في الهاء و الألف اللّتين في قوله: ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ؛ فقال بعض نحويّي البصرة:هي من ذكر«الصّواع»،قال:

و أنّث،و قد قال: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ لأنّه عنى «الصّواع».قال:و«الصّواع»مذكّر،و منهم من يؤنّث «الصّواع»و عنى هاهنا«السّقاية»و هي مؤنّثة.قال:و هما اسمان لواحد،مثل«الثّوب»و«الملحفة»مذكّر و مؤنّث لشيء واحد.

و قال بعض نحويّي الكوفة في قوله: ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ ذهب إلى تأنيث«السّرقة»،قال:و إن يكن«الصّواع»في معنى«الصّاع»فلعلّ هذا التّأنيث من ذلك،قال:و إن شئت جعلته لتأنيث السّقاية.قال:

و«الصّواع»ذكر،و«الصّاع»يؤنّث و يذكّر،فمن أنّثه قال:

ثلاث أصوع،مثل ثلاث أدور،و من ذكّره قال:«أصواع» مثل أبواب.

و قال آخر منهم:إنّما أنّث«الصّواع»حين أنّث،لأنّه أريدت به«السّقاية»،و ذكّر حين ذكّر،لأنّه أريد به «الصّواع».قال:و ذلك مثل«الخوان»و«المائدة» و«سنان الرّمح»و«عالتيه»و ما أشبه ذلك من الشّيء الّذي يجتمع فيه اسمان:أحدهما مذكّر،و الآخر مؤنّث.(7:260)

الزّجّاج: رجع بالتّأنيث على السّقاية،و يجوز أن يكون أنّث الصّواع.(3:122)

الثّعلبيّ: و إنّما أنّث الكناية في قوله: اِسْتَخْرَجَها و الصّواع مذكّر،و قد قال اللّه تعالى: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ

ص: 501

بَعِيرٍ يوسف:72،لأنّ ردّه إلى السّقاية،كقوله:

اَلَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ المؤمنون:11،ثمّ قال: هُمْ فِيها خالِدُونَ ردّها إلى الجنّة،و قوله: وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ النّساء:

8،ثمّ قال: فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ أي من الميراث.

و قيل:ردّ الكناية إلى السّرقة.

و قيل:إنّما أنّثها لأنّ«الصّواع»يذكّر و يؤنّث،فمن أنّثه قال:ثلاث أصوع،مثل أدود،و من ذكّره قال:ثلاثة أصواع،مثل ثلاثة أثواب.(5:241)

نحوه البغويّ.(2:505)

الزّمخشريّ: فإن قلت:لم ذكّر ضمير«الصّواع» مرّات ثمّ أنّثه؟

قلت:قالوا:أرجع بالتّأنيث على«السّقاية»،أو أنّث «الصّواع»لأنّه يذكّر و يؤنّث،و لعلّ يوسف كان يسمّيه «سقاية»و عبيده«صواعا»،فقد وقع فيما يتّصل به من الكلام سقاية،و فيما يتّصل بهم منه صواعا.(2:335)

مثله الفخر الرّازيّ(18:181)،و نحوه أبو حيّان(5:

332)،و القرطبيّ(9:235)،و أبو السّعود(3:416).

السّمين:في الضّمير المنصوب قولان:أحدهما:أنّه عائد على الصّواع،لأنّ فيه التّذكير و التّأنيث كما تقدّم، و قيل:بل لأنّه حمل على معنى للسّقاية.قال أبو عبيد:

«يؤنّث الصّواع من حيث يسمّى السّقاية و يذكّر من حيث هو صواع،قالوا:و كأنّ أبا عبيد لم يحفظ في الصّواع التّأنيث.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

قلت:هذا الأخير حسن.

و الثّاني:أنّ الضّمير على السّرقة،و فيه نظر،لأنّ السّرقة لا تستخرج إلاّ بمجاز.(4:202)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:الضّمير للسّرقة المفهومة من الكلام،أي ثمّ استخرج السّرقة.(13:28)

ابن عاشور :و تأنيث ضمير اِسْتَخْرَجَها للسّقاية،و هذا التّأنيث في تمام الرّشاقة؛إذ كانت الحقيقة أنّها سقاية جعلت صواعا،فهو كردّ العجز على الصّدر.

(12:99)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: الخراج على وجهين:الثّواب،الجعل.

فوجه منها:الخراج:الثّواب،قوله في سورة المؤمنون:

72 أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً أي جعلا. فَخَراجُ رَبِّكَ يعني ثواب ربّك خير.

الوجه الثّاني:الخرج:الجعل بعينه،قوله في الكهف:

94 في قصّة ذي القرنين: فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً أي جعلا.(310)

الأصول اللّغويّة

1-لهذه المادّة أصلان:الأوّل:الخروج،أي أوّل ما ينشأ من السّحاب،يقال:خرج له خروج حسن،و هو اتّساعه و انبساطه،و خرجت السّماء خروجا:أصحت بعد إقامتها.

ثمّ توسّعوا في استعماله،و جعلوه نقيضا لدخول الشّيء،يقال:خرج يخرج خروجا و مخرجا،فهو خارج و خروج و خرّاج،و قد أخرجه و خرج به،و فلان خرّاج

ص: 502

ولاّج،إذا لم يسرع في أمر لا يسهل له الخروج منه إذا أراد ذلك.

و المخرج:مصدر و اسم مفعول للفعل أخرج،و هو اسم مكان و زمان أيضا،يقال:أخرجني مخرج صدق، و هذا مخرجه.

و اخترجه و استخرجه:طلب إليه أو منه أن يخرج، و ناقة مخترجة:خرجت على خلقة الجمل البختيّ، و استخرجت الأرض:أصلحت للزّراعة أو الغراسة، و هو من ذلك.

و الخراج و خراج و الخريج:لعبة لفتيان الأعراب، و هو أن يمسك أحدهم شيئا بيده،و يقول لسائرهم:

أخرجوا ما في يدي.

و الخروج من الإبل:المعناق المتقدّمة،للذّكر و الأنثى،و الجمع خرج،و الخارجيّة:خيل لا عرق لها في الجودة،فتخرّج سوابق،و هي مع ذلك جياد، و الخارجيّ: الّذي يخرج و يشرف بنفسه من غير أن يكون له قديم.

و الخروج:خروج الأديب و السّائق و نحوهما يخرّج فيخرج،و فلان خريج مال و خرّيجه،إذا درّبه و علّمه، و قد خرّجه في الأدب فتخرّج.

و الخرج و الخراج واحد،و هو شيء يخرجه القوم في السّنة من مالهم بقدر معلوم،و ما يؤدّيه العبد لسيّده،و هو غلّته،يقال:خارج فلان غلامه،أي اتّفقا على ضريبة يردّها العبد على سيّده كلّ شهر،و هو عبد مخارج.

و الخراج:الجزية الّتي ضربت على رقاب أهل الذّمّة،لأنّه كالغلّة الواجبة عليهم،و الجمع أخراج و أخاريج و أخارجة.

و الخوارج:الحروريّة،و الخارجيّة:طائفة منهم لزمهم هذا الاسم،لخروجهم عن النّاس.

و قولهم:خرجت خوارج فلان،أي ظهرت نجابته، على المجاز.

و الأصل الثّاني:الخرج،و هو لونان:سواد و بياض، يقال:نعامة خرجاء،و ظليم أخرج بيّن الخرج،و كبش أخرج،و اخرجّت النّعامة اخرجاجا و اخراجّت اخريجاجا:صارت خرجاء،و نعجة خرجاء:و هي السّواد و البياض يكون في إحدى الرّجلين أو في كلتيهما، و في الخاصرتين و سائرها أسود،و الأخرج من المعزى:

الّذي نصفه أبيض و نصفه أسود،و فرس أخرج:أبيض البطن و الجنين إلى منتهى الظّهر و لم يصعد إليه،و لون سائره ما كان،و الأخرج:المكّاء،و هو ضرب من الطّير، سمّي به للونه،و أخرج الرّجل:تزوّج بخلاسيّة،و هي المولودة بين أبوين أبيض و أسود.

و جبل أخرج:ذو لونين،و قارة خرجاء:ذات لونين،و النّجوم تخرّج اللّون،فتلوّن بلونين من سواده و بياضه.

و منه أيضا:خرّج الغلام لوحه تخريجا،أي كتبه فترك فيه مواضع لم يكتبها،و خرّج الكتاب:كتب فترك منه مواضع لم تكتب،فهو مخرّج،و خرّج فلان عمله:

جعله ضروبا يخالف بعضه بعضا.

2-و الخرج:جوالق ذو أونين،أي عدلين،و الجمع خرجة،و هو من الأصل الثّاني،كأنّه ذو لونين.و قطع

ص: 503

بعض اللّغويّين المتقدّمين و المتأخّرين بعربيّته،كابن دريد و الجوهريّ و الفيّوميّ،رغم اتّفاقهم جميعا على صحّته.

و لعلّ في ذلك تنبيه للآخرين على أنّ هذا الحرف لا يمتّ بصلة إلى لفظ«خرجين»الفارسيّ،سوى أنّهما بمعنى واحد،و نحتمل أن يكون اللّفظ الفارسيّ عربيّا أيضا،قال الأديب الفارسيّ الكبير«دهخدا»؛في معجمه المعروف باسمه:أصله خرجين في العربيّة،مثنّى خرج،في النّصب و الجرّ.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت منها مجرّدا«الماضي»13 مرّة،و«المضارع» 33 مرّة،و«الأمر»7 مرّات،و«اسم الفاعل»3 مرّات، و«اسم المكان»مرّة،و المصدر«خرج»مرّتين، و«خروج»5 مرّات،و«خراج»مرّة.

و مزيدا من الإفعال:«الماضي»معلوما 19 مرّة،و مجهولا 7 مرّات،و«المضارع»معلوما 47 مرّة،و مجهولا 6 مرّات،و«الأمر»9 مرّات،و«اسم الفاعل»3 مرّات، و«اسم المفعول»5 مرّات،و«المصدر»6 مرّات.و من الاستفعال«الماضي»مرّة،و«المضارع»4 مرّات،في 160 آية:

1-الخروج و الإخراج من بلد و من الجنّات

و العيون

1- فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ القصص:21

2- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ البقرة:243

3- وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً... الأنفال:47

4- ...وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ المائدة:22

5- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ... الحشر:2

6- ...إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ القصص:20

7- وَ لَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ...

النّساء:66

8- لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَ لَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ... الحشر:12

9- قالَ أَ جِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى طه:57

10- ...إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ الأعراف:123

11- وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ... البقرة:84

12- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ... البقرة:85

ص: 504

13- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا... إبراهيم:13

14- اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ النّمل:37

15- ...لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا... الأعراف:88

16- ...يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما... طه:63

17- يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ الأعراف:110

18- يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ الشّعراء:35

19- يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ... المنافقون:8

20- وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ... الأنفال:30

21- وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها... الإسراء:76

22- لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ...

الممتحنة:8

23- ...يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللّهِ رَبِّكُمْ... الممتحنة:1

24- ...رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها... النّساء:75

25- وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ... الإسراء:80

26- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ... النّمل:56

27- ...وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ...

البقرة:191

28- وَ ما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ... الأعراف:82

29- ...وَ ما لَنا أَلاّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا... البقرة:246

30- ...فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ... آل عمران:195

31- اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ... الحجّ:40

32- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ... الحشر:8

33- ...وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ...

البقرة:217

34- أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ... التّوبة:13

35- ...وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ... الممتحنة:9

36- ...لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً... الحشر:11

37- قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ الشّعراء:167

38 و 39- وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ

ص: 505

اَلْمَسْجِدِ الْحَرامِ... البقرة:149 و 150

40- فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* وَ كُنُوزٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ الشّعراء:57 و 58

2-الخروج مهاجرا

41- ...وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ...

النّساء:100

42- كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ...

الأنفال:5

43- إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا... التّوبة:40

44- وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ محمّد:13

3-الخروج للجهاد و الحرب

45- ...إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي... الممتحنة:1

46- ...وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ... التّوبة:42

47- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً... التّوبة:47

48- فَإِنْ رَجَعَكَ اللّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا... التّوبة:83

49- وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ... النّور:53

50- وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً... التّوبة:46

4-خروج الزّوجة المطلّقة و إخراجها من

بيتها

51- ...وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ... البقرة:240

52- ...لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ... الطّلاق:1

5-الإخراج ولادة من البطون و من الصّلب

و التّرائب

53- وَ اللّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً... النّحل:78

54- ...وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً... الحجّ:5

55- ...ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً... المؤمن:67

56- خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ* يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ الطّارق:6 و 7

6-خروج آدم و زوجه و إخراجهما من الجنّة

57- ...فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ الأعراف:13

58- قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً...

الأعراف:18

ص: 506

59 و 60- قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ

ص:77،الحجر:34

61- يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ... الأعراف:27

62- فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ... البقرة:36

63- ...فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى

طه:117

7-خروج الشّجرة من الأرض و من الجحيم

64- إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ

الصّافّات:64

65- وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ المؤمنون:20

8-خروج الثّمرة من الأرض و المرعى و

إخراج الخبء

66- ...وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَ لا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ... فصّلت:47

67- وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً... الأعراف:58

68- ...ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ...

الزّمر:21

69 و 70- ...يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها... سبأ:2،الحديد:4

71- ...وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ... الفتح:29

72- ...وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ... البقرة:22

73- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ... البقرة:267

74- وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً... الأنعام:99

75- ...سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ... الأعراف:57

76- ...وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ... إبراهيم:32

77- وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى* فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى الأعلى:4 و 5

78- وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها* أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها النّازعات:30 و 31

79- رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها* وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها النّازعات:28 و 29

80- وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها الزّلزال:2

81- قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ...

الأعراف:32

82- ...وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى طه:53

83- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها... فاطر:27

ص: 507

84- وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ يس:33

85- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً... السّجدة:27

86- وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً* لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً النّبأ:14 و 15

87- ...فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثّائِها... البقرة:61

88- أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ... النّمل:25

9-إخراج الماء من السّحاب و من العيون

89- ...وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ... البقرة:74

90- ...أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ...

النّور:43

91- ...وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ... الرّوم:48

10-استخراج الحلية من البحر

92- يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ

الرّحمن:22

93- ...وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها...

النّحل:94

94- ...وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها... فاطر:12

11-خروج العسل من بطن النّحل

95- ...يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ... النّحل:69

12-الإخراج من الظّلمات إلى النّور و

عكسه

96- ...لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ... الطّلاق:11

97- هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ... الأحزاب:43

98- هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ... الحديد:9

99- ...وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ... المائدة:16

100- ...أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ... إبراهيم:5

101- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ... إبراهيم:1

102- اَللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:257

103- ...كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها... الأنعام:122

104- ...ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها... النّور:40

13-إخراج الرّوح من البدن و إخراج الميّت

ص: 508

من الأرض و إخراج كتاب الأعمال

105- ...وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ... الأنعام:93

106- ...إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ الرّوم:25

107- يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ المعارج:43

108- وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ... النّمل:82

109- ...كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

الأعراف:57

110- ...وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ الرّوم:19

111- ...وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً الإسراء:13

112- مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى طه:55

113- خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ القمر:7

114- ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَ يُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً

نوح:18

115- وَ يَقُولُ الْإِنْسانُ أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا مريم:66

116- قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ الأعراف:25

117- ...فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ الزّخرف:11

118- رِزْقاً لِلْعِبادِ وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ ق:11

119- يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ق:42

120- أَ يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَ كُنْتُمْ تُراباً وَ عِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ المؤمنون:35

121- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَ إِذا كُنّا تُراباً وَ آباؤُنا أَ إِنّا لَمُخْرَجُونَ النّمل:67

122- ...أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي... الأحقاف:17

14-إخراج الحيّ من الميّت و الميّت من

الحيّ

123- ...وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ... آل عمران:27

124- ...يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ... الأنعام:95

125- ...وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ... يونس:31

126- يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ... الرّوم:19

15-الخروج من النّار و الجنّة

127- يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها... المائدة:37

ص: 509

128- كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها... الحجّ:22

129- كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها... السّجدة:20

130- ...رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنّا ظالِمُونَ المؤمنون:107

131- ...رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ... فاطر:37

132- ...فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ الجاثية:35

133- ...فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ المؤمن:11

134- ...وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ

البقرة:167

135- لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ الحجر:48

16-الخرج و الخراج

136- ...فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا الكهف:94

137- أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ هُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ المؤمنون:72

17-الخروج و الإخراج بشأن المؤمنين و

المنافقين

138- ...وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً

الطّلاق:2

139- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ...

آل عمران:110

140- ...قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا... الأنعام:148

141- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّهُ أَضْغانَهُمْ محمّد:29

142- إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ محمّد:37

143- ...وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ

البقرة:72

144- ...قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ

التّوبة:64

145- ...حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً... محمّد:16

146- وَ إِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنّا وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ... المائدة:61

147- ...كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً الكهف:5

148- وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ... الحجرات:5

18-القصّة
اشارة

149- فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

الذّاريات:35

150- ...وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي... المائدة:110

ص: 510

151- ...فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما... الكهف:82

152- فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ... طه:88

153- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا مريم:11

154- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ...

القصص:79

155- ...وَ آتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَ قالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ... يوسف:31

156- ...وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ... يوسف:100

157- ...ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ...

يوسف:76

158- وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى طه:22

159- وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ... النّمل:12

160- اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ... القصص:32

يلاحظ أوّلا:أنّه جاء من مشتقّات هذه المادّة الخروج و الإخراج و ما يتفرّع منهما،و هي تخصّ الدّنيا أو الآخرة،أمّا ما يخصّ الدّنيا ففيه محاور:

الأوّل:خلق الطّبيعة:

أ-الماء في آيتين:

1-(78): وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها* أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها النّازعات:30،31

2-(89): ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ البقرة:74

و فيهما بحوث:

1-أسند إخراج الماء في(78)إلى اللّه تعالى،فعدّي الفعل بالهمزة،خلافا للآية(89)،فأسند الخروج فيها إلى الماء،إلاّ أنّه إسناد مجازيّ مثل:«مات زيد»،و«نبتت الشّجرة»،لأنّ المخرج هو اللّه دون غيره.و شمل الإخراج أيضا المرعى،فذكره بعد مهده«الأرض»،و عماده «الماء»على التّرتيب.

2-شبّه اللّه قلوب بني إسرائيل لقساوتها بالحجارة في(89)،ثمّ استثنى منها ما يخرج منه الماء غير أنّ الاستثناء و التّبعيض لا يخرج الحجارة من صفتها،و هي الصّلابة و القوّة،فما ذا أراد بهذا المعنى؟

أراد به-و اللّه أعلم-أنّ الحجارة بشدّتها و قسوتها فيها مرونة و نفع أيضا،و هي خروج ماء العيون و الينابيع من شقوقها،كما قال في«الحديد»:25 وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ.

3-إن قيل:أ ليس قوله في(89): فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ تكرارا لما سبقه يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ؟

يقال:كلاّ،لأنّ السّابق يخصّ الأنهار،فاستعمل فيه التّفجّر،و هو الانبعاث الشّديد،و لعلّ المراد بالحجارة فيه الجبال،أي أنّ الثّلوج حينما تذوب يتفجّر الماء منها و

ص: 511

ينبعث بشدّة،فتتكوّن منه الأنهار.و اللاّحق يخصّ العيون كما ذكرنا،فاستعمل فيه الخروج،و هو سيلان الماء من شقوق الحجارة دون انبعاث و اندفاع.لاحظ ق ل ب:«القلوب»،و ش ق ق:«تنشقّ»،و م و ه:«الماء».

ب-النّبات في 17 آية:(64-81)و(89)،و فيها بحوث:

1-وصل الخروج و الإخراج في أغلب هذه الآيات بصلة،و هي(65): وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ، و (66): وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها، و(69) و(70): يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها، و(72)و(76): فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ، و(73): وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، و(74):

فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا، (75):

فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ، (82): فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى، و(84): وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا، و(87): يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ.

غير أنّه قيل:الجارّ و المجرور مِنَ الثَّمَراتِ في (72 و 76): وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ...، صلة محذوف حال من رِزْقاً، و مِنْ نَباتٍ في(82): وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى، صلة محذوف نعت للفظ أَزْواجاً، و مِنْ بَقْلِها وَ قِثّائِها في(87): فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثّائِها، بدل من«ما»بإعادة الجارّ.

و يلحظ أنّ معنى(من)مع الإخراج للتّبعيض أو لبيان الجنس،و هي مع الخروج صلة له فحسب،انظر الآيات(65)،و(66)،و(69)،و(70).

2-اقترن خروج النّبات أو إخراجه بإنزال الماء من السّماء في أغلب هذه الآيات،فيسندان تارة إلى الغائب المفرد،و أخرى إلى المتكلّم الجمع.و كذلك الإنزال كما في (65)؛إذ سبقها بآيتين قوله: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ، و فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ، و في نفس الآية(68): أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ، و(69 و 70): يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها.

و(72)و(76): وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ، و(74): وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً...، و(75): فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ، و(82): وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى، و(83): أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها...، و(85): أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً...، و (86)قبلها: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً.

3-و لم تصرّح هذه الآيات بخروج أو إخراج النّبات من الأرض،إلاّ الآية(84): وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ. و أمّا (65): وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ، فالجارّ(من) يعنى«في»،نحو قوله: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ

ص: 512

اَلْجُمُعَةِ الجمعة:9،و قوله: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها... سبأ:2،فالخارج من الأرض لا يخصّ النّبات وحده،بل يعمّ غيره أيضا:كالجواهر و المعادن و الحيوان،و نظيرها(73): وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ.

و الحكمة في ذلك أنّ بعض النّبات ينمو في الماء دون الأرض،كنبات المستنقعات،و بعضه ينمو في أغصان الأشجار،كالنّبات الطّفيليّ،مثل الكشوت.و تفضّل بعض المشاتل (1)هذه الأيّام إنبات بعض النّبات الأرضيّ في الماء.

ج-الأرض في(80): وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها:

الإخراج هنا إمّا حقيقيّ بمعنى لفظت،فيكون أَثْقالَها جمع«ثقل»،أي الحمل الثّقيل،فالمراد بأثقال الأرض:الكنوز و المعادن و الأموات و غير ذلك،أو جمع «ثقل»،أي الأموات من النّاس،و منه قوله: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:31.

و إمّا مجازيّ بمعنى قاءت،فيكون أَثْقالَها جمع «ثقلة»،أي ما وجد الرّجل في جوفه من ثقل الطّعام، فكأنّ الأرض تقيء ما في جوفها من إنسان أو حيوان أو كنز أو معدن.إلاّ أنّه يرد عليه أنّ«أفعالا»لا يكون جمعا لوزن«فعلة»،بل يجمع على«فعال»،نحو:قصعة و قصاع.

د-الزّينة في(81): قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ...:

اجتمعت في هذه الآية دون سواها من الآيات زينة اللّه و طيّبات رزق اللّه،و استعمل فيها الإخراج دون التّقديم،لأنّه أعمّ منه،فيشمل الإنشاء و الإظهار.كما ينبئ بأنّ الزّينة و الرّزق كانا مضمرين و مخبئين فأخرجهما لعباده.

ه-الكنز في(151): فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما:

استعمل«الاستخراج»في هذه الآية بدل «الإخراج»لطول المدّة و تراخي الزّمان بين طفولة اليتيمين و شبابهما،فكأنّ سينه للتّسويف،و التّقدير:

سيخرجا كنزهما.و قد أسند إرادة هذا الفعل-أي البلوغ و الاستخراج-إلى الرّبّ،لأنّه يخصّ المستقبل،و هو غيب،لا يعلم الغيب إلاّ اللّه.لاحظ قصّة موسى و خضر في«موسى».

و-الودق في آيتين:(90 و 91): فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ:

استعمل الخروج في نزول المطر من السّحاب في هاتين الآيتين،و ما استعمل النّزول فيهما،لأنّ الغرض هنا وصف تكوين المطر،و ليس وصف نزوله،فذكر في (90):أوّلا:سوق السّحاب: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُزْجِي سَحاباً، و ثانيا:التّأليف بين السّحاب: ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ، و ثالثا:جعل السّحاب مجتمعا: ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً، و رابعا:خروج المطر من خلال السّحاب:

فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ. لاحظ ودق:

«الودق»،و ر ك م:«ركام».

و ذكر في(91)أيضا مراحل نشوء المطر أوّلا:

إرسال الرّياح: اَللّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ، و ثانيا:إثارةت.

ص: 513


1- جمع مشتل:و هو منبت النّبات.

الرّياح السّحاب: فَتُثِيرُ سَحاباً، و ثالثا:بسط السّحاب في السّماء: فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ، و رابعا:جعل السّحاب كسفا: وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً، و خامسا:خروج المطر من خلال السّحاب: فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ.

ز-إخراج الضّحى في(79): وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها:

فسّر الإخراج بمعنى الإبراز و الإظهار،و لعلّه هنا بمعنى الإضاءة،و هذا يناسب تفسير من قال:«الضّحى:

النّهار».فيكون الإخراج بهذا المعنى طباقا للإغطاش،أي الإظلام،و كذلك الضّحى و اللّيل.

ح-خروج الخيرات من البحر في 3 آيات:(92- 94)،و فيها بحوث:

1-أسند الخروج في(92): يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ، إلى اللّؤلؤ و المرجان،و هما لا يخرجان من البحر إلاّ بواسطة الغوّاص،أو أدوات الغوص.و هذا من باب الاتّساع،أي إذا أخرجا خرجا.و قد قرئ(يخرج) بالبناء للمفعول،و(يخرج)و(نخرج)من الإفعال،بإسناد الفعل إلى اللّه،فينصب اَللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ على المفعوليّة حسب هاتين القراءتين.

2-استعمل الاستخراج في(93): وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها، و(94): وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها، أي استنباط الحلية و إخراجها من البحر بدأب و جهد،و هذا هو الفارق بين الإخراج و الاستخراج.

3-أكّدت هذه الآيات الثّلاث ظاهرتين متميّزتين في البحر:إخراج الحلية منه،و جري السّفن فيه.و ذكرت الظّاهرة الثّانية في آية تلت(92)بآيتين وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ الرّحمن:241،و ذكرتا معا في(93)و(94)،كما ذكر فيهما أيضا أكل اللّحم الطّريّ بنسق يشبه أحدهما الآخر تقريبا: وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَ تَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَ تَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

ط-خروج العسل من بطون النّحل في(95):

يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ:

أسند الخروج إلى الشّراب لاسترعاء أنظار النّاس إليه،و الأصل فيه الإخراج مسندا إلى اللّه تعالى،كما عدل عن خطاب النّحل: أَنِ اتَّخِذِي، ثُمَّ كُلِي، فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ: إلى الخبر: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها لهذه الغاية،لأنّه تعالى عدّد نعمه في الآيات السّابقة،كإنزال الماء من السّماء،و إسقاء النّاس اللّبن من بطون الأنعام.و قد خصّ اللّه آيتين كاملتين بالنّحل و العسل،و سمّيت السّورة ب«النّحل»اهتماما بهما،قال تعالى: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. النّحل:68،69.

ص: 514

الثّاني:خلق الإنسان:

أ-خلقه منيّا يخرج من بين الصّلب و التّرائب في (56): يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ الطّارق:7:

أسند الخروج إلى الماء الدّافق،لأنّه إذا نزل لا يستطيع صاحبه أن يحول بينه و بين خروجه، و لا يطيق التّحكّم فيه أيضا.

ب-ولادته في 4 آيات:(53-56):

جاءت الآية(53)استطرادا في نعم اللّه و بيان قدرته: وَ اللّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً، و جاءت(54): ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً، و(55):

ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً، استدلالا على البعث و النّشور.

و ذكر ابتداء حياة الإنسان في الدّنيا بإخراجه في(53) من بطون الأمّهات،و ما ذكر ذلك في(54)و(55)،بل ذكرت مراحل خلقته،و هي خلقه من تراب،ثمّ من نطفة،ثمّ من علقة،ثمّ من مضغة.

الثّالث:القصّة:

أ-خروج آدم و حوّاء و إبليس من الجنّة في 7 آيات:(57-63)،و فيها بحوث:

1-خاطب اللّه إبليس و أمره بالخروج من الجنّة في (57): فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ، و(58): قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً، و(59)و(60): قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، كما خاطب آدم و حوّاء و حذّرهما منه في(63): فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى، فاقترن الخروج بلفظ إبليس عند خطاب اللّه، مثلما اقترن السّجود لآدم به أيضا عند الخطاب،أو حكاية قصّة السّجود.

غير أنّه اقترن الإخراج من الجنّة بلفظ«الشّيطان» حين خطابه لبني آدم في(61): يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، و حين حكاية قصّة آدم و حوّاء في(62): فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ.

2-أمر اللّه إبليس بالخروج من الجنّة مباشرة في (57-60)،بينما نسب إخراج آدم و حوّاء منها إلى الشّيطان في(61-63)،و هذه إشارة منه تعالى إلى أنّه كان السّبب فيما جرى لهما.و لكنّه خاطبهما مباشرة في الهبوط: قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً طه:123،كما خاطب إبليس بهذا المعنى أيضا: قالَ فَاهْبِطْ مِنْها الأعراف:

13،و خاطبهم جميعا: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً البقرة:

38،و سنبيّن علّة ذلك في«ه ب ط»إن شاء اللّه.

3-إن قيل:لم قرن اللّه إبليس بآدم و حوّاء،و لم يخرجه من الجنّة فور معصيته له،و هو يعلم إغواءه لهما؟

يقال:إنّ اللّه اختار آدم و حوّاء لخلافة الأرض، و هذا سبب خلقهما،قال تعالى: وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30،و جعل له شيطانا يغويه،حتّى يعرف مدى صلاحه و طاعته له، فيثيبه تبعا لذلك و يعاقبه،فكان خروج آدم و زوجه من الجنّة لتخلّفه عن طاعة اللّه عبرة لذرّيّته،و تخليفه في الأرض إمضاء لأمره تعالى.

ب-قصّة لوط في 3 آيات(36)و(37)و(130)، و جاء في(149): فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: استعمل الإخراج هنا في معنى الإنجاء و التّنجية؛إذ كلّما جاء في خصوص لوط بهذا المعنى،فهو إمّا

ص: 515

إنجاء،نحو قوله: فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ الأعراف :83،أو تنجية،نحو: وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ الأنبياء:74.

و لعلّ استعمال الإخراج في قصّة لوط إمعان في عذاب قومه،حيث تنادوا في إخراجه(26): فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ، و(37): قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ، فأجابهم إلى ما أرادوا،و هم لم يعلموا أنّ إخراجه مقدّمة لإهلاكهم و نجاة له.

ج-قصّة يوسف في 3 آيات:(155)و(156) و(157)،و فيها بحوث:

1-عدّي الخروج ب«على»في(155): وَ قالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ، و المراد غير الفعل،لأنّه يعني التّمرّد، يقال:«خرج فلان على السّلطان»أي تمرّد عليه و ثار.و الاختيار أن يقال:ضمّن معنى الطّلوع،و التّقدير:و قالت:اطلع عليهنّ؛إذ شبّهته بالبدر لحسنه و بياض وجهه.

2-خاطب يوسف أباه في آخر هذه القصّة في (156): يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ، فجعل إخراجه من السّجن بمنزلة مجيء أبويه و إخوته من البدو.

3-اختلف المفسّرون في الضّمير المتّصل بالفعل«استخرجها»(157): ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ، فقال بعض:يعود على السّقاية في فَلَمّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ يوسف:70، و قال آخرون:يعود على الصّواع في قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ يوسف:72،لأنّ الصّواع-كما قالوا-يؤنّث و يذكّر.

و القول الأوّل هو الأصحّ،لأنّ هذه الآية تبدو من حيث السّياق تكملة للآية الّتي ورد فيها لفظ«السّقاية» دون فصل،و ما فصل بينهما من الآيات الخمس فهو كجمل معترضة،فتأمّل فيها.

د-قصّة موسى في 6 آيات:(40)و(136)و (152)و(158-160)،و فيها بحوث:

1-جاء في(40)ذكر الجنّات و العيون،و تلاها الكنوز و المقام الكريم: فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* وَ كُنُوزٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ. و ليس قوله: وَ مَقامٍ كَرِيمٍ بمعنى الجنّات المتقدّم ذكره،فيكون تكرارا له،بل هو صفة للجنّات،و التّقدير: فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ، ذات عيون و كنوز و مقام كريم،أي أخرجنا آل فرعون من جنّات و بساتين هكذا صفتها.

عدّي الإخراج باللاّم في(152): فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ، كما عدّي بها في(108): أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ، غير أنّ الإخراج فيها مسند إلى السّامريّ،خلافا لسائر الآيات الّتي جاء فيها الإخراج معدّى باللاّم؛حيث أسندت إلى اللّه تعالى،و اللّه أعلم بسرّ كتابه!

3-وردت الآيات(158-160)في معجزة من معجزات موسى عليه السّلام بلفظ واحد: تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، و الفعل تَخْرُجْ في هذه الآيات الثّلاث جواب شرط مقدّر،و تقدير الآية(158):إن تضمم

ص: 516

يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء،و تقدير الآية(159):إن تدخل يدك في جيبك تخرج...،و تقدير الآية(160):إن تسلك يدك في جيبك تخرج...

ه-قصّة قارون في(154): فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ:

ضمّن الفعل فَخَرَجَ معنى«فطلع»،و عَلى قَوْمِهِ صلته،و فِي زِينَتِهِ في محلّ نصب حال للخروج،و التّقدير:فطلع على قومه متزيّنا.و السّياق يوحي إلى أنّ قارون حينما خرج على قومه بزينته كان عليه أبّهة السّلطان،فبهرت زينته النّاس،فقال الكفّار و المنافقون و ضعفة الإيمان في هذه الآية: يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.

و-قصّة ذي القرنين في(136): فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً:

عرض أهل ما بين السّدّين على ذي القرنين أن يبني لهم سدّا لقاء دفع خرج له،أي أجر،فوافق على طلبهم.

و لعلّهم كانوا يعلمون حذقه في هذا العمل،فطلبوا منه ذلك،أو لعلّه أشار عليهم ببناء السّدّ اتّقاء لشرّ«يأجوج و مأجوج»حينما علم حالهم و معاناتهم،فعرضوا عليه أن يباشر هذا العمل بنفسه،و هم يعاونونه و يدفعون له أجرا لقاء ذلك العمل.

ز-قصّة سليمان في(88): أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ:

ذهب الزّمخشريّ إلى أنّ إخراج الخبء من كلام الهدهد،لأنّه يعرف خبايا الماء تحت الأرض،فاستدلّ على وجوب السّجود للّه بما يحذقه و يختصّ به.و هي إشارة لطيفة منه،لأنّ ذلك نراه في غرائز الحيوان، كاختصاص الكلب بالحراسة،و قد أشار القرآن إلى هذا المعنى بقوله: وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ الكهف:18،إذ جلوسه عند الباب يدلّ على هذه المهمّة.

ح-قصّة زكريّا في(153): فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ:

عدّي الخروج هنا ب)على(كما في(154)و(155)، و هو بمعناهما أيضا،و روى الطّبريّ عن ابن جريج أنّه قال في تفسيرها:«فأشرف على قومه من المحراب»،و هو بمعنى الطّلوع أيضا.غير أنّه ذكر في هذه الآية المخرج،أي مكان الخروج،و هو المحراب.

ط-قصّة عيسى في(150): وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي:

عبّر عن الإحياء بالإخراج إشارة إلى أنّ الموتى كانوا رميما في قبورهم،و ليسوا أحياء في الحبس ينتظرون القتل،فيحيون بإطلاق سراحهم،كما فعل نمرود بن كنعان؛و ذلك قوله تعالى: إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ البقرة:258،فعمل عيسى عليه السّلام امتثال لأمر اللّه،و عمل نمرود مكابرة و عناد للّه.

الرّابع:الخروج أو الإخراج من البلد أو

القرية في(1-37)،و فيها بحوث:

1-جاء الخروج في(1-7)و الإخراج في سائر الآيات،و الخروج إمّا طوعيّ،كما في(3): وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً، و هم قريش، خرجوا من مكّة ليحموا عيرهم و معهم القيان و المعازف.

ص: 517

و إمّا قسريّ كخروج موسى من مصر خوفا من الطّلب في آيتين:(1): فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ، و(6): فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ، و خروج قوم من بني إسرائيل فرارا من الطّاعون في(2): أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ، و خروج بني النّضير في (5): ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا.

أو منفيّ كعدم خروج الجبّارين في(4): وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ، و عدم خروج المنافقين في(7): وَ لَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ، و إن كان الأمر بالخروج فيها مثبتا،و في(8):

لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ.

2-وقع الإخراج في(8-36)حقيقة و تهديدا و نفيا و اختيارا،فأمّا الإخراج الحقيقيّ فهو:

أ-إخراج بني النّضير من المدينة في 3 آيات:(8):

لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ، و(5): هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ، و(36): لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً.

ب-إخراج بني إسرائيل في 3 آيات:(11):

وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ، و(12):

وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ، (29): وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا.

ج-إخراج النّبيّ و المسلمين من مكّة في 9 آيات:

(20): أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ، و(21): وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها، و(23):

يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللّهِ رَبِّكُمْ، و(30): فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ، و(31): اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، و(32): لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ، و(33): وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ، و(34): وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ، و(35):

وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ.

و أمّا التّهديد بالإخراج فهو:

أ-إخراج موسى فرعون و قومه من مصر في 5 آيات:(9): قالَ أَ جِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى، و(10): إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها، و(16): يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما، و(17): يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ، و(18): يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ.

ب-إخراج الرّسل و ذويهم في 5 آيات:(13):

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا، و(15): لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا، و(26): أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ، و(28): أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ و(37): قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ.

ج-إخراج النّبيّ و المهاجرين في(19): يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ.

د-إخراج أهل سبأ في(14): وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ.

ص: 518

ه-إخراج الكافرين من مكّة في(27):

وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ.

و أمّا نفي الإخراج فهو قوله في(22): وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ.

و أمّا اختيار الإخراج و طلبه فهو في آيتين:(24):

رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها، و(25):

وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ.

3-اتّهم فرعون موسى و أخاه بأنّهما يريدان إخراج قومه من مصر في 5 آيات:(9)و(10)و(16- 18)،تخويفا للأقباط،و إحباطا لدعوة موسى 7،و هذا من دأب الطّغاة في مجابهة الأنبياء و المصلحين على مرّ الأعوام.حيث يتّهمون الأنبياء عليهم السّلام،و يبعّدون النّاس عنهم بتهمة أنّهم يريدون أن يخرجوهم من وطنهم المألوف،و قد استفاد فرعون من هذه التّهمة النّكراء مرّات.

و الطّريف أنّه أسند الإخراج إلى موسى،خلافا للعادة الجارية؛حيث يسند دائما إلى الطّغاة و الأمم الضّالّة حين يشرّدون أنبياءهم أو يهدّدونهم بذلك،كما تقدّم.و لم يقدم فرعون إلى إخراج موسى و قومه من مصر أو تهديدهم بذلك،لأنّه سخّرهم للخدمة و العمل، فيكون خروجهم من بلاده وبالا عليه و على الأقباط،إذ كانوا يخلدون إلى الرّاحة،و لا يطيقون العمل.

الخامس:التّشريع:

أ-الهجرة في 4 آيات:(38-41):و فيها بحوث:

1-نزلت هذه الآيات الأربع في المدينة،و كذلك الآيات الّتي تتحدّث عن الهجرة،إلاّ آيتي سورة النّحل:

(41) وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا، و(110): ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا فإنّهما نزلتا بمكّة في من هاجر من المسلمين إلى الحبشة، و يعضده سياق الآيات السّابقة عليهما،و ما ذكره أصحاب السّير و المؤرّخون أيضا.راجع ه ج ر:

«هاجروا».

2-نزلت الآية(41): وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ، في رجل من المسلمين أو في نفر منهم،فعلى هذا تكون الآية حكما و تشريعا،و ليست حثّا و تشجيعا فقط.

و يجوز أن يعمّم حكم الآية فيشمل غير من نزلت فيه؛و ذلك ما رواه أبو عليّ الطّبرسيّ في«المجمع»عن العيّاشيّ مسندا،قال:«وجّه زرارة بن أعين ابنه عبيدا إلى المدينة،ليستخبر له خبر أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام و عبد اللّه،فمات قبل أن يرجع إليه عبيد ابنه.

قال محمّد بن أبي عمير:حدّثني محمّد بن حكيم،قال:

ذكرت لأبي الحسن عليه السّلام زرارة و توجيهه عبيدا ابنه إلى المدينة،فقال:إنّي لأرجو أن يكون زرارة ممّن قال اللّه فيهم: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ الآية».

و تكون(الى)في قوله: إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ، على هذا التّفسير بمعنى اللاّم،أي و من يخرج من بيته مهاجرا للّه و رسوله،و نظيره قوله: وَ الْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ النّمل:33.

ص: 519

3-إن قيل:لا جرم أنّ اللّه حينما أخرج رسوله من مكّة كان إخراجه إيّاه إخراج حقّ،فما وجه ذكر الحقّ في (42): كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ؟

يقال:إنّ الحقّ هنا ليس ما يضادّ الباطل،بل هو-كما ذكره المفسّرون-الوحي،أو ما وجب على المسلمين و هو الجهاد،أو أنّ الباء تعني المصاحبة، و التّقدير:أخرجك و معك الحقّ.

ب-الجهاد و الحرب في 6 آيات:(45-50)،و فيها بحوث:

1-كنّي الجهاد بالخروج في(46-50)،و قرن به في (45): إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي. و هذا الاستعمال يوضّح أنّ تسمية الجهاد خروجا يخصّ المنافقين،لأنّ الآيات(46-50)نزلت فيهم،و التّصريح بالجهاد يخصّ المؤمنين،لأنّ الآية(45)ابتدأت بخطاب المؤمنين: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، و كذا جميع آيات الجهاد،راجع«ج ه د».

2-لم يقع الخروج في هذه الآيات جميعا،فهو إمّا شرط ب«إن»،و الخروج فيه مرتّب على معنى آخر أو بالعكس،كما في(45): إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي، و جوابه محذوف،يدلّ عليه ما قبله،أي لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ الممتحنة:1،و(48):

فَإِنْ رَجَعَكَ اللّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً، و(49): لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ.

و إمّا تقدير ب«لو»،و تقدير الخروج أو غيره بعقد العزم عليه،كما في(46): لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ، و(47): لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً، و(50): وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً. و كلا الأمرين-أي الشّرط و التّقدير-لم يقع،لأنّهما إنشاء و ليسا خبرا.

3-فسّر بعض«فيكم»في(47): لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ب«في جيشكم»أو«في جملتكم»،و هو بعيد، لأنّ«خرج»لا يتعدّى ب«في»في هذا المعنى.و الصّواب أنّ الخروج هنا بمعنى المصاحبة،أي لو خرجوا معكم،و نظيره قوله: قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ الأعراف:38 و الآية(154)هنا: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ.

ج-القبلة في آيتين:

(38): وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ... و(39):

وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ...، و فيهما بحثان:

1-اختلف في إعراب وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ في الآيتين،على قولين:

الأوّل:جملة: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ متعلّقة بجملة:

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أي من أيّ مكان خرجت فولّ وجهك...و الفاء على هذا التّقدير أداة ربط زائدة،و الجارّ و المجرور وَ مِنْ حَيْثُ متعلّقان بالفعل(ولّ).

و الثّاني:جملة: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ شرطيّة، و جملة: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ جواب الشّرط،أي و من حيث تخرج فولّ وجهك...و الفاء

ص: 520

رابطة لجواب الشّرط.

و(من)على الأوّل متعلّق ب(ولّ)،و على الثّاني بفعل محذوف(ولّ)عطف عليه فَوَلِّ.

و القول الأوّل أصحّ،لأنّ سياق آيات تولية الوجه مسبوقة باستقبال الجهات و تنقّل الوجه من جهة إلى أخرى،فأمر اللّه نبيّه باستقبال المسجد الحرام من أيّ مكان كان،و معنى الشّرط لا يلائم سياقها.انظر و ل ي:

«ولّ».

2-اختلفوا في وجه تكرار حكم القبلة في ثلاث آيات:في هاتين الآيتين من البقرة،و فيما قبلها الآية:

144،منها: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ....

فعن الإسكافيّ أنّ الآية الأولى كانت أوّل الأمر بالتّوجّه إلى الكعبة خطابا للنّبيّ أوّلا ثمّ لأمّته.و الثّانية فيها خروجان:خروج من مكان إلى مكان داخل مكّة، و خروج من مكّة إلى بلد آخر،فلكلّ منها فائدة، فالأولى ليس فيها خروج،و الثّانية هي خروج من أقرب الأماكن إلى الكعبة،و الثّالثة خروج ممّا عدى ذلك عامّ في البلاد...

و يشهد له صدر الآية: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها، فإنّ القبلة في أوّل الأمر في مكّة و في شهور في المدينة كانت«بيت المقدس».و قد نصّ اللّه عليها و ذكر سببها،و ما قاله السّفهاء من النّاس: ما وَلاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، في الآيتين 142 و 143،قبلها.و النّبيّ كان يتمنّى تبديل القبلة إلى الكعبة من بيت المقدس،فحقّق اللّه ما كان يتمنّاه.

و عن الطّوسيّ: أنّ في وجه التّكرار ثلاثة أقوال:

أحدها:لاختلاف المعنى و إن اتّفق اللّفظ-و ذكر نحو الإسكافيّ-.

الثّاني:لاختلاف المواطن الّتي تحتاج إلى هذا المعنى فيها.

الثّالث:لأنّه من مواضع التّأكيد بالنّسخ الّذي نقلوا فيه من جهة إلى جهة،للتّقرير و التّثبيت.

و قال أبو حيّان:«قيل:الخروج الأوّل إلى مكان ترى فيه الكعبة،و الثّاني إلى مكان لا ترى فيه،فسوّى بين الحالتين.و قيل:الخروج الأوّل متّصل بذكر السّبب، و هو وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، و الثّاني متّصل بانتفاء الحجّة، لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ. و قيل:الأوّل لجميع الأحوال،و الثّاني لجميع الأمكنة،و الثّالث لجميع الأزمنة.و قيل:الأوّل أن يكون الإنسان في المسجد الحرام،و الثّاني أن يكون خارجا عنه-و هو في البلد-،و الثّالث أن يخرج عن البلد إلى أقطار الأرض،فسوّى بين هذه الأحوال لئلاّ يتوهّم أنّ للأقرب حرمة لا تثبت للأبعد».

و قال الإمام عبده:«أعاد الأمر في صورة أخرى ليبيّن أنّه شريعة عامّة في كلّ زمان و مكان لا يختصّ ببلاد دون أخرى،و لا بحضر دون سفر.و قد كان الأمر بالتّحويل نزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم-و هو في الصّلاة-فأعلمه بصيغة الأمر أنّه ليس خاصّا بتلك الصّلاة،و لا بذلك المكان،بل عليه أن يفعل ذلك من حيث خرج و أين

ص: 521

توجّه».

و قال ابن عاشور:«عطف وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ على فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ في الآية:

144،عطف حكم على حكم من جنسه،للإعلام بأنّ استقبال الكعبة في الصّلاة المفروضة لا تهاون في القيام به و لو في حالة العذر كالسّفر،فالمراد من، وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ: من كلّ مكان خرجت مسافرا،لأنّ السّفر مظنّة المشقّة في الاهتداء لجهة الكعبة،فربّما يتوهّم متوهّم سقوط الاستقبال عنه...».

و قال الطّباطبائيّ: «...و يمكن أن يكون المراد بقوله:

وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ، مكّة،الّتي خرج رسول اللّه منها، كما قال تعالى:(44)، مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ و يكون المعنى أنّ استقبال البيت حكم ثابت لك من مكّة و غيرها من البلاد و البقاع...».و يبعّده أنّ هذه الآيات مدنيّة،و ما ذكره يناسب كونها مكّيّة.

و على كلّ حال فلكلّ ممّا ذكر وجه،و الجامع لها هو التّأكيد و الاهتمام بأمر القبلة،و لا سيّما من أجل سؤال السّفهاء-و كانوا من اليهود-عن تحويلها في: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النّاسِ ما وَلاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها... البقرة:142،و قد أكّده أيضا في ذيل آية:

144 منها ب وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ. و قد بلغ الاهتمام بالقبلة أنّ اللّه تعالى خصّ بها تسع آيات من البقرة من(142-150)و هي أوّل سورة نزلت بالمدينة، لاحظ ق ب ل:«القبلة».

و قد مثّل الطّباطبائيّ لتكرار: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ...، بلفظه،بقول القائل:«اتّق اللّه إذا قمت،و اتّق اللّه إذا قعدت،و اتّق اللّه إذا نطقت،و اتّق اللّه إذا سكتّ»، يريد التزام التّقوى عند كلّ واحدة...

د-خروج الأزواج المطلّقات من البيوت في آيتين:

(51): فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ.

و(52): لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ....

و فيهما بحوث:

1-فرض اللّه في(51)على الرّجل أن يوصي قبل وفاته لزوجه نفقة من تركته و مأوى تسكن فيه سنة كاملة.و قوله:فيها: غَيْرَ إِخْراجٍ من وصيّة المتوفّى، و لهذا خطّأ الطّبريّ من قدّر للمصدر فعلا،أي لا تخرجوهنّ إخراجا،و علّل ذلك بقوله:«لأنّ ذلك إذا نصب على هذا التّأويل،كان نصبه من كلام غير الأوّل»، يريد أنّ هذا التّقدير ليس من الوصيّة.

و قوله: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ...، ليس من الوصيّة،و إنّما هو تكليف للورثة أن يسقطوا نفقتها و يمنعوها من المسكن،إن خرجت باختيارها.

2-و مع اتّفاقهم على أنّ غَيْرَ إِخْراجٍ من جملة الوصيّة و أنّه منصوب،اختلفوا في وجهه اختلافا كبيرا:

أ-إنّه نعت ل«متاعا»مثل قول القائل:«هذا قيام غير قعود»بمعنى هذا قيام لا قعود فيه.

ب-بدل منه بدلا مطابقا،و العرب تؤكّد الشّيء بنفي ضدّه،أي متاعا لهنّ إلى الحول لا إخراجا من مسكن زوجها،فهو مفعول مطلق ل«لا يخرجوهن»المقدّر من

ص: 522

جملة الوصيّة لا ل لا تُخْرِجُوهُنَّ خطابا إلى الورثة-كما قيل-حتّى يخرج عن الوصيّة.

ج-حال منه مؤكّدة،كقولك:«هذا القول غير ما تقول».

د-منصوب بنزع الخافض على الصّفة،أي بغير إخراج.

ه-حال من الأزواج،أي غير مخرجات.و اختاره الإمام عبده،و قال:

«و النّكتة في العدول عنه-أي عن(غير مخرجات) -هي أنّ المراد أن يوصي الرّجل بعدم إخراج زوجه،و أن ينفّذ أولياءه وصيّته،فلا يخرجوهنّ من بيوتهنّ،و لو قال:(غير مخرجات)لكان تحتيما عليهنّ بالبقاء في البيوت،و لأفاد عدم جواز إخراجهنّ لأحد،و لو كان وليّا كأبيها،و ليس هذا بمراد،فعبارة الآية تفيد معنى المراد،و لا توهم سواه».

3-قالوا هذه الآية النّاطقة بسكنى الزّوجة في بيت زوجها المتوفّى عنها عاما،نسخت بآية أربعة أشهر و عشرا،و هي: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً البقرة:234، لاحظ و ف ي:«يتوفّون».

4-نهى اللّه تعالى الرّجال عن إخراج المطلّقات طلاقا رجعيّا-على الأصحّ-من بيوتهنّ ما دمن في العدّة، و نهاهنّ عن الخروج منها أيضا خلال هذه المدّة،في (51).

بيد أنّه رخّص إخراجهنّ من البيوت في إتيانهنّ الفاحشة المبيّنة بالاستثناء،و هل يدخل الإخراج و الخروج تحت الاستثناء معا،أو يدخل الإخراج دون الخروج تحته؟

يبدو من السّياق أنّهما داخلان تحته،غير أنّ خروج المطلّقة المرتكبة للفاحشة من بيتها ليس ذا بال،إذ للزّوج أن يخرجها منه في هذه الحال،سواء رضيت بالخروج أم أبت.

فالاستثناء للإخراج لازم،و للخروج زائد،و جاء زيادته في قول ذي الرّمّة:

حراجيج ما تنفكّ إلاّ مناخة

على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا

5-خفر اللّه المرأة بعد وفاة زوجها في(50)و بعد طلاقها في(51)،فنهى عن إخراجها من بيتها ردعا للورثة و كبحا للزّوج،و خيّرها بين الخروج منه و المكوث فيه في الأولى،و نهاها عن الخروج منه في الثّانية،إلاّ أنّه لوّح لها بالقرار بالبيت صيانة لها و لعرض زوجها.

و هذا تدبير حكيم في تنظيم شئون المرأة و الذّبّ عن حقوقها في حياة زوجها و بعد مماته،و ليس امتهانا لها كما يدّعي بعض المستشرقين و المتزلّفين إليهم من المسلمين،فهم يبغون خداع المرأة و إغراءها بالحرّيّة، فإذا ما خرجت من بيت زوجها و تمرّدت على قوانين السّماء،طرحوا عليها الحبائل و الشّبّاك،و انقضّوا عليها كما ينقضّ الأسد على فريسته!

ه-الخرج و الخراج في(137): أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ:

فسّر الخرج بالجعل و الأجر و الرّزق و الإتاوة

ص: 523

و الغلّة و الضّريبة و الأمر و غير ذلك،كما فسّر «الخراج»بهذه المعاني أيضا،و أرجع اختلاف اللّفظ إلى الحسن و المزاوجة.غير أنّ فريقا من المفسّرين يذهب إلى منع التّرادف،و يرى أنّ معنى«الخرج»-كما تقدّم-:

الأجر،و«الخراج»:العطاء،أو«الخرج»:ما تبرّعت به،و «الخراج»:ما لزمك أداؤه.و عدّ الزّمخشريّ«الخرج» أخصّ من«الخراج»،لأنّ زيادة الألف في اللّفظ الأخير دلالة على زيادة معناه على الأوّل،و هذا هو القول الفصل في رأينا.

و-الخروج بالكفر في(146): وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ:

يرى بعض المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في المنافقين نظرا إلى سياقها،و يرى آخرون أنّها نزلت في أهل الكتاب نظرا إلى الآيات السّابقة و اللاّحقة لها.

و لعلّ رأي الفريق الثّاني هو الأظهر،و دليله قوله:

وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ آل عمران:72،و المشهور أنّ سورة آل عمران من أوائل ما نزل في المدينة،و هي هاوية حديث غزوة «أحد»الواقعة في السّنة الثّالثة من الهجرة.و المائدة من أواخر ما نزل فيها،فهذه الآية وصف لهذا القول.

ز-إخراج خير أمّة في(139): كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ:

إن قيل:هلاّ قال:كنتم خير أمّة أخرجتم للنّاس؟ مراعاة لضمير الخطاب في كُنْتُمْ، كما في قوله: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ النّمل:47،فتساوى الضّميران في الخطاب.

يقال:كلا الأمرين سائغ في الفصيح من الكلام،غير أنّه إذا قيل:أخرجتم،كان صفة ل«خير»،بينما أُخْرِجَتْ، صفة ل(امّة)،و التّقدير:كنتم خير أمّة مخرجة للنّاس.و هذا أولى للمناسبة بين الخطاب في(كنتم)،و بين ما بعده في:(تامرون)،و(تنهون)، و(تؤمنون).

السّادس:الإخراج من الظّلمات و النّور في 9

آيات:(96-104)،و فيها بحوث:

1-وردت هذه الآيات في إخراج المؤمنين من الظّلمات إلى النّور،سوى ثلاث آيات منها،فإنّها جاءت في خصوص الكافرين بإخراجهم من النّور إلى الظّلمات في(102): يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ، و مكوثهم في ظلمات مطبقة في(104): ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها، و عدم خروجهم من الظّلمات في(103): لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها.

2-أسند إخراج الكافرين من النّور إلى الظّلمات في (96)إلى الطّاغوت،بينما أسند إخراج المؤمنين من الظّلمات إلى النّور في(97-99)،و(102)إلى اللّه،و في (96)و(101)إلى نبيّنا الكريم صلّى اللّه عليه و آله،و في(100)إلى النّبيّ موسى عليه السّلام.

و يلاحظ أنّ اللّه أمر موسى بإخراج قومه بني إسرائيل فقط من الظّلمات إلى النّور في(100): أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، ليشير إلى أنّ دعوته عليه السّلام إلى اليهوديّة دعوة قوميّة خاصّة بقومه بني إسرائيل.و لكنّه تعالى أخبر أنّ دعوة نبيّ الإسلام أمميّة،

ص: 524

تشمل المؤمنين من أيّ قوم كانوا كما في(96): لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، و النّاس أجمعين كما في(101): لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ.

3-استعمل الإخراج في الظّلمات و النّور في(96) و(100)و(101)و(102)دلالة على ما يؤول إليه المؤمن أو الكافر في الآخرة،إذ فسّر الإخراج من الظّلمات إلى النّور بالإخراج من الكفر إلى الإيمان،أو من الضّلالة إلى الهدى،أو من الشّكّ إلى اليقين،أو من البدعة إلى السّنّة،كما فسّر الإخراج من النّور إلى الظّلمات بعكس ذلك تماما.

بيد أنّه استعمل لفظان آخران غير«الإخراج»في ظلمات البرّ و البحر،دلالة على ما يؤول إليه الكافر في الدّنيا:الأوّل:التّنجية: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الأنعام:63،و الثّاني:الهداية: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ النّمل:63.

السّابع:بشأن النّبيّ محمّد مع أصحابه و

أعدائه في 6 آيات:(140-142)و(144)و(147)

و(148)،و فيها بحوث:

1-استعمل الإخراج في العلم في(140): قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا، و الشّائع أن يستعمل المجيء فيه،نحو قوله: وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ البقرة:120.

و الإخراج هنا إمّا بمعنى الإبراز،فيكون سببا في إبراز العلم و الاستدلال به،أو بمعنى النّقل،كما يخرج المحدّثون الحديث،أي ينقلونه بالأسانيد الصّحيحة.

و معنى الإبراز أظهر في هذه الآية،و في(141):

أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّهُ أَضْغانَهُمْ، و(142): وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ، و(144): إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ، و(147): كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ.

2-جاء«الإخراج»في هذه الآيات مجازا و«الخروج»حقيقة،إلاّ في الآية(147): كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ، فهو على المجاز،إذ لا يصدق الخروج على الكلمة،فنسبته إليها للملابسة.

3-نزلت هذه الآيات في الكافرين و المنافقين، سوى الآية(148): وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ، فإنّها نزلت في فريق من المسلمين.و أسند الخروج فيها إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و في(38)و(39): وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، كما أسند الإخراج إليه أيضا في(96): لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، و في (101): لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ.

الثّامن:إخراج الحيّ من الميّت،و الميّت من
اشارة

الحيّ،في 4 آيات:(123-126)،و فيها بحوث:

1-فسّر إخراج الحيّ من الميّت و إخراج الميّت من الحيّ على الحقيقة تارة،فقيل:هو إخراج الحيّ من النّطفة و النّطفة من الحيّ،و قيل:إخراج الدّجاجة من البيضة و البيضة من الدّجاجة.

و فسّر على المجاز تارة أخرى،فقيل:هو إخراج المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن،أو إخراج البارّ من الفاجر و الفاجر من البارّ،أو إخراج الصّالح من الطّالح و الطّالح من الصّالح،أو إخراج العالم من الجاهل و الجاهل

ص: 525

من العالم،و قيل غير ذلك.

و كلا الأمرين:الحقيقة و المجاز محتمل في هذه الآيات،لاجتماع بعض مصاديقهما في(124): إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ.

2-قدّم إخراج الحيّ من الميّت على إخراج الميّت من الحيّ،ليتّسق الكلام؛إذا ابتدأ بلفظ الحيّ و انتهى به أيضا،و ليوافق ما بعده؛إذ تلاه الرّزق في(123):

وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ، و فلق الإصباح في (124): إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللّهُ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ * فالِقُ الْإِصْباحِ، و التّقوى في(125): وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ مَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ، و إحياء الأرض في(126): يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها.

3-إن قيل:لم كرّر الإخراج في هذه الآيات،إذ العطف يحكم بهذا المعنى دون تكرار؟

يقال:كرّر الإخراج لاختلاف المخرج و المخرج منه،فالحياة و الممات ضدّان،كما في قوله: وَ لاَ الظُّلُماتُ وَ لاَ النُّورُ فاطر:20،فتكرار الإخراج لاختلاف الغرض،و منه قوله: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ. هذه ثمانية محاور فيما يخصّ الدّنيا من الخروج و الإخراج.

و أمّا ما يخصّ الآخرة ففيه محاور أيضا:

الأوّل:البعث و الخروج من القبر،في 17 آية:

(105-122)،و فيها بحوث:

1-نزلت هذه الآيات كلّها في مكّة،و هي تحاجج المشركين في البعث و المعاد،و تصف حال الكافرين حين خروجهم من القبر،و تذكر موقفهم يوم القيامة،كما هو نهج الآيات المكّيّة.و يكاد أن يغفل هذا النّهج في الآيات المدنيّة،إذ وردت في هذا المعنى بضع آيات في ثلاث سور مدنيّة،و هي الحجّ،-على خلاف فيها-و المجادلة، و التّغابن،انظر«ب ع ث».

2-جاء إخراج الخلق و بعثهم من قبورهم في هذه الآيات للأغراض الآتية:

أ-أشراط البعث و علاماته في(106): إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ، و(108): وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ، و(111): وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً، و(119): يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ.

ب-حالة البعث في(107): يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً، و(113): خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ.

ج-الدّلالة على البعث في(109): فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى، و(112):

مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى، و(110): وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ، و(114): ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَ يُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً، و(116): قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ

ص: 526

وَ مِنْها تُخْرَجُونَ، و(117): فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ، و(118): وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ.

د-إنكار الكافر للبعث في(115): وَ يَقُولُ الْإِنْسانُ أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا، و(120):

أَ يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَ كُنْتُمْ تُراباً وَ عِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ، و(121): وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَ إِذا كُنّا تُراباً وَ آباؤُنا أَ إِنّا لَمُخْرَجُونَ، و(122): أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي.

3-نصّت الآية(112): مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى على خلق الإنسان من الأرض و عودته إليها و خروجه منها،و يدلّ قوله:

تارَةً أُخْرى على أنّ الإخراج هنا نظير الخلق ثانيا.و لا يستثنى آدم من هذه المراحل الثّلاث،لأنّه خلق من تراب الأرض-كما ورد في الرّوايات-و عاش فيها،ثمّ مات فيها و رجع إليها،و سوف يخرج منها كأنّه خلق منها مرّة أخرى.غير أنّه سوف يصير إلى الجنّة الّتي عاش فيها و أخرج منها،أو جنّة أخرى على خلاف فيه.

الثّاني:عدم خروج الكافرين من النّار في 9

آيات:(127-135)،و فيها بحوث:

1-عدّ الحسن البصريّ إرادة الخروج من النّار حقيقة في(127): يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها، و قال:«كلّما رفعتهم النّار بلهبها رجوا أن يخرجوا منها».و عدّها الجبّائيّ مجازا،و فسّر الإرادة بمعنى التّمنّي.

و لكنّ تفسير الآية على المجاز بعيد،و يردّه قوله في (129): كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها؛ إذ لا تتحقّق الإعادة في النّار إلاّ بوقوع الخروج منها، و التّمنّي نيّة في الجنان أو نطق باللّسان.كما أنّ توجيه «الحسن»ليس سديدا،لأنّ النّار عنصر تتمثّل بالنّور و الحرارة المحرقة،فلا تقوى على رفع الأجسام الثّقيلة.

2-استعمل خروج الكافرين و إخراجهم من النّار في هذه الآيات،بمعنى الخلاص من حيّز جهنّم،و ليس العودة إلى الدّنيا،كما في الرّجوع في قوله: حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ المؤمنون:99 و 100،و في الرّدّ في قوله: وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ الأنعام:27.

3-يراد بالخروج و الإخراج من النّار في هذه الآيات:الإشارة إلى الخلود فيها بالأساليب التّالية:

أ-النّفي:كما في(127): يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها، و(132): فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها، و(134): وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ.

ب-الكبح و المنع،كما في(128): كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها.

ج-الملاحاة و الملاومة،كما في(130): رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنّا ظالِمُونَ* قالَ اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ، و(131): رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَ جاءَكُمُ النَّذِيرُ، و(133): فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ* ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللّهُ وَحْدَهُ

ص: 527

كَفَرْتُمْ وَ إِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا.

الثّالث:النّجاة من شدائد يوم القيامة في (138): وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً: يراد بالمخرج:موضع الخروج،كالمفرّ: يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ القيمة:10،و المناص: فَنادَوْا وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ ص:3.غير أنّ المخرج يختصّ بالمؤمن،و المفرّ و المناص يختصّان بالكافر،انظر«ف ر ر» و«ن و ص».

الرّابع:عدم إخراج المتّقين من الجنّة في (135): لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ:

و فيها بحوث:

1-استعمل«الإخراج»منفيّا في خلود المتّقين في الجنّة،بينما استعمل«الخروج»منفيّا في خلود الكافرين في النّار،في(127): وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها، و(134):

وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ.

2-و أسند الإخراج من الجنّة إلى المتّقين مبنيّا للمجهول: بِمُخْرَجِينَ، لأنّهم لا يريدون الخروج منها، فطمأنهم بنفيه عنهم جزاء لهم،و أسند الخروج من النّار إلى الكافرين مبنيّا للمعلوم،لأنّهم أرادوا ذلك،فأيأسهم بنفيه عنهم عقوبة لهم.

3-وصلت الباء بالإخراج في هذه الآية،و بالخروج في تلكما الآيتين للتّأكيد،و هي زائدة في خبر هذه الآيات قياسا،نحو قولهم:ليس زيد بقائم،و منه قوله تعالى: وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ البقرة:74، و يعرف أثر التّأكيد في الباء عند حذفها،فإن قيل:و ما هم منها مخرجون،و ما هم خارجون،فلم يلحظ هذا المعنى فيها قطّ.

الخامس:خروج شجرة الزّقّوم في(64): إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ:

تضمّن الخروج هنا معنى النّبات،و التّقدير:تنبت في أصل الجحيم،لأنّ الخروج لا يعدّى ب«في»،و عدل عن النّبات بالخروج رعاية للمقام،لأنّ الشّجر لا ينبت في الجحيم،فاستعمل الخروج لموافقة السّياق و ملاءمته.

السّادس:إخراج الأنفس من سكرات الموت في(105): ...وَ لَوْ تَرى إِذِ الظّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ:

هذا من فعل ملائكة العذاب يوم قبض الرّوح، يبسطون إلى الكافرين أيديهم مهدّدين لهم بالعذاب، و يقولون لهم:أخرجوا أنفسكم من سكرات الموت كما يشهد به فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ.

و قيل:هذا قول الملائكة للظّالمين في النّار،أي أخرجوا أنفسكم من النّار إن استطعتم،نظير(129):

كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها، و(134):

وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ. و لكن صدرها غَمَراتِ الْمَوْتِ -كما قلنا-يوافق الوجه الأوّل، و هو إخراج الأنفس من شدّة سكرات الموت،و لكن ذيلها: اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ... يناسب الوجه الثّاني.

و هناك قول ثالث رواه الطّبرسيّ(3:335):

«و قيل:أخرجوا أنفسكم من أجسادكم عند معاينة الموت إرهاقا لهم و تغليظا عليهم،و إن كان إخراجها من فعل غيرهم».

ص: 528

و هذا مبنيّ على إطلاق«النّفس»على الرّوح في القرآن،كما أشير إليه في آيات مثل: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ يوسف:53،و إِلاّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ يوسف:68، اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها الزّمر:

42،و غيرها.لاحظ ن ف س:«الأنفس».

ثانيا:جاءت لهذه المادّة«خ ر ج»160 آية، انقسمت بين المكّيّة و المدنيّة بهذه النّسبة:89 مكّيّة، و 62 مدنيّة،و ثلاثة من سورة الحجّ،و هي مختلف فيها، فلو انضمّت إلى المكّيّة،لقربت النّسبة بينهما إلى النّصف.

و المكّيّات إمّا راجعة إلى الخلقة و التّوحيد،أو إلى الآخرة،أو القصّة،كما هي العادة في المكّيّات.و المدنيّات راجعة إلى التّشريع و السّيرة و الغزوات و المنافقين،و نحوها كما هي العادة في المدنيّات أيضا.

ثالثا:جاءت نظائر الخروج في القرآن،و هي:

1-البروز: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ آل عمران:154

2-الجلاء: وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا الحشر:3

3-الفصول: فَلَمّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ البقرة:249

ص: 529

ص: 530

خ ر د ل

اشارة

خردل

لفظ واحد،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخردولة:عضو وافر من اللّحم.و خردلت اللّحم:فصّلت أعضاءه موفّرة.[ثمّ استشهد بشعر].

و الخردل:ضرب من الحرف[:حبّ الرّشاد].

و خردلت الطّعام:أكلت خياره و أطايبه.

و المخردل:المصروع المرميّ في بعض الحديث.

(4:334)

الفرّاء: خردلت اللّحم و خرذلته-بالدّال و الذّال- كلاهما:فرّقته و قطّعته.(الأزهريّ 7:679)

أبو زيد :خردل الطّعام خردلة،إذا أكل خياره و أطايبه.(الأزهريّ 7:680)

الأصمعيّ: إذا كثر نفض النّخلة،و عظم ما بقي من بسرها،قيل:خردلت،فهي مخردل.

(الأزهريّ 7:680)

ابن السّكّيت:يقال:لحم خراديل و مخردل،أي مقطّع.(609)

ابن دريد :خردلت اللّحم،إذا قطّعته قطعا؛ و الجمع:خراديل.(3:330)

الأزهريّ: المخردل:المقطّع.

و خردل اللّحم:وفّر قطعه.(7:680)

الصّاحب:[مثل الخليل و الأصمعيّ](4:470)

الجوهريّ: الخردل:معروف؛الواحدة:خردلة.

و خردلت اللّحم،أي:قطّعته صغارا،بالدّال و الذّال جميعا.(4:1684)

ابن سيده: الخردولة:العضو الوافر من اللّحم.

و خردل اللّحم:قطّع أعضاءه وافرة.و قيل:خردل اللّحم:قطّعه و فرّقه؛و الذّال فيه لغة.و لحم خراديل.

و المخردل:المصروع.

ص: 531

و الخردل:ضرب من الحرف.

و خردلت النّخلة،و هي مخردلة:كثر نفضها،و عظم ما بقي من بسرها.

و خردل الطّعام:أكل خياره.(5:341)

ابن الأثير: في حديث أهل النّار:«فمنهم الموبق بعمله،و منهم المخردل».

هو المرميّ المصروع.و قيل المقطّع،تقطّعه كلاليب الصّراط حتّى يهوي في النّار.يقال:خردلت اللّحم- بالدّال و الذّال-أي فصّلت أعضاءه و قطّعته.[ثمّ استشهد بشعر](2:20)

الفيروزآباديّ: خردل الطّعام:أكل خياره، و النّخلة:كثر نفضها،و عظم ما بقي من بسرها،فهي مخردل،و اللّحم:قطع أعضاءه وافرة،أو قطعه و فرّقه، و لحم خراديل مخردل.

و المخردل:المصروع.

و الخردل:حبّ شجر معروف،مسخّن ملطّف جاذب،قالع للبلغم مليّن هاضم،نافع طلاؤه للنّقرس و النّسا و البرص،و دخانه يطرد الحيّات،و ماؤه يسكّن وجع الآذان تقطيرا،و مسحوقه على الضّرس الوجع غاية.

و الخردل الفارسيّ: نبات بمصر يعرف بحشيشة السّلطان.

خرذل اللّحم:لغة في خردلة.(3:378)

الزّبيديّ: إن شرب منه على الرّيق ذكى الفهم، و يزيل الطّحال،و ينفع من اختناق الرّحم،و يشهّي الباه،و ينفع من الحميّات العتيقة و الدّائرة.قاله الرّئيس.(7:302)

الشّرتونيّ: الخردل:حبّ صغير جدّا أسود،مقرّح، و منه أبيض ضعيف التّأثير،يقال له:«الحرشاء».

و الخردل الفارسيّ: نبات بمصر يعرف بحشيشة السّلطان؛الواحدة:خردلة.

الخردلة أيضا:القطعة،مأخوذة من:خردل،إذا قطع.

و قول الحريريّ: و ما معي خردلة مطبوعة من ذهب، أي ليس عندي قطعة صغيرة من الذّهب بقدر الخردلة.

(1:265)

لويس معلوف :خردل الطّعام:أكل خياره.

و خردل اللّحم:قطع أعضاءه وافرة صغارا،أو قطّعه و فرّقه.

الخرادل:القطع من اللّحم.

لحم خراديل:مقطّع و مفرّد.

الخردل؛الواحدة:خردلة:نبات عشبيّ من فصيلة الصّليبيّات.ينبت برّيّا في الحقول مع الزّرع،أو على حافة الطّرق.حبّه صغير جدّا،أسود مقرّح يستعمل في التّوابل، و له فوائد طبّيّة،يستخرج منه الزّيت.(173)

مجمع اللّغة :الخردل:نبات له حبّ صغير جدّا.

(1:329)

الشّعرانيّ: الخردل:حبّة معروفة،و هي صغيرة حمراء،و دقيقها أصغر حرّيف كالفلفل،و تنمو عشبته في بعض البلاد،فتصبح كبيرة،و الحرمل المعروف من أنواعه.

و كان اليونانيّون يستعملونه في تقدير الوزن،كما استعمل الفرس الحمّص و الحنطة في هذا الغرض.

ص: 532

و الخردل أصغر حجما منهما،و هو أنسب في الوزن،و ذو صلابة،و لا تعتريه الرّطوبة،خلافا للحمّص و الحنطة، و لذلك يجدر بأن يجعل مقياسا للوزن،لأنّه لا يتأثّر تقريبا بدرجات الحرارة،و اختلاف الجوّ.

و قال المقريزي:إنّ الخردل لا يؤثّر في الميزان الدّقيق إلاّ قدرا ضئيلا،و قال أيضا:إنّ مقدار الدّرهم الإسلاميّ 4200 حبّة خردل،و الدّينار 6000 حبّة منه،و أساس الوزن في زماننا:تسخين الماء المقطّر أربع درجات.

و قد كنّى اللّه تعالى عن«الخردل»في القرآن الكريم بأنّه أصغر قدر،فقال: وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ الأنبياء:47،لقمان:16:أي أنّا نأتي بكلّ عمل من أعمال العباد يوم القيامة،و لو كان ليس بذي بال.

و ترجم الشّيخ أبو الفتوح رحمه«الخردل»بحبّة الاسفند(الحرمل)نظرا إلى جنسه.(218)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الخردل:نبات له حبّ أسود صغير جدّا،يضرب به العرب المثل في شدّة الصّغر.

(1:160)

يوسف خيّاط:خردل uo edratuoM )L(sipaniS)F(eveneS جنس نباتات عشبيّة من الفصيلة الصّليبيّة فيه أنواع،تنبت في الحقول مع الزّرع و على حواشي الطّرق،تعدّ مضرّة بالزّروع، و تستعمل بزورها في الطّبّ،و قد تزرع لتكون سمادا أخضر،أو لاستعمال بزورها تابلا أو دواء.[إلى أن قال:] و هذه معرّبة قديما من اليونانيّة.نوع مبذول في الحقول...(194)

المصطفويّ: يظهر من مراجعة المراجع أنّ «الخردل»عبارة عن مطلق الحبوب الصّغار،أو الحبّ المسمّى بالفارسيّة اسفند.

و الاشتقاق منه انتزاعيّ،يقال:خردلته،إذا قطّعته و فرّقته صغارا كالحبّ الصّغير.

و لا يبعد أن تكون هذه الكلمة مزيدة من«الخرد» و هو بمعنى البكر،و غير الممسوسة و غير المثقوبة.يقال:

جارية خريدة و درّة خريدة،و هذا كما في زيد و زيدل؛ فالحبّ باعتبار أصالته و عدم تجزّيه من شيء،و كونه متفرّدا لم يمسس،يطلق عليه الخردل.

و بهذا يظهر لطف التّعبير به في الآيتين الكريمتين، [الأنبياء:47 و لقمان:16]،دون الذّرّة و الحبّة و القطعة الصّغيرة و غيرها.(3:36)

النّصوص التّفسيريّة

خردل

1- وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ الأنبياء:47

الطّوسيّ: معناه أنّه لا يضيع لديه قليل الأعمال و المجازاة عليه،طاعة كانت أو معصية.(7:254)

الفخر الرّازيّ: إن قيل:الحبّة أعظم من الخردلة، فكيف قال:حبّة من خردل؟

قلنا:الوجه فيه أن تفرض الخردلة كالدّينار،ثمّ تعتبر الحبّة من ذلك الدّينار.و الغرض المبالغة في أنّ شيئا من الأعمال صغيرا كان أو كبيرا غير ضائع عند اللّه

ص: 533

تعالى.(22:177)

الشّربيني: مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أو أصغر منه،و إنّما مثّل به لأنّه غاية عندنا في القلّة.

و قرأ نافع برفع اللاّم على أنّ(كان)تامّة،و الباقون بالنّصب،و كذا في لقمان.(2:507)

أبو السّعود :أي مقدار حبّة كائنة من خردل،أي و إن كان في غاية القلّة و الحقارة،فإنّ حبّة الخردل مثل في الصّغر.

و قرئ مثقال حبة بالرّفع على أنّ(كان)تامّة.

(4:340)

نحوه الآلوسيّ.(17:55)

الطّباطبائيّ: حبّة الخردل يضرب بها المثل في دقّتها و صغرها و حقارتها،و فيه إشارة إلى أنّ الوزن من الحساب.(14:292)

المصطفويّ: أي على وزن حبّة صغيرة لم تمسس بيد أحد،فنحن نأتي بها و لا نغفل عن إحضارها، و إن كانت مستورة في صخرة،أو في السّماوات و الأرض.

ثمّ إنّ المنظور في آية فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ الزّلزال:7 مشاهدة نتيجة العمل و أثره،و إن كان مثقال ذرّة صغيرة و في غاية الدّقّة،و أمّا في هذه الآية وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها فالنّظر فيها إلى إتيانه و إحضاره و إن كان في الصّغر كالخردل،و لم يمسسه أحد،و لم يصل إليه يد.(3:36)

مكارم الشّيرازيّ: الخردل:نبات له حبّة صغيرة جدّا،يضرب المثل بها في الصّغر و الحقارة.

(10:157)

فضل اللّه:باعتبار صغر وحدة الخردل في الوزن، و هو كناية عن الإتيان بالخفيّ الدّقيق من الأعمال.

(15:228)

2- يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ لقمان:16

مثل ما قبلها.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخردل،أي النّبات الحرّيف المعروف،و له حبّ صغير جدّا،سمّي به أيضا؛ واحدته:خردلة.ثمّ استعمل في صغار الأشياء على التّوسّع،فقالوا:خردل اللّحم،أي قطّعه صغارا،و لحم خراديل و مخردل:مقطّع.

و قالوا مجازا:خردل الطّعام خردلة،أي أكل خياره و أطايبه،كأنّه فرزه و فرّقه؛و خردلت النّخلة:كثر نفضها و عظم ما بقي من بسرها،و هي مخردلة و مخردل،تشبيه حملها و نفضها بالخردل لكثرته.

2-و ورد الخردل بلفظ«خردلا»في اللّغة السّريانيّة،و بلفظ قريب منه في الآراميّة،ممّا حدا ببعض المستشرقين على القول بأنّه سريانيّ أو أراميّ المنشأ (1)،كما هي عادتهم غالبا؛إذ يعتسفون القول دون تمحيص أو رويّة.

3-و أبدلت الدّال ذالا في قولهم:خرذل اللّحم،أي قطّعه و فرّقه،و نظيره الدّحادح و الذّحاذح،أي القصار؛

ص: 534


1- انظر معجم الألفاظ الدّخيلة في القرآن.

الواحدة:دحداحة و ذحذاحة (1).

الاستعمال القرآنيّ

جاء(خردل)مرّتين في آيتين مكّيّتين:

1- ...وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ الأنبياء:47

2- يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ... لقمان:16

يلاحظ أوّلا:أنّ فيه بحوثا:

1-ذهب بعض إلى أنّ المراد به الوزن،ففسّره بالقلّة،و ذهب بعض آخر إلى أنّ المراد به الحجم،ففسّره بالصّغر.و المعنى الأوّل هو الأنسب،لأنّه ذكر في صدر (1)الميزان العدل: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ، و ذكر في ذيلها الحساب: وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ، فيحسب قليل العمل الصّالح و الطّالح بالميزان،و لا يحسب به الحجم من الصّغر و الكبر،قال الطّباطبائيّ:«فيه إشارة إلى أنّ الوزن من الحساب».

و أيضا لفظة«مثقال»من الثّقل،و هو بمعنى الوزن،أي مقدار وزن الخردل.على أنّ الآيتين كلتيهما جاءتا في حساب الأعمال يوم القيامة،و هو بالوزن.لاحظ«وزن، و ح س ب»في آيات حساب الأعمال.

و لعلّ المراد هنا كلا الأمرين:الحجم و الوزن،لأنّ بذوره صغيرة جدّا،و لا تزيح بذرته حينما تلقى في الماء شيئا محسوسا منه لخفّتها،و هذا ما يطلق عليه في العلم الحديث«الوزن النّوعيّ»و لعلّه مراد الطّباطبائيّ بقوله:

«يضرب بها المثل في دقّتها و صغرها و حقارتها».

2-حسب الفخر الرّازيّ الحبّة جزء من نبات الخردل،و ليس بذرة من بذوره،كما هو الظّاهر،فقال:«إن قيل:الحبّة أعظم من الخردلة،فكيف قال: حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ؟

قلنا:الوجه فيه أن تفرض الخردلة كالدّينار،ثمّ تعتبر الحبّة من ذلك الدّينار».

و لعلّه أراد وزن الحبّة الاصطلاحيّ،و هو قدر شعيرتين وسطيين،غير أنّ المراد ليس كما أراد.

و الحقّ في الجواب أنّه أريد ب«خردل»الجنس، و ب«حبّة»الفرد،أي حبّة من جنس الخردل،كما يقال:

حبّة من شعير.و لعلّه مراد الفخر الرّازيّ بقوله:«تفرض الخردلة كالدّينار».

3-إن قيل:لم قال هنا: مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، و لم يقل«مثقال من ذرّة»في قوله تعالى: وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ يونس:61؟

يقال:إنّ حبّة الخردل يمكن أن تتجزّأ أجزاء في كلّ منها ذرّات كثيرة جدّا،و أمّا الذّرّة فهي أصغر جزء لا يتجزّأ من المادّة،و لذا حكموا بزيادة«من»في مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ.

4-استعمل الخردل في هاتين الآيتين كناية عن قدرة اللّه وسعة علمه و دقّة حسابه،و هو تهديد مبطّن لمشركي مكّة.ثمّ يعمّ غيرهم.

ثانيا:مجيئه في مكّيّتين ربّما يشعر بأنّه في الأصل لغة أهل مكّة ثمّ شاع في غيرها.و لا نظير له في القرآن،إلاّ ما دلّ على القلّة.

ص: 535


1- الإبدال لابن السّكّيت(140).

ص: 536

خ ر ر

اشارة

5 ألفاظ،12 مرّة:10 مكّيّة،2 مدنيّة

في 11 سورة:10 مكّيّة،1 مدنيّة

خرّ 5:4-1 يخرّوا 1:1

خرّوا 3:2-1 تخرّ 1:1

يخرّون 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخرير:صوت الماء و صوت الرّيح،و خرّير العقاب:حفيفها.و قد يضاعف إذا توهّم سرعة الخرير في القصب فيحمل على الخرخرة،و أمّا في الماء فلا يقال إلاّ خرخرة.

و الهرّة تخرّ في نومها فهي خرور،و خرّ النّمر خريرا، و خرخر يخرخر خرخرة.و يقال لصوته أيضا:خرير، و هدير و غطيط.(4:139)

الفرّاء: خرّ الماء يخرّ خريرا،فهو خارّ.

في حديث:«روي عن حكيم بن حزام أنّه أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:أبايعك على ألاّ أخرّ إلاّ قائما.فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أمّا من قبلنا فلست تخرّ إلاّ قائما».

معناه ألاّ أغبن و لا أغبن،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:لست تغبن في دين و لا شيء من قبلنا،و لا بيع.(الأزهريّ 6:564)

الأصمعيّ: الأخرّة:واحدها خرير،و هي أماكن مطمئنّة تنقاد بين الرّبوتين.

فإن اضطرب بطنه مع العظم قيل:تخرخر بطنه.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](الأزهريّ 6:565)

أبو عبيد: [في حديث حكيم بن حزام]

و قد أكثر النّاس في معنى هذا الحديث،و ماله عندي وجه،إلاّ أنّه أراد بقوله:«لا أخرّ»:لا أموت،لأنّه إذا مات فقد خرّ و سقط.و قوله:«الاّ قائما»إلاّ ثابتا على الإسلام...

و في بعض هذا الحديث أنّه لمّا قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«أبايعك على أن لا أخرّ إلاّ قائما،فقال:أمّا من قبلنا فلن تخرّ إلاّ قائما»أي لسنا ندعوك و لا نبايعك إلاّ قائما،أي

ص: 537

على الحقّ.لاحظ ق و م«قائما».(1:277)

ابن الأعرابيّ: خرّ الرّجل يخرّ،إذا تنعّم،و خرّ يخرّ، إذا سقط،بضمّ الخاء.

و الخرخور:الرّجل النّاعم في طعامه و شرابه و لباسه و فراشه.(الأزهريّ 6:565)

خرّ،إذا جرى و خرّ إذا مات.(الأزهريّ 6:566)

ابن السّكّيت: يقال:جاءنا خرّار من النّاس،و هم من سقط إليك من الأعاريب من البوادي،أي خرّوا إليك.(41)

ابن أبي اليمان :الخرير:صوت الماء(402)

ابن دريد :خرّ يخرّ خرّا،إذا هوى من علو إلى سفل،و كلّ واقع كذلك فقد خرّ.

و خرّ الحائط و ما أشبهه،و كذلك الرّجل،إذا سقط و هو قائم على وجهه.

و الخرّ:أصل الأذن في بعض اللّغات،يقال:ضربه على خرّ أذنه.

و الخرّ:مسيل غامض في الأرض.(1:66)

الأزهريّ: خرّ الميّت يخرّ خريرا،فهو خارّ،و خرّ الحجر،إذا تدهدى من الجبل يخرّ خرورا،بضمّ الخاء من يخرّ.[و بعد نقل قول ابن الأعرابيّ:«خرّ يخرّ،إذا سقط»، قال:]

و غيره يقول:خرّ يخرّ بكسر الخاء.

و يقال لخذروف الصّبيّ الّذي يديرها:خرّارة،و هو حكاية صوتها:خرخر.

و الخرّارة:عين الماء الجارية،سمّيت خرّارة لخرير مائها،و هو صوته.(6:564)

الصّاحب:الخرير:صوت الماء و الرّيح.

و خرير العقاب:حفيفها؛و جمعه:أخرّة.

و الخرخرة:صوت القصب و نحوه،و صوت النّمر في نومها،و في الشّرب كذلك.

و الخرور:السّقوط للوجه.

و خرّ الماء المكان:جعل فيه أخاديد.

و الخرّارة:طراز الماء،لأنّه يخرّ بالماء.

و الخرّ:ما خرّه السّيل؛و جمعه:خررة.

و الخرخور:النّاقة الواسعة الإحليل؛و الخراخر جمعها،و هي الكرام الغزار.

و الخرخر:الغزيرة الكريمة من النّوق؛و تجمع:

خراخر.

و الخرخار:الماء الجاري الكثير.

و ساق خرخريّ:ضعيف،و خرخرى.

و سنام مخرور:مسترخ إن خرّ استرخى.

و إذا اضطرب بطن الإنسان مع عظمه قيل:تخرخر بطنه.

و الأخرّة:أماكن مطمئنّة بين ربوتين تنقاد؛واحدها:

خرير.

و جاءنا خرّار النّاس،و هو من يسقط إليك من البوادي و الأعراب،و خرّارة مثله،و هم اللّصوص أيضا.

و الخرّ:أصل الأذن؛ضربه على خر أذنه.

و الخرور من النّساء:الكثيرة ماء القبل.(4:171)

الجوهريّ: الخرير:صوت الماء،و خرّ الماء يخرّ خريرا.

و عين خرّارة.

ص: 538

و خرّ للّه ساجدا يخرّ خرورا،أي سقط.

و ضرب يده بالسّيف فأخّرها،أي أسقطها،عن يعقوب.

و الخرير:واحد الأخرّة،و هي أماكن مطمئنّة بين الرّبوتين تنقاد.

و الخرخرة:صوت النّائم و المختنق.يقال:خرّ عند النّوم و خرخر،بمعنى.

و الخرّ من الرّحى:اللّهوة،و هو الموضع الّذي تلقي فيه الحنطة بيدك.[ثمّ استشهد بشعر](2:643)

ابن فارس: الخاء و الرّاء أصل واحد،و هو اضطراب و سقوط مع صوت.

فالخرير:صوت الماء،و عين خرّارة،و قد خرّت تخرّ.

و يقال للرّجل إذا اضطرب بطنه:قد تخرخر.

و خرّ،إذا سقط.

و تقول:خرّ الماء الأرض:شقّها.

و الأخرّة،واحدها:خرير،و هي أماكن مطمئنّة بين الرّبوتين تنقاد.

و الخرّ من الرّحى:الموضع الّذي تلقى فيه الحنطة.

و هو قياس الباب،لأنّ الحبّ يخرّ فيه.

و خرّ الأذن:ثقبها،مشبّه بذلك.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:149)

ابن سيده: الخرير:صوت الماء و الرّيح و العقاب إذا حفّت،خرّ يخرّ و يخرّ خريرا،و خرخر.

و قال ابن الأعرابيّ: خرّ الماء يخرّ خرّا،إذا اشتدّ جريه.

و خرّ الرّجل في نومه يخرّ خريرا:غطّ،و كذلك الهرّة و النّمر،و هي الخرخرة.

و هرّة خرور:كثيرة الخرير في نومها.

و الخرخرة:سرعة الخرير في القصب و نحوها.

و الخرّارة:عود نحو نصف النّعل،يوثق بخيط فيحرّك الخيط و تجرّ الخشبة،فتصوّت تلك الخرّارة.

و الخرّارة:طائر أعظم من الصّرد و أغلظ،على التّشبيه بذلك في الصّوت؛و الجمع:خرّار،و قيل:الخرّار واحد،و إليه ذهب كراع.

و خرّ الحجر يخرّ خرورا:صوّت في انحداره.

و خرّ الرّجل:هجم عليك من مكان لا تعرفه.

و خرّ القوم:جاءوا من بلد إلى آخر،و هم الخرّار و الخرّارة.

و خرّوا أيضا:مرّوا،و هم الخرّارة كذلك.

و خرّ النّاس من البادية في الجدب:أتوا.

و خرّ البناء:سقط.

و خرّ يخرّ خرّا:هوى من علو إلى سفل،و خرّ لوجهه يخرّ خرّا و خرورا:وقع كذلك.[إلى أن قال:]

و خرّ أيضا:مات؛و ذلك لأنّ الرّجل إذا مات خرّ، و قوله:«بايعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ألاّ أخرّ إلاّ قائما»،معناه:أن لا أموت،و قوله:«إلاّ قائما»أي ثابتا على الإسلام،و قوله تعالى: وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً يوسف:100،قال ثعلب:

قال الأخفش:خرّ:صار في حال سجود.قال:و نحن نقول:«يعني الكوفيّين»بضربين:بمعنى سجد،و بمعنى مرّ، من القوم الخرّارة الّذين هم المارّة،و قد تقدّم.

و قوله تعالى: فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ سبأ:14، يجوز أن يكون«خرّ»هنا:وقع،و يجوز أن يكون بمعنى

ص: 539

مات.

و رجل خارّ:عاثر بعد استقامة.

و الخرّيان:الجبان،فعليان منه،عن أبي عليّ.

و الخرير:المكان المطمئنّ بين الرّبوتين ينقاد؛ و الجمع:أخرّة.قال لبيد:

*بأخرّة الثّلبوت...*

و رواه بعضهم بالحاء و الزّاي،و قد تقدّم.

و الخرّ:أصل الأذن في بعض اللّغات.

و الخرّ أيضا:حبّة مدوّرة صفيراء فيها عليقمة يسيرة،قال أبو حنيفة:هي فارسيّة.

و تخرخر بطنه:اضطرب مع العظم.و قيل:هو اضطرابه من الهزال.

و الخرّارة:موضع دون القادسيّة.(4:508)

الخرّ و الخرّيّ: فم الرّحى،و هو الموضع الّذي يلقى فيه الحبّ.(الإفصاح 2:1099)

الرّاغب: [ذكر الآيات ثمّ قال:]

فمعنى خرّ:سقط سقوطا يسمع منه خرير،و الخرير يقال لصوت الماء و الرّيح و غير ذلك ممّا يسقط من علو.

و قوله تعالى: وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً يوسف:100، فاستعمال«الخرّ»تنبيه على اجتماع أمرين:السّقوط و حصول الصّوت منهم بالتّسبيح،و قوله من بعد:

وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ السّجدة:15،فتنبيه أنّ ذلك الخرير كان تسبيحا بحمد اللّه،لا بشيء آخر.(144)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:531)

الزّمخشريّ: خرّ من السّقف، فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ الحجّ:31،(و خرّ ساجدا)،و خرّوا لأذقانهم خرورا.و خرّ الماء خريرا و خرخر،و كذلك الرّيح و القصب.[ثمّ استشهد بشعر]

و له عين خرّارة في أرض خوّارة.

و لعب الصّبيان بالخرّارة،و هي الدّوّامة و الخدروف.

و من المجاز:عصفت ريح فخرّت الأشجار للأذقان.

و الأعراب يخرّون من البوادي إلى القرى،أي يسقطون إليها و يطرءون.

و جاءنا خرّار من النّاس و فرّار.

(أساس البلاغة:107)

المدينيّ: قوله تعالى: وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً يوسف:100،أي سقطوا مقدّرين للسّجود،ناوين له، لأنّهم في حال الخرور غير ساجدين بعد،و هذا كما يقال:

مررت برجل معه باز صائدا به غدا.

و منه قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ الزّمر:30،أي صائر إلى الموت.و لو أجاب هذا القائل مجيب،فقال:إنّما يقال:سقط بعد ما وقع على الأرض،و بعد وقوعه هو ساجد،لكان له وجه.

و في حديث عمر رضي اللّه عنه،قال للحارث:

«خررت من يديك».قال الحربيّ أو غيره:أي سقطت من أجل مكروه يصيب يديك،من قطع أو وجع.

و عندي أنّه كناية عن الخجل،و قد استعمل بالفارسيّة أيضا عند الخجل.يقال:خررت عن يدي،أي خجلت.و سياق الحديث يدلّ عليه.

حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«من أدخل إصبعيه في أذنيه سمع خرير الكوثر».

الخرير:صوت الماء في شدّة جريانه،و صوت الهرّة

ص: 540

في نومها.و منه:عين خرّارة،و قد خرّت تخرّ،و أراد مثل صوت الكوثر،يعني في كثرة مائه و شدّة جريانه.

(1:563)

ابن الأثير: [ذكر حديث حكيم بن حزام و قال:]

خرّ يخرّ بالضّمّ و الكسر،إذا سقط من علو.و خرّ الماء يخرّ بالكسر...

في حديث الوضوء:«إلاّ خرّت خطاياه»أي سقطت و ذهبت.و يروى«جرت»بالجيم،أي جرت مع ماء الوضوء[ثمّ ذكر حديث عمر نحو المدينيّ و أضاف:]

و قيل:معناه سقطت إلى الأرض من سبب يديك، أي من جنايتهما،كما يقال لمن وقع في مكروه:إنّما أصابه ذلك من يده،أي من أمر عمله،و حيث كان العمل باليد أضيف إليها.

و حديث قسّ:«و إذا أنا بعين خرّارة»،أي كثيرة الجريان.

و فيه ذكر«الخرّار»بفتح الخاء و تشديد الرّاء الأولى:

موضع قرب الجحفة بعث إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سعد بن أبي وقّاص رضي اللّه عنه في سريّة.(2:21)

الفيّوميّ: خرّ الشّيء يخرّ،من باب«ضرب»:

سقط،و الخرير:صوت الماء،و عين خرّارة:غزيرة النّبع.

(1:166)

الفيروزآباديّ: الخرير:صوت الماء و الرّيح و العقاب إذا حفّت كالخرخر يخرّ و يخرّ،و غطيط النّائم كالخرخرة،و المكان المطمئنّ بين الرّبوتين؛جمعه:أخرّة.

و موضع باليمامة.

و الخرّ:السّقوط كالخرور،أو من علو إلى سفل يخرّ و يخر،و الشّقّ،و الهجوم من مكان لا يعرف،و الموت.

و بالضّمّ:فم الرّحى كالخرّيّ،و حبّة مدوّرة و أصل الأذن،و ما خذّه السّيل من الأرض،جمعه:خررة.

و بهاء:يعقوب بن خرّة الدّبّاغ ضعيف،و أحمد بن محمّد بن عمر بن خرّة محدّث،و بهاء الدّولة خرّة فيروز بن عضد الدّولة.

و الخرّارة مشدّدة:عود يوثق بخيط و يحرّك الخيط و تجر الخشبة فيصوّت،و طائر أعظم من الصّرد؛جمعه:

خرّار،و موضع قرب الكوفة،و بلا هاء.موضع قرب الجحفة.و الخرّيان كصلّيان:الجبان.و الخرخار:الماء الجاري.

و الخرخور:النّاقة الغزيرة اللّبن كالخرخر بالكسر، و الرّجل النّاعم في طعامه و شرابه و لباسه و فراشه كالخرخر بالكسر.و الخرور:الكثيرة ماء القبل،و قرية بخوارزم.

و ساق خرخريّ و خرخريّة:ضعيفة.

و الخرخرة:صوت النّمر،و صوت السّنّور كالخرور.

و تخرخر بطنه:اضطرب مع العظم.

و الانخرار:الاسترخاء.

و الخريريّ كزبيريّ: منهل بأجإ.

و ضرب يده بالسّيف فأخّره:أسقطه.(2:19)

الطّريحيّ: و في الحديث:«إنّ الرّجل لينتزع الآية من القرآن يخرّ فيها أبعد ما بين السّماء و الأرض».يريد بتأويلها بالرّأي و نحوه،يخرّ،أي يسقط عن درجة الاعتبار و الثّواب هذا المقدار.

و الخرير:صوت الماء و الرّيح،و منه الدّعاء:«سجد

ص: 541

لك خرير الماء»و مثله«خرير الرّيح».و العين الخرّارة:

كثيرة الخرور و السّيلان.

و الخرخرة:صوت النّائم و المختنق.(3:284)

مجمع اللّغة :1-خرّ يخرّ خرّا و خرورا:سقط من علو.

2-و خرّ راكعا أو ساجدا:سقط راكعا أو ساجدا.

و خرّ على الحديث:أكبّ عليه و شغل به.

(1:329)

محمّد إسماعيل إبراهيم:[نحو مجمع اللّغة إلاّ أنّه أضاف:]و خرّ السّقف:وقع.(1:160)

المصطفويّ: فظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو سقوط مع صوت مخصوص بهذه الحالة،و لا يبعد أن يكون الأصل هو الصّوت المخصوص مع السقوط أو في حال السقوط،و يدلّ على هذا المعنى إطلاق كلمات:

«الخرير،و الخرخرة،و الخرخورة،و الخرّارة،و التّخرخر» على أصوات مخصوصة.و هذا المعنى فيه دلالة على شدّة و قوّة و حدّة في السّقوط،فإنّ تلك الأصوات إنّما تظهر و تسمع في السّقوط الشّديد و إذا كان عن حدّة.

و يمكن أن يكون بعض هذه الكلمات من الاشتقاق الانتزاعيّ،بمناسبة مادّة اللّفظ و قربها من تلك الأصوات،كما في أسماء الأصوات.(3:38)

النّصوص التّفسيريّة

خرّ

1- ...فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً... الأعراف:143

راجع ص ع ق:«صعقا».

2- ...فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ... النّحل:26

ابن عبّاس: فوقع عليهم الصّرح.(223)

الطّبريّ: تساقطت عليهم سقوف بيوتهم.

(7:578)

الزّجّاج: يروى أنّ ذلك في قصّة نمرود بن كنعان، بنى صرحا يمكر به فخرّ سقفه عليه و على أصحابه.و قال بعضهم:هذا مثل،جعلت أعمالهم الّتي عملوها،بمنزلة الباني بناء يسقط عليه،فمضرّة عملهم عليهم كمضرّة الباني إذا سقط عليه بناؤه.(3:195)

الشّربينيّ: أي سقط.(2:226)

مثله الكاشانيّ(3:132)،و البروسويّ(5:27).

أبو السّعود :أي سقط عليهم سقف بنيانهم؛إذ لا يتصوّر له القيام بعد تهدّم القواعد،شبّهت حال أولئك الماكرين في تسويتهم المكائد،و المنصوبات الّتي أرادوا بها الإيقاع برسل اللّه سبحانه،و في إبطاله تلك الحيل و المكائد و جعله إيّاها أسبابا لهلاكهم بحال قوم بنوا بنيانا و عمدوه بالأساطين،فأتي ذلك من قبل أساطينه بأن ضعضعت،فسقط عليهم السّقف فهلكوا.(4:55)

الآلوسيّ: أي سقط عليهم سقف بنيانهم؛إذ لا يتصوّر له القيام بعد تهدّم قواعده،(و من)متعلق ب(خرّ) و هي لابتداء الغاية،أو متعلّق بمحذوف على أنّه حال من السّقف مؤكّدة.

و قال ابن عطية و ابن الأعرابيّ: «إنّ مِنْ فَوْقِهِمْ ليس بتأكيد،لأنّ العرب تقول:خرّ علينا سقف و وقع

ص: 542

علينا حائط،إذا انهدم في ملك القائل،و إن لم يقع عليه حقيقة،فهو لبيان أنّهم كانوا تحته حين هدم».

و من النّاس من زعم أنّ(على)بمعنى«عن»و هي للتّعليل،و الكلام على تقدير مضاف،أي خرّ من أجل كفرهم السّقف.و جيء بقوله تعالى: مِنْ فَوْقِهِمْ مع (خرّ)لدفع توهّم أن يكون قد خرّ،و هم ليسوا تحته.

و لا يخفى أنّه تطويل من غير طائل بل كلام لا ينبغي أن يتفوّه به فاضل،و الكلام«تمثيل»يعني أنّ حالهم في تسويتهم المنصوبات و الحيل ليمكروا بها رسل اللّه تعالى عليهم الصّلاة و السّلام،و إبطال اللّه تعالى إيّاها و جعلها سببا لهلاكهم،كحال قوم بنوا بنيانا و عمدوه بالأساطين، فأتى ذلك من قبل أساطينه بأن ضعضعت فسقط عليهم السّقف و هلكوا تحته.

و وجه الشّبه:أنّ ما نصبوه و خيّلوه سبب التّحصّن و الاستيلاء،صار سبب البوار و الفناء،فالأساطين بمنزلة المنصوبات،و انقلابها عليهم مهلكة كانقلاب،تلك الحيل على أصحابها،و البنيان ما كان زوّروه و روّجوا فيه تلك المنصوبات و تطأطئوا عليه من الرّأي المدعم بالمكائد.

و يشبه ذلك قولهم:«من حفر لأخيه جبّا وقع فيه منكبّا».

و يقرب من هذا ما قيل:إنّ المراد أحبط اللّه تعالى أعمالهم.و قيل:الأمر مبنيّ على الحقيقة؛و ذلك أنّ نمرود ابن كنعان بنى صرحا ببابل،ليصعد بزعمه إلى السّماء و يعرف أمرها و يقاتل أهلها،و أفرط في علوّه،فكان طوله في السّماء-على ما حكى النّقّاش و روي عن كعب -فرسخين،و قال ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما و وهب:كان ارتفاعه خمسة آلاف ذراع و عرضه ثلاثة آلاف ذراع،فبعث اللّه تعالى عليه ريحا فهدّمته و خرّ سقفه عليه و على أتباعه،فهلكوا.

و قيل:هدّمه جبريل عليه السّلام بجناحه،و لمّا سقط تبلبلت النّاس من الفزع،فتكلّموا يومئذ بثلاث و سبعين لسانا، فلذلك سمّيت بابل،و كان لسان النّاس قبل ذلك السّريانيّة.

و لا يخفى ما في هذا الخبر من المخالفة للمشهور،لأنّ موجبه أنّ هلاك نمرود كان بما ذكر،و المشهور أنّه عاش بعد قصّة الصّرح،و أهلكه اللّه تعالى ببعوضة وصلت لدماغه إظهارا لكمال خسّته و عجزه،و جازاه سبحانه من جنس عمله،لأنّه صعد إلى جهة السّماء بالنّسور فأهلكه اللّه تعالى بأخسّ الطّيور،و ما ذكر في وجه تسمية المكان المعروف ببابل هو المشهور...(14:125)

ابن عاشور :الخرور:السّقوط و الهويّ،ففعل(خرّ) مستعار لزوال ما به المنعة،نظير قوله تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ الحشر:2.

[إلى أن قال:]

و من مجموع هذه الاستعارات تتركّب الاستعارة التّمثيليّة،و هي تشبيه هيئة القوم الّذين مكروا في المنعة،- فأخذهم اللّه بسرعة،و أزال تلك العزّة-بهيئة قوم أقاموا بنيانا عظيما ذا دعائم و آووا إليه،فاستأصله اللّه من قواعده،فخرّ سقف البناء دفعة على أصحابه،فهلكوا جميعا.فهذا من أبدع التّمثيليّة،لأنّها تنحلّ إلى عدّة استعارات.(13:108)

الطّباطبائيّ: خرور السّقف:سقوطه على الأرض و انهدامه.(12:232)

ص: 543

مكارم الشّيرازيّ: و قد يكون تخريب القواعد و إسقاط السّقف إشارة إلى أبنيتهم الظّاهريّة،من خلال الزّلازل و الصّواعق،لتنهار على رءوسهم،و قد يكون إشارة إلى قلع جذور تجمّعاتهم و أحزابهم بأمر اللّه عزّ و جلّ،بل لا مانع من شمول الأمرين معا.(8:154)

فضل اللّه :لأنّ أيّ سقف مهما كانت قوّته،لا يمكن أن يحمي صاحبه،إذا ارتكز على قاعدة منهارة،لأنّه لا يحمي نفسه.و يريد اللّه بذلك أن ينبّه أيّة جماعة تتطلّع إلى الامتداد الواسع عبر فكرة معيّنة أو محور معيّن،أنّ كلّ ما تتحقّقه سوف ينهار و يسقط إذا سقطت القاعدة الّتي يرتكز عليها.(13:213)

3- ...وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ.

الحجّ:31

ابن عبّاس: وقع.(280)

قتادة :هذا مثل ضربه اللّه لمن أشرك باللّه في بعده من الهدى و هلاكه.(الطّبريّ 9:145)

مثله ابن قتيبة.(293)

الطّبريّ: من يشرك باللّه شيئا من دونه،فمثله في بعده من الهدى و إصابة الحقّ،و هلاكه و ذهابه عن ربّه، مثل من خرّ من السّماء،فتخطفه الطّير،فهلك،أو هوت به الرّيح في مكان سحيق،يعني من بعيد.(9:145)

الثّعلبيّ: أي سقط إلى الأرض.(7:21)

نحوه الطّبرسيّ.(4:83)

الطّوسيّ: أي من أشرك بعبادة اللّه غير اللّه،كان بمنزلة من وقع من السّماء.(7:313)

القشيريّ: كيف لا،و هو يهوي في جهنّم،و تتجاذبه ملائكة العذاب.(4:214)

الزّمخشريّ: يجوز في هذا التّشبيه أن يكون من المركّب و المفرّق،فإن كان تشبيها مركّبا،فكأنّه قال:من أشرك باللّه فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده نهاية،بأن صوّر حاله بصورة حال من خرّ من السّماء فاختطفته الطّير فتفرّق مزعا في حواصلها،أو عصفت به الرّيح حتّى هوت به في بعض المطاوح البعيدة.

و إن كان مفرّقا،فقد شبّه الإيمان في علوّه،بالسّماء، و الّذي ترك الإيمان و أشرك باللّه،بالسّاقط من السّماء، و الأهواء الّتي تتوزّع أفكاره بالطّير المختطفة،و الشّيطان الّذي يطوّح به في وادي الضّلالة بالرّيح الّتي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة.(3:12)

القرطبيّ: أي هو يوم القيامة بمنزلة من لا يملك لنفسه نفعا،و لا يدفع عن نفسه ضرّا و لا عذابا،فهو بمنزلة من خرّ من السّماء،فهو لا يقدر أن يدفع عن نفسه.

(12:55)

البيضاويّ: لأنّه سقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر.(2:91)

مثله أبو السّعود(4:380)،و الكاشانيّ(3:377).

الشّربينيّ: أي سقط مِنَ السَّماءِ لعلوّ ما كان فيه من أوج التّوحيد،و سفول ما انحطّ إليه من حضيض الإشراك.(2:551)

الآلوسيّ: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ... هي جملة مبتدأة مؤكّدة لما قبلها من الاجتناب من الإشراك،و إظهار

ص: 544

الاسم الجليل،لإظهار كمال قبح الإشراك.و قد شبّه الإيمان بالسّماء لعلوّه،و الإشراك بالسّقوط منها، فالمشرك ساقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر، و هذا السّقوط إن كان في حقّ المرتدّ فظاهر،و هو في حقّ غيره باعتبار الفطرة،و جعل التّمكّن و القوّة بمنزلة الفعل،كما قيل في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ البقرة:

257.(17:149)

ابن عاشور :أعقب نهيهم عن الأوثان بتمثيل فظاعة حال من يشرك باللّه في مصيره بالشّرك،إلى حال انحطاط و تلقّف الضّلالات إيّاه و يأسه من النّجاة،ما دام مشركا تمثيلا بديعا؛إذ كان من قبيل التّمثيل القابل لتفريق أجزائه إلى تشبيهات.[ثمّ نقل قول الكشّاف في ذلك و أضاف:]

يعني أنّ المشرك لمّا عدل عن الإيمان الفطريّ و كان في مكنته،فكأنّه كان في السّماء فسقط منها،فتوزّعته أنواع المهالك.و لا يخفى عليك أنّ في مطاوي هذا التّمثيل تشبيهات كثيرة،لا يعوزك استخراجها.(17:184)

مغنيّة:هذا كناية عن أنّ إثم الشّرك لا يعادله إثم، و أنّ عذاب المشرك ليس وراءه.و من تتبّع الآيات القرآنيّة و السّنّة النّبوية يلاحظ أنّ المشرك أكبر إثما من الملحد عند اللّه،و قد يكون السّرّ في ذلك أنّ الملحد لا يثبت النّقص للخالق،لأنّه لا يعترف بوجوده من الأساس، و هذا إثم عظيم ما في ذلك ريب.و لكن إثم المشرك أعظم، لأنّ الإشراك إنكار للخالق الواحد من جهة،و إثبات النّقص للموجود من جهة ثانية.(5:326)

الطّباطبائيّ: شبّه المشرك في شركه-و سقوطه به من أعلى درجات الإنسانيّة إلى هاوية الضّلال فيصيده الشّيطان-بمن سقط من السّماء فتأخذه الطّير.

(14:373)

مكارم الشّيرازيّ: ترسم الآية صورة حيّة ناطقة عن حال المشركين و سقوطهم و سوء طالعهم؛حيث تقول: وَ مَنْ يُشْرِكْ....

و إنّ السّماء في الواقع هنا كناية عن التّوحيد،و إنّ الشّرك هو السّبب في السّقوط من السّماء هذه.

و من الطّبيعيّ أنّ النّجوم في هذه السّماء تتلألأ و تسطع في السّماء و يزداد ضياء القمر نورا.فطوبى لمن يكون شمسا أو قمرا أو في الأقلّ نجما متلألئا،إلاّ أنّ الإنسان عند ما يسقط من هذا المكان العالي يبتلي بأحد أمرين:فإمّا يصبح طعما للطّيور الجوارح أثناء سقوطه و قبل وصوله إلى الأرض،و إمّا يبتلي بفقدانه هذا المكان المريح،بأهوائه النّفسيّة المعاندة.و كلا الأمرين يفقد الإنسان جانبا من وجوده.و إذا نجا بسلام منهما،ابتلي بعاصفة هوجاء تدكّه في إحدى زوايا الأرض بقوّة تفقده جسمه،ليتناثر قطعا صغيرة في أنحاء المعمورة.و هذه العاصفة الهوجاء قد تكون كناية عن الشّيطان الّذي ينصب الشّراك للإنسان.

و ممّا لا شكّ فيه أنّ الّذي يسقط من السّماء يفقد كلّ قدرة على اتّخاذ قرار ما.و تزداد سرعة سقوطه لحظة بعد أخرى نحو العدم،و يصبح نسيا منسيّا.

حقّا أنّ الّذي يفقد قاعدة السّماء التّوحيديّة،يفقد القدرة على تقرير مصيرة بنفسه.و كلّما سار في هذا

ص: 545

الاتجاه ازداد سرعة نحو الهاوية،و فقد كلّ ما لديه.

و لا نجد تشبيها للشّرك يضاهي في هذا التّشبيه الرّائع.

كما يجب ملاحظة ما تأكّد في هذا الزّمان من حالة انعدام الوزن في السّقوط الحرّ.و لهذا تجرى اختبارات على الفضائيّين للاستفادة من هذه الحالة ليعدّوا أنفسهم للسّفر إلى الفضاء.و إنّ مسألة انعدام الوزن،هي الّتي تؤدّي بالإنسان إلى اضطرابه بشكل خارق في أثناء السّقوط الحرّ.

و الّذي ينتقل من الإيمان إلى الشّرك و يفقد قاعدته المطمئنّة و أرضه الثّابتة،تبتلي روحه بمثل حالة انعدام الوزن،و يسيطر عليه اضطراب خارق للعادة.

(10:306)

فضل اللّه : وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ لأنّ التّوحيد يمثّل السّموّ الفكريّ الّذي يجعل الإنسان يتّصل بسماوات الرّوح،و يلتقي باللّه الواحد الّذي لا إله غيره،و يشعر بأنّه مهما تحرّك،و إلى أيّ مكان انطلق،و في أيّ موقع وقف،و في أيّ أفق عاش،فسيلتقي باللّه في حركة الفكر و الشّعور و الرّوح و الحياة،حتّى أنّ الأرض لا تتجمّد في المادّة،بل تتحوّل إلى حالة روحيّة تلتقي بالسّرّ المتحرّك الكامن في كلّ مظاهر الحياة في داخلها،النّاطق،أبدا،بعظمة اللّه-سبحانه-المنفتح على عمق الإبداع في ذاته المقدّسة.

و هذا ما يجعل من الشّرك سقوطا فظيعا،من الأعالي الممتدّة في رحاب اللّه،لأنّه يرمي الإنسان في حضيض الوثنيّة المحدودة،الّتي تحجز الذّات في حدود ضيّقة،و تمنع الفكر من الارتفاع و السّموّ،و تنصب له حواجز،فلا يتحرّك إلاّ في أحاسيس اللّذّة و الشّهوة،و ترفع له أكثر من جدار يفقد أمامه فرصة الامتداد في كلّ مجالات الحياة،و تقوده إلى الاختناق داخل الزّوايا المظلمة الّتي لا يصلها النّور القادم من روح اللّه،لأنّ الصّنم يمثّل الجمود و التّحجّر الكامل،و يفتقر إلى المعنى كونه شيئا في المادّة العمياء الميّتة؛إذ الموت هو فقدان الحياة،و ليس عدما كان بداية حياة.و لهذا فإنّ الشّرك يمثّل حالة سقوط للإنسان،كما لو كان في السّماء ثمّ خرّ إلى الأرض،دون أن يملك أيّ موقع للثّبات.(16:64)

4- ...فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ. سبأ:14

لاحظ ب ي ن:«تبيّنت»و ج ن ن:«الجنّ».

5- ...وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ. ص:24

الطّوسيّ: أي رجع إليه بالتّوبة.(8:554)

ابن عطيّة: أي ألقى بنفسه نحو الأرض متضامنا متواضعا،و الرّكوع و السّجود:الانخفاض و التّرامي نحو الأرض،و خصّصتها الشّرائع على هيئات معلومة.و قال قوم:يقال:«خرّ»لمن ركع و إن كان لم ينته إلى الأرض.

(4:501)

حسين بن فضل:سألني عبد اللّه بن طاهر-و هو الوالي-عن قوله سبحانه: وَ خَرَّ راكِعاً هل يقال للرّاكع خرّ؟قلت:لا.قال:فما معنى الآية؟قلت:معناها فخرّ بعد أن كان راكعا،أي سجد.(الثّعلبيّ 8:197)

ص: 546

الشّربينيّ: أي سقط من قيامه،توبة لربّه عن ذلك.

(3:407)

أبو السّعود :أي ساجدا على تسمية السّجود ركوعا،لأنّه مبدؤه،أو خرّ للسجود راكعا أي مصلّيا، كأنّه أحرم بركعتي الاستغفار.(5:357)

الآلوسيّ: أي ساجدا،على أنّ الرّكوع مجاز عن السّجود،لأنّه لإفضائه إليه جعل كالسّبب،ثمّ تجوّز به عنه،أو هو استعارة لمشابهته له في الانحناء و الخضوع، و العرب تقول:نخلة راكعة و نخلة ساجدة.[ثمّ استشهد بشعر].

و قيل:أي خرّ للسّجود راكعا،أي مصلّيا،على أنّ الرّكوع بمعنى الصّلاة لاشتهار التّجوّز به عنها،و تقدير متعلّق ل«خرّ»يدلّ عليه غلبة فحواه،لأنّه بمعنى سقط على الأرض كما في قوله تعالى: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ... النّحل:26.(23:183)

الطّباطبائيّ: و خرّ منحنيا و تاب إليه.

(17:193)

خرّوا

1- وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً...

يوسف:100

لاحظ س ج د:«سجّدا».

2- ..إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا. مريم:58

ابن عبّاس: يسجدون و يبكون من مخافة اللّه.

(257)

الزّجّاج: سُجَّداً حال مقدّرة،المعنى:خرّوا مقدّرين السّجود،لأنّ الإنسان في حال خروره لا يكون ساجدا.(3:335)

الطّبرسيّ: ساجدين للّه.(3:519)

أبو السّعود : ...خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا خبر ل(اولئك)،و يجوز أن يكون الخبر هو الموصول،و هذا استئناف مسوق لبيان خشيتهم من اللّه تعالى،و إخباتهم له مع ما لهم من علوّ الرّتبة و سموّ الطّبقة في شرف النّسب، و كمال النّفس و الزّلفى من اللّه عزّ سلطانه،و سُجَّداً وَ بُكِيًّا حالان من ضمير خرّوا،أي ساجدين باكين.

(4:247)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و قيل:خبر بعد خبر لاسم الإشارة.و قيل:إنّ الكلام انقطع عند قوله تعالى: وَ إِسْرائِيلَ، و قوله سبحانه: وَ مِمَّنْ هَدَيْنا خبر مبتدإ محذوف،و هذه الجملة صفة لذلك المحذوف،أي و ممّن هدينا و اجتبينا قوم إذا تتلى عليهم إلخ،و نقل ذلك عن أبي مسلم...

و ظاهر صنيع بعض المحقّقين اختيار أن يكون الموصول صفة لاسم الإشارة على ما هو الشّائع فيما بعد اسم الإشارة،و هذه الجملة هي الخبر،لأنّ ذلك أمدح لهم،و وجه ذلك ظاهر عند من يعرف حكم الأوصاف و الأخبار.(16:108)

الطّباطبائيّ: يحتمل أن يكون الخرور سُجَّداً وَ بُكِيًّا كناية عن كمال الخضوع و الخشوع،فإن السّجدة ممثّل لكمال الخضوع،و البكاء لكمال الخشوع.و الأنسب على هذا أن يكون المراد:بالآيات و تلاوتها،ذكر مطلق

ص: 547

ما يحكي شأنا من شئونه تعالى.

و أمّا قول القائل:إنّ المراد بتلاوة الآيات:قراءة الكتب السّماويّة مطلقا،أو خصوص ما يشتمل على عذاب الكفّار و المجرمين،أو أنّ المراد بالسّجود:الصّلاة أو سجدة التّلاوة،أو أنّ المراد بالبكاء:البكاء عند استماع الآيات أو تلاوتها،فكما ترى.

فمعنى الآية-و اللّه أعلم-أولئك المنعم عليهم الّذين بعضهم من النّبيّين من ذرّيّة آدم و ممّن حملنا مع نوح، و من ذرّيّة إبراهيم و إسرائيل،و بعضهم من أهل الهداية و الاجتباء خاضعون للرّحمن خاشعون،إذا ذكر عندهم و تليت آياته عليهم.

و لم يقل:كانوا إذا تتلى عليهم«إلخ»لأنّ العناية في المقام متعلّقة ببيان حال النّوع،من غير نظر إلى ماضي الزّمان و مستقبله،بل بتقسيمه إلى سلف صالح،و خلف طالح،و ثالث تاب و آمن و عمل صالحا،و هو ظاهر.(14:77)

3- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... السّجدة:15

ابن عبّاس: أتوا تواضعا.(348)

السّجود هنا بمعنى الرّكوع.(ابن عطيّة 4:361)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:الّذين إذا دعوا إلى الصّلوات الخمس بالأذان أو الإقامة أجابوا إليها.قاله أبو معاذ،لأنّ المنافقين كانوا إذا أقيمت الصّلاة خرجوا من أبواب المساجد.

الثّاني:إذا قرئت عليهم آيات القرآن خضعوا بالسّجود على الأرض طاعة للّه و تصديقا بالقرآن.و كلّ ما سقط على شيء فقد خرّ عليه.[ثمّ استشهد بشعر].

(4:361)

الواحديّ: سقطوا على وجوههم ساجدين.

(3:452)

الفخر الرّازيّ: يعني انقادت أعضاؤه له.

(25:180)

الفيروزآباديّ: فيه تنبيه على اجتماع أمرين:

السّقوط من علو،و حصول الصّوت بالتّسبيح.و قوله من بعد وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ تنبيه على أنّ ذلك الخرير كان تسبيحا بحمد اللّه لا بشيء آخر.

(بصائر ذوي التّمييز 2:531)

الشّربينيّ: أي بادروا إلى السّجود مبادرة من كأنّه سقط من غير قصد،خضعا للّه من شدّة تواضعهم و خشيتهم و إخباتهم،خضوعا ثابتا دائما.(3:208)

أبو السّعود :أثر ذي أثير من غير تردّد و لا تلعثم، فضلا عن التّسويف إلى معاينة ما نطقت به من الوعد و الوعيد،أي سقطوا على وجوههم.(5:203)

نحوه الآلوسيّ.(21:130)

ابن عاشور :أي سجّدا للّه و شكرا له.(21:160)

الطّباطبائيّ: أي سقطوا على الأرض ساجدين للّه تذلّلا و استكانة.(16:262)

مكارم الشّيرازيّ: ...التّعبير ب(خروا)بدل «سجدوا»إشارة إلى نكتة لطيفة،و هي أنّ هؤلاء المؤمنين الأحياء القلوب ينجذبون إلى كلام اللّه لدى

ص: 548

سماعهم آيات القرآن و يهيمون فيها؛بحيث يسجدون لا اراديّا،و يفتقدون أرواحهم و قلوبهم في هذا الطّريق.

نعم،إنّ أوّل خصائص هؤلاء هو العشق الملتهب، و العلاقة الحميمة بكلام محبوبهم و معشوقهم.لقد ذكرت هذه الصّفة و الخاصيّة في بعض آيات القرآن الأخرى كأحد أبرز صفات الأنبياء،كما يقول اللّه سبحانه في شأن جمع من الأنبياء العظام: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58.(13:112)

يخرّون

1- ..إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً. الإسراء:107

2- وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً.

الإسراء:109

الحسن :الأذقان عبارة عن اللّحى،أي يضعونها على الأرض في حال السّجود،و هو غاية التّواضع.

و اللاّم بمعنى«على»،تقول:سقط لفيه،أي على فيه.

(القرطبيّ 10:341)

الزّجّاج: قوله: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً لأنّ الّذي يخرّ و هو قائم يخرّ لوجهه،و الذّقن مجتمع اللّحيين، و هو عضو من أعضاء الوجه،و كما يبتدئ المبتدئ يخرّ فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض الذّقن،و سُجَّداً منصوب على الحال.(3:264)

الواحديّ: كرّر القول،دلالة على تكرّر الفعل منهم.

(3:132)

البغويّ: يسقطون على الأذقان.

أي يقعون على الوجوه.(3:167)

الزّمخشريّ: إن قلت:ما معنى الخرور للذّقن؟

قلت:السّقوط على الوجه،و إنّما ذكر الذّقن و هو مجتمع اللّحيين،لأنّ السّاجد أوّل ما يلقى به الأرض من جهة الذّقن.

فإن قلت:حرف الاستعلاء ظاهر المعنى،إذا قلت:

خرّ على وجهه و على ذقنه،فما معنى اللاّم في خرّ لذقنه و لوجهه؟قال:

*فخر صريعا لليدين و الفم*

قلت:معناه جعل ذقنه و وجهه للخرور و اختصّه به، لأنّ اللاّم للاختصاص.

فإن قلت:لم كرّر يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ الإسراء:

109؟

قلت:لاختلاف الحالين،و هما خرورهم في حال كونهم ساجدين،و خرورهم في حال كونهم باكين.

(2:470)

الفخر الرّازيّ: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً فيه أقوال:

القول الأوّل:[نقل قول الزّجاج].

القول الثّاني:أنّ الأذقان كناية عن اللّحى،و الإنسان إذا بالغ عند السّجود في الخضوع و الخشوع ربّما مسح لحيته على التّراب،فإنّ اللّحية يبالغ في تنظيفها،فإذا عفرها الإنسان بالتّراب،فقد أتى بغاية التّعظيم.

و القول الثّالث:إنّ الإنسان إذا استولى عليه خوف اللّه تعالى،فربّما سقط على الأرض في معرض السّجود كالمغشيّ عليه،و متى كان الأمر كذلك كان خروره على

ص: 549

الذّقن في موضع السّجود،فقوله: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ كناية عن غاية ولهه و خوفه و خشيته.

ثمّ بقي في الآية سؤالان:

السّؤال الأوّل:لم قال: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً و لم يقل:يسجدون؟و الجواب:المقصود من ذكر هذا اللّفظ مسارعتهم إلى ذلك حتّى أنّهم يسقطون.

السّؤال الثّاني:لم قال: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ و لم يقل على الأذقان؟و الجواب:العرب تقول إذا خرّ الرّجل فوقع على وجهه خرّ للذّقن.(21:69)

القرطبيّ: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ هذه مبالغة في صفتهم و مدح لهم.و حقّ لكلّ من توسّم بالعلم و حصل منه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبة،فيخشع عند استماع القرآن و يتواضع و يذلّ.[إلى أن قال:]

قال ابن خويزمنداد:«و لا يجوز السّجود على الذّقن، لأنّ الذّقن هاهنا عبارة عن الوجه،و قد يعبّر بالشّيء عمّا جاوره،و ببعضه عن جميعه،فيقال:خرّ لوجهه ساجدا و إن كان لم يسجد على خدّه و لا عينه».[ثمّ استشهد بشعر](10:341)

البيضاويّ: يسقطون على وجوههم تعظيما لأمر اللّه،أو شكرا لإنجاز وعده في تلك الكتب ببعثة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم على فترة من الرّسل،و إنزال القرآن عليه.

وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ كرّره لاختلاف الحال أو السّبب،فإنّ الأوّل للشّكر عند إنجاز الوعد،و الثّاني لما أثّر فيهم من مواعظ القرآن،حال كونهم باكين من خشية اللّه.و ذكر الذّقن لأنّه أوّل ما يلقى الأرض من وجه السّاجد،و اللاّم فيه لاختصاص الخرور به.(1:600)

نحوه أبو السّعود.(4:162)

أبو حيّان :الخرور:هو السّقوط بسرعة،و منه فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ النّحل:26.

و انتصب(سجدا)على الحال،و السّجود:-و هو وضع الجبهة على الأرض-:هو غاية الخرور و نهاية الخضوع،و أوّل ما يلقى الأرض حالة السّجود الذّقن،أو عبّر عن الوجوه بالأذقان كما يعبّر عن كلّ شيء ببعض ما يلاقيه.[ثمّ استشهد بشعر].

و قيل:أريد حقيقة الأذقان،لأنّ ذلك غاية التّواضع،و كان سجودهم كذلك.[إلى أن قال:]

و نكّر«الخرور»لاختلاف حالي السّجود و البكاء، و جاء التّعبير عن الحالة الأولى بالاسم و عن الحالة الثّانية بالفعل،لأنّ الفعل مشعر بالتّجدّد؛و ذلك أنّ البكاء ناشئ عن التّفكّر،فهم دائما في فكرة و تذكّر فناسب ذكر الفعل؛اذ هو مشعر بالتّجدّد،و لمّا كانت حالة السّجود ليست تتجدّد في كلّ وقت عبّر فيها بالاسم.(6:88)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان ثمّ قال:]

و الظّاهر أنّ هنا خرورا و سجودا على الحقيقة، و قيل:لا شيء من ذلك و إنّما المقصود أنّهم ينقادون لما سمعوا و يخضعون له كمال الانقياد و الخضوع،فأخرج الكلام على سبيل الاستعارة التّمثيليّة.

و فسّر الخرور للأذقان:بالسّقوط على الوجوه، الزّمخشريّ،ثمّ قال:و إنّما ذكر الذّقن لأنّه أوّل ما يلقي السّاجد به الأرض من وجهه.و قيل:فيه نظر لأنّ الأوّل هو الجبهة و الأنف،ثمّ وجّه،بأنّه إذا ابتدأ الخرور فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض هو الذّقن،و كأنّه أريد

ص: 550

أوّل ما يقرب من اللّقاء.

و جوّز أن تبقى الأذقان على حقيقتها،و المراد الا مبالغة في الخشوع،و هو تعفير اللّحى على التّراب،أو أنّه ربّما خرّوا على الذّقن كالمغشيّ عليهم لخشية اللّه تعالى.

و قيل:لعلّ سجودهم كان هكذا غير ما عرفناه،و هو كما ترى.

و قال صاحب«الفرائد»:المراد المبالغة في التّحامل على الجبهة و الأنف حتّى كأنّهم يلصقون الأذقان بالأرض،و هو وجه حسن جدّا.

و اللاّم-على ما نصّ عليه الزّمخشريّ- للاختصاص،و ذكر أنّ المعنى:جعلوا أذقانهم للخرور و اختصّوها به.و معنى هذا الاختصاص على ما في «الكشف»أنّ الخرور لا يتعدّى الأذقان إلى غيرها من الأعضاء المقابلة،و حقّق ذلك بما لا مزيد عليه.

و اعترض القول بالاختصاص بأنّه مخالف لما سبق من قوله:إنّ الذّقن أوّل ما يلقي السّاجد به الأرض.

و أجيب بما أجيب.و تعقّبه الخفّاجيّ:بأنّه مبنيّ على أنّ الاختصاص الّذي تدلّ عليه اللاّم بمعنى الحصر.و ليس كذلك،و إنّما هو بمعنى تعلّق خاصّ،و لو سلّم فمعنى الاختصاص بالذّقن:الاختصاص بجهته و محاذيه،و هي جهة السّفل،و لا شكّ في اختصاصه به؛إذ هو لا يكون لغيره،فمعنى يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يقعون على الأرض عند التّحقيق،و المراد تصوير تلك الحالة،كما في قوله:

*فخرّ صريعا لليدين و للفم*

فتأمّل.[إلى أن قال نحو البيضاويّ في الآية الثّانية](15:189 و 190)

ابن عاشور :الخرور:سقوط الجسم،قال تعالى:

فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ النّحل:26،و قد تقدّم في قوله: وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً الأعراف:143.

و اللاّم في لِلْأَذْقانِ بمعنى«على»كما في قوله تعالى: وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ الصّافّات:103.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصل هذه اللاّم أنّها استعارة تبعيّة.استعير حرف الاختصاص لمعنى الاستعلاء للدّلالة على مزيد التّمكّن كتمكّن الشّيء بما هو مختصّ به.[إلى أن قال:]

و قوله: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ تكرير للجملة باختلاف الحال المقترنة بها،أعيدت الجملة تمهيدا لذكر الحال،و قد يقع التّكرير مع العطف لأجل اختلاف القيود،فتكون تلك المغايرة مصحّحة العطف.

[ثمّ استشهد بشعر]

فالخرور المحكيّ بالجملة الثّانية هو الخرور الأوّل، و إنّما خرّوا خرورا واحدا ساجدين باكين،فذكر مرّتين اهتماما بما صحبه من علامات الخشوع.(14:183)

مغنيّة: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ أي يسجدون على وجوههم،و ذكر السّجود مرّتين لأنّ الأوّل كان تعظيما للّه، و الثّاني لتأثير القرآن في نفوسهم.(5:96)

الطّباطبائيّ: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً تكرار الخرور للأذقان و إضافته إلى البكاء،لإفادة معنى الخضوع،و هو التّذلّل الّذي يكون بالبدن،كما أنّ الجملة الثّانية لإفادة معنى الخشوع،و هو التّذلّل الّذي يكون بالقلب،فمحصّل الآية أنّهم يخضعون

ص: 551

و يخشعون.(13:222)

مكارم الشّيرازيّ: يَخِرُّونَ بمعنى يسقطون على الأرض بدون إرادتهم و بلا وعي،و استخدام هذه الكلمة بدلا من«السّجود»ينطوي علي إشارة لطيفة، هي أنّ الواعين و ذوي القلوب اليقظة يصابون بالإغماء عند ما يسمعون آيات القرآن و كلام الخالق عزّ و جلّ؛ بحيث إنّهم يسقطون على الأرض و يسجدون خشية بدون وعي و اختيار،و هم ممّن يبذل الأرواح و القلوب في هذا الطّريق.

(اذقان:)جمع ذقن،و نحن نعرف أنّه ذقن الإنسان عند السّجود لا تلمس الأرض،إلاّ أنّ تعبير الآية إشارة إلى أنّ هؤلاء يضعون كامل وجههم على الأرض قبال خالقهم،حتّى أنّ ذقنهم و الّذي هو آخر جزء من الوجه قد يلمس الأرض عند السجود،يضعونه على الأرض في محضر عظمة الخالق العظيم.

و بعض المفسّرين احتمل أنّ الإنسان عند سجوده يضع أوّلا جبهته على الأرض،كالشّخص المدهوش عند ما يسقط على الأرض يضع ذقنه أوّلا،و إنّ استخدام هذا التّعبير في الآية هو تأكيد لمعنى يَخِرُّونَ.

الآية الّتي بعدها توضّح قولهم عند ما يسجدون:

وَ يَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً.

هؤلاء يعبّرون بهذا الكلام عن عمق إيمانهم و اعتقادهم باللّه و بصفاته و بوعوده.فهذا الكلام يشمل الإيمان بالتّوحيد و الصّفات الحقّة و الإيمان بنبوّة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و بالمعاد.و الكلام على هذا الأساس يجمع أصول الدّين في جملة واحدة،و للتّأكيد أكثر على تأثّر هؤلاء بآيات ربّهم،و على سجدة الحبّ الّتي يسجدونها،تقول الآية الّتي بعدها: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً.

إنّ تكرار جملة يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ دليل على التّأكيد للاستمرار أيضا.(9:155)

يخرّوا

وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً الفرقان:73

ابن عبّاس: (عليها)على آيات اللّه(صما) لا يسمعون وَ عُمْياناً لا يبصرون،و لكن يسمعون و يبصرون.(305)

مجاهد :في قوله لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً فلا يسمعون،و لا يبصرون،و لا يفقهون حقّا.

(الطّبريّ 9:423)

الحسن :معناه أنّهم إذا ذكّروا بأدلّة اللّه تعالى الّتي نصبها لهم نظروا فيها،و فكّروا في مقتضاها؛و لم يكونوا كالمشركين في ترك التّدبّر لها،حتّى كأنّهم صمّ و عميان عنها.(الطّوسيّ 7:511)

نحوه الطّبرسيّ.(4:181)

كم من قارئ يقرؤها يخرّ عليها أصمّ و أعمى.

(الواحديّ 3:348)

السّدّيّ: لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً هي صفة للكفّار،و هي عبارة عن إعراضهم و جهدهم في ذلك.(أبو حيّان 6:516)

الإمام الصّادق عليه السّلام:[في حديث عن قول اللّه

ص: 552

عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ... قال:]

«مستبصرين،ليسوا شكّاكا».(البحرانيّ 7:200)

ابن زيد :هذا مثل ضربه اللّه لهم،لم يدعوها إلى غيرها،و قرأ قول اللّه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ الأنفال:2.(الطّبريّ 9:423)

الفرّاء: يقال:إذا تلي عليهم القرآن لم يقعدوا على حالهم الأولى كأنّهم لم يسمعوه،فذلك الخرور.و سمعت العرب تقول:قعد يشتمني،و أقبل يشتمني.[ثمّ استشهد بشعر](2:274)

أبو عبيدة :مجازه:لم يقيموا عليها تاركين لها،لم يقبلوها.(2:82)

الأخفش: لم يقيموا.(الماورديّ 4:160)

ابن قتيبة :أي لم يتغافلوا عنها،فكأنّهم صمّ لم يسمعوها،و عمي لم يروها.(315)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و الّذين إذا ذكّرهم مذكّر بحجج اللّه،لم يكونوا صمّا لا يسمعون،و عميا لا يبصرونها.و لكنّهم يقاظ القلوب،فهماء العقول،يفهمون عن اللّه ما يذكّرهم به،و يفهمون عنه ما ينبّههم عليه، فيوعون مواعظه آذانا سمعته،و قلوبا وعته.[إلى أن قال:]

فإن قال قائل:و ما معنى قوله: لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً أو يخرّ الكافرون صمّا و عميانا إذا ذكّروا بآيات اللّه،فينفى عن هؤلاء ما هو صفة للكفّار؟

قيل:نعم،الكافر إذا تليت عليه آيات اللّه خرّ عليها أصمّ و أعمى،و خرّه عليها كذلك إقامته على الكفر، و ذلك نظير قول العرب:سببت فلانا،فقام يبكي،بمعنى فظلّ يبكي،و لا قيام هنالك،و لعلّه أن يكون بكى قاعدا.

و كما يقال:نهيت فلانا عن كذا،فقعد يشتمني،و معنى ذلك:فجعل يشتمني،و ظلّ يشتمني،و لا قعود هنالك، و لكن ذلك قد جرى على ألسن العرب،حتّى قد فهموا معناه.

فكذلك قوله: لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً إنّما معناه:لم يصمّوا عنها،و لا عموا عنها،و لم يصيروا على باب ربّهم صمّا و عميانا.[ثمّ استشهد بشعر]

(9:423)

الزّجّاج: تأويله:إذا تليت عليهم خرّوا سجّدا و بكيّا،سامعين مبصرين لما أمروا به و نهوا عنه.و دليل ذلك قوله: وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

فالتّأويل:و الّذين إذا ذكّروا بآيات ربّهم خرّوا ساجدين مطيعين.(4:77)

النّحّاس: أي لم يتغافلوا عنها و يتركوها،حتّى يكونوا بمنزلة من لا يسمع و لا يبصر.(5:55)

الثّعلبيّ: لم يقعوا و لم يسقطوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً كأنّهم صمّ عمي،بل يسمعون ما يذكرون به فيفهمونه،و يرون الحقّ فيه فيتّبعونه.(7:152)

مثله البغويّ.(3:459)

الماورديّ: يعني سمعوا الوعظ فلم يصمّوا عنه، و أبصروا الرّشد فلم يعموا عنه،بخلاف من أصمّه الشّرك عن الوعظ،و أعماه الضّلال عن الرّشد.(4:160)

الطّوسيّ: [نقل قول الحسن و أضاف:]

ص: 553

و قيل:معناه:يخرّون سجّدا و بكيّا،سامعين للّه مطيعين.[ثمّ استشهد بشعر](7:511)

الواحديّ: يقول:لم يقعوا عليها صمّا لم يسمعوها و عميا لم يبصروها،و لكنّهم سمعوا و أبصروا و انتفعوا بها.

(3:348)

الزّمخشري: لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها ليس بنفي للخرور،و إنّما هو إثبات له و نفي للصّمم و العمى،كما تقول:«لا يلقاني زيد مسلّما»هو نفي للسّلام لا للّقاء، و المعنى:أنّهم إذا ذكّروا بها أكبّوا عليها حرصا على استماعها،و أقبلوا على المذكّر بها،و هم في إكبابهم عليها سامعون بآذان واعية،مبصرون بعيون راعية،لا كالّذين يذكّرون بها فتراهم مكبّين عليها مقبلين على من يذكّر بها،مظهرين الحرص الشّديد على استماعها،و هم كالصّمّ العميان؛حيث لا يعونها و لا يتبصّرون ما فيها، كالمنافقين و أشباههم.(3:102)

ابن عطيّة: يحتمل تأويلين:

أحدهما أن يكون المعنى لم يكن خرورهم بهذه الصّفة بل يكون سجّدا و بكيّا،و هذا كما تقول:لم يخرج زيد للحرب جزعا،أي إنّما خرج جريئا مقدما.و كأنّ الّذي يخرّ أصمّ و أعمى هو المنافق،أو الشّاكّ.

و التّأويل الثّاني[نقل خلاصة كلام الطّبريّ و قال:]

و كأنّ المستمع للذّكر قائم القناة قويم الأمر،فإذا أعرض و ضلّ كان ذلك خرورا،و هو السّقوط على غير نظام و لا ترتيب،و إن كان قد شبّه به الّذي يخرّ ساجدا، و لكن أصله أنّه على غير ترتيب.(4:222)

القرطبيّ: [نقل خلاصة قول الطّبريّ و ابن عطيّة و أضاف:]

و قيل:أي إذا تليت عليهم آيات اللّه وجلت قلوبهم فخرّوا سجّدا و بكيّا،و لم يخرّوا عليها صمّا و عميانا.

(13:81)

البيضاويّ: لم يقيموا عليها غير واعين لها و لا متبصّرين بما فيها،كمن لا يسمع و لا يبصر،بل أكبّوا عليها سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية.

