المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 14

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ‫، 1419ق . ‫ = -1377.

مشخصات ظاهری : ‫ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : ‫دوره ‫ 964-444-179-6 : ؛ ‫دوره ‫ 978-964-444-179-0: ؛ ‫1430000 ریال (دوره، چاپ دوم)‮ ؛ ‫25000 ریال ‫: ج. 1 ‫ 964-444-180-X : ؛ ‫30000 ریال ‫: ج. 2 ‫ 964-444-256-3 : ؛ ‫32000 ریال ‫: ج. 3 ‫ 964-444-371-3 : ؛ ‫67000 ریال (ج. 10) ؛ ‫ج.12 ‫ 978-964-971-136-2 : ؛ ‫ج.19 ‫ 978-600-06-0028-0 : ؛ ‫ج.21 ‫ 978-964-971-484-4 : ؛ ‫ج.28 ‫978-964-971-991-7 : ؛ ‫ج.30 ‫ 978-600-06-0059-4 : ؛ ‫1280000 ریال ‫: ج.36 ‫ 978-600-06-0267-3 : ؛ ‫950000 ریال ‫: ج.37 ‫ 978-600-06-0309-0 : ؛ ‫1050000 ریال ‫: ج.39 ‫ 978-600-06-0444-8 : ؛ ‫1000000 ریال ‫: ج.40 ‫ 978-600-06-0479-0 : ؛ ‫ج.41 ‫ 978-600-06-0496-7 : ؛ ‫ج.43 ‫ 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).

يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، ‫1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، ‫ 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، ‫1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : ‫ BP66/4 ‫ ‮ /م57 1377

رده بندی دیویی : ‫ 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الموسوعة القرآنيّة الكبرى

المعجم فى فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته

المجلّد الرابع عشر

تأليف و تحقيق

قسم القرآن بمجمع البحوث الاسلاميّة

بإشراف مدير القسم الاستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانىّ

ص: 2

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 3

كتاب نخبة:

مؤتمر تكريم خدمة القرآن الكريم في ميدان الأدب المصنّف.1421 ق

الكتاب النّخبة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.1422 ق

مؤتمر الكتاب المنتخب الثّالث للحوزة العلميّة في قم.1422 ق

الدّورة الثّانية لانتخاب و عرض الكتب و المقالات الممتازة في حقل القرآن.1426 ق

الملتقى الثّاني للكتاب النّخبة الّذي يعقد كلّ سنتين في محافظة خراسان الرّضويّة.1426 ق

ص: 4

المحتويات

تصدير 7

ح م م 9

ح م ي 47

ح ن ث 79

ح ن ج ر 91

ح ن ذ 99

ح ن ف 109

ح ن ك 133

ح ن ن 145

ح و ب 165

ح و ت 175

ح و ج 185

ح و ذ 197

ح و ر 211

ح و ز 251

ح و ش 265

ح و ط 285

ح و ل 333

ح و ي 393

ح ي ث 413

ح ي د 423

ح ي ر 433

ح ي ص 449

ح ي ض 461

ح ي ف 477

ح اق 485

ح ي ن 495

ح ي ي 517

الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 849

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 857

ص: 5

ص: 6

تصدير

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

نحمد اللّه تبارك و تعالى،و نصلّي و نسلّم على رسوله المصطفى،و على آله أعلام الهدى،و على صحبه و التّابعين لهم بإحسان أولي الكرامة و النّهى.

و بعد،نشكر اللّه تعالى شكرا كثيرا على أن وفّقنا لإتمام المجلّد الرّابع عشر من موسوعتنا القرآنيّة الكبرى:«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و إهدائه لطالبي فقه لغة القرآن و أسرار بلاغته و رموز إعجازه،و طرائف تفسيره،و نخب تأويله،و لكلّ الّذين يتابعون بشوق و جدّ مجلّدات هذا الكتاب،مستعجلين الوقوف عليها مجلّدا بعد مجلّد،و مفردة بعد مفردة،و مقدّرين ثماره الكبيرة و فوائده الكثيرة،مشكورين.

و قد احتوى هذا الجزء على سبع و عشرين مفردة قرآنيّة من حرف الحاء-و به ينتهي هذا الحرف-ابتداء من«ح م م»و انتهاء ب«ح ي ي».و قد استوعب حرف الحاء حوالي خمس مجلّدات من هذا الكتاب:(10-14)و أوسع مفرداته،لا بل أوسع المفردات الّتي مضت في المجلّدات السّابقة،هي«ح ي ي»فقد شغلت 331 صفحة،و هذا العدد يزيد على تعداد صفحات مفردة«أ ل ه»من حرف الألف فقد استوعبت (310)صفحة من المجلّد الثّاني،مع تضاعف آياتها إلى(2851)،و عدد آيات«ح ي ي»(167)فحسب.

و هذا يدلّل على نظم القرآن رعاية الأهمّ فالأهمّ من المسائل عددا،فقد سبق منّا في المجلّد الثّالث عشر أنّ أطول مفرداته«الحقّ و الحكم»لكونهما لبّ القرآن و جوهر

ص: 7

الإسلام.و لا ريب أنّ«الحياة»-بما أنّها فعل اللّه و أكبر مخلوقاته الشّامل للإنسان و الحيوان و النّبات و النّفوس و القلوب،و الإنس و الجنّ و الملك،و بما أنّها من الصّفات الذّاتيّة للّه تعالى-تتطلّب البحث الكثير،و لعلّها تكون أطول المفردات في هذا المعجم على الإطلاق،و المستقبل سيحكم في ذلك.

نسأله تعالى التّوفيق و السّداد إلى آخر العمل،فبه لا بغيره نستعين في إنجاز الأمل.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة

بالآستانة المقدّسة الرّضويّة

ص: 8

ادامة حرف الحاء

ح م م

اشارة

4 ألفاظ،21 مرّة:18 مكّيّة،3 مدنيّة

في 15 سورة:12 مكّيّة،3 مدنيّة

حميم 12:11-1 حميما 3:2-1 الحميم 5:4-1 يحموم 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حمّ الأمر:قضي.و قدّروا:احتممت الأمر:

اهتممت،قال:كأنّه من اهتمام بحميم و قريب.

و الحمام:قضاء الموت.

و الحميم:الماء الحارّ.

و تقول:أحمّني الأمر.

و الحامّة:خاصّة الرّجل من أهله و ولده و ذوي قرابته.

و الحمّام:أخذ من«الحميم»تذكّره العرب.

و أحمّت الأرض،أي صارت ذات حمّى كثيرة.و حمّ الرّجل فهو محموم،و أحمّه اللّه.

و الحمّة:عين فيها ماء حارّ يستشفى فيه بالغسل.

و الحمّ:ما اصطهرت إهالته من الألية و الشّحم؛ الواحدة:حمّة.

و الحمم:المنايا؛واحدتها:حمّة.

و الحمم أيضا:الفحم البارد؛الواحدة:حممة.

و المحمّة:أرض ذات حمّى.

و جارية حمّة،أي سوداء كأنّها حممة.

و الأحمّ من كلّ شيء:الأسود؛و الجميع:الحمّ، و الحمّة:الاسم.

و الحمّة:ما رسب في أسفل النّحي من سواد ما احترق من السّمن.

و قوله تعالى: وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ هو الدّخان.

و الحمام:حمّى الإبل و الدّوابّ.

و تقول:حمّ هذا لذاك،أي قضي و قدّر و قصد.

و أحمّني فاحتممت.

و الحميم:الّذي يودّك و تودّه.

ص: 9

و الحمام:طائر،و العرب تقول:حمامة ذكر و حمامة أنثى؛و الجميع:حمام.

و الحميم:العرق.

و الحمّاء:الدّبر،لأنّه محمّم بالشّعر،و هو من قولك:

حمّ الفرخ،إذا نبت ريشه.

و اليحموم:من أسماء الفرس،على«يفعول»،يحتمل أن يكون بناؤه من الأحمّ الأسود،و من الحميم العرق.

و الحمحم:نبات.

و استحمّ الفرس،إذا عرق.

و الرّجل يطلّق المرأة فيحمّمها،أي يمتّعها تحميما.

و الحمحمة:صوت الفرس دون الصّوت العالي.

[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](3:33)

الكسائيّ: أجمّ الأمر و أحمّ،إذا حان وقته.

(الأزهريّ 4:14)

الحمام هو البرّيّ الّذي لا يألف البيوت،و هذه الّتي تكون في البيوت هي اليمام.(الأزهريّ 4:16)

ابن عيينة: كان مسلمة بن عبد الملك عربيّا،و كان يقول في خطبته:«إنّ أقلّ النّاس في الدّنيا همّا أقلّهم حمّا».

أراد بقوله:أقلّهم حمّا،أي متعة،و منه تحميم المطلّقة.

(الأزهريّ 4:17)

الأمويّ: حاممته محامّة:طالبته.(الأزهريّ 4:18)

الدّواجن الّتي تستفرخ في البيوت حمام أيضا.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 5:1906)

ابن شميّل: الإبل إذا أكلت النّدى أخذها الحمام و القماح.

فأمّا الحمام فيأخذها في جلدها حرّ حتّى يطلى جسدها بالطّين،فتدع الرّتعة و يذهب طرقها،يكون بها الشّهر ثمّ يذهب.

و أمّا القماح فإنّه يأخذها السّلاح و يذهب طرقها و رسلها و نسلها.يقال:قامح البعير فهو مقامح،و يقال:أخذ النّاس حمام قرّ.و هو الموم يأخذ النّاس.

(الأزهريّ 4:17)

الحمّة:حجارة سود تراها لازقة بالأرض،تقود في الأرض اللّيلة و اللّيلتين و الثّلاث،و الأرض تحت الحجارة تكون جلدا و سهولة،و الحجارة تكون متدانية و متفرّقة،تكون ملسا مثل الجمع و رءوس الرّجال؛ و جمعها:الحمام،و حجارتها متقلّع و لازق بالأرض، و تنبت نبتا كذلك ليس بالقليل و لا بالكثير.

(الأزهريّ 4:18)

الشّافعيّ: كلّ ما عبّ و هدر فهو حمام،يدخل فيه القماريّ و الدّباسيّ و الفواخت،سواء كانت مطوّقة أو غير مطوّقة،آلفة أو وحشيّة.(الأزهريّ 4:16)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال أبو زياد:حممت الخروج،أي أردت،تحمّ،و أزمع.(1:146)

طلّقتها فحمّمتها،أي زوّدتها.(1:147)

«خذ أخاك بحمّ استه»أي بحرّ ذاك،مثل.

(1:166)

الحمّ:القصد.[ثمّ استشهد بشعر](1:168)

الحامّة:مال الرّجل.(1:185)

و التّحميم:المتعة للمطلّقة.(1:208)

أحمّ و أجمّ:دنا.

ماء محموم و ممكول و مسمول و منقوص و مثمود،

ص: 10

بمعنى واحد.(الأزهريّ 4:14)

و حمحم الثّور،إذا نبّ و أراد السّفاد.

(الأزهريّ 4:20)

الفرّاء: أحمّ قدومهم:دنا،و يقال:أجمّ.

(الأزهريّ 4:14)

ما له حمّ و لا سمّ،و ماله حمّ و لا سمّ غيرك،أي ما له همّ غيرك.(الأزهريّ 4:18)

يقال:حممت ارتحال البعير،أي عجّلته.

(الجوهريّ 5:1904)

أبو عبيدة :الحمامة:حلقة الباب،و الحمامة من الفرس:القصّ.(الأزهريّ 4:21)

أبو زيد :الأحمّ:الأقرب.(121)

المحمومي:الشّديد الخضرة في سواد.و السّحاب إذا اشتدّ سواده فقد احمومى،و رأس الرّجل إذا اشتدّ سواده فقد احمومى.و إذا همز فهو من الحماء.(254)

أنا محامّ على هذا الأمر،أي ثابت عليه.

(الأزهريّ 4:18)

الأصمعيّ: أحمّ الأمر فهو يحمّ إحماما،و أمر محمّ؛ و ذلك إذا أخذك منه زمع و اهتمام.

و حمّ الأمر،إذا قدّر.و يقال:عجلت بنا و بكم حمّة الفراق،أي قدّر (1)الفراق،و نزل به حمامه،أي قدره و موته.

(الأزهريّ 4:14)

الحميم:العرق.و استحمّ الفرس،إذا عرق.[ثمّ استشهد بشعر]

استحمّ،إذا اغتسل بالماء الحميم.أحمّ نفسه،إذا غسلها بالماء الحارّ.

و شربت البارحة حميمة،أي ماء سخنا.

و يقال:جاء بمحمّ،أي بقمقم يسخّن فيه الماء.

(الأزهريّ 4:15)

اليمام:ضرب من الحمام برّيّ،و أمّا الحمام فكلّ ما كان ذا طوق،مثل القمريّ و الفاختة و أشباهها.

(الأزهريّ 4:16)

ما أذيب من الألية فهو حمّ إذا لم يبق فيه ودك؛ واحدته:حمّة،و ما أذيب من الشّحم فهو الصّهارة و الجميل.(الأزهريّ 4:17)

و يقال:حمّم الفرخ،إذا نبت ريشه.

و حمّمت وجه الرّجل،إذا سوّدته بالحمم،و حمّم رأسه بعد الحلق،إذا اسودّ.

الحمحم:الأسود،و الحمحم:نبات في البادية.

(الأزهريّ 4:20)

ما كان معناه قد حان وقوعه فهو أجمّ بالجيم،و إذا قلت:أحمّ بالحاء فهو قدّر.(الجوهريّ 5:1904)

[و كميت أحمّ:بيّن الحمّة]و في الكمتة لونان:يكون الفرس كميتا مدمّى،و يكون كميتا أحمّ.و أشدّ الخيل جلودا و حوافر الكمت الحمّ.(الجوهريّ 5:1905)

اللّحيانيّ: قال العامريّ:قلت لبعضهم:أ بقي عندكم شيء؟فقال:همهام،و حمحام،و محماح،و بحباح،أي لم يبق شيء.(الأزهريّ 4:21)

حممت حمّا؛و الاسم:الحمّى.(ابن سيده 2:553)

ابن الأعرابيّ: الحميم:القرابة،يقال:محمّ مقرب.

الحميم:الماء البارد.ق.

ص: 11


1- كذا في الأصل و سيأتي عن ابن السّكّيت:قدر الفراق.

الحميم:إن شئت كان ماء حارّا،و إن شئت كان جمرا تتبخّر به.

الحمامة:المرأة،و الحمامة:خيار المال،و الحمامة:

سعدانة البعير،و الحمامة:ساحة القصر النّقيّة،و الحمامة:

بكرة الدّلو.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحمامة:المرأة الجميلة.

يقال لسمّ العقرب:الحمّة و الحمة.

(الأزهريّ 4:14-19)

خذ أخاك بحمّ استه،أي خذه بأوّل ما يسقط به من الكلام.(ابن سيده 2:554)

حمومة:ملك من ملوك اليمن،و أظنّه أسود،يذهب إلى اشتقاقه من الحمّة الّتي هي السّواد.

(ابن سيده 2:557)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّ رجلا أوصى بنيه،فقال:إذا أنا متّ فاحرقوني بالنّار حتّى إذا صرت حمما فاسحقوني،ثمّ ذروني في الرّيح لعلّي أضلّ اللّه».

الحمم:الفحم؛واحدتها:حممة،و به سمّي الرّجل:

حممة.(1:120)

في حديث عبد الرّحمن بن عوف رحمه اللّه:«أنّه طلّق امرأته فمتّعها بخادم سوداء حمّمها إيّاها»قوله:حمّمها إيّاها،يعني متّعها بها بعد الطّلاق،و كانت العرب تسمّيها:

التّحميم.

و حمّ الرّجل،و أحمّه اللّه فهو محموم.

يقال:حممت حمّه،أي قصدت قصده.

اليحموم:الأسود من كلّ شيء.

و حمّم رأسه بعد الحلق،إذا اسودّ.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](الأزهريّ 4:17-20)

ابن السّكّيت: السّامّة:الخاصّة،و الحامّة:العامّة.

(39)

يقال:لا حمّ من ذلك و لا رمّ،أي لا بدّ منه،و ما لي من ذاك بدّ و ما لي عنه وعي.[ثمّ استشهد بشعر](270)

و يقال:نزل به حمامه و قدره،و قد حمّ الأمر:قدّر، و عجلت بنا و بكم حمّة الفراق،أي قدر الفراق.[ثمّ استشهد بشعر](455)

و يقال:أنت من حبّة نفسي و حبّة نفسي،و من حمّة نفسي،أي ممّن تحبّه نفسي.(465)

الحميمة،و جمعها:حمائم:كرائم الإبل.يقال:أخذ المصدّق حمائم الإبل،أي كرائمها.

الحميمة:الماء يسخّن،يقال:أحمّوا لنا الماء،و هو من المحض إذا أسخن.(إصلاح المنطق:354 و 356)

أحمّت الحاجة و أجمّت،إذا دنت.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 4:14)

شمر:الحميم:المطر الّذي يكون في الصّيف حين تسخن الأرض.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:15)

ابن أبي اليمان :الحميم:العرق.(533)

الحربيّ: الاستحمام:العرق.(2:473)

المبرّد: الحمّ:السّود.(1:43)

كلّ مطوّقة عند العرب حمامة كالدّبسيّ،و القمريّ، و الورشان،و ما أشبه ذلك.(2:98)

يقال للواحد ذكرا كان أو أنثى:حمامة؛و الجمع:

الحمام و الحمامات.(2:99)

قوله:حمّت،معناه:قدرت.(2:151)

ص: 12

كراع النّمل:الحميمة:كرام الإبل،فعبّر بالجمع عن الواحد.(ابن سيده 2:557)

الزّجّاج: و حمّت الحاجة و أحمّت،إذا دنت.

(فعلت و أفعلت:11)

ابن دريد :حمّ اللّه له كذا و كذا،إذا قضاه له،و أحمّه أيضا.

و فرس أحمّ بيّن الحمّة،و هي بين الدّهمة و الكمتة.

و الحمّ:الشّحم المذاب،فما بقي منه فهو حمّة.

فأمّا الحمة فهي مخفّفة،و هي حدّة السّمّ،و ليس بإبرة العقرب،و ليست من هذا.

و حمّ الرّجل:من الحمّى،فهو محموم.و كلّ شيء سخّنته فقد حمّمته تحميما.

و يقال:حممت التّنّور،إذا سجرته.

و حمّم الفرخ،إذا نبت زغبه،و كذلك حمّم الرّأس،إذا حلق ثمّ نبت شعره.

و الحمّة:عين حارّة تنبع من الأرض،و لا يجوز أن تكون باردة.

و الحمام عرق الخيل إذا حمّت.(1:64)

المحمّم:الفرخ الّذي قد بدا ريشه.يقال:حمّم الفرخ تحميما.(1:91)

و يحموم و هو الدّخان،و كذلك فسّر في التّنزيل، و اللّه أعلم.

و كلّ أسود:يحموم.و كان للنّعمان فرس يسمّى اليحموم.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:384)

السّجستانيّ: و زعموا أنّ الأصمعيّ قال:الحميم:

الماء الحارّ و الماء البارد،و لا أعرفه.(الأضداد:152)

القاليّ: الحنش:الحيّة،و الحمّة:سمّه و ضرّه.

(2:245)

الأزهريّ: قالت الكلابيّة:أحمّ رحيلنا فنحن سائرون غدا،و أجمّ رحيلنا فنحن سائرون اليوم،إذا عزمنا أن نسير من يومنا.

الحميم عند ابن الأعرابيّ من الأضداد،يكون الماء الحارّ و يكون البارد.

و يقال:اشرب على ما تجد من الوجع حسا من ماء حميم،تريد جمع حسوة من ماء حارّ.

و يقال:طاب حميمك و حمّتك:للّذي يخرج من الحمّام،أي طاب عرقك.[و نقل كلام الشّافعيّ ثمّ قال:]

جعل الشّافعيّ اسم الحمام واقعا على ما عبّ و هدر لا على ما كان ذا طوق،فيدخل فيها الورق الأهليّة و المطوّقة الوحشيّة.

و معنى عبّ،أي شرب نفسا نفسا حتّى يروى،و لم ينقر الماء نقرا،كما يفعله سائر الطّير.و الهدير:صوت الحمام كلّه.

يقال:حمّ البعير حماما،و حمّ الرّجل حمّى شديدة.

و في الحديث:«مثل العالم مثل الحمّة يأتيها البعداء و يتركها القرباء،فبينا هي كذلك إذ غار ماؤها،و قد انتفع بها قوم و بقي أقوام يتفكّنون»أي يتندّمون.

[و نقل كلام اللّيث و الأصمعيّ في معنى الحمّ ثمّ قال:]

و الصّحيح ما قاله الأصمعيّ.

و سمعت العرب تقول:ما أذيب من سنام البعير حمّ، و كانوا يسمّون السّنام الشّحم.

و يقال:عجلت بنا حمّة الفراق و حمّة الموت،و فلان

ص: 13

حمّة نفسي و حبّة نفسي.

«قال ابن الأعرابيّ: يقال لسمّ العقرب:الحمّة و الحمة»و غيره لا يجيز التّشديد يجعل أصله:حموة.

اليحموم:اسم فرس كان للنّعمان بن المنذر،سمّي يحموما لشدّة سواده.و هو«يفعول»من الأحمّ الأسود.

و في حديث أنس:أنّه كان إذا حمّم رأسه بمكّة خرج فاعتمر.

[و نقل كلام اللّيث في معنى الحمحمة ثمّ قال:]

كأنّه حكاية صوته إذا طلب العلف،أو رأى صاحبه الّذي كان ألفه فاستأنس إليه.

هو[الحمحم]الشّقّارى،و له حبّ أسود،و قد يقال له:الخمخم بالخاء.

و حمومة:اسم جبل في البادية.

و ثياب التّحمّة:ما يلبس المطلّق امرأته إذا متّعها.

و نبت يحموم:أخضر ريّان أسود.

و الحمام:السّيّد الشّريف.أراه في الأصل:الهمام، فقلبت الهاء حاء.

و اليحاميم:الجبال السّود.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](4:14-21)

الصّاحب:حمّ هذا الأمر و أحمّ:مضى قضاؤه.

و الحمام:قضاء الموت؛الواحدة:حمّة.و لقي فلان حمّته،أي منيّته.

و أحمّني هذا الأمر،و احتممت له:في معنى اهتممت.

و حاجة محمّة و مهمّة.

و حمّة الغضب:معظمه.

و حمّت حاجتي و أحمّت،و حمّت و أحمّت.

و الحميم:القريب تودّه و يودّك.

و الحامّة:خاصّة الرّجل من ذوي قرابته،و خيار ماله.

و حوامّ المال:أعزّه،و حمائمه مثله.

و الحمّى:معروفة.و أحمّه اللّه فهو محموم.

و الحميم:الماء الحارّ.

و المحمّ:القمقم،و الحمّام مشتقّ منه،و هو العرق.

و الحميمة:الماء يسخّن على النّار.

و الحمام:حمّى الإبل و الدّوابّ.و حمّى الإنسان.

و المحمّة:أرض ذات حمّى،أو طعام يحمّ عنه.

و الحمّة:عين فيها ماء حارّ.

و الحمّ:الحرّ،و ما اصطهرت إهالته من الألية؛ الواحدة:حمّة.

و الحمم:الفحم البارد.

و جارية حممة:سوداء.

و حمّمت وجه الرّجل:سوّدته بالحمم.

و الحمم:مصدر الأحمّ-و الجميع:الحمّ-الأسود من كلّ شيء؛و الاسم:الحمّة.

و اليحموم:الدّخان،و فرس النّعمان.

و حمّم الفرخ:نبت ريشه.

و التّحمّم:التّمتّع.

و الحمحم:الأسود من كلّ شيء،و نبت معروف غير الخمخم.

و الحمحم-بضمّتين:شجرة خضراء.

و الحمحمة:صوت للبرذون دون الصّوت العالي، و كذلك للثّور.

ص: 14

و حمّان:حيّ من تميم.

و الحميم:المطر بين الخريف و الصّيف.

و الحمّ:القصد،لأحمّنّ حمّك.

و الحمّاء:الدّبر.

و الحميماء:الحمّرة.

و الحمام:معروف.و العرب تسمّي كلّ طير زرق حماما،و يقولون:أحمق من حمامة.

و الحمامة:اسم رملة،و اسم ماء أيضا،و المرآة.

و هو من حمّة نفسي،أي ممّن أحبّه.

و حمّة الشّيء:حدّته و بريقه.

و حمّة المال:خيرته.

و حممت ارتحال البعير:عجّلته.

و لا حمّ منه،أي لا بدّ.(2:324)

الخطّابيّ: في حديث:«إنّ وفد ثقيف لمّا انصرف كلّ رجل منهم إلى حامّته...»حامّة الرّجل:خاصّة أهله، و هي السّامّة أيضا.يقال:كيف السّامّة و العامّة؟

(1:579)

و في حديث:«...إنّا جئناك في غير محمّة و لا عدم».

المحمّة:الحاجة اللاّزمة للإنسان.يقال:أحمّت الحاجة.

(2:18)

و في حديث:«...و أن يتّقوا قتلهم إذا التقى الزّحفان و عند حمّة النّهضات».حمّة النّهضات:شدّتها و معظمها، و حمّة كلّ شيء معظمه.يقال:حمّة الحرّ،و يقال:حمّ له قضاء اللّه،بمعنى قدّر له،و حمّ الأمر:قدره.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:118)

الجوهريّ: الحمّ:ما يبقى من الألية بعد الذّوب؛ الواحدة:حمّة.و الحمّ:ما أذيب منها.

و حممت الألية،أي أذبتها.

و الحمّة:العين الحارّة يستشفي بها الأعلاّء و المرضى، و في الحديث:«العالم كالحمّة».

و حممت حمّك،أي قصدت قصدك.

و حممت الماء،أي سخّنته أحمّ،بالضّمّ في جميع ذلك.

و حمّ أيضا بمعنى قدّر.و حمّ الشّيء و أحمّ،أي قدّر، فهو محموم.

و حمّت الجمرة تحمّ بالفتح،إذا صارت حممة.

و يقال أيضا:حمّ الماء،أي صار حارّا.

و أحمّه أمر،أي أهمّه.

و أحمّ خروجنا،أي دنا.

و حمّ الرّجل:من الحمّى.و أحمّه اللّه عزّ و جلّ فهو محموم،و هو من الشّواذّ.

و أحمّت الأرض:صارت ذات حمّى.

و الحميم:الماء الحارّ،و الحميمة مثله.و قد استحممت،إذا اغتسلت به.هذا هو الأصل،ثمّ صار كلّ اغتسال استحماما بأيّ ماء كان.

و أحممت فلانا،إذا غسلته بالحميم.

و يقال:أحمّوا لنا من الماء،أي أسخنوا.

و الحميم:المطر الّذي يأتي في شدّة الحرّ.

و الحميم:العرق،و قد استحمّ،أي عرق.

و حميمك:قريبك الّذي تهتمّ لأمره.

و الحميم:القيظ.

و المحمّ بالكسر:القمقم الصّغير يسخّن فيه الماء.

و حمّم امرأته،أي متّعها بشيء بعد الطّلاق.

ص: 15

و حمّم الفرخ،أي طلع ريشه.

و حمّم رأسه،إذا اسودّ بعد الحلق.

و حممت الرّجل:سخّمت وجهه بالفحم.

و الحمحم بالكسر:الشّديد السّواد.

و الأحمّ:الأسود.تقول:رجل أحمّ بيّن الحمم.

و أحمّه اللّه سبحانه:جعله أحمّ.

و كميت أحمّ بيّن الحمّة.

و الحمم:الرّماد و الفحم و كلّ ما احترق من النّار؛ الواحدة:حممة.

و حمحم الفرس و تحمحم،و هو صوته إذا طلب العلف.

و اليحموم:اسم فرس النّعمان بن المنذر.

و اليحموم أيضا:الدّخان.

و الحمّاء،على«فعلاء»:سافلة الإنسان؛و الجمع:

حمّ.

و الحميمة:واحدة الحمائم،و هي كرائم المال.يقال:

أخذ المصدّق حمائم الإبل،أي كرائمها.

و يقال ما له سمّ و لا حمّ غيرك،أي ما له همّ غيرك.

و قد يضمّان أيضا.

و ما لي منه حمّ و حمّ،أي بدّ.

و احتممت،مثل اهتممت.

و الحمام بالكسر:قدر الموت.

و الحمّة بالضّمّ:السّواد.و حمّة الحرّ أيضا:معظمه.

و حمّة الفراق أيضا:ما قدّر و قضي.

و أمّا حمة العقرب:سمّها،فهي مخفّفة الميم،و الهاء عوض،و قد ذكرناه في المعتلّ.

و الحمام عند العرب:ذوات الأطواق،من نحو الفواخت،و القماريّ،و ساق حرّ،و القطا،و الوراشين و أشباه ذلك،يقع على الذّكر و الأنثى،لأنّ الهاء إنّما دخلته على أنّه واحد من جنس،لا للتّأنيث.و عند العامّة أنّها الدّواجن فقط؛الواحدة:حمامة.

و جمع الحمامة:حمام،و حمامات و حمائم.و ربّما قالوا:

حمام للواحد.

و الحمّام مشدّدا:واحد الحمّامات المبنيّة.

و الحمام بالضّمّ:حمّى الإبل.

و أرض محمّة:ذات حمّى.

و الحامّة:الخاصّة.يقال:كيف الحامّة و العامّة؟ و هؤلاء حامّة الرّجل،أي أقرباؤه.

و إبل حامّة،إذا كانت خيارا.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](5:1904)

ابن فارس: الحاء و الميم فيه تفاوت،لأنّه متشعّب الأبواب جدّا.فأحد أصوله اسوداد،و الآخر الحرارة، و الثّالث الدّنوّ و الحضور،و الرّابع جنس من الصّوت، و الخامس القصد.

فأمّا السّواد فالحمم:الفحم.و منه اليحموم،و هو الدّخان.

و الحمحم:نبت أسود،و كلّ أسود حمحم.

و يقال:حمّمته،إذا سخّمت وجهه بالسّخام،و هو الفحم.

و من هذا الباب:حمّم الفرخ،إذا طلع ريشه.

و أمّا الحرارة فالحميم:الماء الحارّ،و الاستحمام:

الاغتسال به.و منه الحمّ،و هي الألية تذاب،فالّذي يبقى

ص: 16

منها بعد الذّوب حمّ؛واحدته:حمّة.

و منه الحميم،و هو العرق.

و منه الحمام،و هو حمّى الإبل.و يقال:أحمّت الأرض، إذا صارت ذات حمّى.

و أمّا الدّنوّ و الحضور فيقولون:أحمّت الحاجة:

حضرت،و أحمّ الأمر:دنا.

و أمّا الصّوت فالحمحمة،حمحمة الفرس عند العلف.

و أمّا القصد فقولهم حممت حمّه،أي قصدت قصده.

و ممّا شذّ عن هذه الأبواب قولهم:طلّق الرّجل امرأته و حمّمها،إذا متّعها بثوب أو نحوه.

و أمّا قولهم:احتمّ الرّجل،فالحاء مبدلة من هاء،و إنّما هو من اهتمّ.[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](2:23)

الثّعالبيّ: كلّ ما أذيب من الألية فهو حمّ و حمّة.

فإذا اسودّ[السّحاب]و تراكب فهو المحمومي.

(39 و 275)

ابن سيده: حمّ الأمر حمّا:قضي،و حمّ له ذلك:

قدّر.

و حمّ اللّه له كذا و أحمّه:قضاه.

و الحمام:قضاء الموت و قدره.و حمّة المنيّة و الفراق منه،و يقال:عجلت بنا و بكم حمّة الفراق؛و الجمع:حمم و حمام.

و هذا حمّ لذلك،أي:قدر.

و حمّ حمّه:قصد قصده.

و حامّه:قاربه.و أحمّ الشّيء:دنا و حضر.

و الحميم:القريب؛و الجمع:أحمّاء.و قد يكون الحميم للواحد و الجميع و المؤنّث بلفظ واحد.و المحمّ كالحميم.

و حمّني الأمر و أحمّني:أهمّني.و احتمّ له:اهتمّ.

و احتمّ الرّجل:لم ينمّ من الهمّ.

و احتمّت عيني:أرقت من غير وجع.

و ما له حمّ و لا سمّ غيرك،أي همّ،و فتحهما لغة، و كذلك ما له حمّ و لا رمّ و حمّ و لا رمّ،و ما لك عن ذلك حمّ و لا رمّ،و حمّ و لا رمّ،أي بدّ.

و ما له حمّ و لا رمّ،أي قليل و لا كثير.

و هو من حمّة نفسي،أي من حبّتها،و قيل:الميم بدل من الباء.

و الحامّة:العامّة،و هي أيضا خاصّة الرّجل من أهله و ولده.

و حمّ الشّيء:معظمه.

و أتيته حمّ الظّهيرة،أي في شدّة حرّها.

و الحميم و الحميمة جميعا:الماء الحارّ.

و الحميمة أيضا:المحض إذا سخّن،و قد أحمّه و حمّمه.

و كلّ ما سخّن فقد حمّم.

و الحمّام:الدّيماس مشتقّ من الحميم،مذكّر،و هو أحد ما جاء من الأسماء على«فعّال»نحو القذّاف و الجبّان؛و الجمع:حمّامات.قال سيبويه:جمعوه بالألف و التّاء و إن كان مذكّرا حين لم يكسّر،جعلوا ذلك عوضا عن التّكسير.

و الحمّة:عين فيها ماء حارّ يستشفى بالغسل منه.

و الاستحمام:الاغتسال بالماء الحارّ،و قيل:هو الاغتسال بأيّ ماء كان.

و حمّ التّنّور:سجره و أوقده.

و الحميم:المطر الّذي يأتي بعد أن يشتدّ الحرّ،لأنّه

ص: 17

حارّ.

و الحميم:العرق.

و استحمّ الرّجل:عرق،و كذلك الدّابّة.

فأمّا قولهم لداخل الحمّام إذا خرج:طاب حميمك،

فقد يعنى به الاستحمام،و هو مذهب أبي عبيد.و قد يعنى به العرق،أي طاب عرقك.و إذا دعي له بطيب العرق فقد دعي له بالصّحّة،لأنّ الصّحيح يطيب عرقه.

و الحمّى و الحمّة:علّة يستحرّ بها الجسم،من الحميم.و أمّا حمّى الإبل فبالألف خاصّة.

و حمّ الرّجل:أصابه ذلك،و أحمّه اللّه،و هو محموم.

و قال ابن دريد:«هو محموم به».و لست منها على ثقة، و هي أحد الحروف الّتي جاء فيها مفعول من«أفعل»، لقولهم:«فعل»،و كأنّ حمّ:وضعت فيه الحمّى،كما أن فتن:وضعت فيه الفتنة.و قد أنعمت شرح هذا الضّرب من المقاييس في كتاب المصادر و الأفعال من الكتاب «المخصّص».

و قال اللّحيانيّ: حممت حمّا؛و الاسم:الحمّى، و عندي أنّ الحمّى مصدر كالبشرى و الرّجعى.

و أرض محمّة:كثيرة الحمّى،و قيل:ذات حمّى.

و حكى الفارسيّ محمّة،و اللّغويّون لا يعرفون ذلك غير أنّهم قالوا:كان من القياس أن يقال.

و قالوا:أكل الرّطب محمّة،أي يحمّ عليه الآكل، و قيل:كلّ طعام حمّ عليه:محمّة.

و الحمام:حمّى جميع الدّوابّ،جاء على عامّة ما تجيء عليه الأدواء.

و الحمّ:ما أذبت إهالته من الألية و الشّحم؛واحدته:

حمّة.و قيل:الحمّ ما يبقى من الإهالة،أي الشّحم المذاب.

و حمّ الشّحمة يحمّها حمّا:أذابها.

و الحمّة:لون بين الدّهمة و الكمتة،يقال:فرس أحمّ بيّن الحمّة.

و الأحمّ:الأسود من كلّ شيء.

و قيل:الأحمّ:الأبيض-عن الهجريّ-ضدّ.

و قد حممت حمما و احموميت و تحمّمت و تحمحمت؛ و الاسم:الحمّة.

و الحمّاء:الاست لسوادها،صفة غالبة.

و الحمحم،و الحماحم جميعا:الأسود.

و الحمم:الفحم؛واحدته:حممة.

و حمّم الرّجل:سخّم وجهه بالحمم.

و جارية حممة:سوداء.

و اليحموم:الأسود من كلّ شيء«يفعول»من الأحمّ.

و اليحموم:الدّخان.

و الحمّة:دون الحوّة.و شفة حمّاء،و كذلك لثة حمّاء.

و حمّمت الأرض:بدا نباتها أخضر إلى السّواد.

و حمّم الفرخ:طلع ريشه،و قيل:نبت زغبه.

و حمّم الرّأس:نبت شعره بعد ما حلق.

و حمّم الغلام:بدت لحيته.

و حمّم المرأة:متّعها بعد الطّلاق.

و قوله في حديث عبد الرّحمن بن عوف:«أنّه طلّق امرأته فمتّعها بخادم سوداء حمّمها إيّاها».عدّاه إلى مفعولين،لأنّه في معنى أعطاها إيّاها.و يجوز أن يكون أراد:حمّمها بها،فحذف و أوصل.

ص: 18

و الحمام من الطّير:البرّيّ الّذي لا يألف البيوت.

و قيل:هو كلّ ما كان ذا طوق كالقمريّ و الفاختة و أشباههما؛واحدته:حمامة،و هي تقع على المذكّر و المؤنّث،كالحيّة و النّعامة و نحوهما؛و الجمع:حمائم،و لا يقال للذّكر:حمام.

و الحمامة:وسط الصّدر.

و الحمامة:المرأة.

و حمامة:موضع معروف.

و الحمائم:كرائم الإبل؛واحدتها:حميمة.

و حمّة و حمّة:موضع.

و الحمام:اسم رجل.

و حمّان:حيّ من تميم،أحد حيّي بني سعد بن زيد مناة بن تميم.

و حمومة:ملك من ملوك اليمن،حكاه ابن الأعرابيّ.

قال:«و أظنّه أسود،يذهب إلى اشتقاقه من الحمّة الّتي هي السّواد»،و ليس بشيء،و قالوا:جارا حمومة، فحمومة هو هذا الملك،و جاراه مالك ابن جعفر بن كلاب و معاوية بن قشير.

و الحمحمة:صوت البرذون عند الشّعير،و قد حمحم.

و قيل:الحمحمة و التّحمحم:عرّ الفرس حين يقصّر في الصّهيل و يستعين بنفسه.

و الحمحم:نبت؛واحدته حمحمة.قال أبو حنيفة:

الحمحم و الخمخم واحد.

و الحماحم:ريحانة معروفة؛الواحدة:حماحمة.و قال مرّة:الحماحم بأطراف اليمن كثيرة و ليست ببرّيّة،و تعظم عندهم.و قال مرّة:الحمحم:عشبة كثيرة الماء لها زغب أخشن،تكون أقلّ من الذّراع.

و الحماحم و الحمحم:الأسود،و شاة حمحم-بغير هاء-:سوداء.

و الحمحم و الحمحم،جميعا:طائر.

و اليحموم:موضع بالشّام.[و استشهد بالشّعر 23 مرّة](2:550)

الحمّام:المغتسل،و تأنيثه أغلب من تذكيره، فيقال:هو الحمّام و هي الحمّام؛الجمع:حمّامات.

(الإفصاح 1:564)

الحمام:هو عند العرب كلّ ذي طوق من الفواخت، و القماريّ،و ساق حرّ،و القطا،و الدّواجن،و الوراشين، و أشباه ذلك،و يقع على الذّكر و الأنثى،فيقال:حمامة ذكر،و حمامة أنثى.و العامّة تخصّ الحمام بالدّواجن.

و الحمحم و الحمحم:حمامة طويلة الذّنب أصغر من الدّبسيّ،و هو حمام الوحش.

اليمام:الحمام البرّيّ.و قيل:حمام الوحش؛الواحدة:

يمامة أو هي بعظم الحمامة كدراء اللّون،بين القصيرة و الطّويلة،ضخمة الرّأس،تكون في الشّجر و الصّحاري.

و الفرق بين الحمام الّذي عندنا و اليمام:أنّ أسفل ذنب الحمامة ممّا يلي ظهره إلى البياض،و كذلك حمام الأمصار، و أسفل ذنب اليمامة لا بياض به.(الإفصاح 2:886)

الرّاغب: الحميم:الماء الشّديد الحرارة.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و قيل للماء الحارّ في خروجه من منبعه:حمّة، و روي:العالم كالحمّة يأتيها البعداء و يزهد فيها القرباء.

ص: 19

و سمّي العرق حميما على التّشبيه.

و استحمّ الفرس:عرق.

و سمّي الحمّام حمّاما إمّا لأنّه يعرّق،و إمّا لما فيه من الماء الحارّ.

و استحمّ فلان:دخل الحمّام.

فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ الشّعراء:100،101، وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً المعارج:10،فهو القريب المشفق،فكأنّه الّذي يحتدّ حماية لذويه.

و قيل لخاصّة الرّجل:حامّته،فقيل:الحامّة و العامّة، و ذلك لما قلنا،و يدلّ على ذلك أنّه قيل للمشفقين من أقارب الإنسان:حزانته،أي الّذين يحزنون له.

و احتمّ فلان لفلان:احتدّ؛و ذلك أبلغ من اهتمّ،لما فيه من معنى الاحتمام.

و أحمّ الشّحم أذابه و صار كالحميم وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ الواقعة:43،للحميم،فهو«يفعول»من ذلك.

و قيل:أصله الدّخان الشّديد السّواد،و تسميته إمّا لما فيه من فرط الحرارة،كما فسّره (1)في قوله:

لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ الواقعة:44،أو لما تصوّر فيه من الحممة.

فقد قيل للأسود:يحموم،و هو من لفظ الحممة،و إليه أشير بقوله: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ الزّمر:16.

و عبّر عن الموت:بالحمام،كقولهم:حمّ كذا،أي قدّر، و الحمّى سمّيت بذلك إمّا لما فيها من الحرارة المفرطة، و على ذلك قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«الحمّى من فيح جهنّم»و إمّا لما يعرض فيها من الحميم،أي العرق،و إمّا لكونها من أمارات الحمام،لقولهم:«الحمّى بريد الموت»،و قيل:

«باب الموت».

و سمّي حمّى البعير حماما بضمّة الحاء،فجعل لفظه من لفظ الحمام،لما قيل:إنّه قلّما يبرأ البعير من الحمّى.

و قيل:حمّم الفرخ،إذا اسودّ جلده من الرّيش،و حمّم وجهه:اسودّ بالشّعر،فهما من لفظ الحممة.

و أمّا حمحمة الفرس فحكاية لصوته،و ليس من الأوّل في شيء.(130)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:497)

الزّمخشريّ: أسود أحمّ و يحموم.و هو أحمّ المقلتين.

و حمّم وجه الزّاني:سخّم،و في الحديث:«الزّاني يحمّم و يجبّه و يجلد».

و حمّم الفرخ:طلع زغبه.

و حمّم وجه فلان،إذا خرج وجهه و التحى.

و حمّم رأس المحلوق:نبت شعره بعد الحلق،و هو من الحمم و هو الفحم.

و طلّق امرأته و حمّمها،أي متّعها.

و توضّأ بالحميم و هو الماء الحارّ.

و استحمّ الرّجل:اغتسل،و استحمّ:دخل الحمّام.

و بضّ حميمه،أي عرقه.

و يقال للمستحمّ:طابت حمّتك و حميمك،و إنّما يطيب العرق على المعافى،و يخبث على المبتلى،فمعناه أصحّ اللّه جسمك،و هو من باب الكناية.).

ص: 20


1- و هو قول ابن سيده:اللّسان(ح م م).

و سخّن الماء بالمحمّ،و هو القمقم أو المرجل.

«و مثل العالم كمثل الحمّة»و هي العين الحارّة.

و ذابوا ذوب الحمّ،و هو ما اصطهرت إهالته من الألية.

و حمّ الرّجل حمّى شديدة،و هو محموم.

و خيبر أرض محمّة.

و هو حميمي،و هي حميمتي،أي وديدي و وديدتي، و هم أحمّائي.

و تقول المرأة:هم أحمائي و ليسوا بأحمّائي.

و عرف ذلك العامّة و الحامّة،أي الخاصّة.و هو مولاي الأحمّ،أي الأخصّ و الأحبّ.

و حمّ الأمر:قضي.و حمّ حمامه.و نزل به القدر المحموم،و القضاء المحتوم.

و تركت أرض بني فلان و كأنّ عضاهها سوق الحمام، يريد حمرة أغصانها.

و من المجاز:أخذ المصدّق حمائم أموالهم،أي كرائمها؛ الواحدة:حميمة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(أساس البلاغة:96)

«ابن عمر كان يتوضّأ و يغتسل بالحميم»هو الماء الحارّ.

«أنس رضي اللّه عنه كان يقيم بمكّة فإذا حمّم رأسه خرج فاعتمر».هو أن ينبت بعد الحلق فيسودّ،من حمّم الفرخ، إذا اسودّ جلده من الرّيش،و حمّم وجه الغلام.

[مضى في حديث عبد الرّحمن]«حمّمها إيّاها»أي أعطاها الجارية على وجه التّحميم،و هو إعطاء متعة الطّلاق خاصّة.و كأنّهم كانوا يجعلونها من حامّة مالهم، أي من خياره.يقال:لفلان إبل حامّة،إذا كانت خيارا.

(الفائق 1:320 و 321 و 357)

[و في حديث الدّجّال]«و تنزع حمة كلّ دابّة».

الحمة:فوعة السّمّ،و هي حرارته و فورته،و«فعلة» من«حمى».(الفائق 3:60)

في حديث ابن سيرين رحمه اللّه:«أنّه نهى عن الرّقى إلاّ في ثلاث:رقية النّملة و الحمة و النّفس»الحمة:السّمّ،يريد:

لدغ العقرب،و أشباهها.

[و في حديث النّبيّ]«عند حمّة النّهضات»أي عند شدّتها و معظمها،من قول أبي زيد:حمّة الغضب:معظمه، يقال:جعلت به حمّتي و أكّتي.و هو أن يحتمّ الإنسان و يحتدم،و أصلها من الحمّ:الحرارة.أو عند فورتها و حدّتها،من قولهم:حمّة السّنان و حمته،بالتّخفيف:

لحدّته و شباته.أو عند قدر النّهضات من قول الأصمعيّ:

عجلت بنا و بكم حمّة الفراق.(الفائق 4:26 و 113)

الطّبرسيّ: اليحموم:الأسود الشّديد السّواد باحتراق النّار،و هو«يفعول»من الحمّ و هو الشّحم المسودّ باحتراق النّار.يقال:حمّمت الرّجل،إذا أسخمت وجهه بالفحم.(5:220)

المدينيّ: في الحديث:«لا أعرفنّ أحدا يجيء يوم القيامة بفرس له حمحمة».الحمحمة و التّحمحم:الصّوت دون الصّهيل.و قيل:هو صوت الفرس عند العلف و طلبه.و يقال للثّور أيضا:حمحمة.

في حديث عبد اللّه بن مغفّل رضي اللّه عنه،قال:«يكره البول في المستحمّ».المستحمّ:الموضع الّذي يغتسل فيه بالحميم،و هو الماء الحارّ.

ص: 21

و منه حديث ابن عبّاس،رضي اللّه عنهما:«أنّ امرأة استحمّت من جنابة،فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يستحمّ من فضلها».

أصل الاستحمام:أن يكون بالحميم،ثمّ يقال للاغتسال:

الاستحمام،بأيّ ماء كان.

في حديث طلق:«كنّا بأرض و بيئة محمّة»أي ذات حمّى،كالمأسدة و المضبّة،و أحمّت الأرض:صارت ذات حمّى فهي محمّة،و أحمّه اللّه عزّ و جلّ.

و قيل:محمّة:ذات حمّى،و طعام محمّ:يجلب الحمّى، فعلى هذا يجوز محمّة،و محمّة،و محمّة.

في شعر عبد اللّه بن رواحة،رضي اللّه عنه:

*هذا حمام الموت قد صليت*

قيل:الحمام:قضاء الموت،من قولهم:حمّ كذا،أي قدّر.

في الحديث:«كان يعجبه النّظر إلى الأترجّ،و إلى الحمام الأحمر».قال أبو عمر هلال:الحمام يعني به التّفّاح،و هذا التّفسير لم أره لغيره.(1:500)

ابن برّيّ: حماحم:لون من الصّبغ أسود،و النّسب إليه حماحميّ.(ابن منظور 12:161)

ابن الأثير: في حديث الرّجم:«أنّه مرّ بيهوديّ محمّم مجلود»أي مسودّ الوجه،من الحممة:الفحمة؛و جمعها:حمم.

و حديث لقمان بن عاد:«خذي منّي أخي ذا الحممة»أراد سواد لونه.

و منه حديث ابن زمل:«كأنّما حمّم شعره بالماء»أي سوّد، لأنّ الشّعر إذا شعث اغبرّ،فإذا غسل بالماء ظهر سواده.

و يروى بالجيم،أي جعل جمّة.

و منه حديث قسّ:«الوافد في اللّيل الأحمّ»أي الأسود.

و منه خطبة مسلمة:«إنّ أقلّ النّاس في الدّنيا همّا أقلّهم حمّا»أي مالا و متاعا،و هو من التّحميم:المتعة.

و في حديث أبي بكر:«إنّ أبا الأعور السّلميّ قال له:إنّا جئناك في غير محمّة،يقال:أحمّت الحاجة،إذا أهمّت و لزمت.

و فيه:«مثل العالم مثل الحمّة».الحمّة:عين ماء حارّ يستشفي بها المرضى.

و منه حديث الدّجّال:«أخبروني عن حمّة زغر» أي عينها.

و زغر:موضع بالشّام.

و فيه:«لا يبولنّ أحدكم في مستحمّه».المستحمّ:

الموضع الّذي يغتسل فيه بالحميم،و هو في الأصل:الماء الحارّ،ثمّ قيل للاغتسال بأيّ ماء كان:استحمام.

و منه حديث ابن مغفّل:«أنّه كان يكره البول في المستحمّ».

و فيه:«اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و حامّتي،أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا».حامّة الإنسان:خاصّته و من يقرب منه.

و هو الحميم أيضا.[و قد تركنا كثيرا من كلامه حذرا من التّكرار](1:444)

عبد اللّطيف البغداديّ: يقال للخارج من الحمّام:

طاب حميمك،أي عرقك،لأنّ عرق الصّحيح طيّب، خلاف المريض.و لا يقال:طاب حمّامك.

(ذيل فصيح ثعلب:10)

الصّغانيّ: الحميم:الماء الحارّ و البارد.

(الأضداد:228)

ص: 22

الفيّوميّ: الحممة:وزان رطبة:ما أحرق من خشب و نحوه،و الجمع بحذف الهاء.

و حمّ الجمر يحمّ حمما،من باب«تعب»إذا اسودّ بعد خموده.و تطلق الحممة على الجمر مجازا باسم ما يؤول إليه.

و حمّ الشّيء حمّا،من باب«ضرب»:قرب و دنا؛ و أحمّ بالألف لغة.

و يستعمل الرّباعيّ متعدّيا،فيقال:أحمّه غيره.

و حمّمت وجهه تحميما،إذا سوّدته بالفحم.[و أدام الكلام نحو ما تقدّم].(1:152)

الفيروزآباديّ: حمّ الأمر بالضّمّ حمّا:قضي،و له ذلك:قدّر.

و حمّ حمّه:قصد قصده،و التّنّور:سجره،و الشّحمة:

أذابها،و الماء:سخّنه كأحمّه و حمّمه،و ارتحال البعير؛ عجّله،و اللّه له كذا:قضاه له كأحمّه.

و ككتاب:قضاء الموت و قدره.

و كغراب حمّى جميع الدّوابّ،و السّيّد الشّريف، و رجل،و ذو الحمام بن مالك حميريّ.

و كسحاب:طائر برّيّ لا يألف البيوت،معروف،أو كلّ ذي طوق،و تقع واحدته على الذّكر و الأنثى كالحيّة؛ و الجمع:حمائم.

و لا تقل للذّكر:حمام،مجاورتها أمان من الخدر و الفالج و السّكتة و الجمود و السّبات،و لحمه باهيّ تزيد الدّم و المنيّ،و وضعها مشقوقة و هي حيّة على نهشة العقرب مجرّب للبرء،و دمها يقطع الرّعاف.

و حمّة الفراق بالضّمّ:ما قدّر و قضي؛و الجمع:

كصرد و جبال.

و حامّه:قاربه،و أحمّ:دنا و حضر،و الأمر فلانا:

أهمّه كحمّه،و نفسه:غسلها بالماء البارد،و الأرض:

صارت ذات حمّى.

و الحميم كأمير:القريب كالمحمّ كالمهم؛و الجمع:

أحمّاء،و قد يكون الحميم للجمع و المؤنّث،و الماء الحارّ كالحميمة؛و الجمع:حمائم.و استحمّ:اغتسل به،و الماء البارد ضدّ،و القيظ،و المطر يأتي بعد اشتداد الحرّ، و العرق،و بهاء:اللّبن المسخّن،و الكريمة من الإبل؛ و الجمع:حمائم.

و احتمّ:اهتمّ باللّيل،أو لم ينم من الهمّ،و العين:أرقت من غير وجع.

و ما له حمّ و لا سمّ،و يضمّان:هم،أو لا قليل و لا كثير،و عنه ما له بدّ.

و الحامّة:العامّة،و خاصّة الرّجل من أهله و ولده، و خيار الإبل.

و حمّ الشّيء:معظمه،و من الظّهيرة:شدّة حرّها، و الكريمة من الإبل؛و الجمع:حمائم.

و الحمّام كشدّاد:الدّيماس مذكّر؛و الجمع:حمّامات.

و لا يقال:طاب حمّامك،و إنّما يقال:طابت حمّتك بالكسر،أي حميمك،أي طاب عرقك.

و ذات الحمّام:قرية بين الاسكندريّة و افريقيّة.

و الحمّة:كلّ عين فيها ماء حارّ ينبع يستشفي بها الأعلاّء،و واحدة الحمّ لما أذبت أهالته من الألية و الشّحم،أو ما يبقى من الشّحم المذاب،و واد باليمامة.

و حمّتا الثّوير:جبلان.

ص: 23

و بالكسر:المنيّة،و بالضّمّ:لون بين الدّهمة و الكمتة و دون الحوّة،و بلد،و لغة في الحمة المخفّفة،و موضع، و الحمّى.

و حمّ بالضّمّ:أصابته،و أحمّه اللّه تعالى فهو محموم،أو يقال:حممت حمّى؛و الاسم:الحمّى بالضّمّ.

و أرض محمّة محرّكة و بضمّ الميم و كسر الحاء:ذات حمّى،أو كثيرتها.

و كلّ ما حمّ عليه فمحمّة،و محمّة أيضا،قرية بالصّعيد،و كورة بالشّرقيّة،و قرية بضواحي الإسكندريّة.

و الأحمّ:القدح،و الأسود من كلّ شيء كاليحموم، و الحمحم كسمسم و هداهد،و الأبيض ضدّ،و قد حممت كفرحت حمما و احموميت و تحمّمت و تحمحمت؛ و الاسم:الحمّة بالضّمّ،و أحمّه اللّه تعالى.

و الحمّاء:الاست؛و الجمع:حمّ بالضّمّ.

و اليحموم:الدّخان،و طائر،و الجبل الأسود،و جبل بمصر،و ماء غربيّ المغيثة،و جبل بديار الضّباب.

و الحمم كصرد:الفحم،واحدته بهاء.

و حمّم:سخّم الوجه به،و الغلام:بدت لحيته، و الرّأس:نبت شعره بعد ما حلق،و المرأة:متّعها بالطّلاق، و الأرض:بدا نباتها أخضر إلى السّواد،و الفرخ:نبت ريشه.

و الحمامة كسحابة:وسط الصّدر،و المرأة أو الجميلة، و ماءة،و خيار المال،و سعدانة البعير،و ساحة القصر النّقيّة،و بكرة الدّلو،و حلقة الباب.و حمّان بالكسر:

حيّ من تميم و حمومة ملك يمنيّ.