فالمراد من النّفي نفي الحال دون الفعل،كقولك:«لا يلقاني زيد مسلّما».

و قيل الهاء للمعاصي المدلول عليها باللّغو.

(2:151)

نحوه الشّربينيّ.(2:376)

النّسفيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

دليله قوله تعالى: وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58.

(3:176)

أبو حيّان :النّفي متوجّه إلى القيد الّذي هم صمّ و عميان لا للخرور الدّاخل عليه،و هذا الأكثر في لسان العرب أنّ النّفي يتسلّط على القيد.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](6:516)

أبو السّعود :أي أكبّوا عليها سامعين بآذان واعية مجتلين لها بعيون راعية.و إنّما عبّر عن ذلك بنفي الضّدّ تعريضا بما يفعله الكفرة و المنافقون.و قيل:الضّمير للمعاصي المدلول عليها باللّغو.(5:27)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان ملخّصا،و أبي السّعود و أضاف:]

ص: 554

و الخرور:السّقوط على غير نظام و ترتيب،و في التّعبير به مبالغة في تأثير التّذكير بهم.

و قيل:ضمير(عليها)للمعاصي المدلول عليها باللّغو،و المعنى إذا ذكّروا بآيات ربّهم المتضمّنة للنّهي عن المعاصي و التّخويف لمرتكبها لم يفعلوها،و لم يكونوا كمن لا يسمع و لا يبصر،و هو كما ترى.(19:52)

نحوه المراغيّ.(19:41)

ابن عاشور :أريد تمييز المؤمنين بمخالفة حالة هي من حالات المشركين،و تلك هي حالة سماعهم دعوة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و ما تشتمل عليه من آيات القرآن،و طلب النّظر في دلائل الوحدانيّة،فلذلك جيء بالصّلة منفيّة لتحصيل الثّناء عليهم،مع التّعريض بتفظيع حال المشركين،فإنّ المشركين إذا ذكّروا بآيات اللّه خرّوا صمّا و عميانا كحال من لا يحبّ أن يرى شيئا فيجعل وجهه على الأرض،فاستعير الخرور لشدّة الكراهيّة و التّباعد؛بحيث إنّ حالهم عند سماع القرآن كحال الّذي يخرّ إلى الأرض لئلاّ يرى ما يكره؛بحيث لم يبق له شيء من التّقوّم و النّهوض،فتلك حالة هي غاية في نفي إمكان القبول.

و منه استعارة القعود للتّخلّف عن القتال،و في عكس ذلك يستعار الإقبال و التّلقّي و القيام للاهتمام بالأمر و العناية به.

و يجوز أن يكون الخرور واقعا منهم أو من بعضهم حقيقة،لأنّهم يكونون جلوسا في مجتمعاتهم و نواديهم، فإذا دعاهم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله إلى الإسلام طأطئوا رءوسهم و قرّبوها من الأرض،لأنّ ذلك للقاعد يقوم مقام الفرار، أو ستر الوجه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قريب من هذا المعنى قوله تعالى حكاية في سورة نوح:7، وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً، و تقدّم الخرور الحقيقيّ في قوله تعالى:

يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً في سورة الإسراء 107، و قوله فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ النّحل:26، و قوله: وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً في الأعراف 143.

و صُمًّا وَ عُمْياناً حالان من ضمير يَخِرُّوا، مراد بهما التّشبيه بحذف حرف التّشبيه،أي يخرّون كالصّمّ و العميان في عدم الانتفاع بالمسموع من الآيات و المبصر منها ممّا يذكّرون به.فالنّفي على هذا منصبّ إلى الفعل و إلى قيده،و هو استعمال كثير في الكلام.و هذا الوجه أوجه.

و يجوز أن يكون توجّه النّفي إلى القيد،كما هو استعمال غالب،و هو مختار صاحب«الكشّاف»،فالمعنى:

لم يخرّوا عليها في حالة كالصّمم و العمى،و لكنّهم يخرّون عليها سامعين مبصرين،فيكون الخرور مستعارا للحرص على العمل بشراشر القلب،كما يقال:أكبّ على كذا،أي صرف جهده فيه،فيكون التّعريض بالمشركين في أنّهم يصمّون و يعمون عن الآيات،و مع ذلك يخرّون على تلقّيها تظاهرا منهم بالحرص على ذلك.

و هذا الوجه ضعيف لأنّه إنّما يليق لو كان المعرّض بهم منافقين،و كيف و السّورة مكّيّة،فأمّا المشركون فكانوا يعرضون عن تلقّي الدّعوة علنا،قال تعالى:

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ فصّلت:26،و قال: وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي

ص: 555

أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5.(19:99)

مغنيّة:الشّاعر يصغي إلى الشّعر،و يتذوّقه،و يقبل عليه بكلّه،و هكذا كلّ صاحب مهنة إذا حدّثته بمهنته و اختصاصه،فإنّه يقبل عليك بقلبه و سمعه و بصره،و إذا حدّثت إنسانا بما هو بعيد عنه،و لا يمت إلى مهنته بصلة تحوّل عنك و عن حديثك،و إن كان هدى و نورا.

و بهذا يتبيّن لك السّرّ في إقبال المؤمن على القرآن، و إدبار الكافر عنه،يقبل المؤمن على كتاب اللّه،لأنّه يؤمن به،و يدرك معناه و مرماه،و يجد فيه نفسه و عقيدته و صالح أعماله،و ما أعدّ اللّه له من الأجر و الثّواب.و يدبر الكافر عن كتاب اللّه،لأنّه يجحده،و يجهل أهدافه و أسراره،و لا يجد فيه إلاّ الذّمّ و التّنديد به،و بعقيدته و صفاته،و إلاّ التّهديد على كفره و فساده.(5:483)

الطّباطبائيّ: الخرور على الأرض:السّقوط عليها،و كأنّها في الآية كناية عن لزوم الشّيء و الانكباب عليه.

و المعنى:و الّذين إذا ذكّروا بآيات ربّهم من حكمة أو موعظة حسنة،من قرآن أو وحي لم يسقطوا عليه،و هم صمّ لا يسمعون،و عميان لا يبصرون،بل تفكّروا فيها و تعقلوها،فأخذوا بها عن بصيرة،فآمنوا بحكمتها و اتّعظوا بموعظتها،و كانوا على بصيرة من أمرهم و بيّنة من ربّهم.(15:244)

مكارم الشّيرازيّ: الصّفة العاشرة لهذه النّخبة من (عباد الرّحمن)امتلاك العين الباصرة و الأذن السّامعة، حين اللّقاء بآيات الخالق،فيقول تعالى: وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً.

من المسلّم أنّ المقصود ليس الإشارة إلى عمل الكفّار،ذلك لأنّهم لا اعتناء لهم بآيات اللّه أصلا،بل إنّ المقصود:فئة المنافقين أو مسلمو الظّاهر،الّذين يقعون على آيات اللّه بأعين و آذان موصدة،دون أن يتدبّروا حقائقها و يسبروا غورها،فيعرفوا ما يريده اللّه و يتفكّروا فيه،و يستهدوه في أعمالهم.

لا يمكن طيّ طريق اللّه بعين و أذن موصدتين، فالأذن السّامعة و العين الباصرة لازمتان لطيّ هذا الطّريق،العين النّاظرة في الباطن،المتعمّقة في الأشياء، و الأذن المرهفة العارفة بلطائف الحكمة.

و لو تأمّلنا جيّدا لأدركنا أنّ ضرر هذه الفئة ذات الأعين[و]الآذان الموصدة-و في ظنّها أنّها تتّبع الآيات الإلهيّة-ليس أقلّ من ضرر الأعداء الواعين الّذين يطعنون بأصل شريعة الحقّ،بل إنّ ضررهم أكثر بمراتب أحيانا.

التّلقّي الواعي عن الدّين هو المعين الأساس للمقاومة و الثّبات و الصّمود،و بعكسه،فمن الممكن أن تنخدع حواسّ أتباع الدّين،و بتحريفه يتمّ الانحراف عن الخطّ الأصيل،فيهوي بهم ذلك إلى وادي الكفر و الضّلالة و عدم الإيمان.

هذا النّوع من الأفراد أداة بيد الأعداء،و لقمة سائغة للشّياطين،المؤمنون وحدهم هم المتدبّرون المبصرون السّامعون كمثل الجبل الرّاسخ،فلا يكونون لعبة بيد هذا أو ذاك.

نقرأ في حديث عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه

ص: 556

عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً، قال:

«مستبصرين ليسوا بشكّاك».(11:283)

فضل اللّه : لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً كما يفعل الّذين لا يسمعون إذا قرئ القرآن عليهم،أو الّذين لا يبصرون إذا قدّم إليهم القرآن ليقرءوه.و هكذا يتحرّك المؤمن في مصادر المعرفة ليوجّه إليها كلّ عقله و شعوره،ليبني شخصيّته من خلالها،على أساس العلم و الإيمان،و ليهتدي بها إلى مواقع الهدى،لأنّ المعرفة عنده مسئوليّة،و ليست مجرّد حالة طارئة في حركة الحياة من حوله.(17:80)

تخرّ

تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. مريم:90

ابن عبّاس: تسير الجبال.(259)

الطّبريّ: يقول:و تكاد الجبال يسقط بعضها على بعض سقوطا.و الهدّ:السّقوط،و هو مصدر هددت،فأنا أهدّ هدّا.(8:383)

الواحديّ: تسقط الجبال و تكسر كسرا.

(3:196)

البغويّ: أي تنطبق عليهم.(3:252)

مثله أبو حيّان.(6:219)

الزّمخشريّ: إن قلت:ما معنى انفطار السّماوات و انشقاق الأرض و خرور الجبال،و من أين تؤثّر هذه الكلمة في الجمادات؟

قلت:فيه وجهان:

أحدهما:أنّ اللّه سبحانه يقول:كدت أفعل هذا بالسّماوات و الأرض و الجبال عند وجود هذه الكلمة، غضبا منّي على من تفوّه بها،لو لا حلمي و و قاري،و إنّي لا أعجل بالعقوبة،كما قال: إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً فاطر:41.

و الثّاني:أن يكون استعظاما للكلمة و تهويلا من فظاعتها و تصويرا لأثرها في الدّين و هدمها لأركانه و قاعده،و أنّ مثال ذلك الأثر في المحسوسات أن يصيب هذه الأجرام العظيمة الّتي هي قوام العالم ما تنفطر منه و تنشقّ و تخرّ.(2:525)

نحوه المراغيّ ملخّصا.(16:86)

الطّبرسيّ: أي كادت الجبال تسقط.(3:532)

الفخر الرّازيّ: أي تهدّ هدّا أو مهدودة،أو مفعول له أي لأنّها تهدّ،و المعنى:أنّها تتساقط أشدّ ما يكون تساقط البعض على البعض.[إلى أن قال:]

و ثالثها:أنّ السّماوات و الأرض و الجبال تكاد أن تفعل ذلك لو كانت تعقل من غلظ هذا القول.و هذا تأويل أبي مسلم.

و رابعها:أنّ السّماوات و الأرض و الجبال كانت سليمة من كلّ العيوب،فلمّا تكلّم بنو آدم بهذا القول ظهرت العيوب فيها.(21:254)

الشّربينيّ: أي تسقط و تنطبق عليهم.[ثمّ قال نحو الفخر الرّازيّ](2:446)

أبو السّعود :أي تسقط و تتهدّم،و قوله تعالى:

ص: 557

(هدا)مصدر مؤكّد لمحذوف هو حال من الجبال،أي تهدّ هدّا،أو مصدر من المبنيّ للمفعول مؤكّد ل تَخِرُّ على غير المصدر،لأنّه حينئذ بمعنى التّهدّم و الخرور،كأنّه قيل:و تخرّ الجبال خرورا،أو مصدر بمعنى المفعول منصوب على الحاليّة،أي مهدودة،أو مفعول له أي لأنّها تهدّ،و هذا تقرير لكونه إدّا.

و المعنى أنّ هول تلك الكلمة الشّنعاء و عظمها؛بحيث لو تصوّرت بصورة محسوسة لم تطق بها هاتيك الأجرام العظام و تفتّتت من شدّتها،أو أنّ فظاعتها في استجلاب الغضب و استيجاب السّخط بحيث لو لا حلمه تعالى لخرّب العالم و بدّدت قوائمه غضبا على من تفوّه بها.

(4:260)

لاحظ ه د د:«هدّا».

الآلوسيّ: (هدا)نصب على أنّه مفعول مطلق ل تَخِرُّ لأنّه بمعنى«تنهدّ»كما أشرنا إليه،و إليه ذهب ابن النّحاس.

و جوّز أن يكون مفعولا مطلقا لتنهدّ مقدّرا،و الجملة في موضع الحال.و قيل:هو مصدر بمعنى المفعول منصوب على الحال من«هدّ»المتعدّي،أي مهدودة.

و جوّز أن يكون مفعولا له،أي لأنّها تنهدّ،على أنّه من«هدّ»اللاّزم،بمعنى انهدم،و مجيئه لازما ممّا صرّح به أبو حيّان و هو إمام اللّغة و النّحو،فلا عبرة بمن أنكره.

و حينئذ يكون«الهدّ»من فعل الجبال فيتّحد فاعل المصدر و الفعل المعلّل به.و قيل:إنّه ليس من فعلها،لكنّها إذا هدّها أحد يحصل لها الهدّ،فصحّ أن يكون مفعولا له.

و في الكلام تقرير لكون ذلك إدّا،و الكيدودة فيه على ظاهرها من مقاربة الشّيء.

و فسّرها الأخفش هنا،و في قوله تعالى: أَكادُ أُخْفِيها طه:15،بالإرادة.[ثمّ استشهد بشعر]

و المعنى أنّ هول تلك الكلمة الشّنعاء و عظمها بحيث لو تصوّر بصورة محسوسة لم تتحمّلها هذه الأجرام العظام،و تفرّقت أجزاؤها من شدّتها،أو أنّ حقّ تلك الكلمة لو فهمتها تلك الجمادات العظام أن تتفطّر و تنشقّ و تخرّ من فظاعتها.

و قيل:المعنى كادت القيامة أن تقوم،فإنّ هذه الأشياء تكون حقيقة يوم القيامة.

و قيل:الكلام كناية عن غضب اللّه تعالى على قائل تلك الكلمة،و أنّه لو لا حلمه سبحانه و تعالى لوقع ذلك و هلك القائل و غيره،أي كدت أفعل ذلك غضبا لو لا حلمي.

عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،قال:إنّ الشّرك فزعت منه السّماوات و الأرض و الجبال و جميع الخلائق إلاّ الثّقلين،و كدن أن يزلن منه تعظيما للّه تعالى،و فيه إثبات فهم لتلك الأجرام و الأجسام لائق بهنّ،و قد تقدّم ما يتعلّق بذلك.

و في«الدّرّ المنثور»عن ابن مسعود قال:إنّ الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان،هل مرّ بك اليوم أحد ذاكرا للّه تعالى؟فإذا قال:نعم استبشر.قال عون:أ فلا يسمعن الزّور إذا قيل:و لا يسمعن الخير هنّ للخير أسمع.و قرأ (و قالوا) الآيات انتهى،و هو ظاهر في الفهم.

و قال ابن المنير:يظهر لي في الآية معنى لم أره لغيري؛ و ذلك أنّ اللّه سبحانه و تعالى قد استعار لدلالة هذه

ص: 558

الأجرام على وجوده عزّ و جلّ موصوفا بصفات الكمال الواجبة له سبحانه،أن جعلها مسبّحة بحمده،قال تعالى:

تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44،و ممّا دلّت عليه السّماوات و الأرض و الجبال بل و كلّ ذرّة من ذرّاتها أنّ اللّه تعالى مقدّس عن نسبة الولد إليه:

و في كلّ شيء له آية تدلّ على أنّه واحد

فالمعتقد نسبة الولد إليه عزّ و جلّ قد عطّل دلالة هذه الموجودات على تنزيه اللّه تعالى و تقديسه،فاستعير لإبطال ما فيها من روح الدّلالة-الّتي خلقت لأجلها- إبطال صورها بالهدّ و الانفطار و الانشقاق،انتهى.

و اعترض عليه بأنّ الموجودات إنّما تدلّ على خالق قادر عالم حكيم،لدلالة الأثر على المؤثّر و القدرة على المقدور،و إتقان العمل يدلّ على العلم و الحكمة.و أمّا دلالتها على الوحدانيّة فلا وجه له و لا يثبت مثله بالشّعر.و ردّ بأنّها لو لم تدلّ جاء حديث التّمانع،كما حقّقه المولى الخياليّ في حواشيه على شرح«عقائد النّسفيّ»للعلاّمة الثّاني.

و قال بعضهم:إنّها تدلّ على عظم شأنه تعالى،و إنّه لا يشابهه و لا يدانيه شيء،فلزم أن لا يكون له شريك و لا ولد،لأنّه لو كان كذلك لكان نظيرا[له]عزّ و جلّ، و لذا عبّر عن هذه الدّلالة بالتّسبيح و التّنزيه.

و لعلّ ما أشرنا إليه أولى و أدقّ،و ليس مراد من نسب الولد إليه عزّ و جلّ إلاّ الشّرك فتأمّل.

و الجمهور على أنّ الكلام لبيان بشاعة تلك الكلمة، على معنى أنّها لو فهمتها الجمادات لاستعظمتها و تفتّتت من بشاعتها،و نحو هذا مهيّع للعرب،[ثمّ استشهد بشعر]

و هو نوع من المبالغة،و يقبل إذا اقترن بنحو«كاد» كما في الآية الكريمة،و قد بيّن ذلك في محلّه.

(16:140)

ابن عاشور :الهدّ:هدم البناء،و انتصب(هدا) على المفعوليّة المطلقة لبيان نوع الخرور،أي سقوط الهدم، و هو أن يتساقط شظايا و قطعا.(16:85)

الطّباطبائيّ: الآيات في مقام إعظام الذّنب و إكبار تبعته بتمثيله بالمحسوس.يقول:لقد أتيتم بقولكم هذا أمرا منكرا فظيعا،تكاد السّماوات يتفطّرن و ينشققن منه،

و تنشقّ الأرض و تسقط الجبال على السّهل،سقوط انهدام أن دعوا للرّحمن ولدا.(14:111)

مكارم الشّيرازيّ: لمّا كانت مثل هذه النّسبة غير الصّحيحة[نسبة الولد إلى اللّه]مخالفة لأصل التّوحيد، لأنّ اللّه سبحانه لا شبيه له و لا مثيل،و لا حاجة له إلى الولد،و لا هو جسم و لا تعرض عليه العوارض الجسميّة،فكأنّ كلّ عالم الوجود،الّذي بني على أساس التّوحيد،قد اضطرب و تصدّع إثر هذه النّسبة الكاذبة، و لذلك تضيف الآية التّالية: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (9:450)

فضل اللّه :فتسقط و تنهدم.(15:80)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: «خرّ»على وجهين:سقط،سجد.

فوجه منها:خرّ،أي سقط،قوله في سورة النّحل:26 فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ يعني سقط عليهم السّقف.

ص: 559

و الوجه الثّاني:خرّ،أي سجد،قوله في سورة بني إسرائيل:109: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ يعني يسجدون،كقوله في ص:24: وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ يعني سجد،كقوله في مريم:58: خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا أي سجدوا للّه.(316)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخرير،و هو صوت الماء في انحداره.يقال:خرّ يخرّ و يخرّ خرّا و خريرا،أي هوى من علوّ إلى أسفل فهو خارّ،و الخرير:حفيف العقاب، و الفعل كالفعل.

و الخرّارة:عين الماء الجارية،سمّيت خرّارة لخرير مائها،و هو صوته،يقال:عين خرّارة،و الخرّارة:

خذروف الصّبيّ الّتي يديرها،و هو حكاية صوتها:

خرخر،و الخرّارة أيضا:طائر أعظم من الصّرد و أغلظ، على التّشبيه بذلك في الصّوت؛و الجمع:خرار.

و خرّ الحجر يخرّ خرورا:صوّت و تدهدى في انحداره،و خرّ البناء:سقط،و خرّ الرّجل و غيره من الجبل خرورا:سقط،و خرّ لوجهه يخرّ خرورا:وقع،و خرّ للّه ساجدا يخرّ خرورا:سقط،و خرّ الميّت يخرّ خريرا:سقط فهو خارّ.

و الخرّ من الرّحى:اللّهوة،و هو الموضع الّذي تلقي فيه الحنطة بيدك،كالخرّيّ.قال ابن فارس:«و هو قياس الباب،لأنّ الحبّ يخرّ فيه».و خرّ الأذن:ثقبها،تشبيها بذلك.

و خرّ الرّجل في نومه:غطّ،و كذلك الهرّة و النّمر، و هي الخرخرة،و هرّة خرور:كثيرة الخرير في نومها.

يقال:للهرّة خرور في نومها.

و من المجاز:رجل خارّ:عاثر بعد استقامة،و الخارّ:

الّذي يهجم عليك من مكان لا تعرفه،يقال:خرّ علينا ناس من بني فلان،و خرّ القوم:جاءوا من بلد إلى آخر، و هم الخرّار و الخرّارة،و خرّوا:مرّوا،و خرّ النّاس من البادية في الجدب:أتوا.

2-و الخرير و الخرخرة متقاربان،يقال:خرّ النّائم و المختنق عند النّوم و خرخر،أي صات،و كذلك الهرّة و النّمر،و الخرخرة:سرعة الخرير في القصب و نحوها، و الخرخر:صوت الماء و الرّيح.و هذا ما حمل ابن فارس على التّلفيق بينهما؛حيث جمعهما في أصل واحد،و كان الأحرى به أن يلحق(فعلل)بباب«ما جاء على أكثر من ثلاثة أحرف».

و لا يكاد يلحظ في اللّغات السّامية إلاّ الرّباعيّ من هذا الحرف؛إذ ورد لفظ«خرخر»مثلا في العبريّة بمعنى الثّقب،و الحفرة،و لهوة الرّحى.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها الماضي 8 مرّات،و المضارع 4 مرّات،في 12 آية:

1- ...فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً... الأعراف:143

2- ...فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ سبأ:14

3- ...وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ

ص: 560

راكِعاً وَ أَنابَ ص:24

4- وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً... يوسف:100

5- ...إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58

6- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً... السّجدة:15

7- فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ النّحل:26

8- وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ

الحجّ:31

9- وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً الفرقان:73

10- ...إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً الإسراء:107

11- وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً الإسراء:107

12- تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا مريم:90

يلاحظ أوّلا:أنّ الخرور جاء في محورين رئيسيين:

الخرور جاء في محورين رئيسيين:
المحور الأوّل:خرور الإنسان،و كلّها مدح:
أ-خرور الأنبياء في(1-4)،و فيه بحوث:

1-كان خرور موسى بالصّعقة في(1): وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً، و خرور سليمان بالموت في(2): فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ، و لم يكن باختيارهما،كما في خرور داود في(3): وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ؛ إذ خرّ للّه منقادا، و خرور أبوي يوسف و إخوته له احتراما في(4):

وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً

2-لم يذكر حال الخرور في(2) فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ كما في أغلب الآيات للعلم به،و تقديره:ساقطا أو واقعا،و لا يجوز أن يقال:ميّتا،لأنّه قبض منذ سنة قبل خروره.

3-تكلّف بعض في معنى راكِعاً في(3)،فجعله بمعنى السّجود مجازا،و لا ضرورة لذلك،لأنّ الخرور-كما تقدّم-هويّ من علو إلى سفل،و هو يتحقّق في الرّكوع.

و المعنى-و اللّه أعلم-خرّ خاضعا عابدا؛إذ كانت العرب في الجاهليّة تسمّي الحنيف راكعا إذا لم يعبد الأوثان، و تقول:ركع إلى اللّه،انظر ر ك ع:«راكعا».

ب-خرور المؤمنين في(5،6،9،10،11)،

و فيه بحوث:

1-جاء الخرور جوابا للشّرط في(5 و 6 و 9 و 10)، و فعله تلاوة الآيات في(5): إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا و في(10): إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً، و تذكيرها في(6): إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً، و في(9): وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً. كما جاءت(11)عطفا على ما سبقها دون شرط:

وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ.

2-جاء الخرور في آيتي الإسراء(10 و 11)فعلا

ص: 561

مضارعا مقرونا بالأذقان:جمع ذقن: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ، و قد ذكروا أقوالا كثيرة فيهما،و أقربها أنّ اللاّم هنا بمعنى«على»،أي يسقطون على الأذقان،و هو كقولهم:خرّ لوجهه يخرّ خرورا:وقع،و نظيره:سقط لفيه، أي على فيه.

3-يظهر من سياق(9)أنّه مدح للمؤمنين و تعريض للمشركين،فالمدح أنّ المؤمنين كانوا إذا ذكّروا بآيات اللّه،خرّوا عليها مستبصرين مستيقنين، و التّعريض أنّ المشركين كانوا إذا ذكّروا بها،خرّوا عليها صمّا و عميانا.و بيّن هنا صفة المؤمنين بصفة المشركين، و هو كقوله تعالى: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ النّساء:

11،فعلم حظّ الذّكر من الميراث-و هو ضعف الأنثى- بقوله: حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.

ج-خرور المشركين في(8): فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ، و فيه بحثان:

1-شبّه المشرك بالسّاقط من السّماء،فتخطّفته الطّير،أو هوت به الرّيح في مهواة عميقة،و هذا ما يطلق عليه في البلاغة بالتّشبيه المركّب،أي أنّ المشرك ألقى نفسه في المهالك بشركه باللّه.

و جوّز الزّمخشريّ أن يكون من التّشبيه المفرّق، فشبّه الإيمان بالسّماء،و الشّرك بالسقوط منها،و أهواء الشّرك بالطّير،و الشّيطان بالرّيح.و لكن شبّه الكفر في القرآن بالتّصعّد إلى السّماء و ليس السّقوط منها،و هو قوله: وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ الأنعام:125،و هو من التّشبيه التّمثيليّ.

2-إن قيل:أ ليس قوله: أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ تكرارا لقوله: خَرَّ مِنَ السَّماءِ، إذ كلاهما سقوط؟

يقال:كلاّ لأنّ الخرور من فعل المشرك لشركه، و الهويّ من فعل الرّيح لبيان حال خروره،فكأنّه-و اللّه أعلم-قال:خرّ من السّماء مهويّا به في مكان سحيق.ثمّ إنّ الهويّ أعقب الخرور،لأنّه يعني الهلاك أيضا،فالخرور دونه رتبة،كالتّبسّم و الضّحك في قوله: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها النّمل:19،أو لعلّ الهويّ تأكيد للخرور.

المحور الثّاني:خرور الجماد،و كلّها ذمّ:
أ-خرور السّقف في(7): فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ، و فيه بحثان:

1-تشير قواعد البناء إلى التّحتيّة،كما يشير لفظ (فوقهم)إلى الفوقيّة،و هما يدلاّن على شمول العذاب و إحاطته،و هذا كقوله تعالى: يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ العنكبوت:55،و كلتا الآيتين تحذير للمشركين من أهل مكّة؛إذ خرور السّقف على نمرود و أصحابه مثل و عبرة لهم،و هو تهديد غير مباشر،و غشيان العذاب تهديد مباشر لهم.

2-تمحّل بعض في(عليهم)و مِنْ فَوْقِهِمْ، فقيل:لا تتعلّق«على»بالفعل«خرّ»،لأنّه لا يتعدّى بها، و إنّما هي للتّعليل بمعنى«عن».و تفيد مِنْ فَوْقِهِمْ أنّ السّقف قد خرّ عليهم و هم تحته.

و لا يستبعد أن تتعلّق«على»ب«خرّ»،لأنّه بمعنى سقط،فيتعدّى بها و يتضمّن معناه.أو أنّها تتعلّق بحال

ص: 562

محذوف،و تقديره:فخرّ مطبقا عليهم السّقف.

و أجاب الآلوسيّ عمّا قيل في مِنْ فَوْقِهِمْ قائلا:

«و لا يخفى أنّه تطويل من غير طائل،بل كلام لا ينبغي أن يتفوّه به فاضل».

ب-خرور الجبال في(12): وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا، و فيه بحوث:

1-يدلّ انفطار السّماوات و انشقاق الأرض و خرور الجبال من نسبة الولد إلى اللّه تعالى،على عتوّ الكافر و طغيانه؛إذ ينبغي أن ينفطر قلبه،و تنشقّ مرارته،و يخرّ صعقا،لأنّه مخلوق ذو شعور،فكيف لا يتأثّر بما قال و تأثّر الجماد بذلك؟!نعوذ باللّه من قلب لا يخشع،و إنسان لا يسجد و لا يركع.

2-يعني الخرور هنا السّقوط فحسب،كما في سائر الآيات،و جاء هَدًّا حالا لوصف خرور«الجبال»، أي تسقط الجبال متهدّمة متكسّرة،و هذا كقولهم:سقط الرّجل ميّتا.فلا عبرة بقول من جعل هَدًّا مفعولا مطلقا لفعل محذوف،أو للفعل«خرّ».و من جعله بمعنى المفعول،أو المفعول له،و غيرها من الأقوال الّتي لا طائل تحتها.

3-مثّل اتّخاذ الولد بتفطّر السّماوات،و انشقاق الأرض،و خرور الجبال،و هو تمثيل بالمحسوس،و يطلق عليه في البلاغة التّشبيه التّمثيليّ،أو تشبيه شيء بثلاثة أشياء.

و قد جاءت هذه المعاني متّسقة منتظمة،حسنة الإيقاع،كثيرة الاتّساع،ظاهرة الالتئام،عذبة الانسجام.

و يلاحظ ثانيا:هذه الآيات و السّور كلّها مكّيّة سوى سورة الحجّ ففيها خلاف-لاحظ المدخل-و لكن مجيء هذه المادّة فيها،ربّما يؤيّد كونها مكّيّة أيضا؛إذ تستشعر منها أنّ هذه المادّة كانت مكّيّة،فلاحظ.

و ثالثا:استعمل الوقوع بمعنى الخرور مرّتين في خلق آدم عليه السّلام: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ الحجر:29 و ص:72،و استعملت سائر آياته في الشّيطان و فيما لا يعقل.

غير أنّ بينهما فرقا،ففي الخرور عموم و خصوص من وجه،فهو وقع يصحبه صوت،لأنّه مشتقّ من الخرير، و هو صوت الماء في انحداره،كما تقدّم آنفا.و هذا ما يلحظ في جميع الآيات دون استثناء؛إذ يستشفّ صرخة موسى عليه السّلام حين خروره من أثر الصّعقة في(1)، و صوت ارتطام جسد سليمان عليه السّلام في(2)،و جأر داود عليه السّلام مستغفرا في(3)،و صوت تسبيح يعقوب عليه السّلام و أبنائه في(4)،و تسبيح المؤمنين و بكائهم في(5،6،9،10،11)،و صوت ارتطام السّقف في(7)،و صراخ المشرك في(8)،و ارتطام الجبال في (12).

ص: 563

ص: 564

خ ر ص

اشارة

3 ألفاظ،5 مرّات،في 4 سور مكّيّة

يخرصون 3:3 الخرّاصون 1:1

تخرصون 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخرص:الكذب،و الخرّاصون في قوله جلّ و عزّ: قُتِلَ الْخَرّاصُونَ الذّاريات:10،الكذّابون، و يخرصون:يكذبون.

و الخرص:الحزر في العدد و الكيل،و الخارص:

يخرص ما على النّخلة،ثمّ يقسم الخراج على ذلك.

و الخريص:شبه حوض واسع ينبثق فيه الماء من نهر،ثمّ يعود إلى النّهر،و الخريص ممتلئ.

و الخرص:القرط بحبّة واحدة في حلقة واحدة؛ و الجميع:خرصة.

و الخرص من الرّماح:رمح قصير يتّخذ من خشب منحوت،و قد يقال لدقاق القناة و قصارها:خرصان؛ و الواحد:خرص.[ثمّ استشهد بالشعر مرّتين]

و الخرص:العود.

و الخرص:الّذي به جوع و برد.(4:183)

اللّيث:و قال بعضهم:الخرص:أسقية مبرّدة تبرّد الشّراب.(الأزهريّ 7:133)

سيبويه :و تقول:خرصه خرصا،و ما خرصه؟أي ما قدره.و كذلك الكيلة.(4:42)

ابن شميّل: الخرص:الرّمح اللّطيف؛و جمعه خرصان.و الخرصان:أصلها القضبان.

(الأزهريّ 7:131)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخريص:جندل ينضّد بعضه على بعض ليحبس الماء،قد خرص بنو فلان فرط واديهم ليحبسوه على نخلهم.و الفرط:ما فضل من الماء بعد النّخل،يخرص.(1:228)

الخريص:القوّة.

و قال:خرصت النّهر:سددته،يخرص.(1:229)

الخرص:الرّمح،و هي الخرصان،و حلقة القرط:

ص: 565

خرص.(1:230)

الخرص:السّعفة،و هي الخرصان،و الأخراص، و الخرص:الحلقة.(1:233)

الخرص:الّذي بات طاويا في ليلة باردة.

(1:237)

الخريص:جزيرة البحر.(الأزهريّ 7:131)

أبو عبيدة :و الخرص و الخرص،و الخرص:كلّ قضيب رطب أو يابس كالخوط.(ابن سيده 5:55)

الأصمعيّ: الخرص-أيضا-الحلقة من الذّهب و الفضّة.(الأزهريّ 7:132)

أبو عبيد: و في الحديث:أنّها[عائشة]ذكرت جراحة سعد،فقالت:و قد كان رقأ كلّه،و برأ فلم يبق منه إلاّ مثل الخرص.

فالخرص:الحلقة الصّغيرة من الحليّ كحلقة القرط و نحوها،و يقال لتلك الحلقة:الخوق أيضا.[ثمّ استشهد بشعر](2:360)

الخرص:السّنان؛و جمعه خرصان.

الخريص:الخليج من البحر.(الأزهريّ 7:131)

ابن الأعرابيّ: افترق النّهر على أربعة و عشرين خريصا،يعني ناحية منه.(الأزهريّ 7:131)

و يقال:خريص النّهر:جانبه.

هو يخترص،أي يجعل في الخرص ما يريد،و هو الجراب.(الأزهريّ 7:134)

ابن السّكّيت: و خرص يخرص و يخرص خرصا و هو خرّاص.(261)

و الخوق و الخرص:الحلقة من الذّهب و الفضّة.

(658)

و يقال:خرص النّخل خرصا بكسر الخاء و سكون الرّاء،و إن شئت خرصا.(إصلاح المنطق:30)

و يقال:ما تملك خرصا و خرصا.

(إصلاح المنطق:37)

و الخرص:مصدر خرصت النّخل أخرصه خرصا.

و الخرص:جوع مع برد.و يقال:رجل خرص،إذا كان جائعا مقرورا.(إصلاح المنطق:75)

[باب فعل و فعل و فعل باتّفاق معنى]

و هو خرص و خرص و خرص،و هو ما علا الجبّة من السّنان.(إصلاح المنطق:85)

و الخرص:خرص النّخل.و الخرص:الحلقة،يقال:

ما في أذن الجارية خرص.(إصلاح المنطق:124)

و تقول:خرصت النّخل خرصا،و كم خرص أرضك؟مكسورة الخاء.و يقال:ما في أذنها خرص،أي حلقة.(إصلاح المنطق:285)

إذا كان[الإنسان]جائعا مع وجود البرد،فهو خريص و خرص.(الثّعالبيّ: 182)

شمر:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم وعظ النّساء،و حثّهنّ على الصّدقة،فجعلت المرأة تلقي الخرص و الخاتم».

الخرص:الحلقة الصّغيرة من الحليّ كحلقة القرط و نحوها.(الأزهريّ 7:132)

ابن أبي اليمان :و الخرص:مصدر خرصت النّخل أخرصه خرصا.(482)

الطّبريّ: خرص يخرص خرصا و خرصا،أي كذب،و تخرّص بظنّ،و تخرّص بكذب.

ص: 566

و خرّصت النّخل أخرصه.

و خرصت إبلك:أصابها البرد و الجوع.(5:320)

ابن دريد :الخرص:خرص النّخل عربيّ معروف، و خرصت النّخلة أخرصها خرصا:حزرتها (1).

و اخترص فلان كلاما،إذ اختلقه،و كذلك خرصه و تخرّصه،و في التّنزيل: قُتِلَ الْخَرّاصُونَ الذّاريات:

10،الكذّابون،و اللّه أعلم بكتابه.

و اختلف قوم في الخرص و المخرص،فقال بعضهم:

الخرص:الرّمح.

و قال قوم:الخرص الحلقة الّتي تطيف بأسفل السّنان ربّما (2)سمّيت حلقة القرط خرصا.

و يجمع الخرص:خرصانا.

و الخرصة و الخراصة:حلقة صغيرة تجعل في الأذن.

و بات فلان خرصا،إذا بات جائعا يجد البرد.

و يقال للخرصان:المخارص،و المخارص:أعواد تكون مع مشتار العسل يستعين بها في عمله،و ربّما سمّيت مخاريص.

و الخريص:الماء المستنقع،و ربّما سمّي النّهر بعينه خريصا.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:207)

النّحّاس: (الخرّاصون)و هو جمع خارص، و الخرص:الكذب،و الخرّاص:الكذّاب،و قد خرص يخرص بالضّمّ خرصا،أي كذب.يقال:خرص و أخرص،و خلق و اختلق،و بشك و ابتشك،و سرج و استرج،و مان،بمعنى كذب.(القرطبيّ 17:34)

القاليّ: المخارص:واحدها مخرص و هو سكّين كبير مثل المنجل،يقطع به الشّجر.

و خريص البحر:خليج منه،كأنّه مخروص،أي مقطوع من معظمه.(1:129)

الأزهريّ: [نقل قولي الفرّاء و الزّجّاج ثمّ قال:]

و أصل الخرص:التّظنّي فيما لا يستيقنه.و منه قيل:

خرصت النّخل و الكرم،إذا حزرت ثمره،لأنّ الحزر إنّما هو تقدير بظنّ لا إحاطة،ثمّ قيل للكذب:خرص،لما يدخله من الظّنون الكاذبة.

و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يبعث الخرّاص إلى نخيل خيبر عند إدراك ثمرها فيحزرونه رطبا كذا،و تمرا كذا،ثمّ يأخذهم بمكيلة ذلك من التّمر الّذي يجب له و للموجفين معه.

و إنّما فعل ذلك لما فيه من الرّفق لأصحاب الثّمار فيما يأكلونه منه،مع الاحتياط للفقراء في العشر،و نصف العشر،و لأهل الفيء فيما يخصّهم.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّه أمر بالخرص في النّخل و الكرم خاصّة،دون الزّرع القائم؛و ذلك أنّ ثمارهما ظاهرة،و الخارص يطيف بها فيرى ما ظهر من الثّمار، و ليس ذلك كالحبّ الّذي هو في أكمامه.(7:130)

و قيل:جعل الخرص رمحا،و إنّما هو نصف السّنان الأعلى إلى موضع الجبّة.

و قد قيل للدّروع:خرصان لأنّها حلق؛و الواحدة:

خرص.[ثمّ استشهد بشعر]...(7:132)

و في حديث سعد بن معاذ:«أنّ جرحة قد برأ،فلم يبق منه إلاّ كالخرص»أي في قلّة أثر ما بقي من الجرح.

[و نقل قول اللّيث و أضاف:]!!

ص: 567


1- هذا هو الصّحيح و في الأصل:«حرزتها»!!
2- و في الأصل(بما)!!

قلت:هكذا رأيت ما كتبته في كتاب اللّيث.

فأمّا قوله:الخرص:العود،فلا معنى له،و كذلك قوله:

الخرص أسقية مبرّدة،و الصّواب عندي في البيتين:

*من الخرس القطاط*

و*من الخرس الصّراصرة*

بالسّين،و هم خدم عجم لا يفصحون،فكأنّهم خرس لا ينطقون.(7:133)

و يقال:إبل خرصة و خرصات،إذا أصابها برد و جوع.[ثمّ استشهد بشعر](7:134)

الصّاحب:و الخارص:يخرص ما على النّخلة؛ و الجميع:الخرّاص،و خرصت الأرض خرصا،و كم خرص أرضكم؟

و خرصت المال خراصة:أصلحته.

و أعطني خرصتي من الماء،أي شربي.

و الخرص:العود و الجريدة من النّخل؛و جمعه:

خرصان.و كلّ قضيب من شجرة و عود يؤخذ به العسل، و جمعه:أخراص.

و الخرص:الجمل الشّديد الضّليع.

و الخرصيان:الجلد الثّالث من جلد البطن،و يجمع:

خرصيات،و جلدة حمراء رقيقة لاصقة بحجاب القلب.

و خارصت الرّجل،أي عارضته و بادلته.

(4:244)

ابن جنّيّ: و قيل:هو[الخرص]رمح قصير يتّخذ من خشب منحوت،و هو الخريص.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 5:55)

[الخرص]

الجوهريّ: الخرص:حزر ما على النّخل من الرّطب تمرا.و قد خرصت النّخل.

و الاسم الخرص بالكسر.يقال:كم خرص أرضك؟

الخرّاص:الكذّاب.و قد خرص يخرص بالضّمّ خرصا،و تخرّص،أي كذب.

و خرص الرّجل بالكسر فهو خرص أي جائع مقرور.و لا يقال للجوع بلا برد خرص.و يقال للبرد بلا جوع:خصر.

و الخرص و الخرص بالضّمّ و الكسر:الحلقة من الذّهب و الفضّة؛و الجمع الخرصان.

[ثم نقل قول ابن السّكّيت و أضاف:]

و ربّما سمّي الرّمح بذلك.

و الخرص و الخرص:الجريد من النّخل.

و الخرص أيضا:عويد محدّد الرّأس يغرز في عقد السّقاء.و منه قولهم:ما يملك فلان خرصا و لا خرصا،أي شيئا.

و الخريص:السّنان.

و ماء خريص مثل خصر،أي بارد.

و المخارص:الأسنّة.[و استشهد بالشّعر 7 مرّات]

(3:1036)

أبو هلال :الفرق بين الكذب و الخرص:أنّ الخرص هو الحزر و ليس من الكذب في شيء،و الخرص ما يحزر من الشّيء،يقال:كم خرص نخلك؟أي كم يجيء من ثمرته.

و إنّما استعمل الخرص في موضع الكذب،لأنّ الخرص يجري على غير تحقيق،فشبّه بالكذب،

ص: 568

و استعمل في موضعه.

و أمّا التّكذيب فالتّصميم على أنّ الخبر كذب بالقطع عليه،و نقيضه التّصديق،و لا تطلق صفة الكذب إلاّ لمن كذب بالحقّ،لأنّها صفة ذمّ،و لكن إذا قيّدت فقيل:

مكذّب بالباطل كان ذلك مستقيما.و إنّما صار المكذّب صفة ذمّ و إن قيل:كذب بالباطل،لأنّه من أصل فاسد و هو الكذب،فصار الذّمّ أغلب عليه،كما أنّ الكافر صفة ذمّ و إن قيل:كفر بالطّاغوت،لأنّه من أصل فاسد و هو الكفر.(32)

ابن فارس: الخاء و الرّاء و الصّاد أصول متباينة جدّا.

فالأوّل:الخرص و هو حزر الشّيء.يقال:خرصت النّخل،إذا حزرت ثمره.

و الخرّاص:الكذّاب،و هو من هذا،لأنّه يقول ما لا يعلم و لا يحقّ.

و أصل آخر:يقال للحلقة من الذّهب:خرص.

و أصل آخر:و هو كلّ ذي شعبة من الشّيء ذي الشّعب.فالخريص من البحر:الخليج منه،و الخرص:كلّ قضيب من شجرة؛و جمعه:خرصان.

و من هذا الأصل تسميتهم الرّمح:الخرص.

و منه الأخراص،و هي عيدان تكون مع مشتار العسل.

و أصل آخر:و هو الخرص،و هو صفة الجائع المقرور،يقال:خرص خرصا.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:169)

الثّعالبيّ: لا يقال للّذي يجد البرد:خرص،إلاّ إذا كان مع ذلك جائعا.(53)

و الخرص:للنّخل خاصّ.(312)

ابن سيده: خرص يخرص خرصا،و تخرّص:

كذب.

و رجل خرّاص:كذّاب.و في التّنزيل: قُتِلَ الْخَرّاصُونَ الذّاريات:10.

و خرص العدد يخرصه،و يخرصه،خرصا و خرصا:

حزره.

و قيل:الخرص،المصدر؛و الخرص الاسم.

و الخرص و الخرص و الخرص:سنان الرّمح.

و قيل:هو ما على الجبّة من السّنان.

و قيل:هو الرّمح نفسه.

و الخرص:كلّ قضيب من شجرة.

و الخرص،و الخرص،و الخرص-الأخيرة عن أبي عبيدة-كلّ قضيب رطب أو يابس،كالخوط.

و الخرص،أيضا:الجريدة؛و الجمع من كلّ ذلك:

أخراص و خرصان.

و الخرص و الخرص:العود يشتار به العسل؛و الجمع:

أخراص.

و المخارص:مشاور العسل.

و المخارص أيضا:الخناجر.

و الخرص و الخرص:القرط بحبّة واحدة.

و قيل:هي الحلقة من الذّهب و الفضّة؛و الجمع:

خرصة.

و الخرصة،لغة فيها.

و الخرص:الدّرع،لأنّها حلق مثل الخرص الّذي في

ص: 569

الأذن.

و الخريص:شبه حوض واسع ينبثق فيه الماء من النّهر ثمّ يعود إليه.

و قيل:هو الماء المستنقع في أصول النّخل.

و خريص البحر:خليج منه.

و قيل:خريص البحر و النّهر:ناحيتهما،أو جانبهما.

و الخرص:جوع مع برد.

و رجل خرص:جائع مقرور.

و الخرص:الدّن،لغة في الخرس،و سيأتي ذكره.

و الخرّاص:صاحب الدّنان،و السّين لغة.

و الأخراص:موضع.

و يروى:الأحراص.بالحاء.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](5:54)

الطّوسيّ: و الخرص الكذب.يقال:خرص يخرص خرصا و خروصا،و تخرّص تخرّصا،و اخترص اختراصا.و أصله:القطع.

و منه خرص النّخل يخرصه خرصا،إذا حزره، و الخريص:الخليج ينقطع إليه الماء،و الخريص:حبّة القرط إذا كانت منفردة،و الخرص:العود،لانقطاعه عن نظائره بطيب ريحه.(4:269)

و الخرّاص:الكذّاب.و أصله:الخرص،و هو القطع، من قولهم:خرص فلان كلامه و اخترصه،إذا افتراه،لأنّه اقتطعه من غير أصل.

و الخرص:جريد يشقّق و يتّخذ منه الحصر.

و الخرص:حلقة القرط المنقطعة عن ملاصقة الأذن.

و الخريص:الخليج من البحر.

و الخرص:الحزر من العدد و الكيل،و منه خارص النّخل،و هو حازره؛و جمعه:خرّاص.[و استشهد بالشّعر مرّتين](9:381)

نحوه الطّبرسيّ.(5:152)

الرّاغب: الخرص:حرز(1) الثّمرة،و الخرص:

المحروز(2) كالنّقض للمنقوض،و قيل:الخرص الكذب.

و حقيقة ذلك أنّ كلّ قول مقول عن ظنّ و تخمين يقال:خرص،سواء كان مطابقا للشّيء أو مخالفا له؛من حيث إنّ صاحبه لم يقله عن علم و لا غلبة ظنّ و لا سماع، بل اعتمد فيه على الظّنّ و التّخمين،كفعل الخارص في خرصه.و كلّ من قال قولا على هذا النّحو قد يسمّى كاذبا و إن كان قوله مطابقا للمقول المخبر عنه،كما حكي عن المنافقين في قوله عزّ و جلّ: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ المنافقون:

1.(146)

الزّمخشريّ: خرج الخرّاصون يخرصون النّخل، و كم خرص أرضكم بالكسر؟أي ما خرص فيها.و قطع خرصان الشّجر،أي قضبانها.[ثمّ استشهد بشعر]

و ركّب الخرص في رمحه.

و ما في أذنها خرص،و لا في بيتها قرص،و هو الحلقة بحبّة واحدة.

و اجتمع عليّ الخرص،و هو الجوع و القرّ.و رجل

ص: 570


1- الظّاهر:«حزر،المحزور»كما جاء في جميع كتب اللّغة،و لعلّه تصحيف.
2- الظّاهر:«حزر،المحزور»كما جاء في جميع كتب اللّغة،و لعلّه تصحيف.

خرص،و إبل خرصات.

و من المجاز: قُتِلَ الْخَرّاصُونَ الذّاريات:10،أي الكذّابون و قد خرص يخرص،و اخترص القول و تخرّصه:افتعله.و قد تكذّب عليّ فلان،و تخرّص،و قال ذلك تخرّصا.

و ما تملك فلانة خرصا،أي لا شيء لها.

(أساس البلاغة:107)

«حضّ صلّى اللّه عليه و آله على الصّدقة،فجعلت المرأة تلقي خرصها و سخابها».هو حلقة القرط.

و منه حديث عائشة رضي اللّه عنها:«إنّها ذكرت جراحة سعد بن معاذ فقالت:و قد كان رقأ كلّه و برأ،فلم يبق إلاّ مثل الخرص».

و منه حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«إنّه قال في قوله تعالى: وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ يوسف:88، الغرارة،و الحبل،و الخرص».

و الخرص أيضا:الحلقة الّتي في أسفل السّنان،ثمّ سمّي به السّنان،ثمّ كثر حتّى سمّي به الرّمح.(الفائق 1:260)

المدينيّ: في حديث عليّ رضى اللّه عنه:«كنت خرصا»أي بي جوع و برد.[ثمّ استشهد بشعر](1:565)

ابن الأثير: فيه:«أيّما امرأة جعلت في أذنها خرصا من ذهب جعل في أذنها مثله خرصا من النّار».

الخرص بالضّمّ و الكسر:الحلقة الصّغيرة من الحلي، و هو من حلي الأذن.قيل:كان هذا قبل النّسخ،فإنّه قد ثبت إباحة الذّهب للنّساء.و قيل:هو خاصّ بمن لم تؤدّ زكاة حليها.

و فيه:«أنّه أمر بخرص النّخل و الكرم»خرص النّخلة و الكرمة يخرصها خرصا،إذا حزر ما عليها من الرّطب تمرا و من العنب زبيبا،فهو من الخرص:الظّنّ،لأنّ «الحزر»إنّما هو تقدير بظنّ؛و الاسم:الخرص بالكسر.

يقال:كم خرص أرضك؟و فاعل ذلك الخارص.

و فيه:«أنّه كان يأكل العنب خرصا»هو أن يضعه في فيه و يخرج عرجونه عاريا منه.هكذا جاء في بعض الرّوايات،و المرويّ خرطا بالطّاء.(2:23)

القرطبيّ: [نقل الأقوال المختلفة و أضاف:]

و الخرص أيضا:حزر ما على النّخل من الرّطب تمرا.

و قد خرصت النّخل؛و الاسم:الخرص بالكسر.يقال:

كم خرص نخلك؟و الخرّاص:الّذي يخرصها فهو مشترك.

و أصل الخرص:القطع،على ما تقدّم بيانه في الأنعام، و منه الخريص:للخليج،لأنّه ينقطع إليه الماء.و الخرص حبّة القرط إذا كانت منفردة،لانقطاعها عن أخواتها.

و الخرص:العود،لانقطاعه عن نظائره بطيب رائحته.

و الخرص:الّذي به جوع و برد لأنّه ينقطع به،يقال:

خرص الرّجل بالكسر،فهو خرص،أي جائع مقرور، و لا يقال للجوع بلا برد:خرص.و يقال للبرد بلا جوع خرص.

و الخرص بالضّمّ و الكسر:الحلقة من الذّهب أو الفضّة؛و الجمع الخرصان.

و يدخل في الخرص قول المنجّمين،و كلّ من يدّعي الحدس و التّخمين.(17:34)

الفيّوميّ: خرصت النّخل خرصا،من باب«قتل»:

حزرت تمره؛و الاسم:الخرص بالكسر.

ص: 571

و خرص الكافر خرصا:كذب،فهو خارص و خرّاص.

و الخرص بالضّمّ:حلقة.(1:166)

الفيروزآباديّ: الخرص:الحزر؛و الاسم بالكسر «كم خرص أرضك؟»،و الكذب،و كلّ قول بالظّنّ،و سدّ النّهر.

و بالضّمّ:الغصن،و القناة،و السّنان،و يكسر.

و بالكسر:الجمل الشّديد الضّليع،و الرّمح اللّطيف، و الدّبّ.و لعلّه معرّب«خرس»،و الزّبيل عن المطرّزي.

و الخراصة بالكسر:الإصلاح.

و خرص كفرح:جاع في قرّ فهو خرص.

و الخرص بالضّمّ و يكسر:حلقة الذّهب و الفضّة،أو حلقة القرط،أو الحلقة الصّغيرة من الحليّ؛جمعه:

خرصان،و جريد النّخل،و عويد محدّد الرّأس يغرز في عقد السّقاء.

و ما يملك خرصا بالضّمّ و يكسر:شيئا.

و الخرص مثلّثة:ما على الجبّة من السّنان،أو الحلقة تطيف بأسفله،و الرّمح نفسه كالمخرص.

و الأخراص:أعواد يخرج بها العسل؛الواحد:

خرص كصرد،و طنب،و برد.

و الخرصة بالضّمّ:الرّخصة،و الشّرب من الماء، تقول:«أعطني خرصتي من الماء»،و طعام النّفساء.

و الخرصان بالكسر:قرية بالبحرين،سمّيت لبيع الرّماح فيها.

و ذو الخرصين:سيف قيس بن الخطيم الأنصاريّ الشّاعر.

و الخرصيان:الحرصيان.

و المخارص:الأسنّة.

و الخريص:الماء البارد،و المستنقع في أصول النّخل و غيرها،و الممتلئ،و شبه حوض واسع ينبثق فيه الماء، و جانب النّهر،و جزيرة البحر.

و تخرّص عليه:افترى،و اخترص:اختلق،و جعل في الخرص للجراب ما أراد.

و خارصه:عاوضه و بادله.

أخرص،أي سكت.

الخرنوص كجردحل:ولد الخنزير.(2:311)

الطّريحيّ: و الخرص:الكذب.يقال:خرص يخرص بالضّمّ خرصا،و تخرّص،أي كذب.

و الخرص بالفتح:حزر ما على النّخل من الرّطب، يقال:كم خرص أرضك؟و هو من الخرص:الظّنّ،لأنّ الحزر إنّما هو تقدير بظنّ.

و الخرص بالضّمّ و الكسر:الحلقة الصّغيرة من الحليّ،و هو من حلّي الأذن.(4:167)

مجمع اللّغة :خرص يخرص خرصا فهو خارص.

و يقال لمن يكثر منه ذلك:خرّاص،و هم خرّاصون:

أ:حزر ما على النّخل من الرّطب تمرا،و ما في الكرم من العنب زبيبا.

ب:ألقى القول عن ظنّ و تخمين دون علم و يقين، تشبيها بفعل الخارص.

و يستعمل في الكذب.و ما جاء في القرآن على هذا المعنى الثّاني.(1:330)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خرص يخرص:كذب،

ص: 572

و خرص الشّيء:حزره و قدّره بالظّنّ،فهو خارص، و تخرّص و اخترص على فلان.افترى عليه و كذب ظنّا و تخمينا،و الخرّاص:الكذّاب الأفّاك الّذي يتكلّم بما ليس له به علم.(1:161)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو افتعال و اختلاق على الظّنّ من دون أن يستند إلى أساس محكم و أصل متين،و هذا المعنى إنّما يحصل بعد حصول الظّنّ معتمدا عليه،كخرص النّخل و الثّمر.

و تفسيرها بالكذب ليس على ما ينبغي.

و أمّا المعاني المذكورة كالجائع المقرور،و الحلقة، و الخليج،و الحوض المخصوص،و الرّمح؛فباعتبار التّزلزل و الاضطراب و الارتعاش،و عدم السّكون و الثّبات على حالة،و فقدان الاستناد و الاعتماد فيها،فإنّ الجائع المقرور مرتعش بدنه،مضطرب أعضاؤه،و الحلقة لا تعتمد على أساس لاستدارتها،و هي تدور و تتحرّك بمحرّك ما،و الخليج ليس لها ثبات و سكون كالبحر، و هكذا الحوض المخصوص و القضيب و الرّمح قناته.

إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ الأنعام:148، ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ الزّخرف:20،فيظهر من الآيات أنّ الخرص إنّما يتحقّق بعد حصول الظّنّ و بعد فقدان العلم،و في هذه الحالة.

و لمّا كان الخرص متصوّرا في حالة فقدان العلم،فهي تدلّ على وهنه و غاية ضعفه،و تأسيس أساس الخرص على مبنى الجهل و الوهم،فهذا الافتعال من أقبح الأمور و أوهن الأعمال،و يخالف العقل و الفكر الصّحيح.و على هذا يقول اللّه عزّ و جلّ: قُتِلَ الْخَرّاصُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ الذّاريات:10،فأنتم في هذا الافتعال منهمكون في الغفلة،و مستترون في الجهل و السّهو.

(3:40)

النّصوص التّفسيريّة

يخرصون

1- وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ.

الأنعام:116

ابن عبّاس: يكذبون في قولهم للمؤمنين أنّ ما ذبح اللّه خير ممّا تذبحون أنتم بسكاكينكم.(118)

كانوا يدعون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المؤمنين إلى أكل الميتة، و يقولون:أ تأكلون ما قتلتم،و لا تأكلون ما قتل ربّكم؟ فهذا ضلالهم.(الطّبرسيّ 2:356)

أبو عبيدة :أي يظنّون و يوقعون،و يقال:يتخرّص، أي يتكذّب.(1:206)

الطّبريّ: يقول:ما هم إلاّ متخرّصون،يظنّون و يوقعون حزرا لا يقين علم.(5:319)

الطّوسيّ: معناه و ما هم إلاّ كاذبين.(4:269)

نحوه الواحديّ(2:315)،و البغويّ(2:154).

الزّمخشريّ: يقدّرون أنّهم على شيء،أو يكذبون في أنّ اللّه حرّم كذا و أحلّ كذا.(2:46)

نحوه النّسفيّ.(2:30)

الطّبرسيّ: أي ما هم إلاّ يكذبون.و قيل:معناه أنّهم لا يقولون عن علم،و لكن عن خرص

ص: 573

و تخمين.(2:356)

نحوه شبّر.(2:306)

الفخر الرّازيّ: هم خرّاصون كذّابون في ادّعاء القطع.(13:163)

القرطبيّ: أي يحدسون و يقدّرون،و منه الخرص، و أصله:القطع.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه خرص يخرص النّخل خرصا،إذا حزره ليأخذ الخراج منه.فالخارص يقطع بما لا يجوز القطع به؛إذ لا يقين معه.(7:71)

البيضاويّ: يكذبون على اللّه سبحانه و تعالى فيما ينسبون إليه كاتّخاذ الولد،و جعل عبادة الأوثان وصلة إليه،و تحليل الميتة،و تحريم البحائر.أو يقدّرون أنّهم على شيء.و حقيقته ما يقال عن ظنّ و تخمين.

(1:328)

نحوه الشّربينيّ(1:446)،و أبو السّعود(2:437)، و البروسويّ(3:92).

أبو حيّان :أي يقدّرون و يحزرون و هذا تأكيد لما قبله.و من المفسّرين من خصّ-هذه الطّاعة و اتّباعهم الظّنّ و تخرّصهم-بأمر الذّبائح.

و حكي أنّ سبب النّزول مجادلة المشركين الرّسول في أمر الذّبائح،و قولهم:نأكل ما تقتل و لا نأكل ما قتل اللّه،فنزلت مخبرة أنّهم يقدرون بظنونهم و بخرصهم.

(4:210)

الآلوسيّ: أي يكذبون،و أصل الخرص:القول بالظّنّ و قول من لا يستيقن و يتحقّق-كما قال الأزهريّ، -و منه:خرص النّخل خرصا بفتح الخاء،و هي خرص بالكسر،أي مخروصة،و المراد أنّ شأن هؤلاء الكذب و هم مستمرّون على تجدّده منهم مرّة بعد مرّة،مع ما هم عليه من اتّباع الظّنّ في شأن خالقهم عزّ شأنه.

و قال الإمام:المراد أنّ هؤلاء الكفّار الّذين ينازعونك في دينك و مذهبك غير قاطعين بصحّة مذاهبهم،بل لا يتّبعون إلاّ الظّنّ،و هم خرّاصون كاذبون في ادّعاء القطع.و لا يخفى بعد تقييد الكذب بادّعاء القطع.

و قال غير واحد:المراد أنّهم يكذبون على اللّه تعالى فيما ينسبون إليه جلّ شأنه،كاتّخاذ الولد،و جعل عبادة الأوثان ذريعة إليه سبحانه،و تحليل الميتة و البحائر، و نظير ذلك.

و لعلّ ما ذهبنا إليه أولى و أبلغ في الذّمّ.و يحتمل أن يكون المراد أنّ هؤلاء الكفّار يتّبعون في أمور دينهم ظنّ أسلافهم و أنّ شأنهم أنفسهم الظّنّ أيضا.و حاصل ذلك ذمّهم بفسادهم و فساد أصولهم،إلاّ أنّ ذلك بعيد جدّا.(8:12)

رشيد رضا :أي ما يتّبعون في عقائدهم و آدابهم و أعمالهم إلاّ الظّنّ الّذي ترجّحه لهم أهواؤهم،و ما هم فيها إلاّ يخرصون خرصا في ترجيح بعضها على بعض، كما يخرص أهل الحرث ثمرات النّخيل و الأعناب و غيرها،و يقدّرون ما تأتي به من التّمر و الزّبيب،فلا شيء منها مبنيّ على علم صحيح،و لا ثابت بدلائل تنتهي إلى اليقين.

و هذا الحكم القطعيّ بضلال أكثر أهل الأرض ظاهر بما بيّنه به من اتّباع الظّنّ،و الخرص،و لا سيّما في ذلك

ص: 574

العصر،تؤيّده تواريخ الأمم كلّها،فقد اتّفقت على أنّ أهل الكتاب كانوا قد تركوا هداية أنبيائهم و ضلّوا ضلالا بعيدا،و كذلك أمم الوثنيّة الّتي كانت أبعد عهدا عن هداية رسلهم،و هذا من أعلام نبوّته صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو أمّيّ لم يكن يعلم من أحوال الأمم إلاّ شيئا يسيرا من شئون المجاورين لبلاد العرب خاصّة.(8:16)

المراغيّ: الخرص:القول بالظّنّ قول من لا يستيقن،أي إنّ هؤلاء لا يتّبعون في عقائدهم و أعمالهم إلاّ الظّنّ الّذي ترجّحه لهم أهواؤهم،و ما هم إلاّ يخرصون في ترجيح بعض منها على بعض،كما يخرص أرباب النّخيل و الكروم ثمرات نخيلهم و أعنابهم،و يقدّرون ما تجود به من التّمر و الزّبيب تخمينا و حدسا،دون تحقيق لذلك،و لا برهان لهم على ما يقولون،فهم يكذبون على اللّه فيما ينسبونه إليه من اتّخاذ الولد،و جعل عبادة الأوثان ذريعة إليه،و تحليل الميتة و البحائر و نحو ذلك.(8:12)

الطّباطبائيّ: الخرص:الكذب و التّخمين،و المعنى الثّاني هو الأنسب بسياق الآية.(7:330)

2- أَلا إِنَّ لِلّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ. يونس:66

ابن عبّاس: يكذبون للسّفلة.(176)

نحوه البغويّ(2:427)،و الخازن(3:163).

الطّبريّ: يقول:و إن هم إلاّ يتقوّلون الباطل تظنّيا و تخرّصا للإفك،عن غير علم منهم بما يقولون.

(6:583)

الواحديّ: ما هم إلاّ كاذبون فيما يزعمون.

(2:554)

الميبديّ: يقولون ما لا يكون.التّخرّص:الافتراء، و الخرّاص:المفتري.(4:312)

الزّمخشريّ: يحزرون و يقدّرون.(2:244)

نحوه أبو حيّان.(5:177)

الطّبرسيّ: أي و ليسوا إلاّ كاذبين بهذا الاعتقاد و القول.(3:121)

القرطبيّ: أي يحدسون و يكذبون.(8:360)

البيضاويّ: يكذبون فيما ينسبون إلى اللّه أو يحزرون و يقدّرون أنّها شركاء تقديرا باطلا.(1:453)

مثله أبو السّعود(3:258)،و نحوه النّسفيّ(2:170)، و الشّربينيّ(2:28)،و البروسويّ(4:63).

الآلوسيّ: أي يحزرون و يقدّرون أنّهم شركاء تقديرا باطلا،أو يكذبون فيما ينسبونه إليه سبحانه و تعالى.

على أنّ الخرص إمّا بمعنى الحزر و التّخمين كما هو الأصل الشّائع فيه،و إمّا بمعنى الكذب،فإنّه جاء استعماله في ذلك لغلبته في مثله.(11:154)

رشيد رضا :أي و ما هم في اتّباع هذا الظّنّ الّذي لا يغني من الحقّ شيئا،إلاّ يخرصون خرصا،أي يحزرون حزرا،أو يكذبون كذبا.

أصل الخرص:الحزر و التّقدير للشّيء و الّذي لا يجري على قياس،من وزن أو كيل أو ذرع،بل هو كخرص الثّمر على الشّجر و الحبّ في الزّرع.و لكثرة الخطأ فيه أطلق على لازمه الغالب و هو الكذب،فالظّنّ

ص: 575

الّذي يبنى عليه يكون من أضعف الظّنّ و أبعده عن الحقّ...(11:453)

عزّة دروزة :يخمّنون تخمينا لا يقين فيه،و يظنّون ظنّا.(4:40)

مكارم الشّيرازيّ: الخرص وردت في اللّغة بمعنى الكذب،و كذلك وردت بمعنى الحدس و التّخمين،و في الأصل-كما قاله الرّاغب في«مفرداته»-بمعنى حزر الفواكه،ثمّ تخمينها على الأشجار،و لمّا كان الحدس و التّخمين قد يخطأ أحيانا،فإنّ هذه المادّة قد جاءت بمعنى الكذب أيضا.(6:369)

فضل اللّه :و يخبطون خبط عشواء في حسابات التّخرّصات و التّخمينات الّتي لا تملك أساسا ثابتا في العقل،و لا في الواقع.(11:338)

الخرّاصون

قُتِلَ الْخَرّاصُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ* يَسْئَلُونَ أَيّانَ يَوْمُ الدِّينِ. الذّاريات:10-12

ابن عبّاس: لعن الكذّابون بنو مخزوم الوليد بن المغيرة و أصحابه.(441)

نحوه الحسن.(الماورديّ 5:363)

لعن المرتابون.

الكهنة.(الطّبريّ 11:447)

مثله مجاهد.(البغويّ 4:281)

إنّهم المنهمكون.(الماورديّ 5:363)

هم المقتسمون الّذين اقتسموا أعقاب مكّة، و اقتسموا القول في نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ليصرفوا النّاس عن الإيمان به.(القرطبيّ 17:34)

مجاهد :الّذين يتخرّصون الكذب،كقوله قُتِلَ الْإِنْسانُ عبس:17.

الّذين يقولون:لا نبعث و لا يوقنون.

(الطّبريّ 11:447)

نحوه الحسن.(القرطبيّ 17:33)

قتادة :إنّهم أهل الظّنون و الفرية.

(الماورديّ 5:363)

ابن زيد :القوم الّذين كانوا يتخرّصون الكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؛قالت طائفة:إنّما هو ساحر،و الّذي جاء به سحر.و قالت طائفة:إنّما هو شاعر و الّذي جاء به شعر.و قالت طائفة:إنّما هو كاهن،و الّذي جاء به كهانة، و قالت طائفة: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الفرقان:5،يتخرّصون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(الطّبريّ 11:448)

الفرّاء: يقول:لعن الكذّابون الّذين قالوا:محمّد صلّى اللّه عليه:مجنون،شاعر،كذّاب،ساحر.خرصوا ما لا علم لهم به.(3:83)

مثله ابن قتيبة.(421)

أبو عبيدة :المتكهّنون.(2:225)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:لعن المتكهّنون الّذين يتخرّصون الكذب و الباطل فيتظنّنونه.(11:447)

الزّجّاج: هم الكذّابون،تقول:قد تخرّص عليّ فلان الباطل.و يجوز أن يكون اَلْخَرّاصُونَ الّذين يتظنّون الشّيء لا يحقّونه،فيعملون بما لا يدرون صحّته.

(5:52)

ص: 576

القمّيّ: الّذين يخرصون الدّين بآرائهم من غير علم و لا يقين.(2:329)

الأصمّ:إنّه تعمّد الكذب.(الماورديّ 5:364)

الماورديّ: اَلْخَرّاصُونَ فهو جمع خارص.و في الخرص هاهنا وجهان:

أحدهما:[قول الأصمّ المتقدّم]

الثّاني:ظنّ الكذب،لأنّ الخرص حزر و ظنّ،و منه أخذ خرص الثّمار.

و فيما يخرصونه وجهان:

أحدهما:تكذيب الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.

الثّاني:التّكذيب بالبعث.(5:363)

الطّوسيّ: معناه لعن الكذّابون و مثله قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ عبس:17،و الخرّاص:الكذّاب.

(9:281)

البغويّ: لعن الكذّابون،يقال:تخرّص على فلان الباطل،و هم المقتسمون الّذين اقتسموا عقاب مكّة، و اقتسموا القول في النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليصرفوا النّاس عن دين الإسلام.(4:281)

نحوه الخازن.(6:200)

الزّمخشريّ: اَلْخَرّاصُونَ الكذّابون المقدّرون ما لا يصحّ،و هم أصحاب القول المختلف.و اللاّم إشارة إليهم كأنّه قيل:قتل هؤلاء الخرّاصون.

و قرئ (قتل الخرّاصين) أي قتل اللّه.(4:15)

نحوه البيضاويّ(2:419)،و النّسفيّ(4:183)، و أبو حيّان(8:135)،و أبو السّعود(6:134).

ابن عطيّة: الخرّاص:المخمّن القائل بظنّه،فتحته الكاهن و المرتاب و غيره ممّا لا يقين له،و الإشارة إلى مكذّبي محمّد على كلّ جهة من طروقهم.(5:173)

الطّبرسيّ: أي لعن الكذّابون،يعني الّذين يكذبون على اللّه و على رسوله.(5:153)

الفخر الرّازيّ: و هذا يدلّ على أنّ المراد من قوله:

لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ الذّاريات:8،أنّهم غير ثابتين على أمر،و غير جازمين،بل هم يظنّون و يخرصون،و معناه لعن الخرّاصون،دعاء عليهم بمكروه.

ثمّ وصفهم فقال: اَلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ و فيه مسألتان:إحداهما لفظيّة،و الأخرى معنويّة:أمّا اللّفظيّة[لاحظ س ه و:«السّاهون»]

و أمّا المعنويّة فهي أنّ وصف الخرّاص بالسّهو و الانهماك في الباطل يحقّق ذلك كون الخرّاص صفة ذمّ؛ و ذلك،لأنّ ما لا سبيل إليه إلاّ الظّنّ إذا خرص الخارص و أطلق عليه الخرّاص لا يكون ذلك مفيد نقص،كما يقال في خرّاص الفواكه و العساكر و غير ذلك.و أمّا الخرص في محلّ المعرفة و اليقين فهو ذمّ،فقال: قُتِلَ الْخَرّاصُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ جاهلون ساهون لا الّذين تعيّن طريقهم في التّخمين و الحزر.و قوله تعالى: ساهُونَ بعد قوله:

فِي غَمْرَةٍ يفيد أنّهم وقعوا في جهل و باطل و نسوا أنفسهم فيه،فلم يرجعوا عنه.(28:198)

الشّربينيّ: أي الكذّابون،و هم الّذين لا يجزمون بأمر،بل هم شاكّون متحيّرون،و هم أصحاب القول المختلف.(4:95)

البروسويّ: الخرص تقدير القول بلا حقيقة،و منه خرص الثّمار،أي تقديرها مثلا تقدير ما على النّخل من

ص: 577

الرّطب تمرا.

و كلّ قول مقول عن ظنّ و تخمين يقال له:خرص، سواء كان ذلك مطابقا للشّيء أو مخالفا له،من حيث إنّ صاحبه لم يقله عن علم،و لا غلبة ظنّ،و لا سماع بل اعتمد فيه على الظّنّ و التّخمين،كفعل الخارص في خرصه.

و كلّ من قال قولا على هذا النّحو يسمّى كاذبا،و إن كان قوله مطابقا للقول المخبر به،كما قال تعالى في شهادة المنافقين:(لكاذبون).[ثمّ أدام مثل الزّمخشريّ](9:150)

الآلوسيّ: أي الكذّابون من أصحاب القول المختلف،و أصل الخرص:الظّنّ و التّخمين،ثمّ تجوّز به عن الكذب،لأنّه في الغالب يكون منشأ له.[إلى أن قال:]

و قرئ (قتل الخرّاصين) أي قتل اللّه الخرّاصين.

(27:6)

المراغيّ: أي قتل الكذّابون من أصحاب القول المختلف الّذين هم في جهل عميق و غفلة عظيمة،عمّا أمروا به.(26:176)

عزّة دروزة :المتوهّمون و الظّنّانون على غير أساس و علم.(5:291)

الطّباطبائيّ: أصل الخرص:القول بالظّنّ و التّخمين من غير علم،و لكن القول بغير علم في خطر من الكذب،يسمّى الكذّاب خرّاصا.و الأشبه أن يكون المراد بالخرّاصين في الآية،القوّالين من غير علم و دليل، و هم الخائضون في أمر البعث و الجزاء،المنكرون له بغير علم.(18:367)

مكارم الشّيرازيّ: و الخرّاص هو من مادّة «الخرص»على زنة«الدّرس»و معناه في الأصل:كلّ كلام يقال تخمينا أو ظنّا؛و حيث إنّ مثل هذا الكلام غالبا ما يكون كذبا،فقد استعملت هذه الكلمة في الكذب أيضا،فيكون المعنيّ من اَلْخَرّاصُونَ هو:أولئك الّذين يطلقون كلمات عارية من الصّحّة و لا أساس لها،و المراد منها هنا-بقرينة الآيات التّالية-هو:أولئك الّذين يحكمون أو يقضون في شأن القيامة و المعاد بكلام لا أساس له،بعيد عن المنطق.(17:76)

فضل اللّه :الّذين يبنون أحكامهم و قناعاتهم على الظّنّ و الحدس،فيسيئون إلى الحقيقة،عند ما يبعدونها عن العناصر اليقينيّة الّتي تؤكّدها،و تفتح عليها أكثر من نافذة.(21:199)

الأصول اللّغويّة

1-لهذه المادّة-كما قال ابن فارس-أصول متباينة جدّا:

الأوّل:الخرص:حزر ما على النّخل من التّمر.

يقال:خرصت النّخل و الكرم أخرصه خرصا،أي حزرت ما عليهما من الرّطب تمرا،و من العنب زبيبا.

و الخرص:الاسم منه،يقال:كم خرص أرضك؟و كم خرص نخلك؟و خرص العدد يخرصه و يخرصه خرصا و خرصا:حزره،و هو الخارص.

و منه:الخرص:الكذب،لما يدخله من الظّنون الكاذبة.يقال:خرص يخرص خرصا و تخرّص،أي

ص: 578

كذب،و رجل خرّاص:كذّاب،و تخرّص فلان عليّ الباطل و اخترصه:افتعله.

و الثّاني:الخراص و الخرص و الخرص و الخرص:

سنان الرّمح،أو الرّمح نفسه؛و الجمع:خرصان،و هو الخريص أيضا.و الخرص و الخرص و الخرص:كلّ قضيب رطب أو يابس،و الخرص و الخرص:العود يشار به العسل؛و الجمع:أخراص.و الخرص:الغصن؛و الجمع:

أخراص و خرصان،و الخرص:الجريد من النّخل.

و الثّالث:الخرص و الخرص:الحلقة من الذّهب و الفضّة،و القرط؛و الجمع:خرصة،و الخرص:الحلقة الصّغيرة من الحليّ كهيئة القرط و غيرها؛و الجمع:

خرصان،و الدّرع أيضا،لأنّها حلق مثل الخرص الّذي في الأذن؛و الجمع:خرصان و خرصان.

و منه:خريص البحر و النّهر:ناحيتهما أو جانبهما، يقال:افترق النّهر على أربعة و عشرين خريصا،أي ناحية،و الخريص:شبه حوض واسع ينبثق فيه الماء من النّهر،ثم يعود إليه،و الخريص:الممتلئ.

و الرّابع:الخرص،و هو جوع مع برد.يقال:خرص الرّجل خرصا،أي جاع و قرّ،فهو خرص و خارص.

2-و الخرص:الدّنّ،و هو وعاء ضخم للخمر، و الخرّاص:صاحب الدّنان؛لغة في الخرس،و هو الخرس أيضا،و الخرّاس:صانع الدّنان،و بائعها،و الخمّار.

و الخرص أيضا:الجراب.يقال:هو يخترص،أي يجعل في الخرص ما يريد،و لعلّه لغة في الخرس أيضا، تشبيها بالدّنّ.

و الخرصة:طعام النّفساء،لغة في الخرسة.

و قد تكلّف المصطفويّ-كعادته-في إرجاع المعاني كلّها إلى«التّخمين»بلحاظ وجود الاضطراب و التّزلزل فيها،و استثنى منها(الكذب)و قال:تفسيرها بالكذب ليس على ما ينبغي!!

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المضارع 4 مرّات،و المبالغة مرّة،في 5 آيات:

1- ...إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ الأنعام:148

2 و 3- ...إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ يونس:66،الأنعام:116

4- ...ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ

الزّخرف:20

5- قُتِلَ الْخَرّاصُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ

الذّاريات:10،11

يلاحظ أوّلا:أنّ الخرص مسند إلى الكافرين،و فيه بحوث:

1-فسّره بعض بالظّنّ و الحدس،و جعله نظير قوله:

وَ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ البقرة:78،و فسّره بعض آخر بالكذب،و جعله نظير قوله: إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَكْذِبُونَ يس:15.و كلا القولين محتمل،غير أنّ الكذب أنسب هنا،لأنّه يسند إلى الكافر غالبا،و أمّا الظّنّ فإنّه يسند تارة إلى الكافر،نحو قوله: ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ص:27،و تارة إلى المؤمن،نحو قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ الحجرات:12.ثمّ

ص: 579

لا يستساغ مجيء ظنّ بعد ظنّ بنسق واحد،كما في(1) و(2)،لأنّ الخرص تأكيد للظنّ،فالأولى أن يكون المؤكّد أشدّ من المؤكّد،فالكذب تأكيد و تحقيق لظنّ الكافرين.

2-جاء الخرص محصورا ب(الاّ)و مسبوقا بالظّنّ في (1): إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ، و التّقدير:تتّبعون-أيّها الكافرون-الظّنّ و أنتم تخرصون.و جاء هكذا أيضا في(2)و(3): إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ، و التّقدير:يتّبع الكافرون الظّنّ و هم يخرصون.و كذلك جاء في(4)،غير أنّه سبق بالعلم منفيّا: ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ، و التّقدير:ما للكافرين بما يقولون من علم فهم يخرصون،و نظيره قوله: وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ الجاثية:24.

3-لعلّ الخرّاص في(5) قُتِلَ الْخَرّاصُونَ الظّنون، أو هو الكذّاب،و نظيره قوله: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ آل عمران:61،لأنّ المراد بالقتل هنا اللّعن، و هو الأنسب.

4-ذكر الفخر الرّازيّ في(5)علاقتها بما قبلها لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، و اتّصافها بصفة لها علاقة لفظيّة و معنويّة بها،فلاحظ.

و ثانيا:استعمل الخرص في السّور المكّيّة فقط،لأنّه كان شائعا بمعنى الكذب و الظّنّ عند أهل مكّة،و لم يستعمل في السّور المدنيّة،لأنّه-كما يبدو-كان شائعا عند أهل المدينة،بمعنى حزر ما على النّخل من التّمر، لكثرته هناك.فلو كان قوله في(5): قُتِلَ الْخَرّاصُونَ نازلا في المدينة،لتبادر إلى أذهان أهلها أنّه ذمّ لمن يخرص النّخل،أي يحزر ما عليها من التّمر،و اللّه أعلم.

و ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

1-الكذب: وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَكْذِبُونَ يس:15

الإفك: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ

النّور:11

الافتراء: وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى طه:61

الزور: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ الحجّ:30

التفنيد: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ

يوسف:94

2-الظنّ: وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فصّلت:23

الحسبان: أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ العنكبوت:2

الزّعم: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ التّغابن:7

الرّجم: وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ الكهف:22

ص: 580

الخرطوم

اشارة

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخرطوم:الأنف.

و الخرطوم:اسم لما ضمّ عليه مقدّم الحنكين و الأنف.

و الخرطوم:اسم للخمر لا يلبث أن يسكر.

و خراطيم القوم:سادتهم و مقدّموهم في الأمور.

و خرطمته خرطمة،أي ضربت خرطومه،أو قبضت على خرطومه فعوّجته.

و اخرنطم الغضبان:اعوجّ خرطومه و سكت على غضبه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:333)

الأصمعيّ: المخرنطم:الغضبان المستكبر مع رفع رأسه.(الأزهريّ 7:677)

أبو عبيد: من أسماء الخمر:الخرطوم.

(الأزهريّ 7:677)

ابن الأعرابيّ: الخرطوم:السّلاّف الّذي سال من غير عصر.(الأزهريّ 7:677)

هي الّتي إذا أخذها الشّارب قطّب لها،فكأنّها أخذت بخرطومه.(الثّعالبيّ:271)

ابن السّكّيت: الخرطوم:أوّل ما يبزل منها،قبل أن يداس عنبها.

و قيل:إنّها سمّيت خرطوما،لأنّها تأخذ بالخراطيم.

[ثمّ استشهد بشعر](214)

المبرّد: هو[الخرطوم]من السّباع:الخطم و الخرطوم،و من الخنزير:الفنطيسة،و من ذي الجناح:

المنقار،و من ذوات الخفّ:المشفر،و من النّاس:الشّفة، و من ذوات الحافر:الجحافل.(الأزهريّ 7:676)

ابن دريد :خرطم الرّجل و اخرنطم،إذا غضب.

و خرطمه بالسّيف،إذا ضرب أنفه.

و اشتقاقه من«الخرطوم»و هو الأنف و ما والاه.

(3:332)

و رجل مخرنطم،إذا استكبر،و شمخ بأنفه.(3:399)

ابن خالويه :«فلان خرطمانيّ عليه خفّ قرطمانيّ».

ص: 581

خرطمانيّ: كبير الأنف،و القرطمانيّ:الخفّ له منقار.(ابن منظور 12:173)

الأزهريّ: قال عمرو:الخرطوم للفيل،و هو أنفه، و يقوم له مقام يده،و مقام عنقه.و الخروق:الّتي فيه لا تنفذ،و إنّما هو وعاء إذا ملأه الفيل من طعام أو ماء أو لجّه في فيه،لأنّه قصير العنق،لا ينال ماء و لا مرعى.و إنّما صار ولد البختيّ من البختيّة جزور لحم،لقصر عنقه، و لعجزه عن تناول الماء و المرعى.

و للبعوضة خرطوم،و هي شبيهة بالفيل.(7:677)

الصّاحب:الخرطوم:الأنف،و ما ضمّ عليه مقدّم الحنكين.

و الخرطمان:الطّويل.

و الخرطوم:الخمر.

و خراطيم القوم:سادتهم و مقدّموهم في العساكر و الأمور.

و خرطمت فاه:ضربت خرطومه.

المخرنطم:الغضبان إذا اعوجّ خرطومه،و سكت على غضبه.

و الخراطم،من النّساء:الّتي قد دخلت في السّنّ.

(4:468)

نحوه الجوهريّ.(5:1911)

ابن فارس: الخرطوم:معروف،و الرّاء زائدة، و الأصل فيه:الخطم،و قد مرّ.

فأمّا الخمر فقد تسمّى بذلك،و يقولون:هو أوّل ما يسيل عند العصر.فإن كان كذا فهو قياس الباب،لأنّ الأوّل متقدّم.

و من ذلك اشتقاق الخطم و الخطام.و من الباب تسميتهم سادة القوم:الخراطيم.(2:251)

الثّعالبيّ: الخرطوم:أوّل ما يخرج من الدّن إذا بزل.

(271)

ابن سيده: الخرطوم:الأنف،و قيل:مقدّم الأنف.

و قيل:هو ما ضمّ عليه الرّجل الحنكين.

و قوله تعالى: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ القلم:16، فسّره ثعلب فقال:يعني على الوجه.و عندي أنّه الأنف، و استعاره للإنسان،لأنّ في الممكن أن يقبّحه يوم القيامة فيجعله كخرطوم السّبع.

و الخراطيم للسّباع،بمنزلة المناقير للطّير.

و خرطمه:ضرب خرطومه.

و خرطمه:عوّج خرطومه.

و اخرنطم الرّجل:عوّج خرطومه و سكت على غضب،و قيل:رفع أنفه و استكبر.

و المخرنطم:الغضبان المتكبّر مع رفع رأسه.

و ذو الخرطوم:سيف بعينه،عن أبي عليّ.

و الخرطوم:الخمر السّريعة الإسكار.و قيل:هو أوّل ما يجري من العنب قبل أن يداس.

و خراطيم القوم:ساداتهم و مقدّموهم في الأمور.

و الخراطم،من النّساء:الّتي دخلت في السّنّ.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](5:339)

الخرطوم:هو للسّبع،كالأنف للإنسان.

(الإفصاح 2:814)

الخرطوم:أنف الفيل،و هو يقوم فيه مقام يده و مقام عنقه،و الخروق الّتي منها لا تنفذ،و إنّما هو وعاء إذا ملأه

ص: 582

الفيل من طعام أو ماء أو لجّه في فيه،لأنّه قصير العنق لا ينال ماء و لا مرعى.

و الخرطمانيّ: الكبير الخرطوم.

و للبعوضة خرطوم و هي مشبّهة بالفيل.

(الإفصاح 2:818)

الخرطوم:هو من الكلب ما حول منخريه.

(الإفصاح 2:825)

الرّاغب: قال تعالى: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ القلم:16،أي لزمه عار لا ينمحي عنه،كقولهم:جدعت أنفه.

و الخرطوم:أنف الفيل،فسمّي أنفه خرطوما استقباحا له.(146)

الزّمخشريّ: و وسمه على الخرطوم:أذلّه.

و هم خراطيم القوم:لسادتهم.

و شرب الخرطوم:السّلافة،لأنّها أوّل ما ينعصر.

[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:108)

المدينيّ: في حديث أبي هريرة رضى اللّه عنه:«خفافهم مخرطمة»:أي ذات خراطيم و أنوف،يعني أنّ صدورها و رءوسها محدّدة.(566)

الفيّوميّ: الخرطوم:الأنف؛و الجمع:خراطيم،مثل عصفور و عصافير.(1:167)

الفيروزآباديّ: الخرطوم كزنبور:الأنف،أو مقدّمه،أو ما ضممت عليه الحنكين كالخرطم كقنفذ، و الخمر السّريعة الإسكار،أو أوّل ما يجري من العنب قبل أن يداس.

ذو الخرطوم:سيف عبد اللّه بن أنيس رضى اللّه عنه...

و كعلابط:المرأة دخلت في السّنّ.

و خراطيم القوم:ساداتهم.

و خرطمه:ضرب خرطومه أو عوّجه.

و اخرنطم:رفع أنفه و استكبر و غضب.

و الخرطمان بالضّمّ:الطّويل.(4:106)

الطّريحيّ: الخرطوم بضمّ الخاء:الأنف،و هو أكرم موضع في الوجه،كما أنّ الوجه أكرم موضع في الجسد.

و خراطيم القوم:سادتهم.(6:56)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الخرطوم:الأنف، و يستعمل خصوصا للفيل و الخنزير.(1:161)

المصطفويّ: ظهر أنّ كلمة«الخرطوم»بمعنى الأنف الطّويل الممتدّ،سواء قلنا:إنّها مأخوذة من مادّة«الخطم» بمعنى الأنف،و الإضافة تدلّ على الطّول و الامتداد-فإنّ زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى-فهي على«فرعول».

أو أنّها مأخوذة من«الخرط»على«فعلوم»،بمناسبة كون الخرطوم كالخشبة المقشورة،أو أنّها كاليد تقشر بها الأوراق،أو لطولها.

أو أنّها رباعيّة أصليّة على زنة«فعلول».و خرطم ك«دحرج».

و على أيّ صورة فالخرطوم مظهر التّأنّف و التّكبّر و التّظاهر،كما في الأنف.يقال:أرغم أنوفهم.و بهذه المناسبة ورد في الآية الكريمة: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ القلم:16،أي نجعل على خرطومه علامة ليرغم أنفه و ينكسر تأنّفه،و يزول استكباره و استعزازه.(3:42)

ص: 583

النّصوص التّفسيريّة

الخرطوم

سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ. القلم:16

ابن عبّاس: سنضربه على الوجه.(481)

سنخطمه بالسّيف فنجعل ذلك علامة باقية على أنفه،قال:فقاتل يوم بدر فخطم بالسّيف في القتال.

(الثّعلبيّ 10:15)

نزلت في الأخنس بن شريق الثّقفيّ،كانت به زنمة يعرف بها.(الطّوسيّ 10:78) أبو العالية :سنسمه على أنفه،و نسودّ وجهه، فنجعل له علامة في الآخرة،يعرف به،و هو سواد الوجه.

مثله مجاهد.(الثّعلبيّ 10:15)

الضّحّاك: سنكويه على وجهه.

مثله الكسائيّ.(البغويّ 5:137)

قتادة :شين لا يفارقه آخر ما عليه.

(الطّبريّ 12:188)

سنسم على أنفه.(الطّبريّ 12:189)

الكلبيّ: أنّه يضرب في النّار على أنفه يوم القيامة.

(الماورديّ 6:66)

مقاتل:سنسمه بالسّواد على الأنف،و ذلك أنّه يسودّ وجهه قبل دخول النّار.(الواحديّ 4:336)

ابن شميّل: معناه سنحدّه على شربه الخمر.

و الخرطوم:الخمر؛و جمعه:خراطيم.[ثمّ استشهد بشعر].

(الثّعلبيّ 10:16)

الفرّاء: أي سنسمه سمة أهل النّار،أي سنسوّد وجهه.فهو و إن كان الخرطوم قد خصّ بالسّمة فإنّه في مذهب:الوجه،لأنّ بعض الوجه يؤدّي عن بعض.

و العرب تقول:أما و اللّه لأسمنّك وسما لا يفارقك،تريد:

الأنف.[ثمّ استشهد بشعر](3:174)

نحوه السّجستانيّ.(196)

ابن قتيبة :ذهب بعض المفسّرين فيه إلى أنّ اللّه عزّ و جلّ يسم وجهه يوم القيامة بالسّواد.و للعرب في مثل هذا اللّفظ مذهب نخبر به،-و اللّه أعلم بما أراد-:

تقول العرب للرّجل يسبّ الرّجل سبّة قبيحة،أو ينثو عليه فاحشة:قد وسمه بميسم سوء،يريدون:ألصق به عارا لا يفارقه،كما أنّ السّمة لا تنمحي و لا يعفو أثرها.

[ثمّ استشهد بشعر](تأويل مشكل القرآن:156)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:معناه:سنخطمه بالسّيف،فنجعل ذلك علامة باقية،و سمة ثابتة فيه ما عاش.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:سنشينه شينا باقيا.

و قال آخرون:سيمى على أنفه.

و أولى الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك عندي قول من قال:معنى ذلك:سنبيّن أمره بيانا واضحا حتّى يعرفوه،فلا يخفى عليهم،كما لا تخفى السّمة على الخرطوم.

(12:188)

الزّجّاج: معناه:سنسمه على أنفه،و الخرطوم:

الأنف.و معنى سَنَسِمُهُ: سنجعل له في الآخرة العلم الّذي يعرف به أهل النّار من اسوداد وجوههم.

و جائز-و اللّه أعلم-أن يفرده بسمة،لمبالغته في عداوة النّبيّ عليه السّلام.فيخصّ من التّشويه بما يتبيّن به من

ص: 584

غيره،كما كانت عداوته لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عداوة يتبيّن بها من غيره.(5:207)

نحوه فضل اللّه.(23:46)

أبو مسلم الأصفهانيّ: هو ما يبتليه اللّه به في الدّنيا في نفسه و ماله و ولده من سوء و ذلّ و صغار.[ثمّ استشهد بشعر](الماورديّ 6:66)

القمّيّ: سَنَسِمُهُ... في الرّجعة إذا رجع أمير المؤمنين عليه السّلام و رجع اعداؤه،فيسمهم بميسم له،كما توسم البهائم على 8 الخرطوم و الأنف 8 و الشّفتين.

(2:381)

الماورديّ: فيه أربعة أقاويل:أحدها:*أنّها سمة سوداء تكون على 8 أنفه يوم القيامة يتميّز بها الكافر،كما قال تعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ الرّحمن:41.

الثّاني:[هو قول الكلبيّ]

الثّالث:أنّه إشهار ذكره بالقبائح،فيصير موسوما بالذّكر لا بالأثر.

الرّابع:[قول أبي مسلم](6:66)

الطّوسيّ: أي سنعلم على أنفه علامة تعرف بها الملائكة أنّه من أهل النّار.فالسّمة:العلامة المفرّقة بالرّؤية بين الأشياء المختلطة،كسمة الخيل إذا أرسلت في المروج،وسمه يسم وسما و سمة فهو موسوم.

و الخرطوم:الأنف،و هو النّاتئ في الوجه الّذي يقع به الشّمّ،و منه خرطوم الفيل،و خرطمه،إذا قطع أنفه و جعله خراطيم.(10:78)

القشيريّ: أي سنجعل له في القيامة[علامة]على أنفه تشويها لصورته،كي يعرف بها.(6:187)

الزّمخشريّ: الوجه أكرم موضع في الجسد،و الأنف أكرم موضع من الوجه لتقدّمه له،و لذلك جعلوه مكان العزّ و الحميّة،و اشتقّوا منه الأنفة،و قالوا:الأنف في الأنف،و حمى أنفه،و فلان شامخ العرنين،و قالوا في الذّليل:جدع أنفه،و رغم أنفه،فعبّر بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال و الإهانة،لأنّ السّمة على الوجه شين و إذالة،فكيف بها على أكرم موضع منه!

و لقد وسم العبّاس أباعره في وجوهها،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أكرم الوجوه»فوسمها في جواعرها.و في لفظ اَلْخُرْطُومِ استخفاف به و استهانة...

و قيل:سنشهره بهذه الشّتيمة في الدّارين جميعا،فلا تخفى،كما لا تخفى السّمة على الخرطوم.[ثمّ ذكر قول ابن شميّل و قال:]و هو تعسّف.(4:143)

نحوه الطّبرسيّ(5:335)،و ملخّصا البيضاويّ(2:

495)،و الكاشانيّ(5:210)،و الشّربينيّ(4:357).

ابن عطيّة: معناه:على الأنف،قاله المبرّد؛و ذلك أنّ الخرطوم يستعار في أنف الإنسان؛و حقيقته [الخرطوم]في مخاطم السّباع،و لم يقع التّوعّد في هذه الآية،بأن يوسم هذا الإنسان على أنفه.بسمة حقيقة،بل هذه عبارة عن فعل يشبه الوسم على الأنف.

و اختلف النّاس في ذلك الفعل،فقال ابن عبّاس:هو الضّرب بالسّيف،أي يضرب في وجهه،و على أنفه، فيجيء ذلك الوسم على الأنف،و حلّ ذلك به يوم بدر.

و قال محمّد بن يزيد المبرّد:ذلك في عذاب الآخرة في جهنّم،و هو تعذيب بنار على أنوفهم.

و قال آخرون:ذلك في يوم القيامة،أي يوسم على

ص: 585

أنفه بسمة يعرف بها كفره و انحطاط قدره.

و قال قتادة و غيره معناه:سنفعل به في الدّنيا من الذّمّ له و المقت و الإشهار بالشّرّ ما يبقى فيه و لا يخفى به، فيكون ذلك كالوسم على الأنف ثابتا بيّنا،و هذا المعنى كما تقول:سأطوّقك طوق الحمامة،أي أثبت لك الأمر بيّنا فيك.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الوسم على الأنف تشويه،فجاءت استعارته في المذمّات بليغة جدّا.و إذا تأمّلت حال أبي جهل و نظرائه و ما ثبت لهم في الدّنيا من سوء الأحدوثة،رأيت أنّهم قد وسموا على الخراطيم.(5:348)

الفخر الرّازيّ: قال المبرّد: اَلْخُرْطُومِ هاهنا:

الأنف،و إنّما ذكر هذا اللّفظ على سبيل الاستخفاف به، لأنّ التّعبير عن أعضاء النّاس بالأسماء الموضوعة،لأشباه تلك الأعضاء من الحيوانات يكون استخفافا،كما يعبّر عن شفاه النّاس بالمشافر،و عن أيديهم و أرجلهم بالأظلاف و الحوافر.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ و قال:]

منهم من قال:هذا الوسم يحصل في الآخرة.و منهم من قال:يحصل في الدّنيا.

أمّا على القول الأوّل ففيه وجوه:

أوّلها و هو قول مقاتل.و أبي العالية،و اختيار الفراء:

أنّ المراد أنّه يسودّ وجهه قبل دخول النّار،و الخرطوم و إن كان قد خصّ بالسّمة فإنّ المراد هو الوجه،لأنّ بعض الوجه يؤدّي عن بعض.

و ثانيها:أنّ اللّه تعالى سيجعل له في الآخرة العلم الّذي يعرف به أهل القيامة أنّه كان غاليا في عداوة الرّسول،و في إنكار الدّين الحقّ.

و ثالثها:أنّ في الآية احتمالا آخر عندي،و هو أنّ ذلك الكافر إنّما بالغ في عداوة الرّسول و في الطّعن في الدّين الحقّ بسبب الأنفة و الحميّة،فلمّا كان منشأ هذا الإنكار هو الأنفة و الحميّة،كان منشأ عذاب الآخرة هو هذه الأنفة و الحميّة،فعبّر عن هذا الاختصاص بقوله سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ.

و أمّا على القول الثّاني،و هو أنّ هذا الوسم إنّما يحصل في الدّنيا،ففيه وجوه:

أحدها:قال ابن عبّاس:سنخطمه بالسّيف،فنجعل ذلك علامة باقية على أنفه ما عاش.و روي أنّه قاتل يوم بدر فخطم بالسّيف في القتال.

و ثانيها:أنّ معنى هذا الوسم أنّه يصير مشهورا بالذّكر الرّديء و الوصف القبيح في العالم،و المعنى سنلحق به شيئا لا يفارقه و نبيّن أمره بيانا واضحا،حتّى لا يخفى كما لا تخفى السّمة على الخراطيم.تقول العرب للرّجل الّذي تسبّه في مسبّة قبيحة باقية فاحشة:قد وسمه ميسم سوء.

و المراد أنّه ألصق به عارا لا يفارقه،كما أنّ السّمة لا تنمحي و لا تزول البتّة.[ثمّ استشهد بشعر و شرحه ثمّ قال:]

و لا شكّ أنّ هذه المبالغة العظيمة في مذمّة الوليد بن المغيرة بقيت على وجه الدّهر،فكان ذلك كالوسم على الخرطوم.و ممّا يشهد لهذا الوجه قول من قال في«زنيم» عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ القلم:13 إنّه يعرف بالشّرّ كما تعرف الشّاة بزنمتها.

و ثالثها:[ذكر قول النّضر بن شميّل و زاد:]

فعلى هذا معنى الآية:سنحدّه على شرب الخمر و هو

ص: 586

تعسّف،و قيل للخمر:الخرطوم كما يقال لها السّلافة، و هي ما سلف من عصير العنب،أو لأنّها تطير في الخياشيم.(30:86)

نحوه النّيسابوريّ(29:21)،و الآلوسيّ بتفاوت يسير(29:28).

ابن عربيّ: أي نغيّر وجهه في القيامة الصّغرى، و نجعل آلة حرصه مشاكلا لهيئة نفسه كخرطوم الفيل مثلا،و نبدّل أعزّ أعضائه بما فيه علامة غاية الذّلّ،لخسّة نفسه المنجذبة إلى ما في جهة السّفل،الجاذبة لموادّ الرّجس.(2:686)

النّسفيّ: سَنَسِمُهُ سنكويه عَلَى الْخُرْطُومِ على أنفه مهانة له و علما يعرف به.و تخصيص الأنف بالذّكر،لأنّ الوسم عليه أبشع.

و قيل:خطم بالسّيف يوم بدر،فبقيت سمة على خرطومه.(4:280)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ ثمّ ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

و تلخّص من هذا أنّ قوله: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ أ هو حقيقة أم مجاز؟و إذا كان حقيقة فهل ذلك في الدّنيا أو في الآخرة.و أبعد النّضر بن شميّل في تفسيره اَلْخُرْطُومِ بالخمر و أنّ معناه:سنحدّه على شربها.(8:311)

أبو السّعود : سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ بالكيّ على أكرم مواضعه،لغاية إهانته و إذلاله.

قيل:أصاب أنف الوليد جراحة يوم بدر فبقيت علامتها.

و قيل:معناه سنعلّمه يوم القيامة بعلامة مشوّهة يعلم بها عن سائر الكفرة.(6:286)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

قيل:أصاب أنف الوليد جراحة يوم بدر فبقيت علامتها.قال صاحب«الكشف»:هو ضعيف،فإنّ الوليد مات قبله،فلم يوسم بوسم بقي أثره مدّة حياته.[إلى أن قال:]

قال العتبيّ: وصف اللّه الوليد بالحلف و المهانة و الهمز، و المشي بالنّميمة،و البخل و الظّلم و الإثم و الجفوة و الدّعوة،فأحلق به عارا لا يفارقه في الدّنيا و الآخرة.

[إلى أن قال:]

و في«التّأويلات النّجميّة»:نكوي خرطوم استعداده بكيّ نار الحجاب و البعد،حتّى لا يشمّ النّفحات الإلهيّة،و النّسمات الرّبّانيّة.(10:113)

المراغيّ: [نحو الزّمخشريّ إلى أن قال:]

و الخلاصة:سنذلّه في الدّنيا غاية الإذلال،و نجعله ممقوتا مذموما مشهورا بالشّرّ،و نسمه يوم القيامة على أنفه،ليعرف بذلك كفره و انحطاط قدره.(29:33)

ابن عاشور : سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ استئناف بيانيّ جوابا لسؤال ينشأ عن الصّفات الذّميمة الّتي وصفوا بها أن يسأل السّامع:ما جزاء أصحاب هذه الأوصاف من اللّه على ما أتوه من القبائح و الاجتراء على ربّهم؟

و ضمير المفرد الغائب في قوله: سَنَسِمُهُ عائد إلى كُلَّ حَلاّفٍ القلم:10،باعتبار لفظه و إن كان معناه الجماعات،فإفراد ضميره كإفراد ما أضيف إليه

ص: 587

(كلّ)من الصّفات الّتي جاءت بحالة الإفراد.

و المعنى:سنسم كلّ هؤلاء على الخراطيم،و قد علمت آنفا أنّ ذلك تعريض بمعيّن بصفة قوله: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ القلم:15،و بأنّه ذو مال و بنين.

و اَلْخُرْطُومِ: أريد به الأنف.و الظّاهر أنّ حقيقة الخرطوم:الأنف المستطيل،كأنف الفيل و الخنزير و نحوهما من كلّ أنف مستطيل.و قد خلط أصحاب اللّغة في ذكر معانيه خلطا،لم تتبيّن منه حقيقته من مجازه.[ثمّ نقل كلام بعض العلماء في ذلك و قال:]

و الوسم للإبل و نحوها،جعل سمة لها،أنّها من مملوكات القبيلة أو المالك المعيّن.فالمعنى:سنعامله معاملة يعرف بها أنّه عبدنا،و أنّه لا يغني عنه ماله و ولده منّا شيئا.

فالوسم:تمثيل تتبعه كناية عن التّمكّن منه و إظهار عجزه.

و أصل(نسمه)نوسمه مثل:يعد و يصل.

و ذكر اَلْخُرْطُومِ فيه جمع بين التّشويه و الإهانة،فإنّ الوسم يقتضي التّمكّن و كونه في الوجه إذلالا و إهانة،و كونه على الأنف أشدّ إذلالا،و التّعبير عن الأنف بالخرطوم تشويه،و الضّرب و الوسم و نحوهما على الأنف كناية عن قوّة التّمكّن و تمام الغلبة،و عجز صاحب الأنف عن المقاومة،لأنّ الأنف أبرز ما في الوجه، و هو مجرى النّفس،و لذلك غلب ذكر الأنف في التّعبير عن إظهار العزّة في قولهم:شمخ بأنفه،و هو أشمّ الأنف، و هم شمّ العرانين.و عبّر عن ظهور الذّلّة و الاستكانة بكسر الأنف،و جدعه،و وقوعه في التّراب في قولهم:

رغم أنفه،و على رغم أنفه.[ثمّ استشهد بشعر]

و معظم المفسّرين على أنّ المعنيّ بهذا الوعيد هو الوليد بن المغيرة.و قال أبو مسلم الأصفهانيّ في تفسيره قوله: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ هو ما ابتلاه اللّه به في نفسه و ماله و أهله من سوء و ذلّ و صغار.يريد:ما نالهم يوم بدر و ما بعده إلى فتح مكّة.

و عن ابن عبّاس معنى سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ سنخطمه بالسّيف،قال:و قد خطم الّذي نزلت فيه بالسّيف يوم بدر،فلم يزل مخطوما إلى أن مات،و لم يعيّن ابن عبّاس من هو.

و قد كانوا إذا ضربوا بالسّيوف قصدوا الوجوه و الرّءوس.قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يوم بدر لعمر بن الخطّاب لمّا بلغه قول أبي حذيفة:لئن لقيت العبّاس لألجمنّه السّيف، فقال رسول اللّه:«يا أبا حفص أ يضرب وجه عمّ رسول اللّه بالسّيف؟».

و قيل:هذا وعيد بتشويه أنفه يوم القيامة،مثل قوله:

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ آل عمران:106، و جعل تشويهه يومئذ في أنفه،لأنّه إنّما بالغ في عداوة الرّسول و الطّعن في الدّين بسبب الأنفة و الكبرياء.و قد كان الأنف مظهر الكبر،و لذلك سمّي الكبر«أنفة» اشتقاقا من اسم«الأنف»فجعلت شوهته في مظهر آثار كبريائه.(29:72)

عبد الكريم الخطيب :الوسم أشبه بالوشم،و هو علامة يعلّم بها الحيوان،بالكيّ في موضع بارز من جسمه،فيكون أثر الكيّ علامة مميّزة له،دالّة على مالكه.

ص: 588

و الخرطوم:الأنف،و لا يقال إلاّ للأنف الطّويل، كخرطوم الفيل مثلا.و في هذا وعيد و تهديد لهذا الإنسان الّذي ركب رأسه و شمخ متطاولا بأنفه،و هام في أودية الضّلال على وجهه،كما تهيم السّائمة في البراري و القفار.

و في وسم هذا الضّالّ على أنفه الّذي تشامخ به، و نفخه بالغرور،حتّى طال و تورّم و صار كالخرطوم-في هذا-إذلال له،و إهدار لآدميّته،و دمغه بهذا الوشم كما يدمغ الحيوان،إنّه ليس من عالم النّاس.

ثمّ ليس هذا و حسب،بل إنّ الوسم سيكون في أعزّ مكان منه،و هو الأنف،الّذي هو موضع الأنفة و العزّة،فما أهونه،و أضيعه،و أذلّه،هذا الحلاّف المهين.

(15:1089)

الطّباطبائيّ: [نحو الزّجّاج ثمّ استظهر نحوا ممّا قاله الزّمخشريّ و أضاف:]

و الظّاهر أنّ الوسم على الخرطوم ممّا سيقع يوم القيامة لا في الدّنيا،و إن تكلّف بعضهم في توجيه حمله على فضاحته في الدّنيا.(19:372)

المصطفويّ: أي نجعل على خرطومه علامة ليرغم أنفه و ينكسر تأنّفه،و يزول استكباره و استعزازه.و الضّمير راجع إلى العتلّ الزّنيم،الّذي كان ذا مال و بنين،و إذا تتلى عليه الآيات يقول هذه أساطير الأوّلين.فهو مع استكباره و تأنّفه يجمع المال و يجلب المأكولات كصاحب الخرطوم،و هذا هو اللّطف في التّعبير بهذه الكلمة،في الآية الشّريفة.(3:43)

مكارم الشّيرازيّ: هذا التّعبير كاشف و معبّر عن سوء النّهاية المذلّة لهؤلاء؛إذ جاء التّعبير أوّلا بالخرطوم الّذي يستعمل للفيل و للخنزير فقط،و هو دلالة واضحة في تحقيرهم.

و ثانيا:أنّ الأنف في لغة العرب غالبا ما يستعمل كناية عن العزّة و العظمة،كما يقال للفارس حين إذلاله:

مرّغوا أنفه بالتّراب،كناية عن زوال عزّته.

و ثالثا:أنّ وضع العلامة تكون عادة للحيوانات فقط،بل حتّى بالنّسبة إلى الحيوانات،فإنّها لا تعلّم في وجوهها-خصوصا أنوفها-أضف إلى ذلك،أنّ الإسلام قد نهى عن مثل هذا العمل.

و مع كلّ ما تقدّم تأتي الآية الكريمة ببيان معبّر واف و واضح أنّ اللّه تعالى سيذلّ هؤلاء الطّغاة الّذين امتلئوا عجبا بذواتهم،المتمادين في عنادهم و إصرارهم على الباطل،و تجاوزهم على الرّسول و الرّسالة،سيذلّهم بتلك الصّورة الّتي تحدّثت عنها الآية،و يفضحهم على رءوس الأشهاد،ليكونوا موضع عبرة للجميع.

إنّ التّاريخ الإسلاميّ ينقل لنا كثيرا من صور الإذلال و الامتهان لأمثال هذه المجموعة المخالفة للحقّ،المعاندة في ضلالها،المكابرة في تمسّكها بالباطل،بالرّغم من تقدّم الرّسالة الإسلاميّة و قوّتها و انتصاراتها،كما أنّ فضيحتهم في الآخرة ستكون أدهى و أمرّ.

قال بعض المفسّرين:إنّ أكثر آيات هذه السّورة كان يقصد بها:الوليد بن المغيرة،أحد رموز الشّرك الّذي واجه الإسلام،و تعرّض لرسوله الأمين محمّد صلّى اللّه عليه و آله،إلاّ أنّ من المسلّم به أنّ هذا القصد لا يمنع من تصميم، و توسعة مفهوم الآيات الكريمة و شموليّته.(18:486)

فضل اللّه :و هو الأنف الّذي يمثّل موقع العزّة في

ص: 589

وجه الإنسان،كما يقال:شمخ فلان بأنفه،و المقصود أنّ اللّه سوف يضع على أنفه علامة العذاب و الذّلّ ليعرفه كلّ من يراه بصفته الحقيرة في يوم القيامة.(23:46)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخرطوم:الأنف،يقال:

خرطمه،أي ضرب خرطومه،و اخرنطم الرّجل:عوّج خرطومه و سكت على غضب،أو رفع أنفه و استكبر، و المخرنطم:الغضبان المتكبّر مع رفع رأسه،و فلان خرطمانيّ عليه خفّ قرطمانيّ؛الخرطمانيّ:الكبير الأنف، و القرطمانيّ:الخفّ له منقار.

و من المجاز:خراطيم القوم:ساداتهم و مقدّموهم في الأمور،تشبيها بتقدّم الأنف في الوجه،و الخراطم من النّساء:الّتي دخلت في السّنّ،و هو على التّشبيه أيضا.

و في الحديث:«خفافهم مخرطمة»،أي ذات خراطيم و أنوف،أي صدورها و رءوسها محدّدة.و لعلّها لغة في «خرثم»،يقال منه:خرثمة النّعل و خرثمتها:رأسها.

2-و عدّ ابن فارس الخرطوم ممّا زاد على ثلاثة أحرف،إلاّ أنّه ذهب إلى القول بأنّه منحوت من«خطم» و«خرط»،و علّل ذلك قائلا:«لأنّ الغضوب خروط، راكب رأسه،و الخطم:الأنف،و هو شمخ بأنفه».

و لكنّ في ذلك تمحّلا بيّنا،و الأظهر أنّه أصل برأسه من دون اشتقاق أو نحت،و يعضده ما ورد في بعض أخوات العربيّة بهذه الصّيغة،نحو:«حرطوم»في الآرامية، و«حرطوما»في السّريانيّة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد اسما(الخرطوم)مرّة في آية:

سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ القلم:16

يلاحظ أوّلا:أنّ الخرطوم وحيد الجذر في القرآن، و فيه بحوث:

1-جاء هذا اللّفظ رويّ الآية،فغاير بذلك نسق الآيات السّابقة و اللاّحقة في الرّويّ،و هو النّون في الغالب و الميم في بعضها و لا شكّ أن لو قدّر لفظ «العرنين»،لاستقام رويّ أغلب الآيات؛إذ العرنين:

الأنف،أو ما صلب من عظم الأنف،أو أوّله،يقال:

عرانين القوم،أي ساداتهم و أشرافهم.

و لكنّ هذا التّقدير يخالف المعنى،لأنّ علّة ذكر الخرطوم الاستخفاف و الإهانة،و هو ليس في العرنين؛إذ جاء في صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان«أقنى العرنين» (1)،أي الأنف.و هذا دحض لشبهة من يقول:إنّ رويّ آيات القرآن يبتني على اللّفظ دون المعنى.

2-إن قيل:«الوسم»يختصّ بالحيوان،و إسناده إلى الكافر لأمرين:تعذيبه بالكيّ،و قمحه بالإهانة،فما حكمة ذكر الخرطوم هنا؟

يقال:يفيد ذكره تعيين موضع الوسم،و هو من أشرف المواضع في جسم الإنسان،فهو عنده موضع العزّ و الأنفة و الحميّة،يقال:شمخ فلان بأنفه،و هو أشمّ الأنف،و هم شمّ العرانين.لاحظ و س م:«نسمه».

3-جاء اَلْخُرْطُومِ متشاكلا مع صفات صاحبه لفظا،و هي:حلاّف،مهين،همّاز،مشّاء بنميم،منّاع

ص: 590


1- انظر النّهاية(3:223).

للخير،معتد،أثيم،عتلّ،زنيم؛إذ حروفه الخمسة مجهورة،سوى(الخاء)فهو مهموس،و يكوّن الخمس بالنّسبة إلى الجميع.و كذلك الصّفات المذكورة،فأغلب حروفها مجهورة،و قليل منها مهموسة،و هي تكوّن الخمس أيضا بالنّسبة إلى جميع الصّفات.

و لعلّ كثرة حروف الجهر في هذه الصّفات المشينة إشارة إلى ضرورة فضح من يتّصف بها،فكأنّها صرخة و صيحة،و قلّة الهمس فيها إشارة إلى ستر من يتّصف بها أحيانا،فكأنّها إغضاء و سكوت.إلاّ أنّ كفّة الجهر ترجح كفّة الهمس في الظّلم،و صاحب هذه الصّفات ظالم لا محالة،فيجب الجهر بمساوئه،قال تعالى: لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ النّساء:148.

ثانيا:جاء«الخرطوم»مرّة في سورة مكّيّة،و الفرق بينه و بين«الأنف»في القرآن أنّ الأنف جاء مرّتين في سورة مدنيّة كجارحة في القصاص: وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ المائدة:45،و لا يجوز استعمال(الخرطوم)في هذه الآية،لأنّه-كما قلنا آنفا-ورد للاستخفاف بصاحبه، و يقتضي في الأحكام اتّخاذ الحزم و الجدّ و مجانبة الملاحاة و الإزراء،و بهذا يتّضح الفرق بين اللّفظين.

ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن الجبهة و قد وردت نظائر له في القرآن:

الجبهة: فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ التّوبة:35.

العين: وَ لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ يس:66.

الفوه: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ يس:65.

العنق: وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا

سبأ:33.

الذّقن: إِنّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ يس:8.

النّاصية: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ الرّحمن:41.

الوجه: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ

القمر:48.

الرّأس: ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ

الدّخان:48.

ص: 591

ص: 592

خ ر ق

اشارة

4 ألفاظ،4 مرّات:في 3 سور مكّيّة

خرقها 1:1 اخرقتها 1:1

خرقوا 1:1 تخرق 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :خرقت الثّوب،إذا شققته.و خرقت الأرض،إذا قطعتها حتّى بلغت أقصاها.و به سمّي الثّور مخراقا.

و الاختراق:المرور في الأرض غير طريق عرضا.

و اخترقت دار فلان:جعلتها طريقا لحاجتك.

و الخرق:الشّقّ في حائط،أو ثوب و نحوه،فهو مخروق.

و الخرق:المفازة البعيدة،اخترقته الرّيح فهو خرق أملس.

و الخريق:الرّيح الباردة الشّديدة الهبوب،كأنّها خرقت،أماتوا الفاعل منه و المفعول (1).

و انخرقت الرّيح الخريق:منخريق:اشتدّ هبوبها.

و تخلّلها المواضع.

و يقال للرّجل المتمزّق الثّياب:منخرق السّربال.

و الاختراق كالاختلاق،و تخرّق الكذب كتخلّقه.

و المخارق:الأكاذيب.

و ريح خرقاء:لا تدوم على جهتها.

و مفازة خرقاء:بعيدة.

و ناقة خرقاء:لا تتعاهد مواضع قوائمها.

و بعير أخرق:يقع منسمه بالأرض قبل خفّه،يعتريه ذلك من النّجابة.

و الخرق:شبه النّظر من الفزع،كما يخرق الخشف إذا صيد،و هو الدّهش.

و خرق الرّجل:بقي متحيّرا من همّ أو شدّة.

و خرق في البيت خرقا:فلم يبرح.

و خرق يخرق فهو أخرق،إذا حمق.

ص: 593


1- و في الأزهري(7:21)عن ليث:أماتوا الفاعل بها.

و خرق بالشّيء:جهله و لم يحسن عمله.

و الخرقاء من الغنم:المثقوبة الأذن.

و المخراق:منديل أو نحوه،يلوى و يلعب به،و هو من لعب الصّبيان.يقال:لعب بالمخاريق.

و أخرقه الخوف فخرق،أي فزع.[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:149)

اللّيث:الخرق:نقيض الرّفق،و صاحبه أخرق.

مفازة خرقاء،خوقاء:بعيدة.

و الخرق من الفتيان:الظّريف في سماحة و نجدة.

(الأزهريّ 7:22،23)

المخراق:السّيف.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 7:24)

الكسائيّ: كلّ شيء من باب«أفعل و فعلاء»- سوى الألوان-فإنّه يقال فيه:«فعل يفعل»مثل:«عرج يعرج»و ما أشبهه،إلاّ ستّة أحرف فإنّها جاءت على «فعل»؛الأخرق،و الأحمق،و الأرعن،و الأعجف، و الأسمر.يقال:خرق الرّجل يخرق فهو أخرق،و كذلك أخواته.(الأزهريّ 7:23)

مؤرّج السّدوسيّ: كلّ بلد واسع تتخرّق به الرّيح فهو خرق.(الأزهريّ 7:22)

ابن شميّل: الخرق:الأرض البعيدة،مستوية كانت أو غير مستوية.يقال:قطعنا إليكم أرضا خرقا و خروقا.

و الخرق:البعد،كان فيه ماء أو شجر أو أنيس،أو لم يكن.

و يعدّ ما بين البصرة و حفر أبي موسى خرقا،و ما بين النّباج و ضريّة خرقا.(الأزهريّ 7:21)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الخريقة تتّخذ للنّخلة؛و ذاك أن تحفر البطحاء-و هي مجرى السّيل،و البطحاء:ما كان فيه الحصباء-حتّى تنتهي إلى الكدية،ثمّ يحشى رملا،ثمّ توضع فيه النّخلة.(1:169)

خرق من يبيس،أي قطع منه.

قد خرقوا الظّعائن،أي قاربوا بينهم.(1:225)

الخرق من الرّكايا:أن يخرق بعضها إلى بعض؛ و الواحدة؛خريق.(1:227)

خرق الرّجل يخرق،و برق يبرق،إذا دهش.

(الأزهريّ 7:23)

المخرورق:الّذي يدور على الإبل فيحملها على مكروهها.[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 10:77)

الفرّاء: يقال:مررت بخريق بين مسحاوين- و المسحاء:أرض لا نبات فيها-و الخريق:الّذي توسّط بين مسحاوين بالنّبات؛و الجميع:الخرق.

(الأزهريّ 7:22)

أبو زيد:[نقلا عن أبي حاتم]الخرق:القطع من الرّيح؛واحدتها:خرقة.و روى الأصمعيّ: خرق.(77)

الخرق:الّذي يبهت،و يفتح عينيه ينظر إليك.

(140)

الأصمعيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه نهى أن يضحّى بشرقاء أو خرقاء مقابلة أو مدابرة،أو جدعاء».

الخرقاء:الّتي تكون في الأذن ثقب مستدير.

(أبو عبيد 1:68)

ريح خريق،أي باردة.(الأزهريّ 7:25)

ابن الأعرابيّ: الغزال إذا أدركه الكلب خرق

ص: 594

فلزق بالأرض.(الأزهريّ 7:24)

رجل مخراق و خرق و متخرّق،أي سخيّ.

و لا جمع للخرق.(الأزهريّ 7:25)

ابن السّكّيت: الأخرق:الأعفك؛و ذاك إذا لم يحسن العمل،و يكون أخرق في خرقه بصاحبه في المعاملة.يقال:خرق يخرق خرقا،و عفك يعفك عفكا، و عفك يعفك عفكا،و العنيف:الأخرق بما عمل و ولي، يقال:عنف يعنف عنفا و عنافة.(191)

و يقال للرّجل إذا كان هشّا سريعا في المعروف:إنّه لخرق من الرّجال.

و فلان يتخرّق في ماله،إذا كان يتصرّف فيه بالمعروف.(201)

قد خرق كذبا و اخترقه،قال اللّه تعالى: وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ الأنعام:100.(259)

الورهاء و الخرمل:الحمقاء،و الخرقاء:الّتي لا تحسن العمل.(360)

الخرق:الفلاة الواسعة.

و الخرق:الّذي يكون في الثّوب و غيره.

و الخرق:السّخيّ الكريم يتخرّق في السّخاء.

و إنّما سمّوا الفلات خرقا لانخراق الرّيح فيها.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:14)

الخرق:أن يخرق الغزال من الفرق،فلا يقدر على النّهوض،و الطّائر فلا يقدر على الطّيران.

(إصلاح المنطق:45)

شمر:المخراق من الرّجال:الّذي لا يقع في أمر إلاّ خرج منه.

و الثّور البرّيّ يسمّى مخراقا،لأنّ الكلاب تطلبه فيفلت منها.

و قال أبو عدنان:المخارق:الملاصّ،يتخرّقون الأرض،بيناهم بأرض إذا هم بأخرى.

(الأزهريّ 7:25)

أبو الهيثم:الاختراق و الاختلاق و الاختراص و الافتراء:واحد.(الأزهريّ 7:22)

المبرّد: الخرقاء:الّتي لا تحسن شيئا فهي تفسد ما عرضت لها.[ثمّ استشهد بشعر](2:42)

الخريق هي الشّديدة من كلّ ريح.(2:59)

ثعلب :يقال:خرق الرّجل،و بعل و بحر و بقر،إذا نزل به أمر فبقي متحيّرا.(الخطّابيّ 1:265)

ابن دريد :خرق الرّجل يخرق خرقا،إذا لصق بالأرض من فزع حتّى لا يتحرّك.

و الخرّق:طائر يخرق فيلصق بالأرض؛و الجمع:

خرارق.

و الخرق:ضدّ الرّفق،خرق في أمره يخرق خرقا،إذا عيّ به.و المرأة الخرقاء:ضدّ الصّناع.

و رجل أخرق:ضدّ الصّنع،و مثل من أمثالهم:

«خرقاء وافقت صوفا»يعني رجلا أحمق له مال كثير ينفقه في غير حقّه.

و اخترقت الطّريق أخترق اختراقا.

و الخرق:كلّ نقب في شيء.

و خرقت الثّوب أخرقة خرقا،و تخرّق هو تخرّقا، و إن شئت قلت:خرّقته أنا تخريقا و انخرق انخراقا.

و الخرق:المفازة تنخرق في مثلها الرّيح؛و تجمع:

ص: 595

خروقا.

و الخرق:الرّجل الكثير المعروف،المتخرّق في الخير؛ و تجمع:أخراقا.

و رجل مخراق،إذا كان يتخرّق في الأمور و ينفذ فيها؛ و يجمع مخاريق.

و المخراق الّذي يلعب به عربيّ معروف،ثوب يفتل يتضارب به الصّبيان.

و يقال:خرقة من الثّوب،أي قطعة منه؛و الجمع:

خرق.

و ذو الخرق:أحد شعراء العرب و فرسانهم،و سمّي ذا الخرق.

و يقال:خرقة من جراد،و هي القطعة دون الرّجل.

و خرقت الشّيء و اخترقته،مثل اختلقته.

و رجل أخرق:أحمق.

و ريح خريق:ليّنة سهلة.

و قد سمت العرب مخراقا و مخارقا.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](2:212)

الخرّق:ضرب من الطّير.(3:352)

الأزهريّ: خلق الكلمة و اختلقها،و خرقها و اخترقها،إذا ابتدعها كذبا،و تخرّق الكذب و تخلّقه.

(7:22)

[قيل:]رماد خرق:لازق بالأرض.

و رحم خريق،إذا خرقها الولد،فلا تلقح بعد ذلك.

و ذو الخرق الطّهويّ: اسم شاعر أو لقب له.

و يقال:جاءت خرقة من جراد،أي:قطعة؛و جمعها:

خرق.

و الثّور الوحشيّ يسمّى مخراقا،لقطعه البلاد البعيدة.

و روي عن عليّ رضى اللّه عنه أنّه قال:«البرق مخاريق الملائكة».

قال كثّير:المخاريق بمعنى السّيوف.[و استشهد بالشّعر مرّتين](7:24)

الصّاحب:خرقت الثّوب،إذا شققته،و الأرض:

قطعتها.

و يسمّى الثّور:مخراقا.

و الاختراق:الممرّ في الأرض.و الرّيح تخترق الأشجار.

و الخرق:المفازة البعيدة.

و الخريق:من أسماء الرّيح الباردة الشّديدة الهبوب.

و الرّجل المتمزّق الثّياب:منخرق السّربال.

و الاختراق:كالاختلاق في الكذب.

و الخرق:نقيض الرّفق،و صاحبه أخرق،خرق يخرق.

و خرق يخرق،أي جهل.

و خرق في البيت فلم يبرح،يخرق خروقا.

و رجل مخروق الكفّ:لا يصيب شيئا.

و مثل:«لا تعدم الخرقاء علّة».

و ناقة خرقاء:لا تتعاهد مواضع قوائمها.

و بعير أخرق:يقع منسمه بالأرض قبل خفّه، يعتري النّجابة.

و الخرق من الفتيان:الظّريف في سماحة و نجدة؛ و الجميع الخرّاق.

و الخرق:شبه النّظر من الفزع و الدّهش.

ص: 596

و اللاّصق بالأرض:خرق،و كذلك المتحيّر.

و المخرق:السّاكت.

و المخراق:منديل يلوى فيضرب به.

و الخريق:البئر الّتي كسر جبلتها عن الماء،و تجمع:

خرائق.و هو-أيضا-مجرى الماء الّذي ليس بقعير و لا يخلو من شجر.و منفسح الوادي حيث ينتهي.

و المخراق:الحسن الجسم من الرّجال طال أو لم يطل.

و الخرق:حياء النّاقة.و ناقة خريق:منخرقة الرّحم.

و الخرق:نبت كالقسط له أوراق.

و الخرّق:طائر أصغر من القنبر؛و الجميع:الخرارق.

و المخرورق:الّذي يدور على الإبل و يخفّ و يتصرّف.(4:193)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه زوّج فاطمة من عليّ،فلمّا أصبح دعاها،فجاءت خرقة من الحياء، فقال لها:اسكني فقد زوّجتك أحبّ أهل بيتي،و دعا لهما».

قوله:«خرقة»معناه خجلة من فرط الحياء.

(1:265)

يروى عن بعض الحكماء أنّه سئل:ما الحلم؟فقال:

أن تكون ذا أناة،و أن تلاين الولاة.فقيل:ما الخرق؟قال:

مجاراة أميرك،و مماراة من يضيرك.(1:340)

في حديث مكحول أنّه قال:«كنّا مرابطين بالسّاحل، فتأجّل متأجّل،و ذلك في رمضان،و قد أصاب النّاس طاعون،فلمّا صلّينا المغرب وضعت الجفنة و قعد الرّجل و هم يأكلون فخرق».

قوله:«فخرق»أي وقع ميّتا.و الأصل في ذلك أن يصيب الإنسان فزع أو يبدهه أمر فيبقى مبهوتا.[ثمّ استشهد بشعر].(3:135)

الجوهريّ: خرقت الثّوب و خرّقته،فانخرق و تخرّق،و اخرورق.يقال:في ثوبه خرق،و هو في الأصل مصدر.

و خرقت الأرض خرقا،أي جبتها.

و الخرق:الأرض الواسعة تتخرّق فيها الرّياح؛ و جمعها خروق.

و الخريق:المطمئنّ من الأرض،و فيه نبات.

و الخريق:الرّيح الباردة الشّديدة الهبوب.و هو شاذّ و قياسه خريقة.

و اختراق الرّياح:مرورها.

و المخترق:الممرّ.

و منخرق الرّيح:مهبّها.

و الخرق بالكسر:السّخيّ الكريم.يقال:هو يتخرّق في السّخاء،إذا توسّع فيه،و كذلك الخرّيق،مثال الفسّيق.

و التّخرّق:لغة في التّخلّق من الكذب.

و الخرقة:القطعة من خرق الثّوب.

و ذو الخرق الطّهويّ: شاعر جاهليّ.

و المخراق:المنديل يلفّ ليضرب به،عربيّ صحيح.

و في حديث عليّ عليه السّلام:«البرق مخاريق الملائكة».

«و فلان مخراق حرب»،أي صاحب حروب يخفّ فيها.

و أما المخرقة فكلمة مولدة.

ص: 597

و الخرق بالتّحريك:الدّهش من الخوف أو الحياء، و قد خرق بالكسر فهو خرق.

و أخرقته أنا،أي أدهشته.

و الخرق أيضا:مصدر الأخرق،و هو ضدّ الرّفيق.

و قد خرق بالكسر يخرق خرقا؛و الاسم:الخرق بالضّمّ.

و في المثل:«لا تعدم الخرقاء علّة»و معناه أنّ العلل كثيرة موجودة تحسنها الخرقاء فضلا عن الكيّس.

و الخرقاء من الغنم:الّتي في أذنها خرق،و هو ثقب مستدير.

و ريح خرقاء،أي شديدة.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](4:1466)

ابن فارس: الخاء و الرّاء و القاف أصل واحد،و هو مزق الشّيء.وجوبه،إلى ذلك يرجع فروعه.فيقال:

خرقت الأرض،أي جبتها.و اخترقت الرّيح الأرض،إذا جابتها.و المخترق:الموضع الذي يخترقه الرّياح.

و الخرق:المفازة،لأنّ الرّياح تخترقها.

و الخرق:الرّجل السّخيّ،كأنّه يتخرّق بالمعروف.

و الخرق:نقيض الرّفق،كأنّ الذي يفعله متخرّق.

و التّخرّق:خلق الكذب.

و ريح خرقاء:لا تدوم في الهبوب على جهة.

و الخرقاء:المرأة لا تحسن عملا.

و الخرقاء من الشّاة و غيرها:المثقوبة الأذن.

و بعير أخرق:يقع منسمه.بالأرض قبل خفّه.

و الخرقة معروفة؛و الجمع خرق.و الخرقة من الجراد:

القطعة.

و من الباب الخرق،و هو التّحيّر و الدّهش.و يقال خرق الغزال،إذا طاف به الصّائد فدهش و لصق بالأرض.و يقال مثل ذلك تشبيها:خرق الرّجل في بيته، إذا لم يبرح.

و الخرّق:طائر يلصق بالأرض.ثم يتّسع في ذلك فيقال:الخرق الحياء.

و حكي عن بعض العرب:«ليس بها طول يذيمها، و لا قصر يخرقها»،أي لا تستحيي منه فتخرق.

و المخاريق:ما تلعب به الصّبيان من الخرق المفتولة.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:172)

الثّعالبيّ: كلّ بلد واسع تنخرق فيه الرّيح فهو خرق.(38)

فإذا كانت[الرّياح]باردة شديدة تخرق الثّوب فهي الخريق.(274)

أبو سهل الهرويّ: الخرق،بكسر الخاء من الرّجال:الّذي يتخرّق بالمعروف،أي يتوسّع بالعطاء و البذل،و هو السّخيّ الكريم.

و الخرق،بفتح الخاء من الأرض:الّذي يتخرّق في الفلاة،أي يتّسع.

و بعضهم يقول:الخرق:الّذي تنخرق فيه الرّيح،أي تهبّ فيه لسعته.و الفلاة:المفازة و هي الأرض الّتي لا ماء بها و لا أنيس ليلتين فما زاد على ذلك.(59)

ابن سيده: الخرق:الفرجة؛و جمعه:خروق.

و خرقه يخرقه خرقا،و خرّقه و اخترقه فتخرّق و انخرق،يكون ذلك في الثّوب و غيره.و الخرقة:المزقة منه.

و أمّا قوله:

ص: 598

إنّ بني سلمى شيوخ جلّه

بيض الوجوه خرق الأخلّه

فزعم ابن الأعرابيّ أنّه عنى أنّ سيوفهم تأكل أغمادها و تخرقها من حدّتها،ف«خرق»على هذا:جمع خارق أو خروق،أي خرق السّيوف للأخلّة.

و انخرقت الرّيح:هبّت على غير استقامة.

و ريح خريق:شديدة،و قيل:ليّنة سهلة،فهو ضدّ، و قيل:راجعة غير مستمرّة السّير،و قيل:طويلة الهبوب.

و الخرق:الفلاة الواسعة،سمّيت بذلك لانخراق الرّيح فيها؛و الجمع:خروق.

و تخرّق في الكرم:اتّسع.

و الخرق:الكريم المتخرّق في الكرم.و قيل:هو الفتى الحسن الكريم الخليقة؛و الجمع:أخراق و خروق.

و الخرّيق من الرّجال كالخرق؛و جمعه:خرّيقون.و لم نسمعهم كسّروه،لأنّ مثل هذا لا يكاد يكسّر عند سيبويه.

و المخراق:الكريم،كالخرق،حكاه ابن الأعرابيّ.

و أذن خرقاء:فيها خرق نافذ،و شاة خرقاء:مثقوبة الأذن ثقبا مستديرا.و قيل:الخرقاء:الشّاة يشقّ في وسط أذنها شقّ واحد إلى طرف أذنها و لا تبان.

و الاختراق:الممرّ في الأرض عرضا على غير طريق.

و اخترق الدّار:جعلها طريقا لحاجته.

و اخترقت الخيل ما بين القرى و الشّجر:تتخلّلها.

و خرق الأرض يخرقها:قطعها،و في التّنزيل: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ الإسراء:37.

و المخراق:الثّور الوحشيّ،لأنّه يخرق الأرض، و هذا كما قيل له:ناشط.

و خرق الكذب و اخترقه،و خرّقه،و تخرّقه،كلّه:

اختلقه.

و الخرق و الخرق:نقيض الرّفق.

و خرق بالشّيء:جهله و لم يحسن عمله،و هو أخرق.

و بعير أخرق:يقع منسمه بالأرض قبل خفّه.

و ناقة خرقاء:لا تعهّد مواضع قوائمها.

و ريح خرقاء:لا تدوم على جهتها في هبوبها.

و مفازة خرقاء:بعيدة.

و الخرق:الحمق،خرق خرقا فهو أخرق؛و الأنثى:

خرقاء.

و الخرق:الدّهش من الفزع،و قد خرق خرقا،فهو خرق.

و خرق الظّبي:دهش فلصق بالأرض و لم يقدر على النّهوض،و كذلك الطّائر إذا لم يقدر على الطّيران فزعا، و قد أخرقه الفزع.

و المخراق:منديل أو نحوه يلوى فيضرب به،أو يلفّ فيفزّع به،و هو لعب يلعب به الصّبيان.

و المخراق:الطّويل الحسن الجسم.

و المخروق:المحروم الّذي لا يقع في يده غنى.

و خرق في البيت خروقا:أقام فلم يبرح.

و الخرقة:القطعة من الجراد كالخرقة.

و الخرّق:ضرب من العصافير؛واحدته:خرّقة، و قيل:الخرّق واحد.

ص: 599

و الخرقاء:موضع.

و مخراق و مخارق:اسمان.و ذو الخرق:من شعرائهم، لقب له،و اسمه قرط.[و استشهد بالشّعر 7 مرّات]

(4:532)

الخرق:القطع،و قد استعمل في قطع المسافة،فقيل:

خرق الأرض يخرقها خرقا و اخترقها،إذا جابها و ذهب فيها عرضا.(الإفصاح 1:272)

الخرقة:القطعة من الثّوب الممزّق؛الجمع:خرق.

(الإفصاح 1:385)

الخرّق:جنس من العصافير يخرق فيلصق بالأرض؛الواحدة:خرّقة،و الجمع:الخرّق و الخراريق، يجتمعن في الزّرع يأكلنه.(الإفصاح 2:893)

خرق الأرض يخرقها خرقا:شقّها للحرث.

(الإفصاح 2:1065)

الرّاغب: الخرق:قطع الشّيء على سبيل الفساد، من غير تدبّر و لا تفكّر،قال تعالى: أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها الكهف:71،و هو ضدّ الخلق،و إنّ الخلق هو فعل الشّيء بتقدير و رفق،و الخرق بغير تقدير،قال تعالى:

وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ الأنعام:100،أي حكموا بذلك على سبيل الخرق.

و باعتبار القطع قيل:خرق الثّوب و خرّقه،و خرق المفاوز،و اخترق الرّيح.

و خصّ الخرق و الخريق بالمفاوز الواسعة إمّا لاختراق الرّيح فيها،و إمّا لتخرّقها في الفلاة،و خصّ الخرق بمن ينخرق في السّحاب.

و قيل لثقب الأذن إذا توسّع:خرق،و صبيّ أخرق و امرأة خرقاء:مثقوبة الأذن ثقبا واسعا.

و قوله تعالى: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ الإسراء:

37،فيه قولان:أحدهما:لن تقطع،و الآخر:لن تثقب الأرض إلى الجانب الآخر،اعتبارا بالخرق في الأذن، و باعتبار ترك التّقدير قيل:رجل أخرق و خرق،و امرأة خرقاء،و شبّه بها الرّيح في تعسّف مرورها فقيل:ريح خرقاء.و روي:«ما دخل الخرق في شيء إلاّ شانه».

و من الخرق استعيرت المخرقة،و هو إظهار الخرق توصّلا إلى حيلة.

و المخراق:شيء يلعب به،كأنّه يخرق لإظهار الشّيء بخلافه.

و خرق الغزال،إذا لم يحسن أن يعدو لخرقه.(146)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:534)

الزّمخشريّ: خرق الثّوب و خرّقه:وسّع شقّه، و انخرق و تخرّق،و هو منخرق السّربال،و ثوبه خرق و مزق،و فيه خرق واسع،و خروق،و اتّسع الخرق على الرّاقع.

و شاة خرقاء:مثقوبة الأذن.

و هم يلعبون بالمخاريق،و كأنّ سيفه مخراق لاعب.

و مررنا بخريق من الأرض،و هي الواسعة الكثيرة النّبات.و قد خرق في عمله،و فيه خرق،و هو أخرق، و هي خرقاء.و في مثل:«لا تعدم خرقاء علّة».

و أصابه برق و خرق،و هو الدّهش،من خرق الغزال خرقا،إذا أطيف به،فلزق بالأرض.

و من المجاز:خرقت المفازة:قطعتها حتّى بلغت أقصاها.و الثّور مخراق المفازة.

ص: 600

و وقعت في الأرض خرقة من جراد.

و اخترقت الأرض:مررت فيها عرضا على غير طريق.

و لا تخترق المسجد:لا تجعله طريقا لحاجتك.

و الرّيح تخترق البلد.

و بلد بعيد المخترق.و الخيل تخترق ما بين القرى و الشّجر.

و اخترقت القوم:مضيت وسطهم.

و خرق الكذب و خرّقه و اخترقه و تخرّقه:اشتقّه.

و انخرقت الرّيح:اشتدّ هبوبها.

و كأنّه خريق في خريق،أي ريح شديدة في متّسع من الأرض.و فلان خرق يتخرّق في السّخاء:يتّسع فيه.

و هو منخرق الكفّ بالنّوال،و مخروق الكفّ:لا يليق شيئا.

و ناقة خرقاء:لا تتعاهد مواضع قوائمها من الأرض.

و ريح خرقاء:لا تدوم على جهة في هبوبها،وصفت بالخرق،كما وصفت بالهوج.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(108)

الخارقة:الّتي تخرق ثوبها.(الفائق 1:306)

«البرق مخاريق الملائكة».جمع:مخراق،و هو ثوب يفتل يتضارب به،ثمّ يقال للسّيوف الخفاف:مخاريق تشبيها.[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 1:363)

المدينيّ: في الحديث:«تعين صانعا أو تصنع لأخرق». (1)

و في حديث جابر رضى اللّه عنه:«فكرهت أن أجيئهنّ بخرقاء مثلهنّ».

الخرقاء:الّتي تجهل ما يجب أن تعلمه،و قد خرق و خرق إذا لم يحسن العمل،فهو أخرق إذا لم يكن في يديه صنعة.و الخرقاء:الحمقاء،و الخرقاء:المثقوبة الأذن...

و الخرق:الدّهش،و الحياء،و التّحيّر،و اللّصوق بالأرض.

في الحديث:«إنّ أيمن و فتية معه،رضي اللّه عنهم، حلّوا أزرهم و جعلوها مخاريق و اجتلدوا بها،فرآهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:لا من اللّه استحيوا،و لا من رسوله استتروا،و أمّ أيمن تقول:استغفر لهم،فبلأي (2)ما استغفر لهم».

المخاريق:شيء يلعب به الصّبيان،يضفرون أزرهم، يضرب بعضهم بعضا.

قيل:و منه حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«كان عليه عمامة خرقانيّة»كأنّه لواها،ثمّ كوّرها،كما يفعله أهل الرّساتيق و نحوهم،و الثّوب إذا لوي للضّرب به سمّي مخراقا.و قد اختلفت الرّواة في هذه الكلمة فرووها بألفاظ مختلفة،لكلّ لفظ منها وجه.(1:569)

ابن الأثير: منه الحديث في صفة البقرة و آل عمران:«كأنّهما خرقان من طير صوافّ»،هكذا جاء في حديث النّوّاس،فإن كان محفوظا بالفتح فهو من الخرق، أي ما انخرق من الشّيء و بان منه،و إن كان بالكسر فهو من الخرقة:القطعة من الجراد.

و قيل:الصّواب«حزقان»بالحاء المهملة و الزّاي،منء.

ص: 601


1- أي جاهل بما يجب أن يعمله،و لم يكن في يديه صنعة يكتسب بها.
2- أي بعد جهد و مشقّة و إبطاء.

الخرقة،و هي الجماعة من النّاس و الطّير و غيرهما.

و منه حديث مريم عليها السّلام:«فجاءت خرقة من جراد فاصطادت و شوته».

و في حديث عليّ: «البرق مخاريق الملائكة»هي جمع:مخراق،و هو في الأصل ثوب يلفّ و يضرب به الصّبيان بعضهم بعضا.

أراد أنّه آلة تزجر بها الملائكة السّحاب و تسوقه، و يفسّره حديث ابن عبّاس:«البرق سوط من نور تزجر به الملائكة السّحاب».(2:26)

الفيّوميّ: الخرق:الثّقب في الحائط و غيره؛و الجمع:

خروق،مثل فلس و فلوس.و هو مصدر في الأصل من «خرقته»من باب ضرب،إذا قطعته،و خرّقته تخريقا مبالغة.

و قد استعمل في قطع المسافة،فقيل:خرقت الأرض،إذا جبتها.

و خرق الغزال و الطّائر خرقا من باب«تعب»،إذا فزع فلم يقدر على الذّهاب.

و منه قيل:خرق الرّجل خرقا من باب«تعب» أيضا،إذا دهش من حياء أو خوف،فهو خرق.و خرق خرقا،إذا عمل شيئا فلم يرفق فيه،فهو أخرق؛و الأنثى:

خرقاء،مثل أحمر و حمراء.و الاسم:الخرق بضمّ الخاء و سكون الرّاء.

و خرق بالشّيء من باب«قرب»إذا لم يعرف عمله بيده،فهو أخرق أيضا.

و خرقت الشّاة خرقا من باب«تعب»إذا كان في أذنها خرق،و هو ثقب مستدير،فهي خرقاء.

و الخرقة من الثّوب:القطعة منه؛و الجمع:خرق،مثل سدرة و سدر.(1:167)

الفيروزآباديّ: خرقه يخرقه و يخرقه:جابه و مزّقه، و الرّجل كذب،و قطع المفازة،و الثّوب:شقّه،و الكذب:

صنعه،و في البيت خروقا:أقام فلم يبرح،و خرق (1)كفرح.

و خرق بالشّيء ككرم:جهله.

و الخرق:القفر،و الأرض الواسعة تتخرّق فيها الرّياح كالخرقاء؛جمعه خروق،و نبت كالقسط،و موضع بنيسابور.

و بالكسر و كسكّيت:السّخي أو الظّريف في سخاوة،و الفتى الحسن الكريم الخليقة؛جمعه:أخراق و خرّاق و خروق.

و كمقعد:الفلاة،و من الحوض:حجر يكون في عقره ليخرجوا منه الماء إذا شاءوا.

و المخروق:المحروم لا يقع في كفّه غنى.

و الخرقة بالكسر من الجراد و الثّوب:القطعة منه؛ جمعه:كعنب...

و المخراق:الرّجل الحسن الجسم طال أو لم يطل، و المتصرّف في الأمور،و الثّور البرّيّ،و السّيّد و السّخيّ، و اسم،و المنديل يلفّ ليضرب به.

و هو مخراق حرب:صاحب حروب.

و الخريق:المطمئنّ من الأرض و فيه نبات؛جمعه:

ككتب،و الرّيح الباردة الشّديدة الهبّابة كالخروق،و اللّيّنة السّهلة ضدّ،أو الرّاجعة المستمرّة السّير،أو الطّويلة!!

ص: 602


1- هذا هو الظّاهر،و في الأصل:كقرق!!

الهبوب،و البئر كسر جبلتها من الماء؛جمعه:خرائق و خرق،و من الأرحام:الّتي خرقها الولد فلا تلقح كالمتخرّقة،و مجرى الماء الّذي ليس بقعير و لا يخلو من شجر،و منفسح الوادي حيث ينتهى.

و ككتف:الرّماد لأنّه يثبت و يذهب أهله،و ولد الظّبية الضّعيف القوائم.

و كركّع:طائر أو جنس من العصافير؛جمعه:

خرارق.

و الخرق محرّكة:الدّهش من خوف أو حياء،أو أن يبهت فاتحا عينيه ينظر،و أن يفرق الغزال فيحجز عن النّهوض،و الطّائر فلا يقدر على الطّيران،خرق كفرح فهو خرق و هي خرقة.و بلا لام:قرية بمرو معرّب خره.

و الخرق بالضّمّ و بالتّحريك:ضدّ الرّفق،و أن لا يحسن الرّجل العمل و التّصرّف في الأمور،و الحمق كالخرقة،و جمع الأخرق و الخرقاء،خرق كفرح و كرم.

و كسحبان:قرية ببسطام و تحريكه لحن،و بتشديد الرّاء:قرية بهمذان.

و كسكّيت:الكثير السّخاء،و الزّبير بن خريق كزبير تابعيّ.

و الأخرق:الأحمق،أو من لا يحسن الصّنعة كالخرق ككتف و ندس،و البعير يقع منسمه على الأرض قبل خفّه يعتريه ذلك من النّجابة.

و خرقاء:امرأة سوداء كانت تقمّ مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و رضي عنها،و امرأة من بني البكّاء شبّب بها ذو الرمّة،و من الغنم:الّتي في أذنها خرق،و من الرّيح:

الشّديدة،و من النّوق:الّتي لا تتعاهد مواضع قوائمها، و موضع...

«و لا تعدم الخرقاء علّة»يضرب في النّهي عن المعاذير،أي العلل كثيرة تحسنها الخرقاء فضلا عن الكيّس،فلا ترضوا بها لأنفسكم.

و أخرقه:أدهشه.

و التّخريق:التّمزيق،و كثرة الكذب،و التّخرّق:

خلق الكذب،و مطاوع التّخريق كالانخراق،و التّوسّع في السّخاء.

و رجل متخرّق السّربال و منخرقه،إذا طال سفره فتشقّقت ثيابه.

و اخرورق:تخرّق.

و المخرورق:من يدور على الإبل و يخفّ و يتصرّف.

و اخترق:مرّ،و الكذب:اختلقه.

و مخترق الرّياح:مهبّها.(3:233)

الطّريحيّ: [نحو الفيّوميّ و أضاف:]

الخرق:الجهل.و منه:«النّوم بعد الغداة خرق».و في بعض ما صحّ من النّسخ«حزق»بالحاء المهملة و الزّاء المعجمة،و عليها من القاموس أي فقر،و لم نجده...

و الخرقة بالكسر:القطعة من الثّوب...و منه خرقة الميّت.

و خرقت الثّوب و خرّقته مبالغة.

و مخرق:اسم رجل،و مخارق أيضا:اسم رجل صاحب صوت،أي مغنّ.(5:153)

العدنانيّ: الخرق،و الخرق.يقولون:في هذا الثّوب خرق.و الصّواب:فيه خرق،أي ثقب،كما جاء في

ص: 603

الصّحاح،و الأساس،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و النّهاية،و المغرب،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.

و يجمع الخرق على خروق.

أمّا الخرق فهو الحمق و الجهل.جاء في النّهاية:و في الحديث:«الرّفق يمن،و الخرق شؤم»،و قد خرق يخرق خرقا فهو أخرق؛و الاسم:الخرق بالضّمّ.

و ممّن ذكر أيضا أنّ الخرق هو الحمق و الجهل:الجامع للكرمانيّ.و الصّحاح،و الأساس،و المغرب،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.

و الخرق و الخرق يحملان معنى الخرق أيضا.

فلان أخرق من فلان أو أشدّ خرقا منه

و يخطّئون من يقول:فلان أخرق من فلان،لأنّ اسم التّفضيل هنا يدلّ على عيب،و يقولون:إنّ الصّواب هو:

فلان أشدّ خرقا من جاره.

و الحقيقة هي أنّ كلتا الجملتين صحيحتان،كما يقول النّحاة،و فعله هو:خرق يخرق خرقا:حمق،فهو أخرق.

و خرق،و خرق،و هي خرقاء و خرقة.

و يجوز أن نقول أيضا:خرق يخرق خرقا:

حمق.(187)

مجمع اللّغة :خرق الثّوب و نحوه يخرقه خرقا:

ثقبه.

خرق الشّيء:ادّعاه إفكا و كذبا.(1:330)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خرق الثّوب:ثقبه، و خرق السّفينة:أحدث فيها ثقبا.

و خرق الأرض:جابها و جاس خلالها.

و التّخرّق:لغة في تخلّق الكذب و اختلاقه، وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ: اختلقوا أنّ له بنين افتراء عليه تعالى.(1:161)

محمود شيت:المخراق:النّافذ في الأمور.

و السّيف.و يقال:هو مخراق حرب:صاحب حروب يخفّ فيها.

خرق المدفع الدّبّابة:شقّها و مزّقها.و الجيش مواضع العدوّ:شقّها و مضى وسطها.

اخترق الموضع:شقّه و مضى وسطه.

الخارق:يقال:عتاد خارق:قاطع،يخرق الهدف.

الخرق:الثّقب في الدّبّابة و غيرها؛جمعه:خروق.

و حركة عسكريّة تشطر مواضع العدوّ و تمزّقه.

(1:215)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو العمل و التّصرّف السّوء،فينطبق على مفاهيم:

القطع،و المزق،و الشقّ،و الطّعن،و الفرق،و الثّقب، و التّجاوز عن الجريان و العادة و الاختلاق؛باختلاف الموارد.

فيقال:خرق الثوب،أي شقّها و مزّقها و قطعها، و خرق الأرض،أي مشى فيها بنحو المزق و الشّدّة، و على خلاف الجريان الطّبيعيّ و العاديّ في المشي و الطّريق.و هذا المعنى مجاز و مأخوذ من خرق الأرض و التّصرّف السّيّئ فيها،و خرق الغزال إذا حصلت له حالة الوحشة و انقطع جريان حاله،و خرج عن

ص: 604

الاعتدال،و اخترقت الرّيح الأرض،إذا تجاوزت عن حدّ الجريان الطّبيعيّ و حزق مهبّها،و هكذا سائر المعاني السّابقة للمادّة.[ثمّ ذكر الآيات](3:45)

النّصوص التّفسيريّة

خرقها-خرقتها

فَانْطَلَقا حَتّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها... الكهف:71

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:...«أخذ الخضر فأسا فخرق لوحا من السّفينة».(الثّعلبيّ 6:183)

ابن عبّاس: ثقبها الخضر.(250)

الزّجّاج: خَرَقَها بأن قلع لوحين ممّا يلي الماء.(3:302)

نحوه الزّمخشريّ(2:493)،و ابن عطيّة(3:530)، و أبو السّعود(4:204).

الطّوسيّ: أي شقّ فيها شقّا،لما أعلمه اللّه من المصلحة في ذلك.(7:73)

الطّبرسيّ: أي شقّها حتّى دخلها الماء،و قيل:إنّه قلع لو حين ممّا يلي الماء فحشاهما موسى عليه السّلام بثوبه، و قال منكرا عليه: أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها و لم يقل:

(لنغرق)،و إن كان في خرقها غرق جميعهم،لأنّه أشفق على القوم أكثر من إشفاقه على نفسه جريا على عادة الأنبياء.(3:483)

الفخر الرّازيّ: أقدم ذلك العالم على خرق السّفينة، و لعلّه أقدم على خرق جدار السّفينة لتصير السّفينة بسبب ذلك الخرق معيبة ظاهرة العيب،فلا يتسارع الغرق إلى أهلها،فعند ذلك قال موسى له: أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها. (21:154)

ابن عربيّ: أي نقصها بالرّياضة و تقليل الطّعام، و أضعف أحكامها،و أوقع الخلل في نظامها و أوهنها، قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها أي أ كسرتها لتغرق القوى الحيوانيّة و النّباتيّة الّتي فيها في بحر الهيولى فتهلك.

(1:769)

الآلوسيّ: صحّ أنّهما لمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلاّ و الخضر قد قلع لوحا من ألواحها بالقدوم،فقال له موسى عليه السّلام:قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها.

و صحّ أيضا أنّه عليه السّلام خرقها،و وتد فيها وتدا.و قيل:

قلع لوحين ممّا يلي الماء.

و في رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس مرفوعا:«أنّهما لمّا ركبا و اطمأنّا فيها،و لججت بهما مع أهلها أخرج مثقابا له و مطرقة،ثمّ عمد إلى ناحية منها، فضرب فيها بالمنقار حتّى خرقها،ثمّ أخذ لوحا فطبّقه عليها،ثمّ جلس عليها يرقعها».

و هذه الرّواية ظاهرة في أنّ خرقه إيّاها كان حين وصولها إلى لجّ البحر،و هو معظم مائه.

و في الرّواية عن الرّبيع أنّ أهل السّفينة حملوهما فساروا حتّى إذا شارفوا على الأرض خرقها.

و يمكن الجمع بأنّ أوّل العزم كان و هي في اللّجّ،و تمام الفعل كان و قد شارفت على الأرض،و ظاهر الأخبار يقتضي أنّه عليه السّلام خرقها و أهلها فيها،و هو ظاهر قوله تعالى:قال موسى أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها...

ص: 605

(15:335)

فضل اللّه :أحدث فيها ثغرة قد ينفذ الماء منها.(14:368)

خرقوا

وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَ خَلَقَهُمْ وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يَصِفُونَ.

الأنعام:100

ابن عبّاس: وصفوا له.(116)

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 5:292)

يعني أنّهم تخرّصوا.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 5:292)

جعلوا.(الطّبريّ 5:292)

مجاهد :كذبوا.(الطّبريّ 5:292)

مثله ابن جريج(الماورديّ 2:151)،و أبو عمرو (الطّبريّ 5:292).

الحسن :إنّما هو وَ خَرَقُوا بالتّخفيف،كلمة عربيّة،كان الرّجل إذا كذب في النّادي قيل:«خرقها و ربّ الكعبة».(النّحّاس 2:466)

السّدّيّ: قطعوا له بنين و بنات.و قالت العرب:

الملائكة بنات اللّه،و قالت اليهود و النّصارى:المسيح و عزير أبناء اللّه.(248)

ابن زيد : خَرَقُوا: كذبوا،لم يكن للّه بنون و لا بنات،قالت النّصارى:المسيح ابن اللّه،و قال المشركون:

الملائكة بنات اللّه،فكلّ خرقوا الكذب،و خرقوا:

اخترقوا.(الطّبريّ 5:292)

الفرّاء: وَ خَرَقُوا: و اخترقوا،و خلقوا و اختلقوا، يريد:افتروا.(1:348)

نحوه البروسويّ.(3:76)

أبو عبيدة :افتعلوا للّه بنين و بنات،و جعلوها له، و اختلقوه من كفرهم كذبا.(1:203)

ابن قتيبة :أي اختلقوا و خلقوا ذلك بمعنى واحد، كذبا و إفكا.(157)

الطّبريّ: يعني بقوله خَرَقُوا اختلقوا،يقال:

اختلق فلان على فلان كذبا و اخترقه،إذا افتعله و افتراه.

[إلى أن قال:]

فتأويل الكلام إذن:و جعلوا للّه الجنّ شركاء في عبادتهم إيّاه،و هو المنفرد بخلقهم بغير شريك،و لا معين، و لا ظهير،و خرقوا له بنين و بنات.

يقول:و تخرّصوا للّه كذبا،فافتعلوا له بنين و بنات بغير علم منهم بحقيقة ما يقولون،و لكن جهلا باللّه و بعظمته،و أنّه لا ينبغي لمن كان إلها أن يكون له بنون و بنات،و لا صاحبة،و لا أن يشركه في خلقه شريك.

(7:298)

نحوه الطّوسيّ.(4:237)

الزّجّاج: معنى خَرَقُوا اختلقوا و كذبوا،و ذلك لأنّهم زعموا أنّ الملائكة بنات اللّه،و زعمت النّصارى أنّ المسيح ابن اللّه،و ذكرت اليهود أنّ عزير ابن اللّه،فأعلم جلّ ثناؤه أنّهم اختلقوا ذلك بغير علم،أي لم يذكروه عن علم،و إنّما ذكروه تكذّبا.(2:278)

نحوه مغنيّة.(3:237)

القمّيّ: أي موّهوا و حرّفوا.(1:212)

ص: 606

السّجستانيّ: افتعلوا ذلك و اختلقوه كذبا،و معنى (و خرّقوا)له:فعلوا مرّة بعد أخرى،و(خرقوا):فعلوا ما لا أصل له،و هي قراءة ابن عبّاس.(61)

أبو زرعة:قرأ نافع: «و خرّقوا» بالتّشديد،أي مرّة بعد مرّة،مثل قتل و قتّل.و قرأ الباقون وَ خَرَقُوا بالتّخفيف.و معنى خرقوا و اخترقوا و اختلقوا:كذبوا.

(264)

الثّعلبيّ: أي اختلقوا و خرصوا.و قرأ أهل المدينة بكثرته: (و خرّقوا) على التّكثير لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ و هم كفّار مكّة.(4:175)

الماورديّ: في خَرَقُوا قراءتان بالتّخفيف و التّشديد،و فيه قولان:القول الأوّل:[نقل قول مجاهد و الفرّاء]

و القول الثّاني:أنّ معنى القراءتين مختلف،و في اختلافهما قولان:

أحدهما:أنّها بالتّشديد على التّكثير.

و الثّاني:أنّ معناها بالتّخفيف:كذبوا،و بالتّشديد:

اختلقوا.(2:151)

الزّمخشريّ: و خلقوا له،أي افتعلوا له بَنِينَ وَ بَناتٍ، و هو قول أهل الكتابين في المسيح و عزير، و قول قريش في الملائكة،يقال:خلق الإفك و خرقه و اختلقه و اخترقه بمعنى.[و نقل قول الحسن ثمّ قال:]

و يجوز أن يكون من خرق الثّوب،إذا شقّه،أي اشتقّوا له بنين و بنات.

و قرئ: (و خرّقوا) بالتّشديد للتّكثير،لقوله: بَنِينَ وَ بَناتٍ.

و قرأ ابن عمر و ابن عبّاس رضي اللّه عنهما: (و حرّفوا له) بمعنى:و زوّروا له أولادا،لأنّ المزوّر:محرّف مغيّر للحقّ إلى الباطل.(2:40)

نحوه ملخّصا البيضاويّ(1:324)،و النّسفيّ(2:

26)،و أبو السّعود(2:422).

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

و منه قوله تعالى: أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها، و هو ضدّ الخلق،فإنّه فعل الشّيء بتقدير و رفق،و الخرق بغير تقدير،قال تعالى: وَ خَرَقُوا لَهُ أي حكموا بذلك على سبيل الخرق و باعتبار القطع.(7:241)

ابن عاشور :جملة وَ خَرَقُوا عطف على جملة وَ جَعَلُوا و الضّمير عائد على المشركين.[و ذكر نحو الآلوسيّ ثمّ قال:]

و قراءة نافع تفيد المبالغة في الفعل،لأنّ«التّفعّل» (1)يدلّ على قوّة حصول الفعل.فمعنى خَرَقُوا كذبوا على اللّه على سبيل الخرق،أي نسبوا إليه بنين و بنات كذبا.

فأمّا نسبتهم البنين إلى اللّه فقد حكاها عنهم القرآن هنا، و المراد:أنّ المشركين نسبوا إليه بنين و بنات.و ليس المراد اليهود في قولهم: عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ التّوبة:30،و لا النّصارى في قولهم: اَلْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ التّوبة:30،كما فسّر به جميع المفسّرين،لأنّ ذلك لا يناسب السّياق، و يشوّش عود الضّمائر،و يخرم نظم الكلام.

فالوجه:أنّ المراد أنّ بعض المشركين نسبوا للّه البنين،و هو الّذين تلقّنوا شيئا من المجوسيّة،لأنّهم لمّا جعلوا الشّيطان متولّدا عن اللّه تعالى؛إذ قالوا:إنّ اللّه لمّال.

ص: 607


1- كذا،و الظّاهر:التّفعيل.

خلق العالم تفكّر في مملكته و استعظمها،فحصل له عجب،تولّد عنه الشّيطان.و ربّما قالوا أيضا:إنّ اللّه شكّ في قدرة نفسه،فتولّد من شكّه الشّيطان،فقد لزمهم أنّ الشّيطان متولّد عن اللّه،تعالى اللّه عمّا يقولون،فلزمهم نسبة الابن إلى اللّه تعالى.

و لعلّ بعضهم كان يقول بأنّ الجنّ أبناء اللّه، و الملائكة بنات اللّه،أو أنّ في الملائكة ذكورا و إناثا.و لقد ينجرّ لهم هذا الاعتقاد من اليهود،فإنّهم جعلوا الملائكة أبناء اللّه.

فقد جاء في أوّل الإصحاح السّادس من سفر التّكوين:«و حدث لمّا ابتدأ النّاس يكثرون على الأرض، و ولد لهم بنات،أنّ أبناء اللّه رأوا بنات النّاس أنّهنّ حسنات،فاتّخذوا لأنفسهم نساء من كلّ ما اختاروا،و إذ دخل بنو اللّه على بنات النّاس و ولدن لهم أولادا،هؤلاء هم الجبابرة الّذين منذ الدّهر ذوو اسم».و أمّا نسبتهم البنات إلى اللّه فهي مشهورة في العرب؛إذ جعلوا الملائكة إناثا،و قالوا:هنّ بنات اللّه.(6:246)

عبد الكريم الخطيب :التّعبير ب خَرَقُوا في مقابل«خلق»إشارة إلى أنّ هذا الّذي نسبه المشركون إلى اللّه من بنين و بنات،حين قالوا عن الملائكة:إنّهم بنات اللّه،كما قال اللّه تعالى عنهم: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19،هذا الّذي نسبوه إلى اللّه،هو من تلقّيات أوهامهم الضّالّة،و أهوائهم الفاسدة،و أنّه خرق و اختلاق،لا يقوم على علم،و لا يستند إلى معرفة،إنّه خرق لناموس الحقّ،و سلطان العقل.(4:252)

مكارم الشّيرازيّ: من الملاحظ أنّ القرآن استعمل لفظة«خرقوا»من الخرق،و هو تمزيق الشّيء بغير رؤية و لا حساب،و هي في النّقطة المقابلة تماما «للخلق»القائم على الحساب،هاتان اللّفظتان:«الخلق و الخرق»قد تستعملان في حالات الكذب و الاختلاق، مع اختلاف بينهما،هو أن«الخلق و الاختلاق»تستعمل في الأكاذيب المدروسة،و«الخرق و الاختراق»فيما لا حساب فيه من الكذب.

أي إنّهم اختلقوا تلك الأكاذيب دون أن يدرسوا جوانب الموضوع،و بدون أن يعدّوا له ما يلزم من الأمور.

أمّا الطّوائف الّتي كانت تنسب للّه البنين،فإنّ القرآن يذكر في آيات أخرى اسم طائفتين من هؤلاء:

الأولى:هم المسيحيّون الّذين قالوا:إنّ عيسى ابن اللّه.

و الأخرى:هم اليهود الّذين قالوا:عزير ابن اللّه.

يستفاد من الآية:30،من سورة التّوبة،و ممّا توصّل إليه المحقّقون عند دراسة الجذور المشتركة بين المسيحيّة و البوذيّة،و على الأخصّ في موضوع التّثليث،أنّ المسيحيّين و اليهود ليسوا هم وحدهم الّذين نسبوا ابنا للّه،بل كان هذا موجودا في المعتقدات الخرافيّة القديمة.

أمّا بشأن نسبة بنات للّه،فالقرآن نفسه يوضّح ذلك في آيات أخرى: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19.

و كما سبقت الإشارة إليه،جاء في التّفاسير و التّواريخ أنّ قريشا كانت ترى الملائكة بنات اللّه من زواجه بالجنّ.

(4:378)

فضل اللّه : وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ فقالوا:إنّ

ص: 608

الملائكة بنات اللّه،و قالوا:إنّ عزير ابن اللّه،و إنّ المسيح ابن اللّه.و ربّما قالوا غير ذلك ممّا لم يصل إلينا علمه، و صنعوا و اختلقوا ذلك كلّه من أوهامهم،منطلقين من حالة التّخلّف الّتي كانوا يعيشونها،لأنّ النّاس الّذين لا يملكون المعرفة الأصيلة،و يعيشون الأوهام الغامضة، يقفون غالبا أمام بعض مظاهر القدرة الإلهيّة في ما تشتمل عليه من أسرار،أو في ما يبدو فيها من أشياء غير مألوفة لهم،فيحاولون أن يصنعوا لها بعض الصّلة العضويّة باللّه،على أساس أنّ مثل هذه الصّلة هي الّتي تبرّر هذه الأسرار الكامنة فيها،كأنّ اللّه يمنح بعض مخلوقاته شيئا معيّنا ممّا لا يمنحه للبعض الآخر،ليتصوّروا -من ذلك-أنّ المسألة لا تتّصل بالقرابة،بقدر ما تتّصل باختلاف مظاهر القدرة لدى اللّه،في المألوف و في غير المألوف.

و هذا هو السّرّ في الكثير ممّا عاشته الشّعوب المتخلّفة،فكانوا يخضعون لبعض الأشياء،أو لبعض الأشخاص،فيعبدونهم،لأنّهم وجدوا فيهم شيئا لم يألفوه،أو لأنّهم توهّموا فيهم ذلك.و لكنّ اللّه يوحي بأنّ مشكلة هؤلاء كمشكلة كثير من الكافرين،أنّهم يعتقدون ما يعتقدونه من عقائد و أفكار بِغَيْرِ عِلْمٍ و لا حجّة من فكر،لأنّ العلم لا يحترم مثل هذه الاتّجاهات الّتي لا تنطلق من قاعدة فكريّة في طبيعتها، و في جميع تفاصيلها.(9:247)

تخرق

وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً. الإسراء:37

ابن عبّاس: لن تجاوز الأرض بخيلائك.(236)

لن تخرق الأرض بكبرك و مشيك عليها.

(الواحديّ 3:108)

قتادة :بكبرك و فخرك.(الطّبريّ 8:81)

أبو عبيدة :مجازه:لن تقطع الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال آخرون:إنّك لن تنقب الأرض،و ليس بشيء.

(1:380)

ابن قتيبة :أي:لا تقدر أن تقطعها حتّى تبلغ آخرها.يقال:فلان أخرق للأرض من فلان،إذا كان أكثر أسفارا و غزوا.(255)

نحوه الثّعلبيّ.(6:100)

الطّبريّ: يقول:إنّك لن تقطع الأرض باختيالك.

[ثمّ استشهد بشعر]

وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً بفخرك و كبرك و إنّما هذا نهي من اللّه عباده عن الكبر و الفخر و الخيلاء،و تقدّم منه إليهم فيه معرّفهم بذلك أنّهم لا ينالون بكبرهم و فخارهم شيئا يقصر عنه غيرهم.(8:81)

الزّجّاج: قالوا:معنى تَخْرِقَ الْأَرْضَ تقطع الأرض،و قيل:تثقب الأرض.و التّأويل أنّ قدرتك لا تبلغ هذا المبلغ،فيكون ذلك وصلة إلى الاختيال.

(3:240)

القمّيّ: أي لم تبلغها كلّها.(2:20)

السّجستانيّ: أي تقطعها،أي تبلغ آخرها.

(108)

ص: 609

النّحّاس:فيه لأهل اللّغة قولان:

أحدهما:أنّ المعنى:إنك لن تنقب الأرض.

و الآخر:لن تقطعها كلّها.و هذا أبين،كأنّه مأخوذ من الخرق،و هو الصّحراء الواسعة.

و يقال:فلان أخرق من فلان،أي أكثر سفرا،و غزوا منه.(4:156)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:36)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:إنّك لن تخرق الأرض من تحت قدمك،و لن تبلغ الجبال طولا بتطاولك،زجرا له عن تجاوزه الّذي لا يدرك به غرضا.

الثّاني:أنّه مثل ضربه اللّه تعالى له،و معناه:كما أنّك لن تخرق الأرض في مشيك،و لن تبلغ الجبال طولا،فإنّك لا تبلغ ما أردت بكبرك و عجبك،إياسا له من بلوغ إرادته.(3:244)

الطّوسيّ: مثل ضربه اللّه بأنّك يا إنسان لن تخرق الأرض من تحت قدمك بكبرك، وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ بتطاولك.

و المعنى:إنّك لن تبلغ بما تريد كثير مبلغ،كما لا يمكنك أن تبلغ هذا،فما وجه المكابرة على ما هذه سبيله،مع زجر الحكمة عنه؟(6:479)

الواحديّ: الخرق:الشّقّ،يقال:خرق ثوبه،إذا شقّه... وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً بعظمتك،و إنّما أنت مخلوق عبد ذليل.

و المعنى:أنّك لا تقدر أن تثقب الأرض حتّى تبلغ آخرها،و لا أن تطول الجبال،فلا تستحقّ الكبر و البذخ.(3:108)

البغويّ: أي:لن تقطعها بكبرك حتّى تبلغ آخرها، وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً أي:لا تقدر أن تطاول الجبال و تساويها بكبرك.معناه أنّ الإنسان لا ينال بكبره و بطره شيئا،كمن يريد خرق الأرض و مطاولة الجبال لا يحصل على شيء.

و قيل:ذكر ذلك،لأنّ من مشى مختالا يمشي مرّة على عقبه و مرّة على صدور قدميه،فقيل له:إنّك لن تنقب الأرض إن مشيت على عقبيك،و لن تبلغ الجبال طولا إن مشيت على صدور قدميك.(3:133)

الزّمخشريّ: لن تجعل فيها خرقا بدوسك لها، و شدّة وطأتك.و قرئ: (لن تخرق) بضمّ الرّاء وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً بتطاولك،و هو تهكّم بالمختال.

(2:449)

ابن عطيّة: أراد به أنّك أيّها المرح المختال الفخور لا تخرق الأرض،و لا تطاول الجبال بفخرك و كبرك، و ذهب بالألفاظ إلى هذا المعنى.و يحسن ذلك مع القراءة بكسر الرّاء من(المرح)لأنّ الإنسان نهي حينئذ عن التّخلّق بالمرح في كلّ أوقاته؛إذ المشي في الأرض لا يفارقه،فلم ينه إلاّ عن أن يكون مرحا،و على القراءة الأخرى إنّما نهي من ليس بمرح عن أن يمشي في بعض أوقاته مرحا،فيترتّب في«المرح»-بكسر الراء-أن يؤخذ بمعنى المتكبّر المختال.و خرق الأرض:قطعها، و الخرق:الواسع من الأرض.و يقال لثقب الأرض، و ليس هذا المعنى في الآية.

و قرأ الجرّاح الأعرابيّ (تخرق) بضمّ الراء،و قال

ص: 610

أبو حاتم:لا تعرف هذه اللّغة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:457)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و إنّما قال ذلك،لأنّ من النّاس من يمشي في الأرض بطرا يدقّ قدميه عليها،ليري بذلك قدرته و قوّته، و يرفع رأسه و عنقه،فبيّن سبحانه أنّه ضعيف مهين لا يقدر أن يخرق الأرض بدقّ قدميه عليها حتّى ينتهي إلى آخرها،و أنّ طوله لا يبلغ طول الجبال،و إن كان طويلا،علّم اللّه سبحانه عباده التّواضع،و المروءة، و الوقار.(3:416)

الفخر الرّازيّ: المراد من الخرق هاهنا:نقب الأرض،ثمّ ذكروا فيه وجوها:

الأوّل:أنّ المشي إنّما يتمّ بالارتفاع و الانخفاض، فكأنّه قيل:إنّك حال الانخفاض لا تقدر على خرق الأرض و نقبها،و حال الارتفاع لا تقدر على أن تصل إلى رءوس الجبال،و المراد التّنبيه على كونه ضعيفا عاجزا، لا يليق به التّكبّر.

الثّاني:المراد منه أنّ تحتك الأرض الّتي لا تقدر على خرقها،و فوقك الجبال الّتي لا تقدر على الوصول إليها، فأنت محاط بك من فوقك و تحتك بنوعين من الجماد، و أنت أضعف منهما بكثير،و الضّعيف المحصور لا يليق به التّكبّر.

فكأنّه قيل له:تواضع و لا تتكبّر،فإنّك خلق ضعيف من خلق اللّه المحصور بين حجارة و تراب،فلا تفعل فعل المقتدر القويّ.(20:211)

القرطبيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و المراد بخرق الأرض هنا:نقبها لا قطعها بالمسافة، و اللّه أعلم.(10:261)

البيضاويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و تعليل للنّهي بأنّ الاختيال حماقة مجرّدة،لا تعود بجدوى ليس في التّذلّل.(1:585)

نحوه الكاشانيّ(3:193)،و شبّر(4:23).

النّسفيّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

أو لن تحاذيها قوّة،و هو حال من الفاعل أو المفعول.

(2:314)

الشّربينيّ: [نحو البغويّ و الفخر الرّازيّ]

(2:305)

أبو السّعود :تعليل للنّهي.و فيه تحكّم بالمختال، و إيذان بأنّ ذلك مفاخرة مع الأرض،و تكبّر عليها،أي لن تخرق الأرض بدوسك و شدّة وطأتك،و قرئ بضمّ الرّاء. و لن تبلغ الجبال الّتي هي بعض أجزاء الأرض (طولا)حتّى يمكن لك أن تتكبّر عليها؛إذ التّكبّر إنّما يكون بكثرة القوّة و عظم الجثّة،و كلاهما مفقود.و فيه تعريض بما عليه المختال من رفع رأسه و مشيه على صدور قدميه.(4:130)

نحوه الآلوسيّ(15:75)،و القاسميّ(10:3928)، و المراغيّ(15:47).

البروسويّ: لن تجعل فيها خرقا و نقبا بشدّة وطأتك وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً بتطاولك،فالمراد به هو الطّول المتكلّف الّذي يتكلّفه المختال،و هو تهكّم بالمتكبّر،و تعليل للنّهي بأنّ التّكبّر حماقة مجرّدة،و لن ينال الإنسان بكبره و تعظّمه شيئا من الفائدة،و هو أي

ص: 611

الكبر عاشر الخصال العشر،فإنّ المشية بالخيلاء من الكبر،فبدّله بالتّواضع بقوله: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ.

(5:159)

ابن عاشور :[نحو الطّبرسيّ و أضاف:]

و إظهار اسم الأرض في قوله: لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ دون إضمار،ليكون هذا الكلام مستقلاّ عن غيره جاريا مجرى المثل.(14:83)

مغنيّة:كناية عن عجز الإنسان،و أنّه أضعف من أن يبلغ ما يريد بالجاه و المال،كما أنّه أضعف من أن يبلغ الجبال بجسمه،و يخرق الأرض بقدمه.(5:45)

الطّباطبائيّ: كناية عن أنّ فعالك هذا-و أنت تريد إظهار القدرة و القوّة و العظمة-إنّما هو وهم تتوهّمه، فإنّ هناك ما هو أقوى منك،لا يخترق بقدميك:و هي الأرض،و ما هو أطول منك و هي الجبال،فاعترف بذلك أنّك وضيع مهين فلا شيء ممّا يبتغيه الإنسان،و يتنافس فيه في هذه النّشأة،من ملك و عزّة و سلطنة و قدرة و سؤدد و مال و غيرها،إلاّ أمور وهميّة لا حقيقة لها وراء الإدراك الإنسانيّ،سخّر اللّه النّفوس للتّصديق بها، و الاعتماد في العمل عليها،لتعمير النّشأة و تمام الكلمة، و لو لا هذه الأوهام،لم يعش الإنسان في الدّنيا،و لا تمّت كلمته تعالى: وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ البقرة:36.(13:97)

مكارم الشّيرازيّ: و هذه إشارة إلى سلوك المتكبّرين و المغرورين الّذين يضربون الأرض بعنف أثناء مشيهم،لكي يلتفت النّاس إليهم،و يدفعون رءوسهم في السّماء علامة على أفضليّتهم المزعومة بين النّاس،لهؤلاء تقول الآية: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً، إذ مثل هؤلاء كالنّملة الّتي تمشي على صخرة كبيرة،و تضرب برجلها عليها،إلاّ أنّ الصّخرة تسخر من حماقتها.ثمّ أنت أيّها المتكبّر هل تستطيع-مهما رفعت رأسك في السّماء-أن تكون مثل الجبال علوّا؛إنّك مهما تفعل لا ترتفع سوى سنتيمترات قليلة،و حتّى هذه الجبال لن تكون شيئا إزاء الكرة الأرضيّة،و الكرة الأرضيّة تعتبر ذرّة سابحة في عالم الوجود!

إذن فما هذا الكبر و الغرور الموجود عندك أيّها الإنسان؟

الظّريف في الأمر،أنّ القرآن لم يبحث مباشرة في هذه الصّفات الدّاخليّة الخطرة في تركيب الإنسان و وجوده-أي التّكبّر و الغرور-و إنّما أشار إليها من خلال آثارها و الظّواهر السّلوكيّة الّتي تنتج عنها،حيث تحدّث القرآن عن مشية المتكبّر و المغرور.و هذه إشارة إلى أنّ التّكبّر و الغرور،حتّى في أهون الصّور و أقلّ الحالات،يعتبر مذموما مخجلا،مهما كانت آثاره جزئيّة و صغيرة.

و في الآية-أيضا-إشارة إلى أنّ الصّفات الدّاخليّة الباطنيّة للإنسان تظهر-شاء أم أبى-من خلال الأعمال و التّصرّفات،من خلال المشي مثلا،أو النّظر أو الكلام، و في كلّ الأعمال الأخرى.لهذا السّبب ينبغي علينا إذا ما واجهتنا أدنى ظاهرة أو أثر لهذه الصّفات،أن نعرف أنّ الخطر أصبح قريبا،و أنّ هذه الصّفة المذمومة-التّكبّر و الغرور-قد عششت في روحنا،و يجب علينا مجاهدتها

ص: 612

فورا.

و يمكن أن نفهم من خلال هذه الآية،و ما ذكر في القرآن الكريم-و من خلال سورة لقمان و سور أخرى- أنّ التّكبّر و الغرور مرفوضان بشكل عامّ،و ليس فقط مرفوضين في ظاهرة المشي و حسب،لما ذا؟لأنّ الغرور هو مصدر الغربة عن اللّه و عن النّفس السّليمة،و هو سبب الخطأ في الحكم و القضاء،و سبيل ضياع الحقّ و الارتباط بخط الشّيطان،و التّلوّث بأنواع الذّنوب.

فالإمام عليّ يقول في صفات المتّقين في حديثه إلى «همام»:«و مشيهم التّواضع».و المقصود بالمشي هنا ليس التّجوال في السّوق و الشّارع،و إنّما هي كناية عن أسلوب المشي و التّعامل في جميع الأمور الحياتيّة،بما في ذلك خطوطهم الفكريّة،إذا هم متواضعون في تفكيرهم.

البرنامج الحياتيّ العمليّ لقادة الإسلام يعتبر درسا مفيدا لكلّ مسلم حقيقيّ في هذا المجال.ففي سيرة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله نرى أنّه لم يكن يسمح لأحد أن يمشي بين يديه و هو راكب،بل كان يقول:اذهب أنت إلى المكان الفلانيّ و أنا سآتيك إلى نفس المكان؛حيث إنّ المشي بين يدي الرّاكب يؤدّي إلى غرور الرّاكب و ذلّة الماشي.

و نقرأ-أيضا-أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يجلس على التّراب تواضعا،و يأكل الطعام كما يأكله العبيد، و كان صلّى اللّه عليه و آله يحلب الماعز بنفسه،و يركب الدّابّة دون غطاء.و قد كان الرّسول صلّى اللّه عليه و آله يلتزم هذا السّلوك في كلّ مواقفه،بما في ذلك فتح مكّة،حتّى لا يفكّر النّاس بأنّهم إذا وصلوا إلى منصب مهمّ،أو أحرزوا إنجازا ما،فإنّ ذلك مدعاة لهم بأن يصابوا بالتّكبّر و الغرور،و يكونوا بالتّالي بعيدين و غرباء عن النّاس و المستضعفين.

و في سيرة الإمام عليّ عليه السّلام،نقرأ أنّه كان يجلب الماء إلى البيت،و في بعض الأحيان كان ينظّف البيت.

أمّا في سيرة الإمام الحسن،فنقرأ أنّه عليه السّلام حجّ إلى بيت اللّه عشرين مرّة مشيا على الأقدام،و النّجائب «المحامل و الدّوابّ»تقاد بين يديه،و كان عليه السّلام يبيّن أنّ هذا العمل تواضع للّه تعالى.(8:428)

فضل اللّه :إنّها الكلمات الإلهيّة اللاّذعة المليئة بالسّخريّة و الاحتقار لهذا الإنسان،الّذي يريد أن يرتفع من مواقع السّقوط،و يكبر من مواقع الصّغار.

(14:122)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الخرق على وجهين:

أحدهما:الكذب،كقوله: وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ الأنعام:100.

و الثّاني:النّقب،كقوله: فَانْطَلَقا حَتّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَ خَرَقْتَها الكهف:71.(239)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخرق:الشّقّ في الحائط و الثّوب و نحوه؛و الجمع:خروق.يقال:في ثوبه خرق، و قد خرقه يخرقه و يخرقه خرقا،و خرّقه و اخترقه، فتخرّق و انخرق و اخرورق،و الخرقة:القطعة من الثّوب؛ و الجمع:خرق،و يقال للرّجل المتمزّق الثّياب:منخرق السّربال.

ص: 613

و الخرقاء من الغنم:الّتي يكون في أذنها خرق،و أذن خرقاء:فيها خرق نافذ.

و المخترق:الممرّ.يقال:اخترق الدّار،أي جعلها طريقا لحاجته،و خرق الأرض يخرقها خرقا:قطعها حتّى بلغ أقصاها،و اخترقت الخيل ما بين القرى و الشّجر:

تخلّلتها،و المخراق:الثّور الوحشيّ،لأنّه يقطع البلاد البعيدة.

و المخراق:منديل أو نحوه يلوى فيضرب به،أو يلفّ فيفزّع به،و هو لعبة يلعب بها الصّبيان؛و الجمع:

مخاريق.

و المخراق أيضا:السّيف،لأنّه يخرق و يشقّ، و الرّجل الّذي لا يقع في أمر إلاّ خرج منه.

و المخارق:الرّجال الّذين يتخرّقون و يتصرّفون في وجوه الخير.

و الخريق:من أسماء الرّيح الباردة الشّديدة الهبوب كأنّها خرقت.يقال:انخرقت الرّيح،أي هبّت على غير استقامة،و اختراق الرّياح:مرورها،و منخرق الرّياح، مهبّها،يقال:الرّيح تخترق الأرض.

و الخرق:الأرض البعيدة،مستوية كانت أو غير مستوية،سمّيت بذلك لانخراق الرّيح فيها؛و الجمع:

خروق.يقال:قطعنا إليكم أرضا خرقا و خروقا،و مفازة خرقاء خوفاء:بعيدة.

و الخريق:المطمئنّ من الأرض و فيه نبات،تشبيها بالخرق:الفلاة الواسعة.يقال:مررت بخريق من الأرض بين مسحاوين؛و الجمع:خرق.

و الخرق:الدّهش من الفزع أو الحياء،و قد أخرقته:

أدهشته،و قد خرق خرقا،فهو خرق:دهش،و خرق الرّجل:بقي متحيّرا من همّ أو شدّة.و خرق الظّبيّ:دهش فلصق بالأرض و لم يقدر على النّهوض،و كذلك الطّائر، و قد أخرقه الفزع فخرق،و خرق الرّجل يخرق خرقا و خروقا في البيت:لم يبرحه،و أخرقه الخوف،و رماد خرق:لازق بالأرض،على التّشبيه.

و الخرق:الفتى الكريم الخليقة؛و الجمع:أخراق.

يقال:هو يتخرّق في السّخاء،أي يتوسّع فيه،و هو الخرّيق و المخراق أيضا.يقال:رجل مخراق و خرق و متخرّق،أي سخيّ.

و الخرق:ضدّ الرّفق،كأنّ صاحبه متخرّق.يقال:

خرق خرقا و خرق خرقا،فهو أخرق و هي خرقاء؛ و الاسم:الخرق،و خرق بالشّيء يخرق:جهله و لم يحسن عمله.

2-و قالوا:خرق الكذب و تخرّقه و خرّقه،أي اختلقه،و خلق الكلمة و اختلقها و خرقها و اخترقها:

ابتدعها كذبا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الماضي 3 مرّات،و المضارع مرّة في 3 آيات:

1- فَانْطَلَقا حَتّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً الكهف:71

2- وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَ خَلَقَهُمْ وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ... الأنعام:100

3- ...إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ

ص: 614

طُولاً الإسراء:37

يلاحظ أوّلا:أنّ الخرق جاء بمعنيين:الشّقّ و الكذب،ففيه محوران:

المحور الأوّل:الشّقّ،و فيه آيتان:(1 و 3)،و في كلّ منهما بحوث:

1:فجاء في(1)الخرق في السّفينة مثبتا و ماضيا مرّتين فَانْطَلَقا حَتّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها:

1-و الأوّل فعل صدر من صاحب موسى عليهما السّلام مبهما،أي من دون أيّ توضيح للغرض منه،كسائر أفعاله العجيبة.و الثّاني ما نسبه موسى إليه من أنّه أراد غرق أهل السّفينة،لأنّ خرقها ينجرّ إلى الغرق عادة و كان خطأ،و هذا كان أوّل ما أنكره موسى على صاحبه،و هو قد دفع خطأه أوّلا أيضا،حين قال: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً* أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً الكهف:78 و 79.

2-ذكروا في كيفيّة خرقها وجوها لا يوجد في القرآن شيء منها،كقلع لوحا أو لوحين منها،أو ثقبها بالوتد،أو بالمنقار،كما اختلفوا في أنّ خرقها كان حين وصولها إلى لجّ البحر-و هو معظم مائه-أو حين شارفوا على الأرض.و قد جمع بينهما الآلوسيّ بأنّ أوّل العزم بالخرق كان في اللّجّ،و تمامه حين شارفوا على الأرض و أهلها فيها.إلى غير ذلك ممّا يكلّفه المفسّرون كثيرا في القصص القرآنيّة،و هي خارجة عمّا أراد القرآن من القصص من الهداية،و لهذا أعرض عن إيراد الخصوصيّات سوى ماله دخل في الهداية،فالخوض فيها إضاعة للوقت،و قول بلا علم.

3-يبدو من بعضهم أنّهم أرادوا بذلك دفع عمل السّوء و القبيح عن صاحب موسى عليهما السّلام؛حيث قالوا:

قلع لوحا،أو لوحين منها،ثمّ أخذ لوحا فطبقه عليها،ثمّ جلس عليها يرقعها:أي لئلاّ يدخل الماء فيها فيغرق أهلها،أو أنّ الخرق تمّ عند إشرافهم على الأرض حيث عصموا من الغرق،أو لعلّه أقدم على خرق جدار السّفينة لتصير السّفينة بسبب ذلك الخرق معيبة ظاهرة،فلا يتسارع الغرق إلى حملها-قاله الفخر الرّازيّ-و هذا يناسب قول صاحبه فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها.

و بعضهم عكس الأمر و قال:«أي شقّها حتّى دخلها الماء».و قيل:إنّه قلع لوحين ممّا يلي الماء فحشاهما موسى عليه السّلام بثوبه-قاله الطّبرسيّ-و هو المناسب لقول موسى: أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها، و الحقّ أنّ الآيات ليست صريحة في الوجهين،بل هي محتملة لهما.و لهذا قال فضل اللّه:«أحدث فيها ثغرة قد ينفذ الماء منها».

4-و يبدو من الآلوسيّ أنّ موسى رأى هذا العمل مباينا لإحسان القوم إليهما؛حيث قال عليه السّلام:«قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها!!».

ب:و جاء في(3)الخرق في الأرض منفيّا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ بمعنى الشّقّ،كما في ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا عبس:26،أو الصّدع كما في وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ الطّارق:12.

1-اختلفوا في لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ فجعلها بعضهم حقيقة؛حيث قال:«إنّك لن تخرق الأرض من تحت قدمك»،أو«لن تثقب الأرض حتّى تبلغ آخرها»،أو «لن تثقب الأرض إن مشيت على عقيبك،و لن تبلغ

ص: 615

الجبال طولا إن مشيت على صدور قدميك»،«أو لن تجعل فيها خرقا بدوسك لها،و شدّة وطأتك عليها»،أو «إنّه ضعيف مهين لا يقدر أن يخرق الأرض بدقّ قدميه عليها حتّى ينتهي إلى آخرها»،أو«المراد من الخرق هاهنا:نقب الأرض...و إنّك حال الانخفاض لا تقدر على خرق الأرض و نقبها،و حال الارتفاع لا تقدر أن تصل إلى رءوس الجبال».أو«أنّ تحتك الأرض الّتي لا تقدر على خرقها...»،أو«لن تجعل فيها خرقا و نقبا بشدّة وطأتك...»،أو«أنّه أضعف من أن يبلغ الجبال بجسمه و يخرق الأرض بقدمه»،أو«لن تبلغها كلّها»،و نحوها.

و أكثرهم نفوا كون الخرق بمعنى الثّقب في الأرض حقيقة،و قالوا:إنّه مجاز،أو كناية عن قطع الأرض و السّير فيها.

قال النّحّاس:«فيه لأهل اللّغة قولان:أحدهما:أنّ المعنى أنّك لن تنقب الأرض،و الآخر:لن تقطعها كلّها، و هذا أبين كأنّه مأخوذ من الخرق،و هو الصّحراء الواسعة،و يقال:فلان أخرق من فلان،أي أكثر سفرا و غزوا منه».

2-و على الوجهين فهذا مثل ضربه اللّه لمن يتكبّر و يبطر،و يمشي في الأرض مختالا،و إعلام بأنّ ذلك منه حماقة.و المراد التّنبيه على كون الإنسان ضعيفا عاجزا لا يليق به التّكبّر،و هذا تحكّم بالمختال،و إيذان بأنّ ذلك مفاخرة مع الأرض و تكبّر عليها.

قال الطّباطبائيّ: «إنّ فعالك هذا-و أنت تريد إظهار القدرة و القوّة و العظمة-إنّما هو وهم تتوهّمه...فاعترف بذلك أنّك وضيع مهين.فلا شيء ممّا يبتغيه الإنسان، و يتنافس فيه في هذه النّشأة من ملك و عزّة و سلطنة و قدرة و سؤدد و مال و غيرها إلاّ أمور وهميّة لا حقيقة لها وراء الإدراك الإنسانيّ...».

و قال فضل اللّه:«إنّها الكلمات الإلهيّة اللاّذعة المليئة بالسّخريّة و الاحتقار لهذا الإنسان الّذي يريد أن يرتفع من مواقع السّقوط،و يكبر من مواقع الصّغار».

3-يشعر لفظ(طولا)فيها المتعلّق بالفعل«تبلغ» بتقدير لفظ متعلّق بالفعل«تخرق»أيضا.نحو عمقا أو غورا،لأنّ الأرض يناسبها التّداني بالنّسبة إلى الجبال،كما أنّ الجبال يناسبها التّعالي بالنّسبة إلى الأرض.

4-نسب«الخرق»إلى الأرض-و هي في جانب السّفل-و«البلوغ»إلى الجبل-و هو في جانب الطّول- و الخرق عيب يناسب السّافل،و البلوغ كمال يناسب العالي.و كم مثله من المناسبات في القرآن الكريم؟

5-قال ابن عاشور:«و إظهار اسم الأرض في لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ بدل إضمارها-لذكر الأرض قبلها- ليكون هذا الكلام مستقلاّ عن غيره جاريا مجرى المثل»، و هذه نكتة لطيفة،و نضيف إليها أنّ إظهار الأرض متّصلا ب لَنْ تَخْرِقَ تجسيم للتّعليل،و تصوير له أكثر من إضمارها.

6-بدأ القرآن هذا السّياق من الأمر و النّهي-و هو أكثر من الأمر-بقوله: لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ...

الإسراء:22-و هو نهي عن الشّرك الّذي هو رأس الكفر و العصيان-و أكّده بما بعدها: وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ...، اهتماما به.ثمّ أمر بالإحسان بالوالدين و إيتاء الحقّ لذي القربى،و المسكين،و ابن السّبيل في آيتين أيضا،و جعله شطرا للنّهي عن الشّرك.

ثمّ استمرّ بالنّهي عن أمور كالتّبذير و إغلال اليد

ص: 616

و بسطها كلّ البسط،و قتل الأولاد،و الزّنى،و قتل النّفس، و القرب من مال اليتيم خيانة به،و الأمر بإيقاء الكيل، و النّهي عن اتّباع ما ليس به علم.و ختم اللّه هذا السّياق بالنّهي عن المشي في الأرض مرحا في هذه الآية(37)، و عدّها في عداد الكبائر،كالزّنى و قتل النّفس اهتماما به.

ثمّ جمعها في قوله:38 و 39: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً* ذلِكَ مِمّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، ثمّ رجع إلى ما بدأ به من الشّرك في 39: وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً.

لاحظ ح ك م:«الحكمة».

7-قرئ (انّك لن تخرق الارض) بضمّ الرّاء،و هي قراءة مرغوب عنها؛إذ أنكرها أبو حاتم،لأنّ(فعل) لا يأتي إلاّ لازما،فكيف نصب لفظ(الارض)؟و يردّه أنّ ضمّ راء الفعل في المضارع لا يلازم ضمّه في الماضي مثل نصر ينصر و هو متعدّ.

المحور الثّاني:الكذب في(2): وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ، و فيها بحوث:

1-فسّروا خَرَقُوا ب وضعوا،خرصوا،تخرّصوا، جعلوا،كذّبوا،قطعوا،افتعلوا،اختلقوا،كذّبوا كذبا،موّهوا و حرّفوا،إنّه خرق لناموس الحقّ،و سلطان العقل، و تمزيق الشّيء بغير رؤية،و هي في النّقطة المقابلة «للخلق»القائم على الحساب،و غيرها،و كلّها مجاز و تشبيهه بخرق الثّوب.

2-و يبدو أنّ«خرق»تعبير آخر عن«خلق»، بإبدال اللاّم راء،و يشهد به قوله: إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ ص:7 بدل(الاّ اختراق)و قد سبق في الأصول اللّغويّة أيضا.

3-و لعلّ علّة هذا الإبدال في الآية-فجاء فيها خَرَقُوا بدل(خلقوا)-هي كراهة اجتماع خلقين:

خلق اللّه،أي إنشاؤه و صنعه،و خلق المشركين،أي كذبهم و افتراؤهم،و الحذر من التباس المعنى على السّامع،فيظنّ خطأ أنّ اللّه خلق العباد،و هم خلقوا له البنين و البنات،أي أنشئوا له ذلك أيضا.و لهذا لا يحسن الإبدال عند عدم اللّبس،كما في قوله: إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْثاناً وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً العنكبوت:17،أي تفترون إفكا و تفتعلونه.

4-و في الجمع بين«خلق»و«خرق»في الآية، و نسبة الأوّل إلى اللّه،و الثّاني إلى المشركين إيهام التّناسب.لاحظ خ ل ق:«خلق»،و ب ن و:«بنين و بنات».

5-قرئ (خرّق) بالتّشديد،أي مرّة بعد مرّة،مثل قتل و قتّل،لقوله:بنين و بنات.

ثانيا:استعمل«الخرق»في الآيات الثّلاث في سور مكّيّة،و كذلك الخلق بمعنى الافتراء و الكذب في قوله:

وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً العنكبوت:17،و إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ ص:7،و سيأتي بيانه في خ ل ق:«خلق».

ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الاختلاق: إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ ص:7

التّقوّل: وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ الحاقّة:44

البهتان: وَ بِكُفْرِهِمْ وَ قَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً النساء:156

و لها نظائر أخرى ذكرناها في(خ ر ص)فراجع.

ص: 617

ص: 618

خ ز ن

اشارة

5 ألفاظ،13 مرّة:12 مكّيّة،1 مدنيّة

في 11 سورة:10 مكّيّة،1 مدنيّة

بخازنين 1:1 خزائن 7:6-1

خزنة 1:1 خزائنه 1:1

خزنتها 3:3

النّصوص اللّغويّة

الخليل :خزن الشّيء فلان يخزنه خزنا،إذا أحرزه في خزانة،و اختزنته لنفسي.

و خزانتي قلبي،و خازني لساني.قال لقمان لابنه:«إذا كان خازنك حفيظا،و خزانتك أمينة سدت في دنياك و آخرتك».يعني اللّسان و القلب.

و الخزانة:الموضع الّذي يخزن فيه الشّيء.و الخزانة:

عمل الخازن.

و خزن اللّحم،أي تغيّر.[ثمّ استشهد بشعر]

قال الخليل :«النّصب:خزانة النّحو،و البصرة:خزانة العرب»،أي معوّلهم عليه أكثر من سائره.

النّصب في الحال و القطع و الوقف و إضمار الصّفات.

(4:209)

الأصمعيّ: خزن اللّحم يخزن،و خزن يخزن و يخزن،و خنز يخنز،كلّه بمعنى واحد،إذا تغيّر.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:208)

ابن الأعرابيّ: أخزن الرّجل،إذا استغنى بعد فقر.

و تجمع الخزانة:خزائن.(الأزهريّ 7:209)

ابن السّكّيت: يقال:خزن اللّحم يخزن،و خنز يخنز،إذا تغيّرت ريحه.[ثمّ استشهد بشعر](497)

الدّينوريّ: الخزّان:الرّطب تسودّ أجوافه من آفة تصيبه،اسم كالجبّان و القذّاف؛واحدته:خزّانة.

(ابن سيده 5:99)

المبرّد: يقال:إذا عتق اللّحم فتغيّر:خنز و خزن.

(2:84)

ابن دريد :خزنت الشّيء أخزنه و أخزنه خزنا،إذا

ص: 619

احتجنته و ادّخرته،فأنت خازن و الشّيء مخزون.و كثر ذلك في كلامهم حتّى قالوا:خزنت السّرّ أخزنه و أخزنه خزنا،إذا كتمته،و كذلك خزنت الكلام،إذا صمتّ.

و خزنة البيت:حجبته؛الواحد:خازن،و يجمع:خزّانا أيضا.

و الخزانة:كلّ ما جعلت فيه الشّيء المخزون،و كذلك فسّر في التّنزيل اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ يوسف:

55.

و خنز اللّحم و خنز و خزن و خزن،إذا تغيّرت رائحته.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:218)

الأزهريّ: في نوادر الأعراب:يقال:اختزنت طريقا و اختصرته،و أخذنا مخازن الطّريق و مخاصرها، أي أخذنا أقربها.

و قال سفيان بن عيينة:«إنّما آيات القرآن خزائن، فإذا دخلت خزانة فاجتهد ألاّ تخرج منها حتّى تعرف ما فيها».

شبّه الآية من القرآن بالوعاء الّذي يجمع فيه المال المخزون فيه.(7:208)

الصّاحب:خزن الشّيء يخزنه:أحرزه في خزانة.

و الخزانة:عمل الخازن.

و خزن اللّحم،إذا تغيّر.(4:277)

الجوهريّ: خزنت المال و اختزنته:جعلته في الخزانة.

و خزنت السّرّ و اختزنته:كتمته.

و المخزن بفتح الزّاي:ما يخزن فيه الشّيء.

و الخزانة بالكسر:واحدة الخزائن.

و خزن اللّحم بالكسر:أنتن،مثل خنز،مقلوب منه.

[ثمّ استشهد بشعر].(5:2108)

نحوه الرّازيّ.(193)

ابن فارس: الخاء و الزّاء و النّون أصل،يدلّ على صيانة الشّيء.يقال:خزنت الدّرهم و غيره خزنا، و خزنت السّرّ.

فأمّا خزن اللّحم:تغيّرت رائحته،فليس من هذا، إنّما هذا من المقلوب،و الأصل:خنز،و قد ذكر في موضعه.[و استشهد بالشّعر مرّتين].(2:178)

ابن سيده: خزن الشّيء يخزنه خزنا،و اختزنه:

أحرزه.

و الخزانة:الموضع الّذي يخزن فيه الشّيء.الخزانة:

عمل الخازن.

و خزانة الإنسان:قلبه،و خازنه و خزّانه:لسانه، كلاهما على المثل.

و قال لقمان لابنه:«إذا كان خازنك حفيظا، و خزانتك أمينة،رشدت في أمر دنياك و آخرتك»يعني:

اللّسان و القلب.

و خزن اللّحم يخزن خزنا و خزونا،فهو خزين:تغيّر.

و عمّ بعضهم به تغيّر الطّعام كلّه.[و استشهد بالشّعر مرّتين].(5:99)

خزن اللّحم و السّمن يخزن خزونا،و خزن كفرح و كرم:تغيّر،فهو خزين.(الإفصاح 1:428)

الرّاغب: الخزن:حفظ الشّيء في الخزانة،ثمّ يعبّر به عن كلّ حفظ،كحفظ السّرّ و نحوه.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

ص: 620

و الخزن في اللّحم أصله:الادّخار فكنّي به عن نتنه، يقال:خزن اللّحم،إذا أنتن،و خنز،بتقدّم النّون.(146)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:535)

الزّمخشريّ: خزن المال في الخزانة:أحرزه، و اختزنه لنفسه،و استخزنه المال،و له مخزن حريز،و هو صاحب مخزن الأمير.

و من المجاز:اطلب من خزائن رحمة اللّه تعالى، و اخزن لسانك و سرّك.

و اجعله في خزانتك،أي في قلبك إذا لقّنته علما،أو أودعته سرّا.

و قولهم:خزن اللّحم،إذا تغيّر،معناه خزنه فخزن، أي ادّخره فإيف بسبب الادّخار.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:110)

الفيّوميّ: خزنت الشّيء خزنا،من باب«قتل»:

جعلته في المخزن؛و جمعه:مخازن،مثل مجلس و مجالس.

و الخزانة بالكسر:مثل المخزن؛و الجمع:الخزائن.

و شيء خزين«فعيل»بمعنى مفعول.و خزنت السّرّ:

كتمته.

و خزن اللّحم من باب«تعب»:تغيّرت ريحه،على القلب من:خنز.(1:168)

نحوه الطّريحيّ.(6:243)

الفيروزآباديّ: خزن المال:أحرزه كاختزنه، و اللّحم خزنا و خزونا:تغيّر كخزن:كفرح و كرم،فهو خزين.

و ككتابة:فعل الخازن،و مكان الخزن،و لا يفتح كالمخزن:كمقعد،و القلب.

و الخزّان كشدّاد:اللّسان كالخازن،و الرطب المسودّ الجوف لآفة.

و مخازن الطّريق:مخاصره.

و اختزن طريقا:أخذ أقربه.

و أخزن:استغنى بعد فقر.(4:220)

مجمع اللّغة :خزن الشّيء يخزنه:حفظه،و أحرزه في الخزانة،فهو خازن،و هم خازنون و خزنة.

و خازن الدّار:حافظها؛و جمع على خزنة.

و الخزائن:جمع خزانة،و هي ما يحرز فيه الشّيء و يحفظ،و خصّت بما يخزن فيه نفائس الأموال.

و خزائن اللّه:مقدوراته الّتي لا يظهرها لسواه، و لا يصل إليها علم النّاس.(1:330)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خزن الماء:حفظه و ادّخره و جعله في خزانة.

خزن السّرّ:كتمه.

و الخزانة:مكان الخزن؛و الجمع:خزائن.

و الخزنة:جمع خازن.

و خزنة جهنّم:حرّاسها.(1:161)

محمود شيت:اختزن السّلاح:خزنه،و اختزن التّجهيزات:خزنها.

الخزانة:صندوق الدّراهم في الجيش،و في المقرّات، و في كلّ دائرة و مدرسة...

المخزن:مكان وضع العتاد في السّلاح،يقال:مخزن البندقيّة،و مخزن الغدّارة،و مخزن الرّشاشة.

و المخزن:مكان الخزن.

و مخزن الوقود في السّيّارات و الدّبّابات و الطّائرات:

ص: 621

مكان خزن الوقود فيها.(1:216)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الجمع و الضّبط في محلّ و مورد معيّن،و هذا المعنى أعمّ من أن يكون المخزون مادّيّا أو معنويّا،أو يكون المخزن جسمانيّا أو روحانيّا،كما في المال المضبوط في الخزانة،و العلوم المضبوطة في القلب،و الصّفات المخزونة في النّفس.

و أمّا معاني الحفظ و الاستتار و الغيبة و الكتمان و الصّيانة،فمن لوازم هذا الأصل و آثاره.و أمّا النّتن في اللّحم،فمضافا إلى القلب،أنّ النّتن من آثار الضّبط و الحفظ في اللّحم،فإنّه يفسد و ينتن بمضيّ أيّام محدودة.

(3:47)

النّصوص التّفسيريّة

خازنين

وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ الحجر:22

ابن عبّاس: (له:)للمطر بفاتحين.(217)

مقاتل:يقول:لستم أنتم بخازنيها،فتكون مفاتيحها بأيديكم،و لكنّها بيدي.(2:427)

الثّوريّ: بمانعين.(الطّبريّ 7:506)

الطّبريّ: يقول:و لستم بخازني الماء الّذي أنزلنا من السّماء فَأَسْقَيْناكُمُوهُ: فتمنعوه من أسقيه،لأنّ ذلك بيدي و إليّ،أسقيه من أشاء،و أمنعه من أشاء.(7:506)

نحوه المراغيّ.(14:18)

القمّيّ: أي لا تقدرون أن تخزنوه.(1:375)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:بخازني الماء الّذي أنزلناه.

الثّاني:بمانعي الماء الّذي أنزلناه.(3:156)

الواحديّ: بحافظين،يقول:ليست خزانته بأيديكم.(3:42)

الزّمخشريّ: نفى عنهم ما أثبته لنفسه،في قوله:

وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ الحجر:21،كأنّه قال:نحن الخازنون للماء،أي على معنى نحن القادرون على خلقه في السّماء،و أنزلناه منها و ما أنتم عليه بقادرين،دلالة على عظيم قدرته،و إظهارا لعجزهم.

(2:389)

نحوه النّيسابوريّ(14:16)،و أبو السّعود(4:14)، و الكاشانيّ(3:105)،و البروسويّ(4:454)، و الآلوسيّ(14:31).

الطّبرسيّ: أي و ما أنتم أيّها النّاس له بحافظين و لا محرزين،بل اللّه يحفظه،ثمّ يرسله من السّماء،ثمّ يحفظه في الأرض،ثمّ يخرجه من العيون بقدر الحاجة.و لا يقدر أحد على إحراز ما يحتاج إليه من الماء في موضع.

(3:334)

الفخر الرّازيّ: يعني لستم له بحافظين.

(19:177)

القرطبيّ: أي ليست خزائنه عندكم،أي نحن الخازنون لهذا الماء،ننزّله إذا شئنا و نمسكه إذا شئنا.و مثله:

وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً الفرقان:48، و وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ المؤمنون:18.و قال

ص: 622

سفيان:لستم بمانعين المطر.(10:18)

نحوه الشّربينيّ.(2:199)

البيضاويّ: قادرين متمكّنين من إخراجه،نفى عنهم ما اثبته لنفسه،أو حافظين في الغدران و العيون و الآبار،و ذلك أيضا يدلّ على المدبّر الحكيم،كما تدلّ حركة الهواء في بعض الأوقات من بعض الجهات على وجه ينتفع به النّاس،فإنّ طبيعة الماء تقتضي الغور، فوقوفه دون حدّه لا بدّ له من سبب مخصّص.(1:540)

النّسفيّ: ذكر الخزائن تمثيل،و المعنى:و ما من شيء ينتفع به العباد إلاّ و نحن قادرون على إيجاده و تكوينه و الإنعام به،و ما نعطيه إلاّ بمقدار معلوم،فضرب الخزائن مثلا لاقتداره على كلّ مقدور.(2:271)

الفيروزآباديّ: قيل:معناه:حافظين له بالشّكر، و قيل:هو إشارة إلى ما أنبأ عنه قوله: أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ الواقعة:68 و 69.(بصائر التّمييز 2:535)

الشّربينيّ: أي ليست خزائنه بأيديكم،و الخزن وضع الشّيء في مكان مهيّئ للحفظ،فثبت أنّ القادر عليه واحد مختار،و من دلائل التّوحيد الإحياء و الإماتة.

(2:199)

القاسميّ: [نحو الزّمخشريّ و البيضاويّ].

(10:3753)

مغنيّة:ليس المراد بقوله: وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ أنّ الماء بكامله مجموع في خزّان عظيم عند اللّه،ينزّل منه الماء إلى الأرض ساعة يشاء،كما قال بعض المفسّرين.

بل المراد:أنّ اللّه ينزّل الماء بالأسباب الطّبيعيّة للنّزول، و تحفظه الأرض،و تخرجه العيون شيئا فشيئا لسدّ الحاجات.(4:473)

مكارم الشّيرازيّ: يمكن حمل ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ على أنّها إشارة لخزن ماء المطر في السّحب قبل نزوله،أي إنّكم لا تستطيعون استملاك السّحب الّتي هي المصدر الأصليّ للأمطار.

و يمكن حملها على أنّها إشارة إلى جمع و خزن الأمطار بعد نزولها،أي إنّكم لا تقدرون على جمع مياه الأمطار بمقادير كبيرة،حتّى بعد نزوله،و أنّ اللّه عزّ و جلّ هو الّذي يحفظها و يخزنها على قمم الجبال بهيئة ثلوج،أو ينزّلها في أعماق الأرض،لتكون بعد ذلك عيونا و آبارا.

(8:53)

فضل اللّه :بل هو من خزائن اللّه المودعة في علمه و في قدرته،فهو الّذي يدفعه إليكم،و هو الّذي ينظّم حركته على سطح الأرض،و في أعماقها،و هو الّذي يحوّلها إلى طاقة حيّة في كلّ شيء حيّ في الحياة.

(13:153)

خزنة-خزنتها

1- وَ قالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ. المؤمن:49

ابن عبّاس: للزّبانية.(397)

الطّبريّ: لخزنتها و قوّامها.(11:68)

الطّوسيّ: هم الّذين يتولّون عذاب أهل النّار.

(9:84)

الزّمخشريّ: للقوّام بتعذيب أهلها.

ص: 623

فإن قلت:هلاّ قيل:الّذين في النّار لخزنتها؟

قلت:لأنّ في ذكر جهنّم تهويلا و تفظيعا.

و يحتمل أنّ(جهنم)هي أبعد النّار قعرا من قولهم:

«بئر جهنام»:بعيدة القعر،و قولهم:«في النّابغة جهنام» تسمية بها،لزعمهم أنّه يلقي الشّعر على لسان المنتسب إليه،فهو بعيد الغور في علمه بالشّعر.كما قال أبو نواس في خلف الأحمر:

*قليذم من العياليم الخسف*.

و فيها أعني الكفّار و أطغاهم،فلعلّ الملائكة الموكّلين بعذاب أولئك أجوب دعوة،لزيادة قربهم من اللّه تعالى، فلهذا تعمّدهم أهل النّار بطلب الدّعوة منهم.(3:431)

نحوه الفخر الرّازيّ(27:74)،و البيضاويّ(2:

338)،و النّسفيّ(4:81)،و الشّربينيّ(3:487)،و أبو السّعود(5:422)،و البروسويّ(8:191).

ابن عطيّة: لخزنتها و زبانيتها.(4:563)

الطّبرسيّ: و هم الّذين يتولّون عذاب أهل النّار من الملائكة الموكّلين بهم.(4:526)

القرطبيّ: خزنة:جمع خازن،و يقال:خزّان و خزّن.(15:321)

الشّربينيّ: أي لخزنتها،فوضع(جهنم)موضع المضمر للتّهويل،أو لبيان محلّهم فيها.(3:487)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

وضع الظّاهر موضعه[الضّمير]للتّهويل،فإنّ (جهنم)أخصّ من النّار بحسب الظّاهر،لإطلاقها على ما في الدّنيا،أو لأنّها محلّ لأشدّ العذاب الشّامل للنّار و غيرها.(24:75)

المراغيّ: لخدمها و قوّامها مستغيثين بهم من عظيم ما هم فيه من البلاء،رجاء أن يجدوا لديهم فرجا من ذلك الكرب الّذي هم فيه.(24:79)

ابن عاشور :خزنة:جمع خازن،و هو الحافظ لما في المكان من مال أو عروض.و(خزنة جهنم)هم الملائكة الموكّلون بما تحويه من النّار و وقودها و المعذّبين فيها،و موكّلون بتسيير ما تحتوي عليه دار العذاب و أهلها،و لذلك يقال (1)لهم:«خزنة النّار»لأنّ الخزن لا يتعلّق بالنّار،بل بما يحويها،فليس قوله هنا:(جهنم) إظهارا في مقام الإضمار؛إذ لا يحسن إضافة خزنة إلى النّار.و لو تقدّم لفظ(جهنم)لقال:لخزنتها،كما في قوله في سورة الملك 6-18: وَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ إلى قوله: سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها فإنّ الضّمير ل(جهنم)لا ل(النار).

و في الكشّاف:«أنّه من الإظهار في مقام الإضمار للتّهويل بلفظ(جهنم)»،و المسلك الّذي سلكناه أوضح.(24:213)

عبد الكريم الخطيب :حرّاس.(12:1245)

2- وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ... الزّمر:71

ابن عبّاس: يعني الزّبانية.(392)

الطّبريّ: قوّامها.(11:32)

الثّعلبيّ: توبيخا و تقريعا لهم.(8:257)».

ص: 624


1- كذا و الظّاهر:«لا يقال».

مثله البغويّ(4:101)،و البيضاويّ(2:328)، و أبو السّعود(5:404)،و الكاشانيّ(4:331)، و المشهديّ(9:78)،و نحوه الشربينيّ(3:463)، و الآلوسيّ(24:32)،و المراغيّ(24:36).

الطّوسيّ: الموكّلون بها على وجه الإنكار عليهم، و التّهجين لفعلهم.(9:49)

مثله الطّبرسيّ(4:510)،و نحوه الطّباطبائيّ(17:

297).

القرطبيّ: واحدهم خازن نحو سدنة و سادن، يقولون لهم تقريعا و توبيخا.(15:284)

النّسفيّ: أي حفظة جهنّم،و هم الملائكة الموكّلون بتعذيب أهلها.(4:67)

البروسويّ: تقريعا و توبيخا و زيادة في الإيلام و التّوجيع؛واحدها:خازن،و هو حافظ الخزانة و ما فيها، و المراد:حفظة جهنّم و زبانيتها،و هم الملائكة الموكّلون بتعذيب أهلها.(8:142)

ابن عاشور :الخزنة:جمع خازن،و هو الوكيل و البوّاب،غلب عليه اسم الخازن،لأنّه يقصد لخزن المال.(24:136)

3- تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ الملك:8

مثل ما قبلها.

4- وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ الزّمر:73

ابن عبّاس: خزّان الجنان على باب الجنان.(392)

الشّربينيّ: وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أي حين الوصول.(3:464)

الطّباطبائيّ: هم الملائكة الموكّلون عليها.

(17:297)

المصطفويّ: يراد:الأفراد الموكّلين المأمورين المدبّرين من الملائكة في تلك العوالم،أي في مقامات الجنّة للمقرّبين،و مقامات الجحيم للمعتدين.(3:48)

خزائن-خزائنه

1- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ... الأنعام:50

ابن عبّاس: مفاتيح خزائن اللّه من النّبات و الثّمار و الأمطار و العذاب.(109)

يريد خزائن رحمة اللّه.(الطّبرسيّ 2:304)

الحسن :يعني خزائن الغيب:الّذي فيه العذاب، لقوله:ائتنا بعذاب اللّه.(الطّوسيّ 4:152)

الكلبيّ: الرّزق،أي لا أقدر على إغناء فقير،و لا إفقار غنيّ.(الماورديّ 2:115)

الإمام الصّادق عليه السّلام:لمّا صعد موسى على نبيّنا و آله و عليه السّلام إلى الطّور،فنادى ربّه عزّ و جلّ،قال:

يا ربّ،أرني خزائنك،فقال:تعالى:يا موسى إنّما خزائني إذا أردت شيئا أن أقول له كن فيكون.

(الكاشانيّ 2:122)

مقاتل:يعني مفاتيح اللّه بنزول العذاب.(1:562)

ص: 625

الرّحمة و العذاب.(أبو حيّان 4:137)

الجبّائيّ: خزائن اللّه:مقدوراته.

(الطّبرسيّ 2:304)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:قل لهؤلاء المنكرين نبوّتك:لست أقول لكم:إنّي الرّبّ الّذي له خزائن السّماوات و الأرض،فأعلم غيوب الأشياء الخفيّة الّتي لا يعلمها إلاّ الرّبّ الّذي لا يخفى عليه شيء،فتكذّبوني فيما أقول من ذلك،لأنّه لا ينبغي أن يكون ربّا إلاّ من له ملك كلّ شيء،و بيده كلّ شيء،و من لا يخفى عليه خافية؛و ذلك هو اللّه الّذي لا إله غيره.(5:197)

الزّجّاج: أعلمهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه لا يملك خزائن اللّه الّتي بها يرزق و يعطي.(2:250)

نحوه النّحّاس.(2:427)

الثّعلبيّ: يعني رزق اللّه.(4:149)

الطّوسيّ: ...خَزائِنُ اللّهِ أغنيكم منها.

(4:152)

القشيريّ: إنّي لا أتخطّى خطّي و لا أتعدّى حدّي.

(2:169)

البغويّ: أي خزائن رزقه فأعطيكم ما تريدون.

(2:125)

الزّمخشريّ: أي لا أدّعي ما يستبعد في العقول أن يكون لبشر من ملك خزائن اللّه،و هي قسمه بين الخلق، و أرزاقه،و علم الغيب،و أنّي من الملائكة الّذين هم أشرف جنس خلقه اللّه تعالى،و أفضله و أقربه منزلة منه،أي لم أدّع إلهيّة و لا ملكيّة،لأنّه ليس بعد الإلهيّة منزلة أرفع من منزلة الملائكة،حتّى تستبعدوا دعواى و تستنكرونها،و إنّما أدّعي ما كان مثله لكثير من البشر، و هو النّبوّة.(2:20)

ابن عطيّة: يحتمل معنيين:

أظهرهما:أن يريد أنّه بشر لا شيء عنده من خزائن اللّه،و لا من قدرته،و لا يعلم شيئا ممّا غيب عنه.

و الآخر:أنّه ليس بإله،فكأنّه قال:لا أقول لكم إنّي أتّصف بأوصاف إله في أنّ عندي خزائنه،و أنّي أعلم الغيب،و هذا هو قول الطّبريّ.(2:294)

الطّبرسيّ: أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يقول لهم بعد اقتراحهم الآيات منه:إنّي لا أدّعي الرّبوبيّة،و إنّما أدّعي النّبوّة،فقال قُلْ يا محمّد: لا أَقُولُ لَكُمْ أيّها النّاس عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ [و ذكر قول ابن عبّاس و الجبّائيّ و أضاف:]

و قيل:أرزاق الخلق حتّى يؤمنوا طمعا في المال.

(2:304)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أنّ هذا من بقيّة الكلام على قوله:«لو لا انزل عليه من ربه»الأنعام:37.فقال اللّه تعالى:قل لهؤلاء الأقوام:إنّما بعثت مبشّرا و منذرا،و ليس لي أن أتحكّم على اللّه تعالى.و أمره اللّه تعالى أن ينفي عن نفسه أمورا ثلاثة:

أوّلها قوله: لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ فاعلم أنّ القوم كانوا يقولون له:إن كنت رسولا من عند اللّه، فاطلب من اللّه حتّى يوسّع علينا منافع الدّنيا و خيراتها، و يفتح علينا أبواب سعادتها.فقال تعالى:قل لهم:إنّي لا أقول لكم عندي خزائن اللّه،فهو تعالى يؤتي الملك من

ص: 626

يشاء،و يعزّ من يشاء و يذلّ من يشاء بيده الخير لا بيدي.

و الخزائن:جمع خزانة،و هو اسم للمكان الّذي يخزن فيه الشّيء.و خزن الشّيء:إحرازه؛بحيث لا تناله الأيدي.

و ثانيها:قوله: وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ و معناه أنّ القوم كانوا يقولون له:إن كنت رسولا من عند اللّه فلا بدّ و أن تخبرنا عمّا يقع في المستقبل من المصالح و المضارّ،حتّى نستعدّ لتحصيل تلك المصالح،و لدفع تلك المضارّ،حتّى نستعدّ لتحصيل تلك المصالح،و لدفع تلك المضارّ،فقال تعالى:قل انى لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ فكيف تطلبون منّي هذه المطالب؟

و الحاصل أنّهم كانوا في المقام الأوّل يطلبون منه الأموال الكثيرة و الخيرات الواسعة،و في المقام الثّاني كانوا يطلبون منه الإخبار عن الغيوب،ليتوسّلوا بمعرفة تلك الغيوب إلى الفوز بالمنافع،و الاجتناب عن المضارة و المفاسد.

و ثالثها:قوله: وَ لا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ و معناه أنّ القوم كانوا يقولون: ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ و يتزوّج و يخالط النّاس.فقال تعالى:قل لهم:إنّي لست من الملائكة.

و اعلم أنّ النّاس اختلفوا في أنّه ما الفائدة في ذكر نفي هذه الأحوال الثّلاثة؟

فالقول الأوّل:أنّ المراد منه أن يظهر الرّسول من نفسه التّواضع للّه،و الخضوع له،و الاعتراف بعبوديّته، حتّى لا يعتقد فيه مثل اعتقاد النّصارى في المسيح عليه السّلام.

و القول الثّاني:أنّ القوم كانوا يقترحون منه إظهار المعجزات القاهرة القويّة،كقولهم: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً الإسراء:90 إلى آخر الآية،فقال تعالى في آخر الآية: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً الإسراء:93،يعني لا أدّعي إلاّ الرّسالة و النّبوّة،و أمّا هذه الأمور الّتي طلبتموها،فلا يمكن تحصيلها إلاّ بقدرة اللّه،فكان المقصود من هذا الكلام إظهار العجز و الضّعف،و أنّه لا يستقلّ بتحصيل هذه المعجزات الّتي طلبوها منه.

و القول الثّالث:أنّ المراد من قوله: لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ معناه إنّي لا أدّعي كوني موصوفا بالقدرة اللاّئقة بالإله تعالى،و قوله: وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ أي و لا أدّعي كوني موصوفا بعلم اللّه تعالى،و بمجموع هذين الكلامين حصل أنّه لا يدّعي الإلهيّة.(12:230)

القرطبيّ: هذا جواب لقولهم: لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ الأنعام:37.فالمعنى ليس عندي خزائن قدرته،فأنزل ما اقترحتموه من الآيات،و لا أعلم الغيب فأخبركم به.

و الخزانة:ما يخزن فيه الشّيء،و منه الحديث:«فإنّما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم (1)أ يحبّ أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته».

و خزائن اللّه:مقدوراته،أي لا أملك أن أفعل كلّ ما أريد ممّا تقترحون.(6:430)

البيضاويّ: مقدوراته أو خزائن رزقه.(1:311)

النّسفيّ: أي قسمه بين الخلق و أرزاقه.(2:13)

النّيسابوريّ: لم يقل:«ليس عندي خزائن اللّه» ليعلم أنّ خزائن اللّه:و هي العلم بحقائق الأشياءم.

ص: 627


1- كذا،و الظّاهر:«أطعامهم»،جمع طعام.

و ماهيّاتها عنده بإراءة سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ فصّلت:53،و باستجابة دعائه في قوله:«أرنا الأشياء كما هي»و لكنّه يكلّم النّاس على قدر عقولهم.(7:112)

أبو حيّان :[ذكر قول الكلبيّ و مقاتل و أضاف:]

و قيل:آياته،و قيل:مجموع هذا،لقوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ الحجر:21.

و قيل:و هذه الثّلاث جواب لما سأله المشركون:

فالأوّل:جواب لقولهم:إن كنت رسولا فاسأل اللّه حتّى يوسّع علينا خزائن الدّنيا.

و الثّاني:جواب لقولهم:إن كنت رسولا فأخبرنا بما يقع في المستقبل من المصالح و المضارّ،فنستعدّ لتحصيل تلك،و دفع هذه.

و الثّالث:جواب قوله:مال هذا الرّسول يأكل الطّعام و يمشي في الأسواق،انتهى.(4:133)

الشّربينيّ: نزلت حين اقترحوا عليه الآيات، فأمره اللّه تعالى أن يقول لهم:إنّما بعثت بشيرا و نذيرا،و لا أقول لكم:عندي خزائن اللّه.

جمع خزانة،و هي اسم للمكان الّذي يخزن فيه الشّيء،و خزن الشّيء:إحرازه بحيث لا تناله الأيدي، خزائن رزقه أو مقدوراته،فأعطيكم منها ما تريدون، لأنّهم كانوا يقولون للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:إن كنت رسولا من اللّه فاطلب منه أن يوسّع علينا و يغني فقرنا،فأخبر أنّ ذلك بيد اللّه لا بيدي.(1:421)

أبو السّعود :استئناف مبنيّ على ما أسّس من السّنّة الإلهيّة في شأن إرسال الرّسل و إنزال الكتب،مسوق لإظهار تبرئته صلّى اللّه عليه و سلّم عمّا يدور عليه مقترحاتهم،أي قل للكفرة الّذين يقترحون عليك تارة تنزيل الآيات، و أخرى غير ذلك:لا أدّعي أنّ خزائن مقدوراته تعالى مفوّضة إليّ،أتصرّف فيها كيفما أشاء استقلالا،أو استدعاء،حتّى تقترحوا عليّ تنزيل الآيات،أو إنزال العذاب،أو قلب الجبال ذهبا،أو غير ذلك ممّا لا يليق بشأني.و جعل هذا تبرّؤا عن دعوى الإلهيّة،ممّا لا وجه له قطعا.(2:386)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

قال الحدّاديّ: و ليس خزائن اللّه مثل خزائن العباد، و إنّما خزائن اللّه تعالى خزائن مقدوراته الّتي لا توجد إلاّ بتكوينه إيّاها.

و يجوز أن يكون جمع:خزانة و هي اسم للمكان الّذي يخزن فيه الشّيء،و خزن الشّيء:إحرازه بحيث لا تناله الأيدي.(3:33)

الآلوسيّ: أي مقدوراته،جمع:خزينة أو خزانة، و هي في الأصل ما يحفظ فيه الأشياء النّفيسة.تجوّز فيها عمّا ذكر،و على ذلك الجبّائيّ و غيره،و لم يقل:لا أقدر على ما يقدر عليه اللّه،قيل:لأنّه أبلغ،لدلالته على أنّه لقوّة قدرته،كأنّ مقدوراته مخزونة حاضرة عنده.

و قيل:إنّ الخزائن مجاز عن المرزوقات من إطلاق المحلّ على الحالّ،أو اللاّزم على الملزوم.

و قيل:الكلام على حذف مضاف،أي خزائن رزق اللّه تعالى أو مقدوراته.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود]

(7:155)

ابن عاشور :الخزائن:جمع:خزانة بكسر الخاء،

ص: 628

و هي البيت أو الصّندوق الّذي يحتوي ما تتوّق إليه النّفوس،و ما ينفع عند الشّدّة و الحاجة.و المعنى:أنّي ليس لي تصرّف مع اللّه و لا أدّعي أنّي خازن معلومات اللّه و أرزاقه.

و خَزائِنُ اللّهِ مستعارة لتعلّق قدرة اللّه بالإنعام و إعطاء الخيرات النّافعة للنّاس في الدّنيا.شبّهت تلك التّعلّقات الصّلوحيّة،و التّنجيزيّة-في حجبها عن عيون النّاس،و تناولهم مع نفعها إيّاهم-بخزائن أهل اليسار و الثّروة الّتي تجمع الأموال و الأحبية و الخلع و الطّعام،كما أطلق عليها ذلك في قوله تعالى: وَ لِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ المنافقون:7،أي ما هو مودع في العوالم العليا و السّفلى ممّا ينفع النّاس،و كذلك قوله:

وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ الحجر:21.

و تقديم المسند و هو قوله عِنْدِي للاهتمام به،لما فيه من الغرابة و البشارة للمخبرين به،لو كان يقوله.

(6:110)

الطّباطبائيّ: لعلّ المراد بخزائن اللّه:ما ذكره بقوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ الإسراء:100،و خزائن الرّحمة هذه هي ما يكشف عن أثره قوله تعالى: ما يَفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها فاطر:2،و هي فائضة الوجود الّتي تفيض من عنده تعالى على الأشياء، من وجودها و آثار وجودها.

و قد بيّن قوله تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82،أنّ مصدر هذا الأثر الفائض هو قوله،و هو كلمة(كن)الصّادرة عن مقام العظمة و الكبرياء،و هذا هو الّذي يخبر عنه بلفظ آخر في قوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ الحجر:21.

فالمراد ب خَزائِنُ اللّهِ هو المقام الّذي يعطى بالصّدور عنه ما أريد من شيء من غير أن ينفد بإعطاء وجود،أو يعجزه بذل و سماحة.و هذا ممّا يختصّ باللّه سبحانه،و أمّا غيره كائنا ما كان و من كان،فهو محدود، و ما عنده مقدّر إذا بذل منه شيئا نقص بمقدار ما بذل،و ما هذا شأنه لم يقدر على إغناء أيّ فقير،و إرضاء أيّ طالب،و إجابة أيّ سؤال.(7:95)

مكارم الشّيرازيّ: الخزائن:جمع:الخزينة،بمعنى المكان الّذي تخزن فيه الأشياء الّتي يراد حفظها و إخفاؤها على الآخرين،و استنادا إلى الآية: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ الحجر:21،يتّضح أن«خزائن اللّه»تشمل مصدر و منبع جميع الأشياء،و هي في الحقيقة تستقي من ذات اللّه غير المتناهية الّتي هي منبع جميع الكمالات و القدرات.

(4:276)

فضل اللّه :و هذه هي الصّورة المشرقة الواقعيّة للشّخصيّة النّبويّة الّتي يريد اللّه للنّبيّ أن يقدّم بها نفسه إلى النّاس،فهو لا يريده كائنا غيبيّا يبرز إليهم من خلال الجوّ الغيبيّ الضّبابيّ الّذي يوحي بكون ذاته سرّا خفيّا مقدّسا بعيدا عن التّصوّر البشريّ الطّبيعيّ،و لا يريد له أن يبدو في نظرهم شخصيّة أسطوريّة تملك في حوزتها كلّ خزائن اللّه الذّهبيّة و الفضّيّة،و نحو ذلك ممّا يدخل في عالم التّقييم المادّيّ،بالمستوى الّذي يستطيع فيه غرف

ص: 629

ما يشاء من المال،لمن يشاء من النّاس.(9:113)

2- وَ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَ لا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ... هود:31

ابن عبّاس: مفاتيح خزائن اللّه في الرّزق.(184)

إنّها الرّحمة،أي ليس بيدي الرّحمة فأسوقها إليكم.

(الماورديّ 2:467)

ابن جريج: لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ فأدعوكم إلى أن أعطيكم منها.(الطّوسيّ 5:545)

ابن عيينة:إنّما آيات القرآن خزائن،فإذا دخلت خزانة فاجتهد أن لا تخرج منها حتّى تعرف ما فيها،شبّه الآية من القرآن بالوعاء الّذي يجمع فيه المال المخزن فيه.

(الأزهريّ 7:208)

الجبّائيّ: معناه:إنّي لا أرفع نفسي فوق قدرها، فأدّعي أنّ عندي مقدورات اللّه تعالى،فأفعل ما أشاء، و أعطي ما أشاء،و أمنع من أشاء.

مثله أبو مسلم الأصفهانيّ.(الطّبرسيّ 3:156)

الطّبريّ: ...خَزائِنُ اللّهِ الّتي لا يفنيها شيء، فأدعوكم إلى اتّباعي عليها.(7:31)

ابن الأنباريّ: معناها:غيوب علم اللّه الّتي لا يعلمها إلاّ اللّه.(الأزهريّ 7:208)

الماورديّ: فيها وجهان:

أحدهما[قول ابن عبّاس]

الثّاني:أنّها الأموال،أي ليس بيدي أموال فأعطيكم منها على إيمانكم.(2:467)

الطّوسيّ: المعنى:أنّي لا أرفع نفسي فوق قدرها، فأدّعي أنّ عندي خزائن اللّه من الأموال فأعطيكم منها، و استطيل عليكم بها،أو أقول:إنّي أعلم الغيب،أو أقول لكم:إنّي ملك روحانيّ غير مخلوق من ذكر و أنثى،بخلاف ما خلقني اللّه،بل أنا بشر مثلكم و إنّما خصّني اللّه بالرّسالة،و شرّفني بها.

و قيل:معنى خَزائِنُ اللّهِ: مقدوراته،لأنّه يوجد منها ما يشاء.و في وصفها بذلك بلاغة.(5:545)

الواحديّ: خَزائِنُ اللّهِ: غيوب اللّه الّتي يعلم منها ما يضمر النّاس.(2:571)

الزّمخشريّ: معناه:لا أقول لكم عندي خزائن اللّه، فأدّعي فضلا عليكم في الغنى،حتّى تجحدوا فضلي بقولكم: وَ ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ هود:27.

(2:266)

مثله النّسفيّ(2:186)،و نحوه سعدي المفتيّ.

(البروسويّ 4:119)

ابن عطيّة: يريد القدرة الّتي يوجد بها الشّيء بعد حال عدمه؛و قد يمكن أن يكون من الموجودات كالرّياح و الماء،و نحوه ما هو كثير بإبداع اللّه تعالى له،فإن سمّي ذلك-على جهة التّجوّز-مختزنا فيشّبه.

أ لا ترى ما روي في أحمر ريح عاد،أنّه فتح عليهم من الرّيح قدر حلقة الخاتم،و لو كان على قدر منخر الثّور لأهلك الأرض.

و روي أنّ الرّيح عتت على الملائكة الموكّلين بتقديرها،فلذلك وصفها اللّه تعالى بالعتوّ.

و قال ابن عبّاس و غيره:عتت على الخزّان،فهذا و نحوه يقتضي أنّ ثمّ خزائن.(3:165)

ص: 630

الطّبرسيّ: ...و قيل: خَزائِنُ اللّهِ: مفاتيح اللّه في الرّزق،و هذا جواب لقولهم: ما نَراكَ إِلاّ بَشَراً مِثْلَنا، أو قولهم: وَ ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ هود:27.

(3:156)

الفخر الرّازيّ: أي كما لا أسألكم،فكذلك لا أدّعي أنّي أملك مالا و لا لي غرض في المال لا أخذا و لا دفعا [إلى أن قال:] وَ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ إشارة إلى أنّي لا أدّعي الاستغناء المطلق.(17:216)

نحوه الشّربينيّ.(2:54)

القرطبيّ: أخبر بتذلّله و تواضعه للّه عزّ و جلّ،و أنّه لا يدّعي ما ليس له من خزائن اللّه،و هي إنعامه على من يشاء من عباده.(9:26)

البيضاويّ: خزائن رزقه أو أمواله حتّى جحدتم فضلي.(1:467)

مثله المشهديّ(4:463)،و نحوه الكاشانيّ(2:

441).

الفيروزآباديّ: أي مقدوراته الّتي منع النّاس عنها،لأنّ الخزن ضرب من المنع،و قيل:جوده الوسيع و قدرته،و قيل:هو قوله:(كن).

(بصائر ذوي التّمييز 2:535)

أبو السّعود :أي رزقه و أمواله حتّى تستدلّوا بعدمها على كذبي،بقولكم: وَ ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ هود:27،فإنّ النّبوّة أعزّ من أن تنال بأسباب دنيويّة،و دعواها بمعزل عن ادّعاء المال و الجاه.(3:307)

مثله البروسويّ(4:119)،و نحوه المراغيّ(12:

28).

شبّر:أي مقدوراته،فأفعل ما أشاء من إعطاء و منع، أو مفاتيح اللّه في الرّزق.(3:212)

الآلوسيّ: وَ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ شروع-على ما قال غير واحد-في دفع الشّبه الّتي أوردوها تفصيلا،و ذلك من قبيل النّشر المشوّش ثقة بعلم السّامع،و تخلّل ما تخلّل بين شبههم و جوابها-على ما قال العلاّمة الطّيّبيّ-لأنّه مقدّمة و تمهيد للجواب، و بيّنه بأنّ قوله: يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ هود:28،إثبات لنبوّته،يعني ما قلت لكم: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ* أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ هود:25-26،إلاّ عن بيّنة،على إثبات نبوّتي و صحّة دعوتي،لكن خفيت عليكم و عميت حتّى أوردتم تلك الشّبه الواهية.

و مع ذلك ليس نظري فيما ادّعيت إلاّ إلى الهداية، و إنّي لا أطمع بمال حتّى ألازم الأغنياء منكم،و أطرد الفقراء،و أنتم تجهلون هذا المعنى؛حيث تقولون:أطرد الفقراء،و أنّ اللّه سبحانه ما بعثني إلاّ للتّرغيب في طلب الآخرة و رفض الدّنيا،فمن ينصرني إن كنت أخالف ما جئت به،ثمّ شرع فيما شرع.

و في«الكشف»:إنّ قوله: أَ رَأَيْتُمْ الآية جواب إجماليّ عن الشّبه كلّها،مع التّعبير بأنّهم لا يرجعون فيما يرمون إلى أدنى تدبّر.و قوله: وَ يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ هود:29،تتميم للتّعبير و حثّ على ما ضمنه من التّشويق إلى ما عنده،و قوله: ما أَنَا بِطارِدِ تصريح بجواب ما ضمّنوه في قولهم: وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ

ص: 631

هُمْ أَراذِلُنا هود:26،من خسّة الشّركاء،و أنّه لو لا مكانهم لكان يمكن الاتّباع،إظهارا للتّصلّب فيما هو فيه، و أنّ ما يورده و يصدره عن برهان من اللّه تعالى يوافيه، و أنّى يدع الحقّ الأبلج بالباطل اللّجلج.

ثمّ شرع في الجواب التّفصيليّ بقوله: وَ لا أَقُولُ الخ،و هو أحسن ممّا ذكره الطّيّبيّ،و جعلوا هذا ردّا لقوله:

وَ ما نَرى لَكُمْ إلخ،كأنّه يقول:عدم اتّباعي و تكذيبي إن كان لنفيكم عنّي فضل المال و الجاه،فأنا لم أدّعه و لم أقل لكم:إنّ خزائن رزق اللّه تعالى و ماله عندي،حتّى أنّكم تنازعونى في ذلك و تنكرونه،و إنّما كان منّي دعوى الرّسالة المؤيّدة بالمعجزات.و لعلّ جوابه عليه السّلام عن ذلك من حيث أنّه معنيّ به مستتبع للجواب عنه،من حيث إنّه عنى به متّبعوه عليه السّلام أيضا.و جعله جوابا عن قولهم: ما نَراكَ إِلاّ بَشَراً مِثْلَنا هود:27،-كما جوّزه الطّبرسيّ،- ليس بشيء،و حمل«الخزائن»على ما أشرنا إليه،هو المعوّل عليه.

[ثمّ ذكر قول الجبّائيّ و قال:]

و ليس بشيء،و مثله-بل أدهى و أمرّ-قول ابن الأنباريّ:إنّ المراد بها غيوب اللّه تعالى و ما انطوى عن الخلق.و جعل ابن الخازن هذه الجملة عطفا على لا أَسْئَلُكُمْ إلخ،و المعنى عنده لا أسألكم عليه مالا،و لا أقول لكم عندي خزائن اللّه الّتي لا يفنيها شيء، فأدعوكم إلى اتّباعي عليها لأعطيكم منها.(12:42)

ابن عاشور :هذا تفصيل لما ردّ به مقالة قومه إجمالا،فهم استدلّوا على نفي نبوّته بأنّهم لم يروا له فضلا عليهم،فجاء هو في جوابهم بالقول بالموجب:أنّه لم يدّع فضلا غير الوحي إليه،كما حكى اللّه عن أنبيائه-عليهم السّلام-في قوله: قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَ لكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إبراهيم:11،و لذلك نفى أن يكون قد ادّعى غير ذلك.

و اقتصر على بعض ما يتوهّمونه من لوازم النّبوءة،و هو أن يكون أغنى منهم،أو أن يعلم الأمور الغائبة.و القول بمعنى الدّعوى،و إنّما نفى ذلك بصيغة المضارع،للدّلالة على أنّه منتف عنه ذلك في الحال.فأمّا انتفاؤه في الماضي فمعلوم لديهم حيث لم يقله،أي لا تظنّوا أنّي مضمر ادّعاء ذلك،و إن لم أقله.

و الخزائن:جمع خزانة،بكسر الخاء،و هي بيت أو مشكاة كبيرة يجعل لها باب؛و ذلك لخزن المال أو الطّعام، أي حفظه من الضّياع.و ذكر«الخزائن»هنا استعارة مكنيّة؛شبّهت النّعم و الأشياء النّافعة بالأموال النّفيسة الّتي تدّخر في الخزائن،و رمز إلى ذلك بذكر ما هو من روادف المشبّه به و هو الخزائن.و إضافة(خزائن)إلى (الله)لاختصاص اللّه بها.(11:248)

الطّباطبائيّ: وَ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي... جواب عن قولهم: وَ ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ هود:27، يردّ عليهم قولهم:بأنّي لست أدّعي شيئا من الفضل الّذي تتوقّعون منّي أن أدّعيه،بما أنّي أدّعي الرّسالة، فإنّكم تزعمون أنّ على الرّسول أن يملك خزائن الرّحمة الإلهيّة،فيستقلّ بإغناء الفقير،و شفاء العليل،و إحياء الموتى،و التّصرّف في السّماء و الأرض و سائر أجزاء الكون،بما شاء و كيف شاء.[إلى أن قال:]

و المراد بقوله: خَزائِنُ اللّهِ: جميع الذّخائر

ص: 632

و الكنوز الغيبيّة الّتي ترزق المخلوقات منها ما يحتاجون إليه في وجودهم و بقائهم،و يستعينون به على تتميم نقائصهم و تكميلها.(10:208)

المصطفويّ: فإنّ الصّفات العليا من الرّحمة و القدرة و العلم و الحياة الأزليّة الأبديّة الواسعة غير المتناهية،مخصوصة للّه ذي الجلال و العظمة،و العزّ و الجبروت.و ليس لأحد ما له من الجلال و الجمال و الاقتدار إلاّ ما أراد و آتى و أعطى وَ لِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، المنافقون:7.(3:48)

3- قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ

يوسف:55

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث قال:]

«رحم اللّه أخي يوسف لو لم يقل:اجعلني على خزائن الأرض،لاستعمله من ساعته،و لكنّه أخّر ذلك سنة،فأقام عنده في بيته سنة مع الملك».

(الثّعلبيّ 5:231)

ابن عبّاس: على خراج مصر.(199)

الضّحّاك: خزائن الأموال.(ابن الجوزيّ 4:243)

مثله الزّجّاج(3:116)،و النّحّاس(3:438)

الرّبيع:أي على خراج مصر و دخله.

(البغويّ 2:498)

مالك بن أنس:مصر خزانة الأرض،أ ما سمعت إلى قوله: اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ أي على حفظها.(القرطبيّ 9:213)

ابن زيد :كان لفرعون خزائن كثيرة غير الطّعام، فأسلم سلطانه كلّه إليه،و جعل القضاء إليه،أمره و قضاؤه نافذ.(الطّبريّ 7:241)

الطّبريّ: قال يوسف للملك:اجعلنى على خزائن أرضك،و هي جمع:خزانة،و الألف و اللاّم دخلتا في اَلْأَرْضِ، خلفا من الإضافة،كما قال الشّاعر:

*و الأحلام غير عوازب*.

و هذا من يوسف صلوات اللّه عليه،مسألة منه للملك أن يولّيه أمر طعام بلده و خراجها،و القيام بأسباب بلده،ففعل ذلك الملك به.

و عن شيبة الضّبّيّ: على حفظ الطّعام.(7:241)

نحوه الثّعلبيّ.(5:231)

القمّيّ: يعني على الكناديج و الأنابير،فجعله عليها.(1:346)

الماورديّ: أي على خزائن أرضك،و فيها قولان:

أحدهما:هو قول بعض المتعمّقة:أنّ الخزائن هاهنا:

الرّجال،لأنّ الأفعال و الأقوال مخزونة فيهم،فصاروا خزائن لها.

الثّاني:و هو قول أصحاب الظّاهر:أنّها خزائن الأموال،و فيها قولان:

أحدهما:[نقل قول ابن زيد]

الثّاني:أنّه سأله خزائن الطّعام،قاله شيبة بن نعامة الضّبّيّ.و في هذا دليل على جواز أن يخطب الإنسان عملا يكون له أهلا و هو بحقوقه و شروطه قائم.(3:49)

الطّوسيّ: يعني أرضك،و الألف و اللاّم يعاقبان حرف الكناية،و أراد بذلك:الأرض الّتي هي ملكه، و يجمع فيها ماله و طعامه،طلب إليه ذلك ليحفظ ذلك

ص: 633

عمّن لا يستحقّه،و يوصله إلى الوجوه الّتي يجب صرف الأموال لها،فلذلك رغب إلى الملك فيه،لأنّ الأنبياء لا يجوز أن يرغبوا في جميع أموال الدّنيا،إلاّ لما قلناه.

(6:157)

الواحديّ: يعني أرض مصر.(2:618)

البغويّ: الخزائن:جمع خزانة،و أراد:خزائن الطّعام و الأموال،و الأرض:أرض مصر،أي خزائن أرضك.

(2:497)

ابن عطية:فهم يوسف عليه السّلام من الملك أنّه عزم على تصريفه و الاستعانة بنظره في الملك،فألقى يده في الفصل الّذي تمكّنه فيه المعدلة،و يترتّب له الإحسان إلى من يجب،و وضع الحقّ على أهله،و عند أهله.

قال بعض أهل التّأويل:في هذه الآية ما يبيح للرّجل الفاضل أن يعمل للرّجل الفاجر،بشرط أن يعلم أنّه يفوّض إليه في فصل ما لا يعارض فيه،فيصلح منه ما شاء،و أمّا إن كان عمله بحسب اختيار الفاجر و شهواته و فجوره،فلا يجوز له ذلك.

و طلبة يوسف للعمل إنّما هي حسبة منه عليه السّلام لرغبته في أن يقع العدل،و نحو هذا هو دخول أبي بكر الصّدّيق في الخلافة مع نهيه المستشيرين من الأنصار عن أن يتآمر على اثنين-الحديث بكماله-فجائز للفاضل أن يعمل و أن يطلب العمل إذا رأى ألاّ عوض منه.و جائز أيضا للمرء أن يثني على نفسه بالحقّ إذا جهل أمره.

و خَزائِنُ لفظ عامّ لجميع ما تختزنه المملكة من طعام و مال و غيره...

و قوله: خَزائِنِ الْأَرْضِ يريد أرض مصر؛إذ لم تكن مملكة فرعون إلاّ بها فقط،و يؤكّد أن تسمّى خزانة الأرض نصبتها في بلاد الأرض و توسّطها،فمنها ينقل النّاس إلى أقطار الأرض،و هي محلّ كلّ جالب.

(3:255)

ابن العربي:كيف سأل الإمارة و طلب الولاية، و قد قال صلّى اللّه عليه و سلّم لسمرة:«لا تسأل الإمارة،و إنّك إن سألتها وكلت إليها،و إن لم تسألها أعنت عليها.»و قد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّا لا نولّي على عملنا من أراده».

و عن ذلك أربعة أجوبة:

الأوّل:إنّه لم يقل:«إنّي حسيب كريم»و إن كان كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؛ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم».و لا قال:«إنّي مليح جميل»إنّما قال: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ سألها بالحفظ و العلم لا بالحسب و الجمال.

الثّاني:سأل ذلك ليوصّل إلى الفقراء حظوظهم،لا لحظّ نفسه.

الثّالث:إنّما قال ذلك عند من لا يعرفه،فأراد التّعريف بنفسه،و صار ذلك مستثنى من قوله: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ النّجم:32.

الرّابع:إنّه رأى ذلك فرضا متعيّنا عليه،لأنّه لم يكن هنالك غيره.

فإن قيل-و هي المسألة السّادسة-كيف استجاز أن يقبلها بتولية كافر،و هو مؤمن نبيّ؟

قلنا:لم يكن سؤال ولاية،إنّما كان سؤال تخلّ و ترك، لينتقل إليه.فإن اللّه لو شاء لمكّنه منها بالقتل و الموت و الغلبة و الظّهور و السّلطان و القهر،لكنّ اللّه أجرى سنّته

ص: 634

-على ما ذكر-في الأنبياء و الأمم،فبعضهم عاملهم الأنبياء بالقهر و السلطان و الاستعلاء،و بعضهم عاملهم الأنبياء بالسّياسة و الابتلاء،يدلّ على ذلك قوله:

وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَ لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:56.(3:1091)

الطّبرسيّ: الألف و اللاّم في(الارض)للعهد دون الجنس،يعنى اجعلني على خزائن أرضك حافظا و واليا، و اجعل تدبيرها إليّ.(3:243)

نحوه البيضاويّ(1:500)،و النّسفيّ(2:227)،و أبو حيّان(5:318)،و الكاشانيّ(3:26).

ابن الجوزيّ: أي خزائن أرضك.(4:243)

الفخر الرّازيّ: اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ و فيه مسائل:

المسألة الأولى:قال المفسّرون:لمّا عبّر يوسف عليه السّلام رؤيا الملك بين يديه،قال له الملك:فما ترى أيّها الصّدّيق؟ قال:أرى أن تزرع في هذه السّنين المخصبة زرعا كثيرا و تبني الخزائن،و تجمع فيها الطّعام،فإذا جاءت السّنون المجدبة بعنا الغلاّت فيحصل بهذا الطّريق مال عظيم.

فقال الملك:و من لي بهذا الشّغل؟فقال يوسف:

اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ أي على خزائن أرض مصر.و أدخل الألف و اللاّم على(الارض)،و المراد منه المعهود السّابق.(18:160)

أبو السّعود :أي أرض مصر،أي ولّني أمرها من الإيراد و الصّرف.(3:406)

نحوه البروسويّ.(4:278)

الآلوسيّ: أي أرض مصر،و في معناه قول بعضهم، أي أرضك الّتي تحت تصرّفك.

و قيل:أراد بالأرض:الجنس،و بخزائنها:الطّعام الّذي يخرج منها،و(على)متعلّقة-على ما قيل-بمستول مقدّر،و المعنى:ولّني على أمرها من الإيراد و الصّرف...

(13:5)

ابن عاشور :جملة قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ حكاية جوابه لكلام الملك،و لذلك فصّلت على طريقة المحاورات.

و عَلى هنا للاستعلاء المجازيّ،و هو التّصرّف و التّمكّن،أي اجعلني متصرّفا في خزائن الأرض.

و خَزائِنِ: جمع خزانة-بكسر الخاء-أي البيت الّذي يختزن فيه الحبوب و الأموال.

و التّعريف في(الارض)تعريف العهد،و هي الأرض المعهودة لهم،أي أرض مصر.

و المراد من خَزائِنِ الْأَرْضِ: خزائن كانت موجودة،و هي خزائن الأموال؛إذ لا يخلو سلطان من خزائن معدودة لنوائب بلاده،لا الخزائن الّتي زيدت من بعد لخزن الأقوات،استعدادا للسّنوات المعبّر عنها بقوله:

مِمّا تُحْصِنُونَ يوسف:48.

و اقتراح يوسف عليه السّلام ذلك إعداد لنفسه للقيام بمصالح الأمّة على سنّة أهل الفضل و الكمال،من ارتياح نفوسهم للعلم في المصالح،و لذلك لم يسأل مالا لنفسه و لا عرضا من متاع الدّنيا،و لكنّه سأل أن يولّيه خزائن المملكة ليحفظ الأموال،و يعدل في توزيعها،و يرفق بالأمّة في جمعها،و إبلاغها لمحالّها.(12:81)

ص: 635

عبد الكريم الخطيب: خَزائِنِ الْأَرْضِ: ما تخرجه الأرض من ثمار الفاكهة و الحبّ.و سمّي ذلك خزائن الأرض،لأنّها تخزنه في كيانها إلى أن يظهره الجهد الإنسانيّ،و يكشف عنه بالغرس و السّقي و غير هذا،ممّا يحتاج إليه الزّرع،كي ينمو و يثمر.

لقد طلب يوسف أن يتولّى بنفسه الوظيفة الّتي يحسن القيام بها،و الّتي كشف عن مضمونها في تأويل رؤيا الملك،فهو يريد أن يحقّق هذا التّأويل الّذي تأوّله، و أن ينفّذه على الصّورة الّتي تأوّلها عليه،إنّه هو الطّبيب الّذي كشف عن الدّاء،و ليس أحد أولى منه بمعالجة هذا الدّاء-و الطّبّ له-و الإشراف على المريض،حتّى تزول العلّة،و يذهب الدّاء.(7:5)

الطّباطبائيّ: لمّا عهد الملك ليوسف إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ يوسف:54،و أطلق القول،سأله يوسف عليه السّلام أن ينصبه على خزائن الأرض،و يفوّض إليه أمرها،و المراد بالأرض:أرض مصر.

و لم يسأله ما سأل إلاّ ليتقلّد بنفسه إدارة أمر الميرة و أرزاق النّاس،فيجمعها و يدّخرها للسّنين السّبع الشّداد الّتي سيستقبل النّاس،و تنزل عليهم جدبها و مجاعتها، و يقوم بنفسه لقسمة الأرزاق بين النّاس،و إعطاء كلّ منهم ما يستحقّه من الميرة،من غير حيف.(11:200)

فضل اللّه :هكذا طلب من الملك أن يعهد إليه أمر حفظ و تدبير الشّأن الماليّ على مستوى الصّرف و الرّعاية،و إدارة الموارد و المصادر،بما يملكه من علم، و كأنّه يريد أن يقول له:إنّه سيكون في مستوى الثّقة الّتي وضعها فيه.

و هكذا كان،فقد عهد إليه الملك إدارة الشّئون الاقتصاديّة للبلد،و أصبح بذلك في موقع كبير يستطيع من خلاله،تحقيق هدفه في إقامة العدل،و رعاية المستضعفين،فهو ليس من الّذين يزحفون إلى المواقع المتقدّمة في المجتمع،أو في الدّولة،لأجل طموحات ذاتيّة، و لو كان يسعى إلى شيء من هذا القبيل لاستطاع تخفيف الكثير من الآلام الّتي تحمّلها في السّجن،و في خارجه كي يبقى في ساحة الإيمان،بعيدا عن كلّ أجواء الانحراف،إنّه صاحب رسالة،و لهذا فإنّه يعمل على توفير الامتداد لها في حياة النّاس من خلال بعض المواقع المتقدّمة في الدّولة.(12:230)

4- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ الإسراء:100

ابن عبّاس: مفاتيح رزق ربّي.(242)

الطّوسيّ: يقول اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله:قل لهؤلاء الكفّار:

لو أنّكم ملكتم خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي أي ما يقدر عليه من النّعم قدرتم على مثله،لما أنفقتموه في طاعة اللّه، و أمسكتموه خوفا من الفقر.(6:525)

الطّبرسيّ: أي لو ملكتم خزائن أرزاق اللّه.و قيل:

لو ملكتم مقدورات ربّي-أي ما يقدر عليه ربّي-من النّعم؛إذ لا يكون له سبحانه موضع يخزن فيه الرّحمة،ثمّ يخرج منه،كما يكون للعباد،و رحمته:نعمته.(3:442)

الفخر الرّازيّ: خزائن فضل اللّه و رحمته غير متناهية،فكأنّ المعنى:أنّكم لو ملكتم من الخير و النّعم خزائن لا نهاية لها لبقيتم على الشّحّ،و هذا مبالغة عظيمة

ص: 636

في وصفهم بهذا الشّيء.(21:63)

الآلوسيّ: أي خزائن نعمه الّتي أفاضها على كافّة الموجودات،فالرّحمة:مجاز عن النّعم،و الخزائن:استعارة تحقيقيّة أو تخييليّة.(15:180)

فضل اللّه : خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي الّتي تشتمل على نعم لا تعدّ و لا تحصى و لا تنفد،مهما انفقتم منها.

(14:239)

5- أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهّابِ

ص:9

ابن عبّاس: يقول:أ بأيديهم النّبوّة و الكتب، فيعطون من شاءوا.(381)

السّدّيّ: مفاتيح النّبوّة فيعطونها من شاءوا، و يمنعونها من شاءوا.(5:79)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:أم عند هؤلاء المشركين المنكرين وحي اللّه إلى محمّد خزائن رحمة ربّك؛يعني مفاتيح رحمة ربّك يا محمّد.(10:554)

الزّجّاج: إن قال قائل:ما وجه اتّصال أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ بقوله: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي أو بقوله:

أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا؟ فهذا دليل على حسدهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بما آتاه اللّه من فضل النّبوّة.فأعلم اللّه أنّ الملك له و الرّسالة إليه يصطفي من يشاء،و يؤتي الملك من يشاء،و ينزّل الغيث و الرّحمة على من يشاء،فقال:

أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ أي ليس عندهم ذلك.

(4:322)

الثّعلبي: رَحْمَةِ نعمة رَبِّكَ يعني مفاتيح النّبوّة،نظيرها في الزّخرف:32، أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ، أي نبوّة ربّك.(8:180)

نحوه البغويّ(4:55)،و الشّربينيّ(3:401).

الطّوسيّ: معناه:مقدوراته الّتي يقدر بها على أن ينعم بها عليهم.(8:546)

الواحديّ: يقول:أ بأيديهم مفاتيح النّبوّة و الرّسالة، فيضعونها حيث شاءوا؟أي أنّها ليست بايديهم،و لكنّها بيد العزيز الوهّاب.(3:540)

مثله الطّبرسيّ.(4:467)

الزّمخشريّ: يعني ما هم بمالكي خزائن الرّحمة حتّى يصيبوا بها من شاءوا،و يصرفوها عمّن شاءوا، و يتخيّروا للنّبوّة بعض صناديدهم،و يترفّعوا بها عن محمّد عليه الصّلاة و السّلام.(3:361)

نحوه أبو حيّان.(7:370)

ابن عطيّة: الخزائن للرّحمة مستعارة،كأنّها موضع جمعها و حفظها،من حيث كانت ذخائر البشر تحتاج إلى ذلك،خوطبوا في الرّحمة بما ينحوا إلى ذلك.و قال الطّبريّ:يعني ب«الخزائن»:المفاتيح.و الأوّل أبين،و اللّه أعلم.(4:494)

البيضاويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و المعنى أنّ النّبوّة عطيّة من اللّه،يتفضّل بها على من يشاء من عباده،لا مانع له،فإنّه العزيز،أي الغالب الّذي لا يغلب،الوهّاب الّذي له أن يهب كلّ ما يشاء لمن يشاء.(2:305)

نحوه أبو السّعود(5:350)،و البروسويّ(8:7).

الآلوسيّ: قوله تعالى: أَمْ عِنْدَهُمْ... في مقابلة

ص: 637

قوله سبحانه: أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ الزّخرف:

32،و(ام)منقطعة مقدّرة ب«بل»و«الهمزة»،و المراد بالعنديّة:الملك و التّصرّف لا مجرّد الحضور،و تقديم الظّرف لأنّه محلّ الإنكار،[ثمّ قال نحو أبي السّعود]

(23:168)

الطّباطبائيّ: الكلام في موقع الإضراب و(ام) منقطعة،و الكلام ناظر إلى قولهم:(ما انزل عليه الذّكر من بيننا)أي:بل أ عندهم خزائن رحمة ربّك الّتي ينفق منها على من يشاء حتّى يمنعوك منها،بل هي له تعالى و هو أعلم حيث يجعل رسالته،و يختصّ برحمته من يشاء.

المصطفويّ: قلنا:إنّ مراتب الوجود و عوالم التّكوين مظاهر رحمانيّته و آثار من تجلّيات رحمته، فالرّحمة الحقّة الثّابتة اللاّهوتيّة خزانة الفيوضات و مبدأها و منشأها.و أمّا التّعبير بصيغة الجمع:فباعتبار كثرة مظاهرها و تنوّع مجاليها في العوالم.(3:47)

فضل اللّه :الّتي لا يستطيع أحد أن يحصل عليها أو يقترب منها إلاّ بإذنه،كما أنّه لا يمنع أحدا منها ممّن تشمله رحمته و تحتويه حكمته،فهل يملكون شيئا منها، سواء أ كانت من الخزائن المعنويّة للرّحمة كالنّبوّة و نحوها، أم من الخزائن المادّيّة،كالنّعم الكثيرة المتوفّرة في دائرة الحسّ.(19:239)

6- أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ

الطّور:37

ابن عبّاس: مفاتيح خزائن ربّك بالمطر و الرّزق و النّبات و النّبوّة.(445)

نحوه مكارم الشّيرازيّ(17:174)،و فضل اللّه (21:244).

عكرمة :يعني النّبوّة.(الثّعلبيّ 9:131)

السّدّيّ: مفاتيح النّبوّة،فيعطونها من شاءوا، و يمنعونها من شاءوا.(الماورديّ 5:79)

نحوه مقاتل(الواحديّ 4:189)،و الطّباطبائيّ(19:

20).

الكلبيّ: خزائن المطر و الرّزق.(الواحديّ 4:189)

الجبّائيّ: خزائنه:مقدوراته،فلا يأتيهم إلاّ ما يحبّون.(الطّبرسيّ 5:168)

نحوه الرّمّانيّ.(ابن عطيّة 5:192)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:أ عند هؤلاء المكذّبين بآيات اللّه خزائن ربّك يا محمّد،فهم لاستغنائهم بذلك عن آيات ربّهم معرضون؟(11:496)

الزّجّاج: و تفسير أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أي عندهم ما في خزائن ربّك من العلم،و قيل:في خزائن ربّك،أي رزق ربّك.(5:66)

الثّعلبيّ: و قيل:علم ما يكون.(9:131)

نحوه الزّهراويّ.(ابن عطيّة 5:192)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:مفاتيح الرّحمة، الثّاني:خزائن الرّزق.(5:385)

الطّوسيّ: معناه:أ عندهم خزائن نعمة ربّك،و خزائن اللّه:مقدوراته،لأنّه يقدّر من كلّ جنس على ما لا نهاية له،فشبّه ذلك بالخزائن الّتي تجمع أشياء مختلفة.و المعنى كأنّه قال:أ عندهم خزائن رحمة ربّك؟فقد أمنوا أن تجيء الأمور على خلاف ما يحبّون.(9:415)

ص: 638

الزّمخشريّ: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ الرّزق حتّى يرزقوا النّبوّة من شاءوا؟أو عندهم خزائن علمه حتّى يختاروا لها من اختياره حكمة و مصلحة.(4:26)

نحوه البيضاويّ(2:427)،و أبو السّعود(6:148)، و الآلوسيّ(27:38).

ابن عطيّة: قوله أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ بمنزلة قوله:أم عندهم الاستغناء عن اللّه في جميع الأمور،لأنّ المال و الصّحّة و القوّة و غير ذلك من الأشياء كلّها من خزائن اللّه كلّها.

قال الزّهراويّ: و قيل:يريد ب«الخزائن»:العلم، و هذا قول حسن إذا تؤمّل و بسّط.(5:192)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:أحدها:المراد من الخزائن:خزائن الرّحمة.

ثانيها:خزائن الغيب.

ثالثها:أنّه إشارة إلى الأسرار الإلهيّة المخفيّة عن الأعيان.

رابعها:خزائن المخلوقات الّتي لم يرها الإنسان،و لم يسمع بها.

و هذه الوجوه الأوّل و الثّاني منقول،و الثّالث و الرّابع مستنبط.(28:261)

القرطبيّ: أم عندهم ذلك فيستغنوا عن اللّه، و يعرضوا عن أمره.و قيل:مفاتيح الرّحمة...و ضرب المثل بالخزائن.[ثمّ ذكر نحو الطّوسيّ].(17:74)

مغنيّة:إذا اعترفوا بأنّ اللّه خالق كلّ شيء،فهل يدّعون بأنّ اللّه فوّض إليهم إدارة ملكه،و اختيار أنبيائه، و تقسيم الأرزاق و الأعمار على عباده؟(7:168)

7- ...وَ لِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ المنافقون:7

ابن عبّاس: مفاتيح خَزائِنُ السَّماواتِ بالرّزق:المطر، وَ الْأَرْضِ: النّبات.(473)

نحوه مقاتل.(4:341)

الجنيد:خزائن السّماء:الغيوب،و خزائن الأرض:

القلوب،و هو علاّم الغيوب،و مقلّب القلوب.

(الثّعلبيّ 9:322)

خزائنه في السّماوات:الغيوب و خزائنه في الأرض:

القلوب فما انفصل من الغيوب وقع على القلوب،و ما انفصل من القلوب صار إلى الغيوب،و العبد مرتهن بشيئين:تقصير الخدمة،و ارتكاب الزّلّة.

(البروسويّ 9:537)

الطّبريّ: يقول:و للّه جميع ما في السّماوات و الأرض من شيء،و بيده مفاتيح خزائن ذلك،لا يقدر أحد أن يعطي أحدا شيئا إلاّ بمشيئته.(12:104)

نحوه البغويّ(5:101)،و المراغيّ(28:113).

الزّجّاج: أي إنّ اللّه يرزقهم،و هو رازقهم في حال إنفاق هؤلاء عليهم.(5:177)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:خزائن السّماوات:المطر،و خزائن الأرضين:النّبات.

الثّاني:خزائن السّماوات:ما قضاه،و خزائن الأرضين:ما أعطاه.[ثمّ ذكر نحو قول جنيد].(6:18)

الطّوسيّ: بمعنى:له مقدوراته في السّماوات و الأرض،لأنّ فيها كلّ ما يشاء إخراجه،و له خزائن

ص: 639

السّماوات و الأرض،يخرج منهما ما يشاء.و هي داخلة في مقدوراته.

و الخزانة بكسر الخاء:موضع يخبأ فيه الأمتعة،و إذا كان للّه خزائن السّماوات و الأرض،فلا يضرّك يا محمّد ترك إنفاقهم،بل لا يضرّون إلاّ أنفسهم دون أولياء اللّه و المؤمنين الّذين يسبّب اللّه قوتهم.و لو شاء اللّه تعالى لأغنى المؤمنين،و لكن فعل ما هو أصلح لهم،و تعبّدهم بالصّبر على ذلك،لينالوا منزلة الثّواب.(10:14)

نحوه ملخّصا الطّبرسيّ.(5:295)

الواحديّ: أي إنّه هو الرّازق لهؤلاء المهاجرين،لا هؤلاء،لأنّ خزائن الرّزق من السّماوات و الأرض هو المطر و النّبات للّه.(4:304)

نحوه ابن الجوزيّ.(8:276)

الرّاغب: وَ لِلّهِ خَزائِنُ... إشارة منه إلى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده،أو إلى الحالة الّتي أشار إليها بقوله عليه السّلام:«فرغ ربّكم من خلق الخلق و الرّزق و الأجل».(146)

مثله الفيروزآباديّ: [إلاّ أنّه قال:فرغ ربّكم من الخلق و الخلق...](بصائر ذوي التّمييز 2:535)

الزّمخشريّ: و بيده الأرزاق و القسم،فهو رازقهم منها،و إن أبى أهل المدينة أن ينفقوا عليهم.(4:111)

مثله النّسفيّ(4:259)،و نحوه البيضاويّ(2:479)، و الكاشانيّ(5:178).

الفخر الرّازيّ: [ذكر ملخّصا نحو ما نقلناه عن الطّوسيّ و الجنيد](30:17)

الشّربينيّ: خَزائِنُ السَّماواتِ أي كلّها وَ الْأَرْضِ كذلك،من الأشياء المعدومة الدّاخلة تحت مقدوره: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82،و من الأشياء الّتي أوجدها،فهو يعطي من يشاء منها حتّى ممّا في أيديهم،لا يقدر أحد على منع شيء من ذلك،لا ممّا في يده،و لا ممّا في يد غيره.(4:296)

أبو السّعود :ردّ و إبطال لما زعموا من أنّ عدم إنفاقهم يؤدّي إلى انفضاض الفقراء من حوله عليه الصّلاة و السّلام،ببيان أنّ خزائن الأرزاق بيد اللّه تعالى خاصّة،يعطي من يشاء،و يمنع من يشاء.(6:252)

مثله الآلوسيّ.(28:115)

البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و من تلك الخزائن:المطر و النّبات.[ثمّ ذكر قول الرّاغب و أضاف:]

و المراد من الفراغ إتمام القضاء،فهو مذكور بطريق التّمثيل،يعني أتمّ قضاء هذه الكلّيّات في علمه السّابق، [إلى أن قال:]

و قال الواسطيّ قدّس سرّه:من طالع الأسباب في الدّنيا،و لم يعلم أنّ ذلك يحجبه عن التّوفيق،فهو جاهل.

و في«التّأويلات النّجميّة»:و للّه خزائن الأرزاق السّماويّة،من العلوم و المعارف،و الحكم و العوارف المخزونة لخواصّ العباد،يرزقهم حيث يشاء،و للّه خزائن الأرزاق الأرضيّة من المأكولات و المشروبات و الملبوسات و الخيول و البغال المخزونة لعوامّ العباد،ينفق عليهم من حيث لا يحتسبون.(9:536)

ابن عاشور : خَزائِنُ السَّماواتِ مقارّ أسباب

ص: 640

حصول الأرزاق:من غيوث رسميّة،و أشعّة الشّمس، و الرّياح الصّالحة،فيأتي ذلك بتوفير الثّمار و الحبوب، و خصب المرعى،و تزايد النّتاج.و أمّا خزائن الأرض:فما فيها من أهرية و مطامير و أندر،و من كنوز الأحوال،و ما يفتح اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم من البلاد،و ما يفيء عليه من أهل القرى.

و اللاّم في(لله)الملك (1)أي التّصرّف في ذلك ملك للّه تعالى.و لمّا كان الإنفاق على فقراء المسلمين ممّا يعين على ظهور الدّين الّذي أرسل اللّه به رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، كان الإخبار بأنّ الخزائن للّه كناية عن تيسير اللّه تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم حصول ما ينفق منه،كما دلّ عليه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا قال له الأنصاريّ:«و لا تخش من ذي العرش إقلالا»:

«بهذا أمرت».و ذلك بما سيّره اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم من زكوات المسلمين و غنائم الغزوات،و ما فتح اللّه عليه من البلاد بخيراتها،و ما أفاء اللّه عليه بغير قتال.

و تقديم المجرور من قوله: وَ لِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لإفادة قصر القلب،و هو قلب للازم قولهم لا لصريحه،لأنّ المنافقين لمّا قالوا: لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حسبوا أنّهم إذا قطعوا الإنفاق على من عند رسول اللّه لا يجد الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم ما ينفق منه عليهم، فأعلم اللّه رسوله مباشرة،و أعلمهم تبعا بأنّ ما عند اللّه من الرّزق أعظم و أوسع.(28:221)

مغنيّة:أ تأمرون النّاس بالبخل و عدم الإنفاق على من آمن باللّه و جاهد في سبيله،و اللّه خالق الخلق و مالكه و رازقه و وارثه،و هو القادر على أن يغني المؤمنين من فضله؟!(7:333)

الطّباطبائيّ: جواب عن قولهم: لا تُنْفِقُوا...

إلخ،أي إنّ الدّين دين اللّه و لا حاجة له إلى إنفاقهم،فله خزائن السّماوات و الأرض،ينفق منها،و يرزق من يشاء كيف يشاء،فلو شاء لأغنى الفقراء من المؤمنين،لكنّه تعالى يختار ما هو الأصلح،فيمتحنهم بالفقر،و يتعبّدهم بالصّبر،ليؤجرهم أجرا كريما،و يهديهم صراطا مستقيما،و المنافقون في جهل من ذلك.(19:282)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هؤلاء فقدوا الوعي و البصيرة،و لم يعرفوا أنّ كلّ ما لدى النّاس إنّما هو من اللّه،و كلّ الخلق عياله،و أنّ تقاسم الأنصار لأموالهم مع المهاجرين إنّما هو من دواعي الافتخار و الاعتزاز، و لا ينبغي أن يمنّوا به على أحد.(18:333)

فضل اللّه : وَ لِلّهِ خَزائِنُ... الّتي تتّسع للخلائق كلّهم،فلا تضيق عن أحد،و لا تنفذ مواردها مهما امتدّت في موارد الحياة كلّها،و تلك هي الحقيقة الإيمانيّة الّتي تفرضها الألوهيّة المطلقة المهيمنة على الأمر كلّه،و على الخلق كلّهم.(22:235)

8- وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ الحجر:21

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:في العرش مثال جميع ما خلق اللّه في البرّ و البحر،و هو تأويل قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ. (الثّعلبيّ 5:336)

ابن مسعود:ما من أرض أمطر من أرض،و لكنّ اللّه يقدّره في الأرض: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَناك.

ص: 641


1- كذا،و الظّاهر:للملك.

خَزائِنُهُ...

ما من عام بأمطر من عام،و لكنّ اللّه يقسمه حيث شاء،عاما هاهنا،و عاما هاهنا: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ. (الطّبري 7:503)

ابن عبّاس: مفاتيحه،يقول:بيدنا مفاتيحه لا بأيديكم.(217)

نحوه البغويّ.(3:54)

الحسن :المطر:خزائن كلّ شيء.

(الماورديّ 3:155)

الكلبيّ: يعني مفاتيحه،لأنّ في السّماء مفاتيح الأرزاق.(الماورديّ 3:155)

ابن جريج:المطر خاصّة.(الطّبريّ 7:504)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و ما من شيء من الأمطار إلاّ عندنا خزائنه،و ما ننزّله إلاّ بقدر،لكلّ أرض معلوم عندنا حدّه و مبلغه.(7:503)

القمّيّ: الخزانة:الماء الّذي ينزل من السّماء،و ينبت لكلّ ضرب من الحيوان،ما قدّر اللّه له من الغذاء.

(1:375)

النّحّاس: أخبر أنّ خزائن الأشياء بيده،أي أنّه جلّ و عزّ حافظها،و المتولّي تدبيرها.(4:19)

الماورديّ: يعني و إن من شيء من أرزاق الخلق إلاّ عندنا خزائنه،و فيه وجهان:

أحدهما:[قول الكلبيّ]

الثّاني:أنّها الخزائن الّتي هي مجتمع الأرزاق،و فيها وجهان:

أحدهما:ما كتبه اللّه تعالى و قدّره من أرزاق عباده.

الثّاني:يعني المطر المنزل من السّماء،لأنّه نبات كلّ شيء.(3:155)

نحوه القرطبيّ.(10:14)

الطّوسيّ: خزائن اللّه:مقدوراته،لأنّه تعالى يقدر أن يوجد ما شاء من جميع الأجناس،فكأنّه قال:و ليس من شيء إلاّ و اللّه تعالى قادر على ما كان من جنسه،إلى ما لا نهاية له.(6:327)

الواحديّ: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ أي من المطر في قول عامّة المفسّرين؛و ذلك أنّه سبب الرّزق و المعاش.و لمّا ذكر أنّه يعطيهم المعاش،بيّن أنّ خزائن المطر الّذي هو سبب المعاش عنده،أي في أمره و حكمه و تدبيره.

(3:42)

الزّمخشريّ: ذكر الخزائن تمثيل،و المعنى:و ما من شيء ينتفع به العباد إلاّ و نحن قادرون على إيجاده و تكوينه و الإنعام به،و ما نعطيه إلاّ بمقدار معلوم،نعلم أنّه مصلحة له،فضرب الخزائن مثلا لاقتداره على كلّ مقدور.(2:389)

مثله النّسفيّ(2:271)،و نحوه البيضاويّ(1:539).

ابن عطيّة: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ قال ابن جريج:

و هو المطر خاصّة.و ينبغي أن تكون أعمّ من هذا في كثير من المخلوقات.

و الخزائن:المواضع الحاوية،و ظاهر هذا أنّ الماء و الرّيح و نحو ذلك موجود مخلوق،و هو ظاهر في قولهم في الرّيح:عتت على الخزّان،و انفتح منها قدر حلقة الخاتم، و لو كان قدر منخر الثّور لأهلك الأرض،إلى غير هذا من الشّواهد.

ص: 642

و ذهب قوم إلى أنّ كونها في القدرة هو خزنها،فإذا شاء اللّه أوجدها.

و هذا أيضا ظاهر في أشياء كثيرة،و هو لازم في الأعراض إذا عمّمنا لفظة شَيْءٍ، و كيفما كان الأمر فالقدرة تسعه و تتقنه.(3:355)

الطّبرسيّ: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ أي و ليس من شيء ينزل من السّماء و ينبت من الأرض إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ معناه إلاّ و نحن مالكوه و القادرون عليه.[ثمّ قال مثل الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:المراد به الماء الّذي منه النّبات،و هو مخزون عنده إلى أن ينزله،و نبات الأرض و ثمارها إنّما تنبت بماء السّماء.(3:333)

ابن الجوزيّ: أي و ما من شيء إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ و هذا الكلام عامّ في كلّ شيء.

و ذهب قوم من المفسّرين إلى أنّ المراد به:المطر خاصّة،فالمعنى عندهم:و ما من شيء من المطر إلاّ عندنا خزائنه،أي في حكمنا و تدبيرنا.(4:392).

الفخر الرّازيّ: [نقل قول الواحديّ ثمّ قال نحو ابن الجوزيّ إلى أن قال:]

و قوله: وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ قال ابن عبّاس رحمهما اللّه:يزيد قدر الكفاية.و قال الحكم:ما من عام بأكثر مطرا من عام آخر،و لكنّه يمطر قوم و يحرم قوم آخرون،و ربّما كان في البحر،يعني أنّ اللّه تعالى ينزّل المطر كلّ عام بقدر معلوم،غير أنّه يصرفه إلى من يشاء حيث شاء،كما شاء.

و لقائل أن يقول:لفظ الآية لا يدلّ على هذا المعنى، فإنّ قوله تعالى: وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ لا يدلّ على أنّه تعالى ينزّله في جميع الأعوام على قدر واحد، و إذا كان كذلك كان تفسير الآية بهذا المعنى تحكّما من غير دليل.

و أقول أيضا:تخصيص قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ بالمطر تحكّم محض،لأنّ قوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ يتناول جميع الأشياء إلاّ ما خصّه الدّليل، و هو الموجود القديم الواجب لذاته،و قوله: إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ إشارة إلى كون تلك الأشياء مقدورة له تعالى.

و حاصل الأمر فيه أنّ المراد أنّ جميع الممكنات مقدورة له،و مملوكة يخرجها من العدم إلى الوجود كيف شاء،إلاّ أنّه تعالى و إن كانت مقدوراته غير متناهية،إلاّ أنّ الّذي يخرجه منها إلى الوجود يجب أن يكون متناهيا، لأنّ دخول ما لا نهاية له في الوجود محال،فقوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ إشارة إلى كون مقدوراته غير متناهية،و قوله: وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ إشارة إلى أنّ كلّ ما يدخل منها في الوجود فهو متناه.

و متى كان الخارج منها إلى الوجود متناهيا،كان لا محالة مختصّا في الحدوث بوقت مقدّر مع جواز حصوله قبل ذلك الوقت أو بعده بدلا عنه،و كان مختصّا بحيز معيّن مع جواز حصوله في سائر الأحياز بدلا عن ذلك الحيز،و كان مختصّا بصفات معيّنة،مع أنّه كان يجوز في العقل حصول سائر الصّفات بدلا عن تلك الصّفات.

و إذا كان كذلك كان اختصاص تلك الأشياء المتناهية بذلك الوقت المعيّن و الحيز المعيّن،و الصّفات المعيّنة بدلا عن أضدادها،لا بدّ و أن يكون بتخصيص

ص: 643

مخصّص و تقدير مقدّر،و هذا هو المراد من قوله: وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. و المعنى:أنّه لو لا القادر المختار الّذي خصّص تلك الأشياء بتلك الأحوال الجائزة، لامتنع اختصاصها بتلك الصّفات الجائزة.

و المراد من الإنزال:الإحداث و الإنشاء و الإبداع، كقوله تعالى: وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ الزّمر:6،و قوله: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ الحديد:25،و اللّه أعلم.

المسألة الثّانية:تمسّك بعض المعتزلة بهذه الآية،في إثبات أنّ المعدوم شيء،قال:لأنّ قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ يقتضي أن يكون لجميع الأشياء خزائن،و أن تكون تلك الخزائن حاصلة عند اللّه تعالى، و لا جائز أن يكون المراد من تلك الخزائن الموجودة عند اللّه تعالى هي تلك الموجودات من حيث إنّها موجودة، لأنّا بيّنّا أنّ المراد من قوله تعالى: وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ الإحداث و الإبداع و الإنشاء و التّكوين،و هذا يقتضي أن يكون حصول تلك الخزائن عند اللّه متقدّما على حدوثها و دخولها في الوجود،و إذا بطل هذا وجب أن يكون المراد أنّ تلك الذّوات و الحقائق و الماهيّات كانت متقرّرة عند اللّه تعالى،بمعنى أنّها كانت ثابتة من حيث إنّها حقائق و ماهيّات،ثمّ إنّه تعالى أنزل بعضها، أي أخرج بعضها من العدم إلى الوجود.

و لقائل أن يجيب عن ذلك بقوله:لا شكّ أنّ لفظ «الخزائن»إنّما ورد هاهنا على سبيل التّمثيل و التّخييل، فلم لا يجوز أن يكون المراد منه مجرّد كونه تعالى قادرا على إيجاد تلك الأشياء و تكوينها و إخراجها من العدم إلى الوجود؟و على هذا التّقدير:يسقط الاستدلال، و المباحث الدّقيقة باقية،و اللّه أعلم.(19:174)

نحوه ملخصا النّيسابوريّ.(14:15)

العكبريّ: قوله تعالى: إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ الجملة في موضع رفع على الخبر و مِنْ شَيْءٍ مبتدأ و لا يجوز أن يكون صفة؛إذ لا خبر هنا.و خَزائِنُهُ مرفوع بالظّرف،لأنّه قوي بكونه خبرا،و يجوز أن يكون مبتدأ، و الظّرف خبره، بِقَدَرٍ: في موضع الحال.(2:779)

أبو حيّان :تقدّم شرح الخزائن و(إن)نافية و(من) زائدة،و الظّاهر أنّ المعنى:و ما من شيء ينتفع به العباد إلاّ و نحن قادرون على إيجاده،و تكوينه،و الإنعام به،فتكون الخزائن و هي ما يحفظ فيه الأشياء مستعارة من المحسوس الّذي هو الجسم إلى المعقول.

و قال قوم:المراد:الخزائن حقيقة،و هي الّتي تحفظ فيها الأشياء،و أنّ للرّيح مكانا،و للمطر مكانا،و لكلّ مكان ملك و حفظة،فإذا أمر اللّه بإخراج شيء منه أخرجته الحفظة.(5:438)

الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:أراد مفاتيح الخزائن،و قيل:المطر،لأنّه سبب الأرزاق لبني آدم و الوحش و الطّير و الدّوابّ.و معنى عِنْدَنا أي في حكمه تعالى و تصرّفه و أمره و تدبيره.