و الحمحمة:صوت البرذون عند الشّعير،و عرّ الفرس حين يقصّر في الصّهيل و يستعين بنفسه كالتّحمحم،و نبيب الثّور للسّفاد،و بالكسر و يضمّ:نبات أو لسان الثّور؛و الجمع:حمحم.و الحماحم:الحبق البستانيّ العريض الورق،و يسمّى الحبق النّبطيّ،واحدته بهاء، جيّد للزّكام مفتّح لسدد الدّماغ مقوّ للقلب،و شرب مقلوّه يشفي من الإسهال المزمن بدهن ورد و ماء بارد.

و الحمحم كهدهد و سمسم:طائر.

و حمّت الجمرة تحمّ بالفتح:صارت حممة،و الماء:

سخن.

و حاممته محامّة:طالبته،و أنا محامّ على هذا:ثابت.

و حمحام مبنيّا على الكسر،أي لم يبق شيء.

و حميمة كجهينة:بليدة بالبلقاء.

و حمّ بالكسر:واد بديار طيّئ،و بالضّمّ:جبيلات سود بديار بني كلاب،و الحمائم باليمامة.

و سمّوا حمّا و بالضّمّ و كعمران و عثمان و نعامة و همزة و كغراب و كركرة و حمّى ممالة مضمومة و حمامى بالضّمّ.

و الحميمات:الجمرة.

و أحمّ نفسه:غسلها بالماء البارد.

و ثياب التّحمّة:ما يلبس المطلّق امرأته إذا متّعها.

و استحمّ:عرق.(4:101)

الحميم و الحميمة:الماء الحارّ و الماء البارد،من الأضداد.و قيل:شديد الحرارة.[ثمّ استشهد بشعر،و قال نحو الرّاغب و أضاف:]

و حمّم الفرخ،إذ اسودّ جلده من الرّيش.

و منه:الحمام لا زمام له،لا يدخل الشّيطان بيتا فيه

ص: 24

حمامة.

و فيه أيضا:الحمام حبيبي و حبيب اللّه.و تسبيحه أن يقول:سبحان المعبود بكلّ مكان،سبحان المذكور بكلّ لسان،ضعيف جدّا.(بصائر ذوي التّمييز 2:497)

الطّريحيّ: و الحميم:الماء الحارّ الشّديد الحرارة، يسقى منه أهل النّار،أو يصبّ على أبدانهم.و عن ابن عبّاس:«لو سقطت منه نقطة على جبال الدّنيا لأذابتها».

و الحمّات بالفتح و التّشديد:جمع حمّة:العيون الحارّة الّتي يستشفي به الأعلاّء و المرضى.

و ما ذكر في الحديث:«إنّ ماء الحمّامات نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يستشفى بها»فلا يبعد أن يراد بها «الحمّات»كما دلّ عليه قول الصّدوق:«و أمّا ماء الحمّات فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يستشفى بها»و يكون في الكلام تصحيف.

و حمة كلّ دابّة:سمّها.و تطلق الحمة على إبرة العقرب للمجاورة،لأنّ السّمّ يخرج منها.و أصله:حمو أو حمي بوزن«صرد»و الهاء فيه عوض عن الواو المحذوفة أو الياء.و منه:«إنّه كره أكل كلّ ذي حمة».

و في حديث الحسن عليه السّلام و قد قيل له:طاب استحمامك،فقال:و ما تصنع ب(الاست)هاهنا ؟فقال له:

طاب حمامك.فقال:إذا طاب الحمام فما راحة البدن؟ فقال له:طاب حميمك!قال:ويحك أ ما علمت أنّ الحميم العرق...[و قد تركنا كثيرا من كلامه حذرا من التّكرار]

(6:50)

مجمع اللّغة :الحميم:الماء الشّديد الحرارة،حمّ الماء يحمّ حمما:سخن،و اشتدّت حرارته.

و الحميم:القريب المشفق،لأنّ له في الإشفاق على قريبه حرارة و حدّة.

اليحموم:الدّخان الشّديد السّواد.(1:302)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(147)

العدنانيّ: أحمّ الطّفل أو الرّجل و حمّمه.

يرى محيط المحيط أنّ قولنا:حمّمه بمعنى غسّله،-من أقوال العامّة-و يؤيّده في ذلك عدد كبير من المعجمات، لأنّها تهمل ذكر الفعل حمّم بهذا المعنى،و تقول:إنّ الصّواب هو:أحمّ الطّفل،أو أحمّ نفسه،كما قال ابن الأعرابيّ،و الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

فمن هؤلاء من قال:إنّ معنى أحمّه:غسّله بالماء البارد:ابن الأعرابيّ،و القاموس،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.

و منهم من قال إنّ معناه:غسّله بالماء الحارّ:

الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و الوسيط.

و منهم من قال:بالماء الحارّ أو البارد:التّاج،و المدّ، و المتن.

و لكن:

أجاز استعمال الفعل حمّمه بمعنى غسّله،كلّ من اللّسان،و التّاج،و المدّ،و المتن.

و في الحديث أنّه كان يغتسل بالحميم،و هو الماء الحارّ.و قال ابن دريد إنّه الماء الحارّ و البارد كليهما.

و هنا لك الفعل استحمّ،و معناه:اغتسل بالماء الحميم (الحارّ)،و هو الأصل،ثمّ صار كلّ اغتسال استحماما بأيّ

ص: 25

ماء كان.

و من معاني الفعل حمّم:

أ-حمّمت الأرض:بدا نباتها أخضر إلى السّواد.

ب-حمّم الغلام:بدت لحيته.

ج-حمّم الرّأس:نبت شعره بعد ما حلق.

د-حمّم الفرخ:نبت ريشه.

ه-حمّم الماء و نحوه:سخّنه.

و-حمّم الرّجل:سوّد وجهه بالفحم.

هذا الحمّام كبير،هذه الحمّام كبيرة

و يخطّئون من يقول:هذه الحمّام كبيرة،و يقولون إنّ الصّواب هو:هذا الحمّام كبير،اعتمادا على قول عبيد بن القرط الأسديّ،و كان له صاحبان دخلا الحمّام، و تنوّرا بنورة فأحرقتهما،و كان نهاهما عن دخولهما فلم يفعلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و اعتمادا على ما قاله سيبويه،و الصّحاح،و ابن سيده، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المختار،و القاموس، و الوسيط.

و لكن:

قال آخرون:إنّ الحمّام مؤنّث،جاء في اللّسان:

«قال ابن برّيّ: و قد جاء الحمّام مؤنّثا في بيت،زعم الجوهريّ أنّه يصف حمّاما،و هو قوله:

فإذا دخلت سمعت فيها رجّة

لغط المعاول في بيوت هداد

و ذكر ابن الخبّاز أيضا أنّ الحمّام مؤنّث.

و الحقيقة هي أنّ الحمّام يذكّر و يؤنّث،كما قال المغرب،و اللّسان،و المصباح،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.

و ذكر المصباح و أقرب الموارد أنّ التّأنيث أغلب.

و قال محيط المحيط:قد يؤنّث.

و يجمع الحمّام على:حمّامات.

الحميم:الماء الحارّ و البارد

و يخطّئون من يقول:إنّ معنى الحميم هو الماء البارد، و يقولون:إنّه الماء الحارّ،اعتمادا على ورود الحميم في القرآن الكريم بمعنى الماء الحارّ أربع عشرة مرّة،كقوله تعالى في الآيتين 24 و 25 من سورة النّبأ: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً* إِلاّ حَمِيماً وَ غَسّاقاً. الغسّاق:ما يسيل من صديد أهل النّار.و اعتمادا على ورودها أيضا في معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس،و النّهاية،و المختار،و المصباح، و الوسيط.

و لكن:

قال أبو العبّاس ثعلب:سألت ابن الأعرابيّ عن الحميم في قول الشّاعر:

و ساغ لي الشّراب،و كنت قدما

أكاد أغصّ بالماء الحميم

فقال:الحميم:الماء البارد.و قال الأزهريّ:الحميم عند ابن الأعرابيّ من الأضداد،يكون الماء البارد و يكون الماء الحارّ.و كان ابن الأنباريّ قد سبق الأزهريّ بقوله في كتابه«الأضداد»إنّ الحميم من الأضداد.

و أيّدهم في ذلك كلّ من اللّسان استشهد بالبيت، و القاموس المحيط،و التّاج و المدّ استشهدا بالبيت،و محيط المحيط،و متن اللّغة،و التّضادّ استشهد بالبيت أيضا.

ص: 26

و ذكرت المعاجم الآتية:الصّحاح،و اللّسان، و المحيط،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و الوسيط أنّ الحميمة تعني الماء الحارّ أيضا.و لا أنصح باستعمالها لأنّ الماء مذكّر.

و من معاني الحميم:القريب الّذي تودّه و يودّك.

و يجمع الحميم على أحمّاء،و حميم،و حمائم.أنكره ابن سيده،و قال:إنّه جمع حميمة لا حميم.

و يرى اللّسان،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،أنّ الحميم يقال للمذكّر و المؤنّث،و المفرد و الجمع.

و أرى أن نستعمل الحميم بمعنى الماء الحارّ جدّا، و نهمل استعماله بمعنى الماء البارد:

أ-لأنّ ابن الأنباريّ،و هو من أشهر من ألّفوا في الأضداد،قال:«و قال بعض النّاس:الحميم من الأضداد».و قوله:«قال بعض النّاس»هنا،يدلّ على شكّه في صحّة ما قيل.

ب-و لأنّ جميع الّذين استشهدوا بالبيت:

و ساغ لي الشّراب،و كنت قدما

أكاد أغصّ بالماء الحميم

كان مصدرهم الوحيد ما أجاب به ابن الأعرابيّ.

ج-هذا البيت كان مصدر الاستشهاد الوحيد،و لو وجد بيت آخر مثله لاستشهد به اللّسان و التّاج.

د-لم يذكر أحد اسم الشّاعر صاحب البيت،لنرى إن كان جديرا بالاستشهاد بما ينظّمه أو غير جدير.

ه-لا يذكر الجوهريّ إلاّ الكلمات الّتي يرى أنّها ليس في صحّتها أدنى شكّ.و قد أهمل صاحب «الصّحاح»ذكر«الحميم»بمعنى الماء البارد.

و-المعروف في العالم العربيّ كلّه أنّ«الحميم»يعني الماء الحارّ جدّا،و لسنا في حاجة إلى زيادة إرهاق الذّاكرة.و تشويش الأفكار لغويّا.

ز-لا نستطيع-رغم كلّ هذه البراهين الدّامغة- تخطئة من يستعمل الحميم للماء البارد.

راجع مادّة«الأضداد»في هذا المعجم.

الحمّة لا الحمّة

و يسمّون العين النّابعة بالماء الحارّ،يستشفي بالغسل فيها المرضى و الأعلاّء:الحمّة،و يطلقون هذا الاسم على البلدة العربيّة السّوريّة الشّهيرة بمياهها المعدنيّة الحارّة.

و الصّواب هو:الحمّة،اعتمادا على ابن دريد،و الصّحاح، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس،و النّهاية، و المغرب،و المختار،و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و يستشهد الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و الأساس،و النّهاية،و المختار،و اللّسان،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد بالحديث النّبويّ الشّريف:

«مثل العالم كمثل الحمّة يأتيها البعداء،و يتركها القرباء».

و جاء في النّهاية:«الحمّة:عين ماء حارّ يستشفي بها المرضى».

و جمع الحمّة:حمّ و حمام.

و من معاني الحمّة:

1-ما يبقى من الشّحم المذاب.

2-حجارة سود لازقة بالأرض،متدانية و متفرّقة؛ و جمعها:حمام.

و من معاني الحمّة:

ص: 27

1-المنيّة.

2-العرق.

و جمعها:حمم.

و من معاني الحمّة:

1-حمّة الشّفة:شدّة سوادها(كتاب خلق الإنسان «باب الفم»،و التّلخيص لأبي هلال العسكريّ)،فهي حمّاء بمعنى اللّمياء،و اللّعساء،و الحوّاء.

2-الحمّى.

3-كلّ ما قدّر و قضي.و منه:حمّة الفراق،أي قدر الفراق.

4-حمّة السّنان:حدّته.

5-الأسود من كلّ شيء.

6-حمّة العقرب:سمّها.ابن الأعرابيّ.(169)

حمام الزّاجل أو حمام الزّجّال.

و يقولون:الحمام الزّاجل.و الصّواب:حمام الزّاجل أو حمام الزّجّال،لأنّ الزّاجل أو الزّجّال هو الّذي يزجل الحمام الهادي،أو يرسله إلى بعد،و سمّي الزّجّال للمبالغة، و الحمام أضيف إليه.

حمة العقرب.

و يخطّئون من يقول:إنّ حمة العقرب هي إبرتها الّتي تلدغ بها.و يقولون إنّ حمة العقرب هي سمّها و ضرّها، كما قال الصّحاح و المختار.و قال الأساس:إنّها فوعة حدّة السّمّ و سورته.و لكنّ اللّسان قال:الحمة السّمّ عن اللّحيانيّ.

و قال بعضهم:هي الإبرة الّتي تضرب بها الحيّة و العقرب و الزّنبور و نحو ذلك،أو تلدغ بها؛و الجمع:

حمات و حمى.

و قال اللّيث:الحمة في أفواه العامّة إبرة العقرب و الزّنبور و نحوه.و قال ابن الأعرابيّ: يقال لسمّ العقرب:

الحمة و الحمّة.

و قال الأزهريّ: لم يسمع التّشديد في الحمة إلاّ لابن الأعرابيّ.و أضاف التّاج إلى ما ذكره اللّسان قوله:

«أطلق ابن الأثير كلمة الحمة على إبرة العقرب المجاورة، لأنّ السّمّ يخرج منها».

و أطلق المتن و الوسيط الحمة على:

1-سمّ كلّ ما يلدغ و يلسع.

2-على الإبرة الّتي يلدغ بها و يلسع.

(معجم الأخطاء الشّائعة:70)

المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الحرارة الشّديدة قريبة من الغليان.و هذا المعنى له آثار و علائم،و تختلف بالموضوعات،ففي كلّ شيء بحسبه.

فيقال:عين حميمة و حمّة،أي حارّة ماؤها، و الاستحمام طلب الماء السّاخن الحارّ،و الحمّام محلّ يسخّن فيها الماء.و يطلق الحميم على صديق أو قريب مشفق،باعتبار حرارة المحبّة و العلاقة الشّديدة.

و الفحم:باعتبار حصول الحرارة الشّديدة و الإحراق حتّى يكون الخشب فحما أسود،فإطلاق الحمّ و الأحمّ على الأسود بهذا الاعتبار.و لا يصحّ إطلاقه على كلّ أسود،بل ما حصل بالحرارة.

و أمّا الحضور و القرب:فباعتبار حصول الحرارة لهدف أو لعمل حتّى يتهيّأ،و قرب حصول النّتيجة

ص: 28

و الوصول إلى المقصد،و لا يطلق في كلّ مورد من القرب و الحضور.و كذلك القصد و القضاء:يطلقان في مورد حصول الحرارة حتّى يقصد أمرا أو يقضي على أمر.

و بها يظهر مرجع إطلاقها على الحمّى في أثر الحرارة الشّديدة للبدن،أو إطلاقها على الألية المذابة،أو العرق عند الحرارة.

و أمّا الصّوت:فهو حكاية لصوت أكل الفرس و مضغه.

و الظّاهر وجود اشتقاق أكبر بين الحمّ و الحمإ و الحمي،لوجود السّواد في الحمإ،و حصول الحرارة في الحماية.(2:311)

النّصوص التّفسيريّة

حميم

1- ...أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ. الأنعام:70

ابن عبّاس: ماء حارّ يغلي قد انتهى حرّه.(112)

نحوه الطّبرسيّ.(2:318)

الضّحّاك: الحميم هو الماء الّذي أحمي حتّى انتهى غليانه.(الطّوسيّ 4:181)

نحوه شبّر.(2:274)

ابن قتيبة :هو الماء الحارّ.و منه سمّي الحمّام.(155)

نحوه ابن عطيّة.(2:306)

الطّبريّ: الحميم هو الحارّ في كلام العرب،و إنّما هو محموم صرف إلى«فعيل»،و منه قيل للحمّام:حمّام، لإسخانه الجسم،[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما جعل تعالى ذكره لهؤلاء الّذين وصف صفتهم في هذه الآية شرابا من حميم،لأنّ الحارّ من الماء لا يروي من عطش،فأخبر أنّهم إذا عطشوا في جهنّم لم يغاثوا بماء يرويهم،و لكن بما يزيدون به عطشا على ما بهم من العطش.(7:234)

الواحديّ: هو الماء الحارّ.(2:286)

مثله ابن الجوزيّ(3:66)،و القرطبيّ(7:16).

البيضاويّ: و المعنى:ما بين ماء مغليّ يتجرجر في بطونهم و نار تشتعل بأبدانهم بسبب كفرهم.(1:316)

مثله الكاشانيّ(2:129)،و المشهديّ(3:306)، و نحوه الشّربينيّ(1:428).

أبو السّعود :استئناف آخر مبيّن لكيفيّة الإبسال المذكور و عاقبته،مبنيّ على سؤال نشأ من الكلام،كأنّه قيل:ما ذا لهم حين أبسلوا بما كسبوا؟

فقيل:لهم شراب من ماء مغليّ يتجرجر في بطونهم، و تتقطّع به أمعاؤهم.(2:399)

مثله الآلوسيّ(7:187)،و نحوه البروسويّ(3:

51)،و المراغيّ(7:163).

عبد الكريم الخطيب :الحميم هو الماء الحارّ الّذي اشتدّ غليانه،و منه الحمم،و هي القطع الملتهبة من النّار.(4:213)

مكارم الشّيرازيّ: إنّهم من الدّاخل يحترقون بالماء المحرق،و من الخارج بالنّار.(4:314)

و بهذا المعنى جاء كلمة«حميم»في يونس:4،و الحجّ:

ص: 29

19،و المؤمن:72،و الدّخان:46 و 48،و محمّد:15، و الواقعة:42،54،93.

2- يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ. الرّحمن:44

راجع«أ ن و»و«أ ن ي».

3- ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ. الصّافّات:67

ابن عبّاس: من ماء حارّ قد انتهى حرّه.(376)

يعني شرب الحميم على الزّقّوم.(الطّبريّ 23:65)

السّدّيّ: يشاب لهم الحميم بغسّاق أعينهم و صديد من قيحهم و دمائهم.(القرطبيّ 15:87)

ابن زيد :حميم يشاب لهم بغسّاق ممّا تغسق أعينهم،و صديد من قيحهم و دمائهم،ممّا يخرج من أجسادهم.(الطّبريّ 23:65)

نحوه البروسويّ.(7:465)

ابن قتيبة :أي خلطا من الماء الحارّ يشربونه عليها.(372)

الطّبريّ: الحميم:الماء المحموم،و هو الّذي أسخن فانتهى حرّه،و أصله:مفعول،صرف إلى فعيل.

(23:64)

النّحّاس: قيل:يراد به هاهنا شرب الحميم.(6:35)

الماورديّ: و الحميم الحارّ الدّاني من الإحراق.

و منه سمّي القريب حميما،لقربه من القلب،و سمّي المحموم لقرب حرارته من الإحراق.

فيمزج لهم الزّقّوم بالحميم ليجمع لهم بين مرارة الزّقّوم و حرارة الحميم،تغليظا لعذابهم،و تشديدا لبلائهم.[و استشهد بالشّعر مرّتين](5:52)

نحوه القرطبيّ.(15:87)

الطّوسيّ: الحميم إذا شاب الزّقّوم اجتمعت المكاره فيه،من المرارة و الخشونة و نتن الرّائحة،و الحرارة المحرقة،نعوذ باللّه منها.و الحميم:الحارّ الّذي له من الإحراق المهلك أدناه.[ثمّ استشهد بشعر]

و حمّم ريش الفرخ إذا نبت،حتّى يدنو من الطّيران، و المحموم:المقترب من حال الإحراق...و الحميم:الصّديق القريب،أي الدّاني من القلب.(8:503)

الواحديّ: لَشَوْباً لخلطا و مزاجا مِنْ حَمِيمٍ يعني أنّهم إذا أكلوا الزّقّوم شربوا عليها الحميم،و هو الماء الحارّ فيشوب الحميم في بطونهم الزّقّوم فيصير شوبا.(3:

526)

نحوه البغويّ(4:33)،و ابن الجوزيّ(7:64).

ابن عطيّة: الحميم:السّخن جدّا من الماء و نحوه، فيريد به هاهنا:شرابهم الّذي هو طينة الخبال صديدهم و ما ينماع منهم،هذا قول جماعة من المفسّرين.

(4:476)

نحوه أبو حيّان.(7:363)

الطّبرسيّ: أي خليطا و مزاجا من ماء حارّ يمزج ذلك الطّعام بهذا الشّراب.(4:446)

سيأتي بعض النّصوص في«ش و ب»فلاحظ.

4- هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَ غَسّاقٌ. ص:57

ابن مسعود:الحميم:الماء الحارّ،و الغسّاق:البارد الزّمهرير.

ص: 30

مثله ابن عبّاس.(الطّبرسيّ 4:483)

ابن عبّاس: ماء حارّ قد انتهى حرّه.(383)

نحوه الشّربينيّ(3:424)،و السّديّ(الطّبريّ 23:

176).

ابن زيد :الحميم:دموع أعينهم،تجمع في حياض النّار،فيسقونه.(الطّبريّ 23:176)

الفرّاء: رفعت الحميم و الغسّاق ب(هذا)مقدّما و مؤخّرا.و المعنى:هذا حميم و غسّاق فليذوقوه.و إن شئت جعلته مستأنفا،و جعلت الكلام قبله مكتفيا، كأنّك قلت:هذا فليذوقوه،ثمّ قلت:منه حميم و منه غسّاق.[ثمّ استشهد بشعر](2:410)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:هذا حميم،و هو الّذي قد أغلي حتّى انتهى حرّه.[ثمّ قال نحو الفرّاء]

(23:176)

نحوه الزّجّاج.(4:338)

الطّوسيّ: الحميم:الحارّ الشّديد الحرارة،و منه الحمّى لشدّة حرارتها،و حمّ الشّيء،إذا دنا،و أحمّه لهذا، أي أدناه.[ثمّ استشهد بشعر](8:575)

الزّمخشريّ: قيل:الحميم يحرق بحرّه،و الغسّاق يحرق ببرده.(3:379)

مثله النّسفيّ(4:45)،و أبو السّعود(5:368).

الطّبرسيّ: المعنى أنّهم يعذّبون بحارّ الشّراب الّذي انتهت حرارته،و ببارد الّذي انتهت برودته،فببرده يحرق كما يحرق النّار.(4:483)

عبد الكريم الخطيب :الحميم:اللّهب،و منه الحمم و هو قطع الجمر.(12:1104)

و بهذا المعنى جاء: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً* إِلاّ حَمِيماً وَ غَسّاقاً النّبأ:24،25.

5- ...ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ.

المؤمن:18

مجاهد :الشّفيق.(الماورديّ 5:149)

الحسن :القريب.(الماورديّ 5:149)

ابن عبّاس: من قريب ينفعهم.(394)

مثله الواحديّ(4:8)،و البغويّ(4:109)، و الطّبرسيّ(4:519)،و ابن الجوزيّ(7:213)، و المراغيّ(24:56).

السّدّيّ: من يعنيه أمرهم.(423)

الطّبريّ: ما للكافرين باللّه يومئذ من حميم يحمّ لهم، فيدفع عنهم عظيم ما نزل بهم من عذاب اللّه.(24:53)

الماورديّ: ما لهم من حميم ينفع.(5:149)

الزّمخشريّ: الحميم:المحبّ المشفق.(3:420)

مثله النّسفيّ(4:74)،و أبو حيّان(7:456).

ابن عطيّة: حميم،أي قريب يحتمّ لهم و يتعصّب.(4:552)

نحوه الآلوسيّ.(24:59)

البيضاويّ: قريب مشفق.(2:333)

مثله أبو السّعود(5:414)،و الكاشانيّ(4:338).

الشّربينيّ: أي قريب صادق في مودّتهم،مهتمّ بأمورهم،مزيل لكروبهم.(3:476)

عبد الكريم الخطيب :صاحب أو صديق يعين.(12:1217)

ص: 31

مغنيّة:صديق يتوجّع.(6:444)

الطّباطبائيّ: الحميم:القريب،أي ليس لهم قريب يقوم بنصرهم بحميّة القرابة،قال تعالى: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ المؤمنون:101.(17:320)

فضل اللّه :حيث لا صديق يشاركهم مشاعرهم.

(20:27)

و بهذا المعنى جاء:

6- فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ الحاقّة:35.

7- فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ.

الشّعراء:100،101

ابن عبّاس: لا ذي قرابة يهمّه أمرنا.(310)

مجاهد :شفيق.(الطّبريّ 19:89)

قتادة :يعلمون و اللّه أنّ الصّديق إذا كان صالحا نفع، و أنّ الحميم إذا كان صالحا شفع.(الطّبريّ 19:89)

يذهب اللّه يومئذ مودّة الصّديق و رقّة الحميم.(الماورديّ 4:179)

ابن جريج: وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ من النّاس.(الطّبريّ 19:89)

الطّبريّ: وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ من الأقارب.

(19:89)

النّحّاس: أي خاصّ،و منه حامّة الرّجل.و أصل هذا من الحميم،و هو الماء الحارّ،و منه الحمّام،و الحمّى.

فحامّة الرّجل:الّذين يحرقهم ما أحرقه،كما يقال:

هم حزانتهم،أي يحزنهم ما يحزنه.(5:90)

نحوه القرطبيّ(13:117)،و البروسويّ(6:290).

الرّمّانيّ: إنّما سمّي القريب حميما،لأنّه يحمى بغضب صاحبه،فجعله مأخوذا من الحميّة.

(الماورديّ 4:178)

الماورديّ: وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فيه وجهان:

أحدهما:الشّفيق.

الثّاني:القريب النّسيب،يقال:حمّ الشّيء،إذا قرب.

و منه الحمّى لأنّه تقرّب الأجل.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:178)

الطّوسيّ: و الحميم:القريب الّذي يحمى بغضب صاحبه،و الحميم هو الحامي،و منه الحمّى.و أحمّ اللّه ذلك من لقائه،أي أدناه،بمعنى جعله كالّذي بلغ بنصحه إيّاه، و حمّ كذا،أي قدر.(8:37)

الواحديّ: ذي قرابة يهمّه أمرنا.و الحميم:القريب الّذي تودّه و يودّك.(3:357)

نحوه ابن الجوزيّ.(6:132)

الزّمخشريّ: الحميم من الاحتمام و هو الاهتمام،و هو الّذي يهمّه ما يهمّك،أو من الحامّة بمعنى الخاصّة،و هو الصّديق الخاصّ.(3:119)

مثله الفخر الرّازيّ.(24:152)

ابن عطيّة: الحميم:الوليّ و القريب الّذي يخصّك أمره و يخصّه أمرك،و حامّة الرّجل:خاصّته.(4:236)

الطّبرسيّ: أي ذي قرابة يهمّه أمرنا.و المعنى ما لنا من شفيع من الأباعد و لا صديق من الأقارب.(4:194)

و بهذا المعنى جاء 8- كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ فصّلت:

34.

9- وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً. المعارج:10

ص: 32

ابن عبّاس: قرابة عن قرابة.(485)

[راجع س ء ل:«لا يسأل»]

يحموم

فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ* وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ.

الواقعة:42-43

ابن عبّاس: من دخان جهنّم أسود.(454)

نحوه الفرّاء(3:126)،و النّسفيّ(4:217)، و الطّبريّ(19:124).

من دخان حميم.

مثله مجاهد و أبو مالك.(الطّبريّ 27:192)

ظلّ الدّخان.

نحوه قتادة و ابن زيد.(الطّبريّ 27:192) أنّها نار سوداء.(الماورديّ 5:456)

هو سرادق النّار المحيط بأهلها،فإنّه يرتفع من كلّ ناحية حتّى يظلّهم.(ابن عطيّة 5:246)

عكرمة :الدّخان.(الطّبريّ 27:192)

الضّحّاك: النّار سوداء و أهلها سود،و كلّ شيء فيها أسود.(البغويّ 5:16)

ابن زيد :هو جبل من نار أسود يفزع أهل النّار إلى ذراه فيجدونه أشدّ شيء و أمرّه.(ابن عطيّة 5:246)

أبو عبيدة :من شدّة سواده يقال:أسود يحموم.

(2:251)

ابن قتيبة :أي دخان أسود،و اليحموم:الأسود.

(449)

نحوه السّجستانيّ(186)،و النّيسابوريّ(27:79)، و ابن كثير(6:530)،و الكاشانيّ(5:125).

ابن كيسان :اليحموم:اسم من أسماء النّار.

(البغويّ 5:16)

نحوه النّقّاش.(ابن عطيّة 5:246)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و ظلّ من دخان شديد السّواد،و العرب تقول لكلّ شيء وصفته بشدّة السّواد:

أسود يحموم.(27:191)

نحوه الواحديّ(4:236)،و البغويّ(5:16)، و البروسويّ(9:328).

الزّجّاج: اليحموم:الشّديد السّواد،و قيل:إنّه الدّخان الشّديد السّواد.

و قيل: وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ أي من نار يعذّبون بها، و دليل هذا لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ الزّمر:16،إلاّ أنّه موصوف في هذا الموضع بشدّة السّواد.(5:113)

الطّوسيّ: اليحموم:الأسود الشّديد السّواد باحتراق النّار،و هو«يفعول»من الحمّ،و هو الشّحم المسودّ باحتراق النّار،و أسود يحموم أي شديد السّواد.(9:499)

الزّمخشريّ: من دخان أسود بهيم.(4:55)

مثله أبو السّعود(6:190)،و نحوه أبو حيّان(8:208).

ابن عطيّة: اليحموم:الأسود،و هو بناء مبالغة.

(5:245)

الطّبرسيّ: قيل:اليحموم جبل في جهنّم يستغيث أهل النّار إلى ظلّه.(5:221)

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:ما اليحموم؟نقول:فيه وجوه:

ص: 33

أوّلها:أنّه اسم من أسماء جهنّم.

ثانيها:أنّه الدّخان.

ثالثها:أنّه الظّلمة،و أصله من«الحمم»و هو الفحم، فكأنّه لسواده فحم،فسمّوه باسم مشتقّ منه،و زيادة الحرف فيه لزيادة ذلك المعنى فيه،و ربّما تكون الزّيادة فيه جاءت لمعنيين:الزّيادة في سواده و الزّيادة في حرارته.

و في الأمور الثّلاثة إشارة إلى كونهم في العذاب دائما، لأنّهم إن تعرّضوا لمهبّ الهواء أصابهم الهواء الّذي هو السّموم،و إن استكنّوا كما يفعله الّذي يدفع عن نفسه السّموم بالاستكنان في الكنّ يكونوا في ظلّ من يحموم، و إن أرادوا الرّدّ عن أنفسهم السّموم بالاستكنان في مكان من حميم،فلا انفكاك لهم من عذاب الحميم.

و يحتمل أن يقال فيه ترتيب،و هو أنّ السّموم يضرّ به فيعطش،و تلتهب نار السّموم في أحشائه فيشرب الماء فيقطع أمعاءه،و يريد الاستظلال بظلّ فيكون ذلك الظّلّ ظلّ اليحموم.

فإن قيل:كيف وجه استعمال(من)في مِنْ يَحْمُومٍ؟

فنقول:إن قلنا:إنّه اسم جهنّم فهو لابتداء الغاية،كما تقول:جاءني نسيم من الجنّة،و إن قلنا:إنّه دخان فهو كما في قولنا:خاتم من فضّة،و إن قلنا:إنّه الظّلمة فكذلك.

فإن قيل:كيف يصحّ تفسيره بجهنّم مع أنّه اسم منصرف منكّر،فكيف وضع لمكان معرّف،و لو كان اسما لها؟

قلنا:استعماله بالألف و اللاّم كالجحيم،أو كان غير منصرف كأسماء جهنّم يكون مثله،على ثلاثة مواضع كلّها يحموم.(29:168)

القرطبيّ: أي يفزعون من السّموم إلى الظّلّ،كما يفزع أهل الدّنيا فيجدونه ظلاّ من يحموم.[ثمّ قال نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:هو مأخوذ من«الحمم»و هو الفحم.

(17:213)

الآلوسيّ: هي على وزن«يفعول»،و له نظائر قليلة من الحممة:القطعة من الفحم،و تسميته ظلاّ على التّشبيه التّهكّميّ.(27:143)

عبد الكريم الخطيب :أي هم يدخلون تحت ظلّ من سحاب هذا السّموم،الّذي ينعقد فوق رءوسهم.(14:719)

مغنيّة:يطلق«اليحموم»على الأسود البهيم من كلّ شيء،و على الدّخان الكثيف،و يصحّ المعنى على أحدهما و عليهما معا.(7:224)

(يحموم)من نفس المادّة[حميم]أيضا،و هنا بمناسبة الظّلّ فسّرت الكلمة بمعنى الظّلّ الغليظ الأسود و الحارّ.(17:433)

فضل اللّه :فليس هو الظّلّ الّذي يبعث الانتعاش في الجسم،بل هو ظلّ من الدّخان الأسود الّذي يخنق الأنفاس.(21:334)

الوجوه و النّظائر

هارون الأعور:تفسير«الحميم»على وجهين:

ص: 34

فوجه منهما:الحميم:القريب ذا الرّحم (1)،فذلك قوله: وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً المعارج:10،يعني قريبا.و قال: وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ الشّعراء:101،يعني قريبا.و قال: كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ فصّلت:34،أي قريب.

الوجه الثّاني:الحميم يعني الحارّ،فذلك قوله:

وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ محمّد:15،و يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ الحجّ:19،يعني الحارّ من الماء.نظيرها في الدّخان:48،و قال: ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ الصّافّات:67،يعني الحارّ،و قال:

يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،يعني حارّا.(364)

نحوه الحيريّ(219)،و الدّامغانيّ(237).

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحميم،أي الماء الحارّ.

يقال:أحمّ الشّيء و حمّمه،أي غسله بالحميم،و استحمّ:

اغتسل بالماء الحميم،ثمّ أطلق الاستحمام على كلّ اغتسال بأيّ ماء كان،و المستحمّ:الموضع الّذي يغتسل فيه بالحميم،و طاب حميمك و حمّتك:طاب استحمامك.

و الحميمة:الحميم.يقال:شربت البارحة حميمة،أي ماء سخنا؛و الجمع:حمائم،مثل:قبيلة و قبائل.

و كلّ ما سخّن فقد حمّم.يقال:حممت الماء أحمّه،أي سخنته،و أحمّوا لنا الماء:أسخنوه،و المحمّ:القمقم الصّغير يسخّن فيه الماء،و الحمّام:الدّيماس،مشتقّ من الحميم؛و الجمع:حمّامات،و حمّ الماء:صار حارّا،و حمّ التّنّور:سجره و أوقده،و أحمّ نفسه:غسلها بالماء الحارّ.

و الحميم:المطر الّذي يأتي بعد أن يشتدّ الحرّ،لأنّه حارّ،و الحميم:القيظ،و العرق على التّشبيه،لأنّه يتصبّب من الجسم عند الحرّ.يقال:استحمّ الرّجل،أي عرق.

و الحمّة:عين ماء فيها ماء حارّ يستشفى بالغسل منه.

و الحمّى و الحمّة:علّة يستحرّ بها الجسم،من الحميم.

يقال:حمّ الرّجل،أي أصابه ذلك،و أحمّه اللّه،و هو محموم.

و المحمّة:أرض ذات حمّى.و أرض محمّة:كثيرة الحمّى،و طعام محمّة:يحمّ عليه الّذي يأكله.

و الحمام:حمّى الإبل و الدّوابّ.يقال:حمّ البعير حماما،و أخذ النّاس حمام قرّ،و هو الموم يأخذ النّاس.

و الحمّ:ما يبقى من الألية بعد الذّوب؛واحدته:حمّة.

يقال:حممت الألية،أي أذبتها،و حمّ الشّحمة يحمّها حمّا:أذابها.

و الحمم:الفحم؛واحدته:حممة.يقال:حمّت الجمرة تحمّ،أي صارت حممة،و حمّم الرّجل:سخّم وجهه بالحمم،و جارية حممة:سوداء،على التّشبيه.

و الحمم:مصدر الأحمّ؛و الجمع:حمّ،و هو الأسود من كلّ شيء.يقال:رجل أحمّ بيّن الحمم،و أحمّه اللّه:

جعله أحمّ،و الحمّة:حجارة سود تراها لازقة بالأرض؛ و الجمع:حمام.

و الحمّة:اسم من الحمم.يقال:به حمّة شديدة، و كميت أحمّ بيّن الحمّة،و شفة حمّاء،و لثة حمّاء، و الحمّاء:الاست،لسوادها؛و الجمع:حمّ.

و حمّة الحرّ:معظمه،و حمّة كلّ شيء:معظمه،من

ص: 35


1- في الأصل:ذو الرّحم.

الحمّ:الحرارة،و من حمّة السّنان:حدّته،و أتيته في حمّ الظّهيرة:في شدّة حرّها.

و اليحموم:«يفعول»من الأحمّ،و هو الدّخان، و الأسود من كلّ شيء،و الفرس؛لشدّة سواده،و طائر لسواد في جناحه،و نبت يحموم:أخضر ريّان أسود.

يقال:حمّمت الأرض،أي بدا نباتها أخضر إلى السّواد.

و حمّة المنيّة و الفراق منه:ما قدّر و قضي؛لأنّ فيه حرارة و حرقة؛يقال:عجلت بنا و بكم حمّة الفراق و حمّة الموت،أي قدر الفراق؛و الجمع:حمم و حمام،و حمّ هذا الأمر حمّا:قضي،و حمّ له ذلك:قدّر،و حمّ الشّيء و أحمّ:قدّر،فهو محموم،و حمّ كذا و أحمّه:قضاه.

و الحمام:قضاء الموت و قدره.يقال:نزل به حمامه، أي قدره و موته.

و الحمم:المنايا؛واحدتها:حمّة.

و الحميم:القرابة،و القريب الّذي تودّه و يودّك،و هو المحمّ أيضا.يقال:فلان محمّ مقرب،تشبيها بالماء الحارّ، لشدّة أواصر المودّة و استحرارها.

و الحميمة:كرام الإبل؛و الجمع:حمائم،يقال:أخذ المصدّق حمائم الإبل،أي كرائمها.

و الحامّة:خاصّة الرّجل من أهله و ولده.يقال:كيف حال الحامّة و العامّة؟و هؤلاء حامّته:أقرباؤه،و إبل حامّة:خيار.

و منه:الحمام:طائر؛واحدته:حمامة،يطلق على الذّكر و الأنثى؛و الجمع:حمام و حمائم و حمامات،سمّي بذلك إمّا لسواده،أو لشدّة حرارة جسمه.

2-و جاءت في هذه المادّة مفردات طرأ الإبدال على بعض حروفها،و الأصل فيها«الباء»أو«الجيم»أو «الهاء»،فمن إبدال«الباء»ميما قولهم:هو من حمّة نفسي،أي من حبّتها،و فلان حمّة نفسي و حبّة نفسي، و اختر حبّتك و محبّتك من النّاس و غيرهم،أي الّذي تحبّه،انظر«ح ب ب».

و من إبدال«الجيم»حاء قولهم:أحمّ الشّيء،أي دنا و حضر،و أحمّت الحاجة:دنت.قال الأصمعيّ:ما كان معناه قد حان وقوعه فهو أجمّ.

و من إبدال«الهاء»حاء قولهم:حمّني الأمر و أحمّني، أي أهمّني،و احتمّ له:اهتمّ.و الحمام:السّيّد الشّريف.قال الأزهريّ:في الأصل الهمام،فقلبت الهاء حاء.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها«حميم»أو«الحميم»19 مرّة،و«يحموم» مرّة،في 20 آية:

1-حميم:ماء حارّ

1- ...أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ الأنعام:70

2- ...وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ يونس:4

3- وَ أَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ* فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ* وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ* لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ

الواقعة:41-44

4- ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ* فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ* فَشارِبُونَ شُرْبَ

ص: 36

اَلْهِيمِ الواقعة:51-55

5- وَ أَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ* فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ* وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ الواقعة:92-94

6- ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ

الصّافّات:67

7- جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ* هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَ غَسّاقٌ ص:56،57

8- إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً* لِلطّاغِينَ مَآباً* لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً* لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً* إِلاّ حَمِيماً وَ غَسّاقاً النّبأ:21-25

9- اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ* إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ* فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ

المؤمن:70-72

10- كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ

الدّخان:45،46

11- ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ

الدّخان:48

12- قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ

الحجّ:19،20

13- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ... كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ

محمّد:15

14- هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ* يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:43،44

2-صديق حميم

15- فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ

الشّعراء:100،101

16- ...ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ

المؤمن:18

17- فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ الحاقّة:35

18- وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً المعارج:10

19- ...اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ فصّلت:34

3-اليحموم

20- فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ* وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ

الواقعة:42،43

يلاحظ أوّلا:أنّ«حميم»جاء بمعنيين،فله محوران:

المحور الأوّل:جاء ذمّا و عقوبة في الآخرة للكافرين،في 14 آية(1-14):

الآية(1): لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ و فيها بحوث:

1-قالوا:حميم ماء حارّ يغلي قد انتهى حرّه،أو انتهى غليانه.و قال الطّبريّ:الحميم في كلام العرب هو الحارّ،و إنّما هو محموم صرف إلى«فعيل».و قال بعضهم:

و هو الماء الحارّ-بلا قيد-فيبدو أنّ له إطلاقين إلاّ أنّ المناسب لشدّة العذاب هنا و في سائر الآيات هو الأوّل.

2-قال الطّبريّ:«إنّما جعل لهؤلاء الّذين وصف صفتهم في هذه الآية شرابا من حميم،لأنّ الحارّ من الماء لا يروّي من عطش،فأخبر أنّهم إذا عطشوا في جهنّم لم يغاثوا بماء يروّيهم،و لكن بما يزيدون به عطشا على ما بهم من العطش».

ص: 37

3-قال أبو السّعود:«استئناف آخر مبيّن لكيفيّة الإبسال المذكور و عاقبته،مبنيّ على سؤال نشأ من الكلام،كأنّه قيل:ما ذا لهم حين أبسلوا بما كسبوا؟

فقيل:لهم شراب من ماء مغليّ يتجرجر في بطونهم، و تتقطّع به أمعاؤهم».

4-قد جمع اللّه فيها-و كذا في(2)-بين شراب حميم و عذاب أليم بسبب أنّهم كانوا يكفرون،أي دام كفرهم في الحياة الدّنيا إلى آخرها.

الآيات(3-5)و كلّها من سورة الواقعة،و جاء فيها (حميم)ثلاث مرّات:مرّتين نكرة،و مرّة معرفة،و فيها بحوث:

1-ذكر في(3)في وصف أصحاب الشّمال أوصافا ثلاثة: فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ، ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ، لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ:

أ-قال الطّبرسيّ(5:220 و 221):«السّموم:الرّيح الحارّة الّتي تدخل مسامّ البدن،و مسامّ البدن خروقه، و منه أخذ السّمّ الّذي يدخل في المسامّ.ثمّ قال: فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ، أي في ريح حارّة تدخل مسامّهم و خروقهم،و في ماء مغليّ حارّ انتهت حرارته».

و قال الفخر الرّازيّ(29:168):«ما الحكمة في ذكر السّموم و ترك ذكر النّار و أهوالها؟

نقول:فيه إشارة بالأدنى إلى الأعلى،فقال:هواؤهم الّذي يهبّ عليهم سموم،و ماؤهم الّذي يستغيثون به حميم،مع أنّ الهواء و الماء أبرد الأشياء.و هما أي السّموم و الهميم من أضرّ الأشياء بخلاف الهواء و الماء في الدّنيا، فإنّهما من أنفع الأشياء،فما ظنّك بنارهم الّتي هي عندنا أحرّ.

و لو قال:«هم في نار»كنّا نظنّ أنّ نارهم كنارنا،لأنّا ما رأينا شيئا أحرّ من النّار الّتي رأيناها،و لا أحرّ من السّموم،و لا أبرد من الزّلال،فقال:أبرد الأشياء لهم أحرّها،فكيف حالهم مع أحرّها».

ثمّ فسّر السّموم[لاحظ س م م]كما فسّر الحميم، و قال:«و هو الماء الحارّ،و هو«فعيل»بمعنى فاعل،من حمم الماء بكسر الميم،أو بمعنى«مفعول»من حمّ الماء إذا سخنه،و قد ذكرناه مرارا،إلاّ أنّ هاهنا لطيفة لغويّة،و هي أنّ«فعولا»لما تكرّر منه الشّيء و الرّيح لمّا كانت كثيرة الهبوب تهبّ شيئا بعد شيء خصّ(السّموم)بالفعول، و الماء الحارّ لمّا كان لا يفهم منه الورود شيئا بعد شيء لم يقل فيه(حموم)».

ب: وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ* لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ، و قد فسّره الطّبرسيّ كما يأتي،ثمّ قال في: لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ: «أي لا بارد المنزل و لا كريم المنظر»عن قتادة، و قيل:لا بارد يستراح إليه،لأنّه دخان جهنّم،و لا كريم فيشتهى مثله،و قيل:«لا منفعة فيه بوجه من الوجوه».

و العرب إذا أرادت نفي صفة الحمد عن شيء نفت عنه الكرم،لاحظ«س م م،و ك ر م».

ج:و قال الفخر الرّازيّ(29:168):«و في الأمور الثّلاثة إشارة إلى كونهم في العذاب دائما،لأنّهم إن تعرّضوا لمهبّ الهواء أصابهم الهواء الّذي هو السّموم،و إن استكنّوا كما يفعله الّذي يدفع عن نفسه السّموم بالاستكنان في الكنّ يكونوا في ظلّ من يحموم،و إن أرادوا الرّدّ عن أنفسهم السّموم بالاستكنان في مكان من

ص: 38

حميم،فلا انفكاك لهم من عذاب الحميم.

و يحتمل أن يقال فيه ترتيب،و هو أنّ السّموم يضرّ به فيعطش،و تلتهب نار السّموم في أحشائه فيشرب الماء،فيقطع أمعاءه،و يريد الاستظلال بظلّ فيكون ذلك الظّلّ ظلّ اليحموم».

2-و ذكر في(4 و 5)عقاب المكذّبين الضّالّين، تفصيلا في(4)،و إجمالا في(5):

أ-جمع اللّه في(4)للضّالّين المكذّبين بعد العذاب في الأكل و الشّرب مقدّما الأكل جريا على العادة،و مؤكّدا بأطوار من التّأكيد:ثمّ،إنّ،اللاّم،نداء البعيد(ايّها)، و الجمع بين وصفين:الضّالّون،المكذّبون.

ب-جعل أكلهم من شجر من زقّوم.و قد وصفها في الصّافّات(64-67): إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ* فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ* ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ.

ج-قد ركّز في السّورتين على الأكل من الزّقّوم حتّى يملئون البطون،تركيزا على مزيد حرصهم على الأكل من شدّة الجوع،غفلة عن طعم الزّقّوم.

د-و الأكل يستتبع العطش كما يشعر به فَشارِبُونَ عَلَيْهِ أي ترتّب الشّرب على إملاء البطون.و لهذا عقّبه في«الواقعة»بأنّهم الشّاربون مرّتين،كلاهما بصيغة الفاعل الدّالّ على الدّوام،و الحاكي عن شدّة العطش:

مرّة: فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ أي يديمون الشّرب من ماء حارّ مغليّ،حرصا على شرب الحميم، و غفلة عن أنّ الماء الحارّ يزيد في عطشهم.

و مرّة: فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ تشبيها بشرب الهيم،أي الإبل العطاش الّتي لا تروى من الماء لداء يصيبها.

كما عقّبه في الصّافّات ب ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ -و سنبحثها.-فنرى أنّه بالغ و أكّد توصيفا لأكلهم و شربهم بأنحاء من التّأكيد.

3-(5) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ* وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ:

أ-هي من آخر آيات هذه السّورة،اللاّتي أجملت و لخّصت أوصاف الأصناف الثّلاثة الّذين وصفهم قبلها تفصيلا،و هي 7 آيات من: فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ إلى تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ.

ب-(نزل)ما أعدّ للضّيف من الطّعام و الشّراب، فنزلهم من(حميم)أي من ماء حارّ مغليّ،و في كلمة(نزل) تحكّم،كأنّهم ضيوف.

ج-و تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ أي إدخال نار عظيمة،و هي تعبير عن مكان ضيافتهم.لاحظ«ص ل ي،و ج ح م، و ن ز ل».

د-تنكير(حميم)في الآيتين و غيرها من الآيات تعمية و تهويل ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن،أمّا التّعريف في(4)فللعهد الذّكريّ،اعتمادا على ما في(3)فهو يجدّد تلك التّعمية و التّهويل،و يذكّر ما أفاد المنكّر،و لكنّه كرّر في آخر السّورة في(5)منكّرا لبعد العهد،فكأنّه بدأ بذكره من دون عهد،و سنبيّنه على سرّ التّعريف في الآيات(9-12).

الآية(6): ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ، و هذه آخر ما سبق من آيات الصّافّات في توصيف

ص: 39

شجرة الزّقّوم،و فيها بحوث:

1-و قد أكّد فيها أيضا مثل آيات الواقعة على أنّهم يأكلون الزّقّوم حتّى يملئون منها البطون ثمّ يتبعها بما يذكّر شربهم من دون تصريح به،و هو(أنّ لهم لشوبا من حميم).

2-قال الطّبرسيّ(4:445-447):«و الشّوب خلط الشّيء بما ليس منه،و هو شرّ منه...أي خليطا و مزاجا من ماء حارّ يمزج ذلك الطّعام بهذا الشّراب.

و قيل:إنّهم يكرهون على ذلك عقوبة لهم».

و قال الفخر الرّازيّ(26:143):«و اعلم أنّهم إذا شبعوا فحينئذ يشتدّ عطشهم و يحتاجون إلى الشّراب، فعند هذا وصف اللّه شرابهم-و ذكر الآية و قال نقلا عن الزّجّاج-:الشّوب اسم عامّ في كلّ ما خلط بغيره، و الحميم:الماء الحارّ المتناهي في الحرارة،و المعنى أنّه إذا غلبهم ذلك العطش الشّديد سقوا من ذلك الحميم، فحينئذ يشوب الزّقّوم بالحميم».

و عندنا أنّ ذكر«الشّوب»بدل«الشّرب»يشعر بأنّهم يشربون خلال الأكل فيخلط الحميم بالزّقّوم في بطونهم،و كلاهما يضاعف العطش،و لا يصبرون من شدّة العطش حتّى يشبعوا و ينتهوا من الأكل،بل يأكلون و يشربون معا،و هذا أبلغ في تصوير غلبة الجوع و العطش عليهم،و في حرصهم على الأكل و الشّرب معا.

3-كلمة(عليها)فيها أيضا-مثل ما سبق-مشعرة بأنّ الشّرب ناشئ عن الأكل،و ضمير التّأنيث راجع إلى شجرة الزّقّوم،كما في قبلها لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ أي إنّ لهم على أكلها خلطا من الحميم يشربه، لكنّه انصرف عن إرجاع الضّمير إلى«أكلها»و أرجعه إلى الشّجرة نفسها،كما انصرف عن ذكر الثّمرة إلى نفس الشّجرة مبالغة و تأكيدا.قال ابن عبّاس-و تبعه غيره-:«أي شرب الحميم على الزّقّوم».و قال السّدّيّ:

«يشاب لهم الحميم بغسّاق أعينهم،و صديد من قيحهم و دمائهم»و نحوه عن ابن زيد:و الظّاهر هو الأوّل،لعدم ذكر(الغسّاق)فيها،كما ذكر في(7 و 8)كما يأتي.

4-ذكر الفخر الرّازيّ هنا في كلمة(ثمّ)وجهين:

الأوّل:أنّ عطشهم يعظم بالأكل،و لكنّهم لا يسقون إلاّ بعد مدّة مديدة،و الغرض تكميل التّعذيب.

و الثّاني:أنّه تعالى ذكر الطّعام بتلك البشاعة و الكراهة،ثمّ وصف الشّراب بما هو أبشع منه،أي أنّ حال المشروب في البشاعة أعظم من حال المأكول.

و نقول:إنّه اتّخذ(ثمّ)في الوجه الأوّل للتّأخير في الزّمان،و في الثّاني للتّأخير في البشاعة،و كلاهما يجتمع مع ما قلناه في(الشّوب)من شراب الحميم خلال الأكل و الاختلاط بينهما،أي يغلب عليهم العطش خلال الأكل،لكنّهم يسقون بعد كلّ لقمة بفصل مدّة،أو بشرب أبشع منه.و على كلّ حال فتكرار(ثمّ)فيها: ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ* ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ، يحكي عن صعوبة العمل و دوامه،ففيه تأخير بعد تأخير في الزّمان و المكان و البشاعة.

5-استفاد الفخر الرّازيّ عن ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ أنّهم حين شرب الحميم لم يكونوا في الجحيم؛ و ذلك بأن يكون الحميم من موضع خارج عن الجحيم، فهم يوردون الحميم لأجل الشّرب كما تورد الإبل إلى

ص: 40

الماء،ثمّ يوردون الجحيم.

و نقول:فأكلهم الزّقّوم أيضا و بناء على ذلك يكون قبل رجوعهم إلى الجحيم لا بعده،مع أنّ شجرة الزّقّوم تخرج من أصل الجحيم فكيف يأكلونها في خارجها مع أنّ باقي الآيات و لا سيّما الآيتان(7 و 8)و هما في وصف جهنّم مشعرة بأنّ شرب الحميم يكون في الجحيم.قال في (8): لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً* إِلاّ حَمِيماً وَ غَسّاقاً، و هذا دلّ على أنّ كلمة(ثمّ)لا تدلّ على التّأخير في الزّمان أو في المكان بل على صعوبة العمل، و الخلل فيه،فلاحظ.

الآيتان(7 و 8)و قد جاء فيهما حميم مع غسّاق، و فيهما بحوث:

1-قال الفرّاء في(7): هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَ غَسّاقٌ: «قد رفعت الحميم و الغسّاق ب(هذا)مقدّما و مؤخّرا،و المعنى:هذا حميم و غسّاق فليذوقوهما،و إن شئت جعلته مستأنفا،و جعلت الكلام قبله مكتفيا، كأنّك قلت:هذا فليذوقوه،ثمّ قلت:منه حميم،و منه غسّاق».

و قال الطّبرسيّ: «(هذا)مبتدأ و(حميم)خبره، و(غسّاق)معطوف عليه،و فَلْيَذُوقُوهُ خبر بعد خبر، و التّقدير:هذا حميم و غسّاق فليذوقوه،و يجوز أن يكون (هذا فليذوقوه)مبتدأ و خبر،و(حميم)خبر مبتدإ محذوف،أي هو حميم،و يجوز أن يكون(هذا)في موضع نصب بفعل مضمر يفسّره هذا الظّاهر»،و قال نحوهما الفخر الرّازيّ(26:221).

و نقول:لا شكّ أنّ حميما و غسّاقا مذوقان مهما كان إعراب الآية-مع ما في القولين من التّكلّف الخارج عن البلاغة-كما قال في(8) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً * إِلاّ حَمِيماً وَ غَسّاقاً أي يذوقونهما.

2-جاء فيهما يَذُوقُونَ بدل«يطعمون»،قال الطّبرسيّ:«لأنّ الذّائق يدرك الطّعم بعد طلبه،فهو أشدّ إحساسا به»،و نقول:أريد به تشديد العذاب بإحساس طعمه إحساسا بالغا.

3-الحميم فيهما:الماء الحارّ المغليّ-كما سبق-أمّا الغسّاق فاختلفوا فيه بين الماء البارد و القيح النّتن و غيرهما،كما اختلفوا في قراءته.قال الطّبرسيّ:(5:

424)نقلا عن ابن عبّاس و أبي عبيدة: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً، يريد النّوم و الماء،ثمّ قال:«و قيل:

لا يذوقون في جهنّم بردا ينفعهم من حرّها،و لا شرابا ينفعهم من عطشها عن مقاتل».لاحظ غ س ق:

«غسّاق»،و ب ر د:«بردا».

الآية(9) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ قالوا في إعراب الآية:(اذ)متعلّق ب(يعلمون)فيما قبلها فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أي يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم.و يُسْحَبُونَ -و السّحب:الجرّ- و فيه وجهان:

الأوّل عن ابن جنّيّ،كما نقله الطّبرسيّ(4:532):

أنّه جملة فعليّة عطف على جملة اسميّة: اَلْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ أي و يسحبون السّلاسل.فجمع بين الأغلال في أعناقهم و بين السّلاسل يجرّونها على الأرض لطولها.

و الثّاني:ما قاله الطّبرسيّ أنّ يُسْحَبُونَ حال أي الأغلال في أعناقهم،و في نفس الوقت يسحبون

ص: 41

السّلاسل،فيظهر منه أيضا أنّ السّحب يكون في السّلاسل،لكنّه قال في تفسير الآية:«يسحبون في الحميم أي يجرّون في الماء الحارّ الّذي قد انتهت حرارته» فأرجع(يسحبون)-و قد ختمت به الآية رعاية للرّويّ -إلى ما بعدها،و عطف عليه ثُمَّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ.

و عليه فتكون السّلاسل عطفا على الأغلال،أي إذ الأغلال و السّلاسل في أعناقهم.

و يبدو أنّ هذا أقرب إلى الذّوق القرآنيّ؛حيث جمع بين المماثلات:بين«الأغلال و السّلاسل»و بين «يسحبون و يسجرون»أي بين السّحب في الماء و السّجر في النّار مضافا إلى أنّ الصّحيح على الوجه الأوّل أن يقرأ (يسحبون) معلوما و (السّلاسل) مفتوحا كما روي عن ابن مسعود.فاختلاف الإعراب ناشئ عن اختلاف القراءة.

و على الوجه الثّاني يوافق الفعلان(يسحبون) و(يسجرون)في البناء على المفعول.لاحظ«غ ل ل، و س ل س ل،و س ح ب،و س ج ر».

و الآيتان(10 و 11)و تمامهما: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ* خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ* ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ* ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ و فيهما بحوث أيضا:

1-جاء في صدرها(الحميم)بعد شجرة الزّقّوم أيضا،كما في آيات«الصّافّات و الواقعة»بتفاوت:و هو أنّ المذكور في تلك الآيات:شرب الحميم على أكل الزّقّوم مالئون منها البطون،و في هذه الآيات بدل ذلك:

طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ، فذكر الطّعام بدل الأكل،و الغلي في البطون بدل ملء البطون،فجعل الغلي مرّة للطّعام،و مرّة للحميم،أي كلّ من الطّعام و الشّراب يغلي في البطون.و بهذا يخطر بالبال الخلط و الشّوب بينهما المذكور في(6) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ.

2-جعل الطّعام فيها أيضا-كما في تلك-نفس شجرة الزّقّوم دون ثمرها مبالغة،لكنّه قيّدها ب اَلْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ، و(الاثيم)هنا صيغة مبالغة،و هو الّذي يصدر عنه الإثم كثيرا-و قالوا:أريد به أبو جهل- و(المهل):المذاب من النّحاس أو الرّصاص أو الذّهب و الفضّة أو درديّ الزّيت.لاحظ«أ ث م،و م ه ل».

3-جاء«الحميم»-و هو الماء الحارّ المغليّ-و كذا «الأكل»في الآيات السّابقة شرابا لهم بعد أن ملئوا بطونهم أكلا،من دون أن يكون لهما غليان في البطون،أمّا في هذه الآيات جعل للمأكول و المشروب الغليان في البطون،فهذا السّياق أشدّ و آكد في العذاب من تلك الآيات.

4-و جاء في ذيلها: صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ، و هذا يضاعف في عذابه؛حيث إنّه بعد أن ابتلي بغليان الزّقّوم و الحميم في بطنه زيد عذابه بصبّ الحميم فوق رأسه تعبيرا عنه ب(عذاب الحميم)كأنّهم يصبّون عليه العذاب رأسا دون الحميم،ليعذّب به.

و هذا السّياق أيضا فيه ألوان من المبالغة و التّشديد، مثل:أمر الملائكة بالصّبّ،فوق الرّأس،عذاب الحميم.

الآية(12)و تمامها: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ

ص: 42

ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ* وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ* كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ، و فيها بحوث أيضا:

1-ليس فيها ذكر عن الأكل و الشّرب و الطّعام و الغلي و غيرها سوى يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ، المذكور في(11)و لكن أضيف إليه هنا أمور كلّها يصوّر شدّة العذاب أيضا،و هي: قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ، وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها، وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ، و كلّها جديد في هذه سوى الأخيرة: ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ، فقد جاء بدلها في(11): ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ، فجاء فيهما«الذّوق»أيضا،كما جاء في(7)و(8).

2-و قد جاء في(11) عَذابِ الْحَمِيمِ و في(12) عَذابَ الْحَرِيقِ، و الحميم و الحريق متقاربان لفظا و معنى،فالأوّل:صفة للماء المغليّ،و الثّاني:صفة للنّار المشتعل.

3-و قد ذكر هنا بدل الغلي في البطون المذكور في (10) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ، قال الطّبرسيّ(4:28):«أي يذاب و ينضج بذلك الحميم ما فيها-أي في البطون-من الأمعاء و تذاب به الجلود».

لاحظ«ب ط ن،و ج ل د،و ص ه ر».

4-جاء الحميم معرّفا باللاّم في الآيات(9-12)، و ليس ذكر عنه فيما قبلها،فاللاّم فيها إمّا للعهد الذّهنيّ أو للجنس،أو للتّعظيم و التّهويل،كأنّه شيء مهيب،كما أنّ التّنكير فيه حيثما ذكر للتّعمية و التّهويل أيضا،كما سبق.

الآية(13): كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ و فيها بحوث أيضا:

1-جاء فيها لأهل النّار و هم خالدون فيها سُقُوا ماءً حَمِيماً بدل الشّرب في غيرها،كما جاء فيها:

فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ بدل يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ المذكور في(12).

2-جاء«حميم»دائما وصفا من دون ذكر الموصوف، إلاّ هنا فقد ذكرا معا ماءً حَمِيماً و هذا يفسّر سائر الآيات بأنّ المراد بها:الماء الحميم.

3-و جاء فيها ذكر(النّار)مكانا لهم،كما جاءت في (9): ثُمَّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ، و إنّما جاء في غيرهما بدل (النّار):(جهنّم)أو(جحيم)أو(الزّقّوم).نعم جاءت (النّار)في(12)جنسا للثّياب(ثياب فى النار،) لا مكانا للخالدين.

الآية(14): يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ، و فيها بحوث أيضا:

1-(ان)أصله«آنى»يقال:آن الماء،إذا انتهى في الحرّ نهايته.و هو وصف تأكيديّ ل(حميم)من غير لفظه، فإنّ«الحميم»-كما سبق-هو أيضا الماء الحارّ المغليّ البالغ نهايته.لاحظ«أ ن ي».

2- يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ دلّ على أنّهم في جهنّم لا يستقرّون في مكان واحد منها،بل يطوفون فيها من شدّة العذاب،و هم عطاشى فيفتّشون فيها عن الماء،إلاّ أنّهم في تطوافهم و تفتيشهم لا يجدون سوى ماء حميما آن،فكأنّهم يطيفون بين جهنّم و بين هذا الماء،

ص: 43

لا أنّهم يخرجون عنها و يطلبون الماء خارجها كما ربّما يستظهر من يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ.

قال الطّبرسيّ(5:206):«أي يطوفون مرّة بين الجحيم و مرّة بين الحميم،فالجحيم:النّار،و الحميم:

الشّراب،عن قتادة.و قيل:معناه أنّهم يعذّبون بالنّار مرّة و يجرعون من الحميم يصبّ عليهم،ليس لهم من العذاب أبدا فرج،عن ابن عبّاس».

و قال الفخر الرّازيّ: «قوله: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ، هو كقوله: وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ الكهف:29،و كقوله: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها السّجدة:20،لأنّهم يخرجون فيستغيثون فيظهر لهم من بعد مائع،هو صديدهم المغليّ،فيظنّونه ماء.فيردون عليه،كما يرد العطشان،فيقعون و يشربون منه شرب الهيم.فيجدونه أشدّ حرّا فيقطع أمعاءهم.كما أنّ العطشان إذا وصل إلى ماء مالح لا يبحث عنه و لا يذوقه،و إنّما يشربه عبّا فيحرق فؤاده،و لا يسكن عطشه.

و قوله:(حميم)إشارة إلى ما فعل فيه من الإغلاء، و قوله:(ان)إشارة إلى ما قبله،و هو كما يقال:قطعته فانقطع،فكأنّه حمته النّار فصار في غاية السّخونة».

و نقول:كلام هؤلاء دلّ على أنّ أهل النّار يخرجون عن الجحيم فيجدون الحميم خارجها،و ليس في الآيات ما يدلّ على خروجهم عنها،فلاحظ.

المحور الثّاني:جاء(حميم)بمعنى الصّديق 5 مرّات،في(15-19)و فيها بحوث:

1-قد سبق في الأصول اللّغويّة وجه المناسبة بين هذا المعنى و بين الماء الحارّ المغليّ،و هو شدّة القرب و الوصل.و هل هذا مجاز،أو توسعة في المعنى حتّى صار حقيقة؟و هذا هو الصّواب عندنا في تحوّل اللّغات من معنى إلى آخر لمناسبة بينهما،فلو كان مجازا ابتداء فهو حقيقة استدامة.

2-جاء(حميم)فيها منفيّا و عقوبة لأهل النّار في الآخرة،إلاّ في(19)فجاء فيها مثبتا توصية للنّبيّ عليه السّلام أو للمؤمنين عامّة على صعيد أدب العشرة مع الآخرين في المجتمع،مع تفاوت بينها من ناحية الموصوف بهذا الوصف:

أ-جاء في(15)نقلا عن أهل النّار قالُوا وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ* تَاللّهِ إِنْ كُنّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ* وَ ما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ* فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ* فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فإنّهم يعترفون بضلالهم في عبادة الأصنام و تسويتهم إيّاها بربّ العالمين،و بأنّ المجرمين قد أضلّوهم،و في نفس الوقت يتمنّون الرّجوع إلى الدّنيا بغية للإيمان مع المؤمنين،و هم يشكون فقد الشّفيع و الصّديق هناك: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ، أي صديق يهتمّ بأمرهم قريبا بهم، ليستأنسوا به و يخلصوا به عن النّار،فجاء فيها صَدِيقٍ حَمِيمٍ بعد(شافعين).

ب-و جاء في(16) ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ فجمع فيها بين(حميم)بلا موصوف و بين (شفيع)مع صفة.

ج-و جاء(حميم)في(17 و 18)بلا موصوف.

ص: 44

د-و جاء في(19): وَلِيٌّ حَمِيمٌ جمعا بين موصوف و هو(ولىّ)و صفة و هو(حميم).لاحظ«ص د ق،و ش ف ع ،و و ل ي».

و يلاحظ ثانيا:جاء منها(يحموم)أيضا(20):

وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ و فيه بحوث:

1-اختلف فيه على أقوال:هو الدّخان،أو النّار،أو سرادق النّار،أو جبل من نار،أو الشّحم المسودّ أو الظّلمة و الأسود الشّديد السّواد.قال الطّبريّ:«العرب تقول لكلّ شيء و صفته بشدّة السّواد:أسود يحموم».

و قال الفخر الرّازيّ:«و أصله من الحمم و هو الفحم، فكأنّه سواده فحم،فسمّوه باسم مشتقّ منه،و زيادة الحرف فيه لزيادة ذلك المعنى فيه،و ربّما تكون الزّيادة فيه جاءت لمعنيين:الزّيادة في سواده و الزّيادة في حرارته».

2-قال الفخر الرّازيّ: «فإن قيل:كيف وجه استعمال(من)في قوله تعالى: مِنْ يَحْمُومٍ؟

فنقول:إن قلنا:إنّه اسم جهنّم فهو لابتداء الغاية،كما تقول:جاءني نسيم من الجنّة.و إن قلنا:إنّه دخان فهو كما في قولنا:خاتم من فضّة.و إن قلنا:إنّه الظّلمة فكذلك».

3-جاء بشأن أصحاب الشّمال فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ فجمع فيها سموم و حميم و يحموم.

قال الفخر الرّازيّ: «و في الأمور الثّلاثة إشارة إلى كونهم في العذاب دائما»-و قد سبق في النّصوص ثمّ قال:

-«و يحتمل أن يقال فيه ترتيب،و هو أنّ السّموم يضرّ به فيعطش و تلتهب نار السّموم في أحشائه فيشرب الماء فيقطع أمعاءه،و يريد الاستظلال بظلّ فيكون ذلك الظّلّ ظلّ اليحموم».

و قال القرطبيّ: «أي يفزعون من السّموم إلى الظّلّ كما يفزع أهل الدّنيا فيجدونه ظلاّ من يحموم».

و قال فضل اللّه:«فليس هو الظّلّ الّذي يبعث الانتعاش في الجسم،بل هو ظلّ من الدّخان الأسود الّذي يخنق الأنفاس».

ص: 45

ص: 46

ح م ي

اشارة

5 ألفاظ،6 مرّات:2 مكّيّتان،4 مدنيّة

في 5 سور:2 مكّيّتان،3 مدنيّة

يحمى 1:-1 حميّة 1:-1

حام 1:-1 الحميّة 1:-1

حامية 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحمى مقصور:موضع فيه كلأ يحمى من النّاس أن يرعى.

و حميت القوم حماية و محمية.و كلّ شيء دفعت عنه فقد حميته.

و حميت من هذا الشّيء أحمى منه حميّة،أي أنفت أنفا و غضبا.

و مشى في حميّته،أي في حملته.

و إنّه لرجل حميّ:لا يحتمل الضّيم،و منه يقال:حميّ الأنف.

و حميت المريض حمية:منعته أكل ما يضرّه.

و احتمى المريض احتماء.و احتمى في الحرب،إذا حمى نفسه.

و حمي الفرس،إذا سخن و عرق،يحمى حميا،و حمى الشّدّ مثله.و الواحد منه:حمي؛و الجميع:أحماء.

و حمي الشّيء يحمى حميا،إذا سخن.

و الحامية:الحارّة.

و أحميت الحديد إحماء.و تقول:إنّ هذا الذّهب و الفضّة و نحوهما لحسن الحماء-ممدود-أي خرج من الحماء حسنا.

و الحامية:الرّجل يحمي أصحابه في الحرب.و تقول:

هو على حامية القوم،أي آخر من يحميهم في مضيّهم و انهزامهم.

و الحامية أيضا:جماعة يحمون أنفسهم.

و الحامية:الحجارة يطوى بها البئر.

و الحمّة عند العامّة:إبرة العقرب و الزّنبور و نحوهما.

ص: 47

و إنّما الحمة سمّ كلّ شيء يلدغ أو يلسع.

و الحميّا:بلوغ الخمر من شاربها.

و احمومى الشّيء فهو محموم،و احمومى اللّيل و السّحاب؛و ذلك من السّواد.و منهم من يهمز.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](3:312)

الكسائيّ: اشتدّ حمي الشّمس و حموها بمعنى.(الجوهريّ 6:2320)

ابن شميّل: الحوامي:عظام الحجارة و ثقالها، و الواحدة:حامية.و الحوامي:صخر عظام تجعل في مآخر الطّيّ أن ينقلع قدما،يحفرون له نقارا فيغمزونه فيها،فلا يدع ترابا و لا شيئا يدنو من الطّيّ فيدفعه.

حجارة الرّكيّة كلّها حوام،و كلّها على حذاء واحد، ليس بعضها بأعظم من بعض.(الأزهريّ 5:275)

الشّافعيّ: [في حديث]:«لا حمى إلاّ للّه و لرسوله».

كان الشّريف من العرب في الجاهليّة إذا نزل بلدا في عشيرته استعوى كلبا فحمى لخاصّته مدى عواء ذلك الكلب،فلم يرعه معه أحد،و كان شريك القوم في سائر المراتع حوله.فنهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يحمى على النّاس حمى، كما كانوا في الجاهليّة يحمون.

و قوله:«إلاّ للّه و لرسوله»،يقول:إلاّ ما يحمى لخيل المسلمين و ركابهم المرصدة لجهاد المشركين و الحمل عليها في سبيل اللّه-كما حمى عمر النّقيع لنعم الصّدقة و الخيل المعدّة في سبيل اللّه.(الأزهريّ 5:273)

أبو عمرو الشّيبانيّ: حميت لفلان:غضبت له.[ثمّ استشهد بشعر](1:167)

و الحميت:النّحي.[ثمّ استشهد بشعر](1:199)

و الحميّا:الغضب.[ثمّ استشهد بشعر](1:206)

الحوامي:ما يحميه من الصّخر؛واحدها:

حامية.(الأزهريّ 5:275)

الحميّا:شدّة الغضب.

و حميّا الكأس:سورتها.(تهذيب الألفاظ:84)

الفرّاء: اشتدّ حمو الشّمس،و حميه أكثر.

(الصّاحب 3:230)

إذا لقح ولد ولده فقد حمى ظهره،فلا يركب و لا يجزّ له وبر،و لا يمنع من مرعى.(الجوهريّ 6:2320)

أبو عبيدة :«الحميّة»يقال:حميت أنفي حميّة و محميّة،و حميت المريض حميّة،و حميت القوم العدو، و الحمى:منعتهم حماية.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحميت الحمى:جعلته حماء لا يدخل،و أحميت الحديدة و أحميت النّار.و أحميت الرّجل:أغضبته عليّ إحماء.(2:217)

الحاميتان:ما عن يمين السّنبك و شماله.

(الأزهريّ 5:273)

أبو زيد :المحمومي:الشّديد الخضرة في سواد، و السّحاب إذا اشتدّ سواده فقد احمومى،و رأس الرّجل إذا اشتدّ سواده فقد احمومى.و إذا همز فهو من الحماء.(254)

حميت الحمى حميا:منعته،فإذا امتنع منه النّاس و عرفوا أنّه حمى قلت:أحميته.(ابن سيده 3:453)

الأصمعيّ: يقال:حمى فلان الأرض يحميها حمى، إذا منعها من أن تقرب.و يقال:أحماها إحماء،إذا جعلها حمى لا تقرب.

ص: 48

و أحميت الحديدة فأنا أحميها إحماء حتّى حميت تحمى،و كذلك حميت الشّمس تحمى حميا.

(الأزهريّ 5:274)

يقال:سارت فيه حميّا الكأس،يعني سورتها، و معنى سارت:ارتفعت إلى رأسه.(الأزهريّ 5:275)

إنّه لحامي الحميّا،أي يحمي حوزته و ما وليه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:275)

المحمومي من السّحاب:الأسود المتراكم.

(الأزهريّ 5:276)

اللّحيانيّ: يقال:حميت في الغضب حميّا.و حميت الشّمس و النّار حميا و حميا و حموّا:اشتدّ حرّها، و أحماها اللّه.(ابن سيده 3:453)

ابن الأعرابيّ: يقال:بسمّ العقرب الحمة و الحمّة (1).

(الأزهريّ 5:276)

و الحميّ: المريض الممنوع من الطّعام و الشّراب.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 3:453)

أبو عبيد: الحميّا:دبيب الشّراب.

(الأزهريّ 5:275)

ابن السّكّيت: و يقال:الغضب الحميت:البيّن.

و الحميت:البيّن من كلّ شيء.

يقال للتّمرة إذا كانت أشدّ حلاوة من صاحبتها:هذه أحمت حلاوة من هذه.(84)

و سورة الخمر و حميّاها:شدّتها و أخذها بالرّأس.

و حميّا كلّ شيء:شدّته،و المسطار الّتي فيها حلاوة، و الحانيّة المنسوبة إلى الحانة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](217)

أحميت المسمار إحماء فأنا أحميه.و هذا ذهب جيّد يخرج على الإحماء.و لا يقال:على الحمى،لأنّه من أحميت.

و يقال:حميت المريض و أنا أحميه من الطّعام، و حميت القوم حماية.

و حمي فلان أنفه يحميه حميّة و محمية،و فلان ذو حميّة منكرة،إذا كان ذا غضب و أنفة،و حمى أهله في القتال حماية.(الأزهريّ 5:274)

شمر:حميّا الخمر سورتها.و حميّا الشّيء:حدّته، و شدّته.و يقال:إنّه لشديد الحميّا،أي شديد النّفس.(الأزهريّ 5:275)

الحمة:السّمّ،و ناب الحيّة جوفاء،و كذلك إبرة العقرب و الزّنبور،و من وسطها يخرج السّمّ.

(الأزهريّ 5:276)

ابن قتيبة :الحام:الفحل الّذي ركب ولد ولده.

و يقال:إذا نتج من صلبه عشرة أبطن،قالوا:قد حمى ظهره،فلا يركب و لا يمنع من كلإ و لا ماء.(148)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(147)

الحربيّ: [في حديث]:«...و موقع الغمامة المحماة...».[إلى أن قال:]

«و موقع الغمامة»:يعني السّحابة.و موقعها:مطرها، و حماه إيّاها لنعم الصّدقة و رأى أنّه جائز له.إذا رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حمى البقيع لخيل المسلمين،و حمى عمر الرّبذة لإبل الصّدقة،و كذا فعل عثمان.إنّما حمى الحمى لإبل الصّدقة،و إنّما فعل ذلك نظرا للمسلمين،لأنّ منفعة ذلكة.

ص: 49


1- و روي عنه أيضا:يقال لسمّ العقرب:الحمة و الحمّة.

عائد على جملة المسلمين.

و قد اعتذر عمر من حماه،و قال:لو لا ما أحمل عليه في سبيل اللّه ما حميت شبرا.و قد أمر ألاّ يمنع منه الضّعيف.

و يمنع منه القويّ،لأنّه يقدر على ما لا يقدر عليه الضّعيف.

فأمّا الحمى الّذي لا يناله النّاس و لا ينفعهم،فذلك جائز أن يحمى،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حمى لأبيض بن حمّال ما لا تناله أخفاف الإبل،فجعل ذلك قطيعة،إذا كانت إبل المسلمين لا تناله فيضرّ ذلك بهم،و حمى لأبي سيّارة نحلا له،لأنّها كانت له،فمنع غيره منها.

و قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا حمى إلاّ للّه و رسوله»فإنّما ذلك ليس بعامر إنّما هو موات،أو أرض كلإ أو ماء أو ملح،و ما النّاس فيه شركاء.فليس لأحد أن يحمي منه شيئا،و له أن يأخذ منه حاجته.فالحمى جائز للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، لأنّه لا يفعل في ذلك إلاّ ما يصلح للمسلمين و أنفع لهم.(2:358-361)

المبرّد: و قوله:يهاب حميّا،الألدّ المداعس.

فالأصل الحميّا إنّما هي صدمة الشّيء.يقال:فلان حامي الحميّا،و يقال:صدمته حميّا الكأس،يراد بذلك سورتها.(1:24)

ابن دريد :و حمى الرّجل يحميه حماية،إذا منع عنه.

و أحميت الحديد إحماء و حميت المكان،إذا منعت عنه.

و الحمى:الموضع الّذي تحميه،مقصور.

و أحميته،إذا أصبته حمى.(3:235)

و الحميّا:سورة الخمر.(3:448)

الأزهريّ: أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ؛يقال:بسمّ العقرب الحمة و الحمّة.

قلت:و لم أسمع التّشديد في الحمة لغير ابن الأعرابيّ، و لا أحسبه رواه إلاّ و قد حفظه عن العرب.(5:276)

الصّاحب:[نحو الخليل،إلاّ أنّه قال:]

و أحميت المكان:بمعنى حميته.

و تثنية الحمى:حميان و حموان.

و الحمايا:جمع الحميّة في الأنف.يقال:حمى أنفه محمية و محميّة.

و أتانا في«حمى الظّهيرة و حمّاها،أي في شدّة الحرّ.

و أتيته صكّة حمّى و عمّى،و أتيته حين اصطكّت الحميّا.

و حميت الشّمس فهي حامية،تحمى حميا و حموا و مشى في حميته،أي في حملته.

و حميّا الكأس:سورتها.

و انحمى الماء:طما؛فهو منحم.

و يقولون:حما و اللّه لا أفعل ذاك:بمعنى أما و اللّه.

و مضيت على حاميتي،أي وجهي.

و الحمى:الحمام.(3:230)

الجوهريّ: حميته حماية،إذا دفعت عنه.

و هذا شيء حمى،على«فعل»أي محظور لا يقرب.

و أحميت المكان:جعلته حمى.و في الحديث:«لا حمى إلاّ للّه و رسوله».

و سمع الكسائيّ في تثنية الحمى:حموان،قال:و الوجه حميان.

و قيل لعاصم بن ثابت الأنصاريّ: حميّ الدّبر،على «فعيل»بمعنى«مفعول».

ص: 50

و حماة المرأة:أمّ زوجها،لا لغة فيها غير هذه.

و الحامي:الفحل من الإبل الّذي طال مكثه عندهم، و منه قوله تعالى: وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ المائدة:103.

و فلان حامي الحقيقة،مثل حامي الذّمار؛و الجمع:

حماة و حامية.

و فلان حامي الحميّا،أي يحمي حوزته و ما وليه.

و حمة العقرب:سمّها و ضرّها،و أصله:حمو،أو حمي.و الهاء عوض.

و أمّا حمّة الحرّ،و هي معظمه،فبالتّشديد.

و حميّا الكأس:أوّل سورتها.

و حميت المريض الطّعام حمية و حموة.

و احتميت من الطّعام احتماء.

و حميت عن كذا حميّة بالتّشديد و محمية،إذا أنفت منه،و داخلك عار و أنفة أن تفعله.يقال:فلان أحمى أنفا و أمنع ذمارا من فلان.

و حاميت عنه محاماة و حماء.

يقال:الضّروس تحامي عن ولدها.

و حاميت على ضيفي،إذا احتفلت له.

و حمي النّهار بالكسر،و حمي التّنّور،حميا فيهما، أي اشتدّ حرّه.

و حميت عليه بالكسر:غضبت.و الأمويّ يهمزه.

و يقال:حماء لك بالمدّ،في معنى فداء لك.

و أحميت الحديد في النّار فهو محمى،و لا يقال:

حميته.

و تحاماه النّاس،أي توقّوه و اجتنبوه.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](6:2319)

أبو هلال:الفرق بين الحفظ و الحماية:أنّ الحماية تكون لما لا يمكن إحرازه و حصره مثل الأرض و البلد، تقول:هو يحمي البلد و الأرض،و إليه حماية البلد.

و الحفظ يكون لما يحرز و يحصر،و تقول:هو يحفظ دراهمه و متاعه،و لا تقول:يحمي دراهمه و متاعه،و لا يحفظ الأرض و البلد،إلاّ أن يقول ذلك عاميّ لا يعرف الكلام.(170)

الثّعالبيّ: الحميت:الزّقّ الصّغير.(58)

فصل في الحميّات،إذا أخذت الإنسان الحمّى بحرارة و إقلاق،فهي مليلة.و منها ما قيل:فلان يتململ على فراشه.

فإذا كانت مع حرّها قرّة،فهي العرواء.فإذا اشتدّت حرارتها و لم يكن معها برد،فهي صالب.إذا كانت الحمّى لا تدور بل تكون نوبة واحدة،فهي حمّى يوم.

فإذا كانت نائبة كلّ يوم،فهي الورد.

فإذا أعرقت،فهي الرّحضاء.

فإذا أرعدت،فهي النّافض.

فإذا كان معها برسام،فهي الموم فإذا لازمته الحمّى أيّاما و لم تفارقه،قيل:أردمت عليه و أغبطت.

فإذا كانت تنوب يوما و يوما لا،فهي الغبّ.فإذا كانت تنوب يوما و يومين لا،ثمّ تعود في الرّابع،فهي الرّبع.و هذه الأسماء مستعارة من أوراد الإبل.

فإذا دامت و أقلقت و لم تقلع،فهي المطبقة.فإذا قويت و اشتدّت حرارتها و لم تفارق البدن،فهي المحرقة.

فإذا دامت مع الصّداع أو الثّقل في الرّأس،و الحمرة

ص: 51

في الوجه،و كراهة الضّوء،فهي البرسام.

فإذا دامت و لم تقلع و لم تكن قويّة الحرارة و لا لها أعراض ظاهرة،مثل القلق و عظم الشّفتين،و يبس اللّسان و سواده،و انتهى الإنسان منها إلى ضنى و ذبول، فهي دقّ.(148)

الحامية:الحجارة تطوى بها البئر.(298)

ابن سيده: حمى الشّيء حميا و حمى و حماية و محمية:منعه.قال سيبويه:لا يجيء هذا الضّرب على «مفعل»إلاّ و فيه الهاء،لأنّه إن جاء على«مفعل»بغير هاء اعتلّ،فعدلوا إلى الأخفّ.و قال أبو حنيفة:حميت الأرض حميا و حميّة و حماية و حموة؛الأخيرة نادرة و إنّما هي من باب أشاوى.

و الحمية و الحمى:ما حمي من شيء،يمدّ و يقصر، و تثنيته:حميان على القياس،و حموان على غير قياس.

و كلأ حمى:محميّ.و حماه من الشّيء،و حماه إيّاه.

و حمى المريض ما يضرّه حمية:منعه إيّاه.و احتمى هو من ذلك و تحمّى،امتنع.

و حماه النّاس يحميه إيّاهم حمى و حماية:منعه.

و الحامية:الرّجل يحمي أصحابه،و هم أيضا الجماعة.

و فلان على حامية القوم،أي آخر من يحميهم في مضيّهم.

و أحمى المكان:جعله حمى لا يقرب.و أحماه:وجده حمى.

و عشب حميّ:محميّ.

و ذهب حسن الحماء:خرج من الحماء حسنا.

و حمي من الشّيء حميّة و محميّة:أنف؛و نظير المحمية المحسبة،من حسب،و المحمدة من حمد، و الموددة من ودّ،و المعصية من عصى.

و احتمى في الحرب:حميت نفسه.

و رجل حميّ:لا يحتمل الضّيم.و أنف حميّ،من ذلك.

و حمي الفرس حمى:سخن و عرق.

و حمي المسمار و غيره في النّار حميا و حموا:سخن.

و أحمى الحديدة و غيرها في النّار:أسخنها.

و الحمة:السّمّ،عن اللّحيانيّ.و قال بعضهم:هي الإبرة الّتي تضرب بها الحيّة و العقرب و الزّنبور و نحو ذلك،أو تلدغ بها؛و الجمع:حمات و حمى.

و حمة البرد:شدّته.

و الحميّا:شدّة الغضب و أوّله.

و حميّا الكأس:سورتها و شدّتها.و قيل:إسكارها و حدّتها،و أخذها بالرّأس.و حميّا كلّ شيء:شدّته.

و فعل ذلك في حميّا شبابه،أي في سورته و نشاطه.

و الحامية:الحجارة الّتي تطوى بها البئر.

و الحوامي:ميامن الحافر و مياسره.

و الحامي:الفحل من الإبل يضرب الضّراب المعدود،قيل:عشرة أبطن،فإذا بلغ ذلك قالوا:هذا حام، أي حمى ظهره،فيترك فلا ينتفع منه بشيء،و لا يمنع من ماء و لا مرعى.قال اللّه عزّ و جلّ: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ المائدة:103، فأعلم أنّه لم يحرّم شيئا من ذلك.

و احمومى الشّيء:اسودّ كاللّيل،و السّحاب.

و قد تقدّم في الثّنائيّ إذ كان به أملك.

و حماة:موضع.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

ص: 52

(3:452)

الطّوسيّ: الحام:الفحل من الإبل الّذي قد حمي ظهره أن يركب بتتابع،أو لا تكون من صلبه.و كانت العرب إذا انتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا:

حمي ظهره،فلا يحمل عليه شيء،و لا يمنع من ماء و لا مرعى.(4:41)

الرّاغب: الحمي:الحرارة المتولّدة من الجواهر المحميّة،كالنّار و الشّمس،و من القوّة الحارّة في البدن قال تعالى: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ الكهف:86،أي حارّة، و قرئ (حمئة) .و قال عزّ و جلّ: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ التّوبة:35.

و حمى النّهار،و أحميت الحديدة إحماء.

و حميّا الكأس:سورتها و حرارتها.

و عبّر عن القوّة الغضبيّة إذا ثارت و كثرت:بالحميّة، فقيل:حميت على فلان،أي غضبت عليه،قال تعالى:

حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ الفتح:26.

و عن ذلك استعير قولهم:حميت المكان حمى،و روي «لا حمى إلاّ للّه و رسوله».

و حميت أنفى محميّة و حميت المريض حميا.

و قوله عزّ و جلّ: وَ لا حامٍ المائدة:103،قيل:

هو الفحل إذا ضرب عشرة أبطن كان يقال:حمي ظهره فلا يركب...(132)

الحريريّ: يقولون:أجد حمى،و الصّواب أن يقال:

أجد حميا أو حموا،لأنّ العرب تقول لكلّ ما سخن:حمي يحمى حميا فهو حام.و منه قوله تعالى ذكره: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ الكهف:86،و يقولون أيضا:اشتدّ حمي الشّمس و حموها،إذا عظم وهجها.[ثمّ استشهد بشعر]

(109)

الزّمخشريّ: حماه حماية،و حامى عليه،و هو يحمي أنفه و عرضه محمية و محميّة.

و فعل ذلك محميّة لعرضه.و هو حميّ الأنف،و له أنف حميّ.

و حميت المكان:منعته أن يقرب،فإذا امتنع و عزّ، قلت أحميته،أي صيّرته حمى،فلا يكون الإحماء إلاّ بعد الحماية،و لفلان حمى لا يقرب.و احتمى الرّجل من كذا:

اتّقاه.

يقال:احتميت منه و تحاميته،و هو يتحامى كما يتحامى الأجرب.

و حميت المريض الطّعام حمية.

و احتمى المريض،فهو حميّ و محتم.

و حميت القدر.

و حمي النّهار حمى شديدا و حميا.

و حمي بدن المحموم،و به حمي.و كأنّه حمي مرجل.

و أتاني في حمي الظّهيرة.

و أحميت الميسم.

و فيه حميّة و أنفة،و قد حمي من الأمر،و في بني فلان حمايا.

و قرعته حميّا الكأس،أي سورته.

و فلان يرى في النّصح حمة العقرب،و هي فوعة السّمّ و سورته.

و من المجاز:حميته أن يفعل كذا،إذا منعته.

و حمي عليه،إذا غضب،و لا تكلّمه في حميّا غضبه.

ص: 53

و أنّه لشديد الحميّا،إذا كان عزيز النّفس أبيّا.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:96)

[و في حديث الدّجّال]:«و تنزع حمة كلّ دابّة».

الحمة:فوعة السّمّ،و هي حرارته و فورته،و«فعلة»من:

حمي.(الفائق 3:60)

و في حديث ابن سيرين:«أنّه نهى عن الرّقى إلاّ في ثلاث:رقية النّملة،و الحمة،و النّفس.

الحمة:السّمّ،يريد لدغ العقرب و أشباهها.

(الفائق 4:26)

الطّبرسيّ: الإحماء:جعل الشّيء حارّا في الإحساس،و هو فوق الإسخان،و ضدّه التّبريد.يقال:

حمى يحمي حمى،و أحماه غيره،و الكيّ:إلصاق الشّيء الحارّ بالعضو من البدن.(3:25)

المدينيّ: في حديث هند:«اقتلوا الحميت الأسود».الحميت:النّحي الّذي فيه السّمن و الرّبّ و نحوهما،ثمّ يستعمل في المتناهي في الخبث.

و منه حديث أبي بكر،رضى اللّه عنه:«فإذا حميت من سمن».

و قيل:هو وعاء لطيف كالعكّة و نحوها.

و الحميت في غير هذا:الصّلب من التّمر الشّديد الحلاوة.و غضب حميت:شديد.

و الحميت من كلّ شيء:البيّر المتبيّن،و إنّما سمّي النّحي حميتا،لأنّهم يربّونه بالرّبّ حتّى متن.(1:494)

ابن الأثير: في حديث أبيض بن حمّال:«لا حمى في الأراك».فقال أبيض:«أراكة في حظاري»أي في أرضي.

و في رواية أنّه سأله عمّا يحمى من الأراك،فقال:

«ما لم تنله أخفاف الإبل»معناه أنّ الإبل تأكل منتهى ما تصل إليه أخفافها،لأنّها إنّما تصل إليه بمشيها على أخوافها،فيحمى ما فوق ذلك.

و قيل:أراد أنّه يحمى من الأراك ما بعد عن العمارة، و لم تبلغه الإبل السّارحة إذا أرسلت في المرعى.

و يشبه أن تكون هذه الأراكة الّتي سأل عنها يوم إحياء الأرض و حظر عليها قائمة فيها،فملك الأرض بالإحياء،و لم يملك الأراكة.فأمّا الأراك إذا نبت في ملك رجل،فإنّه يحميه و يمنع غيره منه.

و في حديث عائشة و ذكرت عثمان:«عتبنا عليه موضع الغمامة المحماة»تريد:الحمى الّذي حماه،يقال:

أحميت المكان فهو محمى،إذا جعلته حمى.و هذا شيء حمى:أي محظور لا يقرب،و حميته حماية إذا دفعت عنه و منعت منه من يقربه.و جعلته عائشة موضعا للغمامة، لأنّها تسقيه بالمطر،و النّاس شركاء فيما سقته السّماء من الكلإ إذا لم يكن مملوكا،فلذلك عتبوا عليه.

و في حديث حنين«الآن حمي الوطيس»الوطيس:

التّنّور،و هو كناية عن شدّة الأمر و اضطرام الحرب.

و يقال:إنّ هذه الكلمة أوّل من قالها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا اشتدّ البأس يومئذ،و لم تسمع قبله،و هي من أحسن الاستعارات.

و منه الحديث:«و قدر القوم حامية تفور»أي حارّة تغلي،يريد عزّة جانبهم و شدّة شوكتهم و حميّتهم.

و في حديث معقل بن يسار:«فحمي من ذلك أنفا، أي أخذته الحميّة،و هي الأنفة و الغيرة.و قد تكرّرت «الحميّة»في الحديث.

و في حديث الإفك:«أحمي سمعي و بصري»أي

ص: 54

أمنعهما من أن أنسب إليهما ما لم يدركاه،و من العذاب لو كذبت عليهما.(1:447)

الفيّوميّ: حميت المكان من النّاس حميا من باب «رمى»و حمية بالكسر:منعته عنهم؛و الحماية:اسم منه.

و أحميته بالألف:جعلته حمى لا يقرب و لا يجترئ عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحميته بالألف أيضا:وجدته حمى.

و تثنية الحمى:حميان بكسر الحاء على لفظ واحد و بالياء.و سمع بالواو،فيقال:حموان،قاله ابن السّكّيت.

و حميت المريض حمية و حميت القوم حماية:

نصرتهم.

و حميت الحديدة تحمى،من باب«تعب»فهي حامية،إذا اشتدّ حرّها بالنّار.و يعدّى بالهمزة،فيقال:

أحميتها فهي محماة،و لا يقال:حميتها بغير ألف.

و الحميّة:الأنفة.(1:153)

الفيروزآباديّ: حمى الشّيء يحميه حميا و حماية بالكسر،و محميّة:منعه.

و كلأ حمى كرضى:محميّ،و قد حماه حميا و حمية و حماية بالكسر،و حموة.

و حمى المريض ما يضرّه:منعه إيّاه فاحتمى، و تحمّى:امتنع.

و الحميّ كغنيّ:المريض الممنوع ممّا يضرّه،و كلّ محميّ،و من لا يحتمل الضّيم.

و الحمى ك إلى و يمدّ،و الحمية بالكسر:ما حمي من شيء.

و الحامية:الرّجل يحمي أصحابه،و الجماعة أيضا حامية.

و هو على حامية القوم،أي آخر من يحميهم في مضيّهم.

و أحمى المكان:جعله حمى لا يقرب،أو وجده حمى.

و حمي من الشّيء كرضي حميّة و محمية كمنزلة:أنف، و الشّمس و النّار حميا و حميّا و حموّا:اشتدّ حرّهما، و أحماه اللّه.و الفرس حمى:سخن و عرق،و المسمار حميا و حموّا:سخن،و أحميته.

و الحمة كثبة:السّمّ أو الإبرة يضرب بها الزّنبور و الحيّة و نحو ذلك،أو يلدغ بها؛الجمع:حماة و حمى، و شدّة البرد.

و أبو حمّة:محمّد بن يوسف الزّبيديّ معروف.

و حمة العقرب:سيف.

و الحميّا:شدّة الغضب و أوّله،و من الكأس:سورتها و شدّتها أو إسكارها أو أخذها بالرّأس،و من كلّ شيء:

شدّته،و من الشّباب:أوّله و نشاطه.

و الحامية:الأثفيّة،و الحجارة تطوى بها البئر.

و الحوامي:ميامن الحافر و مياسره.

و الحامي:الفحل من الإبل يضرب الضّراب المعدود أو عشرة أبطن.ثمّ هو حام حمى ظهره،فيترك فلا ينتفع منه بشيء،و لا يمنع من ماء و لا مرعى.

و احمومى الشّيء اسودّ كاللّيل،و السّحاب.

و هو حامي الحميّا:يحمي حوزته و ما وليه.

و حاميت عنه محاماة و حماء:منعت عنه،و على ضيفي احتفلت له،و مضيت على حاميتي وجهي.

و حميان محرّكة:جبل.و حماة:بلدة بالشّام.

ص: 55

و الحامي و المحميّ:الأسد.

و حمى و اللّه:أما و اللّه.

و تحاماه النّاس:توقّوه و اجتنبوه.

و أبو حميّة كغنيّة:محمّد بن أحمد،محدّث.

(4:321)

الطّريحيّ: في الحديث:«لم تدخل الجنّة حميّة غير حميّة حمزة»و ذلك حين أسلم غضبا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حديث السّلى الّذي ألقي على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و حمزة هو عمّ النّبيّ.

[و الحمى ك إلى:المكان و الكلأ و الماء يحمى،أي يمنع.]

و منه«حمى السّلطان»و هو كالمرعى الّذي حماه فمنع منه،فإذا سيّب الإنسان ماشية هناك لم يؤمن عليها أن ترتع في حماه،فيصيبه من بطشه ما لا قبل له به...

و منه الحديث:«ألا و إنّ لكلّ ملك حمى ألا و إنّ حمى اللّه محارمه،فمن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه»أي قرب أن يدخله.

و مثله:«و المعاصي حمى اللّه عزّ و جلّ فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها».

و في قوله عليه السّلام:«إنّ حمى اللّه محارمه»إعلام بأنّ التّجنّب عن مقاربة حدود اللّه،و الحذر من الخوض في حماه أحقّ و أجدر من مجانبة كلّ ملك،فإنّ النّفس الأمّارة بالسّوء إذا أخطأتها السّياسة في ذلك الموطن كانت أسوء عاقبة من كلّ بهيمة خليع العذار.

و في الحديث:«جعل رسول اللّه اثني عشر ميلا حول المدينة حمى»أراد تحريم صيدها و قطع شجرها.و هذا شيء حمى على«فعل»بكسر الفاء و فتح العين،يعني محظور لا يقرب.

و قوله:«القرض حمى الزّكاة»أي حافظ لها،بمعنى إذا مات المقترض أو أعسر احتسبت عليه.

و احتمى من الطّعام:لم يقربه.و منه الحديث:

«عجبت لمن يحتمي من طعام مخافة الدّاء،كيف لا يحتمي من الذّنوب مخافة النّار؟».

و إطلاق الحمية على الذّنوب من باب المشاكلة.

(1:107)

مجمع اللّغة :حميت النّار تحمى حميا و حميّا و حموّا:اشتدّ حرّها فهي حامية.

حميت على كذا في النّار:أوقدتها له:

حماه يحميه حميا و حماية:منعه و دفع عنه،و منه سمّي الحامي.

و الحامي هو الفحل من الإبل لا يركب و لا يجزّ وبره، و كان من عادة الجاهليّة فأبطلها الإسلام.

الحميّة:الأنفة و الغيرة.(1:303)

محمود شيت:المحمّى:الأسد.

حمى الجيش الوطن:منعه و دافع عنه.

الحامي:المدافع.

الحامية:جماعة من الجيش تحمي بلدا.يقال:حامية عقرة.

الحمية:يقال:طعام الحمية:الطّعام الّذي يقدّم للمريض بمرض خاصّ في مستشفيات الجيش.

الحميّة:الأنفة.يقال:استثار حميّة رجاله.

الحماية:الدّفاع عن الجيش،و منع العدوّ من الحصول

ص: 56

على المعلومات عن العدوّ.يقال:قطعات الحماية:

المتقدّمة،و المؤخّرة،و الميمنة و الميسرة.(1:200)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ هذه المادّة مأخوذة من مادّة حمّ مضاعفا،و قد يلحق المضاعف الإبدال،فيقال في أمللت:أمليت.

و الإبدال إلى حرف اللّين يوجب لينة في المعنى و رفعا للشّدّة.

فمعنى الحمى مطلق الحرارة،و أكثر استعماله في الحرارة و العطوفة الباطنيّة،للطافتها و لينتها.

و يدلّ على هذا الإبدال استعمال حمّ و حمى في معنى الحرارة،و في عرق الفرس،و في مفهوم الصّديق و الحامي، و غيرها.

و يرجع إلى هذا الأصل:الحمو بمعنى القرابة،لوجود العطوفة و الحماية و الحرارة بينهم.

و الحمى بمعنى موضع يحمى،لكونه مورد توجّه و علاقة مخصوصة.

و الحماية في مورد العلاقة و إعمال العطوفة و المحبّة و دفع المضرّة،و يلازمها مفهوم الغضب بالنّسبة إلى من يقابل مورد العطوفة.

و أمّا الحميّة فهي شدّة الحرارة و العلاقة و التّعصّب في الدّفاع عن نفسه،و التّأنّف و الرّفع إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ الفتح:26،فلهم التّأنّف الشّديد و الرّفع،و يقابل هذه الحالة ما يتراءى من الظّالمين في الآخرة مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ إبراهيم:43.

و أمّا الحامي فهو من قولهم:حمى التّنّور،و الفحل من الإبل إذا طالت خدمته بشرائط مخصوصة يطلقونه يأكل و يستريح فكأنّه قد انتهى في حدّة حرارة الفحولة،أو انتهى في الحماية لصاحبه،من قولهم:حميت المريض...

و تقول في الأنثى منه:حامية،أي المنتهى في الحرارة.[إلى أن قال:]

فظهر الفرق بين مادّة الحرارة العامّة و بين الحمّ و الحمى،و بين الإحراق الّذي هو فوق مرتبة الحمّ.

(2:313)

العدنانيّ: حمة العقرب:

و يخطّئون من يقول:إنّ حمة العقرب هي إبرتها الّتي تلدغ بها.و يقولون:إنّ حمة العقرب هي سمّها و ضرّها، كما قال الصّحاح و المختار.و قال الأساس:إنّها فوعة (حدّة)السّمّ و سورته.

و لكنّ«اللّسان»قال:الحمة:السّمّ،عن اللّحيانيّ.

و قال بعضهم:هي الإبرة الّتي تضرب بها الحيّة و العقرب و الزّنبور و نحو ذلك،أو تلدغ بها؛و الجمع:

حمات و حمى.

و قال اللّيث: الحمة في أفواه العامّة إبرة العقرب و الزّنبور و نحوه.

و قال ابن الأعرابيّ: يقال لسمّ العقرب:الحمة و الحمّة.و قال الأزهريّ:لم يسمع التّشديد في الحمّة إلاّ لابن الأعرابيّ.

و أضاف«التّاج»إلى ما ذكره«اللّسان»قوله:أطلق ابن الأثير كلمة الحمّة على إبرة العقرب المجاورة،لأنّ السّم يخرج منها.

و أطلق المتن و الوسيط:الحمة على:

ص: 57

سمّ كلّ ما يلدغ و يلسع.

و على الإبرة الّتي يلدغ بها و يلسع.

(معجم الأخطاء الشّائعة:70)

النّصوص التّفسيريّة

يحمى

يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ...

التّوبة:35

ابن عبّاس: على الكنوز،و يقال:على النّار.

(157)

الطّبريّ: تدخل النّار فيوقد عليها،أي على الذّهب و الفضّة الّتي كنزوها في نار جهنّم،فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم،و كلّ شيء أدخل النّار،فقد أحمي إحماء،يقال منه:أحميت الحديدة في النّار أحميها إحماء.(10:123)

الثّعلبيّ: أي يدخل النّار مرتديا بعض الكنوز، و منه يقال:حميت الحديدة في النّار.(5:39)

الماورديّ: و إنّما غلّظه بهذا الوعيد لما في طباع النّفوس من الشّحّ بالأموال ليسهّل لهم تغليظ الوعيد إخراجها في الحقوق.(2:359)

الطّوسيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

فالهاء في قوله:(عليها)عائدة على الكنوز أو الفضّة.

و الإحماء:جعل الشّيء حارّا في الإحساس،و هو فوق الإسخان،و ضدّه التّبريد،تقول:حمي حميا و أحماه إحماء،إذا امتنع من حرّ النّار.(5:247)

الواحديّ: يقال:أحميت الحديدة في النّار إحماء، حتّى حميت حميا؛و ذلك إذا أوقدت عليها.(2:492)

البغويّ: أي:تدخل النّار فيوقد عليها،يعني الكنوز.(2:344)

الميبديّ: أي على الكنوز في نار جهنّم يوقد النّار عليها،يعني يدخل كنوزهم النّار حتّى تحمرّ و تشتدّ حرارتها.(4:127)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى قوله: يُحْمى عَلَيْها؟ و هلاّ قيل:تحمى،من قولك:حمي الميسم و أحميته على الحديد؟

قلت:معناه أنّ النّار تحمى عليها،أي توقد ذات حمى و حرّ شديد،من قوله: نارٌ حامِيَةٌ القارعة:11،و لو قيل:يوم تحمى لم يعط هذا المعنى.

فإن قلت:فإذا كان الإحماء للنّار فلم ذكر الفعل؟

قلت:لأنّه مسند إلى الجارّ و المجرور،أصله:يوم تحمى النّار عليها،فلمّا حذفت النّار قيل: يُحْمى عَلَيْها لانتقال الإسناد عن النّار إلى(عليها)كما تقول:رفعت القصّة إلى الأمير،فإن لم تذكر«القصّة»قلت:رفع إلى الأمير.

و عن ابن عامر أنّه قرأ (تحمى) بالتّاء.(2:187)

نحوه الفخر الرّازيّ(16:48)،و النّيسابوريّ(10:

80)،و النّسفيّ(2:125)،و أبو حيّان(5:36)، و الشّوكانيّ(2:447).

ابن عطيّة: قرأ جمهور النّاس (يُحْمى) بالياء بمعنى يحمى الوقود.و قرأ الحسن بن أبي الحسن (تحمى) بالتّاء

ص: 58

من فوق،بمعنى تحمى النّار،و الضّمير في(عليها)عائد على الكنوز أو الأموال،حسبما تقدّم.(3:28)

ابن الجوزيّ: أي على الأموال.(3:430)

البيضاويّ: أي يوم توقد النّار ذات حمى شديد عليها.و أصله:«تحمى بالنّار»فجعل الإحماء للنّار مبالغة، ثمّ حذفت النّار و أسند الفعل إلى الجارّ و المجرور،تنبيها على المقصود،فانتقل من صيغة التّأنيث إلى صيغة التّذكير.

و إنّما قال:(عليها)و المذكور شيئان،لأنّ المراد بهما دنانير و دراهم كثيرة،كما قال عليّ رضى اللّه عنه:أربعة آلاف و ما دونها نفقة و ما فوقها كنز،و كذا قوله: وَ لا يُنْفِقُونَها التّوبة:34.

و قيل:الضّمير فيهما للكنوز أو للأموال،فإنّ الحكم عامّ،و تخصيصها بالذّكر لأنّهما قانون التّموّل،أو للفضّة و تخصيصها لقربها،و دلالة حكمها على أنّ الذّهب أولى بهذا الحكم.(1:414)

نحوه أبو السّعود(3:144)،و المشهديّ(4:179).

الطّبرسيّ: أي يوقد على الكنوز أو على الذّهب و الفضّة في نار جهنّم،حتّى تصير نارا.(3:26)

العكبريّ: (عليها)في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل.

و قيل:القائم مقام الفاعل مضمر،أي يحمى الوقود، أو الجمر.(2:642)

القرطبيّ: أي أوقدت عليها.و يقال:أحميته،و لا يقال:أحميت عليه.و هاهنا قال:(عليها)لأنّه جعل (على)من صلة معنى الإحماء،و معنى الإحماء:الإيقاد، أي يوقد عليها فتكوى.(8:129)

الخازن :(عليها)يعني الكنوز،فتدخل النّار فيوقد عليها حتّى تبيضّ من شدّة الحرارة.(3:72)

نحوه الشّربينيّ.(1:609)

الكاشانيّ: يوقد النّار ذات حمى شديدة على الكنوز في نار جهنّم،فتكوى بها تلك الكنوز المحماة.(2:339)

البروسويّ: يقال:حميت النّار،أي اشتدّت حرارتها،أي يوم توقد النّار الحامية،أي الشّديدة الحرارة،على تلك الدّنانير و الدّراهم.و(عليها)في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل.(3:418)

شبّر:يوقد على الكنوز أو الأموال.(3:71)

القاسميّ: أي يوقد عليها.(8:3133)

رشيد رضا :الظّرف هنا يتعلّق بقوله تعالى قبله:

بِعَذابٍ أَلِيمٍ التّوبة:34،و قد بيّنّا من قبل أنّ الأصل في البشارة الخبر المؤثّر،يظهر تأثيره في بشرة الوجه بالسّرور أو الكآبة،و لكن غلب في الأوّل،و لذلك يحمل في مثل هذا المقام على التّهكّم،و المراد به:الإنذار،أي أخبرهم بعذاب أليم يصيبهم في ذلك اليوم الّذي يحمى فيه على تلك الأموال المكنوزة في نار جهنّم،أي دار العذاب،بأن توضع و تضرم عليها النّار الحامية حتّى تصير مثلها،فهو كقوله تعالى: وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ الرّعد:17،و هو أبلغ من (يوم تحمى)،فتكون من الإحماء عليها كالميسم.

و ظاهر العبارة أنّه يحمى عليها بأعيانها،و اللّه قادر على إعادتها،و إن كان المعنى المراد من الإنذار يحصل

ص: 59

بالإحماء عليها و على مثلها،و ليس في أعيانها من المعنى و لا الحكمة ما في إعادة الأجساد.

و أمور الآخرة من عالم الغيب فلا ندرك كنهها و صفاتها من الألفاظ المعبّرة عنها،فمذهب السّلف الحقّ الإيمان بالنّصوص مع تفويض أمر الكنه و الصّفة إلى عالم الغيب سبحانه،و الواجب علينا مع الإيمان بالنّص العبرة المرادة منه في إصلاح النّفس.

و يردّ عليه أنّ هذه الأموال تفنى بخراب الدّنيا، و صيرورة الأرض بقيام السّاعة هباء منبثّا.

و يجاب عنه بما أجيب عن القول بإعادة الأجساد بأعيانها من قدرة اللّه تعالى على ذلك.(10:408)

نحوه المراغيّ.(10:111)

ابن عاشور :الحمي شدّة الحرارة.يقال:حمي الشّيء،إذا اشتدّ حرّه.

و الضّمير المجرور ب(على)عائد إلى(الذّهب و الفضّة) باعتبار أنّها دنانير أو دراهم،و هي متعدّدة.و بني الفعل للمجهول،لعدم تعلّق الغرض بالفاعل،فكأنّه قيل:يوم يحمي الحامون عليها.و أسند المبنيّ للمجهول إلى المجرور لعدم تعلّق الغرض بذكر المفعول المحميّ لظهوره؛إذ هو النّار الّتي تحمى،و لذلك لم يقرن بعلامة التّأنيث،و عدّي ب(على)الدّالّة على الاستعلاء المجازيّ،لإفادة أنّ الحمي تمكّن من الأموال،بحيث تكتسب حرارة المحميّ كلّها،ثمّ أكّد معنى التّمكّن بمعنى الظّرفيّة الّتي في قوله: فِي نارِ جَهَنَّمَ فصارت الأموال محميّة عليها النّار،و موضوعة في النّار.

و بإضافة النّار إلى(جهنّم)علم أنّ المحميّ هو نار جهنّم الّتي هي أشدّ نار في الحرارة،فجاء تركيبا بديعا من البلاغة و المبالغة في إيجاز.(10:78)

الطّباطبائيّ: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ إلى آخر الآية.إحماء الشّيء:جعله حارّا في الإحساس،و الإحماء عليه:الإيقاد ليتسخّن،و الإحماء فوق التّسخين...