(2:198)

أبو السّعود : وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ، (ان)للنّفي،و(من) مزيدة للتّأكيد،و(شىء)في محلّ الرّفع على الابتداء،أي ما من شيء من الأشياء الممكنة،فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوّليّا إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ الظّرف خبر للمبتدإ،و

ص: 644

خَزائِنُهُ مرتفع به على أنّه فاعله لاعتماده،أو خبر له، و الجملة خبر للمبتدإ الأوّل.

و الخزائن:جمع الخزانة،و هي ما يحفظ فيه نفائس الأموال لا غير،غلب في العرف على ما للملوك و السّلاطين من خزائن أرزاق النّاس،شبّهت مقدوراته تعالى الفائتة للحصر المندرجة تحت قدرته،الشّاملة في كونها مستورة عن علوم العالمين،و مصونة عن وصول أيديهم،مع كمال افتقارهم إليها و رغبتهم فيها،و كونها مهيّأة متأتّية لإيجاده و تكوينه؛بحيث متى تعلّقت الإرادة بوجودها،وجدت بلا تأخّر بنفائس الأموال المخزونة في الخزائن السّلطانيّة،فذكر الخزائن على طريقة الاستعارة التّخييليّة.(4:13)

المشهديّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

أو شبّه مقدوراته بالأشياء المخزونة الّتي لا يحوج إخراجها إلى كلفة و اجتهاد.(5:235)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

سمعت من حضرة شيخي و سندي قدّس سرّه:أنّ الإشارة بالخزائن إلى الأعيان الثّابتة،فلا يفيض شيء إلاّ من الأعيان الثّابتة،و علم اللّه تابع المعلوم و ما يقتضيه من الأحوال،فما ظلمهم اللّه و لكن كانوا أنفسهم يظلمون.(4:452)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:الأنسب أنّه مثل لعلمه تعالى بكلّ معلوم، و وجهه-على ما قيل-أنّه يبقى شَيْءٍ على عمومه، لشموله الواجب و الممكن بخلاف القدرة،و لأنّ(عند) أنسب بالعلم،لأنّ المقدور ليس عنده إلاّ بعد الوجود.

و تعقّب بأنّ كون المقدورات في خزائن القدرة ليس باعتبار الوجود الخارجيّ،بل الوجود العلميّ.

و قال قوم:الخزائن على حقيقتها،و هي الأماكن الّتي تحفظ فيها الأشياء،و أنّ للرّيح مكانا،و للمطر مكانا، و لكلّ مكان حفظة من الملائكة عليهم السّلام،و لا يخفى أنّه لا يمكن مع تعميم الشّيء.(14:30)

المراغيّ: أي ما من شيء ينتفع به العباد إلاّ و نحن قادرون على إيجاده،و الإنعام به متى أردنا،دون أن يكون تأخير و لا إبطاء،فخزائن ملكنا مليئة بما تحبّون من النّفائس،غير محجوبة عن الباحث السّاعي إلى كسبها من وجوهها بحسب السّنن الّتي وضعناها،و النّظم الّتي قدّرناها،و لا يمنعها مانع،و لا يستطيع دفعها دافع، فهي تحت 8 قبضة الطّالب،إذا أحسن المسعى، و أحكم الطّلب،كما قال: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَ إِلَيْهِ النُّشُورُ الملك:15.(14:17)

ابن عاشور :هذا اعتراض ناشئ عن قوله:

وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ الحجر:19،و في الكلام حذف الصّفة،كقوله تعالى: يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً الكهف:79،أي سفينة صالحة.

و الخزائن:تمثيل لصلوحيّة القدرة الإلهيّة لتكوين الأشياء النّافعة،شبّهت هيئة إيجاد الأشياء النّافعة بهيئة إخراج المخزونات من الخزائن،على طريقة التّمثيليّة المكنيّة،و رمز إلى الهيئة المشبّهة بها بما هو من لوازمها و هو الخزائن.و تقدّم عند قوله تعالى: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ الأنعام:50.

و شمل ذلك الأشياء المتفرّقة في العالم الّتي تصل إلى

ص: 645

النّاس بدوافع و أسباب تستتبّ في أحوال مخصوصة،أو بتركيب شيء مع شيء،مثل نزول البرد من السّحاب، و انفجار العيون من الأرض،بقصد أو على وجه المصادفة.(13:29)

الطّباطبائيّ: الخزائن:جمع خزانة،و هي مكان خزن المال و حفظه و ادّخاره،و«القدر»بفتحتين أو فتح فسكون:مبلغ الشّيء و كمّيّته المتعيّنة.

و لمّا كانت الآية واقعة في سياق الكلام في الرّزق الّذي يعيش به الإنسان و الحيوان،كان المراد بالشّيء الموصوف في الآية النّبات و ما يتبعه من الحبوب و الثّمرات،فالمراد بخزانته الّتي عند اللّه،و هو ينزل بقدر معلوم،المطر النّازل من السّماء الّذي ينبت به النّبات، فيأتي بالحبوب و الأثمار،و يعيش بذلك الإنسان و الحيوان.هذا ملخّص ما ذكره جمع من المفسّرين.

و لا يخفى عليك ما فيه من التّكلّف،فتخصيص ما في قوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ من العموم،و حصره في النّبات، من تخصيص الأكثر من غير شكّ،و المورد لا يخصّص.

و أردى منه تسمية المطر:خزائن النّبات،و ليس إلاّ سببا من أسبابه و جزء من أجزاء كثيرة يتكوّن النّبات بتركّبها الخاصّ.على أنّ المطر إنّما تتكوّن حينما ينزل،فكيف يسمّى خزانة،و ليس بموجود،و لا أنّ الّذي هو خزانته موجود فيه؟

و ذكر بعض المفسّرين أنّ المراد بكون خزائن كلّ شيء عند اللّه سبحانه شمول قدرته المطلقة له.

فله تعالى من كلّ نوع من أنواع الأشياء كالإنسان و الفرس و النّخلة و غير ذلك من الأعيان و صفاتها و آثارها و أفعالها،مقدورات في التّقدير،غير متناهية عددا،و لا يخرج منها دائما من التّقدير و الفرض إلى التّحقق و الفعليّة،إلاّ قدر معلوم و عدد معيّن محدود.

و على هذا فالمراد من كلّ شيء:نوعه لا شخصه، كالإنسان مثلا لا كزيد و عمرو،و المراد من القدر المعلوم:

الكمّيّة المعيّنة من الأفراد،و المراد من وجود خزائنه و وجوده في خزائنه:وجوده بحسب التّقدير،لا بحسب التّحقق،فيرجع إلى نوع من التّشبيه و المجاز.

و أنت خبير بأنّ فيه تخصيصا للشّيء من غير مخصّص،و فيه قصر للقدر في العدد من غير دليل، و القدر في اللّغة قريب المعنى من الحدّ،و هو المفهوم من سياق قوله تعالى: قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً الطّلاق:3،و قوله: وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ الرّعد:8، و قوله: إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ القمر:49،و قوله:

وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً الفرقان:2،إلى غير ذلك.

و فيه إرجاع الكلام إلى معنى مجازيّ استعاريّ من غير موجب،مع ما فيه من ورود الخزائن بصيغة الجمع من غير نكتة ظاهرة.

و ذكر بعض معاصري المفسّرين وجها آخر،و هو أنّ المراد بالخزائن:العناصر المختلفة الّتي تتألّف منها الأرزاق و غيرها،و قد أعدّ اللّه منها في عالمنا المشهود كمّيّة عظيمة لا تنفد بعروض التّركيب،و الأسباب الكلّيّة الّتي تعمل في تركّب المركّبات،كالضّوء و الحرارة و الرّياح الدّائمة المنظّمة و غيرها،الّتي تتكوّن منها الأشياء مما يحتاج إليه الإنسان في إدامة حياته و غيره.

ص: 646

فكلّ من هذه الأشياء مدّخرة بأجزائها و القوى الفعّالة فيها في تلك الخزائن،غير القابلة للنّفاد من جهة عظمة مقداره،و من جهة ما يعود إليه من الأجزاء الجديدة بانحلال تركيب المركّبات بموت أو فساد، و رجوعها إلى عناصرها الأوّليّة كالنّبات يفسد و الحيوان يموت،فيعود عناصرها بانحلال التّركيب إلى مقارّها، و يتّسع بذلك المكان لكينونة نبات و حيوان آخر يخلفان سلفهما.

فالضّوء و خاصّة ضوء الشّمس الّذي يعمل اللّيل و النّهار و الفصول الأربعة،و يربّي النّبات و الحيوان و سائر المركّبات،و يسوقها إلى غاياتها و مقاصدها من خزائن اللّه تعالى،و الرّياح الّتي تلقح النّبات،و تسوق السّحب، و تنقل الأهوية من مكان إلى مكان،و تدفع فاسد الهواء، و تجري السّفن خزانة أخرى،و الماء النّازل من السّماء الّذي تحتاج إليه المركّبات ذوات الحياة في كينونتها و بقائها خزانة أخرى،و كذلك العناصر البسيطة الّتي تتركّب منها المركّبات كلّ منها خزانة،تنزل من مجموعها أو من عدّة منها الأشياء المركّبة،و لا ينزل قطّ إلاّ عدد معلوم من كلّ نوع،من غير أن تنفد به الخزائن.

و على هذا فمراد الآية ب«الشّيء»هو نوعه لا شخصه،كما تقدّم في الوجه الأوّل،و المراد بخزائنه:

مجموع ما في الكون من أصوله و عناصره و أسبابه العامّة المادّية،و مجموع الشّيء موجود في مجموع خزائنه لا في كلّ واحد منها.و المراد بنزوله بقدر معلوم:كينونة عدد محدود منه في كلّ حين،من غير أن يستوفي عدد جميع ما في خزائنه.

و هذا وجه حسن في نفسه،تؤيّده الأبحاث العلميّة عن كينونة هذه الحوادث،و تصدّقه آيات كثيرة متفرّقة في الكتاب العزيز،كقوله في الآية التّالية: وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ الحجر:22،و قوله: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ الأنبياء:30،و قوله: وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ إبراهيم:33،و قوله: وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ البقرة:164،إلى غير ذلك من الآيات.

لكنّ الآية و هي من آيات القدر-كما يعطيه سياقها- تأبى الحمل عليه،كما تأبى عنه أخواتها،و كيف يحمل عليه قوله: وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً؟ الفرقان:

2،و قوله: اَلَّذِي خَلَقَ فَسَوّى* وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى الأعلى:2،3،و قوله: وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ الرّعد:

8،و قوله: إِلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ النّمل:

57،و قوله: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ عبس:18،19،و قوله: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ القدر:1،إلى آخر السّورة،إلى غير ذلك من الآيات.

على أنّه يرد عليه بعض ما أورد على الوجهين السّابقين كتخصيص عموم(شىء)من غير مخصّص و غير ذلك.

و الّذي يعطيه التّدبّر في الآية و ما يناظرها من الآيات الكريمة أنّها من غرر كلامه تعالى تبيّن ما هو أدقّ مسلكا،و أبعد غورا ممّا فسّروها به،و هو ظهور الأشياء بالقدر و الأصل الّذي لها قبل إحاطته بها و اشتماله عليها.

ص: 647

و ذلك أنّ ظاهر قوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ على ما به من العموم بسبب وقوعه في سياق النّفي مع تأكيده ب(من)،كلّ ما يصدق عليه أنّه شيء من دون أن يخرج منه إلاّ ما يخرجه نفس السّياق،و هو ما تدلّ عليه لفظة (نا)و(عند)و(خزائن)و ما عدى ذلك ممّا يرى و لا يرى مشمول للعامّ.

فشخص زيد مثلا و هو فرد إنسانيّ من الشّيء و نوع من الإنسان أيضا الموجود في الخارج بأفراده من الشّيء، و الآية تثبت لذلك خزائن عند اللّه سبحانه،فلننظر ما معنى كون زيد مثلا له خزائن عند اللّه؟

و الّذي يسهّل الأمر فيه أنّه تعالى يعدّ هذا الشّيء المذكور نازلا من عنده،و النّزول يستدعي علوا و سفلا، و رفعة و خفضة،و سماء و أرضا مثلا،و لم ينزل زيد المخلوق مثلا من مكان عال إلى آخر سافل بشهادة العيان، فليس المراد بإنزاله إلاّ خلقه،لكنّه ذو صفة يصدق عليه النّزول بسببها،و نظير الآية قوله تعالى: وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ الزّمر:6،و قوله: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ الحديد:25.

ثمّ قوله: وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ يقرن النّزول-و هو الخلقة-بالقدر قرنا لازما غير جائز الانفكاك لمكان الحصر.و الباء إمّا للسّببيّة،أو الآلة،أو المصاحبة،و المآل واحد،فكينونة زيد و ظهوره بالوجود إنّما هو بماله من القدر المعلوم،فوجوده محدود لا محالة، كيف؟و هو تعالى يقول: إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ فصّلت:

54،و لو لم يكن محدودا لم يكن محاطا له تعالى،فمن المحال أن يحاط بما لا حدّ له و لا نهاية.

و هذا القدر هو الّذي بسببه يتعيّن الشّيء،و يتميّز من غيره،ففي زيد مثلا شيء به يتميّز من عمرو و غيره من أفراد الإنسان،و يتميّز من الفرس و البقر و الأرض و السّماء.و يجوز لنا به أن نقول:ليس هو بعمرو و لا بالفرس و البقر و الأرض و السّماء،و لو لا هذا الحدّ لكان هو هي و ارتفع التّميّز.

و كذلك ما عنده من القوى و الآثار و الأعمال محدودة مقدّرة،فليس إبصاره مثلا إبصارا مطلقا في كلّ حال،و في كلّ زمان،و في كلّ مكان،و لكلّ شيء،و بكلّ عضو مثلا، بل إبصار في حال و زمان و مكان خاصّ،و لشيء خاصّ، و بعضو خاصّ،و على شرائط خاصّة.و لو كان إبصارا مطلقا لأحاط بكلّ إبصار خاصّ،و كان الجميع له.

و نظيره الكلام في سائر ما يعود إليه من خصائص وجوده و توابعه،فافهم ذلك.

و من هنا يظهر أنّ القدر خصوصيّة وجود الشّيء و كيفيّة خلقته،كما يستفاد أيضا من قوله تعالى: اَلَّذِي خَلَقَ فَسَوّى* وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى الأعلى:2،3، و قوله: اَلَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى طه:

50،فإنّ الآية الأولى رتّبت الهداية،و هي الدّلالة على مقاصد الوجود على خلق الشّيء و تسويته و تقديره، و الآية الثّانية رتّبتها على إعطائه ما يختصّ به من الخلق، و لازم ذلك-على ما يعطيه سياق الآيتين-كون قدر الشّيء خصوصيّة خلقه،غير الخارجة عنه.

ثمّ إنّه تعالى وصف قدر كلّ شيء بأنّه معلوم؛إذ قال: وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ، و يفيد بحسب سياق الكلام أنّ هذا القدر معلوم حينما يتنزّل الشّيء-و لما يتمّ

ص: 648

نزوله و يظهر وجوده-فهو معلوم القدر معيّنه قبل إيجاده، و إليه يؤول معنى قوله: وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ الرّعد:8،فإنّ ظاهر الآية أنّ كلّ شيء بماله من المقدار حاضر عنده،معلوم له،فقوله هناك: عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ في معنى قوله:هاهنا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.

و نظير ذلك قوله في موضع آخر: قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً الطّلاق:3،أي قدرا لا يتجاوزه معيّنا غير مبهم معلوما غير مجهول.و بالجملة للقدر تقدّم علي الشّيء بحسب العلم و المشيئة،و إن كان مقارنا له،غير منفكّ عنه في وجوده.

ثمّ إنّه تعالى أثبت بقوله: عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إلخ،للشّيء عنده قبل نزوله،إلى هذه النّشأة و استقراره فيها خزائن،و جعل القدر متأخّرا عنها ملازما لنزوله،فالشّيء و هو في هذه الخزائن غير مقدّر بقدر، و لا محدود بحدّ،و هو مع ذلك هو.

و قد جمع في تعريف هذه الخزائن بين كونها فوق القدر الّذي يلحق الشّيء و بين كونها خزائن فوق الواحدة و الاثنتين،و من المعلوم،أنّ العدد لا يلحق إلاّ الشّيء المحدود،و أنّ هذه الخزائن لو لم تكن محدودة متميّزة بعضها من بعض،كانت واحدة البتّة.

و من هنا يتبيّن أنّ هذه الخزائن بعضها فوق بعض، و كلّ ما هو عال منها غير محدود بحدّ ما هو دان غير مقدّر بقدرة،و مجموعها غير محدود بالحدّ الّذي يلحق الشّيء -و هو في هذه النّشأة-و لا يبعد أن يكون التّعبير بالتّنزيل الدّالّ على نوع من التّدريج في قوله: وَ ما نُنَزِّلُهُ إشارة إلى كونه يطوي في نزوله مرحلة بعد مرحلة،و كلّما ورد مرحلة طرأه من القدر أمر جديد لم يكن قبل،حتّى إذا وقع في الأخيرة أحاط به القدر من كلّ جانب،قال تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً الدّهر:1،فقد كان الإنسان و لكنّه لم يكن شيئا مذكورا.

و هذه الخزائن جميعا فوق عالمنا المشهود،لأنّه تعالى وصفها بأنّها عنده،و قد أخبرنا بقوله: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ النّحل:96،أنّ ما عنده ثابت لا يزول و لا يتغيّر عمّا هو عليه.فهذه الخزائن كائنة ما كانت أمور ثابتة غير زائلة و لا متغيّرة،و الأشياء في هذه النّشأة المادّيّة المحسوسة متغيّرة فانية،لا ثابتة و لا باقية،فهذه الخزائن الإلهيّة فوق عالمنا المشهود.

هذا ما يعطيه التّدبّر في الآية الكريمة،و هو و إن كان لا يخلو من دقّة و غموض يعضل على بادئ الفهم،لكنّك لو أمعنت في التّدبّر،و بذلت في ذلك بعض جهدك استنار لك،و وجدته من واضحات كلامه إن شاء اللّه تعالى.

و على من لم يتيسّر له قبوله أن يعتمد الوجه الثّالث المتقدّم،فهو أحسن الوجوه الثّلاثة المتقدّمة،و اللّه وليّ الهداية.و سنرجع إلى«بحث القدر»في كلام مستقلّ يختصّ به إن شاء اللّه،في موضع يناسبه.(12:141)

المصطفويّ: فإنّ كلّ ما في الوجود فهو أثر من فيوضاته الرّحمانيّة،و كلّما في عالم الإمكان فله أصل في مقام الأسماء و الصّفات الرّبّانيّة،و تلك الحقائق و الصّفات الثّابتة الأزليّة الواسعة الإلهيّة مخازن للفيوضات و التّجلّيات في العوالم.(3:47)

مكارم الشّيرازيّ: [نحو الزّمخشريّ إلى أن قال:]

ص: 649

ما هي خزائن اللّه تعالى؟

نقرأ في آيات القرآن أنّ:للّه عزّ و جلّ خزائن،للّه خزائن السّماوات و الأرض،بيده خزائن كلّ شيء،فما هي خزائنه تعالى؟

الخزائن لغة:جمع خزانة،و هي المكان المخصّص لحفظ و تجميع المال و هي من مادّة«خزن»على وزن «وزن»بمعنى:حفظ الشّيء و حبسه.

بديهيّ،أنّ من كانت قدرته محدودة و غير قادر على أن يهيّئ لنفسه كلّ ما يحتاج إليه على الدّوام،يبدأ بجمع ما يملك و خزنه،لوقت الحاجة إليه مستقبلا.

و هل يمكن تصوّر ذلك في شأنه سبحانه؟الجواب بالنّفي قطعا،و هكذا فسّر جمع من المفسّرين أمثال العلاّمة الطّبرسيّ في«مجمع البيان»و الفخر الرّازي في «تفسيره الكبير»و الرّاغب في«المفردات»،فسّروا (خزائن الله)بمعنى:مقدورات اللّه،يعني:أنّ كلّ شيء جمع في خزانة قدرة اللّه،و كلّ ما يخطّه ضرورة أو صلاحا لمخلوقه،يخلقه بقدرته.

و قد فسّر بعض كبار المفسّرين(خزائن الله) بأنّها:مجموع ما في الكون من أصوله و عناصره و أسبابه العامّة المادّيّة،و مجموع الشّيء موجود في مجموع خزائنه لا في كلّ واحد منها.

هذا التّفسير و إن كان مقبولا من النّاحية الأصوليّة، و لكنّ تعبير(عندنا)ينسجم أكثر مع التّفسير الأوّل.

و إنّ عبارة(خزائن الله)و ما شابهها لا تصف مقام الرّبّ و شأنه الجليل،و لا يصحّ أن نعتبرها بعين معناها، و إنّما استعملت للتّقريب،من باب تكلّم النّاس بلسانهم، ليكونوا أكثر قربا للسّمع،و أشدّ فهما للمعنى.

نعود إلى ما ذكره بعض المفسّرين من أنّ(خزائن) تختصّ بالماء و المطر،لنقول:إنّ حصر مفهوم(خزائن) بهذا المصداق المحدّد تقييد بلا مقيّد،لإطلاق مفهوم الآية، و هو خال من أيّ دليل أو قرينة.(8:49،50)

فضل اللّه :في ما يتمثّل في الإحاطة العلميّة بالأشياء من خزائن،و في ما يتمثّل في ساحة القدرة من مواقع و آفاق،هل هو المطر الّذي يختزنه اللّه في الأعماق و في الآفاق،أو هو الأشياء كلّها؟الظّاهر من الآية،أنّ المسألة تتحرّك في خطّ الشّمول،لأنّها واردة في مجال تحديد القاعدة الكلّيّة،لإحاطة اللّه بالأشياء و قدرته عليها،و لا خصوصيّة لخزائن الماء في ذلك.(13:153)

الأشباه و النّظائر

الحيريّ: «الخزائن»على خمسة أوجه:

أحدها:الخراج،كقوله: اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ يوسف:55.

و الثّاني:المفاتيح،كقوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ الحجر:21،و قوله: وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ الحجر:22.

و الثّالث:الرّزق،كقوله: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ الإسراء:100.

و الرّابع:المطر:[ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ الطّور:

37]

و الخامس:النّبات،كقوله: وَ لِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ المنافقون:7،خزائن السّماوات بالمطر،

ص: 650

و خزائن الأرض بالنّبات.(241)

الدّامغانيّ: «الخزائن»على أربعة أوجه:المفاتيح، النّبوّة،المطر و النّبات،الخراج...[و قال نحو الحيريّ إلاّ أنّه قال:]

و الوجه الثّاني:الخزائن:النّبوّة و الكتاب،كقوله:

أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهّابِ ص:9، يعني النّبوّة و الكتاب.(309)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخزانة،أي ما يحرز فيه الشّيء؛و الجمع:خزائن.يقال:خزن الشّيء يخزنه خزنا و اختزنه،أي أحرزه و جعله في خزانة و اختزنه لنفسه، و خزن المال:غيّبه،و الخزانة:عمل الخازن،و المخزن:

موضع الخزن.

و يقال مجازا:خزانة الإنسان:قلبه،و خازنه و خزّانه:

لسانه،على المثل،و خزائن اللّه:غيوب علمه تعالى؛ لغموضها على النّاس و استتارها عنهم،و خزنت السّرّ و اختزنته:كتمته.

2-و قولهم:خزن اللّحم يخزن،و خزن يخزن خزنا و خزونا و خزن،فهو خزين:تغيّر و أنتن،«أي ادّخره فأنتن بسبب الادّخار»،كما قال الزّمخشريّ،أو هو مقلوب«خنز»،كما ذهب إليه ابن فارس.

3-و أصرّ كثير من المستشرقين على أنّ لفظ الخزانة دخيل في العربيّة،بيد أنّهم لم يفلحوا في تعيين أصله،و أشطّ بعضهم فيه،فأرجعه إلى اللّفظ الفارسيّ «گنج»،أي الكنز (1).

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها«خازنين»مرّة،و«خزنة»4 مرّات، و«الخزائن»8 مرّات في 13 آية:

خازنين

1- ...فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ الحجر:22

خزنة-خزنتها

2- وَ قالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ المؤمن:49

3- ...وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ... الزّمر:71

4- ...كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ الملك:8

5- ...وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ

الزّمر:73

خزائن-خزائنه

6- وَ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ... هود:31

7- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ... الأنعام:50

8- أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ

الطّور:37

ص: 651


1- راجع المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم- آرثر جفري،و المعجم المقارن-محمّد جواد مشكور.

9- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ... الإسراء:100

10- أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهّابِ ص:9

11- وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ الحجر:21

12- قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ يوسف:55

13- ...وَ لِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ المنافقون:7

يلاحظ أوّلا:أنّه لم يأت منها فعل،بل جاء اسم الفاعل جمعا لذوي العقول بصيغتين:«خازنين»منفيّا، وصفا للنّاس مرّة(1): وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ، و«خزنة»مثبتا،وصفا للملائكة خزنة جهنّم و الجنّة 4 مرّات(2-5).

و جاء اسما:«خزائن»،جمعا ل«خزينة»و«خزانة» 8 مرّات في(6-13)منسوبا إلى اللّه تعالى،إمّا بالإضافة إليه أو إلى رحمته 5 مرّات في(6-10)،أو إلى خلقه كالسّماوات و الأرض و الأشياء 3 مرّات(11-13)، ففيها محوران:

الأوّل:صفة ذوي العقول،و فيها خمس آيات:

أ:(1) وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ، وصفا للنّاس، و فيها بحوث:

1-ضمير(له)يرجع إلى(ماء)قبله: فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ، و كذا ضمير(كموه).

و عبّر عنه ابن عبّاس و غيره ب«المطر»باعتبار نزوله من السّماء.

2-و لهم في معنى بِخازِنِينَ تعابير مثل:بفاتحين، بخازنيها،فتكون مفاتيحها بأيديكم و لكنّها بيدي، بمانعين،لستم بخازني الماء...فتمنعوه من أسقيه،لأنّ ذلك بيدي...،لا تقدرون أن تخزنوه،فيه وجهان:بخازني الماء، أو بمانعي الماء،بحافظين ليست خزائنه بأيديكم،ما أنتم عليه بقادرين،ما أنتم له بحافظين و لا محرزين،بل اللّه يحفظه ثمّ يرسله...و لا يقدر أحد على إحراز ما يحتاج إليه من الماء...،ليست خزائنه عندكم،لستم بمانعين المطر، قادرين متمكّنين من إخراجه،حافظين له بالشّكر، و نحوها.و يرجع جميعها إلى معنيين:

أوّلهما:حافظين،أي قادرين على الماء،ليكون أمره بيدكم.

و ثانيهما:مانعين غيركم عن استسقاء الماء.

و لا ريب أنّ الثّاني لازم للأوّل،فالتّفسير به تفسير باللاّزم،و إلاّ ليس معنى المنع:الحفظ،بل من بيده الماء هو الحافظ له،و هو قادر على أن يسقيه النّاس أو يمنعهم منه.

و مثله تفسيره«بفاتحين»أي مبتدءين في الاستسقاء منه، و«بقادرين عليه».

و الحقّ أنّ هذه كلّها تفسير باللاّزم حتّى «الحافظين»،و إلاّ فالخازن هو الّذي خزن الماء في مخزنه، فهو حافظ له،قادر عليه،مستفيد منه،مانع غيره منه، و هكذا.

3-يستفاد من الآية الحصر:إثباتا الحفظ و القدرة للّه و نفيهما عن النّاس،فقوله: فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً، إثبات للقدرة على الماء للّه تعالى،و قوله: وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ، نفي لهما عن غيره.و لهذا فسّروها بقولهم:

«ليس بيدكم بل بيدي»أو«نفى عنهم ما أثبته لنفسه»،

ص: 652

و نحوهما،فالحصر عندهم مستفاد من سياق الآية نفسها.

و لكنّ الزّمخشريّ قال:«نفى عنهم ما أثبته لنفسه في قوله(11): وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ، فأحال الإثبات على آية أخرى أوّلا،ثمّ رجع إلى هذه و قال:

«كأنّه قال:نحن الخازنون للماء،على معنى نحن القادرون على خلقه في السّماء،و أنزلناه منها،و ما أنتم عليه بقادرين دلالة على عظم قدرته،و إظهارا لعجزهم».

4-قال النّسفيّ: «ذكر(الخزائن)»تمثيل،و المعنى:

و ما من شيء ينتفع به العباد إلاّ و نحن قادرون على إيجاده...فضرب«الخزائن»مثلا لاقتداره على كلّ مقدور».

5-أنكر مغنيّة كون الماء بكامله مجموعا في خزّان عظيم عند اللّه ينزّل منه الماء إلى الأرض ساعة يشاء كما قال بعض المفسّرين-بل المراد إنزاله بالأسباب الطّبيعيّة،و تحفظه الأرض و تخرجه العيون،و نحوه عن الطّبرسيّ و البيضاويّ.و أضاف هذا:«فإنّ طبيعة الماء تقتضي الغور،فوقوفه دون حدّه لا بدّ من سبب مخصّص».لكنّ«المكارم»تردّد بين خزن الماء في السّحب قبل نزوله،و بين خزنه-بعد نزوله-على قلل الجبال بهيئة الثّلوج،أو في أعماق الأرض.

و قال فضل اللّه:«بل هو من خزائن اللّه المودعة في علمه و قدرته،فهو الّذي يدفعه إليكم،و هو الّذي ينظّم حركته على سطح الأرض و في أعماقها،و هو الّذي يحوّلها إلى طاقة حيّة في كلّ شيء حيّ في الحياة».

و الحقّ أنّ هذه كلّها تفسير باللّوازم العادية لإنزال الماء من قبل اللّه المذكور في صدر الآية: فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً...، و صرّح بخزنه في الأرض في مثل قوله:

أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ...

المؤمنون:18.

و أمّا الخزن في وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ، فنفي عن النّاس خاصّة،و لا مساس له بخزن اللّه إلاّ كمساس المستثنى بالمستثنى منه.

ب:(2-5):«خزنة جهنّم أو الجنّة»و فيها بحوث:

1-قالوا:(خزنتها:)زبانيتها،قوّامها،القوّام بتعذيب أهلها،الّذين يتولّون عذاب أهل النّار من الملائكة الموكّلين بهم،خدّامها و قوّامها،الموكّلون بما تحويه،من النّار و وقودها،و المعذّبين فيها،و موكّلون بتسيير ما تحتوي عليه دار العذاب و أهلها،حفظة جهنّم.

الخزنة:جمع خازن،و هو الوكيل و البوّاب،غلب عليه اسم الخازن،لأنّه يقصد لخزن المال،الأفراد الموكّلين المأمورين المدبّرين من الملائكة في تلك العوالم ...واحده:خازن،نحو سدنة و سادن.

و أكثرها بيان لشئون هؤلاء الخزنة،و ليست معنى نفس الكلمة سوى جعل الشّيء في خزّان.

2-جاء في(2):(خزنة جهنّم)مع ذكر النّار قبلها:

وَ قالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ، و لم يقل:

(لخزنتها)كما قال في(3 و 4):(خزنتها).

قال الزّمخشريّ: «لأنّ في ذكر جهنّم تحويلا تفظيعا، و يحتمل أنّ جهنّم هي أبعد النّار قعرا،من قولهم:«بئر جهنام»:بعيدة القعر.

و قال الآلوسيّ: «لأنّ جهنّم أخصّ من النّار بحسب الظّاهر،لإطلاقها على ما في الدّنيا،أو لأنّها محلّ لأشدّ العذاب الشّامل للنّار و غيرها».

ص: 653

و يؤيّد ذلك إضافة(النّار)إلى جهنّم 9 مرّات،لاحظ (جهنّم).

و أنكر ابن عاشور كونه من الإظهار في مقام الإضمار للتّهويل-كما قال الزّمخشريّ أوّلا-لأنّ الخزن لا يتعلّق بالنّار،بل بما يحويها.و قال:«إذ لا يحسن إضافة خزنة إلى النّار».

3-و جاء في(2)أيضا أنّ أهل النّار قالوا لخزنة جهنّم: اُدْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ، و لم يدعوا اللّه بأنفسهم استشفاعا بأولئك الملائكة الموكّلين بهم،المقرّبين عند اللّه تعالى.كما أنّهم اكتفوا بتخفيف يوم من العذاب لا برفع العذاب عنهم رأسا،أو بتخفيفه عنهم دائما،و هذا يحكي عن شدّة العذاب.

لاحظ ع ذ ب:«العذاب».

4-و جاء في(5)(خزنتها)و المراد خزنة الجنّة لأنّ صدر الآية: وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً: قال ابن عبّاس:«خزّان الجنان على باب الجنان»و هم الملائكة الموكّلون عليها.لاحظ تفسير هذه الآية و ما فيها من النّكات في ب و ب:«أبواب»:

الاستعمال القرآنيّ الآية:18 و 19.

المحور الثّاني(6-13):«الخزائن»مضافة إلى اللّه أو إلى مخلوقاته،و فيها بحوث:

1-«الخزائن»:جمع«الخزانة»عند الفخر الرّازيّ و ابن عاشور،و غيرهما،أو جمع:«الخزينة»-كما قال بعضهم-و هي اسم للمكان الّذي يخزن فيه الشّيء.

و قال ابن عاشور:«و هي بيت أو مشكاة كبيرة يجعل لها باب،و ذلك لخزن المال أو الطّعام،أي حفظه من الضّياع،و البيت الّذي يختزن فيه الحبوب و الأموال، و هي البيت و الصّندوق الّذي يحتوي ما تتوّق إليه النّفوس و ما ينتفع عند الشّدّة و الحاجة».ثمّ قال:«و ذكر الخزائن هنا استعارة مكنيّة شبّهت النّعم و الأشياء النّافعة بالأموال النّفيسة الّتي تدّخر في الخزائن،و رمز إلى ذلك بذكر ما هو روادف المشبّه به،و هو الخزائن».

2-جاء في(6 و 7)(خزائن اللّه)،و في(8) خَزائِنُ رَبِّكَ، و في(9 و 10): خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي، و خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ، و في(11) وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ، و في(12) اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ، و في(13) لِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ.

و ظاهر أنّ«الخزائن»في جميعها منسوبة إلى«اللّه» تعالى بنحو من الأنحاء،و هي تحت قدرته ما عدا(12)، فأريد بها خزائن الملك؛حيث تمنّى يوسف عليه السّلام أن يسلّط عليها من قبله.

و للمفسّرين في تفسير«الخزائن»في كلّ منها آراء و أقوال:

الأوّل:قالوا في(خزائن الله:)مفاتيح خزائن اللّه من النّبات و الثّمار،و الأمطار و العذاب،مفاتيح خزائن اللّه في الرّزق،خزائن رحمة اللّه،الرّزق،رزق اللّه،خزائن رزقه،الأموال،مفاتيح اللّه بنزول العذاب،خزائني:إذا أردت شيئا أن أقول له: كُنْ فَيَكُونُ النّحل:40،و هو مرويّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام،الرّحمة و العذاب، مقدوراته،خزائن السّماوات و الأرض،الّتي بها يرزق و يعطي،قسمه بين الخلق و أرزاقه،أرزاق الخلق،خزائن قدرته،هي العلم بحقائق الأشياء و ماهيّاتها عنده،ليس خزائن اللّه مثل خزائن العباد،و إنّما خزائن اللّه تعالى:

ص: 654

خزائن مقدوراته الّتي لا توجد إلاّ بتكوينه إيّاها، مستعارة لتعلّق قدرة اللّه بالإنعام و إعطاء الخيرات النّافعة للنّاس في الدّنيا،شبّهت-تلك التّعلّقات الصّلوحيّة و التّنجيز في حجبها عن عيون النّاس و تناولهم مع نفعها إيّاهم-بخزائن أهل اليسار و الثّروة الّتي تجمع الأموال و الأحبية و الخلع و الطّعام،كما أطلق عليها ذلك في(13): لِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، أي ما هو مودّع في العوالم العليا و السّفلى ممّا ينفع النّاس، الخزائن مجاز عن المرزوقات من الذّهبيّة و الفضّيّة و نحو ذلك،ممّا يدخل في عالم التّقييم المادّيّ بالمستوى الّذي يستطيع فيه غرف ما يشاء من المال لمن يشاء من النّاس، هي الّتي لا يفنيها شيء،غيوب علم اللّه الّتي لا يعلمها إلاّ هو،غيوب اللّه الّتي يعلم منها ما يضمر النّاس،القدرة الّتي يوجد بها الشّيء،هي ما ذكره في(9): خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي، و نحوها.

فبعضهم خصّ«الخزائن»بأرزاق العباد و أموالهم، و بعضهم حملها على الرّحمة و العذاب،و بعضهم عمّها لكلّ مقدورات اللّه و معلوماته و غيوبه،ممّا يدخل تحت إرادة اللّه و يوجد بقوله:(كن).و هو الصّواب عندنا،و هم متّفقون على أنّها مجاز و استعارة.

الثّاني(8): خَزائِنُ رَبِّكَ، قالوا فيها نحو ما ذكروه في(خزائن الله)،من دون(العذاب)لأنّه لا يمازج قوله:(ربّك)،و قد جمعها الفخر الرّازيّ في أربعة وجوه:

1-خزائن الرّحمة،و هو المناسب،لإضافتها إلى(ربّك).

2-خزائن الغيب.

3-الأسرار الإلهيّة المخفيّة عن الأعيان.

4-خزائن المخلوقات الّتي لم يرها الإنسان و لم يسمع بها،ثمّ قال:«و من هذه الوجوه،الأوّل و الثّاني:منقول، و الثّالث و الرّابع:مستنبط».

الثّالث(9 و 10):خزائن رحمة ربّي أو رحمة ربّك.

قالوا في(9):هي خزائن أرزاق العباد و نحوها،و هو المناسب لسياق الآية: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ.

و قالوا في(10): أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهّابِ هي النّبوّة و الكتب،أو مفاتيح النّبوّة، و نحوها،و هو المناسب لسياقها،فقد جاء قبلها: أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ.

لكنّ سياق هذه الآيات لا يمنع من حملها على العموم مثل:(خزائن الله)،و قد حملها الطّباطبائيّ على خزائن رحمة اللّه الّتي ينفق منها على من يشاء،و حملها فضل اللّه على الخزائن المعنويّة للرّحمة كالنّبوّة،و الخزائن المادّيّة كالنّعم الحسّيّة.

فقد راعوا جميعا سياق الآيات المنصرفة إلى الرّحمة، فلم يذكروا العذاب معها.

و هي مجاز أيضا.قال ابن عطيّة:«الخزائن للرّحمة مستعارة كأنّها موضع جمعها و حفظها...».

الرّابع(11): وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ، و هي مثل ما قبلها فإنّها تعمّ كلّ ما فيه الرّحمة،و خصّها بعضهم بالمطر لأنّه سبب الرّزق المعاش،و لأنّه قال: وَ ما نُنَزِّلُهُ قال القمّيّ:

«الخزانة:الماء الّذي ينزل من السّماء».

ص: 655

و لا وجه له،فإنّ اللّه عبّر عن الخلق بالنّزول أيضا مثل: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ الحديد:25.

و قال أبو السّعود:«شبّهت مقدوراته تعالى-الفائتة للحصر المندرجة تحت قدرته الشّاملة في كونها مستورة عن علوم العالمين و مصونة عن وصول أيديهم مع كمال افتقارهم إليها و رغبتهم فيها،و كونها مهيّأة و متتالية لإيجاده و تكوينه...-بنفائس الأموال المخزونة في الخزائن السّلطانيّة فذكر الخزائن على طريقة الاستعارة التّخييليّة».

و قال الآلوسيّ: «و قيل:الأنسب أنّه مثل لعلمه تعالى بكلّ معلوم،و وجهه-على ما قيل:-أنّه يبقى لفظ (شىء)على عمومه،لشموله الواجب و الممكن،بخلاف القدرة،و لأنّ(عند)أنسب بالعلم،لأنّ المقدور ليس إلاّ بعد الوجود.[إلى أن قال:]

و قال قوم:الخزائن على حقيقتها،و هي الأماكن الّتي تحفظ فيها الأشياء،و أنّ للرّيح مكانا،و لكلّ مكان حفظة من الملائكة عليهم السّلام،و لا يخفى أنّه لا يمكن مع تعميم الشّيء،و نظيرها نصوص أخرى فلاحظ.

الخامس(11 و 13):خزائنه و خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و فيهما بحوث:

1-قوله في(11): عِنْدَنا خَزائِنُهُ، عامّ لجميع مقدورات اللّه،و هي أظهر الآيات في التّعميم و الشّمول، فإنّ(عندنا)يشمل ما يحيط به علمه و قدرته و إرادته تكوينه و خلقه،و لا وجه لاختصاصها ببعض المخلوقات.

2-قد قالوا في(13)مثل ما قالوا في(خزائن الله) من الوجوه،و قد سبق أنّ بعضهم فسّر(خزائن الله) بخزائن السّماوات و الأرض.و لكنّ أكثرهم خصّوها بما في السّماوات و الأرض من الأمور المادّية،و لا سيّما الأرزاق تماشيا مع سياقها،نقلا عن المنافقين هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا وَ لِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ.

و عندنا أنّ ذلك لا يمنع من التّعميم لكلّ مقدورات اللّه و معلوماته و مراداته.فقد عبّر في آيات كثيرة عن العالم بالسّماوات و الأرض،لاحظ«أرض».

فالآية بمنزلة ذكر الكبرى و هي وَ لِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، بعد الصّغرى المستفاد من هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ، أي إنفاقكم جزء من خزائن السّماوات و الأرض.

فقد قال الطّوسيّ: «مقدوراته في السّماوات و الأرض».

و قال الرّاغب:«إشارة إلى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده».

و قال الشّربينيّ: «كلّها من الأشياء المعدومة الدّاخلة تحت مقدوره إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82».

و قال فضل اللّه:«الّتي تتّسع للخلائق كلّهم».

3-تقديم الخبر في الآية يفيد الحصر،كما يفيده الآية (11)بالنّفي و الاستثناء مرّتين: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.

السّادس(12): خَزائِنِ الْأَرْضِ، و فيها بحوث:

1-هذه كما يشهد بها صريح الآية قول يوسف عليه السّلام لملك مصر حيث طلب منه-بعد أن التفت إليه الملك،

ص: 656

و انعطف عليه-أن يضع تحت يده خزائن الأرض الّتي كانت تحت يد الملك،فليس فيها تعميم لمقدورات اللّه، كما في سائر الآيات،بل هي خاصّة بما تحت يد الملك، و اللاّم في(الارض)للعهد،أي أرض مصر.

2-قد أكّد يوسف عليه السّلام صلاحيّته لذلك بقوله: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، و حَفِيظٌ تضمين لأمانته،و عَلِيمٌ تضمين لخبرته.

3-على الرّغم من وضوح معنى خَزائِنِ الْأَرْضِ حيث دلّت إضافة خَزائِنِ إلى اَلْأَرْضِ -و هي أرض مصر كما قالوا:خزائن أرضك-الشّاملة لكلّ ما هو تحت يد الملك من الأموال العامّة الّتي ينتظم بها نظام ملكه-فقد اختلف المفسّرون في تعبيراتهم:مثل خراج مصر و دخله،خزائن الأموال،طعام بلده و خراجها القيام بأسباب بلده،حفظ الطّعام،و الكناديج و الأنابير -هذان جمع كندوج:خليّة العسل،و أنبار-خزائن الطّعام،ما تختزنه المملكة من طعام و مال و غيره، و نحوها.

و ذكر الماورديّ فيها قولين:

«أحدهما:-قول بعض المتعمّقة-أنّ الخزائن هاهنا الرّجال،لأنّ الأفعال و الأقوال مخزونة فيها،فصاروا خزائن لها.

الثّاني:-و هو قول أصحاب الظّاهر-:أنّها خزائن الأموال من الطّعام و غيره».

و قال ابن زيد:«كان لفرعون خزائن كثيرة غير الطّعام،فأسلم سلطانه كلّه إليه،و جعل القضاء إليه.أمره و قضاؤه نافذ».

و قال مالك بن أنس:«مصر خزانة الأرض،أ ما سمعت إلى قوله: اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ، أي على حفظها».فقد حمل اَلْأَرْضِ على جميع الأرض، و جعل مصر خزائنها!!

4-استدلّ بها بعض الفقهاء بها على جواز تصدّي الأعمال للسّلطان الجائر،و ذكروا لها مصالح،مثل:حفظ الأموال عمّن لا يستحقّها و إيصالها إلى مواضعها،تمكّنه من المعدلة و الإحسان إلى أهلهما،رأى ذلك فرضا عليه، لأنّه لم يكن هناك غيره،لم يكن ذلك سؤال ولاية،بل إنّما كان سؤال تخلّ و ترك،لينتقل إليه،إنّما أراد بذلك أن يعرّف نفسه للملك،و نحوها.

و شرط بعضهم أن يعلم أنّه يفوّض إليه الأمر و لم يكن بحسب اختيار السّلطان.

و يلاحظ ثانيا:الآيات كلّها مكّيّة عقائديّة أو قصصيّة،سوى(13)،فهي مدنيّة نزلت بشأن المنافقين.

و ثالثا:جاء نظير الخزن في القرآن ألفاظ:

1-الحفظ: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ الانفطار:10،11

2-الإحاطة: ...إِنّا أَعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها... الكهف:29

3-الرّقابة: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ق:18

4-الوقاية: وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ

الدّخان:56

5-الرّعاية: وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا وَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَ راعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ النّساء:46

6-التّوكيل: قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ... السّجدة:11

ص: 657

ص: 658

خ ز ي

اشارة

14 لفظا،26 مرّة؛15 مكّيّة،11 مدنيّة

في 15 سورة:8 مكّيّة،7 مدنيّة

نخزى 1:1 يخزيهم 1:1

خزى 6:2-4 يخزهم 1:-1

الخزى 5:4-1 لا تخزنى 1:1

اخزيته 1:-1 لا تخزون 2:2

ليخزى 1:-1 لا تخزنا 1:-1

لا يخزى 1:-1 مخزى 1:-1

يخزيه 3:3 أخزى 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :خزي فلان يخزى خزيا،و هو من السّوء، و اللّه أخزاه و أقامه على خزية،و على مخزاة.

و الخزاية:الاستحياء،تقول:لا يأنف و لا يخزى ممّا يصنع.

و خزيت:استحييت.

و رجل خزيان،و امرأة خزيا،أي:فعل أمرا قبيحا فاشتدّت خزايته لذلك،أي حياؤه؛و جمعه:خزايا.

و في الدّعاء:«اللّهمّ احشرنا غير خزايا و لا نادمين» أي غير مستحيين من أعمالنا.(4:290)

الكسائيّ: خازاني فلان فخزيته أخزيه،و كرهت أن أخزيه.(الجوهريّ 6:2326)

أبو عبيد: [في حديث يزيد بن شجرة]:«...و لا تخزوا الحور العين».قوله:«و لا تخزوا»ليس من الخزي، لأنّه لا موضع للخزي هاهنا،و لكنّه من الخزاية،و هي الاستحياء.

يقال من الهلاك:خزي الرّجل يخزى خزيا،و يقال من الحياء:خزي يخزى خزاية.

و يقال:خزيت فلانا،إذا استحييت منه.[و استشهد بشعرين و شرحهما،ثمّ قال:]

فالّذي أراد ابن شجرة بقوله:«لا تخزوا الحور العين».أي لا تجعلوهنّ يستحيين منكم و لا تعرّضوا

ص: 659

لذلك منهنّ.(2:380)

الخزاء بالمدّ:نبت.(الجوهريّ 6:2327)

ابن السّكّيت: و تقول:قد خزي الرّجل يخزى خزيا،إذا وقع في بليّة.و قد خزي يخزى خزاية،إذا استحيا.و قد خزاه يخزوه خزوا،إذا ساسه و قهره.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:373)

شمر:قال بعضهم:أخزيته،أي فضحته.

و خزي يخزى خزيا،إذا وقع في بليّة و شرّ.

(الأزهريّ 7:492)

عبد اللّطيف البغداديّ: و أخزاه اللّه يخزيه، و لا تقل:خزاه إلاّ بمعنى ساقه.(ذيل فصيح ثعلب:145)

ابن أبي اليمان :و الخزي:الهوان،تقول:خزي يخزى خزيا.من الاستحياء فقول:خزي الرّجل خزاية، إذا استحيا.(689)

الزّجّاج: و المخزى في اللّغة:المذلّ المحقور بأمر قد لزمه بحجّة،و كذلك أخزيته،أي ألزمته حجّة أذللته معها.

(1:500)

يقال:خزي الرّجل يخزى خزيا،إذا افتضح و تحيّر فضيحة،و قد خزى يخزي خزاية،إذا استحى كأنّه يتحيّر أن يفعل قبيحا.(2:170)

نحوه النّحّاس.(2:302)

و خزا فلان فلانا،إذا قهره و ساسه يخزوه.

و أخزى اللّه العدوّ،إذا أبعده.(فعلت و أفعلت:199)

ابن دريد :خزي الرّجل يخزى خزاية و هو خزيان،إذا استحيا من قبيح يفعله؛و الاسم:الخزاية.

و خزي الرّجل يخزى خزيا من الهوان.

و أخزاه اللّه إخزاء،إذا مقته و أبعده؛و الاسم:الخزي.

(2:219)

الخزاء:نبت،مقصور أو ممدود.

و خزي الرّجل يخزى خزيا من الهوان،و خزي يخزى خزاية من الاستحياء،و رجل خزيان و امرأة خزيا.(3:237)

ابن الأنباريّ: الخزي في اللّغة:الهلاك بتلف،أو انقطاع حجّة،أو بوقوع في بلاء.(النّيسابوريّ 4:151)

الأزهريّ: و قال غيره[اللّيث]:الخزي:الهوان، و قد أخزاه اللّه،أي أهانه اللّه.(7:491)

الصّاحب:[نحو الخليل إلاّ أنّه قال:]

و الخزاية:شدّة الاستحياء.

و خازاني فخزيته و كرهت أن أخزيه،أي غالبته فغلبته.

و أصابتنا خزية،أي خصلة يستحيا منها.

(4:387)

الجوهريّ: و خزي بالكسر يخزى خزيا،أي ذلّ و هان.

و خزي أيضا يخزى خزاية،أي استحيا،فهو خزيان.

و قوم خزايا و امرأة خزياء.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:2326)

نحوه الرّازيّ.(193)

ابن سيده: خزي الرّجل خزيا،و خزى-الأخيرة عن سيبويه-:وقع في بليّة و شرّ و شهرة،فذلّ بذلك و هان.و أخزاه اللّه.

و من كلامهم للرّجل إذا أتى بما يستحسن:ما له أخزاه

ص: 660

اللّه!و ربّما قالوا:أخزاه اللّه،و من غير أن يقولوا:«ما له».

و كلام مخز:يستحسن،فيقال لصاحبه:أخزاه اللّه.

و ذكروا أنّ الفرزدق قال بيتا من الشّعر جيّدا،فقال:

هذا بيت مخز،أي إذا أنشد قال النّاس:أخزى اللّه قائله ما أشعره!

و إنّما يقولون هذا و شبهه بدل المدح،ليكون ذلك واقيا له من العين،و المراد من كلّ ذلك إنّما هو الدّعاء له لا عليه.

و الخزية و الخزية:البليّة يوقع فيها.[ثمّ استشهد بشعر]

و خزي منه،و خزيه خزاية،و خزى،مقصور:

استحيا.و رجل خزيان:و امرأة خزيا؛و الجمع:خزايا.

و خازاني فخزيته:كنت أشدّ خزيا منه.(5:248)

الطّوسيّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و الخزي و الانقماع و الارتداع متقاربة المعنى، و الخزاية:شدّة الاستحياء.(3:86)

الرّاغب: خزي الرّجل:لحقه انكسار إمّا من نفسه و إمّا من غيره.

فالّذي يلحقه من نفسه هو الحياء المفرط؛و مصدره:

الخزاية.و رجل خزيان و امرأة خزيا؛و جمعه:خزايا.و في الحديث:«اللّهمّ احشرنا غير خزايا و لا نادمين».

و الّذي يلحقه من غيره،يقال هو ضرب من الاستخفاف؛و مصدره:الخزي،و رجل خز.[ثمّ استشهد بآيات و قال:]

و«أخزى»-يقال-من الخزاية و الخزي جميعا، و قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا التّحريم:

8،فهو من الخزي أقرب،و إن جاز أن يكون منهما جميعا.

و قوله تعالى رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ آل عمران:192،فمن الخزاية،و يجوز أن يكون من الخزي.[ثمّ استشهد بآيات و قال:]

و على نحو ما قلنا في«خزي»قولهم:ذلّ و هان،فإنّ ذلك متى كان من الإنسان نفسه يقال له:الهون و الذّلّ، و يكون محمودا،و متى كان من غيره يقال له:الهون، و الهوان،و الذّلّ،و يكون مذموما.(147)

الزّمخشريّ: خزى خزيا و مخزاة:ذلّ،و أخزاه اللّه.

و هو من أهل المخازي و المخزيات.

و رجل خز و امرأة خزية.

و خزوته:قهرته.

و تقول:اخزها بالبرّ،و لا تخزها بالشّرّ.

و خزي منه و خزيه،مثل استحيا منه و استحياه خزاية،و هي شدّة الحياء.

و رجل خزيان،و أمرة خزيا.

و يقال:خزيان و خزايا،كسكران و سكارى.

و في الدّعاء:«اللّهمّ احشرنا غير خزايا و لا نادمين».

و أصابتنا خزية:خصلة يستحيا منها.

و قلت له كذا فأخزيته،أي أخجلته.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:110)

ابن الأثير: في حديث وفد عبد القيس:«مرحبا بالوفد غير خزايا و لا ندامى».خزايا:جمع خزيان:و هو المستحيي.يقال خزي يخزى خزاية،أي استحيا،فهو خزيان،و امرأة خزياء.

ص: 661

و خزي يخزى خزيا،أي ذلّ و هان.و منه الدّعاء المأثور«غير خزايا و لا نادمين».

و الحديث الآخر:«إنّ الحرم لا يعيذ عاصيا و لا فارّا بخزية»أي بجريمة يستحيا منها.هكذا جاء في رواية.

و منه حديث الشّعبيّ: «فأصابتنا خزية لم نكن فيها بررة أتقياء و لا فجرة أقوياء»أي خصلة استحيينا منها.

و حديث يزيد بن شجرة:«انهكوا وجوه القوم و لا تخزوا الحور العين»أي لا تجعلوهنّ يستحيين من تقصيركم في الجهاد.و قد يكون الخزي بمعنى الهلاك و الوقوع في بليّة.

و منه حديث شارب الخمر:«أخزاه اللّه»و يروى «خزاه اللّه»أي قهره،يقال منه:خزاه يخزوه.و قد تكرّر ذكر الخزي و الخزاية في الحديث.(2:30)

الفيّوميّ: [نحو الجوهريّ و أضاف:]

و المخزية على صيغة اسم فاعل من أخزى:الخصلة القبيحة؛و الجمع:المخزيات و المخازي.(1:168)

الفيروزآباديّ: خزي كرضي خزيا بالكسر و خزى:وقع في بليّة و شهرة فذلّ بذلك كاخزوى.

و أخزاه اللّه:فضحه.و من كلامهم لمن أتى بمستحسن:

ما له أخزاه اللّه!و ربّما حذفوا«ما له».

و الخزية و يكسر:البليّة.

و خزي أيضا خزاية و خزى بالقصر:استحيا.

و النّعت:خزيان و خزيا؛جمعه:خزايا.

و خازاني فخزيته:كنت أشدّ خزيا منه.

و الخزاء (1)للنّبت بالمهملة،و غلط الجوهريّ.

(4:325)

مجمع اللّغة:خزي يخزى خزيا:هان و افتضح.

و خزى خزاية:استحيا.

و اسم التّفضيل من خزي:أخزى.

أخزاه يخزيه:

أ-أهانه و فضحه.

ب-ألحق به ما يجعله يستحيي و ينكسر.

و اسم الفاعل من أخزى مخز.(1:331)

محمّد إسماعيل إبراهيم:خزي:ذلّ و هان و افتضح،و أخزاه:أهانه و فضحه و أذلّه،و الخزي:الهوان و الذّلّ.(1:162)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الحالة الحاصلة عقيب الابتلاء الشّديد،و بعد نزول البلاء و الشّدّة و العذاب الأليم،من التّأثّر و التّحيّر،و اختلال الفكر و التّدبير،و فساد النّظم في الحياة،و تفرّق الحواسّ.

و أمّا معاني:الذّلّ و الهوان و البعد و الفضيحة و السّوء و الحياء،فمن لوازم هذا الأصل الواحد،و من آثاره المترتّبة عليه.

و بهذا يظهر الفرق بينهما و بين هذه اللّغات.

و لا يخفى ما بين:الخزي و الخزو و الخذو من الاشتقاق الأكبر،لتقارب المعاني و الألفاظ،فإنّ الخذو هو الاسترخاء،و الخزو هو القهر،و هو في مقابل الهوان،8)

ص: 662


1- و الحزاء و يمدّ:نبت؛الواحدة:حزاة و حزاءة. و غلط الجوهريّ فذكره بالخاء.(القاموس 4: 318)

و هما متلازمان خارجا.

و يدلّ على هذا الأصل ذكر هذه المادّة بعد النّار و العذاب،و في مقام الابتلاء و الشّدّة و العذاب،كما في قوله تعالى:

رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ آل عمران:192.

مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ هود:39 و الزّمر:40.

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ النّحل:27.

و قد ذكرت في مقابل الذّلّ و السّوء في: فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى طه:134.

إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ النّحل:

27.

فيدلّ على أنّ معناه الحقيقيّ يخالف الذّلّ و السّوء، و كذلك الفضيحة في: فَلا تَفْضَحُونِ* وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ لا تُخْزُونِ الحجر:69.[إلى أن قال:]

و قريب من هذه المادّة لفظا و معنى أيضا،مادّة:

«الخسأ».(3:49)

النّصوص التّفسيريّة

نخزى

وَ لَوْ أَنّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى. طه:134

ابن عبّاس: نعذّب بعذاب القيامة.(268)

نحوه الطّبريّ(8:481)،و الثّعلبيّ(6:267)، و الفخر الرّازيّ(22:137)،و القرطبيّ(11:265)، و فضل اللّه(15:180).

في جهنّم.(القرطبيّ 11:265)

مثله الواحديّ(3:228)،و شبّر(4:182).

البغويّ: بالعذاب و الذّلّ و الهوان و الخزي و الافتضاح.(3:282)

نحوه الخازن.(4:233)

الزّمخشريّ: قرئ (نذلّ و نخزى) على لفظ ما لم يسمّ فاعله.(2:560)

ابن عطيّة: و الذّلّ و الخزي:مقترنان بعذاب الآخرة.(4:72)

الطّبرسيّ: في جهنّم.و قيل:من قبل أن نذلّ في الدّنيا بالقتل و الأسر و نخزى في الآخرة بالعذاب،فقطعنا عذرهم بإرسال الرّسول،فلم يبق لهم متعلّق.(4:37)

البيضاويّ: بدخول النّار يوم القيامة.(2:66)

نحوه أبو السّعود(4:319)،و الكاشانيّ(3:328)، و البروسويّ(5:450).

النّسفيّ: في العقبى.(3:71)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة ثمّ قال:]

و قرأ الجمهور نَذِلَّ وَ نَخْزى مبنيّا للفاعل.

و ابن عبّاس و محمّد بن الحنفيّة و زيد بن عليّ و الحسن في رواية عبّاد و العمريّ و داود و الفزاريّ و أبو حاتم و يعقوب،مبنيّا للمفعول.(6:292)

نحوه الآلوسيّ.(16:278)

الشّربينيّ: بالمعاصي الّتي عملناها على جهل.

(2:292)

أبو السّعود :بدخول النّار اليوم،و لكنّا لم نهلكهم

ص: 663

قبل إتيانها فانقطعت معذرتهم،فعند ذلك قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَ قُلْنا ما نَزَّلَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ الملك:9.

(4:319)

نحوه الشّوكانيّ(3:494)،و القاسميّ(11:4241).

ابن عاشور :الذّلّ:الهوان،و الخزي:الافتضاح،أي الذّلّ بالعذاب،و الخزي في حشرهم مع الجناة،كما قال إبراهيم عليه السّلام وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ الشّعراء:

87.(16:211)

فضل اللّه :في ما تنزله علينا من العذاب.

(15:180)

خزى

1- ..أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ... البقرة:85

ابن عبّاس: إلاّ عذاب في الدّنيا بالقتل و السّبي.

(12)

الحسن :الجزية و الصّغار.(الفخر الرّازيّ 3:174)

الطّبريّ: و الخزي:الذّلّ و الصّغار،يقال منه:خزي الرّجل يخزى خزيا، فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يعني في عاجل الدّنيا قبل الآخرة.

ثمّ اختلف في الخزي الّذي أخزاهم اللّه بما سلف من معصيتهم إيّاه،فقال بعضهم:ذلك هو حكم اللّه الّذي أنزله إلى نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،من أخذ القاتل بمن قتل،و القود به قصاصا،و الانتقام للمظلوم من الظّالم.

و قال آخرون:بل ذلك،هو أخذ الجزية منهم ما أقاموا على دينهم،ذلّة لهم و صغارا.

و قال آخرون:بل ذلك الخزي الّذي جوّزوا به في الدّنيا إخراج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم النّضير من ديارهم لأوّل الحشر،و قتل مقاتلة قريظة و سبي ذراريهم،فكان ذلك خزيا في الدّنيا،و لهم في الآخرة عذاب عظيم.(1:445)

نحوه الطّوسيّ(1:337)،و الطّبرسيّ(1:154)، و شبّر ملخّصا(1:119).

الزّجّاج: يعني ما نال بني قريظة و بني النّضير،لأنّ بني النّضير أجلوا إلى الشّام،و بني قريظة أبيدوا حكم فيهم بقتل المقاتلة و سبي الذّراريّ،فقال اللّه عزّ و جلّ:

...إِلاّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ... البقرة:114.

و لغيرهم من سائر الكفّار الخزي في الدّنيا:القتل،و أخذ الجزية مع الذّلّة و الصّغار.(1:166)

نحوه ملخّصا الواحديّ(1:170)،و الزّمخشريّ(1:

294).

الثّعلبيّ: إِلاّ خِزْيٌ عذاب هوان فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. [ثمّ قال نحو الزّجّاج](1:231)

مثله البغويّ(1:140)،و الخازن(1:68)، و الشّربينيّ(1:75).

ابن عطيّة: و الخزي:الفضيحة و العقوبة،يقال:

خزي الرّجل يخزى خزيا،إذا ذلّ من الفضيحة،و خزي خزاية،إذا ذلّ و استحيا.

و اختلف ما المراد بالخزي هاهنا،فقيل:القصاص فيمن قتل.و قيل:ضرب الجزية عليهم غابر الدّهر.

و قيل:قتل قريظة،و إجلاء النّضير.و قيل:الخزي الّذي توعّد به الأمّة،و هو غلبة العدوّ.(1:175)

ص: 664

الفخر الرّازيّ: أصل الخزي:الذّلّ و المقت،يقال:

أخزاه اللّه،إذا مقته و أبعده.و قيل:أصله الاستحياء،فإذا قيل:أخزاه اللّه،كأنّه قيل:أوقعه موقعا يستحيا منه، و بالجملة فالمراد منه الذّمّ العظيم.

و اختلفوا في هذا الخزي على وجوه:

أحدها:قال الحسن:المراد الجزية و الصّغار،و هو ضعيف لأنّه لا دلالة على أنّ الجزية كانت ثابتة في شريعتهم بل إن حملنا الآية على الّذين كانوا في زمان محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم صحّ هذا الوجه،لأنّ من جملة الخزي الواقع بأهل الذّمّة:أخذ الجزية منهم.

و ثانيها:إخراج بني النّضير من ديارهم،و قتل بني قريظة و سبي ذراريهم،و هذا إنّما يصحّ لو حملنا الآية على الحاضرين في زمان محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و ثالثها،و هو الأولى:أنّ المراد منه الذّمّ العظيم و التّحقير البالغ،من غير تخصيص ذلك ببعض الوجوه دون بعض.و التّنكير في قوله: خِزْيٌ يدلّ على أنّ الذّمّ واقع في النّهاية العظمى.(3:174)

البيضاويّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

أصل الخزى ذلّ يستحيا منه،و لذلك يستعمل في كلّ منهما.(1:68)

النّسفيّ: فضيحة و هوان.(1:60)

النّيسابوريّ: الخزي:الذّلّ و الهوان.[إلى أن قال:]

و تنكير خِزْيٌ يدلّ على فظاعة شأنه،و أنّه بلغ مبلغا لا يكتنه كنهه.

و الأظهر أنّه غير مختصّ ببعض الوجوه.و قيل:هو قتل بني قريظة و أسرهم،و إجلاء بني النّضير.و قيل:

الجزية.

و على هذين القولين يختصّ الخزي بمن في عصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم منهم،و بمن يخلفهم دون أسلافهم.

(1:364)

ابن جزيّ: خِزْيٌ الجزية أو الهزيمة لقريظة و النّضير و غيرهم،أو مطلق.(1:52)

أبو حيّان :و الخزي هنا:الفضيحة و العقوبة و القصاص،فيمن قتل،أو ضرب الجزية غابر الدّهر،أو قتل قريظة و إجلاء النّضير من منازلهم إلى أريحا و أذرعات،أو غلبة العدوّ،أقوال خمسة.

و لا يتأتّى القول بالجزية و لا الجلاء إلاّ أن حملنا الآية على الّذين كانوا معاصري رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و الأولى أن يكون المراد هو الذّمّ العظيم و التّحقير البالغ من غير تخصيص و إِلاّ خِزْيٌ استثناء مفرّغ،و هو خبر المبتدإ.

و نقض النّفي هنا نقض لعمل(ما)على خلاف في المسألة،و تفصيل ذلك:أنّ الخبر إذا تأخّر و أدخلت عليه «إلاّ»فإمّا أن يكون هو الأوّل،أو منزّلا منزلته،أو وصفا إن كان الأوّل في المعنى،أو منزّلا منزلته،لم يجز فيه إلاّ الرّفع عند الجمهور،و أجاز الكوفيّون النّصب فيما كان الثّاني فيه منزّلا منزلة الأوّل،و إن كان وصفا أجاز الفرّاء فيه النّصب،و منعه البصريّون.

و نقل عن يونس إجازة النّصب في الخبر بعد(إلاّ) كائنا ما كان.و هذا مخالف لما نقله أبو جعفر النّحّاس،قال:

لا خلاف بين النّحويّين في قولك:ما زيد إلاّ أخوك،أنّه لا يجوز إلاّ بالرّفع،قال:فإن قلت:ما أنت إلاّ لحيتك، فالبصريّون يرفعون،و المعنى عندهم:ما فيك إلاّ لحيتك

ص: 665

و كذا:ما أنت إلاّ عيناك،و أجاز في هذا الكوفيّون النّصب.

و لا يجوز النّصب عند البصريّين في غير المصادر إلاّ أن يعرف المعنى فتضمر ناصبا،نحو:ما أنت إلاّ لحيتك مرّة و عينك أخرى،و ما أنت إلى عمامتك تحسينا و رداءك تزيينا.(1:293)

نحوه السّمين ملخّصا.(1:289)

أبو السّعود : إِلاّ خِزْيٌ استثناء مفرّغ وقع خبرا للمبتدإ.و الخزي:الذّلّ و الهوان مع الفضيحة،و التّنكير للتّفخيم،و هو قتل بني قريظة و إجلاء بني النّضير إلى أذرعات و أريحاء من الشّام.و قيل:الجزية، فِي الْحَياةِ الدُّنْيا في حيّز الرّفع على أنّه صفة خِزْيٌ أي خزي كائن في الحياة الدّنيا.أو في حيّز النّصب على أنّه ظرف الخزي،و لعلّ بيان جزائهم بطريق القصر-على ما ذكر- لقطع أطماعهم الفارغة من ثمرات إيمانهم ببعض الكتاب، و إظهار أنّه لا أثر له أصلا مع الكفر ببعض.(1:160)

نحوه البروسويّ.(1:175)

الكاشانيّ: جزية تضرب عليه و يذلّ بها.

(1:138)

الآلوسيّ: الإشارة[ذلك]إلى الكفر ببعض الكتاب و الإيمان ببعض،أو إلى ما فعلوه من القتل و الإجلاء مع مفاداة الأسارى،و الجزاء:المقابلة،و يطلق في الخير و الشّرّ.و الخزي:الهوان،و الماضي«خزي»بالكسر.[ثمّ نقل كلام ابن السّكّيت و قال:]

و المراد به هنا الفضيحة و العقوبة،أو ضرب الجزية غابر الدّهر،أو غلبة العدوّ أو قتل قريظة،و إجلاء النّضير من منازلهم إلى أريحاء و أذرعات...(1:314)

رشيد رضا:أوعدهم اللّه تعالى كما أوعد من قبلهم و من بعدهم،بأنّهم يعاقبون على نقض ميثاق الدّين الّذي يجمعهم،و الشّريعة الّتي هي مناط وحدتهم، و رباط جنسيّتهم،بالخزي العاجل و العذاب الآجل.و قد دلّ المعقول،و شهد الوجود،بأنّه ما من أمّة فسقت عن أمر ربّها،و اعتدت حدود شريعتها،إلاّ و انتكث فتلها، و تفرّق شملها،و نزل بها الذّلّ و الهوان،و هو الخزي المراد في القرآن،و هذه هي سنّة الخليقة،ذكرها،ليعتبر بها من صرفته الغفلة عنها.(1:374)

ابن عاشور :و الخزي:بالكسر ذلّ في النّفس طارئ عليها فجأة،لإهانة لحقتها أو معرّة صدرت منها أو حيلة و غلبة تمشّت عليها،و هو اسم لما يحصل من ذلك.و فعله من باب«سمع»فمصدره بفتح الخاء.و المراد بالخزي:ما لحق باليهود بعد تلك الحروب من المذلّة بإجلاء النّضير عن ديارهم،و قتل قريظة و فتح خيبر، و ما قدّر لهم من الذّلّ بين الأمم.(1:573)

عبد الكريم الخطيب :و الخزي الّذي ينالهم في هذه الدّنيا،هو من تبدّل مواقفهم في الأمر الواحد،حسب ما تمليه أحوالهم،و تقتضيه ظروفهم،يأخذ أحدهم بالأمر اليوم،ثمّ إذا هو يردّه غدا،ثمّ يعود إليه،ثمّ يردّه، و هكذا.و ليس من ضابط لهذا إلاّ المصلحة الخاصّة، و الهوى الذّاتيّ...و هذا من شأنه أن يخزى الإنسان أمام نفسه،إن كان على شيء من الإحساس و الشّعور،و إلاّ فهو الخزي الّذي ترميه به العيون الرّاصدة،لتقلّبه مع كلّ ريح.

و هذا هو أصل النّفاق،ذلك الدّاء المتمكّن في اليهود،

ص: 666

إنّهم يتحرّكون دائما مع الرّيح المواتية لأهوائهم،المشبعة لنهمهم،دون التزام بمبدإ أو خلق،و دون رعاية لشريعة أو دين...[و أدام الكلام مستوفى فراجع](1:106)

فضل اللّه :ممّا يفرضه هذا الواقع من هزيمتكم و انقسامكم و تعرّضكم للإذلال من قبل الآخرين من المسلمين و غيرهم،عند ما تتعرّضون للإخراج من دياركم،أو لفرض الجزية عليكم.(2:116)

2- وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. البقرة:114

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ الملحمة العظمى فتح قسطنطنيّة و خروج الدّجّال في سبعة أشهر.

(الميبديّ 1:325)

ابن عبّاس: عذاب خراب مدائنهم:قسطنطنيّة و عموريّة و روميّة.(17)

فتح مدائنهم:قسطنطنيّة و عموريّة و روميّة.

(الماورديّ 1:261)

نحوه الكلبيّ،و مقاتل.(الثّعلبيّ 1:261)

عكرمة :الخزي في الدّنيا:بخروج المهديّ.

مثله وائل بن داود.(ابن كثير 1:275)

قتادة : لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ يعطون الجزية عن يد و هم صاغرون.(الطّبريّ 1:548)

هو القتل للحربيّ،و الجزية للذّمّيّ.

(الماورديّ 1:261)

السّدّيّ: أمّا خزيهم في الدّنيا،فإنّه إذا قام المهديّ، و فتحت القسطنطنيّة قتلهم،فذلك الخزي.(129)

الفرّاء: يقال:إنّ مدينتهم الأولى،أظهر اللّه عليها المسلمين فقتلوا مقاتلتهم،و سبوا الذّراريّ و النّساء، فذلك الخزي.(1:74)

الجبّائيّ: الخزي لهؤلاء الكفّار الّذين أمرنا بمنعهم من دخول المساجد،على سبيل ما يدخلها المؤمنون.

(الطّوسيّ 1:420)

الطّبريّ: لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ فإنّه يعني ب«الخزي»العار و الشّرّ و الذّلّة،إمّا القتل و السّباء،و إمّا الذّلّة و الصّغار بأداء الجزية.[إلى أن ذكر قول السّدّيّ و قال:]

و تأويل الآية:لهم في الدّنيا الذّلّة و الهوان و القتل و السّبي على منعهم مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه و سعيهم في خرابها،و لهم على معصيتهم و كفرهم بربّهم و سعيهم في الأرض فسادا،عذاب جهنّم،و هو العذاب العظيم.(1:548)

نحوه الميبديّ ملخّصا(1:325)،و الخازن(1:84)، و شبّر(1:138).

الزّجّاج: يرتفع خِزْيٌ من وجهتين:إحداهما الابتداء،و الأخرى الفعل الّذي ينوب عنه(لهم)،المعنى:

وجب لهم خزي في الدّنيا و في الآخرة عذاب عظيم.

و الخزي الّذي لهم في الدّنيا،أن يقتلوا إن كانوا حربا، و يجزوا (1)إن كانوا ذمّة،و جعل لهم عظيم العذاب، لأنّهم أظلم من ظلم،لقوله: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ.ة.

ص: 667


1- يدفعون الجزية.

(1:196)

الماورديّ: فيه تأويلان:

أحدهما:أنّه قتل الحربيّ و جزية الذّمّيّ.

و الثّاني:[هو القول الثّاني لابن عبّاس](1:174)

الطّوسيّ: [نقل قول قتادة و السّدّيّ ثمّ قال:]

فلذلك خزيهم في الدّنيا أن يقتلوا إن كانوا حربا، و يؤدّون الجزية إن كانوا ذمّة.(1:420)

القشيريّ: لأهل الإشارة خزي الدّنيا:بذلّ الحجاب،و عذاب الآخرة:الامتناع بالدّرجات.

(1:128)

الواحديّ: يعني القتل لمن أقام على الكفر.

(1:194)

البغويّ: الذّلّ و الهوان و القتل و السّبي و النّفي.

(1:157)

الزّمخشريّ: خِزْيٌ: قتل و سبي،أو ذلّة بضرب الجزية.(1:306)

مثله البيضاويّ(1:78)،و النّسفيّ(1:70)،و نحوه الشّربينيّ(1:88)،و طنطاوي(1:114).

ابن عطيّة: و من جعل الآية في النّصارى قال:

الخزي:قتل الحربيّ،و جزية الذّمّيّ.و قيل:الفتوح الكائنة في الإسلام كعموريّة و هرقلة و غير ذلك.و من جعلها في قريش جعل الخزي غلبتهم في الفتح و قتلهم،و العذاب في الآخرة لمن مات منهم كافرا.و(خزى)رفع بالابتداء، و خبره في المجرور.(1:199)

نحوه ابن جزيّ.(1:57)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في«الخزي»،فقال بعضهم:

ما يلحقهم من الذّلّ بمنعهم من المساجد،و قال آخرون:

بالجزية في حقّ أهل الذّمّة،و بالقتل في حقّ أهل الحرب.

و اعلم أنّ كلّ ذلك محتمل،فإنّ الخزي لا يكون إلاّ ما يجري مجرى العقوبة من الهوان و الإذلال،فكلّ ما هذه صفته يدخل تحته؛و ذلك ردع من اللّه تعالى عن ثباتهم على الكفر،لأنّ الخزي الحاضر يصرف عن التّمسّك بما يوجبه و يقتضيه.(4:12)

نحوه النّيسابوريّ.(1:419)

ابن عربيّ: أي افتضاح و ذلّة،بظهور بطلان دينهم و معتقدهم،و فسخه بدين الحقّ،و انقهارهم،و تحسّرهم، و مغلوبيّتهم،و لهم في الآخرة عذاب عظيم،هو الاحتجاب عن الحقّ بدينهم.(1:79)

العكبريّ: لَهُمْ فِي الدُّنْيا جملة مستأنفة، و ليست حالا مثل خائفين،لأنّ استحقاقهم الخزي ثابت في كلّ حال،لا في حال دخولهم المساجد خاصّة.

(1:108)

نحوه السّمين.(1:349)

أبو حيّان :هذا الجزاء مناسب لما صدر منهم،أمّا الخزي في الدّنيا فهو الهوان و الإذلال لهم،و هو مناسب للوصف الأوّل،لأنّ فيه إخمال المساجد بعدم ذكر اللّه و تعطيلها من ذلك،فجوزوا على ذلك بالإذلال و الهوان.

و أمّا العذاب العظيم في الآخرة فهو العذاب بالنّار، و هو إتلاف لهياكلهم و صورهم،و تخريب لها بعد تخريب كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ النّساء:56،و هو مناسب للوصف الثّاني:و هو سعيهم في تخريب المساجد،فجوّزوا على ذلك بتخريب

ص: 668

صورهم و تمزيقها بالعذاب.

و لمّا كان الخزي الّذي يلحقهم في الدّنيا لا يتفاوتون فيه حكما،سواء فسّرته بقتل أو سبي للحربيّ،أو جزية للذّمّيّ لم يحتج إلى وصف،و لمّا كان العذاب متفاوتا، أعني عذاب الكافر و عذاب المؤمن وصف عذاب الكافر بالعظم ليتميّز من عذاب المؤمن.[ثمّ ذكر بعض الأقوال:]

و قال بعض معاصرينا:إنّ على كلّ طائفة من الكفّار في الدّنيا خزيا،أمّا اليهود و النّصارى فقتل قريظة، و إجلاء بني النّضير،و قتل النّصارى،و فتح حصونهم و بلادهم،و إجراء الجزية عليهم،و لا سيّما الّتي التزموها و ما شرطه عمر عليهم.و أمّا مشركو العرب فقتل أبطالهم و أقيالهم،و كسر أصنامهم و تسفيه أحلامهم، و إخراجهم من جزيرة العرب الّتي هي دار قرارهم و مسقط رءوسهم،و إلزامهم خطّة الهلاك من القتل إلاّ أن يسلموا.و قال الفرّاء:معناه في آخر الدّنيا،و هو ما وعد اللّه به المسلمين من فتح الرّوم،و لم يكن بعد.[ثمّ نقل قول القشيريّ و قال:]

و هذا تفسير عجيب ينبو عنه لفظ القرآن،و كذا أكثر ما يقوله هؤلاء القوم.(1:359)

نحوه الآلوسيّ.(1:364)

ابن كثير :[نقل أقوال السّدّيّ،و عكرمة،و وائل بن داود،و قتادة،ثمّ قال:]

و الصّحيح أنّ الخزي في الدّنيا أعمّ من ذلك كلّه،و قد ورد الحديث بالاستعاذة من خزي الدّنيا و عذاب الآخرة.(1:275)

أبو السّعود :أي خزي فظيع لا يوصف بالقتل و السّبيّ و الإذلال بضرب الجزية عليهم.(1:186)

الكاشانيّ: و هو طرده إيّاهم عن الحرم و منعهم أن يعودوا إليه.(1:165)

البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

أو فتح مدائنهم قسطنطنيّة و روميّة و عموريّة.

(1:209)

شبّر:بطردهم عن الحرم،أو القتل،أو السّبي أو الجزية.(1:138)

القاسميّ: ...و هذا[المنع من دخولهم المسجد الحرام]

هو الخزي لهم في الدّنيا،المشار إليه بقوله: لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ لأنّ الجزاء من جنس العمل،فكما صدّوا المؤمنين صدّوا عنه.(2:114)

رشيد رضا :خزي الدّنيا،فهو ما يعقّبه الظّلم من فساد العمران،المفضي إلى الذّلّ و الهوان،و ناهيك بظلم يحلّ القيود،و يهدم الحدود،و يغري النّاس بالفواحش و المنكرات،و يسهّل عليهم سبل الشّرور و الموبقات، و هو ظلم إبطال العبادة من المساجد،و السّعي في خراب المعابد.إذا وقع هذا الظّلم كان الحاكم الظّالم مخذولا في حكمه،و الفاتح الظّالم غير أمين في فتحه.و إذا أردت تطبيق ذلك على من نسب إليهم هذا الظّلم فانظر ما ذا حلّ بالرّومانيّين،و ما ذا كانت عاقبة العرب المشركين، و بما ذا انتهى عدوان الصّليبيّين،و كيف انقرض حزب القرامطة المجرمين،و أمّا عذاب الآخرة فاللّه أعلم به.

(1:433)

نحوه ملخّصا المراغيّ.(1:198)

ص: 669

ابن عاشور:و قوله: لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ استئناف ثان و لم يعطف على ما قبله ليكون مقصودا الاستئناف اهتماما به،لأنّ المعطوف لكونه تابعا لا يهتمّ به السّامعون كمال الاهتمام،و لأنّه يجري من الاستئناف الّذي قبله مجرى البيان من المبين.فإنّ الخزي خوف، و الخزي:الذّلّ و الهوان؛و ذلك ما نال صناديد المشركين يوم بدر من القتل الشّنيع و الأسر،و ما نالهم يوم فتح مكّة من خزي الانهزام.(1:663)

مغنيّة:و بالاختصار أنّ الآية بحسب ظاهرها مجرّد بيان أنّ من يفعل كذا،يفعل اللّه به كذا،و عليه فهي قضيّة كلّيّة لا تستدعي وجود واقعة خاصّة قد حدثت في الماضي،أو في زمن الخطاب،أو منتظرة الحدوث.و لكن المفسّرين قالوا:إنّها إشارة إلى حادثة خاصّة،ثمّ اختلفوا فيما بينهم:هل الحادثة المشار إليها قد وقعت قبل بعثة محمّد صلّى اللّه عليه و آله،أو بعد البعثة؟ثمّ إنّ الفريق الّذين قالوا:إنّها إخبار عن شيء وقع قبل البعثة،اختلفوا فيما بينهم أيضا في تعيين ذاك الشّيء الّذي وقع،فمنهم من قال:إنّ الآية تخبر عمّا وقع من تيطس الرّومانيّ؛إذ دخل بيت المقدس بعد موت المسيح بنحو سبعين سنة،و خرّبها،حتّى لم يبق حجرا على حجر،و هدّم هيكل سليمان،و أحرق بعض نسخ التّوراة،و كان المسيح قد أنذر اليهود بذلك.و قيل:

إنّ تيطس خرّب بيت المقدس بتحريض المسيحيّين انتقاما من اليهود.

و من القائلين بأنّها إخبار عمّا وقع قال:إنّها تخبر عمّا صنعه بخت نصّر البابليّ من تخريب بيت المقدس،و جاء في تفسير صاحب المنار ما نصّه بالحرف:«و من الغريب أنّ ابن جرير الطّبريّ قال في تفسيره:إنّ الآية تشير إلى اتّحاد المسيحيّين مع بخت نصّر البابليّ على تخريب بيت المقدس،مع أنّ حادثة بخت نصّر كانت قبل وجود المسيح و المسيحيّة بستّمائة و ثلاث و ثلاثين سنة».

و أيضا من القائلين بأنّ الآية إخبار عمّا وقع من يرى:أنّها نزلت في مشركي قريش؛حيث منعوا النّبيّ و أصحابه من دخول مكّة في قصّة عمرة الحديبيّة.[مع أنّها كانت متأخّرة عن نزول سورة البقرة]

أمّا الّذين قالوا:إنّ الآية إخبار عن أمر منتظر الوقوع،فأيضا اختلفوا فيما بينهم،فمنهم من قال:إنّها إشارة إلى إغارة الصّليبيّين على بيت المقدس و غيره من بلاد المسلمين،و منهم من قال:إنّها إخبار عمّا حدث من القرامطة من هدم الكعبة،و منع النّاس من الحجّ،ثمّ قال هذا الفريق بكلا قسميه:إنّ هذه الآية من معجزات القرآن،لأنّها أخبرت عن الغيب.

هذا ملخّص ما قاله المفسّرون،و نحن لا نعتمد شيئا منها؛حيث لا دليل من العقل أو النّقل تطمئنّ إليه النّفس، و نعتمد الظّاهر من الآية الّتي لا يتنافي مع العقل،و لا دليل يصرفه إلى غيره من النّقل،و هو وجوب احترام المعابد و تحريم التّعرّض لها،و مجازاة من يقصدها بسوء.

(1:182)

فضل اللّه :و ذلك من خلال ما يصيبهم فيها من ضعف و هوان و ذلّ بسبب تصرّفاتهم الظّالمة الباغية.

(2:181)

3- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ

ص: 670

فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. المائدة:33

ابن عبّاس: عذاب.(93)

الطّبريّ: هو لهم شرّ و عار و ذلّة و نكال و عقوبة في عاجل الدّنيا.(4:560)

السّجستانيّ: أي هوان،و خِزْيٌ: هلاك أيضا.(52)

الواحديّ: فضيحة و هوان.(2:182)

مثله الطّبرسيّ(2:188)،و الفخر الرّازيّ(11:

217).

البغويّ: عذاب و هوان و فضيحة.(2:45)

مثله الخازن.(2:38)

الزّمخشريّ: ذلّ و فضيحة.(1:610)

مثله البيضاويّ(1:273)،و النّسفيّ(1:282)، و النّيسابوريّ(6:88)،و نحوه الشّربينيّ(1:373)، و الكاشانيّ(2:32)،و البروسويّ(2:386)، و الشّوكانيّ(2:47)،و القاسميّ(6:1954).

ابن عطيّة: ذلِكَ إشارة إلى هذه الحدود الّتي توقع بهم،و غلظ اللّه الوعيد في ذنب الحرابة،بأن أخبر أنّ لهم في الآخرة عذابا عظيما مع العقوبة في الدّنيا، و هذا خارج عن المعاصي،الّذي في حديث عبادة بن الصّامت في قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو له كفّارة».

و يحتمل أن يكون الخزي لمن عوقب،و عذاب الآخرة لمن سلم في الدّنيا،و يجري هذا الذّنب مجرى غيره،و هذا الوعيد مشروط الإنفاذ بالمشيئة،[و]إمّا أنّ الخوف يغلب عليهم بحسب الوعيد و عظم الذّنب.

و الخزي في هذه الآية:الفضيحة و الذّلّ و المقت.

(2:185)

ابو الفتوح :نكال و وبال.(6:358)

ابن الجوزيّ: و في«الخزي»قولان:أحدهما:أنّه العقاب،و الثّاني:الفضيحة.(2:346)

العكبريّ: ذلِكَ مبتدأ.و لَهُمْ خِزْيٌ مبتدأ و خبر في موضع خبر(ذلك)،و فِي الدُّنْيا: صفة (خزي).و يجوز أن يكون ظرفا له.

و يجوز أن يكون خِزْيٌ خبر(ذلك)،و(لهم) صفة مقدّمة،فتكون حالا.و يجوز أن يكون فِي الدُّنْيا ظرفا للاستقرار.(1:434)

القرطبيّ: ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا لشناعة المحاربة و عظم ضررها،و إنّما كانت المحاربة عظيمة الضّرر،لأنّ فيها سدّ سبيل الكسب على النّاس،لأنّ أكثر المكاسب و أعظمها التّجارات،و ركنها و عمادها الضّرب في الأرض،كما قال عزّ و جلّ: وَ آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ المزّمّل:20، فإذا أخيف الطّريق انقطع النّاس عن السّفر و احتاجوا إلى لزوم البيوت،فانسدّ باب التّجارة عليهم،و انقطعت أكسابهم،فشرع اللّه على قطّاع الطّريق الحدود المغلّظة؛ و ذلك الخزي في الدّنيا ردعا لهم عن سوء فعلهم،و فتحا لباب التّجارة الّتي أباحها لعباده لمن أرادها منهم،و وعد فيها بالعذاب العظيم في الآخرة.[ثمّ قال نحو ابن عطيّة فراجع](6:157)

ص: 671

ابن جزيّ: خِزْيٌ فِي الدُّنْيا هو العقوبة،و عذاب الآخرة:النّار.و ظاهر هذا أنّ العقوبة في الدّنيا لا تكون كفّارة للمحارب،بخلاف سائر الحدود،و يحتمل أن يكون الخزي في الدّنيا لمن عوقب فيها.(1:176)

أبو حيّان :أي ذلك الجزاء من القطع و القتل و الصّلب و النّفي.و الخزي هنا:الهوان و الذّلّ و الافتضاح.

و الخزي:الحياء،عبّر به عن الافتضاح لمّا كان سببا له افتضح فاستحيا.(3:471)

السّمين:و قوله: لَهُمْ خِزْيٌ فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:أن يكون(لهم)خبرا مقدّما،و خِزْيٌ مبتدأ مؤخّرا،و فِي الدُّنْيا صفة له،فيتعلّق بمحذوف، أو يتعلّق بنفس خِزْيٌ على أنّه ظرفه،و الجملة في محلّ رفع خبرا ل ذلِكَ.

الثّاني:أن يكون خِزْيٌ خبرا ل ذلِكَ، و لَهُمْ متعلّق بمحذوف على أنّه حال من خِزْيٌ، لأنّه في الأصل صفة له،فلمّا قدّم انتصب حالا.

و أمّا فِي الدُّنْيا فيجوز فيه الوجهان المتقدّمان، من كونه صفة ل خِزْيٌ أو متعلّقا به،و يجوز فيه أن يكون متعلّقا بالاستقرار الّذي تعلّق به لَهُمْ.

الثّالث:أن يكون لَهُمْ خبرا ل ذلِكَ، و خِزْيٌ فاعل،و رفع الجارّ هنا الفاعل لمّا اعتمد على المبتدإ،و فِي الدُّنْيا على هذا فيه الأوجه الثّلاثة.

(2:517)

نحوه أبو السّعود(2:265)،و الآلوسيّ(6:120).

رشيد رضا :[ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ... ]أي ذلك الّذي ذكر من العقاب خزي لأولئك المحاربين المفسدين، أي ذلّ و فضيحة لهم في الدّنيا،ليكونوا عبرة لغيرهم من المفسدين.

و قال: لَهُمْ خِزْيٌ، و لم يقل:خزي لهم ليفيد أنّه خاصّ بهم دون الأفراد الّذين يعملون مثل عملهم،من غير أن يكونوا محاربين و معتزّين بالقوّة و العصبيّة.

ثمّ إنّ عذابهم في الآخرة يكون عظيما بقدر تأثير إفسادهم في تدنيس أرواحهم و تدسية أنفسهم،و يا له من تأثير.(6:364)

نحوه المراغيّ.(6:107)

ابن عاشور : ذلِكَ أي الجزاء خزي لهم في الدّنيا.و الخزي:الذّلّ و الإهانة وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ آل عمران:194.

و قد دلّت الآية على أنّ لهؤلاء المحاربين عقابين:

عقابا في الدّنيا و عقابا في الآخرة.فإن كان المقصود من المحاربين في الآية خصوص المحاربين من أهل الكفر كالعرنيّين-كما قيل به-فاستحقاقهم العذابين ظاهر، و إن كان المراد به ما يشمل المحارب من أهل الإسلام كانت الآية معارضة لما ورد في الحديث الصّحيح،في حديث عبادة بن الصّامت من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين أخذ البيعة على المؤمنين بما تضمّنته آية إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ الممتحنة:12،فقال«فمن و في منكم فأجره على اللّه و من أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفّارة له،و من أصاب منها شيئا فستره اللّه فهو إلى اللّه،إن شاء عذّبه و إن شاء غفر له».

فقوله:«فهو كفّارة له»دليل على أنّ الحدّ يسقط عقاب الآخرة،فيجوز أن يكون ما في الآية تغليظا على

ص: 672

المحاربين بأكثر من أهل بقيّة الذّنوب،و يجوز أن يكون تأويل ما في هذه الآية على التّفصيل،أي لهم خزي في الدّنيا إن أخذوا به،و لهم في الآخرة عذاب عظيم إن لم يؤخذوا به في الدّنيا.(5:95)

مكارم الشّيرازيّ: تشير الآية إلى أنّ هذه العقوبات هي لفضح المجرمين في الدّنيا،و سوف لا يتوقّف الأمر على هذه العقوبات بل سينالون يوم القيامة عقابا أشدّ و أقسى؛حيث تقول الآية: ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ...

و يستدلّ من هذه الجملة القرآنيّة على أنّ العقوبات الإسلاميّة الدّنيويّة الّتي تنفذ في المجرمين لن تكون حائلا دون نيلهم لعقاب الآخرة،و لكن طريق العودة و التّوبة لا يغلق.(3:614)

4- ...أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. المائدة:41

ابن عبّاس: عذاب بالقتل و الإجلاء.(94)

عكرمة :مدينة في الرّوم تفتح فيسبون.

(الطّبريّ 4:579)

مقاتل:و خزي قريظة بقتلهم و سبيهم،و خزي النّضير بإجلائهم.(ابن الجوزيّ 2:359)

الزّجّاج: قيل:لهم في الدّنيا فضيحة بما أظهر اللّه من كذبهم،و قيل:لهم في الدّنيا خزي بأخذ الجزية منهم، و ضرب الذّلّة و المسكنة عليهم.(2:177)

نحوه النّحّاس.(2:308)

الطّوسيّ: يعني لهؤلاء الكفّار و المنافقين الّذين ذكرهم في الآية،فبيّن أنّ لهم خزيا من عذاب اللّه في الدّنيا.و هو ما كان يفعله بهم من الذّلّ و الهوان،و البغض، و إلزام الجزية على وجه الصّغار.(3:524)

الواحديّ: خزي المنافقين:هتك سترهم باطّلاع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على كفرهم،و خزي اليهود:فضيحتهم بظهورهم و كذبهم في كتابه الرّجم،و أخذ الجزية منهم.(2:188)

نحوه البغويّ(2:52)،و الميبديّ(3:119)،و ابن الجوزيّ(2:359)،و الفخر الرّازيّ(11:234)، و الشّوكانيّ(2:54)،و القاسميّ(6:1991).

ابن عطيّة: و المعنى بالذّلّة و المسكنة الّتي انضربت عليهم في أقطار الأرض و في كلّ أمّة،و قرّر لهم العذاب في الآخرة بكفرهم.(2:193)

الطّبرسيّ: الخزي الّذي لهم في الدّنيا هو ما لحقهم من الذّلّ و الصّغار و الفضيحة بإلزام الجزية و إظهار كذبهم،في كتمان الرّجم و إجلاء بني النّضير من ديارهم، و خزي المنافقين باطّلاع النّبيّ على كفرهم.(2:195)

نحوه الكاشانيّ.(2:37)

البيضاويّ: هوان بالجزية و الخوف من المؤمنين.

(1:275)

نحوه الشّربينيّ.(1:375)

الخازن : لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ يعني للمنافقين و اليهود.أمّا خزي المنافقين فبالفضيحة و هتك الأستار بإظهار نفاقهم و كفرهم،و أمّا خزي اليهود فبأخذ الجزية و القتل و السّبي،و الإجلاء من أرض الحجاز إلى غيرها.(2:45)

ابن جزيّ: الذّلّة و المسكنة و الجزية.(1:177)

ص: 673

أبو حيّان:أي ذلّ و فضيحة،فخزي المنافقين بهتك سترهم و خوفهم من القتل إن اطّلع على كفرهم المسلمون،و خزي اليهود تمسكنهم و ضرب الجزية عليهم،و كونهم في أقطار الأرض تحت ذمّة غيرهم و في إيالته.(3:488)

أبو السّعود :[نحو الواحديّ ثمّ قال]:

و تنكير خِزْيٌ للتّفخيم،و هو مبتدأ و لَهُمْ خبره،و فِي الدُّنْيا متعلّق بما تعلّق به الخبر من الاستقرار،و كذا لحال في قوله تعالى: وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أي مع الخزي الدّنيويّ.(2:273)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و الجملة استئناف مبنيّ على سؤال نشأ من أحوالهم الموجبة للعقاب،كأنّه قيل:فما لهم على ذلك من العقوبة؟ فقيل: لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ... (6:139)

رشيد رضا :...أمّا العذاب في الآخرة فأمره معلوم، و كنهه مجهول،و أمّا خزي الدّنيا فهو ما يلحقهم من الذّلّ و الفضيحة و هوان الخيبة،عند ما ينكشف نفاقهم،و يظهر للنّاس كذبهم،و يعلو الحقّ على باطلهم.و قد صدق وعيد اللّه تعالى بهذا الخزي على يهود الحجاز كلّهم كما يصدق في كلّ زمان على ما يفسدون كفسادهم،فيفشو فيهم الكذب و النّفاق،و يغلب عليهم فساد الأخلاق، و لا يغني عنهم الانتساب إلى نبيّ لم يتّبعوه،و لا تنفعهم دعوى الإيمان بكتاب لم يقيموه.

فإنّ الوعيد في الآية لم يوجّه إلى أولئك اليهود لذواتهم و أعيانهم،فذواتهم كسائر الذّوات،و لا لنسبهم و أرومتهم،فنسبهم أشرف الأنساب.و إنّما هو وعيد على فساد القلوب الّذي نشأ عنه فساد الأعمال،فما بال الفاسدين المفسدين،من المسلمين الجغرافيّين أو السّياسيّين لا يعتبرون بما كان من خزي اليهود بخروجهم عن سنّة أنبيائهم،و بما حلّ من وعيد اللّه بهم،على ما كان من حرص الرّسول صلّى اللّه عليه و آله على هداهم،و هم يرون في كلّ زمن مصداقه بأعينهم،أ فلا يقيمون القرآن بالاعتبار بنذره،و الحذر ما حذر منه؟(6:391)

نحوه المراغيّ.(6:120)

الطّباطبائيّ: إيعاد لهم بالخزي في الدّنيا و قد فعل بهم.(5:340)

5- فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ. هود:66

ابن عبّاس: أي عذاب يومئذ.(188)

الطّوسيّ: و قوله: مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ فالخزي:

العيب الّذي تظهر فضيحته و يستحيي من مثله،خزي يخزى خزيا،إذا ظهر له عيب بهذه الصّفة.(6:21)

الواحديّ: وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ قال ابن الأنباريّ:«هذا عطف على محذوف بتقدير:نجّيناهم من العذاب و من خزي يومئذ من الخزي الّذي لزمهم ذلك اليوم،و بقي عاره مأثورا عنهم.(2:580)

مثله الطّبرسيّ.(3:175)

الزّمخشريّ: وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ قرئ مفتوح الميم،لأنّه مضاف إلى«إذ»و هو غير متمكّن.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 674

فإن قلت:علام عطف؟قلت:على(نجينا)لأنّ تقديره:و نجّيناهم من خزي يومئذ،كما قال: وَ نَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ هود:58،أي و كانت التّنجية من خزي يومئذ،أي من ذلّه و مهانته و فضيحته.و لا خزي أعظم من خزي من كان هلاكه بغضب اللّه و انتقامه.

و يجوز أن يريد ب(يومئذ)يوم القيامة،كما فسّر العذاب الغليظ بعذاب الآخرة.(2:279)

نحوه النّسفيّ(2:196)،و السّمين(4:111)، و أبو السّعود(3:330)،و الكاشانيّ ملخّصا(2:458).

الفخر الرّازيّ: وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ فيه مسائل:

المسألة الأولى:الواو في قوله: وَ مِنْ خِزْيِ واو العطف،و فيه وجهان:

الأوّل:أن يكون التّقدير:نجّينا صالحا و الّذين آمنوا معه برحمة منّا من العذاب النّازل بقومه،و من الخزي الّذي لزمهم،و بقي العار فيه مأثورا عنهم و منسوبا إليهم، لأنّ معنى الخزي:العيب الّذي تظهر فضيحته و يستحيا من مثله،فحذف ما حذف اعتمادا على دلالة ما بقي عليه.

الثّاني:أن يكون التّقدير:نجّينا صالحا برحمة منّا، و نجّيناهم من خزي يومئذ.[إلى أن قال:]

المسألة الثّالثة:الخزي:الذّلّ العظيم حتّى يبلغ حدّ الفضيحة،و لذلك قال تعالى في المحاربين: ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا المائدة:41،و إنّما سمّى اللّه تعالى ذلك العذاب خزيا،لأنّه فضيحة باقية يعتبر بها أمثالهم.

(18:21)

نحوه النّيسابوريّ ملخّصا.(12:41)

القرطبيّ: أي و نجّيناهم من خزي يومئذ،أي من فضيحته و ذلّته.و قيل:الواو زائدة،أي نجّيناهم من خزي يومئذ.و لا يجوز زيادتها عند سيبويه و أهل البصرة،و عند الكوفيّين يجوز زيادتها مع«لمّا»و«حتّى» لا غير.

و قرأ نافع و الكسائيّ (يومئذ) بالنّصب،الباقون بالكسر على إضافة(يوم)إلى(إذ).و قال أبو حاتم:

حدّثنا أبو زيد عن أبي عمرو أنّه قرأ (و من خزى يومئذ) أدغم الياء في الياء،و أضاف،و كسر الميم في(يومئذ).

قال النّحّاس:الّذي يرويه النّحويّون مثل سيبويه و من قاربه عن أبي عمرو في مثل هذا الإخفاء،فأمّا الإدغام فلا يجوز،لأنّه يلتقي ساكنان،و لا يجوز كسر الزّاي.(9:61)

البيضاويّ: أي و نجّيناهم من خزي يومئذ،و هو هلاكهم بالصّيحة أو ذلّهم و فضيحتهم يوم القيامة.و عن نافع(يومئذ)بالفتح على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه هاهنا.(1:473)

نحوه الشّربينيّ.(2:68)

أبو حيّان :[نحو القرطبيّ و أضاف:]

قال الزّمخشريّ: و يجوز أن يريد ب(يومئذ):يوم القيامة،كما فسّر العذاب الغليظ بعذاب الآخرة،انتهى.

و هذا ليس بجيّد لأنّ التّنوين في«إذ»تنوين العوض، و لم يتقدّم إلاّ قوله: فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا و لم تتقدّم جملة فيها ذكر يوم القيامة و لا ما يكون فيها،فيكون هذا التّنوين عوضا من الجملة الّتي تكون في يوم القيامة.

(5:240)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

ص: 675

قال ابن الشّيخ: كرّر(نجينا)لبيان ما نجّاهم منه و هو هلاكهم يومئذ،أي يوم إذ جاء أمرنا.فإنّ(إذ) مضافة إلى جملة محذوفة عوّض عنها التّنوين،أو هو الذّلّ و الهوان الّذي نزل بهم في ذلك اليوم و لزمهم؛بحيث بقي ما لحقهم من العار بسببه مأثورا عنهم و منسوبا إليهم إلى يوم القيامة،فإنّ معنى الخزي:العيب الّذي تظهر فضيحته و يستحيا من مثله.

و اعلم أنّ ظرف الزّمان إذا أضيف إلى مبنيّ جاز فيه البناء و الإعراب،فمن قرأ بفتح الميم بناه لإضافته إلى مبنيّ و هو«إذ»الغير المتمكّن،و من قرأ بكسرها أعربه لإضافة الخزي إليه.و القراءة الأولى لنافع و الكسائيّ، و الثّانية لغيرهما.(4:159)

الشّوكانيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

قيل:من عذاب يوم القيامة،و الأوّل أولى.

(2:635)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

فهذه الآية كآية هود سواء بسواء.و تعقّب أبو حيّان هذا بأنّه ليس بجيّد؛إذ لم تتقدّم جملة ذكر فيها يوم القيامة،ليكون التّنوين عوضا عن ذلك،و المذكور إنّما هو جاءَ أَمْرُنا، فليقدّر:يوم إذ جاء أمرنا،و هو جيّد، و الدّفع بأنّ القرينة قد تكون غير لفظيّة كما هنا،فيه نظر.

و قيل:القرينة قوله سبحانه فيما مرّ:«عذاب يوم غليظ» و فيه ما فيه.(12:92)

رشيد رضا :و نجّيناهم من خزي ذلك اليوم،أي ذلّه و نكاله،باستئصال القوم من الوجود،و ما يتبعه من سوء الذّكر و لعنة الإبعاد من رحمة اللّه تعالى.و أصل التّعبير نجّيناهم برحمة منّا من خزي يومئذ،ففصل بين «من»الّتي هي صفة الرّحمة و«من»الموصلة للعذاب،كما تقدّم في قصّة هود بدون إعادة فعل التّنجية الّذي صرّح به هناك،و قدّر هنا استغناء عن ذكره بقرب مثله.

فهذه الآية كالآية«57»في قصّة هود،و معناهما واحد،إلاّ أنّ هذه جاءت بالفاء(فلمّا)و تلك بالواو، و هو الأصل في مثل هذا العطف،و إنّما كانت الفاء هي المناسبة لما هنا،لأنّ ما قبلها جاء بالفاءات المتعاقبة الواقعة في مواقعها من أمر الإنذار،فالوعيد على المخالفة فالمخالفة،فتحديد موعد العذاب بثلاثة أيّام،فالإخبار بإنجازه و وقوعه.فما كان المناسب في هذا إلاّ أن يكون بالفاء تعقيبا على ما قبله،كما قال في آخر سورة الشّمس:

13، فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ.... و إنّما بيّنت هذا من نكت البلاغة،لأنّني لم أره في التّفاسير الّتي تعنى بها.

فليتأمّل القارئ هذه الدّقّة الغريبة في اختلاف التّعبير عن المعنى الواحد في الموضوع الواحد،و الفروق الدّقيقة في العطف،فإنّها لا توجد في كلام أحد من بلغاء البشر البتّة،و ليعذر الّذين يفهمونها إذا جعلوا بلاغة القرآن هي الّتي أعجزت العرب و الإنس و الجنّ عن الإتيان بسورة مثله،و إن كان إعجازه العلميّ من وجوهه الكثيرة أعلى.(12:125)

ابن عاشور :و عطف وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ على متعلّق(نجينا)المحذوف،أي نجّينا صالحا-عليه السّلام-و من معه من عذاب الاستئصال و من الخزي المكيّف به العذاب،فإنّ العذاب يكون على كيفيّات بعضها أخزى من بعض.

ص: 676

فالمقصود من العطف عطف منّة على منّة،لا عطف إنجاء على إنجاء،و لذلك عطف المتعلّق و لم يعطف الفعل، كما عطف في قصّة عاد نَجَّيْنا هُوداً... هود:58،لأنّ ذلك إنجاء من عذاب مغاير للمعطوف عليه،و تنوين (يومئذ)تنوين عوض عن المضاف إليه و التّقدير:يوم إذ جاء أمرنا.و الخزي:الذّلّ،و هو ذلّ العذاب.

(11:292)

الطّباطبائيّ: و أمّا قوله: وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ فمعطوف على محذوف،و التّقدير:نجّيناهم من العذاب و من خزي يومئذ.و الخزي:العيب الّذي تظهر فضيحته و يستحيا من إظهاره،أو أنّ التّقدير؛نجّيناهم من القوم و من خزي يومئذ على حدّ قوله: وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ. (10:314)

فضل اللّه :بما يمثّله العذاب من عار و خزي عند ما ينزله اللّه على أحد من عباده،كنتيجة لغضبه.(12:94)

6- ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ. الحجّ:9

ابن عبّاس: عذاب قتل يوم بدر صبرا.(277)

إنّها نزلت في النّضر بن الحرث و أنّه قتل يوم بدر.

(الفخر الرّازيّ 23:12)

ابن جريج:قوله: فِي الدُّنْيا خِزْيٌ قال:قتل يوم بدر.(الطّبريّ 9:115)

الطّبريّ: (له)لهذا المجادل في اللّه بغير علم، فِي الدُّنْيا خِزْيٌ و هو القتل و الذّلّ،و المهانة بأيدي المؤمنين،فقتله اللّه بأيديهم يوم بدر.(9:115)

نحوه الثّعلبيّ(7:9)،و القاسميّ(12:4327).

الواحديّ: يعني ما أصابه يوم بدر و هو أبو جهل قتل ببدر،و أوعد بعذاب الآخرة...(3:261)

نحوه ابن الجوزيّ(5:409)،و البيضاويّ(2:86)، و النّسفيّ(3:94).

البغويّ: عذاب و هوان هو القتل ببدر،فقتل النّضر ابن الحارث و عقبة بن أبي معيط يوم بدر صبرا.

(3:326)

نحوه الخازن.(5:5)

الزّمخشريّ: و خزيه:ما أصابه يوم بدر من الصّغار و القتل.و السّبب فيما مني به من خزي الدّنيا و عذاب الآخرة،هو ما قدّمت يداه.و عدل اللّه في معاقبته الفجّار و إثابته الصّالحين.(3:7)

ابن عطيّة: و الخزي:الّذي توعّد به النّضر بن الحارث في أسره يوم بدر و قتله بالصّفراء.(4:109)

نحوه أبو حيّان.(6:355)

الطّبرسيّ: أي هوان و ذلّ و فضيحة بما يجري له على ألسنة المؤمنين،من الذّمّ و بالقتل و غير ذلك.

(4:72)

الفخر الرّازيّ: [نقل قول ابن عبّاس ثمّ قال:]

و أمّا الّذين لم يخصّصوا هذه الآية بواحد معيّن،قالوا:

المراد بالخزي في الدّنيا:ما أمر المؤمنون بذمّه و لعنه و مجاهدته.(23:12)

العكبريّ: لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ يجوز أن تكون حالا مقدّرة،و أن تكون مقارنة،أي مستحقّا.و يجوز أن يكون مستأنفا.(2:934)

ص: 677

القرطبيّ: أي هوان و ذلّ بما يجري له من الذّكر القبيح على ألسنة المؤمنين إلى يوم القيامة،كما قال: وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ القلم:10،و قوله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ اللّهب:1.

و قيل:الخزي هاهنا:القتل،فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قتل النّضر ابن الحارث يوم بدر صبرا.(12:16)

الشّربينيّ: أي إهانة و ذلّ و إن طال زمن استدراجه بتنعيمه،حقّ على اللّه أن لا يرفع شيئا من الدّنيا إلاّ وضعه.(2:540)

أبو السّعود : لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ جملة مستأنفة مسوقة لبيان نتيجة ما سلكه من الطّريقة،أي يثبت له في الدّنيا بسبب ما فعله خزي،و هو ما أصابه يوم بدر من القتل و الصّغار.(4:370)

نحوه البروسويّ.(6:9)

الشّوكانيّ: مستأنفة مبنيّة لما يحصل له بسبب جداله من العقوبة،و الخزي:الذّلّ؛و ذلك بما يناله من العقوبة في الدّنيا من العذاب المعجّل،و سوء الذّكر على ألسن النّاس.(3:550)

الآلوسيّ: [استظهر قول أبي السّعود و أضاف:]

و المراد به عند القائلين بأنّ هذا المجادل النّضر أو أبو جهل ما أصابه يوم بدر،و من عمّم-و هو الأولى- حمله على ذمّ المؤمنين إيّاه،و إفحامهم له عند البحث، و عدم إدلائه بحجّة أصلا،أو على هذا مع ما يناله من النّكال كالقتل،لكن بالنّسبة إلى بعض الأفراد.

(17:122)

ابن عاشور :و خزي الدّنيا:الإهانة،و هو ما أصابهم من القتل يوم بدر،و من القتل و الأسر بعد ذلك، و هؤلاء هم الّذين لم يسلموا بعد.و ينطبق الخزي على ما حصل لأبي جهل يوم بدر من قتله بيد غلامين من شباب الأنصار،و هما ابنا عفراء.و باعتلاء عبد اللّه بن مسعود على صدره و ذبحه،و كان في عظمته لا يخطر أمثال هؤلاء الثّلاثة بخاطره.

و ينطبق الخزي أيضا على ما حلّ بالنّضر بن الحارث من الأسر يوم بدر و قتله صبرا،في موضع يقال له:

الأثيل قرب المدينة عقب وقعة بدر.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و إذ كانت هذه الآية و نظيرتها الّتي سبقت ممّا نزل بمكّة لا محالة كان قوله تعالى: لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ من الإخبار بالغيب،و هو من معجزات القرآن،و إذاقة العذاب تخييل للمكنيّة.(17:152)

الطّباطبائيّ: تهديد بالخزي،و هو الهوان و الذّلّة و الفضيحة في الدّنيا،و إلى ذلك آل أمر صناديد قريش و أكابر مشركي مكّة،و إيعاد بالعذاب في الآخرة.

(14:349)

فضل اللّه : لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ لما يمثّله الانحراف و الضّلال من عار و ذلّ و فضيحة على صاحبه،لأنّ جهل الإنسان بالحقائق الواضحة،و ابتعاده عن التّفكير المنطقيّ في مواجهة القضايا العامّة،يفضحانه في ساحة الصّراع الفكريّ و العقيديّ...(16:24)

الخزي

1- أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ

ص: 678

جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ. التّوبة:63

الطّوسيّ: قوله: ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ معناه ذلك الّذي ذكرناه من أنّ له نار جهنّم هو الخزي،يعني الهوان بما يستحيا من مثله،تقول:خزي خزيا،إذا انقمع للهوان، فأخزاه إخزاء و خزيا.(5:290)

الفخر الرّازيّ: و الخزي:قد يكون بمعنى النّدم و بمعنى الاستحياء.و النّدم هنا أولى،لقوله تعالى:

وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ يونس:54.

(16:120)

البيضاويّ: يعني الإهلاك الدّائم.(1:421)

مثله الشّربينيّ(1:627)،و القاسميّ(8:3192).

أبو السّعود :الخزي:الذّلّ و الهوان المقارن للفضيحة و النّدامة،و هي ثمرات نفاقهم؛حيث يفتضحون على رءوس الأشهاد بظهورها،و لحوق العذاب الخالد بهم، و الجملة تذييل لما سبق.(3:165)

نحوه البروسويّ.(3:458)

الآلوسيّ: أي الذّلّ و الهوان المقارن للفضيحة،و لا يخفى ما في الحمل من المبالغة،و الجملة تذييل لما سبق.(10:130)

رشيد رضا :أي ذلك الصّلي الأبديّ هو الذّلّ و النّكال العظيم الّذي يتضاءل دونه كلّ خزي و ذلّ في الحياة الدّنيا.(10:525)

نحوه المراغيّ.(10:151)

فضل اللّه :الّذي يمثّل العار كلّه في النّهايات السّوداء للمصير.(11:149)

2- فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ. يونس:98

ابن عبّاس: عَذابَ الْخِزْيِ الشّديد.(180)

القرطبيّ: أي العذاب الّذي وعدهم به يونس أنّه ينزل بهم لا أنّهم رأوه عيانا و لا مخايلة،و على هذا لا إشكال و لا تعارض و لا خصوص،و اللّه أعلم.

(8:385)

3- ..قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ. النّحل:27

راجع:«يخزيهم».

4- فَأَذاقَهُمُ اللّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الزّمر:26

الزّمخشريّ: و الخزي:الذّلّ و الصّغار كالمسخ و الخسف و القتل و الجلاء،و ما أشبه ذلك من نكال اللّه.(3:396)

نحوه الطّباطبائيّ.(17:258)

الفخر الرّازيّ: الخزي:و هو الذّلّ و الصّغار و الهوان.و الفائدة في ذكر هذا القيد أنّ العذاب التّامّ هو أن يحصل فيه الألم مقرونا بالهوان و الذّلّ.(26:275)

الخزى-اخزى

5- ..لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ. فصّلت:16

ص: 679

الزّمخشريّ: و أضاف العذاب إلى الخزي و هو الذّلّ و الاستكانة على أنّه وصف للعذاب،كأنّه قال:عذاب خزي،كما تقول:فعل السّوء،تريد:الفعل السّيّئ، و الدّليل عليه قوله تعالى: وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى و هو من الإسناد المجازيّ.و وصف العذاب بالخزي أبلغ من وصفهم به؛أ لا ترى إلى البون بين قوليك:«هو شاعر، و له شعر شاعر».(3:449)

نحوه البيضاويّ(2:346)،و أبو حيّان(7:491)، و السّمين(6:62)،و أبو السّعود(5:44)،و البروسويّ (8:244)،و الآلوسيّ(24:113).

الفخر الرّازيّ: أي عذاب الهوان و الذّلّ.و السّبب فيه أنّهم استكبروا،فقابل اللّه ذلك الاستكبار بإيصال الخزي و الهوان و الذّلّ إليهم.و أَخْزى أي أشدّ إهانة و خزيا.(27:113)

اخزيته

رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ. آل عمران:192

ابن عبّاس: أهنته.(63)

مثله الثّعلبيّ(3:232)،و الشّربينيّ(1:357).

جابر بن عبد اللّه: عن عمرو بن دينار،قال:قدم علينا جابر بن عبد اللّه في عمرة،فانتهيت إليه أنا و عطاء، فقلت: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ؟ قال:

و ما أخزاه حين أحرقه بالنّار و إنّ دون ذلك لخزيا.(الطّبريّ 3:552)

نحوه الضّحّاك.(النّحّاس 1:526)

أنس بن مالك: من خلّد في النّار فقد أخزيته.

(النّحّاس 1:526)

نحوه ابن جريج(الطّبريّ 3:552)،و ابن المسيّب و قتادة(الطّوسيّ 3:82)،و سعيد بن جبير و مقاتل(ابن الجوزيّ 2:528).

ابن المسيّب: هي خاصّة لمن لا يخرج منها.

(الطّبريّ 3:552)

المفضّل الضّبّيّ: أهلكته.[ثمّ استشهد بشعر]

(الثّعلبيّ 1:232)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في ذلك:

فقال بعضهم:معنى ذلك:ربّنا إنّك من تدخل النّار من عبادك فتخلّده فيها،فقد أخزيته.قال:و لا يخزى مؤمن مصيره إلى الجنّة،و إن عذّب بالنّار بعض العذاب.

[ثمّ ذكر قول أنس و ابن المسيّب و أضاف:]

عن الأشعث الحمليّ قال:قلت للحسن:يا أبا سعيد، أ رأيت ما تذكر من الشّفاعة،حقّ هو؟قال:نعم،حقّ.

قال:قلت:يا أبا سعيد،أ رأيت قول اللّه تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ... و يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها المائدة:37؟قال:فقال لي:إنّك و اللّه لا تسطو عليّ بشيء،إنّ للنّار أهلا لا يخرجون منها،كما قال اللّه.قال قلت:يا أبا سعيد،فيمن دخلوا ثمّ خرجوا؟ قال:كانوا أصابوا ذنوبا في الدّنيا فأخذهم اللّه بها، فأدخلهم بها ثمّ أخرجهم،بما يعلم في قلوبهم من الإيمان و التّصديق به.

و قال آخرون:معنى ذلك:ربّنا إنّك من تدخل النّار، من مخلّد فيها و غير مخلّد فيها،فقد أخزي بالعذاب.[ثمّ

ص: 680

ذكر قول جابر و أضاف:]

و أولى القولين بالصّواب عندي،قول جابر«إنّ من أدخل النّار فقد أخزي بدخوله إيّاها،و إن أخرج منها» و ذلك أنّ«الخزي»إنّما هو هتك ستر المخزيّ و فضيحته، و من عاقبه ربّه في الآخرة على ذنوبه،فقد فضحه بعقابه إيّاه،و ذلك هو«الخزي».(3:552)

نحوه النّحّاس.(1:526)

السّجستانيّ: أَخْزَيْتَهُ أهلكته.قال أبو عمرو:

يقال:باعدته من الخير،و منه قوله تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ التّحريم:8.(40)

الثّعلبيّ: [ذكر عدّة من الأقوال ثمّ قال:]

قال أهل المعاني:الخزي يحتمل الحياء،يقال:خزي يخزى،خزاية،إذا استحيا.[ثمّ استشهد بشعر]

فخزي المؤمنين:الحياء،و خزي الكافرين:الذّلّ و الخلود في النّار.(3:233)

الطّوسيّ: و هذه أيضا حكاية عن أولي الألباب الّذين وصفهم بأنّهم أيضا يقولون: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ أي من ناله عذاب النّار و ما فيها من الذّلّ و المهانة فهو المخزي.[ثمّ نقل الأقوال و اختار قول جابر بن عبد اللّه كالطّبري و أضاف:]

و لا ينافي ذلك ما نذهب إليه من جواز العفو عن المذنبين،لأنّه تعالى إذا عفا عن العاصي لا يكون أخزاه و إن أدخله النّار ثمّ أخرجه منها بعد استيفاء العقاب.

فعلى قول من قال:الخزي:يكون بالدّوام،لا يكون أخزاه،و من قال يكون بنفس الدّخول،له أن يقول:إنّ ذلك و إن كان خزيا،فليس مثل خزي الكفّار،و ما يفعل بهم من دوام العقاب،و على هذا يحمل قوله تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ التّحريم:8.

(3:82)

الزّمخشريّ: فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ فقد أبلغت في إخزائه،و هو نظير قوله: فَقَدْ فازَ آل عمران:185، و نحوه في كلامهم:«من أدرك مرعى الضّمان فقد أدرك، و من سبق فلانا فقد سبق».(1:489)

ابن عطيّة: الخزي:الفضيحة المخجلة الهادمة لقدر المرء.خزي الرّجل يخزى خزيا،إذا افتضح،و خزاية إذا استحيا.الفعل واحد،و المصدر مختلف.[ثمّ ذكر بعض الأقوال و قال:]

أمّا إنّه خزي دون خزي و ليس خزي من يخرج منها بفضيحة هادمة لقدره،و إنّما الخزي التّامّ للكفّار.

(1:555)

الطّبرسيّ: قيل فيه وجوه:

أحدها:أنّ معناه فضحته و أهنته،فيكون منقولا من الخزي،و نظيره قوله: وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي هود:78.

و ثانيها:قول المفضّل أنّ معناه أهلكته.

و ثالثها:أنّ معناه أحللته محلاّ و وقفته موقفا يستحيا منه،فيكون منقولا من الخزاية الّتي معناها الاستحياء.

[و نقل الأقوال ثمّ اختار نحو الطّوسيّ،و استشهد بالشّعر مرّتين](1:556)

ابن الجوزيّ: ...و فيمن يتعلّق به هذا الخزي قولان:

أحدهما:أنّه يتعلّق بمن يدخلها مخلّدا،قاله أنس بن مالك،و سعيد بن المسيّب،و ابن جبير و قتادة،و ابن

ص: 681

جريج،و مقاتل.

و الثّاني:أنّه يتعلّق بكلّ داخل إليها،و هذا المعنى مرويّ عن جابر بن عبد اللّه،و اختاره ابن جرير الطّبريّ، و أبو سليمان الدّمشقيّ.(1:528)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أنّهم لمّا سألوا ربّهم أن يقيهم عذاب النّار أتبعوا ذلك بما يدلّ على عظم ذلك العقاب و شدّته و هو الخزي،ليكون موقع السّؤال أعظم،لأنّ من سأل ربّه أن يفعل شيئا أو أن لا يفعله،إذا شرح عظم ذلك المطلوب و قوّته،كانت داعيته في ذلك الدّعاء أكمل و إخلاصه في طلبه أشدّ.و الدّعاء لا يتّصل بالإجابة إلاّ إذا كان مقرونا بالإخلاص،فهذا تعليم من اللّه عباده في كيفيّة إيراد الدّعاء.

المسألة الثّانية:قال الواحديّ: الإخزاء في اللّغة يرد على معان يقترب بعضها من بعض.قال الزّجّاج:أخزى اللّه العدوّ،أي أبعده،و قال غيره:أخزاه اللّه،أي أهانه، و قال شمر بن حمدويه:أخزاه اللّه،أي فضحه اللّه،و في القرآن وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي هود:78.و قال المفضّل:

أخزاه اللّه،أي أهلكه.و قال ابن الأنباريّ:الخزي في اللّغة:الهلاك بتلف،أو انقطاع حجّة،أو بوقوع في بلاء، و كلّ هذه الوجوه متقاربة.[ثمّ حكى قول الزّمخشريّ]

المسألة الثّالثة:قالت المعتزلة:هذه الآية دالّة على أنّ صاحب الكبيرة من أهل الصّلاة ليس بمؤمن؛و ذلك لأنّ صاحب الكبيرة إذا دخل النّار فقد أخزاه اللّه لدلالة هذه الآية،و المؤمن لا يخزى لقوله تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ التّحريم:8،فوجب من مجموع هاتين الآيتين أن لا يكون صاحب الكبيرة مؤمنا.

و الجواب:أنّ قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ لا يقتضي نفي الإخزاء مطلقا،و إنّما يقتضي أن لا يحصل الإخزاء حال ما يكون مع النّبيّ،و هذا النّفي لا يناقضه إثبات الإخزاء في الجملة،لاحتمال أن يحصل ذلك الإثبات في وقت آخر،هذا هو الّذي صحّ عندي في الجواب.و ذكر الواحدي في«البسيط»أجوبة ثلاثة سوى ما ذكرناه.

أحدها:أنّه نقل عن سعيد بن المسيّب و الثّوريّ و قتادة أنّ قوله: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ مخصوص بمن يدخل النّار للخلود.و هذا الجواب عندي ضعيف،لأنّ مذهب المعتزلة أنّ كلّ فاسق دخل النّار فإنّما دخلها للخلود،فهذا لا يكون سؤالا عنهم.

ثانيها:قال:المدخل في النّار مخزى في حال دخوله و إن كانت عاقبته أن يخرج منها.و هذا ضعيف أيضا،لأنّ موضع الاستدلال أنّ قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ يدلّ على نفي الخزي عن المؤمنين على الإطلاق،و هذه الآية دلّت على حصول الخزي لكلّ من دخل النّار.فحصل بحكم هاتين الآيتين بين كونه مؤمنا و بين كونه كافرا ممّن يدخل النّار منافاة.

و ثالثها:قال:الإخزاء يحتمل وجهين:أحدهما:

الإهانة و الإهلاك،و الثّاني:التّخجيل.يقال:خزي خزاية إذا استحيا،و أخزاه غيره إذا عمل به عملا يخجّله و يستحيي منه.

و اعلم أنّ حاصل هذا الجواب:أنّ لفظ الإخزاء لفظ مشترك بين التّخجيل و بين الإهلاك.و اللّفظ المشترك

ص: 682

لا يمكن حمله في طرفي النّفي و الإثبات على معنييه جميعا، و إذا كان كذلك جاز أن يكون المنفيّ بقوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ غير المثبت في قوله: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ و على هذا يسقط الاستدلال،إلاّ أنّ هذا الجواب إنّما يتمشّى إذا كان لفظ الإخزاء مشتركا بين هذين المفهومين،أمّا إذا كان لفظا متواطئا مفيدا لمعنى واحد.و كان المعنيان اللّذان ذكرهما الواحديّ نوعين تحت جنس واحد،سقط هذا الجواب، لأنّ قوله: لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ لنفي الجنس،و قوله: فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ لإثبات النّوع،و حينئذ يحصل بينهما منافاة.

المسألة الرّابعة:احتجّت المرجئة بهذه الآية في القطع على أنّ صاحب الكبيرة لا يخزى.و كلّ من دخل النّار فإنّه يخزى،فيلزم القطع بأنّ صاحب الكبيرة لا يدخل النّار.إنّما قلنا:صاحب الكبيرة لا يخزى،لأنّ صاحب الكبيرة مؤمن،و المؤمن لا يخزى.إنّما قلنا:إنّه مؤمن لقوله تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ الحجرات:9،سمّي الباغي حال كونه باغيا مؤمنا،و البغي من الكبائر بالإجماع، و أيضا قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى البقرة:178.سمّي القاتل بالعمد [و]العدوان مؤمنا،فثبت أنّ صاحب الكبيرة مؤمن،و إنّما قلنا:إنّ المؤمن لا يخزى لقوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ و لقوله وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ آل عمران:194.

ثمّ قال تعالى: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ و هذه الاستجابة تدلّ على أنّه تعالى لا يخزي المؤمنين.فثبت بما ذكرنا أنّ صاحب الكبيرة لا يخزى بالنّار.و إنّما قلنا:إنّ كلّ من دخل النّار فإنّه يخزى،لقوله تعالى: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ و حينئذ يتولّد من هاتين المقدّمتين القطع بأنّ صاحب الكبيرة لا يدخل النّار.

و الجواب عنه ما تقدّم أنّ قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ لا يدلّ على نفي الإخزاء مطلقا، بل يدلّ على نفي الإخزاء حال كونهم مع النّبيّ؛و ذلك لا ينافي حصول الإخزاء في وقت آخر.

المسألة الخامسة:قوله: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ عامّ دخله الخصوص في مواضع؛منها:أنّ قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا مريم:71،72،يدلّ على أنّ كلّ المؤمنين يدخلون النّار،و أهل الثّواب يصانون عن الخزي.

و ثانيها:أنّ الملائكة الّذين هم خزنة جهنّم يكونون في النّار،و هم أيضا يصانون عن الخزي.قال تعالى:

عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ التّحريم:6.

المسألة السّادسة:احتجّ حكماء الإسلام بهذه الآية على أنّ العذاب الرّوحانيّ أشدّ و أقوى من العذاب الجسمانيّ،قالوا:لأنّ الآية دالّة على التّهديد بعد عذاب النّار بالخزي،و الخزي عبارة عن التّخجيل و هو عذاب روحانيّ،فلو لا أنّ العذاب الرّوحانيّ أقوى من العذاب الجسمانيّ،و إلاّ لما حسن تهديد من عذّب بالنّار بعذاب الخزي و الخجالة.

ص: 683

المسألة السّابعة:احتجّت المعتزلة بهذه الآية على أنّ الفسّاق الّذين دخلوا النّار لا يخرجون منها بل يبقون هناك مخلّدين،و قالوا:الخزي:هو الهلاك،فقوله: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ معناه فقد أهلكته،و لو كانوا يخرجون من النّار إلى الجنّة لما صحّ أنّ كلّ من دخل النّار فقد هلك.

و الجواب:أنّا لا نفسّر الخزي بالإهلاك بل نفسّره بالإهانة و التّخجيل،و عند هذا يزول كلامكم.

(9:141)

نحوه النّيسابوريّ(4:152)،و الخازن(1:391).

ابن عربيّ: فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ بوجود البقيّة الّتي كلّها ذلّ،و عار،و شنار.(1:242)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ و قال:في موضع آخر: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ و يلزم من هذا أن لا يدخل المؤمنين النّار،كما قالت المعتزلة و الخارجيّة؟

قلنا:أخزيته بمعنى أذللته و أهنته من الخزي و هو الذّلّ و الهوان،و قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ... من الخزاية و هي النّكال و الفضيحة،فكلّ من يدخل النّار يذلّ و ليس كلّ من يدخلها ينكل به و يفضح،أو المراد بالآية الأولى:إدخال الإقامة و الخلود،لا إدخال تحلّة القسم المدلول عليها بقوله تعالى: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها مريم:71،أو إدخال التّطهير الّذي يكون لبعض المؤمنين بقدر ذنوبهم.و قيل:إنّ قوله تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ... كلام مبتدأ غير معطوف على ما قبله.(39)

القرطبيّ: [ذكر بعض الأقوال ثمّ قال:]

و قد تمسّك بهذه الآية أصحاب الوعيد و قالوا:من أدخل النّار ينبغي ألاّ يكون مؤمنا،لقوله تعالى: فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ فإنّ اللّه يقول: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ التّحريم:8،و ما قالوه مردود،لقيام الأدلّة على أنّ من ارتكب كبيرة لا يزول عنه اسم الإيمان.

و قال أهل المعاني:الخزي يحتمل أن يكون بمعنى الحياء،يقال:خزي يخزى خزاية،إذا استحيا فهو خزيان.[ثمّ استشهد بشعر]

فخزي المؤمنين يومئذ استحياؤهم في دخول النّار من سائر أهل الأديان إلى أن يخرجوا منها،و الخزي للكافرين هو إهلاكهم فيها من غير موت،و المؤمنون يموتون،فافترقوا.كذا ثبت في صحيح السّنّة من حديث أبي سعيد الخدريّ،أخرجه مسلم.(4:316)

البيضاويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و المراد به تهويل المستعاذ منه تنبيها على شدّة خوفهم و طلبهم الوقاية منه،و فيه إشعار بأنّ العذاب الرّوحانيّ أفظع.(1:199)

نحوه البروسويّ.(2:147)

النّسفيّ: أهنته أو أهلكته أو فضحته.و احتجّ أهل الوعيد بالآية مع قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ في أنّ من يدخل النّار لا يكون مؤمنا و يخلّد.

قلنا:قال جابر:إخزاء المؤمن تأديبه و إنّ فوق ذلك لخزيا.(1:201)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة إلاّ أنّه قال:]

و يقال:خزيته و أخزيته ثلاثيّا و رباعيّا،و الرّباعيّ

ص: 684

أكثر و أفصح.[ثمّ ذكر الأقوال نحو ابن الجوزيّ]

(3:140)

ابن كثير :أي أهنته و أظهرت خزيه لأهل الجمع.

(2:177)

أبو السّعود :مبالغة في استدعاء الوقاية و بيان لسببه.و تصدير الجملة بالنّداء للمبالغة في التّضرّع و الجؤار،و تأكيدها لإظهار كمال اليقين بمضمونها، و الإيذان بشدّة الخوف،و إظهار النّار في موضع الإضمار لتهويل أمرها،و ذكر الإدخال في مورد العذاب لتعيين كيفيّته،و تبيين غاية فظاعته.[ثمّ نقل الأقوال و قال:]

و فيه من الإشعار بفظاعة العذاب الرّوحانيّ ما لا يخفى.(2:85)

شبّر:أبلغت في إخزائه،و نظيره: فَقَدْ فازَ آل عمران:185،عدل عن«أحرقته»،لأنّ الخزي عذاب روحانيّ،و هو أشدّ من الجسمانيّ.(1:414)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و قال:]

و المراد:فقد أخزيته خزيا لا غاية وراءه.و من القواعد المقرّرة أنّه إذا جعل الجزاء أمرا ظاهر اللّزوم للشّرط-سواء كان اللّزوم بالعموم و الخصوص،كما في قولهم:من أدرك مرعى الصّمّان فقد أدرك،أو بالاستلزام.كما في هذه الآية-يحمل على أعظم أفراده و أخصّها،لتربية الفائدة،و لهذا قيّد الخزي بما قيّد.

و احتجّ حكماء الإسلام بهذه الآية على أنّ العذاب الرّوحانيّ أقوى من العذاب الجسمانيّ؛و ذلك لأنّه رتّب فيها العذاب الرّوحانيّ-و هو الإخزاء،بناء على أنّه الإهانة و التّخجيل-على الجسمانيّ الّذي هو إدخال النّار، و جعل الثّاني شرطا و الأوّل جزاء،و المراد من الجملة الشّرطيّة الجزاء،و الشّرط قيد له،فيشعر بأنّه أقوى و أفظع،و إلاّ لعكس،كما قال الإمام الرّازيّ.

و أيضا المفهوم من قوله تعالى: وَ قِنا عَذابَ النّارِ البقرة:201،طلب الوقاية منه،و قوله سبحانه: (رَبَّنا...) دليل عليه،فكأنّه طلب الوقاية من المذكور لترتّب الخزي عليه،فيدلّ على أنّه غاية يخاف منه،كما قاله بعض المحقّقين.

و احتجّ بها المعتزلة على أنّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن،لأنّه إذا أدخله اللّه تعالى النّار فقد أخزاه،و المؤمن لا يخزى لقوله تعالى يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ التّحريم:8.

و أجيب بأنّه لا يلزم من أن لا يكون من آمن مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مخزيا أن لا يكون غيره و هو مؤمن كذلك، و أيضا الآية ليست عامّة لقوله تعالى: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها... مريم:71 فتحمل على من أدخل النّار للخلود،و هم الكفّار.و هو المرويّ عن أنس،و سعيد بن المسيّب و قتادة،و ابن جريج.

و أيضا يمكن أن يقال:إن كلّ من يدخلها مخزى حال دخوله و إن كانت عاقبة أهل الكبائر منهم الخروج، و قوله تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي... نفي الخزي فيه على الإطلاق،و المطلق يكفي في صدقه صورة واحدة،و هو نفي الخزي المخلّد.و أيضا يحتمل أن يقال:الإخزاء مشترك بين التّخجيل و الإهلاك،و المثبت هو الأوّل،و المنفيّ هو الثّاني،و حينئذ لا يلتزم التّنافي.

و احتجّت المرجئة بها على أنّ صاحب الكبيرة

ص: 685

لا يدخل النّار لأنّه مؤمن،لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى البقرة:178، و قوله سبحانه: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الحجرات:9،و المؤمن لا يخزى لقوله تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ... و المدخل في النّار مخزى لهذه الآية.

و أجيب بمنع المقدّمات بأسرها:أمّا الأولى فباحتمال أن لا يسمّى بعد القتل مؤمنا و إن كان قبل مؤمنا،و أمّا الأخريان فبخصوص المحمول،و جزئيّة الموضوع،كما تقرّر آنفا.(4:162)

ابن عاشور :و قولهم: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ... مسوق مساق التّعليل لسؤال الوقاية من النّار، كما تؤذن به(انّ)المستعملة لإرادة الاهتمام؛إذ لا مقام للتّأكيد هنا.و الخزي:مصدر خزي يخزى،بمعنى ذلّ و هان بمرأى من النّاس،و أخزاه:أذلّه على رءوس الأشهاد.

و وجه تعليل طلب الوقاية من النّار بأنّ دخولها خزي-بعد الإشارة إلى موجب ذلك الطّلب،بقولهم:

عَذابَ النّارِ -أنّ النّار مع ما فيها من العذاب الأليم فيها قهر للمعذّب و إهانة علنيّة؛و ذلك معنى مستقرّ في نفوس النّاس،و منه قول إبراهيم عليه السّلام: وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ الشّعراء:87؛و ذلك لظهور وجه الرّبط بين الشّرط و الجزاء،أي من يدخل النّار فقد أخزيته.

و الخزي لا تطيقه الأنفس،فلا حاجة إلى تأويل تأوّلوه على معنى:فقد أخزيته خزيا عظيما.

و نظّره صاحب«الكشّاف»بقول رعاة العرب:«من أدرك مرعى الصّمّان فقد أدرك»أي فقد أدرك مرعى مخصبا،لئلاّ يكون معنى الجزاء ضروريّ الحصول من الشّرط،فلا تظهر فائدة للتّعليق بالشّرط،لأنّه يخلي الكلام عن الفائدة حينئذ.و قد تقدّم شيء من هذا عند قوله تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ آل عمران:185.

و لأجل هذا أعقبوه بما في الطّباع التّفادي به عن الخزي و المذلّة بالهرع إلى أحلافهم و أنصارهم،فعلموا أن لا نصير في الآخرة للظّالم،فزادوا بذلك تأكيدا للحرص على الاستعاذة من عذاب النّار؛إذ قالوا: وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ البقرة:270،أي لأهل النّار من أنصار تدفع عنهم الخزي.(3:310)

ليخزى

ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللّهِ وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ. الحشر:5

ابن عبّاس: لكي يذلّ الكافرين يعني يهود بني النّضير بما قطعتم من نخيلهم.(464)

الطّبريّ: و ليذلّ الخارجين عن طاعة اللّه عزّ و جلّ، المخالفين أمره و نهيه،و هم يهود بني النّضير.(12:34)

الزّجّاج: بأن يريهم أموالهم يتحكّم فيها المسلمون كيف أحبّوا.(5:145)

الثّعلبيّ: أي و ليذلّ اليهود،و يحزنهم و يغيظهم.

(9:272)

نحوه النّسفيّ.(4:239)

الطّوسيّ: أي فعل ذلك ليذلّ به الكفّار الفاسقين من اليهود و يهينهم به،لا أنّهم يفعلونه على وجه الفساد

ص: 686

في الأرض،لأنّ فيما فعلوه إذلال أهل الشّرك و عزّ أهل الإسلام.(9:561)

نحوه أبو الفتوح.(19:109)

الواحديّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و التّقدير:و ليخزي الفاسقين أذن(1) في ذلك،و دلّ على هذا المحذوف قوله: فَبِإِذْنِ اللّهِ. (4:271)

نحوه ابن الجوزيّ.(8:208)

الزّمخشريّ: و ليذلّ اليهود و يغيظهم أذن(2) في قطعها؛و ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين أمر أن تقطع نخلهم و تحرق،قالوا:يا محمّد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض،فما بال قطع النّخل و تحريقها،فكان في أنفس المؤمنين من ذلك شيء فنزلت،يعني أنّ اللّه أذن لهم في قطعها ليزيدكم غيظا،و يضاعف لكم حسرة إذا رأيتموهم يتحكّمون في أموالكم كيف أحبّوا، و يتصرّفون فيها ما شاءوا.

و اتّفق العلماء أنّ حصول الكفرة و ديارهم لا بأس بأن تهدم و تحرق و تغرق و ترمى بالمجانيق،و كذلك أشجارهم لا بأس بقلعها،مثمرة كانت أو غير مثمرة.

و عن ابن مسعود:قطعوا منها ما كان موضعا للقتال.

(4:81)

نحوه الفخر الرّازيّ(29:283)،و ملخّصا البيضاويّ (2:464)،و الخازن(7:49)،و أبو السّعود(6:225).

الطّبرسيّ: من اليهود و يهينهم به،لأنّه إذا رأوا عدوّهم يتحكّم في أموالهم كان ذلك خزيا لهم.

(5:259)

القرطبيّ: أي ليذلّ اليهود،الكفّار به و بنبيّه و كتبه.

(18:10)

ابن جزيّ: يعني بني النّضير،و استدلّ بعض الفقهاء بهذه الآية على أنّ كلّ مجتهد مصيب؛فإنّ اللّه قد صوّب فعل من قطع النّخل و من تركها.

و اختلف العلماء في قطع شجر المشركين و تخريب بلادهم،فأجازه الجمهور لهذه الآية و لإقرار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على تحريق نخل بني النّضير،و كرهه قوم لوصيّة أبي بكر الجيش الّذي وجّهه إلى الشّام أن لا يقطعوا شجرا مثمرا.(4:107)

السّمين:قوله: وَ لِيُخْزِيَ اللاّم متعلّقة بمحذوف،أي و ليخزي،أذن في قطعها،أو ليسرّ المؤمنين و يعزّهم و ليخزي.(6:294)

نحوه الشّربينيّ.(4:241)

الكاشانيّ: و أذن لكم في القطع ليجزيهم على فسقهم بما غاظهم منه.(5:155)

مثله شبّر.(6:185)

البروسويّ: أي و ليذلّ اليهود الخارجين عن دائرة الإسلام،أذن في قطعها و تركها،فهو علّة لمحذوف.يقال:

خزي الرّجل:لحقه انكسار إمّا من نفسه و هو الحياء المفرط،و مصدره:الخزاية،و إمّا من غيره و هو ضرب من الاستخفاف،و مصدره الخزي.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ].