و المعنى:أنّ ذلك العذاب المبشّر به في يوم يوقد على تلك الكنوز في نار جهنّم،فتكون محماة بالنّار.(9:252)

المصطفويّ: فالضّمير في(يحمى)راجع إلى العذاب المذكور قريبا منه و مفردا مذكّرا،فإنّ مادّة «حمي»قلنا:إنّ أكثر استعمالها في الحرارة المعنويّة،أي أنّ العذاب يشتدّ على هذه الذّهب و الفضّة،واقعة في نار جهنّم،أو الإحماء يقع في نار جهنّم،و الشّدّة و الحدّة في العذاب هي الإحماء.

و قد تحيّر المفسّرون في مرجع الضّمير،و أتوا بتأويلات غير صحيحة،و لا يرجع الضّمير إلى«اليوم» فإنّ المضاف لا بدّ أن يكون مغايرا بالمضاف إليه حتّى ينتسب إليه.(2:314)

مكارم الشّيرازيّ: و من نافلة القول أن نشير إلى لطيفة بلاغيّة في الآية،و هي التّعبير ب يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها أي يحمى على الذّهب و الفضّة.و التّعبير المطّرد أن يقال:يوم تحمى الفضّة أو يحمى الذّهب،لا أنّه يحمى عليه،كما يقال مثلا:يحمى الحديد في النّار.

و لعلّ هذا التّعبير يشير إلى إحراق الذّهب و الفضّة إلى درجة قصوى بحيث توضع النّار عليها؛إذ جعل الفضّة و الذّهب على النّار لا يكفي لأن تكون محرقة

ص: 60

للغاية.

فالقرآن لا يقول:يوم تحمى في نار جهنّم،بل يقول:

يُحْمى عَلَيْها أن توضع النّار عليها،لتكون في منتهى الاحتراق و الحرارة،و هذا التّعبير الحيّ يجسّد شدّة عذاب أولي الثّروة الّذين يكنزونها في يوم القيامة.

(6:42)

فضل اللّه :لتتحوّل كلّ تلك الكنوز الّتي ادّخروها و منعوها عن أهلها إلى نار تحرق الجباه و الظّهور و الجنوب.(11:102)

حامية

1- عامِلَةٌ ناصِبَةٌ* تَصْلى ناراً حامِيَةً* تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ. الغاشية:3-5

ابن مسعود:تخوض في النّار كما تخوض الإبل في الوحل.(الثّعلبيّ 10:188)

نحوه الزّمخشريّ.(4:246)

ابن عبّاس: حارّة قد انتهى حرّها.(509)

قد حميت فهي تتلظّى على أعداء اللّه.

(الواحديّ 4:474)

زيد بن عليّ: معناه حارّة.(478)

الإمام الصّادق عليه السّلام:تصلى نار الحرب في الدّنيا على عهد القائم،و في الآخرة نار جهنّم.

(العروسيّ 5:563)

الطّبريّ: ترد هذه الوجوه نارا حامية قد حميت و اشتدّ حرّها.(30:160)

الماورديّ: فإن قيل:فما معنى صفتها بالحماء و هي لا تكون إلاّ حامية و هو أقلّ أحوالها،فما وجه المبالغة بهذه الصّفة النّاقصة؟

قيل:قد اختلف في المراد بالحامية هاهنا على أربعة أوجه:

أحدها:أنّ المراد بذلك أنّها دائمة الحمى،و ليست كنار الدّنيا الّتي ينقطع حميها بانطفائها.

الثّاني:أنّ المراد بالحامية أنّها حمى يمنع من ارتكاب المحظورات و انتهاك المحارم.كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«و إنّ لكلّ ملك حمى،و إنّ حمى اللّه محارمه،و من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه».

الثّالث:معناه أنّها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها أو ترام مماسّتها كما يحمي الأسد عرينه.[ثمّ استشهد بشعر]

الرّابع:أنّها حامية ممّا غيظ و غضب،مبالغة في شدّة الانتقام،و قد بيّن اللّه ذلك بقوله: تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ الملك:8.(6:258)

الطّوسيّ: أي تلزم الإحراق بالنّار الحامية الّتي في غاية الحرارة.(10:334)

نحوه القشيريّ(6:288)،و الطّبرسيّ(5:479)، و الطّباطبائيّ(20:273).

الرّاغب: أي حارّة و قرئ(حمئة).(132)

الميبديّ: أي متناهية في الحرارة.(10:469)

نحوه البيضاويّ(2:555)،و أبو السّعود(6:419)، و الكاشانيّ(5:320)،و شبّر(6:400)،و الآلوسيّ (30:112)،و المراغيّ(30:130).

ابن عطيّة: الحامية:المتوقّدة المتوهّجة.(5:473)

ص: 61

ابن عربيّ: مؤذية،مؤلمة بحسب ما تزاولها في الدّنيا من الأعمال.(2:800)

الفخر الرّازيّ: أي قد أوقدت،و أحميت المدّة الطّويلة فلا حرّ يعدل حرّها.(30:153)

نحوه القرطبيّ(20:28)،و النّسفيّ(14:351)، و الشّربينيّ(4:525)،و طنطاوي(25:144).

البروسويّ: أي متناهية في الحرّ و قد أوقدت ثلاثة آلاف سنة حتّى اسودّت،فهي سوداء مظلمة.و هو خبر آخر لوجوه.

قال السّجاونديّ: (حامية)أي دائمة الحمي،و إلاّ فالنّار لا تكون إلاّ حامية.(10:412)

ابن عاشور :وصف النّار ب(حامية)لإفادة تجاوز حرّها المقدار المعروف،لأنّ الحمي من لوازم ماهيّة النّار، فلمّا وصفت ب(حامية)كان دالاّ على شدّة الحمي،قال تعالى: نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ الهمزة:6.(30:263)

عبد الكريم الخطيب :أي تعذّب بنار حامية.و في وصف النّار بأنّها حامية إشارة إلى أنّها نار ذات صفة خاصّة،على خلاف المعهود من نار الدّنيا،فكلّ نار حامية.و هذا الوصف الوارد على النّار،يعطي وصفا جديدا لها.(15:1539)

فضل اللّه :فتلفحها بلهيبها الّذي يغشاها ليحوّلها إلى لون السّواد.(24:221)

2- وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ. القارعة:11

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث]:«ناركم هذه الّتي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزء من حرّ جهنّم».قالوا:و اللّه إن كانت لكافية يا رسول اللّه.قال:«فإنّها فضّلت عليها بتسعة و ستّين جزء كلّها مثل حرّها».

(القرطبيّ 20:167)

ابن عبّاس: حارّة قد انتهى حرّها.(518)

نحوه الواحديّ(4:547)،و الميبديّ(10:592)، و ابن عربيّ(2:845)،و النّسفيّ(4:374)،و الخازن(7:

237)،و البروسويّ(10:501)،و طنطاوي(25:260).

الطّبريّ: يعني بالحامية:الّتي قد حميت من الوقود عليها.(30:283)

الطّوسيّ: أي هي نار حامية شديدة الحرارة.

(10:401)

نحوه الطّبرسيّ(5:532)،و القرطبيّ(20:167)، و شبّر(6:444).

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّ سائر النّيران بالنّسبة إليها كأنّها ليست حامية،و هذا القدر كاف في التّنبيه على قوّة سخونتها،نعوذ باللّه منها...(32:74)

نحوه النّيسابوريّ.(30:165)

البيضاويّ: أي ذات حمى.(2:573)

مثله المشهديّ.(11:501)

ابن كثير :أي حارّة شديدة الحرّ،قويّة اللّهب و السّعير.(7:357)

الشّربينيّ: خبر مبتدإ مضمر،أي الهاوية نار شديدة الحرارة.(4:580)

الآلوسيّ: و رفع(نار)على أنّها خبر مبتدإ محذوف، أي هي نار،و(حامية)نعت لها،و هو من الحمى اشتداد الحرّ.قال في القاموس:حمى الشّمس و النّار حميا و حميّا

ص: 62

و حموّا اشتدّ حرّهما.

و جعله بعضهم-على ما قيل-من حميت القدر فهي محميّة.ففسّره ب«ذات حمى»و هو كما ترى.

(30:222)

المراغيّ: أي هي نار ملتهبة يهوي فيها ليلقى جزاء ما قدّم من عمل،و ما اجترح من سيّئات.

و في هذا إيماء إلى أنّ جميع النّيران إذا قيست بها و وزنت حالها بحالها لم تكن حامية؛و ذلك دليل على قوّة حرارتها،و شدّة استعارها.(30:228)

ابن عاشور :و جملة نارٌ حامِيَةٌ بيان لجملة وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ، و المعنى:هي نار حامية.و هذا من حذف المسند إليه الّذي اتّبع في حذفه استعمال أهل اللّغة.

و وصف النّار ب(حامية)من قبيل التّوكيد اللّفظيّ، لأنّ(نار)لا تخلو عن الحمي فوصفها به وصف بما هو من معنى لفظ(نار)فكان كذكر المرادف،كقوله تعالى: نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ الهمزة:6.(30:453)

الطّباطبائيّ: أي حارّة شديدة الحرارة،و هو جواب الاستفهام في(ما هيه)و تفسير ل(هاوية).

(20:349)

فضل اللّه :أي شديدة الحرارة؛بحيث تحرق الّذين يدخلونها في كلّ ما يتحرّك فيها،أو ينطلق منها من اللّهيب المشتعل.(24:387)

حام

ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ وَ لكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ...

المائدة:103

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:رأيت عمرو بن لحيّ بن قمعة بن خندف يجرّ قصبه في النّار،و إنّه كان أوّل من غيّر دين إسماعيل،و نصب الأوثان،و سيّب السّائبة،و بحر البحيرة،و وصل الوصيلة و حمى الحامي.

(الواحديّ 2:236)

ابن مسعود:إذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا:قد حمى ظهره و سيّب لأصنامهم،فلا يحمل عليه.(الواحديّ 2:235)

نحوه ابن عبّاس(الطّبريّ 7:90)،و ابن المسيّب (الطّبريّ 7:91)،و الشّعبيّ(الطّبريّ 7:89)،و الضّحّاك (الطّبريّ 7:91)،و عطاء(أبو حيّان 4:29)،و قتادة (الطّبريّ 7:90)و السّدّيّ(236)،و ابن إسحاق(ابن العربيّ 2:702)،و ابن زيد(الطّبري 7:92)،و الشّافعيّ (أبو حيّان 4:29)،و أبو عبيدة(أبو حيّان 4:29)،و ابن قتيبة(148)،و السّجستانيّ(55)،و أبو مسلم الأصفهانيّ(الفخر الرّازيّ 12:110)،و الماورديّ(2:

74)،و الطّوسيّ(4:41)،و الثّعلبيّ(4:115)، و الزّمخشريّ(1:649)،و ابن عطيّة(2:248)،و ابن العربيّ(2:701)،و النّسفيّ(1:305)،و الخازن(2:

82)،و البيضاويّ(1:295)،و أبو السّعود(2:328)، و المشهديّ(3:210)،و البروسويّ(2:451)، و القاسميّ(6:2186)،و المراغيّ(7:43)،و عبد الكريم الخطيب(4:57).

ابن عبّاس: الحام:هو الفحل،إذا ركب ولد ولده قيل:حمى ظهره،فيترك و لا يحمل عليه شيء،و لا يركب،و لا يمنع من ماء و لا رعي،و أيّما إبل أتاها يضرب

ص: 63

فيها لم يخل بينه و بينها،فإذا أدركه الهرم أو مات أكله الرّجال و النّساء جميعا،فذاك قوله تعالى ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ (102)

الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّ أهل الجاهليّة كانوا إذا ولدت النّاقة ولدين في بطن واحد قالوا:وصلت،فلا يستحلّون ذبحها و لا أكلها،و إذا ولدت عشرا جعلوها سائبة و لا يستحلّون ظهرها و لا أكلها.و الحام:فحل الإبل لم يكونوا يستحلّون،فأنزل اللّه عزّ و جلّ:أنّه لم يحرّم شيئا من ذاك.(الكاشانيّ 2:92)

نحوه القمّيّ من دون رواية عنه عليه السّلام.(1:188)

مالك:كان أهل الجاهليّة يعتقون الإبل و الغنم يسيّبونها،فأمّا الحامي فمن الإبل؛كان الفحل إذا انقضى ضرابه جعلوا عليه من ريش الطّواويس و سيّبوه.

(ابن العربيّ 2:701)

الفرّاء: أمّا الحامي:فالفحل من الإبل،كان إذا لقح ولد ولده حمى ظهره،فلا يركب،و لا يجزّ له وبر،و لا يمنع من مرعى،و أيّ إبل ضرب فيها لم يمنع.(1:322)

الفخر الرّازيّ: أمّا الحام فيقال:حماه يحميه،إذا حفظه.و فيه وجوه:أحدها:الفحل،إذا ركب ولد ولده قيل:حمى ظهره،أي حفظه عن الرّكوب،فلا يركب،و لا يحمل عليه،و لا يمنع من ماء و لا مرعى إلى أن يموت، فحينئذ تأكله الرّجال و النّساء.

ثانيها و ثالثها:[قول أبي مسلم و السّدّيّ و قد تقدّما]

فإن قيل:إذا جاز إعتاق العبيد و الإماء،فلم لا يجوز إعتاق هذه البهائم من الذّبح و الإتعاب و الإيلام؟

قلنا:الإنسان مخلوق لخدمة اللّه تعالى و عبوديّته،فإذا تمرّد عن طاعة اللّه تعالى عوقب بضرب الرّقّ عليه،فإذا أزيل الرّقّ عنه تفرّغ لعبادة اللّه تعالى،فكان ذلك عبادة مستحسنة.و أمّا هذه الحيوانات فإنّها مخلوقة لمنافع المكلّفين،فتركها و إهمالها يقتضي فوات منفعة على مالكها،من غير أن يحصل في مقابلتها فائدة،فظهر الفرق.

و أيضا الإنسان إذا كان عبدا فأعتق قدر على تحصيل مصالح نفسه،و أمّا البهيمة إذا أعتقت و تركت،لم تقدر على رعاية مصالح نفسها،فوقعت في أنواع من المحنة أشدّ و أشقّ ممّا كانت حال ما كانت مملوكة،فظهر الفرق.(12:

110)

نحوه النّيسابوريّ.(7:44)

أبو حيّان :الحامي:اسم فاعل من حمى،و هو الفحل من الإبل.[ثمّ ذكر الأقوال](4:29)

نحوه السّمين.(2:622)

الآلوسيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و جمع بين الأقوال المتقدّمة في كلّ من تلك الأنواع بأنّ العرب كانت تختلف أفعالهم فيها.و المراد من هذه الجملة ردّ و إبطال لما ابتدعه أهل الجاهليّة.(7:43)

رشيد رضا :الحام:اسم فاعل من الحماية،و هو فحل الضّراب أي التّلقيح.[ثمّ ذكر بعض الأقوال و قال:]

و قد اختلفت الرّوايات في تفسير هذه الألفاظ كما ترى،و أقواها ما رواه البخاريّ و مسلم و غير واحد من رواة التّفسير المأثور عن سعيد بن المسيّب.[و قد تقدّم قوله](7:203)

عزّة دروزة :و الحام:فحل الإبل يضرب الضّراب

ص: 64

المعدود،فإذا قضاه و دعوه للطّواغيت و أعفوه من الحمل.

و في كتب التّفسير بيانات أوسع غير أنّها متغايرة، و ليس فيها ما يساعد ترجيح صورة على أخرى،فنكتفي بإيراد صورة من الصّور المرويّة عن كلّ تقليد من التّقاليد الأربعة.[ثمّ ذكر معنى البحيرة و السّائبة و قال:]

و كانوا إذا نتج من صلب فحل عشرة أبطن أو إذا ركب ولد ولده،أي صار جدّا أعفوه من الرّكوب و التّحميل،و قالوا:إنّه حمى ظهره.و هذا هو الحامي.

و كانوا يفعلون كلّ هذا بسائق فكرة دينيّة شكرا للّه أو تقرّبا إليه،لتحقيق مطالبهم و رغباتهم،فألغاه القرآن و لم يقرّه،لأنّه ليس من ورائه فائدة و مصلحة يقوم بهما أمر النّاس،كما هو الحال في التّقاليد الأخرى الّتي أبقى عليها،و علّل إبقاءها بذلك على ما مرّ شرحه في سياق الآية.93.(11:200)

ابن عاشور :[نحو ابن مسعود و مالك و أضاف:]

الظّاهر أنّه بمنزلة السّائبة لا يؤكل حتّى يموت، و ينتفع بوبره للأصنام.[ثمّ ذكر معنى السّائبة و الوصيلة](5:238)

مكارم الشّيرازيّ: «الحام»و اللّفظة اسم فاعل من مادّة«حمي»،و يطلق على الفحل الّذي يتّخذ للتّلقيح،فإذا استفيد منه في تلقيح الإناث عشر مرّات و ولدن منه،قالوا:لقد حمى ظهره،فلا يحقّ لأحد ركوبه، و من معاني«الحماية»المحافظة و الحيلولة و المنع.

هناك احتمالات أخرى وردت عند المفسّرين و في الأحاديث بشأن تحديد هذه المصطلحات الأربعة،لكن القاسم المشترك بين كلّ هذه المعاني هو أنّها تدلّ جميعا على حيوانات قدّمت خدمات كبيرة لأصحابها في «النّتاج»فكان هؤلاء يحترمونها و يطلقون سراحها لقاء ذلك.

صحيح أنّ عملهم هذا ضرب من العرفان بالجميل و مظهر من مظاهر الشّكر،حتّى نحو الحيوانات،و هو بهذا جدير بالتّقدير و الإجلال،و لكنّه كان تكريما لا معنى له لحيوانات لا تدرك ذلك.

كما كان-فضلا عن ذلك-مضيعة للمال و إتلافا لنعم اللّه و تعطيلها عن الاستثمار النّافع.ثمّ إنّ هذه الحيوانات، بسبب هذا الاحترام و التّكريم،كانت تعاني من العذاب و الجوع و العطش،لأنّه قلّما يقدم أحد على تغذيتها و العناية بها.

و لمّا كانت هذه الحيوانات كبيرة في السّنّ عادة،فقد كانت تقضي بقيّة أيّامها في كثير من الحرمان و الحاجة حتّى تموت ميتة محزنة،و لهذا كلّه وقف الإسلام بوجه هذه العادة.

إضافة إلى ذلك يستفاد من بعض الرّوايات و التّفاسير أنّهم كانوا يتقرّبون بذلك كلّه،أو بقسم منه، إلى أصنامهم،فكانوا في الواقع ينذرون تلك الحيوانات لتلك الأصنام،و لذلك كان إلغاء هذه العادات تأكيدا لمحاربة كلّ مخلّفات الشّرك.

و العجيب في الأمر،أنّهم كانوا يأكلون لحوم تلك الحيوانات إذا ما ماتت موتا طبيعيّا،و كأنّهم يتبرّكون بها،و كان هذا عملا قبيحا آخر.(4:159)

ص: 65

الحميّة

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ... الفتح:26

ابن عبّاس: بمنعهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه عن البيت.(434)

زيد بن عليّ عليهما السّلام:الحميّة معناه العصبيّة.(379)

الزّهريّ: كانت حميّتهم الّتي ذكر اللّه[الآية]أنّهم لم يقرّوا «بسم الله الرحمن الرحيم:» و حالوا بينهم و بين البيت.(الطّبريّ 26:103)

مقاتل:و ذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قدم في ذي القعدة معتمرا و معه الهدى،فقال كفّار مكّة:قتل آباءنا و إخواننا تمّ أتانا يدخل علينا في منازلنا و نساءنا،و تقول العرب:

إنّه دخل على رغم آنافنا،و اللّه لا يدخلها أبدا علينا، فتلك الحميّة الّتي في قلوبهم.

نحوه مقاتل بن حيّان.(4:76)

الفرّاء: حموا أنفا أن يدخلوها عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فأنزل اللّه سكينته.يقول:أذهب اللّه عن المؤمنين أن يدخلهم ما دخل أولئك من الحميّة،فيعصوا اللّه و رسوله.

(3:68)

الطّبريّ: حين جعل سهيل بن عمرو في قلبه الحميّة،فامتنع أن يكتب في كتاب المقاضاة،الّذي كتب بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و المشركين: «بسم الله الرحمن الرحيم» و أن يكتب فيه:محمّد رسول اللّه،و امتنع هو و قومه من دخول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عامه ذلك.[إلى أن قال:]

و الحميّة«فعيلة»،من قول القائل:حمى فلان أنفه حميّة و محميّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ لأنّ الّذين فعلوا من ذلك، كان جميعه من أخلاق أهل الكفر،و لم يكن شيء منه ممّا أذن اللّه لهم به و لا أحد من رسله.(26:103)

نحوه الجصّاص(3:527)،و الثّعلبيّ(9:63)، و القشيريّ(5:430)،و البغويّ(4:242)،و الميبديّ (9:229)،و الزّمخشريّ(3:549)،و النّسفيّ(4:162)، و النّيسابوريّ(26:49)،و الخازن(6:177)،و ابن جزيّ(4:55).

السّجستانيّ: (حميّة)أنفة و غضب.(174)

أبو مسلم الأصفهانيّ: العصبيّة لآلهتهم الّتي كانوا يعبدونها من دون اللّه،و الأنفة من أن يعبدوا غيرها.(الماورديّ 5:320)

الماورديّ: [ذكر قول أبي مسلم الأصفهانيّ و الزّهريّ ثمّ أضاف:]

و يحتمل ثالثا:هو الاقتداء بآبائهم،و ألاّ يخالفوا لهم عادة،و لا يلتزموا لغيرهم طاعة،كما أخبر اللّه عنهم:

إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ الزّخرف:23.(5:320)

الطّوسيّ: فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ يعني الأنفة.ثمّ فسّر تلك الأنفة،فقال: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ، الأولى يعنى عصبيّتهم لآلهتهم من أن يعبدوا غيرها.(9:239)

الواحديّ: [ذكر قول مقاتل و أضاف:]و هي الأنفة و الإنكار،يقال:فلان ذو حميّة منكرة إذا كان ذا غضب و أنفة.(4:143)

ابن عطيّة: الحميّة:الّتي جعلوها هي حميّة أهل

ص: 66

مكّة في الصّدّ[ثمّ ذكر قول الزّهريّ و قال:]

و جعلها تعالى«حميّة جاهلية»لأنّها كانت بغير حجّة و في غير موضعها،لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لو جاءهم محاربا لعذرهم في حميّتهم،و إنّما جاء معظّما للبيت لا يريد حربا،فكانت حميّتهم جاهليّة صرفا.(5:138)

ابن الجوزيّ: الحميّة:الأنفة و الجبريّة.قال المفسّرون:و إنّما أخذتهم الحميّة حين أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دخول مكّة،فقالوا:يدخلون علينا و قد قتلوا أبناءنا و إخواننا،فتتحدّث العرب بذلك!و اللّه لا يكون ذلك.(7:441)

الطّبرسيّ: (اذ)يتعلّق بقوله:(لعذّبنا)الفتح:25، أي لعذّبنا الّذين كفروا،و إذنا لك في قتالهم حين جعلوا في قلوبهم الأنفة الّتي تحمي الإنسان،أي حميت قلوبهم بالغصب،ثمّ فسّر تلك الحميّة فقال: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ أي عادة آبائهم في الجاهليّة أن لا يذعنوا لأحد و لا ينقادوا له؛و ذلك أنّ كفّار مكّة قالوا:قد قتل محمّد و أصحابه آباءنا و إخواننا و يدخلون علينا في منازلنا،فتتحدّث العرب أنّهم دخلوا علينا على رغم أنفنا،و اللاّت و العزّى لا يدخلونها علينا.فهذه الحميّة الجاهليّة الّتي دخلت قلوبهم.(5:126)

الفخر الرّازيّ: (اذ)يحتمل أن يكون ظرفا،فلا بدّ من فعل يقع فيه و يكون عاملا له،و يحتمل أن يكون مفعولا به.

فإن قلنا:إنّه ظرف فالعمل الواقع فيه يحتمل أن يقال:هو مذكور،و يحتمل أن يقال:هو مفهوم غير مذكور.

فإن قلنا:هو مذكور،ففيه وجهان:

أحدهما:هو قوله تعالى: وَ صَدُّوكُمْ أي و صدّوكم حين جعلوا في قلوبهم الحميّة.

و ثانيها:قوله تعالى: لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ الفتح:25،أي لعذّبناهم حين جعلوا في قلوبهم الحميّة.

و الثّاني أقرب لقربه لفظا و شدّة مناسبته معنى،لأنّهم إذا جعلوا في قلوبهم الحميّة لا يرجعون إلى الاستسلام و الانقياد،و المؤمنون لمّا أنزل اللّه عليهم السّكينة لا يتركون الاجتهاد في الجهاد،و اللّه مع المؤمنين فيعذّبونهم عذابا أليما أو غير المؤمنين.

و أمّا إن قلنا:إنّ ذلك مفهوم غير مذكور ففيه وجهان:

أحدهما:حفظ اللّه المؤمنين عن أن يطئوهم و هم الّذين كفروا الّذين جعل في قلوبهم الحميّة.

و ثانيهما:أحسن اللّه إليكم إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة،و على هذا فقوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ تفسير لذلك الإحسان.

و أمّا إن قلنا:إنّه مفعول به،فالعامل مقدّر تقديره:

اذكر،أي اذكر ذلك الوقت،كما تقول:أتذكر إذ قام زيد، أي أتذكر وقت قيامه كما تقول أتذكر زيدا.و على هذا يكون الظّرف للفعل المضاف إليه عاملا فيه.

و فيه لطائف معنويّة و لفظيّة:

الأولى:هو أنّ اللّه تعالى أبان غاية البون بين الكافر و المؤمن،فأشار إلى ثلاثة أشياء:

أحدها:جعل ما للكافرين بجعلهم،فقال: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا و جعل ما للمؤمنين بجعل اللّه،فقال:

ص: 67

فَأَنْزَلَ اللّهُ و بين الفاعلين ما لا يخفى.

ثانيها:جعل للكافرين الحميّة و للمؤمنين السّكينة، و بين المفعولين تفاوت،على ما سنذكره.

ثالثها:أضاف الحميّة إلى الجاهليّة و أضاف السّكينة إلى نفسه؛حيث قال:حميّة الجاهليّة،و قال:سكينته، و بين الإضافتين ما لا يذكر.

الثّانية:زاد المؤمنين خيرا بعد حصول مقابلة شيء بشيء:فعلهم بفعل اللّه و الحميّة بالسّكينة و الإضافة إلى الجاهليّة بالإضافة إلى اللّه تعالى،و ألزمهم كلمة التّقوى، و سنذكر معناه.

و أمّا اللّفظيّة فثلاث لطائف:

الأولى:قال في حقّ الكافر:(جعل)و قال في حقّ المؤمن:(انزل)،و لم يقل:خلق،و لا جعل سكينته إشارة إلى أنّ الحميّة كانت مجعولة في الحال في العرض الّذي لا يبقى،و أمّا السّكينة فكانت كالمحفوظة في خزانة الرّحمة معدّة لعباده فأنزلها.

الثّانية:قال الحميّة ثمّ أضافها بقوله: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ لأنّ الحميّة في نفسها صفة مذمومة، و بالإضافة إلى الجاهليّة تزداد قبحا،و للحميّة في القبح درجة لا يعتبر معها قبح القبائح كالمضاف إلى الجاهليّة.

الثّالثة:قوله: فَأَنْزَلْنا بالفاء لا بالواو إشارة إلى أنّ ذلك كالمقابلة...(28:101)

القرطبيّ: (الحميّة)فعيلة،و هي الأنفة.يقال:

حميت عن كذا حميّة بالتّشديد و محميّة،إذا أنفت منه و داخلك عار و أنفة أن تفعله.[ثمّ استشهد بشعر]

(16:288)

نحوه أبو حيّان.(8:99)

البيضاويّ: (الحميّة):الأنفة، حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ الّتي تمنع من الإذعان للحقّ.(2:404)

السّمين: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بدل من(الحميّة)قبلها، و الحميّة:الأنفة من الشّيء.[ثمّ استشهد بشعر]

و هي المنع،و وزنها«فعيلة»و هو المصدر،يقال:

حميت عن كذا حميّة.(6:165)

الشّربينيّ: أي المنع الشّديد،و الإباء الّذي هو في شدّة حرّه،و نفوذه في أشدّ الأجسام كالسّمّ و النّار.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بدل من(الحميّة)قبلها.و وزنها «فعيلة»و هي مصدر،يقال:حميت من كذا حمية.

و حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ هي الّتي مدارها مطلق المنع،سواء كان بحقّ أم باطل،فتمنع من الإذعان للحقّ،و مبناها على التّشفّي على مقتضى الغضب لغير اللّه،فتوجب تخطّي حدود الشّرع،و لذلك أنفوا من دخول المسلمين مكّة المشرّفة لزيارة البيت العتيق الّذي النّاس فيه سواء.

(4:53)

أبو السّعود :أي الأنفة و التّكبّر متعلّق به أو بمعنى التّصيير،فهو متعلّق بمحذوف هو مفعول ثان له،أي جعلوها ثابتة راسخة في قلوبهم حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بدل من الحميّة،أي حميّة الملّة الجاهليّة،أو الحميّة النّاشئة من الجاهليّة.(6:106)

البروسويّ: أي الأنفة و التّكبّر«فعيلة»من:حمى من كذا حميّة،إذا أنف منه.[ثمّ ذكر كلام الرّاغب و أضاف:]

ص: 68

و ذلك لأنّ في الغضب ثوران دم القلب و حرارته و غليانه.و الجارّ و المجرور إمّا متعلّق بالجعل،على أنّه بمعنى الإلقاء،أو بمحذوف و هو مفعول ثان،على أنّه بمعنى التّصيير،أي جعلوها ثابتة راسخة في قلوبهم، حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بدل من(الحميّة)أي حميّة الملّة الجاهليّة، و هي ما كانت قبل البعثة،أو الحميّة النّاشئة من الجاهليّة الّتي تمنع إذعان الحقّ.(9:49)

المراغيّ: [نحو القرطبيّ ثمّ قال:]

و المراد بها:ثوران القوّة الغضبيّة،و حميّة الجاهليّة:

حميّة في غير موضعها،لا يؤيّدها دليل و لا برهان.

(26:108)

سيّد قطب :حميّة لا لعقيدة و لا لمنهج.إنّما هي حميّة الكبر و الفخر و البطر و التّعنّت.الحميّة الّتي جعلتهم يقفون في وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و من معه،يمنعونهم من المسجد الحرام،و يحبسون الهدي الّذي ساقوه،أن يبلغ محلّه الّذي ينحر فيه،مخالفين بذلك عن كلّ عرف،و عن كلّ عقيدة،كي لا تقول العرب:إنّه دخلها عليهم عنوة.

ففي سبيل هذه النّعرة الجاهليّة يرتكبون هذه الكبيرة الكريهة في كلّ عرف و دين،و ينتهكون حرمة البيت الحرام الّذي يعيشون على حساب قداسته، و ينتهكون حرمة الأشهر الحرم الّتي لم تنتهك في جاهليّة و لا إسلام!

و هي الحميّة الّتي بدت في تجبيههم لكلّ من أشار عليهم أوّل الأمر بخطّة مسالمة،و عاب عليهم صدّ محمّد و من معه عن بيت اللّه الحرام.

و هي كذلك الّتي تبدّت في ردّ سهيل بن عمرو لاسم الرّحمن الرّحيم،و لصفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في أثناء الكتابة.

و هي كلّها تنبع من تلك الجاهليّة المتعجرفة المتعنّتة بغير حقّ.

و قد جعل اللّه الحميّة في نفوسهم على هذا النّحو الجاهليّ،لما يعلمه في نفوسهم من جفوة عن الحقّ و الخضوع له.فأمّا المؤمنون فحماهم من هذه الحميّة، و أحلّ محلّها السّكينة،و التّقوى.(6:3329)

ابن عاشور :الحميّة:الأنفة،أي الاستنكاف من أمر،لأنّه يراه غضاضة عليه.و أكثر إطلاق ذلك على استكبار لا موجب له،فإن كان لموجب فهو إباء الضّيم.

و لمّا كان صدّهم النّاس عن زيارة البيت بلا حقّ.لأنّ البيت بيت اللّه لا بيتهم كان داعي المنع مجرّد الحميّة.قال تعالى: وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ الأنفال:34.و(جعل)بمعنى «وضع»،كقول الحريريّ في المقامة الأخيرة:«اجعل الموت نصب عينك».[ثمّ استشهد بشعر]

اَلَّذِينَ كَفَرُوا مفعول أوّل ل(جعل) و(الحميّة)بدل اشتمال من اَلَّذِينَ كَفَرُوا، و فِي قُلُوبِهِمُ في محلّ المفعول الثّاني ل(جعل)،أي تخلّقوا بالحميّة فهي دافعة بهم إلى أفعالهم،لا يراعون مصلحة و لا مفسدة،فكذلك حين صدّوكم عن المسجد الحرام.

و فِي قُلُوبِهِمُ متعلّق ب(جعل)،أي وضع الحميّة في قلوبهم.

و حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ عطف بيان للحميّة،قصد من إجماله ثمّ تفصيله تقرير مدلوله،و تأكيده ما يحصل لو قال: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ).

و إضافة الحميّة إلى الجاهليّة لقصد تحقيرها

ص: 69

و تشنيعها،فإنّها من خلق أهل الجاهليّة،فإنّ ذلك انتساب ذمّ في اصطلاح القرآن،كقوله: يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ آل عمران:154،و قوله:

أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ المائدة:50.

و يعكس ذلك إضافة السّكينة إلى ضمير اللّه تعالى إضافة تشريف،لأنّ السّكينة من الأخلاق الفاضلة فهي موهبة إلهيّة.(26:163)

الطّباطبائيّ: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بيان ل(الحميّة) و(الجاهليّة)وصف موضوع في موضع الموصوف، و التّقدير:الملّة الجاهليّة.(18:289)

مكارم الشّيرازيّ: التّعصّب،و حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ هما أكبر سدّ في طريق الكفّار.

هذه الآية تتحدّث مرّة أخرى عن مجريات الحديبيّة و تجسّم ميادين أخرى من قضيّتها العظمى.فتشير أوّلا إلى واحد من أهمّ العوامل الّتي تمنع الكفّار من الإيمان باللّه و رسوله و الإذعان و التّسليم للحقّ و العدالة،فتقول:

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ.

و لذلك منعوا النّبيّ و المؤمنين أن يدخلوا بيت اللّه و يؤدّوا مناسكهم،و ينحروا الهدي في مكّة.و قالوا لو دخل هؤلاء-الّذين قتلوا آباءنا و إخواننا في الحرب- أرضنا و ديارنا و عادوا سالمين فما عسى أن تقول العرب فينا؟!و أيّة حيثيّة و اعتبار لنا بعد؟

هذا الكبر و الغرور و الحميّة حميّة الجاهليّة منعتهم كلّها حتّى من كتابة بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بصورتها الصّحيحة،عند تنظيم معاهدة صلح الحديبيّة،مع أنّ عاداتهم و سننهم كانت تجيز العمرة و زيارة بيت اللّه للجميع،و كانت مكّة عندهم حرما آمنا حتّى لو وجد أحدهم قاتل أبيه فيها أو أثناء المناسك،فلا يناله منه سوء و أذى لحرمة البيت عنده،فهؤلاء-بهذا العمل- هتكوا حرمة بيت اللّه و الحرم الآمن و جعلوا سننهم و عاداتهم تحت أقدامهم،كما سدلوا ستارا حاجبا بينهم و بين الحقيقة أيضا،و هكذا هي آثار حميّة الجاهليّة المميتة.

و(الحميّة)في الأصل من مادّة«حمي»على وزن «حمد»و معناها الحرارة الّتي تقع من الشّمس أو النّار على جسم الإنسان و ما شاكله،و من هنا سمّيت الحمّى الّتي تصيب الإنسان،بهذا الاسم«حمّى»على وزن«كبرى».

و يقال لحالة الغضب أو النّخوة أو التّعصّب المقرون بالغضب:حميّة أيضا.

و هذه الحالة السّائدة في الأمم هي بسبب الجهل و قصور الفكر و الانحطاط الثّقافيّ خاصّة بين «الجاهليّين»و كانت مدعاة لكثير من الحروب و سفك الدّماء.

ثمّ تضيف الآية الكريمة،و في قبال ذلك فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

هذه السّكينة المولودة عن الإيمان و الاعتقاد باللّه و الاعتماد على لطفه،دعتهم إلى الاطمئنان و ضبط النّفس،و أطفأت لهب غضبهم،حتّى أنّهم قبلوا-و من أجل أن يحفظوا و يرعوا أهدافهم الكبرى-بحذف جملة بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الّتي هي رمز الإسلام في بداية الأعمال،و أن يثبتوا مكانها«بسمك اللّهمّ»الّتي هي من موروثات العرب السّابقين في أوّل المعاهدة،و حذفوا

ص: 70

حتّى لقب رسول اللّه الّتي يلي اسم محمّد صلّى اللّه عليه و آله الكريم.

و قبلوا بالعودة إلى المدينة من الحديبيّة دون أن يستجيبوا لهوى عشقهم بالبيت،و يؤدّوا مناسك العمرة.

و نحروا هديهم خلافا للسّنّة الّتي في الحجّ أو العمرة في المكان ذاته،و أحلّوا من إحرامهم دون أداء المناسك.

أجل لقد رضوا بأن يعضّوا على الأكباد،و أن يصبروا إزاء كلّ المشاكل الصّعبة،و لو كانت فيهم حميّة الجاهليّة لكان واحد من هذه الأمور الآنفة كفيلا أن يشعل الحرب بينهم في تلك الأرض.

أجل إنّ الثّقافة الجاهليّة تدعو إلى الحميّة و التّعصّب و الحفيظة الجاهليّة،غير أنّ الثّقافة الإسلاميّة تدعو إلى السّكينة و الاطمئنان و ضبط النّفس.

ثمّ يضيف القرآن في هذا الصّدد قائلا: وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها.

كَلِمَةَ التَّقْوى هنا معناها روح التّقوى.و معنى الآية أنّ اللّه ألقى روح التّقوى في قلوب أولئك المؤمنين، و جعلها ملازمة لهم و معهم،كما نقرأ-في هذا المعنى-أيضا الآية:171،من سورة النّساء،في شأن عيسى بن مريم؛ إذ تقول الآية: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ.

و احتمل بعض المفسّرين أنّ المراد من كَلِمَةَ التَّقْوى: ما أمر اللّه به المؤمنين في هذا الصّدد.

إلاّ أنّ المناسب هو«روح التّقوى»الّتي تحمل مفهوما تكوينيّا،و هي وليدة الإيمان و السّكينة و الالتزام القلبيّ بأوامر اللّه سبحانه،لذا ورد في بعض الرّوايات عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ المراد ب كَلِمَةَ التَّقْوى هو كلمة:لا إله إلاّ اللّه.و في رواية عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه فسّرها بالإيمان.

و نقرأ في بعض خطب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قوله:«نحن كلمة التّقوى و سبيل الهدى».و شبيه بهذا التّعبير ما نقل عن الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام قوله:«و نحن كلمة التّقوى و العروة الوثقى».

و واضح أنّ الإيمان بالنّبوّة و الولاية مكمّل للإيمان بأصل التّوحيد و معرفة اللّه،لأنّهما جميعا داعيان إلى اللّه و مناديان للتّوحيد.

و على كلّ حال فإنّ المسلمين لم يبتلوا في هذه اللّحظات الحسّاسة بالحميّة و العصبيّة و النّخوة و الحفيظة، و ما كتب اللّه لهم من العاقبة المشرقة في الحديبيّة لم تمسسه نار الحميّة و الجهالة،لأنّ اللّه يقول: وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها.

و بديهيّ أنّه لا ينتظر من حفنة«جماعة»خرافيّة و جاهليّة و عبدة أصنام سوى حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ غير أنّه لا ينتظر من المسلمين الموحّدين الّذين تربّوا سنين طويلة في مدرسة الإسلام مثل هذا الخلق و الطّباع الجاهليّة،و ما ينتظر منهم هو الاطمئنان و السّكينة و الوقار و التّقوى؛ و ذلك ما أظهروه في الحديبيّة،و إن كان متوقّعا من حادي الطّبع و المزاج أن يكسروا هذا السّدّ المنيع بما يحملوه من أنفسهم من ترسّبات الماضي،و أن يثيروا الضّوضاء،غير أنّ سكينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وقاره كانا كمثل الماء المسكوب على النّار فأطفأها.

و تختتم الآية بقوله سبحانه: وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً، فهو سبحانه يعرف نيّات الكفّار السّيّئة

ص: 71

و يعرف طهارة قلوب المؤمنين أيضا،فينزل السّكينة و التّقوى عليهم هنا و يترك أولئك في غيّهم و حميّتهم حميّة الجاهليّة،فاللّه يشمل كلّ قوم و أمّة بما تستحقّه من اللّطف و الرّحمة،أو الغضب و النّقمة.

ملاحظة:

ما هي حميّة الجاهليّة؟

قلنا:إنّ الحميّة في الأصل من مادّة«حمي»و معناها:

الحرارة،ثمّ صارت تستعمل في معنى الغضب،ثمّ استعملت في النّخوة و التّعصّب الممزوج بالغضب أيضا.

و هذه الكلمة قد تستعمل في هذا المعنى المذموم، مقرونة بالجاهليّة أو بدونها بعض الأحيان.و قد تستعمل في المدح حينا آخر،فتكون عندئذ بمعنى التّعصّب في الأمور الإيجابيّة البنّاءة.

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام حين انتقده بعض أصحابه الضّعاف المعاندين:«منيت بمن لا يطيع إذا أمرت و لا يجيب إذا دعوت أما دين يجمعكم و لا حميّة تحشمكم».

غير أنّ هذه الكلمة غالبا ما ترد في الذّمّ،كما ذكرها الإمام عليّ مرارا في خطبته القاصعة،ذامّا بها إبليس أمام المستكبرين:«صدّقه به أبناء الحميّة و إخوان العصبيّة فرسان الكبر و الجاهليّة».

و في مكان آخر من هذه الخطبة يقول محذّرا من العصبيّات الجاهليّة:«فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبيّة و أحقاد الجاهليّة.فإنّما تلك الحميّة تكون في المسلم من خطرات الشّيطان و نخواته...و نزعاته و نفثاته».

و على كلّ حال فلا شكّ أنّ وجود مثل هذه الحالة في الفرد أو المجتمع باعث على تخلّف ذلك المجتمع،و يلغي أستارا ثقيلة على العقل و الفكر الإنسانيّ،و تمنعه من الإدراك الصّحيح و التّشخيص السّالم.و ربّما تذر جميع مصالحه مع الرّياح.

و أساسا،فإنّ انتقال السّنن الخاطئة من جيل لآخر و من قوم لآخرين،هو في ظلّ هذه الحميّة المشئومة، و مقاومة الأمم للأنبياء و القادة غالبا ما تكون عن هذه السّبيل أيضا.

ينقل عن الإمام عليّ بن الحسين حين سئل عن العصبيّة أنّه قال عليه السّلام:العصبيّة الّتي يأثم عليها صاحبها أن يرى شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين،و ليس من العصبيّة أنّ يحبّ الرّجل قومه،و لكن من العصبيّة أن يعين قومه على الظّلم.

إنّ خير سبيل لمقاومة هذه السّجيّة السّيّئة و النّجاة من هذه المهلكة العظمى:السّعي و الجدّ لرفع المستوى الثّقافيّ و الفكريّ،و إيمان كلّ قوم و جماعة.

و في الحقيقة إنّ القرآن عالج هذا المرض بالآية المتقدّمة،حيث يتحدّث عن المؤمنين ذوي السّكينة و التّقوى،فحيث توجد التّقوى فلا توجد حميّة الجاهليّة، و حيث توجد حميّة الجاهليّة فلا تقوى و لا سكينة.

(16:441)

فضل اللّه :(الحميّة):الأنفة و الاستكبار.[إلى أن قال:]

فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ الّتي يحرّكها الانفعال و العصبيّة و مشاعر الإخلاص للعشيرة،دون

ص: 72

أيّ وعي فكريّ يربط المشاعر الإنسانيّة و العلاقات بالقضايا الفكريّة و الرّوحيّة و المعاني الإنسانيّة...

و هذا ما جعلهم يصرّون على عدم التّنازل عن امتيازاتهم العصبيّة،و لا ينفتحون على منطق العقل و الحوار باعتباره سبيل الوصول إلى نتائج إيجابيّة في ما يختلف فيه النّاس،لكن هذه الحميّة الجاهليّة لم تخلق لدى المؤمنين ردّ فعل انفعاليّ لمراجعة الحميّة بحميّة مماثلة،بل حافظوا على هدوئهم النّفسيّ،و طمأنينتهم الرّوحيّة.(21:122)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحمى،و هو موضع فيه كلأ يمنع النّاس من الرّعي فيه،يقال:حمى فلان الأرض يحميها حميا و حمية و حموة و حماية،و أحمى المكان:

جعله حمى لا يقرب،و عشب حمى:محظور لا يقرب، يقال:حمى مكانه و أحماه.

و الحامية:حجر عظيم و ثقيل يطوى به البئر،فهو يحمي البئر من الانهيار،و الحاميتان:ما عن يمين السّنبك و شماله،فهما يحميانه من الأكال؛و الجمع:حوام.

و الحمة:السّمّ،و الإبرة الّتي تضرب بها الحيّة و العقرب و الزّنبور و نحو ذلك،أو تلدغ بها؛إذ بها تحمي نفسها،و الجمع حمات و حمى.

ثمّ توسّع فيه و استعمل في كلّ منع و شدّة،و منه قولهم:حمي النّهار و التّنّور حميّا،أي اشتدّ حرّه،و حمي المسمار و غيره في النّار حميا و حموّا:سخن،و أحميته إحماء فأنا أحميه،و أحميت الحديدة إحماء حتّى حميت تحمى،و حمي الفرس يحمى حميا و حمى:سخن و عرق.

و يقال مجازا:حمي الوطيس،أي اضطرمت الحرب، و اشتدّ الأمر.

و حمو الشّمس:حرّها؛حميت الشّمس و النّار تحمى حميا و حميّا و حموّا،أي اشتدّ حرّها،و أحماها اللّه،و اشتدّ حمي الشّمس و حموها.

و الحماية:المنع و الدّفع،يقال:حمى أهله في القتال حماية،و احتمى في الحرب:حميت نفسه،و تحاماه النّاس:

توقّوه و اجتنبوه،و حاميت عنه محاماة و حماء،يقال:

الضّروس تحامي عن ولدها.و حمى الشّيء حميا و حمى و حماية و محمية:منعه و دفع عنه.

و الحامية:الرّجل يحمي أصحابه في الحرب،يقال:

فلان على حامية القوم،أي آخر من يحميهم في انهزامهم، و فلان حامي الذّمار؛و الجمع:حماة و حامية.

و الحميّة:الأنفة و الغضب،يقال:فلان ذو حميّة منكرة،أي ذو غضب و أنفة،و حميت عليه:غضبت، و حميت عن كذا حميّة و محميّة:أنفت منه،و داخلني عار و أنفة أن أفعله،و إنّه لرجل حميّ،و حميّ الأنف:لا يحتمل الضّيم.

و الحميّا:شدّة الغضب و أوّله،يقال:إنّه لشديد الحميّا،أي شديد النّفس و الغضب،و حميّا كلّ شيء:

شدّته و حدّته؛يقال:فعل ذلك في حميّا شبابه،أي في سورته و نشاطه،و إنّه لحامي الحميّا:يحمي حوزته و ما وليه،و الحميّا:دبيب الشّراب،و حميّا الكأس:سورتها و شدّتها،يقال:سارت فيه حميّا الكأس،أي سورتها و شدّتها.

ص: 73

و الحمية:منع المريض من الطّعام،يقال:حمى المريض يحميه حمية و حموة من الطّعام،أي منعه إيّاه، و احتمى احتماء هو من ذلك،و تحمّى:امتنع،و الحميّ:

المريض الممنوع من الطّعام و الشّراب.

و منه:حمو المرأة و حموها و حماها:أبو زوجها و أخوه و من كان من قبله،لأنّهم ممّن يحمون و يدفع عنهم.يقال:

هذا حموها،و رأيت حماها،و مررت بحميها،و هذا حم،في الانفراد،و الجمع:أحماء،و الحماة:أمّ الزّوج.

2-و الحامي:الفحل من الإبل يضرب الضّراب المعدود،قيل:عشرة أبطن،فيترك فلا ينتفع منه بشيء، و لا يمنع من ماء و لا مرعى،و هي الحوامي.و نرى«الحاء» فيها مبدل من«الهاء»،فهي الهوامي،أي الإبل المهملة بلا راع.

3-و استعمل في القضاء اليوم لفظ المحامي،و هو المدافع عن أحد الخصمين،و مهنته المحاماة،يقال:

حامى المحامي عن فلان،أي دافع عنه أمام القضاء.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«يحمى»مرّة،و«حامية»مرّتين،و«حام» مرّة،و«حميّة»مرّتين،في 5 آيات:

1-يحمى،حامية

1- يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ... التّوبة:35

2- تَصْلى ناراً حامِيَةً الغاشية:4

3- وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ

القارعة:10،11

2-حام

4- ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ... المائدة:103

3-حميّة

5- إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ... الفتح:26

يلاحظ أوّلا:أنّ مشتقّات هذه المادّة جاءت على محاور ثلاثة:

المحور الأوّل:يحمى و حامية:

أ-يحمى في(1): (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها) ،و فيها بحوث:

1-قال الزّمخشريّ: «فإن قلت:فإذا كان الإحماء للنّار،فلم ذكر الفعل؟

قلت:لأنّه مسند إلى الجارّ و المجرور،أصله:يوم تحمى النّار عليها،فلمّا حذفت النّار،قيل: يُحْمى عَلَيْها لانتقال الإسناد عن النّار إلى(عليها)،كما تقول:

رفعت القصّة إلى الأمير،فإن لم تذكر القصّة،قلت:رفع إلى الأمير».

و قدّر بعضهم الوقود أو الجمر،أي يحمى الوقود أو الجمر عليها.

2-قال القرطبيّ:«يقال:أحميته،و لا يقال:أحميت عليه،و هاهنا قال:(عليها)،لأنّه جعل«على»من صلة معنى الإحماء و معنى الإحماء:الإيقاد،أي يوقد عليها فتكوى».

3-اختلف في ما يعود عليه ضمير(عليها)،أعلى الذّهب و الفضّة،أم على الأموال و الكنوز المذكوران قبلها وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ؟

ص: 74

3-اختلف في ما يعود عليه ضمير(عليها)،أعلى الذّهب و الفضّة،أم على الأموال و الكنوز المذكوران قبلها وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ؟

قيل:يعود على الذّهب و الفضّة لقربهما.قال البيضاويّ:«إنّما قال:(عليها)و المذكور شيئان،لأنّ المراد بهما دنانير و دراهم كثيرة،كما قال عليّ رضى اللّه عنه:أربعة آلاف و ما دونها نفقة،و ما فوقها كنز».

و قيل:يعود على الكنوز،قال الثّعلبيّ:«يدخل النّار مرتديا بعض الكنوز».و قال الخازن:«فيوقد عليها حتّى تبيضّ من شدّة الحرارة».

4-قرئ (تحمى) بالتّاء،أي تحمى النّار عليها،قال البيضاويّ:«أصله تحمى بالنّار،فجعل الإحماء للنّار مبالغة،ثمّ حذفت(النّار)و أسند المجرور تنبيها على المقصود،فانتقل من صيغة التّأنيث إلى صيغة التّذكير».

و نقول:يبدو أنّه قد أشكل عليهم يُحْمى عَلَيْها إذ جاء فيها(يحمى)مبنيّا للمفعول مذكّرا مع أنّ النّار مؤنّثة و(عليها)مع أنّه يقال:أحميت النّار و لا يقال:

أحميت عليها؟فعالجها كلّ منهم بطريقة لا يخلو شيء منها من تكلّف،فإنّ(النّار)ذكرت بعدها: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ و لا يصحّ(تحمى النّار عليها في نار جهنّم) فاكتفى عن ذكرها في(يحمى)ب نارِ جَهَنَّمَ بعدها، و المعنى يحمى حمى شديدا واقعا على الأموال و الذّهب و الفضّة في نار جهنّم أي تقع الحرارة عليها و تحيط بها من قبل نار جهنّم المحيطة بها.

ففيه معنى الإسخان و الإحماء أي إيجاد الحرارة دون الإيقاد.كما قال ابن عاشور:«الحمي:شدّة الحرارة يقال:

حمي الشّيء إذا اشتدّ حرّه...و عدّي ب(على)الدّالّة على الاستعلاء المجازيّ لإفادة أنّ الحمي تمكّن من الأموال بحيث تكتسب حرارة الحمّى كلّها،ثمّ أكّد معنى التّمكّن بمعنى الظّرفيّة فِي نارِ جَهَنَّمَ... أي شديدة الحرارة» و قريب منه كلام المصطفويّ و هذه نظير تَصْلى ناراً حامِيَةً. لاحظ ج ب ه،و ج ن ب.

ب-حامية في(2): تَصْلى ناراً حامِيَةً، و فيها بحوث:

1-قالوا في ناراً حامِيَةً في الآيتين(2 و 3):نارا حارّة قد انتهى حرّها،اشتدّ حرّها،دائمة الحمى،ليست كنار الدّنيا الّتي ينقطع حميها بانطفائها،الّتي هي في غاية الحرارة،المتوقّدة المتوهّجة،مؤذية مؤلمة،بحسب ما تزاولها في الدّنيا من الأعمال،قد أوقدت و أحميت المدّة الطّويلة،فلا حرّ يعدل حرّها،تجاوز حرّها المقدار المعروف،لأنّ«الحمي»من لوازم ماهيّة النّار،فلمّا وصفت ب(حامية)كان دالاّ على شدّة الحمى،قال تعالى:

نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ الهمزة:6،إشارة إلى أنّها نار ذات صفة خاصّة،على خلاف المعهود من نار الدّنيا.

و هذا الوصف يعطي وصفا جديدا لها،الّتي قد حميت من الوقود عليها،سائر النّيران بالنّسبة إليها،كأنّها ليست حامية.و هذا القدر كاف في التّنبيه على قوّة سخونتها،شديدة الحرارة قويّة اللّهب و السّعير،نار ملتهبة.

و فيه إيماء إلى أنّ جميع النّيران إذا قيست بها و وزنت و قارنت حالها بحالها لم تكن حامية،و ذلك دليل على قوّة حرارتها و شدّة إسعارها.

وصف النّار ب(حامية)من قبيل التّوكيد اللّفظيّ،لأنّ النّار لا تخلو عن الحمى فوصفها به وصف بما هو من معنى

ص: 75

لفظ«نار»فكان كذكر المرادف ك نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ، شديدة الحرارة بحيث تحرق الّذين يدخلونها في كلّ ما تتحرّك فيها أو ينطق منها من اللّهيب المشتعل.

و هذه كلّها تعبير عن شدّة حرارتها في تفسير «الحامية».

و ذكر الماورديّ وجوها أخرى كلّها تحكي عن أنّ «الحامية»مأخوذة عن«الحمى»بمعنى المنع،لأنّها تمنع من ارتكاب المحظورات و انتهاك المحارم،كما جاء في الحديث:«حمى اللّه محارمه».أو تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها،أو ترام مماسّتها،كما يحمي الأسد عرينه، أو أنّها حامية ممّا غيظ و غضب،مبالغة في شدّة الانتقام، كما قال تعالى: تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ الملك:8.

و الظّاهر هو الأوّل،أي شدّة الحرارة دون الحمى.

و قال ابن عاشور:و جعله بعضهم على ما قيل:من حميت القدر فهي محميّة،ففسّره ب«ذات حمى»و هو كما ترى.

كما روى البروسويّ عن السّجاونديّ أنّه قال:

«دائمة الحمي،و إلاّ فالنّار لا تكون إلاّ حامية».

و صياغة اللّغة تنبئ بذلك،لأنّ اسم الفاعل مشتق من فعل الحال الّذي يدلّ على الدّوام و الاستمرار.

2-قال الرّاغب:«قرئ: (حمئة) ».و هي إمّا على لغة من يهمز الواو و الياء،و إمّا على أصلها من(ح م أ)،انظر قوله تعالى: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ الكهف:86،من(ح م أ).

3-قالوا في(3) نارٌ حامِيَةٌ: خبر مبتدإ محذوف، و هي بيان ل وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ، و المعنى:هي نار حامية،و هذا من حذف المسند إليه الّذي اتّبع في حذفه استعمال أهل اللّغة.قاله ابن عاشور.

و قال الطّباطبائيّ: «و هو جواب الاستفهام في (ما هيه)و تفسير ل(هاوية)».

المحور الثّاني:الحامي

الآية(4): وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ و فيها بحوث:

1-اختلف فيه على أقوال،فقيل:هو الفحل إذا لقح ولد ولده،أو ينتج من صلبه عشرة أبطن،فيظهر من بين أولاده عشر إناث من بناته و بنات بناته،أو ينتج له سبع إناث متواليات،أو يضرب في الإبل عشر سنين.و قيل:

هي النّاقة إذا أنتجت عشرة أبطن.

و قال الآلوسيّ: «و جمع بين الأقوال المتقدّمة في كلّ من تلك الأنواع بأنّ العرب كانت تختلف أفعالهم فيها».

2-فقد اتّفقت كلمتهم على أنّ(حام)من«الحمي» بمعنى المنع،دون«الحمى»بمعنى شدّة الحرارة.

3-قال الفخر الرّازيّ: «فإن قيل:إذا جاز إعتاق العبيد و الإماء،فلم لا يجوز إعتاق هذه البهائم من الذّبح و الإتعاب و الإيلام؟

قلنا:الإنسان مخلوق لخدمة اللّه تعالى و عبوديّته،فإذا تمرّد عن طاعة اللّه تعالى،عوقب بضرب الرّقّ عليه،فإذا أزيل الرّقّ عنه،تفرّغ لعبادة اللّه تعالى،فكان ذلك عبادة مستحسنة.

و أمّا هذه الحيوانات فإنّها مخلوقة لمنافع المكلّفين، فتركها و إهمالها يقتضي فوات منفعة على مالكها،من غير أن يحصل في مقابلتها فائدة،فظهر الفرق.

و أيضا الإنسان إذا كان عبدا فأعتق،قدر على

ص: 76

تحصيل مصالح نفسه،و أمّا البهيمة إذا أعتقت و تركت،لم تقدر على رعاية مصالح نفسها،فوقعت في أنواع من المحنة،أشدّ و أشقّ ممّا كانت حال ما كانت مملوكة،فظهر الفرق».

4-إن قيل:لم ألغى الإسلام عادة أهل الجاهليّة في تسبيبهم الحامي من الإبل،و هو ضرب من الاعتراف بالجميل و رفق بالحيوان،كما تناوي به بعض الجمعيّات في عصرنا هذا؟

قلنا:إنّ تلك العادة تقضي بهدر الثّروة و الإضرار بالاقتصاد و تعطيل الأعمال.ثمّ إنّ هذا الإجلال و التّقدير لبهيمة لا تعي و لا تدرك،لضرب من الجهل و النّزق.و قد أقدمت البحريّة الدّنماركيّة في الآونة الأخيرة على هذا النّمط من العمل الجاهليّ،فأثار عجب شعوب العالم و سخريّتها بحكومة الدّنمارك و جيشها؛إذ كرّمت بطريقا، طائر القطب المعروف!فمنحته رتبة عقيد،و أحالته على التّقاعد خلال استعراض عسكريّ!فأصبح مسيّبا طليقا كالحامي عند الجاهليّة البائدة!

المحور الثّالث:الحميّة

الآية(5): فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ، و فيها بحوث أيضا:

1-الحميّة:الأنفة و الغضب-كما تقدّم في اللّغة و قال بعضهم:العصبيّة و الجبريّة و الإباء و ثوران القوّة الغضبيّة و نحوها،و كلّها لازم الأنف،و هي في«الحمي»بمعنى المنع-و أوّلت هنا بعدم إقرار المشركين قول: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، و«محمّد رسول اللّه».أو العصبيّة لآلهتهم دون عبادة غيرها،أو الاقتداء بآبائهم في عاداتهم و تقاليدهم.

2-قال الفخر الرّازيّ:«فيه لطائف معنويّة و لفظيّة، الأولى:هو أنّ اللّه تعالى أبان غاية البون بين الكافر و المؤمن،فأشار إلى ثلاثة أشياء:

أحدها:جعل ما للكافرين بجعلهم،فقال: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا، و جعل ما للمؤمنين بجعل اللّه،فقال:

فَأَنْزَلَ اللّهُ، و بين الفاعلين ما لا يخفى.

ثانيها:جعل للكافرين الحميّة و للمؤمنين السّكينة، و بين المفعولين تفاوت...

ثالثها:أضاف الحميّة إلى الجاهليّة،و أضاف السّكينة إلى نفسه؛حيث قال: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ، و قال:

(سكينته)،و بين الإضافتين ما لا يذكر.

الثّانية:زاد المؤمنين خيرا بعد حصول مقابلة شيء بشيء،فعلهم بفعل اللّه،و الحميّة بالسّكينة،و الإضافة إلى الجاهليّة بالإضافة إلى اللّه تعالى،و ألزمهم كلمة التّقوى...

و أمّا اللّفظيّة فثلاث لطائف:

الأولى:قال في حقّ الكافر:(جعل)،و قال في حقّ المؤمن:(انزل)،و لم يقل:خلق،و لا جعل سكينته،إشارة إلى أنّ الحميّة كانت مجعولة في الحال في العرض الّذي لا يبقى.و أمّا السّكينة فكانت كالمحفوظة في خزانة الرّحمة، معدّة لعباد،فأنزلها.

الثّانية:قال:(الحميّة)ثمّ أضافها بقوله: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ، لأنّ الحميّة في نفسها صفة مذمومة، و بالإضافة إلى الجاهليّة تزداد قبحا،و للحميّة في القبح درجة لا يعتبر معها قبح القبائح،كالمضاف إلى الجاهليّة.

3-هل الحميّة ممقوتة مطلقا؟يظهر من الأحاديث

ص: 77

و الأخبار أنّ الحميّة في الإسلام مستحبّة إن كانت غيرة على الدّين،و تقوم على دليل و حجّة.و لذا بيّن اللّه تعالى حميّة المشركين بقوله: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ، قال الشّربينيّ:

«هي الّتي مدارها مطلق المنع،سواء كان بحقّ أم باطل، فتمنع من الإذعان للحقّ،و مبناها على التّشفّي على مقتضى الغضب لغير اللّه،فتوجب تخطّي حدود الشّرع».

و يلاحظ ثانيا:استعملت مشتقّات هذه المادّة في الجانب السّلبيّ،فالفعل(يحمى)و اسم الفاعل(حامية) وصف بهما نار جهنّم و عذابها،و(حام)و(الحميّة)من عادات الجاهليّين،و هم أهل النّار و وقودها.

و جاءت من كلّ من المحاور الثّلاث آية مدنيّة، و اختصّت آيتان مكّيّتان بالمحور الأوّل فقط.

ص: 78

ح ن ث

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

تحنث 1:1 الحنث 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحنث:الذّنب العظيم،و يقال:بلغ الغلام الحنث،أي بلغ مبلغا جرى عليه القلم في المعصية و الطّاعة.و الحنث،إذا لم يبرّ بيمينه،و قد حنث يحنث.(3:206)

ابن شميّل: في الحديث:«من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث،دخل من أيّ أبواب الجنّة شاء».

معناه:قبل أن يبلغوا فيكتب عليهم الإثم،و الحنث:

الإثم،و حنث في يمينه،أي أثم.

على فلان يمين قد حنث فيها،و عليه أحناث كثيرة.(الأزهريّ 4:481)

ابن الأعرابيّ: في حديث:«إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان قبل أن يوحى إليه يأتي حراء،و هو جبل بمكّة فيه غار،فكان يتحنّث فيه اللّيالي».

قوله:«يتحنّث»،أي يفعل فعلا يخرج به من الحنث و هو الإثم.و يقال:هو يتحنّث،أي يتعبّد للّه.و للعرب أفعال تخالف معانيها ألفاظها،يقال:فلان يتنجّس،إذا فعل فعلا يخرج به من النّجاسة.

كما يقال:فلان يتأثّم و يتحرّج،إذا فعل فعلا يخرج به من الإثم و الحرج.

و قولهم:بلغ الغلام الحنث،أي الإدراك و البلوغ.

و الحنث في غير هذا:الرّجوع في اليمين.

الحنث:الحلم،و الحنث:الشّرك.قال اللّه تعالى:

وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ الواقعة:46.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحنث:حنث اليمين،إذا لم تبرّ.

(الأزهريّ 4:480)

ابن دريد :الحنث من حنث اليمين،و يقال:حنث الرّجل يحنث حنثا،و أحنثته أنا إحناثا.و المحانث:مواقع الحنث.(2:35)

ص: 79

الأزهريّ: و في الحديث:«اليمين حنث أو مندمة».

يقول:إمّا أن يندم على ما حلف عليه،أو يحنث، فتلزمه الكفّارة...

و قال خالد بن جنبة:الحنث:أن يقول الإنسان غير الحقّ...

و الحنث:الميل من باطل إلى حقّ،و من حقّ إلى باطل.

يقال:قد حنثت،أي ملت إلى هواك عليّ،و قد حنثت مع الحقّ على هواك.

و روي عن حكيم بن حزام أنّه قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:

«أ رأيت أمورا كنت أتحنّث بها في الجاهليّة من صلة رحم و صدقة،هل لي فيها من أجر؟فقال له عليه السّلام:أسلمت على ما سلف لك من خير».

يريد بقوله:«كنت أتحنّث»،أي أتعبّد و ألقي بها الحنث،و هو الإثم،عن نفسي.

و يقال للشّيء الّذي يختلف فيه النّاس فيحتمل وجهين:محلف،و محنث.(4:480)

الصّاحب:الحنث:ذنب عظيم.

و حنث في يمينه؛إذا لم يبررها.

و تحنّث الرّجل و تحنّف،أي تعبّد و اعتزل.

و التّحنّث:إلقاء الحنث عن النّفس.

و كلّ شيء يختلف فيه عند العرب فهو:محنث و محلف.(3:75)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«لا تزال هذه الأمّة على شريعة ما لم يظهر فيهم ثلاث:ما لم يقبض منهم العلم،و يكثر فيهم أولاد الخبث،-أو قال:-ولد الحنث،و يظهر فيهم السّقّارون...»

و أمّا أولاد الحنث،فهم الّذين ولدوا لغير رشدة.

و أصل الحنث:الذّنب العظيم.و منه قيل:بلغ الغلام الحنث،أي صار إلى حدّ يجري عليه القلم و يؤاخذ بالذّنوب.

و ذكر ابن لنكك،عن بعض فصحاء الأعراب- و ذكر اسمه إلاّ أنّي نسيته-قال:سألته عن الحنث فقال:

هو العدل الثّقيل،قال:و الأحناث عندنا:الأعدال الثّقال، فشبّه الذّنب العظيم بالعدل الثّقيل،و الزّنا كبيرة فسمّي:

حنثا.(1:538)

الجوهريّ: الحنث:الإثم و الذّنب.و بلغ الغلام الحنث،أي المعصية و الطّاعة.

و الحنث:الخلف في اليمين.تقول:أحنثت الرّجل في يمينه فحنث،أي لم يبرّ فيها.و تحنّث،أي تعبّد و اعتزل الأصنام،مثل تحنّف.

و في الحديث:«أنّه كان يأتي غار حراء فيتحنّث فيه».و فلان يتحنّث من كذا،أي يتأثّم منه.(1:280)

نحوه الرّازيّ.(176)

ابن فارس: الحاء و النّون و الثّاء أصل واحد،و هو الإثم و الحرج.

يقال:حنث فلان في كذا،أي أثم.و من ذلك قولهم:

بلغ الغلام الحنث،أي بلغ مبلغا جرى عليه القلم بالطّاعة و المعصية،و أثبتت عليه ذنوبه.

و من ذلك:الحنث في اليمين،و هو الخلف فيه.فهذا وجه الإثم.

و أمّا قولهم:فلان يتحنّث من كذا،فمعناه يتأثّم.

ص: 80

و الفرق بين أثم و تأثّم،أنّ التّأثّم:التّنحّي عن الإثم، كما يقال:حرج و تحرّج؛فحرج:وقع في الحرج،و تحرّج:

تنحّى عن الحرج.و هذا في كلمات معلومة قياسها واحد.

و من ذلك:التّحنّث و هو التّعبّد.

و منه الحديث:«...كان يأتي غار حراء فيتحنّث فيه...».(2:108)

ابن سيده: حنث في يمينه حنثا و حنثا:لم يبرّ فيها.

و أحنثه هو.

و المحانث:مواقع الحنث.

و الحنث أيضا:الذّنب العظيم...

و بلغ الغلام الحنث:جرى عليه القلم بالطّاعة و المعصية.و قيل:الحنث:الحلم.و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه-و هو التّعبّد-اللّيالي ذوات العدد.

و هذا عندي على السّلب،كأنّه ينفي بذلك الحنث الّذي هو الإثم عن نفسه،كقوله عزّ و جلّ: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ الإسراء:79،أي انف الهجود عن عينيك.و نظيره:تأثّم و تحوّب،أي نفى الإثم و الحوب عن نفسه.و قد يجوز أن تكون ثاء يتحنّث بدلا من فاء يتحنّف.(3:298)

الحنث:الخلف في اليمين.حنث في يمينه يحنث حنثا:لم يف بموجبها فهو حانث.و حنّثه و أحنثه:جعله حانثا.

و تحنّث:فعل ما يخرج به من الحنث.

(الإفصاح 2:1287)

الرّاغب: قال اللّه تعالى: وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ أي الذّنب المؤثم،و سمّي اليمين الغموس حنثا لذلك،و قيل:حنث في يمينه إذا لم يف بها،و عبّر بالحنث عن البلوغ لما كان الإنسان عنده يؤخذ بما يرتكبه،خلافا لما كان قبله،فقيل:بلغ فلان الحنث.

و المتحنّث:النّافض عن نفسه الحنث،نحو المتحرّج و المتأثّم.(133)

الزّمخشريّ: حنث في يمينه حنثا:وقع في الحنث.

و من المجاز:بلغ الغلام الحنث، وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ الواقعة:46،و هو الذّنب،استعير من حنث الحانث الّذي هو نقيض برّه.

و هو يتحنّث من القبيح:يتحرّج و يتأثّم«و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يتحنّث بحراء»أي يتعبّد و يتأثّم.

و قالوا:تحنّث بصلتك و برّك،و يجوز أن تعاقب الثّاء الفاء من التّحنّف.(أساس البلاغة:96)

[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:]...الذّنب العظيم،سمّي بالحنث،و هو العدل الكبير الثّقيل.و قيل للزّنا:حنث؛ لأنّه من العظائم.(الفائق 1:323)

المدينيّ: في الحديث:«فيتحنّث فيه»أي يتجنّب الحنث،و هو الإثم،و قد فسّره الرّاوي بقوله:و هو التّعبّد، يبيّن أنّ عبادتهم كانت قبل الوحي ترك مجامعة الكفّار على أفعالهم؛إذ لا وحي كان عندهم و لا كتاب،لأنّهم كانوا عبدة الأوثان.

و يدلّ على هذا حديث أبي ذرّ،رضى اللّه عنه:«حين عدّد خصال الخير قال:فإن لم تجده؟قال:تكفّ عن الشّرّ، فإنّ ذلك صدقة منك على نفسك».(1:510)

ابن الأثير: فيه:«اليمين حنث أو مندمة».

الحنث في اليمين:نقضها،و النّكث فيها.يقال:حنث

ص: 81

في يمينه يحنث،و كأنّه من الحنث:الإثم و المعصية.و قد تكرّر في الحديث.و المعنى أنّ الحالف إمّا أن يندم على ما حلف عليه،أو يحنث فتلزمه الكفّارة.

و فيه:«من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث» أي لم يبلغوا مبلغ الرّجال و يجري عليهم القلم،فيكتب عليهم الحنث و هو الإثم.

و منه حديث حكيم بن حزام:«أ رأيت أمورا كنت أتحنّث بها في الجاهليّة»أي أتقرّب بها إلى اللّه.

و منه حديث عائشة:«و لا أتحنّت إلى نذري»أي لا أكتسب الحنث و هو الذّنب،و هذا بعكس الأوّل.

و فيه:«يكثر فيهم أولاد الحنث»أي أولاد الزّنا،من الحنث:المعصية،و يروى بالخاء المعجمة و الباء الموحّدة.(1:449)

الصّغانيّ: المحانث:مواقع الإثم.

و الحنث:الميل من باطل إلى حقّ،أو من حقّ إلى باطل،يقال:قد حنثت عليّ،أي ملت إلى هواك عليّ، و قد حنثت مع الحقّ على هواك.(1:359)

تحنّث:إذا أتى الحنث،و إذا تجنّبه.

(الأضداد:228)

الفيّوميّ: حنث في يمينه يحنث حنثا،إذا لم يف بموجبها فهو حانث.

و حنّثته بالتّشديد:جعلته حانثا.

و الحنث:الذّنب.

و تحنّث،إذا فعل ما يخرج به من الحنث.(1:154)

الفيروزآباديّ: الحنث بالكسر:الإثم،و الخلف في اليمين،و الميل من باطل إلى حقّ،و عكسه.و قد حنث كعلم،و أحنثته أنا.

و المحانث:مواقع الإثم.

و تحنّث:تعبّد اللّيالي ذوات العدد،أو اعتزل الأصنام.و من كذا:تأثّم منه.(1:171)

الطّريحيّ: ...و الحنث:الخلف في اليمين،و منه الحديث:«إنّ عليّا عليه السّلام كره أن يطعم الرّجل في كفّارة اليمين قبل الحنث».و منه:«من حلف و حنث فعليه الكفّارة».و الحنث في اليمين:نقضها و النّكث فيها.يقال:

حنث في يمينه يحنث حنثا:إذا لم يف بموجبها،فهو حانث...

و«غلام لم يدرك الحنث»أي لم يجر عليه القلم.و منه الحديث:«من لم يدرك الحنث ما حكمه في الآخرة؟».(2:250)

الزّبيديّ: ...و المحانث:مواقع الحنث:الإثم.قيل:

لا واحد له.و قيل:واحده:محنث كمقعد.و هو الظّاهر، و القياس يقتضيه،قاله شيخنا.[إلى أن قال:]

و في«التّوشيح»:يتحنّث،أي يتعبّد،و معناه إلقاء الحنث عن نفسه كالتّأثّم و التّحوّب.قال الخطّابيّ:و ليس في الكلام تفعّل،ألقى الشّيء عن نفسه غير هذه الثّلاثة، و الباقي بمعنى تكسّب.قال شيخنا:و زاد غيره:تحرّج و تنجّس و تهجّد،كما نقله الأبيّ عن الثّعلبيّ،فصارت الألفاظ ستّة.قال شيخنا:قول المصنّف:اللّيالي ذوات العدد،وهم أوقعه فيه التّقليد في الألفاظ دون استعمال نظر،و لا إجراء لمتون اللّغة على حقائقها،فكأنّه أعمل قول الزّهريّ الّذي أدرجه في شرح قولهم في صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«كان يأتي حراء فيتحنّث فيه»قال الزّهريّ:

و هو أي التّحنّث:التّعبّد اللّيالي ذوات العدد،فظنّ

ص: 82

المصنّف أنّ قوله:اللّيالي ذوات العدد،قيد في تفسير يتحنّث.و قد صرّح شرّاح البخاريّ و غيرهم من أهل الغريب بأنّ قول الزّهريّ:اللّيالي ذوات العدد،إنّما هو لبيان الواقعة ذكرها اتّفاقيّة،لا أنّ التّحنّث هو التّعبّد بقيد اللّيالي ذوات العدد،فإنّه لا قائل به،بل التّحنّث هو التّعبّد المجرّد صرّح به غير واحد،فلا معنى لتقييد المصنّف به.

قلت:و هو بحث قويّ...(1:615)

مجمع اللّغة :حنث في يمينه يحنث حنثا:لم يف بها.

و الحنث أيضا:الذّنب و الإثم.(1:304)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حنث:مال من الحقّ إلى الباطل،و حنث في يمينه:لم يبرّ بقسمه.و وقع في الحنث،أي الذّنب لعدم الوفاء بما حلف عليه.

و تحنّث:تعبّد،و تجنّب الوقوع في الحنث،و الحنث:

الذّنب و الإثم.(1:148)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّخلّف بعد التّعهّد قسما أو بغيره.و هذا المعنى غير الخلاف المطلق أو النّقض أو الإثم المطلقين،مع أنّ النّقض يتحقّق في الخلاف في مورد.

فكلّ خلاف للتّعهّد يصدق عليه النّقض و الإثم و الذّنب و لا عكس.

و أمّا التّحنّث فكأنّه يخالف الاجتماع و يسلك خلاف مشيهم و يزهد طريقتهم،و هذا يقال فيمن انقطع عن النّاس و ترك ما يعملون،مشتغلا بالنّسك و مظهرا بالعبادة.(2:315)

النّصوص التّفسيريّة

تحنث

وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ. ص:44

ابن عبّاس: لا تأثم في يمينك.و كان قبل ذلك حلف باللّه،لإن شفاه اللّه ليجلدنّها مائة جلدة،في سبب كلام تكلّمت به لم يرض اللّه به.(383)

و نحوه أكثر التّفاسير.

سعيد بن جبير: و لا تحنث في يمينك.

(الطّبريّ 23:169)

نحوه الطّبرسيّ.(4:478)

الماورديّ: يعني في اليمين،و فيه قولان:أحدهما:

أنّ ذلك لأيّوب خاصّة،قاله مجاهد.

الثّاني:عامّ في أيّوب و غيره من هذه الأمّة،قاله قتادة.

و الّذي نقوله في ذلك مذهبا:إن كان هذا في حدّ اللّه تعالى،جاز في المعذور بمرض أو زمانة و لم يجز في غيره، و إن كان في يمين،جاز في المعذور و غيره،إذا اقترن به ألم المضروب،فإنّ تجرّد عن ألم ففي برّه وجهان:

أحدهما:يبرّ لوجود العدد المحلوف عليه.

الثّاني:لا يبرّ لعدم المقصود من الألم.(5:104)

ابن العربيّ: قوله تعالى: فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ يدلّ على أحد وجهين:إمّا لأنّه لم يكن في شرعه كفّارة،و إنّما كان البرّ أو الحنث.

ص: 83

و الثّاني:أن يكون ما صدر منه نذرا لا يمينا،و إذا كان النّذر معيّنا فلا كفّارة فيه عند مالك و أبي حنيفة...

(4:1652)

النّسفيّ: و كان حلف في مرضه ليضربنّ امرأته مائة إذا برأ،فحلّل اللّه يمينه بأهون شيء عليه و عليها، لحسن خدمتها إيّاه،و هذه الرّخصة باقية...(4:43)

نحوه شبّر.(5:289)

القرطبيّ: كان أيّوب حلف في مرضه أن يضرب امرأته مائة جلدة.و في سبب ذلك أربعة أقوال.[ثمّ ذكرها إلى أن قال:]

قوله تعالى: وَ لا تَحْنَثْ دليل على أنّ الاستثناء في اليمين لا يرفع حكما إذا كان متراخيا.يقال:حنث في يمينه يحنث،إذا لم يبرّ بها.و عند الكوفيّين الواو مقحمة، أي فاضرب لا تحنث.[ثمّ ذكر قول ابن العربيّ و قال:]

قوله:«إنّه لم يكن في شرعهم كفّارة»،ليس بصحيح؛فإنّ أيّوب عليه السّلام لمّا بقي في البلاء ثمان عشرة سنة، كما في حديث ابن شهاب،قال له صاحباه:لقد أذنبت ذنبا ما أظنّ أحدا بلغه.فقال أيّوب عليه السّلام:ما أدري ما تقولان،غير أنّ ربّي عزّ و جلّ يعلم أنّي كنت أمّر على الرّجلين يتزاعمان فكلّ يحلف باللّه،أو على النّفر يتزاعمون فأنقلب إلى أهلي،فأكفّر عن أيمانهم إرادة ألاّ يأثم أحد يذكره،و لا يذكره إلاّ بحقّ،فنادى ربّه أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ و ذكر الحديث.فقد أفادك هذا الحديث أنّ الكفّارة كانت من شرع أيّوب، و أنّ من كفّر عن غيره بغير إذنه فقد قام بالواجب عنه، و سقطت عنه الكفّارة.(15:212)

السّمين:الحنث:الإثم،و أطلق على فعل ما حلف على تركه،أو ترك ما حلف على فعله لأنّهما سببان فيه غالبا.(5:537)

أبو السّعود :في يمينك فإنّ البرّ يتحقّق.(5:365)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

فإن قيل:لم قال اللّه تعالى لأيّوب عليه السّلام: لا تَحْنَثْ و قال لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ؟ قلنا:لأنّ كفّارة اليمين لم تكن لأحد قبلنا بل هي لنا،ممّا أكرم اللّه به هذه الأمّة،بدليل قوله تعالى:(لكم)كذا في أسئلة الحكم.

و في كلام بعض المفسّرين:لعلّ التّكفير لم يجز في شرعهم،أو أنّ الأفضل الوفاء به،انتهى.

قال الشّيخ نجم الدّين رحمه اللّه:أن يعصم نبيّه أيّوب عليه السّلام من الذّنبين اللاّزمين:أحدهما:إمّا الظّلم و إمّا الحنث،و أن لا يضيع أجر إحسان المرأة مع زوجها،و أن لا يكافئها بالخير شرّا،و تبقى ببركتها هذه الرّخصة في الأمم إلى يوم القيامة،انتهى...(8:43)

الآلوسيّ: بيمينك فإنّ البرّ يتحقّق به،و لقد شرّع اللّه تعالى ذلك رحمة عليه و عليها،لحسن خدمتها إيّاه و رضاه عنها،و هي رخصة باقية في الحدود في شريعتنا و في غيرها أيضا،لكن غير الحدود يعلم منها بالطّريق الأولى.[ثمّ ذكر روايات فراجع](23:208)

المصطفويّ: أي و لا تعمل خلاف تعهّدك،و لا تخالف ما أقسمت به.(2:316)

ص: 84

الحنث

...وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ. الواقعة:46

ابن عبّاس: الذّنب العظيم،يعني الشّرك باللّه.(454)

نحوه الضّحّاك،و قتادة،و ابن زيد(الطّبريّ 27:

194)،و الحسن(الماورديّ 5:457)،و الفرّاء(3:

127)،و الطّبريّ(27:193)،و الثّعلبيّ(9:213)، و الميبديّ(9:452)،و أبو الفتوح(18:316)، و السّيوطيّ(الإتقان 2:66)،و شبّر(6:144).

الشّعبيّ: هو اليمين الغموس.(الماورديّ 5:457)

كانوا يقسمون:أن لا يبعث اللّه من يموت،و أنّ الأصنام أنداد اللّه.

مثله الأصمّ.(الطّبرسيّ 5:221)

مجاهد :الذّنب.

مثله قتادة.(الطّبريّ 27:194)

مثله القشيريّ.(6:89)

الذّنب العظيم الّذي لا يتوبون منه.

مثله قتادة.(الماورديّ 5:457)

ابن قتيبة :الشّرك،و هو الكبير من الذّنوب أيضا.(450)

الزّجّاج: قيل في التّفسير:الحنث:الشّرك،و قيل:

على الإثم العظيم،و هو-و اللّه أعلم-الشّرك و الكفر بالبعث،لأنّ في القرآن دليل ذلك و هو وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ... النّحل 38،فهذا -و اللّه أعلم-إصرارهم على الحنث العظيم.(5:113)

الطّوسيّ: و الحنث:نقض العهد المؤكّد بالحلف، فهؤلاء ينقضون العهود الّتي يلزمهم الوفاء بها،و يقيمون على ذلك غير تائبين منه،و وصف الذّنب بأنّه عظيم،أنّه أكبر من غيره ممّا هو أصغر منه من الذّنوب.(9:500)

الواحديّ: الذّنب الكبير[ذكر قول الشّعبيّ و قال:] و معنى هذا أنّهم كانوا يحلفون:أنّهم لا يبعثون،و كذبوا في ذلك،فهذا إصرارهم على الحنث العظيم،و يدلّ على هذا قوله: وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا الواقعة:47.

(4:236)

نحوه البغويّ(5:16)،و الخازن(7:18).

الزّمخشريّ: الذّنب العظيم،و منه قولهم:بلغ الغلام الحنث،أي الحلم،و وقت المؤاخذة بالمآثم،و منه حنث في يمينه خلاف برّ فيها.و يقال:تحنّث،إذا تأثّم و تحرّج.

(4:55)

نحوه البيضاويّ(2:448)،و أبو السّعود(6:190)

ابن عطيّة: (الحنث)الإثم...و اختلف المفسّرون في المراد بهذا الإثم هنا،فقال قتادة و الضّحّاك و ابن زيد:

هو الشّرك،و هذا هو الظّاهر،و قال قوم-في ما ذكر «مكّيّ»-:هو الحنث في قسمهم الّذي يتضمّنه قوله تعالى: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ الأنعام:109، النّحل:38،النّور:53،فاطر:42،في التّكذيب بالبعث، و هذا أيضا يتضمّن الكفر،فالقول به على عمومه أولى.(5:246)

نحوه أبو حيّان.(8:209)

ابن الجوزيّ: فيه أربعة أقوال:[فذكر قول ابن عبّاس و من تبعه،و مجاهد،و الشّعبيّ،و الزّجّاج]

(8:144)

ص: 85

الفخر الرّازيّ: ما الإصرار على الحنث العظيم؟ نقول:الشّرك،كما قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لقمان:13،و فيها لطيفة و هي أنّه أشار في الآيات الثّلاث إلى الأصول الثّلاثة،فقوله تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ الواقعة:45،من حيث الاستعمال يدلّ على ذمّهم بإنكار الرّسل؛إذ المترف متكبّر بسبب الغنى فينكر الرّسالة،و المترفون كانوا يقولون: أَ بَشَراً مِنّا واحِداً نَتَّبِعُهُ القمر:24،و قوله: يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ إشارة إلى الشّرك و مخالفة التّوحيد،و قوله تعالى: وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً إشارة إلى إنكار الحشر و النّشر،و قوله تعالى: وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ فيه مبالغات من وجوه:

أحدها:قوله تعالى: كانُوا يُصِرُّونَ و هو آكد من قول القائل:إنّهم قبل ذلك أصرّوا؛لأنّ اجتماع لفظي الماضي و المستقبل يدلّ على الاستمرار؛لأنّ قولنا:فلان كان يحسن إلى النّاس،يفيد كون ذلك عادة له.

ثانيها:لفظ الإصرار،فإنّ الإصرار مداومة المعصية و الغلول،و لا يقال في الخير:أصرّ.

ثالثها:الحنث،فإنّه فوق الذّنب،فإنّ الحنث لا يكاد في اللّغة يقع على الصّغيرة،و الذّنب يقع عليها،و أمّا الحنث في اليمين فاستعملوه،لأنّ نفس الكذب عند العقلاء قبيح،فإنّ مصلحة العالم منوطة بالصّدق،و إلاّ لم يحصل لأحد بقول أحد ثقة،فلا يبنى على كلامه مصالح، و لا يجتنب عن مفاسد،ثمّ إنّ الكذب لمّا وجد في كثير من النّاس لأغراض فاسدة،أرادوا توكيد الأمر بضمّ شيء إليه بدفع توهّمه،فضمّوا إليه الأيمان و لا شيء فوقها، فإذا حنث لم يبق أمر يفيد الثّقة،فيلزم منه فساد فوق فساد الزّنا و الشّرب،غير أنّ اليمين إذا كانت على أمر مستقبل و رأى الحالف غيره جوّز الشّرع الحنث،و لم يجوّزه في الكبيرة كالزّنا و القتل،لكثرة وقوع الأيمان و قلّة وقوع القتل.و الّذي يدلّ على أنّ الحنث هو الكبيرة قولهم للبالغ:بلغ الحنث،أي بلغ مبلغا بحيث يركب الكبيرة،و قبله ما كان ينفي عنه الصّغيرة؛لأنّ الوليّ مأمور بالمعاقبة على إساءة الأدب و ترك الصّلاة.

قوله تعالى:(العظيم)هذا يفيد أنّ المراد:الشّرك، فإنّ هذه الأمور لا تجتمع في غيره.(29:171)

نحوه الشّربينيّ.(4:189)

ابن عربيّ: من الأقاويل الباطلة،و العقائد الفاسدة،الّتي استحقّوا بها العذاب المخلّد،و العقاب المؤبّد.

(2:593)

نحوه القاسميّ.(16:5653)

النّسفيّ: أي على الذّنب العظيم،أو على الشّرك؛ لأنّه نقض عهد الميثاق،و الحنث:نقض العهد المؤكّد باليمين،أو الكفر بالبعث بدليل قوله: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ... النّحل:38.(4:217)

النّيسابوريّ: و هو الذّنب الكبير،و وصفه بالعظم مبالغة على مبالغة،...و خصّ جمع من المفسّرين فقالوا:

عنى به الشّرك.(27:80)

ابن كثير :و هو الكفر باللّه،و جعل الأوثان و الأنداد أربابا من دون اللّه.(6:530)

البروسويّ: [نحو ابن عبّاس،ثمّ قال:]

و قال بعضهم:الحنث هنا الكذب؛لأنّهم كانوا

ص: 86

يحلفون باللّه مع شركهم،لا يبعث اللّه من يموت.يدلّ على هذا ما يأتي من قوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ الواقعة:51.(9:328)

الآلوسيّ: أي الذّنب،و فسّر بعضهم(الحنث) بالذّنب العظيم لا بمطلق الذّنب،و أيّد بأنّه في الأصل العدل العظيم،فوصفه بالعظيم للمبالغة في وصفه بالعظم، كما وصف الطّود و هو الجبل العظيم به أيضا،و المراد به كما روي عن قتادة،و الضّحّاك،و ابن زيد:الشّرك،و هو الظّاهر.

و أخرج عبد بن حميد عن الشّعبيّ:أنّ المراد به الكبائر،و كأنّه جعل المعنى-و كانوا يصرّون على كلّ حنث عظيم-.و في رواية اخرى عنه أنّه اليمين الغموس، و ظاهره الإطلاق.

و قال التّاج السّبكيّ في طبقاته:سألت الشّيخ-يعني والده تقيّ الدّين-ما الحنث العظيم؟فقال:هو القسم على إنكار البعث المشار إليه بقوله تعالى: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ النّحل:38،و هو تفسير حسن؛لأنّ الحنث و إن فسّر بالذّنب مطلقا أو العظيم،فالمشهور استعماله في عدم البرّ في القسم، و تعقّب بأنّه يأباه قوله تعالى: وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا إلى آخره للزوم التّكرار،و أجيب بأنّ المراد بالأوّل وصفهم بالثّبات على القسم الكاذب،و بالثّاني وصفهم بالاستمرار على الإنكار و الرّمز إلى استدلال ظاهر الفساد،مع أنّه لا محذور في تكرار ما يدلّ على الإنكار،و هو توطئة و تمهيد لبيان فساده.(27:144)

سيّد قطب :[نحو ابن عبّاس و أضاف:]

و فيه إلماع إلى الحنث بالعهد الّذي أخذه اللّه على فطرة العباد أن يؤمنوا به و يوحّدوه...(6:3465)

المراغيّ: أي الذّنب العظيم،و هو الشّرك باللّه، و جعل الأوثان و الأنداد أربابا من دون اللّه.(27:140)

عزّة دروزة :الحنث العظيم:هو النّكث بالعهد، و الذّنب و الإثم،و المقصود من الحنث العظيم،الكفر و الشّرك.(3:106)

عبد الكريم الخطيب :الحنث العظيم:الذّنب الكبير،أو اليمين الفاجرة،أي أنّهم كانوا مصرّين و مقيمين على ما يأتون من كبائر الإثم و الفواحش فلا يراجعون أنفسهم و لا ينظرون إلى ما يفيض بين أيديهم من منكرات و آثام.(14:719)

الطّباطبائيّ: [نحو الطّوسيّ،ثمّ ذكر بعض الأقوال، و قال:]

و لفظ الآية مطلق.(19:125)

المصطفويّ: و كانوا يعملون على خلاف تعهّدهم، و على خلاف ما يجب لهم من السّلوك في صراط الحقّ و سبيل الهدى،و ما يقتضي من أيمانهم و عهودهم الإلهيّة.

(2:316)

مكارم الشّيرازيّ: و الحنث في الأصل يعني كلّ نوع من الذّنوب،و قد استعمل هذا المصطلح في كثير من الموارد بمعنى نقض العهد و مخالفة القسم،لكونه مصداقا واضحا للذّنب،و بناء على هذا،فإنّ خصوصيّة أصحاب الشّمال ليس فقط في ارتكاب الذّنوب،و لكن في الإصرار عليها؛لأنّ الذّنب يمكن صدوره من أصحاب اليمين أيضا،إلاّ أنّهم لا يصرّون عليه أبدا،و يستغفرون ربّهم و يعلنون التّوبة إليه عند تذكّره.

ص: 87

و فسّر البعض اَلْحِنْثِ الْعَظِيمِ بمعنى الشّرك؛لأنّه لا ذنب أعظم من الشّرك.قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ... النّساء:48.

و فسّر(الحنث)بالكذب،لأنّه أعظم الذّنوب، و مفتاح المعاصي،خصوصا حينما يكون الكذب تكذيبا للأنبياء عليهم السّلام و المعاد.

و الظّاهر أنّ هذه جميعا تعتبر مصاديق للحنث العظيم.(17:434)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحنث،أي الإثم؛يقال:

فلان يتحنّث من كذا،أي يتأثّم منه،و بلغ الغلام الحنث:

الإدراك و البلوغ؛إذ تثبت عليه ذنوبه،و تحسب له طاعته.

و الحنث:الخلف في اليمين؛لأنّه ذنب؛يقال:حنث في يمينه حنثا و حنثا،أي لم يبرّ فيها،و أحنثه هو،و على فلان يمين قد حنث فيها،و عليه أحناث كثيرة،و المحانث:

مواقع الحنث.

2-و جاءت فيها ألفاظ من(ح ن ف)على الإبدال، كقولهم:قد حنثت،أي ملت إلى هواك عليّ،و قد حنثت مع الحقّ على هواك،و تحنّث:تعبّد و اعتزل الأصنام، و فلان يتحنّث:يتعبّد اللّه؛لأنّ الحنيف:المائل من خير إلى شرّ،أو من شرّ إلى خير،كما أنّ أصله الميل عند ابن فارس.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها كلمتان كلّ منهما مرّة:(تحنث)و(الحنث) في آيتين:

1- وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ...

ص:44

2- وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ

الواقعة:46

يلاحظ أوّلا:أنّ الحنث في(1)هو الإثم و الذّنب كما في اللّغة،و فيها بحوث:

1-قال ابن العربيّ: «يدلّ على أحد وجهين:إمّا لأنّه لم يكن في شرعه كفّارة،و إنّما كان البرّ أو الحنث.

و الثّاني:أن يكون ما صدر منه نذرا لا يمينا،و إذا كان النّذر معيّنا،فلا كفّارة فيه عند مالك و أبي حنيفة».

و ردّه القرطبيّ قائلا:«قوله:إنّه لم يكن في شرعهم كفّارة،ليس بصحيح،فإنّ أيّوب عليه السّلام لمّا بقي في البلاء ثماني عشرة سنة-كما في حديث ابن شهاب-قال له صاحباه:لقد أذنبت ذنبا ما أظنّ أحدا بلغه!

فقال أيّوب عليه السّلام:ما أدري ما تقولان؟غير أنّ ربّي عزّ و جلّ يعلم أنّي كنت أمرّ على الرّجلين يتزاعمان، فكلّ يحلف باللّه،أو على النّفر يتزاعمون،فأنقلب إلى أهلي،فأكفّر عن أيمانهم إرادة ألاّ يأثم أحد يذكره و لا يذكره إلاّ بحقّ،فنادى ربّه: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ و ذكر الحديث.

فقد أفادك هذا الحديث أنّ الكفّارة كانت من شرع أيّوب،و أنّ من كفّر عن غيره بغير إذنه،فقد قام بالواجب عنه،و سقطت عنه الكفّارة».

2-قال البروسويّ: «فإن قيل:لم قال اللّه تعالى لأيّوب عليه السّلام:(لا تحنث)و قال لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ التّحريم:2؟

ص: 88

2-قال البروسويّ: «فإن قيل:لم قال اللّه تعالى لأيّوب عليه السّلام:(لا تحنث)و قال لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ التّحريم:2؟

قلنا:لأنّ كفّارة اليمين لم تكن لأحد قبلنا،بل هي لنا ممّا أكرم اللّه به هذه الأمّة،بدليل قوله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ.

3-سوّغ الماورديّ للمريض و ذي الزّمانة الحنث في اليمين،و لم يسوّغ ذلك في غيره.غير أنّه قاس هذا الحكم على أيّوب عليه السّلام أيضا،كما يلوح من ظاهر كلامه،و هو باطل،لأنّ الحنث من وساوس الشّيطان،و الأنبياء لا تعتريهم الوساوس و الشّياطين.

ثانيا:جاء الحنث في(2)بمعنى الذّنب و الإثم أيضا كما في(1)،و فيها بحوث:

1-اختلف في المراد به،فقال ابن عبّاس:«الشّرك باللّه»،و قال الشّعبيّ:«اليمين الغموس»،و قال مجاهد:

«الذّنب العظيم الّذي لا يتوبون منه»،و قال الزّجّاج:

«الكفر بالبعث».

و استدلّ الفخر الرّازيّ على قول ابن عبّاس بقوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لقمان:13.و استدلّ الواحديّ على قول الشّعبيّ بقوله: وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا الواقعة:47،و استدلّ النّسفيّ عليه بقوله:

وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ النّحل:38،و هو دليل على الكفر بالبعث أيضا،كما استدلّ بذلك الزّجّاج.

و روى البروسويّ عن بعض:أنّ المراد به الكذب، و استدلّ بقوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ الواقعة:51.

2-قال الفخر الرّازيّ: «فيه مبالغات من وجوه»:

أحدها:قوله تعالى: كانُوا يُصِرُّونَ و هو آكد من قول القائل:إنّهم قبل ذلك أصرّوا،لأنّ اجتماع لفظي الماضي و المستقبل يدلّ على الاستمرار،لأنّ قولنا:فلان كان يحسن إلى النّاس،يفيد كون ذلك عادة له.

ثانيها:لفظ الإصرار،فإنّ الإصرار مداومة المعصية و الغلول،و لا يقال في الخير:أصرّ.

ثالثها:الحنث،فإنّه فوق الذّنب،فإنّ الحنث لا يكاد في اللّغة يقع على الصّغيرة،و الذّنب يقع عليها.و أمّا الحنث في اليمين فاستعملوه،لأنّ نفس الكذب عند العقلاء قبيح،فإنّ مصلحة العالم منوطة بالصّدق،و إلاّ لم يحصل لأحد بقول أحد ثقة،فلا يبنى على كلامه مصالح، و لا يجتنب عن مفاسد...».

3-وصف الحنث هنا بأنّه عظيم،كما وصف الإثم به أيضا في قوله: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً النّساء:48،و ما وصف لفظ آخر من نظائره بهذه الصّفة غيره،و هذا ينبئ بقرب الإثم منه معنى.

و من الملفت للنّظر أنّ الإثم وصف بأنّه كبير في قوله:

قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ البقرة:219، و وصف بأنّه مبين أيضا في مواضع،منها قوله:

أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:20،كما وصف لفظان آخران من نظائر الحنث و الإثم بالكبر،و هما:

الحوب في قوله: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً النّساء:2، و الخطء في قوله: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً الإسراء:

31.و هذا يعني أنّهما-إضافة إلى الإثم-أقرب الألفاظ بهذا المعنى إلى الحنث.و هناك ألفاظ أخرى نظير للحنث لم توصف بوصف ما،نحو:الذّنب،و الجرم،و الخطيئة، و الحرج،و الجناح،و الإصر.

ص: 89

ص: 90

ح ن ج ر

اشارة

الحناجر

لفظ واحدة،مرّتان:1 مكّيّة،1 مدنيّة

في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحنجرة:جوف الحلقوم،و الحنجور:

الحنجرة.[ثمّ استشهد بشعر](3:327)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الصّبيّ تنقلب حنجرته فيقيء،فيقال له:محنجر.(1:151)

و المحنجر:داء في العنق،يرم منه.[ثمّ استشهد بشعر](1:211)

الحنجور:القارورة.(1:215)

أبو زيد :الحنجور:الحلقوم.(الحربيّ 1:238)

الأصمعيّ: و الحنجرة:رأس الغلصمة حيث ينحدر منه الطّعام.[ثمّ استشهد بشعر]

(الكنز اللّغويّ:197)

و في الجوف من الأدواء:الغاشية،و الحبن، و المحنجر،و القداد...(الكنز اللّغويّ:222)

ابن الأعرابيّ: الحنجورة بالضّمّ:شبه البرمة من زجاج يجعل فيه الطّيب.(الزّبيديّ 3:160)

الحربيّ: و الحنجور:الحنجرة.(1:238)

ابن دريد :حنجور اسم و هي الحنجرة على وزن «فنعلة».(3:319)

و الحنجر،و هو طرف المري.[ثمّ استشهد بشعر] و يقال للحنجرة:الحنجور أيضا،و الجمع:حناجر- و حنجرت الرّجل إذا ذبحته-و«المحنجر»زعم قوم من أهل اللّغة أنّه الوجع الّذي يصيب البطن يسمّى الفشيدق بالفارسيّة،و هو شبيه بالهيضة.(3:320)

الحنجور:الحنجرة من الإنسان و غيره.(3:379)

الصّاحب:الحنجود و الحنجور:الحنجرة.

و قارورة طويلة للذّريرة.(3:259)

ص: 91

و الحنجرة:حرف (1)الحلقوم،و الحنجور أيضا.

(3:260)

ابن سيده: و حنجور:اسم،و الحنجور:الحلق.

و الحنجرة:طبقان من أطباق الحلقوم ممّا يلي الغلصمة،و قيل:الحنجرة:رأس الغلصمة حيث تحدّد، و قيل:هي جوف الحلقوم،و الجمع:حنجر.

و حنجر الرّجل:ذبحه.

و المحنجر:داء يصيب في البطن.

و حنجرت عينه:غارت.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(4:52)

الرّاغب: الحناجر:جمع حنجرة،و هي رأس الغلصمة من خارج.(133)

الزّمخشريّ: الحنجرة:رأس الغلصمة،و هي منتهى الحلقوم،و الحلقوم:مدخل الطّعام و الشّراب.(3:253)

المدينيّ: (الحناجر)و هي جمع حنجور و حنجرة، و هي رأس الغلصمة حيث تراه حديدا من خارج الحلق، و حدّته طرف الحلقوم.

-و منه:«سئل القاسم عن رجل ضرب حنجرة رجل فذهب صوته،فقال:عليه الدّية.(1:510)

السّمين:[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]و قيل:

الحلقوم مجر النّفس،و المريء:مجرى الطّعام و الشّراب، و هو تحت الحلقوم.(5:404)

الفيروزآباديّ: الحنجور:السّفط الصّغير، و قارورة للذّريرة.و الحلقوم كالحنجرة،و الحناجر:

جمعه.(2:5)

حنجره:ذبحه،و العين:غارت.و المحنجر:داء في البطن.(2:15)

مجمع اللّغة :الحنجرة:الحلقوم،و جمعها:حناجر.

(1:304)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:148)

المصطفويّ: حنجر:هذه الكلمة مأخوذة من الحجر،و قد سبق أنّه عبارة عمّا يكون محفوظا و محدودا، فلعلّه بمناسبة محفوظيّة الصّوت في الحنجرة و تحوّله فيها.

و الحنجرة:مجرى النّفس بعد الحلق إلى الرّئة،و أوّل مدخل يحدّ و يحفظ الهواء حتّى يصل إلى مجاري الرّئة،ثمّ يخرج حتّى يصل سعة الحلق و الفم.(2:316)

الزّبيديّ: [نحو الفيروزآباديّ و أضاف:]

و قال غيره:هي قارورة طويلة تجعل فيها الذّريرة، و حنجر من أعمال الرّوم،أو هو بجيمين،و قد تقدّم.

(3:160)

النّصوص التّفسيريّة

1- ...وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللّهِ الظُّنُونَا. الأحزاب:10

ابن عبّاس: انتفخت عند الحناجر من الخوف الرّئة.

(351)

ابن قتيبة :أي كادت تبلغ الحلوق من الخوف.

(348)

الثّعلبيّ: فزالت عن أماكنها حتّى بلغت الحلوق من الفزع.(8:18)

الماورديّ: أي زالت عن أماكنها حتّى بلغت

ص: 92


1- عند ابن سيده و غيره:جوف الحلقوم

القلوب الحناجر و هي الحلاقيم،واحدها:حنجرة.و قيل:

إنّه مثل مضروب في شدّة الخوف ببلوغ القلوب الحناجر، و إن لم تزل عن أماكنها مع بقاء الحياة.(4:379)

الواحديّ: الحنجرة:جوف الحلقوم.(3:461)

الميبديّ: أي كادت تبلغ،فإنّ القلب إذا بلغ الحنجر مات الإنسان.الحنجر:جوف الحلقوم،و هذا على التّمثيل،عبّر به عن شدّة الخوف.(8:23)

نحوه البغويّ.(3:620)

ابن عطيّة: عبارة عمّا يجده الهلع من ثوران نفسه و تفرّقها شعاعا،و يجد كأنّ حشوته و قلبه يصعد علوّا لينفصل،فليس بلوغ القلوب الحناجر حقيقة بالنّقلة،بل يشير لذلك،و تجيش فيستعار لها بلوغ الحناجر.

(4:372)

البيضاويّ: بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ رعبا،فإنّ الرّئة تنتفخ من شدّة الرّوع،فيرتفع بارتفاعها إلى رأس الحنجرة و هو منتهى الحلقوم،مدخل الطّعام و الشّراب.

(2:240)

نحوه أبو السّعود(5:214)،و الكاشانيّ(4:168)، و المشهديّ(8:113)،و شبّر(5:135)،و القاسميّ(13:

4832).

الخازن :[نحو الميبديّ و أضاف:]

قيل:معناه أنّهم جبنوا،و سبيل الجبان إذا اشتدّ خوفه أن تنتفخ رئته،و إذا انتفخت رئته رفعت القلب إلى الحنجرة،فلهذا يقال للجبان:انتفخ سحره.(5:201)

ابن جزيّ: الحناجر:جمع حنجرة و هي الحلق، و بلوغ القلب إليها مجاز،و هو عبارة عن شدّة الخوف، و قيل:بل هي حقيقة.[ثمّ ذكر نحو البيضاويّ]

(3:134)

الشّربينيّ: الحناجر:جمع حنجرة و هي منتهى الحلقوم،كناية عن شدّة الرّعب و الخفقان.قال البقاعيّ:

و يجوز-و هو الأقرب-أن يكون ذلك حقيقة بجذب الطّحال و الرّئة لها عند ذلك بانتفاخهما إلى أعلى الصّدر، و لهذا يقال للجبان:انتفخ سحره،أي رئته.(3:225)

عزّة دروزة :الحناجر في الجملة وصف لشدّة الخوف.فالعيون من شدّة الخوف تتحرّك زائغة يمينا و شمالا،و القلوب يشتدّ خفقانها حتّى كأنّها ترتفع من مكانها إلى الحناجر.(8:248)

ابن عاشور :الحناجر:جمع حنجرة-بفتح الحاء المهملة و سكون النّون و فتح الجيم-منتهى الحلقوم، و هي رأس الغلصمة،و بلوغ القلوب الحناجر تمثيل،لشدّة اضطراب القلوب من الفزع و الهلع،حتّى كأنّها لاضطرابها تتجاوز مقارّها،و ترتفع طالبة الخروج من الصّدور،فإذا بلغت الحناجر لم تستطع تجاوزها من الضّيق؛فشبّهت هيئة قلب الهلوع المرعود بهيئة قلب تجاوز موضعه و ذهب متصاعدا طالبا الخروج،فالمشبّه القلب نفسه باعتبار اختلاف الهيئتين،و ليس الكلام على الحقيقة،فإنّ القلوب لا تتجاوز مكانها،و قريب منه قولهم:تنفّس الصّعداء،و بلغت الرّوح التّراقي.

(21:204)

عبد الكريم الخطيب :و بلوغ القلوب الحناجر، كناية أخرى عن هذا الكرب،و أنّه أزال القلوب عن مواضعها،بما أحدث فيها هذا الكرب من اضطراب

ص: 93

و خفقان.(11:662)

المصطفويّ: و أمّا بلوغه إلى الحنجرة:فهو كناية عن بلوغ الحياة إلى آخر مرحلة من مجراها،و ليس بعدها إلاّ الفضاء الواسع،و الخروج عن المحدوديّة و التّعلّق، و تخلّص النّفس عن مضيقتها.

و لا يخفى أنّ في بلوغ القلب إلى الحنجرة:حصول مضيقة،و شدّة تألّم،و احتباس نفس،مع كونها آخر مرحلة من جريان الحياة.(2:317)

مكارم الشّيرازيّ: بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ كناية جميلة عن حالة القلق و الاضطراب،و إلاّ فإنّ القلب الّذي هو العضو الخاصّ يضخّ الدّم،لا يتحرّك من مكانه مطلقا،و لا يصل في أيّ وقت إلى الحنجرة.

(13:166)

فضل اللّه : بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ من فرط اهتزازها و اضطرابها و هلعها،حتّى يحسّ الإنسان أنّها انخلعت من موقعها في الصّدر،لتبلغ الحلقوم من شدّة الخوف و الفزع تماما،كما هو حال المحتضر عند ما يزيغ بصره و تبلغ روحه الحلقوم.(18:272)

2- وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ.

المؤمن:18

عكرمة :وقفت القلوب في الحناجر من الخوف،فلا تخرج و لا تعود إلى أماكنها.(ابن كثير 6:131)

نحوه الحسن(الفخر الرّازيّ 27:50)،و قتادة (الطّبريّ 24:52)،و السّدّيّ(422)،و البغويّ(4:

109)،و الميبديّ(8:464)،و البروسويّ(9:168).

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إذ قلوب العباد من مخافة عقاب اللّه لدى حناجرهم،قد شخصت من صدورهم،فتعلّقت بحلوقهم كاظميها،يرومون ردّها إلى مواضعها من صدورهم،فلا ترجع،و لا هي تخرج من أبدانهم فيموتوا.(24:52)

السّجستانيّ: حناجر:جمع حنجرة و هما رأس الغلصمة،حيث تراه حديدا من خارج الحلق.(165)

الثّعالبيّ: معناه عند الحناجر،أي قد صعدت من شدّة الهول و الجزع.و الكاظم:الّذي يردّ غيظه و جزعه في صدره،فمعنى الآية أنّهم يطمعون في ردّ ما يجدونه في الحناجر و الحال تغالبهم.(3:93)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:أنّ القلوب هي النّفوس بلغت الحناجر عند حضور المنيّة،و هذا قول من تأوّل يوم الآزفة بحضور المنيّة،قاله قتادة.و وقفت في الحناجر من الخوف،فهي لا تخرج و لا تعود في أمكنتها.(5:149)

الطّوسيّ: أي في الوقت الّذي تنتزع فيه القلوب من أمكنتها،و هي الصّدور،فكظمت به الحناجر،فلم تستطيع أن تلفظها،و لم تعد إلى أماكنها...

و الحناجر:جمع حنجرة و هي الحلقوم.و قيل:إنّما خصّت الحناجر بذلك؛لأنّ الفزع ينتفخ منه سحره أي رئته،فيرتفع القلب من مكانه لشدّة انتفاخه حتّى يبلغ الحنجرة.(9:64)

الواحديّ: و ذلك أنّها تزول عن مواضعها من الخوف،حتّى تصير إلى الحنجرة،كقوله: وَ بَلَغَتِ

ص: 94

اَلْقُلُوبُ الْحَناجِرَ الأحزاب:10.(4:8)

مثله الطّبرسيّ(4:518)،و الشّوكانيّ(4:609).

و نحوه البغويّ(4:109)،و الخازن(6:77).

الزّمخشريّ: فعند ذلك[أي وقت مشارفة النّار] ترتفع قلوبهم عن مقارّها،فتلتصق بحناجرهم،فلا هي تخرج فيموتوا،و لا ترجع إلى مواضعها فيتنفّسوا و يتروّحوا،و لكنّها معترضة كالشّجا،كما قال تعالى:

فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا الملك:27.