(9:423)

الشّوكانيّ: [نحو الطّبريّ و الواحديّ](5:242)

الآلوسيّ: وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ متعلّق بمقدّر على أنّه علّة له؛و ذلك المقدّر عطف على مقدّر آخر،أي ليعزّ

ص: 687


1- و في الأصل«إذن»!!
2- و في الأصل«إذن»!!

المؤمنين و ليخزي الفاسقين،أي ليذلّهم،أذن عزّ و جلّ في القطع و التّرك.

و جوّز فيه أن يكون معطوفا على قوله تعالى:)باذن الله)و تعطف العلّة على السّبب،فلا حاجة إلى التّقدير فيه،و المراد ب(الفاسقين:)أولئك الّذين كفروا من أهل الكتاب.و وضع الظّاهر موضع المضمر إشعارا بعلّة الحكم.و اعتبار القطع و التّرك في المعلّل هو الظّاهر.

و إخزاؤهم بقطع اللّينة لحسرتهم على ذهابها بأيدى أعدائهم المسلمين،و بتركها لحسرتهم على بقائها في أيدي أولئك الأعداء،كذا في«الانتصاف».

قال بعضهم:و هاتان الحسرتان تتحقّقان كيفما كانت المقطوعة و المتروكة،لأنّ النّخل مطلقا ممّا يعزّ على أصحابه،فلا تكاد تسمح أنفسهم بتصرّف أعدائهم...[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](28:43)

ابن عاشور :و عطف وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ من عطف العلّة على السّبب،و هو فَبِإِذْنِ اللّهِ لأنّ السّبب في معنى العلّة،و نظيره قوله تعالى: وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ آل عمران:

166،و المعنى:فقطع ما قطعتم من النّخل و ترك ما تركتم، لأنّ اللّه أذن للمسلمين به لصلاح لهم فيه.

وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ أي ليهين بني النّضير فيروا كرائم أموالهم بعضها مخضود و بعضها بأيدي أعدائهم، فذلك عزّة للمؤمنين و خزي للكافرين.و المراد ب(الفاسقين)هنا:يهود النّضير...(28:69)

الطّباطبائيّ: فقوله: وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ اللاّم فيه للتّعليل،و هو معطوف على محذوف،و التّقدير:القطع و التّرك بإذن اللّه،ليفعل كذا و كذا وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ فهو كقوله: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ الأنعام:75.

(19:203)

لا يخزى

...يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ... التّحريم:8

ابن عبّاس: لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ كما يخزي الكفّار.يقول:لا يعذّب اللّه النّبيّ.(478)

نحوه القرطبيّ(18:200)،و الشّربينيّ(4:332).

السّجستانيّ: أي يوم لا يبعده من الخير.(194)

الطّوسيّ: أي لا يذلّهم و لا يعاقبهم بل يعزّهم بإدخال الجنّة.(10:51)

القشيريّ: لا يخزي اللّه النّبيّ بترك شفاعته وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بافتضاحهم بعد ما قبل فيهم شفاعته.(6:176)

الواحديّ: أي لا يعذّبهم اللّه بدخول النّار.

(4:322)

مثله البغويّ(5:123)،و الخازن(7:102).

الرّاغب: و قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فهو من الخزي أقرب و إن جاز أن يكون منهما [الخزي،و الخزاية]جميعا.و قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ آل عمران:192،فمن الخزاية، و يجوز أن يكون من الخزي.

و على نحو ما قلنا في خزي قولهم:ذلّ و هان،فإنّ

ص: 688

ذلك متى كان من الإنسان نفسه يقال له:الهون و الذّلّ و يكون محمودا،و متى كان من غيره يقال له:الهون و الهوان و الذّلّ و يكون مذموما.(147)

نحوه الطّباطبائيّ(19:335)،و فضل اللّه(22:

321).

الزّمخشريّ: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ نصب ب(يدخلكم)،و(لا يخزي)تعريض بمن أخزاهم اللّه من أهل الكفر و الفسوق،و استحماد إلى المؤمنين على أنّه عصمهم من مثل حالهم.(4:130)

نحوه النّيسابوريّ(28:82)،و أبو حيّان(8:293)، و أبو السّعود(6:270).

ابن عطيّة: و روي في معنى قوله تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله تضرّع في أمر أمّته، فأوحى اللّه إليه:إن شئت جعلت حسابهم إليك،فقال:

«يا ربّ أنت أرحم بهم»فقال اللّه تعالى:إذا لا أخزيك فيهم،فهذا معنى قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ.

و الخزي:المكروه الّذي يترك الإنسان حيران خجلا مهموما بأن يرى نقصه،أو سوء منزلته.(5:334)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:لا يخزي اللّه النّبيّ،أي لا يشوره فيما يريده من الشّفاعة بل يشفعه في ذلك.(5:318)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

ثمّ المعتزلة تعلّقوا بقوله تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ و قالوا:الإخزاء يقع بالعذاب،فقد وعد بأن لا يعذّب الّذين آمنوا،و لو كان أصحاب الكبائر من أهل الإيمان لم نخف عليهم العذاب.

و أهل السّنّة أجابوا عنه بأنّه تعالى وعد أهل الإيمان بأن لا يخزيهم، وَ الَّذِينَ آمَنُوا ابتداء كلام،و خبره يَسْعى، أو لا يُخْزِي اللّهُ، ثمّ من أهل السّنّة من يقف على قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ أي لا يخزيه في ردّ الشّفاعة،و الإخزاء الفضيحة،أي لا يفضحهم بين يدي الكفّار،و يجوز أن يعذّبهم على وجه لا يقف عليه الكفرة.(30:47)

البروسويّ: قال بعض أهل التّفسير: يُخْزِي إمّا من الخزي و هو الفضاحة،فيكون تعريضا للكفرة الّذين قال اللّه تعالى فيهم: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ، أو من الخزاية بمعنى الحياء و الخجل،و هو الأنسب.هنا بالنّظر إلى شأن الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم خصوصا إذا تمّ الكلام في النّبيّ،و إن أريد المعنى الأوّل حينئذ يجوز أن يكون باعتبار أنّ خزي الأمّة لا يخلو عن إنشاء خزي ما في الرّسول،على ما يشعر به قوله في دعائه:«اللّهمّ لا تخزنا يوم القيامة و لا تفضحنا يوم اللّقاء»بعض الإشعار؛حيث لم يقل:لا تخزني،كما قال إبراهيم عليه السّلام:

وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ الشّعراء:87،ليكون دعاؤه عامّا لأمّته من قوّة رحمته،و أدخل فيهم نفسه العالية من كمال مروءته.

قيل:الخزي كناية عن العذاب،لملازمة بينهما، و الأولى العموم لكلّ خزي يكون سببا من الأسباب من الحساب و الكتاب و العقاب و غيرها.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ عطف على اَلنَّبِيَّ و مَعَهُ صلة لا يُخْزِي أي لا يخزي اللّه معه الّذين آمنوا،أي يعمّهم جميعا بأن لا يخزيهم،أو حال من

ص: 689

الموصول بمعنى كائنين معه،أو يتعلّق به(آمنوا)و هو الموافق لقوله تعالى: وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ النّمل:

44،أي و لا يخزي المؤمنين الّذين اتّبعوه في الإيمان،كما قال: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ البقرة:285،و ذلك بسوء الحساب و التّعبير و العتاب و ذلّ الحجاب و ردّ الجواب،فيحاسبهم حسابا يسيرا بل و يرفع الحساب عن بعضهم،و يلاطفهم و يكشف لهم جماله،و يعطي مأمولهم من الشّفاعة لأقاربهم و إخوانهم و نحولهم.

و قال داود القيصريّ رحمه اللّه في قوله تعالى و أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ: أي إسلام سليمان،أي أسلمت كما أسلم سليمان،و(مع)في هذا الموضع ك(مع)في قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، و قوله: وَ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً* مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ الفتح:28، 29،و لا شكّ أنّ زمان إيمان المؤمنين ما كان مقارنا لزمان إيمان الرّسول،و كذا إسلام بلقيس ما كان عند إسلام سليمان،فالمراد:كما أنّه آمن باللّه آمنوا باللّه،و كما أنّه أسلم أسلمت للّه.انتهى كلام القيصريّ،و تمّ الكلام عند قوله:

مَعَهُ. [ثمّ قال نحو الزّمخشري](10:65)

الآلوسيّ: ...و المراد بنفي الإخزاء:إثبات أنواع الكرامة و العزّ...(28:161)

القاسميّ: أي لا يذلّهم،تعريض لأعدائهم بالخزي و الصّغار.(16:5868)

ابن عاشور : يَوْمَ ظرف متعلّق ب يُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ و هو تعليق تخلّص إلى الثّناء على الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين معه،و هو يوم القيامة.

و هذا الثّناء عليهم بانتفاء خزي اللّه عنهم تعريض بأنّ الّذين لم يؤمنوا معه يخزيهم اللّه يوم القيامة.و ذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع الّذين آمنوا لتشريف المؤمنين،و لا علاقة له بالتّعريض.و الخزي:هو عذاب النّار،و حكى اللّه تعالى عن إبراهيم عليه السّلام قوله: وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ الشّعراء:87،على أنّ انتفاء الخزي يومئذ يستلزم الكرامة؛إذ لا واسطة بينهما،كما أشعر به قوله تعالى:

فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ آل عمران:185.

و في صلة اَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ إيذان بأنّ سبب انتفاء الخزي عنهم هو إيمانهم،و معيّة المؤمنين مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صحبتهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.و(مع)يجوز تعلّقها بمحذوف حال من اَلَّذِينَ آمَنُوا أي حال كونهم مع الشّيء في انتفاء خزي اللّه عنهم،فيكون عموم الّذين آمنوا مخصوصا بغير الّذين يتحقّق فيهم خزي الكفر، و هم الّذين ارتدّوا و ماتوا على الكفر.و في هذه الآية دليل على المغفرة لجميع أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و يجوز تعلّق(مع)بفعل آمَنُوا أي الّذين آمنوا به و صحبوه،فيكون مرادا به أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،الّذين آمنوا به و لم يرتدّوا بعده،فتكون الآية مؤذنة بفضيلة للصّحابة.(28:331)

نحوه ملخّصا عبد الكريم الخطيب.(14:1034)

مغنيّة:هذا تعريض بأعداء النّبيّ و أنّهم مخزيّون دنيا و آخرة،و إلاّ فمن الّذي يتصوّر أنّ اللّه يخزي محمّدا يوم القيامة،و قد كانت حياته في الدّنيا رحمة للنّاس أجمعين.(7:366)

ص: 690

جوادي آمليّ: العذاب في يوم القيامة نوعان:

جسميّ و روحيّ،و العذاب الرّوحيّ أهمّ من العذاب الجسميّ عند اللّه،كما يقول تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ التّحريم:8،أي لا يفضحهم يوم القيامة،لأنّ اللّه تعالى يقول: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ آل عمران:192،فالإنسان يحشر يوم القيامة مقرونا بأعماله،لأنّ عمل الإنسان في الدّنيا إمّا اعتباريّ أو مادّيّ،و كلّ منهما يزول إلاّ روح العمل و حقيقته،سواء كان تمرّدا على اللّه أم خضوعا له،فيتجلّى ذلك يوم القيامة.(التّفسير الموضوعيّ 6:112)

يخزيه

1- فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ. هود:39

ابن عبّاس: يذلّه و يهلكه.(185)

نحوه الطّبريّ.(7:38)

الطّوسيّ: الخزي:العيب الّذي يظهر فضيحته و العار به،و منه الذّلّ و الهوان.(5:554)

الزّمخشريّ: يعني به إيّاهم،و يريد بالعذاب:

عذاب الدّنيا،و هو الغرق.(2:269)

نحوه ابن الجوزيّ(4:104)،و البيضاويّ(1:

468)،و النّيسابوريّ(12:26)،و أبو السّعود(3:312)، و الكاشانيّ(2:443).

ابن عطيّة: و العذاب المخزيّ،هو الغرق،و المقيم:

هو عذاب الآخرة.(3:170)

الطّبرسيّ: مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ هنا ابتداء كلام من نوح،و الأظهر أن يكون متّصلا بما قبله،أي فسوف تعلمون أيّنا يأتيه عذاب يهينه و يفضحه في الدّنيا،و يكون يُخْزِيهِ صفة العذاب.(3:159)

أبو حيّان :معنى يخزيه يفضحه أو يهلكه أو يذلّه و هو الغرق،أقوال متقاربة.(5:222)

مثله الآلوسيّ.(12:51)

البروسويّ: يُخْزِيهِ يهينه و يذلّه،وصف العذاب بالإخزاء لما في الاستهزاء و السّخريّة من لحوق الخزي و العار عادة.(4:126)

الطّباطبائيّ: المراد به:عذاب الاستئصال في الدّنيا،و هو الغرق الّذي أخزاهم و أذلّهم.(10:225)

2- وَ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ... هود:93

مثل ما قبلها.

3- مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ. الزّمر:40

الزّمخشريّ: أي عذاب مخز له،و هو يوم بدر.

(3:400)

نحوه شبّر(5:316)،و القاسميّ(14:5142)، و الطّباطبائيّ(17:268).

ابن عطيّة: هو عذاب الدّنيا يوم بدر و غيره.

(4:533)

الشّربينيّ: مَنْ يَأْتِيهِ منّا و منكم بسبب أعماله، فإنّ خزي أعدائه دليل عليه،و قد أخذهم اللّه تعالى يوم

ص: 691

بدر.(3:450)

نحوه أبو السّعود(5:396)،و الكاشانيّ(4:323)، و الآلوسيّ(24:7).

يخزيهم

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَ يَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ... النّحل:27

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فعل اللّه بهؤلاء الّذين مكروا الّذين وصف اللّه جلّ ثناؤه أمرهم ما فعل بهم في الدّنيا،من تعجيل العذاب لهم،و الانتقام بكفرهم، و جحودهم وحدانيّته،ثمّ هو مع ذلك يوم القيامة مخزيهم،فمذلّهم بعذاب أليم،و قائل لهم عند ورودهم عليه: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ.

(7:578)

نحوه الطّوسيّ(6:376)،و الطّبرسيّ(3:357)، و المراغيّ(14:71).

الزّمخشريّ: يذلّهم بعذاب الخزي رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ آل عمران:192،يعني هذا لهم في الدّنيا ثمّ العذاب في الآخرة.(2:407)

نحوه القاسميّ.(10:3796)

ابن عطيّة: يُخْزِيهِمْ لفظ يعمّ جميع المكاره الّتي تنزل بهم؛و ذلك كلّه راجع إلى إدخالهم النّار،و هذا نظير قوله: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ... آل عمران:192،و قوله أَيْنَ شُرَكائِيَ توبيخ لهم.

(3:388)

الفخر الرّازيّ: و الخزي:هو العذاب مع الهوان، و فسّر تعالى ذلك الهوان بأنّه تعالى يقول لهم: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ. [إلى أن قال:]

المرجئة احتجّوا بهذه الآية على أنّ العذاب مختصّ بالكافر،قالوا:لأنّ قوله تعالى: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ يدلّ على أنّ ماهيّة الخزي و السّوء في يوم القيامة مختصّة بالكافر،و ذلك ينفي حصول هذه الماهيّة في حقّ غيرهم،و تأكّد هذا بقول موسى عليه السّلام:

إِنّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّى. (20:20)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و جمع بين الإهانة بالفعل و الإهانة بالقول،بالتّقريع و التّوبيخ في قوله: يُخْزِيهِمْ... (5:485)

أبو السّعود : ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ فإنّه عطف على مقدّر ينسحب عليه الكلام،أي هذا الّذي فهم من التّمثيل من عذاب هؤلاء،أو ما هو أعمّ منه و ممّا ذكر من عذاب،أولئك جزاؤهم في الدّنيا و يوم القيامة يخزيهم،أي يذلّهم بعذاب الخزي على رءوس الأشهاد.

و أصل الخزي:ذلّ يستحيا منه،و ثُمَّ للإيماء إلى ما بين الجزاءين من التّفاوت،مع ما يدلّ عليه من التّراخي الزّمانيّ.

و تغيير السّبك بتقديم الظّرف،ليس لقصر الخزي على يوم القيامة،كما هو المتبادر من تقديم الظّرف على الفعل،بل لأنّ الإخبار بجزائهم في الدّنيا مؤذن بأنّ لهم جزاء أخرويّا،فتبقى النّفس مترقّبة إلى وروده،سائلة عنه بأنّه ما ذا؟مع تيقّنها بأنّه في الآخرة.

فسيق الكلام على وجه يؤذن بأنّ المقصود بالذّكر

ص: 692

إخزاؤهم،لا كونه يوم القيامة،و الضّمير إمّا للمفترين في حقّ القرآن الكريم،أو لهم و لمن مثّلوا بهم من الماكرين، كما أشير إليه،و تخصيصه بهم يأباه السّباق و السّياق،كما ستقف عليه.(4:55)

نحوه ملخّصا البروسويّ.(5:28)

الآلوسيّ: أي يذلّهم،و الظّاهر أنّ ضمائر الجمع للّذين مكروا من قبل،كأنّه قيل:قد مكر الّذين من قبلهم فعذّبهم اللّه تعالى في الدّنيا،ثمّ يعذّبهم في العقبى.

و ثُمَّ للإيماء إلى ما بين الجزاءين من التّفاوت،مع ما تدلّ عليه من التّراخي الزّمانيّ.و تقديم الظّرف على الفعل قيل:لقصر الإخزاء على يوم القيامة،و المراد به ما بيّن بقوله سبحانه: وَ يَقُولُ أي لهم تفضيحا و توبيخا أَيْنَ شُرَكائِيَ إلى آخره،و لا شكّ أنّ ذلك لا يكون إلاّ في ذلك اليوم.[ثمّ ذكر قول أبي السّعود و قال:]

و فيه من ارتكاب خلاف الظّاهر ما فيه،فليتأمّل.

و فسّر بعضهم الإخزاء بما هو من روادف التّعذيب بالنّار،لأنّه الفرد الكامل،و قد قال تعالى: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ... آل عمران:192.

و قيل عليه:أنّ قوله سبحانه: أَيْنَ شُرَكائِيَ...

يأباه،لأنّه قبل دخولهم النّار.

و أجيب بأنّ«الواو»لا تقتضي التّرتيب،و أنت تعلم أنّ الأولى-مع هذا-حمله على مطلق الإذلال،و إضافة الشّركاء إلى نفسه عزّ و جلّ لأدنى ملابسة،بناء على زعمهم:أنّهم شركاء للّه سبحانه عمّا يشركون،فتكون الآية كقوله تعالى: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ القصص:74.

و جوّز أن يكون ما ذكر حكاية منه تعالى لإضافتهم، فإنّهم كانوا يضيفون و يقولون:شركاء اللّه تعالى.و في ذلك زيادة في توبيخهم ليست في:أين أصنامكم؟مثلا لو قيل.و لا يخفى أنّ هذا خزي و إهانة بالقول،فإذا فسّر الإخزاء-فيما تقدّم-بالتّعذيب بالنّار،كانت الآية مشيرة إلى خزيين،فعليّ و قوليّ،و أشير إلى الأوّل أوّلا،لأنّه أنسب بسابقه.(14:126)

ابن عاشور :و ضمير الجمع في قوله تعالى:

يُخْزِيهِمْ عائد إلى ما عاد إليه الضّمير المجرور باللاّم، في قوله تعالى: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ النّحل:24،و ذلك عائد إلى فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ النّحل:22،و(ثم)للتّرتيب الرّتبيّ،فإنّ خزي الآخرة أعظم من استئصال نعيم الدّنيا.

و الخزي:الإهانة،و قد تقدّم عند قوله تعالى: فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا في سورة البقرة:85.

و تقديم الظّرف للاهتمام بيوم القيامة،لأنّه يوم الأحوال الأبديّة،فما فيه من العذاب مهول للسّامعين.

(13:109)

الطّباطبائيّ: ...و المعنى:أنّ اللّه سبحانه سيخزيهم يوم القيامة و يضرب عليهم الذّلّة و الهوان،بقوله:أين شركائي الّذين كنتم تشاقّون أهل الحقّ فيهم و تخاصمونهم،و توجدون الاختلاف في دين اللّه قوله تعالى: قالَ الَّذِينَ.... الخزي:ذلّة الموقف،و السّوء:

العذاب،على ما يفيده السّياق.(12:233)

عبد الكريم الخطيب :الضّمير في يُخْزِيهِمْ

ص: 693

يعود إلى المذكورين في قوله تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ النّحل:26،فهؤلاء الّذين أخذهم اللّه بالبلاء في الدّنيا من الّذين كذّبوا الرّسل لم يوفّوا حسابهم بعد، و أنّهم إذا كانوا قد رموا بهذا العذاب في الدّنيا فإنّ لهم في الآخرة عذابا أنكى و أشدّ.

و إنّ من صور هذا العذاب الّذي ينتظرهم يوم القيامة هو هذا الخزي الّذي يلبسهم،حين يعرضون هذا العرض الفاضح على الملإ،و يسألون هذا السّؤال الّذي يكشف لهم جريمتهم،حين يسألهم الحقّ جلّ و علا أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ثمّ يلتفتون فلا يجدون لهؤلاء الشّركاء أثرا،فيركبهم الكرب،و يعروهم الهمّ و الخزي.(7:287)

فضل اللّه : ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ في موقفهم الحائر الخائف المهزوم أمام هول المحشر،في محضر الخلائق الّذين يشهدون على جرائمهم،و يشاهدون عذابهم،و يتطلّعون إليهم و هم واجمون أمام السّؤال الحاسم الّذي يوجّهه اللّه إليهم،من موقع التّأنيب و التّوبيخ،لما كانوا يعيشونه من انحراف في منطقهم الضّعيف الّذي لم يرتكز على أساس من علم[إلى أن قال:]

قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ النّحل:27،لأنّهم لم يكفروا من حالة شكّ في حقيقة العقيدة في حسابات الحقّ و الباطل، و لكنّهم كفروا من حالة عناد و تمرّد،بعد أن قامت عليهم الحجّة من اللّه،و لذلك فإنّهم يواجهون الخزي في الموقف، في ما يلاقونه من العار،كما يواجهون السّوء،و هو العذاب في ما يواجهونه من عذاب النّار.(13:213)

يخزهم

قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. التّوبة:14

ابن عبّاس: يذلّهم بالهزيمة.(154)

الطّبريّ: يقول:و يذلّهم بالأسر و القهر.(6:332)

مثله الواحديّ(2:481)،و البغويّ(2:322)، و نحوه الزّمخشريّ(2:178)،و النّسفيّ(2:119).

ابن عطيّة: معناه يذلّهم على ذنوبهم.يقال:خزي الرّجل يخزى خزيا،إذا ذلّ من حيث وقع في عار، و أخزاه غيره،و خزي خزاية،إذا استحيا.(3:13)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: وَ يُخْزِهِمْ معناه ما ينزل بهم من الذّلّ و الهوان؛حيث شاهدوا أنفسهم مقهورين في أيدي المؤمنين،ذليلين مهينين.

قال الواحديّ: قوله وَ يُخْزِهِمْ أي بعد قتلكم إيّاهم،و هذا يدلّ على أنّ هذا الإخزاء إنّما وقع بهم في الآخرة،و هذا ضعيف لما بيّنّا أنّ الإخزاء واقع في الدّنيا.

(16:3)

الخازن :[مثل الطّبريّ و أضاف:]

و ينزل بهم الذّلّ و الهوان.(3:54)

نحوه أبو حيّان.(5:17)

أبو السّعود :قتلا و أسرا.(3:129)

الآلوسيّ: و يذلّهم بالأسر.(10:61)

القاسميّ: أي بالأسر و الاسترقاق،فيجتمع في حقّهم العذاب الحسّيّ و المعنويّ.(8:3083)

ص: 694

فضل اللّه:بهزيمتهم المنكرة المنتظرة أمامكم.

(11:47)

لا تخزنى

وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ. الشّعراء:87

ابن عبّاس: لا تعذّبني.(310)

مثله الكلبيّ،و مقاتل.(الواحديّ 3:356)

الطّبريّ: يقول:و لا تذلّني بعقابك إيّاي يوم تبعث عبادك من قبورهم لموقف القيامة.(9:454)

عبد الجبّار:و قوله: وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يدلّ على أنّه جوّز ذلك على اللّه تعالى،و هذا كلّه يدلّ على أنّه يجوز أن يفعل القبيح.

و الجواب عن ذلك:أنّ قوله يَهْدِينِ الشّعراء:

78،المراد به الدّلالة و التّكليف؛و ذلك من فعله تعالى، و قد سلف القول فيه.[إلى أن قال:]

و قوله: وَ لا تُخْزِنِي... فهو على سبيل الانقطاع إلى اللّه تعالى،لا لأنّه جوّز أن يخزيه،لأنّ القول بذلك في المؤمن ليس بمذهب لأحد،فكيف في الأنبياء؟

و قد بيّنّا أنّ الدّاعي إذا دعا و طلب الشّيء لا يدلّ على أنّ ذلك الشّيء يقع على كلّ حال.(2:536)

الطّوسيّ: أي لا تفضحني بذنب،و لا تعيّرني يوم يحشر الخلائق.و الخزي:الفضيحة،و التّعيير بالذّنب ممّا يردع النّفس،يقال:خزي خزيا،و أخزاه اللّه إخزاء، و هذا موقف خزي،و هذا الدّعاء منه عليه السّلام انقطاع منه إلى اللّه تعالى،لأنّا قد بيّنّا أنّ القبائح لا تقع من الأنبياء على حال.(8:34)

نحوه الطّبرسيّ.(4:194)

القشيريّ: أي لا تخجلني بتذكيري خلّتي،فإنّ شهود ما من العبد عند أرباب القلوب و أصحاب الخصوص أشدّ عقوبة.(5:15)

البغويّ: لا تفضحني.(3:471)

الزّمخشريّ: يعني و لا تخزني يوم يبعث الضّالّون و أبي فيهم.(3:118)

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ لا تُخْزِنِي يدلّ على أنّه لا يجب على اللّه تعالى شيء،على ما بيّنّاه في قوله:

وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ الشّعراء:82.

لقائل أن يقول:لمّا قال أوّلا: وَ اجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ الشّعراء:85،و متى حصلت الجنّة امتنع حصول الخزي،فكيف قال بعده: وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ؟ و أيضا فقد قال تعالى: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ النّحل:27،فما كان نصيب الكفّار فقط فكيف يخافه المعصوم؟

جوابه:كما أنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، فكذا درجات الأبرار دركات المقرّبين،و خزي كلّ واحد بما يليق به.(24:150)

القرطبيّ: أي لا تفضحني على رءوس الأشهاد،أو لا تعذّبني يوم القيامة.(13:114)

أبو السّعود : وَ لا تُخْزِنِي بمعاتبتي على ما فرّطت، أو بنقص رتبتي عن بعض الورّاث،أو بتعذيبي لخفاء العاقبة و جواز التّعذيب عقلا،كلّ ذلك مبنيّ على هضم النّفس منه عليه الصّلاة و السّلام،أو بتعذيب والدي أو

ص: 695

ببعثه من عداد الضّالّين بعدم توفيقه للإيمان،و هو من الخزي بمعنى الهوان،أو من الخزاية بمعنى الحياء.

(5:48)

الكاشانيّ: وَ لا تُخْزِنِي بمعاتبتي على ما فرّطت من الخزي بمعنى الهوان،أو من الخزاية بمعنى الحياء.

(4:41)

مثله شبّر.(4:390)

البروسويّ: وَ لا تُخْزِنِي من الخزي بمعنى الهوان و الذّلّ،أي و لا تفضحني و لا تهتك ستري بمعاتبتي على ما فرّطت من ترك الأولى.و إنّما قال ذلك مع علمه بأنّه لا يخزيه إظهارا للعبوديّة و حثّا لغيره على الاقتداء به،كما قال الكاشفيّ:هذا الدّعاء أيضا لتعليم الأمّة و إلاّ ليس على الأنبياء خزي و لا فضيحة؛و ذلك لأنّهم آمنون من خوف الخاتمة و نحوها.و لمّا كانت مغفرة الخطيئة في قوله:

وَ الَّذِي أَطْمَعُ... لا تستلزم ترك المعاتبة،أفرد الدّعاء بتركها بعد ذكر مغفرة الخطيئة. يَوْمَ يُبْعَثُونَ من القبور،أي النّاس كافّة،و إضماره لأنّ البعث عامّ فيدلّ عليه.و قيّد عدم الإخزاء بيوم البعث،لأنّ الدّنيا مظهر اسم السّتّار.(6:287)

الشّوكانيّ: [مثل القرطبيّ و أضاف:]

أو لا تخزني بتعذيب أبي،أو ببعثه في جملة الضّالّين.

و الإخزاء يطلق على الخزي و هو الهوان،و على الخزاية، و هي الحياء.(4:134)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و حيث كانت العاقبة مجهولة و تعذيب من لا ذنب له جائز عقلا،صحّ هذا الطّلب منه عليه السّلام.و قيل:يجوز أن يكون ذلك تعليما لغيره،و هو من الخزي بمعنى الهوان، أو من الخزاية بفتح الخاء بمعنى الحياء.(19:100)

ابن عاشور :أي قطعا لما فيه شائبة الخزي.

(19:157)

مغنيّة:هذا دعاء و مناجاة يتعبّد بها فيما يتعبّد الأنبياء و الصّلحاء.(5:503)

الطّباطبائيّ: الخزي:عدم النّصر ممّن يؤمّل منه النّصر.و الضّمير في(يبعثون)للنّاس و لا يضرّه عدم سبق الذّكر،لكونه معلوما من خارج.

و يعلم من سؤاله عدم الإخزاء يوم القيامة أنّ الإنسان في حاجة إلى النّصر الإلهيّ يومئذ،فهذه البنية الضّعيفة لا تقوم دون الأهوال الّتي تواجهها يوم القيامة إلاّ بنصر و تأييد منه تعالى.(15:287)

مكارم الشّيرازيّ: وَ لا تُخْزِنِي مأخوذ من مادّة«الخزي»على زنة«الحزب»،و كما يقول الرّاغب في «مفرداته»:معناه الخجل و الانكسار الرّوحيّ الّذي يظهر في وجه الإنسان نفسه من الحياء المفرط،أو من جهة الآخرين حين يحرجونه و يخجلونه.و هذا التّعبير من قبل إبراهيم،بالإضافة إلى أنّه درس للآخرين،إنّما هو دليل على منتهى الإحساس بالمسئوليّة و الاعتماد على لطف اللّه العظيم.(11:356)

فضل اللّه : وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ بما تخزي به عبادك الخاطئين الّذين لم يلتزموا التّقوى في إيمانهم و عملهم؛و ذلك بأن تجعلني من المطيعين الّذين إذا أخطئوا فإنّهم لا يفعلون ذلك من موقع التّمرّد و الإصرار،بل من موقع الغفلة و النّسيان،فإذا انتبهوا

ص: 696

عادوا إلى طاعتك.فلا توقفني يا ربّ في مواقف الخزي هناك،عند ما يقوم النّاس لك يوم القيامة.(17:129)

لا تخزون

1- ..فَاتَّقُوا اللّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ. هود:78

ابن عبّاس: لا تفضحوني.(189)

مثله الشّربينيّ.(2:71)

الطّبريّ: يقول:و لا تذلّوني،بأن تركبوا منّي في ضيفي ما يكرهون أن تركبوه منهم.(7:84)

الثّعلبيّ: أي لا تهينوني فيهم بركوبهم و هم لا يركبون،و عجزي من دفعهم عنهم.و قيل:أراد و لا تشهروني بهم.(5:182)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:لا تذلّوني بعار الفضيحة،و يكون الخزي بمعنى الذّلّ.

الثّاني:لا تهلكوني بعواقب فسادكم،و يكون الخزي بمعنى الهلاك.

الثّالث:أنّ معنى الخزي هاهنا الاستحياء،يقال:

خزي الرّجل إذا استحيا.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:489)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:138)

الواحديّ: لا تسوءوني فيهم،و لا تفعلوا بهم فعلا يلزمني الاستحياء منهم.(2:583)

نحوه البغويّ(2:459)،و الخازن(3:200).

الزّمخشريّ: و لا تهينوني و لا تفضحوني من الخزي،أو و لا تخجّلوني من الخزاية،و هي الحياء.

(2:283)

نحوه القرطبيّ(9:77)،و البيضاويّ(1:476)، و النّيسابوريّ(12:48)،و أبو السّعود(3:336).

الفخر الرّازيّ: المسألة الثّانية:في لفظ لا تخزوني وجهان:

الأوّل:قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:لا تفضحوني في أضيافي،يريد أنّهم إذا هجموا على أضيافه بالمكروه لحقته الفضيحة.

و الثّاني:لا تخزوني في ضيفي أي لا تخجلوني فيهم، لأنّ مضيّف الضّيف يلزمه الخجالة من كلّ فعل قبيح يوصل إلى الضّيف،يقال:خزي الرّجل،إذا استحيا.

(18:33)

الآلوسيّ: أي لا تفضحوني في شأنهم،فإنّ إخزاء ضيف الرّجل إخزاء له،أو لا تخجّلوني فيهم؛و المصدر على الأوّل الخزي،و على الثّاني الخزاية.و أصل معنى خزي:لحقه انكسار إمّا من نفسه و هو الحياء المفرط،و إمّا من غيره،و هو الاستخفاف و التّفضيح.(12:107)

فضل اللّه : وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي لأنّ اعتداءكم على ضيوفي يجلب لي الخزي و العار بين النّاس،لأنّني لم أستطع حفظهم من العدوان عليهم بارتكاب الفاحشة معهم،ممّا يفرض عليكم معرفة ظروفي و المحافظة على كرامتي و موقعي،فإذا لم تعترفوا لي بموقع النّبوّة،فلا بدّ على الأقلّ أن تعترفوا بأنّي رجل منكم تتّصل كرامتي بكرامتكم،فما يصيبني من الخزي و العار سيصيبكم.(12:104)

ص: 697

2- إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ* وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ لا تُخْزُونِ. الحجر:68،69

مكارم الشّيرازيّ: وَ لا تُخْزُونِ أمام ضيفي.

و لكنّهم من الوقاحة و الإصرار على الانحراف بحيث صاروا لا يشعرون بالخجل من أنفسهم،راحوا يحاججون لوطا و يحاسبونه،و كأنّه ارتكب جرما في استضافته لهؤلاء القوم قالُوا أَ وَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ باستضافتهم،فلما ذا خالفت أمرنا؟

و كان قوم لوط من البخل بحيث إنّهم لا يحبّون الضّيافة،و كانت مدينتهم على طريق القوافل،و يبرّرون فعلهم القبيح ببعض الواردين،لأجل أن لا ينزل عندهم أحد من القوافل المارّة،و تعارفوا على ذلك حتّى أصبح عندهم عادة.(8:84)

لاحظ النّصوص في الآية السّابقة.

لا تخزنا

رَبَّنا وَ آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ. آل عمران:194

الطّبريّ: وَ لا تُخْزِنا... فتفضحنا بذنوبنا الّتي سلفت منّا،و لكن كفّرها عنّا،و اغفرها لنا.(3:555)

الزّجّاج: أي قد صدّقنا يوم القيامة فلا تخزنا، و المخزى في اللّغة:المذلّ المحقور بأمر قد لزمه بحجّة، و كذلك أخزيته،أي ألزمته حجّة أذللته معها.

(1:500)

الطّوسيّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و الخزي و الانقماع و الارتداع متقاربة المعنى، و الخزاية:شدّة الاستحياء.(3:86)

الواحديّ: أي:لا تفضحنا و لا تهنّا و لا تهلكنا.

(1:535)

نحوه البغويّ(1:557)،و الشّربينيّ(1:276).

ابن عطيّة: و قولهم: وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ...

إشارة إلى قوله تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ التّحريم:8،فهذا وعده تعالى:و هو دالّ على أنّ الخزي إنّما هو مع الخلود.(1:556)

الفخر الرّازيّ: هاهنا سؤال آخر:و هو أنّه متى حصل الثّواب كان اندفاع العقاب لازما لا محالة،فقوله:

آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ طلب للثّواب،فبعد طلب الثّواب كيف طلب ترك العقاب؟و هو قوله: وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ بل لو طلب ترك العقاب أوّلا،ثمّ طلب إيصال الثّواب كان الكلام مستقيما.

و الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّ الثّواب شرطه أن يكون منفعة مقرونة بالتّعظيم و السّرور،فقوله آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ المراد منه المنافع،و قوله وَ لا تُخْزِنا المراد منه التّعظيم.

الثّاني أنّا قد بيّنّا أنّ المقصود من هذه الآية طلب التّوفيق على الطّاعة و العصمة عن المعصية،و على هذا التّقدير يحسن النّظم،كأنّه قيل:وفّقنا للطّاعات،و إذا وفّقنا لها فاعصمنا عمّا يبطلها و يزيلها و يوقعنا في الخزي و الهلاك،و الحاصل كأنّه قيل:وفّقنا لطاعتك فإنّا لا نقدر على شيء من الطّاعات إلاّ بتوفيقك،و إذا وفّقت لفعلها فوفّقنا لاستبقائها فإنّا لا نقدر على استبقائها و استدامتها

ص: 698

إلاّ بتوفيقك،و هو إشارة إلى أنّ العبد لا يمكنه عمل من الأعمال،و لا فعل من الأفعال،و لا لمحة و لا حركة إلاّ بإعانة اللّه و توفيقه.

قوله وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ شبيه بقوله: وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ الزّمر:47،فإنّه ربّما ظنّ الإنسان أنّه على الاعتقاد الحقّ و العمل الصّالح،ثمّ إنّه يوم القيامة يظهر له أنّ اعتقاده كان ضلالا و عمله كان ذنبا،فهناك تحصل الخجالة العظيمة و الحسرة الكاملة و الأسف الشّديد،ثمّ قال حكماء الإسلام:و ذلك هو العذاب الرّوحانيّ.

قالوا:و هذا العذاب أشدّ من العذاب الجسمانيّ،و ممّا يدلّ على هذا أنّه سبحانه حكى عن هؤلاء العباد المؤمنين أنّهم طلبوا في هذا الدّعاء أشياء:فأوّل مطالبهم الاحتراز عن العذاب الجسمانيّ،و هو قوله: فَقِنا عَذابَ النّارِ و آخرها الاحتراز عن العذاب الرّوحانيّ،و هو قوله: وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ و ذلك يدلّ على أنّ العذاب الرّوحانيّ أشدّ من العذاب الجسمانيّ.(9:148)

البيضاويّ: وَ لا تُخْزِنا... بأن تعصمنا عمّا يقتضيه.(1:199)

أبو السّعود : وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ قصدوا بذلك تذكير وعده تعالى بقوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ التّحريم:8،مظهرين أنّهم ممّن آمن معه رجاء للانتظام في سلكهم يومئذ.(2:86)

نحوه القاسميّ.(4:1071)

الآلوسيّ: لاحظ:و ع د:«وعدتنا».(4:165)

رشيد رضا :أي لا تفضحنا و تهتك سترنا يوم القيامة بإدخالنا النّار الّتي يخزى من دخلها،كما تقدّم في الآية الّتي قبل ما قبل هذه.[ثمّ نقل كلام الفخر الرّازيّ عن حكماء الإسلام ثمّ قال:]

و يعنون بالعذاب الرّوحانيّ:الحرمان من الرّضوان الأكبر بكمال العرفان الإلهيّ الّذي ذكره اللّه تعالى في قوله: وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التّوبة:72،و لكن طلب النّجاة من الخزي لا يدلّ على ما ذهبوا إليه.(4:304)

الطّباطبائيّ: و قوله: وَ لا تُخْزِنا أي بإخلاف الوعد،و لذا عقّبه بقوله: إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ.

(4:88)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ التّركيز على«الخزي» يؤكّد مرّة أخرى هذه الحقيقة الهامّة،و هي أنّ هؤلاء بسبب ما يرون لشخصيّتهم من أهمّيّة و احترام يعتبرون«الخزي»من أشدّ ما يلحق بالإنسان من الأذى،و لهذا يركّزون عليه دون سواه،من ألوان العقوبات.(3:49)

فضل اللّه : وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ بالوقوف موقف الذّلّ أمام أعين النّاس،لأنّك لا تخزي التّائبين المنيبين إليك؛و ذلك هو وعدك الحقّ،و أنت أصدق الواعدين.(6:457)

مخزى

فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ

ص: 699

مُعْجِزِي اللّهِ وَ أَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ. التّوبة:2

ابن عبّاس: معذّب الكافرين بعد أربعة أشهر بالقتل.(153)

بالقتل في الدّنيا و العذاب في الآخرة.

(الفخر الرّازيّ 16:220)

مثله البغويّ(2:314)،و الخازن(3:49).

الطّبريّ: يقول:و اعلموا أنّ اللّه مذلّ الكافرين، و مورثهم العار في الدّنيا،و النّار في الآخرة.(6:309)

الزّجّاج: و هذا ضمان من اللّه عزّ و جلّ بنصره المؤمنين على الكافرين.(2:429)

الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:بالسّيف لمن حارب،و الجزية لمن استأمن.

و الثّاني:في الآخرة بالنّار.(2:338)

الطّوسيّ: الإخزاء:الإذلال بما فيه الفضيحة و العار،و الخزي:النّكال الفاضح.(5:199)

نحوه الفخر الرّازيّ(15:220)،و الواحديّ(2:

476).

القشيريّ: و الإشارة فيه:إن أصررتم على قبيح آثاركم سعيتم إلى هلاككم بقدمكم،و ندمتم في عاجلكم على سعيكم،و حصلتم في آجلكم على خسرانكم،و ما خسرتم،إلاّ في صفقتكم،و ما ضرّ جرمكم سواكم.

تبدّلت و تبدّلنا وا حسرتا

من ابتغى عوضا لليلى فلم يجد

(3:6)

البغويّ: أي مذلّهم بالقتل في الدّنيا و العذاب في الآخرة.(2:314)

نحوه الزّمخشريّ(2:173)،و النّسفيّ(2:115)، و القاسميّ(8:3067).

ابن عربيّ: المحجوبين عن الحقّ،بافتضاحهم عند ظهور رتبة ما يعبدون من دون اللّه،و وقوفه معه على النّار.(1:409)

البيضاويّ: بالقتل و الأسر في الدّنيا و العذاب في الآخرة.(1:405)

مثله الشّربينيّ(1:588)،و شبّر(3:50).

النّيسابوريّ: و قوله: مُخْزِي الْكافِرِينَ من باب الالتفات من الحضور إلى الغيبة،و من وضع الظّاهر موضع المضمر،ليكون فيه إشارة إلى أنّ سبب الإخزاء هو الكفر...(10:40)

أبو حيّان :أي مذلّكم في الدّنيا بالقتل و الأسر و النّهب،و في الآخرة بالعذاب.(5:6)

أبو السّعود : وَ أَنَّ اللّهَ وضع الاسم الجليل موضع المضمر،لتربية المهابة و تهويل أمر الإخزاء،و هو الإذلال بما فيه فضيحة و عار. مُخْزِي الْكافِرِينَ أي مخزيكم و مذلّكم في الدّنيا بالقتل و الأسر،و في الآخرة بالعذاب.و إيثار الإظهار على الإضمار لذمّهم بالكفر بعد وصفهم بالإشراك،و للإشعار بأن علّة الإخزاء هي كفرهم.و يجوز أن يكون المراد جنس الكافرين فيدخل فيه المخاطبون دخولا أوّليّا.(3:120)

نحوه الآلوسيّ.(10:46)

ابن عاشور :و كان ذكر اَلْكافِرِينَ إخراجا على خلاف مقتضى الظّاهر،لأنّ مقتضى الظّاهر أن يقول:و أنّ اللّه مخزيكم،و وجه تخريجه على الإظهار

ص: 700

الدّلالة على سببيّة الكفر في الخزي.

و الإخزاء:الإذلال،و الخزي بكسر الخاء:الذّلّ و الهوان،أي مقدّر للكافرين الإذلال بالقتل،و الأسر، و عذاب الآخرة،ما داموا متلبّسين بوصف الكفر.

(10:16)

مغنيّة:بعد إعلان الحرب على المشركين أمهلهم اللّه سبحانه أربعة أشهر يتنقّلون فيها آمنين؛حيث يشاءون لا يمسّهم أحد بسوء،فإن أسلموا بعدها فقد سلموا، و فازوا دنيا و آخرة،و إن أصرّوا على الشّرك فجزاؤهم القتل في الدّنيا،و العذاب الأليم في الآخرة،و لن يجدوا من ذلك مهربا.

و تسأل:أنّ قتال المشرك حتّى ينطق بكلمة التّوحيد،لا يتّفق مع قوله تعالى في الآية:256،من سورة البقرة: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ و قوله في الآية:99،من سورة يونس: أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إنّ الإسلام دين السّلم لا دين الحرب؟

الجواب:أجل،إنّ الإسلام لا يكره أحدا على قول «لا إله إلاّ اللّه»،و إنّما يدعو إليه بالحكمة،و الدّليل وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ الكهف:29.

و لكن قد تستدعي مصلحة المجتمع الإسلاميّ في ظروف خاصّة أن لا يكون فيه مشركون،لأنّهم يسعون في الأرض فسادا،و في هذه الحال يجوز للمسلمين أن يكرهوا المشركين على النّطق بكلمة التّوحيد،و مشركوا الجزيرة العربيّة كانوا آنذاك طابورا خامسا في المجتمع الإسلاميّ الجديد،و من أجل هذا كان الحكم فيهم القتل أو إظهار الإسلام،و به يكون لهم ما للمسلمين،و عليهم ما عليهم.و بكلمة:إنّ الحكم خاصّ بمشركي الجزيرة آنذاك،لسبب خاصّ.(4:10)

الطّباطبائيّ: من إعلامهم أن الأصلح بحالهم رفض الشّرك و الإقبال إلى دين التّوحيد،و موعظتهم أن لا يهلكوا أنفسهم بالاستكبار و التّعرّض للخزي الإلهيّ.

و قد وجّه في الآية الخطاب إليهم بالالتفات من الغيبة إلى الخطاب،لما في توجيه الخطاب القاطع و الإرادة الجازمة إلى الخصم من الدّلالة على بسط الاستيلاء و الظّهور عليه،و استذلاله و استحقار ما عنده من قوّة و شدّة.(9:148)

عبد الكريم الخطيب :هو تحذير للمشركين، و تنبيه لهم أن يأخذوا حذرهم،و أن يقدّروا موقفهم في الرّأي الّذي يرونه لأنفسهم،بعد هذه الأشهر الأربعة، و ليضعوا في حسابهم هاتين الحقيقين:

أولاهما:أنّ اللّه سبحانه و تعالى هو الّذي يطلبهم، و أنّ يد اللّه لا تقصر عنهم في أيّ متّجه اتّجهوا إليه فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ التّوبة:2.

و ثانيتهما:أنّهم إذا انتهى بهم رأيهم إلى اختيار الشّرك الّذي هم عليه،فإنّهم قد اختاروا الخزي و الهوان،لأنّهم حينئذ يكونون حربا على اللّه وَ أَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ. (5:697)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخزي،أي الهوان.يقال:

خزي الرّجل يخزى خزيا و خزى،أي وقع في بليّة و شرّ

ص: 701

و شهرة،فذلّ بذلك و هان،و قد أخزاه اللّه و أقامه على خزية و خزية و مخزاة:إهانة.

و الخزي:الفضيحة،و قد خزي يخزى خزيا،أي افتضح و تحيّر،و أخزيته.و من كلامهم للرّجل إذا أتى بما يستحسن:أخزاه اللّه!أو ما له أخزاه اللّه،و كلامه مخز.

و قصيدة مخزية:نهاية في الحسن،يقال لقائلها:أخزاه اللّه.

و الخزاية:الاستحياء،لأنّ المستحيي يهون إذا فعل قبيحا،يقال:خزي منه يخزى و خزيه خزاية و خزى، فهو خزيان و هي خزيا؛و الجمع:خزايا.

2-و لعلّ هذا الجذر منشعب من«خ ز و»،لأنّ جميع تقاليب«خ ز ي»مهملة،غير أنّ ثلاثة من تقاليب الواويّ مستعملة،و كلاهما غير مستعمل في سائر اللّغات السّاميّة.

و قد جمع ابن فارس«خ ز و»و«خ ز ي»في باب واحد،و جعل لهما أصلين:السّياسة و الإبعاد؛إذ الواو و الياء تتعاقبان في كثير من الموادّ المعتلّة،و تتّحدان في صفة الصّوت،فهما حرفان مجهوران يشبهان الحروف المتوسّطة. (1)

و قد التزم المصطفويّ بأنّ أصله الحالة الحاصلة عقيب البلاء الشّديد،و العذاب الأليم من التّحيّر و اختلال التّفكّر و نحوها،و أنّ ما ذكروه في معنى «الخزي»مثل الهوان،و الفضيحة،و السّوء،و الحياء،كلّها من لوازم تلك الحالة،و استشهد لقوله بأنّ«الخزي»جاء في القرآن في جملة من الآيات،مثل: مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ هود:39،و الزّمر:40،بعد العذاب،و بذلك فرّق بين الخزي و تلك الألفاظ.

و لو سلّم أنّ«الخزي»في القرآن خصّ بما حدث عقيب العذاب،فهذا الدّليل أخصّ من المدّعى!!

و قال الفخر الرّازيّ: «أصل الخزي:الذّلّ و المقت، يقال:أخزاه اللّه إذا مقته و أبعده.و قيل:أصله الاستحياء، فإذا قيل:أخزاه اللّه،كأنّه قيل أوقعه موقعا يستحيا منه».

و الحقّ أنّ ذلك من لوازم الهوان.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا«المضارع»،و«أفعل التّفضيل»كلّ منهما مرّة،و المصدر«خزي»11 مرّة،و مزيدا من الإفعال«الماضي»مرّة،و«المضارع»11 مرّة،و«اسم الفاعل»مرّة،في 25 آية:

1- ...لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى طه:134

2- رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ آل عمران:192

ص: 702


1- تنبعث الحروف العربيّة من الفم بصوتين: المجهور من الأصوات:صوت يتذبذب معه الوتران الصّوتيّان في الحنجرة ذبذبات منتظمة،و الحروف المجهورة تسعة عشر حرفا،يجمعها قولك:ظلّ قوّ ربض إذا غزا جند مطيع. و المهموس من الحروف:غير المجهور،و هو ما يضعف الاعتماد على موضع مخرجه عند النّطق به،و علامته أن يبقى النّفس جاريا عند النّطق به،و الحروف المهموسة عشرة،يجمعها قولك:حثّه شخص فسكت. و الجهر أو الهمس يكون ضعيفا أو متوسّطا أو شديدا.

3- رَبَّنا وَ آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ... آل عمران:194

4- وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ الشّعراء:87

5- فَاتَّقُوا اللّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ هود:78

6- قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ* وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ لا تُخْزُونِ الحجر:68،69

7- قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ

التّوبة:14

8- ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللّهِ وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ الحشر:5

9- ...يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ... التّحريم:8

10 و 11- فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ هود:39 و الزّمر:40

12- سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ هود:93

13- ...وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ* ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ النّحل:26،27

14- ...فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ...

البقرة:85

15- ...ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ المائدة:33

16 و 17- ...لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ البقرة:114،المائدة:41

18- ...فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ التّوبة:63

19- ...كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ يونس:98

20- ...قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ النّحل:27

21- ...لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ الحجّ:9

22- فَأَذاقَهُمُ اللّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الزّمر:26

23- ...لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ فصّلت:16

24- فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ... هود:66

25- ...وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَ أَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ التّوبة:2

يلاحظ أوّلا:أنّ البحث فيها تارة في مجموعها، و أخرى في أفرادها،ففيها محوران:

المحور الأوّل في المجموع و فيه ثلاثة أبحاث:

البحث الأوّل:أنّها صفة ذمّ و عقاب فجاءت مرادفة للذّلّ في(1): مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى، و للعذاب في(7): يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ، و في(10-12): مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ، و في(13):

وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ* ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ، و لأشدّ العذاب في(14): إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ

ص: 703

اَلدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ، و للعذاب العظيم في(15-17): لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ، أو فِي الدُّنْيا خِزْيٌ، و لنار جهنّم و الخلود فيها في(18): فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها و نحوه(2): مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ، و للسّوء في (20): إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ، و لإذاقة عذاب الحريق في(21): لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ، و لإذاقة عذاب الآخرة الأكبر في(22): فَأَذاقَهُمُ اللّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ، و لإذاقة عذاب الآخرة الأخرى في(23): لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى، و للعذاب بيد المؤمنين في(7): يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ.

و لكشف العذاب عنهم في(19): كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ.

و واقعا على الفاسقين في(8): وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ، و على الكافرين في(20): إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ، و(25): وَ أَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ.

و جاء مثبتا للعقوبة و الأذى 16 مرّة،و نافيا لها 7 مرّات،أي قريبا من نصفها.

البحث الثّاني:جاء«الخزي»فيها على أربعة أقسام:

الأوّل:جاء«الخزي»في الدّنيا منفردا 7 مرّات(1 و 5-8 و 19 و 24):واحدة منها(1)جاءت بشأن كفّار مكّة حيث قالوا: فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى و اثنتان منها(5 و 6)جاءتا بشأن هود و ضيفه: وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي، و هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ* وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ لا تُخْزُونِ، و واحدة(19) بشأن قوم يونس: كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، و واحدة(24)بشأن صالح: فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ.

الثّاني:و جاء بشأن الآخرة منفردا عن الدّنيا 7 مرّات أيضا:(2 و 3 و 4 و 9 و 12 و 18 و 20)و من جملتها واحدة(4)بشأن إبراهيم عليه السّلام: وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، و واحدة(9)تنفي الخزي عن النّبيّ و المؤمنين:

يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ.

و اثنتان:(10 و 11): مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ -و هما قول هود و نبيّنا عليهما السّلام- تعدّان من هذا القسم إن كان العذابان فيها كلاهما أخرويّا،و إلاّ فتدخل في القسم الأوّل أو الثّالث،-و هو الظّاهر-لأنّ سياقها سياق آياته فلاحظ.

الثّالث:جاء في الحياة الدّنيا مقابل العذاب في الآخرة 8 مرّات:(13-17 و 21-23)،أو 10 مرّات لو أضيف إليها(10 و 11)و فيه بحوث:

1-جاء بتقديم الخزي على«الدّنيا»مثل: لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا في أربع آيات:(14 و 15 و 22 و 23) و تأخيره عنها مثل: لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ في ثلاث آيات:(16 و 17 و 21).

2-جاء في أربع منها(14 و 19 و 22 و 23) اَلْحَياةِ الدُّنْيا و في أربع أيضا(15-17 و 21)(الدّنيا)

ص: 704

منفردة،و في واحدة(13): وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ، بدل(الدّنيا)فقد أريد بها عذاب الدّنيا بقرينة بعدها: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ.

3-و جاء في ثلاث منها(13 و 14 و 21)(يوم القيمة)،و في ثلاث أيضا(15-17): وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ، و في اثنتين(22 و 23): وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ، أو(اخزى).و في اثنتين أيضا(18) و(21): اَلْخِزْيُ الْعَظِيمُ أو عَذابَ الْحَرِيقِ.

4-و جاءت إذاقة الخزي في الحياة الدّنيا في اثنتين منها(22 و 23): فَأَذاقَهُمُ اللّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، و لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى.

5-و هذه الآية(23)منفردة بالجمع بين العذابين «عذاب الخزي و عذاب الآخرة»بتكرار لفظ«العذاب»، أمّا باقي الآيات فجاء فيها العذاب في الآخرة سوى(13) فجاء في الدّنيا: وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ.

6-جاء«خزي»في الدّنيا نكرة 4 مرّات(14- 17)،و معرفة 4 مرّات أيضا:(19 و 20 و 22 و 23)، و في الآخرة معرفة مرّة(18)،و كلّ من النّكرة و المعرفة يدلّ على التّعظيم و التّكثير بنحو.و لا يخفى أنّ سياق بعضها أشدّ و أعتى من بعض،فلاحظ.

الرّابع:ما يصلح للأقسام الثّلاثة جميعها(25):

وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَ أَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ، و إن كان غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ فيها بالخزي في الدّنيا،و مُخْزِي الْكافِرِينَ بالخزي في الآخرة أمسّ و أنسب.

و ربّما يكون من هذا القبيل نَخْزى في(1)أي في الدّنيا،أو في الآخرة،أو فيهما معا،و قد فسّر بذلك كلّه.

البحث الثّالث:قد فسّروا«الخزي»في الآيات بالهوان،و الذّلّ،و الفضيحة،و الصّغار،و العقوبة، و المقت،و الإبعاد،و الذّمّ العظيم،و التّحقير البالغ،ذلّ يستحيا منه،و الفظاعة بمبلغ لا يكتنه كنهه،ذلّ في النّفس طارئ عليها فجأة لإهانة لحقها أو معرّة صدرت منها أو حيلة و غلبة تمشّت عليها...،و العار،و الشّرّ،و العذاب، و نحوها.

و لا ريب أنّ أكثرها-كما سبق في الأصول اللّغويّة- من لوازم المعنى،و هو الهوان،لا نفسه،كيف و قد جاء مع العذاب في كثير من الآيات،و مع الذّلّ في(1): نَذِلَّ وَ نَخْزى، و مع الفضيحة في(6): فَلا تَفْضَحُونِ و لا تُخْزُونِ، و مع السّوء في(20): إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ.

نعم الظّاهر أنّ الخزي مسبّب من جملة منها كالعذاب،و العقوبة،و المقت،و التّحقير،و الإهانة، و الفضيحة،و سبب لبعضها كالاستحياء و العار.

المحور الثّاني في أفرادها:

أ-في(1)بحثان:

1-قراءة الجمهور: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى معلومين،و قرأهما بعضهم مجهولين و لم يذكرها الطّبريّ، و لا توافق اللّغة إن كانا مجرّدين فإنّ«ذلّ و خزي» حسب مفهومهما لازمان و يتعدّيان ب«أذلّه و أخزاه».

و الظّاهر أنّهما مجهولين يكونان من«الإفعال»،فإنّهما

ص: 705

حينئذ مثل مجرّدهما معلومين.

2-فسّر أكثرهم«الذّلّ و الخزي»فيها بعذاب الآخرة،و الطّبرسيّ بعد أن فسّرها بعذاب جهنّم قال:«و قيل:من قبل أن نذلّ في الدّنيا بالقتل و الأسر،و نخزى في الآخرة بالعذاب».

لكنّ سياق الآية يناسب الذّلّ و الخزي في الدّنيا، حيث دلّت على أنّ اللّه لو أهلكهم في الدّنيا بعذاب من قبل إرسال النّبيّ إليهم،أي إلى كفّار مكّة-و السّورة مكّيّة-لقالوا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك من قبل وقوع الذّلّ و الخزي علينا.و الظّاهر أنّ المراد بهما ذلّ الكفر و خزي الضّلالة الواقعان عليهم في مكّة بعد إرسال النّبيّ إليهم،و لم يقع في مكّة قتل و لا أسر على الكفّار حين ذاك.و من أجل ذلك أدرجنا هذه الآية في قسم«العذاب في الدّنيا»من الأقسام الأربعة.

ب-(2 و 3)،و فيهما بحوث:

1-هاتان الآيتان مدنيّتان من تتمّة آيات تصف أولي الألباب في قوله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ آل عمران:190،ابتداء من اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً، و انتهاء ب فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ آل عمران:191-195.

2-و جاءت فيها خمس نداءات بلفظ رَبَّنا فجاء في الأوليين: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ* رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ، و في الثّالثة و الرّابعة: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً (إلى) مَعَ الْأَبْرارِ، و في الخامسة:

رَبَّنا وَ آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ، فسياق الآيات ليس إنذارا و وعيدا لأهل النّار،بل كلّها رجاء و تمنّي و استدعاء من قبل أولي الألباب الّذين يذكرون اللّه قياما و قعودا أن يقيهم عذاب النّار و خزيه يوم القيامة،و يغفر ذنوبهم، و يكفّر عنهم سيّئاتهم و يتوفّاهم مع الأبرار و يوفي بوعده لهم.

فقد كرّرت(النّار)في الأوليين في جملتين: فَقِنا عَذابَ النّارِ، و مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ، بإضافة العذاب إلى النّار في الأولى،و بدخول النّار في الثّانية،و لم يكتف بضميرها فيقول:«من تدخلها»،كما كرّر وعد اللّه أيضا في الآخرة مرّتين إثباتا للوعد و نفيا للإخلاف: آتِنا ما وَعَدْتَنا... إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ.

و هذا السّياق من أوّله إلى آخره تأكيد و مبالغة و إشباع لحرص أولي الألباب على اكتساب النّجاة و الفلاح عند الحساب.

3-حكى الطّبريّ اختلافهم في اختصاص الآية(2) بمن خلّد في النّار،أو شمولها لمن أخرج منها بعد العذاب فيها،و رجّح الثّاني،بحجّة أنّ مجرّد دخول النّار إخزاء لمن دخلها.و هذا هو الظّاهر،و جوّزهما الطّوسيّ.

4-قال الزّمخشريّ في فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ: «فقد أبلغت في إخزائه،و هو نظير قوله: فَقَدْ فازَ آل عمران:

185،و نحوه في كلامهم:من أدرك مرعى الصّمّان فقد أدرك،و من سبق فلانا فقد سبق»،و هذا استئناس لطيف.

5-و قد اختلفوا فيها-ككثير من آيات الخزي-في

ص: 706

تفسير الخزي بالذّلّ و المهانة و الهلاكة و الفضيحة و الحياء و الإبعاد و نحوها،و هي-كما سبق-تفسير باللاّزم.

6-استدلّ المعتزلة بهذه الآية على رأيهم أنّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن،لأنّه إذا دخل النّار فقد أخزاه اللّه، و المؤمن لا يخزيه اللّه بقوله(9): يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، و أجيب بأنّه لا يخزيهم ما داموا مع النّبيّ،و بأنّ بعضهم خصّ الآية بالمخلّدين في النّار، و بأجوبة أخرى فلاحظ.

7-و عكس المرجئة فاحتجّوا بها على أنّ صاحب الكبيرة لا يدخل النّار،لأنّه مؤمن،و المؤمن لا يدخل النّار و احتجّوا على كونه مؤمنا بآية وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا... الحجرات:9،حيث سمّي الباغي فيها مؤمنا،و البغي من الكبائر بالإجماع.

و للفخر الرّازيّ و غيره أبحاث من هذا القبيل ذيل هذه الآية،فلاحظ.

8-قالوا:عدل فيها عن ذكر إحراقه بالنّار بالخزي بدخولها،لأنّ الخزي عذاب روحانيّ،و هو أشدّ من الجسمانيّ،كما أنّ بعض الفلاسفة احتجّوا بها على أنّ العذاب روحانيّ-تأييدا لقولهم بتجرّد النّفس و بقائها بعد انفصالها عن البدن-و لا دلالة فيها على الحصر، كيف و دخولهم النّار عذاب جسمانيّ؟و قد أطال الآلوسيّ الكلام في ذلك،فلاحظ.

9-هناك فرق بين الخزيين في الآيتين:فقد قرن الخزي في الأولى إيجابا بعذاب النّار،و بدخول النّار، و بأنّ من أصابه الخزي يعدّ من الظّالمين،و بأنّه لا أنصار لهم وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ، و هذه نهاية الخزي و الوهن.

و قرن الخزي في الأخيرة سلبا بيوم القيامة وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ، و بوعد النّجاة مرّتين-كما سبق-و سياق الأولى الخوف من عذابه،و سياق الثّانية رجاء وعده.و شتّان ما بين السّياقين.و هذا نوع من تطوّر الإنذار و التّبشير في القرآن.

10-قال ابن عطيّة في(3): وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ: «إشارة إلى قوله تعالى(9): يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، فهذا وعده تعالى و هو دالّ على أنّ الخزي إنّما هو مع الخلود».

و فيه أوّلا أنّ آيات الخزي إثباتا و نفيا كثيرة،و هذه يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ...، واحدة منها فكيف عدّ وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إشارة إليها بالذّات؟و هذه حكاية حال المؤمنين مع النّبيّ،و تلك حكاية حال أولي الألباب-كما يحكي عنه ما قبلها-و كأنّه طبّق يَوْمَ الْقِيامَةِ على يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ، و هو كذلك، لكن لا وجه للاختصاص،و الحقّ أنّ الثّانية إشارة إلى الأولى الّتي ذكر فيها يَوْمَ الْقِيامَةِ دون العكس.

و ثانيا ليست في يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ دلالة على أنّ الخزي مع الخلود فقط،إلاّ بضميمة آيات أخرى،كما سبق.

11-و للفخر الرّازيّ فيها سؤال:كيف طلب ترك العقاب ب لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ، بعد طلب الثّواب ب آتِنا ما وَعَدْتَنا، فلو عكس الأمر و طلب ترك العقاب أوّلا ثمّ الثّواب ثانيا كان الكلام مستقيما؟

ص: 707

و أجاب عنه بوجهين:

أوّلهما:أنّ شرط الثّواب أن يكون مقرونا بالتّعظيم، و قوله: لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ تعظيم.

و ثانيهما:أنّ المراد بالآية طلب التّوفيق على الطّاعة، و العصمة عن المعصية،و هذا موافق لصدر الآية و ذيلها.

و للآلوسيّ جواب آخر سيأتي.

و الحقّ أنّ هذا من فنون الإنذار و التّبشير و تطوّرهما كما سبق،و لا ضير في تقديم أحدهما على الآخر.

12-و قال أيضا إنّ قوله: لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ شبيه بقوله: وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ الزّمر:47،من حيث دلالتها على أنّ الإنسان ربّما يظنّ أنّ اعتقاده حقّ و عمله صالح،ثمّ يبدو له يوم القيامة خلافهما،و أنّ اعتقاده كان ضلالا،و عمله كان ذنبا و خسارا...

13-و قال أيضا:«إنّ هؤلاء العباد طلبوا في هذا الدّعاء أشياء،أوّلها الاحتراز عن العذاب الجسمانيّ و هو قوله: فَقِنا عَذابَ النّارِ، و آخرها الاحتراز عن العذاب الرّوحانيّ و هو قوله: لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ، و ذلك يدلّ على أنّ العذاب الرّوحانيّ أشدّ من العذاب الجسمانيّ».

و هذا أيضا من تطوّر الإنذار و التّبشير،و لا دلالة له على ما ذكر.

14-حملوا قوله: ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ، على وعده بالثّواب في الآخرة،و لهذا ذكروا وجه تقدّمه على لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ، كما حكينا عن الفخر الرّازيّ.

و احتمل الآلوسيّ فيه الوعد بالنّصر على الأعداء في الدّنيا،و بذلك قد استغنى عمّا ذكره الفخر الرّازيّ في وجه تأخيره.

و عندنا أنّ ما وعده اللّه على لسان رسله هنا هو النّجاة في الآخرة،دون النّصر في الدّنيا الّذي وعده في غيره.و قد أطال الآلوسيّ الكلام فيه،فلاحظ.

15-قد حكى رشيد رضا في«المنار»ما نسبه الفخر الرّازيّ إلى الفلاسفة من أنّ قوله: لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ، دلّ على العذاب الرّوحانيّ،و أنّه أشدّ من العذاب الجسمانيّ،ثمّ قال:«و يعنون بالعذاب الرّوحانيّ:

الحرمان من الرّضوان الأكبر بكمال العرفان الإلهيّ الّذي ذكره اللّه في قوله: ...وَ رِضْوانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التّوبة:72،و لكن طلب النّجاة من الخزي لا يدلّ على ذلك».

16-نبّه المكارم على أنّ هؤلاء المؤمنين بسبب ما يرون لشخصيّتهم من احترام و عظمة،يعتبرون «الخزي»من أشدّ ما يلحق بالإنسان من الأذى،و لهذا ذكروه دون سواه من ألوان العذاب.

و نبّه فضل اللّه على أنّ اللّه لا يخزي التّائبين المنيبين إليه؛و ذلك هو وعده الحقّ،فأرجع لا تُخْزِنا إلى نفس ما وَعَدْتَنا، و لكلّ من الكلامين وجه لطيف.

ج-(4) وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ و فيها بحوث أيضا:

1-هذه من جملة أدعية إبراهيم عليه السّلام: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ* وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ* وَ اجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ* وَ اغْفِرْ لِأَبِي

ص: 708

إِنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ* وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ* يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الشّعراء:83-89.

2-حمل أكثرهم الخزي فيها على الخزي من أجل المعصية و الذّنوب،كما جاء في سائر آيات الخزي في الآخرة.و احتمل بعضهم في خلال ما ذكروه من الوجوه أنّ المراد به الخزي من أجل تعذيب أبيه،فاعتبروها متّصلة بما قبلها: وَ اغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ.

قال الزّمخشريّ:«يعني و لا تخزني يوم يبعث الضّالّون و أبي فيهم».و قال أبو السّعود-و نحوه الآلوسيّ و الشّوكانيّ-:«أو بتعذيب والدي،أو ببعثه من عداد الضّالّين بعدم توفيقه للإيمان».

و هذا وجه لطيف ترتفع به شبهة صدور القبائح عن الأنبياء،كما سيأتي.

3-قال القشيريّ: «أي لا تخجّلني بتذكيري خلّتي، فإنّ شهود ما من العبد عند أرباب القلوب و أصحاب الخصوص أشدّ عقوبة»،و هذا أيضا وجه لطيف خاصّ بأرباب القلوب،يجتمع مع الوجوه العامّة الأخرى.

4-و قال الطّباطبائيّ: «الخزي عدم النّصر ممّن يؤمّل منه النّصر.[إلى أن قال:]

و يعلم من سؤاله عدم الإخزاء يوم القيامة أنّ الإنسان في حاجة إلى النّصر الإلهيّ يومئذ،فهذه البنية الضّعيفة لا تقوم دون الأهوال الّتي تواجهها يوم القيامة إلاّ بنصر و تأييد منه تعالى»،و كأنّه أراد بذلك جواب ما يخطر بالبال من أنّ هذا الخزي ينافي عصمة الأنبياء، ببيان أنّ الأنبياء معصومون بعصمة اللّه إيّاهم لا بأنفسهم.

5-و يظهر من كثير منهم جواب هذا السّؤال من مطاوي كلماتهم،طبقا لمذاهبهم.

فقال عبد الجبّار المعتزليّ سائلا:«هذا كلّه يدلّ على أنّه يجوز أن يفعل القبيح،لأنّ عذاب المعصوم قبيح-إلى أن قال ردّا على السّؤال-قوله: وَ لا تُخْزِنِي فهو على سبيل الانقطاع إلى اللّه تعالى،لا لأنّه جوّز أن يخزيه،لأنّ القول بذلك في المؤمن ليس بمذهب لأحد،فكيف في الأنبياء؟!و قد بيّنّا أنّ الدّاعي إذا دعا و طلب الشّيء لا يدلّ على أنّ ذلك الشّيء يقع على كلّ حال».

و قال الطّوسيّ: «و هذا الدّعاء انقطاع منه إلى اللّه تعالى،لأنّا قد بيّنّا أنّ القبائح لا تقع من الأنبياء على حال».و منه يظهر تأثّره بعبد الجبّار في هذا الكلام.

و قال الفخر الرّازيّ-و هو أشعريّ-قال تعالى (20): إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ، فما كان نصيب الكافر،فكيف يخافه المعصوم؟جوابه:كما أنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين،فكذا درجات الأبرار دركات المقرّبين،و خزي كلّ واحد بما يليق به».

فنرى أنّه لا يركّز على قبح عذاب المعصوم- كالمعتزلة و العدليّة-بل على أنّه ينافي تلك الآية،ثمّ يجيب بما لا يدفع صدور أيّ ذنب عقلا عن الأنبياء.

و قال أبو السّعود-و هو أشعريّ أيضا-:«و لا تخزني بمعاتبتي على ما فرّطت،أو بنقص رتبتي عن بعض الورّاث،أو بتعذيبي لخفاء العاقبة،و جواز التّعذيب عقلا، كلّ ذلك مبنيّ على هضم النّفس منه عليه السّلام».

و قال الآلوسيّ-و هو أشعريّ أيضا-:«...و حيث كانت العاقبة مجهولة،و تعذيب من لا ذنب له جائز عقلا،

ص: 709

صحّ الطّلب منه عليه السّلام.و قيل:يجوز أن يكون ذلك تعليما لغيره».

و قال البروسويّ-و يبدو أنّه على نهج المعتزلة-:

«و لا تفضحني و لا تهتك ستري بمعاتبتي على ما فرّطت من ترك الأولى.و إنّما قال ذلك مع علمه بأنّه لا يخزيه إظهارا للعبوديّة،و حثّا لغيره على الاقتداء به-كما قال الكاشفيّ-:هذا الدّعاء أيضا لتعليم الأمّة،و إلاّ ليس على الأنبياء خزي و لا فضيحة،و ذلك لأنّهم آمنون من خوف الخاتمة و نحوها».

و قال ابن عاشور-و فيه نزعة اعتزاليّة-:«أي قطعا لما فيه شائبة الخزي».

و قال مغنيّة:«هذا دعاء و مناجاة يتعبّد بها فيما يتعبّد الأنبياء».فقد عدّه دعاء،و سكت عن السّؤال.

و قال المكارم:«و هذا التّعبير بالإضافة إلى أنّه درس للآخرين إنّما هو دليل على منتهى الإحساس بالمسئوليّة،و الاعتماد على لطف اللّه العظيم».

و قال فضل اللّه:«...بأن تجعلني من المطيعين الّذين إذا أخطئوا فإنّهم لا يفعلون ذلك من موقع التّمرّد و الإصرار،بل من موقع الغفلة و النّسيان،فإذا انتبهوا عادوا إلى طاعتك...».

فنجدهم جميعا كانوا بصدد الجواب عن شبهة الخلل في العصمة.و الحقّ أنّ عصمة الأنبياء لما كانت بلطف من اللّه تعالى فإنّهم خائفون منه أكثر من غيرهم،و يسألونه الاعتصام،و ليسوا مطمئنّين بأنفسهم.و لا شاهد على عصمتهم زائدا عليه،نعم نحن مطمئنّون باعتصامهم عقلا،و بوعد اللّه إيّاهم نقلا.و لعلّه مراد الطّباطبائيّ فلاحظ.

و إنّ إظهار الذّلّ أمام اللّه من قبل العباد حتّى من الأنبياء عليهم السّلام اعتراف بالعبوديّة،فالعبد كلّما كان أعرف بربّه كان أخوف منه،و في نفس الوقت أرجى منه.

د-و في(5 و 6)بحوث أيضا:

1-جاءتا بشأن لوط و ضيوفه،من الملائكة النّازلين لعذاب قومه،و طمعوا في ارتكاب عملهم القبيح بهؤلاء الضّيوف الأكارم،فمنعهم لوط بقوله في سورة هود:

فَاتَّقُوا اللّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ، و في سورة الحجر: إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ* وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ لا تُخْزُونِ.

2-و الآيتان مكّيّتان-من سورتين مكّيّتين:«هود و الحجر»و هود أوّلهما نزولا-متّحدتان معنى، و مختلفتان سياقا و لفظا،لكنّهما مشتركتان في العناصر الأصليّة،و هي كالآتي.

فاثنتان من تلك العناصر:الأمر بالتّقوى و النّهي عن إخزائه بدء و ختما بلفظ واحد: فَاتَّقُوا اللّهَ وَ لا تُخْزُونِ.

و الثّالثة:التّصريح بأنّ هؤلاء ضيفي بدء و ختما أيضا،ففي(5): وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي، و في(6): إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي، فأتى بجملة مبتدإ بها قبل الأمر و النّهي، كمقدّمة لهما.و هذا أبلغ تقبيحا من وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي، و أصلح منها لتقديمه نزولا.لكنّه قد تدارك هذه المزيّة في هذه أيضا بجملة بعدها أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ، فأوكل التّقبيح على رشد رجل منهم،لا على رشد جميعهم،أي لو كان فيهم رجل رشيد لآنس قبح

ص: 710

عملهم و ردعهم عنه،فكيف لو كانوا راشدين جميعا؟!

و يزيدهما تقبيحا أمران:

أحدهما:سياق الاستفهام التّبكيتيّ و التّحكّميّ، تنبيها لهم على أمر قبيح واضح القباحة.

ثانيهما:استجلابهم إلى الرّشد،و هو الهداية العقليّة و اليقظة الفطريّة الّتي يدرك بها الإنسان الحسن و القبح.

و الرّابعة:التّنبيه على شناعة عملهم في ضيوفه بالغا حدّ الفضاحة،تصريحا في(6): إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ، حيث فرّع النّهي عن فضاحته على كونهم ضيوفه،و تلويحا في(5): وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي

بتحديد إخزائهم إيّاه في ضيوفه،لهذا فسّرها بعضهم ب«لا تفضحوني»تفسيرا باللاّزم،كما يأتي.

3-قالوا في وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي: و لا تفضحوني، و لا تذلّوني،و لا تهينوني،و لا تشهروني،و لا تسوءوني، و لا تخجّلوني،و لا تهلكوني بعواقب فسادكم،و الخزي بمعنى الهلاك.و الخزي هنا:الاستحياء،أي لا تفعلوا بهم فعلا يلزمني الاستحياء منهم،لا تفضحوني من«الخزي»، أو لا تخجّلوني من«الخزاية»و هي الحياء و نحوها.

و أكثرها تفسير باللاّزم.و قال الآلوسيّ: «و أصل معنى خزي:لحقه انكسار:إمّا من نفسه-و هو الحياء المفرط-و إمّا من غيره،و هو الاستخفاف و التّفضيح».

4-ذكروا لاستحياء لوط عليه السّلام من ضيوفه وجهين:

أحدهما:عمل القبيح بهم الّذي يستحيا منه.

ثانيهما:أنّه عجز عن الدّفاع عنهم.ذكره فضل اللّه، و قال:«لأنّ اعتداءكم على ضيوفي يجلب لي الخزي و العار بين النّاس،لأنّي لم أستطع حفظهم من العدوان عليهم بارتكاب الفاحشة معهم،ممّا يفرض عليكم معرفة ظروفي،و المحافظة على كرامتي و موقعي،فإذا لم تعترفوا لي بموقع النّبوّة،فلا بدّ على الأقلّ أن تعترفوا بأنّي رجل منكم تتّصل كرامتي بكرامتكم،فما يصيبني من الخزي و العار يصيبكم».

و هذا وجه لطيف لا ينفي الوجه الأوّل بل يؤيّده.

لكنّ الوجه الأوّل أمسّ بالفضاحة: إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ، و أيضا بسياق الآيات قبلها في«هود»،و بعدها في«الحجر»حيث دعا قومه بدل عمل القبيح بضيوفه إلى النّيل من بناته: قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ، و جاء في الحجر:71 قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.

ه و في(7 و 8)بحوث أيضا:

1-هاتان مدنيّتان نزلتا بعد تشريع حكم القتال،لهذا فسّروا الخزي فيهما بالقتل و الأسر.

فقالوا في(7): قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ -و قد نزلت في مشركي مكّة الّذين نكثوا أيمانهم و عهدهم للنّبيّ بالحديبيّة-:يذلّهم بالهزيمة،و يذلّهم بالأسر و القهر،يذلّهم قتلا و أسرا- و زاد القاسميّ:«بالاسترقاق»،و لا يصحّ بشأن مشركي مكّة،لعدم استرقاقهم بيد المسلمين،بل حدث الاسترقاق في غيرهم من الكفّار-نزل بهم الذّلّ و الهوان بكونهم مقهورين في أيدي المؤمنين،و نحوها.

2-حمل ابن عطيّة«الخزي»فيها على ذنوبهم،فقال:

«معناه يذلّهم على ذنوبهم».و قال الواحديّ:«نخزهم أي

ص: 711

بعد قتلكم إيّاهم»،و كلاهما ظاهر في الخزي في الآخرة، و لا يساعده سياق وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ، حيث قدّم الخزي على النّصرة،و هي حصلت في الدّنيا.

قال فضل اللّه:«بهزيمتكم المنكرة المنتظرة أمامكم».

3-الآية(8): ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللّهِ وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ، نزلت بشأن أموال بني النّضير الّتي وقعت بيد المسلمين بعد جلائهم إلى الشّام.و قد نزلت سورة الحشر بالذّات في هذه الواقعة.

4-و قد جمع اللّه فيها-بعد أمر المسلمين بقتالهم كالنّتيجة للقتال-بين خمسة أمور كلّها من اللّه تعالى:

الأوّل: يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ، فالعذاب من اللّه و سببه أيديكم،و هذا السّياق مشعر بأنّ المؤمنين في عرصة القتال هم أيادي تعذيب اللّه أعداءه،فعظّم اللّه المؤمنين و رفع شأنهم؛حيث اتّخذهم آلة إجراء إرادته تعالى،و هدّد أعداءه حيث سلّط المؤمنين ببسط أيديهم إليهم،و اليد رمز القدرة.

الثّاني: وَ يُخْزِهِمْ و كذلك اتّخذ اللّه المؤمنين آلة لوهن أعدائه،و هو إخزائهم حين القتال،و بعده بأيد المؤمنين.

الثّالث: وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ و النّصرة أيضا فعل اللّه تعالى،كما قال: وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ الأنفال:10،و آل عمران:126.فالقرآن يصرّ على أنّ النّصر من عند اللّه ترغيبا و تشجيعا للمؤمنين،و تشديدا في اتّكالهم على قدرة اللّه المحيطة،و تحذيرا عن اتّكالهم على قدراتهم المحدودة،لئلاّ ييأسوا من النّصر في الحرب.

و قد أكّد القرآن على نصر اللّه للمؤمنين مرّات،كما أكّد على نصر المؤمنين للّه مرّات،و كرّر التّقارن بين النّصرين بمثل: إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكُمْ محمّد:7، وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ الحجّ:40،و كذا...طلب النّصر من اللّه بمثل: وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ آل عمران:147،لاحظ:«ن ص ر».

الرّابع: وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ شفاء صدورهم،حاك عن جرحها حين القتال مع الكافرين بالغضب عليهم،و النّصرة عليهم هي كشفاء صدورهم من تلك الجرح.

الخامس:ما جاء في الآية بعدها: وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ، و هذا تصريح بما حكى عنه«يشف صدورهم»تلويحا،و هو ما اعترض قلوبهم الّتي في صدورهم من الغيظ و الغضب على الكفّار،فنسب الشّفاء إلى الصّدور تعميما،و الغيظ إلى القلوب تخصيصا،و فيهما من حسن التّعبير و لطف التّرسيم،ما لا يخفى.

و-(9)و صدرها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ...، فيها بحوث أيضا:

1-في إعرابها:(يوم)ظرف متعلّق ب يُدْخِلَكُمْ، و وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ عطف على اَلنَّبِيَّ، و قيل:

مبتدأ خبره: نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، أو «لا يخزيهم اللّه»مقدّرا،و هو بعيد.

ص: 712

و(معه)متعلّق ب(آمنوا)نظير مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ الفتح:29،و آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ...، وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ النّمل:44.و المراد أنّهم آمنوا كما آمن الرّسول،لا أنّ زمان إيمانهم مقارن لزمان إيمانه.

و قيل:(معه)متعلّق ب لا يُخْزِي، أي لا يخزي اللّه مع النّبيّ الّذين آمنوا،أو حال من(الّذين)أي كائنين معه،و كلاهما بعيد.

2-قالوا في: لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ... لا يعذّبه، لا يبعده من الخير،لا يذلّهم،و لا يعاقبهم،بل يعزّهم، لا يخزيه بترك شفاعته،و الّذين آمنوا معه،بافتضاحهم بعد ما قبل فيهم شفاعته.و تؤيّده رواية رواها ابن عطيّة:

أنّ النّبيّ تضرّع في أمر أمّته،فأراد اللّه أن يجعل حسابهم إليه،فقال:«يا ربّ أنت أرحم بهم.فقال تعالى:إذا لا أخزيك فيهم».

فقال ابن عاشور:«و في صلة وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ إيذان بأنّ سبب انتفاء الخزي عنهم هو إيمانهم.و معيّة المؤمنين مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صحبتهم معه...و فيها دلالة على المغفرة لجميع أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الّذين آمنوا معه،و لم يرتدّوا بعده،فتكون الآية مؤذنة بفضيلة للصّحابة.

و ذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع الّذين آمنوا لتشريف المؤمنين و لا علاقة له بالتّعريض،أي تعريض وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بأنّ الّذين لم يؤمنوا معه يخزيهم اللّه يوم القيامة».

و قد خصّ الآية بالصّحابة مع أنّ الظّاهر شمولها لكلّ من آمن إلى يوم القيامة.

و قال مغنيّة:«هذا تعريض بأعداء النّبيّ و أنّهم مخزيّون دنيا و آخرة،و إلاّ فمن الّذي يتصوّر أنّ اللّه يخزي محمّدا يوم القيامة،و قد كانت حياته في الدّنيا رحمة للنّاس أجمعين؟».

3-حكى الفخر الرّازي عن المعتزلة أنّهم احتجّوا بها على أنّ أصحاب الكبائر لو كانوا مؤمنين لم نخف عليهم العذاب،و أنّ أهل السّنّة-و هم الأشاعرة-أجابوا بأنّه تعالى وعد أهل الإيمان بأن لا يخزيهم...

ز-الآية(10): مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ توافق الآية(11)لفظا إلاّ أنّها تخالفها سياقا،فقد سبق أنّ تلك جاءت في إنذار نوح عليه السّلام قومه بعذاب في الدّنيا-و قد نزل بهم-أمّا(11) هذه الآية فخطاب إلى المشركين،و قبلها: وَ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ*مَنْ يَأْتِيهِ... -هذه نظير صدر الآية(12)النّازلة في شعيب و قومه-و قد أنذرهم كما سبق بعذاب الدّنيا أيضا-فقد جمع اللّه في هذه الآية و قبلها بين سياقين سبقا بشأن نوح و قومه و شعيب و قومه.و العذاب فيها حسب السّياق هو عذاب الآخرة،كما يشهد به الآيات قبلها و بعدها،إلاّ أنّ المفسّرين حملوها على عذاب المشركين يوم بدر.و قد سبق منّا أيضا أنّ هذه الآية تحتمل الجمع بين عذابي الدّنيا و الآخرة.

ح-و في(10 و 11 و 12 و 19 و 24)بحوث أيضا:

1-هذه خمس آيات و كلّها مكّيّة:ثلاث منها في سورة هود:

إحداها:(10)حكاية إنذار نوح عليه السّلام قومه بالعذاب:

فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ

ص: 713

عَذابٌ مُقِيمٌ.

ثانيتها:(12)حكاية إنذار شعيب قومه بالعذاب:

وَ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ.

ثالثتها:(24)حكاية نجاة صالح المؤمنين معه من العذاب الّذي أنذر قومه به: فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ.

و واحدة منها(11)في سورة الزّمر ممّا أمر اللّه النّبيّ عليه السّلام أن يقول لقومه في مكّة: قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ.

و واحدة منها:(19)-في سورة يونس-حكاية نجاة قوم يونس لمّا آمنوا من العذاب الّذي كان يعترضهم لو لم يؤمنوا: فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ.

فاثنتان منها(19 و 24)حكاية نجاة،و ثلاث حكاية عذاب،و كلّها في الدّنيا،كما هو مصرّح به في الثّالثة اَلْحَياةِ الدُّنْيا، و ظاهر في غيرها.و قد وصف العذاب بالخزي في ثلاث:(10-12): عَذابٌ يُخْزِيهِ، و أضيف إلى«الخزي»مرّة(19): عَذابَ الْخِزْيِ، و أضيف«الخزي»إلى يوم العذاب مرّة(24):

وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ.

2-و نشاهد لونا من الرّقّة و الملاطفة في ناحية النّجاة في الآيتين:(19 و 24)

فجاء في(19): كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ، فجمع اللّه فيها بين عنصري«كشف العذاب عنهم»و«التّمتيع لهم»،كلاهما موهبة منه تعالى لهم.

و جاء في(24): فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ، فقد جمع اللّه فيها بين عنصري النّجاة و الرّحمة،كلاهما موهبة من اللّه لصالح و المؤمنين معه،و لم يصرّح فيها بالعذاب بل جاء بدله خِزْيِ يَوْمِئِذٍ.

3-و نشاهد عكسها تماما من الخشونة و الشّدّة في ناحية العذاب في ثلاث آيات(10-12).ففي(10 و 11): فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ. بتكرار«العذاب»و توصيفه مرّة ب يُخْزِيهِ، و مرّة ب مُقِيمٌ، و الإخبار عنه بمجيئه قطعا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، مرّتين:مرّة بلفظ يَأْتِيهِ، و مرّة بلفظ يَحِلُّ عَلَيْهِ.

و في(12): سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ، بالإخبار بمجيء العذاب قطعا، و بالجمع في ناحية الكافر بين عذاب يخزيه،و توصيفه بالكاذب،و بتقديم الإنذار بالعذاب في صدرها: يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ، و تجديده في ختامها:

وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ، و بالإعلام بمشاركته تعالى معهم في استعجال العذاب بدء و ختما،في كلّ ذلك تشديد و إكبار للعذاب الأخرويّ.

4-و في اختلاف التّعبير و تنوّع السّياق في النّجاة و العذاب-كما شاهدنا نموذجا منه في هذه الآيات-اهتمام بالغ بشأن الإنذار و التّبشير اللّذين هما من أهمّ وظائف

ص: 714

الأنبياء عليهم السّلام،كما قال: وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ الأنعام:48،و الكهف:48.

و أيضا تنسيق لهما حسب استعداد الأمم،و أصناف المخاطبين.و قد بلغ أمر الإنذار و التّبشير في القرآن الكريم مبلغا كبيرا لا مزيد عليه،و قد يعدّ من طرق إعجازه و سبل بلاغته.لاحظ ن ذ ر:«الإنذار»،و ب ش ر:

«التّبشير».

ط-جاء«الخزي»مع العذاب المقيم مرّتين في(11 و 12)،و مع العذاب العظيم مرّتين أيضا في(15 و 16)، و وصف مرّة بالعظيم في(18)،و أريد به جميعا عذاب الآخرة،فإنّه مقيم،أي دائم و عظيم،و قد وصف ب: أَشَدِّ الْعَذابِ في(14)،و ب لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ في(22)،و ب لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى في(23)، و ب عَذابَ الْحَرِيقِ في(21)،و وقع«خزي الدّنيا على الفاسقين»في(8)،و«خزي الآخرة»على الكافرين في (20 و 25).

و يلاحظ ثانيا:هذه 25 آية في«الخزي»:ثلاث عشرة منها مكّيّة،و إحدى عشرة مدنيّة،و واحدة- و هي(21)في سورة الحجّ-مختلف فيها.-لاحظ المدخل:فصل مكّيّ السّور و مدنيّتها-منها سبع خاصّة بالعذاب الدّنيويّ،و الباقي إمّا خاصّ بالآخرة أو مشترك بين الدّنيا و الآخرة.فنرى أنّ الآيات رجّحت الإنذار بالعذاب الأخرويّ على الدّنيويّ في أكثر من ثلاثين من آيات«الخزي».

و ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

1-الذّلّ: فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى طه:134،و آيات أخرى كثيرة.

2-الإقماح: فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ يس:8،آية واحدة.

3-الكبت: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ المجادلة:5،آيتان.

4-الازدراء: وَ لا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً هود:31،آية واحدة.

5-الصّغار: وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ النّمل:37،ستّ آيات.

6-الاستكانة: فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا آل عمران:146،آيتان.

7-الدّخر: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60،أربع آيات.

8-التّضرّع: فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَ لكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ الأنعام:43،سبع آيات.

9-الهون: اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ الأنعام:

93،و آيات أخرى كثيرة.

10-الخفض: خافِضَةٌ رافِعَةٌ الواقعة:3،آية واحدة.

11-الخضوع: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ الشّعراء:4،آيتان.

12-الخشوع: وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ الشّورى:45،خمس آيات.

13-الإذعان: وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ النّور:49،آية واحدة.

14-العنوّ: وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً طه:111،آية واحدة.

ص: 715

ص: 716

خ س أ

اشارة

3 ألفاظ،4 مرّات؛2 مكّيتان،2 مدنيّتان

في 4 سور:3 مكّيّة،1 مدنيّة

اخسئوا 1:1 خاسئين 2:-2

خاسئا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :خسأت الكلب،إذا زجرته.فقلت:اخسأ.

و الخاسئ من الكلاب و الخنازير:المباعد،و جعل اللّه اليهود قردة خاسئين،أي مدحورين،و خسأ الكلب خسوءا.

و يقال:اخسأ عنّي و اخسأ إليك.

و خسأ البصر،أي كلّ و أعيا،يخسأ خسوءا،و منه قوله تعالى: ...خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ الملك:4.

(4:288)

الكسائيّ: يقال:خسأته خسأ،فخسأ خسوءا، مثل:رجعته رجعا فرجع رجوعا.

مثله الفرّاء.(الواحديّ 1:152)

أبو زيد:خسأ بصره خسأ و خسوءا،أي سدر (1).

(الجوهريّ 1:47)

مثله ابن دريد.(3:280)

المبرّد: الخاسئ:المبعد المصغّر.

(الفخر الرّازيّ 30:58)

ابن دريد :خسأت الكلب فخسأ فهو خاسئ كما ترى،أي أبعدته و طردته،و قوله جلّ و عزّ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ البقرة:65،أي مبعدين.و اللّه أعلم.

(3:237)

الأزهريّ: و يقال:خسأته فخسأ،أي أبعدته فبعد.

(7:484)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الخسيّ: نحو الكساء أو الخباء ينسجان من الصّوف.

(4:384)

ص: 717


1- أي تحيّر فلم يحسن الإدراك.

الجوهريّ: خسأت الكلب خسأ:طردته،و خسأ الكلب بنفسه،يتعدّى و لا يتعدّى؛و انخسأ أيضا.

و تخاسأ القوم بالحجارة:تراموا بها.و كانت بينهم مخاسأة.(1:47)

ابن فارس: الخاء و السّين و الهمزة يدلّ على الإبعاد،يقال:خسأت الكلب.و في القرآن: قالَ اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ، المؤمنون:108،كما يقال:ابعدوا.

(2:182)

ابن سيده: الخاسئ من الكلاب و الخنازير و الشّياطين:البعيد الّذي لا يترك أن يدنو من النّاس.

و خسأ الكلب يخسؤه خسأ و خسوءا،فخسأ و انخسأ.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:اخسأ إليك،و اخسأ عنّي.

و قال ابن أبي إسحاق لبكير بن حبيب:ما ألحن في شيء؛فقال:لا تفعل.فقال:خذ عليّ كلمة،فقال:هذه، قل:كلمة.

و مرّت به سنّورة،فقال لها:اخسي،فقيل له:

أخطأت،إنّما هو اخسئي.

و قال أبو مهديّة:اخسأنان عنّي.قال الأصمعيّ: أظنّه يعني الشّياطين.

و خسأ بصره،يخسأ خسأ،و خسوءا:سدر و كلّ و أعيا.و في التّنزيل: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ الملك:4.(5:229)

الواحديّ: الخسء:الطّرد و الإبعاد،يقال:خسأته فخسأ و انخسأ،فهو واقع و مطاوع.[واقع،أي متعدّ، و مطاوع،أي لازم](1:152)

الرّاغب:خسأت الكلب فخسأ،أي زجرته مستهينا به فانزجر؛و ذلك إذا قلت له:اخسأ.قال تعالى في صفة الكفّار: اِخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ المؤمنون:

108،و قال تعالى: فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ البقرة:65،و منه خسأ البصر،أي انقبض عن مهانة، قال: خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ الملك:4.(148)

الزّمخشريّ: خسأ الكلب:طرده فخسأ خسوءا، و كلب خاسئ.

و من المجاز:اخسأ إليك،و اخسأ عنّي اِخْسَؤُا فِيها المؤمنون:108.

و خسأ البصر:كلّ و أعيا يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً الملك:4.

و تخاسئوا بالمجاورة:تراموا بها.

(أساس البلاغة:111)

ابن الأثير: [نحو الجوهريّ و أضاف:]

و يكون الخاسئ بمعنى الصّاغر القميء.(2:31)

الفيروزآباديّ: خسأ الكلب،كمنع:طرده،خسأ و خسوءا،و الكلب بعد كانخسأ و خسئ،و البصر كلّ.

و الخاسئ من الكلاب و الخنازير:المبعد لا يترك أن يدنو من النّاس.

و كأمير:الرّديء من الصّوف.

و خاسئوا و تخاسئوا:تراموا بينهم بالحجارة.(1:14)

الطّريحيّ: و في حديث الدّعاء:«و اخسأ شيطاني» بهمزة وصل،و آخره همزة ساكنة،أي أسكته صاغرا مطرودا،و أبعده عنّي حتّى لا يكون سبيل له عليّ،و اجعله مبعّدا كالكلب المهين.

ص: 718

قيل:و إنّما قال:«شيطاني»لأنّه أراد به قرينه من الجنّ،أو أراد الّذي يبغي غوايته،فأضافه إلى نفسه.

(1:121)

مجمع اللّغة :خسأه يخسؤه خسأ:طرده.

و خسأ هو يخسأ خسوءا و خسئ يخسأ و انخسأ:بعد و انزجر،فهو خاسئ،و هم خاسئون.

و خسأ البصر و خسئ يخسأ:سدر و تحيّر،فهو خاسئ.(1:332)

محمد إسماعيل إبراهيم:خسأ الكلب:زجره و طرده،اخسئوا في النّار،أي ابعدوا و انزجروا،خاسئا:

ذليلا مبعدا متحيّرا؛و جمعه:خاسئون،و خسأ بصره:كلّ و تعب.(1:162)

المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الطّرد مع الإهانة،و أمّا الإبعاد و الزّجر،فمن لوازم هذا الأصل و آثاره.

و أمّا خسأ البصر:فهو أيضا من هذا المعنى،أي الانطراد،إذا كان النّظر بصورة التّدقيق و التّعرّض،فلا يمكن له إدامة النّظر،لنفوذ المنظر و استحكامه و إتقانه.

و أمّا الإعياء و الكلّ،فمن آثار هذا المعنى أيضا.

و بهذا الأصل الثّابت يظهر لطف التّعبير بها في مواردها.[ثمّ ذكر الآيات:]

و لا يخفى التّناسب لفظا و معنى بين هذه المادّة و بين الخسر و الخسّ و الخسق،و يجمعها المحدوديّة و الضّعف.

و لمّا كان استعمال المادّة في القرآن الكريم في مواردها غير متعدّ،فيعلم أنّ اللّغة الفصيحة و الأصل فيها هو اللّزوم.(3:51)

النّصوص التّفسيريّة

اخسئوا

قالَ اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ. المؤمنون:108

ابن عبّاس: اصغروا في النّار.(291)

نحوه الحسن و السّدّيّ.(الماورديّ 4:68)

قتادة :بلغني أنّهم ينادون مالكا،فيقولون:ليقض علينا ربّك.فيسكت عنهم قدر أربعين سنة،ثمّ يقول:

إِنَّكُمْ ماكِثُونَ الزّخرف:77،ثمّ ينادون ربّهم، فيسكت عنهم قدر الدّنيا مرّتين،ثمّ يقول: اِخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ فييأس القوم فلا يتكلّمون بعدها كلمة.(الطّبريّ 9:249)

الخاسئ:السّاكت الّذي لا يتكلّم.

(الماورديّ 4:68)

الطّبريّ: أي اقعدوا في النّار.يقال منه:خسأت فلانا اخسؤه خسأ و خسوءا،و خسئ هو يخسأ،و ما كان خاسئا و لقد خسئ.(9:248)

الزّجّاج: معنى اِخْسَؤُا: تباعدوا تباعد سخط.

يقال خسأت الكلب أخسؤه،إذا زجرته ليتباعد.

(4:24)

السّجستانيّ: أبعدوا،و هو إبعاد بمكروه.(132)

الرّمّانيّ: ابعدوا بعد الكلب.(الماورديّ 4:68)

الطّوسيّ: يعني في النّار، وَ لا تُكَلِّمُونِ أي ابعدوا بعد الكلب.و إذا قيل للكلب:اخسأ،فهو زجر، بمعنى ابعد بعد غيرك من الكلاب.و إذا خوطب به إنسان، فهو إهانة له،و لا يكون ذلك إلاّ عقوبة.

ص: 719

و خسأت فلانا أخسؤه خسأ،فهو خاسئ،إذا أبعدته بمكروه،و منه قوله كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ البقرة:65.

(7:398)

نحوه الطّبرسيّ(4:119)،و ابن جزيّ(3:57).

القشيريّ: عند ذلك يتمّ عليهم البلاء،و يشدّ عليهم العناء،لأنّهم ما داموا يذكرون اللّه لم يحصل الفراق بالكلّيّة،فإذا حيل بينهم و بين ذكره تتمّ لهم المحنة،و هو أحد ما قيل في قوله: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ الأنبياء:103.

و في الخبر:أنّهم ينصرفون بعد ذلك،فإذا لهم عواء كعواء الذّئب.و بعض النّاس تغار من أحوالهم،لأنّ الحقّ يقول لهم: اِخْسَؤُا فِيها فيقولون:يا ليتنا يقول لنا! أ ليس هو يخاطبنا بذلك؟!و هؤلاء يقولون:قدح الأحباب ألذّ من مدح الأجانب.

و ينشدون في هذا المعنى:

أتاني عنك سبّك لي...فسبّي

أ ليس جرى بفيك اسمي؟فحسبي

(4:261)

الميبديّ: أي ابعدوا فيها،كما يقال للكلب إذا طرد:اخسأ.و قيل:معناه انطردوا فيها انطراد الكلاب، و ابعدوا فيها بعد الكلاب.(6:470)

الزّمخشريّ: ذلّوا فيها و انزجروا،كما تنزجر الكلاب إذا زجرت.يقال:خسأ الكلب،و خسأ بنفسه.

(3:44)

مثله الفخر الرّازيّ(23:125)،و نحوه أبو حيّان(6:

423)،و القاسميّ(12:4419)،و النّيسابوريّ(18:

41)و أبو السّعود(4:433)،و شبّر(4:293).

ابن عطيّة: و قوله اِخْسَؤُا زجر يستعمل في زجر الكلاب،و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لابن صيّاد:اخسأ، فلن تعدو قدرك.(4:157)

القرطبيّ: أي ابعدوا في جهنّم،كما يقال للكلب:

اخسأ،أي ابعد.خسأت الكلب خسأ:طردته.و خسأ الكلب بنفسه خسوءا،يتعدّى و لا يتعدّى.

و انخسأ الكلب أيضا.(12:153)

البيضاويّ: اسكتوا سكوت هوان،فإنّها ليست مقام سؤال،من خسأت الكلب،إذا زجرته فخسأ.

(2:115)

نحوه النّسفيّ(3:129)،و الكاشانيّ(3:411)، و البروسويّ(6:109)،و الشّربينيّ(2:592).

الثّعالبيّ: يقال إنّ هذه الكلمة إذا سمعوها يئسوا من كلّ خير،فتنطبق عليهم جهنّم،و يقع اليأس-عافانا اللّه من عذابه بمنّه-و قوله: اِخْسَؤُا زجر،و هو مستعمل في زجر الكلاب.(2:434)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و قال:]أو اسكتوا سكوت هوان،ففيه استعارة مكنيّة قرينتها تصريحيّة.

(18:68)

المراغيّ: أي امكثوا فيها أذلاّء صاغرين و اسكتوا،و لا تعودوا إلى مثل سؤالكم هذا،فإنّه لا رجعة لكم إلى الدّنيا،و إنّما يكلّمني من سمت نفسه إلى عالم الأرواح،و لبس رداء الخوف و الخشية من ربّه،و احتقر الدّنيا و شهواتها،و عزف عنها،لما يرجوه من ربّه من ثواب عميم،و نعيم مقيم.(18:59)

ص: 720

سيّد قطب: اِخْسَؤُا و اسكتوا سكوت الأذلاّء المهينين،فإنّكم لتستحقّون ما أنتم فيه من العذاب الأليم، و الشّقاء المهين.(4:2481)

ابن عاشور :زجر و شتم بأنّهم خاسئون،و معناه عدم استجابة طلبهم.و فعل«خسأ»من باب«منع» و معناه ذلّ.و نهوا عن خطاب اللّه،و المقصود تأييسهم من النّجاة ممّا هم فيه.(18:104)

مغنيّة:و هي كلمة يزجر بها الكلاب،و قد تجلّى فيها غضب اللّه و جبروته.(5:390)

الطّباطبائيّ: [ذكر قول الرّاغب و قال:]

ففي الكلام استعارة بالكناية،و المراد زجرهم بالتّباعد،و قطع الكلام.(15:71)

عبد الكريم الخطيب :أي انزجروا فيها،و أقيموا حيث أنتم،و لا تكلّموا اللّه.فإنّه سبحانه لا يقبل منكم قولا،و لا يجيب لكم سؤلا.(9:1179)

مكارم الشّيرازيّ: و عبارة اِخْسَؤُا الّتي هي فعل أمر،تستعمل لطرد الكلاب،فمتى ما استخدمت للإنسان فإنّها تعني تحقيره و معاقبته.(10:466)

فضل اللّه :إنّه الزّجر الإلهيّ الغاضب الّذي يعبّر عن اشتداد سخط اللّه عليهم،فلا مجال لأيّ كلام بعد أن أقام عليه الحجّة،و أعطاهم كلّ الفرص الّتي لا تترك مجالا لأيّ عذر.(16:203)

خاسئا

ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ. الملك:4

ابن عبّاس: صاغرا ذليلا قبل أن ترى شيئا.

(479)

الخاسئ:الّذي لم ير ما يهوي.

(الفخر الرّازيّ 30:58)

قتادة :أي حاسرا.(الطّبريّ 12:166)

صاغرا.(الطّبريّ 12:166)

مثله الفرّاء.(3:170)

زيد بن عليّ: معناه:مبعدا.(424)

مثله الأخفش.(الماورديّ 6:52)

السّدّيّ: منقطعا.(الماورديّ 6:52)

يحيى بن سلاّم:كليلا.(الماورديّ 6:52)

ابن قتيبة :مبعدا،من قولك:خسأت الكلب،إذا باعدته.(474)

نحوه الفخر الرّازيّ.(30:58)

الطّبريّ: صاغرا مبعدا،من قولهم للكلب:اخسأ إذا طردوه،أي ابعد صاغرا.[إلى أن ذكر قولي قتادة و أضاف:]

و قال بعضهم:الخاسئ و الحسير واحد.(12:165)

نحوه الواحديّ(4:327)،و البغويّ(5:125)، و الخازن(5:37).

الزّجّاج: منصوب على الحال،و معناه صاغرا.

(5:198)

السّجستانيّ: مبعدا،و هو كليل.(194)

الثّعلبيّ: خاشعا ذليلا مبعدا.(9:357)

الشّريف المرتضى:و هذه من الاستعارات المشهورة.و المراد بها-و اللّه أعلم-أي كرّر أيّها النّاظر

ص: 721

بصرك إلى السّماء مفكّرا في عجائبها،و مستنبطا غوامض تركيبها،يرجع إليك بصرك بعيدا ممّا طلبه،ذليلا بفوت ما قدّره.

و الخاسئ في قول قوم:البعيد،من قولهم:خسأت الكلب،إذا أبعدته.و في قول قوم:هو الذّليل.يقال:رجل خاسئ،أي ذليل،و قد خسئ،أي خضع و ذلّ.

(تلخيص البيان:211)

الميبديّ: أي خاشعا صاغرا ذليلا كذلّة من طلب شيئا فأخطأه.(10:172)

الزّمخشريّ: يرجع إليك بالخسوء و الحسور،أي بالبعد عن إصابة الملتمس،كأنّه يطرد عن ذلك طردا بالصّغار و القماءة،و بالإعياء و الكلال لطول الإجالة و التّرديد.

فإن قلت:كيف ينقلب البصر خاسئا حسيرا برجعه كرّتين اثنتين؟

قلت:معنى التّثنية:التّكرير بكثرة،كقولك:«لبّيك و سعديك»تريد إجابات كثيرة بعضها في أثر بعض.

و قولهم في المثل:«دهدرّين سعد القين»من ذلك،أي بعد باطل.(4:135)

ابن عطيّة: الخاسئ:المبعد بذلّ عن شيء أراده و حرص عليه،و منه الكلب الخاسئ،و منه قول النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم لابن صيّاد:«اخسأ فلن تعدو قدرك»،و منه قوله تعالى للكفّار الحريصين على الخروج من جهنّم: اِخْسَؤُا فِيها المؤمنون:108.

و كذلك هنا البصر يحرص على رؤية فطور،أو تفاوت،فلا يجد ذلك،فينقلب خاسئا.(5:338)

الطّبرسيّ: أي يرجع إليك بصرك بعيدا عن نيل المراد،ذليلا صاغرا-عن ابن عبّاس-كأنّه ذلّ كذلّة من طلب شيئا فلم يجده،و أبعد عنه.(5:323)

الفخر الرّازي:قال أهل اللّغة:الخاسئ الصّاغر المبعد المطرود،كالكلب إذا دنا من النّاس قيل له«اخسأ» أي تباعد،و انطرد صاغرا،فليس هذا الموضع من مواضعك.

قال اللّه تعالى: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ الملك:4،يحتمل صاغرا ذليلا ممنوعا عن معاودة النّظر،لأنّه تعالى قال: فَارْجِعِ الْبَصَرَ.

فكأنّه قال:ردّد البصر في السّماء ترديد من يطلب فطورا،فإنّك و إن أكثرت من ذلك لم تجد فطورا،فيرتدّ إليك طرفك ذليلا،كما يرتدّ الخائب بعد طول سعيه في طلب شيء،و لا يظفر به،فإنّه يرجع خائبا صاغرا مطرودا،من حيث كان يقصده من أن يعاوده.

(3:112)

القرطبيّ: أي خاشعا صاغرا متباعدا عن أن يرى شيئا من ذلك.(18:209)

البيضاويّ: بعيدا عن إصابة المطلوب،كأنّه طرد عنه طردا بالصّغار.(2:489)

نحوه النّيسابوريّ(29:7)،و ابن جزيّ(4:134)، و الشّربينيّ(4:339)،و الكاشانيّ(5:201)،و شبّر(6:

250)،و القاسميّ(16:5878).

النّسفيّ: ذليلا أو بعيدا ممّا تريد،و هو حال من اَلْبَصَرَ. (4:274)

ابن كثير :عن أن يرى عيبا أو خللا.(7:69)

ص: 722

أبو السّعود:أي بعيدا محروما من إصابة ما التمسه من العيب و الخلل،كأنّه يطرد عن ذلك طردا بالصّغار و القماءة.(6:275)

نحوه طنطاوي(24:206)،و المراغيّ(29:7).

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

فقوله: يَنْقَلِبْ مجزوم على أنّه جواب الأمر، و خاسِئاً حال من اَلْبَصَرَ و هو مع أنّه اسم فاعل من«خسأ»بمعنى تباعد و هرب،ففيه معنى الصّغار و الذّلّة.فإذا قيل:خسئ الكلب خسوءا،فمعناه تباعد من هوانه و خوفه،كأنّه زجر و طرد عن مكانه الأوّل بالصّغار.

و«خسأ»يجيء متعدّيا أيضا،يقال:خسأت الكلب فخسأ،أي باعدته و طردته و زجرته مستهينا به فانزجر، و ذلك إذا قيل له:اخسأ.[ثمّ ذكر قول الرّاغب و الفيروزآباديّ و قال:]

و لا يكون خاسِئاً في الآية من المتعدّي إلاّ أن يكون بمعنى المفعول،أي مبعدا.(10:80)

الآلوسيّ: يعد إليك البصر محروما من إصابة ما التمسه من إصابة العيب و الخلل،كأنّه طرد عنه طردا بالصّغار،بناء على ما قيل:إنّه مأخوذ من:خسأ الكلب المتعدّي،أي طرده،على أنّه استعارة.

لكن في«الصّحاح»يقال:خسأ بصره خسأ و خسوءا،أي سدر-و السّدر:تحيّر النّظر-فكان تفسير خاسِئاً ب«متحيّرا»-أخذا له من ذلك-أقرب، و كأنّهم اختاروا ما تقدّم،لأنّ فيه مبالغة و بلاغة ظاهرة، مع كونه أبعد عن التّكرار مآلا مع قوله: وَ هُوَ حَسِيرٌ.

(29:7)

عزّة دروزة:ذليلا منكسرا.(6:242)

ابن عاشور :الخاسئ:الخائب،أي الّذي لم يجد ما يطلبه.(29:19)

الطّباطبائيّ: الخاسئ من خسأ البصر،إذا انقبض عن مهانة،كما قال الرّاغب.(19:351)

عبد الكريم الخطيب :أي منزجرا مرتدّا في استخزاء،أمام هذا الجلال الّذي يبهر الأبصار،و يخلب العقول،بعد أن يبلغ به التّعب و الإعياء غايته،و بعد أن يرى الإنسان الّذي حصّل ما حصل من علم الدّارسين المتفحّصين،أنّه ما زال على شاطئ بحر لا نهاية له.

(15:1052)

مكارم الشّيرازيّ: خاسئ من«خسأ و خسوءا» على وزن«مدح و خشوع»،و إذا كان مورد استعمالهما العين،فيقصد بها التّعب و العجز،أمّا إذا استعملت للكلب،فيقصد منها طرده و إبعاده.

حَسِيرٌ من مادّة«حسر»على وزن«قصر» بمعنى جعل الشّيء عاريا،و إذا ما فقد الإنسان قدرته و استطاعته بسبب التّعب،فإنّه يكون عاريا من قواه،لذا فإنّها جاءت بمعنى التّعب و العجز.

و بناء على هذا فإنّ كلمتي(خاسئ)و(حسير) اللّتين وردتا في الآية تعطيان معنى واحدا في تأكيد عجز العين،و بيان عدم مقدرتها على مشاهدة أيّ خلل أو نقص في نظام عالم الوجود.

إلاّ أنّ البعض جعل فرقا بين معنى الكلمتين؛إذ قالوا:إنّ(خاسئ)تعني المحروم و غير الموفّق، و حَسِيرٌ بمعنى العاجز.(18:437)

ص: 723

فضل اللّه:أي يرتدّ البصر إلى صاحبه منقبضا مهينا،لا يملك أيّ شيء جديد في ما أراد أن يكتشفه من الخلل،و هو حاسر،لأنّ الحقيقة الإلهيّة الّتي تحيط الخلق بالكمال من جميع الجهات تفرض نفسها عليه.

(23:15)

خاسئين

1- وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ. البقرة:65

ابن عبّاس: صيروا قردة ذليلين صاغرين.(11)

(خاسئا)،يعني ذليلا.(الطّبريّ 1:374)

مجاهد :صاغرين.(الطّبريّ 1:374)

مثله قتادة.(الطّبريّ 1:374)

مطرودين صاغرين،بلغة كنانة.

مثله قتادة و الرّبيع.(الثّعلبيّ 1:212)

زيد بن عليّ: معناه باعدين عن الخير.(130)

نحوه الطّبرسيّ(1:129)،و الكاشانيّ(1:124)، و المشهديّ(1:267)،و المراغيّ(1:139).

الرّبيع:أي أذلّة صاغرين.(الطّبريّ 1:374)

الطّبريّ: أي مبعدين من الخير أذلاّء،صغراء.

(1:374)

الثّعلبيّ: قال أبو روق:يعني خرسا لا يتكلّمون، دليله قوله عزّ و جلّ: قالَ اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ المؤمنون:108.

و قيل:مبعدين من كلّ خير.(1:213)

الطّوسيّ: أي مبعدون،لأنّ الخاسئ هو المبعد المطرود،كما يخسأ الكلب.[إلى أن ذكر قول مجاهد و قال:]و المعنى قريب.(1:291)

الواحديّ: [حكى قول الكسائيّ المتقدّم في النّصوص اللّغويّة ثمّ قال:]

تقدير الآية:كونوا خاسئين قردة،لأنّه لو لا التّقديم و التّأخير لكان قردة خاسئة.(1:152)

البغويّ: مبعدين مطرودين.قيل:فيه تقديم و تأخير،أي كونوا خاسئين قردة،و لذلك لم يقل خاسئات،و الخسأ:الطّرد و الإبعاد،و هو لازم و متعدّ، يقال:خسأته خسأ فخسأ خسوءا،مثل رجعه رجعا فرجع رجوعا.(1:127)

نحوه الخازن.(1:59)

الزّمخشريّ: قِرَدَةً خاسِئِينَ خبران،أي كونوا جامعين بين القرديّة و الخسوء،و هو الصّغار و الطّرد.

(1:286)

نحوه النّسفيّ(1:53)،و النّيسابوريّ(1:336)، و البروسويّ(1:156)،و طنطاوي(1:75)،و شبّر (1:108).

ابن عطيّة: معناه مبعدين أذلاّء صاغرين،كما يقال للكلب و للمطرود:«اخسأ»تقول:خسأته فخسأ، و موضعه من الإعراب النّصب على الحال،أو على خبر بعد خبر.(1:160)

أبو البركات: خاسِئِينَ فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:أن يكون صفة ل قِرَدَةً.

و الثّاني:أن يكون خبرا بعد خبر.

و الثّالث:أن يكون حالا من الضّمير في

ص: 724

كُونُوا. (1:90)

نحوه العكبريّ.(1:73)

القرطبيّ: [نحو أبي البركات و أضاف:]و معناه:

مبعدين.يقال:خسأته فخسأ،و خسئ،و انخسأ،أي أبعدته فبعد.و قوله تعالى: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً، أي مبعدا.و قوله: اِخْسَؤُا فِيها أي تباعدوا تباعد سخط.(1:443)

أبو حيّان :كلاهما خبر«كان»و المعنى:أنّهم يكونون قد جمعوا بين القردة و الخسوء.

و يجوز أن يكون خاسِئِينَ صفة ل قِرَدَةً، و يجوز أن يكون حالا من اسم كُونُوا و معنى خاسِئِينَ مبعدين.و قال أبو روق:خاسرين،كأنّه فسّر باللاّزم،لأنّ من أبعده اللّه فقد خسر.(1:246)

السّمين:يجوز فيه أربعة أوجه:

أحدها:أن يكونا خبرين،قال الزّمخشريّ:«أي كونوا جامعين بين القردة و الخسوء»،و هذا التّقدير بناء منه على أنّ الخبر لا يتعدّد،فلذلك قدّرهما بمعنى خبر واحد،من باب:«هذا حلو حامض»،و قد تقدّم القول فيه.

الثّاني:أن يكون خاسِئِينَ نعتا ل قِرَدَةً قاله أبو البقاء.و فيه نظر من حيث إنّ القردة غير عقلاء،و هذا جمع العقلاء.

فإن قيل:المخاطبون عقلاء.

فالجواب أنّ ذلك لا يفيد،لأنّ التّقدير عندكم حينئذ:

كونوا مثل قردة من صفتهم الخسوء،و لا تعلّق للمخاطبين بذلك،إلاّ أنّه يمكن أن يقال:إنّهم مشبّهون بالعقلاء،كقوله: لِي ساجِدِينَ يوسف:4،و أَتَيْنا طائِعِينَ يونس:2.

الثّالث:أن يكون حالا من اسم كُونُوا و العامل فيه كُونُوا و هذا عند من يجيز ل«كان»أن تعمل في الظّروف و الأحوال.و فيه خلاف سيأتي تحقيقه عند قوله تعالى: أَ كانَ لِلنّاسِ عَجَباً فصّلت:11،إن شاء اللّه تعالى.

الرّابع:-و هو الأجود-أن يكون حالا من الضّمير المستكنّ في قِرَدَةً، لأنّه في معنى المشتقّ،أي كونوا ممسوخين في هذه الحالة،و جمع«فعل»على«فعلة»قليل لا ينقاس.(1:252)

أبو السّعود :أي جامعين بين صورة القردة و الخسوء،و هو الطّرد و الصّغار.على أنّ خاسِئِينَ نعت ل قِرَدَةً. و قيل:حال من اسم كُونُوا عند من يجيز عمل«كان»في الظّروف و الحال.و قيل:من الضّمير المستكنّ في قِرَدَةً لأنّه في معنى ممسوخين.

و قال مجاهد:ما مسخت صورهم،و لكن قلوبهم فمثّلوا بالقردة كما مثّلوا بالحمار،في قوله تعالى: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً الجمعة:5،و المراد بالأمر بيان سرعة التّكوين،و أنّهم صاروا كذلك كما أراده عزّ و جلّ.

و قرئ (قردة) بفتح القاف و كسر الرّاء و (خاسين) بغير همز.(1:143)

الآلوسيّ: الخسوء:الصّغار و الذّلّة،و يكون متعدّيا و لازما،و منه قولهم للكلب:اخسأ.

و قيل:الخسوء و الخسأ مصدر خسأ الكلب:بعد، و بعضهم ذكر الطّرد عند تفسير الخسوء كالإبعاد،فقيل:

ص: 725

هو لاستيفاء معناه لا لبيان المراد،و إلاّ لكان الخاسئ بمعنى الطّارد.

و التّحقيق أنّه معتبر في المفهوم إلاّ أنّه بالمعنى المبنيّ للمفعول،و كذلك الإبعاد،فالخاسئ:الصّاغر المبعد المطرود.(1:283)

رشيد رضا :الخسوء هو الطّرد و الصّغار.و الأمر للتّكوين:أي فكانوا بحسب سنّة اللّه في طبع الإنسان و أخلاقه كالقردة المستذلّة المطرودة من حضرة النّاس.

و المعنى:أنّ هذا الاعتداء الصّريح لحدود هذه الفريضة قد جرّأهم على المعاصي و المنكرات بلا خجل، و لا حياء،حتّى صار كرام النّاس يحتقرونهم،و لا يرونهم أهلا لمجالستهم و معاملتهم.(1:343)

حسنين مخلوف: خاسِئِينَ: مبعدين عن رحمة اللّه،مطرودين،كما يخسأ الكلب.(32)

عبد الكريم الخطيب :معنى خاسِئِينَ مبعدين،مطرودين من عالم الإنسان،مردودين إلى عالم الحيوان،و إلى فصيلة القردة منه،الّتي هي أعلى مراتب الحيوان،و أوّل مراتب الإنسان الحيوان.(1:95)

فضل اللّه :أي مسخناهم على شكل القردة، و طردناهم و أبعدناهم عن كلّ مواقع الإنسانيّة و الكرامة.

(2:79)

2- كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ الأعراف:166

مثل ما قبلها.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخسوء:الطّرد.يقال:خسأ الكلب يخسؤه خسأ و خسوءا،فخسأ و انخسأ،أي طرده و زجره،فقال له:اخسأ،و خسأ الكلب بنفسه يخسأ خسوءا.

و الخاسئ من الكلاب و الخنازير و الشّياطين:

المطرود،و هو الصّاغر القميء و المبعد أيضا.يقال:اخسأ إليك،و اخسأ عنّي.

و تخاسأ القوم بالحجارة:تراموا بها،و كانت بينهم مخاسأة.

و منه:خسأ بصره يخسأ خسأ و خسوءا،أي سدر و كلّ و أعيا؛لأنّه-كما قال الرّاغب-انقبض عن مهانة.

2-و كان بعض العرب يسهّل الهمزة؛إذ أثر عن بعضهم أنّه زجر سنّورة مرّت به،فقال لها:اخسي،و هو لحن العامّة،و الأصل اخسئي (1).

و نلحظ هذا اللّحن اليوم شائعا في كلام بعض العوامّ.

يقولون:خسي،أي خاب (2).

3-و يخطر بالبال أنّ أصلها خاصّ ب«الكلب»ثمّ توسّعت إلى غيره.و عليه ففي مثل اِخْسَؤُا خطابا إلى النّاس استعارة و تحقير،تشبيها لهم بالكلاب-كما يأتي في النّصوص التّفسيريّة-لكنّهم سكتوا عن هذه النّكتة في النّصوص اللّغويّة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها فعل الأمر مرّة،و اسم الفاعل مفردا مرّة، و جمعا مرّتين،في 4 آيات:

ص: 726


1- انظر مادّة(خ س أ)من اللّسان.
2- محيط المحيط:(خ س أ).

1- قالَ اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ المؤمنون:108

2- ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ الملك:4

3- وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ البقرة:65

4- فَلَمّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ الأعراف:166

يلاحظ أوّلا:أنّ«الخسوء»جاء في(2)وصفا للبصر احتجاجا به لقدرة اللّه تعالى،و في الباقي وصفا للنّاس-توبيخا و تحقيرا-ففيها محوران:

المحور الأوّل:ما هو وصف للنّاس و خطاب إليهم إمّا في الدّنيا طردا و تبعيدا،كما في(3 و 4)فقد جاءتا خطابا إلى اليهود في التّخلّف عن حكم السّبت بلفظ واحد: فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ.

و إمّا في الآخرة-كما في(1)-خطابا إلى أهل النّار حين قالوا: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنّا ظالِمُونَ* قالَ اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ.

أ:و في(1)بحوث:

1-استعير اِخْسَؤُا فيها لزجر الإنسان كناية، لأنّ أصله-كما سبق-لزجر الكلب،و الخطاب لأهل النّار(إذلالا)لهم و إبعادا حتّى ييأسوا من رحمة اللّه.ثمّ أكّد بقوله: وَ لا تُكَلِّمُونِ، أي أنّكم كالكلاب الّتي لا تتكلّم و لا تكلّم أحدا،فابتعدوا عنّي؛إذ لا يليق بي أن أكلّم كلابا.

2-جاء التّعبير عن اِخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ في التّفاسير بتفاوت،مثل:اصغروا في النّار-الخاسئ:

السّاكت الّذي لا يتكلّم-اقعدوا في النّار،تباعدوا تباعد سخط،أبعدوا و هو إبعاد بمكروه،أبعدوا بعد الكلب، أبعدوا في النّار،ذلّوا فيها و انزجروا كما تنزجر الكلاب- زجر يستعمل في زجر الكلاب-اسكتوا سكوت هوان، اخسئوا و اسكتوا سكوت الأذلاّء المهينين،امكثوا فيها أذلاّء صاغرين و اسكتوا،زجر و شتم بأنّهم خاسئون، و معناه عدم استجابة طلبهم،و هي كلمة يزجر بها الكلاب.و قد تجلّى فيها غضب اللّه و جبروته،المراد زجرهم بالتّباعد و قطع الكلام،انزجروا فيها و أقيموا حيث أنتم،و لا تكلّموا اللّه.هي لطرد الكلاب فمتى استخدمت للإنسان،فإنّها تعني تحقيره و معاتبته،إنّه الزّجر الإلهيّ الغاضب الّذي يعبّر عن اشتداد سخط اللّه عليهم.

فنرى أنّهم اتّفقوا على أنّها إهانة و تحقير لهم تشبيها بالكلاب،و ضمّ إليه بعضهم غضب اللّه،كما أنّهم جمعوا فيها بين تفسير الجملتين اِخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ، لكن بعضهم اكتفى بذكر السّكوت،أو فسّر الجملتين به؛ حيث قال:«الخاسئ:السّاكت الّذي لا يتكلّم».

و مع ذلك فهم متّفقون على أنّها نوع كناية.و قد صرّح بعضهم بذلك،فقال الطّباطبائيّ:«ففي الكلام استعارة»،و قال الآلوسيّ:«ففيه استعارة مكنيّة قرينتها تصريحيّة».

3-و نبّه القشيريّ حسب ذوقه العرفانيّ على نكتة، و هي أنّ أهل النّار لمّا يقول لهم اللّه: اِخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ، يقولون:«يا ليتنا يقول لنا!أ ليس هو يخاطبنا بذلك؟!و هؤلاء يقولون:قدح الأحباب ألذّ من مدح

ص: 727

الأجانب،و ينشدون في هذا المعنى:

أتاني عنك سبّك لي...فسبّي

أ ليس جرى بفيك اسمي؟فحسبي»

ب:و في(3 و 4)بحوث أيضا:

1-جاءت الآيتان بنسق واحد في ذمّ بني إسرائيل و مسخهم قردة،مبعدين عن الخلقة الإنسانيّة و عن رحمة اللّه.و أشير إليهم بهذا المعنى في موضع آخر،غير أنّه جعل فيه المسخ قردة و خنازير: وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ وَ عَبَدَ الطّاغُوتَ المائدة:60،و كأنّه أقام فيها لفظ«الخنازير»مقام«خاسئين».

2-و قد فسّروا خاسِئِينَ فيهما ب«ذليلين صاغرين»صاغرين بلغة كنانة،باعدين من الخير، مبعدين من الخير أذلاّء صغراء،مبعدين،لأنّ الخاسئ هو المبعد المطرود كما يخسأ الكلب،مبعدين عن رحمة اللّه مطرودين كما يخسأ الكلب و نحوها.

و قال أبو روق:خاسرين،و كأنّه فسّره باللاّزم،لأنّ من أبعده اللّه فقد خسر.

و قال الخطيب:«مبعدين،مطرودين من عالم الإنسان،مردودين إلى عالم الحيوان،و إلى فصيلة القردة منه الّتي هي أعلى مراتب الحيوان،و أوّل مراتب الإنسان الحيوان!».

و قال فضل اللّه:«أي مسخناهم على شكل القردة، و طردناهم و أبعدناهم عن كلّ مواقع الإنسانيّة و الكرامة».

3-قالوا في كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ تقديم و تأخير، أي كونوا خاسئين قردة؛إذ لولاه لكانت القردة خاسئة، و لقال:«خاسئات».و التّأخير لرعاية الفواصل،فقبلها في(3) اَلْخاسِرِينَ البقرة:64،و بعدها في(4) رَحِيمٌ الأعراف:167،إضافة إلى التّركيز على وحدة السّياق بين الآيتين في عاقبة تخلّفهم عن حكم السّبت،حتّى صارت مثلا شائعا للعاصين جميعا،فيقال:

«صاروا قردة خاسئين».

4-قالوا في موضع إعراب خاسِئِينَ: إنّه نصب على الحال من فاعل كُونُوا، أي كونوا قردة حال كونكم خاسئين.و قد بناه«السّمين»على جواز عمل «كان»في الظّروف،و فيه خلاف.

أو على أنّه خبر بعد خبر ل كُونُوا أي كونوا قردة و كونوا خاسئين،و اختاره الزّمخشريّ و قال:«أي كونوا جامعين بين القردة،و الخسوء و هو الصّغار و الطّرد».

و قد وجّه«السّمين»قول الزّمخشريّ هذا بأنّه مبنيّ على أنّ الخبر لا يتعدّد عنده فقدّرهما خبرا واحدا،من باب«هذا حلو حامض».و هذا خلاف تصريح الزّمخشريّ بأنّهما خبران.

كما دفع«السّمين»كونه صفة ل قِرَدَةً بأنّها غير عقلاء،و هذا جمع العقلاء.و ردّ ما قيل في جوابه:«إنّ المخاطبين عقلاء»بأنّه لا يفيد،لأنّ التّقدير بناء على كونه صفة لها«كونوا مثل قردة من صفتها الخسوء»و لا تعلّق للمخاطبين بذلك إلاّ بتشبيه البقرة بالعقلاء،مثل:

اَلشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ يوسف:4،و أَتَيْنا طائِعِينَ يونس:2،فلاحظ.

و عليه فلا تأخير فيه و لا تقديم،بل فيه إشعار بشدّة

ص: 728

الخسوء،و هي خروجهم عن حدّ الإنسانيّة-كما سبق- و دخولهم في زمرة القردة،أي خسئوا حتّى كادوا أن يخرجوا من ذاك و يدخلوا في هذه،فقدّم السّبب-و هو كونهم قردة-على المسبّب و هو شدّة الخسوء.

و أضاف أبو البركات و أبو البقاء و غيرهما وجها ثالثا، و هو كونه صفة ل قِرَدَةً، و هذا لا يصحّ لما ذكر.نعم على قول الزّمخشريّ:«كونوا جامعين بين القردة و الخسوء»،يوجّه كونه صفة أو حالا لهم و للقردة معا، بتغليب جانب ذوي العقول على غيرهم،فقال:

خاسِئِينَ للجميع بدل«خاسئة»،أو«خاسئات» للقردة فقط.

و أضاف«السّمين»و«أبو السّعود»وجها رابعا،و هو كونه حالا من الضّمير المستكنّ في قِرَدَةً، لأنّه في معنى المشتقّ،أي كونوا مخسوءين.و هذا بعيد جدّا، و تقدير الضّمير في قِرَدَةً -و هي اسم-أبعد.

و العجيب من«السّمين»حيث عدّه الأجود.

و هذا الخلاف ناشئ من توغّلهم في علم النّحو حتّى خرجوا عن المعروف في لغة العرب إلى الشّواذّ.

5-اختلفوا في مسخهم قردة حقيقة كما قال«فضل اللّه»:«أي مسخناهم على شكل القردة...»،أو هو تشبيه كما قال مجاهد:«ما مسخت صورهم،و لكن قلوبهم، فمثّلوا بالقردة كما مثّلوا بالحمار في كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً الجمعة:5،و المراد بالأمر بيان سرعة التّكوين، و أنّهم صاروا كذلك كما أراده اللّه عزّ و جلّ».

و قال رشيد رضا:«و الأمر للتّكوين،أي فكانوا بحسب سنّة اللّه في طبع الإنسان و أخلاقه كالقردة المستذلّة المطرودة من حضرة النّاس...».

و هذا هو الظّاهر المناسق لبلاغة القرآن،إلاّ أنّ ظاهر قوله: وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ المائدة:60، أنّه مسخهم حقيقة لاحظ ق ر د:«قردة».

6-حكى أبو السعود أنّ خاسِئِينَ قرئ (خاسين) بغير همز،و لم يذكرها الطّبريّ.

المحور الثّاني:وصف به البصر في(2) يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ و فيه بحوث أيضا:

1-للمفسّرين فيه تعابير:مثل:صاغرا ذليلا، الخاسئ:الّذي لم ير ما يهوي،خاسرا،مبعدا،منقطعا، كليلا،مبعدا من قولك:خسأت الكلب،إذا باعدته، الخاسئ و الحسير واحد،مبعدا و هو كليل،خاشعا ذليلا مبعدا صاغرا،الخاسئ إمّا البعيد من خسأت الكلب،أو الذّليل من قولهم:رجل خاسئ،أي الذّليل،المبعد بذلّ عن شيء أراده و حرص عليه،يرجع إليك بصرك بعيدا عن نيل المراد،كأنّه ذلّ كذلّة من طلب شيئا فلم يجده و أبعد عنه،بعيدا عن إصابة المطلوب كأنّه طرد عنه طردا بالصّغار،يرجع إليك بالخسوء و الحسور،أي بالبعد عن إصابة الملتمس...،عن أن يرى عيبا أو خللا،بعيدا محروما من إصابة ما التمسه من العيب و الخلل،ذليلا منكسرا،من خسأ البصر،إذا انقبض عن مهانة،منزجرا مرتدّا في استخزاء أمام هذا الجلال الّذي يبهر الأبصار...، منقبضا مهينا لا يملك أيّ شيء جديد،و نحوها.و قد جمع أكثرهم فيها بين البعد و الذّلّة و نحوها في معنى خاسِئاً.

و قد فرّق بعضهم بينهما بأنّه في«البصر»بمعنى

ص: 729

التّعب و العجز،و الانقباض و نحوها،و في الكلب و نحوه بمعنى الطّرد و الإبعاد،و هو الظّاهر من الطّباطبائيّ؛حيث قال استنادا إلى الرّاغب:«الخاسئ:من خسئ البصر،إذا انقبض عن مهانة».

و كذا من الشّريف الرّضيّ؛حيث قال:«الخاسئ في قول قوم:البعيد،من قولهم:خسأت الكلب إذا أبعدته، و في قول قوم هو الذّليل،يقال:رجل خاسئ،أي ذليل، و قد خسئ،أي خضع».

لكنّ الظّاهر أنّها اختلاف في التّعبير لا في المعنى، فرقا بين ذوي الشّعور و ذوات الحياة،مثل الكلب و الإنسان،و بين غيرها كالبصر،فإذا قلنا:بانّ الخسوء في الأصل للكلب و توسّع في غيره،فلا ريب أنّ الإنسان أقرب إليه من البصر،لاشتراكهما في الحياة و الشّعور.

فإتيانه في الإنسان تشبيها بالكلب أوقع و أجلى من البصر،و فيه أبعد و أخفى.

2-و لهم فيه آراء:فقال الشّريف الرّضيّ:«و هذه من الاستعارات المشهورة،و المراد بها-و اللّه أعلم-أي كرّر أيّها النّاظر بصرك إلى السّماء مفكّرا في عجائبها، و مستنبطا غوامض تركيبها،يرجع إليك بصرك بعيدا ممّا طلبه،ذليلا بفوت ما قدّر...».

و قال الزّمخشريّ: «يرجع إليك بالخسوء و الحسور، أي البعد عن إصابة الملتمس،كأنّه يطرد عن ذلك طردا بالصّغار و القماءة،و بالإحياء و الكلال لطول الإجالة و التّرديد»،ثمّ قال:«إن قلت:كيف ينقلب البصر خاسئا حسيرا برجعه كرّتين اثنتين؟

قلت:معنى التّثنية التّكرير بكثرة،كقولك:«لبّيك و سعديك»،تريد إجابات كثيرة بعضها في أثر بعض...».

و قال البروسويّ: «و هو[خاسئا]مع أنّه اسم فاعل من«خسأ»بمعنى تباعد و هرب،ففيه معنى الصّغار و الذّلّة،فإذا قيل:خسئ الكلب خسوءا،فمعناه تباعد من هوانه و خوفه،كأنّه زجر و طرد عن مكانه الأوّل بالصّغار».

و قال الآلوسيّ: «يعد إليك البصر محروما من إصابة ما التمسه من إصابة العيب و الخلل،كأنّه طرد عنه طردا بالصّغار».

و قال الفخر الرّازيّ: «يحتمل صاغرا ذليلا ممنوعا عن معاودة النّظر...فكأنّه قال:ردّد البصر في السّماء- ترديد من يطلب فطورا-فإنّك و إن أكثرت من ذلك لم تجد فطورا،فيرتدّ إليك طرفك ذليلا،كما يرتدّ الخائب بعد طول سعيه...».

3-قد رأينا أنّهم غالبا ذهبوا إلى أنّ خاسِئاً فيها بمعنى مبعدا و ذليلا،و لم يختاروا معنى الكلول و الإعياء، رغم أنّه الأنسب للبصر،و حجّتهم أنّ«الحسير»الّذي يليه هو بهذا المعنى أيضا،فيكون تكرارا له،قال الآلوسيّ:«و كأنّهم اختاروا ما تقدّم،لأنّ فيه مبالغة و بلاغة ظاهرة،مع كونه أبعد عن التّكرار مآلا،مع قوله:

وَ هُوَ حَسِيرٌ».

4-ذكر البروسويّ بعد أن ذكر أنّ«خسأ»يجيء متعدّيا و لازما،مثل«خسأت الكلب فخسأ»أي باعدته فبعد،ثمّ قال:«و لا يكون خاسئا في الآية من المتعدّي إلاّ بأن يكون بمعنى المفعول أي مبعدا».و هذا تكلّف منه فإنّ «خسأ»لم يأت في القرآن إلاّ لازما،كما قال الآلوسيّ:

ص: 730

«كأنّه طرد عنه طردا بالصّغار بناء على ما قيل:إنّه مأخوذ من«خسأ الكلب»المتعدّي...لكن في الصّحاح يقال:«خسأ بصره خسأ و خسوءا،أي سدر،و السّدر:

تحيّر النّظر،فكان تفسير خاسِئاً: متحيّرا».

5-قال البروسويّ في إعراب يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ: يَنْقَلِبْ مجزوم على أنّه جواب الأمر(ارجع)،و خاسِئاً حال من اَلْبَصَرَ في هذه الآية و الّتي قبلها تأكيد و مبالغة كثيرة نفيا للفطور في خلق السّماوات السّبع بصور شتّى حيث قال: اَلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ

و هي:

1-وصف السّماوات بالسّبع تحديدا.

2-وصفها ب طِباقاً لذلك أيضا.

3-تكرار خلقها مرّتين فعلا و مصدرا(خلق،خلق).

4-نفي رؤية التّفاوت في خلقها.

5-تكرار الفطور مرّة بلفظ تَفاوُتٍ و أخرى بلفظ فُطُورٍ مع تكرار(من)فيهما الدّالّة على الشّمول: مِنْ تَفاوُتٍ و مِنْ فُطُورٍ.

6-إضافة خَلَقَ إلى اَلرَّحْمنِ دون اسم آخر من أسماء اللّه،أو إضافته إلى ضميره.و اَلرَّحْمنِ لفظ عامّ لكلّ رحمة،و مشير إلى أنّ الخالق للسّماوات خلقها بكلّ رحمته،و لم يمتنع عن شيء منها،و لم يكتف ببعضها، فهي مخلوقة بكامل رحمته.

7-تكرار فَارْجِعِ الْبَصَرَ مرّتين مع تفريع على ما قبلها مرّة ب«الفاء»و مرّة ب«ثمّ»تسجيلا لرجوع البصر مرّة بعد أخرى وصلا و فصلا و بلا مهلة و معها.

8-تأكيده ب كَرَّتَيْنِ تصريحا بالتّكرار،مرّات، بدل(مرّتين).

9-تكرار اَلْبَصَرَ ثلاث مرّات اهتماما به:مرّتين بعد الأمر بالرّجوع،و مرّة بعد جواب الأمر يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ، مع تأكيد يَنْقَلِبْ على مزيد الحرمان من الفطور.

10-نفي الفطور بجملة الاستفهام هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ بدل«لا ترى من فطور»مرّات،بدل(مرّتين) استدعاء لاعتراف المخاطب بعدم الفطور في السّماوات.

11-تذييلها ب يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً بما فيها من التّأكيد على كلل البصر في رؤيته و خسوئه في عمله.

12-تأكيد على هذه الخسوء ب وَ هُوَ حَسِيرٌ الدّالّ على البعد عن إصابة المطلوب،و الحرمان عن الوصول إلى الملتمس.

و يلاحظ ثانيا:أنّ واحدة من هذه الآيات الأربع- و هي(3)-مدنيّة،و الباقي مكّيّة،و فيها بحثان:

الأوّل:أنّ الخطاب في واحدة من المكّيّات-و هي (2)للنّبيّ عليه السّلام أو لكلّ إنسان تأكيدا على نفي فطور في السّماوات و الأرض،فقد جاء قبلها: اَلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ الملك:3،ثمّ قال: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ فهي احتجاج للتّوحيد و إتقان صنع الصّانع.و ليست ذمّا

ص: 731

و وعيدا.

أمّا الثّلاث الأخرى فهي:إهانة و تحقير و مزيد تهويل و وعيد،مع تفاوت بينها.فإحداها:(1)خطاب لأهل النّار في الآخرة حسب سياق الآيات قبلها.

و اثنتان منها:(3 و 4)تنديد لليهود في الدّنيا.

فقال في(3)-و هي مدنيّة-ذمّا لليهود: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ.