(3:420)

نحوه البيضاويّ(2:333)،و النّسفيّ(4:74)، و المشهديّ(9:113)،و شبّر(5:339).

ابن عطيّة: معناه:عند الحناجر،أي قد صعدت من شدّة الهول و الجزع،و هذا أمر يحتمل أن يكون حقيقة يوم القيامة من انتقال قلوب البشر إلى حناجرهم،و تبقى حياتهم،بخلاف الدّنيا الّتي لا تبقى فيها لأحد مع تنقّل قلبه حياة.و يحتمل أن يكون تجوّزا،عبّر عمّا يجده الإنسان من الجزع،و صعود نفسه،و تضايق حنجرته، بصعود القلب،و هذا كما تقول العرب:كادت نفسي أن تخرج،و هذا المعنى يجده المفرط الجزع كالّذي يقرّب للقتل و نحوه.(4:552)

ابن الجوزيّ: و ذلك أنّها ترتقي إلى الحناجر فلا تخرج و لا تعود،هذا على القول الأوّل:[(الآزفة):يوم القيامة]،و على الثّاني:[(الآزفة):يوم حضور المنيّة] القلوب هي النّفوس تبلغ الحناجر عند حضور المنيّة.

(7:213)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في أنّ المراد من قوله: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ كناية عن شدّة الخوف أو هو محمول على ظاهره.قيل:المراد وصف ذلك اليوم بشدّة الخوف و الفزع،و نظيره قوله تعالى: وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللّهِ الظُّنُونَا الأحزاب:

10،و قال: فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ الواقعة:83،84.و قيل:بل هو محمول على ظاهره.(27:50)

ابن جزيّ: معناه أنّ القلوب قد صعدت من الصّدور لشدّة الخوف،حتّى بلغت الحناجر.فيحتمل أن يكون ذلك حقيقة،أو مجازا عبّر به عن شدّة الخوف.و الحناجر:

جمع حنجرة،و هي الحلق.(4:4)

أبو حيّان :قيل:يجوز أن يكون ذلك يوم القيامة حقيقة و يبقون أحياء مع ذلك،بخلاف حالة الدّنيا،فإنّ من انتقل قلبه إلى حنجرته مات.

و يجوز أن يكون ذلك كناية عن ما يبلغون إليه من شدّة الجزع،كما تقول:كادت نفسي أن تخرج.

(7:456)

الشّربينيّ: أي حناجر المجموعين فيه،و هو جمع:

حنجور و هو الحلقوم،يعني أنّها زالت عن أماكنها صاعدة من كثرة الرّعب حتّى كادت تخرج.(3:476)

أبو السّعود :قوله: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ بدل من يَوْمَ الْآزِفَةِ. [ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ]

(5:414)

الآلوسيّ: الحناجر:جمع حنجرة أو حنجور كحلقوم لفظا و معنى؛و هي كما قال الرّاغب:رأس الغلصمة من خارج،و هي لحمة بين الرّأس و العنق،

ص: 95

و الكلام كناية عن شدّة الخوف أو فرط التّألّم.

و جوّز أن يكون على حقيقته،و تبلغ قلوب الكفّار حناجرهم يوم القيامة و لا يموتون،كما لو كان ذلك في الدّنيا.(24:58)

نحوه الطّباطبائيّ.(17:319)

القاسميّ: أي من أهواله،ترفع القلوب عن مقارّها،فتصير لدى الحلوق.(14:5161)

عزّة دروزة :الكظم بمعنى الكتم و الإمساك،و معنى الجملة إذ القلوب ترتفع من شدّة الاضطراب إلى الحناجر،فتكتم حلوق أصحابها و أنفاسهم،فلا تستطيع خروجا و لا تستطيع العودة إلى أماكنها.و هي بسبيل تصوير حالة الهلع الشّديد الّتي تعتري الكفّار.

(5:110)

ابن عاشور :(أل)في(القلوب)و(الحناجر) عوض عن المضاف إليه.و أصله:إذ قلوبهم لدى حناجرهم،فبواسطة(أل)عوّض تعريف الإضافة بتعريف العهد،و هو رأي نحاة الكوفة،و البصريّون يقدّرون:إذ القلوب منهم و الحناجر منهم،و المعنى:إذ قلوب الّذين تنذرهم،يعني المشركون،فأمّا قلوب الصّالحين يومئذ فمطمئنّة.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ]

(24:172)

مكارم الشّيرازيّ: من شدّة الخوف.فعند ما تواجه الإنسان الصّعوبات يشعر و كأنّ قلبه يكاد يفرّ من مكانه،و كأنّه يريد أن يخرج من حنجرته،و العرب في ثقافتها اللّغويّة الّتي نزل بها القرآن،تطلق على هذه الحالة وصف«بلغت القلوب الحناجر».

و يمكن أن يكون«القلب»كناية عن«الرّوح»بمعنى أنّ روحه بلغت حنجرته هلعا و خوفا،كأنّما تريد أن تفارق بدنه تدريجيّا و لم يبق منها سوى القليل.

إنّ هول الخوف من الحساب الإلهيّ الرّبّانيّ الدّقيق، و الخشية من الافتضاح و انكشاف السّتر و الحجب أمام جميع الخلائق،و تحمّل العذاب الأليم الّذي لا يمكن الخلاص منه،كلّ هذه أمور سيواجهها الإنسان،و لا يمكن التّعبير عنها بأيّ بيان،بل يكفي فيها الصّراحة و الدّقّة و عمق البيان القرآنيّ.(15:211)

فضل اللّه :و ذلك كما لو كانت القلوب تقفز من مقرّها،و تبلغ الحناجر من شدّة الخوف،و هم يعيشون الغمّ الشّديد الّذي يحتبس في نفوسهم،فلا يملكون أن يخرجوه أو ينفّسوا عنه بالتّعبير عن أحاسيسهم و مشاعرهم الدّفينة.(20:27)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحنجرة،و هي رأس الغلصمة حيث تحدّد،و الجمع:حناجر،و هي الحنجور أيضا؛يقال:حنجر الرّجل،أي ذبحه.

و الحنجور:قارورة طويلة يجعل فيها الذّريرة، تشبيها بجوف الحلقوم.

و المحنجر:داء يصيب البطن؛يقال:حنجر الرّجل فهو محنجر،و هو ممّا شذّ عن هذا الباب؛قال ابن دريد:

زعم قوم من أهل اللّغة أنّه الوجع الّذي يصيب البطن، يسمّى«الفشيدق»بالفارسيّة،و هو شبيه بالهيضة.

2-و عدّ بعض أرباب اللّغة«نون»الحنجرة زائدة،

ص: 96

فهو على هذا القول«فنعلة»من(ح ج ر)،و ممّن قال به الجوهريّ و الفيروزآباديّ،و عدّها الجمهور أصليّة،فهو على هذا القول«فعللة»من(ح ن ج ر)،أي رباعيّ، و ممّن قال به الخليل و ابن دريد.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«الحناجر»مرّتين في آيتين:

1- وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ... الأحزاب:10

2- وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ... المؤمن:18

يلاحظ أوّلا:تصف الآية(1)حال المسلمين يوم الأحزاب،و فيها بحوث:

1-عدّ بعض بلوغ القلوب الحناجر حقيقة،و عدّه بعض آخر مجازا،فمن ذهب إلى الحقيقة علّل ذلك بانتفاخ الرّئة من شدّة الرّوع،فيرتفع القلب بارتفاعها إلى الحنجرة،أو انتفاخ الطّحال و الرّئة معا،و لهذا يقال للجبان:انتفخ سحره،أي رئته.

و من ذهب إلى المجاز علّل ذلك بأنّه كناية عن شدّة الرّعب و الخفقان،فاستعير بلوغ الحناجر للقلوب فمثّل به،قال القرطبيّ:«الأظهر أنّه أراد اضطراب القلب و ضربانه،أي كأنّه لشدّة اضطرابه بلغ الحنجرة».

و عدّه بعض ضربا من المبالغة بتقدير لفظ«كاد»، أي كادت القلوب تبلغ الحناجر من الخوف،قال عكرمة:

«إنّ القلوب لو تحرّكت و زالت خرجت نفسه،و لكن إنّما هو الفزع».

2-استعملت القلوب عند الخوف لأنّها مقرّه في الشّدّة،كما قال تعالى: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ آل عمران:151،و سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ الأنفال:12.و استعمل بلوغها الحناجر لمشارفة الأنفس الموت،أي كادت الأنفس تموت خوفا و فزعا من هول ما رأت يوم الأحزاب،كما في قوله:

كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ القيامة:26.

3-استعمل هنا زوغان الأبصار،و بلوغ القلوب الحناجر،و هما من أشدّ علامات الرّوع عند الشّدّة،حيث استعمل في غزوة أحد الغمّ،و هو قوله: إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ آل عمران:153.

و استعمل في غزوة حنين ضيق الأرض،فقال:

وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ التّوبة:25.

و استعمل في غزوة تبوك العسر و زوغان القلوب، فقال: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ التّوبة:117.

ثانيا:تصف الآية(2)حال العباد عند الموت أو يوم القيامة،و فيها بحوث:

1-قال ابن عطيّة: «معناه عند الحناجر،أي قد صعدت من شدّة الهول و الجزع،و هذا أمر يحتمل أن يكون حقيقة يوم القيامة من انتقال قلوب البشر إلى

ص: 97

حناجرهم و تبقى حياتهم،بخلاف الدّنيا الّتي لا تبقى فيها لأحد مع تنقّل قلبه حياة.و يحتمل أن يكون تجوّزا عبّر عمّا يجده الإنسان من الجزع و صعود نفسه و تضايق حنجرته بصعود القلب،و هذا كما تقول العرب:كادت نفسي أن تخرج،و هذا المعنى يجده المفرط الجزع كالّذي يقرّب للقتل و نحوه».

2-قال الفخر الرّازيّ: «اختلفوا في أنّ المراد من قوله: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ كناية عن شدّة الخوف،أو هو محمول على ظاهره.قيل:المراد وصف ذلك اليوم بشدّة الخوف و الفزع...و قيل:بل هو محمول على ظاهره».

3-قال في(1): وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ، و في (2): إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ، و كلاهما يفيد قرب القلوب من الحناجر،لأنّ الفعل(بلغت)في(1)يعني الوصول إليها،و(لدى)في(2)يعني عند،أي قرب.

سوى أنّ(1)جملة فعليّة،و الواو فيها عاطفة،و(2)جملة اسميّة،و الواو فيها استئنافيّة.

و جاءت أغلب الأفعال الّتي سبقت و تلت(1) ماضية،لأنّها تصف أمرا قد وقع،بينما جاءت الأفعال الّتي تلت(2)حاليّة،سوى فعل أمر واحد من نفس هذه الآية:(انذر)لأنّها تصف أمرا سوف يقع.

ص: 98

ح ن ذ

اشارة

حنيذ

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحنذ:اشتواء اللّحم المحنوذ بالحجارة المسخّنة،تقول:أنا أحنذه حنذا.[ثمّ استشهد بشعر]

الحنذ:مصدر،و الحنيذ و الحنذ اسمان للّحم،و قد يسمّى الشّيء بالمصدر،إلاّ أنّ هذا لم يرد به المصدر، و قوله تعالى: فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ هود:69، أي مشويّ.(3:201)

سيبويه :[في تعريف المعتلاّت]و يكون على «فعلوة»في الاسم،نحو:الحنذوة (1)،و العنصوة.

و يكون على«فعلوة»نحو:حنذوة،و هو اسم و هو قليل،و الهاء لا تفارقه،كما أنّ الهاء لا تفارق«حذرية» و أخواتها.(4:275)

الكسائيّ: الحنيذ:الّذي يشوى ثمّ يغمّ غمّا،فقد حنذه يحنذه حنذا.(الحربيّ 2:472)

الفرّاء: الحنيذ:ما حفرت له في الأرض ثمّ غممته، و هو من فعل أهل البادية معروف،و هو محنوذ في الأصل، قد حنذ فهو محنوذ،كما قيل:طبيخ و مطبوخ.

الخيل تحنّذ،إذا ألقيت عليها الجلال بعضها على بعض لتعرق.

إذا سقيت فأحنذ،يعني أخفس،يريد أقلّ الماء و أكثر النّبيذ.

و«أعرق»في معنى أخفس.(الأزهريّ 4:465)

الحنيذ:ما حفرت له في الأرض ثمّ غممته،فهو محنوذ و حنذ فهو حنيذ.مثل طبيخ للمطبوخ،و قتيل للمقتول.

و حنذت الفرس أحنذه،إذا أحماه بالجري ليعرق،فإن لم يعرق قيل:كبا.(الحربيّ 2:471)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحنذ:تحفر بورة ثمّ توقد فيها،فإذا حميت ألقيت فيها اللّحم،ثمّ تسدّها عليه، فذاك الحنذ،حنذ يحنذ.(1:169)

ص: 99


1- الحنذوة بالحاء المهملة:شعبة من الجبل.

إذا وجدنا الحنذة في الصّيف،و هي الحرّ الشّديد، قلنا:حنذة غيث قد دنا.(1:171)

أبو عبيد: الحنيذ:الشّواء الّذي لم يبالغ في نضجه، و يقال:هو الشّواء المغموم.(الأزهريّ 4:466)

ابن الأعرابيّ: شراب محنذ و مخفس و ممذى و ممهى،إذا أكثر مزاجه بالماء.(الأزهريّ 4:466)

الحانذ:المنتهى النّضج.[ثمّ استشهد بشعر]

(الحربيّ 2:472)

ابن السّكّيت: الحنيذ:أن يؤخذ اللّحم فيقطّع أعضاء و ينصب له صفيح الحجارة فيقابل،يكون ارتفاعه ذراعا و عرضه أكثر من ذراعين في مثلها،و يجعل لهما بابان،ثمّ يوقد في الصّفائح بالحطب،فإذا حميت و اشتدّ حرّها و ذهب كلّ دخان فيها و لهب،أدخل اللّحم و أغلق البابان بصفحتين قد كانا قدّرتا للبابين،ثمّ ضربتا بالطّين و بفرث الشّاة و أدفئت إدفاء شديدا بالتّراب، فيترك في النّار ساعة،ثمّ يخرج كأنّه البسر قد تبرّأ من اللّحم العظم من شدّة نضجه.

و الحنذ:أن يأخذ الرّجل الشّاة فيقطّعها،ثمّ يجعلها في كرشها،و يلقي مع كلّ قطعة من اللّحم في الكرش رضفة.

و ربّما جعل في الكرش قدح من لبن حامض أو ماء، ليكون أسلم للكرش من أن تنقدّ،ثمّ يخلّها بخلال و قد حفر لها بؤرة و أحماها،فيلقي الكرش في البؤرة و يغطّيها ساعة،ثمّ يخرجها،و قد أخذت من النّضج حاجتها.

و المصليّ:الّذي يشوى في التّنّور معلّقا في سفّود.و جاء في الحديث:أهديت إلى النّبيّ-صلّى اللّه عليه و آله-شاة مصليّة و قد انضجت اللّحم حتّى تذيّأ،أي تهرّأ و تهذّأ.(646)

و الحنذ:مصدر حنذت الجدي أحنذه،إذا شويته و جعلت فوقه حجارة محماة لتنضجه.قال اللّه جلّ و عزّ:

أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ هود:69،و يقال:حنذت الفرس أحنذه،إذا ألقيت عليه الجلال ليعرق.

و حنذ:موضع قريب من المدينة.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:81)

مثله ابن أبي اليمان.(338)

شمر: الحنيذ من الشّواء:الحارّ الّذي يقطر ماؤه و قد شوي...

الحنيذ:الماء السّخن.[ثمّ استشهد بشعر]

الحنيذ من الشّواء:النّضيج،و هو أن تدسّه في النّار، و قد حنذه يحنذه حنذا.و يقال:أحنذ اللّحم،أي أنضجه.(الأزهريّ 4:466)

أبو الهيثم:أصل الحنيذ من حناذ الخيل،إذا ضمّرت.

و حناذها:أن يظاهر عليها جلّ فوق جلّ حتّى تجلّل بأجلال خمسة أو ستّة،ليعرق الفرس تحت تلك الجلال، و يخرج العرق شحمه كيلا يتنفّس تنفّسا شديدا إذا أجري.

و الشّواء المحنوذ:الّذي قد ألقيت فوقه الحجارة المرضوفة بالنّار حتّى ينشوي انشواء شديدا،فيتهرّى تحتها.(الأزهريّ 4:466)

و الحنّاذ:الطّبّاخ.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصل الحنذ:الطّبخ.(341)

الحربيّ: [و في حديث]«فأتي بضبّ محنوذ»،قوله:

ص: 100

«محنوذ»:المشويّ بالحجارة.(2:471)

ابن دريد :و الحنذ من قولهم:حنذت اللّحم أحنذه حنذا،و هو أن تشويه على الحجارة حتّى ينضج،و هو حنيذ و محنوذ.و حنذت الفرس،إذا استحضرته شوطا أو شوطين،ثمّ ظاهرت عليه الجلال حتّى يعرق،فيذهب رهله.

و الفرس محنوذ و حنيذ،و قد سمّت العرب حنّاذا.

(2:129)

الأزهريّ: [نقل كلام الفرّاء ثمّ قال:]عن أبي الهيثم أنّه أنكر ما قاله الفرّاء في الإحناذ أنّه بمعنى أخفس و أعرق و عرف الإخفاس و الإعراق...

حنذنا الفرس نحنذه حنذا و حناذا،أي ظاهرنا عليه الجلال حتّى يعرق تحتها.

و قد رأيت بواد السّتارين من ديار بني سعد،عين ماء عليه نخل زين،عامر و قصور من قصور مياه العرب، يقال لذلك الماء:حنيذ...و في أعراض مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قرية فيها نخل كثير،يقال لها:حنذ.[ثمّ استشهد بشعر](4:466)

الصّاحب: الحنيذ و الحنذ:اسمان للّحم المشويّ بالحجارة المحماة،حنذته،و أنا أحنذه حنذا.

و عجل حنيذ و محنوذ:مشويّ.

و المحنذي:الّذي يندّد بصاحبه و يشتمه،حنذى به و خنذى-بالحاء و الخاء-

و حنذت الفرس أحنذه،إذا أجريته ليعرق.

و الاسم:الحناذ.

و استحنذت في الشّمس استحناذا:اضطجعت فيها لأعرق.

و يقال:إذا سقيت الرّجل فأحنذ،أي أقلل من المزاج.

و الحنيذ:غسل مطيّب.(3:68)

الخطّابيّ: المرضوف،و الرّضيف من اللّحم:

المشويّ على الرّضاف،و هي الحجارة،توقد عليها النّار، حتّى إذا حميت ألقي عليها اللّحم لينشوي،و هو الحنيذ...

(1:686)

الجوهريّ: حنذت الشّاة أحنذها حنذا،أي شويتها،و جعلت فوقها حجارة محماة لتنضجها،فهي حنيذ.

و حنذت الفرس أحنذه حنذا،و هو أن تحضره شوطا أو شوطين،ثمّ تظاهر عليه الجلال في الشّمس ليعرق، فهو محنوذ و حنيذ.

فإن لم يعرق،قيل:كبا.

و منه قولهم:إذا سقيت فأحنذ،أي عرّق شرابك،أي صبّ فيه قليل ماء.

و الحنذ:شدّة الحرّ و إحراقه.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:حنذته الشّمس،أي أحرقته.(2:562)

نحوه الرّازيّ.(176)

ابن فارس: حنذ:الحاء و النّون و الذّال أصل واحد، و هو إنضاج الشّيء.يقال:شواء حنيذ،أي منضج؛و ذلك أن تحمى الحجارة و توضع عليه حتّى ينضج.

و يقال:حنذت الفرس،إذا استحضرته شوطا أو شوطين،ثمّ ظاهرت عليه الجلال حتّى يعرق.و هذا فرس محنوذ و حنيذ.

ص: 101

و أمّا قولهم:حنذ،فهو بلد.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقولون:«إذا سقيت فأحنذ»أي أقلّ الماء و أكثر النّبيذ.و هو من الباب أيضا؛لأنّها تبقى بحرارتها إذا لم تكسر بالماء.(2:109)

الثّعالبيّ: في أحوال اللّحم المشويّ.

فإذا شوي على الحجارة المحماة،فهو حنيذ.(267)

ابن سيده: حنذ الجدي و غيره يحنذه حنذا:شواه، و جعل فوقه حجارة محماة لتنضجه.و قيل:حنذه:شواه حتّى قطر.

و قيل:حنذه:شواه فقط.و قيل:سمطه.

و لحم حنذ:مشويّ على هذه الصّفة،وصف بالمصدر.

و كذلك محنوذ و حنيذ.

و في التّنزيل: أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ.

و قيل:الحنيذ من اللّحم:الّذي يؤخذ فيقطّع أعضاء.

[و ذكر نحو ابن السّكّيت في الحنيذ و الحنذ]

و قيل:الحنيذ:المشويّ عامّة.

و قيل:الحنيذ:الشّواء الّذي لم يبالغ في نضجه.

و الفعل كالفعل.

و يقال:هو الشّواء المغموم الّذي يختر،أي يتغيّر و هي أقلّها.

و الشّمس تحنذ،أي تحرق،و حناذ محنذ،على المبالغة، أي حرّ محرق.

و حنذ الفرس يحنذه حنذا و حناذا فهو محنوذ و حنيذ:

أجراه أو ألقى عليه الجلال ليعرق.

و حنذ الكرم:فرغ من بعضه.

و حنذ له يحنذ:أقلّ الماء و أكثر الشّراب كأخفس.

و حنذ:موضع قريب من المدينة.

و حنّاذ:اسم.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(3:289)

الطّوسيّ: الحنيذ:المشويّ،و معناه محنوذ،فجاء «فعيل»بمعنى«مفعول»كطبيخ و مطبوخ،و قتيل و مقتول.

تقول:حنذه حنذا و يحنذه.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:27)

نحوه الطّبرسيّ.(3:177)

الزّمخشريّ: حنذ اللّحم،إذا شواه على الحجارة المحماة،و شواء حنيذ.

و من المجاز:حنذتنا الشّمس،كما يقال:شوتنا و طبختنا.

و استحنذت في الشّمس:استعرقت بأن ألقي فيها عليّ الثّياب حتّى أعرق.

و حنذت الفرس حناذا،إذا جلّلته بعد أن تستحضره ليعرق.و الفرس في حناذه،و فرس محنوذ و حنيذ.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:إذا سقيته فاحنذ له،أي اسقه صرفا قليل المزاج،يحنذ جوفه.(أساس البلاغة:97)

ابن الأثير: فيه«أنّه أتي بضبّ محنوذ»أي مشويّ.

و منه قوله تعالى: بِعِجْلٍ حَنِيذٍ و منه حديث الحسن:

«عجّلت قبل حنيذها بشوائها»أي عجّلت بالقرى و لم تنتظر المشويّ.(1:450)

الصّغانيّ: حناذ مثل قطام:اسم للشّمس.[ثمّ استشهد بشعر]

و في واد السّتارين،من ديار بني سعد،على ثلاث

ص: 102

ليال من الأحساء:عين ماء يقال لذلك الماء:حنيذ.

و الحنيذ أيضا:الماء المسخن.و الحنيذ:ضرب من الدّهن.

و قد سمّت العرب:حنّاذا،بالفتح و التّشديد.

المحنذي،و المخنذي،و المحنظي،و المخنظي، و المعنظي و المغنظي:الشّتّام.و الحنيذ:غسل مطيّب.

و الحنذيذ:الكثير العرق من الخيل و من النّاس.

(2:375)

الفيروزآباديّ: حنذ الشّاة يحنذها حنذا و تحناذا:

شواها.و جعل فوقها حجارة محماة لتنضجها،فهي حنيذ، أو هو الحارّ الّذي يقطر ماؤه بعد الشّيّ.

و الفرس:ركضه و أعداه شوطا أو شوطين،ثمّ ظاهر عليه الجلال في الشّمس،ليعرق فهو حنيذ و محنوذ.

و الشّمس المسافر:أحرقته و صهرته.

و حنذ محرّكة:قرية قرب المدينة،أو ماء لبني سليم.

و الحنيذ:الماء المسخّن،و دهن،و الغسل المطيّب، و ماء في ديار بني سعد.

و كقطام:الشّمس.

و الحنذة بالضّمّ:الحرّ الشّديد.

و الحنذوة:شعبة من الجبل.

و الحنذيان بالكسر:الكثير الشّرّ.

و الحنذيذ بالكسر:الكثير العرق.

و المحنذي:الشّتّام.

و الإحناذ:الإكثار من المزاج في الشّراب،و قيل:

الإقلال منه،ضدّ.

و استحنذ:اضطجع في الشّمس ليعرق.و ككتّان:

اسم.(1:365)

مجمع اللّغة :حنذ اللّحم يحنذه حنذا:شواه بين حجرين.

فاللّحم:حنيذ.(1:304)

محمود شيت: حنذ الحرّ:اشتدّ،و العجل:شواه، و الفرس:ركضه.

الحنيذ:الماء السّاخن،و الحنيذ:السّمين، و المشويّ.(2:803)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الحنذ هو الإنضاج بعد الشّواء،أي مرتبة شديدة من الشّواء و بعده.

أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ هود:69،أي أحضر إبراهيم عجلا مشويّا مطبوخا منضجا.(2:318)

النّصوص التّفسيريّة

حنيذ

...فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ. هود:69

ابن عبّاس: مشويّ.(188)

مثله الثّوريّ.(الطّبريّ 12:70)

نضيج.

مثله قتادة و الضّحّاك.(الطّبريّ 12:70)

ما يشوي بخدّ في الأرض بلغة العمالقة،و ما يشوى بالحجارة بلغة هذيل.(اللّغات في القرآن:30)

مجاهد :المشويّ النّضيج.

نضيج سخن،أنضج بالحجارة.(الطّبريّ 12:70)

الضّحّاك: الّذي أنضج بالحجارة.

ص: 103

(الطّبريّ 12:70)

الحسن :حنيذ بمعنى نضيج مشويّ.

(الطّوسيّ 6:27)

نحوه القمّيّ.(1:332)

وهب بن منبّه:حنيذ،يعني شويّ.

(الطّبريّ 12:70)

الإمام الباقر عليه السّلام:يعني زكيّا مشويّا نضيجا.(الكاشانيّ 2:459)

زيد بن عليّ: الحنيذ:الشّواء الّذي يقطر.(219)

السّدّيّ: ذبحه ثمّ شواه في الرّضف،فهو الحنيذ حين شواه.(302)

الكلبيّ: و الحنيذ:الّذي يحنذ في الأرض.

(الطّبريّ 12:70)

الإمام الصّادق عليه السّلام:يعني مشويّا نضيجا.(الكاشانيّ 2:459)

أبو عبيدة :(حنيذ)في موضع محنوذ و هو المشويّ، يقال:حنذت فرسي،أي سخّنته و عرّقته.[ثمّ استشهد بشعر](1:292)

ابن قتيبة :مشويّ،يقال:حنذت الجمل،إذا شويته في خدّ من الأرض بالرّضف،و هي الحجارة المحماة.(205)

نحوه السّجستانيّ(86)،و النّسفيّ(2:197)،و ابن كثير(3:562)،و الشّربينيّ(1:69).

الطّبريّ: و أصله محنوذ،صرف من«مفعول»إلى «فعيل».

و قد اختلف أهل العربيّة في معناه:فقال بعض أهل البصرة منهم:معنى المحنوذ:المشويّ،قال:و يقال منه:

حنذت فرسي بمعنى سخّنته و عرّقته.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال آخر منهم:حنذ فرسه:أضمره.

قالوا:حنذه يحنذه حنذا،أي عرّقه.

و قال بعض أهل الكوفة:كلّ ما انشوى في الأرض إذا خددت له فيه فدفنته و غممته،فهو الحنيذ و المحنوذ.

و الخيل تحنذ،إذا ألقيت عليها الجلال،بعضها على بعض لتعرق،قال:و يقال:إذا سقيت فاحنذ،يعني اخفس،يريد:أقلّ الماء و أكثر النّبيذ.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين و قال:]و هذه الأقوال الّتي ذكرناها عن أهل العربيّة و أهل التّفسير:متقاربات المعاني بعضها من بعض،و موضع(ان)في قوله: أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ نصب بقوله: فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ. (12:69)

نحوه القرطبيّ.(9:63)

الزّجّاج: أي ما أقام حتّى جاء بعجل حنيذ.

و الحنيذ:المشويّ بالحجارة.

و قيل:الحنيذ:المشويّ حتّى يقطر.و العرب تقول:

احنذ الفرس،أي اجعل عليها الجلّ حتّى يقطر عرقا.

و قيل:الحنيذ:المشويّ فقط.

و قيل:الحنيذ:السّميط،و يقال:حنذته الشّمس و النّار،إذا شوته.(3:161)

نحوه الميبديّ.(4:413)

الماورديّ: في الحنيذ قولان:

أحدهما:أنّه الحارّ،...الثّاني:هو المشويّ نضيجا و هو المحنوذ،مثل طبيخ و مطبوخ،و فيه قولان:أحدهما:هو الّذي حفر له في الأرض ثمّ غمّ فيها.

ص: 104

الثّاني:هو أن يوقد على الحجارة،فإذا اشتدّ حرّها ألقيت في جوفه ليسرع نضجه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:482)

الرّاغب: قال تعالى: أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ أي مشويّ بين حجرين،و إنّما يفعل ذلك لتتصبّب عنه اللّزوجة الّتي فيه.و هو من قولهم:حنذت الفرس:

استحضرته شوطا أو شوطين،ثمّ ظاهرت عليه الجلال، ليعرق و هو محنوذ و حنيذ،و قد حنذتنا الشّمس.و لمّا كان ذلك خروج ماء قليل،قيل:إذا سقيت الخمر أحنذ،أي قلّل الماء فيها،كالماء الّذي يخرج من العرق و الحنيذ.(133)

الزّمخشريّ: حنيذ:مشويّ بالرّضف في أخدود.

و قيل:حنيذ:يقطر دسمه؛من حنذت الفرس،إذا ألقيت عليها الجلّ حتّى تقطر عرقا.و يدلّ عليه بِعِجْلٍ سَمِينٍ الذّاريات:26.(2:280)

نحوه الفخر الرّازيّ(18:24)،و البيضاويّ(1:

474)،و النّيسابوريّ(12:44)،و الخازن(3:197)، و الآلوسيّ(12:94)،و القاسميّ(9:3464)،و حجازي (12:34).

ابن العربيّ: أي مشويّ و وصفه بالطّيبين:طيب السّمن،و طيب العمل بالإشواء،و هو أطيب للمحاولة في تناوله؛فكان لإبراهيم فيه ثلاث خصال:الضّيافة، و المبادرة بها جيّدا،لسمن فيها وصفا.(3:1063)

أبو حيّان :حنذت الشّاة أحنذها حنذا:شويتها، و جعلت فوقها حجارة لتنضجها،فهي حنيذ.

و حنذت الفرس:أحضرته شوطا أو شوطين،ثمّ ظاهرت عليه الجلال في الشّمس ليعرق.(5:236)

البروسويّ: الحنيذ:هو المشويّ في حفرة من الأرض بالحجارة المحماة بغير تنّور،و من غير أن تمسّه النّار كفعل أهل البادية،فإنّهم يشوون في الأخدود بالحجارة المحماة.

و في«الكواشي»حنيذ:مشويّ في حفيرة يقطر دسما؛من حنذت الفرس،إذا وضعت إليه جلاله،ليسيل عرقه.(4:161)

نحوه حسنين مخلوف.(369)

الطّباطبائيّ: الحنيذ:«فعيل»بمعنى«المفعول»أي المحنوذ،و هو اللّحم المشويّ على حجارة محماة بالنّار،كما أنّ القديد هو المشويّ على حجارة محماة بالشّمس،على ما ذكره بعض اللّغويّين.

و ذكر بعضهم:أنّه المشويّ الّذي يقطر ماء و سمنا.

و قيل:هو مطلق المشويّ.

فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ الذّاريات:26، لا يخلو من تأييد ما للمعنى الثّاني.(10:319)

بنت الشّاطئ: الكلمة وحيدة في القرآن صيغة و مادّة.

و قد اقتصر«ابن الأثير»على المشويّ دون قيد بالحجارة على حين زاده«الرّاغب»-و ذكرت قوله إلى أن قالت-و كلّ هذا تذكرة المعاجم،و تذكر معه حناذ كقطام:للشّمس.و استحنذ:اضطجع في الشّمس ليعرق.

و الخنذيذ:الكثير العرق.و الحنيذ:الماء المسخّن و الدّهن.

و يبدو أنّ نضج العرق ملحوظ في الحنيذ،يكون من

ص: 105

شيّ اللّحم بحجارة محماة كما يكون في المستحنذ،يضطجع في الشّمس ليعرق.

و في الفرس تظاهر عليه الجلال في الشّمس بعد الرّكض ليعرق.

و منه قيل للدّهن و الماء المسخّن:حنيذ.

و في حديث الحسن:«عجّلت قبل حنيذها بشوائها»،قال ابن الأثير:أي عجّلت بالقرى و لم تنتظر المشويّ.

و لعلّ الأولى أن يفهم منه:عجّلت به قبل أن يطيب شواؤه بنضح عرقه و رطوبته.(الإعجاز البيانيّ:452)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحنذ،و هو شيّ اللّحم و إنضاجه؛يقال:حنذ الجدي و غيره يحنذه حنذا،أي شواه،فهو محنوذ و حنيذ،و حنذت الشّاة أحنذها حنذا:

شويتها و جعلت فوقها حجارة محماة لأنضجها،و أحنذت اللّحم:أنضجته،و حنذته الشّمس و النّار:شوتاه، و الشّمس تحنذ:تحرق؛يقال:حنذته الشّمس،أي أحرقته.

و الحنيذ:ما يحفر له في الأرض ثمّ يغمّم،أو يدسّ في النّار،أو يلقى فوقه الحجارة المحماة.

و الحنذ:إحضار الفرس شوطا أو شوطين،ثمّ يلقى عليه الجلال في الشّمس ليعرق تحتها؛يقال:حنذ الفرس يحنذه حنذا و حناذا،فهو محنوذ و حنيذ،و الخيل تحنّذ،إذا ألقيت عليها الجلال بعضها على بعض لتعرق.

و الحنذ:تعريق الشّراب،أي صبّ فيه قليل من الماء؛يقال:إذا سقيت فاحنذ،و حنذ له يحنذ:أقلّ الماء و أكثر الشّراب كأخفس،و شراب محنذ:أكثر مزجه بالماء.

2-و الحنذ:شدّة الحرّ و إحراقه؛يقال:حناذ محنذ، أي حرّ محرق،على المبالغة،و هو إمّا من هذا الباب،و إمّا من(ح م ذ)أو(ه م ذ)على الإبدال؛قال ابن سيده:

الحماذيّ:شدّة الحرّ كالهماذيّ.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حنيذ»مرّة في آية:

1- ...قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ

هود:69

يلاحظ أوّلا:أنّ الحنيذ«فعيل»بمعنى«مفعول»،أي المشويّ،و فيه بحوث:

1-قال الماورديّ: «في الحنيذ قولان:

أحدهما:أنّه الحارّ...

الثّاني:هو المشويّ نضيجا و هو المحنوذ،مثل:طبيخ و مطبوخ،و فيه قولان:

أحدهما:هو الّذي حفر له في الأرض ثمّ غمّ فيها...

الثّاني:هو أن يوقد على الحجارة،فإذا اشتدّ حرّها ألقيت في جوفه ليسرع نضجه...».

و الأظهر أنّه المشويّ دون حفر أو حجارة،و يؤيّده قوله: فَما لَبِثَ الّذي يدلّ على المبادرة و السّرعة، و هو لا يناسب القولين الأخيرين،لما في ذلك من الإبطاء و التّأخير.

2-روي أنّ زيد بن عليّ فسّر الحنيذ بأنّه«الشّواء

ص: 106

الّذي يقطر»،من قولهم:احنذ الفرس،أي اجعل عليه الجلّ حتى يقطر عرقا،و حنذت فرسي:سخّنته و عرّقته.

فمن قال بقطر دسم الشّواء جعل حنذ الفرس أصلا برأسه،و من قال بمطلق الشّواء،جعل الشّيّ هو الأصل، و حنذ الفرس مشتقّا منه،و هو الأظهر كما فعلنا.

و لعلّه أخذ من قوله: فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ الذّاريات:26،نظرا إلى سمنه و شحمه.

3-لفظ«حنيذ»من الألفاظ الوحيدة الجذر في القرآن،و هو لفظ مكّيّ كسائر نظائره الوحيدة الجذر الّتي وردت على وزن«فعيل»،فكلّها من سور مكّيّة،سوى لفظ واحد في سورة الحجّ،و هو لفظ(عميق)في قوله:

يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ الحجّ:27.

و قد اختلف في هذه السّورة،أ هي مكّيّة أو مدنيّة أو مختلطة؟الأصحّ أنّ منها مكّيّا و منها مدنيّا،لأنّ فيها لفظ يا أَيُّهَا النّاسُ الّذي يختصّ بالسّور المكّيّة غالبا، و فيها لفظ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الّذي يختصّ بالسّور المدنيّة فحسب.[لاحظ المدخل فصل السّور المكّيّة و المدنيّة]

و جاء لفظ واحد من هذه الألفاظ على وزن «فعيلة»في سورة المائدة المدنيّة،و هو لفظ(النّطيحة)في قوله تعالى: وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ المائدة:3.

أمّا سائر الألفاظ فهي تسعة،و منها«حنيذ»:

الجبين: فَلَمّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ الصّافّات:

103.

الحثيث: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً الأعراف:54.

الرّحيق: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ المطفّفين:

25.

الزّنيم: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ القلم:13.

الضّنين: وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ التّكوير:

24.

الكثيب: وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:14.

النّميم: هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ القلم:11.

الوتين: ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ الحاقّة:46.

كما جاء منها لفظان على وزن«فعيل»في سورتين مكّيّتين أيضا:

العزين: عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ عِزِينَ المعارج:37.

العضين: اَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ الحجر:

91.

ص: 107

ص: 108

ح ن ف

اشارة

لفظان،12 مرّة:6 مكّيّة،6 مدنيّة

في 9 سور:4 مكّيّة،5 مدنيّة

حنيفا 10:6-4 حنفاء 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحنف:ميل في صدر القدم،و رجل أحنف،و رجل حنفاء.و يقال:سمّي الأحنف بن قيس به لحنف كان في رجله.

و السّيوف الحنفيّة تنسب إليه،لأنّه أوّل من عملها، أي أمر باتّخاذها،و هو في القياس:سيف أحنفيّ.

و بنو حنيفة:حيّ من ربيعة.

و يقال:تحنّف فلان إلى الشّيء تحنّفا،إذا مال إليه.

و حسب حنيف،أي حديث إسلاميّ،لا قديم له.

و الحنيف في قول:المسلم الّذي يستقبل قبلة البيت الحرام،على ملّة إبراهيم حنيفا مسلما.

و القول الآخر:الحنيف:كلّ من أسلم في أمر اللّه فلم يلتو في شيء منه.و أحبّ الأديان إلى اللّه:الحنيفيّة السّمحة،و هي ملّة النّبيّ-صلّى اللّه عليه و آله-لا ضيق فيها و لا حرج.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:248)

الكسائيّ: الحنف من كلّ حيوان في اليدين،و من الإنسان في الرّجلين.و أنت ابن أمة حنفاء اليدين.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:97)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الأحنف:أن يكون في قدمه انحناء إلى أمامها.(1:144)

الأحنف:أن يكون في رجليه تقابل،كلّ واحدة مائلة إلى الأخرى،تجانفان.(1:145)

الحنيف:المائل من خير إلى شرّ،و من شرّ إلى خير.(الأزهريّ 5:109)

الفرّاء: الحنيف:من سنّته الاختتان.

(الأزهريّ 5:110)

أبو عبيدة :الحنيف في الجاهليّة:من كان على دين إبراهيم،ثمّ سمّي من اختتن و حجّ البيت:حنيفا.لمّا

ص: 109

تناسخت السّنون،و بقي من يعبد الأوثان من العرب، قالوا:نحن حنفاء على دين إبراهيم،و لم يتمسّكوا منه إلاّ بحجّ البيت،و الختان.

و الحنيف اليوم:المسلم.(1:58)

الأخفش: الحنيف:المسلم،و كان في الجاهليّة يقال لمن اختتن و حجّ البيت:حنيف،لأنّ العرب لم تتمسّك في الجاهليّة بشيء من دين إبراهيم غير الختان و حجّ البيت، فكلّ من اختتن و حجّ قيل له:حنيف.فلمّا جاء الإسلام عادت الحنيفيّة،فالحنيف:المسلم.(الأزهريّ 5:110)

أبو زيد :الحنيف:المستقيم.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:110)

الأصمعيّ: الحنف في القدمين:أن تميل كلّ واحدة منهما بإبهامها على صاحبتها.

و الحنيف:العادل عن دين،و به سمّيت الحنيفيّة،لأنّها مالت عن اليهوديّة و النّصرانيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن دريد 2:178)

الحنف:إقبال القدم بأصابعها على الأخرى هذه على هذه،و هذه على هذه.و سمّي الأحنف بن قيس،لحنف كان برجليه،و هو الّذي اتّخذ السّيوف الحنيفيّة.

(الحربيّ 1:293)

كلّ من حجّ البيت فهو حنيف.(الصّغانيّ 4:455)

ابن الأعرابيّ: الحنفاء:شجرة،و الحنفاء:القوس، و الحنفاء:الموسى،و الحنفاء:السّلحفاة،و الحنفاء:

الحرباءة،و الحنفاء:الأمة المتلوّنة تكسل مرّة و تنشط أخرى.(الأزهريّ 5:111)

[الأحنف:]هو الّذي يمشي على ظهر قدمه من شقّها الّذي يلي خنصرها.(الجوهريّ 4:1347)

أبو حاتم: قلت للأصمعيّ:من أين عرف في الجاهليّة الحنيف عندهم؟فقال:لأنّه[من]عدل عن دين النّصارى فهو حنيف عندهم.و قال مرّة أخرى:كلّ من حجّ البيت فهو حنيف.

قال ثابت قطنة عن أبيه:حدّثني شيخان منّا قالا:كنّا في الجاهليّة بعمان،إذا أردنا الحجّ قلنا:هلمّوا نتحنّف.(ابن دريد 2:178)

ابن قتيبة :الحنيف:المستقيم.و قيل للأعرج:

حنيف؛نظرا له إلى السّلامة.(64)

الحربيّ: «سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:أيّ الأديان أحبّ إلى اللّه؟قال:الحنيفيّة السّمحة».

قوله:«الحنيفيّة السّمحة»،يقال:هي شريعة إبراهيم عليه السّلام.و يقال:الحنيف:المسلم؛و الجمع:الحنفاء، لأنّه تحنّف عن الأديان،و مال إلى الحقّ.[ثمّ استشهد بآية الأنعام:79،و الحجّ:30،31](1:291)

ابن دريد :الحنف:انقلاب القدم حتّى يصير ظهرها بطنها،و حنف الرّجل يحنف حنفا،و الرّجل أحنف،و المرأة حنفاء.[إلى أن قال:]

و بنو حنيفة:بطن من العرب.و إنّما سمّي حنيفة،لأنّه لقي جذيمة أبا حيّ من عبد القيس من العرب فضربه جذيمة فحنّفه،و ضرب هو جذيمة فجذمه،أي قطع يده،فسمّي هذا حنيفة،و سمّي هذا جذيمة.

و قد سمّت العرب حنيفا.و بنو حنيف:بطن من العرب.

و حنيف الحناتم:أحد أدلاّء العرب في الجاهليّة،و هو

ص: 110

من بكر بن وائل،تزعم العرب أنّه خرج يريد وبار ليدلّ عليها،فسفعته الجنّ فعمي،و كان يشمّ تراب الأرض فيستدلّ به.(2:178)

الصّاحب: الحنف:ميل في صدر القدم،و الرّجل أحنف،و به سمّي الأحنف.و هو في كلّ ذي أربع:في اليدين؛و من الإنسان:في الرّجلين.و السّيوف الحنيفيّة تنسب إليه.

و بنو حنيفة:رهط مسيلمة.

و الحنيف:المسلم؛و الجميع:الحنفاء،سمّي بذلك، لأنّه تحنّف عن الأديان كلّها،أي مال.

و الحنيف:الحاجّ،و القصير من الرّجال.

و تحنّف:تعبّد.

و الحسب الحنيف:الخالص.

و الحنيف:الحذّاء.(3:123)

الجوهريّ: الحنف:الاعوجاج في الرّجل،و هو أن تقبل إحدى إبهامي رجليه على الأخرى.و الرّجل أحنف،و منه سمّي الأحنف بن قيس،و اسمه صخر.

يقال:ضربت فلانا على رجله فحنفتها.

و الحنيف:المسلم،و قد سمّي المستقيم بذلك،كما سمّي الغراب أعور.

و تحنّف الرّجل،أي عمل عمل الحنيفيّة،و يقال:

اختتن،و يقال:اعتزل الأصنام و تعبّد.[ثمّ استشهد بشعر]

...و حنيفة:أبو حيّ من العرب،و هو حنيفة بن لجيم ابن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل.(4:1347)

ابن فارس: الحاء و النّون و الفاء أصل:مستقيم، و هو الميل.يقال للّذي يمشي على ظهور قدميه:أحنف.

و قال قوم-و أراه الأصحّ-:إنّ الحنف اعوجاج في الرّجل إلى داخل.و رجل أحنف،أي مائل الرّجلين، و ذلك يكون بأن تتدانى صدور قدميه و يتباعد عقباه.

و الحنيف:المائل إلى الدّين المستقيم،قال اللّه تعالى:

وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً آل عمران:67.

و الأصل هذا،ثمّ يتّسع في تفسيره،فيقال:الحنيف:

النّاسك،و يقال:هو المختون،و يقال:هو المستقيم الطّريقة.و يقال:هو يتحنّف،أي يتحرّى أقوم الطّريق.

(2:110)

أبو هلال :الفرق بين الحنف و الحيف:أنّ الحنف هو العدول عن الحقّ.و الحيف:الحمل على الشّيء حتّى ينقصه،و أصله من قولك:تحيّفت الشّيء،إذا تنقّصته من حافاته.(177)

الثّعالبيّ: الحنيف:الكتّان الرّديء.(79)

القيسيّ: و الحنيف في اللّغة:المستقيم.

فإن قيل لك:لم سمّي المعوجّ الرّجل أحنف؟

فقل:تطيّروا من الاعوجاج إلى الاستقامة،كما يقال للّديغ:سليم،و للأعمى:أبو بصير،و للأسود:أبو البيضاء، و للمهلكة:مفازة.

هذا قول أكثر النّحويّين.فأمّا ابن الأعرابيّ فزعم أنّ المفازة ليست مقلوبة،لأنّ العرب تقول فوّز الرّجل،إذا مات.و مثله:«جنّص».[ثمّ استشهد بشعر]

و الحنيف ستّة أشياء:المستقيم،و المعوّج،و المسلم، و المخلص،و المختون،و الحاجّ إلى بيت اللّه.

و من عمل بسنّة إبراهيم صلوات اللّه عليه سمّي

ص: 111

حنيفا.(146)

ابن سيده: الحنف في القدمين:إقبال كلّ واحدة منهما على الأخرى بإبهامها،و كذلك هو في الحافر في اليد و الرّجل.

و قيل:هو ميل كلّ واحدة من الإبهامين على صاحبتها حتّى يرى شخص أصلها خارجا.

و قيل:هو انقلاب القدم حتّى يصير بطنها ظهرها.

و قيل:ميل في صدر القدم.و قد حنف حنفا.

و رجل أحنف،و به سمّي الأحنف،لحنف كان في رجله.و قدم حنفاء.

و حنف عن الشّيء و تحنّف:مال.

و الحنيف:المسلم الّذي يتحنّف عن الأديان،أي يميل إلى الحقّ.

و قيل:هو الّذي يستقبل قبلة البيت على ملّة إبراهيم.

و قيل:هو المخلص.

و قيل:هو من أسلم في أمر اللّه فلم يلتو في شيء.

و جمعه:حنفاء.و قد حنّف و تحنّف.

و الدّين الحنيف:الإسلام.و الحنيفيّة:ملّة الإسلام.

و في الحديث:«أحبّ الأديان إلى اللّه:الحنيفيّة السّمحة»و يوصف به فيقال:ملّة حنيفيّة.

و قال ثعلب:الحنيفيّة:الميل إلى الشّيء،و ليس هذا بشيء.

و الحنيفيّة:ضرب من السّيوف،منسوبة إلى أحنف، لأنّه أوّل من عملها،و هو من المعدول الّذي على غير قياس.(3:382)

الرّاغب:الحنف:هو ميل عن الضّلال إلى الاستقامة،و الجنف:ميل عن الاستقامة إلى الضّلال، و الحنيف:هو المائل إلى ذلك.[ثمّ ذكر آيات و قال:]

و تحنّف فلان،أي تحرّى طريق الاستقامة،و سمّت العرب كلّ من حجّ أو اختتن حنيفا،تنبيها أنّه على دين إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم.

و الأحنف:من في رجله ميل.

قيل:سمّي بذلك على التّفاؤل.و قيل:بل استعير للميل المجرّد.(133)

الزّمخشريّ: رجل أحنف:يمشي على ظهر قدميه، و به حنف،و قد حنفت رجله،و هي حنفاء...

و قد تحنّف إلى الشّيء،إذا مال إليه،و منه قيل لمن مال عن كلّ دين أعوج:هو حنيف،و له دين حنيف.

و تحنّف فلان،إذا أسلم.

و لفلان حسب حنيف،أي إسلاميّ حديث لا قديم له.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:97)

[في حديث الأحنف:]«...فما رأيت خصلة تذمّ إلاّ و قد رأيتها فيه،كان صعل الرّأس...أحنف الرّجل...»

الحنف:أن تقبل كلّ واحدة من الرّجلين بإبهامها على الأخرى.

و قيل:هو أن يمشي الإنسان على ظهر قدميه.[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 2:300)

المدينيّ: ...في حديث عياض بن حمار:«خلقت عبادي حنفاء».

قيل:معناه:طاهري الأعضاء من المعاصي،لا أنّهم خلقهم كلّهم مسلمين،لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ

ص: 112

فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ التّغابن:2،و قوله تعالى:

وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ الأعراف:

179،و قوله عليه الصّلاة و السّلام:«الغلام الّذي قتله الخضر طبع كافرا»،و قوله:«إنّ اللّه تعالى خلق النّار، و خلق لها أهلا،خلقهم لها و هم في أصلاب آبائهم».

و يحتمل أنّ معنى الحنيفيّة حين أخذ عليهم الميثاق أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ الأعراف:172،فليس يوجد أحد إلاّ و هو مقرّ بأنّ له ربّا،و إن أشرك به.قال اللّه تعالى: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّهُ الزّخرف:87.

و لقوله عليه الصّلاة و السّلام:«فاجتالتهم الشّياطين عن دينهم»هو إضافة سبب،و هو أنّه تعالى جعل الشّيطان سببا لإظهار مشيئته فيهم.(1:512)

ابن الأثير: فيه:«خلقت عبادي حنفاء»[ثمّ ذكر نحو المدينيّ و أضاف:]

...فلا يوجد أحد إلاّ و هو مقرّ بأنّ له ربّا و إن أشرك به،و اختلفوا فيه.

و الحنفاء:جمع حنيف،و هو المائل إلى الإسلام الثّابت عليه.

و الحنيف عند العرب:من كان على دين إبراهيم عليه السّلام.

و أصل الحنف:الميل.

و فيه:«أنّه قال لرجل:ارفع إزارك،قال:إنّي أحنف» الحنف:إقبال القدم بأصابعها على القدم الأخرى.

(1:451)

الصّغانيّ: الحنفاء:القوس،و الموسى،و السّلحفاة، و الحرباءة،و الأطوم؛و هي سمكة في البحر كالملكة.

(4:456)

الفيّوميّ: الحنف:الاعوجاج في الرّجل إلى داخل، و هو مصدر من باب«تعب»،فالرّجل أحنف؛و به سمّي.

و يصغّر على:حنيف،تصغير التّرخيم؛و به سمّي أيضا،و هو الّذي يمشي على ظهور قدميه.

و الحنيف:المسلم،لأنّه مائل إلى الدّين المستقيم.

و الحنيف:النّاسك.(1:154)

الفيروزآباديّ: الحنف،محرّكة:الاستقامة و الاعوجاج في الرّجل،أو أن يقبل إحدى إبهامي رجليه على الأخرى،أو أن يمشي على ظهر قدميه من شقّ الخنصر،أو ميل في صدر القدم.

و قد حنف كفرح و كرم،فهو أحنف،و رجل حنفاء.

و كضرب:مال.

و صخر أبو بحر الأحنف بن قيس:تابعيّ كبير، و السّيوف الحنيفيّة تنسب له،لأنّه أوّل من أمر باتّخاذها، و القياس أحنفيّ.

و الحنفاء:القوس،و الموسى،و فرس حذيفة بن بدر،و ماء لبني معاوية،و شجرة،و الأمة المتلوّنة تكسل مرّة و تنشط أخرى،و الحرباء،و السّلحفاة،و الأطوم لسمكة بحريّة.

و الحنيف كأمير:الصّحيح الميل إلى الإسلام الثّابت عليه،و كلّ من حجّ،أو كان على دين إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم، و القصير،و الحذّاء،و واد...

و حنفه تحنيفا:جعله أحنف.

و أبو حنيفة:كنية عشرين من الفقهاء،أشهرهم إمام الفقهاء النّعمان.

و تحنّف:عمل عمل الحنفيّة،أو اختتن،أو اعتزل

ص: 113

عبادة الأصنام،و إليه مال.(3:134)

الطّريحيّ: الحنيف:المسلم المائل إلى الدّين المستقيم.و الجمع:حنفاء.

و الحنيف:المسلم،لأنّه تحنّف،أي تحرّى الدّين المستقيم.

و الحنف،محرّكة:الاستقامة،و منه قوله:«دين محمّد حنيف»أي مستقيم لا عوج فيه.

و الحنيف عند العرب:من كان على دين إبراهيم عليه السّلام.

و أصل الحنف:الميل.و منه:«بعثت بالحنيفيّة السّمحة السّهلة»أي المستقيمة المائلة عن الباطل إلى الحقّ.

و مثله:«أحبّ دينكم إلى اللّه الحنيفيّة»أي الطّريقة الحنيفيّة الّتي لا ضيق فيها.

و في الحديث القدسيّ: «خلقت عبادي حنفاء»أي مستعدّين لقبول الحقّ،و هو في معنى:«كلّ مولود يولد على الفطرة»...

و في الحديث:«السّواك من الحنيفيّة»أي من السّنن الحنيفيّة،و هي عشر سنن-الحديث.

و تحنّف الرّجل:عمل بالحنيفيّة...

و أولاد الأحناف:هم الأخوة من أمّ واحدة و آباء متعدّدة.(5:40)

مجمع اللّغة :حنف يحنف حنفا:مال.

و الحنيف:المخلص الّذي أسلم لأمر اللّه،فلم يلتو في شيء من دينه،و جمعه:حنفاء.(1:304)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حنف:مال،و تحنّف:

تحرّى طريق الاستقامة،و الحنيف:المسلم.و حنيفا:مائلا و مبتعدا عن الباطل و متّصلا بالحقّ.

و الحنيف المسلم:هو الخارج و كلّ من كان على دين إبراهيم؛و الجمع:حنفاء.(1:148)

الطّباطبائيّ: الحنف:الميل من الطّرفين إلى حاقّ الوسط و هو الاعتدال.(12:368)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الاعتدال في المشي و التّأنّي و السّكون فيه، بحيث لا يلحقه تعدّى و لا تجاوز عن خطّ المشي،و هذا المعنى أعمّ من السّلوك الظّاهريّ أو المعنويّ.

و بمناسبة هذا الأصل يطلق على المستقيم،و المائل عن الضّلال،و النّاسك،و من كان على ملّة إبراهيم، و المتعبّد،و المعتزل عن الأصنام.

و أمّا الاعوجاج في الرّجل:فبمناسبة إيجابه السّكينة في المشي،و التّأنّي،و الاعتدال.و يمنع عن التّجاوز و العدو و الخروج عن الصّراط المستقيم،ففي التّعبير به في هذا المورد تأدّب و حفظ احترام و حسن تعبير،كما في كثير من الكلمات العربيّة المعبّر بها عن مفاهيم سيّئة،كالبول و الغائط و الفرج و غيرها.(2:319)

النّصوص التّفسيريّة

حنيفا

وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. البقرة:135

ابن عبّاس: مسلما مخلصا.(19)

حاجّا.