و قال في(4)-و هي مكّيّة-تنديدا لهم أيضا،ابتداء من الآية:163، وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ... و انتهاء إلى:

166، فَلَمّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ.

فالآيتان رغم كون إحداهما مكّيّة و الأخرى مدنيّة، كلتاهما ذمّ و خطاب لليهود في عتوّهم و تخلّفهم عن حكم الصّيد في السّبت بسياق واحد: فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ أو قل:الآيتان حكاية عن مأساة واحدة لهم.

الثّاني:جاء«الخسوء»في الآيات الأربع مع ضميمة كالمرادف له بسياق واحد مؤكّد خطابا أمرا أو نهيا.

فجاء في(1)خلال جملتين أمر و نهي عطفا:

اِخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ.

و جاء في(2)مفردا و خبرا خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ، و هما حالان ل(البصر).

و جاء في(3 و 4)لفظان مفردان خبرين ل(كونوا)،أو حالين-كما سبق-و التّكرار في الآيات الأربع للمبالغة و التّأكيد:في(1)لتأكيد حرمان البصر عن رؤية الفطور في السّماوات،و في الباقي لتأكيد بعد المخاطبين عن رحمة اللّه،و وهنهم.

ثالثا:وردت نظائر للخسوء ذمّا للكافرين أو الشّيطان،كما استعملت أخرى في خصوص الكافرين و المؤمنين،نحو قوله في صرف الكافرين: صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ التّوبة:127،و في صرف المؤمنين: وَ إِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ الأعراف:47.

و في خصوص صدّ الكافرين المؤمنين: وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا المائدة:2.

و في نهي النّبيّ عن طرد المؤمنين: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ الأنعام:

52.و قد ذكرنا سائر نظائر هذه المادّة في(د ح ر) فراجعها.

ص: 732

خ س ر

اشارة

18 لفظا،64 مرّة:44 مكّيّة،20 مدنيّة

في 35 سورة:24 مكّيّة،11 مدنيّة

خسر 7:5-2 الاخسرين 2:2

خسروا 8:7-1 خسرا 1:-1

يخسر 1:1 خسر 1:1

لخاسرون 3:3 خسارا 3:3

الخاسرون 11:5-6 الخسران 2:1-1

خاسرين 5:2-3 يخسرون 1:1

الخاسرين 13:8-5 تخسروا 1:-1

خاسرة 1:1 المخسرين 1:1

الاخسرون 2:2 تخسير 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخسر:النّقصان،و الخسران كذلك، و الفعل:خسر يخسر خسرانا.

و الخاسر:الّذي وضع في تجارته؛و مصدره:الخسارة و الخسر.

كلته و وزنته فأخسرته،أي نقصته.و قوله جلّ و عزّ: وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً الطّلاق:9،أي نقصا.

و صفقة خاسرة،أي غير مربحة.(4:195)

اللّيث:و كرّ كرّة خاسرة،أي غير نافعة.

(الأزهريّ 7:163)

أبو عمرو الشّيبانيّ: إنّه لخاسر الحسب بيّن الخسور،أي ناقص.(1:226)

الخاسر:الّذي ينقص المكيال و الميزان إذا أعطى، و يستزيد إذا أخذ.(الأزهريّ 7:163)

أبو عبيد: خسرت الميزان و أخسرته:نقصته.

(الأزهريّ 7:163)

ابن الأعرابيّ: خسر،إذا نقص ميزانا أو غيره.

و خسر،إذا هلك.(الأزهريّ 7:163)

ابن أبي اليمان :الخسران:النّقصان،من قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ البقرة:27،أي

ص: 733

الهالكون،و قال تعالى: فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ، أي هلكة.(652)

ابن دريد :الخسر و الخسرة و الخسار و الخسارة و الخسران:

الضّلال-و هو الأصل-ثمّ كثر ذلك حتّى قالوا:

خسر التّاجر،إذا وضع من رأس ماله.

و رجل خنسرى في موضع الخسران؛الياء و النّون زائدتان،و سجع من كلامهم:«عليه الدّبرى و حمّى خيبرى فإنّه خنسرى»و قالوا:خيسرى.

و الخناسر:جمع خنسر و هو نحو الخنسرى أيضا، و في معناه،و هم لئام النّاس و رذالهم،قال أبو عثمان الأشنانداني مرّة:الخناسر:الضّعاف من النّاس.[ثمّ استشهد بشعر](2:206)

و خسران من الخسارة.(3:415)

الخسر بالفتح و الخسر بالتّحريك،لغتان في «الخسر».(الصّغانيّ 2:493)

الأزهريّ: يقال:أخسر الرّجل،إذا وافق خسرا في تجارته.(7:163)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و يقولون:حمّى خيبرى و خيسرى،أي أنّها خاسرة.

و الخسروانيّ: اسم الشّراب.(4:260)

الجوهريّ: خسر في البيع خسرا و خسرانا،و هو مثل الفرق و الفرقان.

و خسرت الشّيء بالفتح،و أخسرته:نقصته.

و قوله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الكهف:103،قال الأخفش:واحدهم:

الأخسر،مثل الأكبر.

و التّخسير:الإهلاك.و الخناسير:الهلاّك،لا واحد له.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخسار و الخسارة و الخيسرى:الضّلال و الهلاك.(2:645)

ابن فارس: الخاء و السّين و الرّاء أصل واحد يدلّ على النّقص،فمن ذلك الخسر و الخسران،كالكفر و الكفران،و الفرق و الفرقان.

و يقال:خسرت الميزان و اخسرته،إذا نقصته،و اللّه أعلم.(2:182)

أبو هلال :الفرق بين الوضيعة و الخسران:أنّ الوضيعة:ذهاب رأس المال،و لا يقال لمن ذهب رأس ماله كلّه:قد وضع،و الشّاهد أنّه من الوضع خلاف الرّفع.

و الشّيء إذا وضع لم يذهب،و إنّما قيل:وضع الرّجل، على الاختصار،و المعنى أنّ التّجارة وضعت من رأس ماله،و إذا نفد ماله:وضع،لأنّ الوضع ضدّ الرّفع.

و الخسران:ذهاب رأس ماله،و إذا نقص ماله فقد وضع، لأنّ الوضع ضدّ الرّفع.

و الخسران:ذهاب رأس المال كلّه.ثمّ كثر حتّى سمّي ذهاب بعض رأس المال خسرانا.و قال اللّه تعالى:

خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ الأنعام:12،لأنّهم عدموا الانتفاع بها،فكأنّها هلكت و ذهبت أصلا،فلم يقدر منها على شيء.و أصل الخسران في العربيّة:الهلاك.(252)

ابن سيده: خسر خسرا،و خسرا،و خسرانا،

ص: 734

و خسارة،فهو خاسر،و خسر،كلّه:ضلّ.

و خسر التّاجر:وضع في تجارته أو غبن،و الأوّل هو الأصل.

و رجل خيسرى:خاسر.

و في بعض الأسجاع:«بفيه البرى،و حمّى خيبرى، و شرّ ما يرى،فإنّه خيسرى».و قيل:أراد:«خيسر» فزاد للإتباع.و قيل:لا يقال:«خيسرى»إلاّ في هذا السّجع.

و الخسر،و الخسران:النّقص.و خسر الوزن و الكيل خسرا،و أخسره:نقصه.

و صفقة خاسرة:غير رابحة.

و كرّة خاسرة:غير نافعة.(5:72)

[نحوه و زاد و خسرا،و خسرا،و خسارا...]

أخسر فلان:وقع في الخسران و الكساد.

و أخسره في تجارته:نقيض أربحه.

(الإفصاح 2:1206)

الخسران:الضّلال:خسر ك«ضرب و فرح»، خسرا و خسرانا و خسرا و خسارا و خسارة،فهو خاسر و خسر و خسير.و خسّر فلانا:أبعده عن الخير.(الإفصاح 2:1288)

الرّاغب: الخسر و الخسران:انتقاص رأس المال، و ينسب ذلك إلى الإنسان،فيقال:خسر فلان،و إلى الفعل فيقال:خسرت تجارته،قال تعالى: تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ النّازعات:12.

و يستعمل ذلك في المقتنيات الخارجة كالمال و الجاه في الدّنيا.و هو الأكثر و في المقتنيات النّفسيّة كالصّحّة و السّلامة و العقل و الإيمان و الثّواب،و هو الّذي جعله اللّه تعالى الخسران المبين.[ثمّ ذكر الآيات](147)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:537)

الزّمخشريّ: خسر التّاجر في بيعه خسرانا و خسرا،و تاجر خاسر.و أخسر الميزان و خسّره و خسره:نقصه،و ميزان مخسور.

و أخسر فلان و أكسد:وقع في الخسران و الكساد.

و أخسرت الرّجل:نقيض أربحته.

و قيل ل«سلم»[سلم بن عمرو الصّغانيّ: 293:] الخاسر،لأنّه باع مصحفا ورثه و اشترى بثمنه عودا يضرب به.

و ثوب خسروانيّ و خسرويّ،منسوب إلى «الخسرو»شاه من الأكاسرة.

و من المجاز:خسرت تجارته و ربحت،و تجارة خاسرة و رابحة.

و من لم يطع اللّه فهو خاسر.و قد خسر خسارا و خسارة.

و خسّره سوء عمله:أهلكه.

و تقول:لا يكون الرّاسخ ساخرا،و لا السّاخر إلاّ خاسرا.

و المساخر مخاسر.(أساس البلاغة:110)

الصّغانيّ: الخناسير:الغدر و اللّؤم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخنسير:اللّئيم.

الخسروانيّ: نوع من الشّراب.

و خسراوية:من قرى واسط.(2:493)

ص: 735

الفيّوميّ: خسر في تجارته خسارة بالفتح و خسرا و خسرانا.و يتعدّى بالهمزة،فيقال:أخسرته فيها.

و خسر خسرا و خسرانا أيضا:هلك.

و أخسرت الميزان إخسارا:نقصت الوزن، و خسرته خسرا من باب«ضرب»لغة فيه.

و خسّرت فلانا بالتّثقيل:أبعدته،و خسّرته:نسبته إلى الخسران،مثل كذّبته بالتّثقيل إذا نسبته إلى الكذب، و مثله فسّقته و فجّرته،إذا نسبته إلى هذه الأفعال.

(1:168)

الفيروزآباديّ: خسر كفرح و ضرب،خسرا و خسرا و خسرا و خسرا و خسرانا و خسارة و خسارا:

ضلّ،فهو خاسر و خسير و خيسرى،و التّاجر:وضع في تجارته أو غبن.و الخسر:النّقص كالإخسار و الخسران.

و كرّة خاسرة:غير نافعة.

و الخنسرى:الضّلال و الهلاك،و الغدر و اللّؤم كالخسار و الخسارة و الخناسير.

و الخسروانيّ: شراب و نوع من الثّياب.

و خسراويّة:قرية بواسط.

و خسّره تخسيرا:أهلكه.

و الخاسرة:الضّعاف من النّاس و أهل الخيانة.

و الخنسير:اللّئيم،و الخنسر و الخنسريّ: من هو في موضع الخسران.

و الخناسير:أبوال الوعول على الكلإ و الشّجر.

و سلم بن عمرو الخاسر:لأنّه باع مصحفا و اشترى بثمنه ديوان شعر،أو لأنّه حصلت له أموال فبذّرها.

(2:20)

مجمع اللّغة:1-خسر يخسر خسرا و خسرا و خسارا و خسرانا:أصابه النّقص أو الضّياع في نفسه،أو فيما ينسب إليه من أهل و مال،فهو خاسر،و هي خاسرة، و هم خاسرون.

و أفعل التّفضيل:أخسر،أي أكثر خسرانا،و هم أخسرون.

و خسر نفسه و أهله و ماله يخسرها خسرا:أضاعها و أهلكها،فلم ينتفع بها،و اسم الفاعل:خاسر،و هم خاسرون،و هي خاسرة.

2-اخسر الميزان أو المكيال:أدخل على الكيل أو الوزن النّقص،فهو مخسر،و هم مخسرون.

3-خسّره تخسيرا:جعله يخسر.(1:333)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:162)

العدنانيّ: الخاسر لا الخسران

و يقولون:خرج فلان من تجارته خسران، و الصّواب:خرج خاسرا،لأنّ المعجمات كلّها ليس فيها «خسران».و فعله كما جاء في المتن:خسر التّاجر يخسر خسرا و خسرانا،و خسارة،و في معجم ألفاظ القرآن الكريم:خسارا،و خسرا أيضا.

و قد يأتي«الخاسر»بمعنى الضّالّ و الهالك،و فعله كما جاء في المتن:خسر يخسر،و خسر يخسر خسرا، و خسرا،و خسرا،و خسرا،و خسرانا،و خسارة، و خسارا.

و قد اخترت الفعلين و مصادرهما كما وردا في المتن، لأنّ هنالك اختلافا كبيرا،و تشويشا في المعجمات الأخرى.

ص: 736

و قد ذكر الوسيط أنّ الخاسر هو الّذي ضلّ و هلك، أمّا الّذي خسرت تجارته فقال:إنّه خسر،مع أنّه خاسر أيضا،كما جاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم،و كما قال اللّيث بن سعد،و التّهذيب و الأساس،و اللّسان،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.(189)

محمود شيت:...خسر الحرب:اندحر.

الخسائر:هلاك عدد من الأرواح،و فقد الأسلحة و التّجهيزات...

يقال:خسائر فادحة:كثيرة.خسائر طفيفة:

قليلة.(1:217)

المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو ما يقابل«الرّبح»أي المواضعة في قبال المرابحة.

و أمّا النّقص و الضّلال و الهلاك و الغبن،فكلّ واحد منها قد يصدق و ينطبق على بعض الموارد من هذا المعنى،و قد يكون من آثاره،أو من أسبابه و مقدّماته بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً* اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ الكهف:103،و يعبّر عن هذا المعنى بالفارسيّة بكلمة«زيان»،و هذا المعنى غير مفهوم الضّرر،فالضّرر في مقابل النّفع لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً المائدة:76.

و قلنا:إنّ الخسر نقص كلّيّ في مقابل الرّبح،بخلاف الوضع.

ثمّ إنّ هذا النّوع من النّقص يكون في المال و الأمور المادّيّة،و قد يكون في الأمور النّفسيّة و المعنويّة.فأمّا الأوّل فقد يصدق عليه مفهوم الغبن و النّقص،و أمّا الثّاني فقد ينطبق عليه مفهوم الضّلال و الهلاك.

فالنّقص مفهوم كلّيّ و أعمّ من أن يكون في مقابل ربح أو في ذات الشّيء،و هو في مقابل الزّيادة نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها الرّعد:41.

فحقيقة الخسران هي النّقص المخصوص و مواضعة تامّة في أمر مادّيّ أو معنويّ،و بهذا يظهر لطف التّعبير بهذه المادّة في موارد استعمالها في القرآن الكريم.[ثمّ ذكر الآيات](3:54)

النّصوص التّفسيريّة

خسر-خسرانا

1- ..وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً. النّساء:119

ابن عبّاس: خَسِرَ غبن خُسْراناً مُبِيناً غبنا بيّنا بذهاب الدّنيا و الآخرة.(80)

الطّبريّ: يقول:فقد هلك هلاكا،و بخس نفسه:

حظّها فأوبقها بخسا مُبِيناً، يبين عن عطبه و هلاكه، لأنّ الشّيطان لا يملك له نصرا من اللّه إذا عاقبه على معصيته إيّاه في خلافه أمره،بل يخذله عند حاجته إليه.(4:285)

نحوه الطّوسيّ.(3:335)

الواحديّ: خسر الجنّة و نعيمها.(2:118)

ابن عطيّة: ...و تصوّر الخسران إنّما هو بأن أخذ هذا المتّخذ حظّ الشّيطان،فكأنّه أعطى حظّ اللّه تبارك و تعالى فيه،و تركه من أجله.(2:115)

الطّبرسيّ: مُبِيناً أي ظاهرا،و أيّ خسران أعظم من استبدال الجنّة بالنّار،و أيّ صفقة أخسر من استبدال رضا الشّيطان برضا الرّحمن.(2:113)

ص: 737

نحوه الآلوسيّ.(5:150)

الفخر الرّازيّ: لأنّ طاعة اللّه تفيد المنافع العظيمة الدّائمة،الخالصة عن شوائب الضّرر،و طاعة الشّيطان تفيد المنافع الثّلاثة المنقطعة المشوبة بالغموم و الأحزان و الآلام الغالبة،و الجمع بينهما محال عقلا،فمن رغب في ولايته فقد فاته أشرف المطالب و أجلّها بسبب أخسّ المطالب و أدونها،و لا شكّ أنّ هذا هو الخسار المطلق.(11:50)

القرطبيّ: أي نقص نفسه و غبنها بأن أعطى الشّيطان حقّ اللّه تعالى فيه،و تركه لأجله.(5:395)

البيضاويّ: إذ ضيّع رأس ماله،و بدّل مكانه من الجنّة بمكانه من النّار.(1:245)

مثله الكاشانيّ(1:464)،و البروسويّ(2:289)، و أبو السّعود(2:199).

أبو حيّان :لأنّ من ترك حظّه من اللّه لحظّ الشّيطان فقد خسرت صفقته.(3:354)

الشّربينيّ: مُبِيناً بيّنا لمصيره إلى النّار المؤبّدة عليه.(1:333)

المراغيّ: مُبِيناً ظاهرا في الدّنيا و الآخرة؛إذ إنّه يكون أسير الأوهام و الخرافات،يتخبّط في عمله على غير هدى،و يفوته الانتفاع التّامّ بما وهبه اللّه من العقل و المواهب الكسبيّة الّتي أوتيها الإنسان،و ميّز بها من بين أصناف الحيوان.(5:161)

مغنيّة:حيث يصبح ضحيّة الأهواء و الشّهوات.

و أسير الأوهام و الخرافات.(2:443)

مكارم الشّيرازيّ: فقد ارتكب إثما و ذنبا واضحا.

(3:406)

2- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّهِ حَتّى إِذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها...

الأنعام:31

ابن عبّاس: قد غبن.(108)

مثله البروسويّ.(3:21)

الطّبريّ: قد هلك و وكس في بيعهم الإيمان بالكفر.(5:177)

الثّعلبيّ: وكس و هلك.(4:143)

الواحديّ: إنّما وصفوا بالخسران،لأنّهم باعوا الإيمان بالكفر،فعظم خسرانهم في ذلك البيع.

(2:263)

مثله ابن الجوزيّ.(3:24)

البغويّ: خسروا أنفسهم بتكذيبهم المصير إلى اللّه، و بالبعث بعد الموت.(2:120)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أنّ المقصود من هذه الآية شرح حالة أخرى من أحوال منكري البعث و القيامة، و هي أمران:أحدهما:حصول الخسران،و الثّاني:حمل الأوزار العظيمة.

أمّا النّوع الأوّل-و هو حصول الخسران-فتقريره أنّه تعالى بعث جوهر النّفس النّاطقة القدسيّة[البدن] الجسمانيّ،و أعطاه هذه الآلات الجسمانيّة و الأدوات الجسدانية،و أعطاه العقل و التّفكّر،لأجل أن يتوصّل باستعمال هذه الآلات و الأدوات إلى تحصيل المعارف الحقيقيّة،و الأخلاق الفاضلة الّتي يعظم منافعها بعد الموت،فإذا استعمل الإنسان هذه الآلات و الأدوات، و القوّة العقليّة و القوّة الفكريّة،في تحصيل هذه اللّذّات

ص: 738

الدّائرة،و السّعادات المنقطعة،ثمّ انتهى الإنسان إلى آخر عمره،فقد خسر خسرانا مبينا،لأنّ رأس المال قد فني، و الرّبح الّذي ظنّ أنّه هو المطلوب فني أيضا و انقطع،فلم يبق في يده لا من رأس المال أثر،و لا من الرّبح شيء، فكان هذا هو الخسران المبين.

و هذا الخسران إنّما يحصل لمن كان منكرا للبعث و القيامة...

المسألة الثّانية:المراد من الخسران فوت الثّواب العظيم،و حصول العقاب العظيم.(12:196)

البيضاويّ: إذ فاتهم النّعيم و استوجبوا العذاب المقيم.(1:307)

مثله الكاشانيّ(2:115)،و المشهديّ(3:264).

أبو حيّان :هذا استئناف إخبار من اللّه تعالى عن أحوال منكري البعث و خسرانهم،أنّهم استعاضوا الكفر عن الإيمان،فصار ذلك شبيها بحالة البائع الّذي أخذ و أعطى،و كان ما أخذ من الكفر سببا لهلاكه،و ما أعطاه من الإيمان سببا لنجاته،فأشبه الخاسر في صفقته العادم الرّبح و رأس ماله.(4:110)

ابن عاشور :الخسارة هنا:حرمان خيرات الآخرة لا الدّنيا.(6:64)

3- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ حَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِراءً عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّوا وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ. الأنعام:140

ابن عبّاس: قد غبن.(120)

الطّبريّ: قد هلك.(5:360)

الطّوسيّ: معناه:هلكت نفوسهم باستحقاقهم على ذلك عذاب الأبد.و الخسران:هلاك رأس المال.

(4:317)

مثله الطّبرسيّ.(2:373)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:

المسألة الأولى:أنّه تعالى ذكر فيما تقدّم قتلهم أولادهم و تحريمهم ما رزقهم اللّه.ثمّ إنّه تعالى جمع هذين الأمرين في هذه الآية،و بيّن ما لزمهم على هذا الحكم، و هو الخسران و السّفاهة.و عدم العلم،و تحريم ما رزقهم اللّه،و الافتراء على اللّه،و الضّلال و عدم الاهتداء،فهذه أمور سبعة،و كلّ واحد منها سبب تامّ في حصول الذّمّ.

أمّا الأوّل-و هو الخسران-و ذلك لأنّ الولد نعمة عظيمة من اللّه على العبد،فإذا سعى في إبطاله،فقد خسر خسرانا عظيما.لا سيّما و يستحقّ على ذلك الإبطال الذّمّ العظيم في الدّنيا،و العقاب العظيم في الآخرة.

أمّا الذّمّ في الدّنيا فلأنّ النّاس يقولون:قتل ولده خوفا من أن يأكل طعامه،و ليس في الدّنيا ذمّ أشدّ منه.

و أمّا العقاب في الآخرة،فلأنّ قرابة الولادة أعظم موجبات المحبّة،فمع حصولها إذا أقدم على إلحاق أعظم المضارّ به،كان ذلك أعظم أنواع الذّنوب،فكان موجبا لأعظم أنواع العقاب.(13:209)

الشّربينيّ: سبب هذا الخسران أنّ الولد نعمة عظيمة أنعم اللّه تعالى بها على الوالد،فإذا تسبّب في إزالة هذه النّعمة و إبطالها،فقد استوجب الذّمّ،و خسر في الدّنيا و الآخرة.أمّا خسارته في الدّنيا فقد سعى في نقص عدده، و إزالة ما أنعم اللّه تعالى به عليه.و أمّا خسارته في الآخرة

ص: 739

فقد استوجب بذلك العذاب العظيم.(1:452)

أبو السّعود :أي خسروا دينهم و دنياهم.

(2:451)

الآلوسيّ: أي هلكت نفوسهم باستحقاقهم على ذلك العقاب،أو ذهب دينهم و دنياهم.(8:37)

ابن عاشور :تحقيق الفعل ب(قد)للتّنبيه على أنّ خسرانهم أمر ثابت،فيفيد التّحقيق التّعجيب منهم كيف عموا عمّا هم فيه من خسرانهم.و عن سعيد بن جبير قال ابن عبّاس:«إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثّلاثين و مائة من سورة الأنعام: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ -إلى- وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ» أي من قوله تعالى: وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً الأنعام:136،و جعلها فوق الثّلاثين و مائة تقريبا،و هي في العدّ،السّادسة و الثّلاثون و مائة.

و وصف فعلهم بالخسران،لأنّ حقيقة الخسران نقصان مال التّاجر،و التّاجر قاصد الرّبح-و هو الزّيادة- فإذا خسر فقد باء بعكس ما عمل لأجله.و لذلك كثر في القرآن استعارة«الخسران»لعمل الّذين يعملون طلبا لمرضاة اللّه و ثوابه،فيقعون في غضبه و عقابه،لأنّهم أتعبوا أنفسهم فحصّلوا عكس ما تعبوا لأجله،ذلك أنّ هؤلاء الّذين قتلوا أولادهم قد طلبوا نفع أنفسهم بالتّخلّص من أضرار في الدّنيا محتمل لحاقها بهم من جرّاء بناتهم،فوقعوا في أضرار محقّقة في الدّنيا و في الآخرة،فإنّ النّسل نعمة من اللّه على الوالدين يأنسون به،و يجدونه لكفاية مهمّاتهم،و نعمة على القبيلة تكثر و تعتزّ،و على العالم كلّه بكثرة من يعمره،و بما ينتفع به النّاس من مواهب النّسل و صنائعه،و نعمة على النّسل نفسه بما يناله من نعيم الحياة و ملذّاتها.

و لتلك الفوائد اقتضت حكمة اللّه إيجاد نظام التّناسل،حفظا للنّوع،و تعميرا للعالم،و إظهارا لما في الإنسان من مواهب تنفعه و تنفع قومه.

على ما في عملهم من اعتداء على حقّ البنت الّذي جعله اللّه لها،و هو حقّ الحياة إلى انقضاء الأجل المقدّر لها،و هو حقّ فطريّ لا يملكه الأب،فهو ظلم بيّن لرجاء صلاح لغير المظلوم-و لا يضرّ بأحد-لينتفع غيره.

فلمّا قتل بعض العرب بناتهم بالوأد،كانوا قد عطّلوا مصالح عظيمة محقّقة،و ارتكبوا به أضرارا حاصلة،من حيث أرادوا التّخلّص من أضرار طفيفة غير محقّقة الوقوع،فلا جرم أن كانوا في فعلهم كالتّاجر الّذي أراد الرّبح فباء بضياع أصل ماله،و لأجل ذلك سمّى اللّه فعلهم سَفَهاً لأنّ السّفه:هو خفّة العقل و اضطرابه،و فعلهم ذلك سفه محض،و أيّ سفه أعظم من إضاعة مصالح جمّة، و ارتكاب أضرار عظيمة و جناية شنيعة،لأجل التّخلّص من أضرار طفيفة قد تحصل و قد لا تحصل.

و تعريف المسند إليه بالموصوليّة للإيماء إلى أنّ الصّلة علّة في الخبر،فإنّ خسرانهم مسبّب عن قتل أولادهم.(7:85)

مغنيّة:أمّا خسارتهم في الدّنيا فتتمثّل في قتل أولادهم.و فساد حياتهم الاجتماعيّة،و خسارتهم في الآخرة أدهى و أمرّ.(3:271)

الطّباطبائيّ: ردّ لما حكى عنهم في الآيات السّابقة

ص: 740

من الأحكام المفتراة و هي قتل الأولاد و تحريم أصناف من الأنعام و الحرث،و ذكر أنّ ذلك منهم خسران و ضلال من غير اهتداء.

و قد وصف قتل الأولاد بأنّه سفه بغير علم،و كذلك بدّل الأنعام و الحرث من قوله: مِمّا رَزَقَهُمُ اللّهُ و وصف تحريمها بأنّه افتراء على اللّه ليكون في ذلك تنبيه كالتّعليل على خسرانهم في ذلك،كأنّه قيل:خسروا في قتلهم أولادهم،لأنّهم سفهوا به سفها بغير علم،و خسروا في تحريمهم أصنافا من الأنعام،و الحرث افتراء على اللّه، لأنّها من رزق اللّه،و حاشاه تعالى أن يرزقهم شيئا ثمّ يحرّمه عليهم.(7:362)

مكارم الشّيرازيّ: عملهم وصف هنا:بأنّه خسران بالمناظر الإنسانيّ و الأخلاقيّ،و بالمناظر العاطفيّ و الاجتماعيّ،و الخسارة الكبرى هي الخسارة المعنويّة في العالم الآخر: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ، في هذه الآية يعبّر عملهم أوّلا خسرانا،ثمّ سفاهة و خفّة عقل،ثمّ جهلا،و كلّ صفة من هذه الصّفات الثّلاث كافية لإظهار قبح أعمالهم،فأيّ عقل يجيز للأب أن يقتل أولاده بيده؟(4:445)

و فيها بحوث راجع س ف ه:«سفها».

4- ..قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّهِ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ. يونس:45

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى بأنّ الّذين كذّبوا بالبعث و النّشور و لقاء ثواب اللّه و لقاء عقابه يخسرون نفوسهم.

و الخسران:ذهاب رأس المال،فالنّفس أكبر من رأس المال.(5:443)

الزّمخشريّ: قَدْ خَسِرَ على إرادة القول،أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك،أو هي شهادة من اللّه تعالى على خسرانهم.و المعنى:أنّهم وضعوا في تجارتهم و بيعهم الإيمان بالكفر. وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ للتّجارة عارفين بها،و هو استئناف فيه معنى التّعجّب،كأنّه قيل:ما أخسرهم!(2:239)

مثله النّسفيّ.(2:165)

ابن عطيّة: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ... حكم على المكذّبين بالخسار،و في اللّفظ إغلاظ على المحشورين من إظهار لما هم عليه من الغرر مع اللّه تعالى.و هذا على أنّ الكلام إخبار من اللّه تعالى.و قيل:إنّه من كلام المحشورين على جهة التّوبيخ لأنفسهم.(3:123)

الفخر الرّازيّ: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّهِ فيه وجهان:

الأوّل:أن يكون التّقدير:و يوم يحشرهم حال كونهم متعارفين،و حال كونهم قائلين: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّهِ.

الثّاني:أن يكون: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا كلام اللّه،فيكون هذا شهادة من اللّه عليهم بالخسران، و المعنى:أنّ من باع آخرته بالدّنيا فقد خسر،لأنّه أعطى الشّريف الباقي،و أخذ القليل الخسيس الفاني.

و أمّا قوله: وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ فالمراد أنّهم ما اهتدوا إلى رعاية مصالح هذه التّجارة،و ذلك لأنّهم اغترّوا بالظّاهر،و غفلوا عن الحقيقة،فصاروا كمن رأى زجاجة حسنة فظنّها جوهرة شريفة،فاشتراها بكلّ ما

ص: 741

ملكه،فإذا عرضها على النّاقدين خاب سعيه و فات أمله،و وقع في حرقة الرّوع،و عذاب القلب.

(17:105)

مثله الشّربينيّ.(2:23)

ابن عربيّ: لوقوعهم في وحشة التّناكر حينئذ، و احتجابهم بحجب عاداتهم الفاسقة،و هيئات اعتقاداتهم الفاسدة.(1:536)

القرطبيّ: يجوز أن يكون هذا إخبارا من اللّه عزّ و جلّ بعد أن دلّ على البعث و النّشور،أي خسروا ثواب الجنّة.

و قيل:خسروا في حال لقاء اللّه،لأنّ الخسران إنّما هو في تلك الحالة الّتي لا يرجى فيها إقالة،و لا تنفع توبة.

(8:348)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ إلى آخره جملة مستأنفة،أخبر تعالى بخسران المكذّبين بلقائه.قال الزّمخشريّ:هو استئناف فيه معنى التّعجّب، كأنّه قيل:ما أخسرهم!و قال أيضا:و ابتدأ به قَدْ خَسِرَ على إرادة القول،أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك.قال ابن عطيّة:و قيل:إنّه إخبار المحشورين على جهة التّوبيخ لأنفسهم،انتهى.و هذا يحتمل أن يكون كقول الزّمخشريّ:يتعارفون بينهم قائلين ذلك،و أن يكون كقول غيره:نحشرهم قائلين:قد خسر.

فاحتمل هذا المقدّر أن يكون معمولا ل(يتعارفون)و أن يكون معمولا ل(يحشرهم)و نبّه على العلّة الموجبة للخسران،و هو التّكذيب بلقاء اللّه وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ الظّاهر أنّه معطوف على قوله:

قَدْ خَسِرَ فيكون من كلام المحشورين،إذا قلنا:إنّ قوله: قَدْ خَسِرَ من كلامهم،أخبروا عن أنفسهم بخسرانهم في الآخرة،و بانتفاء هدايتهم في الدّنيا.

و يحتمل أن يكون معطوفا على صلة(الّذين)أي:

كذّبوا بلقاء اللّه،و انتفت هدايتهم في الدّنيا.

و يحتمل أن تكون الجملة كالتّوكيد بجملة الصّلة،لأنّ من كذّب بلقاء اللّه هو غير مهتد.

و قيل:و ما كانوا مهتدين إلى غاية مصالح التّجارة، و قيل:للإيمان،و قيل:في علم اللّه،بل هم ممّن حتم ضلالهم.(5:163)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و التّعبير عنهم بالموصول مع كون المقام مقام إضمار لذمّهم بما في حيّز الصّلة،و الإشعار بعلّيّته لما أصابهم، و المراد بلقاء اللّه إن كان مطلق الحساب و الجزاء أو حسن اللّقاء،فالمراد بالخسران:الوضيعة،و المعنى:وضعوا في تجاراتهم و معاملاتهم و اشترائهم الكفر بالإيمان و الضّلالة بالهدى؛و معنى قوله تعالى: وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ ما كانوا عارفين بأحوال التّجارة مهتدين لطرقها،و إن كان سوء اللّقاء.فالخسار:الهلاك و الضّلال،أي قد ضلّوا و هلكوا بتكذيبهم،و ما كانوا مهتدين إلى طريق النّجاة.

(3:245)

البروسويّ: شهادة من اللّه على خسرانهم و تعجّب منه،أي قد غبن المكذّبون بالحساب و الجزاء وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ في تجارتهم إذ باعوا الإيمان بالكفر و التّصديق بالتّكذيب فلم يكونوا على نفع و قد مضى الوقت.(4:50)

ص: 742

الآلوسيّ: جملة مستأنفة سيقت للشّهادة منه تعالى على خسرانهم و التّعجيب منه،و هي خبريّة لفظا، إنشائيّة معنى.و قيل:مقول لقول مقدّر وقع حالا من ضمير يَتَعارَفُونَ، أو من ضمير يَحْشُرُهُمْ إن كانت جملة يَتَعارَفُونَ حالا أيضا،لئلاّ يفصل بين الحال و ذيها أجنبيّ.و الاستئناف أظهر.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود](11:128)

المراغيّ: أي إنّ هؤلاء آثروا الحياة القصيرة المنغّصة بالأكدار السّريعة الزّوال على الحياة الأبديّة بما فيها من النّعيم المقيم،فلم يستعدّوا لها و يعملوا الأعمال الصّالحة الّتي تزكّى نفوسهم و تهذّب أرواحهم،فخسروا السّعادة فيها و ما كانوا مهتدين فيما اختاروه لأنفسهم من إيثار الخسيس الزّائل على النّفيس الخالد.(11:113)

ابن عاشور :عدل عن الإضمار إلى الموصوليّة في قوله: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّهِ دون(قد خسروا)للإيماء إلى أنّ سبب خسرانهم هو تكذيبهم بلقاء اللّه،و ذلك التّكذيب من آثار الشّرك،فارتبط بالجملة الأولى،و هي جملة: وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ إلى قوله: وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يونس 28-30.[إلى أن قال:]

فظهر خسرانهم يومئذ بأنّهم نفوا البعث،فلم يستعدّوا ليومه بقبول ما دعاهم إليه الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.

(11:93،94)

مكارم الشّيرازيّ: صرفوا كلّ رءوس أموال وجودهم دون أن يقبضوا نتيجة.(6:342)

5- ..فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ. الحجّ:11

ابن عبّاس: خَسِرَ الدُّنْيا: غبن الدّنيا بذهابها وَ الْآخِرَةَ بذهاب الجنّة ذلِكَ الغبن هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ: الغبن البيّن بذهاب الدّنيا و الآخرة.(278)

الفرّاء: غبنهما.و ذكر عن حميد الأعرج وحده أنّه قرأ (خاسر الدّنيا و الآخرة) و كلّ صواب،و المعنى واحد.

(2:217)

الطّبريّ: يقول:غبن هذا الّذي-وصف جلّ ثناؤه صفته-دنياه،لأنّه لم يظفر بحاجته منها بما كان من عبادته اللّه على شكّ،و وضع في تجارته فلم يربح؛ وَ الْآخِرَةَ: يقول:و خسر الآخرة،فإنّه معذّب فيها بنار اللّه الموقدة.و قوله: ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ يقول:و خسارته الدّنيا و الآخرة هي الخسران،يعني الهلاك المبين،يقول:يبين لمن فكّر فيه،و تدبّره أنّه قد خسر الدّنيا و الآخرة.

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته قرّاء الأمصار جميعا،غير حميد الأعرج خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ على وجه المضيّ.و قرأه حميد الأعرج:

(خاسرا) نصبا على الحال على مثال«فاعل».

(9:116)

نحوه البغويّ ملخّصا.(3:326)

الثّعلبيّ: قرأ حميد الأعرج و يعقوب (خاسر الدّنيا) بالألف على مثال«فاعل»،و(الآخرة)خفضا،

ص: 743

على الحال، ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ: الضّرر الظّاهر.(7:10)

الماورديّ: خسر الدّنيا بفراقه،و خسر الآخرة بنفاقه. ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ، أي البيّن لفساد عاجله و ذهاب آجله.(4:11)

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى أنّ من هذا صفته على خسران ظاهر،لأنّه يخسر الجنّة،و تحصل له النّار.

(7:297)

الواحديّ: يعني:هذا الشّاكّ خسر دنياه؛حيث لم يظفر بما طلب من المال،و خسر آخرته بارتداده عن الدّين. ذلِكَ الّذي فعل هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ:

الضّرر الظّاهر.(3:261)

الزّمخشريّ: المصاب بالمحنة بترك التّسليم لقضاء اللّه،و الخروج إلى ما يسخط اللّه،جامع على نفسه محنتين:

إحداهما:ذهاب ما أصيب به.و الثّانية ذهاب ثواب الصّابرين،فهو خسران الدّارين.

و قرئ (خاسر الدّنيا و الآخرة) بالنّصب و الرّفع، فالنّصب على الحال،و الرّفع على الفاعليّة،و وضع الظّاهر موضع الضّمير،و هو وجه حسن،أو على أنّه خبر مبتدإ محذوف.(3:7)

ابن عطيّة: خسارته[في]الدّنيا و الآخرة:أمّا الدّنيا فبالمقادير الّتي جرت عليه،و أمّا الآخرة فبارتداده و سوء معتقده.(4:110)

الطّبرسيّ: [نحو الماورديّ و أضاف:]

و قيل:خسر في الدّنيا العزّ و الغنيمة،و في الآخرة الثّواب و الجنّة.(4:75)

ابن الجوزيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و قرأ أبو رزين العقيليّ،و أبو مجلز،و مجاهد،و طلحة ابن مصرّف،و ابن أبي عبلة،و زيد عن يعقوب (خاسر الدّنيا) بألف قبل السّين،و بنصب الرّاء،(و الآخرة) بخفض التّاء.(5:411)

الفخر الرّازيّ: خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ فذلك لأنّه يخسر في الدّنيا العزّة،و الكرامة،و إصابة الغنيمة، و أهليّة الشّهادة،و الإمامة،و القضاء،و لا يبقى ماله و دمه مصونا.و أمّا في الآخرة فيفوته الثّواب الدّائم،و يحصل له العقاب الدّائم، ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ.

(23:14)

نحوه القرطبيّ(12:18)،و المراغيّ(17:95).

العكبريّ: خَسِرَ الدُّنْيا هو حال،أي انقلب قد خسر،و يجوز أن يكون مستأنفا.و يقرأ (خاسر الدّنيا) و (خسر الدّنيا) على أنّه اسم،و هو حال أيضا، (و الآخرة)على هذا بالجرّ.(2:934)

البيضاويّ: خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ بذهاب عصمته و حبوط عمله بالارتداد،و قرئ (خاسر) بالنّصب على الحال،و الرّفع على الفاعليّة.و وضع الظّاهر موضع الضّمير تنصيصا على خسرانه،أو على أنّه خبر محذوف، ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ إذ لا خسران مثله.(2:87)

مثله أبو السّعود(4:371)؛و نحوه الكاشانيّ(3:

366)،و القاسميّ(12:4327).

النّسفيّ: خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ حال،و«قد» مقدّرة،دليله قراءة روح و زيد (خاسر الدّنيا و الآخرة).

ص: 744

و الخسران في الدّنيا:بالقتل فيها،و في الآخرة:بالخلود في النّار، ذلِكَ أي خسران الدّارين هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ الظّاهر الّذي لا يخفى على أحد.(3:95)

أبو حيّان :خسرانه الدّنيا:إصابته فيها بما يسوؤه من ذهاب ماله،و فقد أحبّائه،فلم يسلم للقضاء.

و خسران الآخرة:حيث حرم ثواب من صبر،فارتدّ عن الإسلام.

و قرأ مجاهد،و حميد،و الأعرج،و ابن محيصن من طريق الزّعفرانيّ،و قعنب،و الجحدريّ،و ابن مقسم (خاسر الدّنيا) اسم فاعل نصبا على الحال،و قرئ (خاسر) اسم فاعل مرفوعا على تقدير هو خاسر، و قال الزّمخشريّ:و الرّفع على الفاعليّة،و وضع الظّاهر موضع الضّمير.و هو وجه حسن،انتهى.

و قرأ الجمهور (خَسِرَ) فعلا ماضيا،و هو استئناف إخبار،و يجوز أن يكون في موضع الحال و لا يحتاج إلى إضمار«قد»،لأنّه كثر وقوع الماضي حالا في لسان العرب بغير«قد»،فساغ القياس عليه.و أجاز أبو الفضل الرّازيّ:أن يكون بدلا من قوله: اِنْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ كما كان(يضاعف)بدلا من(يلق)الفرقان:68، 69.(6:355)

الشّربينيّ: خَسِرَ الدُّنْيا بفوات ما أمله منها، و يكون ذلك سبب التّقتير عليه،قال تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ المائدة:66.

و روي أنّ الرّجل ليحرم الرّزق بالذّنب يصيبه، وَ الْآخِرَةَ بالكفر،ثمّ عظّم مصيبته بقوله تعالى:

ذلِكَ أي الأمر العظيم(هو)أي لا غيره اَلْخُسْرانُ الْمُبِينُ أي البيّن؛إذ لا خسران مثله.(2:540)

البروسويّ: خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ فقدهما و ضيّعهما بذهاب عصمته و حبوط عمله بالارتداد.

و الأظهر أنّ خسران الدّنيا:ذهاب أهله حيث أصابته فتنة.و خسران الآخرة:الحرمان من الثّواب، حيث ذهب الدّين و دخل النّار مع الدّاخلين.

قال بعضهم:الخسران في الدّنيا:ترك الطّاعات و لزوم المخالفات.و الخسران في الآخرة:كثرة الخصوم و التّبعات.(6:11)

الآلوسيّ: خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ جملة مستأنفة،أو بدل من اِنْقَلَبَ كما قال أبو الفضل الرّازيّ،أو حال من فاعله بتقدير«قد»أو بدونها،كما هو رأي أبي حيّان،و المعنى فقد الدّنيا و الآخرة و ضيّعهما؛ حيث فاته ما يسّره فيهما.

و قرأ مجاهد و حميد و الأعرج و ابن محيصن من طريق الزّعفرانيّ و قعنب و الجحدريّ و ابن مقسم (خاسر) بزنة فاعل منصوبا على الحال،لأنّ إضافته لفظيّة،و قرئ (خاسر) بالرّفع على أنّه فاعل اِنْقَلَبَ.

و فيه وضع الظّاهر موضع المضمر ليفيد تعليل انقلابه بخسرانه.

و قيل:إنّه من التّجريد ففيه مبالغة،و جوّز أن يكون خبر مبتدإ محذوف،أي هو خاسر،و الجملة واردة على الذّمّ و الشّتم.

ذلِكَ أي ما ذكر من الخسران،و ما فيه من معنى البعد،للإيذان بكونه في غاية ما يكون.و قيل:إنّ أداة

ص: 745

البعد لكون المشار إليه غير مذكور صريحا. هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ أي الواضح كونه خسرانا لا غير.

(17:124)

ابن عاشور :جملة خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ بدل اشتمال من جملة اِنْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ. و جملة ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ معترضة بين جملة اِنْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ و جملة يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ الحجّ:12،الّتي هي في موضع الحال من ضمير(انقلب)أي أسقط في الشّرك.

و الخسران:تلف جزء من أصل مال التّجارة،فشبّه نفع الدّنيا و نفع الآخرة بمال التّاجر السّاعي في توفيره، لأنّ النّاس يرغبون تحصيله،و ثنّي على ذلك إثبات الخسران لصاحبه الّذي هو من مرادفات مال التّجارة المشبّه به،فشبّه فوات النّفع المطلوب بخسارة المال.

و تعليق الخسران بالدّنيا و الآخرة على حذف المضاف،و التّقدير:خسر خير الدّنيا و خير الآخرة، فخسارة الدّنيا بسبب ما أصابه فيها من الفتنة،و خسارة الآخرة بسبب عدم الانتفاع بثوابها المرجوّ له.

و اَلْمُبِينُ: الّذي فيه ما يبين للنّاس أنّه خسران بأدنى تأمّل،و المراد أنّه خسران شديد لا يخفى.

و الإتيان باسم الإشارة لزيادة تمييز المسند إليه أتمّ تمييز،لتقرير مدلوله في الأذهان،و ضمير(هو)ضمير فصل،و القصر المستفاد من تعريف المسند قصر ادّعائي.

ادّعي أنّ ماهيّة الخسران المبين انحصرت في خسرانهم، و المقصود من القصر الادّعائيّ تحقيق الخبر،و نفي الشّكّ في وقوعه،و ضمير الفصل أكّد معنى القصر،فأفاد تقوية الخبر المقصور.(17:155)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّ هذا النّفاق مع اللّه يقضي على صاحبه بخسران الدّنيا و الآخرة جميعا،فهو قد خسر الدّنيا،لأنّ ما ابتلاه اللّه لا يدفعه عنه هذا الكفر باللّه،الّذي لقي به ابتلاء اللّه له.و هو قد خسر الآخرة،لأنّه سيلقى اللّه على كفره هذا،و للكافرين عذاب أليم.

ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ أي الخسران العظيم الواضح،الّذي ليس فيه شبهة؛إذ كانت خسارة الدّنيا فيه محقّقة،لأنّها وقعت فعلا،و لو كان مؤمنا باللّه،لوجد في التّسليم له و الرّضا بقضائه عزاء يخفّف عن مصابه، و يهوّن من مصيبته،و خسارة الآخرة ستتحقّق أيضا، لأنّها واقعة لا شكّ فيها؛إذ هكذا سيعلم هذا الّذي يعبد اللّه على حرف،و إن فتنه الابتلاء،و أضلّه عن سواء السّبيل.(9:995)

الطّباطبائيّ: خسر الدّنيا بوقوعه في المحنة و المهلكة،و خسر الآخرة بانقلابه عن الدّين على وجهه، و ارتداده و كفره،ذلك هو الخسران المبين.(14:350)

مكارم الشّيرازيّ: خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ و ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ مؤكّدا إنّ أفدح الضّرر و أفظع الخسران،هو أن يفقد الإنسان دينه و دنياه، و هؤلاء الأشخاص الّذين يقيسون الحقّ بإقبال الدّنيا عليهم ينظرون إلى الدّين وفق مصالحهم الخاصّة.

و هذه الفئة الكثيرة في زماننا موجودة في كلّ مجتمع، و إيمانها مزيج بالشّرك و عبادة الأصنام،إلاّ أنّ أصنامهم أزواجهم و أبناؤهم و أموالهم و مواشيهم،و مثل هذا

ص: 746

الإيمان أضعف من بيت العنكبوت.

و هناك مفسّرون يرون أنّ هذه الآية تشير إلى المنافقين،لكن إذا كان المنافق هو من لا يملك ذرّة من الإيمان،فإنّ ذلك يخالف ظاهر هذه الآية،فعبارة يَعْبُدُ اللّهَ و اِطْمَأَنَّ بِهِ و اِنْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ تبيّن أنّه ذو إيمان ضعيف قبل هذا.أمّا إذا قصد بالمنافق من يملك قليلا من الإيمان،فلا يعارض ما قلناه،و يمكن قبوله.

(10:264)

6- فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ.

المؤمن:85

ابن عبّاس: غبن بالعقوبة عند المعاينة.(400)

هلك.(ابن الجوزيّ 7:239)

الطّبريّ: يقول:و هلك عند مجيء بأس اللّه،فغبنت صفقته و وضع في بيعه الآخرة بالدّنيا،و المغفرة بالعذاب، و الإيمان بالكفر،الكافرون بربّهم،الجاحدون توحيد خالقهم،المتّخذون من دونه آلهة يعبدونهم من دون بارئهم.(11:83)

الزّجّاج: المبطلون و الكافرون خاسرون في ذلك الوقت،و في كلّ وقت خاسرون،و لكنّه تعالى بيّن لهم خسرانهم إذا رأوا العذاب.(4:378)

الثّعلبيّ: بذهاب الدّارين.(8:284)

ابن عطيّة: هُنالِكَ إشارة إلى أوقات العذاب، أي ظهر خسرانهم و حضر جزاء كفرهم.(4:572)

ابن الجوزيّ: إن قيل:كأنّهم لم يكونوا خاسرين قبل ذلك؟

فعنه جوابان:[فذكر قول ابن عبّاس و الزّجّاج]

(7:239)

الفخر الرّازيّ: قوله: هُنالِكَ مستعار للزّمان، أي و خسروا وقت رؤية البأس.(27:92)

الشّربينيّ: أي هلك،أي تحقّق و تبيّن أنّه خسر.(3:501)

مكارم الشّيرازيّ: ففي ذلك اليوم عند ما ينزل العذاب بساحتهم،سيفهم هؤلاء،بأنّ رصيدهم في الحياة الدّنيا لم يكن سوى الغرور و الظّنون و الأوهام،فلم يبق لهم من دنياهم سوى التّبعات و العذاب الإلهيّ الأليم، و هل ثمّة من خسران أكبر من هذا؟

(15:309)

فضل اللّه :لأنّهم لم يتعلّقوا من رحمة اللّه بشيء و لا خسارة أعظم و أشدّ من خسارة الإنسان لرحمة اللّه سبحانه.(20:79)

خسروا
اشارة

1- ..لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. الأنعام:12

ابن عبّاس: غبنوا أنفسهم و منازلهم و خدمهم و أزواجهم في الجنّة.(106)

الأخفش: نصب«لام» لَيَجْمَعَنَّكُمْ لأنّ المعنى:

«كتب»كأنّه قال:«و اللّه ليجمعنّكم»ثمّ أبدل،فقال:

اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أي:ليجمعنّ الّذين خسروا أنفسهم.(2:482)

ص: 747

أبو عبيدة:أي غبنوا أنفسهم و أهلكوها.[ثمّ استشهد بشعر](1:187)

الطّبريّ: يقول:الّذين أهلكوا أنفسهم و غبنوها بادّعائهم للّه النّدّ و العديل،فأوبقوها باستيجابهم سخط اللّه و أليم عقابه في المعاد.

و موضع اَلَّذِينَ في قوله: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، نصب،على الرّدّ على«الكاف و الميم»في قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ، على وجه البيان عنها،و ذلك أنّ الّذين خسروا أنفسهم،هم الّذين خوطبوا بقوله:

لَيَجْمَعَنَّكُمْ. (5:157)

الزّجّاج: [راجع:ج م ع لَيَجْمَعَنَّكُمْ ]

(2:233)

السّجستانيّ: غبنوها.(56)

مثله البغويّ.(2:113)

الثّعلبيّ: غلبوا على أنفسهم، اَلَّذِينَ في موضع نصب مردود على«الكاف و النّون»من قوله:

لَيَجْمَعَنَّكُمْ، و يجوز أن يكون رفعا بالابتداء،و خبره:

فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فأخبر اللّه تعالى أنّ الجاحد للآخرة هالك خاسر.(4:137)

الواحديّ: أي بالشّرك باللّه تعالى أوبقوا أنفسهم.

(2:256)

نحوه ابن الجوزيّ.(3:9)

الزّمخشريّ: قوله: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ نصب على الذّمّ أو رفع،أي أريد الّذين خسروا أنفسهم، أو أنتم الّذين خسروا أنفسهم.

فإن قلت:كيف جعل عدم إيمانهم مسبّبا عن خسرانهم و الأمر على العكس؟

قلت:معناه الّذين خسروا أنفسهم في علم اللّه لاختيارهم الكفر،فهم لا يؤمنون.(2:8)

ابن عطيّة: خَسِرُوا معناه غبنوا أنفسهم بأن وجب عليها عذاب اللّه و سخطه.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:272)

الطّبرسيّ: أي أهلكوها بارتكاب الكفر و العناد.

(2:278)

نحوه شبّر.(2:240)

الفخر الرّازيّ: في هذه الآية قولان:

الأوّل:أنّ قوله: اَلَّذِينَ موضعه نصب على البدل من الضّمير في قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ و المعنى ليجمعنّ هؤلاء المشركين الّذين خسروا أنفسهم.و هو قول الأخفش.

و الثّاني-و هو قول الزّجّاج-أنّ قوله: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ رفع بالابتداء،و قوله: لا يُؤْمِنُونَ خبره،لأنّ قوله لَيَجْمَعَنَّكُمْ مشتمل على الكلّ:على الّذين خسروا أنفسهم و على غيرهم،و«الفاء»في قوله:

فَهُمْ يفيد معنى الشّرط و الجزاء،كقولهم:«الّذي يكرمنى فله درهم»لأنّ الدّرهم وجب بالإكرام،فكان الإكرام شرطا و الدّرهم جزاء.

فإن قيل:ظاهر اللّفظ يدلّ على أنّ خسرانهم سبب لعدم إيمانهم،و الأمر على العكس؟

قلنا:هذا يدلّ على أنّ سبق القضاء بالخسران و الخذلان،هو الّذي حملهم على الامتناع من الإيمان، و ذلك عين مذهب أهل السّنّة.(12:166)

ص: 748

العكبريّ: اَلَّذِينَ خَسِرُوا مبتدأ،(فهم)مبتدأ ثان،(لا يؤمنون)خبره،و الثّاني و خبره خبر الأوّل، و دخلت«الفاء»لما في اَلَّذِينَ من معنى الشّرط.[ثمّ ذكر قول الأخفش و قال:]

و هو بعيد،لأنّ ضمير المتكلّم و المخاطب لا يبدل منهما،لوضوحهما غاية الوضوح،و غيرهما دونهما في ذلك.(1:483)

القرطبيّ: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ابتداء و خبر،قاله الزّجّاج،و هو أجود ما قيل فيه،تقول:«الّذي يكرمني فله درهم»فالفاء تتضمّن معنى الشّرط و الجزاء.[ثمّ ذكر قول الأخفش و أضاف:]

و انكره المبرّد،و زعم أنّه خطأ،لأنّه لا يبدل من المخاطب و لا من المخاطب،لا يقال:«مررت بك زيد،و لا مررت بي زيد»لأنّ هذا لا يشكل فيبيّن.قال القتبيّ:

يجوز أن يكون اَلَّذِينَ جزاء على البدل من (المكذبين)الّذين تقدّم ذكرهم،أو على النّعت لهم.

و قيل: اَلَّذِينَ نداء مفرد.(6:396)

البيضاويّ: بتضييع رأس مالهم،و هو الفطرة الأصليّة و العقل السّليم.و موضع اَلَّذِينَ نصب على الذّمّ،أو رفع على الخبر،أي و أنتم الّذين.أو على الابتداء و الخبر.

فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ و«الفاء»للدّلالة على أنّ عدم إيمانهم مسبّب عن خسرانهم،فإنّ إبطال العقل باتّباع الحواس و الوهم و الانهماك.في التّقليد،و إغفال النّظر، أدّى بهم إلى الإصرار على الكفر و الامتناع من الإيمان.(1:304)

نحوه الشّربينيّ(1:412)،و أبو السّعود(2:361)، و الكاشانيّ ملخّصا(2:110)،و المشهديّ(3:248).

أبو حيّان :اختلف في إعراب اَلَّذِينَ فقال الأخفش:«هو بدل من ضمير الخطاب في لَيَجْمَعَنَّكُمْ، و ردّه المبرّد،بأنّ البدل من ضمير الخطاب لا يجوز،كما لا يجوز«مررت بك زيد»،و ردّ ردّ المبرّد ابن عطيّة،فقال:«ما في الآية مخالف للمثال،لأنّ الفائدة في البدل مترتّبة من الثّاني،و إذا قلت:«مررت بك زيد»فلا فائدة في الثّاني،و قوله لَيَجْمَعَنَّكُمْ يصلح لمخاطبة النّاس كافّة،فيفيدنا إبدال اَلَّذِينَ من الضّمير أنّهم هم المختصّون بالخطاب،و خصّوا على جهة الوعيد، و يجيء هذا بدل البعض من الكلّ»انتهى.

و ما ذكره ابن عطيّة في هذا الرّدّ ليس بجيّد،لأنّه إذا جعلنا لَيَجْمَعَنَّكُمْ يصلح لمخاطبة النّاس كافّة كان اَلَّذِينَ بدل بعض من كلّ،و يحتاج إذ ذاك إلى ضمير، و يقدّر اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ منهم.

و قوله:«فيفيدنا إبدال اَلَّذِينَ من الضّمير أنّهم هم المختصّون بالخطاب و خصّوا على جهة الوعيد»و هذا يقتضي أن يكون بدل كلّ من كلّ،فتناقض أوّل كلامه مع آخره،لأنّه من حيث الصّلاحيّة يكون بدل بعض من كلّ،و من حيث اختصاص الخطاب بهم يكون بدل كلّ من كلّ،و المبدل منه متكلّم أو مخاطب في جوازه خلاف:

مذهب الكوفيّين،و الأخفش أنّه يجوز،و مذهب جمهور البصريّين أنّه لا يجوز.و هذا إذا لم يكن البدل يفيد معنى التّوكيد،فإنّه إذ ذاك يجوز،و هذا كلّه مقرّر في علم النّحو.

ص: 749

و قال الزّجّاج: اَلَّذِينَ مرفوع على الابتداء و الخبر قوله: فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ و دخلت«الفاء»لما تضمّن المبتدأ من معنى الشّرط،كأنّه قيل:«من يخسر نفسه فهو لا يؤمن».

و من ذهب إلى البدل جعل«الفاء»عاطفة جملة على جملة.و أجاز الزّمخشريّ أن يكون اَلَّذِينَ منصوبا على الذّمّ،أي أريد الّذين خسروا أنفسهم،انتهى.

و تقديره ب«أريد»ليس بجيّد،إنّما يقدّر النّحاة المنصوب على الذّمّ ب«أذمّ»،و أبعد من ذهب إلى أنّ موضع اَلَّذِينَ جرّ نعتا ل(المكذبين)أو بدلا منهم.

و قال الزّمخشريّ: فإن قلت:كيف جعل عدم إيمانهم مسبّبا عن خسرهم،و الأمر بالعكس؟قلت:معناه:

الّذين خسروا أنفسهم في علم اللّه لاختيارهم الكفر فهم لا يؤمنون انتهى.و فيه دسيسة الاعتزال بقوله:

«لاختيارهم الكفر».(4:82 و 83)

الآلوسيّ: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بتضييع رأس مالهم،و هو الفطرة الأصليّة و العقل السّليم، و الاستعداد القريب الحاصل من مشاهدة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و استماع الوحي و غير ذلك من آثار الرّحمة.و موضع الموصول قيل:نصب على الذّمّ،أو رفع على أنّه خبر لمبتدإ محذوف أي أنتم الّذين،و هو نعت مقطوع،و لا يلزم أن يكون كلّ نعت مقطوع يصحّ إتباعه نعتا،بل يكفي فيه معنى الوصف،أ لا ترى إلى قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ* اَلَّذِي جَمَعَ مالاً كيف قطع فيه(الّذى)مع عدم صحّة إتباعه نعتا للنّكرة؟فلا يرد أنّ القطع إنّما يكون في النّعت و الضّمير لا ينعت.

و قيل:هو بدل من الضّمير بدل بعض من كلّ بتقدير ضمير،أو هو خبر مبتدإ على القطع على البدليّة أيضا، و لا اختصاص للقطع بالنّعت،و لعلّهم إنّما لم يجعلوه منصوبا بفعل مقدّر أو خبرا لمبتدإ محذوف من غير حاجة لما ذكر،لدعواهم أنّ مجرّد التّقدير لا يفيد الذّمّ أو المدح إلاّ مع القطع.

و اختار الاخفش البدليّة،و تعقّب ذلك أبو البقاء بأنّه بعيد،لأنّ ضمير المتكلّم و المخاطب لا يبدل منهما لوضوحهما غاية الوضوح،و غيرهما دونهما في ذلك.

و قيل:هو مبتدأ خبره فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ و«الفاء» للدّلالة على أنّ عدم إيمانهم و إصرارهم على الكفر مسبّب عن خسرانهم،فإنّ إبطال العقل باتّباع الحواسّ و الوهم و الانهماك في التّقليد،أدّى بهم إلى الإصرار على الكفر و الامتناع عن الإيمان.

و في«الكشّاف»فإن قلت:كيف يكون عدم إيمانهم مسبّبا عن خسرانهم،و الأمر على العكس؟

قلت:معناه الّذين خسروا أنفسهم في علم اللّه تعالى لاختيارهم الكفر فهم لا يؤمنون.

و حاصل الكلام على هذا الّذين حكم اللّه تعالى بخسرانهم لاختيارهم الكفر فهم لا يؤمنون،و الحكم بالخسران سابق على عدم الإيمان،لأنّه مقارن للعلم باختيار الكفر لا لحصوله بالفعل،فيصحّ ترتّب عدم الإيمان عليه من هذا الوجه.و أنت تعلم أنّ هذا السّؤال يندفع بحمل«الخسران»على ما ذكرناه،و لعلّه أولى ممّا في«الكشّاف»لما فيه من الدّغدغة،و الجملة-كما قال غير واحد-تذييل مسوق من جهته تعالى لتقبيح حالهم

ص: 750

غير داخلة تحت الأمر.

و قيل:الظّاهر على تقدير الابتداء عطف الجملة على لا رَيْبَ فِيهِ فيحتاج الفصل إلى تكلّف تقدير سؤال، كأنّه قيل:فلم يرتاب الكافرون به؟فأجيب بأنّ خسرانهم أنفسهم صار سببا لعدم الإيمان.و جوّز على ذلك التّقدير كون الجملة حاليّة،و هو كما ترى!

(7:106)

المراغيّ: خسارة الأنفس:إفساد فطرتها،و عدم اهتدائها بماسخها اللّه من أنواع الهدايات،فالمقلّدون خسروا أنفسهم،لأنّهم حرّموها استعمال نعمتي العقل و العلم.

أي أخصّ هؤلاء الّذين خسروا أنفسهم بالتّذكير و الذّمّ و التّوبيخ،بين من يجمعون إلى يوم القيامة؛إذ هم لخسرانهم أنفسهم في الدّنيا لا يؤمنون بالآخرة،فهم قلّما ينظرون و يستدلّون،و إن هم فعلوا قعد بهم ضعف الإرادة عن احتمال لؤم اللاّئمين.و احتقار الأهل و المعاشرين.

و الخلاصة:أنّ الفوز و الفلاح في الدّين و الدّنيا لا يتمّ إلاّ بالعلم الصّحيح و العزيمة الحافزة إلى العمل بالعلم،فمن أخسر إحدى الفضيلتين فقد خسر نفسه،فردا كان أو أمّة،فما بال من خسرهما معا.(7:87)

ابن عاشور :و جملة: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الأظهر عندي أنّها متفرّعة على جملة لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، و أنّ«الفاء»من قوله:

فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ للتّفريع و السّببيّة.و أصل التّركيب:

فأنتم لا تؤمنون،لأنّكم خسرتم أنفسكم في يوم القيامة، فعدل عن الضّمير إلى الموصول،لإفادة الصّلة أنّهم خسروا أنفسهم بسبب عدم إيمانهم.و جعل اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ خبر مبتدإ محذوف،و التّقدير:أنتم الّذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون.و نظم الكلام على هذا الوجه أدعى لإسماعهم،و بهذا التّقدير يستغنى عن سؤال«الكشّاف»عن صحّة ترتّب عدم الإيمان على خسران أنفسهم،مع أنّ الأمر بالعكس.

و قيل: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ مبتدإ،و جملة:

فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خبره،و قرن بالفاء لأنّ الموصول تضمّن معنى الشّرط،على نحو قوله تعالى: وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ النّساء:15،و أشرب الموصول معنى الشّرط ليفيد شموله كلّ من اتّصف بمضمون الصّلة،و يفيد تعليق حصول مضمون جملة الخبر-المنزّل منزلة جواب الشّرط-على حصول مضمون الصّلة المنزّلة منزلة جملة الشّرط،فيفيد أنّ ذلك مستمرّ الارتباط و التّعليل في جميع أزمنة المستقبل الّتي يتحقّق فيها معنى الصّلة.فقد حصل في هذه الجملة من الخصوصيّات البلاغيّة ما لا يوجد مثله في غير الكلام المعجز.

و معنى: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أضاعوها كما يضيّع التّاجر رأس ماله،فالخسران مستعار لإضاعة ما شأنه أن يكون سبب نفع.فمعنى: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ عدموا فائدة الانتفاع بما ينتفع به النّاس من أنفسهم،و هو العقل و التّفكير،فإنّه حركة النّفس في المعقولات لمعرفة حقائق الأمور.

و ذلك أنّهم لمّا أعرضوا عن التّدبّر في صدق الرّسول

ص: 751

-عليه الصّلاة و السّلام-فقد أضاعوا عن أنفسهم أنفع سبب للفوز في العاجل و الآجل،فكان ذلك سبب أن لا يؤمنوا باللّه و الرّسول و اليوم الآخر.فعدم الإيمان مسبّب عن حرمانهم الانتفاع بأفضل نافع.و يتسبّب عن عدم الإيمان خسران آخر،و هو خسران الفوز في الدّنيا بالسّلامة من العذاب،و في الآخرة بالنّجاة من النّار؛ و ذلك يقال له:خسران و لا يقال له:خسران الأنفس.

و قد أشار إلى الخسرانين قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ* لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ هود:21،22.

(6:34)

مغنيّة:قال الزّمخشريّ: «لقد اختار الكافرون الخسران،فهم لذلك غير مؤمنين».و الزّمخشريّ من أهل الاعتزال القائلين:الإنسان مخيّر،لا مسيّر.و قال الرّازيّ:

«إنّ اللّه هو الّذي قضى بخسرانهم،و لهذا امتنعوا عن الإيمان».و الرّازيّ من الأشاعرة القائلين:الإنسان مسيّر، لا مخيّر.و قال آخرون:امتنع الكفّار عن الإيمان تقليدا لآبائهم.

و في تصوّرنا أنّ الآية تشير إلى حقيقة الإنسان، و أنّها تتكوّن من نفسه و جسمه،و أنّ كلاّ منهما جزء متمّم للآخر،و أنّ الإنسان لا يحيا حياة صحيحة إلاّ إذا عمل لهما معا،و أنّ من عمل للرّوح دون المادّة،أو للمادّة دون الرّوح فقد خسر كيانه من الأساس،و من خسر كيانه لا يكون من الإيمان في شيء.(3:167)

مكارم الشّيرازيّ: في نهاية الآية إشارة إلى مصير المشركين المعاندين و عاقبتهم،فهؤلاء الّذين أضاعوا رأس مال وجودهم في سوق تجارة الحياة،لا يؤمنون بهذه الحقائق: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.

ما أعجب هذا التّعبير!فقد يخسر المرء أحيانا ثروته أو مركزه أو أيّ نوع من أنواع رأس المال،ففي هذه الحالات يكون قد خسر شيئا،و لكن هذا الشّيء الّذي خسره لا يكون جزء من وجوده،أي إنّه خارج وجوده، أمّا أعظم الخسائر الّتي هي في الواقع:الخسارة الحقيقيّة، فهي عند ما يخسر الإنسان أصل وجوده.

إنّ أعداء الحقيقة و المعاندين يخسرون تماما رأس مال العمر و رأس مال الفكر و العقل و الفطرة و جميع المواهب الرّوحيّة و الجسميّة،الّتي كان ينبغي لهم أن يستخدموها في طريق الحقّ،للوصول إلى مرحلة التّكامل،و عندئذ لا يبقى رأس المال و لا صاحبه.

لقد ورد هذا التّعبير في عدد من آيات القرآن الكريم،و هي تعبيرات مرعبة عن المصير المؤلم الّذي ينتظر منكري الحقيقة و المذنبين الملوّثين.

سؤال:قد يقال:إنّ الحياة الأبديّة تكون مصداقا للرّحمة بالنّسبة للمؤمنين فقط،أمّا لغيرهم فهي لا تعدوا أن تكون شقاء و تعاسة؟

الجواب:لا شكّ أنّ اللّه هو الّذي يوفّر فرص الرّحمة، فهو الّذي خلق الإنسان،و وهب له العقل،و أرسل له الأنبياء لقيادته و هدايته،و منحه مختلف أنواع النّعم، و فتح أمامه طريقا للحياة الخالدة،فهذه كلّها ألوان من الرّحمة.

و الإنسان في غضون مسيرته للوصول إلى ثمرات

ص: 752

هذه الرّحمة إذا انحرف عن طريقه،و حوّل هذه الرّحمة إلى عذاب و شقاء،فإنّ ذلك لا يخرجها عن كونها رحمة،بل الإنسان هو الملوم على الانحراف عنها و تبديلها إلى عذاب و ألم.(4:212)

فضل اللّه :أيّ خسارة أعظم من خسارة الإنسان نفسه؛و ذلك بخسرانه الأساس الوحيد لخلاصه،و هو رحمة ربّه المرتبطة بخطّ الإيمان في الحياة؟!و هكذا يربط القرآن بين عدم الإيمان باللّه و بين خسارة الإنسان نفسه.

و قد يفهم الإنسان منها أنّ القضيّة لا تعيش في النّطاق الأخرويّ فقط،بل تمتدّ إلى النّطاق الدّنيويّ،لما يفرضه ذلك من ظلمة في التّصوّر و الرّؤية و العمل،في مقابل ما يحصل عليه المؤمن من إشراق الرّوح في ذلك كلّه.(9:44)

2- وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ. الأعراف:9

3- ...قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ. الأعراف:53

4- وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ.

مثل ما قبلها.المؤمنون:103

5- اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.

الأنعام:20

ابن عبّاس: غبنوا أنفسهم بذهاب الدّنيا و الآخرة، يعني كعب بن الأشرف و أصحابه.(107)

السّدّيّ: لأنّهم كفروا بعد المعرفة.(240)

الفرّاء: جاء التّفسير في قوله: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ يقال:ليس من مؤمن و لا كافر إلاّ له منزل في الجنّة و أهل و أزواج،فمن أسلم و سعد صار إلى منزله و أزواجه،و من كفر صار منزله و أزواجه إلى من أسلم و سعد،فذلك قوله: اَلَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ المؤمنون:11،يقول:

يرثون منازل الكفّار،و هو قوله: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ الزّمر:15.

(1:329)

نحوه الثّعلبيّ(4:140)،و البغويّ(2:116).

الطّبريّ: قوله: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من نعت اَلَّذِينَ الأولى.و يعني بقوله: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أهلكوها و ألقوها في نار جهنّم،بإنكارهم محمّدا أنّه للّه رسول مرسل،و هم بحقيقة ذلك عارفون فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يقول:فهم بخسارتهم بذلك أنفسهم لا يؤمنون.[ثمّ ذكر نحو الفرّاء](5:163)

الزّجّاج: قوله: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ رفع على نعت اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، و جائز أن يكون على الابتداء،و يكون فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خبره.

و اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ الأشبه أن يكون هاهنا يعني به أهل الكتاب،و جائز أن يكون يعني به جملة الكفّار من أهل الكتاب،و غيرهم.(2:235)

الماورديّ: فيه تأويلان:

أحدهما[و هو قول الفرّاء]

ص: 753

و الثّاني:معناه غبنوها فأهلكوها بالكفر و التّكذيب.

[ثمّ استشهد بشعر](2:101)

الطّوسيّ: قوله: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ يعني بكفرهم بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله على وجه المعاندة فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ و خسرانهم أنفسهم:إهلاكهم لها بهذا الكفر،و تصييرهم لها إلى أن لا ينتفعون بها،و من جعل نفسه بحيث لا ينتفع بها فقد خسر نفسه.(4:103)

ابن عطيّة: يصحّ أن يكون اَلَّذِينَ نعتا تابعا ل اَلَّذِينَ قبله،و«الفاء»من قوله:(فهم)عاطفة جملة على جملة.و هذا يحسن على تأويل من رأى في الآية قبلها أنّ أهل الكتاب متوعّدون مذمومون لا مستشهد بهم.

و يصحّ أن يكون اَلَّذِينَ رفعا بالابتداء على استئناف الكلام،و خبره فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ و«الفاء» على هذا جواب.[ثمّ قال نحو الفرّاء](2:277)

الطّبرسيّ: إن حملته على أنّه صفة ل اَلَّذِينَ الأولى،فالمعنيّ به أهل الكتاب.و إن حملته على الابتداء، فإنّه يتناول جميع الكفّار.(2:282)

ابن الجوزيّ: في اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ قولان:أحدهما:أنّهم مشركو مكّة.و الثّاني:كفّار أهل الكتابين.(3:15)

الفخر الرّازيّ: قوله: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، ففيه قولان:

الأوّل:أنّ قوله: اَلَّذِينَ صفة ل اَلَّذِينَ صفة ل اَلَّذِينَ الأولى،فيكون عاملهما واحدا،و يكون المقصود وعيد المعاندين الّذين يعرفون و يجحدون.

و الثّاني:أنّ قوله: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ابتداء،و قوله: فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خبره.

و في قوله: اَلَّذِينَ خَسِرُوا وجهان:

الأوّل:أنّهم خسروا أنفسهم بمعنى الهلاك الدّائم الّذي حصل لهم بسبب الكفر.

و الثّاني:جاء في التّفسير أنّه ليس من كافر و لا مؤمن إلاّ و له منزلة في الجنّة،فمن كفر صارت منزلته إلى من أسلم،فيكون قد خسر نفسه و أهله بأن ورث منزلته غيره.(12:180)

القرطبيّ: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ في موضع النّعت،و يجوز أن يكون مبتدأ و خبره فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. (6:400)

نحوه شبّر.(2:245)

البيضاويّ: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من أهل الكتاب و المشركين.(1:305)

مثله النّسفيّ(2:6)،و الشّربينيّ(1:414)، و الكاشانيّ(2:112)،و المشهديّ(3:256)،و الآلوسيّ (7:120).

أبو حيّان :[نقل بعض الأقوال و قال:]

و جوّزوا أن يكون اَلَّذِينَ خَسِرُوا نعتا لقوله اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ و فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ جملة معطوفة على جملة،فيكون مساق اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مساق الذّمّ،لا مقام الاستشهاد بهم على كفّار قريش و غيرهم من العرب.قالوا:لأنّه لا يصحّ أن يستشهد بهم و يذمّوا في آية واحدة.

و قال ابن عطيّة:«يصحّ ذلك لاختلاف ما استشهد

ص: 754

فيه بهم و ما ذمّوا فيه،و أنّ الذّمّ و الاستشهاد من جهة واحدة»انتهى.و يكون اَلَّذِينَ خَسِرُوا إذ ذاك ليس عامّا؛إذ التّقدير:«الّذين خسروا انفسهم منهم»أي من أهل الكتاب.(4:93)

أبو السّعود : اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من أهل الكتابين و المشركين بأن ضيّعوا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها،و أعرضوا عن البيّنات الموجبة للإيمان بالكلّيّة فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ لما أنّهم مطبوع على قلوبهم،و محلّ الموصول الرّفع على الابتداء،و خبره الجملة المصدّرة بالفاء لشبه الموصول بالشّرط.

و قيل:على أنّه خبر مبتدإ محذوف،أي هم الّذين خسروا...،و قيل:على أنّه نعت للموصول الأوّل،و قيل:

النّصب على الذّمّ،فقوله تعالى فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ على الوجوه الأخيرة عطف على جملة اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ إلخ.(2:365)

نحوه البروسويّ.(3:18)

المراغيّ: اَلَّذِينَ خَسِرُوا... أي إنّ علّة إنكار من أنكروا نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من علماء اليهود كعلّة من أنكروا ذلك من المشركين بعد ظهور آياتها،بل أنكروا ما هو أظهر منها،و هي وحدانيّة اللّه تعالى أنّهم خسروا أنفسهم،فهم يؤثرون ما لهم من الجاه و المكانة و الرّئاسة في قومهم،على الإيمان بالرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبا عندهم،علما منهم بأنّهم إذا آمنوا سلبوا الرّئاسة، و جعلوا مساوين لسائر المسلمين،في سائر الأحكام و المعاملات.

و كذلك كان بعض رؤساء قريش يعزّ عليه أن يؤمن فيكون تابعا و مرءوسا،و يكون مثله مثل بلال الحبشيّ و صهيب الرّوميّ،و غيرهما من فقراء المسلمين.

فهؤلاء الّذين نزلت فيهم هذه الآية خسروا أنفسهم لضعف إرادتهم،لا لفقدان العلم و المعرفة،لأنّ اللّه أخبر عنهم أنّهم على علم و معرفة.(7:94)

ابن عاشور :قوله اَلَّذِينَ خَسِرُوا... استئناف لزيادة إيضاح تصلّب المشركين و إصرارهم،فهم المراد ب اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ كما أريدوا بنظيره السّابق الواقع بعد قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ النّساء:87.

فهذا من التّكرير للتّسجيل و إقامة الحجّة و قطع المعذرة،و أنّهم مصرّون على الكفر حتّى و لو شهد بصدق الرّسول أهل الكتاب،كقوله: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ الأحقاف:10.

و قيل:أريد بهم أهل الكتاب،أي الّذين كتموا الشّهادة،فيكون اَلَّذِينَ خَسِرُوا بدلا من اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ. (6:49)

مكارم الشّيرازيّ: أي أنّ الّذين لا يؤمنون بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله-مع كلّ ما تحيطه من دلائل و علامات واضحة-هم فقط أولئك الّذين خسروا كلّ شيء في تجارة الحياة.(4:225)

فضل اللّه :الكافرون خسروا أنفسهم

هل كان أهل الكتاب يجهلون النّبيّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله ليحتاجوا في معرفة نبوّته إلى برهان،و ليثيروا حوله جدلا عقيما يتناوله كإنسان،و يتناول صفته كرسول،

ص: 755

و موقعه كداعية إلى اللّه؟إنّ القرآن ينفي ذلك،لأنّ التّوراة تحدّثت عن صفاته،و التّاريخ الّذي يتداولونه كان يؤكّد لهم ظهوره أو خروجه للأجيال اللاّحقة،و لهذا كانوا يستفتحون به على الكافرين قبل ظهور أمره.و يثير القرآن القضيّة على أساس وضوحها الكامل الّذي يجعل من الاقتناع بها أمرا غير قابل للجدل،فأهل الكتاب يعرفون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كما يعرفون أبناءهم من حيث الذّات و الصّفة،فلذلك لا يمكن لمن يحترم نفسه منهم إلاّ أن يعرفه كما يعرف أولاده: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ...

الأنعام:20.

و لكنّهم لم يلتقوا مع أنفسهم في خطّ هذا الوضوح المشرق للحقيقة،بل ركنوا إلى العقد النّفسيّة المظلمة الّتي تحكّمت في داخلهم على أساس الأطماع و الشّهوات، و بذلك خسروا أنفسهم،لأنّ قضيّة الرّبح و الخسارة في الحياة لا تخضع لمقاييس الامتيازات الذّاتيّة الطّارئة الّتي تذوب و تزول في ما يذهب من أوضاع الحياة الفانية، لأنّها لا تمثّل هدفا للحياة بقدر ما تمثّل حاجات عادية لها،و لهذا فإنّها لا تصل إلى مستوى القيامة الّتي يضع الإنسان نفسه في موازينها،بل إنّ قضية الرّبح و الخسارة تحدّدها المبادئ الأساسيّة الّتي تحكم مسيرة الحياة في جوانبها المادّيّة و المعنويّة،و تمثّل-في طبيعتها-حركة الرّسالة،فتفتح للإنسان،نافذة على الدّنيا المسئولة من جهة،و نافذة على الآخرة المطمئنّة من جهة أخرى،و هذا ما عبّر عنه القرآن في دعوته الحاسمة،في قوله تعالى:

وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ المطفّفين:26.

و لن يحصل الإنسان على ذلك كلّه إلاّ بالإيمان باللّه، الّذي هو بداية كلّ خير،و منطلق كلّ صلاح و إصلاح، و المنهج الّذي يجمع له الدّنيا و الآخرة في ميزان واحد، من دون أن يطغى جانب منه على جانب،لأنّ ذلك هو معنى التّوازن في إنسانيّة الإنسان و واقعيّة الحياة.و لهذا فرّع القرآن عدم الإيمان على الخسارة،أو اعتبره مظهرا لها،فإذا فقد الإيمان فقد النّور الّذي يشرق في فكره و قلبه،و الهدى الّذي يفتح عيونه على الصّراط المستقيم، و النّهج الصّالح الّذي يخطّط له الحاضر و المستقبل.

و هكذا كان الموقف المتعنّت لهؤلاء في ما رفضوه من حقيقة المعرفة للرّسول خسارة لهم في داخل حياتهم و خارجها،لما تمثّله خسارة الإيمان من ضلال و ضياع في ظلمات التّيه.

خسارة النّفس أفظع أشكال الظّلم

و ليست قضيّة الخسارة هنا مجرّد خسارة ذاتيّة، و لكنّها أفظع أشكال الظّلم،و أيّ ظلم أعظم من أن يظلم الإنسان ربّه؟لا ظلم القوّة،لأنّ الإنسان يمثّل الضّعف كلّه أمام اللّه،و لكنّه ظلم الافتراء و الكذب،و الإساءة إلى مقام اللّه-الّذي خلقه و رزقه و تعهّده في كلّ حياته، بالرّحمة و الرّعاية التّامّة-في ما ينسبه إليه من الباطل، و في ما يكذّبه من آياته.ثمّ هو الظّلم الكبير للحياة و للإنسان،في ما يشوّهه من الحقائق،و يهدّمه من القضايا،و يضلّله من الخطوات.

فليست الأكاذيب الّتي يفتريها هؤلاء مجرّد كلمات تتحرّك في الهواء،و ليست المواقف الّتي يقفونها ضدّ شريعة اللّه مجرّد مواقف تتجمّد في حياة أصحابها،

ص: 756

و لكنّها تتحوّل إلى شريعة من شرائع الباطل الّتي يدين بها النّاس باسم الحقّ،أو سنّة يقتدي بها النّاس في ما يقتدون به من سنن الأوّلين،لأنّ أصحابها يمثّلون انتماء دينيّا،له قداسة الدّين في ما يعتقده النّاس،و يملكون موقعا كبيرا له احترامه العميق،في ما يعيشه النّاس من احترام المقامات الكبيرة،و لهذا كانت القضيّة تشكّل خطرا مستقبليّا على مستوى الفكر و العمل،ممّا جعل من ممارستها ممارسة لأكبر أنواع الظّلم،لأنّ أيّ ظلم غير هذا اللّون من الظّلم،يأخذ لنفسه حجما محدودا،و لا يستوعب الحياة الّتي تتحرّك في مسيرتها صعودا و هبوطا،من خلال مفاهيم الحقّ و الباطل، وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ الأنعام:21.

(9:55)

خسروا-الاخسرون

6- أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ* لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ.

هود:21،22

ابن عبّاس: غبنوا أنفسهم و أهاليهم و منازلهم و خدمهم في الجنّة،و ورثه غيرهم من المؤمنين.(183)

أي صاروا إلى النّار.الواحديّ(2:569)

...هُمُ الْأَخْسَرُونَ المغبونون بذهاب الجنّة و ما فيها...(183)

الطّبريّ: غبنوا أنفسهم حظوظها من رحمة اللّه حقّا إنّ هؤلاء القوم الّذين هذه صفتهم في الدّنيا و في الآخرة، هم الأخسرون الّذين قد باعوا منازلهم من الجنان، بمنازل أهل الجنّة من النّار،و ذلك هو الخسران المبين.(7:24)

نحوه المراغيّ.(12:22)

الزّجّاج: ...هُمُ الْأَخْسَرُونَ أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران.(3:46)

مثله الواحديّ(2:569)،و القرطبيّ(9:20).

الثّعلبيّ: ...هُمُ الْأَخْسَرُونَ يعني من غيرهم، و إن كان الكلّ في الخسار.(5:164)

مثله البغويّ.(2:444)

الطّوسيّ: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من حيث إنّهم فعلوا ما يستحقّون به العذاب،و هلكوا بذلك في خسران أنفسهم.و خسران النّفس أعظم الخسران، لأنّه ليس عنها عوض،و عن هلاك رأس المال عوض، فسلامة النّفس أجلّ فائدة،و ما كان بعده من نفع فهو ريح [إلى أن قال:]

و(هم)في قوله: هُمُ الْأَخْسَرُونَ يحتمل وجهين:

أحدهما:أن يكون فصلا،و اَلْأَخْسَرُونَ خبر(انّ)، و(هم)إذا كانت فصلا لم تقع في النّكرة.و قولهم:«ما كانوا في الدّراهم القائمون»فلا يكون إلاّ اسما،فإن جعلتها فصلا قلت:«كانوا في الدّراهم القائمون».(5:533)

نحوه الطّبرسيّ.(3:151)

الزّمخشريّ: اشتروا عبادة الآلهة بعبادة اللّه،فكان خسرانهم في تجارتهم ما لا خسران أعظم منه،و هو أنّهم خسروا أنفسهم...

هُمُ الْأَخْسَرُونَ لا ترى أحدا أبين خسرانا منهم.(2:264)

ص: 757

مثله البيضاويّ(1:465)،و نحوه النّسفيّ(2:184)، و الشّربينيّ(2:51)،و أبو السّعود(3:299).

ابن عطيّة: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بوجوب العذاب الأليم،و لا خسران أعظم من خسران النّفس.

(3:161)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و تقريره:هو أنّه لمّا أعطى الشّريف الرّفيع،و رضي بالخسيس الوضيع،فقد خسر في التّجارة،ثمّ لمّا كان هذا الخسيس بحيث لا يبقى بل لا بدّ و أن يهلك و يفني،انقلبت تلك التّجارة إلى النّهاية في صفة الخسارة،فلهذا قال:

لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ. (17:207)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و هو على حذف مضاف،أي راحة أو سعادة أنفسهم،و إلاّ فأنفسهم باقية معذّبة.[إلى أن قال:]

و لمّا كان خسران النّفس أعظم الخسران حكم عليهم بأنّهم هم الزّائدون في الخسران على كلّ خاسر من سواهم من العصاة مآله إلى الرّاحة،و إلى انقطاع خسرانه،بخلاف هؤلاء،فإنّ خسرانهم لا انقطاع له.(5:212)

السّمين:يجوز أن يكون(هم)فصلا،و أن يكون توكيدا و أن يكون مبتدأ و ما بعده الخبر،و الجملة خبر (ان).(4:88)

الكاشانيّ: خسروا بما بذلوا،وضاع عنهم ما حصّلوا،فلم يبق معهم سوى الحسرة و النّدامة.

...هُمُ الْأَخْسَرُونَ لا أحد أبين و أكثر خسرانا منهم.(2:439)

الآلوسيّ: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ باشتراء عبادة الآلهة بعبادة اللّه تعالى شأنه.و قيل:(خسروا) بسبب تبديلهم الهداية بالضّلالة و الآخرة بالدّنيا،وضاع عنهم ما حصّلوه بذلك التّبديل من متاع الحياة الدّنيا و الرّئاسة.[ثمّ نقل كلام أبي حيّان«فإنّ أنفسهم باقية معذّبة»و تعقّب:]بأنّ إبقاءه على ظاهره أولى،لأنّ البقاء في العذاب كلا بقاء.[ثمّ قال:]

...هُمُ الْأَخْسَرُونَ أي لا أحد أبين أو أكثر خسرانا منهم،ف«أفعل»للزّيادة إمّا في الكمّ أو الكيف، و تعريف المسند بلام الجنس لإفادة الحصر.و إن جعل هُمُ ضمير فصل أفاد تأكيد الاختصاص،و إن جعل مبتدأ و ما بعده خبره و الجملة خبر«أنّ»،أفاد تأكيد الحكم.(12:32)

ابن عاشور :الموصول في اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ مراد به الجنس المعروف بهذه الصّلة،أي إن بلغكم أنّ قوما خسروا أنفسهم فهم المفترون على اللّه كذبا،و خسارة أنفسهم:عدم الانتفاع بها في الاهتداء، فلمّا ضلّوا فقد خسروها...

و جملة: لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ مستأنفة فذلكة،و نتيجة للجمل المتقدّمة من قوله:

أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ هود:18،لأنّ ما جمع لهم من الزّجّ للعقوبة،و من افتضاح أمرهم،و من إعراضهم عن استماع النّذر،و عن النّظر في دلائل الوحدانيّة،يوجب اليقين بأنّهم الأخسرون في الآخرة...[إلى أن قال:]

و عبّر عمّا لحقهم من الضّرّ بالخسارة استعارة،لأنّه

ص: 758

ضرّ أصابهم من حيث كانوا يرجون المنفعة،فهم مثل التّجّار الّذين أصابتهم الخسارة من حيث أرادوا الرّبح.

و إنّما كانوا أخسرين،أي شديدي الخسارة،لأنّهم قد اجتمع لهم من أسباب الشّقاء و العذاب ما افترق بين الأمم الضّالّة،و لأنّهم شقوا من حيث كانوا يحسبونه سعادة،قال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً* اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف:103،104،فكانوا أخسرين، لأنّهم اجتمعت لهم خسارة الدّنيا و الآخرة.

و ضمير هُمُ الْأَخْسَرُونَ ضمير فصل يفيد القصر،و هو قصر ادّعائيّ،لأنّهم بلغوا الحدّ الأقصى في الخسارة،فكأنّهم انفردوا بالأخسريّة.(11:233)

الطّباطبائيّ: أمّا خسرانهم فإنّ الإنسان لا يملك بالحقيقة-و ذلك بتمليك من اللّه تعالى-إلاّ نفسه،و إذا اشترى لنفسه ما فيه هلاكها و ضيّعتها بالكفر و المعصية،فقد خسر-في هذه المعاملة الّتي أقدم عليها- نفسه،فخسران النّفس كناية عن الهلاك.[إلى أن قال:]

و وجه كونهم في الآخرة هم الأخسرين-إن فرض أنّهم أخسر بالنّسبة إلى غيرهم من أهل المعاصي-هو أنّهم خسروا أنفسهم بإهلاكها و إضاعتها بالكفر و العناد،فلا مطمع في نجاتهم من النّار في الآخرة،كما لا مطمع في أن يفوزوا في الدّنيا،و يسعدوا بالإيمان ما داموا على العناد.

قال تعالى: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الأنعام:12،و قال تعالى في هؤلاء المختوم على سمعهم و أبصارهم و قلوبهم: وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ* وَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يس 9،10.

و قال أيضا في سبب عدم إمكان إيمانهم: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ الجاثية:23.

و إن فرض أنّهم أخسر بالنّسبة إلى الدّنيا،فذلك لكونهم بكفرهم و صدّهم عن سبيل اللّه حرموا سعادة الحياة الّتي يمهّدها لهم الدّين الحقّ،فخسروا في الدّنيا كما خسروا في الآخرة،لكنّهم في الآخرة أخسر،لكونها دائمة مخلّدة،و أمّا الدّنيا فليست إلاّ قليلا.قال تعالى:

كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ الأحقاف:35.

على أنّ الأعمال تشتدّ و تتضاعف في الآخرة بنتائجها،كما قال تعالى: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلاً الإسراء:72.

و أحسن الوجهين أوّلهما،لأنّ ظاهر الآية حصر الأخسرين فيهم،دون إثبات أخسريّتهم في الآخرة قبال الدّنيا.(10:192)

مكارم الشّيرازيّ: ... خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ و هذه أعظم خسارة يمكن أن تحجب الإنسانيّة إذ يخسر الإنسان وجوده الإنسانيّ...

... هُمُ الْأَخْسَرُونَ و السّبب واضح،لأنّهم حرموا من نعمة السّمع الحادّ و البصر النّافذ،و خسروا كلّ إنسانيّتهم و وجودهم،و مع هذه الحال فقد حملوا

ص: 759

أثقال مسئوليّتهم،و أثقال الآخرين مع أثقالهم.

(6:471)

فضل اللّه :فقد واجهوا الهلاك الأبديّ بكفرهم،ممّا جعلهم يخسرون كلّ شيء بخسارتهم قضيّة المصير، و ذلك هو معنى خسارة النّفس،لأنّ الحياة في العذاب لا تمثّل حياة،بل موتا محتوما هو أقسى من الموت الطّبيعيّ،الّذي يمنح الإنسان الرّاحة السّلبيّة لعدم الإحساس معه بالألم و العذاب،بينما لا يذوق الإنسان المعذّب بالنّار طعم الحياة،و لا يملك راحة الميّت،كما جاء في قوله تعالى: ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى الأعلى:13، و تلك هي الخسارة العظمى.[إلى أن قال:]

أمّا الوجه في أنّهم هم الأخسرون،فقد يكون الأساس فيه اعتقادهم بأنّ الحياة هي الفرصة الأخيرة للإنسان،لإنكارهم لليوم الآخر،و لهذا فإنّهم لا ينتظرون أيّ عقاب على أعمالهم،فيستسلمون لشهواتهم و أطماعهم في استرخاء لذيد،فإذا بهم يفاجأون بعذاب ينتظرهم في الآخرة،لا يتوقّعون مثله،بينما ينتظر غيرهم من العاصين العذاب،فلا تصدفهم المفاجأة.و قد يكون الأساس أنّ الكافرين يفقدون كلّ شيء في الآخرة،بينما لا يفقد العاصون الّذين لا يخلّدون في النّار،إذا عذّبوا فيها، إلاّ بعضا من فرص الآخرة،و اللّه العالم.(12:46)

خسروا-الخاسرين-الخسران

7- فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ. الزّمر:15

ابن عبّاس: إِنَّ الْخاسِرِينَ المغبونين اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ غبنوا أنفسهم بذهاب الدّنيا و الآخرة وَ أَهْلِيهِمْ خدمهم و منازلهم في الجنّة يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ: الغبن البيّن بذهاب الدّنيا و الآخرة.(387)

هم الكفّار الّذين خلقهم اللّه للنّار،و خلق النّار لهم، فزالت عنهم الدّنيا،و حرّمت عليهم الجنّة،قال اللّه:

خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ... الحجّ:11.

(الطّبريّ 10:623)

ليس من أحد إلاّ و قد خلق اللّه له زوجة في الجنّة، فإذا دخل النّار خسر نفسه و أهله.فمن عمل بطاعة اللّه كان له ذلك المنزل و الأهل،إلاّ ما كان له قبل ذلك،و هو قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ المؤمنون:

10.(القرطبيّ 15:243)

مجاهد :غبنوا أنفسهم و أهليهم،يخسرون أهليهم، فلا يكون لهم أهل يرجعون إليهم،و يخسرون أنفسهم، فيهلكون في النّار،فيموتون و هم أحياء فيخسرونهما.

(الطّبريّ 10:623)

الحسن : خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بما حرّموها من الجنّة،و أهليهم من الحور العين الّذين أعدّوا لهم في الجنّة.

مثله قتادة.(الماورديّ 5:119)

قتادة :كأنّ اللّه قد أعدّ لهم أهلا في الجنّة فخسروهم.(أبو حيّان 7:403)

ابن زيد :هؤلاء أهل النّار،خسروا أنفسهم في الدّنيا،و خسروا الأهلين،فلم يجدوا في النّار أهلا،و قد كان لهم في الدّنيا أهل.(الطّبريّ 10:623)

ص: 760

الطّبريّ: قل يا محمّد لهم:إنّ الهالكين الّذين غبنوا أنفسهم،و هلكت بعذاب اللّه أهلوهم مع أنفسهم،فلم يكن لهم إذ دخلوا النّار فيها أهل،و قد كان لهم في الدّنيا أهلون.[إلى أن قال:]

أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ: ألا،إنّ خسران هؤلاء المشركين أنفسهم و أهليهم يوم القيامة-و ذلك هلاكها-هو الخسران المبين هو الهلاك الّذي يبيّن لمن عاينه و علمه أنّه الخسران.(10:623)

الزّجّاج: هذا يعني به الكفّار،فإنّهم خسروا أنفسهم بالتّخليد في النّار،و خسروا أهليهم،لأنّهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الّذين لهم أهل في الجنّة،ثمّ بيّن حالهم،فقال: أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ.

(4:348)

الماورديّ: قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ... فيه ثلاث تأويلات:[الأوّل و الثّاني و هما قول مجاهد و الحسن]

الثّالث:خسروا أنفسهم و أهليهم بأن صاروا هم بالكفر إلى النّار،و صار أهلوهم بالإيمان إلى الجنّة،و هو محتمل.(5:119)

الطّوسيّ: إِنَّ الْخاسِرِينَ في الحقيقة هم اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بأن فعلوا المعاصي،فخسروا بذلك أهاليهم الّذين كانوا معدّين لهم من الحور العين لو أطاعوه-في قول الحسن- و خسروا أنفسهم أي أهلكوها بالعذاب المهين الظّاهر لمن أدركه،و لا يخفى على أحد الحال فيه. أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ يعني الظّاهر الّذي لا يخفى.(159)

الزّمخشريّ: قل إنّ الكاملين في الخسران الجامعين لوجوهه و أسبابه،هم اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ لوقوعها في هلكة لا هلكة بعدها و خسروا أَهْلِيهِمْ لأنّهم[إن]كانوا من أهل النّار،فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم،و إن كانوا من أهل الجنّة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده إليهم.

و قيل:و خسروهم لأنّهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الّذين لهم أهل في الجنّة،يعني:و خسروا أهليهم الّذين كانوا يكونون لهم لو آمنوا.و لقد وصف خسرانهم بغاية الفظاعة في قوله: أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ حيث استأنف الجملة،و صدّرها بحرف التّنبيه،و وسّط الفصل بين المبتدإ و الخبر.و عرّف الخسران و نعته بالمبين.

(3:392)

نحوه البيضاويّ(2:319)،و النّسفيّ ملخّصا(4:

53)،و شبّر(5:307).

ابن عطيّة: اَلَّذِينَ في موضع رفع،خبر، ل(أنّ)قوله: وَ أَهْلِيهِمْ قيل:معناه أنّهم خسروا الأهل الّذي كان يكون لهم لو كانوا من أهل الجنّة،فهذا كما لو قال:خسروا أنفسهم و نعيمهم،أي الّذي كان يكون بهم.

و قيل:أراد الأنفس و الأهلين الّذين كانوا في الدّنيا، لأنّهم صاروا في عذاب النّار،ليس لهم نفوس مستقرّة، و لا بدل من أهل الدّنيا،و من له في الجنّة قد صار له إمّا أهله،و إمّا غيرهم-على الاختلاف فيما يؤثر في ذلك- فهو على كلّ حال لا خسران معه بتّة.(4:524)

الفخر الرّازيّ: بيّن تعالى كمال الزّجر بقوله: قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ... لوقوعها في هلاك لا يعقل هلاك أعظم

ص: 761

منه،و خسروا أهليهم أيضا،لأنّهم إن كانوا من أهل النّار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم،و إن كانوا من أهل الجنّة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده البتّة.[إلى أن قال:]

و لمّا شرح اللّه خسرانهم وصف ذلك الخسران بغاية الفظاعة،فقال: أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ كان التّكرير لأجل التّأكيد.

الثّاني:أنّه تعالى ذكر في أوّل هذه الكلمة حرف(الا) و هو للتّنبيه،و ذكر التّنبيه في هذا الموضع يدلّ على التّعظيم،كأنّه قيل:إنّه بلغ في العظمة إلى حيث لا تصل عقولكم إليها فتنبّهوا لها.

الثّالث:أنّ كلمة(هو)في قوله: هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ تفيد الحصر،كأنّه قيل:كلّ خسران فإنّه يصير في مقابلته كلا خسران.

الرّابع:وصفه بكونه«مبينا»يدلّ على التّهويل.

و أقول:قد بيّنّا أنّ لفظ الآية يدلّ على كونه خسرانا مبينا فتبيّن بحسب المباحث العقليّة كونه خسرانا مبينا.

و أقول:نفتقر إلى بيان أمرين إلى أن يكون خسرانا،ثمّ كونه مبينا:

أمّا الأوّل:فتقريره أنّه تعالى أعطى هذه الحياة و أعطى العقل،و أعطى المكنة و كلّ ذلك رأس المال؛أمّا هذه الحياة فالمقصود منها أن يكتسب فيها الحياة الطّيّبة في الآخرة.

و أمّا العقل فإنّه عبارة عن العلوم البديهيّة،و هذه العلوم هي رأس المال و النّظر.و الفكر لا معنى له إلاّ ترتيب علوم ليتوصّل بذلك التّرتيب إلى تحصيل علوم كسبيّة.فتلك العلوم البديهيّة المسمّاة بالعقل رأس المال، و تركيبها على الوجوه المخصوصة يشبه تصرّف التّاجر في رأس المال،و تركيبها على الوجوه بالبيع و الشّراء، و حصول العلم بالنّتيجة يشبه حصول الرّبح.

و أيضا حصول القدرة على الأعمال يشبه رأس المال،و استعمال تلك القوّة في تحصيل أعمال البرّ و الخير يشبه تصرّف التّاجر في رأس المال،و حصول أعمال الخير و البرّ يشبه الرّبح.

إذا ثبت هذا فنقول:إنّ من أعطاه اللّه الحياة و العقل و التّمكّن،ثمّ إنّه لم يستفد منها،لا معرفة الحقّ و لا عمل الخير البتّة،كان محروما عن الرّبح بالكلّيّة،و إذا مات فقد ضاع رأس المال بالكلّيّة،فكان ذلك خسرانا،فهذا بيان كونه خسرانا.

و أمّا الثّاني:و هو بيان كون ذلك الخسران مبينا،فهو أنّ من لم يربح الزّيادة و لكنّه مع ذلك سلم من الآفات و المضارّ،فهذا كما لم يحصل له مزيد نفع،لم يحصل له أيضا مزيد ضرر.أمّا هؤلاء الكفّار فقد استعملوا عقولهم الّتي هي رأس مالهم في استخراج وجوه الشّبهات،و تقوية الجهالات و الضّلالات،و استعملوا قواهم و قدرهم في أفعال الشّرّ و الباطل و الفساد فهم قد جمعوا بين أمور في غاية الرّداءة:

أوّلها:أنّهم أتعبوا أبدانهم و عقولهم طلبا في تلك العقائد الباطلة و الأعمال الفاسدة.

و ثانيها:أنّهم عند الموت يضيع عنهم رأس المال من غير فائدة.

و ثالثها:أنّ تلك المتاعب الشّديدة الّتي كانت

ص: 762

موجودة في الدّنيا في نصرة تلك الضّلالات،تصير أسبابا للعقوبة الشّديدة و البلاء العظيم بعد الموت.

و عند الوقوف على هذه المعاني يظهر أنّه لا يعقل خسران أقوى من خسرانهم،و لا حرمان أعظم من حرمانهم.و نعوذ باللّه منه.(26:255)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ(23:120)،و الشّربينيّ (3:438).

أبو حيّان : قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ أي حقيقة الخسران اَلَّذِينَ خَسِرُوا أي هم الّذين خسروا أَنْفُسَهُمْ حيث صاروا من أهل النّار. وَ أَهْلِيهِمْ الّذين كانوا معهم في الدّنيا،حيث كانوا معهم في النّار.فلم ينتفعوا منهم بشيء،و إن كان أهلوهم قد آمنوا، فخسرانهم إيّاهم كونهم لا يجتمعون بهم،و لا يرجعون إليهم...

ثمّ ذكر ذلك الخسران،و بالغ فيه في التّنبيه عليه أوّلا،و الإشارة إليه،و تأكيده بالفعل،و تعريفه ب«أل»، و وصفه بأنّه اَلْمُبِينُ، أي الواضح،لمن تأمّله أدنى تأمّل.(7:402)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و فيه أنّ المحذور ذهاب ما لو آب لانتفع به الخاسر، و ذلك غير متصوّر في الشّقّ الأخير.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ:«و قيل:و خسروهم لأنّهم...»و أضاف:]

و أيّا ما كان فليس المراد مجرّد تعريف الكاملين في الخسران بما ذكر،بل بيان أنّهم هم،إمّا بجعل الموصول عبارة عنهم،أو عمّا هم مندرجون فيه اندراجا أوّليّا.

(5:385)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]

و لو أبقي يوم القيامة على ظاهره،لأنّه يتبيّن فيه أمرهم و يتحقّق مبدأ خسرانهم،صحّ على ما قيل.

(23:251)

ابن عاشور :أعقب أمر التّسوية في شأنهم بشيء من الموعظة حرصا على إصلاحهم على عادة القرآن، و لوحظ في إبلاغهم هذه الموعظة مقام ما سبق من التّخلية بينهم و بين شأنهم،جمعا بين الإرشاد و بين التّوبيخ،فجيء بالموعظة على طريق التّعريض و الحديث عن الغائب،و المراد:المخاطبون.

و افتتح المقول بحرف التّوكيد تنبيها على أنّه واقع و تعريف.(الخاسرين)تعريف الجنس،أي أنّ الجنس الّذين عرفوا بالخسران هم الّذين خسروا أنفسهم و أهليهم.

و تعريف المسند و المسند إليه من طريق القصر، فيفيد هذا التّركيب قصر جنس الخاسرين على الّذين خسروا أنفسهم و أهليهم،و هو قصر مبالغة لكمال جنس الخسران في الّذين خسروا أنفسهم و أهليهم، فخسران غيرهم كلا خسران،و لهذا يقال في لام التّعريف في مثل هذا التّركيب:إنّها دالّة على معنى الكمال،فليسوا يريدون أنّ معنى الكمال من معاني لام التّعريف.

و لمّا كان الكلام مسوقا بطريق التّعريض بالّذين دار الجدال معهم من قوله: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ إلى قوله: فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ الزّمر:7،15، علم أنّ المراد بالّذين خسروا أنفسهم و أهليهم هم الّذين

ص: 763

جرى الجدال معهم،فأفاد معنى:أنّ الخاسرين أنتم،إلاّ أنّ وجه العدول عن الضّمير إلى الموصوليّة في قوله:

اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ لإدماج وعيدهم بأنّهم يخسرون أنفسهم و أهليهم يوم القيامة.

و معنى خسرانهم أنفسهم:أنّهم تسبّبوا لأنفسهم في العذاب في حين حسبوا أنّهم سعوا لها في النّعيم و النّجاح، و هو تمثيل لحالهم في إيقاع أنفسهم في العذاب-و هم يحسبون أنهم يلقونها في النّعيم-بحال التّاجر الّذي عرض ماله للنّماء و الرّبح فأصيب بالتّلف،فأطلق على هذه الهيئة تركيب خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، و قد تقدّم في قوله تعالى: وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ في أوّل سورة الأعراف:9.

و أمّا خسرانهم أهليهم فهو مثل خسرانهم أنفسهم، و ذلك أنّهم أغروا أهليهم من أزواجهم و أولادهم بالكفر،كما أوقعوا أنفسهم فيه،فلم ينتفعوا بأهليهم في الآخرة و لم ينفعوهم: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ عبس:37،و هذا قريب من قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً التّحريم:6.

فكان خسرانهم خسرانا عظيما.

فقوله: أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ استئناف، هو بمنزلة الفذلكة و النّتيجة من الكلام السّابق،لأنّ وصف اَلَّذِينَ خَسِرُوا بأنّهم خسروا أحبّ ما عندهم،و بأنّهم الّذين انحصر فيهم جنس الخاسرين، يستخلص منه أنّ خسارتهم أعظم خسارة و أوضحها للعيان،و لذلك أوثرت خسارتهم باسم الخسران الّذي هو اسم مصدر الخسارة دالّ على قوّة المصدر و المبالغة فيه.

و أشير إلى العناية و الاهتمام بوصف خسارتهم،بأن افتتح الكلام بحرف التّنبيه داخلا على اسم الإشارة المفيد تمييز المشار إليه أكمل تمييز،و بتوسّط ضمير الفصل المفيد للقصر-و هو قصر ادّعائيّ-و القول فيه كالقول في الحصر في قوله: إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ. (24:46)

عبد الكريم الخطيب :إنّ العبرة في الرّبح أو الخسارة،هي في الحساب الختاميّ،الّذي يسوّى فيه حساب الإنسان.أمّا هذا الحساب اليوميّ في هذه الدّنيا، فإنّه لا يكشف عن المركز الصّحيح للإنسان.

هكذا يعرف النّاس شئونهم في هذه الدّنيا،إنّهم يقيمون موازين حياتهم لا على لحظة عابرة،و لا على يوم يعيشون فيه،و إنّما ينظرون إلى الغد،و ما بعد الغد.

و حياتهم الدّنيويّة،هذه-لو عقلوا-لحظة من لحظات حياتهم الممتدّة إلى ما وراء هذه الحياة،و أنّها ليست إلاّ يوما،أو بعض يوم،و إنّه لضلال مبين أن يقيم المرء حسابه كلّه على ميزان،يوم أو بعض يوم،حتّى إذا طلع عليه صبح يوم جديد،و لم يكن قد عمل له حسابا،وجد نفسه و لا شيء معه.و هنا يكون النّدم،و يكون الخسران.

و الخاسرون حقّا،هم اولئك الّذين أقاموا ميزانهم على هذه الحياة الدّنيا،و لم يجعلوا للآخرة حسابا،إنّهم يجيئون إلى الحياة الآخرة،و قد صفرت أيديهم من كلّ خير يجدونه في هذا اليوم،بل سيجدون ديونا كثيرة هم مطالبون بها،و لا يقدرون على أداء شيء منها،إلاّ

ص: 764

الحبس في جهنّم،وفاء لهذه الدّيون!

و السّؤال هنا:إذا خسر المجرمون أنفسهم،و أوردوها موارد الهلاك يوم القيامة،فكيف تكون خسارتهم لأهليهم في هذا اليوم؟

و الجواب-و اللّه أعلم-من وجهين:

الوجه الأوّل:أنّ أهل الضّلال لا يلتقي بعضهم ببعض يوم القيامة إلاّ على عداوة و خصام،و إلاّ على قطيعة و نفور،كما يقول اللّه تعالى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَ مَأْواكُمُ النّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ العنكبوت:25.

فأهل الضّلال بعضهم فتنة لبعض،و من هنا يقع بينهم يوم القيامة هذا الخصام،و تلك العداوة،و من هنا يلتفت الضّالّ،فلا يجد حوله في جهنّم إلاّ وجوها كالحة تلعنه،و ترمي إليه بالعداوة،ممّن كانوا هم أقرب النّاس إليه في الدّنيا،من أهل و صديق.

و الوجه الثّاني:أنّ خسارة الضّالّ لأهله يوم القيامة، هو تفرّقهم عنه،فلا يلتقي بهم إذا كانوا في الجنّة،أمّا إذا كانوا في جهنّم فإنّ لقاءه بهم حسرة و بكاء و عويل،على خلاف لقاء المؤمنين؛حيث يجمعهم اللّه بأهليهم، و بإخوانهم من أهل الجنّة،فيتضاعف لذلك سرورهم و نعيمهم،كما يقول سبحانه: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الطّور:21،و كما يقول سبحانه عن أهل الإيمان: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ الزّخرف:70.(12:1133)

الطّباطبائيّ: الخسر و الخسران:ذهاب رأس المال إمّا كلاّ أو بعضا،و الخسران أبلغ من الخسر.

و خسران النّفس هو إيرادها مورد الهلكة و الشّقاء بحيث يبطل منها استعداد الكمال،فتفوتها السّعادة بحيث لا يطمع فيها،و كذا خسارة الأهل.

و في الآية تعريض للمشركين المخاطبين بقوله:

فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ كأنّه يقول:فأيّا ما عبدتم فإنّكم تخسرون أنفسكم بإيرادها بالكفر مورد الهلكة، و أهليكم و هم خاصّتكم بحملهم على الكفر و الشّرك، و هي الخسران بالحقيقة.

و قوله: أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ و ذلك لأنّ الخسران المتعلّق بالدّنيا-و هو الخسران في مال أو جاه- سريع الزّوال منقطع الآخر،بخلاف خسران يوم القيامة الدّائم الخالد،فإنّه لا زوال له و لا انقطاع.

على أنّ المال أو الجاه إذا زال بالخسران أمكن أن يخلفه آخر مثله أو خير منه،بخلاف النّفس إذا خسرت.

هذا على تقدير كون المراد بالأهل خاصّة:الإنسان في الدّنيا.و قيل:المراد بالأهل من أعدّه اللّه في الجنّة للإنسان لو آمن و اتّقى من أزواج و خدم و غيرهم،و هو أوجب و أنسب للمقام،فإنّ النّسب و كلّ رابطة من الرّوابط الدّنيويّة الاجتماعيّة مقطوعة يوم القيامة.قال تعالى: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ المؤمنون:101، و قال: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً الانفطار:19، إلى غير ذلك من الآيات.

و يؤيّده أيضا قوله تعالى: فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً* وَ يَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً الانشقاق:7-9.(17:248)

مكارم الشّيرازيّ: أي إنّهم لم يستثمروا وجودهم

ص: 765

و عمرهم،و إنّ عوائلهم و أولادهم لا يتمكّنون من إنقاذهم،و لا من إعادة ماء الوجه المراق إليهم،و لن يشفعوا لهم عند اللّه،و هذا هو الخسران العظيم أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ. [إلى أن قال:]

ملاحظات:

1-حقيقة الخسران و الخسارة

قال الرّاغب في«مفرداته»:إنّ الخسران يعني ذهاب رأس المال كلّه أو بعضه،و أحيانا تنسب إلى الإنسان، عند ما يقال:الشّخص الفلاني خسر،و أحيانا تنسب إلى العمل عند ما يقولون:خسرت تجارته.

و تستخدم كلمة«خسران»أحيانا في حالة فقدان الثّروة الظّاهريّة،كالمال و الجاه الدّنيوي،و أحيانا أخرى تستخدم في حالة فقدان ثروة معنويّة كالصّحّة و السّلامة و العقل و الإيمان و الثّواب،و هذا هو الشّيء الّذي سمّاه البارئ عزّ و جلّ اَلْخُسْرانُ الْمُبِينُ فكلّ خسران ذكره البارئ عزّ و جلّ في القرآن الكريم إنّما يشير إلى المعنى الثّاني،و ليس إلى الخسران الخاصّ بثروات الدّنيا و تجارتها.

شبّه القرآن الإنسان بتجارة الأثرياء الّذين يدخلون أسواق التّجارة العالميّة برءوس أموال كبيرة، فالبعض منهم يجني أرباحا كبيرة،و البعض الآخر يخسر خسارة فادحة.

آيات كثيرة في القرآن المجيد تطرّقت إلى مثل هذا التّعبير و التّشبيه،و في الواقع فإنّها توضّح الحقيقة الثّانية:

إنّ النّجاة من العذاب الإلهيّ لا تتحقّق بالجلوس و انتظار هذا و ذاك،و إنّ السّبيل الوحيد للنّجاة هو الاستفادة من الثّروة،و بذل الجهود و المساعي في هذه التّجارة الكبيرة، لأنّ كلّ شيء يعطى بثمن،و لا يعطى بالمعاذير.

و قد يتساءل البعض:ما هي أسباب وصف خسارة المشركين و المذنبين بالخسران المبين؟

الجواب هو:

أوّلا:لأنّهم باعوا أفضل ثروة لديهم-أي العمر و العقل و الإدراك و عواطف الحياة-بدون مقابل.

ثانيا:لو أنّهم كانوا قد باعوا تلك الثّروة من دون أن يشتروا العذاب و العقاب لكان أمرا هيّنا بعض الشّيء، لكنّ الأمر لم يكن كذلك؛إذ إنّهم بخسرانهم لتلك الثّروة العظيمة كانوا قد هيّئوا لأنفسهم عذابا أليما و عظيما.

ثالثا:إنّ الخسارة الّتي لا يمكن أن تعوّض بأيّ ثمن كان هي الخسران المبين.

2-عبارة: فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ جاءت بصيغة أمر تهديديّ،و هذا الأسلوب يستعمل عند ما لا تؤثّر النّصيحة و الموعظة بالشّخص المجرم و المذنب؛إذ إنّ آخر ما يقال له:«افعل ما تشاء،و لكن انتظر العقاب أيضا».

و يعني أنّك وصلت إلى درجة لا تستحقّ معها النّصيحة و الموعظة،و أنّ مصيرك و علاجك هو العذاب الأليم.

3-من هم الأهل؟

الآيات المذكورة تقول:إنّ أولئك الخاسرين لم يخسروا ثروة وجودهم فحسب،و إنّما خسروا ثروة وجود أهليهم أيضا.

بعض المفسّرين قال:إنّ المراد من«أهل»هم أتباع الإنسان و السّائرون على نهجه.

و البعض الآخر فسّرها بأنّها تعني الزّوجات

ص: 766

القاصرات الطّرف في الجنّة،اللّواتي خسرهنّ المشركون و المجرمون.

و البعض الآخر يقول:إنّها تعني العائلة و الأقارب في الدّنيا.

و المعنى الأخير-مع الالتفات إلى المعنى الأصليّ لهذه الكلمة-يعدّ أنسب من الجميع،لأنّ الكافر يخسر أهله يوم القيامة؛إذ يفصلون عنه،إن كانوا مؤمنين،و أمّا إذا كانوا مشركين سيكونون معه في جهنّم ليتلقّوا أشدّ أنواع العذاب الأليم.(15:42)

8- ..إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ. الشّورى:45

مثل ما قبلها.

يخسر

وَ لِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ. الجاثية:27

مثل ما قبلها.

خاسرون

1- وَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ. الأعراف:90

ابن عبّاس: لجاهلون مغبونون.(133)

الضّحّاك: فجرة.(الثّعلبيّ 4:262)

عطاء:جاهلون.(الثّعلبيّ 4:262)

الطّبريّ: يقول:لمغبونون في فعلكم،و ترككم ملّتكم الّتي أنتم عليها مقيمون إلى دينه الّذي يدعوكم إليه،و هالكون بذلك من فعلكم.(6:5)

الطّوسيّ: إِنَّكُمْ جواب القسم،و«اللاّم»في لَخاسِرُونَ لام التّأكيد في خبر(انّ)،و الخسران:

ذهاب رأس المال،فكأنّهم قالوا:لئن تبعتموه كنتم بمنزلة من ذهب رأس ماله أو أعظم من ماله،لأنّكم لا تنتفعون باتّباعه،فتخسرون في اشتغالكم بما لا تنتفعون به، و بانقضاء عمركم إذ لم تكسبوا فيه نفعا لأنفسكم.

و قيل:معناه:لهالكون،و قيل:لمفتونون.(4:501)

نحوه ملخّصا الطّبرسيّ.(2:450)

البغويّ: مغبونون.(2:215)

الزّمخشريّ: لَخاسِرُونَ لاستبدالكم الضّلالة بالهدى،كقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:16.

و قيل:تخسرون باتّباعه فوائد البخس و التّطفيف، لأنّه ينهاكم عنهما و يحملكم على الإيفاء و التّسوية.

فإن قلت:ما جواب القسم الّذي وطأته«اللاّم»في لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً و جواب الشّرط؟

قلت:قوله: إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ سادّ مسدّ الجوابين.(2:97)

نحوه البيضاويّ(1:359)،و النّسفيّ(2:65)، و الشّربينيّ(1:494)،و أبو السّعود(3:7).

الفخر الرّازيّ: اختلفوا فقال بعضهم:خاسرون في الدّين،و قال آخرون:خاسرون في الدّنيا،لأنّه يمنعكم من أخذ الزّيادة من أموال النّاس،و عند هذا المقال كمل حالهم في الضّلال أوّلا،و في الإضلال ثانيا،فاستحقّوا

ص: 767

الإهلاك.(14:181)

القرطبيّ: أي:هالكون.(7:251)

الآلوسيّ: أي مغبونون،لاستبدالكم الضّلالة بالهدى،و لفوات ما يحصل لكم بالبخس و التّطفيف.

فالخسران على الأوّل استعارة،و على الثّاني حقيقة...

و إِذاً حرف جواب و جزاء معترض-كما قال غير واحد-بين اسم(انّ)و خبرها.و قيل:هي«إذ» الظّرفيّة الاستقباليّة،و حذفت الجملة المضاف إليها و عوّض عنها التّنوين،و ردّه أبو حيّان بأنّه لم يقله أحد من النّحاة،و الجملة جواب للقسم الّذي وطّأته«اللاّم» بدليل عدم الاقتران ب«الفاء»،و سادّة مسدّ جواب الشّرط.و ليست جوابا لهما-كما يوهمه كلام بعضهم- لأنّه-كما قيل:مع مخالفته للقواعد النّحويّة-يلزم فيه أن يكون جملة واحدة لها محلّ من الإعراب،و لا محلّ لها، و إن جاز باعتبارين.(9:6)

المراغيّ: إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ في فعلكم و ترككم ملّتكم الّتي أنتم عليها مقيمون،إلى دينه الّذي يدعوكم إليه.

و عمّموا الخسران ليشمل خسران الشّرف و المجد؛ إذ بإيثاركم ملّته على ملّة آبائكم و أجدادكم تعترفون بأنّهم كانوا ضالّين و معذّبين عند اللّه،و خسران الثّروة و الرّبح بما تحترفونه من تطفيف الكيل و الميزان و بخس الغرباء أشياءهم لابتزاز أموالهم.(9:9)

ابن عاشور :«اللاّم»موطّئة للقسم.و إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ جواب القسم،و هو دليل على جواب الشّرط محذوف،كما هو الشّأن في مثل هذا التّركيب.

و الخسران تقدّم عند قوله تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ الأنعام:140،و هو مستعار لحصول الضّرّ من حيث أريد النّفع،و المراد به هنا:التّحذير من أضرار تحصل لهم في الدّنيا من جرّاء غضب آلهتهم عليهم،لأنّ الظّاهر أنّهم لا يعتقدون البعث،فإن كانوا يعتقدونه، فالمراد الخسران الأعمّ،و لكنّ الأهم عندهم هو الدّنيويّ.(8:202)

مكارم الشّيرازيّ: هذا هو الّذي كان يقوله معارضو شعيب،لمن كان يميل إلى الإيمان بشعيب عليه السّلام.

و المقصود من الخسارة هنا:الخسارات المادّيّة الّتي تصيب المؤمنين بدعوة شعيب؛إذ من المسلّم أنّهم ما كانوا ليعودون إلى عقيدة الوثنيّة،و على هذا الأساس كان يجب أن يخرجوا من بلدهم و ديارهم بالقهر، و يتركوا بيوتهم و أملاكهم.

و هناك احتمال آخر في تفسير الآية،و هو أنّ مرادهم هو الأضرار المعنويّة بالإضافة إلى الأضرار المادّيّة، لأنّهم كانوا يتصوّرون أنّ طريق النّجاة يتمثّل في الوثنيّة لا في دين شعيب.(5:109)

فضل اللّه :لأنّ شعيبا لا يملك الامتيازات الاقتصاديّة و الاجتماعيّة الّتي تجعل من الارتباط به أو اتّباعه مسألة مربحة،بل على العكس من ذلك،فإنّ دعوته تعزل أتباعه عن الفعاليّات الّتي تملك القوّة و الجاه و المال،و تمنعهم من الحصول على الامتيازات المتنوّعة، و الفرص الجيّدة الموجودة عندهم،فيخسرون ذلك كلّه من دون مقابل،لأنّ شعيبا لا يمثّل شيئا-أيّ شيء-و كان هذا الإنذار الأخير الّذي وجّهوه إليهم،فما ذا كانت

ص: 768

النّتيجة؟لقد انقلب السّحر على السّاحر،و أصبح من كذّبوا شعيبا هم الّذين خسروا الدّنيا و الآخرة.

(10:187)

2- قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ. يوسف:14

ابن عبّاس: لعاجزون،و يقال:مغبونون بترك حرمة الوالد و الأخ.(194)

مؤرّج السّدوسيّ: معناه إنّا إذا لمضيّعون بلغة قيس عيلان.(الطّوسيّ 6:108)

الطّبريّ: قال إخوة يوسف لوالدهم يعقوب:لئن أكل يوسف الذّئب في الصّحراء،و نحن أحد عشر رجلا معه نحفظه-و هم العصبة- إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ يقول:إنّا إذا لعجزة هالكون.(7:157)

نحوه ملخّصا الواحديّ(2:602)،و البغويّ(2:

479)،و ابن الجوزيّ(4:188)،و مغنيّة(4:293).

الثّعلبيّ: ضعفة عجزة مغبونون.(5:201)

الطّوسيّ: لما قال لهم يعقوب بما ذكره في الآية الأولى،قالوا في الجواب عن ذلك:لئن أكله الذّئب و نحن جماعة متعاضدون متناصرون نرى الذّئب قد قصده،فلا نمنع عنه إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ، أي بمنزلة الخاسر الّذي ذهب رأس ماله على رغم منه.

و الخسران:ذهاب رأس المال،و الرّبح زيادة على رأس المال.و«اللاّم»في قوله لَئِنْ هي الّتي يتلقّى بها القسم،فكأنّهم أقسموا على ما قالوه.و أعظم الخسران ما يذهب بالثّواب،و يؤدّي إلى العقاب،فلذلك أقسموا عليه.(6:108)

القشيريّ: لأنّ من باع أخا مثل يوسف بمثل ذلك الثّمن حقيق بأن يقال:قد خسرت صفقته.

(3:173)

الزّمخشريّ: إِنّا إِذاً... جواب للقسم مجزئ عن جزاء الشّرط.و«الواو»في وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ واو الحال،حلفوا له لئن كان ما خافه من خطفة الذّئب أخاهم من بينهم-و حالهم أنّهم عشرة رجال بمثلهم تعصب الأمور و تكفي الخطوب-إنّهم إذا لقوم خاسرون، أي هالكون ضعفا و خورا و عجزا،أو مستحقّون أن يهلكوا،لأنّه لا غناء عندهم و لا جدوى في حياتهم،أو مستحقّون لأن يدعى عليهم بالخسار و الدّمار،و أن يقال:خسرهم اللّه و دمّرهم حين أكل الذّئب بعضهم و هم حاضرون.

و قيل:إن لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشينا إذا و خسرناها.

فإن قلت:قد اعتذر إليهم بعذرين فلم أجابوا عن أحدهما دون الآخر؟

قلت:هو الّذي كان يغيظهم و يذيقهم الأمرين، فأعاروه آذانا صمّا و لم يعبئوا به.(2:306)

نحوه النّسفيّ(2:213)،و النّيسابوريّ(12:85)، و الخازن ملخّصا(3:218)،و أبو حيّان(5:287)، و أبو السّعود(3:370)،و القاسميّ ملخّصا(9:3517).

الفخر الرّازيّ: ما المراد من قولهم: إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ؟ الجواب:فيه وجوه:[فذكر ثلاثة وجوه نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

ص: 769

الرّابع:أنّهم كانوا قد أتعبوا أنفسهم في خدمة أبيهم و اجتهدوا في القيام بمهمّاته،و إنّما تحمّلوا تلك المتاعب ليفوزوا منه بالدّعاء و الثّناء،فقالوا:لو قصرنا في هذه الخدمة فقد أحبطنا كلّ تلك الأعمال،و خسرنا كل ما صدر منّا من أنواع الخدمة...(18:98)

القرطبيّ: أي في حفظنا أغنامنا،أي إذا كنّا لا نقدر على دفع الذّئب عن أخينا،فنحن أعجز أن ندفعه عن أغنامنا.

و قيل:(لخاسرون)لجاهلون بحقّه.(9:141)

البيضاويّ: ضعفاء مغبونون،أو مستحقّون لأن يدعى عليهم بالخسار.(1:489)

الشّربينيّ: أي كاملون في الخسارة،لأنّا إذا ضيّعنا أخانا فنحن لما سواه من أموالنا أشدّ تضييعا،و أعرضوا عن جواب الأوّل،لأنّ حقدهم و غيظهم كان بسبب العذر الأوّل،و هو شدّة حبّه له،فلمّا سمعوا ذلك المعنى تغافلوا عنه،و أقلّه أن يقولوا ما وجه الشّحّ بفراقه يوما، و السّماح بفراقنا كلّ يوم.(2:94)

البروسويّ: (لخاسرون)من الخسار بمعنى الهلاك،أي لهالكون ضعفا و خورا و عجزا.و إنّما اقتصروا على جواب خوف يوسف من أكل الذّئب،و لم يجيبوا عن الاعتذار الأوّل،لأنّه السّبب القويّ في المنع دون الحزن لقصر مدّته بناء على أنّهم يأتون به عن قريب.

(4:221)

الآلوسيّ: الخسار بمعنى الهلاك تجوّزا عن الضّعف، أو استحقاقه،أو عن استحقاق الدّعاء به،أي لضعفاء عاجزون،أو مستحقّون للهلاك،لا غناء عندنا و لا نفع في حياتنا،أو مستحقّون لأن يدعى علينا بالخسار و الدّمار، فيقال:خسرهم اللّه تعالى و دمّرهم إذ أكل الذّئب أخاهم و هم معه.

و جوّز أن يكون بمعناه الحقيقيّ،أي إن لم نقدر على حفظه و هو أعزّ شيء عندنا،فقد هلكت مواشينا و خسرناها.

و إنّما اقتصروا على جواب خوف أبيهم عليه السّلام من أكل الذّئب،مع أنّه ذكر في وجه عدم مفارقته أمرين:حزنه لمفارقته،و خوفه عليه من الذّئب،لأنّه السّبب القويّ في المنع دون الحزن لقصر زمانه،بناء على سرعة عودهم به،أو لأنّ حزنه بالذّهاب به إنّما هو للخوف عليه،فنفي الثّاني يدلّ على نفي الأوّل،أو لكراهتهم لذلك،لأنّه سبب حسدهم له،فلذلك أعاروه أذنا صمّاء.

(12:196)

المراغيّ: إنّا إذا لهالكون،و لا غناء عندنا،و لا نفع، و لا ينبغي أن يعتدّ بنا،و يركن إلينا.(12:120)

ابن عاشور :المراد بالخسران:انتفاء النّفع المرجوّ من الرّجال،استعاروا له انتفاء نفع التّاجر من تجره،و هو خيبة مذمومة،أي إنّا إذن لمسلوبون من صفات الفتوّة:

من قوّة و مقدرة و يقظة.فكونهم عصبة يحول دون تواطئهم على ما يوجب الخسران لجميعهم.و تقدّم معنى العصبة آنفا،و في هذا عبرة من مقدار إظهار الصّلاح مع استبطان الضّرّ و الإهلاك.(12:32)

مكارم الشّيرازيّ: أي أ ترانا موتى فلا ندافع عن أخينا،بل نتفرّج على الذّئب كيف يأكله!ثمّ إضافة إلى علاقة الأخوّة الّتي تدفعنا للحفاظ على أخينا،ما عسى

ص: 770

أن نقول للنّاس،و أين سيكون ماء وجوهنا؟إذا ما قالوا:

إنّ جماعة أقوياء غلاظ الرّقاب جلسوا و تفرّجوا على الذّئب و هو يفترس أخاهم،فهل نستطيع العيش بعد هذا مع النّاس؟!

لقد أجابوا أباهم بما تضمّن قوله: أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ و مشغولون بلعبكم،كيف يكون ذلك؟و المسألة ليست بهذه البساطة،إنّها الخسارة و ذهاب ماء الوجه و الخزي؛إذ كيف يمكن لواحد منّا أن يشغله اللّعب فيغفل عن أخيه يوسف،لأنّه في مثل هذه الحال لا تبقى لنا قيمة و لا نصلح لأيّ عمل.(7:133)

فضل اللّه :و أيّ خسارة أعظم من خسارة الإنسان ثقة النّاس به في أكثر الأشياء اتّصالا بالجانب الحميم من حياته.و هذا ما أراد أن يؤكّده في موقفهم الاستعراضيّ الّذي يحاولون من خلاله الإيحاء لأبيهم،بأنّهم في مستوى المسئوليّة،و في أعلى درجات الوعي و اليقظة و القوّة و الإخلاص،لأنّ المسألة تمثّل حالة متّصلة بالذّات،في تقييمهم الشّخصيّ و الرّوحيّ.(12:174)

3- وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ.

المؤمنون:34

الطّبريّ: يقول:قالوا:إنّكم إذا لمغبونون حظوظكم من الشّرف و الرّفعة في الدّنيا،باتّباعكم إيّاه.(9:212)

نحوه المراغيّ.(18:22)

الطّوسيّ: جعلوا اتّباع الرّسول خسرانا،لأنّه بشر مثلهم،و لم يجعلوا عبادة الصّنم خسرانا،لأنّه جسم مثلهم،و هذا مناقضة ظاهرة.(7:366)

الزّمخشريّ: (اذا)واقع في جزاء الشّرط، و جواب للّذين قاولوهم من قومهم،أي تخسرون عقولكم و تغبنون في آرائكم.(3:31)

الفخر الرّازيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

أي لئن كنتم أعطيتموه الطّاعة من غير أن يكون لكم بإزائها منفعة،فذلك هو الخسران.(23:98)

القرطبيّ: يريد لمغبونون بترككم آلهتكم، و اتّباعكم إيّاه من غير فضيلة له عليكم.(12:121)

نحوه الشّربينيّ.(2:578)

البيضاويّ: حيث أذللتم أنفسكم،و(اذا)جزاء للشّرط،و جواب للّذين قاولوهم من قومهم.

(2:107)

النّسفيّ: إِنَّكُمْ إِذاً واقع في جزاء الشّرط، و جواب للّذين قاولوهم من قومهم. لَخاسِرُونَ بالانقياد لمثلكم،و من حمقهم أنّهم أبو اتّباع مثلهم و عبدوا أعجز منهم.(3:119)

أبو حيّان :[ذكر قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و ليس(اذا)واقعا في جزاء الشّرط،بل واقعا بين إِنَّكُمْ و الخبر،و إِنَّكُمْ و الخبر ليس جزاء للشّرط،بل ذلك جملة جواب القسم المحذوف قبل«انّ» الموطّئة،و لو كانت إِنَّكُمْ و الخبر جوابا للشّرط، للزمت«الفاء»في(انّكم)،بل لو كان بالفاء في تركيب غير القرآن لم يكن ذلك التّركيب جائزا إلاّ عند الفرّاء، و البصريّون لا يجيزونه و هو عندهم خطأ.(6:404)

أبو السّعود : لَخاسِرُونَ عقولهم و مغبونون في آرائهم؛حيث أذللتم أنفسكم،أي انظر كيف جعلوا اتّباع

ص: 771

الرّسول الحقّ الّذي يوصلهم إلى سعادة الدّارين خسرانا دون عبادة الأصنام الّتي لا خسران وراءها،قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون؟

و(اذا)واقع بين اسم«انّ»و خبرها لتأكيد مضمون الشّرط،و الجملة جواب لقسم محذوف قبل(ان) الشّرطيّة المصدّرة ب«اللاّم»الموطّئة،أي و باللّه لئن أطعتم بشرا مثلكم إنّكم إذا لخاسرون.(4:413)

نحوه البروسويّ.(6:82)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و«اذا»-فيما أميل إليه-ظرفيّة متعلّقة بما تدلّ عليه النّسبة بين المبتدإ و الخبر من الثّبوت،أو بالخبر،و«اللاّم» لا تمنع عن العمل في مثل ذلك،و جواب الشّرط محذوف دلّ عليه المذكور.[إلى أن قال:]

و ذكر بعضهم أنّ(اذا)هنا للجزاء و الجواب،و تكلّف لذلك،و لا يدعو إليه سوى ظنّ وجوب اتّباع المشهور، و أنّ الحقّ في أمثال هذه المقامات منحصر فيما عليه الجمهور.(18:30)

مغنيّة:هم الخاسرون ظاهرا و واقعا بمعصيتهم نبيّ اللّه،و لكنّهم عكسوا الآية،و شوّهوا الحقيقة،و هذا هو دأب المترفين الطّغاة في كلّ زمان و مكان.(5:369)

الطّباطبائيّ: هو في معنى قولهم في القصّة السّابقة:

يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ المؤمنون:24،يريدون به أنّ في اتّباعه و إطاعته فيما يأمركم به-مع كونه بشرا مثلكم من غير فضل له عليكم-خسرانكم و بطلان سعادتكم في الحياة؛إذ لا حياة إلاّ الحياة الدّنيا،و لا سعادة فيها إلاّ الحرّيّة في التّمتّع من لذائذها،و في طاعة من لا فضل له عليكم رقّيّتكم و زوال حرّيّتكم،و هو الخسران.

(15:31)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هذا القائل الجبان لم يلتفت إلى مسألة مهمّة،و هي أنّه يريد من النّاس خلال هذه الوساوس الشّيطانيّة أن ينقادوا له في محاربة الأنبياء،في الوقت الّذي يعيبون فيه على الّذين يتّبعون من كان يستمدّ العون من مركز الوحي،و قد ملئ قلبه نورا و علما إلهيّا،و هذا العمل مخالف لحرّيّة الإنسان.(10:403)

فضل اللّه :لأنّ فقدان الامتياز المادّيّ في شخصيّة الرّسول،يعني أنّه لا يحمل معه أيّ شيء يمكن أن يكون ربحا في الموقف الّذي يدعوهم إليه،أو تعويضا عن الخسارة الّتي قد تلحقهم في ما يمكن أن يحوّلهم عنه.

(16:152)

الخاسرون

1- اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. البقرة:27

ابن عبّاس: المغبونون بذهاب الدّنيا و الآخرة.(6)

كلّ شيء نسبه اللّه إلى غير أهل الإسلام من اسم، مثل«خاسر»،فإنّما يعني به الكفر،و ما نسبه إلى أهل الإسلام،فإنّما يعني به الذّنب.(الطّبريّ 1:222)

إنّما عنى به الدّنيا.(الطّوسيّ 1:121)

الطّبريّ: الخاسرون:جمع خاسر،و الخاسرون:

النّاقصون أنفسهم حظوظها-بمعصيتهم اللّه-من رحمته، كما يخسر الرّجل في تجارته،بأن يوضع من رأس ماله في

ص: 772

بيعه،فكذلك الكافر و المنافق خسر بحرمان اللّه إيّاه رحمته الّتي خلقها لعباده في القيامة،أحوج ما كان إلى رحمته.يقال منه:خسر الرّجل يخسر خسرا و خسرانا و خسارا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد قيل:إنّ معنى أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ: أولئك هم الهالكون.و قد يجوز أن يكون قائل ذلك أراد ما قلنا:

من الهلاك الّذي وصف اللّه صفته بالصّفة الّتي وصفه بها في هذه الآية،بحرمان اللّه إيّاه ما حرمه من رحمته، بمعصيته إيّاه و كفره به.فحمل تأويل الكلام على معناه، دون البيان عن تأويل عين الكلمة بعينها،فإنّ أهل التّأويل ربّما فعلوا ذلك لعلل كثيرة تدعوهم إليه.

(1:222)

الزّجّاج: موضع أُولئِكَ رفع بالابتداء، و اَلْخاسِرُونَ خبر الابتداء،و(هم)بمعنى الفصل،و هو الّذي يسمّيه الكوفيّون«العماد»،و يجوز أن يكون أُولئِكَ رفعا بالابتداء،و(هم)ابتداء ثان، و اَلْخاسِرُونَ خبر ل هُمُ، و هُمُ الْخاسِرُونَ خبر عن أُولئِكَ. (1:106)

القفّال:إنّ الخاسر اسم عامّ يقع على كلّ من عمل عملا لا يجزى عليه،فيقال له:خاسر،كالرّجل الّذي إذا تعنّى و تصرّف في أمر فلم يحصل منه على نفع،قيل له:

خاب و خسر،لأنّه كمن أعطى شيئا و لم يأخذ بإزائه ما يقوم مقامه،فسمّي الكفّار الّذين يعملون بمعاصي اللّه «خاسرين»،قال تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ العصر:2،3،و قال:

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً* اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا الكهف:103،104.و اللّه اعلم.(الفخر الرّازيّ 2:149)

الثّعلبيّ: أي:المغبونون بالعقوبة و فوت المثوبة.

(1:173)

الماورديّ: في قوله: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ قولان:

أحدهما:أنّ الخسران هو النّقصان.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّاني:أنّ الخسران هاهنا الهلاك،و معناه:أولئك هم الهالكون.[ثمّ نقل قول ابن عبّاس](1:90)

مثله الطّوسيّ.(1:121)

الواحديّ: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ بفوت المثوبة و المصير إلى العقوبة.

و أصل«الخسران»في التّجارة،و هو نقصان رأس المال،و يقال فيه:الخسارة و الخسر،هذا هو الأصل،ثمّ قيل لكلّ صائر إلى مكروه:«خاسر»لنقصان حظّه من الخير.(1:110)

الزّمخشريّ: هُمُ الْخاسِرُونَ لأنّهم استبدلوا النّقض بالوفاء،و القطع بالوصل،و الفساد بالصّلاح، و عقابها بثوابها.(1:269)

مثله القاسميّ(2:88)،و نحوه النّسفيّ(1:38).

ابن عطيّة: الخاسر:الّذي نقص نفسه حظّها من الفلاح و الفوز،و الخسران:النّقص كان في ميزان أو غيره.(1:113)

الطّبرسيّ: أي:أهلكوا أنفسهم،فهم بمنزلة من هلك رأس ماله.(1:70)

ص: 773

الفخر الرّازيّ: في هذا الخسران وجوه:

أحدها:أنّهم خسروا نعيم الجنّة،لأنّه لا أحد إلاّ و له في الجنّة أهل و منزل،فإن أطاع اللّه وجده،و إن عصاه ورثه المؤمنون،فذلك قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* اَلَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ المؤمنون:10،11،و قال: إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ الزّمر:15.

و ثانيها:أنّهم خسروا حسناتهم الّتي عملوها،لأنّهم أحبطوها بكفرهم،فلم يحصل لهم منها خير و لا ثواب.

و الآية في اليهود،و لهم أعمال في شريعتهم،و في المنافقين، و هم يعملون في الظّاهر ما يعمله المخلصون فحبط ذلك كلّه.

و ثالثها:أنّهم أصرّوا على الكفر خوفا من أن تفوتهم اللّذّات العاجلة،ثمّ إنّها تفوتهم إمّا عند ما يصير الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم مأذونا في الجهاد أو عند موتهم.(2:148)

القرطبيّ: [نحو الزّجّاج و ابن عطيّة](1:248)

البيضاويّ: الّذين خسروا بإهمال العقل عن النّظر،و اقتناص ما يفيدهم الحياة الأبديّة،و استبدال الإنكار و الطّعن في الآيات بالإيمان بها،و النّظر في حقائقها،و الاقتباس من أنوارها،و اشتراء النّقض بالوفاء،و الفساد بالصّلاح،و العقاب بالثّواب.

(1:42)

مثله أبو السّعود.(1:103)

أبو حيّان :فسّر اَلْخاسِرُونَ بالنّاقضين حظوظهم و شرفهم؛و بالهالكين،و سبب خسرانهم استبدالهم النّقض بالوفاء،و القطع بالوصل،و الإفساد بالإصلاح،و عقابها بالثّواب.

و قيل: اَلْخاسِرُونَ المغبونون بفوت المثوبة و لزوم العقوبة،و قيل:خسروا نعيم الآخرة،و قيل:خسروا حسناتهم الّتي عملوها أحبطوها بكفرهم.

و الآية في اليهود،و لهم أعمال في شريعتهم،و في المنافقين،و هم يعملون في الظّاهر عمل المخلصين.

(1:129)

الشّربينيّ: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ بفوات التّوبة و المصير إلى العقوبة.[ثمّ قال مثل البيضاويّ](1:41)

الكاشانيّ: الّذين خسروا أنفسهم بما صاروا إلى النّيران و حرموا الجنان،فيا لها من خسارة ألزمتهم عذاب الأبد و حرمتهم نعيم الأبد.(1:91)

المشهديّ: لاشترائهم النّقض بالوفاء،و القطع بالوصل،و الفساد بالصّلاح في الدّنيا،و عقاب المشتري بثواب المشترى به في الآخرة،فخسروا الدّنيا و الآخرة، ذلك هو الخسران المبين.(1:210)

البروسويّ: أي المغبونون بالعقوبة في الآخرة مكان المثوبة في الجنّة،لأنّهم استبدلوا النّقض بالوفاء،و القطع بالوصل،و الفساد بالصّلاح،و عقابها بثوابها.

قيل:ليس من مؤمن و لا كافر إلاّ و له منزل و أهل و خدم في الجنّة،فإن أطاعه تعالى أتى أهله و خدمه و منزله في الجنّة و إن عصاه ورّثه اللّه المؤمن،فقد غبن عن أهله و خدمه و منزله.(1:89)

الآلوسيّ: أُولئِكَ إشارة إلى الفاسقين باعتبار ما فصّل من صفاتهم القبيحة.و فيه رمز إلى أنّهم في المرتبة البعيدة من الذّمّ،و حصر(الخاسرين)عليهم

ص: 774

باعتبار كما لهم في الخسران.[ثمّ قال نحو البيضاويّ].

(1:212)

المراغيّ: لأنّ إفسادهم لمّا عمّ العقائد و الأخلاق بفقد هداية الفطرة و هداية الدّين،استحقّوا الخزي في الدّنيا،بحرمان السّعادة الجسميّة و العقليّة و الخلقيّة،و العذاب الأليم في الآخرة،و من خسر السّعادتين كان في خسران مبين.(1:74)

ابن عاشور : أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ قصر قلب، لأنّهم ظنّوا أنفسهم رابحين،و هو استعارة مكنيّة تمثيليّة تقدّمت في قوله تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:

16.و ذكر الخسران تخييل مراد منه الاستعارة في ذاته، على نحو ما قرّر في يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ. فهذه الآية ظاهرة في أنّها موجّهة إلى اليهود،لما علمت عند قوله:

وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ و لما علمت من كثرة إطلاق وصف«الفاسقين»على اليهود،و إن كان الّذين طعنوا في أمثال القرآن فريقين:المشركين و اليهود،كما تقدّم.و كان القرآن قد وصف المشركين في سورة الرّعد:

25-و هي مكّيّة-بهذه الصّفات الثّلاث،في قوله:

وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ.

فالمراد بهم المشركون لا محالة،فذلك كلّه لا يناكد جعل آية سورة البقرة موجّهة إلى اليهود؛إذ ليس يلزم المفسّر حمله آي القرآن على معنى واحد،كما يوهمه صنيع كثير من المفسّرين،حتّى كان آي القرآن عندهم قوالب تفرغ فيها معان متّحدة.

و اعلم أنّ اللّه قد وصف المؤمنين بضدّ هذه الصفات، في قوله تعالى: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ* اَلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ لا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ* وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ الرّعد:19-21.

و اعلم أنّ نزول هذه الآيات و نحوها في بعض أهل الكتاب أو المشركين هو وعيد و توبيخ للمشركين و أهل الكتاب،و هو أيضا موعظة و ذكرى للمؤمنين، ليعلم سامعوه أنّ كلّ من شارك هؤلاء المذمومين فيما أوجب ذمّهم و سبّب وعيدهم هو آخذ بحظّ ممّا نالهم من ذلك،على حسب مقدار المشاركة في الموجب.(1:367)

مكارم الشّيرازيّ: أيّ خسران أكبر من تبديد كلّ القوى المادّيّة و المعنويّة المودعة في الإنسان الرّامية لإسعاده،و إهدارها على طريق الشّقاوة و التّعاسة و الانحراف؟!نعم هؤلاء الفاسقون الخارجون عن خطّ إطاعة اللّه خاسرون حقّا.(1:127)

فضل اللّه :الّذين خسروا أنفسهم في الدّنيا،عند ما أبعدوها عن خطّ الاستقامة،فعاشوا التّخبّط في خطواتهم العمليّة في السّير على غير هدى،و واجهوا المتاعب المتنوّعة في ذلك،و خسروا مصيرهم في الآخرة،في عصيانهم للّه و تمرّدهم عليه،ممّا يستوجب دخولهم في النّار و بئس القرار.

و ربّما كان في تأكيد جانب الخسارة الأسلوب الإيحائيّ،بأنّ على الإنسان أن يحسب حساب الرّبح و الخسارة،من خلال النّتائج الواقعيّة النّهائيّة للأعمال،لا من خلال النّتائج الحسّيّة الأوّليّة لها،ليدرس القضايا الّتي يتحرّك فيها من موقع الرّبط بين البدايات

ص: 775

و النّهايات،و الانفتاح على العمق،لا على السّطح.هذا مع ملاحظة أنّ التّعبير بالخسارة،ينطلق من خسارة الوجود في خسارة الفرص السّعيدة الّتي كان من الممكن أن يبلغها الإنسان إذا أخذ بأسباب الخير في الإيمان و العمل الصّالح،فلا يرد السّؤال:كيف يتحدّث اللّه عن خسارة ما لا يملكه الإنسان،باعتبار أنّ مفهومها،يعني فقدان ما لديه؟لأنّ الجواب عن ذلك بأنّ المقصود هو أنّ ما يملكه الإنسان قد يكون على مستوى الفعليّة،و قد يكون على مستوى امتلاك الإنسان للفرصة الّتي يحصل عليها.(1:203)

2- اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

البقرة:121

3- أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ. الأعراف:99

مثل ما قبلهما.

4- مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَ مَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. الأعراف:178

ابن عبّاس: المغبونون بالعقوبة.(142)

الطّبريّ: الخاسر،يعني الهالك.(6:129)

الطّوسيّ: لأنّهم خسروا الجنّة و نعيمها،و خسروا أنفسهم و الانتفاع بها.(5:41)

مثله الطّبرسيّ.(2:501)

الزّمخشريّ: فَهُوَ الْمُهْتَدِي حمل على اللّفظ، و فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ حمل على المعنى.

(2:131)

الفخر الرّازيّ: أي خسروا الدّنيا و الآخرة.

(15:59)

البيضاويّ: الإفراد في الأوّل اَلْمُهْتَدِي و الجمع في الثّاني(الخاسرون)باعتبار اللّفظ و المعنى، تنبيه على أنّ المهتدين كواحد لاتّحاد طريقهم،بخلاف الضّالّين.(1:378)

مثله الشّربينيّ(1:537)،و نحوه الآلوسيّ(9:

118).

أبو السّعود :أي الكاملون في الخسران لا غير.

(3:55)

المراغيّ: الّذي خسر سعادة الدّنيا و سعادة الآخرة؛إذ هو قد خسر تلك المواهب الّتي كان بها إنسانا مستعدّا للسّعادتين الدّنيويّة و الأخرويّة.

(9:113)

ابن عاشور :زيد في جانب(الخاسرين)،الفصل باسم الإشارة،لزيادة الاهتمام بتمييزهم بعنوان الخسران تحذيرا منه،فالقصر فيه مؤكّد.

و جمع الوصف في الثّاني مراعاة لمعنى(من) الشّرطيّة،و إنّما روعي معنى(من)الثّانية دون الأولى، لرعاية الفاصلة و لتبيّن أن ليس المراد ب(من)الأولى مفردا.

و قد علم من مقابلة الهداية بالإضلال،و مقابلة المهتدي بالخاسر،أنّ المهتدي فائز رابح،فحذف ذكر ربحه ايجازا.

و الخسران:استعير لتحصيل ضدّ المقصود من

ص: 776

العمل،كما يستعار الرّبح لحصول الخير من العمل،كما تقدّم عند قوله تعالى: وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ الأعراف:9،و في قوله: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:16.(8:357)

فضل اللّه :الّذين خسروا الدّنيا و الآخرة،بما أوقعوا فيه أنفسهم من الخسران الرّوحيّ و العمليّ.(10:289)

5- لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. الأنفال:37

الطّبريّ: يعني ب(اولئك)،الّذين كفروا، و تأويله:هؤلاء الّذين ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل اللّه هُمُ الْخاسِرُونَ، و يعني بقوله: اَلْخاسِرُونَ الّذين غبنت صفقتهم،و خسرت تجارتهم؛و ذلك أنّهم شروا بأموالهم عذاب اللّه في الآخرة،و تعجّلوا بإنفاقهم إيّاها-فيما أنفقوا من قتال نبيّ اللّه و المؤمنين به-الخزي و الذّلّ.(6:244)

نحوه،و بتفاوت يسير أكثر التّفاسير.

ابن عاشور :اسم الإشارة ب أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ للتّنبيه على أن استحقاقهم الخبر الواقع عن اسم الإشارة كان بسبب الصّفات الّتي ذكرت قبل اسم الإشارة،فإنّ من كانت تلك حاله كان حقيقا بأنّه قد خسر أعظم الخسران،لأنّه خسر منافع الدّنيا و منافع الآخرة.

فصيغة القصر في قوله: هُمُ الْخاسِرُونَ هي للقصر الادّعائيّ،للمبالغة في اتّصافهم بالخسران،حتّى يعدّ خسران غيرهم كلا خسران،و كأنّهم انفردوا بالخسران من بين النّاس.(9:96)

6- ..أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. التّوبة:69

مثل ما قبلها.

7- لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ.

النّحل:109

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ الموجب لهذا الخسران هو أنّ اللّه تعالى وصفهم في الآيات المتقدّمة بصفات ستّة:

الصّفة الأولى:أنّهم استوجبوا غضب اللّه.

و الصّفة الثّانية:أنّهم استحقّوا العذاب الأليم.

و الصّفة الثّالثة:أنّهم استحبّوا الحياة الدّنيا على الآخرة.

و الصّفة الرّابعة:أنّه تعالى حرمهم من الهداية.

و الصّفة الخامسة:أنّه تعالى طبع على قلوبهم سمعهم و أبصارهم.

و الصّفة السّادسة:أنّه جعلهم من الغافلين عمّا يراد بهم من العذاب الشّديد يوم القيامة،فلا جرم لا يسعون في دفعها.

فثبت أنّه حصل في حقّهم هذه الصّفات السّتّة الّتي كلّ واحد منها من أعظم الأحوال المانعة عن الفوز بالخيرات و السّعادات.و معلوم أنّه تعالى إنّما أدخل الإنسان الدّنيا،ليكون كالتّاجر الّذي يشتري بطاعاته سعادات الآخرة،فإذا حصلت هذه الموانع العظيمة عظم

ص: 777

خسرانه،فلهذا السّبب قال: لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ أي هم الخاسرون لا غيرهم،و المقصود:

التّنبيه على عظم خسرانهم،و اللّه أعلم.(20:124)

ابن عاشور :جملة لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ واقعة موقع النّتيجة لما قبلها،لأنّ ما قبلها صار كالدّليل على مضمونها،و لذلك افتتحت بكلمة نفي الشّكّ.[إلى أن قال:]

و المعنى:أنّ خسارتهم هي الخسارة،لأنّهم أضاعوا النّعيم إضاعة أبديّة.

و وقع في سورة هود:22، هُمُ الْأَخْسَرُونَ، و وقع هنا هُمُ الْخاسِرُونَ، لأنّ آية سورة هود:21 تقدّمها أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ، فكان المقصود بيان أنّ خسارتهم في الآخرة أشدّ من خسارتهم في الدّنيا.(13:240)

الطّباطبائيّ: لأنّهم ضيّعوا رأس مالهم في الدّنيا، فبقوا لا زاد لهم يعيشون به في أخراهم.و قد وقع في نظير المقام من سورة هود لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ هود:22،و لعلّ وجه التّشديد هناك أنّه تعالى أضاف إلى صفاتهم هناك أنّهم صدّوا عن سبيل اللّه،فراجع.(12:355)

8- ...وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَ كَفَرُوا بِاللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. العنكبوت:52

ابن عباس:المغبونون بالعقوبة،يعني أبا جهل و أصحابه.(337)

يحيى بن سلاّم:خسروا في الآخرة نعيم الجنّة بعذاب النّار.(الماورديّ 4:289)

الطّبريّ: هم المغبونون في صفقتهم.(10:154)

الرّمّانيّ: خسروا أنفسهم بإهلاكها.

(الماورديّ 4:289)

الطّوسيّ: الّذين خسروا ثواب الجنّة بارتكابهم المعاصي و جحدهم باللّه،فكان ذلك الخسران الّذي لا يوازيه خسران مال.(8:219)

نحوه الطّبرسيّ.(4:289)

الواحديّ: هُمُ الْخاسِرُونَ بالعقوبة و فوت المثوبة.(3:423)

الزّمخشريّ: المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان،إلاّ أنّ الكلام ورد مورد الإنصاف،كقوله:

وَ إِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، سبأ:24.

(3:209)

مثله النّسفيّ(3:261)،و نحوه ملخّصا البيضاويّ (2:213).

الفخر الرّازيّ: هُمُ الْخاسِرُونَ كذلك بأتمّ وجوه الخسران،و هذا لأنّ من يخسر رأس المال و لا تركبه ديون يطالب بها،دون من يخسر رأس المال و تركبه تلك الدّيون،فهم لمّا عبدوا غير اللّه أفنوا العمر، و لم يحصل لهم في مقابلته شيء ما أصلا من المنافع، و اجتمع عليهم ديون ترك الواجبات يطالبون بها حيث لا طاقة لهم بها.(25:81)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

و الآية من قبيل المجادلة بالّتي هي أحسن؛حيث لم يصرّح بنسبة الإيمان بالباطل و الكفر باللّه و الخسران

ص: 778

إليهم،بل ذكر على منهاج الإبهام،كما في قوله تعالى:

وَ إِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ سبأ:24.

(5:157)

الآلوسيّ: المغبونون في صفقتهم؛حيث اشتروا الكفر بالإيمان فاستوجبوا العقاب يوم الحساب.و في الكلام-على ما قيل-استعارة مكنيّة،شبّه استبدال الكفر بالإيمان المستلزم للعقاب باشتراء مستلزم للخسران.و في«الخسران»استعارة تخييليّة هي قرينتها،لأنّ الخسران متعارف في التّجارات.

و هذا الكلام ورد مورد الإنصاف؛حيث لم يصرّح بأنّهم المؤمنون بالباطل الكافرون باللّه عزّ و جلّ،بل أبرزه في معرض العموم ليهجم به التّأمّل على المطلوب، فهو كقوله تعالى: إِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً سبأ:24.

و كقول حسّان:

*فشرّكما لخيركما الفداء*

و هذا من قبيل المجادلة بالّتي هي أحسن.

(21:8)

الطّباطبائيّ: قصر«الخسران»فيهم-لعدم إيمانهم باللّه-بالكفر بكتابه الّذي فيه شهادته على الرّسالة،و هم بكفرهم باللّه الحقّ يؤمنون بالباطل،و لذلك خسروا في إيمانهم.(16:140)

مكارم الشّيرازيّ: أيّ خسران أعظم من أن يعطي الإنسان جميع وجوده في سبيل لا شيء؟كما فعله المشركون،فقد أعطوا قلوبهم و أرواحهم للأوثان و الأصنام،و وظّفوا جميع قواهم الجسمانيّة و الإمكانات الاجتماعيّة و الفرديّة في سبيل الإعلام و التّبليغ لمذهبهم الوثنيّ،و إهمال ذكر اللّه،فلم يعد عليهم هذا إلاّ بالضّرر و الخسران.و غالبا ما يشير القرآن إلى هذا«الخسران» في آياته،و في بعض الآيات يرد التّعبير بكلمة«أخسر» و هي إشارة إلى هذه الحقيقة الّتي تدلّ على أنّه ليس فوق هذا الخسران من خسارة،و لا أعظم منه![ثمّ حوّل إلى سائر الآيات و قال:]

و المثل الأهمّ من هذا هو أنّه قد يتّفق للإنسان أحيانا أن يتضرّر في معاملته و يخسر رأس ماله و يغلب على أمره،و قد تتّسع هذه الدّائرة أحيانا فيثقل كاهله بالدّيون،و هذه الحالة أسوأ الحالات.و المشركون هم في مثل هذه الحالة،بل قد يكونون سببا لضلال الآخرين و خسرانهم،و كما يصطلح عليه:إنّ الانكسار يشكّل سلسلة متّصلة.(12:394)

9- لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. الزّمر:63

الزّمخشريّ: إن قلت:بما اتّصل قوله: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا؟

قلت:بقوله: وَ يُنَجِّي اللّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا الزّمر:61، أي ينجّي اللّه المتّقين بمفازتهم،و الّذين كفروا هم الخاسرون.

و اعترض بينهما بأنّه خالق الأشياء كلّها و هو مهيمن عليها،فلا يخفى عليه شيء من أعمال المكلّفين فيها و ما يستحقّون عليها من الجزاء،و قد جعل متّصلا بما يليه على أنّ كلّ شيء في السّماوات و الأرض فاللّه خالقه و فاتح بابه،و الّذين كفروا و جحدوا أن يكون الأمر كذلك

ص: 779

أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. (3:407)

مثله النّسفيّ.(4:64)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:صريح الآية يقتضي أنّه لا خاسر إلاّ كافر،و هذا يدلّ على أنّ كلّ من لم يكن كافرا فإنّه لا بدّ و أن يحصل له حظّ من رحمة اللّه.

المسألة الثّانية:[نقل كلام الزّمخشريّ،ثمّ قال:]

و أقول:هذا عندي ضعيف من وجهين:

الأوّل:أنّ وقوع الفاصل الكبير بين المعطوف و المعطوف عليه بعيد.

الثّاني:أنّ قوله: وَ يُنَجِّي اللّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ الزّمر:61 جملة فعليّة،و قوله: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ جملة اسميّة،و عطف الجملة الاسميّة على الجملة الفعليّة لا يجوز.

بل الأقرب عندي أن يقال:إنّه لمّا وصف اللّه تعالى نفسه بالصّفات الإلهيّة و الجلاليّة-و هو كونه خالقا للأشياء كلّها،و كونه مالكا لمقاليد السّماوات و الأرض بأسرها-قال بعده: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بهذه الآيات الظّاهرة الباهرة أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. (27:12)

البيضاويّ: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ متّصل بقوله: وَ يُنَجِّي اللّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا و ما بينهما اعتراض للدّلالة على أنّه مهيمن على العباد، مطّلع على أفعالهم،مجاز عليها.

و تغيير النّظم للإشعار بأنّ العمدة في فلاح المؤمنين فضل اللّه،و في هلاك الكافرين أن خسروا أنفسهم، و للتّصريح بالوعد و التّعريض بالوعيد قضيّة للكرم أو بما يليه.و المراد بآيات اللّه دلائل قدرته و استبداده بأمر السّماوات و الأرض،أو كلمات توحيده و تمجيده، و تخصيص الخسار بهم،لأنّ غيرهم ذو حظّ من الرّحمة و الثّواب.(2:327)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ و ردّ الفخر عليه ثمّ قال:]

و ليس بفاصل كثير،و قوله:«و عطف الجملة الاسميّة على الجملة الفعليّة لا يجوز»،كلام من لم يتأمّل لسان العرب،و لا نظر في أبواب الاشتغال.

و أمّا قوله:«و الأقرب عندي...»فهو مأخوذ من قول الزّمخشريّ:«و قد جعل متّصلا بما يليه...».

(7:437)

نحوه الشّربينيّ ملخّصا.(3:459)

أبو السّعود : ...هُمُ الْخاسِرُونَ متّصل بما قبله، و المعنى:أنّ اللّه تعالى خالق لجميع الأشياء و متصرّف فيها كيفما يشاء بالإحياء و الإماتة،بيده مقاليد العالم العلويّ و السّلفيّ.و الّذي كفروا بآياته التّكوينيّة المنصوبة في الآفاق و الأنفس،و التّنزيليّة الّتي من جملتها هاتيك الآيات النّاطقة بذلك هم الخاسرون خسرانا لا خسار وراءه،هذا.

و قيل:هو متّصل بقوله تعالى وَ يُنَجِّي اللّهُ و ما بينهما اعتراض،فتدبّر.(5:402)

الآلوسيّ: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ معطوف على قوله تعالى: اَللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ... أي أنّه عزّ شأنه متّصف بهذه الصّفات الجليلة الشّأن،و الّذين كفروا و جحدوا ذلك أولئك هم الكاملون

ص: 780

في الخسران.

و قيل:على قوله تعالى: لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و لا يظهر ذلك على بعض الأوجه السّابقة فيه.

و قيل:على مقدّر تقديره:فالّذين اتّقوا،أو فالّذين آمنوا بآيات اللّه هم الفائزون وَ الَّذِينَ كَفَرُوا...، و فيه تكلّف.

و جوّز أن يكون معطوفا على قوله تعالى: وَ يُنَجِّي اللّهُ...، فيكون التّقدير:و ينجّي اللّه المتّقين و الّذين كفروا بآيات اللّه أولئك هم الخاسرون،و ما بينهما اعتراض للدّلالة على أنّه تعالى مهيمن على العباد مطّلع على أفعالهم مجاز عليها.

و فيه تأكيد لثواب المؤمنين و فلاحهم و عقاب الكفرة.و خسرانهم.و لم يقل:و يهلك الّذين كفروا بخسرانهم،كما قال سبحانه: وَ يُنَجِّي... للإشعار بأنّ العمدة في فوز المؤمنين فضله تعالى،فلذا جعل نجاتهم مسندة له تعالى،حادثة له يوم القيامة،غير ثابتة قبل ذلك بالاستحقاق و الأعمال،بخلاف هلاك الكفرة فإنّهم قدّموه لأنفسهم بما اتّصفوا به من الكفر و الضّلال.

و لم يسند له تعالى و لم يعبّر عنه بالمضارع أيضا.و في ذلك تصريح بالوعد و تعريض بالوعيد؛حيث قيل:

(الخاسرون)و لم يقل:الهالكون أو المعذّبون أو نحوه، و هو قضيّة الكرم.و عطف الجملة الاسميّة على الفعليّة،ممّا لا شبهة في جوازه عند النّحويّين.

و ممّا ذكرنا يعلم ردّ قول الإمام الرّازيّ: إنّ هذا الوجه ضعيف من وجهين:[فذكرها]

و الإمام أبو حيّان منع كون الفاصل كثيرا...نعم قال في«الكشف»:«يؤيّد الاتّصال بما يليه دون قوله تعالى:

وَ يُنَجِّي أن قوله سبحانه: وَ يُنَجِّي اللّهُ متّصل بقوله تعالى: وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا الزّمر:

60،فلو قيل بعده: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ لم يحسن،لأنّ الأحسن على هذا المساق أن يقدّم على قوله تعالى: وَ يُنَجِّي اللّهُ... -على ما لا يخفى -،و لأنّه كالتّخلّص إلى ما بعده من حديث الأمر بالعبادة و الإخلاص إذ ذاك».و هو كلام حسن،ثمّ الحصر الّذي يقتضيه تعريف الطّرفين،و ضمير الفصل باعتبار الكمال -كما أشرنا إليه-لا باعتبار مطلق الخسران،فإنّه لا يختصّ بهم.

و جوّز أن يكون قصر قلب فإنّهم يزعمون المؤمنين خاسرين.(24:22)

ابن عاشور : وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ فتحتمل الاعتراض،و لكن اقترانها ب«الواو»بعد نظائرها يرجّح أن تكون الواو فيها عاطفة، و أنّها مقصودة بالعطف على ما قبلها،لأنّ فيها زيادة على مفاد الجملة قبلها،و تكون مقدّمة رابعة للمقصود،تجهيلا للّذين هم ضدّ المقصود من المقدّمات،فإنّ الاستدلال على الحقّ بإبطال ضدّه ضرب من ضروب الاستدلال، لأنّ الاستدلال يعود إلى ترغيب و تنفير،فإذا كان:الّذين كفروا بآيات اللّه خاسرين،لا جرم كان:الّذين آمنوا بآيات اللّه هم الفائزين.فهذه الجملة تقابل جملة وَ يُنَجِّي اللّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ الزّمر:61 المنتقل منها إلى هؤلاء الآيات،و هي مع ذلك مفيدة إنذارهم

ص: 781

و تأفين آرائهم،لأنّ موقعها بعد دلائل الوحدانيّة-و هي آيات دالّة على أنّ اللّه واحد-يقتضي التّنديد عليهم في عدم الاهتداء بها.

و وصف اَلَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ بأنّهم الخاسرون،لأنّهم كفروا بآيات من له مقاليد خزائن الخير،فعرّضوا أنفسهم للحرمان ممّا في خزائنه،و أعظمها خزائن خير الآخرة.

و آيات اللّه هي دلائل وجوده و وحدانيّته الّتي أشارت إليها الجمل الثّلاث السّابقة.

و الإخبار عن الّذين كفروا باسم الإشارة للتّنبيه عن أنّ المشار إليهم خسروا لأجل ما وصفوا به قبل اسم الإشارة و هو الكفر بآيات اللّه.و توسّط ضمير الفصل لإفادة حصر الخسارة فيهم،و هو قصر ادّعائيّ بناء على عدم الاعتداد بخسارة غيرهم بالنّسبة إلى خسارتهم، فخسارتهم أعظم خسارة.(24:124)

فضل اللّه :لأنّهم الّذين انقطعوا عن اللّه،فلم يرتبطوا به بأيّة رابطة من قريب أو من بعيد،و لم يقتربوا من مواقع رحمته و مغفرته،بل ابتعدوا عنها بكفرهم و تمرّدهم،فخسروا الدّنيا و الآخرة.(19:357)

10- اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ. المجادلة:19

11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. المنافقون:9

نحو ما قبلهما.

خاسرين

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ.

آل عمران:149

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ اللّفظ لمّا كان عامّا وجب أن يدخل فيه خسران الدّنيا و الآخرة:أمّا خسران الدّنيا فلأنّ أشقّ الأشياء على العقلاء في الدّنيا الانقياد للعدوّ و التّذلّل له،و إظهار الحاجة إليه،و أمّا خسران الآخرة فالحرمان عن الثّواب المؤبّد،و الوقوع في العقاب المخلّد.(9:31)

مثله الشّربينيّ(1:254)،و نحوه المراغيّ(4:96).

أبو السّعود :أي للدّنيا و الآخرة غير فائزين بشيء منها واقعين في العذاب الخالد،على أنّ الارتداد على العقب علم على انتكاس الأمر،و مثل في الحور بعد الكور.

و قيل:المراد بهم اليهود و النّصارى؛حيث كانوا يستغنونهم،و يوقعون لهم الشّبه في الدّين،و يقولون:لو كان نبيّا حقّا لما غلب،و لما أصابه و أصحابه ما أصابهم، و إنّما هو رجل حاله كحال غيره من النّاس،يوما عليه و يوما له.

و قيل:أبو سفيان و أصحابه،و المراد بطاعتهم:

استئمانهم و الاستكانة لهم.

و قيل:الموصول على عمومه،و المعنى نهي المؤمنين

ص: 782

عن طاعتهم في أمر من الأمور،حتّى لا يستجرّوهم إلى الارتداد عن الدّين،فلا حاجة على هذه التّقادير إلى ما مرّ من البيان.(2:47)

راجع ردد:«يردّوكم».

2- يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ.

المائدة:21

ابن عبّاس: فترجعوا مغبونين بالعقوبة بأخذ اللّه المنّ و السّلوى منكم.(91)

السّدّيّ: إنّه كان فرض عليهم دخولها كما فرضت الصّلاة و الصّوم و الزّكاة و الحجّ،فلمّا لم يفعلوا فقد خسروا الثّواب.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 3:484)

الطّبريّ: أي تنصرفوا خائبين،هلّكا.(4:514)

الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:أحدهما:[نقل قول السّدّيّ]

و الثّاني:أنّه أراد بذلك خسران حظّهم كالخسران في البيع،بذهاب رأس المال.

و خاسِرِينَ نصب على الحال،و العامل فيه فَتَنْقَلِبُوا دون قوله: وَ لا تَرْتَدُّوا. (3:484)

الزّمخشريّ: خاسرين ثواب الدّنيا و الآخرة.

(1:604)

و هكذا أكثر التّفاسير.

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

أحدها:خاسرين في الآخرة،فإنّه يفوتكم الثّواب، و يلحقكم العقاب.

و ثانيها:ترجعون إلى الذّلّ.

و ثالثها:تموتون في التّيه و لا تصلون إلى شيء من مطالب الدّنيا و منافع الآخرة.(11:198)

الشّربينيّ: أي في سعيكم.(1:366)

3- وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ. المائدة:53

الواحديّ: خسروا الدّنيا بافتضاحهم،و الآخرة بفوت الثّواب و المصير إلى النّار.(2:198)

نحوه في أكثر التّفاسير.

الفخر الرّازيّ: ...خاسِرِينَ في الدّنيا و الآخرة، فإنّه لمّا بطلت أعمالهم بقيت عليهم المشقّة في الإتيان بتلك الأعمال،و لم يحصل لهم شيء من ثمراتها و منافعها، بل استحقّوا اللّعن في الدّنيا و العقاب في الآخرة.

(12:18)

القرطبيّ: أي خاسرين الثّواب.و قيل:خسروا في موالاة اليهود فلم تحصل لهم ثمرة بعد قتل اليهود و إجلائهم.(6:219)

راجع ص ب ح:«اصبحوا».

4- ..وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ. فصّلت:25

أبو السّعود :تعليل لاستحقاقهم العذاب،و الضّمير للأوّلين و الآخرين.(5:443)

ص: 783

الآلوسيّ: تعليل لاستحقاقهم العذاب،و الضّمير لهم و للأمم،و جوّز كونه لهم بقرينة السّياق.(24:119)

نحوه الطّباطبائيّ.(17:385)

5- أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ.

الأحقاف:18

الشّربيني:(كانوا)أي جبلّة و طبعا و خلقا لا يقدرون على الانفكاك عنه،(خاسرين)أي عريقين في هذا الوصف،تعليل للحكم على الاستئناف.(4:11)

ابن عاشور :إقحام كانُوا خاسِرِينَ دون أن يقال:إنّهم خاسرون،للإشارة إلى أنّ خسرانهم محقّق فكنّي عن ذلك بجعلهم كائنين فيه.و تأكيد الكلام بحرف (انّ)لأنّهم يظنّون أنّ ما حصل لهم في الدّنيا من التّمتّع بالطّيّبات فوزا ليس بعده نكد،لأنّهم لا يؤمنون بالبعث و الجزاء،فشبّهت حالة ظنّهم هذا بحال التّاجر الّذي قلّ ربحه من تجارته،فكان أمره خسرا.و قد تقدّم غير مرّة منها قوله تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:16.

و إيراد فعل«الكون»بقوله كانُوا خاسِرِينَ دون الاقتصار على خاسِرِينَ لأنّ(كان)تدلّ على أنّ الخسارة متمكّنة منهم.(26:34)

الخاسرين

1- ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ. البقرة:64

الطّبريّ: لكنتم الباخسين أنفسكم حظوظها دائما، الهالكين بما أجرمتم من نقض ميثاقكم،و خلافكم أمره و طاعته.(1:370)

القفّال:في تفسيره وجهان:

الأوّل:لو لا ما تفضّل اللّه به عليكم من إمهالكم و تأخير العذاب عنكم،لكنتم من الخاسرين،أي من الهالكين الّذين باعوا أنفسهم بنار جهنّم،فدلّ هذا القول على أنّهم إنّما خرجوا عن هذا الخسران،لأنّ اللّه تعالى تفضّل عليهم بالإمهال حتّى تابوا.

الثّاني:أن يكون الخبر قد انتهى عند: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ، ثمّ قيل: فَلَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ رجوعا بالكلام إلى أوّله،أي لو لا لطف اللّه بكم برفع الجبل فوقكم،لدمتم على ردّكم الكتاب،و لكنّه تفضّل عليكم و رحمكم،فلطف بكم بذلك حتّى تبتم.(الفخر الرّازيّ 3:109)

القشيريّ: لو لا حكمه بإمهاله،و حلمه بإفضاله لعاجلكم بالعقوبة،و أحلّ عليكم عظيم المصيبة، و لخسرت صفقتكم بالكلّيّة.(1:108)

الواحديّ: بالعقوبة،و ذهاب الدّنيا و الآخرة.

(1:151)

الفخر الرّازيّ: فيه بحثان:

الأوّل:[ذكر كلام القفّال].

البحث الثّاني:أنّ لقائل أن يقول:كلمة(لو لا)تفيد انتفاء الشّيء لثبوت غيره،فهذا يقتضي أنّ انتفاء الخسران من لوازم حصول فضل اللّه تعالى؛فحيث حصل الخسران وجب أن لا يحصل هناك لطف اللّه تعالى، و هذا يقتضي أنّ اللّه تعالى لم يفعل بالكافر شيئا من

ص: 784

الألطاف الدّينيّة؛و ذلك خلاف قول المعتزلة.

أجاب الكعبيّ بأنّه تعالى سوّى بين الكلّ في الفضل، لكن انتفع بعضهم دون بعض،فصحّ أن يقال ذلك،كما يقول القائل لرجل،و قد سوّى بين أولاده في العطيّة فانتفع بعضهم:«لو لا أنّ أباك فضّلك لكنت فقيرا».

و هذا الجواب ضعيف،لأنّ أهل اللّغة نصّوا على أنّ «لو لا»تفيد انتفاء الشّيء لثبوت غيره،و بعد ثبوت هذه المقدّمة فكلام الكعبيّ ساقط جدّا.(3:109)

البيضاويّ: المغبونين بالانهماك في المعاصي،أو بالخبط و الضّلال في فترة من الرّسل.و«لو»في الأصل لامتناع الشّيء لامتناع غيره،فإذا دخل على«لا»أفاد إثباتا،و هو امتناع الشّيء لثبوت غيره،و الاسم الواقع بعده عند سيبويه مبتدأ خبره واجب الحذف،لدلالة الكلام عليه،و سدّ الجواب مسدّه،و عند الكوفيّين فاعل فعل محذوف.(1:61)

مثله الشّربينيّ(1:67)،و نحوه المراغيّ(1:137).

أبو حيّان :الخسران هو النّقصان،و معناه:من الهالكين في الدّنيا و الأخرى،و يحتمل أن يكون«كان» هنا بمعنى«صار».(1:245)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ إلاّ أنّه قال:]

و قيل:لو لا فضله تعالى عليكم بالإمهال و تأخير العذاب لكنتم من الهالكين،و هو الأنسب بما بعده.

(1:143)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]

و لا يجوز أن يكون الجواب خبرا لكونه في الأغلب خاليا عن العائد إلى المبتدإ،و عند الكوفيّين فاعل فعل محذوف،أي لو لا ثبت فضل اللّه تعالى...و لَكُنْتُمْ جواب(لو لا)،و يكثر دخول اللاّم على الجواب إذا كان موجبا،و قيل:إنّه لازم إلاّ في الضّرورة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد جاء أيضا حذف«اللاّم»و إبقاء«قد»نحو:لو لا زيد قد أكرمتك،و لم يجئ في القرآن مثبتا إلاّ باللاّم،إلاّ فيما زعم بعضهم أنّ قوله تعالى: وَ هَمَّ بِها جواب لَوْ لا قدّم عليها.[ وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ يوسف:24](1:281)

2- وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ. آل عمران:85

أبو السّعود :المعنى أنّ المعرض عن الإسلام و الطّالب لغيره فاقد للنّفع واقع في الخسران،بإبطال الفطرة السّليمة الّتي فطر النّاس عليها.و في ترتيب الرّدّ و الخسران على مجرّد الطّلب دلالة على أنّ حال من تديّن بغير الإسلام و اطمأنّ بذلك أفظع و أقبح.

(1:388)

نحوه الآلوسيّ.(3:216)

راجع س ل م:«الإسلام».

3- ...وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ. المائدة:5

الفخر الرّازيّ: وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ مشروط بشرط غير مذكور في الآية،و هو أن يموت على ذلك الكفر؛إذ لو تاب عن الكفر لم يكن في الآخرة من

ص: 785

الخاسرين،و الدّليل على أنّه لا بدّ من هذا الشّرط،قوله تعالى: وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ... البقرة:217.

(11:149)

الشّربينيّ: فَقَدْ حَبِطَ أي فسد عَمَلُهُ الصّالح قبل ذلك إن اتّصل ذلك بالموت،بدليل وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ و في آية أخرى فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ البقرة:217،أمّا من أسلم قبل الموت،فإنّ ثوابه يفسد دون عمله،فلا يجب عليه إعادة حجّ قد فعله،و لا صلاة قد صلاّها قبل الرّدّة.(1:357)

4- فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ. المائدة:30

نحو ما قبلها.

5- رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. الأعراف:23

البيضاويّ: دليل على أنّ الصّغائر معاقب عليها إن لم تغفر.و قالت المعتزلة:لا تجوز المعاقبة عليها مع اجتناب الكبائر،و لذلك قالوا:إنّما قالا ذلك على عادة المقرّبين في استعظام الصّغير من السّيّئات،و استحقار العظيم من الحسنات.(1:345)

6- ...اَلَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ.

الأعراف:92

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:بالكفر،و الثّاني:

بالهلاك،قاله ابن عبّاس.(2:241)

الطّوسيّ: هُمُ في قوله: هُمُ الْخاسِرِينَ فصل،و يسمّيه الكوفيّون عمادا.و إنّما دخل الفصل مع أنّ المضمر لا يوصف،لأنّه يحتاج فيه إلى التّوكيد،ليتمكّن معناه في النّفس،و أنّ الّذي بعده من المعرفة لا يخرجه ذلك من معنى الخبر،و إن كان الأصل في الخبر النّكرة.

و هذه الآية جواب لقولهم: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ فبيّن اللّه في هذه الآية أنّ الخاسرين هم الّذين كذّبوه لا الّذين اتّبعوه.(4:503)

الزّمخشريّ: في هذا الابتداء معنى الاختصاص، كأنّه قيل:الّذين كذّبوا شعيبا هم المخصوصون بأن أهلكوا و استأصلوا،كأن لم يقيموا في دارهم،لأنّ الّذين اتّبعوا شعيبا قد أنجاهم اللّه،الّذين كذّبوا شعيبا هم المخصوصون بالخسران العظيم دون أتباعه،فإنّهم الرّابحون،و في هذا الاستئناف و الابتداء و هذا التّكرير مبالغة في ردّ مقالة الملإ لأشياعهم،و تسفيه لرأيهم،و استهزاء بنصحهم لقومهم،لما جرى عليهم.(2:97)

البيضاويّ: ...هُمُ الْخاسِرِينَ دينا و دنيا، لا الّذين صدّقوه و اتّبعوه-كما زعموا-فإنّهم الرّابحون في الدّارين،و للتّنبيه على هذا و المبالغة فيه كرّر الموصول، و استأنف بالجملتين،و أتى بهما اسميّتين.(1:359)

7- ...قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَ يَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. الأعراف:149

الفخر الرّازيّ: هذا كلام من اعترف بعظيم ما أقدم عليه و ندم على ما صدر منه،و رغب إلى ربّه في إقالة عثرته،ثمّ صدقوا على أنفسهم كونهم من الخاسرين إن لم يغفر اللّه لهم.و هذا النّدم و الاستغفار إنّما حصل بعد

ص: 786

رجوع موسى عليه السّلام إليهم.(15:9)

الشّربينيّ: أي فينتقم منّا بذنوبنا.[ثمّ قال نحو الفخر الرّازيّ](1:518)

أبو السّعود :و اللاّم في(لئن)موطّئة للقسم كما أشير إليه،و في قوله تعالى: لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ لجواب القسم،و ما حكى عنهم من النّدامة و الرّؤية و القول.و إن كان بعد ما رجع موسى عليه الصّلاة و السّلام إليهم،كما ينطق به الآيات الواردة في سورة طه، لكن أريد بتقديمه عليه حكاية ما صدر عنهم من القول و الفعل في موضع واحد.(3:32)

المراغيّ: لنكوننّ من الّذين خسروا سعادة الدّنيا، و هي الحرّيّة و الاستقلال في أرض الموعد،و خسروا سعادة الآخرة،و هي دار الكرامة و النّعيم المقيم و جنّات النّعيم.(9:70)

8- وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ. يونس:95

الطّوسيّ: المراد بالخطاب غير النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،من جملة أمّته من كان شاكّا في نبوّته.

و إنّما شبّه الكافر بالخاسر مع أنّ حاله أعظم من حال الخاسر،لأنّ حال الخاسر قد جرت بها عادة و ذاق طعم الحسرة فيها،فردّ إليها لبيان أمرها،خسران النّفس الّذي هو أعظم منها.(5:495)

الطّبرسيّ: أي فإنّك إن فعلت ذلك كنت من الخاسرين و لم يقل:من الكافرين،لأنّ الإنسان قد علم شدّة تحسّره و تأسّفه على خسران ماله،فكيف إذا خسر دينه و نفسه؟!(3:134)

الآلوسيّ: مِنَ الْخاسِرِينَ أنفسا و أعمالا، و التّعبير ب اَلْخاسِرِينَ أظهر في التّحذير من التّعبير بالكافرين.و فائدة النّهي في الموضعين التّهييج و الإلهاب نظير ما مرّ،و المراد بذلك:إعلام أنّ الافتراء و التّكذيب قد بلغا في القبح و المحذوريّة إلى حيث ينبغي أن ينهى عنهما من لا يمكن أن يتّصف بهما،فكيف بمن يمكن اتّصافه؟!و فيه قطع لأطماع الكفرة.(11:190)

9- ..وَ إِلاّ تَغْفِرْ لِي وَ تَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ.

هود:47

مثل ما قبلها.

10- فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ. الزّمر:15

لاحظ:«خسروا».

11- وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ.

الزّمر:65

الزّمخشريّ: إن قلت:ما معنى قوله: وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ؟

قلت:يحتمل و لتكوننّ من الخاسرين بسبب حبوط العمل،و يحتمل و لتكوننّ في الآخرة من جملة الخاسرين الّذين خسروا أنفسهم إن متّ على الرّدّة،و يجوز أن

ص: 787

يكون غضب اللّه على الرّسول أشدّ فلا يمهله بعد الرّدّة؛ أ لا ترى إلى قوله تعالى: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ الإسراء:75.(3:407)

الفخر الرّازيّ: ما معنى قوله: وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ؟

الجواب:كما أنّ طاعات الأنبياء و الرّسل أفضل من طاعات غيرهم،فكذلك القبائح الّتي تصدر عنهم،فإنّها بتقدير الصّدور تكون أقبح،لقوله تعالى: إِذاً لَأَذَقْناكَ... الإسراء:75،فكان المعنى ضعف الشّرك الحاصل منه،و بتقدير حصوله منه يكون تأثيره في جانب غضب اللّه أقوى و أعظم.(27:13)

البيضاويّ: كلام على سبيل الفرض،و المراد به تهييج الرّسول و إقناط الكفرة،و الإشعار على حكم الأمّة،و إفراد الخطاب باعتبار كلّ واحد،و اللاّم الأولى موطّئة للقسم و الأخريان للجواب.و إطلاق الإحباط يحتمل أن يكون من خصائصهم،لأنّ شركهم أقبح،و أن يكون على التّقييد بالموت كما صرّح به في قوله: وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ البقرة:217.و عطف الخسران عليه من عطف المسبّب على السّبب.(2:327)

نحوه أبو السّعود(5:402)،و الآلوسيّ(24:23)، و المراغيّ(24:30).

الطّباطبائيّ: ظهر معناه ممّا تقدّم،و يمكن أن يكون اللاّم في(الخاسرين)مفيدا للعهد،و المعنى:و لتكوننّ من الخاسرين الّذين كفروا بآيات اللّه،و أعرضوا عن الحجج الدّالّة على وحدانيّته.(17:291)

12- وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ. فصّلت:23

مثل ما قبلها.

13- ..قالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ... الشّورى:45

راجع«خسروا».

خاسرة

قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ. النّازعات:12

ابن عبّاس: رجعة خائبة لا تكون.(500)

الحسن :معناه كاذبة ليست كائنة.

(الطّوسيّ 10:255)

ابن كعب القرظيّ: أي لئن رجعنا أحياء بعد الموت لنخسرنّ بالنّار.

مثله قتادة.(الماورديّ 6:196)

قتادة :أي رجعة خاسرة.(الطّبريّ 12:428)

الرّبيع بن أنس:خاسرة على من كذّب بها.

(القرطبيّ 19:196)

ابن زيد :و أيّ كرّة أخسر منها،أحيوا ثمّ صاروا إلى النّار،فكانت كرّة سوء.(الطّبريّ 12:428)

يحيى بن سلاّم:باطلة،لا يجيء منها شيء، كالخسران،و ليست كاسبة.(الماورديّ 6:196)

ابن قتيبة :أي رجعة يخسر فيها.(513)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه عن قيل هؤلاء المكذّبين بالبعث،قالوا:تلك،يعنون تلك الرّجعة،إحياء بعد

ص: 788

الممات،(اذا):يعنون الآن كرّة،يعنون رجعة خاسرة، يعنون غابنة.(12:428)

الزّجّاج: أي هذه الكرّة كرّة خسران،و المعنى أهلها خاسرون.(5:279)

القمّيّ: قالوا هذا على حدّ الاستهزاء.(2:403)

الثّعلبيّ: كَرَّةٌ خاسِرَةٌ رجعة غابنة.

(10:126)

الماورديّ: فيه تأويلان:[فنقل قول يحيى بن سلاّم و قتادة و أضاف:]

و يحتمل ثالثا:إذا كنّا ننتقل من نعيم الدّنيا إلى عذاب الآخرة فهي كرّة خاسرة.(6:196)

الطّوسيّ: الخاسر:الذّاهب رأس ماله،فتلك الكرّة،كأنّه قد ذهب رأس المال منها،فكذلك الخسران.

و إنّما قالوا كَرَّةٌ خاسِرَةٌ أي لا يجيء منها شيء، كالخسران الّذي لا يجيء منه فائدة،و كأنّهم قالوا:هو كالخسران بذهاب رأس المال،فلا يجيء به تجارة، فكذلك لا يجيء بتلك الكرّة حياة.و قيل:معنى تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ على ما تعدنا من العذاب.(10:255)

الواحديّ: قالوا:إن رددنا بعد الموت لنخسرنّ بما يصيبنا بعد الموت ممّا يقول محمّد.(4:419)

نحوه البغويّ.(5:207)

الزّمخشريّ: كَرَّةٌ خاسِرَةٌ منسوبة إلى الخسران،أو خاسر أصحابها،و المعنى:أنّها إن صحّت فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها،و هذا استهزاء منهم.(4:213)

مثله الفخر الرّازيّ(31:37)،و البيضاويّ(2:

537)،و النّسفيّ(4:329)،و نحوه الشّربينيّ(4:478)، و أبو السّعود(6:367)،و المراغيّ(30:25).

ابن عطيّة: و ذلك أنّهم لتكذيبهم بالبعث، و إنكارهم،قالوا:لو كان هذا حقّا،لكانت كرّتنا و رجعتنا خاسرة،و ذلك لهم؛إذ هي النّار.(5:432)

مثله أبو حيّان.(8:421)

الطّبرسيّ: أي قال الكفّار:تلك الكرّة الكائنة بعد الموت كرّة خسران،و معناه:أنّ أهلها خاسرون،لأنّهم نقلوا من نعيم الدّنيا إلى عذاب النّار.[ثمّ قال نحو الطّوسيّ](5:431)

القرطبيّ: [نقل بعض الأقوال و أضاف:]

و قيل:أي هي كرّة خسران،و المعنى أهلها خاسرون،كما يقال:تجارة رابحة،أي يربح صاحبها،و لا شيء أخسر من كرّة تقتضي المصير إلى النّار.

(19:196)

البروسويّ: أي ذات خسران على إرادة النّسبة من اسم الفاعل،أو خاسرة أصحابها على الإسناد المجازيّ،أي على طريق إسناد الفعل إلى ما يقارنه في الوجود،كقولك:تجارة رابحة،و الرّبح فعل أصحاب التّجارة و هي عقد المبادلة،و الرّبح و التّجارة متقارنان في الوجود و إلاّ فهم الخاسرون،و الكرّة مخسور فيها،أي إن صحّت تلك الكرّة فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها.

و هذا المعنى أفاده كلمة(اذا)فإنّها حرف جواب و جزاء عند الجمهور،و إنّما حمل قولهم هذا على الاستهزاء،لأنّهم أبرزوا ما قطعوا بانتفائه و استحالته في صورة المشكوك المحتمل الوقوع.(10:318)

ص: 789

نحوه ملخّصا الآلوسيّ.(30:28)

ابن عاشور :(قالوا)بدل اشتمال من جملة يَقُولُونَ أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ النّازعات:10، و أعيد فعل القول لمقاصد:

منها:الدّلالة على أنّ قولهم هذا في غرض آخر غير القول الأوّل،فالقول الأوّل قصدهم منه الإنكار و الإبطال،و القول الثّاني قصدوا منه الاستهزاء و التّورّك لأنّهم لا يؤمنون بتلك الكرّة،فوصفهم إيّاها ب خاسِرَةٌ من باب الفرض و التّقدير،أي لو حصلت كرّة لكانت خاسرة.

و منها:دفع توهّم أن تكون جملة تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ استئنافا من جانب اللّه تعالى.

و عبّر عن قولهم هذا بصيغة الماضي دون المضارع على عكس يَقُولُونَ أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ النّازعات:10،لأنّ هذه المقالة قالوها استهزاء،فليست ممّا يتكرّر منهم،بخلاف قولهم: أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ فإنّه حجّة ناهضة في زعمهم،فهذا ممّا يتكرّر منهم في كلّ مقام.و بذلك لم يكن المقصود التّعجيب من قولهم هذا،لأنّ التّعجيب يقتضي الإنكار،و كون كرّتهم، أي عودتهم إلى الحياة عودة خاسرة أمر محقّق لا ينكر، لأنّهم يعودون إلى الحياة خاسرين لا محالة.

و(تلك)إشارة إلى الرّدّة المستفادة من (مردودون)و الإشارة إليه باسم الإشارة للمؤنّث للإخبار عنه ب(كرة).

و(اذا)جواب للكلام المتقدّم،و التّقدير:إذن تلك كرّة خاسرة،فقدّم(تلك)على حرف الجواب للعناية بالإشارة.

و الكرّة:الواحدة من الكرّ،و هو الرّجوع بعد الذّهاب،أي رجعة.

و الخسران:أصله نقص مال التّجارة الّتي هي لطلب الرّبح،أي زيادة المال،فاستعير هنا لمصادفة المكروه غير المتوقّع.

و وصف الكرّة بالخاسرة مجاز عقليّ للمبالغة،لأنّ الخاسر أصحابها،و المعنى:أنّا إذن خاسرون لتكذيبنا، و تبيّن صدق الّذي أنذرنا بتلك الرّجعة.(30:63)

مغنيّة:أنكروا البعث،فهدّدهم سبحانه بعذاب الجحيم،فقالوا ساخرين:إذن،نحن أخسر النّاس صفقة في يوم القيامة،ثمّ ما ذا؟

و أيّة غرابة في ذلك؟أ لستم أنصار الباطل و الضّلال؟ وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ الجاثية:

27.(7:507)

الطّباطبائيّ: الإشارة ب«تلك»إلى معنى الرّجعة المفهوم من قوله: أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ، و الكرّة:

الرّجعة و العطفة.و عدّ الكرّة خاسرة إمّا مجاز-و الخاسر بالحقيقة صاحبها-أو الخاسرة بمعنى ذات خسران، و المعنى قالوا:تلك الرّجعة-و هي الرّجعة إلى الحياة بعد الموت-رجعة متلبّسة بالخسران.

و هذا قول منهم أوردوه استهزاء-على أن يكون قولهم: أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ... ممّا قالوه في الدّنيا-و لذا غيّر السّياق و قال:

قالُوا تِلْكَ إِذاً... بعد قوله يَقُولُونَ أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ....

ص: 790

و أمّا على تقدير أن يكون ممّا سيقولونه عند البعث، فهو قول منهم على سبيل التّشؤّم و التّحسّر.

(20:186)

مكارم الشّيرازيّ: لا يكتفي منكروا المعاد بحال الاعتراض على ما وعدهم به البارئ سبحانه،بل و تحوّلوا إلى الاستهزاء بأحد أصول دين اللّه قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ.

و ثمّة احتمال آخر في تفسير هذه الآية،يقول:إنّهم جادّون في قولتهم غير مستهزءين،لأنّهم يعتقدون أن لو كان ثمّة عود و رجعة فهي عبث زائد و خاسر؛إذ لو كانت الحياة الطّيّبة هي الّتي نعيشها فلما ذا لا تخلد؟و إن كانت سيّئة فما فائدة العود؟

و يمكن اعتبار(الحافرة)الواردة في أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ قرينة لهذا الاحتمال،بلحاظ كونها بمعنى الحفرة.و لكنّ المعروف بين المفسّرين،هو التّفسير الأوّل.

و قد عبّرت الآية السّابقة عن قولهم بصيغة المضارع (يقولون)،إشارة إلى دوام ترديدهم لما يقولون به،في حين ذكر الفعل في هذه الآية بصيغة الماضي(قالوا) إشارة إلى أنّ قولهم هذا قليل الذّكر من قبلهم.

(19:336)

فضل اللّه :أي رجعة يخسر فيها الإنسان مصيره.

و قد يكون هذا الكلام واردا على سبيل الاستهزاء،و ربّما كان لونا من ألوان الحيرة الذّاتيّة الّتي قد يخضع لها الإنسان،عند ما يفرض الاحتمال نفسه على الفكر و الشّعور.(24:34)

الاخسرون

أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَ هُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ. النّمل:5

الكرمانيّ: «أفعل»هنا للمبالغة لا للشّركة،كأنّه يقول:ليس للمؤمن خسران البتّة حتّى يشركه فيه الكافر و يزيد عليه.و قد بيّنّا كيفيّة الاشتراك بالنّسبة إلى الدّنيا و الآخرة.(أبو حيّان 7:54)

الزّمخشريّ: أشدّ النّاس خسرانا،لأنّهم لو آمنوا لكانوا من الشّهداء على جميع الأمم،فخسروا ذلك مع خسران النّجاة و ثواب اللّه.(3:136)

مثله النّسفيّ.(3:202)

ابن عطيّة: جمع«أخسري»لأنّ«أفعل»صفة لا يجمع إلاّ أن يضاف،فتقوى رتبته في الأسماء.

(4:248)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

الأوّل:أنّه لا خسران أعظم من أن يخسر المرء نفسه،بأن يسلب عنه الصّحّة و السّلامة في الدّنيا و يسلّم في الآخرة إلى العذاب العظيم.

الثّاني:المراد أنّهم خسروا منازلهم في الجنّة لو أطاعوا،فإنّه لا مكلّف إلاّ و عيّن له منزل في الجنّة لو أطاع،فإذا عصى عدل به إلى غيره،فيكون قد خسر ذلك المنزل.(24:180)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ اَلْأَخْسَرُونَ أفعل التّفضيل،و ذلك أنّ الكافر خسر الدّنيا و الآخرة-كما أخبر عنه تعالى-و هو في الآخرة أكثر خسرانا؛إذ مآله إلى عقاب دائم.و أمّا في الدّنيا فإذا أصابه بلاء فقد يزول

ص: 791

عنه و ينكشف،فكثرة الخسران و زيادته إنّما ذلك له في الآخرة.و قد ترتّب الأكثريّة و إن كان المسند إليه واحدا بالنّسبة إلى الزّمان و المكان أو الهيئة و غير ذلك ممّا يقبل الزّيادة.

و في هذا نظر،و لا نظر في كونه يجمع جمع سلامة و جمع تكسير إذا كان ب«أل»بل لا يجوز فيه إلاّ ذلك إذا كان قبله ما يطابقه في الجمعيّة،فيقول:«الزّيدون هم الأفضلون و الأفاضل»و«الهندات هنّ الفضليات، و الفضل».

و أمّا قوله:«لا يجمع إلاّ أن يضاف»،فلا يتعيّن إذ ذاك جمعه،بل إذا أضيف إلى نكرة فلا يجوز جمعه،و إن أضيف إلى معرفة جاز فيه الجمع و الإفراد،على ما قرّر ذلك في كتب النّحو.(7:54)

نحوه السّمين.(5:295)

أبو السّعود :أي أشدّ النّاس خسرانا لفوات الثّواب و استحقاق العقاب.(5:69)

نحوه البروسويّ.(6:319)

الآلوسيّ: يحتمل أن يكون المراد لهم ذلك في الدّارين،و هو الّذي استظهره أبو حيّان،و يكون قوله تعالى: وَ هُمْ... لبيان أنّ ما في الآخرة أعظم العذابين، بناء على أنّ(الاخسرين)أفعل تفضيل،و التّفضيل باعتبار حاليهم في الدّارين،أي هم في الآخرة أخسر منهم في الدّنيا لا غيرهم،كما يدلّ عليه تعريف الجزءين على معنى أنّ خسرانهم في الآخرة أعظم من خسرانهم في الدّنيا،من حيث إنّ عذابهم في الآخرة غير منقطع أصلا،و عذابهم في الدّنيا منقطع،و لا كذلك غيرهم من عصاة المؤمنين،لأنّ خسرانهم في الآخرة ليس أعظم من خسرانهم في الدّنيا من هذه الحيثيّة،فإنّ عذابهم في الآخرة ينقطع و يعقبه نعيم الأبد،حتّى يكاد لا يخطر ببالهم أنّهم عذّبوا،كذا قيل.

و قال بعضهم:إنّ التّفضيل باعتبار ما في الآخرة،أي هم في الآخرة أشدّ النّاس خسرانا لا غيرهم،لحرمانهم الثّواب و استمرارهم في العقاب،بخلاف عصاة المؤمنين، و يلزم من ذلك كون عذابهم في الآخرة أعظم من عذابهم في الدّنيا،و يكفي هذا في البيان.و قال الكرمانيّ:إنّ أفعل هنا للمبالغة لا للشّركة،قال أبو حيّان:كأنّه يقول:ليس للمؤمن خسران البتّة حتّى يشركه فيه الكافر و يزيد عليه و لم يتفطّن لكون المراد أنّ خسران الكافر في الآخرة أشدّ من خسرانه في الدّنيا،فالاشتراك الّذي يدلّ عليه«أفعل»إنّما و بين ما في الآخر و ما في الدّنيا.

انتهى كلامه.و كأنّه يسلّم أن ليس للمؤمن خسران البتّة،و فيه بحث لا يخفى.و تقديم فِي الْآخِرَةِ إمّا للفاصلة أو للحصر.(19:158)

المراغيّ: أي و هم في الآخرة أعظم خسرانا ممّا هم فيه في،الدّنيا،لأنّ عذابهم فيها مستمرّ لا ينقطع،و عذابهم في الدّنيا ليس بدائم بل هو زائل لا بقاء له.(19:120)

ابن عاشور :في الآية إشارة إلى جزاءين:جزاء في الدّنيا معدود لهم يستحقّونه بكفرهم،فهم ما داموا كافرين متهيّئون للوقوع في ذلك العذاب إن جاء إبّانه و هم على الكفر.و جزاء في الآخرة ينال من صار إلى الآخرة و هو كافر،و هذا المصير يسمّى ب«الموافاة»عند الأشعريّ.

ص: 792

و لكون نوال العذاب الأوّل إيّاهم قابلا للتّفصّي منه بالإيمان قبيل حلوله بهم جيء في جانبه ب«لام» الاختصاص المفيدة كونه مهيّأ تهيئة،أمّا أصالة جزاء الآخرة إيّاهم فلا مندوحة لهم عنه إن جاءوا يوم القيامة بكفرهم.

فالضّمائر في قوله: لَهُمْ و قوله: وَ هُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ عائدة إلى اَلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ النّمل:4، بمراعاة ذلك العنوان الّذي أفادته الصّلة،فلا دلالة في الضّمير على أشخاص معيّنين،و لكن على موصوفين بمضمون الصّلة،فمن تنقشع عنه الضّلالة و يثوب إلى الإيمان يبرأ من هذا الحكم.و صيغ الخبر عنهم بالخسران في صيغة الجملة الاسميّة،و قرن بضمير الفصل،للدّلالة على ثبات مضمون الجملة،و على انحصار مضمونها فيهم، كما تقدّم في قوله: وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ النّمل:3.

و جاء المسند اسم تفضيل للدّلالة على أنّهم أوحدون في الخسران،لا يشبهه خسران غيرهم،لأنّ الخسران في الآخرة متفاوت المقدار و المدّة،و أعظمه فيهما خسران المشركين.(19:222)

الطّباطبائيّ: لعلّ وجه كونهم أخسر النّاس:أنّ سائر العصاة لهم صحائف أعمال،مثبتة فيها سيّئاتهم، و حسناتهم يجازون بها،و أمّا هؤلاء فسيّئاتهم محفوظة عليهم يجازون بها،و حسناتهم حابطة.(15:340)

مكارم الشّيرازيّ: الدّليل على أنّهم في الآخرة هم الأخسرون،ما جاء في سورة الكهف:103، قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً* اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً. فأيّة خسارة أعظم من أن يرى الإنسان عمله القبيح حسنا! و أن يهدر جميع طاقاته من أجله،ظنّا منه بأنّه عمل إيجابيّ مثبت،إلاّ أنّه يراه في عاقبة أمره ليس إلاّ الشّقاء، و إلاّ اليوم المظلم!(12:14)

فضل اللّه :لأنّهم خسروا أنفسهم،عند ما أحبطوا أعمالهم بالكفر،فلم يبق لهم إلاّ السّيّئات الّتي تجرّهم إلى النّار و بئس القرار.(17:185)

الاخسرين

1- قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً* اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً. الكهف:103،104

الإمام عليّ عليه السّلام:[في حديث قال:]في هذه الآية هم الرّهبان الّذين حبسوا أنفسهم في الصّوامع.

نحوه سعد بن أبي وقّاص،و الضّحّاك.

(الطّبريّ 8:293).

نحوه ابن عبّاس.(253)

[و في حديث آخر]هم كفرة أهل الكتاب،كان أوائلهم على حقّ،فأشركوا بربّهم و ابتدعوا في دينهم، الّذين يجتهدون في الباطل،و يحسبون أنّهم على حقّ، و يجتهدون في الضّلالة،و يحسبون أنّهم على هدى،فضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا،و هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا،ثمّ رفع صوته،فقال:و ما أهل النّار منهم ببعيد.

[و في حديث آخر سأل عبد اللّه بن الكوّاء عليّا عن قوله: قُلْ هَلْ... قال:]أنتم يا أهل حروراء.[و في حديث آخر قال له:]

ص: 793

أنت و أصحابك.(الطّبريّ 8:294)

نحوه ابن عبّاس(253)،و الضّحّاك(ابن كثير 4:

429).

ابن عبّاس: يريد كفّار أهل مكّة.

(القرطبيّ 11:66)

مجاهد :[هم]أهل الكتاب.

(الفخر الرّازيّ 27:174)

الإمام الباقر عليه السّلام:هم النّصارى و القسّيسون و الرّهبان و أهل الشّبهات و الأهواء من أهل القبلة و الحروريّة،و أهل البدع.(القمّيّ 2:46)

الأخفش: قال: بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً لأنّه لمّا أدخل الألف و اللاّم و النّون في(الاخسرين)لم يوصل إلى الإضافة،و كانت الأعمال من(الاخسرين)فلذلك نصب.(2:621)

الطّبريّ: (قل)يا محمّد لهؤلاء الّذين يبغون عنتك و يجادلونك بالباطل،و يحاورونك بالمسائل من أهل الكتابين:اليهود،و النّصارى: هَلْ نُنَبِّئُكُمْ أيّها القوم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً يعني بالّذين أتعبوا أنفسهم في عمل يبغون به ربحا و فضلا،فنالوا به عطبا و هلاكا و لم يدركوا طلبا،كالمشتري سلعة يرجو بها فضلا و ربحا، فخاب رجاؤه،و خسر بيعه،و وكس في الّذي رجا فضله.

و اختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بذلك،فقال بعضهم:عني به الرّهبان و القسوس...

و قال آخرون:بل هم جميع أهل الكتابين...

و قال آخرون:بل هم الخوارج...

[في حديث عن مصعب بن سعد قال:]سألت أبي عن هذه الآية: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ... أهم أهل الحروريّة؟قال:لا،هم أهل الكتاب،اليهود و النّصارى.

أمّا اليهود فكذّبوا بمحمّد،و أمّا النّصارى فكفروا بالجنّة و قالوا:ليس فيها طعام و لا شراب،و لكن الحروريّة اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ البقرة:27،فكان سعد يسمّيهم:الفاسقين.

و الصّواب من القول في ذلك عندنا،أن يقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ عنى بقوله: هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً كلّ عامل عملا يحسبه فيه مصيبا،و أنّه للّه بفعله ذلك مطيع مرض،و هو بفعله ذلك للّه مسخط،و عن طريق أهل الإيمان به جائر،كالرّهابنة و الشّمامسة و أمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالتهم،و هم مع ذلك من فعلهم و اجتهادهم باللّه كفرة،من أهل أيّ دين كانوا.

و قد اختلف أهل العربيّة في وجه نصب قوله:

أَعْمالاً، فكان بعض نحويّي البصرة يقول:[و هو قول الأخفش ثمّ أضاف:]

و قال غيره:هذا باب الأفعل و الفعلى،مثل الأفضل و الفضلى،و الأخسر و الخسرى،و لا تدخل فيه«الواو» و لا يكون فيه مفسّر،لأنّه قد انفصل بمن هو،كقوله:

الأفضل و الفضلى،و إذا جاء معه مفسّر كان للأوّل و الآخر،و قال:أ لا ترى أنّك تقول:مررت برجل حسن وجها،فيكون«الحسن»للرّجل و الوجه،و كذلك«كبير عقلا»و ما أشبهه.قال:و إنّما جاز في(الاخسرين)لأنّه ردّه إلى الأفعل و الأفعلة.قال:و سمعت العرب تقول:

ص: 794

الأوّلات دخولا،و الآخرات خروجا،فصار للأوّل و الثّاني كسائر الباب.قال:و على هذا يقاس.(8:293)

القمّيّ: نزلت في اليهود و جرت في الخوارج.

(2:46)

الثّعلبيّ: يعني الّذين أتعبوا أنفسهم في عمل يبتغون به ربحا،فنالوا به هلاكا و عطبا،و لم يدركوا ما طلبوا،كالمشتري سلعة يرجو بها فضلا و ربحا،فخاب رجاؤه و خسر بيعه.(6:200)

الماورديّ: فيهم خمسة أقاويل:[ثمّ نقل بعض الأقوال إلى أن قال:]

الرّابع:هم أهل الأهواء.

الخامس:أنّهم من يصطنع المعروف و يمنّ عليه.

و يحتمل سادسا:أنّهم المنافقون بأعمالهم المخالفون باعتقادهم.

و يحتمل سابعا:أنّهم طالبوا الدّنيا و تاركوا الآخرة.(3:347)

الواحديّ: يعني بالقوم الّذين هم أخسر الخلق فيما عملوا،و هم كفّار أهل الكتاب اليهود و النّصارى.

(3:170)

ابن عطيّة: المعنى:قل لهؤلاء الكفرة على جهة التّوبيخ:هل نخبركم بالّذين خسروا عملهم و ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا،و هم مع ذلك يظنّون أنّهم يحسنون فيما يصنعونه؟فإذا طلبوا ذلك،فقل لهم:

أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ. و قرأ ابن وثّاب: (قل سننبّئكم) ،و هذه صفة المخاطبين من كفّار العرب المكذّبين بالبعث[إلى أن نقل القول بأنّهم عبّاد اليهود و النّصارى و أهل الصّوامع و الدّيارات،أو أنّهم الخوارج و قال:]

و هذا إن صحّ فهو على جهة المثال فيمن ضلّ و يضعّف سعيه في الحياة الدّنيا،و هو يحسب أنّه يحسن...

هذا كلّه قوله تعالى بعد ذلك: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ و ليس من هذه الطّوائف من يكفر بلقاء اللّه،و إنّما هذه صفة مشركي عبدة الأوثان،فاتّجه بهذا ما قلناه أوّلا.و عليّ و سعد رضي اللّه عنهما ذكرا أقواما أخذوا بحظّهم من صدر الآية.و قوله: أَعْمالاً نصب على التّمييز.(3:545)

الفخر الرّازيّ: [نقل بعض الأقوال في المراد منهم ثمّ قال:]

و الأصل أن يقال:هو الّذي يأتي بالأعمال يظنّها طاعات و هي في أنفسها معاصي،و إن كانت طاعات لكنّها لا تقبل منهم لأجل كفرهم،فأولئك إنّما أتوا بتلك الأعمال لرجاء الثّواب،و إنّما أتعبوا أنفسهم فيها لطلب الأجر و الفوز يوم القيامة،فإذا لم يفوزوا بمطالبهم بيّن أنّهم كانوا ضالّين.(21:174)

القرطبيّ: فيه دلالة على أنّ من النّاس من يعمل العمل و هو يظنّ أنّه محسن و قد حبط سعيه،و الّذي يوجب إحباط السّعي إمّا فساد الاعتقاد أو المراءاة، و المراد هنا الكفر.[ثمّ ذكر بعض الأقوال و قال:]

و الآية معناها التّوبيخ،أي قل لهؤلاء الكفرة الّذين عبدوا غيري:يخيب سعيهم و آمالهم غدا،فهم الأخسرون أعمالا.(11:65)

البيضاويّ: (اعمالا)نصب على التّمييز،و جمع

ص: 795

على أنّه من أسماء الفاعلين أو لتنوّع أعمالهم.(2:27)

نحوه النّسفيّ.(3:27)

أبو حيّان :[نقل بعض الأقوال في المراد منهم ثمّ قال:]

و قيل:هم الصّابئون...

و ينبغي حمل هذه الأقوال على التّمثيل لا على الحصر؛إذ الأخسرون أعمالا هم كلّ من دان بدين غير الإسلام،أو راءى بعمله،أو أقام على بدعة تؤول به إلى الكفر.و الأخسر:من أتعب نفسه فأدّى تعبه به إلى النّار.

و انتصب أَعْمالاً على التّمييز،و جمع لأنّ أعمالهم في الضّلال مختلفة،و ليسوا مشتركين في عمل واحد.

(6:166)

ابن كثير :[ذكر قول عليّ عليه السّلام و قال:]

و معنى هذا-عن عليّ رضى اللّه عنه-أنّ هذه الآية الكريمة تشمل الحروريّة كما تشمل اليهود و النّصارى و غيرهم، لا أنّها نزلت في هؤلاء على الخصوص و لا هؤلاء،بل هي أعمّ من هذا،فإنّ هذه الآية مكّيّة قبل خطاب اليهود و النّصارى،و قبل وجود الخوارج بالكلّيّة،و إنّما هي عامّة في كلّ من عبد اللّه على غير طريقة مرضيّة،يحسب أنّه مصيب فيها،و أنّ عمله مقبول و هو مخطئ و عمله مردود، كما قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ* عامِلَةٌ ناصِبَةٌ* تَصْلى ناراً حامِيَةً الغاشية:2-4،و قال تعالى:

وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً الفرقان:23،و قال تعالى: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً النّور:39،و قال في هذه الآية الكريمة:

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ أي نخبركم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ثمّ فسّرهم،فقال: اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي عملوا أعمالا باطلة على غير شريعة مشروعة مرضيّة مقبولة وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أي يعتقدون أنّهم على شيء،و أنّهم مقبولون محبوبون.(4:429)

الشّربينيّ: أي الّذين أتعبوا أنفسهم في عمل يرجون به فضلا و نوالا فنالوا هلاكا و بوارا.[ثمّ نقل الأقوال إلى أن قال نحو الثّعلبيّ](2:409)

أبو السّعود : بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً نصب على التّمييز،و الجمع للإيذان بتنوّعها،و هذا بيان لحال الكفرة باعتبار ما صدر عنهم من الأعمال الحسنة في أنفسها و في حسبانهم أيضا؛حيث كانوا معجبين بها واثقين بنيل ثوابها،و مشاهدة آثارها غبّ بيان حالهم، باعتبار أعمالهم السّيّئة في أنفسها،مع كونها حسنة في حسبانهم.

اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في إقامة تلك الأعمال،أي ضاع و بطل بالكلّيّة. فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلّق بالسّعي لا بالضّلال،لأنّ بطلان سعيهم غير مختصّ بالدّنيا.

قيل:المراد بهم أهل الكتابين،قاله ابن عبّاس و سعد بن أبي وقّاص و مجاهد رضي اللّه عنهم،و يدخل في الأعمال حينئذ ما عملوه من الأحكام المنسوخة المتعلّقة بالعبادات.و قيل:الرّهابنة الّذين يحبسون أنفسهم في الصّوامع و يحملونها على الرّياضات الشّاقّة،و لعلّه ما يعمّهم و غيرهم من الكفرة.

و محلّ الموصول الرّفع على أنّه خبر مبتدإ محذوف،

ص: 796

لأنّه جواب للسّؤال،كأنّه قيل:من هم؟فقيل:

اَلَّذِينَ... ،و جعله مجرورا-على أنّه نعت ل(الاخسرين)أو بدل منه،أو منصوبا على الذّمّ،على أنّ الجواب ما سيأتي من قوله تعالى:(اولئك)الآية- يأباه أنّ صدره ليس منبئا عن خسران الأعمال و ضلال السّعي،كما يستدعيه مقام الجواب.و التّفريع الأوّل و إن دلّ على حبوطها،لكنّه ساكت عن إنباء ما هو العمدة في تحقيق معنى الخسران من الوثوق بترتب الرّبح و اعتقاد النّفع فيما صنعوا.على أنّ التّفريع الثّاني يقطع ذلك الاحتمال رأسا؛إذ لا مجال لإدراجه تحت الأمر بقضيّة نون العظمة.(4:221)

الآلوسيّ: قُلْ يا محمّد هَلْ نُنَبِّئُكُمْ خطاب للكفرة.و إذا حمل الاستفهام على الاستئذان كان فيه من التّهكّم ما فيه،و الجمع في صيغة المتكلّم قيل لتعيينه من أوّل الأمر،و للإيذان بمعلوميّة النّبأ للمؤمنين أيضا.

بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً نصب على التّمييز،و جمع،مع أنّ الأصل في التّمييز:الإفراد،و المصدر شامل للقليل و الكثير-كما ذكر ذلك النّحاة-للإيذان بتنوّع أعمالهم، و قصد شمول الخسران لجميعها.

و قيل:جمع لأنّ ما ذكره النّحاة إنّما هو إذا كان المصدر باقيا على مصدريّته،أمّا إذا كان مؤوّلا باسم فاعل فإنّه يعامل معاملته،و هنا«عمل»بمعنى«عامل» فجمع على«أعمال»،و المراد:عاملين.و الصّفة تقع تمييزا، نحو:للّه تعالى درّه فارسا.

و زعم بعضهم أنّ«أعمالا»جمع:عامل؛و تعقّب بأنّ جمع«فاعل»على«أفعال»نادر،و قد أنكره بعض النّحاة،في غير ألفاظ مخصوصة ك«أشهاد جمع:شاهد»، و قيل:جمع:«عمل»ك«كتف»بمعنى ذو عمل،كما في «القاموس»و هو كما ترى!!

و زعم بعض المتأخّرين:«أنّه إذا اعتبر أَعْمالاً بمعنى«عاملين»كان(الاخسرين)بمعنى الخاسرين، لأنّ التّمييز إذا كان صفة كان عبارة عن المنتصب عنه متّحدا معه بالذّات محمولا عليه بالمواطأة،حتّى أنّ النّحاة صرّحوا بأنّه تجعل الحال أيضا،و هو خبر عن ذي الحال معنى.و من البيّن أنّ أفعل التّفضيل يمتنع أن يتّحد مع اسم الفاعل لمكان الزّيادة؛فحيث وقع اسم الفاعل تمييزا و انتصب بأفعل،وجب أن يكون بمعنى«فاعل»ليتّحدا.

و تعقّبه بعضهم بأن«أفعل»لا يكون مع اللاّم مجرّدا عن معنى التّفضيل،كما أنّه لا يكون مجرّدا عنه مع الإضافة،و إنّما يكون ذلك إذا كان مع«من»كما صرّح به ابن مالك في«التّسهيل»،و ذكره الرّضيّ،و لا يخفى عليك ما في جميع ذلك من النّظر.

و الحقّ أنّ الجمعيّة ليست إلاّ لما ذكر أوّلا،نعم ذكر أبو البقاء أنّه جمع لكونه منصوبا على أسماء الفاعلين، و أوّل ذلك بأنّه أراد باسم الفاعل:المعنى اللّغويّ،و أراد أنّه جمع ليفيد التّوزيع،على أنّه لا يخلو عن شيء.[ثمّ قال نحو أبي السّعود و ذكر الأقوال و قول عليّ عليه السّلام ثمّ قال:]

و استشكل بأنّ قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا... يأباه،لأنّهم لا ينكرون البعث و هم غير كفرة.

و أجيب بأنّ«من»اتّصاليّة فلا يلزم أن يكونوا

ص: 797

متّصلين بهم من كلّ الوجوه بل يكفي كونهم على الضّلال،مع أنّه يجوز أن يكون كرّم اللّه تعالى وجهه معتقدا لكفرهم،و استحسن أنّه تعريض بهم على سبيل التّغليظ لا تفسير للآية.و المذكور في«مجمع البيان»أنّ العيّاشيّ روى بسنده أنّ ابن الكوّاء سأل أمير المؤمنين كرّم اللّه تعالى وجهه عن أهل هذه الآية،فقال:أولئك أهل الكتاب كفروا بربّهم و ابتدعوا في دينهم فحبطت أعمالهم،و ما أهل النّهر منهم ببعيد،و هذا يؤيّد الجواب الأوّل،و أخبر أنّ المراد ما يعمّ سائر الكفرة.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود و قال في آخره:]و الجواب عن ذلك لا يتمّ إلاّ بتكلّف،فتأمّل.(16:47)

ابن عاشور :اعتراض باستئناف ابتدائيّ أثاره مضمون جملة: أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا... فإنّهم لمّا اتّخذوا أولياء من ليسوا ينفعونهم،فاختاروا الأصنام و عبدوها و تقرّبوا إليها ما أمكنهم من القرب اغترارا بأنّها تدفع عنهم،و هي لا تغني عنهم شيئا،فكان عملهم خاسرا و سعيهم باطلا.فالمقصود من هذه الجملة هو قوله: وَ هُمْ يَحْسَبُونَ....

و افتتاح الجملة بالأمر بالقول للاهتمام بالمقول بإصغاء السّامعين،لأنّ مثل هذا الافتتاح يشعر بأنّه في غرض مهمّ،و كذلك افتتاحه باستفهامهم عن إنبائهم استفهاما مستعملا في العرض،لأنّه بمعنى:أ تحبّون أن ننبّئكم بالأخسرين أعمالا،و هو عرض تهكّم لأنّه منبّئهم بذلك دون توقّف على رضاهم.

و في قوله: بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً إلى آخره،تمليح؛ إذ عدل فيه عن طريقة الخطاب بأن يقال لهم:هل ننبّئكم بأنّكم الأخسرون أعمالا،إلى طريقة الغيبة؛بحيث يستشرفون إلى معرفة هؤلاء الأخسرين،فما يروعهم إلاّ أن يعلموا أنّ المخبر عنهم هم أنفسهم.

و المقول لهم:المشركون،توبيخا لهم و تنبيها على ما غفلوا عنه من خيبة سعيهم.(15:141)

عبد الكريم الخطيب :الاستفهام هنا خبريّ، يراد به الكشف عن المجرمين،و عن الطّريق الّذي ركبوه، حتّى وصلوا إلى هذا الّذي هم فيه من كفر و ضلال.

و في سوق الخبر في مساق الاستفهام،إثارة الانتباه إلى ما وراء هذا الاستفهام من جواب عليه.و لو جاء الخبر مباشرا لما كان له هذا الوقع على النّفس،حين تتلقّاه بعد هذا الاستفهام المثير لحبّ الاستطلاع.

و الآيتان تقرّران حكما هو:أنّ أخسر النّاس أعمالا، و أبخسهم حظّا بما عملوا،هم هؤلاء الّذين يركبون الطّريق المعوج،طريق الضّلال،و هي في حسابهم و تقديرهم أنّها طريق خير و فلاح.فمثل هؤلاء لا يرجى لفسادهم صلاح أبدا؛إذ لا تكون منهم لفتة إلى أنفسهم، و لا نظر إلى ما هم فيه من سوء؛حيث يرون أنّهم على أحسن حال و أقوم سبيل.

إنّ الّذي يركب الشّرّ-و هو عالم أنّه على طريق الشّرّ-لا يعيش مع نفسه في حال من السّلم و الرّضا،بل يظلّ هكذا قلقا،مضطربا،من تلك الحال الّتي هو عليها.

و قد يبلغ به الأمر إلى حدّ يستطيع معه أن يكسر القيد الّذي قيّده به ضعفه،في مواجهة شهوات نفسه الأمّارة بالسّوء،و عندها يجد أنّه قادر على التّحرّك في الاتّجاه الصّحيح الّذي كان يهمّ به،و لا يستطيعه.فما أكثر ما

ص: 798

يعرف النّاس أنّهم على غير طريق الهدى،و أنّ ما هم فيه من ضلال،هو من واردات الضّعف المستولي عليهم، و أنّهم-و الحال كذلك-يودّون لو كانت بهم قوّة تمكّن لهم من تخطّي هذه الحدود الّتي أقامهم فيها ضعف العزيمة، و غلبة الهوى،كما يقول الشّاعر:

أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه

و قد حيل بين العير و النّزوان

أمّا من يركب الضّلال،و يأتي المنكر-و هو على هذا الفهم السّقيم،الّذي يزيّن له الباطل،و يبيح له المنكر- فإنّه لن ينتهي أبدا عن غيّه،و لن يفيق أبدا من سكرة ضلاله.و في هذا يقول الحقّ تبارك و تعالى: أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فاطر:8،و يقول سبحانه:

كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يونس:12.

فهؤلاء الّذين زيّن لهم سوء عملهم،فلم يروا ما هم فيه من كفر و ضلال،فمضوا في كفرهم و ضلالهم،و لم يستمعوا لنصح ناصح،و لم يستجيبوا لدعوة داع يدعوهم إلى الهدى،و ينذرهم بلقاء يومهم هذا،هؤلاء الّذين كفروا بآيات ربّهم و لقائه،لن يقام لأعمالهم وزن يوم القيامة: إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الأعراف:139.

و في الآيتين إشارة إلى هذا المعتقد الفاسد الّذي يعتقده المعتقدون بألوهيّة عزير،و المسيح،فهم مع هذا المعتقد على يقين بأنّهم على الحقّ،و أنّهم إنّما يرجعون في معتقدهم هذا إلى نصوص من كتبهم المقدّسة،الّتي أوّلوها هذا التّأويل الفاسد،الّذي أقام لهم من عباد اللّه آلهة يعبدونها من دون اللّه.(8:715)

مغنيّة:يتلخّص المعنى بأنّ أخسر النّاس صفقة، و أخيبهم سعيا هو الجاهل المركّب الّذي يرى جهله علما، و شرّه خيرا،و إساءته إحسانا.و ليس من شكّ أنّ هذا خائب خاسر في الدّنيا،لأنّه يعيش في غير واقعه.و هو كذلك في الآخرة،لأنّه يلقى اللّه غدا بالجهل و الغرور، و سوء الأعمال.

و تومئ الآية إلى أنّ قيمة الإنسان الحقيقيّة لا تقاس بنظرته إلى نفسه،لأنّ الخصم لا يكون حكما،و لا بنظرة النّاس إليه،لأنّهم يسعون الخائبين و المنافقين عمليّا،و إن ضاقوا بهم نظريّا،و إنّما تقاس قيمة الإنسان بقيم القرآن و مبادئه؛و الالتزام بتعاليمه و أحكامه تقاس بالصّدق و العدل و نصرة الحقّ و أهله،و التّضحية في سبيل ذلك بالنّفس و المال.و القرآن الكريم ملىء بهذا النّوع من التّعاليم،مثل قوله تعالى: كُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ...

التّوبة:119، كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ... النّساء:

135، كُونُوا أَنْصارَ اللّهِ... الصّفّ:14، كُونُوا رَبّانِيِّينَ آل عمران:79، جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ التّوبة:41.و في قوله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ الحجرات:13،غنى عن كلّ شاهد.

و تسأل:أنّ المخطئ يرى نفسه مصيبا،و أنّه قد أحسن صنعا بإصابة الواقع،فينبغي أن يكون من الأخسرين أعمالا،مع أنّه لا عصمة إلاّ لمن له العصمة؟

الجواب:إنّ المخطئ على قسمين:

الأوّل:أن يخطئ بعد البحث و التّدقيق تماما،كما يفعل الأكفّاء بحيث تكون النّتيجة الّتي توصّل إليها هي غاية ما يمكن أن يتوصّل إليها العالم المجدّ.و ليس من شكّ أنّ

ص: 799

هذا المخطئ ليس من الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا، و أنّ خطأه لا عيب فيه،بل إنّ صاحبه مأجور على ما بذل من جهد-كما جاء في الحديث الشّريف-على شريطة أن يكون على نيّة الرّجوع عن خطئه متى انكشف له الصّواب.

القسم الثّاني:أن يخطئ،لأنّه جزم و حكم بمجرد الحدس و الوهم،و قبل أن يبحث و يلاحظ،لأنّه يجهل أصول البحث و الملاحظة العلميّة،أو يعرفها و لم يستعملها إطلاقا،أو استعملها ناقصة،فحكم قبل أن يستكمل و يستوعب جميع الملاحظات.و هذا المخطئ من الأخسرين أعمالا،ما في ذلك ريب،لأنّ اللّه سبحانه أمر بالتّدبّر و التّثبّت،و نهى عن التّسرّع و القول بغير علم.

و بعد،فإنّ الدّرس الّذي يجب أن نستفيده من هذه الآية هو أن نكون صادقين مع أنفسنا،فلا نصفها بغير ما هي فيه،و لا نخدعها بالقول الكاذب.و أيضا يجب أن نحاسبها حين توحي إلينا بالغرور و التّعاظم قبل أن يحاسبنا اللّه و النّاس،و أن لا نتّخذ موقفا نتمسّك فيه بآرائنا و أقوالنا،فنعتقد أنّها مقدّسة لا يمكن الارتياب فيها بحال.إنّ الخطأ جائز على الجميع بل و مكتوب أيضا.

و الغريب أنّ الأدعياء يسلّمون بهذا المبدإ،و لكنّهم ينكرون نتيجته الحتميّة.(5:164)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّ الخطاب للمشركين و هو مسوق سوق الكناية و هم المعنيّون بالتّوصيف،و سيقترب من التّصريح في قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ الكهف:105، فالمنكرون للنّبوّة و المعاد هم المشركون.

قيل:و لم يقل:بالأخسرين عملا،مع أنّ الأصل في التّمييز أن يأتي مفردا و المصدر شامل للقليل و الكثير للإيذان بتنوّع أعمالهم و قصد شمول الخسران لجميعها.

(13:399)

مكارم الشّيرازيّ: أخسر النّاس هذه الآيات و الآيات اللاّحقة-إلى نهاية السّورة المباركة-في الوقت الّذي تتحدّث فيه عن صفات غير المؤمنين،فإنّها تعتبر نوعا من التّلخيص لكافّة البحوث الّتي وردت في هذه السّورة،خاصّة البحوث المتعلّقة بقصّة أصحاب الكهف و موسى و الخضر و ذي القرنين، و ما بذلوه من جهود إزاء معارضيهم.

فالآيات تكشف أوّلا عن أخسر النّاس،و لكنّها- بهدف إثارة حبّ الاستطلاع لدى المستمع إزاء هذه القضيّة-تعمد إلى إثارتها على شكل سؤال موجّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فتقول: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً.

ثمّ يأتي الجواب بدون أيّ توقّف حتّى لا يبقى المستمع في حيرة،فتقول: اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً.

مفهوم الخسران لا ينطبق على خسران الأرباح و حسب،بل إنّ الخسران الواقعيّ هو خسران أصل رأس المال،و هل هناك رأس مال أربح و أفضل و أحسن من العقل و الذّكاء و الطّاقات الإلهيّة الموهوبة للإنسان من عمر و شباب و صحّة؟

إنّ نتاج كلّ هذه المواهب هي أعمال الإنسان، و أعمال الإنسان هي في الواقع انعكاس و تجسيد لطاقاتنا

ص: 800

و قدراتنا.

عند ما تتحوّل هذه الطّاقات إلى أعمال مخرّبة أو غير هادفة،فكأنّها جميعا قد فنيت أو ضاعت،و مثل هذا يشبه الإنسان الّذي يحمل ثروة عظيمة معه،و لكنّه أثناء ذهابه إلى السّوق يفقد هذه الثّروة و يعود بيد خالية.

و قد لا يكون الخسران خسرانا خطيرا عند ما يتعلّم الإنسان من فقدان الثّروة دروسا كبيرة،قد تكون في قيمتها مساوية للثّروة الّتي فقدها،أو أكثر قيمة منها في بعض الأحيان،و هو بذلك لم يخسر شيئا.

إلاّ أنّ الخسران الحقيقيّ و المضاعف هو أن يفقد الإنسان رأسماله المادّيّ و المعنويّ في مسالك خاطئة و مجالات منحرفة،و يظنّ أنّه أحسن العمل،فهو في هذه الحالة لم يحصل على ثمرة لعمله،و في نفس الوقت لم يلتفت إلى ما هو فيه فيكرّر العمل.

الجميل-برأيه-هنا،أنّ القرآن الكريم استخدم تعبير بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً في حين أنّه يجب أن يقول:

«الأخسرين عملا»لأنّ التّمييز مفرد عادة،و لكنّ الصّيغة القرآنيّة يمكن أن تكون بسبب أنّهم لم يخسروا في عمل معيّن،بل إنّ جهلهم المركّب كان سببا للخسران في جميع البرامج الحياتيّة،و في جميع أعمالهم.

بعبارة أخرى:إنّ الإنسان قد يربح في تجارة معيّنة و يخسر في أخرى،إلاّ أنّ المحصّلة في نهاية السّنة هي أنّه لا توجد خسارة كبيرة،و لكن من سوء حظّ الإنسان أن يخسر في جميع الأعمال الّتي اشترك فيها.

إنّ استخدام كلمة(ضلّ)كأنّما هو إشارة إلى هذه الحقيقة،و هي أنّ أعمال الإنسان لا تفنى في هذا العالم، بأيّ صورة من الصّور،فكما أنّ المادّة و الطّاقة تغيّر من شكلها دائما و لكنّها لا تفنى،إلاّ أنّها قد تختفي،لأنّه لا يمكن مشاهدة آثارها بالعين،و لا يمكن الاستفادة منها بأيّ شكل من أشكال الاستفادة.و مثلها في ذلك مثل رأس المال الضّائع و الّذي لا هو في حوزتنا فنستفيد منه، و لا هو فان.[إلى أن قال:]

من هم الأخسرون أعمالا؟

نلاحظ في حياتنا و حياة الآخرين،أنّ الإنسان عند ما يقوم بعمل خاطئ و يعتقد أنّه صحيح،فإنّ جهله المركّب هذا لا يدوم أكثر من لحظة أو موقف أو حتّى سنة.

أمّا أن يدوم على امتداد عمره فذلك هو سوء الحظّ،و هو الخسران المبين.

لهذا وجدنا القرآن الكريم يسمّي مثل هؤلاء الأشخاص بِالْأَخْسَرِينَ لأنّ الّذي يرتكب الذّنب و هو يعلم بذلك،فإنّه سيضع حدّا لما هو فيه و يعوّض عن الذّنب بالتّوبة و العمل الصّالح،أمّا أولئك الّذين يظنّون أنّ ذنوبهم عبادة و أعمالهم السّيّئة أعمالا صالحة،و انحرافهم استقامة،فإنّ مثل هؤلاء لا يستطيعون التّعويض عن ذنوبهم،بل هم يستمرّون فيما هم فيه إلى نقطة النّهاية، فيكونون كما عبّر عنهم القرآن:ب بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً.

و في الرّوايات و الأحاديث الإسلاميّة تفاسير متعدّدة ل(الاخسرين اعمالا،)و أنّ كلّ واحد منها إشارة إلى أحد المصاديق الواضحة لهذا المفهوم الواسع من دون أن تجدّده،ففي حديث عن«أصبغ بن نباتة»أنّه سأل الإمام عليّا عليه السّلام عن تفسير الآية،فقال الإمام:

ص: 801

«كفرة أهل الكتاب،اليهود و النّصارى،و قد كانوا على الحقّ فابتدعوا في أديانهم،و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا».

و في حديث آخر عن الإمام عليّ عليه السّلام أيضا،قوله بعد ذكر الجواب الآنف:«و ما أهل النّهر منهم ببعيد» يعني عليه السّلام الخوارج.

و في حديث ثالث هنا إشارة خاصّة إلى الرّهبان- الرّجال و النّساء الّذين يتركون الدّنيا-و المجاميع الّتي ابتدعت البدع من المسلمين.

و هناك قسم من الرّوايات تفسّر الآية ب«الّذين ينكرون ولاية أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السّلام».

أ ليس الرّهبان الّذي يعيشون كلّ عمرهم في زاوية من الزّوايا-في الدّير مثلا-و يعانون أنواع الحرمان و يمتنعون عن الزّواج و الأكل و الملابس الجيّدة، و يفضّلون سكنى الدّير على كلّ شيء،و هم يظنّون أنّ هذه الحياة تقرّبهم إلى اللّه،أ ليس هؤلاء مصداقا واضحا:

للأخسرين أعمالا؟!

هل هناك مذهب أو دين إلهيّ يمكن أن يدعو إلى خلاف قانون العقل و الفطرة،أي يدعو الإنسان الاجتماعيّ إلى الابتعاد عن الحياة،و يعتبر هذا العمل مصدرا للتّقرّب إلى اللّه تعالى؟!

إنّ الّذين أوجدوا البدع في دين اللّه،حيث ابتدعوا التّثليث في مقابل توحيد اللّه الواحد الأحد،و اعتبروا المسيح بن مريم ابن اللّه،و أدخلوا خرافات أخرى في دين اللّه،ظنّا منهم بأنّهم يحسنون صنعا،أ ليس هؤلاء و أمثالهم هم أخسر النّاس؟!

ألا يعتبر خوارج«النّهروان»من أخسر النّاس، و هم المجموعة الجاهلة الّتي ارتكبت أعظم الذّنوب،مثل قتل الإمام عليّ عليه السّلام،ظنّا منهم أنّ هذا الأمر سيقرّبهم من اللّه،بل و اعتبروا أنّ الجنّة مخصوصة لهم؟!

الخلاصة الأخيرة:إنّ الآية لها مفهوم واسع؛إذ هي تشمل أقواما كثيرين في السّابق و الحاضر و المستقبل.

و الآن نصل إلى هذا السّؤال:ما هو مصدر هذا الانحراف الخطير؟

إنّ التّعصّب القويّ و الغرور و التّكبّر و حبّ الذّات، هي من أهمّ العوامل الّتي تقود إلى مثل هذه التّصوّرات الخاطئة.و في بعض الأحيان يكون التّملّق،أو الانطواء على النّفس لفترة معيّنة سببا لظهور هذه الحالة؛حيث يتصوّر الإنسان أنّ كلّ أعماله الخاطئة المنحرفة،هي أعمال جميلة؛بحيث يشعر بالفخر و الغرور و المباهاة بدلا من إحساس الخجل و الشّعور بالعار بسبب أعماله القبيحة.يقول القرآن في مكان آخر واصفا هذه الحالة:

أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فاطر:8،و في آيات أخرى نقرأ أنّ الشّيطان هو الّذي يزيّن للإنسان سيّئاته حسنات،و يمنّيهم بالغلبة و النّصر،كما في قوله تعالى: وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ الأنفال:48.

و يقول القرآن بعد قصّة برج فرعون المعروف:

وَ كَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ. و الآية تعليق على عمل فرعون عند ما طلب من هامان أن يبني له برجا ليطّلع بزعمه إلى إله موسى،كما في الآيتين:36،37،من سورة غافر.(9:336-341)

ص: 802

فضل اللّه:الّذين خسروا بدرجة عالية،لأنّهم أضافوا إلى الخسارة الواقعيّة على صعيد النّتائج العمليّة السّلبيّة،خسارة الحلم الكبير الّذي استسلموا له، و عاشوا معه و مع الصّورة الحلوة السّاحرة زمنا طويلا،في ما كان يخيّل إليهم من تحرّكهم في خطّ المستقبل الواسع الّذي تنتظرهم فيه الأحلام السّعيدة،فإذا به يتحوّل إلى ما يشابه الكابوس الجاثم على صدورهم.(14:396)

2- وَ أَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ.

الأنبياء:70

ابن عبّاس: الأسفلين.(273)

هو أنّ اللّه سلّط البعوض على نمروذ و خيله حتّى أخذت لحومهم و شربت دمائهم،و وقعت واحدة في دماغه حتّى أهلكته.(الواحديّ 3:244)

نحوه النّسفيّ.(3:84)

الواحديّ: [ذكر قول ابن عباس و قال:]

المعنى:أنّهم كادوه بسوء فانقلب عليهم ذلك.

(3:244)

البغويّ: قيل:معناه أنّهم خسروا السّعي و النّفقة، و لم يحصل لهم مرادهم.(3:296)

الفخر الرّازيّ: أي أرادوا أن يكيدوه فما كانوا إلاّ مغلوبين،غالبوه بالجدال فلقّنه اللّه تعالى الحجّة المبكتة، ثمّ عدلوا القوّة و الجبروت فنصره و قوّاه عليهم.

(22:190)

القرطبيّ: (الاخسرين)أي في أعمالهم،و رددنا مكرهم عليهم بتسليطنا أضعف خلقنا.(11:305)

البيضاويّ: أخسر من كلّ خاسر لما عاد سعيهم برهانا قاطعا على أنّهم على الباطل و إبراهيم على الحقّ، و موجبا لمزيد درجته و استحقاقهم أشدّ العذاب.

(2:77)

مثله الشّربينيّ(2:512)،و أبو السّعود(4:348)، و الكاشانيّ(3:344)،و نحوه المراغيّ(17:51).

أبو حيّان :أي المبالغين في الخسران،و هو إبطال ما راموه،جادلوا إبراهيم فجدلهم،و بكّتهم،و أظهر لهم، و أقرّ عقولهم،و تقوّوا عليه بالأخذ و الإلقاء فخلّصه اللّه.

و قيل:سلّط عليهم ما هو من أحقر خلقه و أضعفه و هو البعوض،يأكل من لحومهم و يشرب من دمائهم، و سلّط اللّه على نمروذ بعوضة،و اختلف في كيفيّة إذايتها له و في مدّة إقامتها تؤذيه إلى أن مات منها.(6:328)

ابن كثير :أي المغلوبين الأسفلين،لأنّهم أرادوا بنبيّ اللّه كيدا،فكادهم اللّه و نجّاه من النّار،فغلبوا هنالك.(4:573)

البروسويّ: [مثل البيضاويّ و أضاف:]

و قيل: فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ أي من الهالكين بتسليط البعوض عليهم و قتله إيّاهم،و هو أضعف خلق اللّه تعالى...[فأدام نحو ابن عبّاس](5:500)

الآلوسيّ: [مثل البروسويّ و أضاف:]

و المعوّل عليه التّفسير الأوّل.(17:70)

ابن عاشور :الأخسر:مبالغة في الخاسر،فهو اسم تفضيل مسلوب المفاضلة.

و تعريف جزأي الجملة يفيد القصر،و هو قصر للمبالغة،كأنّ خسارتهم لا تدانيها خسارة،و كأنّهم

ص: 803

انفردوا بوصف الأخسرين،فلا يصدق هذا الوصف على غيرهم.و المراد بالخسارة:الخيبة،و سمّيت خيبتهم خسارة على طريقة الاستعارة تشبيها لخيبة قصدهم إحراقه بخيبة التّاجر في تجارته،كما دلّ عليه قوله تعالى:

وَ أَرادُوا بِهِ كَيْداً أي فخابوا خيبة عظيمة.و ذلك أنّ خيبتهم جمع لهم بها سلامة إبراهيم من أثر عقابهم و إن صار ما أعدّوه للعقاب معجزة،و تأييدا لإبراهيم عليه السّلام.

و أمّا شدّة الخسارة الّتي اقتضاها اسم التّفضيل،فهي بما لحقهم عقب ذلك من العذاب؛إذ سلّط اللّه عليهم عذابا،كما دلّ عليه قوله تعالى في سورة الحجّ:44، فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ.

و قد عدّ فيهم قوم إبراهيم،و لم أر من فسّر ذلك الأخذ بوجه مقبول.

و الظّاهر أنّ اللّه سلّط عليهم الأشوريّين فأخذوا بلادهم،و انقرض ملكهم و خلّفهم الأشوريّون،و قد أثبت التّاريخ أنّ العيلاميين من أهل السّوس تسلّطوا على بلاد الكلدان في حياة إبراهيم،في حدود سنة:2286، قبل المسيح.(17:78)

الطّباطبائيّ: أي احتالوا عليه ليطفئوا نوره و يبطلوا حجّته فجعلناهم الأخسرين؛حيث خسروا ببطلان كيدهم و عدم تأثيره،و زادوا خسارة حيث أظهره اللّه عليهم بالحفظ و الإنجاء.(14:303)

خسرا

فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً.

الطّلاق:9

ابن عبّاس: إلى خسران.(476)

ابن قتيبة :أي هلكة.(471)

الطّوسيّ: أي هلاك أنفسهم.(10:38)

القشيريّ: من زرع الشّوك لم يجن الورد،و من أضاع حقّ اللّه لا يطاع في حظّ نفسه.و من اجترأ بمخالفة أمر اللّه فليصبر على مقاساة عقوبة اللّه.(6:170)

الواحديّ: خسرانا في الدّنيا و الآخرة.و هو قوله:

أَعَدَّ اللّهُ... الطّلاق:10.(4:316)

مثله البغويّ(5:114)،و الطّبرسيّ(5:309).

الفخر الرّازي:خسارا في الآخرة.(30:38)

القرطبيّ: أي هلاكا في الدّنيا بما ذكرنا.[الجوع و القحط و السّيف و الخسف و المسخ و سائر المصائب]، و الآخرة بجهنّم.(18:173)

البيضاويّ: لا ربح فيه أصلا.(2:484)

الشّربينيّ: أي في الدّنيا بالأسر و ضرب الجزية و غير ذلك،و في الآخرة بعذاب النّار.[ثمّ نقل قول القشيريّ](4:320)

أبو السّعود :هائلا لا خسر وراءه.(6:263)

مثله الآلوسيّ.(28:141)

البروسويّ: هائلا لا خسر وراءه،فتجارتهم خسارة لا ربح فيها لتضييعهم بضاعة العمر و الصّحّة، و الفراغ بصرفها في المخالفات.

و في الآية إشارة إلى أهل قرية الوجود الإنسانيّ،

ص: 804

و هو النّفس و الهوى و سائر القوى،فإنّها أعرضت عن حكم الرّوح،فلم تدخل في حكم الشّريعة،و كذا عن متابعة أمر القلب و السّرّ و الخفيّ فعذّبت بعذاب الحجاب، و استهلكت في بحر الدّنيا و شهواتها و لذّاتها،و كان عاقبة أمرها خسران الضّلالة و نيران الجهالة.(10:40)

ابن عاشور :شبّهت عاقبتهم السّوأى بخسارة التّاجر في بيعه،في أنّهم لما عتوا حسبوا أنّهم أرضوا أنفسهم بإعراضهم عن الرّسل و انتصروا عليهم،فلمّا لبثوا أن صاروا بمذلّة،و كما يخسر التّاجر في تجره.

و جيء بفعل(كان)بصيغة الماضي،لأنّ الحديث عن عاقبتها في الدّنيا تغليبا.و في كلّ ذلك تفظيع لما لحقهم مبالغة في التّحذير،ممّا وقعوا فيه.

و جملة: أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً بدل اشتمال من جملة: وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً أو بدل بعض من كلّ.

و المراد عذاب الآخرة،لأنّ الإعداد:التّهيئة،و إنّما يهيّأ الشّيء الّذي لم يحصل.

و إن جعلت الحساب و العذاب المذكورين آنفا حساب الآخرة و عذابها-كما تقدّم آنفا-فجملة: أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً استئنافا لبيان انّ ذلك متزايد غير مخفّف منه،كقوله: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً النّبأ:30.(28:300)

خسر

وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. العصر:1،2

ابن عبّاس: لفي غبن و في عقوبة عن ذهاب أهله و منزله في الجنّة،و يقال:في نقصان عمله بعد الهرم و الموت.(518)

السّدّيّ: لفي هلاك.(الماورديّ 6:334)

زيد بن أسلم:لفي شرّ.(الماورديّ 6:334)

مثله ابن زيد.(القرطبيّ 20:180)

الفرّاء: لفي عقوبة بذنوبه،و أن يخسر أهله،و منزله في الجنّة.(3:289)

أبو عبيدة :أي مهلكة و نقصان.(2:310)

مثله الطّبريّ.(12:684)

الأخفش: أي في هلكة.(الطّبرسيّ 5:536)

ابن قتيبة :أي في نقص.(538)

مثله ابن شجرة.(الماورديّ 6:334)

الزّجّاج: الخسر و الخسران في معنى واحد،و المعنى أنّ النّاس الكفّار و العاملين بغير طاعة اللّه لفي خسر.(5:359)

الماورديّ: يعني بالإنسان جنس النّاس.و في الخسر أربعة أوجه:[و نقل قول السّدّيّ و زيد بن أسلم و ابن شجرة ثمّ قال:]

الرّابع:لفي عقوبة،و منه قوله تعالى: وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً الطّلاق:9.(6:334)

الطّوسيّ: أي لفي نقصان بارتكاب المعاصي و كفره باللّه،و الخسر هلاك رأس المال للإنسان،و بارتكاب المعاصي في هلاك نفسه خسران،و هو أكبر من رأس ماله.(10:405)

ص: 805

نحوه البغويّ(5:302)،و ابن الجوزيّ(9:225).

الواحديّ: الخسر كالخسران،و هو النّقصان و ذهاب رأس المال.و المعنى:أنّ كلّ إنسان-يعني الكافر، لاستثنائه المؤمنين-لفي ضلال حتّى يموت و يدخل النّار.

و قال أهل المعاني:الخسر:هلاك رأس المال، و الإنسان في هلاك نفسه و عمره،و هما أكثر رأس ماله إلاّ المؤمن العامل بطاعة اللّه.(4:551)

الزّمخشريّ: اَلْإِنْسانَ للجنس.و الخسر:

الخسران،كما قيل:الكفر في الكفران،و المعنى:أنّ النّاس في خسران من تجاراتهم إلاّ الصّالحين وحدهم،لأنّهم اشتروا الآخرة بالدّنيا فربحوا و سعدوا،و من عداهم تجروا خلاف تجارتهم فوقعوا في الخسارة و الشّقاوة.

(4:282)

ابن عطيّة: اَلْإِنْسانَ اسم الجنس،و الخسر:

النّقصان و سوء الحال،و ذلك بيّن غاية البيان في الكافر، لأنّه خسر الدّنيا و الآخرة؛و ذلك هو الخسران المبين، و أمّا المؤمن و إن كان في خسر دنياه في هرمه و ما يقاسيه من شقاء هذه الدّار،فذلك معفوّ عنه في جنب فلاحه في الآخرة،و ربحه الّذي لا يفنى،و من كان في مدّة عمره في التّواصي بالحقّ و الصّبر و العمل بحسب الوصاة فلا خسر معه،و قد جمع له الخير كلّه.(5:520)

الطّبرسيّ: اَلْإِنْسانَ اسم الجنس،و المعنى أنّه لفي نقصان،لأنّه ينقص عمره كلّ يوم و هو رأس ماله، فإذا ذهب رأس ماله و لم يكتسب به الطّاعة يكون على نقصان طول دهره و خسران؛إذ لا خسران أعظم من استحقاق العقاب الدّائم.(5:536)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل[إلى أن قال:]

المسألة الثّانية:الخسر:الخسران،كما قيل:الكفر في الكفران،و معناه النّقصان و ذهاب رأس المال،ثمّ فيه تفسيران؛و ذلك لأنّا إذا حملنا اَلْإِنْسانَ على الجنس كان معنى الخسر:هلاك نفسه و عمره،إلاّ المؤمن العامل فإنّه ما هلك عمره و ماله،لأنّه اكتسب بهما سعادة أبديّة.

و إن حملنا لفظ اَلْإِنْسانَ على الكافر كان المراد كونه في الضّلالة و الكفر إلاّ من آمن من هؤلاء،فحينئذ يتخلّص من ذلك الخسار إلى الرّبح.

المسألة الثّالثة:إنّما قال: لَفِي خُسْرٍ و لم يقل:لفي الخسر،لأنّ التّنكير يفيد التّهويل تارة و التّحقير أخرى.

فإن حملناه على الأوّل،كان المعنى:أنّ الإنسان لفي خسر عظيم لا يعلم كنهه إلاّ اللّه،و تقريره:أنّ الذّنب يعظم بعظم من في حقّه الذّنب،أو لأنّه وقع في مقابلة النّعم العظيمة، و كلا الوجهين حاصلان في ذنب العبد في حقّ ربّه،فلا جرم كان ذلك الذّنب في غاية العظم،و إن حملناه على الثّاني كان المعنى أنّ خسران الإنسان دون خسران الشّيطان،و فيه بشارة أنّ في خلقي من هو أعصى منك، و التّأويل الصّحيح هو الأوّل.

المسألة الرّابعة:لقائل:أن يقول قوله: لَفِي خُسْرٍ يفيد التّوحيد،مع أنّه في أنواع من الخسر.

و الجواب:أنّ الخسر الحقيقيّ هو حرمانه عن خدمة ربّه،و أمّا البواقي و هو الحرمان عن الجنّة،و الوقوع في النّار،فبالنّسبة إلى الأوّل كالعدم.و هذا كما أنّ الإنسان في وجوده فوائد،ثمّ قال: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ الذّاريات:56،أي لمّا كان هذا المقصود أجلّ

ص: 806

المقاصد كان سائر المقاصد بالنّسبة إليه كالعدم.

و اعلم أنّ اللّه تعالى قرن بهذه الآية قرائن تدلّ على مبالغته تعالى،في بيان كون الإنسان في خسر:

أحدها:قوله: لَفِي خُسْرٍ يفيد أنّه كالمغمور في الخسران،و أنّه أحاط به من كلّ جانب.

و ثانيها:كلمة(انّ)فإنّها للتّأكيد.

و ثالثها:حرف«اللاّم»في لَفِي خُسْرٍ، و هاهنا احتمالان:

الأوّل:في قوله تعالى: لَفِي خُسْرٍ أي في طريق الخسر،و هذا كقوله في أكل أموال اليتامى: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً النّساء:10،لما كانت عاقبته النّار.

الاحتمال الثّاني:أنّ الإنسان لا ينفكّ عن خسر،لأنّ الخسر هو تضييع رأس المال،و رأس ماله هو عمره،و هو قلّما ينفكّ عن تضييع عمره؛و ذلك لأنّ كلّ ساعة تمرّ بالإنسان،فإن كانت مصروفة إلى المعصية فلا شكّ في الخسران،و إن كانت مشغولة بالمباحات فالخسران أيضا حاصل،لأنّه كما ذهب لم يبق منه أثر،مع أنّه كان متمكّنا من أن يعمل فيه عملا يبقى أثره دائما.و إن كانت مشغولة بالطّاعات فلا طاعة إلاّ و يمكن الإتيان بها،أو بغيرها على وجه أحسن من ذلك،لأنّ مراتب الخضوع و الخشوع للّه غير متناهية،فإنّ مراتب جلال اللّه و قهره غير متناهية.و كلّما كان علم الإنسان بها أكثر كان خوفه منه تعالى أكثر،فكان تعظيمه عند الإتيان بالطّاعات أتمّ و أكمل،و ترك الأعلى و الاقتصار بالأدنى نوع خسران؛ فثبت أنّ الإنسان لا ينفكّ البتّة عن نوع خسران.

و اعلم أنّ هذه الآية كالتّنبيه على أنّ الأصل في الإنسان أن يكون في الخسران و الخيبة،و تقريره:أنّ سعادة الإنسان في حبّ الآخرة و الإعراض عن الدّنيا.ثمّ إنّ الأسباب الدّاعية إلى الآخرة خفيّة،و الأسباب الدّاعية إلى حبّ الدّنيا ظاهرة،و هي الحواسّ الخمس و الشّهوة و الغضب،فلهذا السّبب صار أكثر الخلق مشتغلين بحبّ الدّنيا مستغرقين في طلبها،فكانوا في الخسران و البوار.

فإن قيل:إنّه تعالى قال: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ التّين:4،5، فهناك يدلّ على أنّ الابتداء من الكمال،و الانتهاء إلى النّقصان،و هاهنا يدلّ على أنّ الابتداء من النّقصان و الانتهاء إلى الكمال،فكيف وجه الجمع؟

قلنا:المذكور في سورة التّين أحوال البدن،و هاهنا أحوال النّفس،فلا تناقض بين القولين.(32:87)

القرطبيّ: لفي غبن...و قرأ الأعرج و طلحة و عيس الثّقفيّ (خسر) بضمّ السّين.و روى ذلك هارون عن أبي بكر عن عاصم.و الوجه فيهما الاتباع.و يقال:خسر و خسر،مثل عسر و عسر.(20:180)

البيضاويّ: إنّ النّاس لفي خسران في مساعيهم و صرف أعمارهم في مطالبهم.و التّعريف للجنس، و التّنكير للتّعظيم.(2:574)

نحوه أبو السّعود(6:468)،و الكاشانيّ(5:372).

أبو حيّان :الخسر:الخسران،كالكفر و الكفران.

و أيّ خسران أعظم ممّن خسر الدّنيا و الآخرة؟[ثمّ ذكر القراءتين و قال:]

ص: 807

و من باع آخرته بدنياه فهو في غاية الخسران بخلاف المؤمن فإنّه اشترى الآخرة بالدّنيا فربح و سعد.

(8:508)

الشّربينيّ: لَفِي خُسْرٍ أي،نقص،بحسب مساعيهم في أهوائهم و صرف أعمارهم في أغراضهم،لما لهم بالطّبع من الميل إلى الحاضر،و الإعراض عن الغائب، و اغترار بالفاني.

تنبيه:تنكير خُسْرٍ يحتمل التّهويل و التّحقير.

فإن حمل على الأوّل-و هو الظّاهر-كان المعنى:أنّ الانسان لفي خسر عظيم لا يعلم كنهه إلاّ اللّه تعالى،لأنّ الذّنب يعظم،إمّا لعظم من في حقّه الذّنب،أو لأنّه وقع في مقابلة النّعم العظيمة فلذلك كان الذّنب في غاية العظم.

و إن حمل على الثّاني كان المعنى:أنّ خسران الإنسان دون خسران الشّيطان.(4:584)

البروسويّ: [نحو الشّربينيّ و أضاف:]

و يجوز أن يكون التّنوين للتّنويع،أي نوع من الخسران غير ما يتعارفه النّاس.(10:506)

نحوه ملخّصا الآلوسيّ.(30:228)

المراغيّ: أي إنّ هذا الجنس من المخلوقات الخاسر في أعماله ضربا من الخسران إلاّ من استثناهم اللّه، فأعمال الإنسان هي مصدر شقائه،لا الزّمان و لا المكان، و هي الّتي توقعه في الهلاك،فذنب المرء في حقّ بارئه-من يمنّ عليه بنعمه الجليلة،و آلائه الجسيمة-جريمة لا تعد لها جريمة أخرى.(30:234)

ابن عاشور :و تعريف اَلْإِنْسانَ تعريف الجنس،مراد به الاستغراق،و هو استغراق عرفيّ،لأنّه يستغرق أفراد النّوع الإنسانيّ الموجودين في زمن نزول الآية،و هو زمن ظهور الإسلام،كما علمت قريبا، و مخصوص بالنّاس الّذين بلغتهم الدّعوة في بلاد العالم على تفاوتها.و لمّا استثني منه اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ بقي حكمه متحقّقا في غير المؤمنين،كما سيأتي.

و الخسر:مصدر،و هو ضدّ الرّبح في التّجارة،استعير هنا لسوء العاقبة لمن يظنّ لنفسه عاقبة حسنة،و تلك هي العاقبة الدّائمة،و هي عاقبة الإنسان في آخرته من نعيم أو عذاب.

و قد تقدّم في قوله تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:16،و تكرّرت نظائره من القرآن آنفا و بعيدا.

و الظّرفيّة في قوله: لَفِي خُسْرٍ مجازيّة شبّهت ملازمة الخسر بإحاطة الظّرف بالمظروف،فكانت أبلغ من أن يقال:إنّ الإنسان لخاسر.

و مجيء هذا الخبر على العموم-مع تأكيده بالقسم و حرف التّوكيد في جوابه-يفيد التّهويل و الإنذار بالحالة المحيطة بمعظم النّاس.

و أعقب بالاستثناء بقوله: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا...

فيتقرّر الحكم تامّا في نفس السّامع،مبيّنا أنّ النّاس فريقان:فريق يلحقه الخسران،و فريق لا يلحقه شيء منه،فالّذين آمنوا و عملوا الصّالحات لا يلحقهم الخسران بحال إذا لم يتركوا شيئا من الصّالحات بارتكاب أضدادها،و هي السّيّئات.

و من أكبر الأعمال الصّالحات:التّوبة من الذّنوب لمقترفيها،فمن تحقّق فيه وصف الإيمان و لم يعمل

ص: 808

السّيّئات أو عملها و تاب منها فقد تحقّق له ضدّ الخسران و هو الرّبح المجازيّ،أي حسن عاقبة أمره،و أمّا من لم يعمل الصّالحات و لم يتب من سيّئاته فقد تحقّق فيه حكم المستثنى منه،و هو الخسران.

و هذا الخسر متفاوت،فأعظمه و خالده الخسر المنجرّ عن انتفاء الإيمان بوحدانيّة اللّه و صدق الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و دون ذلك تكون مراتب الخسر متفاوتة بحسب كثرة الأعمال السّيّئة ظاهرها و باطنها.و ما حدّده الإسلام لذلك من مراتب الأعمال و غفران بعض اللّمم إذا ترك صاحبه الكبائر و الفواحش،و هو ما فسّر به قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ هود:114.

و هذا الخبر مراد به الحصول في المستقبل بقرينة مقام الإنذار و الوعيد،أي لفي خسر في الحياة الأبديّة الآخرة، فلا التفات إلى أحوال النّاس في الحياة الدّنيا،قال تعالى:

لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ* مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ آل عمران:196،197.

و تنكير(خسر)يجوز أن يكون للتّنويع،و يجوز أن يكون مفيدا للتّعظيم و التّعميم في مقام التّهويل و في سياق القسم.

و المعنى:أنّ النّاس لفي خسران عظيم و هم المشركون.(30:466)

عبد الكريم الخطيب : إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، هو المقسم عليه،و هو جواب القسم...

و الإنسان في خسر،أي في ضلال،لأنّه لم يعرف قدره،و لم يرتفع بإنسانيّته إلى المقام الّذي أهّله اللّه سبحانه و تعالى له.فلقد خلق اللّه سبحانه الإنسان في أحسن تقويم،و لكنّ الإنسان لم يلتفت إلى هذا الخلق، و لم يقدره قدره،و لم يأخذ الطّريق الّذي يدعو إليه العقل،بل انقاد لشهواته،و استخفّ بإنسانيّته،و تحوّل إلى عالم البهيمة،يأكل و يتمتّع،كما تأكل الأنعام.

ذلك هو شأن الإنسان في معظم أفراده و أحواله.

و قليل هم أولئك الّذين عرفوا قدر إنسانيّتهم،و ما أودع اللّه سبحانه و تعالى فيهم من قوى قادرة على أن ترتفع بهم إلى الملإ الأعلى،لو أنّهم أحسنوا استعمالها،و هؤلاء هم الّذين استثناهم اللّه سبحانه و تعالى بقوله: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا.... (15:1669)

مغنيّة: إِنَّ الْإِنْسانَ.... هذا جواب القسم، و المراد ب اَلْإِنْسانَ من كان موضوعا للتّكليف و مسئولا عن أقواله و أفعاله،و هذا الإنسان خائب خاسر بحكم القرآن و إن كان ثريّا يملك الملايين،و عالما يكشف أسرار الطّبيعة و يسخّرها لمصلحته،و قويّا يخضع النّاس لسيطرته،و بليغا يحسن صناعة الكلام و الوعظ، إنّه خائب خاسر إلاّ إذا آمن باللّه و حلاله و حرامه و ناره و جنّته،و انعكس هذا الإيمان على أقواله و أفعاله.و إلاّ فإنّ الإيمان بلا عمل مجرّد فكرة و نظريّة.و لقد قرأت فيما قرأت أنّ الطّيّارين الأمريكان الثّلاثة الّذين ألقوا القنبلة الذّرّيّة على هيروشيما في اليابان،و مات و تشوّه بسببها مئات الألوف،كان كلّ واحد منهم يحمل معه نسخة من «الكتاب المقدّس»إلى جانب قنبلة الفناء و الدّمار!!

و تسأل:أ ليس قوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ يدلّ بظاهره أنّ الإنسان خاسر بطبعه،و أنّ جميع أفراده في الخسر سواء؛و إذ كان الأمر كذلك فلا يصحّ

ص: 809

تقسيم الإنسان إلى صالح و طالح و خاسر و رابح،لأنّ ما بالذّات لا يتغيّر؟و بالتّالي فما هو المبرّر لقوله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ؟

الجواب:أنّ اللّه سبحانه لم يحكم على طبيعة الإنسان بالخسر من حيث هو و باعتبار جميع أفراده.كلاّ،و إنّما حكم عليه باعتبار الأعمّ الأغلب من أفراده،و مثله كثير في القرآن،كقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ إبراهيم:34،و قوله: وَ كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً الإسراء:100.فالإنسان بطبعه لا يعدّ خاسرا و لا رابحا، لأنّه من هذه الحيثيّة يملك الأهليّة و الاستعداد لهما معا، فالحكم عليه بأحدهما ترجيح بلا مرجّح،و إنّما يحكم عليه بأحد الوصفين بالنّظر إلى عقيدته و أعماله،لا بالنّظر إلى ذاته و طبعه.

فقد أشرنا فيما سبق أكثر من مرّة أنّ اللّه سبحانه وهب الإنسان العقل و القدرة على الشّرّ و الخير،و أمره بهذا و نهاه عن ذلك،و خلّى بينه و بين ما يختار،و لم يفرض الدّين و العمل عليه فرضا و يخلقهما فيه كما يخلق الكائنات،و لو فعل لسلخ الإنسانيّة عن الإنسان؛إذ لا إنسانيّة بلا حرّيّة و إرادة.و عليه فلا يكون الإنسان خاسرا و لا رابحا إلا باعتبار عقيدته و أعماله،فقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ... معناه:إنّ الّذين لم يؤمنوا أو آمنوا و لم يعملوا هم الخائبون الخاسرون،أمّا الّذين آمنوا و عملوا فهم الفائزون الرّابحون.(7:606)

الطّباطبائيّ: المراد ب اَلْإِنْسانَ جنسه، و الخسر و الخسران و الخسار و الخسارة:نقص رأس \المال...و التّنكير في خُسْرٍ للتّعظيم،و يحتمل التّنويع، أي في نوع من الخسر غير الخسارات الماليّة و الجاهيّة، قال تعالى: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ الزّمر:15.(20:356)

مكارم الشّيرازيّ: الإنسان يخسر ثروته الوجوديّة شاء أم أبى،تمرّ السّاعات و الأيّام و الأشهر و الأعوام من عمر الإنسان بسرعة،تضعف قواه المادّيّة و المعنويّة،و تتناقص قدرته باستمرار.

نعم،الإنسان مثل شخص عنده ثروة عظيمة،و هذه الثّروة يؤخذ منها كلّ يوم شيء باستمرار رغم إرادته.

هذه طبيعة الحياة الدنيويّة،طبيعة الخسران المستمرّ.

القلب له قدرة معيّنة على الضّربان،و حين تنفد هذه القدرة يتوقّف القلب تلقائيّا دون علّة عن عيب أو مرض.هذا إذا لم يكن توقّف الضّربان نتيجة مرض.

و هكذا سائر الأجهزة الوجوديّة للإنسان،و ثروات قدراته المختلفة.[إلى أن قال:]

على أيّ حال،الدّنيا في المنظور (1)الإسلاميّ سوق تجارة،كما يقول الإمام عليّ بن محمّد الهادي عليه السّلام:«الدّنيا سوق ربح فيها قوم و خسر آخرون».(20:394)

فضل اللّه :إنّ الأساس في مسألة الرّبح و الخسارة أنّهما معادلتان خاضعتان لأسباب معيّنة،فلم يأخذ بأسباب الرّبح الّتي ترتفع به إلى المستوى الأعلى،أو المستوى الجيّد في كلّ حسابات الحياة المنفتحة على القيمة الكبيرة،في الجانب المعنويّ في مصير الإنسان،فلا بدّ له من أن يقع في قبضة الخسران الّذي يمثّل السّقوط إلى هاوية الانحطاط إلى الدّرك الأسفل.و هكذا يعيشّ.

ص: 810


1- الصّواب:من المنظار الإسلاميّ.

الإنسان الخسارة إذا لم يلتزم بالعناصر الحيّة الّتي جعلها اللّه أساس الفلاح في الدّنيا و الآخرة.(24:402)

خسارا

1- وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً. الإسراء:82

ابن عبّاس: غبنا.(240)

أويس القرنيّ: لم يجالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان،قضاء من اللّه الّذي قضى شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً.

(الواحديّ 3:123)

مثله قتادة.(البغويّ 3:158)

قتادة :إنّه[الظّالم]لا ينتفع به و لا يحفظه و لا يعيه، و إنّ اللّه جعل هذا القرآن شفاء و رحمة للمؤمنين.(الطّبريّ 8:139)

الطّبريّ: يقول:و لا يزيد هذا الّذي ننزّل عليك من القرآن الكافرين به إلاّ خسارا،يقول:إهلاكا،لأنّهم كلّما نزل فيه أمر من اللّه بشيء أو نهي عن شيء كفروا به،فلم يأتمروا لأمره،و لم ينتهوا عمّا نهاهم عنه،فزادهم ذلك خسارا إلى ما كانوا فيه قبل ذلك من الخسار،و رجسا إلى رجسهم قبل.(8:139)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:يزيدهم خسارا لزيادة تكذيبهم.

الثّاني:يزيدهم خسارا لزيادة ما يرد فيه من عذابهم.(3:268)

الطّوسيّ: يعني يخسرون ثوابهم و يستحقّون العقاب لكفرهم به،و حرمان أنفسهم تلك المنافع الّتي فيه،صار كأنّه يزيد هؤلاء خسرانا بدل زيادة المؤمنين تقى و إيمانا.(6:513)

الواحديّ: لأنّهم يكفرون به،و لا ينتفعون بمواعظه،فالقرآن سبب لهداية المؤمنين،و زيادة لخسارة الكافرين.(3:123)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:79)

البغويّ: لأنّ الظّالم لا ينتفع به و المؤمن من ينتفع به، فيكون رحمة له.

و قيل:زيادة الخسارة للظّالم من حيث إنّ كلّ آية تنزل يتجدّد منهم تكذيب،و يزداد لهم خسارة.

(3:158)

الزّمخشريّ: أي نقصانا،لتكذيبهم به و كفرهم، كقوله تعالى: فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ التّوبة:

125.(2:464)

ابن عطيّة: معنى أنّه عليهم عمى؛إذ هم معرضون بحالة من لا يفهم و لا يلقّن.(3:480)

الطّبرسيّ: معناه أنّهم لا يزدادون عنده إلاّ خسارا يخسرون الثّواب و يستحقّون العقاب،لكفرهم به و تركهم التّدبّر له و التّفكّر فيه،و هذا كقوله: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاّ فِراراً نوح:6.

و يحتمل أن يريد أنّ القرآن يظهر خبث سرائرهم و ما يأتمرون به من الكيد و المكر بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فيفتضحون بذلك.(3:436)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا بيّن كون القرآن شفاء و رحمة للمؤمنين،بيّن كونه سببا للخسار و الضّلال

ص: 811

في حقّ الظّالمين،و المراد به المشركون،و إنّما كان كذلك لأنّ سماع القرآن يزيدهم غيظا و غضبا و حقدا و حسدا.

و هذه الأخلاق الذّميمة تدعوهم إلى الأعمال الباطلة، و تزيد في تقوية تلك الأخلاق الفاسدة في جواهر نفوسهم،ثمّ لا يزال الخلق الخبيث النّفسانيّ يحمل على الأعمال الفاسدة،و الإتيان بتلك الأعمال يقوّي تلك الأخلاق.فبهذا الطّريق يصير القرآن سببا لتزايد هؤلاء المشركين الضّالّين في درجات الخزي و الضّلال و الفساد و النّكال.(21:35)

النّسفيّ: ضلالا،لتكذيبهم به و كفرهم.(2:325)

أبو حيّان :خسار الظّالمين-و هم الّذين يضعون الشّيء في غير موضعه-هو بإعراضهم عنه و عدم تدبّره، بخلاف المؤمن،فإنّه يزداد بالنّظر فيه و تدبّر معانيه إيمانا.(6:74)

الشّربينيّ: أي نقصانا،لأنّه إذا جاءهم و قامت به الحجّة عليهم أعرضوا عنه،فكان إعراضهم ذلك زيادة في كفرهم،كما أنّ قبول المؤمنين له و إقبالهم على تدبّره زيادة في إيمانهم.(2:331)

أبو السّعود :أي لا يزيد القرآن كلّه أو كلّ بعض منه الكافرين المكذّبين به الواضعين للأشياء في غير مواضعها-مع كونه في نفسه شفاء من الأسقام-إلاّ خسارا،أي هلاكا بكفرهم و تكذيبهم،لا نقصانا-كما قيل-فإنّ ما بهم من داء الكفر و الضّلال حقيق بأن يعبّر عنه بالهلاك لا بالنّقصان المنبئ عن حصول بعض مبادئ الأسقام فيهم،و زيادتهم في مراتب الهلاك من حيث إنّهم كلّما جدّدوا الكفر و التّكذيب بالآيات النّازلة تدريجا ازدادوا بذلك هلاكا.

و فيه إيماء إلى أنّ ما بالمؤمنين من الشّبه و الشّكوك المعترية لهم في أثناء الاهتداء و الاسترشاد بمنزلة الأمراض،و ما بالكفرة من الجهل[و]العناد بمنزلة الموت و الهلاك.

و إسناد الزّيادة المذكورة إلى القرآن-مع أنّهم هم المزدادون في ذلك بسوء صنعهم-باعتبار كونه سببا لذلك،و فيه تعجيب من أمره حيث يكون مدارا للشّفاء و الهلاك.(4:153)

نحوه البروسويّ(5:194)،و الآلوسيّ(15:146).

المراغيّ: لأنّهم كلّما سمعوا آية منه ازدادوا بعدا عن الإيمان و ازدادوا كفرا باللّه،لأنّه قد طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون،كما قال: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ... فصّلت:44،و قال: وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ... التّوبة:124.(15:86)

ابن عاشور :المعنى:أنّ القرآن كلّه شفاء و رحمة للمؤمنين و يزيد خسارة للكافرين،لأنّ كلّ آية من القرآن من أمره و نهيه و مواعظه و قصصه و أمثاله و وعده و وعيده،كلّ آية من ذلك مشتملة على هدي و صلاح حال للمؤمنين المتّبعين،و مشتملة بضدّ ذلك على ما يزيد غيظ المستمرّين على الظّلم،أي الشّرك،فيزدادون بالغيظ كراهية للقرآن،فيزدادون بذلك خسارا بزيادة آثامهم و استمرارهم على فاسد أخلاقهم،و بعد ما بينهم و بين الإيمان.و هذا كقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ

ص: 812

التّوبة 124-125.(14:150)

الطّباطبائيّ: الخسار هو النّقص في رأس المال، فللكفّار رأس مال بحسب الأصل و هو الدّين الفطريّ تلهم به نفوسهم السّاذجة،ثمّ إنّهم بكفرهم باللّه و آياته خسروا فيه و نقصوا.ثمّ إنّ كفرهم بالقرآن و إعراضهم عنه بظلمهم،يزيدهم خسارا على خسار و نقصا على نقص،إن كانت عندهم بقيّة من موهبة الفطرة.و إلى هذه النّكتة يشير سياق النّفي و الاستثناء؛حيث قيل: وَ لا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً و لم يقل:و يزيد الظّالمين خسارا.

و به يظهر أنّ محصّل معنى الآية أنّ القرآن يزيد المؤمنين صحّة و استقامة على صحّتهم و استقامتهم بالإيمان و سعادة على سعادتهم،و إن زاد الكافرين شيئا فإنّما يزيدهم نقصا و خسارا.

و للمفسّرين في معنى صدر الآية و ذيلها وجوه أخر أغمضنا عنها،من أراد الوقوف عليها فليراجع مسفوراتهم.

و ممّا ذكروه فيها:أنّ المراد بالشّفاء في الآية أعمّ من شفاء الأمراض الرّوحيّة من الجهل و الشّبهة و الرّيب و الملكات النّفسانيّة الرّذيلة و شفاء الأمراض الجسميّة بالتّبرّك بآياته الكريمة قراءة و كتابة هذا.

و لا بأس به،لكن لو صحّ التّعميم فليصحّ في الصّدر و الذّيل جميعا،فإنّه كما يستعان به على دفع الأمراض و العاهات بقراءة أو كتابة،كذلك يستعان به على دفع الأعداء و رفع ظلم الظّالمين و إبطال كيد الكافرين، فيزيد بذلك الظّالمين خسارا،كما يفيد المؤمنين شفاء.

هذا،و نسبة زيادة خسارهم إلى القرآن-مع أنّها مستندة بالحقيقة إلى سوء اختيارهم و شقاء أنفسهم-إنّما هي بنوع من المجاز.(13:184)

مكارم الشّيرازيّ: أمّا الظّالمون فإنّهم بدلا من أن يستفيدوا من هذا الكتاب العظيم،فإنّهم يتمسّكون بما لا ينتج لهم سوى الذّلّ و الهوان.(9:89)

فضل اللّه :هؤلاء الّذين يعيشون بلا مبالاة، و الاسترخاء أمام حاجات الجسد،و ينتقلون من خسارة إلى أخرى في طريقتهم في الحياة،و أسلوبهم في حركة العلاقات و طبيعة الانتماءات،القائم على سياسة اللّفّ و الدّوران،فيفقدون سلامهم النّفسيّ و العمليّ، و يتخبّطون في الحيرة و الارتباك،و يتحرّكون في نفق الضّياع...و تأتي آيات القرآن لتضعهم وجها لوجه أمام الرّبح الحقيقيّ،الّذي يؤمّن لهم سلامة الدّنيا و الآخرة، و يحقّق لهم سعادة الرّوح إلى جانب سعادة الجسد،و يقدّم لهم ذلك كلّه بطريقة تفصيليّة في آياته البيّنات،و في تشريعاته الحكيمة،و في منهجه القويم،فيرفضون ذلك كلّه،فيخسرون بذلك كلّ الخير في الدّنيا،و يضيفون إليه خسارة المصير في الآخرة،عند ما يواجهون الحساب الدّقيق الّذي ينتهي بهم إلى عذاب النّار،جزاء على ما أنكروه من حقائق،و ما فرّطوا فيه من مواقف،و ما أجرموا به من أعمال.(14:212)

2- ..فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَ لا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاّ مَقْتاً وَ لا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاّ خَساراً.

فاطر:39

ص: 813

البيضاويّ: بيان له[فمن كفر فعليه كفره]، و التّكرير[كفرهم]للدّلالة على أنّ اقتضاء الكفر لكلّ واحد من الأمرين مستقلّ باقتضاء قبحه و وجوب التّجنّب عنه،و المراد بالمقت و هو أشدّ البغض،مقت اللّه، و بالخسار خسار الآخرة.(2:274)

نحوه الآلوسيّ.(22:202)

أبو السّعود :بيان لوبال الكفر و غائلته،و هو مقت اللّه تعالى إيّاهم،أي بغضه الشّديد الّذي ليس وراءه خزي و صغار،و خسار الآخرة الّذي ما بعده شرّ و خسار.[ثمّ قال نحو البيضاويّ](5:285)

الفخر الرّازيّ: لا ينفعهم[الكفر]في أنفسهم؛ حيث لا يفيدهم إلاّ الخسارة،فإنّ العمر كرأس مال،من اشترى به رضا اللّه ربح،و من اشترى به سخطه خسر.(26:31)

نحوه الشّربينيّ.(3:331)

الطّباطبائيّ: بيان لكون كفرهم عليهم،و هو أنّ كفرهم يورث لهم مقتا عند ربّهم،و المقت:شدّة البغض، لأنّ فيه إعراضا عن عبوديّته و استهانة بساحته،و يورث لهم خسارا في أنفسهم،لأنّهم بدّلوا السّعادة الإنسانيّة شقاء و وبالا،سيصيبهم في مسيرهم و منقلبهم إلى دار الجزاء.

و إنّما عبّر من أثر الكفر بالزّيادة،لأنّ الفطرة الإنسانيّة بسيطة ساذجة واقعة في معرض الاستكمال و الازدياد،فإن أسلم الإنسان زاده ذلك كمالا و قربا من اللّه،و إن كفر زاده ذلك مقتا عند اللّه و خسارا.

و إنّما قيّد المقت بقوله: عِنْدَ رَبِّهِمْ دون الخسار، لأنّ الخسار من تبعات تبديل الإيمان كفرا و السّعادة شقاء،و هو أمر عند أنفسهم.و أمّا المقت و شدّة البغض فمن عند اللّه سبحانه.

و الحبّ و البغض المنسوبان إلى اللّه سبحانه من صفات الأفعال،و هي معان خارجة عن الذّات غير قائمة بها،و معنى حبّه تعالى لأحد:انبساط رحمته عليه و انجذابها إليه،و بغضه تعالى لأحد:انقباض رحمته منه و ابتعادها عنه.(17:53)

3- قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَ اتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَ وَلَدُهُ إِلاّ خَساراً. نوح:21

الفخر الرّازيّ: يعني هذان و إن كانا من جملة المنافع في الدّنيا إلاّ أنّهما لمّا صارا سببا للخسار في الآخرة، فكأنّهما صارا محض الخسار،و الأمر كذلك في الحقيقة، لأنّ الدّنيا في جنب الآخرة كالعدم،فإذا صارت المنافع الدّنيويّة أسبابا للخسار في الآخرة صار ذلك جاريا مجرى اللّقمة الواحدة من الحلو،إذا كانت مسمومة سمّ الوقت.

و استدلّ بهذه الآية من قال:إنّه ليس للّه على الكافر نعمة،لأنّ هذه النّعم استدراجات و وسائل إلى العذاب الأبديّ فكانت كالعدم،و لهذا المعنى قال نوح عليه السّلام في هذه الآية: لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَ وَلَدُهُ إِلاّ خَساراً. (30:141)

يخسرون

إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. المطفّفين:3

ابن عبّاس: ينقصون في الكيل و الوزن و يسيئون

ص: 814

جدّا.(504)

ابن قتيبة :ينقصون.(519)

مثله الثّعلبيّ(10:150)،و البغويّ(5:222)، و نحوه الطّبريّ(12:484)،و الواحديّ(4:441).

الزّجّاج: أي إذا كالوا لهم أو وزنوا لهم يخسرون، أي ينقصون في الكيل و الوزن.و يجوز في اللّغة (يخسرون)يقال:أخسرت الميزان و خسرته،و لا أعلم أحدا قرأ في هذا الموضع (يخسرون) .(5:297)

الماورديّ: ينقصون،فكان المطفّف يأخذ زائدا و يعطي ناقصا.(6:226)

الطّوسيّ: أخسر و خسر لغتان،إذا نقص الحقّ.(10:296)

نحوه الزّمخشريّ(4:231)،و القرطبيّ(19:250).

الطّبرسيّ: أي ينقصون،و المعنى:أنّهم إذا كالوا أو وزنوا لغيرهم نقصوا،تقول:كلتك وكلت لك،كما تقول:

نصحتك و نصحت لك.(5:452)

الفخر الرازيّ: اللّغة المعتادة أن يقال:خسرته،فما الوجه في أخسرته؟

الجواب:قال الزّجّاج:أخسرت الميزان و خسرته سواء،أي نقصته،و عن المؤرّج يُخْسِرُونَ: ينقصون، بلغة قريش.[إلى أن قال:]

المسألة الرّابعة:الذّمّ إنّما لحقهم بمجموع أنّهم يأخذون زائدا،و يدفعون ناقصا.

ثمّ اختلف العلماء،فقال بعضهم:هذه الآية دالّة على الوعيد،فلا تتناول إلاّ إذا بلغ التّطفيف حدّ الكثير،و هو نصاب السّرقة.

و قال آخرون:بل ما يصغر و يكبر داخل تحت الوعيد،لكن بشرط أن لا يكون معه توبة،و لا طاعة أعظم منها.و هذا هو الأصحّ.

المسألة الخامسة:احتجّ أصحاب الوعيد بعموم هذه الآية،قالوا:و هذه الآية واردة في أهل الصّلاة لا في الكفّار،و الّذي يدلّ عليه وجهان:

الأوّل:أنّه لو كان كافرا لكان ذلك الكفر أولى باقتضاء هذا الويل من التّطفيف،فلم يكن حينئذ للتّطفيف أثر في هذا الويل،لكنّ الآية دالّة على أنّ الموجب لهذا الويل هو التّطفيف.

الثّاني:أنّه تعالى قال للمخاطبين بهذه الآية: أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ فكأنّه تعالى هدّد المطفّفين بعذاب يوم القيامة،و التّهديد بهذا لا يحصل إلاّ مع المؤمن؛فثبت بهذين الوجهين أنّ هذا الوعيد مختصّ بأهل الصّلاة.