ص: 114

نحوه مجاهد،و الضّحّاك،و الحسن،و العوفيّ.

(الطّبريّ 1:565)

الحنيف:المائل عن الأديان كلّها إلى دين الإسلام.

(الثّعلبيّ 1:282)

نحوه الكاشانيّ(1:174)،و المراغيّ(1:223).

سعيد بن جبير: الحنيف:هو الحاجّ المختتن.

(البغويّ 1:172)

مجاهد :الحنيفيّة:اتّباع إبراهيم فيما أتى به من الشّريعة الّتي صار بها إماما للنّاس.(الواحديّ 1:218)

الحنيفيّة:اتّباع الحقّ.(الطّبرسيّ 1:216)

الضّحّاك: إذا كان مع الحنيف«المسلم»فهو الحاجّ، و إذا لم يكن فهو المسلم.(الثّعلبيّ 1:283)

الإمام الباقر عليه السّلام:ما أبقت الحنيفيّة شيئا حتّى إنّ منها قصّ الشّارب و قلم الأظفار و الختان.

(العيّاشيّ 1:158)

ابن كعب القرظيّ: كلّ من أسلم للّه و لم ينحرف عنه في شيء فهو حنيف.(الفخر الرّازيّ 4:90)

قتادة :الحنيفيّة:الختان،و تحريم الأمّهات و البنات و الأخوات و العمّات و الخالات،و إقامة المناسك.

(البغويّ 1:172)

زيد بن عليّ: الحنيف:المسلم،و كان الحنيف في الجاهليّة:من اختتن و حجّ البيت.(139)

السّدّيّ: مخلصا.(الطّبريّ 1:566)

مثله مقاتل.(الثّعلبيّ 1:283)

الإمام الصّادق عليه السّلام:الحنيفيّة:هي الإسلام.

(العيّاشيّ 1:158)

اليزيديّ: الحنيف:من كان على دين إبراهيم عليه السّلام.

(82)

الرّياشيّ: الحنيفيّة هي الاستقامة.و إنّما قيل للّذي يقبل بإحدى قدميه على الأخرى:أحنف،تفاؤلا بالسّلامة،كما قيل للمهلكة:مفازة،تفاؤلا بالفوز، و النّجاة.(الطّوسيّ 1:479)

نحوه ابن قتيبة.(64)

الطّبريّ: [ذكر في معنى الحنيف نحو الرّياشيّ و قال:]

فمعنى الكلام إذا:قل يا محمّد:بل نتّبع ملّة إبراهيم مستقيما،فيكون الحنيف حينئذ حالا من إبراهيم.

و أمّا أهل التّأويل،فإنّهم اختلفوا في تأويل ذلك، فقال بعضهم:الحنيف:الحاجّ.و قيل:إنّما سمّي دين إبراهيم الإسلام:الحنيفيّة،لأنّه أوّل إمام لزم العباد الّذين كانوا في عصره؛و الّذين جاءوا بعده إلى يوم القيامة اتّباعه في مناسك الحجّ،و الائتمام به فيه.قالوا:فكلّ من حجّ البيت فنسك مناسك إبراهيم على ملّته،فهو حنيف مسلم على دين إبراهيم.

و قال آخرون:الحنيف:المتّبع،كما وصفنا قبل،من قول الّذين قالوا:إنّ معناه الاستقامة.

و قال آخرون:إنّما سمّي دين إبراهيم الحنيفيّة،لأنّه أوّل إمام سنّ للعباد الختان،فاتّبعه من بعده عليه.قالوا:

فكلّ من اختتن على سبيل اختتان إبراهيم،فهو على ما كان عليه إبراهيم من الإسلام،فهو حنيف على ملّة إبراهيم.

و قال آخرون: بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، بل ملّة

ص: 115

إبراهيم مخلصا،فالحنيف على قولهم:المخلص دينه للّه وحده.

و قال آخرون:بل الحنيفيّة الإسلام،فكلّ من ائتمّ بإبراهيم في ملّته فاستقام عليها فهو حنيف.

الحنيف عندي هو الاستقامة على دين إبراهيم، و اتّباعه على ملّته؛و ذلك أنّ الحنيفيّة لو كانت حجّ البيت،لوجب أن يكون الّذين كانوا يحجّونه في الجاهليّة من أهل الشّرك كانوا حنفاء،و قد نفى اللّه أن يكون ذلك تحنّفا بقوله: وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فكذلك القول في الختان،لأنّ الحنيفيّة لو كانت هي الختان،لوجب أن يكون اليهود حنفاء،و قد أخرجهم اللّه من ذلك بقوله: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً فقد صحّ إذا أنّ الحنيفيّة ليست الختان وحده،و لا حجّ البيت وحده، و لكنّه هو ما وصفنا من الاستقامة على ملّة إبراهيم، و اتّباعه عليها،و الائتمام به فيها.

فإن قال قائل:أو ما كان من كان من قبل إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم من الأنبياء و أتباعهم مستقيمين على ما أمروا به من طاعة اللّه استقامة إبراهيم و أتباعه؟قيل:بلى.

فإن قال قائل:فكيف أضيف الحنيفيّة إلى إبراهيم و أتباعه على ملّته خاصّة،دون سائر الأنبياء قبله و أتباعهم؟

قيل:إنّ كلّ من كان قبل إبراهيم من الأنبياء كان حنيفا،متّبعا طاعة اللّه،و لكنّ اللّه تعالى ذكره لم يجعل أحدا منهم إماما لمن بعده من عباده إلى قيام السّاعة، كالّذي فعل من ذلك بإبراهيم،فجعله إماما فيما بيّنه من مناسك الحجّ و الختان؛و غير ذلك من شرائع الإسلام، تعبّدا به أبدا إلى قيام السّاعة،و جعل ما سنّ من ذلك علما مميّزا بين مؤمني عباده و كفّارهم،و المطيع منهم له و العاصي،فسمّي الحنيف من النّاس حنيفا باتّباعه ملّته و استقامته،على هديه و منهاجه،و سمّي الضّال عن ملّته بسائر أسماء الملل،فقيل:يهوديّ و نصرانيّ و مجوسيّ، و غير ذلك من صنوف الملل.(1:564)

الزّجّاج: و نصب(حنيفا)على الحال،المعنى:بل نتّبع ملّة إبراهيم في حال حنيفيّته،و معنى الحنيفيّة في اللّغة:

الميل،فالمعنى:أنّ إبراهيم حنيف إلى دين اللّه،دين الإسلام،كما قال عزّ و جلّ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ آل عمران:19،فلم يبعث نبيّ إلاّ به،و إن اختلفت شرائعهم.

فالعقد توحيد اللّه عزّ و جلّ،و الإيمان برسله و إن اختلفت الشّرائع،إلاّ أنّه لا يجوز أن تترك شريعة نبيّ أو يعمل بشريعة نبيّ قبله،تخالف شريعة نبيّ الأمّة الّتي يكون فيها.(1:213)

القمّيّ: الحنيفيّة،و هي الطّهارة،و هي عشرة أشياء:

خمسة في الرّأس،و خمسة في البدن.

فأمّا الّتي في الرّأس:فأخذ الشّارب،و إعفاء اللّحى، و طمّ الشّعر،و السّواك،و الخلال.

و أمّا الّتي في البدن:فحلق الشّعر من البدن،و الختان، و قلم الأظفار،و الغسل من الجنابة،و الطّهور بالماء.فهذه خمسة في البدن،و هو الحنيفيّة الطّهارة الّتي جاء بها إبراهيم،فلم تنسخ إلى يوم القيامة،و هو قوله: وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً النّساء:125.(1:59)

ص: 116

السّجستانيّ: [الحنيف:]من كان على دين إبراهيم عليه السّلام،ثمّ يسمّى من كان يختتن و يحجّ البيت في الجاهليّة حنيفا.و الحنيف اليوم:المسلم.

و يقال:إنّما سمّي إبراهيم حنيفا،لأنّه كان حنف عمّا يعبد أبوه و قومه من الآلهة إلى عبادة اللّه عزّ و جلّ،أي عدل عن ذلك و مال...(18)

الأصمّ:الحنيفيّة:إخلاص العمل.و تقديره:بل نتّبع ملّة إبراهيم الّتي هي التّوحيد.(الفخر الرّازيّ 4:90)

القفّال:و بالجملة فالحنيف:لقب لمن دان بالإسلام كسائر ألقاب الدّيانات،و أصله من إبراهيم عليه السّلام.

(الفخر الرّازيّ 4:90)

الثّعلبيّ: نصب على القطع.أراد بل ملّة إبراهيم الحنيف،فلمّا أسقطت الألف و اللاّم لم تتبع النّكرة المعرفة، فانقطع منه فنصب،قاله نحاة الكوفة.و قال أهل البصرة:

نصب على الحال.(1:282)

نحوه البغويّ.(1:172)

القيسيّ: انتصب(ملّة)على إضمار فعل،تقديره:بل نتّبع ملّة.و(حنيفا)حال من(ابراهيم)،لأنّ معنى«بل نتّبع ملّة إبراهيم»:بل نتّبع إبراهيم.و قيل:انتصبت على إضمار «أعني»؛إذ لا تقع الحال من المضاف إليه.(1:73)

نحوه أبو البركات.(1:125)

الماورديّ: فيه أربعة تأويلات:[ثمّ ذكر قول السّدّيّ و مجاهد و ابن عبّاس]

...و الرّابع:المستقيم.

و في أصل الحنيف في اللّغة وجهان:أحدهما:الميل، و المعنى أنّ إبراهيم حنف إلى دين اللّه،و هو الإسلام فسمّي حنيفا،و قيل للرّجل:أحنف،لميل كلّ واحدة من قدميه إلى أختها.

و الوجه الثّاني:[ذكر نحو الرّياشيّ.](1:194)

نحوه ابن الجوزيّ.(1:150)

الزّمخشريّ: (حنيفا)حال من المضاف إليه، كقولك:رأيت وجه هند قائمة.و الحنيف:المائل عن كلّ دين باطل إلى دين الحقّ.و الحنف:الميل في القدمين، و تحنّف،إذا مال.[ثمّ استشهد بشعر](2:314)

نحوه النّسفيّ.(1:77)

ابن عطيّة: (حنيفا)حال،و قيل:نصب بإضمار فعل،لأنّ الحال تعلّق من المضاف إليه.[إلى أن قال:]

و يجيء الحنيف في الدّين المستقيم على جميع طاعات اللّه عزّ و جلّ.و قد خصّص بعض المفسّرين، فقال قوم:الحنيف:الحاجّ،و قال آخرون:المختتن، و هذه أجزاء الحنف.(1:214)

الطّبرسيّ: مستقيما.و قيل:مائلا إلى دين الإسلام.و في الحنيفيّة أربعة أقوال:[ذكر قول ابن عبّاس الثّاني و قولي مجاهد،و قال:]

الرّابع:إنّها الإخلاص للّه وحده في الإقرار بالرّبوبيّة و الإذعان للعبوديّة.و كلّ هذه الأقوال ترجع إلى ما قلناه من معنى الاستقامة و الميل إلى ما أتى به إبراهيم عليه السّلام من الملّة.(1:216)

الفخر الرّازيّ: لأهل اللّغة في الحنيف قولان:

الأوّل:أنّ الحنيف هو المستقيم،و منه قيل للأعرج:

أحنف،تفاؤلا بالسّلامة،كما قالوا للّديغ:سليم.

و للمهلكة:مفازة.قالوا:فكلّ من أسلم للّه و لم ينحرف

ص: 117

عنه في شيء فهو حنيف،و هو مرويّ عن محمّد بن كعب القرظيّ.

الثّاني:أنّ الحنيف:المائل،لأنّ الأحنف هو الّذي يميل كلّ واحد من قدميه إلى الأخرى بأصابعها.و تحنّف،إذا مال،فالمعنى أنّ إبراهيم عليه السّلام حنف إلى دين اللّه،أي مال إليه.فقوله: بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً أي مخالفا لليهود، و النّصارى منحرفا عنهما.[ثمّ ذكر بعض أقوال المفسّرين و قد سبقت](4:90)

العكبريّ: (حنيفا)حال من(ابراهيم)،و الحال من المضاف إليه ضعيف في القياس قليل في الاستعمال.

و سبب ذلك أنّ الحال لا بدّ لها من عامل فيها،و العامل فيها هو العامل في صاحبها،و لا يصحّ أن يعمل المضاف في مثل هذا في الحال.

و وجه قول من نصبه على الحال أنّه قدّر العامل معنى اللاّم أو معنى الإضافة،و هو المصاحبة و الملاصقة.

و قيل:حسن جعل(حنيفا)حالا،لأنّ المعنى:نتّبع إبراهيم حنيفا؛و هذا جيّد،لأنّ«الملّة»هي الدّين،و المتّبع إبراهيم.

و قيل:هو منصوب بإضمار:أعني.(1:120)

القرطبيّ: مائلا عن الأديان المكروهة إلى الحقّ دين إبراهيم.[ثمّ ذكر قول الزّجّاج و أضاف:]

و قال عليّ بن سليمان:هو(حنيفا)منصوب على «أعني»و الحال خطأ،لا يجوز:جاءني غلام هند مسرعة.

[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](2:139)

البيضاويّ: مائلا عن الباطل إلى الحقّ،حال من المضاف أو المضاف إليه،كقوله: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً الحجر:47.(1:84)

نحوه أبو السّعود.(1:204)

النّيسابوريّ: (حنيفا)حال من المضاف إليه كقولك:رأيت وجه هند قائمة؛و ذلك أنّ المضاف إليه متضمّن للحرف فيقتضي متعلّقا هو الفعل أو شبهه؛ و حينئذ يشتمل على فاعل و مفعول،فالحال عن المضاف إليه ترجع في التّحقيق إلى الحال عن أحدهما...

(1:468)

الشّربينيّ: (حنيفا)حال من المضاف إليه،كقولك:

رأيت وجه هند قائمة،لكن هذا جزاء حقيقة،و(ملّة) كالجزء.(1:96)

البروسويّ: [نحو البيضاويّ إلاّ أنّه قال:]

أو من المضاف و هو الملّة،و تذكير(حنيفا)حينئذ، بتأويل الملّة بالدّين،لأنّهما متّحدان ذاتا و التّغاير بالاعتبار.(1:241)

الآلوسيّ: أي مستقيما أو مائلا عن الباطل إلى الحقّ،و يوصف به المتديّن و الدّين،و هو حال:إمّا من المضاف بتأويل الدّين،أو تشبيها له ب«فعيل»بمعنى «مفعول»كما في قوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:56،و هذا على قراءة النّصب، و تقدير(نتّبع)ظاهر،و إمّا على تقدير:(تكون عليها) فلأنّ(ملّة)فاعل الفعل المستفاد من الإضافة،أي تكون ملّة ثبتت لإبراهيم.

و على قراءة الرّفع تكون الحال مؤكّدة لوقوعها بعد جملة اسميّة،جزءاها جامدان معرفتان مقرّرة لمضمونها، لاشتهار ملّته عليه الصّلاة و السّلام بذلك.

ص: 118

فالنّظم على حدّ:أنا حاتم جوادا،أو من المضاف إليه بناء على ما ارتضوه:من أنّه يجوز مجيء الحال منه في ثلاث صور:إذا كان المضاف مشتقّا عاملا،أو جزء،أو بمنزلة الجزء في صحّة حذفه كما هنا،فإنّه يصحّ:اتّبعوا إبراهيم،بمعنى:اتّبعوا ملّته.

و قيل:إنّ الّذي سوّغ وقوع الحال من المضاف إليه، كونه مفعولا لمعنى الفعل المستفاد من الإضافة أو اللاّم- و إليه يشير كلام أبي البقاء-و لعلّه أولى لاطّراده في التّقدير الأوّل.

و قيل:هو منصوب بتقدير:أعني.(1:394)

القاسميّ: مستقيما،أو مائلا عن الباطل إلى الحقّ.

[ثمّ ذكر نحو الرّياشيّ و قال:]

و يطلق على ميل في صدر القدم،و اعوجاج في الرّجل،فالحنيف:المستقيم على إسلامه للّه تعالى،المائل عن الشّرك إلى دين اللّه سبحانه.(2:270)

رشيد رضا :أي بل نتّبع أو اتّبعوا ملّة إبراهيم الّذي لا نزاع في هداه و لا في هديه،فهي الملّة الحنيفيّة القائمة على الجادّة بلا انحراف و لا زيغ.العريقة في التّوحيد و الإخلاص بلا و ثنيّة و لا شرك.

و الحنيف في اللّغة:المائل.و إنّما أطلق على إبراهيم، لأنّ النّاس في عصره كانوا على طريقة واحدة و هي الكفر،فخالفهم كلّهم و تنكّب طريقتهم،و لا يسمّى المائل حنيفا إلاّ إذا كان الميل عن الجادّة المعبّدة.و في «الأساس»:من مال عن كلّ دين أعوج.و يطلق على المستقيم،و به فسّر الكلمة بعضهم و أورد له شاهدا من اللّغة،و هو أقرب.

و من التّأويلات البعيدة:ما روي من تفسير الحنيف بالحاجّ،و وجّه القول به أنّه ممّا حفظ من دين إبراهيم.(1:480)

ابن عاشور :و الحنيف«فعيل»بمعنى«فاعل» مشتق من«الحنف»بالتّحريك،و هو الميل في الرّجل.

[ثمّ استشهد بشعر]

و المراد-الميل في المذهب-:أنّ الّذي به حنف يميل في مشيه عن الطّريق المعتاد،و إنّما كان هذا مدحا للملّة، لأنّ النّاس يوم ظهور ملّة إبراهيم كانوا في ضلالة عمياء، فجاء دين إبراهيم مائلا عنهم فلقّب بالحنيف،ثمّ صار الحنيف لقب مدح بالغلبة.

و الوجه أن يجعل(حنيفا)حالا من(إبراهيم)،و هذا من مواضع الاتّفاق على صحّة مجيء الحال من المضاف إليه،و لك أن تجعله حالا ل(ملّة)إلاّ أنّ«فعيلا»بمعنى «فاعل»يطابق موصوفه،إلاّ أن تؤوّل(ملّة)ب«دين» على حدّ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:56،أي إحسانه،أو تشبيه«فعيل»إلخ بمعنى «فاعل»ب«فعيل»بمعنى«مفعول».

و قد دلّت هذه الآية على أنّ الدّين الإسلاميّ من إسلام إبراهيم.(1:717)

المصطفويّ: [ذكر عدّة آيات ثمّ قال:]

فالحنيف،هو ذو الوقار و الطّمأنينة و السّلامة،بعيدا عن الإفراط و التّفريط،و الشّدّة و الحدّة،و التّجاوز عن الاستقامة و الملائمة،و يلازم هذا المعنى مصونيّته عن الشّرك و عن ما يقوله اليهود و النّصارى من أقوال حادّة، خارجة عن الاعتدال و الحقيقة.

ص: 119

فظهر أنّ الإسلام في قبال الحقّ،و القنوت للّه،و إقامة الوجه للدّين،و العبادة بالإخلاص له في الدّين،و التّنزّه عمّا يقوله المبطلون:كلّها من آثار الحنيفيّة (1)و من لوازمها.

و يظهر من الآية الكريمة الأخيرة:أنّ كلّ فرد من أهل الكتاب يكلّف أن يكون مستقيما في برنامج دينه، سالما محفوظا عن الحدّة و الشّدّة،و الميل يمينا و شمالا،و عن الإفراط و التّفريط،و هذا الحكم يشمل أفراد المسلمين أيضا.(2:320)

الطّالقانيّ: الحنيف:المائل،و المستقيم،و المتمسّك بالإسلام،و التّابع لدين إبراهيم.(1:315)

سمّي إبراهيم حنيفا،لأنّه أعرض عن الكفر و الشّرك،و أقبل على التّوحيد الفطريّ،و استقام على طريقه؛إذ الحنيف:هو المائل عن الطّريق المعبّد العامّ، و لزم الطّريق الحقّ المستقيم.

و قيل:الحنيف هو الحاجّ،فالبيت الحرام و مناسكه مظهر لشريعة إبراهيم عليه السّلام،و حافظ لها.أو أنّ الحاجّ:

القاصد لسبيل اللّه.

و سمّي بعض العرب قبل الإسلام«الحنفاء»و دينهم «الحنيفيّة»لزعمهم أنّهم على ملّة إبراهيم عليه السّلام.

(1:316)

مكارم الشّيرازيّ: التّديّن الخالص هو اتّباع الخطّ التّوحيديّ،غير المشوب بالشّرك.و رعاية هذا الأساس أهمّ معيار للتّمييز بين الأديان الصّحيحة و الأديان المنحرفة.(1:343)

[و نصوص باقي الآيات قريبة من ذلك فلا نعيدها]

2- ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. آل عمران:67

ابن عبّاس: حاجّا،(مسلما)مخلصا.(49)

الإمام الصّادق عليه السّلام: حَنِيفاً مُسْلِماً خالصا مخلصا ليس فيه شيء من عبادة الأوثان.

(العروسيّ 1:352)

الطّبريّ: متّبعا أمر اللّه و طاعته،مستقيما على محجّة الهدى الّتي أمر بلزومها.(3:307)

الزّجّاج: ...معنى الحنيفيّة في الاسلام:الميل إليه و الإقامة على ذلك العقد.(1:427)

نحوه النّحّاس.(1:419)

الثّعلبيّ: فالحنيف:الّذي يوحّد و يحجّ و يضحّي و يختتن،و يستقبل الكعبة.و هو أسهل الأديان و أحبّها إلى اللّه،و أهله أكرم الخلق على اللّه.(3:88)

ابن عاشور :قوله: وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً... أفاد الاستدراك بعد نفي الضّدّ،حصرا لحال إبراهيم فيما يوافق أصول الإسلام،و لذلك بيّن(حنيفا)بقوله:(مسلما) لأنّهم يعرفون معنى الحنيفيّة و لا يؤمنون بالإسلام، فأعلمهم أنّ الإسلام هو الحنيفيّة.(3:122)

عبد الكريم الخطيب :قوله تعالى: وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً تعريض بما عليه أهل الكتاب-اليهود و النّصارى-من انحراف عن الدّين القويم،الدّين الّذي جاء به أنبياء اللّه إلى عباد اللّه!

و الحنيف،هو المتعبّد للّه،الرّاكع السّاجد لعزّته و جلاله،المائل عن طرق الهوى و الضّلال.و المسلم:هو!!

ص: 120


1- في الأصل:الحنفيّة!!

من أسلم وجهه للّه،و أقامه عليه وحده،دون أن يلتفت إلى سواه.

و اليهود و النّصارى،لم يسلموا وجههم لإله واحد، قائم على هذا الوجود،متفرّد به؛إذ جعل اليهود إلههم إلها فرديّا،هو ربّهم،و قائد جنودهم،و قائم على تدبير شئونهم،هم وحدهم.أمّا النّاس جميعا غيرهم،فلهم إلههم أو آلهتهم!و لا شأن لهذا الإله أو تلك الآلهة باليهود، كما لا شأن لليهود بها.هكذا يعتقدون.

أمّا النّصارى فإلههم هو ثلاثة:أب،و ابن،و روح قدس،تجتمع و تتفرّق،فإذا اجتمعت كانت إلها واحدا، و إذا تفرّقت كان كلّ منها إلها كاملا.

و هذا و ذاك،على غير الحقّ،و على غير ما يدين به إبراهيم،الّذي ينسبون دينهم إليه،لأنّ ذلك شرك،و اللّه تعالى يقول في إبراهيم: وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فكيف ينتسب إليه المشركون؟و كيف تصحّ تلك النّسبة، أو تستقيم على وجه؟(2:488)

3- إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. الأنعام:79 أبو العالية :الحنيف:الّذي يستقبل البيت في صلاته.(الفخر الرّازيّ 12:58)

عزّة دروزة :تعليق على وصف إبراهيم عليه السّلام بالحنيف:و هذه أوّل مرّة وصف بها إبراهيم عليه السّلام في القرآن بالحنيف،ثمّ تكرّر ذلك.و قد علّقنا على هذه الكلمة في سياق تفسير سورة يونس بما فيه الكفاية.غير أنّنا بمناسبة وصف إبراهيم بها نقول:إنّ بعض المستشرقين و منهم كايتاني الطّليانيّ،قالوا:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم هو أوّل من أشار إلى ملّة إبراهيم و وصفه بالحنيف،و أنّ هذا كان مجهولا في أوساط العرب.

و هذا خطأ فيما نعتقد،فورود الكلمة مكرّرة في القرآن المكّيّ في صور وصف ملّة إبراهيم،و الرّوايات المرويّة عن وجود أشخاص كانوا على ملّة إبراهيم موحّدين غير مشركين،و كانوا يسمّونها بالحنيفيّة-على ما ذكرناه في سياق تفسير سورة يونس-دلائل قويّة على أنّ«وصف إبراهيم بالحنيف»كان مستعملا قبل نزول القرآن،و أنّ ملّة إبراهيم الحنيفيّة كان ممّا يذكر في أوساط العرب،و أنّ هذا الوصف كان يعني التّوحيد و عدم الشّرك،كما جاء في آيات عديدة،منها إحدى آيات الفصل الّذي نحن في صدده.و منها: حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ الحجّ:31.

و لا سيّما أنّ في القرآن إشارات عديدة-كما قلنا- تفيد تداول العرب صلتهم البنويّة بإبراهيم و ملّته.

و المماراة في هذا مكابرة لا شكّ فيها...(4:188)

4- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

الأنعام:161

الواحديّ: (حنيفا)منصوب على الحال من (ابراهيم)،و المعنى:عرّفني ملّة إبراهيم في حال حنيفيّته.

(2:344)

نحوه الزّمخشريّ(2:64)،و ابن عطيّة(2:369)،

ص: 121

و الفخر الرّازيّ(14:10)،و أبو السّعود(2:469).

العكبريّ: (حنيفا)حال،أو على إضمار:أعني.

(1:553)

الآلوسيّ: أي مائلا عن الأديان الباطلة،أو مخلصا للّه تعالى في العبادة،و هو حال من إبراهيم،و قد أطبقوا على جواز مجيء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف جزء منه،أو بمنزلة الجزء؛حيث يصحّ قيامه مقامه.

و العامل في هذه الحال هو العامل في المضاف.

و قيل:معنى الإضافة لما فيه من معنى الفعل المشعر به حرف الجرّ،و قد تقوّى هذا المعنى هنا بما بين المتضايفين من الجزئيّة أو شبهها.و جوّز أن يكون مفعولا لفعل مقدّر، أي أعني حنيفا.(8:70)

مكارم الشّيرازيّ: و«الحنيف»يعني الشّخص أو الشّيء الّذي يميل إلى جهة ما،و أمّا في المصطلح القرآنيّ فيطلق هذا الوصف على من يعرض عن عقيدة عصره الباطلة و يولّي وجهه نحو الدّين الحقّ،و العقيدة الحقّة.

و كأنّ هذا التّعبير جواب و ردّ على مقالة المشركين الّذين كانوا يعيبون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مخالفته للعقيدة الوثنيّة الّتي كانت دين أسلافهم من العرب،فقال النّبيّ في معرض الرّدّ على مقالتهم هذه:بأنّ نقض السّنن الجاهليّة و الإعراض عن العقائد الخرافيّة السّائدة في البيئة ليس هو من فعلي فقط،بل كان إبراهيم-الّذي نحترمه جميعا- كذلك أيضا...

إنّ تكرار جملة حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ في عدّة موارد من آيات القرآن الكريم مع قوله:

(مسلما)أو بدونها،إنّما هو للتّأكيد على هذه المسألة، و هي:أنّ إبراهيم الّذي يفتخر به العرب الجاهليّون مبرّأ و منزّه عن كلّ هذه العقائد و الأعمال الخاطئة.(4:497)

5- وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. يونس:105

عزّة دروزة :و بمناسبة ورود كلمة(حنيفا)لأوّل مرّة،نقول:إنّ هذه الكلمة قد تكرّرت كثيرا في القرآن، و بخاصّة في صدد وصف ملّة إبراهيم عليه السّلام،و وردت بدون ذكره أيضا،كما هو الأمر هنا.و قد قال المفسّرون:إنّها من «حنف»بمعنى مال،أو انحرف،و إنّها في القرآن بمعنى المنحرف عن الشّرك إلى التّوحيد،كما قالوا:إنّها من الأضداد،تجيء بمعنى استقام،كما تجيء بمعنى مال أو انحرف.و قد ورد في كتب اللّغة اشتقاق«تحنّف»مرادفا لكلمة تحنّث،أي تعبّد و تورّع كما ذكرت الكتب العربيّة كلمة«الحنيفيّة»وصفا لملّة إبراهيم عليه السّلام.

و لقد أعاد بعض المستشرقين و أبدوا في أصل الكلمة،و مدلولها و معناها.و منهم من ذهب إلى أنّها كانت تعني مذهبا دينيّا في عصر النّبيّ عليه السّلام و بيئته،و أنّه كان هناك طائفة أو فرقة تسمّى الحنفاء.

و منهم من قال:إنّ الكلمة أعجميّة دون أن يذكروا اسم اللّغة المقتبسة منها.

و منهم من قال:إنّها منحوتة من«بني حنيفة»الّتي ظهر فيها مسيلمة النّبيّ الكذّاب،و إنّها تعني الدّين الّذي دعا إليه.

بل و منهم من زعم أنّ معناها لم يكن مجلوّا تمام الجلاء في ذهن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

ص: 122

و ننبّه إلى أنّ روح و مضمون الآيات الّتي وردت فيها،و بخاصّة الّتي لم يرد ذكر إبراهيم عليه السّلام فيها،مثل الآية الّتي نحن في صددها،و مثل آية سورة الحجّ:31، هذه: حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ... يلهمان أنّ معناها الاستقامة على توحيد اللّه،و الاتّجاه إليه وحده،و عدم الشّرك به بصورة عامّة.

و القول:إنّ معناها لم يكن مجلوّا في ذهن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم وقاحة أكثر منها أيّ شيء آخر،و يظهر هذا في وضوح معنى الكلمة في آيات القرآن الّتي وردت فيها.

و القول:إنّها أعجميّة،غريب و بخاصّة إذا لاحظنا أنّ العرب كانوا يتسمّون باشتقاقها،و يعنون ما يريدون من التّسمية كالأحنف و الحنفاء.

و القول:إنّها منحوتة من«بني حنيفة»سخيف،لأنّ الكلمة استعملت في القرآن قبل ظهور مسيلمة بني حنيفة.

على أنّ استعمالها في وصف ملّة إبراهيم عليه السّلام،و في مقام التّعبير عن التّوحيد و الاستقامة عليه،أو الانحراف عن الشّرك و الدّين الباطل،و في مقام التّعبّد و التّورّع، يدلّ على أنّها كانت تستعمل قبل نزول القرآن في معنى دينيّ خاصّ،أو وصف دينيّ خاصّ.

و لا نستبعد أن تكون أطلقت أو أطلق جمعها على الّذين تخلّوا عن دين الجاهليّة و شركها و وثنيّتها، و اتّجهوا إلى اللّه و عبدوه على ملّة إبراهيم الحنيفيّة،أو ما ظنّوه كذلك موحّدين غير مشركين،على ما ذكرته الرّوايات.(4:53)

ابن عاشور:(حنيفا)حال من(الدّين)و هو دين التّوحيد،لأنّه حنف،أي مال عن الآلهة،و تمحّض للّه.(11:191)

عبد الكريم الخطيب :و الحنيف هو المائل عن طريق إلى طريق.و المستقيم على دين اللّه،قد مال باستقامته تلك عن كلّ طريق،و أخذ طريق اللّه طريقا.

و في التّعبير بلفظ«الحنيف»بمعنى المائل عن الضّلال إلى الحقّ،إشارة إلى أنّ أكثر الطّرق هي طرق الضّلال، و أكثر النّاس هم الضّالّون،القائمون على هذه الطّرق.

و خروج إنسان من النّاس عن هذه الطّرق،و ميله عن الجماعات الّتي تسلكها،هو أمر يحتاج إلى مكابدة و عناء، كما أنّه أمر ملفت للنّظر،جدير بالتّنويه،فهو أشبه بالخروج على الإجماع.(6:1094)

مكارم الشّيرازيّ: الحنيف-كما قلنا سابقا-تعني:

الشّخص الّذي يميل و يتحوّل عن طريق الانحراف إلى جادّة الصّواب و الاستقامة،و بتعبير آخر فإنّه يغضّ الطّرف عن المذاهب و الأفكار المنحرفة،يتوجّه إلى دين اللّه المستقيم،ذلك الدّين الموافق للفطرة موافقة صافية مستقيمة.

و بناء على هذا فإنّ نوعا من الإشارة إلى كون التّوحيد فطريّا في الأعماق قد أخفي في هذا التّعبير،لأنّ الانحراف شيء خلاف الفطرة.دقّقوا ذلك.(6:414)

6- ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. النّحل:123

ابن عطيّة: (حنيفا)حال،و العامل فيه الفعليّة الّتي

ص: 123

في قوله: مِلَّةَ إِبْراهِيمَ، و يجوز أن تكون حالا من الضّمير المرفوع في(اتّبع).

قال مكّيّ: و لا يكون حالا من(إبراهيم)،لأنّه مضاف إليه.

و ليس كما قال،لأنّ الحال قد تعمل فيه حروف الخفض،إذا عملت في ذي الحال،كقولك:مررت بزيد قائما.(3:431)

أبو البركات: (حنيفا)منصوب على الحال من الضّمير المرفوع في(اتّبع)،و لا يحسن أن يكون حالا من (إبراهيم)لأنّه مضاف إليه.(2:84)

ابن عربيّ: مائلا عن كلّ باطل،حتّى عن وجوده و وجود كلّ ما سواه تعالى،معرضا عن إثباته. وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بنسبة الوجود و التّأثير إلى الغير.

(1:697)

أبو حيّان :[ذكر قول ابن عطيّة و قال:]

أمّا ما حكى عن مكّيّ و تعليله امتناع ذلك،بكونه مضافا إليه،فليس على إطلاق هذا التّعليل،لأنّه إذا كان المضاف إليه في محلّ رفع أو نصب،جازت الحال منه،نحو:

يعجبني قيام زيد مسرعا،و شرب السّويق ملتوتا.

و قال بعض النّحاة:و يجوز أيضا ذلك،إذا كان المضاف جزء من المضاف إليه،كقوله: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً الحجر:47،أو كالجزء منه، كقوله: مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً.

و أمّا قول ابن عطيّة في ردّه على مكّيّ،بقوله:

«و ليس كما قال،لأنّ الحال...»إلى آخره.فقول بعيد عن قول أهل الصّنعة،لأنّ الباء في«بزيد»ليست هي العاملة في«قائما»،و إنّما العامل في الحال«مررت»،و الباء و إن عملت الجرّ في«زيد»فإنّ زيدا في موضع نصب ب«مررت»و كذلك إذا حذف حرف الجرّ-حيث يجوز حذفه-نصب الفعل ذلك الاسم الّذي كان مجرورا بالحرف.(5:548)

نحوه السّمين.(4:366)

الشّربينيّ: حال من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و يصحّ أن يكون حالا من(إبراهيم)عليه السّلام.(2:269)

أبو السّعود :حال من المضاف إليه،لما أنّ المضاف لشدّة اتّصاله به عليه السّلام جرى منه مجرى البعض فقيّد بذلك، من قبيل:رأيت وجه هند قائمة.(4:103)

مثله البروسويّ.(5:94)

الآلوسيّ: [نقل كلام أبي حيّان و قال:]

و منع أبو حيّان مجيء الحال من المضاف إليه في مثل هذه الصّورة أيضا،و زعم أنّ الجواز فيها ممّا تفرّد به ابن مالك،و التزم كون(حنيفا)حالا من(ملّة)لأنّها و الدّين بمعنى،أو من الضّمير في(اتّبع).و ليس بشيء،و لم يتفرّد بذلك ابن مالك بل سبقه إليه الأخفش و تبعه جماعة.(14:252)

7- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها... الرّوم:30

راجع:ف ط ر:«فطرت اللّه».

حنفاء

1- حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ... الحجّ:31

ص: 124

الإمام الباقر عليه السّلام:هي[الحنيفيّة]الفطرة الّتي فطر اللّه النّاس عليها،لا تبديل لخلق اللّه...فطرهم على المعرفة.(العروسيّ 3:496)

الفخر الرّازيّ: إنّه الاستقامة على قول بعضهم، و الميل إلى الحقّ على قول البعض،و المراد في هذا الموضع -ما قيل-من أنّه الإخلاص.فكأنّه قال:تمسّكوا بهذه الأمور الّتي أمرت و نهيت على وجه العبادة للّه وحده، لا على وجه إشراك غير اللّه به؛و لذلك قال: غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ. و هذا يدلّ على أنّ الواجب على المكلّف أن ينوي بما يأتيه من العبادة:الإخلاص...(23:32)

النّيسابوريّ: قوله: حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ حالان مؤكّدان،و المراد:الإخلاص في التّوحيد،كقوله:

حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ النّحل:120.

و فائدة الحالين هي فائدة التّولّي و التّبرّي،و إنّما أخّر نفي الإشراك-و إن كان مقدّما في الرّتبة؛إذ التّخلية و التّبرئة مقدّمة على التّحلية و التّولية-ليرتّب عليه قوله: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ. (17:96)

عزّة دروزة :ورود تعبير حُنَفاءَ لِلّهِ في هذه المناسبة قرينة قد تكون حاسمة،على أنّ تعبيري(حنيف) و(حنفاء)ليسا كما وهم المستشرقون بمعنى نحلة معيّنة خاصّة قبل البعثة،على ما ذكرناه في سياق تفسير سورة يونس،و إنّما هما تعبيران لغويّان بمعنى الميل عن الشّرك و الوثنيّة إلى اللّه،لأنّ(حنفاء)هنا أطلقت على المسلمين، أو حثّهم على التّمسّك بكلّ مظاهر التّوحيد،و عدم الانحراف عنها إلى أيّ مظهر من مظاهر الشّرك.

(7:97)

ابن عاشور: حُنَفاءَ لِلّهِ حال من ضمير (اجتنبوا)،أي تكونوا إن اجتنبتم ذلك حنفاء للّه،جمع:

حنيف،و هو المخلص للّه في العبادة،أي تكونوا على ملّة إبراهيم حقّا،و لذلك زاد معنى(حنفاء)بيانا بقوله: غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ، و هذا كقوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ النّحل:120.

(17:184)

الطّباطبائيّ: الحنفاء:جمع حنيف،و هو المائل من الأطراف إلى حاقّ الوسط.و كونهم حنفاء للّه:ميلهم عن الأغيار-و هي الآلهة من دون اللّه-إليه،فيتّحد مع قوله:

غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ معنى.و هما:أعني قوله: حُنَفاءَ لِلّهِ، و قوله: غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ حالان عن فاعل (فاجتنبوا)،أي اجتنبوا التّقرّب من الأوثان و الإهلال لها،حال كونكم مائلين إليه ممّن سواه،غير مشركين به في حجّكم؛فقد كان المشركون يلبّون في الحجّ بقولهم:

«لبّيك لا شريك لك إلاّ شريكا هو لك تملكه و ما ملك».

(14:373)

مكارم الشّيرازيّ: عقّبت الآية هنا المسألة الّتي أكّدها آخر الآيات السّابقة،و هي مسألة التّوحيد، و اجتناب أيّ صنم و عبادة الأوثان؛حيث تقول:

حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ، أي أقيموا مراسم الحجّ و التّلبية في حالة تخلصون فيها النّيّة للّه وحده،لا يخالطها أيّ شرك أبدا.

(حنفاء):جمع حنيف،أي الّذي استقام و ابتعد عن الضّلال و الانحراف،أو بتعبير آخر:هو الّذي سار على الصّراط المستقيم،لأنّ«حنف»على وزن«صدف»تعني

ص: 125

الرّغبة.و من رغب عن كلّ انحراف فقد سار على الصّراط المستقيم.

و على هذا فإنّ الآية السّابقة اعتبرت الإخلاص و قصد القربة إلى اللّه محرّكا أساسيّا في الحجّ و العبادات الأخرى،حيث ذكرت ذلك بشكل عامّ،فالإخلاص أصل العبادة.و المراد:الإخلاص الّذي لا يخالطه أيّ نوع من الشّرك و عبادة غير اللّه.[ثمّ ذكر حديث الإمام الباقر عليه السّلام و قال:]

إنّ التّفسير الّذي تضمّنه هذا الحديث،هو في الواقع إشارة إلى أساس الإخلاص،أي الفطرة التّوحيديّة الّتي تكون مصدرا لقصد القربة إلى اللّه،و تحريكا ذاتيّا من اللّه.

(10:305)

فضل اللّه :مستقيمين في الحقّ و مائلين عن الباطل، و ذلك بالالتزام بالتّوحيد الخالص الّذي يرفض الشّرك من موقع صفاء التّصوّر و الفكر و الشّعور،و حركة الحقّ في داخل الذّات...(16:63)

2- وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ... البيّنة:5

عبد الجبّار:و ربّما قيل:ما الفائدة في قوله تعالى:

(حنفاء)،و إذا عبدوا اللّه و أخلصوا كفى ذلك؟

و جوابنا:أنّ المراد مستقيمي الطّريقة،لأنّهم أمروا بأن يعبدوا اللّه مخلصين له الدّين،على هذا الوجه.و قد قيل في الإخلاص:إنّ المراد به تخليص الطّاعات من الكبائر،فيشهد لما ذكرناه.

و يجوز أن يراد به:و ما أمروا إلاّ بذلك على هذا الوجه السّهل،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«بعثت بالحنيفيّة السّمحاء».

و هذه الآية دالّة على أنّ كلّ عبادة من الدّين،و على أنّ ما يعبد اللّه به يجب أن يفعل على هذا الوجه،و فعله على هذا الوجه دون غيره لا يتمّ إلاّ و العبد متمكّن من فعله على غير هذا الوجه.و قوله تعالى: وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ الآية،يدلّ أيضا على ما ذكرنا.(472)

الفخر الرّازيّ: فيه أقوال:

[القول]الأوّل:قال مجاهد:متّبعين دين إبراهيم عليه السّلام،و لذلك قال: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ النّحل:123، و هذا التّفسير فيه لطيفة،كأنّه سبحانه لمّا علم أنّ التّقليد مستول على الطّباع لم يستجز منعه عن التّقليد بالكلّيّة، و لم يستجز التّعويل على التّقليد أيضا بالكلّيّة،فلا جرم ذكر قوما أجمع الخلق بالكلّيّة على تزكيتهم،و هو إبراهيم و من معه،فقال: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ الممتحنة:4،فكأنّه تعالى قال:إن كنت تقلّد أحدا في دينك،فكن مقلّدا إبراهيم؛حيث تبرّأ من الأصنام.

و هذا غير عجيب،فإنّه قد تبرّأ من نفسه حين سلّمها إلى النّيران،و من ماله حين بذله للضّيفان،و من ولده حين بذله للقربان.بل روي أنّه سمع:سبّوح قدّوس فاستطابه،و لم ير شخصا فاستعاده،فقال:أمّا بغير أجر فلا.فبذل كلّ ما ملكه فظهر له جبريل عليه السّلام،و قال:حقّ لك حيث سمّاك خليلا فخذ مالك،فإنّ القائل:كنت أنا، بل انقطع إلى اللّه حتّى عن جبريل حين قال له:أمّا إليك

ص: 126

فلا.

فالحقّ سبحانه كأنّه يقول:إن كنت عابدا فاعبد كعبادته،فإذا لم تترك الحلال و أبواب السّلاطين،أ ما تترك الحرام و موافقة الشّياطين؟فإن لم تقدر على متابعة إبراهيم،فاجتهد في متابعة ولده الصّبيّ،كيف انقاد لحكم ربّه مع صغره،فمدّ عنقه لحكم الرّؤيا.

و إن كنت دون الرّجل فاتّبع الموسوم بنقصان العقل، و هو أمّ الذّبيح،كيف تجرّعت تلك الغصّة.

ثمّ إنّ المرأة الحرّة نصف الرّجل،فإنّ الاثنتين يقومان مقام الرّجل الواحد في الشّهادة و الإرث،و الرّقيقة نصف الحرّة بدليل أنّ للحرّة ليلتين من القسم،فهاجر كانت ربع الرّجل،ثمّ انظر أنّها كيف أطاعت ربّها فتحمّلت المحنة في ولدها،ثمّ صبرت حين تركها الخليل وحيدة فريدة في جبال مكّة بلا ماء و لا زاد،و انصرف لا يكلّمها و لا يعطف عليها،قالت:آللّه أمرك بهذا؟فأومأ برأسه نعم،فرضيت بذلك و صبرت على تلك المشاقّ.

و القول الثّاني:المراد من قوله:(حنفاء)أي مستقيمين،و الحنف هو الاستقامة،و إنّما سمّي مائل القدم أحنف على سبيل التّفاؤل،كقولنا للأعمى:بصير، و للمهلكة مفازة.و نظيره قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فصّلت:30، اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فاتحة الكتاب:5.

القول الثّالث:قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:

حجّاجا؛و ذلك لأنّه ذكر العباد أوّلا ثمّ قال:(حنفاء)، و إنّما قدّم الحجّ على الصّلاة،لأنّ في الحجّ صلاة و إنفاق مال.

الرّابع:قال أبو قلابة:الحنيف:الّذي آمن بجميع الرّسل،و لم يستثن أحدا منهم،فمن لم يؤمن بأفضل الأنبياء كيف يكون حنيفا؟

الخامس:(حنفاء)أي جامعين لكلّ الدّين؛إذ الحنيفيّة كلّ الدّين.قال عليه السّلام:«بعثت بالحنيفيّة السّهلة السّمحة».

السّادس:قال قتادة:هي الختان،و تحريم نكاح المحارم،أي مختونين محرمين لنكاح الأمّ و المحارم.فقوله:

(حنفاء)إشارة إلى النّفي،ثمّ أردفه بالإثبات،و هو قوله:

(وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ).

السّابع:قال أبو مسلم:أصله من الحنف في الرّجل، و هو إدبار إبهامها عن أخواتها حتّى يقبل على إبهام الأخرى،فيكون الحنيف هو الّذي يعدل عن الأديان كلّها إلى الإسلام.

الثّامن:قال الرّبيع بن أنيس:الحنيف:الّذي يستقبل القبلة بصلاته،و إنّما قال ذلك لأنّه عند التّكبير يقول:

وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات و الأرض حنيفا.(32:46)

الخازن :[نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]

و قيل:الحنيف:الّذي آمن بجميع الأنبياء و الرّسل، و لا يفرّق بين أحد منهم،فمن لم يؤمن بأشرف الأنبياء و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فليس بحنيف.(7:232)

الشّربينيّ: أي مائلين عن الأديان كلّها إلى دين الإسلام.و أصل الحنف في اللّغة:الميل،و خصّه العرف بالميل إلى الخير،و سمّوا الميل إلى الشّرّ:إلحادا.

و الحنيف:المطلق الّذي يكون متبرّئا عن أصول

ص: 127

الملل الخمسة:اليهود،و النّصارى،و الصّابئين،و المجوس، و المشركين،و عن فروعها من جميع النّحل إلى الاعتقادات،و عن توابعها من الخطأ و النّسيان إلى العمل الصّالح،و هو مقام التّقى،و عن المكروهات إلى المستحبّات،و هو المقام الأوّل من الورع،و عن الفضول شفقة على خلق اللّه،و هو ما لا يعني إلى ما يعني،و هو المقام الثّاني من الورع،و عمّا يجرّ إلى الفضول،و هو مقام الزّهد.

فالآية جامعة لمقامي الإخلاص النّاظر:أحدهما إلى الحقّ،و الثّاني إلى الخلق.(4:571)

الآلوسيّ: أي مائلين عن جميع العقائد الزّائفة إلى الإسلام.و فيه من تأكيد الإخلاص ما فيه،فالحنف:

الميل إلى الاستقامة.

و سمّي مائل الرّجل إلى الاعوجاج:أحنف،للتّفاؤل أو مجاز مرسل بمرتبتين...[ثمّ ذكر بعض الأقوال المتقدّمة عن الفخر الرّازيّ و قال:]

و حال الأقوال لا يخفى.(30:204)

ابن عاشور :(حنفاء):جمع حنيف،و هو لقب للّذي يؤمن باللّه وحده دون شريك،قال تعالى: قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً... الأنعام:161.

و هذا الوصف تأكيد لمعنى مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ مع التّذكير بأنّ ذلك هو دين إبراهيم عليه السّلام الّذي ملئت التّوراة بتمجيده و اتّباع هديه.(30:424)

الطّباطبائيّ: حال من ضمير الجمع،و هو جمع:

حنيف من الحنف،و هو الميل عن جانبي الإفراط و التّفريط إلى حاقّ وسط الاعتدال.و قد سمّى اللّه تعالى الإسلام دينا حنيفا،لأنّه يأمر في جميع الأمور بلزوم الاعتدال و التّحرّز عن الإفراط و التّفريط.(20:339)

مكارم الشّيرازيّ: (حنفاء):جمع حنيف،من الفعل الثّلاثيّ«حنف»،أي عدل عن الضّلال إلى الطّريق المستقيم.كما يقول الرّاغب في«المفردات»:و العرب تسمّي كلّ من حجّ أو ختن حنيفا،إشارة إلى أنّه على دين إبراهيم.

و الأحنف:من كانت رجله عوجاء.و يبدو أنّ الكلمة كانت في الأصل تستعمل للانحراف و الاعوجاج، و النّصوص الإسلاميّة استعملتها بمعنى الانحراف عن الشّرك إلى التّوحيد و الهداية.

و من الممكن أن تكون المجتمعات الوثنيّة قد أطلقت على من يترك الأوثان،و يتّجه إلى التّوحيد اسم حنيف، أي منحرف.ثمّ أصبحت الكلمة بالتّدريج اسما لسالكي طريق التّوحيد.

و من مستلزمات الكلمة:الإخلاص في التّوحيد و الاعتدال التّامّ،و اجتناب أيّ إفراط أو تفريط،غير أنّ هذه معان ثانويّة للكلمة.(20:331)

لاحظ:د ي ن:«دين».

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الحنيف على ثلاثة أوجه:

أحدها:مخلصا،كقوله: حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ الحجّ:31.

و الثّاني:مستويا عن الاعوجاج،كقوله: وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ

ص: 128

إِبْراهِيمَ حَنِيفاً النّساء:125.

و الثّالث:مسلما،كقوله: بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً البقرة:135،نظيرها في آل عمران:95،و الأنعام:161، و يونس:105،و النّحل:123.

و يقال:المائل عن الأديان،المتّكل على الإسلام، و يقال:الحنيف:المستقيم،و يقال:المحسن،و يقال:

الحاجّ.(202)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحنف،أي إقبال كلّ قدم على الأخرى بإبهامها،و كذلك هو في الحافر،أو انقلابها بطنا لظهر؛يقال:ضربت فلانا على رجله فحنّفتها،فهي حنفاء،و رجل أحنف،و امرأة حنفاء.

و يقال مجازا:تحنّف فلان إلى الشّيء تحنّفا،أي مال إليه،و حنف عن الشّيء:مال عنه،فهو حنيف.

و الحنيف:المائل من خير إلى شرّ،أو من شرّ إلى خير،و من كان قبل الإسلام على دين إبراهيم عليه السّلام، و يحجّ البيت و يختتن و يغتسل من الجنابة.

و الدّين الحنيف:الإسلام،و قيل للمسلم:حنيف، لعدوله عن الشّرك؛و الجمع:حنفاء.

و الحنيفيّة:الميل إلى الشّيء،و الحنيفيّة في الإسلام:

الميل إليه و الإقامة على عقده.يقال:تحنّف الرّجل،أي عمل عمل الحنيفيّة.

و الحنيفيّة:ضرب من السّيوف،تنسب إلى الأحنف ابن قيس؛لأنّه أوّل من عملها،أو أمر باتّخاذها.

و الحنفاء:القوس،و الموسى،و السّلحفاة،و الحرباء، و الأمة المتلوّنة؛تكسل مرّة و تنشط أخرى،و ذلك لميل فيها عن الاستقامة.

2-و زعم المسعوديّ أنّ كلمة«حنيف»معرّبة من السّريانيّة،و قال:إنّما هي«حنيفو»،قيل:جيء بحرف بين«الباء»و«الفاء»،و أنّه ليس للسّريانيّين فاء (1).

و لكنّ علماء اللّغات السّاميّة يعدّونها عربيّة؛إذ قال «نولد كه»:«إنّها من أصل عربيّ هو«تحنّف»،على وزن «تبرّر» (2)».

و ورد الحنيف في السّريانيّة بلفظ«حنپا (3)»بدون «ياء»،فالسّريان ينطقون الحرف الثّالث بباء مفخّمة، كحرف«پ»الفارسيّ،أي هو-كما قال المسعوديّ-بين «الباء»و«الفاء».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حنيف»10 مرّات،و«حنفاء»مرّتين،في 12 آية:

1-ملّة إبراهيم حنيفا

1- قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً... البقرة:135

2- قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً... آل عمران:95

3- وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً... النّساء:125

4- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً

ص: 129


1- التّنبيه و الإشراف(79).
2- العرب قبل الإسلام(6:453)لجواد عليّ.
3- قاموس سريانيّ عربيّ-لويس كوستانز.

قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً... الأنعام:161

5- ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً...

النّحل:123

2-كان إبراهيم حنيفا

6- ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً... آل عمران:67

7- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ النّحل:120

3-إقامة الوجه حنيفا

8- إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ الأنعام:79

9- وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يونس:105

10- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها... الرّوم:30

4-حنفاء

11- حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ... الحجّ:31

12- وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ... البيّنة:5

يلاحظ أوّلا:أنّ الحنيف وصف به إبراهيم و ملّته و توجيه وجهه للّه في(1-8)،و إقامة وجه نبيّنا للدّين في (9 و 10)،و فيها بحوث:

1-جاءت الآيات(1-10)بمعان مختلفة،منها:

المسلم،و هو من أسلم للّه و لم ينحرف عنه و استقام عليه، و الحاجّ،و المخلص،و الطّهارة،و اتّباع إبراهيم.

و يستشفّ من هذه الأقوال أنّ بعضها يشمل عصر ما قبل الإسلام،اعتبارا من نبوّة إبراهيم الخليل عليه السّلام إلى ظهور الإسلام،و بعضها يشمل عصر ظهور الإسلام، اعتبارا من نبوّة النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله إلى يوم القيامة.

فمن قال:الحنيف:الّذي اتّبع إبراهيم أو اتّبع الحقّ، و من تطهّر بالماء من الجنابة و اختتن و قلّم أظفاره و أخذ شاربه و أعفى لحيته و طمّ شعره و استاك و تخلّل،و من حرّم وطء الأمّ و البنت و الأخت و العمّة و الخالة،و من حجّ البيت و أقام المناسك،فهو يريد عهد إبراهيم عليه السّلام، لأنّ الإسلام أقرّ هذه الأمور و استنّها.

و من قال:الحنيف:المائل عن الأديان كلّها إلى دين الإسلام،و الّذي يستقبل البيت في صلاته،فهو يريد عهد الإسلام،لأنّ فيه أحكاما و سننا جديدة،إضافة إلى ما أتى به إبراهيم عليه السّلام و بعض سنن سائر الأنبياء.

و اتّضح ممّا سبق أنّ الحنيف هو من اتّبع سنن إبراهيم عليه السّلام و سنن الإسلام معا،دون ترك شيء منها،أو العمل بسنّة منسوخة تخالف سنّة الإسلام.قال الطّبريّ:

«إنّ الحنيفيّة لو كانت حجّ البيت،لوجب أن يكون الّذين كانوا يحجّونه في الجاهليّة من أهل الشّرك كانوا حنفاء، و قد نفي اللّه أن يكون ذلك تحنّفا بقوله: وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

فكذلك القول في الختان،لأنّ الحنيفيّة لو كانت هي الختان،لوجب أن يكون اليهود حنفاء،و قد أخرجهم اللّه من ذلك بقوله: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً.

2-لم أسندت الحنيفيّة إلى النّبيّ إبراهيم و النّبيّ محمّد عليهما السّلام دون سائر الأنبياء؟لأمرين:

ص: 130

الأوّل:أنّ شريعتهما سهلة سمحة،ففي الحديث:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لم يرسلني اللّه بالرّهبانيّة،و لكن بعثني بالحنيفيّة السّهلة السّمحة (1)».و عن ابن عبّاس قال:

قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:أيّ الأديان أحبّ إلى اللّه؟قال:

«الحنيفيّة السّمحة (2)».