و الجواب عنه ما تقدّم مرارا،و من لواحق هذه المسألة أنّ هذا الوعيد يتناول من يفعل ذلك و من يعزم عليه؛إذ العزم عليه أيضا من الكبائر.(31:88)

أبو حيّان :معدّى بالهمزة،يقال:خسر الرّجل و أخسره غيره.(8:439)

الشّربينيّ: يُخْسِرُونَ جواب إِذا و هو يتعدّى بالهمزة.يقال:خسر الرّجل و أخسرته أنا، مفعوله محذوف،أي يخسرون النّاس متاعهم،و قيل:

يُخْسِرُونَ أي ينقصون بلغة فارس،أي ينقصون الكيل أو الوزن.(4:500)

أبو السّعود :أي ينقصون،يقال:خسر الميزان

ص: 815

و أخسره،فحذف الجارّ و أوصل الفعل.[ثمّ استشهد بشعر](6:395)

الآلوسيّ: المعنى:و إذا كالوا لهم أو وزنوا لهم للبيع ينقصون.[و فيه بحث مستوفى راجع ك ي ل:

«كالوهم»].(30:69)

المراغيّ: أي إذا كان لهم عند النّاس حقّ في شيء من المكيلات لم يقبلوا أن يأخذوه إلاّ وافيا كاملا،و إذا كان لأحد عندهم شيء و أرادوا أن يؤدّوه له أعطوه ناقصا غير واف...(30:72)

ابن عاشور :معنى يُخْسِرُونَ يوقعون الّذين كالوا لهم أو وزنوا لهم في الخسارة،و الخسارة:النّقص من المال من التّبايع.(30:170)

الطّباطبائيّ: [نحو ابن عاشور و أضاف:]

فمضمون الآيتين جميعا ذمّ واحد،و هو أنّهم يراعون الحقّ لأنفسهم و لا يراعونه لغيرهم،و بعبارة أخرى لا يراعون لغيرهم من الحقّ مثل ما يراعونه لأنفسهم، و فيه إفساد الاجتماع الإنسانيّ المبنيّ على تعادل الحقوق المتقابلة،و في إفساده كلّ الفساد.(20:230)

تخسروا

وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ.

الرّحمن:9

ابن عبّاس: لا تنقصوا الميزان فتذهبوا بحقوق النّاس.(451)

الإمام الرّضا عليه السّلام:[في حديث قال:]

و لا تبخسوا الإمام حقّه و لا تظلموه.[و هذا تأويل].(القمّيّ 2:343)

أبو عبيدة :أي لا تظلموا و تنقصوا[الميزان و اعملوا]بالقسط و العدل.(2:242)

الزّجّاج: القراءة بضمّ التّاء،و روى أهل اللّغة:

أخسرت الميزان و خسرت،فعلى خسرت«و لا تخسروا».و لا تقرأنّ بها إلاّ أن تثبت رواية صحيحة عن إمام في القراءة.و قد روي أنّ إنسانا قرأ بها من المتقدّمين، و لكنّه ليس ممّن أخذت عنه القراءة،و لا له حرف يقرأ به.

(5:96)

الثّعلبيّ: لا تنقصوا اَلْمِيزانَ و لا تطفّفوا في الكيل و الوزن.و قراءة العامّة تُخْسِرُوا بضمّ التّاء و كسر السّين،و قرأ بلال بن أبي بردة بفتح التّاء و كسر السّين،و هما لغتان.(9:178)

مثله البغويّ.(4:331)

الرّاغب: يجوز أن يكون إشارة إلى تحرّي العدالة في الوزن و ترك الحيف فيما يتعاطاه في الوزن،و يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى تعاطي ما لا يكون به ميزانه في القيامة خاسرا،فيكون ممّن قال فيه: وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ الأعراف:9،و كلا المعنيين يتلازمان،و كلّ خسران ذكره اللّه تعالى في القرآن فهو على هذا المعنى الأخير دون الخسران المتعلّق بالمقتنيات الدّنيويّة و التّجارات البشريّة.(148)

الزّمخشريّ: و لا تنقصوه،أمر بالتّسوية و نهى عن الطّغيان الّذي هو اعتداء و زيادة،و عن الخسران الّذي هو تطفيف و نقصان،و كرّر لفظ الميزان تشديدا للتّوصية به و تقوية للأمر باستعماله و الحثّ عليه.و قرئ (و السّماء)

ص: 816

بالرّفع (و لا تخسروا) بفتح التّاء و ضمّ السّين و كسرها و فتحها،يقال:خسر الميزان يخسره و يخسره،و أمّا الفتح فعلى أنّ الأصل:و لا تخسروا في الميزان،فحذف الجار و أوصل الفعل.(4:44)

مثله أبو السّعود(6:175)،و نحوه البيضاويّ(2:

440).

الطّبرسيّ: أي لا تنقصوه بالبخس و الجور بل سوّوه بالإنصاف و العدل.(5:198)

القرطبيّ: لا تنقصوا الميزان و لا تبخسوا الكيل و الوزن،و هذا كقوله: وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ هود:84.

و قيل:المعنى و لا تخسروا ميزان حسناتكم يوم القيامة فيكون ذلك حسرة عليكم.(17:155)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ في أنّ التّقدير«في الميزان»محذوف الجارّ و نصب،ثمّ قال:]

و لا يحتاج إلى هذا التّخريج؛أ لا ترى أنّ خسر جاء متعدّيا،كقوله تعالى: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ الزّمر:15، و خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ الحجّ:11.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](8:189)

الآلوسيّ: أي لا تنقصوه فإنّ من حقّه أن يسوّى، لأنّه المقصود من وضعه،[و نقل كلام الزّمخشريّ و كلام أبي حيّان في ردّه ثمّ قال:]

و أجيب بأنّه على تقدير أن يكون متعدّيا هنا لا بدّ من القول بالحذف و الإيصال،لأنّ المعنى على حذف المفعول به،أي لا تخسروا أنفسكم في الميزان،أي لا تكونوا خاسريها يوم القيامة بسبب الميزان،بأن لا تراعوا ما ينبغي فيه.[إلى أن قال:]

و قيل:المعنى على التّعدّي بتقدير مضاف،أي موزون الميزان،أو جعل الميزان مجازا عن الموزون فيه، فتأمّل و لا تغفل.(27:102)

ابن عاشور :إن حمل اَلْمِيزانَ فيه على معنى العدل،كان المعنى النّهي عن التّهاون بالعدل لغفلة أو تسامح،بعد أن نهى عن الطّغيان فيه،و يكون إظهار لفظ اَلْمِيزانَ في مقام ضميره تنبيها على شدّة عناية اللّه بالعدل،و إن حمل فيه على آلة الوزن،كان المعنى النّهي عن غبن النّاس في الوزن لهم،كما قال تعالى: وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ المطفّفين:3.

و الإخسار:جعل الغير خاسرا،و الخسارة:النّقص.

فعلى حمل اَلْمِيزانَ على معنى العدل يكون الإخسار جعل صاحب الحقّ خاسرا مغبونا،و يكون اَلْمِيزانَ منصوبا على نزع الخافض.

و على حمل اَلْمِيزانَ على معنى آلة الوزن يكون الإخسار بمعنى النّقص،أي لا تجعلوا الميزان ناقصا،كما قال تعالى: وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ هود:84، و قد علمت هذا النّظم البديع في الآية الصّالح لهذه المحامل.

(27:225)

مغنيّة:المراد بالخسران:الاعتداء بعدم تسليم الحقّ لذويه.(7:205)

الطّباطبائيّ: الإخسار في الميزان:التّطفيف به بزيادة أو نقيصة؛بحيث يخسر البائع أو المشتري.

(19:98)

ص: 817

المخسرين

أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ.

الشّعراء:181

مثل ما قبلها.

تخسير

...فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ. هود:63

ابن عبّاس: فما ازداد إلاّ بصيرة في خسارتكم.

(187)

غير خسارة في خسارتكم.(الثّعلبيّ 5:176)

مجاهد :ما تزدادون أنتم إلاّ خسارا.

(الطّبريّ 7:63)

الحسن :معناه إن أجبتكم إلى ما تدعونني إليه كنت بمنزلة من يزداد الخسران.(الطّوسيّ 6:18)

الفرّاء: يقول:فما تزيدونني غير تخسير لكم و تضليل لكم،أي كلّما اعتذرتم بشيء هو يزيدكم تخسيرا،و ليس غير تخسير لي أنا.و هو كقولك للرّجل:

«ما تزيدني إلاّ غضبا»أي غضبا عليك.(2:20)

ابن الأعرابيّ: يريد غير تخسير لكم لا لي،و معنى التّخسير:التّضليل و الإبعاد من الخير.

(الواحديّ 2:579)

ابن قتيبة :أي غير نقصان.(205)

الحسين بن الفضل:لم يكن صالح في خسارة حين قال:علمت علم العرب،فما تزيدونني غير تخسير، و إنّما المعنى ما تزيدونني،كما يقولون:ما أسبق إيّاكم إلى الخسارة.(الثّعلبيّ 5:176)

الطّبريّ: غَيْرَ تَخْسِيرٍ لكم يخسركم حظوظكم من رحمة اللّه.(7:63)

الثّعلبيّ: [ذكر قول حسين بن الفضل و قال:]

و هو قول العرب:فسّقته و فجّرته،إذا نسبته إلى الفسق و الفجور،و كذلك خسّرته:نسبته إلى الخسران.(5:176)

نحوه الواحديّ(2:579)،و البغويّ(2:455)، و الطّبرسيّ(3:174).

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:[قول مجاهد]

الثّاني:فما تزيدونني مع الرّدّ و التّكذيب إن أجبتم إلى ما سألتم إلاّ خسارا لاستبدال الثّواب بالعقاب.

(2:480)

الطّوسيّ: قيل:في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها:[قول مجاهد]

و الثّاني:قال قوم:تزيدونني،لأنّهم يعطونه ذاك بعد أوّل أمرهم.

الثّالث:[قول الحسن]

و قال آخرون:معناه ما تزيدونني على ما أنا عندكم إلاّ خسارا.(6:18)

الزّمخشريّ: يعني تخسرون أعمالي و تبطلونها،أو فما تزيدونني بما تقولون لي و تحملونني عليه غير أن أخسركم،أي أنسبكم إلى الخسران،و أقول لكم إنّكم خاسرون.(2:279)

نحوه البيضاويّ(1:473)،و ملخّصا الكاشانيّ(2:

ص: 818

458).

ابن عطيّة: معناه:فما تعطونني فيما أقتضيه منكم من الإيمان و أطلبكم به من الإنابة غير تخسير لأنفسكم، و هو من الخسارة،و ليس التّخسير في هذه الآية إلاّ لهم و في حيّزهم،و أضاف الزّيادة إليه من حيث هو مقتض لأقوالهم موكّل بإيمانهم،كما تقول لمن توصيه:«أنا أريد بك خيرا و أنت تريد بي شرّا».

فكأنّ الوجه البيّن و أنت تزيد شرّا،و لكن من حيث كنت مريد خير به،و مقتضى ذلك حسن أن تضيف الزّيادة إلى نفسك.(3:184)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و القول الأوّل أقرب،لأنّ قوله: فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ كالدّلالة على أنّه أراد:إن أتّبعكم فيما أنتم عليه من الكفر الّذي دعوتموني إليه لم أزدد إلاّ خسرانا في الدّين،فأصير من الهالكين الخاسرين.

(18:18)

النّسفيّ: غَيْرَ تَخْسِيرٍ بنسبتكم إيّاي إلى الخسار أو بنسبتي إيّاكم إلى الخسران.(2:196)

أبو حيّان :[اكتفى بنقل أقوال الآخرين إلاّ أنّه بعد نقل الاحتمال الثّاني للزّمخشريّ قال:]

يفعل (1)هذا للنّسبة،كفسّقته و فجّرته،أي نسبته إلى الفسق و الفجور.[و بعد نقل قول ابن عبّاس قال:]

فهو على حذف مضاف،أي غير بصارة تخسيركم.

[و بعد نقل قول مجاهد قال:]

و أضاف الزّيادة إلى نفسه لأنّهم أعطوه ذلك،و كان سألهم الإيمان.[و بعد نقل قول ابن عطيّة قال:]

و قيل:التّقدير:فما تحملونني عليه غير أنّي أخسركم،أي أرى منكم الخسران.(5:239)

أبو السّعود :أي غير أن تجعلوني خاسرا بإبطال أعمالي و تعريضي لسخط اللّه تعالى،أو فما تزيدونني بما تقولون غير أن أنسبكم إلى الخسران و أقول لكم:إنّكم الخاسرون،فالزّيادة على معناه،و الفاء لترتيب عدم الزّيادة على انتفاء النّاصر المفهوم من إنكاره على تقدير العصيان،مع تحقّق ما ينفيه من كونه عليه الصّلاة و السّلام على بيّنة من ربّه و إيتائه النّبوّة.(3:328)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و صيغة«التّفعيل»للنّسبة،يقال:فسّقه و فجّره،إذا نسبه إلى الفسق و الفجور،فكذا خسّره،إذا نسبه إلى الخسران.

و في الآية إشارة إلى أن لا رجوع عن الحقّ بعد ما استبان،فإنّه ما ذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال و الخذلان و الخسران.(4:156)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود،ثمّ نقل قول ابن عبّاس و مجاهد و ابن عطيّة،و أضاف:]

و قيل:المعنى فما تزيدونني غير تخسيري إيّاكم، حيث إنّكم كلّما ازددتم تكذيبا إيّاي ازدادت خسارتكم.

و هي أقوال كما ترى.(12:90)

المراغيّ: أي فما تزيدونني باتّقاء سوء ظنّكم و ارتيابكم،غير إيقاعي في الخسران بإيثار ما عندكم على ما عند اللّه،و اشتراء رضاكم بسخطه تعالى.

(12:55)ل.

ص: 819


1- كذا،و الظّاهر:تفعيل.

ابن عاشور:أي إذ كان ذلك،فما دعاؤكم إيّاي إلاّ سعي في خسراني.و المراد بالزّيادة:حدوث حال لم يكن موجودا،لأنّ ذلك زيادة في أحوال الإنسان،أي فما يحدث لي إن اتّبعتكم و عصيت اللّه إلاّ الخسران،كقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السّلام: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاّ فِراراً نوح:6،أي كنت أدعوهم و هم يسمعون فلمّا كرّرت دعوتهم زادوا على ما كانوا عليه ففرّوا،و ليس المعنى أنّهم كانوا يفرّون فزادوا في الفرار،لأنّه لو كان كذلك لقيل هنالك:فلم يزدهم دعائي إلاّ من فرار، و لقيل هنا:فما تزيدونني إلاّ من تخسير.و التّخسير، مصدر خسّر،إذا جعله خاسرا.(11:291)

عبد الكريم الخطيب :التّخسير:الخسران بعد الخسران...

في قوله تعالى: فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ إشارة إلى أنّه إذا أخذ برأي قومه،و خرج عن طاعة اللّه،و وقع تحت نقمته،ثمّ دعاهم إلى نصرته من دون اللّه،فلن يكون له منهم إلاّ بلاء إلى بلاء،و خسران إلى خسران، لأنّه إنّما ينتصر بمخذولين،واقعين تحت النّقمة و البلاء، فلن يقدّموا له-إن قدّموا شيئا-إلاّ ما عندهم من بلاء و عذاب فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ. (6:1164)

مغنيّة:قال جماعة من المفسّرين:معناه إن أطعتكم جعلتموني خاسرا،و قال آخرون:بل معناه لا تزيدونني بإعراضكم عن دعوتي إلاّ أن أنسبكم إلى الخسران، و الّذي نراه،أنّ صالحا أراد بقوله هذا أن يفهم قومه أنّه لو أرضاهم لربح ثقتهم،و لكنّه يخسر مرضاة اللّه، و خسارته هذه تزيد كثيرا عن ربحه بثقتهم و مرضاتهم.(4:245)

الطّباطبائيّ: تفريع على قوله السّابق الّذي ذكره في مقام دحض الحجّتين و الاعتذار عن مخالفتهم،و القيام بدعوتهم إلى خلاف سنّتهم القوميّة،فالمعنى:فما تزيدونني في حرصكم على ترك الدّعوة و الرّجوع إليكم و اللّحوق بكم غير أن تخسروني،فما مخالفة الحقّ إلاّ خسارة.

و قيل:المراد:أنّكم ما تزيدونني في قولكم: أَ تَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا هود:62،غير نسبتي إيّاكم إلى الخسارة.

و قيل:المعنى:ما تزيدونني إلاّ بصيرة في خسارتكم.

و الوجه الأوّل أوجه.(10:313)

فضل اللّه :فما ذا وراء محاولتكم في إبعادي عن الدّعوة إلى اللّه،إلاّ المزيد من الخسارة على مستوى الدّنيا و الآخرة.(12:92)

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير الخسران على خمسة وجوه:

فوجه منها:خاسر يعني عجزة،فذلك قوله في يوسف:14 لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ يعني إنّا إذا لعجزة،و كقوله في المؤمنون:34، وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ يعني لعجزة،و قال في الأعراف:90، لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ يعني لعجزة.

و الوجه الثّاني:الخاسرون يعني المغبونين،فذلك قوله في الزّمر:15 قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ يعني غبنوا أنفسهم فصاروا إلى النّار،و غبنوا

ص: 820

أهليهم في الجنّة،يعني الأزواج و الخدم وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ، و نظيرها في حم عسق؛حيث يقول: إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا يعني غبنوا أَنْفُسَهُمْ فصاروا إلى النّار و غبنوا أَهْلِيهِمْ من الأزواج و الخدم يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ الشّورى:45،و نحوه كثير.

و الوجه الثّالث:الخسران يعني الضّلال،فذلك قوله في النّساء:119، فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً، و كقوله في العصر:2 إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ.

و الوجه الرّابع:الخسران،يعني النّقص،فذلك قوله في الشّعراء:181، أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ يعني من المنتقصين في الكيل و الميزان، و كقوله في الرّحمن:9 وَ لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ يقول:و لا تنقصوا الميزان،و كقوله في المطفّفين:3 وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ يعني ينقصون.

و الوجه الخامس:يعني العقوبة،قال نوح في سورة هود:47، وَ إِلاّ تَغْفِرْ لِي وَ تَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ أي في العقوبة،و قال في الأعراف:23، وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. (157)

مثله هارون الأعور(148)،و نحوه الحيريّ(227)، و الدّامغانيّ(303).

الفيروزآباديّ: قيل:ورد الخاسر في القرآن على سبعة أوجه:[الأوّل و الثّاني و الثّالث و الرّابع نحو مقاتل و أضاف:]

الخامس:بمعنى ضدّ الرّبح وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ المنافقون:9.

السّادس:بمعنى العقوبة وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً الطّلاق:9،أي عقوبة،و وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ الزّمر:65،أي من الباقين في العقوبة.

السّابع:بمعنى الهلاك لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ الأعراف:23،أي الهالكين،و ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ الحجّ:11،أي:الهلاك البيّن.(2:538)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الخسارة:الوضع في التّجارة،يقال:خسر التّاجر يخسر خسرا و خسارة،أي وضع في تجارته أو غبن،و أخسر الرّجل:وافق خسرا في تجارته،و خسرت تجارته:خسر فيها،و هو خاسر و خيسرى،و الخاسر أيضا:الّذي ذهب ماله و عقله،أي خسرهما،و صفقة خاسرة:غير رابحة،و كرّة خاسرة:

غير نافعة.

و الخسر و الخسران:النّقص،يقال:خسر يخسر خسرانا،أي نقص،و خسرت الشّيء و أخسرته:

نقصته،و خسر الوزن و الكيل خسرا و أخسره:نقصه، يقال:كلته و وزنته فأخسرته،أي نقصته،و الخاسر:

الّذي ينقص المكيال و الميزان إذا أعطى،و يستزيد إذا أخذ.

و الخسار و الخسارة و الخيسرى:الضّلال و الهلاك، يقال:خسر يخسر خسرا و خسرا و خسرانا و خسارا، أي ضلّ،فهو خاسر و خسر.و التّخسير:الإهلاك.

و رجل خيسرى:هو الّذي لا يجيب إلى الطّعام، لئلاّ يحتاج إلى المكافأة،و هو من الخسار.

ص: 821

2-و ذكر صاحب القاموس الخسير بمعنى الخسر، أي الضّالّ،خلافا للسّماع و القياس،إذ انفرد به دون سواه،كما أنّ«فعيلا»يأتي اسم فاعل إذا كان فعله على وزن«فعل»غالبا،نحو:جمل فهو جميل،و شرف فهو شريف.

بيد أنّه جاء خسير بمعنى خاسر في اللّغة السّريانيّة، و ذلك بإبدال الخاء حاء،أي«حسير»،و هذا شائع فيها.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا«الماضي»15 مرّة،و«المضارع» مرّة،و«اسم الفاعل»مفردا و جمعا 33 مرّة، و«التّفضيل»4 مرّات،و«المصدر»:(خسر)مرّتين، و(خسران)مرّة،و(خسار)3 مرّات.

و مزيدا من الإفعال«المضارع»مرّتين،و«اسم الفاعل»مرّة،و من التّفعيل«المصدر»مرّة في 59 آية:

1-خسر-الخسران

1- وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً النّساء:119

2- ...وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ الحجّ:11

3- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّهِ...

الأنعام:31

4- ...قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّهِ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ يونس:45

5- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ... الأنعام:140

6- فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ المؤمن:78

7- ...وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ الجاثية:27

8- سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ المؤمن:85

9- وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ

العصر:1،2

10- وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ...

*فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً

الطّلاق:8،9

2-الخاسرون،خاسرين،خاسرة

11- اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ البقرة:27

12- اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ

البقرة:121

13- ...لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ

الأعراف:90

14- أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ الأعراف:99

ص: 822

15- مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَ مَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ الأعراف:178

16- فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ الأنفال:37

17- ...أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ التّوبة:69

18- قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ يوسف:14

19- لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ

النّحل:109

20- وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ المؤمنون:34

21- ...وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَ كَفَرُوا بِاللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ العنكبوت:52

22- ...وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ الزّمر:63

23- اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ المجادلة:19

24- ...وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ

المنافقون:9

25- ...فَلَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ البقرة:64

26- وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ آل عمران:85

27- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ

آل عمران:149

28- يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ

المائدة:21

29- وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ المائدة:5

30- فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ المائدة:30

31- ...حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ

المائدة:53

32- ..قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ الأعراف:23

33- ...اَلَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ

الأعراف:92

34- ...لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَ يَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ الأعراف:149

35- وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ يونس:95

36- وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ

الزّمر:65

37- وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ فصّلت:23

38- ...وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا

ص: 823

خاسِرِينَ فصّلت:25

39- أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ الأحقاف:18

40- قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ النّازعات:12

3-الّذين خسروا أنفسهم

41 و 42- ...اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الأنعام:12 و 20

43- ...قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ الأعراف:53

44- أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ هود:21

45- وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ... الأعراف:9

46- وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ المؤمنون:103

47- ...وَ قالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ الشّورى:45

48- قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ

الزّمر:15

4-الّذين يخسرون الميزان

49- وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ الرّحمن:9

50- وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ

المطفّفين:3

5-زيادة الخسران

51- ...وَ لا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً

الإسراء:82

52- ...وَ لا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاّ خَساراً

فاطر:39

53- ...وَ اتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَ وَلَدُهُ إِلاّ خَساراً نوح:21

6-الأخسرون

54- لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ

هود:22

55- أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَ هُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ النّمل:5

56- قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً

الكهف:103

57- وَ أَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ

الأنبياء:70

7-التّخسير،المخسرين

58- فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ هود:63

59- أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ

الشّعراء:181

ص: 824

ملاحظات
و يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآيات يقسمان:

قسم منها- و هو أكثرها-حكم من اللّه أو من رسله فيمن خالفهم، و الخسران فيها محقّق لهؤلاء وعيدا من اللّه تعالى.

و قسم منها-خمس آيات-حكم من خالفهم أو فعلهم،و الخسران فيها باطل أو خدعة منهم،و هي:

1-(13)نقلا عن قوم شعيب إنكارا لنبوّته: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ.

2-(18)نقلا عن إخوة يوسف لأبيهم لمّا سألوه أن يرسل يوسف معهم،و اعتذر أبوهم بأنّه يخاف أن يأكله الذّئب قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ* قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ.

3-(20)نقلا عن قوم رسول جاء بعد نوح إنكارا لنبوّته أيضا: وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ.

4-(40)نقلا عن مشركي قريش إنكارا للحياة الآخرة و استهزاءً بالنّبيّ عليه السّلام: يَقُولُونَ أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ* أَ إِذا كُنّا عِظاماً نَخِرَةً* قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ لاحظ ك ر ر:«كرّة».

5-(58)نقلا عن صالح في تخسير قومه إيّاه فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ.

و ثانيا:سياق الآيات من القسم الأوّل ذمّ

للخسران و إدانة له عقابا لأصناف من أعداء اللّه تعالى

و هم:

1-من يتّخذ الشّيطان وليّا من دون اللّه،و هم حزب الشّيطان:(1،23).

2-من كفر باللّه:(8،16،19،21،53).

3-من كذّب لقاء اللّه و المعاد و الحساب:(2،3، 55).

4-من كذّب النّبوّة:(20،33).

5-من كذّب أو كفر بآيات اللّه أو بكتابه:(12،22، 35).

6-من أشرك باللّه:(36-39).

7-من كفر بالإيمان:(29).

8-من يبتغ غير الإسلام دينا:(26).

9-من ارتدّ على دبره:(27،28).

10-من يأمن مكر اللّه:(14).

11-من يضلل:(15).

12-من قطع ما يوصل به،و يفسد في الأرض، و ينقض ميثاق اللّه:(11).

13-من يعبد اللّه على حرف:(2).

14-من نهى عن ذكر اللّه:(24).

15-المبطلون:(6،7).

16-من عتت عن أمر ربّه:(10).

17-الظّالمون:(32،34،51).

18-الإنسان في خسر إلاّ المؤمنين:(9).

19-من خسر نفسه:(41-48).

20-القاتلون للنّفس المحترمة:(5،30).

21-من خسر الميزان:(49،50،59).

22-من هم الأخسرون:(54-56).

23-من زاد خسرانه:(51-53).

24-من خسر خسرانا مبينا:(1،2،48).

ص: 825

25-من خسر الدّنيا و الآخرة:(17،2).

ثالثا:ملاحظات بشأن هؤلاء الأصناف حسب
اشارة

ترتيبهم:

أ-الخسران و الشّيطان آيتان:

(1): وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً.

(23): اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ.

و قد جاء فيها أمران:اتّخاذ الشّيطان وليّا، و استحواذ الشّيطان عليهم.

أمّا اتّخاذ الشّيطان وليّا فيقع من قبل أتباعه،و أمّا استحواذ الشّيطان عليهم فيكون من قبل الشّيطان، فالجرم منسوب إليه،و إلى أتباعه جميعا،دون خصوص واحد منهم،و الأوّل هو الأصل،و لولاه لما استحوذ عليهم الشّيطان،فالإنسان هو منشأ الخسران كما قال في (9): إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ...، و فيهما بحوث:

1-فرّع على الأوّل أمرا واحدا،و هو(الخسران المبين)،و على الثّاني أمورا ثلاثة و هي:إنساؤهم ذكر اللّه، و عدّهم من حزب الشّيطان،و أنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون،فالأوّل إيجاز،و الثّاني تفصيل له.

2-و في كلّ من خُسْراناً مُبِيناً، و هُمُ الْخاسِرُونَ تأكيد و مبالغة بقوله،مؤكّدا بأنواع من التّأكيد في الأوّل: فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً، و بحصر الخسران فيهم،و بلوغه منتهاه في الثّاني.

3-و يبدو أنّ الآيتين جاءتا بشأن المنافقين،كما يشهد به سياق ما قبلهما،فجاء قبل الأولى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ...* وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ... النّساء:

114 و 115.

و جاء قبل الثّانية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ...*...* اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ... المجادلة:14-16،لاحظ«الخسران المبين»في آخر هذا البحث.

ب-الخسران لمن كفر باللّه تعالى في 6 آيات:

(8): سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ.

(16): فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

(17): أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

(19): لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ.

(21): وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَ كَفَرُوا بِاللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

(52): ...وَ لا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاّ خَساراً.

و سياق الآيات اللّتى قبلها هو الكفر باللّه،و يلاحظ فيها جميعا التّشديد بحصر الخسران فيهم أو بزيادته لهم.

ج-الخسران لمن كذّب بلقاء اللّه و المعاد،في 3

آيات:

(3): قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّهِ حَتّى إِذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً.

(4): ...قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّهِ وَ ما كانُوا

ص: 826

مُهْتَدِينَ.

(55): إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ ...*... وَ هُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ.

و قد جاء في القرآن آيات كثيرة إدانة و عقوبة لمن كذّب بالمعاد و الحساب و الدّار الآخرة و يوم القيامة و نحوها.إلاّ أنّ العقوبة فيها أمور غير«الخسران»الّذي جاء عقابا لمن كذّب بلقاء اللّه في الآيتين،أو بالدّار الآخرة،فكأنّ التّكذيب بلقاء اللّه فيه خسارة كبيرة، و هو كذلك،فأيّ فوز أعظم و أكبر من لقاء اللّه و رضوانه؟كما قال: وَ رِضْوانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ التّوبة:

72،و أيّ خسارة أخسر و أسوء من الحرمان منهما؟ و لكنّ الظّاهر أنّ المراد(بلقاء الله)في الآيات هو المعاد و الدّار الآخرة،دون رضوانه و رؤيته-كما يقول بها الأشاعرة-و قد سمّى اللّه يوم القيامة ب«يوم التّلاق»في قوله: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ المؤمن:15.

و قد جاءت آيات فيمن يرجوا لقاء اللّه،مثل: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً الكهف:110، و مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللّهِ لَآتٍ العنكبوت:5،و جاءت أيضا آيات كثيرة فيمن كذّب بها أو يرجوها،مثل: وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ الرّوم:8، فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ يونس:11،لكنّ العقوبة فيها شيء سوى«الخسران»،لاحظ ل ق ي:«لقاء».

د-الخسران لمن كذّب النّبوّة آيتان:

(20): وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ.

(33): اَلَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ و الحصر فيها تشديد في العقوبة.

ه-الخسران لمن كذّب بآيات اللّه،أو كفر بها أو

بالكتاب،3 آيات:

(35): وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ.

(22): وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

(12): اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

و الفرق بين هذه الثّلاث في بيان عقاب الخسران لينا و شدّة واضح:فالأولى خطاب موجّه إلى النّبيّ عليه السّلام بشأن القرآن و قبلها: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ، ثمّ قال:

وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ....

و للمفسّرين تأويل و توجيه لمثل هذه الآيات الّتي حملت شكّ النّبيّ فيما أنزل إليه،لاحظ ش ك ك:«شكّ».

و الّذي نحن بصدد بيانه هنا أنّه تعالى احتفظ بمقامه الكريم و أكرم شأنه بتليين سياق الآية؛حيث نهاه أن يكون من جملة الّذين كذّبوا بآيات اللّه،و أن يكون من جملة الخاسرين.

و أين هذا من سياق الآيتين:(11 و 12)حيث قال فيهما بشأن الّذين كفروا بآيات اللّه أو بكتابه: أُولئِكَ

ص: 827

هُمُ الْخاسِرُونَ، بلسان الحصر تشديدا للعقاب.

و-الخسران لمن كفر بالإيمان،آية واحدة(29):

وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ، و فيها بحوث:

1-جاء فيها بدل الكفر باللّه،أو بآياته،أو نحوها «الكفر بالإيمان».قال الطّبرسيّ ج 2:163:«أي من يجحد ما أمر اللّه بالإقرار به و التّصديق له،من توحيد اللّه و عدله و نبوّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله-إلى أن قال:-و قيل:المعنيّ بقوله: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ أهل الكتاب،و يكون معناه:و من يمتنع عن الإيمان و لم يؤمن...».

و استشكل الفخر الرّازيّ: ج 11:148،بأنّ الكفر إنّما هو يعقل باللّه و رسوله،فأمّا«الكفر بالإيمان»فهو محال.ثمّ حكى وجوها عن المفسّرين،مثل أنّ المراد به:

الكفر باللّه،و أنّه إنّما حسن هذا المجاز لأنّه تعالى ربّ الإيمان،و ربّ الشّيء قد يسمّى باسم ذلك الشّيء على سبيل المجاز،أو أنّ المراد به شهادة:لا إله إلاّ اللّه،لأنّ الإيمان من لوازمها،و إطلاق اسم الشّيء على لوازمه مجاز مشهور.أو بما نزل في القرآن من الأحكام،فسمّي القرآن إيمانا لاشتماله على كلّ ما لا بدّ منه في الإيمان.

و قال الطّباطبائيّ ج 5:206،ما حاصله:أنّ الكفر في الأصل بمعنى السّتر فيحتاج إلى مستور و مكفور، كالكفر بنعمة اللّه و بآيات اللّه و نحوها،فالكفر بالإيمان يقتضي وجود إيمان ثابت،لا بمعنى المصدريّ،بل بمعنى اسم المصدر،و هو الأثر الحاصل،و الصّفة الثّابتة في قلب المؤمن،فيؤول معنى«الكفر بالإيمان»إلى ترك العمل بما يعلم أنّه حقّ...

و عندنا أنّ هذه الجملة: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ جاءت عقيب جملة من الأحكام،مثل حلّ الطّيّبات، و حلّ المحصنات؛فمن لم يؤمن بها من المؤمنين كان بمنزلة من كفر بإيمانه و حبط عمله.

و على كلّ حال فهذا التّعبير في القرآن خاصّ بهذه الآية،و فيه تشديد لعقاب من لا يلتزم بالشّريعة مع الإيمان بالإسلام،و قد أكّده بقوله بعده: فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ أي سائر أعماله الّتي عمل بها،و في«الحبط و الإحباط»بحث لاحظ«ح ب ط».

2-قال الفخر الرّازيّ-و نحوه الشّربينيّ-في وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ: «مشروط بشرط غير مذكور في الآية و هو أن يموت على ذلك الكفر؛إذ لو تاب عن الكفر لم يكن في الآخرة من الخاسرين...كما قال:

وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ...

البقرة:217،و ما ذكره مفهوم من سياق الآية أيضا.

3-المعنيّ بالخسران فيها ظاهر،لأنّه مهّد السّبيل للسّعادة و الثّواب بالإيمان،و خسرهما حيث لم يلتزم بالأحكام الشّرعيّة المتفرّعة على الإيمان.

ز-الخسران لمن يبتغ غير الإسلام دينا(26):

وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ و فيها بحوث:

1-المراد بالإسلام إمّا هذا الدّين،أو التّسليم اللّه،الأوّل هو الظّاهر بقرينة(دينا)،لكن سياق الآيات قبلها هو الثّاني ابتداء من أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، إلى وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ آل عمران:83 و 84،لاحظ س ل م:

ص: 828

«الإسلام».

2-قال أبو السّعود-و نحوه الآلوسيّ-:«المعنى أنّ المعرض عن الإسلام و الطّالب لغيره فاقد للنّفع،واقع في الخسران بإبطال الفطرة السّليمة الّتي فطر النّاس عليها»، و هذا ينطبق على الخسران في الدّنيا،مع أنّ صريح الآية هو الخسران في الآخرة وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ تقديما للظّرف على المظروف،أي فِي الْآخِرَةِ على اَلْخاسِرِينَ اهتماما به و رعاية للرّويّ، دون إرادة الحصر.

3-و قال أيضا:و في ترتيب الرّدّ و الخسران على مجرّد الطّلب يَبْتَغِ دلالة على أنّ حال من تديّن بغير الإسلام و اطمأنّ بذلك أقطع و أقبح».و الظّاهر أنّ المراد بالطّلب لغيره،نفس التّديّن بغيره،إلاّ أنّه عبّر به بدلا عنه مبالغة.

و قال الطّبرسيّ ج 1:470:«من يطلب دينا يدين به فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ بل يعاقب عليه،و يدلّ عليه قوله: وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ أي من الهالكين، لأنّ الخسران ذهاب رأس المال.و في هذه الآية دلالة على أنّ من ابتغى الإسلام دينا يقبل منه،فلذلك تدلّ على أنّ الدّين و الإسلام و الإيمان واحد،و هي عبارات من معبّر واحد».

ح-الخسران لمن ارتدّ على دبره آيتان:

(27): يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ.

(28): يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ و فيهما بحوث:

1-أمّا الأولى فقد حملها الفخر الرّازيّ-لإطلاقها- على خسران الدّنيا و الآخرة-و هذا يجري في أكثر الآيات سوى ما صرّحت بالدّنيا و الآخرة-أمّا في الدّنيا فلأنّ أشقّ الأشياء على العقلاء الانقياد للعدوّ،و التّذلّل له،و إظهار الحاجة إليه.و أمّا في الآخرة فالحرمان عن الثّواب المؤبّد،و الوقوع في العقاب المخلّد.

و قال الآلوسيّ: «أي للدّنيا و الآخرة غير فائزين بشيء منها،واقعين في العذاب الخلد،على أنّ الارتداد على العقب علم على انتكاس الأمر،و مثل في الحور بعد الكور».

2-و احتمل أبو السّعود في الّذين نهي المؤمنون عن إطاعتهم ثلاثة وجوه:أهل الكتاب من اليهود و النّصارى-و هو الظّاهر،لأنّ الآية مدنيّة-أو أبو سفيان و أصحابه-و هذا أضعفها-أو عامّ لكلّ من يردّ المؤمنين عن دينهم.

3-و أمّا في الثّانية فقد أمر موسى بني إسرائيل المؤمنين به أن يدخلوا الأرض المقدّسة الّتي كتب اللّه لهم، فلم يدخلوها،و اعتذروا بأنّ فيها قوما جبّارين،في آيات ابتداء من وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ... و انتهاء ب قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً... المائدة:20-26.

4-قالوا فيها:الخسران هو خسران الثّواب في الدّنيا و الآخرة،أو خسران حظّهم في الدّنيا بأخذ المنّ و السّلوى،و سائر ما أنعم اللّه عليهم منهم،و رجوعهم إلى الذّلّ،و موتهم في التّيه و نحوها.و هذا هو الظّاهر من

ص: 829

سياق الآيات و لا سيّما وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ حيث فرّع انقلابهم خاسرين على ارتدادهم على أعقابهم،أي رجوعهم إلى حالتهم الأولى قبل استخلاصهم منها،باعتناقهم دعوة موسى عليه السّلام.

5-و التّعبير فيها بالخسران،يناسب سلب ما أنعم اللّه عليهم من النّعم،و منها تحريرهم من الذّلّ و الأسر فذلك بمنزلة خسران رأس المال الّذي كسبوه بإيمانهم، و خسروه بتخلّفهم عن الدّخول بالأرض المقدّسة.

ط-الخسران لمن أشرك باللّه 4 آيات:

(36): وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ.

(37): وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ.

(38): ...وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ.

(39): أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ و يلحق بها الآية رقم(2)لما جاء في ذيلها و سنبحثها، و فيها بحوث:

1-سياق الآيات-سوى الأولى-أنّها في المشركين من العرب،أو من قبلهم من الأمم المشركة،و قد صرّح به قبلها أو بعدها.

أمّا الأولى فجاءت بشأن النّبيّ عليه السّلام: لَئِنْ أَشْرَكْتَ....

2-قالوا في: لَئِنْ أَشْرَكْتَ... إنّه كلام على سبيل الفرض،و المراد به تهييج الرّسول و إقناط الكفرة، و الإشعار على حكم الأمّة،و إفراد الخطاب باعتبار كلّ واحد،و إلاّ فمعلوم أنّ النّبيّ عليه السّلام لن يشرك أبدا و لم يشرك قطّ.لاحظ ش رك:«اشركت».

3-قالوا:كما أنّ طاعات الأنبياء و الرّسل أفضل من طاعات غيرهم،فكذلك القبائح-لو صدرت منهم فرضا-تكون أقبح،و لهذا قال في حقّه: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ الإسراء:75.

4-و احتمل الزّمخشريّ في وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ الخسران في الدّين بسبب حبوط العمل،أو الخسران في الآخرة بالحرمان عن الثّواب،و استحقاق العقاب.

و احتمل الطّباطبائيّ أن يكون اللاّم في (الخاسرين)للعهد،أي و لتكوننّ به من تلك الخاسرين الّذين كفروا بآيات اللّه،و أعرضوا عن الحجج الدّالّة على وحدانيّته تعالى.

5-فرّع الخسران في(37): فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ على ظنّهم الّذي ظنّوه بربّهم،و هو ظنّهم في الآية قبلها وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّا تَعْمَلُونَ ثمّ قال: وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ...، و هذا الظّنّ في حقّ اللّه تعالى من أسوإ الظّنون،و قد كرّر ثلاث مرّات تشديدا لقبحه و مبالغة في بطلانه،فالخسران فيها يكون فوق الخسران الحاصل من شركهم و كفرهم،كما يفيده(فاصبحتم).لاحظ «ظ ن ن».

ص: 830

6-جاء في(38 و 39)بسياق واحد في سورتين مكّيّتين بشأن مشركي مكّة حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ، و يشهد بذلك في(38)الآيات ما قبلها ما بعدها،مثل: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ.

و قد تكرّر في القرآن تنظير هؤلاء المشركين بأمم من قبلهم و إدخالهم في تلك الأمم،مثل: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ... الرّعد:30، قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ... الأعراف:38،و وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ... الأنعام:42.

و هذا كلّه تسلية للنّبيّ عليه السّلام بأنّه ليس وحيدا في كفر قومه به،بل كان هذا دأب الأمم من قبله،كما أنّ قوله في (36): وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ... دلّ على أنّه ليس وحيدا فيما أوحي إليه من الوعيد على الشّرك باللّه تعالى.

7-قالوا في إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ في الآيتين(38 و 39):إنّه تعليل لاستحقاقهم العذاب،و إنّ الضّمير في (انهم)للأوّلين و الآخرين،أو لمشركي مكّة خاصّة بقرينة السّياق مثل: حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، و الأوّل أظهر و أعمّ.

8-و قالوا في هذا التّعبير-«الماضي الاستمراريّ المؤكّد إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ دون أن يقول:«إنّهم خاسرون»-:إنّ الخسران جبلّة و طبع و خلق لهم، لا يقدرون على الانفكاك عنه،أي إنّهم كانوا عريقين في هذا الوصف،و أنّه محقّق لهم،لأنّ«كان»تدلّ على أنّ الخسارة متمكّنة منهم،فكنّي عنه بجعلهم كائنين فيه.

9-و عند ابن عاشور:أنّ تأكيد الكلام ب(انّ)ردّ لظنّهم أنّ فوزهم في الدّنيا ليس بعده نكد،لأنّهم لم يؤمنوا بالبعث و الجزاء،فشبّهت حالة ظنّهم بحال التّاجر الّذي قلّ ربحه من تجارته،فكان أمره خسرا،مثل: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:16.

10-و عكسها ما دلّ على تجدّد الخسران،مثل (27): يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ، و(28): وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ، و(30): فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ، و(31):

...حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ، و(37):

أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ.

ي-من يعبد اللّه على حرف،آية(2):

...وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ* يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ و فيها بحوث:

1-هذه آية من سورة الحجّ المختلف فيها مكّيّا و مدنيّا،و قبلها في الآيتين 3 و 8 منها: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ، و وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ* ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ...، فجاء فيهما الجدال بغير علم و نتيجة،الجدال في الأولى اتّباع الشّيطان،و في الثّانية الإضلال عن سبيل اللّه.

و جاء في هذه الآية(2)-بدل الجدال بغير علم و ما ينتج

ص: 831

عنه-عبادة اللّه على حرف،أي على ضعف،أو جانب،أو شكّ،أي بحالة غير مستقرّة و مردّدة بين حالتين كما جاء بعدها وَ إِنْ أَصابَتْهُ...، لاحظ الطّبرسيّ ج 4 ص 75،فكأنّه يعبد اللّه بشرط أن يصيبه خير في الدّنيا، دون ما لو أصابه شرّ،و يعبد اللّه عبادة تجريبيّة للوصول إلى حياة دنياويّة أفضل ممّا هو فيه،و هو في نفس الوقت مشرك حيث جاء بعدها: يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ...* يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ... الحجّ:12 و 13 فكأنّه بعد أن جادل في اللّه بغير علم مرّتين،و اتّبع الشّيطان و اتّخذ سبيل الإضلال، فكرّ في اختباره عبادة اللّه وحده،هل تنفعه في دنياه أو تضرّه،و هو مع ذلك يستمرّ في عبادة ما لا يضرّه و لا ينفعه»!

2-و يبدو أنّ خسارة من كانت حالته هكذا أشدّ و أسوء من سائر المشركين الّذين لم يختبروا اللّه في أن يعبدوه وحده؛حيث قال: خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ خسارتان كبيرتان:خسارة الدّنيا و الآخرة،و الخسران المبين:أمّا الأولى و هي الجمع بين خسارة الدّنيا و الآخرة صراحة،فانحصرت و خصّت به -أي من يعبد اللّه على حرف-و لم يتجاوزه إلى غيره في القرآن،سوى ما يدلّ عليه بإطلاقها و سنبحثه.و أمّا الخسران المبين فشاركه فيه من اتّخذ الشّيطان وليّا في (1)-و قد سبقت-و من خسر نفسه في(47)و سنبحثه.

3-أمّا خسران الآخرة له فمتيقّن،و شاركه غيره من الأصناف الخاسرة في سائر الآيات،فما هو وجه خسران الدّنيا يقينا مع أنّه محتمل،و ليس قطعيّا؟و قد اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا:

فقال الماورديّ: «خسر الدّنيا بفراقه،و خسر الآخرة بنفاقه»،و نحوه الطّبرسيّ،و زاد:«و قيل:خسر في الدّنيا العزّ و الغنيمة،و في الآخرة الثّواب و الجنّة».

و قال الواحديّ: «خسر دنياه حيث لم يظفر بما طلب من المال،و خسر آخرته بارتداده عن الدّين».

و قال ابن عطيّة:«أمّا الدّنيا فبالمقادير الّتي جرت عليه،و أمّا الآخرة فبارتداده و سوء معتقده».

و قال الفخر الرّازيّ: «لأنّه يخسر في الدّنيا العزّة و الكرامة،و إصابة الغنيمة،و أهليّة الشّهادة،و الإمامة و القضاء،و لا يبقى ماله و دمه مصونا.أمّا الآخرة فيفوته الثّواب الدّائم و يحصل له العقاب الدّائم».

و قال البيضاويّ في خسرانه في الدّنيا:«بذهاب عصمته و حبوط عمله بالارتداد».

و قال النّسفيّ: «الخسران في الدّنيا بالقتل فيها،و في الآخرة بالخلود في النّار».

و قال أبو حيّان:«خسران الدّنيا:إصابته فيها بما يسوؤه من ذهاب ماله و فقد أحبّائه،فلم يسلم للقضاء.

و خسران الآخرة حيث حرم ثواب من صبر،فارتدّ عن الإسلام».

و قال الشّربينيّ: «خَسِرَ الدُّنْيا بفوات ما أمله منها،و يكون ذلك سبب التّقتير عليه».و استدلّ له بآية و رواية،و هي«أنّ الرّجل ليحرم الرّزق بالذّنب يصيبه، و وَ الْآخِرَةَ بالكفر».

و قال ابن عاشور:«فخسارة الدّنيا بسبب ما أصابه فيها من الفتنة،و خسارة الآخرة بسبب عدم الانتفاع

ص: 832

بثوابها المرجوّ لها».

و قال الخطيب:«فهو قد خسر الدّنيا،لأنّ ما ابتلاه اللّه لا يدفعه عنه هذا الكفر باللّه،الّذي لقي به ابتلاء اللّه له، و هو قد خسر الآخرة،لأنّه سيلقى اللّه على كفره هذا- إلى أن قال في الخسران المبين-:إذ كانت خسارة الدّنيا فيه محقّقة،لأنّها وقعت فعلا،و لو كان مؤمنا باللّه لوجد في التّسليم له و الرّضا بقضائه عزاء يخفّف عن مصابه، و يهوّن من مصيبته،و خسارة الآخرة ستحقّق أيضا...».

و قال الطّباطبائيّ: «خسر الدّنيا بوقوعه في المحنة المهلكة،و خسر الآخرة بانقلابه عن الدّين على وجهه...».

و قال مكارم الشّيرازيّ: «...ينظرون إلى الدّين وفق مصالحهم الخاصّة،و هذه الفئة الكثيرة في زماننا موجودة في كلّ مجتمع،و إيمانها مزيج بالشّرك و عبادة الأصنام،إلاّ أنّ أصنامهم أزواجهم و أبناؤهم و أموالهم و مواشيهم،و مثل هذا الإيمان أضعف من بيت العنكبوت».

4-خصّ بعضهم هذه الآية بالمنافقين،و أنكره المكارم احتجاجا بأنّ المنافق من لا يملك شيئا من الإيمان، و هذه دلّت على أنّ عنده شيء من الإيمان إلاّ أن يراد بالمنافق أعمّ ممّن لا إيمان له أصلا و من يملك قليلا من الإيمان.

و نقول:و يؤيّد عدم كونه منافقا ما احتمل من كون السّورة مكّيّة،فإنّ النّفاق كان خاصّا بالمدينة-كما مرّ مرارا،لاحظ ن ف ق:«النّفاق»-و الحقّ أنّ الآية نزلت في المشركين،كما جاء في ذيلها: يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ، فهؤلاء كانوا طائفة من المشركين ربّما عبدوا اللّه وحده تجربة،لا عقيدة بالتّوحيد،و لا إظهارا له نفاقا،و هذا كالصّريح فيها.

ك:خسران من يأمن مكر اللّه،آية واحدة

(14): أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ و قبلها: أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ* أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَ هُمْ يَلْعَبُونَ و فيها بحوث:

1-المكر الاحتيال بإظهار خلاف الإضمار،و عبّر عن العذاب من حيث لا ينتظرونه:بياتا و هم نائمون، و ضحى و هم يلعبون-بالمكر،لأنّ عذابه يأتيهم-من حيث لا يشعرون،لاحظ م ك ر:«مكر اللّه».

2-طرح الطّبرسيّ هنا ج 2:453،سؤالا:الأنبياء و المعصومون أمنوا مكر اللّه،و ليسوا بخاسرين؟

و أجاب:بأنّ المراد بهم المذنبون،فإنّهم في غفلة يأمنون عذاب اللّه،أو لا يأمن عذاب اللّه للعصاة إلاّ الخاسرون.و المعصومون لا يأمنونه للعصاة،أو لا يأمن عقاب اللّه جهلا بحكمته إلاّ الخاسرون.و قال:«معنى الآية الإبانة عمّا يجب أن يكون عليه المكلّف من الخوف لعقاب اللّه،ليسارع إلى طاعته،و اجتناب معاصيه، لا يستشعر الأمن من ذلك،فيكون قد خسر في دنياه و آخرته بالتّهالك في القبائح».

3-و إذا كان معنى الخسران ذهاب رأس المال، فرأس مال الإنسان هو الحكمة و العقل،و حالة الحذر عن الضّرر دائما،فمن أمن مكر اللّه،فذهب رأس ماله جميعا،و خسر خسرانا كبيرا.

ص: 833

ل-خسران من يضلّه اللّه،

آية واحدة(15):

مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَ مَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ، و فيها بحوث:

1-في مثل هذه الآية ممّا نسب الإضلال و الهداية إلى اللّه تعالى كلام طويل،لاحظ«ض ل ل»،و«ه د ي».

2-خسرانهم كما قال الطّوسيّ:«لأنّهم خسروا الجنّة و نعيمها،و خسروا أنفسهم و الانتفاع بها».

و رأس مال الرّجل:عقله الّذي لو لم يهتد به شمله إضلال اللّه،إذ هو-على تعبير المراغيّ-«قد خسر تلك المواهب الّتي للسّعادتين الدّنيويّة و الأخرويّة».

3-قال الزّمخشريّ في الإفراد فَهُوَ الْمُهْتَدِي:

«حمل على اللّفظ»،و في الجمع(اولئك:)«حمل على المعنى»،و لتبيّن أن ليس المراد ب(من)الأولى مفردا أيضا؛ و ذلك إشارة إلى قلّة المهتدين و كثرة الضّالّين،إضافة إلى رعاية رويّ الآيات قبلها و بعدها.

و قال البيضاويّ،في الإفراد و الجمع:«تنبيه على أنّ المهتدين كواحد،لاتّحاد طريقهم،بخلاف الضّالّين».

و قال ابن عاشور:«زيد في جانب(الخاسرين) الفصل باسم الإشارة(اولئك)،لزيادة الاهتمام بتمييزهم بعنوان الخسران،تحذيرا منه،فالقصر هُمُ الْخاسِرُونَ فيه مؤكّد»،و لهذا قال أبو السّعود:«أي الكاملون في الخسران لا غير».

5-ذكر في الأوّل أنّه المهتدي من دون ذكر جزائه لوضوحه،و على قول ابن عاشور:«قد علم من مقابلة الهداية بالإضلال،و مقابلة المهتدي بالخاسر أنّ المهتدي فائز رابح،فحذف ذكر ربحه إيجازا».

و عندنا أنّه للاتّكال على الوضوح أيضا،و أنّه ليس قابلا لأن يحدّ بحدّ،فمن هداه اللّه فهو المهتدي و كفى،كما أنّ من أضلّه فهو الخاسر و كفى.

و قال أيضا:«الخسران استعير لتحصيل ضدّ المقصود من العمل،كما يستعار الرّبح لحصول الخير من العمل»،و أشار إلى قوله: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:

16.

م-خسران المفسدين في الأرض،النّاقضين

لعهد اللّه،و القاطعين لما يجب أن يوصل،

آية واحدة (11): اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ، و فيها بحوث:

1-أوّل ما يجلب النّظر فيها هو الجمع بين أمور ثلاثة:

نقض العهد،قطع الوصل و الإفساد في الأرض،ثمّ حصر الخسران فيهم أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ فما هو وجه الجمع بينها؟

فنقول:قد جمع اللّه بينها ثلاث مرّات:مرّتين في سورة الرّعد المكّيّة:

إحداهما:إثباتا و مدحا لأولي الألباب في ثلاث آيات(22-20): أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ* اَلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ لا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ* وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ، إلى آخر 25: فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ.

ثانيتهما:نفيا و ذمّا-لغير من مدحهم بها في تلك الآيات-في آية(26): وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ

ص: 834

بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ.

فقد ذكر اللّه الموصوفين بالصّفات الثّلاث و بضدّها في سبع آيات(26-20)من سورة الرّعد مدحا لأولي الألباب و ذمّا لغيرهم.

و مرّة في البقرة المدنيّة توصيفا للفاسقين:26 و 27:

...يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ* اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

و قد وصف اللّه في سورة الرّعد أوّلا«أولي الألباب» بأمور ثلاثة:الوفاء بعهد اللّه،و عدم نقض الميثاق، و وصل ما أمر اللّه به أن يوصل،و لم يذكر الإفساد في الأرض لأنّه وصف لغير أولي الألباب بل عقّبها بأوصاف حسنة أخرى في 24-21: ...وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ* وَ الَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ -...- فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ.

ثمّ عقّبها بذمّ من لا يتّصف بهذه الصّفات،في(26):

وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ... كما ذمّ بها الفاسقين في آية البقرة مع تفاوت بينها،فجاء في آية الرّعد الأولى: اَلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ لا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ، بالفصل بين الوفاء و النّقض في جملتين تبيينا و توضيحا،لأنّ الجملة الثّانية وَ لا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ -كما قال المفسّرون- بيان للأولى اَلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ.

و جاء في الثّانية منها،و في البقرة أيضا: اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ نقض العهد بعد ميثاقه في جملة واحدة من دون ذكر الوفاء بالعهد فيهما،لأنّه خاصّ بأولي الألباب،و لكنّه أضاف فيهما بدل الوفاء بالعهد،الإفساد في الأرض: وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ.

2-و أمّا وجه الجمع بينها إثباتا و نفيا فلم يتعرّض له المفسّرون صراحة في النّصوص الّتي وقفنا عليها،و إن أشاروا إليه خلال تفسير الآيات،فنقول:

إنّ الوفاء بالعهد و عدم نقضه بعد ميثاقه،و وصل ما أمر اللّه به أن يوصل جاءت جميعا وصفا لأولي الألباب،و ضدّها وصفا لغيرهم في آيات الرّعد،و وصفا للفاسقين في آية البقرة.و الفاسق:من فسق عن طريق الحقّ و الفطرة،فليس هو من جملة أولي الألباب الّذين حفظوا فطرتهم،و استمرّوا عليها.

و يبدو أنّ الوفاء بالعهد و الالتزام بما أمر اللّه به في كتابه أن يوصل بمعناهما المطلق-و إن ذكروا في مصاديقها وجوها-هما من صفات أولي الألباب،و أنّهم بمقتضى عقلهم و فطرتهم يوفون بعهد اللّه،و لا ينقضون ميثاقه،و لا يخالفون ما أمر اللّه به أن يوصل،و لا يخرجون عن طاعته،فلا يفسقون،فلا يفسدون.و أنّهم في قبال من خالف ذلك كلّه،فإنّه فاسق خارج عن فطرته و دينه،و عمّا أمر اللّه به،فلا يصلح شيئا،بل يفسد في الأرض دوما.

و في ذلك يقول صاحب المعارج 1:244:«و أيّ إفساد أكبر من إفساد من أهمل هداية العقل،و هداية الدّين،و قطع الصّلة بين المقدّمات و النّتائج.و بين

ص: 835

المطالب و الأدلّة و البراهين.من كان هذا شأنه فهو فاسد في نفسه،و وجوده في الأرض مفسد لأهلها،لأنّ شرّه يتعدّى كالأجرب يعدي السّليم،و لذلك ورد في السّنّة النّهي عن قرناء السّوء.و المشاهدة و التّجربة مؤيّدة للسّنّة و مصدّقة لها،خصوصا إذا قعدوا في سبيل اللّه يصدّون عنها،و يبغونها عوجا،فإنّ إفسادهم يكون أشدّ انتشارا،و أشمل خسارا.

و لمّا كان إفساد هؤلاء عامّا للعقائد و الأخلاق و الأعمال،لأنّ علّته فقد الهدايتين:هداية الفطرة و هداية الدّين،سجّل عليهم الخسران،و حصره فيهم بقوله: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ». إلى آخره،و قد لخّص كلامه المراغيّ فلاحظ.

و قال صاحب الميزان ج 11:347،في سورة الرّعد:

اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ: «بيان حال غير المؤمنين بطريق المقابلة،و قد قوبل بقوله: وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بقيّة ما ذكر في الآيات السّابقة بعد الوفاء بعهد اللّه،و الصّلة من الأعمال الصّالحة.

و فيه إيماء إلى أنّ الأعمال الصّالحة هي الّتي تضمن صلاح الأرض و عمارة الدّار،على نحو يؤدّي إلى سعادة النّوع الإنسانيّ،و رشد المجتمع البشريّ،و قد تقدّم في دليل النّبوّة العامّة».

و قال الفخر الرّازيّ ج 2:148:«و الأظهر أن يراد به:الفساد الّذي يتعدّى دون ما يقف عليهم،و الأظهر أنّ المراد منه الصّدّ عن طاعة الرّسول عليه الصّلاة و السّلام، لأنّ تمام الصّلاح في الأرض بالطّاعة،لأنّ بالتزام الشّرائع يلتزم الإنسان كلّ ما لزمه،و يترك التّعدّي إلى الغير،و منه زوال النّظام،و في زواله زوال العدل الّذي قامت به السّماوات و الأرض-إلى أن قال:-إنّ من فعل هذه الأفاعيل خاسر،فقال: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ...».

3-اختلفوا في أنّ هذه الآيات نزلت في اليهود أو في المنافقين أو في المشركين.

و نقول:آيات الرّعد مكّيّة نزلت في من لا تعهّد له بدين أو فطرة و عقل من المشركين،و لم يك في مكّة كتابيّ و لا منافق،و إن عمّهم فيما بعد.و آية سورة البقرة أيضا كذلك موجّه إلى الّذين كفروا عامّة،بشهادة ما قبلها(27): وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللّهُ بِهذا مَثَلاً، و ما بعدها(29): كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ، و من ذلك تعرف أنّه لا وجه لقول ابن عاشور حيث حملها على اليهود،لكثرة إطلاق وصف«الفاسقين»على اليهود،و أنّهم طعنوا أيضا- كالمشركين-في أمثال القرآن،و أنّ وصف المشركين بهذه الصّفات في آية الرّعد المكّيّة لا يوجب حمل آية البقرة على المشركين.و قال أخيرا:«إذ ليس يلزم المفسّر حمله آي القرآن على معنى واحد،كما يوهمه صنيع كثير من المفسّرين،حتّى كان آي القرآن عندهم قوالب تفرغ فيها معان متّحدة».

و قد علمت أنّه لم يتقدّمها ذكر من اليهود في السّورة، و إنّما بدأ الحديث عن بني إسرائيل في سورة البقرة في الآية رقم الأربعين منها،و استدام إلى حوالي مائة آية.

فالحقّ أنّ هذه الآيات موجّهة إلى الّذين كفروا باللّه،ثمّ تجري في أهل الكتاب و المنافقين،و كلّ منكر للحقّ.

ص: 836

4-قال ابن عاشور في أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ:

«قصر قلب،لأنّهم ظنّوا أنفسهم رابحين،و هو استعارة مكنيّة تمثيليّة تقدّمت في قوله تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:16،و ذلك الخسران تخييل مراد منه الاستعارة في ذاته على نحو ما قرّر في: يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ». لاحظ«المدخل»فصل الاصطلاحات البلاغيّة.

5-اختلفوا في المراد ب(الخاسرين)فعلى قول ابن عبّاس هم المغبونون بذهاب الدّنيا و الآخرة و«الخاسر» إذا نسب إلى غير المسلمين أريد به الكفر،و إذا نسب إلى أهل الإسلام،أريد به الذّنب.و كذلك عمّه كثير منهم للدّنيا و الآخرة،و خصّه بعضهم بالدّنيا-و هو مرويّ عن ابن عبّاس أيضا-كما خصّه آخرون بالآخرة.

و فيه خلاف آخر:هل هو بمعنى الهالكين،أو النّاقصين في حظوظهم؟

قال البيضاويّ-و نحوه أبو السّعود-:«الّذين خسروا بإهمال العقل عن النّظر،و اقتناص ما يفيدهم الحياة الأبديّة،و استبدال الإنكار و الطّعن في الآيات بالإيمان بها،و النّظر في حقائقها و الاقتباس من أنوارها، و اشتراء النّقض بالوفاء،و الفساد بالصّلاح،و العقاب بالثّواب».

و الأولى حمله على الأعمّ الأشمل.لاحظ«ن ق ض»،«و ف ي»،«و ص ل»،«ق ط ع»،«ف س د».

ن-خسران من نهي عن ذكر اللّه،آية واحدة:

(24): يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ المنافقون:9.

و هذه جاءت بعد الآيات النّازلة في المنافقين من أوّل السورة إلى الآية رقم 8،و آخرها: وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ، و فيها بحوث:

1-اختلفوا في نزولها-كما قبلها من الآيات-في المنافقين،أو في المؤمنين،ليعتبروا بما نزل في المنافقين الّذين ألهاهم أموالهم و أولادهم عن الإيمان،و جرّتهم إلى النّفاق.و قال بعضهم:إنّها نزلت في المنافقين الّذين رجعوا عن نفاقهم إلى الإيمان.و لكن ظاهرها هو الوجه الثّاني،لأنّها إلى آخر السّورة خطاب للمؤمنين الصّادقين.

2-و اختلفوا أيضا في المراد ب ذِكْرِ اللّهِ: أ هو الصّلوات الخمس،أو فرائض اللّه،أو مطلق الذّكر؟ لاحظ:ذ ك ر:«ذكر»و ل ه ي:«تلهكم».

3-و اختلفوا أيضا في اَلْخاسِرُونَ أهم الّذين خسروا في تجارتهم في الدّين،حيث باعوا الشّريف الباقي بالخسيس الفاني،أو خسروا التّوحيد و البعث بإنكار النّبوّة،أو الجهاد،أو القرآن،أو النّظر و التّفكّر فيه، و هي خسارة الدّنيا،أو الآخرة،أو الدّنيا و الآخرة.و هو الأولى،لاحظ الفخر الرّازيّ ج 7:18،كما سبق في سائر الآيات.

س-خسران المبطلين آيتان:

(6) فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ.

و(7): ...وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ. و قد استوفينا الكلام فيهما في بحث الاستعمال القرآنيّ من«ب ط ل»فلاحظ.و قد جاءتا

ص: 837

بشأن المبطلين يوم القيامة،فالمراد بهما الخسران في الآخرة جزاء لما كانوا عليه في الدّنيا من اتّخاذ الباطل، و إنكار الحقّ.

ع-خسران من عتا عن أمر ربّه،آية واحدة:

(10): وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَ عَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً* فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً* أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ... و فيها بحوث:

1-المراد ب«عتوّ القرية»:عتوّ أهلها،و هذا مجاز شائع في القرآن،فقد رجع الضّمير إليهم في ذيلها: أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً، و لمّا عتوا جميعا،فكأنّ القرية عتت بنفسها.

2-العتوّ هنا-كما قال الطّبرسيّ ج 5:309-هو التّجاوز عن الحدّ في العصيان،و قد فرّع اللّه على عتوّهم -مجازاة لهم-خمسا من العقاب،ثمّ أراهم طريق النّجاة منها،و هو التّقوى:

1-فحاسبناها حسابا شديدا

2-و عذّبناها عذابا نكرا

3-فذاقت و بال أمرها

4-و كان عاقبة أمرها خسرا

5-أعدّ اللّه لهم عذابا شديدا

فاتّقوا اللّه يا أولي الألباب

فاستنتج منها الأمر بالتّقوى،اعتمادا على كونهم من أولي الألباب.

ففي هذه الآية أيضا-كآيات الرّعد السّابقة-توجد علاقة بين التّوصيف بأولي الألباب،و بين التّحصّن من الخسران.لاحظ:ل ب ب:«أولي الألباب».

3-و قد اختلفوا في العقوبات الخمس أنّها جميعا في الدّنيا أو في الآخرة،أو فيهما،أو بعضها-و هي الأربع الأولى-في الدّنيا،و الأخيرة وحدها،و هي: أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً، أو هي و ما قبلها وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً في الآخرة-و هو الأقرب معنى-و عليه فالخسران أخرويّ،و هو الحرمان عمّا ينتظرونهم من الجنّة.و لكن تعميمها جميعا للدّنيا و الآخرة هو الأقرب لفظا للتّعبير عنها بصيغة الماضي،و لا وجه لاختصاص الماضي:(كان)بالدّنيا-كما قال ابن عاشور-تغليبا لعاقبتهم في الدّنيا،كيف؟و قد جعل جملة أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً بدل اشتمال من جملة وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً، أو بدل بعض من كلّ،قال:«و المراد بها:عذاب الآخرة،لأنّ الإعداد:التّهيئة،و إنّما يهيّأ الشّيء الّذي لم يحصل».و لا وجه لما ذكره،فإنّ الظّاهر-كما سبق- استقلال الأمور الخمسة بحيالها.

فخسرانهم في الدّنيا-كما قالوا-الجوع،و القحط، و الخسف،و المسخ،و الغرق،و سائر المصائب الحاقّة بالأمم السّابقة.

و زاد بعضهم:«السّيف و ضرب الجزية،و هو في غير محلّه،لأنّ الآية نزلت بشأن تلك الأمم دون أمّة الإسلام الّتي شرّع لها الجهاد و القتال مع المشركين، و أخذ الجزية من أهل الكتاب.

4-و أمّا التّفسير الباطنيّ في الآية،فقال القشيريّ:

«من زرع الشّوك لم يجن الورد،و من أضاع حقّ اللّه

ص: 838

لا يطاع في حقّ نفسه،و من اجترأ بمخالفة أمر اللّه فليصبر على مقاساة عقوبة اللّه».

و قال البروسويّ: «و في الآية إشارة إلى أهل قرية الوجود الإنسانيّ،و هو النّفس و الهوى و سائر القوى، فإنّها أعرضت عن حكم الرّوح،فلم تدخل في حكم الشّريعة،و كذا عن متابعة أمر القلب و السّرّ و الخفيّ، فعذّبت بعذاب الحجاب،و استهلكت في بحر الدّنيا و شهواتها و لذّاتها،و كان عاقبة أمرها خسران الضّلالة، و نيران الجهالة».

ف-خسران الظّالمين،3 آيات:

(32): قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ.

(34): وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَ لا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَ كانُوا ظالِمِينَ* وَ لَمّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَ رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَ يَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ.

(51): وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً.

و سياقها متفاوت من ثلاث جهات:

الجهة الأولى:أنّ الظّلم في الأوليين ظلم بالنّفس بسياق واحد،فجاء في الأولى-حكاية عن آدم و زوجه لمّا أكلا الشّجرة فاعترفا بذنبهما،و استغفرا اللّه ترحّما بهما، و الاّ يكونان قطعا من الخاسرين-: قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ، و قد أنذرههما اللّه قبلها بذلك: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ.

و جاء في الثّانية-حكاية عن قوم موسى لمّا عبدوا العجل ظالمين به على أنفسهم و اعترفوا بأنّهم قد ضلّوا:

فاستغفروا ربّهم رحمة عليهم و إلاّ ليكونوا من الخاسرين تأكيدا-: قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَ يَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ.

و أمّا الظّلم في الأخيرة،فهو ظلم بالحقّ و بآيات اللّه، أو بها و بأنفسهم معا،حكاية عن اللّه تعالى بشأن القرآن العظيم.و أنّه شفاء و رحمة للمؤمنين،و أنّه يزيد خسارة للظّالمين الّذين لا يؤمنون وَ لا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً.

و الجهة الثّانية:أنّ الظّالم في الأوليين-إذا لم يغفره اللّه و لم يرحمه-فإنّه سيصبح من جملة الخاسرين لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ -كما جاء في جملة من الآيات-و أن يكونوا هم الخاسرين-كما جاء في آيات أخرى- و سنحدّثك عن الفرق بينهما.

أمّا في الأخيرة،فليس فيها إلاّ أنّ القرآن يزيد الظّالمين خسارا،دون أن يقول:(فيكونوا من الخاسرين)،أو(إنّهم هم الخاسرون).و شتّان الفرق بينها تشديدا،و تبيينا،و تعميما،و تخصيصا.

و الجهة الثّالثة أنّ الخسران في الأوليين هو الظّاهر- و لم يكن صريحا-في خسران الآخرة،فهو المناسب للغفران و الرّحمة.إلاّ أن يرجّح الخسران في الدّنيا بما جاء بعدهما:

فقد جاء بعد الأولى: قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ...، و كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، ممّا يشعر

ص: 839

أنّ عذابهما هو إخراجهما من الجنّة.

و جاء بعد الثّانية في الآية رقم 152 من سورة الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ.

و لكنّ ذلك لا ينفي خسران الآخرة فيهما،بل يلازمهما،فتعميم الخسران فيهما للدّنيا و الآخرة أولى من التّخصيص بإحداهما.

أمّا الخسران في الثّالثة-و هو مجازاة لمن يظلم بالقرآن و بالحقّ و بنفسه أيضا-فهو متيقّن و مؤكّد في الدّارين جميعا.مع تزايد،كما قال: وَ لا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً.

ص-خسران الإنسان إلاّ المؤمنين

الموصوفين بصفات،آية واحدة:

(9): وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ، و فيها بحوث:

1-فسّروا«الخسران»هنا ب غبن،عقوبة،نقصان، هلاك،ضلال،شرّ،سوء حال،و نحوها،و هي إمّا تفسير باللاّزم أو بالمرادف.

و أصل الخسران-كما سبق-هو ذهاب رأس المال، فما هو رأس مال الإنسان الّذي يخسره؟

قال الطّوسيّ: «و الخسر:هلاك رأس المال للإنسان، و بارتكاب المعاصي في هلاك نفسه خسران،و هو أكبر من رأس ماله».

و قال الواحديّ: «و قال أهل المعاني:الخسر:هلاك رأس المال،و الإنسان في هلاك نفسه و عمره،و هما أكثر رأس ماله».

و قال الزّمخشريّ: «إنّ النّاس في خسران من تجاراتهم إلاّ الصّالحين وحدهم،لأنّهم اشتروا الآخرة بالدّنيا فربحوا و سعدوا،و من عداهم اتّجروا خلاف تجاراتهم،فوقعوا في الخسارة و الشّقاوة».

قال الطّبرسيّ: «إنّه لفي نقصان،لأنّه ينقص عمره كلّ يوم-و هو رأس ماله-فإذا ذهب رأس ماله،و لم يكتسب به الطّاعة،يكون على نقصان طول دهره و خسران،إذ لا خسران أعظم من استحقاق العقاب الدّائم».

و قال الفخر الرّازيّ: «...فيه تفسيران:و ذلك لأنّا إذا حملنا(الانسان)على الجنس كان معنى الخسران هلاك نفسه و عمره-إلى أن قال-:و إن حملنا لفظ (الانسان):على الكافر،كان المراد كونه في الضّلالة و الكفر إلاّ من آمن...».

و قال البيضاويّ-و نحوه الشّربينيّ-:«إنّ النّاس في خسران في مساعيهم،و صرف أعمارهم في مطالبهم».

و قال أبو حيّان:«و أيّ خسران أعظم ممّن خسر الدّنيا و الآخرة؟».

و قال المراغيّ: «إنّ هذا الجنس من المخلوقات الخاسر في أعماله ضربا من الخسران إلاّ من استثناهم اللّه...».

و قال ابن عاشور:«و الخسر مصدر،و هو ضدّ الرّبح في التّجارة،استعير هنا لسوء العاقبة لمن يظنّ لنفسه عاقبة حسنة،و تلك هي العاقبة الدّائمة،و هي عاقبة الإنسان في آخرته من نعيم أو عذاب-إلى أن

ص: 840

قال:-و هذا الخبر مراد به الحصول في المستقبل بقرينة مقام الإنذار و الوعيد،أي لفي خسر في الحياة الأبديّة الآخرة،فلا التفات إلى أحوال النّاس في الحياة الدّنيا».

و قال الخطيب:«الإنسان في خسر،أي في ضلال، لأنّه لم يعرف قدره،و لم يرتفع بإنسانيّته إلى المقام الّذي أهّله اللّه سبحانه و تعالى له،فلقد خلق اللّه سبحانه الإنسان في أحسن تقويم،و لكن الإنسان لم يلتفت إلى هذا الخلق،و لم يقدّره قدره،و لم يأخذ الطّريق الّذي يدعو إليه العقل،بل انقاد لشهواته،و استخفّ بإنسانيّته، و تحوّل إلى عالم البهيمة،يأكل و يتمتّع،كما تأكل الأنعام.

ذلك شأن الإنسان في معظم أفراده و أحواله،قليل هم أولئك الّذين عرفوا قدر إنسانيّتهم،و ما أودع اللّه فيهم من قوى قادرة على أن ترتفع بهم إلى الملإ الأعلى، لو أحسنوا استعمالها،و هؤلاء هم الّذين استثناهم اللّه بقوله: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا...».

و قال مغنيّة:«و هذا الإنسان خائب خاسر بحكم القرآن،و إن كان ثريّا يملك الملايين،و عالما يكشف أسرار الطّبيعة،و يسخّرها لمصلحته،و قويّا يخضع النّاس لسيطرته،و بليغا يحسن صناعة الكلام و الوعظ...

إنّه خائب خاسر،إلاّ إذا آمن باللّه و حلاله و حرامه، و ناره و جنّته،و انعكس هذا الإيمان على أقواله و أعماله...».

و قال مكارم الشّيرازيّ: «الإنسان يخسر ثروته الوجوديّة شاء أم أبى.تمرّ السّاعات و الأيّام و الأشهر و الأعوام من عمر الإنسان بسرعة،تضعف قواه المادّيّة و المعنويّة،و تتناقص قدرته باستمرار.

نعم،الإنسان مثل شخص عنده ثروة عظيمة،و هذه الثّروة يؤخذ منها كلّ يوم شيء باستمرار رغم إرادته.

هذه طبيعة الحياة الدّنيويّة،طبيعة الخسران المستمرّ-إلى أن قال-الدّنيا في المنظور الإسلاميّ سوق تجارة،كما يقول الإمام عليّ بن محمّد الهادي عليهما السّلام:الدّنيا سوق ربح فيها قوم و خسر آخرون».

و قال فضل اللّه:«لأنّ الأساس في مسألة الرّبح و الخسارة أنّهما معادلتان خاضعتان لأسباب معيّنة،فمن لم يأخذ بأسباب الرّبح الّتي ترتفع به إلى المستوى الأعلى، أو المستوى الجيّد في كلّ حسابات الحياة المنفتحة على القيمة الكبيرة في الجانب المعنويّ في مصير الإنسان، فلا بدّ له من أن يقع في قبضة الخسران الّذي يمثّل السّقوط إلى هاوية الانحطاط،إلى الدّرك الأسفل.هكذا يعيش الإنسان الخسارة إذا لم يلتزم بالعناصر الحيّة الّتي جعلها اللّه أساس الفلاح في الدّنيا و الآخرة.»

2-هذه معظم أقاويلهم في رأس مال الإنسان الّذي يخسره.و تنقسم إلى قسمين:رأس ماله في الدّنيا و رأس ماله في الآخرة:

أمّا في الدّنيا:فهو عمره و حياته،أو إنسانيّته،أو نفسه،أو أعماله،و نحوها ممّا جاء في كلماتهم،أنّ الإنسان في خسران منه في الدّنيا الّتي يعيش فيها،و هذا متناسق مع القسم ب اَلْعَصْرِ، أي الزّمان الّذي لكلّ إنسان قسط منه،و هو عمره.لاحظ ع ص ر:«العصر».

و هذا موافق لسياق السّورة أيضا،لأنّ المستثنى إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا... راجع إلى الدّنيا.نعم يظهر أثر خسرانه في دنياه بعد موته في الآخرة،أو في الدّنيا

ص: 841

و الآخرة-كما قال بعضهم-و هو أولى بداهة أنّ الإيمان و الصّلاح و التّواصي بالصّبر و بالحقّ لها دخل كبير في حياته الدّنياويّة.

و أمّا في الآخرة فقد خصّ به ابن عاشور حيث جعل الخسران هنا استعارة عن سوء العاقبة،و أنّ هذا الخبر يراد به الحصول في المستقبل،أي لفي خسر في الحياة الأبديّة الآخرة،بقرينة أنّ الآية في مقام الإنذار و الوعيد.

و كأنّه لاحظ أنّ أثر الخسران يظهر في الآخرة فخصّ الخسران بها.و الأمر سهل في اختلاف التّعبير عن حقيقة واحدة متّفق عليها.

3-قد سبق منّا في-أ ن س:«إنسان»-:أنّه وصف في القرآن بمزايا حسنة من قبيل: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ التّين:4،و بمساوئ ضدّها من قبيل:

خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ الأنبياء:37،و أنّ فطرته الّتي خلقه اللّه عليها في جميع أفراده هي الحسنى،و أنّ المساوئ طارئة على فطرته بسوء اختياره هو،أو بما يرثه من آبائه و أجداده،و من البيئة الّتي يعيش فيها،و الجوّ الّذي يحيط به.

و هذا ما اختاره مغنيّة ذيل كلامه السّابق؛حيث قال:«أ ليس هذا يدلّ بظاهره على أنّ الإنسان خاسر بطبعه،و أنّ جميع أفراده في الخسران سواء؟و إن كان الأمر كذلك،فلا يصحّ تقسيم الإنسان إلى صالح و طالح، و خاسر و رابح،لأنّ ما بالذّات لا يتغيّر،و بالتّالي فما هو المبرّر لقوله: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا...؟

و الجواب:أنّ اللّه لم يحكم على الإنسان بالخسر من حيث هو و باعتبار جميع أفراده كلاّ،و إنّما حكم عليه باعتبار الأعمّ الأغلب من أفراده،و مثله كثير في القرآن، كقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ إبراهيم:34».

و نقول:إنّه لممّا يؤسف على«الإنسان»أنّ الصّالحين من أفراده قليل قليل،بحيث صحّ أن يحكم على جنسه بالخسران،إلاّ ما استثني،و هذا ما كان عليه الإنسان قديما و حديثا،و قد جرى في الأمم الغابرة و الأمم الحاضرة،و سيجري في الأمم المستقبلة إلى يوم القيامة.

هذا رغم أنّه إنسان بطبعه،فهذا ظلم و كفران و جهل منه بنفسه،كما قال: إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ إبراهيم:34،و قال: وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً الأحزاب:72.

4-قد حمل الفخر الرّازيّ التّنكير في(خسر)على التّهويل أو التّحقير:

و على الأوّل:معناه أنّ الإنسان لفي خسر عظيم لا يعلم كنهه إلاّ اللّه،لأنّ الذّنب يعظم بعظم من في قصّة الذّنب،أو في مقابلة النّعم العظيمة،و كلا الوجهين حاصلان في ذنب العبد لربّه.

و على الثّاني:كان معناه أنّ خسران الإنسان-و إن كان عظيما-فهو دون خسران الشّيطان.

و حمل الطّباطبائيّ التّنكير على التّعظيم أو التّنويع، أي في نوع من الخسر غير الخسارات الماليّة و الجاهيّة، كما قال: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ الزّمر:15،فهذه ثلاثة وجوه للتّنكير،و أسدّها:التّعظيم و التّهويل،و أضعفها:

التّحقير،و أوسطها:التّنويع.

و قد طرح الفخر الرّازيّ هنا سؤالا:و هو أنّ لَفِي

ص: 842

خُسْرٍ يفيد التّوحيد،مع أنّه في أنواع من الخسر؟ أجاب بأنّ الخسر الحقيقيّ هو حرمانه عن خدمة ربّه، و البواقي كالحرمان من الجنّة،و الوقوع في النّار بالنّسبة إلى الأوّل كالعدم!!

و الحقّ أنّ التّنكير إذا حمل على التّعظيم و التّهويل فيشمل خسرات الدّنيا و الآخرة جميعا.

5-نبّه الفخر الرّازيّ-في كلام طويل-على وجوه من المبالغة في الآية على خسران الإنسان:(انّ)في الأوّل،و(اللاّم)في الخبر،و لَفِي خُسْرٍ، أي أنّه كالمغمور في الخسران،و أنّه أحاط به من كلّ جانب، و أنّه في طريق الخسر كما قال: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً النّساء:10،لأنّ عاقبته النّار،أو لا ينفكّ عن خسر،لأنّه دائما في خسران من عمره.

6-هذه كلّها في المستثنى منه إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، و أمّا الكلام في المستثنى،فلكلّ من جمله الأربع أبحاث مفصّلة في موادّها،و نكتفي هنا بما يرتبط منها بالمستثنى منه،و هي أمور:

منها:في هذا الاستثناء تسلية للمؤمن من فوت عمره و شبابه،لأنّ الإيمان و العمل قد أوصلاه إلى ما هو خير من عمره.و هو تنبيه على أنّ كلّ ما دعاك إلى اللّه فهو الصّلاح،و كلّ ما شغلك عن اللّه بغيره فهو الفساد.

و أنّ الأعمال في أنفسها مشتملة على وجوه الصّلاح و حسنها،فورد الأمر بها،لا أنّ الأمر بها أوجب صلاحها و حسنها،كما قالت الأشاعرة.

و منها:أنّه في جانب الخسر أبهم و لم يفصّل،و في جانب الرّبح فصّل،و هذا هو اللاّئق بالتّفضّل و الكرم.

و لهذا اكتفى في الأوّل بذكر الحكم دون سببه،لأنّه من قبيل القضايا الّتي قياساتها معها،و في الثّاني ذكر السّبب لخفائه.على أنّ الخسر يحصل بالتّرك فتركه،و الرّبح لا يحصل إلاّ بالفعل فذكره.

و منها:أنّه لمّا عرّف المستثنى بالإيمان و العمل الصّالح الّذين نجوا بهما عن الخسر في أنفسهم،فإنّهم من شدّة حبّهم لطاعة اللّه و النّجاة من الخسران،لا يقتصرون على ما يخصّهم،بل يوصون غيرهم بمثل طريقتهم-الّتي نجوا بها عن الخسر،و نالوا بها الرّبح الدّائمين-تفضّلا عليهم،كما تفضّل اللّه بهما على أنفسهم.

و منها:أنّ هذا الاستثناء دليل على أنّ النّجاة من الخسر معلّقة بمجموع هذه الأمور الأربعة كاملة،لأنّها أربع صلاة لموصول واحد،خلافا لما تعدّدت فيه الموصولات،فكلّ منها واحد برأسه منفصل عن غيره، مثل: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* اَلَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ * اَلَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ* وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ الماعون:4- 7،و لكلّ من الصّنفين نظائر في القرآن،لاحظ:«معجم الأدوات و الضّمائر في القرآن الكريم».

و الأمور الأربعة هي:

الإيمان الخالص بكلّ ما يجب الإيمان به.

و العمل الخالص الشّامل بكلّ الصالحات،دون الاكتفاء ببعضها.

و التّواصي بالحقّ،و يدخل فيه كلّ حقّ من علم و عمل و خلق و آداب و سنن.

و التّواصي بالصّبر،و يدخل فيه حمل النّفس على مشقّة التّكليف في القيام بالطّاعة،و الاجتناب عن

ص: 843

المعصية.

و هذان يدلاّن على أنّ الدّعوة إلى الدّين-علما و عملا،و النّصيحة للأمّة و للأئمّة،و للرّاعي و الرّعيّة جميعا-واجب على المؤمن كالعمل الصّالح من نفسه.

و هذا يشمل الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر اللّذين هما من أركان الدّين الحنيف.

و التّواصي:أن يواصي بعضهم بعضا،و هو أوسع من الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،لشموله الاعتقادات، و مطلق التّرغيب،و الحثّ على العمل الصّالح.

و التّواصي بالحقّ من جملة الأعمال الصّالحة،فذكره بعدها من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ،اهتماما بأمره، كالتّواصي بالصّبر تماما،و تكراره أيضا اهتمام آخر بأمره.

و منها:أنّه أتى بالأفعال الأربعة ماضيا رمزا إلى وقوعها و تحقّقها،دون المضارع،ليكلها إلى المستقبل المبهم،و دون الأمر بها القابل للعصيان و التّخلّف.

ق-الّذين خسروا أنفسهم

8 آيات:(41- 48)و كلّها مكّيّة نزلت بشأن المشركين،بشهادة السّياق أوّلا،و أنّه لم يكن في مكّة من الكفّار سوى المشركين ثانيا،و أنّها أكبر الخسران ثالثا و ستقف عليها،و فيها بحوث:

1-جاء في(41 و 42)بسياق واحدة: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، و قبلها في (42): أَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ، و بعدها: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ، و افترائهم على اللّه:هو اتّخاذهم الأصنام شركاء له في العبادة.

نعم جاء في صدر الآية(42): اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ... فتوهّم بعضهم أنّ الآية تشمل أهل الكتاب أو خاصّة بهم،مع أنّ أمثال هذه الآيات في السّور المكّيّة دليل على أنّ أهل الكتاب-و أكثرهم اليهود-كانوا يشهدون بصدق النّبيّ عليه السّلام ما لم يهاجر، رغما للمشركين،و إنّما رجعوا عن شهادتهم له بعد الهجرة،و هذا بحث نكله إلى موضعه.

و أيضا سياق الآيات-قبل الآية(42)و بعدها- كالآية(40)في إثبات التّوحيد و نفي الشّرك،مثل: قُلْ أَ غَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ...

الأنعام:14.

و كذلك ما كانوا يفترونه في(43 و 44)بسياق واحد أيضا: ...خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ: هي الأنعام الّتي قد جعلوها شركاء للّه في العبادة.

و الآيتان(45 و 46)بسياق واحد أيضا وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، و كذلك الآيتان(47 و 48)بسياق الحصر إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ...، كلّها جاءت بشأن المشركين.

2-و هذه الآيات تشهد بأنّ الشّرك أكبر الكفر و الفسوق و العصيان،و أنّ الشّرك ظلم باللّه تعالى و ظلم بنفس المشرك إلى حدّ أنّه قد خسر نفسه،و أنّه هو الخسران المبين،كما جاء في(47 و 48).

ص: 844

3-و من أجل ذلك جاء في حقّهم أنّهم هم الأخسرون،في الآيات(54-56)و كلّها مكّيّة خاصّة بالمشركين،فلاحظ.

4-قالوا:خسارة الأنفس عبارة عن إفساد فطرتها، و عدم اهتدائها بما منحها اللّه من أنواع الهداية:هداية الفطرة و العقل و الدّين،و أنّ الفوز و الفلاح في الدّين و الدّنيا لا يتمّ إلاّ بالعلم الصّحيح و العزيمة الحافزة إلى العمل بالعلم،فمن أخسر إحدى الفضيلتين فقد خسر نفسه،فردا كان أو أمّة،فما حال من خسرهما معا؟

غبنوا أنفسهم بأن وجب عليها عذاب اللّه أو سخطه.

أهلكوها بارتكاب الكفر و العناد.

بتضييع رأس مالهم،و هو الفطرة الأصليّة و العقل السّليم،و الاستعداد القريب الحاصل من مشاهدة الرّسول و استماع الوحي،و غير ذلك من آثار الرّحمة.

أضاعوها كما يضيع التّاجر رأس ماله،فالخسران مستعار لإضاعة ما شأنه أن يكون سبب نفع،فمعنى خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ عدموا فائدة الانتفاع بما ينتفع به النّاس من أنفسهم،و هو العقل و التّفكّر،فإنّه حركة النّفس في المعقولات لمعرفة حقائق الأمور،فلمّا أعرضوا عن التّدبّر في صدق الرّسول،فقد أضاعوا عن أنفسهم أنفع سبب للفوز في العاجل و الآجل.

إنّ الإنسان يتكوّن من نفسه و جسمه و كلّ منهما جزء متمّم للآخر،و إنّه لا يحيا حياة طيّبة صحيحة إلاّ إذا عمل لهما معا،و إنّ من عمل للرّوح دون المادّة،أو للمادّة دون الرّوح،فقد خسر كيانه من الأساس،و من خسر كيانه لا يكون من الإيمان في شيء.

ما أعجب هذا التّعبير؟فقد يخسر المرء ثروته،أو مركزه،أو أيّ نوع من أنواع رأس المال،ففي هذه الأحوال يكون قد خسر شيئا لا يكون من وجوده،بل خارجا منه،و أعظم الخسارة الّتي هي في الواقع الخسارة الحقيقيّة،هي ما يخسر الإنسان أصل وجوده،إنّ أعداء الحقيقة يخسرون تماما رأس مال العمر و الفكر و العقل و الفطرة،و جميع المواهب الرّوحيّة و الجسميّة الّتي كان ينبغي لهم أن يستخدموها في طريق الحقّ،للوصول إلى مرحلة التّكامل،و عندئذ لا يبقى رأس المال،و لا صاحبه.

و هذا التّعبير في الآيات مرعبة من المصير المؤلم الّذي ينتظره منكرو الحقيقة.

أيّ خسارة أعظم من خسارة الإنسان نفسه،و ذلك بخسرانه الأساس الوحيد لخلاصه،و هو رحمة ربّه المرتبطة بخطّ الإيمان في الحياة؟و هكذا يربط القرآن بين عدم الإيمان باللّه،و بين خسارة الإنسان نفسه في الآيتين (41 و 42): ...اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ -و سنبحثها-و قد يفهم الإنسان منها أنّ القضيّة لا تعيش في النّطاق الأخرويّ فقط،بل تمتدّ إلى النّطاق الدّنيويّ،لما يفرضه ذلك من ظلمة في التّصوّر و الرّويّة و العمل،في مقابل ما يحصل عليه المؤمن من إشراق في ذلك كلّه.

بخسوا أنفسهم بذهاب الدّنيا و الآخرة.و ضيّعوا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها.

خسران أنفسهم بإهلاكها و تصييرهم لها إلى أن لا ينتفعوا بها،و من جعل نفسه بحيث لا ينتفع بها فقد خسر نفسه.

ص: 845

خسروا أنفسهم بضعف إرادتهم،لا بفقدان العلم و المعرفة،لأنّ اللّه أخبر عنهم أنّهم على علم و معرفة.

خسروا أنفسهم:حظوظها من رحمة اللّه.

خسروا أنفسهم من حيث إنّهم فعلوا ما يستحقّون به العذاب،و هلكوا بذلك في خسران أنفسهم، و خسران النّفس أعظم الخسران،لأنّه ليس عنها عوض،و عن هلاك رأس المال عوض،فسلامة النّفس أجلّ فائدة،و ما كان بعده من نفع فهو ربح.

لا خسران أعظم من خسران النّفس.

خسروا بما بذلوا،و ضاع عنهم ما حصّلوا فلم يبق معهم سوى الحسرة و النّدامة.

الإنسان لا يملك بالحقيقة-و ذلك بتمليك من اللّه-إلاّ نفسه،و إذا اشترى لنفسه ما فيه هلاكها و ضيّعها بالكفر و المعصية،فقد خسر-في هذه المعاملة الّتي أقدم عليها-نفسه،فخسران النّفس كناية عن الهلاك.

هذه أعظم خسارة يمكن أن تحجب الإنسانيّة؛إذ يخسر الإنسان وجوده الإنسانيّ.

واجهوا الهلاك الأبديّ بكفرهم،ممّا جعلهم يخسرون كلّ شيء بخسارتهم قضيّة المصير،و ذلك هو معنى خسارة النّفس،لأنّ الحياة في العذاب لا تمثّل حياة،بل موتا محتوما هو أقسى من الموت الطّبيعيّ الّذي يمنح الإنسان الرّاحة السّلبيّة،لعدم الإحساس معه بالألم و العذاب،بينما لا يذوق الإنسان المعذّب بالنّار طعم الحياة،و لا يملك راحة الميّت،كما قال: ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى الأعلى:13،و تلك هي الخسارة العظمى.

أهلكوها بالعذاب المهين الظّاهر لمن أدركه،و لا يخفى على أحد الحال فيه.هذه جملة ما قالوا في معنى: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ.

و قالوا في خسارة أنفسهم و أهليهم ذيل الآيتين (47 و 48):

غبنوا أنفسهم و أهليهم:يخسرون أهليهم فلا يكون لهم أهل يرجعون إليهم،و يخسرون أنفسهم فيهلكون في النّار،فيموتوا و هم أحياء فيخسرونهما.

حرموا أنفسهم من الجنّة،و أهليهم من الحور العين اللّذين أعدّا لهم في الجنّة.

خسروا أنفسهم في الدّنيا،و خسروا الأهلين،فلم يجدوا في النّار أهلا،و قد كان لهم في الدّنيا أهل.

خسروا أنفسهم بالتّخليد في النّار،و خسروا أهليهم،لأنّهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الّذين لهم أهل في الجنّة.

خسروا أنفسهم و أهليهم بأن صاروا هم بالكفر إلى النّار،و صار أهلوهم بالإيمان إلى الجنّة.

إنّ الكاملين في الخسران الجامعين لوجوهه و أسبابه:هم الّذين خسروا أنفسهم،لوقوعها في هلكة لا هلكة بعدها،و خسروا أهليهم،لأنّهم إن كانوا من أهل النّار،فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم،و إن كانوا من أهل الجنّة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده إليهم.

و قيل:خسروهم لأنّهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الّذين كانوا يكونون معهم لو آمنوا،و كانوا من أهل الجنّة، فهذا كما لو قال:خسروا أنفسهم و نعيمهم.

معنى خسرانهم أنفسهم أنّهم تسبّبوا لأنفسهم في العذاب،في حين حسبوا أنّهم سعوا لها في النّعيم

ص: 846

و النّجاح،و هو تمثيل لحالهم في إيقاع أنفسهم في العذاب- و هم يحسبون أنّهم يلقونها في النّعيم-بحال التّاجر الّذي عرض ماله للنّماء و الرّبح،فأصيب بالتّلف،فأطلق على هذه الهيئة تركيب خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ.

و أمّا خسران أهليهم فهو مثل خسرانهم أنفسهم؛ و ذلك أنّهم أغروا أهليهم من أزواجهم أولادهم بالكفر، كما أوقعوا أنفسهم فيه،فلم ينتفعوا بأهليهم في الآخرة، و لم ينفعوهم لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ عبس:37.و هذا قريب من قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً التّحريم:6،فكان خسرانهم خسرانا عظيما.

خسارة الضّالّ لأهله يوم القيامة،هو تفرّقهم عنه، فلا يلتقي بهم إذا كانوا في الجنّة،أمّا إذا كانوا في جهنّم،فإنّ لقاءه بهم حسرة و بكاء و عويل،على خلاف لقاء المؤمنين؛حيث يجمعهم اللّه بأهليهم و بإخوانهم من أهل الجنّة،فيضاعف لذلك سرورهم و نعيمهم،كما قال:

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الطّور:21،و اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ الزّخرف:70.

خسران النّفس:هو إيرادها مورد الهلكة و الشّقاء؛ بحيث يبطل منها استعداد الكمال،فيفوتها السّعادة بحيث لا يطمع فيها،و كذا خسارة الأهل.يقول:فأيّا ما عبدتم فإنّكم تخسرون أنفسكم بإيرادها بالكفر مورد الهلكة،أهليكم-و هم خاصّتكم-بحملهم على الكفر و الشّرك،و هي الخسران بالحقيقة.

إنّهم لم يستمرّوا وجودهم و عمرهم،و أنّ عوائلهم و أولادهم لا يتمكّنون من انقاذهم،و لا من إعادة ماء الوجه المراق إليهم،و لم ينتفعوا لهم عند اللّه،و هذا هو الخسران العظيم.

4-و بذلك ظهر اختلافهم في أنّ خسران النّفس يكون في الدّنيا بذهاب رأس المال بالكفر،أو في الآخرة بالهلاك و العذاب،و كذلك اختلافهم في أنّ خسران أهليهم يكون بكفرهم تبعا لهم في الدّنيا،أو بانفصالهم عنهم في الآخرة،سواء كان أهلوهم من أهل الجنّة،أو من أهل النّار،و لكلّ وجه.و شاهد من الآيات و الأحاديث، فلاحظ.

5-في الآيتين(41 و 42)-بلفظ واحد- ...اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ سؤال و خلاف:

أمّا السّؤال:كيف فرّع فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ على خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ مع أنّ الأمر بالعكس،فإنّ الخسران مسبّب عن الكفر و عدم الإيمان؟و أجيب عنه بوجوه:

الأوّل:الاعتراف بصحّة التّفريع،فإنّ إبطال الفطرة و الانصراف عن العقل،بالانهماك في التّقليد،و إغفال النّظر-و هو المراد بخسران النّفس على الأقوى كما سبق -أدّى بهم إلى الإصرار على الكفر،و الامتناع من الإيمان.قاله البيضاويّ و جماعة و هو أحسن الوجوه، و هو الموافق للقول بأنّ اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ مبتدأ و خبر-و هذا خير الأقوال في الخلاف الآتي-و دخلت الفاء على الخبر لتضمّن المبتدإ معنى الشّرط،مثل: وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ

ص: 847

فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ النّساء:15.

قال ابن عاشور:«و أشرب الموصول معنى الشّرط ليفيد شموله كلّ من اتّصف بمضمون الصّفة،و يفيد تعليق حصول مضمون جملة الخبر-المنزّل منزلة جواب الشّرط-على حصول مضمون الصّلة المنزّلة منزلة جملة الشّرط،فيفيد أنّ ذلك مستمرّ الارتباط و التّعليل في جميع أزمنة المستقبل الّتي يتحقّق فيها معنى الصّلة، فقد حصل في هذه الجملة من الخصوصيّات البلاغيّة ما لا يوجد مثله في غير الكلام المعجز».

الثّاني:ما اختاره الزّمخشريّ أنّ معناه:الّذين خسروا أنفسهم في علم اللّه لاختيارهم الكفر فهم لا يؤمنون.و قال أبو حيّان:«فيه دسيسة الاعتزال بقوله:

لاختيارهم الكفر».

الثّالث:ما اختاره الفخر الرّازيّ طبقا لمذهبه الأشعريّ،فقال:«هذا يدلّ على أنّ سبق القضاء بالخسران و الخذلان هو الّذي حملهم على الامتناع من الإيمان،و ذلك عين مذهب أهل السّنّة».

الرّابع:أن تكون«الفاء»عطفا على«الّذين»قبلها و لا تكون تفريعا عليه-و سنبحثه-.

و أمّا الخلاف فهو في إعراب اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ في الآيتين،فالقول الأجود- كما سبق-أنّها مبتدأ و خبر،و عليه بنيت الوجوه الثّلاثة في تفريع فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ على ما قبله.و هناك أقوال أخرى في كلّ من الآيتين.

أمّا في الآية(41)و تمامها: قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلْ لِلّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.

فعند السّجستانيّ: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بدل عن(كم)في لَيَجْمَعَنَّكُمْ، على نحو البيان عنها،فهو في موضع نصب مفعولا أي ليجمعنّ الّذين خسروا أنفسهم،و ذلك أنّ الّذين خسروا أنفسهم هم الّذين خوطبوا ب لَيَجْمَعَنَّكُمْ.

و قد أنكره المبرّد،لأنّه لا يبدّل عن المخاطب،و لا من المخاطب.لا يقال مررت بك زيد،و لا مررت بي زيد.

و قال أبو البقاء:«لأنّ ضمير المتكلّم و المخاطب لا يبدّل منهما،لوضوحهما غاية الوضوح و غيرهما دونهما في ذلك».

و قد ذكر أبو حيّان و الآلوسيّ خلافهم في ذلك، فلاحظ.

و عند الزّمخشريّ: نصب على الذّمّ،أو رفع،أي أريد الّذين خسروا أنفسهم،أو أنتم الّذين خسروا أنفسهم.

و هذه الوجوه الثّلاثة توافق التّفريع المذكور.

و هناك وجه رابع عن ابن عاشور،و هو أنّها متفرّعة على لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، و أنّ أصل التّركيب:فأنتم لا تؤمنون،لأنّكم خسرتم أنفسكم في يوم القيامة،فعدل عن الضّمير إلى الموصول: اَلَّذِينَ خَسِرُوا لإفادة الصّلة أنّهم خسروا أنفسهم بسبب عدم إيمانهم،و جعل الموصول خبر مبتدإ محذوف،أي أنتم الّذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون.و نظم الكلام على هذا الوجه أدعى لإسماعهم،و بهذا يستغنى عن السّؤال و الجواب السّابقين.

ص: 848

و أمّا في الآية(42)و تمامها: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، فقالوا: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ نعت أو بدل عن: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، و جملة: فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ معطوفة على الجملة الأولى، فيكون مساق: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مساق ذمّ،لا مقام الاستشهاد بهم على المشركين-كما سبق-إذ لا يصحّ أن يستشهد بهم،و يذمّهم في كلام واحد.

و قد سبق منّا أنّ أهل الكتاب كانوا قبل الهجرة يعترفون بالنّبيّ عليه السّلام،و كان اللّه يستشهد بهم على الكفّار بمكّة.هذا مع وحدة السّياق في الآيتين.

قال ابن عاشور-في هذه الآية الّتي جاءت في سورة الأنعام بعد الآية السّابقة بفصل آيات-:«فهذا من التّكرير للتّسجيل و إقامة الحجّة و قطع المعذرة،و أنّهم مصرّون على الكفر حتّى و لو شهد بصدق الرّسول أهل الكتاب كقوله: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ الأحقاف:10.

6-و جاء في الآيتين(43 و 44): خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ، فقد عقّب خسران أنفسهم،بأنّهم ضلّ عنهم ما كانوا يفترون،و هو اتّخاذ الأصنام آلهة أيضا،و الكفر باللّه تعالى و بالنّبيّ عليه السّلام، كما يستفاد من قبلهما،و لكن زيد في(54): لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ.

و هذا يرجّح احتمال أنّ خسران الأنفس و ضلال ما كانوا يفترونه كلاهما كان في الدّنيا،و خصّت الآخرة بأنّهم فيها الأخسرون.و هذا يوافق ما قالوا في تفسير خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ: أنّ خسارة الحكمة و العقل و ما هو سبب النّجاة في الدّنيا،إلاّ أنّ قوله: ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ أمسّ بالآخرة من الدّنيا،لأنّ ضلال الأصنام يعرف في الآخرة دون الدّنيا!!

و هناك احتمال آخر و هو أنّ مجموع ما فيهما حتّى خسران النّفس تقع في الآخرة،و إنّما خصّ«الأخسر» بالتّنصيص بالآخرة لزيادة التّهويل.

7-قالوا في: لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ: لمّا كان خسران النّفس أعظم الخسران، و حكم عليهم بأنّهم هم الزّائدون في الخسران على كلّ خاسر،من سواهم من العصاة،لأنّ مآله إلى الرّحمة و إلى انقطاع خسرانه،بخلاف هؤلاء،فإنّ خسرانهم لا انقطاع له.

لا أحد أبين أو أكثر خسرانا منهم،ف«أفعل» للزّيادة،إمّا في الكمّ أو الكيف.و تعريف المسند اَلْأَخْسَرُونَ بلام الجنس لإفادة الحصر،و إن جعل (هم)ضمير فصل أفاد تأكيد الاختصاص.و إن جعل مبتدأ-و ما بعده خبره،و الجملة خبر(انّهم)-أفاد تأكيد الحكم.

و هذه جملة مستأنفة فذلكة و نتيجة للجمل المتقدّمة عليها في الآية(54)،من قوله: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً... فما بعدها فلاحظ.

و إنّما كانوا أخسرين،أي شديدي الخسارة،لأنّهم قد اجتمع لهم من أسباب الشّقاء و العذاب ما افترق بين الأمم الضّالّة،و لأنّهم شقوا من حيث كانوا يحسبونه

ص: 849

سعادة،قال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً* اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف:103 و 104،فكانوا أخسرين:اجتمعت لهم خسارة الدّنيا و الآخرة.

و وجه كونهم في الآخرة هم الأخسرين-إن فرض أنّهم أخسر بالنّسبة إلى غيرهم من أهل المعاصي-هو أنّهم خسروا أنفسهم بإهلاكها و إضاعتها بالكفر و العناد فلا مطمع في نجاتهم من النّار في الآخرة،كما لا مطمع في أن يفوزوا في الدّنيا،و يسعدوا بالإيمان ما داموا على العناد، كما قال في(41 و 42): ...اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، و هؤلاء هم المختوم على سمعهم و أبصارهم و قلوبهم.

و إن فرض أنّهم«أخسر»بالنّسبة إلى الدّنيا،فذلك لكونهم بكفرهم و صدّهم عن سبيل اللّه حرموا سعادة الحياة الّتي يمهّد لهم الدّين الحقّ،فخسروا في الدّنيا،كما خسروا في الآخرة،لكنّهم في الآخرة أخسر،لكونها دائمة مخلّدة،و أمّا الدّنيا فليست إلاّ قليلا.على أنّ الأعمال تشتدّ و تتضاعف في الآخرة بنتائجها.

هم الأخسرون،لأنّهم حرموا عن نعمة السّمع و البصر،و خسروا كلّ إنسانيّتهم و وجودهم،و مع ذلك فقد حملوا أثقالهم،و أثقال الآخرين.

فقد يكون الأساس فيه اعتقادهم بأنّ الحياة هي الفرصة الأخيرة للإنسان،لإنكارهم لليوم الآخر،و لهذا فإنّهم لا ينتظرون أيّ عقاب على أعمالهم فيستسلمون لشهواتهم،و أطماعهم في استرخاء لذيذ،فإذا بهم يفاجئون بعذاب ينتظرهم في الآخرة،لا يتوقّعون مثله، بينما ينتظر غيرهم من العاصين العذاب،فلا تصدفهم المفاجأة.

ر-إخسار الكيل و الوزن 3 آيات:

(49): وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ.

(50): وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* اَلَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ.

(59): أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ، و فيها بحوث:

1-على الرّغم من أنّ تحريم إخسار الكيل و الوزن تشريع فيناسب جوّ التّشريع في المدينة-كما هو المعتاد- إلاّ أنّها مكّيّة،و إن كان هناك قول في سورتي:«الرّحمن و التّطفيف»،بأنّهما تماما أو بعضا مدنيّتان،لكنّ سياقهما سياق المكّيّات.

و السّرّ في ذلك أنّ الآية(59)و هي في سورة الشّعراء جاءت حكاية عن قول شعيب لقومه الّذين كانوا يخسرون الميزان،و هذا تمامها: أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ* وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ* وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.

و قد جاء ذلك عن شعيب أيضا في سورة هود«84 و 85»: وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ* وَ يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، و في سورة

ص: 850

الأعراف:85 وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

فيبدو أنّ نقص المكيال و الميزان كان من أكبر مفاسد قومه،حتّى عدّ رديفا للشّرك باللّه فنهاهم شعيب عنهما معا،و أمرهم بعبادة اللّه تعالى وحده،و بالوفاء في الكيل و الوزن بالقسط،و قد كرّر اللّه حديثهم في القرآن اهتماما بشأنهم،و إكبارا لفسادهم.

و أمّا الآية(59)فهي جزء من آيات سورة الإسراء:(22-39)الّتي تحتوي تكاليف توحيديّة و أخلاقيّة و تشريعيّة،رافضا لما كان شائعا بين مشركي مكّة من الفساد،و بدء بقوله: لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً، و انتهاء بقوله: ذلِكَ مِمّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً فقد أوحى بالتّوحيد أوّلا و آخرا،و أوصى خلالها بما أوصى من الصّالحات، فهي من التّشريع المكّيّ الشّامل للعقيدة و الشّريعة.

و أمّا الآية«49»فهي بدء سورة المطفّفين تهديدا للمشركين أيضا الّذين كانت رذيلة الإخسار في الكيل و الوزن شائعة بينهم،لعدم إيمانهم بيوم الحساب،حيث قال بعدها في الآيتين 4 و 5 منها: أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ.

2-و قد جمع اللّه في هذه الآيات بين النّهي عن الإخسار في الكيل و الوزن و بين الأمر بالإيفاء فيهما بالقسط،و كذا بين الأمر بالوزن بالقسطاس المستقيم، و بين النّهي عن بخس النّاس،و العتوّ في الأرض و الفساد فيها.اهتماما بالحكم،فإنّ من دأب القرآن إذا اهتمّ بحكم اهتماما بالغا أن يأمر به و ينهى عن ضدّه معا،مثل:

وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا آل عمران:

103.

و لهذا قال الزّمخشريّ في(48): وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ: «أمر بالتّسوية و نهى عن الطّغيان الّذي هو اعتداء و زيادة،و عن الخسران الّذي هو تطفيف و نقصان».

و قد خصّ آية المطفّفين أوّلا:بجعل عنوان لهؤلاء المخسرين،و هو«المطفّفون»،و ثانيا:بذكر موقفهم المتضادّ فيما إذا كالوا على النّاس،فيستوفون المكيال نفعا لأنفسهم،و بإخسارهم إذا كالوا النّاس أو وزنوهم إضرارا بهم.و قال الطّباطبائيّ:«الإخسار في الميزان:

التّطفيف به بزيادة أو نقص بحيث يخسر البائع أو المشتري».

3-قالوا:خسره و أخسره كلاهما جاء في اللّغة،إلاّ أنّ القراءة الشّائعة في(48 و 49): (يخسرون) و (تخسروا) بالضّمّ،و لم تثبت قراءة الفتح فيهما،و لو ثبتت فهي شاذّة.و يؤيّد قراءة الضّمّ قوله في(59):

وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ.

4-جوّز الرّاغب في(48): وَ لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ أن تكون إشارة إلى تعاطي ما لا يكون به ميزانه في القيامة خاسرا،فيكون ممّن قال فيه: وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ الأعراف:9.و قال:«كلّ خسران ذكره اللّه

ص: 851

تعالى في القرآن فهو على هذا المعنى الأخير،دون الخسران المتعلّق بالمقتنيات الدّنيويّة و التّجارات البشريّة».

و يردّه الآيات الّتي نزلت في قوم شعيب،و كذلك آية المطفّفين،فإنّها صريحة في الخسران في التّجارات.

و قال الزّمخشريّ فيها:«كرّر لفظ الميزان أي ثلاث مرّات،مرّة في هذه الآية و مرّتين قبلها: وَ وَضَعَ الْمِيزانَ و أَلاّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ، تشديدا للتّوصية به و تقوية للأمر باستعماله،و الحثّ عليه.و قرئ (و لا تخسروا) بفتح التّاء و ضمّ السّين و كسرها و فتحها،يقال:خسر الميزان يخسره و يخسره،و أمّا الفتح فعلى أنّ الأصل:و لا تخسروا في الميزان،فحذف الجارّ،و أوصل الفعل».

و قال الطّبرسيّ: «أي لا تنقصوه بالبخس و الجور، بل سوّوه بالإنصاف و العدل».

5-و قال ابن عاشور فيها أيضا:«إن حمل اَلْمِيزانِ فيه على معنى العدل،كان المعنى النّهي عن التّهاون بالعدل،لغفلة أو تسامح بعد أن نهى عن الطّغيان فيه،و يكون إظهار لفظ اَلْمِيزانِ في مقام ضميره تنبيها على شدّة عناية اللّه بالعدل.

و إن حمل فيه على آلة الوزن،كان المعنى النّهي عن غبن النّاس في الوزن لهم،كما قال في(50): وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ -إلى أن قال-فعلى حمل اَلْمِيزانِ على معنى العدل يكون الإخسار جعل صاحب الحقّ خاسرا مغبونا،و يكون اَلْمِيزانِ منصوبا على نزع الخافض،أي في الميزان.

و على حمل اَلْمِيزانِ على معنى آلة الوزن يكون الإخسار بمعنى النّقص،أي لا تجعلوا الميزان ناقصا،كما قال: وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ هود:84،و قد علمت هذا النّظم البديع في هذه الآية الصّالحة لهذه المحامل».

و نقول:في كلامه مواقع للنّظر:

أوّلا:إنّه تردّد في لفظ اَلْمِيزانَ بحمله على الصّدر بمعنى العدل!!مع أنّ المفسّرين حملوه على آلة الوزن طبقا للّغة،و قد جاء بهذا المعنى قبل هذه الآية مرّتين-كما سبق-و كما جاء مع اَلْمِكْيالَ في آية هود:

وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ هود:84،و هذه كالصّريح في أنّ اَلْمِيزانَ جاء في القرآن بمعنى آلة الوزن،كما أنّ اَلْمِكْيالَ آلة الكيل.

إضافة إلى أنّ القرآن عبّر عن المعنى المصدريّ بلفظ (الوزن)في هذه الآية،و بفعله في غيرها في قبال الاكتيال،فلا وجه لهذا التّرديد.

و ثانيا:لو حملنا لفظ اَلْمِيزانَ هنا على المصدر، فلا يصحّ استعمال الضّمير مكانه،لأنّ الضّمير راجع إلى اَلْمِيزانَ المكرّر قبله مرّتين،بمعنى آلة الوزن،فلا وجه لقوله:«و يكون إظهار لفظ الميزان في مقام ضميره تنبيها على شدّة عناية اللّه بالعدل».

و ثالثا:لا وجه للفرق بين المعنيين بأنّ الإخسار بمعنى النّقص على إرادة آلة الوزن،و بمعنى التّهاون بالعدل على إرادة المصدر،فإنّه فيهما بمعنى النّقص من غير تفاوت.

و رابعا:لا وجه لاختصاص المعنى المصدريّ،بأنّ

ص: 852

اَلْمِيزانَ منصوب بنزع الخافض،و قد خصّصه الزّمخشريّ بما لو قرأنا: (تخسرون) بفتح التّاء دون الضّمّ.لاحظ الموادّ:«وزن،ك ي ل،ق س ط،و ف ي»، و غيرها.

ش-خسران قتل النّفس آيتان:

(5) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ حَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِراءً عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّوا وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ

(30) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ، و فيهما بحوث:

1-الأولى مكّيّة جاءت في سياق تشريعات المشركين،بغير ما أنزل اللّه،بدء بالآية:136،من سورة الأنعام: وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَ هذا لِشُرَكائِنا...، و مرورا بالآية:137،منها: وَ كَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ...، و انتهاء بالآية:

140،منها: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ حَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِراءً عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّوا وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ.

فيبدو أنّهم كانوا يستندون حلّيّة قتل الأولاد إلى اللّه تعالى كغيره من تشريعاتهم المزلّفة،فردّ اللّه عليهم.

و أمّا الآية الثّانية فهي مدنيّة رقم:30 من سورة المائدة حكاية لقصّة ابني آدم عبرة لبني إسرائيل،بدء بالآية:27، وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ -أي على بني إسرائيل- نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ...، و أدام القصّة إلى أن قال:

فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ، و انتهاء بالآية 32، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً... فهذه الآيات على الرّغم من أنّها من قصص القرآن المتعلّقة بآدم عليه السّلام-و محلّها،كالعادة،المكّيّات- إلاّ أنّها جاءت احتجاجا على بني إسرائيل القاطنين بالمدينة.

2-قالوا في معنى الخسران في(4)غبن،هلك، خسروا دينهم و دنياهم.

و قال الفخر الرّازيّ-و تبعه غيره-:«لأنّ الولد نعمة عظيمة من اللّه على العبد،فإذا سعى في إبطاله،فقد خسر خسرانا عظيما،لا سيّما و يتحقّق على ذلك الإبطال،الذّمّ العظيم في الدّنيا،و العقاب في الآخرة:

أمّا الذّمّ فإنّ النّاس يقولون:قتل ولده خوفا من أن يأكل طعامه،و ليس في الدّنيا ذمّ أشدّ منه.

و أمّا في الآخرة،فلأنّ قرابة الولادة أعظم موجبات المحبّة،فمع حصولها إذا أقدم على إلحاق أعظم المضارّ به، كان ذلك أعظم أنواع الذّنوب،فكان موجبا لأعظم أنواع العقاب».

و قال ابن عاشور-بعد ذكر معنى الخسران في اللّغة، و أنّه كثر استعارته في القرآن،لمن عمل لمرضاة اللّه، فوقع في غضبه-:«ذلك أنّ هؤلاء الّذين قتلوا أولادهم، قد طلبوا نفع أنفسهم بالتّخلّص من أضرار في الدّنيا محتمل لحاقها بهم،من جراء بناتهم،فوقعوا في أضرار محقّقة في الدّنيا و في الآخرة.فإنّ النّسل نعمة من اللّه على الوالدين يأنسون به و يجدونه لكفاية مهمّاتهم،و نعمة

ص: 853

على القبيلة تكثر و تعتزّ،و على العالم كلّه بكثرة من يعمره و بما ينتفع به النّاس من مواهب النّسل و صنائعه، و نعمة على النّسل نفسه بما يناله من نعيم الحياة و ملذّاتها.

و لتلك الفوائد اقتضت حكمة اللّه إيجاد نظام التّناسل، حفظا للنّوع،و تعميرا للعالم،و إظهارا لما في الإنسان من مواهب تنفعه و تنفع قومه.على ما في عملهم من اعتداء على حقّ البنت الّذي جعله اللّه لها و هو حقّ الحياة إلى انقضاء الأجل المقدّر لها،و هو حقّ فطريّ لا يملكه الأب، فهو ظلم بيّن لرجاء صلاح لغير المظلوم.و لأجل ذلك سمّي فعلهم(سفها)،لأنّ السّفه هو خفّة العقل و اضطرابه...».

و قال مغنيّة:«و أمّا خساراتهم في الدّنيا فتتمثّل في قتل أولادهم،و فساد حياتهم الاجتماعيّة،و خسارتهم في الآخرة أدهى و أمرّ».

و قال مكارم الشّيرازيّ: «فعملهم وصف هنا بأنّه خسران بالمنظار الإنسانيّ و الأخلاقيّ،و بالمناظر العاطفيّ و الاجتماعيّ.و الخسارة الكبرى هي الخسارة المعنويّة في العالم الآخر».

3-و قال الفخر الرّازيّ-و نحوه مكارم الشّيرازيّ-:

«ذكر اللّه فيما تقدّم-من الآيات الّتي أشرنا-قتلهم أولادهم،و تحريمهم ما رزقهم اللّه،ثمّ إنّه جمع هذين الأمرين في هذه الآية،و بيّن ما لزمهم على هذا الحكم:

و هو الخسران،و السّفاهة،و عدم العلم،و تحريم ما رزقهم اللّه،و الافتراء على اللّه،و الضّلال،و عدم الاهتداء.فهذه أمور سبعة،و كلّ واحد منها سبب تامّ في حصول الذّمّ»،ثمّ شرحها.

و قال الطّباطبائيّ: «و قد وصف قتل الأولاد بأنّه سفه بغير علم،و كذلك بدّل الأنعام و الحرث من قوله:

ما رَزَقَهُمُ اللّهُ، و وصف تحريمها بأنّه افتراء على اللّه، ليكون في ذلك تنبيه كالتّعليل على خسرانهم في ذلك، كأنّه قيل:خسروا في قتل أولادهم،لأنّهم سفهوا به سفها بغير علم،و خسروا في تحريمهم أصنافا من الأنعام و الحرث،افتراء على اللّه،لأنّها من رزق اللّه،و حاشاه اللّه تعالى أن يرزقهم شيئا ثمّ يحرّمه عليهم».

و نقول:قد ظهر بما ذكر أنّ المراد بقوله: وَ حَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ ما حرّموه من الأنعام و الحرث،دون قتل الأولاد،و إن كان الأولاد من أعظم ما رزقهم اللّه تعالى من النّعم.

رابعا:قد حكم اللّه في حقّ هؤلاء الأصناف بالخسران بصيغ و تعابير متفاوتة شدّة و لينا كالآتي:

أ-الخسران المبين 3 آيات:

(1) وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً.

(2) ...وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ

(48) قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ، و فيها بحوث:

1-اشتركت هذه الآيات الثّلاث في ذكر الخسران المبين فيها،مع فعل(خسر)مبالغة و تأكيدا و ختما للآيات بتفاريق شدّة و لينا:

ص: 854

ففي الأولى وقع مفعولا مطلقا نوعيّا للفعل،منكّرا محقّقا ب(قد): فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً.

و في الثّانية جاء خبرا في جملة،معرّفا في سياق الحصر: ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ بعد فعل خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ بتعميم الخسران للدّنيا و الآخرة صريحا،بعد أن أطلقه في الأولى: فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً، فلم يذكر الدّنيا و لا الآخرة بل تشملهما إطلاقا.

و بعد أن خصّ الثّالثة بالآخرة خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ.

و في الثّالثة جاء كذلك أيضا في جملة مبدوّة ب(الا) الإعلاميّة أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ، و ذلك بعد أن سبقه في صدرها الخسران مرّتين،في سياق الحصر أيضا: إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ، مع مزيد التّأكيد،و هو ما سبق بحثه من التّعبير عن الخسران ب اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، و مع ذكر(اهليهم)معهم.و مع ذلك فالثّانية أشدّ تأكيدا من الثّالثة بزيادة(هو)فيها ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ.

2-قد خصّ اَلْخُسْرانُ الْمُبِينُ بهذه الآيات،فما هو وجه اختصاصه بها؟و ما هو وجه اشتراكها في كونها خسرانا مبينا؟

و نقول:لم يتعرّضوا لهذا السّؤال و الجواب،و الّذي يخطر بالبال أنّ الآية الأولى عدّت اتّخاذ الشّيطان وليّا من دون اللّه خسرانا مبينا،و الشّيطان اعتبر عدوّا مبينا للإنسان في عدّة آيات،مثل: إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ يوسف:5،و نظيرها الأعراف:22، و الإسراء:53،و الزّخرف:62،فمن تولّى هذا العدوّ المبين من دون اللّه فقد خسر خسرانا مبينا،هذا في الأولى.

و قد قال الفخر الرّازيّ ج 11:250:«و إنّما قال:

خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً لأنّ طاعة اللّه تفيد المنافع العظيمة الدّائمة الخالصة عن شوائب الضّرر،و طاعة الشّيطان تفيد المنافع الثّلاثة المنقطعة المشوبة بالغموم و الأحزان و الآلام الغالبة،و الجمع بينهما محال عقلا،فمن رغب في ولايته فقد فاته أشرف المطالب و أجلّها،بسبب أخسّ المطالب و أدونها،و لا شكّ أنّ هذا هو الخسار المطلق».

و قد حكى الفخر الرّازيّ(ج 13:23)عن الكلبيّ في الثّانية(2):«أنّها نزلت في أعراب كانوا يقدمون على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة مهاجرين،فإن أصاب أحدهم خير اطمأنّ إليه،و إن أصابه شرّ-و شرحهما-أتاه الشّيطان، و قال له:ما أتتك هذه الشّرور إلاّ بسبب هذا الدّين فينقلب عن دينه».فهذه أيضا داخل في تولّي الشّيطان من دون اللّه،و معلوم أنّه خسران الدّنيا و الآخرة،و أنّه الخسران المبين.

و أمّا الثّالثة(48):فهي أيضا ولاية الشّيطان بشهادة قوله بعدها: وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَى اللّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ، فيستفاد منه أنّ ما قبله كان عبادة الطّاغوت،و الشّيطان هو أكبر الطّواغيت.

إضافة إلى ذلك قال الفخر الرّازيّ فيها ما حاصله:

«لمّا شرح اللّه خسرانهم وصف ذلك الخسران بغاية

ص: 855

الفظاعة،فقال: أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ، و التّكرير لأجل التّأكيد،و(الا)للتّنبيه و التّعظيم،أي بلغ في العظمة إلى حيث لا تصل عقولكم إليها،فتنبّهوا لها.(هو)تفيد الحصر،كأنّه قيل:كلّ خسران فإنّه يصير في مقابلته كلا خسران،و وصف(مبينا)للتّهويل،ثمّ بيّن وجه كونه خسرانا مبينا عقلا:

أمّا اَلْخُسْرانُ فإنّ اللّه أعطى الإنسان هذه الحياة و العقل و المكنة،و كلّ ذلك رأس ماله-ثمّ شرحها-فمن أعطاه هذه و لم يستفد منها،لا معرفة الحقّ و لا عمل الخير،كان محروما عن الرّبح بالكلّيّة،و إذا مات ضاع رأس ماله بالكلّيّة.

و أمّا اَلْمُبِينُ فهو أنّ من لم يربح الزّيادة،و هو سلم من الآفات،فكما لم يحصل له مزيد نفع،لم يحصل له أيضا مزيد ضرر،أمّا هؤلاء الكفّار فقد استعملوا عقولهم في وجوه الشّبهات و الضّلالات،و قواهم في أفعال الشّرّ و الفساد،فقد جمعوا بين أمور في غاية الرّداءة و أتعبوا أبدانهم و عقولهم في سبيل الباطل و الفساد،و يضيع عنهم رأس مالهم عند الموت،و تصير تلك المتاعب الشّديدة الّتي تحملوها في الدّنيا أسبابا للعقوبة الشّديدة بعد الموت،فلا خسران و لا حرمان أعظم من خسرانهم و حرمانهم».و هذا كلّه داخل تحت ولاية الشّيطان.

ب-خسارة الدّنيا و الآخرة،آيتان:

(17) ...أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

(2) وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ.

فالأولى جاءت في الّذين شبّه اللّه المنافقين بهم،لأنّ ما قبلها: وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ... ثمّ قال:

كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً...، فتعتبر صفة أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ، صفة المنافقين.

و أمّا الثّانية فقد جاءت فيمن عبد اللّه على حرف، فإن أصابه خير رضي و إن أصابه شرّ و فتنة انقلب عن الإسلام إلى الكفر،فهؤلاء كالمنافقين أيضا،لم يؤمنوا بالإسلام حقّا بل تجربة.

فالجامع بين الآيتين هو صفة النّفاق أو ما يشبهها.

ج-خسارة النّفس 8 آيات:(48-41)-و قد سبقت-و قد وصفت بصفات:لا يؤمنون(41 و 42)، الخسران المبين(48)،الظّالمون(45 و 47)،في عذاب مقيم(47)،في جهنّم خالدون(46)،ضلّ عنهم ما كانوا يفترون(43 و 44).

د-الأخسرون 4 آيات.و قد وصف به:الّذين خسروا أنفسهم و أهليهم(47)،الّذين لا يؤمنون بالآخرة(54)،الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا(53 و 55)،الّذين أرادوا بإبراهيم كيدا(57).

ه-من عاقبته الخسران آية واحدة:(10) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً.

و-قد خسروا 4 آيات:(1 و 3-5).

ز-الحصر بلفظ هُمُ الْخاسِرُونَ 11 آية:

(11،12،15-17،19،21-24،33).

ح-التّأكيد بلفظ اَلْخاسِرُونَ و نحوه 5 آيات:(13) إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ، (14) إِلاَّ الْقَوْمُ

ص: 856

اَلْخاسِرُونَ، (18) إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ، (38 و 39) إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ.

ط-من الخاسرين و المخسرين 10 آيات:

(25 و 26)،(29)،(30)،(32)،(34-37)،(59).

ي-زيادة الخسران:4 آيات(51-53):

...وَ لا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً، و ...وَ لا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاّ خَساراً، و ...وَ اتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَ وَلَدُهُ إِلاّ خَساراً، و(58) فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ.

ك-جاء المصدر فيها بأربعة ألفاظ:(خسر)، مرّتين:(9 و 10)في سياقين لَفِي خُسْرٍ و وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً و(خسران)3 مرّات،(1 و 2 و 48)-فالأوّل جاء نكرة مفعولا مطلقا: خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً، و الأخيران جاءا معرّفين موصوفين ب(المبين) في سياق الحصر ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ - أو(ذلك الخسران المبين،)و(خسار)3 مرّات أيضا:

(51-53)،و(تخسير)مرّة:(58).و هذان جاءا في سياق زيادة الخسران،كما سبق.

و كلّها في فواصل الآيات،و لعلّها الفارق بينها لفظا، فلاحظ.و لم يفرّقوا بينها في اللّغة،إلاّ أنّ الطّباطبائيّ قال:

«الخسران آكد من الخسر»،و لا وجه له إلاّ ما قيل:

«زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني».

ل-و جاء الوصف منها بأربعة ألفاظ أيضا:

(الخاسرون)أو(الخاسرين)في أكثر الآيات، و أكثرها معرفة مبالغة و حصرا،و خاسِرَةٌ مرّة في (50)نكرة للتّحقير،صفة ل(كرّة): قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ، و تَخْسِيرٍ مرّة أيضا في(58)،في سياق زيادة الخسران،كما سبق.

و خامسا:مادّة الخسران جاءت في 59 آية،منها 16 آية مدنيّة مع احتساب سورة الحجّ-و فيها خلاف- و الباقي،و هي 44 آية مكّيّة.و هذه النّسبة تناسب نسبة الخسران كمّا و كيفا في المشركين في مكّة،فإنّ الشّرك رأس الخسران-كما سبق-و هم أركان الشّرك،و مكّة كانت قاعدة الشّرك و الخسران.

و سادسا:لهذه المادّة نظائر كثيرة في القرآن،و هي على معنيين:

أ-ضدّ الهداية:

1-الضّلال: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:16.

2-الباطل: وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَ كَفَرُوا بِاللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ العنكبوت:52.

3-الغيّ: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ البقرة:256.

4-العمه: مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَ يَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ الأعراف:186.

5-الحيرة: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ الأنعام:71.

6-العشوة: وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً الزّخرف:36.

7-التّدسية: وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها الشّمس:10.

ب-ضدّ الزّيادة:

ص: 857

1-التّطفيف: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ المطفّفين:1.

2-البخس: وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ الأعراف:85.

3-النّقصان: وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ هود:

84.

4-الألت: وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ الطّور:21.

5-الوتر: وَ اللّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ محمّد:

35.

6-الغبن: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ التّغابن:9.

ص: 858

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم

الآلوسيّ: محمود(1270) (1)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد :عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان :يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير :مبارك(606)

النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير :عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ: محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس،بيروت.

ابن باديس :عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

ابن جزيّ: محمّد(741)

التّسهيل،دار الكتاب العربيّ،بيروت.

ابن الجوزيّ: عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلاميّ،بيروت.

ابن خالويه :حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون :عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد :محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت :يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة، مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيده :عليّ(458)

المحكم،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن الشّجريّ: هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ص: 859


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

ابن عاشور:محمّد طاهر(1393)

التّحرير و التّنوير،ط:مؤسّسة التّاريخ،بيروت.

ابن العربيّ: عبد اللّه(543)

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن عربيّ: محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة،بيروت.

ابن عطيّة :عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن فارس :أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

2-الصّاحبيّ،ط:المكتبة اللّغويّة،بيروت.

ابن قتيبة :عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة

2-تأويل مشكل القرآن،ط:المكتبة العلميّة، القاهرة.

ابن القيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنة التّراث العربيّ،لبنان.

ابن كثير :إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:المعارف،بيروت.

ابن منظور :محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر،بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمّان،ط:المعارف،الإسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه(761)

مغني اللّبيب،ط:المدنيّ،القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان :محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو رزق:...(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ،القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة،بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو زيد :سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود :محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ: محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(224)

غريب الحديث،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو عبيدة :معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر،مصر.

أبو عمرو الشّيبانيّ: إسحاق(206)

الجيم،ط:المطابع الأميريّة،القاهرة.

ابو الفتوح :حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة،بيروت.

أبو هلال :حسن(395)

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي،قم.

أحمد بدويّ(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

الأزهريّ: محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:الدّار المصريّة.

ص: 860

الإسكافيّ: محمّد(420)

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق،بيروت.

الأصمعيّ: عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو :توشيهيكو(1371)

خدا و انسان در قرآن،ط:انتشار،طهران.

البحرانيّ: هاشم(1107)

البرهان،ط:مؤسّسة البعثة،بيروت.

البروسويّ: إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ: بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة،بيروت.

البغويّ: حسين(629)

معالم التّنزيل،ط:دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ: محمّد(1031)

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم،بيروت.

البيضاويّ: عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ: محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:امير كبير، طهران.

التّفتازانيّ: مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ،قم.

الثّعالبيّ: عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب:أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الثّعلبيّ: أحمد(427)

الكشف و البيان،ط:دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت.

الجرجانيّ: عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصرخسرو،طهران.

الجزائريّ: نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ اسلاميّ،طهران.

الجصّاص :أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ: موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ: إسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم،بيروت.

الحائريّ: سيّد عليّ(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة،طهران.

الحجازيّ: محمّد محمود(معاصر)

التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب،مصر.

الحربيّ: إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ،جدّة.

الحريريّ: قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب،مصر.

حفنيّ: محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:الأهرام،مصر.

الحمويّ: ياقوت(626)

معجم البلدان،ط:دار صادر،بيروت.

ص: 861

الحيريّ: اسماعيل(431)

وجوه القرآن،ط:مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة المقدّسة،مشهد.

الخازن :عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة،مصر.

الخطّابيّ: حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر،دمشق.

الخليل :ابن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة،بيروت.

الدّامغانيّ: حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الرّازيّ: محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب،بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة،بيروت.

الرّاونديّ: سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا :محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ: محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج :ابراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-فعلت و أفعلت،ط:التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ: محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

الزّركليّ: خير الدّين(1396)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ: محمود(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة،بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة،بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر،بيروت.

السّجستانيّ: محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ: يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب،بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:إسرائيل.

السّمين:أحمد.(756)

الدّرّ المصون،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

السّهيليّ: عبد الرّحمن(581)

روض الأنف،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

سيبويه :عمرو(180)

الكتاب،ط:عالم الكتب،بيروت.

السّيوطيّ: عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت.

3-تفسير الجلالين،ط:مصطفى البابيّ،مصر (مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

شبّر:عبد اللّه(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين،الكويت.

الشّربينيّ: محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة،بيروت.

الشّريف الرّضيّ: محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي،قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة،طهران.

الشّريف العامليّ: محمّد(1138)

ص: 862

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأماليّ،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ اسلاميّ،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الشّوكانيّ:محمّد(1250)

فتح القدير،دار المعرفة،بيروت.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب،القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

صدر المتألهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ،قم.

طه الدّرّة:محمّد عليّ

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار الحكمة،دمشق.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة،طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

2-أخبار الأمم و الملوك،ط:الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

طنطاوي:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة،بيروت.

2-متشابه القرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّحمن الهمذانيّ(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب،بيروت.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم،بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر،بيروت.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر)

التّفسير الفريد،ط:...بإذن مجمع البحوث الإسلاميّ،الأزهر.

العدنانيّ:محمّد(1360)

معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان،بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي أصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:ادبيّات،شيراز.

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

ص: 863

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة،طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن،القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم(نحو 300)

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثّقافة و الإرشاد الإسلاميّ،طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصرخسرو،طهران.

فريد وجدي:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب، بيروت.

فضل اللّه:محمّد حسين(معاصر)

من وحي القرآن،ط:دار الملاك،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأماليّ،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث، بيروت.

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب،قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافيّ،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة،القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ-عربيّ،ط:الكاثوليكيّة، بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب،بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف،بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان،طهران.

محمّد إسماعيل إبراهيم(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمّد جواد مغنية(1400)

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين، بيروت.

محمود شيت خطّاب

المصطلحات العسكريّة،ط:دار الفتح، بيروت.

المدنيّ:عليّ(1120)

ص: 864

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المدينيّ:محمّد(581)

المجموع المغيث،ط:دار المدنيّ،جدّة.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

فرهنگ تطبيقي،ط:كاويان،طهران.

المشهديّ:محمّد(1125)

كنز الدّقائق،مؤسّسة النّشر الإسلاميّ،قم.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة،طهران.

معرفة:محمّد هادي(1427)

التّفسير و المفسّرون،ط:الجامعة الرّضويّة، مشهد.

مقاتل:ابن سليمان(150)

1-تفسير مقاتل،ط:دار إحياء التّراث العربيّ،بيروت.

2-الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

مكارم الشّيرازيّ:ناصر(معاصر)

الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل،ط:مؤسّسة البعثة،بيروت.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير،طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن،ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب،بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگي،علمي[طهران].

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحرّيّة،بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس،ط:مطبعة الإمريكيّ، بيروت.

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:جهان،طهران.

الواحديّ:عليّ.(468)

الوسيط،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 865

ص: 866

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

إبراهيم التّيميّ.(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.(؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ(456)

ابن حلزة:...(؟)

ابن خروف:عليّ.(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد.(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:...(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:...(؟)

ابن عادل.(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ(696)

ص: 867

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير:عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن كمال باشا:أحمد.(940)

ابن كمّونة:سعد.(683)

ابن كيسان:محمّد(299)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد.(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن ملك:عبد اللّطيف.(801)

ابن المنير:عبد الواحد.(733)

ابن النّحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:...(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

ابن يعيش:عليّ.(643)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد.(366)

أبو بكر الأصمّ:...(201)

أبو الجزال الأعرابيّ.(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو الحسن الصّائغ.(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:النّعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:...(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد.(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

أبو سليمان الدّمشقيّ:عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

أبو شريح الخزاعيّ.(؟)

أبو صالح.(؟)

أبو الطّيّب اللّغويّ.(؟)أبو العالية:رفيع.(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

أبو عبد اللّه:محمّد.(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

ص: 868

أبو عمرو الجرميّ:صالح.(225)

أبو الفضل الرّازيّ.(؟)

أبو قلابة:...(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:محمّد.(322)

أبو منذر السّلاّم:...(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:...(276)

أبو يزيد المدنيّ:...(؟)

أبو يعلى:أحمد.(307)

أبو يوسف:يعقوب.(182)

أبيّ بن كعب.(21)

أحمد بن حنبل.(24)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

الأسديّ.(؟)

إسماعيل بن القاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

الأعمش:سليمان.(148)

إلياس:...(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن.(446)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.(؟)

البرجميّ:ضابئ.(؟)

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج إدوارد.(1327)

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

جمال الدّين الأفغانيّ.(1315)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد.(297)

جهرم بن صفوان.(128)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

الحدّاديّ:...(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن بن يسار.(110)

حسن بن حيّ.(؟)

حسن بن زياد.(204)

حسين بن فضل.(548)

حفص:ابن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

حمزة القارئ.(156)

ص: 869

حميد:ابن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:...(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الخياليّ:أحمد.(862)

الدّقّاق.(؟)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوري:أحمد.(282)

الرّبيع بن أنس.(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الأستراباديّ.(686)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّناتيّ.(؟)

الزّبير:ابن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتيّ.(؟)

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

سليمان التّيميّ.(؟)

سهل التّستريّ.(283)

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطبيّ(؟)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّبليّ:دلف.(334)

الشّعبيّ:عامر.(103)

شعيب الجبئيّ.(؟)

الشّقيق بن إبراهيم.(194)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر بن حمدويه.(255)

الشّمنّيّ:أحمد(872)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهاب الدّين القرافيّ.(684)

شهر بن حوشب.(100)

شيبان بن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

شيذلة:عزيزيّ.(494)

صالح المريّ.(؟)

الصّيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك بن مزاحم.(105)

طاوس بن كيسان.(106)

الطّبقجليّ:أحمد.(1213)

طلحة بن مصرّف.(112)

ص: 870

الطّيّبيّ:حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:...(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبد اللّه الهبطيّ.(؟)

عبد الوهّاب النّجّار.(1360)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عبّاد.(181)

العدويّ:...(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة بن عروة.(؟)

العطاء بن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

عكرمة بن عبد اللّه.(105)

العلاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد.(؟)

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن عبيد(144)

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

العوفيّ:عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:...(582)

الفارابيّ:محمّد.(339)

الفاسيّ(؟)

الفضل الرّقاشي.(200)

قتادة بن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

القلانسيّ:محمّد.(521)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكعبيّ:عبد اللّه.(319)

الكفعميّ:إبراهيم(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

كلنبويّ.(؟)

الكيا الطّبريّ(؟)

اللّؤلؤيّ:حسن.(204)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث بن المظفّر.(185)

الماتريديّ:محمّد.(333)

المازنيّ:بكر.(249)

مالك بن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

المالكيّ(؟)

الملويّ.(؟)

مجاهد:جبر.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

محبوب:...(؟)

ص: 871

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.(1323)

محمّد الشّيشنيّ.(؟)

مروان بن الحكم.(65)

المسهر بن عبد الملك.(؟)

مصلح الدّين اللاّريّ:محمّد.(979)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول بن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

مؤرّج السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

ميمون بن مهران.(117)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

نصر بن عليّ.(؟)

نعّوم بك:ابن بشّار.(1340)

نفطويه:إبراهيم.(323)

النّقّاش:محمّد.(351)

النّوويّ:يحيى.(676)

هارون بن حاتم.(728)

الهذليّ:قاسم.(175)

همّام بن حارث.(؟)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن جعدة.(؟)

يحيى بن سعيد.(؟)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يزيد بن قعقاع.(132)

يعقوب بن إسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 872

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.