و الثّاني:أنّ النّبيّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أبناء إبراهيم عليه السّلام،لأنّ ابنه إسماعيل عليه السّلام من زوجه هاجر تزوّج امرأة من جرهم،القبيلة العربيّة المنقرضة، فأنجب أولادا هم آباء العرب المستعربة،و كان نبيّنا من نسله،فهو ابن إبراهيم و وارث علمه و شريعته.

و ذكر الفخر الرّازيّ وجها آخر فقال:«لمّا ثبت أنّ إبراهيم كان قائلا بالتّوحيد،و ثبت أنّ النّصارى يقولون بالتّثليث،و اليهود يقولون بالتّشبيه،فثبت أنّهم ليسوا على دين إبراهيم عليه السّلام،و أنّ محمّدا عليه السّلام لمّا دعا إلى التّوحيد،كان هو على دين إبراهيم».و يؤيّده(8) ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً.

3-أمر اللّه تعالى النّبيّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في(9)و(10)بإقامة وجهه للدّين حنيفا،دون ما ذكر في حال النّبيّ إبراهيم عليه السّلام.و هذا يدلّ على مرحليّة شريعة إبراهيم و خلود شريعة الإسلام،لأنّ لفظ الإقامة يفيد الاستمرار على الشّيء و الثّبات عليه.

ثانيا:جاء«حنفاء»في(11 و 12)جمعا لحنيف، و فيه بحوث:

1-أمر في(11)باجتناب الرّجس من الأوثان، و اجتناب قول الزّور،في حال كونهم حنفاء للّه،غير مشركين به.و فسّر الفخر الرّازيّ الحنفاء هنا بالمخلصين.أي ائتمروا و انتهوا بما ذكر على وجه العبادة للّه وحده،لا على وجه إشراك غير اللّه به.ثمّ خلص إلى القول:«و هذا يدلّ على أنّ الواجب على المكلّف أن ينوي بما يأتيه من العبادة:الإخلاص».

و عدّ النّيسابوريّ معنى الحالين حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ التّولّي و التّبرّي،و قال:«و إنّما أخّر نفي الإشراك-و إن كان مقدّما في الرّتبة؛إذ التّخلية و التّبرئة مقدّمة على التّحلية و التّولية-ليرتّب عليه قوله: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ.

و نرى أنّ الكلام على أصله،و ليس ثمّة تأخير و لا تقديم خلافا للنّيسابوريّ،و أنّ معنى(حنفاء)مائلين إلى اللّه،أي إلى عبادته،و ليس كما ذهب إليه الفخر الرّازيّ من أنّ(حنفاء):مخلصين لأنّ(مخلصين)مذكور في(13) قبل حنفاء: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ فهما متغايران.

و معنى اللاّم الدّاخلة على لفظ الجلالة على هذا القول هو«إلى»،و نظيره قوله تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزلة:5،أي أوحى إليها.

2-ما أمر اللّه أهل الكتاب في(12)بأن يعبدوه و يخلصوا له الدّين فحسب،بل أمرهم أيضا أن يعبدوه حنفاء،فما فائدة ذلك؟قال القاضي عبد الجبّار:«المراد مستقيمي الطّريقة،لأنّهم أمروا بأن يعبدوا اللّه مخلصين).

ص: 131


1- الكافيّ(2:56).
2- صحيح البخاريّ-كتاب الإيمان(29)و مسند أحمد(1: 236).

له الدّين على هذا الوجه.و قد قيل في الإخلاص:إنّ المراد به تخليص الطّاعات من الكبائر،فيشهد لما ذكرنا.

و يجوز أن يراد به:و ما أمروا إلاّ بذلك على هذا الوجه السّهل،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«بعثت بالحنيفيّة السّمحاء».

و هذه الآية دالّة على أنّ كلّ عبادة من الدّين،و على أنّ ما يعبد اللّه به يجب أن يفعل على هذا الوجه،و فعله على هذا الوجه دون غيره لا يتمّ إلاّ و العبد متمكّن من فعله على غير هذا الوجه.و قوله تعالى بعدها: وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ يدلّ أيضا على ما ذكرنا».

3-قال الفخر الرّازيّ معقّبا على قول ابن عبّاس:

حجّاجا،تفسيرا للفظ(حنفاء):«و ذلك لأنّه ذكر العبادة أوّلا،ثمّ قال:(حنفاء).و إنّما قدّم الحجّ على الصّلاة،لأنّ في الحجّ صلاة و إنفاق مال».

و لكن قول ابن عبّاس موضع نظر،فلا دليل على أنّ المراد ب«الحنفاء»الحجّاج،فهي كالّتي قبلها حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ أريد بها غير مشركين باللّه تعالى،أو مطيعين له.فكأنّ ما بعدها وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ تفسير لها.

ص: 132

ح ن ك

اشارة

لاحتنكنّ

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :رجل محنّك:لا يستقلّ منه شيء ممّا عضّه الدّهر و المحتنك:الّذي تمّ عقله و سنّه.يقال:حنكته السّنّ حنكا و حنكا و حنّكته تحنيكا:إذا نبتت أسنانه الّتي تسمّى أسنان العقل.

و يقال:هم أهل الحنك،و منهم من يكسر الحاء، و منهم من يثقّل فيقول:أهل الحنك و الحنكة يعني أهل الشّرف و التّجارب.

و التّحنيك:أن تغرز عودا في الحنك الأعلى من الدّابّة أو في طرف قرن حتّى يدميه لحدث يحدث فيه.

و استحنك الرّجل:اشتدّ أكله بعد قلّة.و حنّكت الصّبيّ بالتّمر:دلّكته في حنكه.و الحنكان:الأعلى و الأسفل،فإذا فصلوهما لم يكادوا يقولون للأعلى:حنك.

و في الحديث:«إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يحنّك أولاد الأنصار».و احتنكت الرّجل:أخذت ماله،و منه قوله تعالى: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً الإسراء:62.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:64)

اليزيديّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«أنّه كان يحنّك أولاد الأنصار».

التّحنيك:أن يمضغ التّمر،ثمّ يدلكه بحنك الصّبيّ داخل فمه،يقال منه:حنكته و حنّكته بتخفيف و تشديد فهو محنوك و محنّك.(أبو عبيد 1:106)

نحوه شمر.(الأزهريّ 4:106)

ابن شميّل: الحنكة:تلّ غليظ،و طوله في السّماء على وجه الأرض مثل طول الرّزن و هما شيء واحد.(الأزهريّ 4:106)

أبو عمرو الشّيبانيّ: إنّ فلانا لحنيك،للبخيل.

حنك عليه يحنك،إذا منعه من أن يفسده.(1:150)

و الحنكة:حنكة السّنّ،تقول:قد أحنكته السّنّ.[ثمّ استشهد بشعر](1:195)

ص: 133

الفرّاء:رجل حنك و امرأة حنكة،إذا كانا لبيبين عاقلين.رجل محنّك و هو الّذي لا يستقلّ منه شيء ممّا قد عضّته الأمور.و المحتنك:الرّجل المتناهي عقله و سنّه.(الأزهريّ 4:105)

الأصمعيّ: يقال للقدّة الّتي تضمّ العراصيف:حنكة و حناك.(الأزهريّ 4:105)

ابن الأعرابيّ: الحنك:الأسفل،و الفقم:الأعلى من الفم.يقال:أخذ بفقمه.

الحنك:العقلاء.و الحنك:الأكلة من النّاس.

و الحنك:خشب الرّحل.

جرّذه الدّهر و دلكه و وعسه و حنّكه و عركه و نجّذه بمعنى واحد.(الأزهريّ 4:105)

ابن السّكّيت: و أسود حالك و حانك،و مثل حلك الغراب و حنكه،فحلكه:سواده،و حنكه:منقاره.

(234)

و الحنك:مصدر حنك الدّابّة يحنكها حنكا،إذا شدّ في حنكها الأسفل حبلا يقودها به،و قد احتنك دابّته مثل حنكها.و يقال:قد احتنك الجراد الأرض،إذا أتى على نبتها.و قول اللّه جلّ ذكره: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً الإسراء:62 مأخوذ من أحد هذين.و الحنك:حنك الإنسان و غيره،و يقال:أسود مثل حنك الغراب،يعني منقاره.(إصلاح المنطق:71)

أبو سعيد البغداديّ: يقال:أحنكهم عن هذا الأمر إحناكا،و أحكمهم،أي ردّهم.و الحنكة:الرّابية المشرفة من القفّ،يقال:أشرف على هاتيك الحنكة،و هي نحو الفلكة في الغلظ.(الأزهريّ 4:104)

ابن دريد:الحنك حنك الدّابّة و الإنسان،و هو أعلى باطن الفم حيث يحنّك البيطار الدّابّة،و الحناك:

حناك البيطار،و كذلك المحنك،و هو الخيط الّذي يحنّك به الدّابّة.

و حنّكت فلانا الأمور،إذا جرّبها و راوزها.و شيخ محنّك و ذو حنكة،إذا كان مجرّبا.و حنّكت المولود،إذا أدخلت إصبعك في أعلى فيه.و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يحنّك أولاد الأنصار بالتّمر.(2:186)

الأزهريّ: يقال:أسود حانك و حالك،أي شديد السّواد.و حنك الغراب:منقاره.

و الحنك:الجماعة من النّاس ينتجعون بلدا يرعونه.

يقال:ما ترك الأحناك في أرضنا شيئا،يعنون الجماعات المارّة.[و حكى كلام ابن الأعرابيّ ثمّ قال:]

الحنك:العقلاء،جمع:حنيك.يقال:رجل محنوك و حنيك و محتنك.و محتنك،إذا كان عاقلا.و قوله:الحنك:

الأكلة من النّاس جمع حانك،و هو الآكل بحنكة.و أمّا الحنك:خشب الرّحل،فجمع:حناك.

و الحناك:وثاق يربط به الأسير،و هو غلّ كلّما جذب أصاب حنكه.

و قال أبو خيرة:الحنك:آكام صغار مرتفعة كرفعة الدّار المرتفعة و في حجارتها رخاوة و بياض كالكذّان.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:104)

الصّاحب:الحنكان:الأعلى و الأسفل،فإذا أفرد فهو الحنك و الحناك.

و حنّكت الصّبيّ بالتّمر في حنكه.

و حنك الدّابّة يحنكها و يحنكها:جعل الرّسن في فيها.

ص: 134

و التّحنيك في الدّابّة:أن تغرز عودا في حنكها الأعلى حتّى تدميه لحدث فيه.

و الحناكة:خشبة تجعل تحت لحيي النّاقة تربط بخيط ثمّ يربط الخيط إلى عنق الفصيل فترامه،و يقال:حناك أيضا،و تجمع:حنائك.

و استحنك الرّجل:اشتدّ أكله بعد قلّة.

و احتنكت الرّجل:أخذت ماله و شيئه.

و المحتنك و المحنّك:الرّجل التّامّ العقل.حنّكته التّجارب و السّنّ،و أحنكته-بالألف-و هو من أهل الحنك و الحنكة،أي من أهل السّنّ،و الحنيك مثله.

و رجل حنك:مجرّبه،و حنكة مثله.

و الحنكة:القدّة الّتي تضمّ عراصيف الرّحل، و جمعها:حنك و حناك و حنك.

و الحنك:حجارة مثل الحكك في ضفّة نهر أو مسيل ماء.و هي أيضا:إكام صغار بيض،و هي الحناك.

و النّاقة الحنيكة:هي الجيّدة الأكل.و هذه أحنك من هذه،أي أشدّ أكلا.

و يقولون:هو مثل حنك الغراب و حلكه،أي لونه.

و أسود حالك و حانك.(2:383)

الجوهريّ: حنكت الفرس أحنكه و أحنكه حنكا، إذا جعلت فيه الرّسن.و كذلك احتنكته.

و احتنك الجراد الأرض،أي أكل ما عليها و أتى على نبتها...

و حنكت الشّيء:فهمته و أحكمته.

و احتنك الرّجل،أي استحكم و الاسم:الحنكة.

و الحنكة أيضا:القدّة الّتي تضمّ الغراضيف؛و الجمع:

حناك،مثل برمة و برام،حكاه أبو عبيد.

و الحنك:المنقار.يقال:أسود مثل حنك الغراب.

و أسود حانك،مثل حالك.

و الحنك:ما تحت الذّقن من الإنسان و غيره.

و حنكت الصّبيّ و حنّكته،إذا مضغت تمرا أو غيره ثمّ دلكته بحنكه.و الصّبيّ محنوك و محنّك.

و التّحنّك:التّلحّي،و هو أن تدير العمامة من تحت الحنك.

و يقال:حنّكته السّنّ و أحنكته،إذا أحكمته التّجارب و الأمور،فهو محنّك و محنك.

و قولهم:هذا البعير أحنك الإبل،مشتقّ من الحنك، يريدون أشدّها أكلا،و هو شاذّ لأنّ الخلقة لا يقال فيها ما أفعله.(4:1581)

ابن فارس: الحاء و النّون و الكاف أصل واحد، و هو عضو من الأعضاء ثمّ يحمل عليه ما يقاربه من طريقة الاشتقاق.فأصل الحنك حنك الإنسان:أقصى فمه.يقال حنّكت الصّبيّ،إذا مضغت التّمر ثمّ دلكته بحنكه،فهو محنّك؛و حنكته فهو محنوك.

و يقال:«هو أشدّ سوادا من حنك الغراب»و هو منقاره،و أمّا حلكه فهو سواده.

و يقال:احتنك الجراد الأرض،إذا أتى على نبتها؛ و ذلك قياس صحيح؛لأنّه يأكل فيبلغ حنكه.

و من المحمول عليه استئصال الشّيء،و هو احتناكه، و منه في كتاب اللّه تعالى: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً الإسراء:62،أي أغويهم كلّهم،كما يستأصل الشّيء،إلاّ قليلا.

ص: 135

فإن قال قائل:فنحن نقول:حنّكته التّجارب، و احتنكته السّنّ احتناكا،و رجل محتنك،فمن أيّ قياس هو؟قيل له:هو من الباب؛لأنّه التّناهي في الأمر و البلوغ إلى غايته،كما قلنا:احتنك الجراد النّبت،إذا استأصله، و ذلك بلوغ نهايته.فأمّا القدّ الّذي يجمع عراصيف الرّمل؛فهو حنكة.و هذا على التّشبّه بالحنك؛لأنّه منضمّ متجمّع.و يقال:حنكت الشّيء،إذا فهمته.و هو من الباب،لأنّك إذا فهمته فقد بلغت أقصاه.و اللّه أعلم.

(2:111)

ابن سيده: الحنك من الإنسان و الدّابّة،باطن أعلى الفم من داخل،و قيل:هو الأسفل في طرف مقدّم اللّحيين من أسفلهما.و الجمع:أحناك،لا يكسّر على غير ذلك.

و حنّك الدّابّة:دلك حنكها فأدماه.

و المحنك و الحناك:الخيط الّذي يحنّك به.و حنك الصّبيّ بالتّمر و حنّكه:دلك به حنكه.

و أخذ بحناك صاحبه:أخذ بحنكه و لبّبه ثمّ جرّه إليه.

و حنك الدّابة يحنكها و يحنكها حنكا و احتنكها:شدّ في حنكها الأسفل حبلا يقودها به.و حنكها يحنكها و يحنكها:جعل الرّسن في فيها،من غير أن يشتقّ من الحنك،رواه«أبو عبيد»،و الصّحيح عندي أنّه مشتقّ منه.

و قالوا:أحنك الشّاتين و أحنك البعيرين،أي آكلهما بالحنك،قال«سيبويه»:هو من صيغ التّعجّب و المفاضلة،و لا فعل له عنده.

و استحنك الرّجل،قوي أكله بعد ضعف،و هو منه.

و احتنك الجراد الأرض،أتى على نبتها،و قوله تعالى:

لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ الإسراء:62،مأخوذ من هذا.

و احتنك الرّجل،أخذ ماله كأنّه أكله بالحنك.

و أسود كحنك الغراب،يعني منقاره،و قيل:سواده، و قيل:«نونه»بدل من«لام حلك»،و قد تقدّم.

و أسود حانك:شديد السّواد.

و الحنكة:السّنّ و التّجربة و البصر بالأمور، و حنكته التّجارب و السّنّ حنكا و حنكا،و أحنكته و حنّكته و احتنكته:هذّبته.و قيل:ذاك أوان بنات (1)سنّ العقل،و الاسم:الحنكة و الحنك و الحنك.

و رجل محتنك و حنك و حنيك:مجرّب،كأنّه على حنك،و إن لم يستعمل.و الحنيك:الشّيخ-عن«ابن الأعرابيّ»-و هو قريب من الأوّل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد احتنكت السّنّ نفسها.

و الحنكة و الحناك:الخشبة الّتي تضمّ الغراضيف، و قيل:هي القدّة الّتي تضمّ غراضيف الرّحل.(3:44)

الرّاغب: الحنك:حنك الإنسان و الدّابّة،و قيل لمنقار الغراب:حنك،لكونه كالحنك من الإنسان.و قيل:

أسود مثل حنك الغراب و حلك الغراب،فحنكه:منقاره، و حلكه:سواد ريشه.

و قوله تعالى: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً يجوز أن يكون من قولهم حنكت الدّابّة:أصبت حنكها باللّجام و الرّسن،فيكون نحو قولك:«لألجمنّ فلانا و لأرسننّه».

و يجوز أن يكون من قولهم:«احتنك الجراد الأرض» أي استولى بحنكه عليها،فأكلها و استأصلها،فيكون معناه لأستولينّ عليهم استيلاءه على ذلك.ت.

ص: 136


1- الظّاهر:نبات.

و فلان حنّكه الدّهر كقولهم:نجره و فرع سنّه و افترّه و نحو ذلك من الاستعارات في التّجربة.(134)

الزّمخشريّ: [في حديث]«قد حنّكتك الأمور و جرّستك الدّهور...»حنّكته الأمور و أحنكته و حنّكته، إذا أدّبته و راضته.

و هو حنيك و محنّك و محنك،و احتنك فهو محتنك.

و أصله من قولهم:حنك الفرس يحنكه،إذا جعل في حنكه الأسفل حبلا يقوده به.(الفائق 1:324)

نحوه المدينيّ.(1:513)

قرع الفأس حنك الفرس،و هو سقف أعلى الفم.

و حنكت الصّبيّ و حنّكته،و هو محنّك و محنوك،إذا دلكت تمرة ممضوغة على حنكه.

و حنّكت الدّابّة:غرزت عودا في حنكه.و اسم العود:الحناك.

و حنك الدّابّة يحنكها:جعل الرّسن في فيها.و احتنك الطّعام:

أكله كلّه.و استحنك الرّجل:اشتدّ أكله بعد قلّته.و هذه الشّاة أحنك الشّاتين،أي آكلهما،و شاة حنيكة.

و من المجاز:حنكته السّنّ و حنّكته الأمور:فعلت ما يفعل بالفرس،إذا حنّك حتّى عاد مجرّبا مذلّلا،فاحتنك.

و رجل محتنك و محنّك و حنيك.

و فلان ذو حنكة.و احتنك الجراد ما على الأرض:

أتى عليه.

و احتنك مالي:أخذه كلّه لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ و ما ترك الأحناك في أرضنا شيئا،و هم المنتجعة.

و احتنك على النّاقة الجرب:غلب عليها.و هو مرّ على حنك العدوّ.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(أساس البلاغة:97)

الطّبرسيّ: الاحتناك:الاقتطاع من الأصل يقال:

احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم،إذا استقصاه فأخذه كلّه.و احتنك الجراد الزّرع،إذا أكله كلّه.[ثمّ استشهد بشعر](3:425)

ابن الأثير: [نقل بعض الأحاديث المتقدّمة و قال:] و في حديث خزيمة«و العضاه مستحنكا»أي منقلعا من أصله.(1:452)

الفيّوميّ: الحنك من الإنسان و غيره مذكّر، و جمعه:أحناك مثل سبب و أسباب.و حنّكت الصّبيّ تحنيكا:مضغت تمرا و نحوه،و دلكت به حنكه.و حنكته حنكا من بابي ضرب و قتل.كذلك فهو محنّك من المشدّد و محنوك من المخفّف.(1:154)

الفيروزآباديّ: الحنك:محرّكة:باطن أعلى الفم من داخل،أو الأسفل من طرف مقدّم اللّحيين جمعه:

أحناك،و جماعة ينتجعون بلدا يرعونه،و آكام صغار مرتفعة في حجارتها رخاوة و بياض كالكذّان،و واد باليمن للعوالق،و بلا«لام»لقب عامر الأصبهانيّ المحدّث، أو الحنكة«بهاء»الرّابية المشرفة من القفّ،و بضمّتين:

المرأة اللّبيبة،و هو حنك.

و حنّكه تحنيكا:دلك حنكه،و كمنبر و كتاب:الخيط الّذي يحنّك به.و حنك الفرس يحنكه و يحنّكه:جعل في فيه الرّسن كاحتنكه،و الشّيء:فهمه و أحكمه،و الصّبيّ:

مضغ تمرا أو غيره فدلكه بحنكه،كحنّكه،فهو محنوك و محنّك.و السّنّ الرّجل:أحكمته التّجارب حنكا، و يحرّك كحنّكته و أحنكته و احتنكته،فهو محنك و محنّك و محتنك و حنيك و حنك بضمّتين.و الاسم:الحنكة

ص: 137

و الحنك بضمّهما و يكسر الثّاني.

و أحنك البعيرين:أشدّهما أكلا نادر؛لأنّ الخلقة لا يقال فيها ما أفعله.و احتنكه:استولى عليه،و الجراد الأرض:أكل ما عليها،و فلانا:أخذ ماله.

و حنك الغراب محرّكة:منقاره أو سواده،و أسود حانك حالك.و الحنكة بالضّمّ و ككتاب:خشبة تضمّ الغراضيف،أو قدّة تضمّها خشبة تربط تحت لحيى النّاقة ثمّ يربط الحبل إلى عنق الفصيل فترامه.

و أحنكه:ردّه.و كسفينة:الجيّدة الأكل من الدّوابّ.

و كأمير:المجرّب.و تحنّك:أدار العمامة من تحت حنكه.

و استحنك:اشتدّ أكله بعد قلّة،و العضاه:انقلع من أصله.(3:309)

الطّريحيّ: و قد تكرّر في الحديث ذكر الحنك،و هو إدارة جزء من العمامة تحت الحنك.

و الحنك:ما تحت الذّقن من الإنسان و غيره.أو الأعلى داخل الفم،و الأسفل في طرف مقدّم اللّحيين من أسفلهما.و الجمع:أحناك.

و اتّفقوا على تحنيك المولود عند ولادته بتمر.فإن تعذّر فبما في معناه من الحلو،فيمضغ حتّى يصير مائعا فيوضع في فيه ليصل شيء إلى جوفه.

و يستحبّ كون المحنّك من الصّالحين،و أن يدعو للمولود بالبركة،و يستحبّ تحنيكه بالتّربة الحسينيّة و الماء،كأن يدخل ذلك إلى حنكه و هو أعلى داخل الفم.

و في الحديث«ما أظنّ أحدا يحنّك بماء الفرات إلاّ أحبّنا أهل البيت».

و يجمع الحنك من الإنسان على:أحناك،مثل سبب و أسباب.(5:263)

العدنانيّ: الحنكة،الحنك،الحنك،الحنك.

و يسمّون التّجربة و البصر بالأمور حنكة، و الصّواب:

أ-حنكة:اللّيث بن سعد،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس«مجاز»،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

ب-و حنك:اللّيث بن سعد،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

ج-و حنك:اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

د-و حنك:اللّيث بن سعد،و التّاج،و المدّ.

و فعله:حنكت التّجارب الرّجل حنكا و حنكا،مجاز:

أحكمته و هذّبته،فهو محنك،و محنّك و محتنك و حنيك و حنك.(173)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو العضو ما تحت الذّقن،و لعلّ الاشتقاق منها انتزاعيّ.و يستفاد من مفهومها معنى الاستيلاء و التّسلّط و الإحاطة،و جعل الشّيء تحت الاختيار.

و لا بدّ أن يلاحظ في موارد استعمالها معنى ذلك العضو،أو معنى التّسلّط و الاستيلاء،كما في مورد استعمالها في الفهم المخصوص.(2:321)

ص: 138

النّصوص التّفسيريّة

لاحتنكنّ

...لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً. الإسراء:62

ابن عبّاس: لأستنزلنّ و لأستملكنّ و لأستولينّ ذرّيّته.(239)

مجاهد :لأحتوينّهم.(الطّبريّ 15:117)

ابن زيد :لأضلّنّهم.(الطّبريّ 15:117)

نحوه المراغيّ.(15:70)

الفرّاء: لأستولينّ عليهم.(2:127)

أبو عبيدة :مجازه لأستميلنّهم و لأستأصلنّهم يقال:

حنك فلان ما عند فلان أجمع من مال أو علم أو حديث أو غيره،أخذ كلّه و استقصاه.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:384)

الأخفش: لأستميلنّهم.(الماورديّ 3:254)

ابن قتيبة :لأستأصلنّهم،يقال:احتنك الجراد ما على الأرض كلّه،إذا أكله كلّه.و احتنك فلان ما عند فلان من العلم،إذا استقصاه.و يقال:هو من حنك دابّته يحنكها حنكا،إذا شدّ في حنكها الأسفل حبلا يقودها به، أي لأقودنّهم كيف شئت.(258)

نحوه السّجستانيّ(108)،و البغويّ(3:142)، و الميبديّ(5:577)،و السّمين(4:404)،و أبو السّعود (4:144).

الجبّائيّ: لأستأصلنّهم بالإغواء من احتناك الجراد الزّرع؛و هو أن يأكله و يستأصله،و إنّما طمع الملعون في ذلك؛لأنّ اللّه سبحانه أخبر الملائكة أنّه سيجعل في الأرض من يفسد فيها،فكأنّ العلم قد سبق له بذلك.(الطّبرسيّ 3:426)

الطّبريّ: يقول لأستولينّ عليهم و لأستأصلنّهم و لأستميلنّهم،يقال منه احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم أو غير ذلك.[ثمّ استشهد بشعر و نقل أقوال المفسّرين و قال:]

و هذه الألفاظ و إن اختلفت فإنّها متقاربات المعنى؛ لأنّ الاستيلاء و الاحتواء بمعنى واحد.و إذا استولى عليهم فقد أضلّهم.(15:116)

نحوه الثّعلبيّ(6:112)،و القرطبيّ(10:287)، و ابن كثير(4:325)،و الآلوسيّ(15:109).

الزّجّاج: لأستأصلنّهم بالإغواء لهم،و قيل:

لأستولينّ عليهم،و الّذي تقول العرب:قد احتنكت السّنة أموالنا،إذا استأصلتها.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:249)

أبو مسلم الأصفهانيّ: لأغوينّ ذرّيّته،و أقودنّهم معي إلى المعاصي كما تقاد الدّابّة بحنكها،إذا شدّ فيها حبل تجرّبه.(الطّبرسيّ 3:426)

نحوه الشّربينيّ.(2:318)

الاحتناك:افتعال من الحنك،كأنّهم يملكهم كما يملك الفارس فرسه بلجامه.(الفخر الرّازيّ 21:4)

الماورديّ: فيه ستّة تأويلات.[و نقل الأقوال إلى أن قال:]

الخامس:لأقودنّهم إلى المعاصي كما تقاد الدّابّة بحنكها إذا شدّ فيه حبل يجذبها،و هو«افتعال»من

ص: 139

الحنك،إشارة إلى حنك الدّابّة.

السّادس:لأقطعنّهم إلى المعاصي.[ثمّ استشهد بشعر](3:254)

الطّوسيّ: معنى(لاحتنكنّ)لأقطعنّهم إلى المعاصي، يقال:منه:احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم أو غير ذلك.[ثمّ استشهد بشعر و نقل بعض الأقوال]

(6:497)

الواحديّ: لأستأصلنّهم و لأستولينّ عليهم بالإغواء و الإضلال.و أصله من احتناك الجراد الزّرع، و هو أن تأكله و تستأصله بأحناكها و تفسده.و هذا هو الأصل،ثمّ يسمّى الاستيلاء على الشّيء و أخذ كلّه:

احتناكا.(3:115)

الزّمخشريّ: لأستأصلنّهم بالإغواء؛من احتنك الجراد الأرض،إذا جرّد ما عليها أكلا،و هو من الحنك.

و منه ما ذكر سيبويه من قولهم:أحنك الشّاتين،أي آكلها.

فإن قلت:من أين علم أنّ ذلك يتسهّل له،و هو من الغيب؟قلت:إمّا أن سمعه من الملائكة و قد أخبرهم اللّه به،أو خرّجه من قولهم: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها البقرة:30،أو نظر إليه فتوسّم في مخايله أنّه خلق شهوانيّ.

و قيل:قال ذلك لما عملت وسوسة آدم.و الظّاهر أنّه قال:ذلك قبل أكل آدم من الشّجرة.(2:456)

نحوه البيضاويّ(1:590)،و النّيسابوريّ(15:

55)،و الكاشانيّ(3:202)،و شبّر(4:34).

ابن عطيّة: معناه لأميلنّ و لأجرّنّ،و هو مأخوذ من تحنيك الدّابّة،و هو أن يشدّ على حنكها بحبل أو غيره فتنقاد،و السّنة تحتنك المال،أي تجتره.[و استشهد بشعر، و نقل قول الطّبريّ و ابن عبّاس و ابن زيد ثمّ قال:]

و هذا بدل اللّفظ لا تفسيره و حكم إبليس بهذا الحكم على ذرّيّة آدم،من حيث رأى الخلقة مجوّفة مختلفة الأجزاء،و ما اقترن بها من الشّهوات و العوارض كالغضب و نحوه.ثمّ استثنى القليل لعلمه أنّه لا بدّ أن يكون في ذرّيّته من يصلب في طاعة اللّه.(3:470)

الفخر الرّازيّ: في الاحتناك قولان:أحدهما:أنّه عبارة عن الأخذ بالكلّيّة،يقال:احتنك فلان عند فلان من مال،إذا استقصاه،و أخذه بالكلّيّة.و احتنك الجراد الزّرع،إذا أكله بالكلّيّة.

و الثّاني:أنّه من قول العرب:حنك الدّابّة يحنكها،إذا جعل في حنكها الأسفل حبلا يقودها به.[إلى أن قال:]

فعلى القول الأوّل معنى الآية لأستأصلنّهم بالإغواء.

و على القول الثّاني:لأقودنّهم إلى المعاصي،كما تقاد الدّابّة بحبلها.(21:4)

القاسميّ: أي لأعمنّهم و لأهلكنّهم بالإغواء،إلاّ المخلصين.(10:3946)

سيّد قطب :فلأستولينّ،و أحتويهم،و أملك زمامهم،و أجعلهم في قبضة يدي أصرف أمرهم.

(4:2238)

ابن عاشور :هذا الكلام صدر من إبليس إعرابا عمّا في ضميره،و إنّما شرط التّأخير إلى يوم القيامة ليعمّ بإغوائه جميع أجيال ذرّيّة آدم،فلا يكون جيل آمنا من إغوائه.

و صدر ذلك من إبليس عن وجدان ألقي في نفسه،

ص: 140

صادف مراد اللّه منه،فإنّ اللّه لمّا خلقه قدّر له أن يكون عنصر إغواء إلى يوم القيامة،و أنّه يغوي كثيرا من البشر،و يسلم منه قليل منهم.

و إنّما اقتصر على إغواء ذرّيّة آدم،و لم يذكر إغواء آدم و هو أولى بالذّكر،إذ آدم هو أصل عداوة الشّيطان النّاشئة عن الحسد من تفضيله عليه،إمّا لأنّ هذا الكلام قاله بعد أن أغوى آدم و أخرج من الجنّة،فقد شفى غليله منه،و بقيت العداوة مسترسلة في ذرّيّة آدم،قال تعالى:

إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فاطر:6.

و الاحتناك:وضع الرّاكب اللّجام في حنك الفرس ليركبه و يسيّره،فهو هنا تمثيل لجلب ذرّيّة آدم إلى مراده من الإفساد و الإغواء بتسيير الفرس على حسب ما يريد راكبه.(14:120)

مغنيّة:إبليس يهدّد بالانتقام لنفسه من ذرّيّة آدم لا لشيء إلاّ لأنّ اللّه كرّمه عليه،ينتقم منهم بأن يقودهم معه إلى معصية اللّه كما تقاد الدّابّة بحنكها.(5:62)

الطّباطبائيّ: [نقل قول الطّبرسيّ المتقدّم في اللّغة و قال:]و الظّاهر أنّ المعنى الأخير هو الأصل في الباب، و الاحتناك:الإلجام.و المعنى:قال إبليس بعد ما عصى و أخذه الغضب الإلهيّ:ربّ أ رأيت هذا الّذي فضّلته بأمري بسجدته،و رجمي بمعصيته،أقسم لئن أخّرتني إلى يوم القيامة؛و هو مدّة مكث بني آدم في الأرض،لألجمنّ ذرّيّته إلاّ قليلا منهم و هم المخلصون.(13:145)

المصطفويّ: أي آخذ بالحنك،و أجعل الرّسن في الحنك،و أستولي عليهم،و أسوقهم إلى طرق الضّلال.

و الاحتناك إمّا بإضلالهم من جهة الأفكار و العقائد الفاسدة و الآراء المضلّة،أو من جهة رسوخ رذائل الأخلاق و خبائث الصّفات النّفسانيّة،و إمّا من ناحية الاعتياد بإتيان الأعمال المحرّمة و العادات المنهيّة.

فكلّ من هذه الأصناف الثّلاثة إذا ثبتت و أديمت في الإنسان،يجعله مقهورا مغلوبا،كالرّسن الملقى في الحنك، إلى أن ينتهي إلى مرحلة خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ البقرة:7،نعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم و من احتناكه.(2:322)

مكارم الشّيرازيّ: (احتنكنّ)مشتقّة من «احتناك»و هي تعني قطع جذور شيء ما،لذا فعند ما يأكل الجراد المزروعات تقول العرب:احتنك الجراد الزّرع؛لذا فإنّ هذا القول يشير إلى أنّ إبليس سيحرّف كلّ بني آدم عن طريق اللّه و طاعته إلاّ القليل منهم.

و يحتمل أن تكون كلمة(احتنكنّ)مشتقة من«حنك»؛ و هي المنطقة الّتي تحت البلعوم،فعند ما يوضع الحبل في رقبة الحيوان تقول العرب:«احتنك الدّابّة».و في الواقع فإنّ الشّيطان يريد أن يقول:بأنّه سيضع حبل الوسوسة في أعناق النّاس،و يجرّهم إلى طريق الغواية و الضّلال.

و في هذا الأثناء أعطي الشّيطان إمكانيّة البقاء و الفعل،حتّى يتحقّق الاختبار للجمع،و يكون وجوده سببا لتمحيص و اختبار المؤمنين الحقيقيّين،حيث يقوى الإنسان عند ما تهاجمه الحوادث،و يقوى عوده في مواجهة الأعداء،لذلك قالت الآية: قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً الإسراء:

63.و هذا أسلوب الاختبار ينكشف فيه الفاشل من النّاجح في الامتحان الإلهيّ الكبير.(9:45)

ص: 141

فضل اللّه:لأستأصلنّهم بالإغواء،و بذلك أبعدهم عن رحمتك،و أنزلهم عن هذا المستوى الّذي رفعتهم إليه، و أردتهم أن يديروا به الأرض من خلال وحيك،و أن يخضعوها لإرادتك،و أن يرتفعوا إليك بالطّاعة.

(14:168)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحنك،و هو الأسفل من طرف مقدّم اللّحيين للإنسان و غيره؛يقال:حنك الصّبيّ و حنّكه،أي دلك حنكه،و مضغ التّمر ثمّ أدلكه بحنكه داخل فمه،فهو محنوك و محنّك،و احتنك صاحبه:أخذ بحنكه.و حنك الدّابّة يحنكها و يحنكها:جعل الرّسن في فيها،و حنّكها:دلك حنكها فأدماه،و احتنكت دابّتي:

ألقيت في حنكها حبلا و قدتها.

و المحنك و الحناك:الخيط الّذي يحنّك به،و الحناك:

وثاق يربط به الأسير،و هو غلّ،كلّما جذب أصاب حنكه؛يقال:أخذ بحناك صاحبه،أي أخذ بحنكه و لبّته ثمّ جرّه إليه.

و الحنك:المنقار،على التّشبيه.

و التّحنّك:التّلحّي،و هو أن تدير العمامة من تحت الحنك،و اللّحية.

و أحنك الشّاتين و أحنك البعيرين:آكلها بالحنك، و استحنك الرّجل:قوي أكله و اشتدّ بعد ضعف و قلّة، و هو من ذلك؛لأنّه يأكل بالحنك،و احتنك فلان ما عند فلان،أخذه كلّه،كأنّه أكله بالحنك،و احتنك الجراد الأرض:أتى على نبتها و أكل ما عليها.

و الحنك:الجماعة من النّاس ينتجعون بلدا يرعونه؛ يقال:ما ترك الأحناك في أرضنا شيئا،يعني الجماعات المارّة.و الحنك:الأكلة من النّاس.

و حنّكته السّنّ:نبتت أسنانه الّتي تسمّى أسنان العقل،على المقاربة؛لأنّ الأسنان تنبت في اللّحي.

و الحنكة و الحنك و الحنك:السّنّ و التّجربة و البصر بالأمور،كأنّها تحتنك الإنسان و تقوده،كما تحتنك الدّابّة بالحبل؛يقال:حنكته التّجارب و السّنّ حنكا و حنكا، و أحنكته و حنّكته و احتنكته،أي هذّبته،فهو محنك و محنّك،و هم أهل الحنكة و الحنك و الحنك.

و رجل محنّك:هو الّذي لا يستقلّ منه شيء ممّا قد عضّته الأمور،و رجل حنيك و محتنك:مجرّب،و احتنك الرّجل:استحكم،و حنكت الشّيء:فهمته و أحكمته.

و الحنيك:الشّيخ،و العاقل،و الجمع:حنك،و رجل حنك،و امرأة حنكة:لبيبان عاقلان،و رجل حنيك و محنوك و محنّك و محتنك:عاقل،و المحتنك:الرّجل المتناهي عقله و سنّه.

2-و حنك الغراب:سواده،على البدل؛يقال:أسود حالك و حانك،و شيء حالك و محلولك و محلنكك و حلكوك.و قال أبو زيد:«الحلك:اللّون،و الحنك:

المنقار (1)».

و قولهم:استحنك الرّجل،أي قوي أكله و اشتدّ بعد ضعف و قلّة،لعلّه من باب إبدال«القاف»كافا؛يقال منه:

أحنق،أي سمن فجاء بشحم كثير،فهو محنق (2).

ص: 142


1- كتاب«الإبدال»لابن السّكّيت(66).
2- مادّة(ح ن ق)من اللّسان.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«احتنكنّ»مرّة في آية:

1- ...لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً الإسراء:62

يلاحظ أوّلا:أنّ هذا اللّفظ وحيد الجذر في القرآن، و جاء في سورة مكّيّة فكأنّه تعبير مكّيّ:و فيه بحوث:

1-فسّر بمعان وردت صفات و أقوالا لإبليس أو الشّيطان،و منها:

الإغواء:أخذ من قوله تعالى حكاية عن لسان إبليس: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ الأعراف:16.

الإضلال:من قوله حكاية عن الشّيطان:

وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ النّساء:119.

الأخذ:من قوله حكاية عن الشّيطان: وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً النّساء:118.

الاستيلاء:من قوله: اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ المجادلة:19.

الاستمالة:من قوله: اَلشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى لَهُمْ محمّد:25.

الاستزلال: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا آل عمران:155.

2-قالوا:لأستأصلنّهم من احتناك الجراد الزّرع أو احتناك السّنة الأموال،لأستولينّ عليهم و لاستميلنّهم، كأنّه عليكم،لأنّ ذلك لازم الاستئصال،لأقودنّهم إلى المعاصي كما تقاد الدّابّة بحنكها،إذا شدّ فيه حبل يجذبها، لأقطعنّهم إلى المعاصي،لأميلنّ و لأجرّنّ من تحنيك الدّابّة بحبل،لأعمنّهم و لأهلكنّهم بالإغواء و نحوها.و قد لخّصها الفخر الرّازيّ في وجهين:الأخذ بالكلّيّة من استئصال الجراد الأرض،و القيادة من قيادة الدّابّة.

و رجّح الطّباطبائيّ الثّاني أي لألجمنّهم.

3-طمع إبليس في احتناك آدم و ذرّيّته،قال الزّمخشريّ:«فإن قلت:من أين علم أنّ ذلك يتسهّل له و هو من الغيب؟

قلت:إمّا أن سمعه من الملائكة و قد أخبرهم اللّه به، أو خرّجه من قولهم: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها البقرة:30،أو نظر إليه فتوسّم في مخايله أنّه خلق شهوانيّ.

و قيل:قال ذلك لما عملت وسوسته في آدم.و الظّاهر أنّه قال ذلك قبل أكل آدم من الشّجرة».

4-استعصى إبليس على اللّه حينما أمره بالسّجود لآدم كسائر الملائكة،ثمّ تمادى في غيّه فتحدّى اللّه!و جاء هذا المعنى-أي العصيان و التّحدّي-في ثلاث سور مكّيّة أيضا،و هي«الأعراف:16،و الحجر:39،و ص:82» غير أنّه بدأ تحدّيه هنا بلفظ لَأَحْتَنِكَنَّ، و في الأعراف لَآتِيَنَّهُمْ، و في الحجر لَأُزَيِّنَنَّ، و في ص لَأُغْوِيَنَّهُمْ. و قد طلب من اللّه أن يؤجّله إلى يوم القيامة بلفظ التّأخير في الأولى،و الإنظار في سائر الآيات.

5-قال مغنيّة:«إبليس يهدّد بالانتقام لنفسه من ذرّيّة آدم لا لشيء إلاّ لأنّ اللّه كرّمه عليه فينتقم منهم...».

ص: 143

ثانيا:جاء لفظان آخران وحيد الجذر في هذه الآيات حول الشّيطان أيضا في سورتين:إحداهما مكّيّة، و الأخرى مدنيّة:

الأوّل:التّبتيك في قوله: فَلَيُبَتِّكُنَّ النّساء:

119،انظر(ب ت ك).

و الثّاني:الذّأم في قوله: قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً الأعراف:18،انظر(ذأم).

ص: 144

ح ن ن

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

حنانا 1:1 حنين 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الضّبّيّ: كانت العرب في الجاهليّة تقول لجمادى الآخرة:حنين،و صرف لأنّه عني به الشّهر.

مثله الفرّاء.(الأزهريّ 3:449)

الخليل: الحنّ:حيّ من الجنّ،يقال:منهم الكلاب السّود البهم.يقال:كلب حنّيّ.

و الحنان:الرّحمة،و الفعل:التّحنّن.و اللّه الحنّان المنّان الرّحيم بعباده.

وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا مريم:13،أي رحمة من عندنا.

و حنانيك يا فلان افعل كذا و لا تفعل كذا،تذكّره الرّحمة و البرّ.

و يقال:كانت أمّ مريم تسمّى حنّة.

و الاستحنان:الاستطراب.

و عود حنّان:مطرّب يحنّ.

و حنين النّاقة:صوتها إذا اشتاقت،و نزاعها إلى ولدها من غير صوت.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحنّة:خرقة تلبسها المرأة،فتغطّي بها رأسها.

(3:29)

الأمويّ: ما نرى لك حنانا،أي هيبة.

(الأزهريّ 3:446)

أبو عمرو الشّيبانيّ: خرج فما تحانّ حتّى انتهى، أي ما عرّج.(1:141)

حنان اللّه أن تلقى فلانا،أي معاذ اللّه.

لا حنّك اللّه عن الشّرّ،يحنّ حنّا.(1:154)

طريق حنّان،أي بيّن.(1:166)

قل:ما حنّنت عنه،إذا أصاب مقتله.[ثمّ استشهد بشعر](1:168)

الحنان:الشّدّة.تقول:لقي فلان حنانا،أي شرّا طويلا.(1:169)

تقول:حنّ عنّي شرّك،أي كفّه.(1:188)

ص: 145

المحنون:الّذي يصرع ثمّ يفيق زمانا.

(الأزهريّ 3:445)

هي[امرأة الرّجل]:حنّته و كنينته،و نهضته، و حاصفته و حاضنته.(الأزهريّ 3:448)

الفرّاء: الحنّ:كلاب الجنّ.(الأزهريّ 3:445)

أبو زيد :يقال:«ما له حانّة و لا جارّة».فالحانّة:

الإبل الّتي تحنّ إلى أوطانها،و الجارّة:الحمولة تحمل المتاع و الطّعام.(الأزهريّ 3:448)

الأصمعيّ: حنّة الرّجل:امرأته،و هي طلّته.

(الأزهريّ 3:448)

يقال:ما تحنّني شيئا من شرّك،أي ما تردّه.

[بعير حنّان]أي له حنين من سرعته.

(الأزهريّ 3:449)

اللّحيانيّ: و تحنّنت النّاقة على والدها:تعطّفت، و كذلك الشّاة.(ابن سيده 2:536)

أبو عبيد: في حديث عروة بن الزّبير أنّه كان يقول في تلبيته:«لبّيك ربّنا و حنانيك».

قوله:حنانيك،يريد:رحمتك.و العرب تقول:حنانك يا ربّ،و حنانيك يا ربّ،بمعنى واحد.[ثمّ استشهد بشعر](2:405)

ابن الأعرابيّ: «الحنّان»من أسماء اللّه،بتشديد النّون،بمعنى الرّحيم.

و الحنان بالتّخفيف:الرّحمة،و الرّزق،و البركة، و الهيبة،و الوقار.(الأزهريّ 3:446)

قال رجل لابنه:«يا بنيّ إيّاك و الرّقوب الغضوب، الأنّانة الحنّانة و المنّانة».و الحنّانة:الّتي كان لها زوج قبله، فهي تذكره بالتّحزّن و الأنين،و الحنين إليه.

(الأزهريّ 3:448)

و ما حنّن عنّي،أي ما انثنى و لا قصّر.

(ابن سيده 2:536)

ابن السّكّيت: الحنون من النّساء:الّتي تتزوّج هي،رقّة على ولدها إذا كانوا صغارا،ليقوم الزّوج بأمرهم.

و قال بعضهم لولده:يا بنيّ لا تتّخذها حنّانة و لا أنّانة و لا منّانة،و لا عشبة الدّار،و لا كيّة القفا.

فالحنّانة:الّتي لها ولد من سواه،فهي تحنّ عليهم.(352)

و يقال:ما له حانّة و لا آنّة،أي ناقة و لا شاة.(إصلاح المنطق:383)

و قولهم:«رجع بخفّي حنين»عن أبي اليقظان:كان حنين رجلا شديدا،ادّعى إلى أسد بن هاشم بن عبد مناف،فأتى عبد المطّلب و عليه خفّان أحمران،فقال:يا عمّ،أنا ابن أسد بن هاشم.فقال عبد المطّلب:لا و ثياب هاشم،ما أعرف شمائل هاشم فيك،فارجع.فقالوا:

«رجع حنين بخفّيه»فصار مثلا.(الجوهريّ 5:2105)

شمر:الحنين بمعنيين،يكون بمعنى النّزاع و الشّوق من غير صوت،و يكون الصّوت مع النّزاع و الشّوق.

يقال:حنّ قلبي إليه،فهذا نزاع و اشتياق من غير صوت، و حنّت النّاقة إلى ألاّفها،فهذا صوت مع نزاع،و كذلك حنّت إلى ولدها.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 3:446)

[حكى قول الأصمعيّ في معنى«تحنّني»ثمّ قال:]

ص: 146

و لم أسمع«تحنّني»بهذا المعنى لغير الأصمعيّ.و يقال:

حنّ عنّا شرّك،أي اصرفه،و المحنون من الحقّ:المنقوص.

يقال:ما حننتك شيئا من حقّك،أي ما نقصتك.

و الحنين للنّاقة،و الأنين للشّاة.يقال:ما له حانّة و لا آنّة،أي ما له شاة و لا بعير.

و خمس حنّان،أي بائص.(الأزهريّ 3:449)

أبو الهيثم:يقال للسّهم الّذي يصوّت إذا نفّزته بين إصبعيك:حنّان.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحنّان:الّذي يحنّ إلى الشّيء.

(الأزهريّ 3:446)

ثعلب :و الحنّان بكسر الحاء:لغة في الحنّاء.

(ابن سيده 2:536)

الطّبريّ: و للعرب في«حنانك»لغتان:حنانك يا ربّنا،و حنانيك.

و قد اختلف أهل العربيّة في«حنانيك»فقال بعضهم:هو تثنية«حنان».و قال آخرون:بل هي لغة ليست بتثنية،قالوا:و ذلك كقولهم:حواليك.

و قد سوّى بين جميع ذلك الّذين قالوا:حنانيك تثنية،في أنّ كلّ ذلك تثنية.و أصل ذلك-أعني الحنان- من قول القائل:حنّ فلان إلى كذا؛و ذلك إذا ارتاح إليه و اشتاق،ثمّ يقال:تحنّن فلان على فلان،إذا وصف بالتّعطّف عليه و الرّقة به،و الرّحمة له.

فالحنان:مصدر من قول القائل:حنّ فلان على فلان،يقال منه:حننت عليه،فأنا أحنّ عليه حنينا و حنانا.و من ذلك قيل لزوجة الرّجل:حنّته،لتحنّنه عليها و تعطّفه.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](16:57)

الزّجّاج:الحنّان في صفة اللّه:ذو الرّحمة و التّعطّف.

(الأزهريّ 3:447)

ابن دريد :حنّ يحنّ حنينا،إذا اشتاق.و حنّت النّاقة،إذا نزعت إلى وطنها أو ولدها،و البعير إلى وطنه كذلك.و يقال:حننت عن فلان،إذا حلمت عنه أو تكلّم فلم تجبه.

و بنو حنّ:بطن من بني عذرة.

و الحنّ:زعموا ضرب من الجنّ.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:64)

الخنين:تردّد البكاء في الأنف،و الحنين:من الصّدر.(3:450)

الأزهريّ: و الحنّان:من أسماء اللّه تعالى،جاء على «فعّال».بتشديد النّون صحيح.و كان بعض مشايخنا أنكر التّشديد فيه،لأنّه ذهب به إلى الحنين،فاستوحش أن يكون الحنين من صفات اللّه تعالى،و إنّما معنى الحنّان:

الرّحيم،من الحنان،و هو الرّحمة.

و قولهم:حنانيك،معناه:تحنّن عليّ مرّة بعد أخرى، و حنانا بعد حنان،و أذكّرك حنانا بعد حنان.

و يقال:حنّ عليه،أي عطف عليه،و حنّ إليه،أي نزع إليه.

قال اللّيث:الحنّة:خرقة تلبسها المرأة،فتغطّي رأسها.

قلت:هذا حاقّ التّصحيف الوحش،و الّذي أراد:

الخبّة بالخاء.

أمّا«الحنّة»بالحاء و النّون،فلا أصل له في باب الثّياب.

ص: 147

و من أمثال العرب:«لا تعدم أدماء من أمّها حنّة» يضرب مثلا للرّجل يشبه الرّجل.

قلت:و الحنّة في هذا المثل:العطفة و الشّفقة و الحيطة.

و من أمثال العرب:«حنّ قدح ليس منها»يضرب مثلا للرّجل ينتمي إلى نسب ليس منه،أو يدّعي ما ليس منه في شيء.

و حنين:اسم واد،به كانت وقعة أو طاس.و قد ذكره اللّه في كتابه. وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ... التّوبة:25.

و الحنّان:اسم فحل من فحول خيل العرب، معروف.

و يقال:حمل فحنّن،كقولك:حمل فهلّل،إذا جبن.(3:446)

الصّاحب:الحنّ:حيّ من الجنّ تنسب إليهم الكلاب السّود.

و رجل محنون:مجنون.

و حنين النّاقة:صوتها،و نزاعها إلى ولدها.

و الحنان:الرّحمة،و كذلك التّحنّن.و حنانيك يا ربّ و حنانك.

و حنّة:أمّ مريم.

و حنّة الرّجل:زوجته.

و الحنّة:خرقة تلبسها المرأة.

و الاستحنان:الاستطراب.

و المستحنّ:الّذي استحنّه الشّوق إلى ألاّفه فحنّ و عود حنّان:مضطرب.

و العرب تسمّي جمادى الآخرة:الحنين و الحنّين- مشدّدة-و جمعه:أحنّة.

و الحنن:الجعل؛و تصغيره:حنين.

و حنّ عنّا شرّك،أي ردّه.

و فلان لا يحنّ عنّي كلمة.

و طريق حنّان:واضح.

و إنّه ليأخذ في كلّ فنّ و حنّ.(2:317)

الجوهريّ: الحنين:الشّوق و توقان النّفس.تقول منه:حنّ إليه يحنّ حنينا،فهو حانّ.

و الحنان:الرّحمة.يقال منه:حنّ عليه يحنّ حنانا، و منه قوله تعالى: وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا مريم:13.

و الحنّان بالتّشديد:ذو الرّحمة.

و يقال أيضا:طريق حنّان،أي واضح.

و أبرق الحنّان:موضع.

و قوس حنّانة:تحنّ عند الإنباض.

و تحنّن عليه:ترحّم.

و العرب تقول:«حنانك يا ربّ و حنانيك يا ربّ» بمعنى واحد،أي رحمتك.

و حنين النّاقة:صوتها في نزاعها إلى ولدها.

و حنانة:اسم راع في طول طرفة.

و حنّة الرّجل:امرأته.

و حنّة البعير:رغاؤه.

و ما له حانّة و لا آنّة،أي ناقة و لا شاة.و المستحنّ مثله.

و حنّ عنّي يحنّ بالضّمّ،أي صدّ.

و يقال أيضا:ما تحنّني شيئا من شرّك،أي ما تصرفه عنّي.

و الحنون:ريح لها حنين كحنين الإبل.

ص: 148

و حنين:موضع يذكّر و يؤنّث،فإن قصدت به البلد و الموضع ذكّرته و صرفته،كقوله تعالى: وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ التّوبة:25،و إن قصدت به البلدة و البقعة أنّثته و لم تصرفه.

[ثمّ ذكر قول ابن السّكّيت و أضاف:]

و قال غيره:هو[حنين]اسم إسكاف من أهل الحيرة،ساومه أعرابيّ بخفّين و لم يشترهما،فغاظه ذلك، و علّق أحد الخفّين في طريقه،و تقدّم فطرح الآخر، و كمن له،و جاء الأعرابيّ فرأى أحد الخفّين،فقال:ما أشبه هذا بخفّ حنين!لو كان معه آخر لاشتريته،فتقدّم فرأى الخفّ الثّاني مطروحا في الطّريق،فنزل و عقل بعيره و رجع إلى الأوّل،فذهب الإسكاف براحلته، و جاء إلى الحيّ بخفّي حنين.

و الحنّ بالكسر:حيّ من الجنّ.

و رجل محنون،أي مجنون،و به حنّة،أي جنّة.

و يقال:الحنّ:خلق بين الجنّ و الإنس.

و حنّ بالضّمّ:اسم رجل.[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](5:2104)

ابن فارس: الحاء و النّون أصل واحد،و هو الإشفاق و الرّقّة،و قد يكون ذلك مع صوت بتوجّع، فحنين النّاقة:نزاعها إلى وطنها.و قال قوم:قد يكون ذلك من غير صوت أيضا.

فأمّا الصّوت فكالحديث الّذي جاء في حنين الجذع الّذي كان يستند إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لمّا عمل له المنبر فترك الاستناد إليه.

و الحنان:الرّحمة،قال اللّه تعالى: وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا مريم:13،و تقول:حنانك،أي رحمتك.

و حنانيك،أي حنانا بعد حنان،و رحمة بعد رحمة.

و الحنّة:امرأة الرّجل،و اشتقاقها من الحنين،لأنّ كلاّ منهما يحنّ إلى صاحبه.

و الحنون:ريح إذا هبّت كان لها كحنين الإبل.

و قوس حنّانة،لأنّها تحنّ عند الإنباض.

و ممّا شذّ عن الباب:طريق حنّان،أي واضح.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:24)

الثّعالبيّ: فإن زاد[المريض]في رفعه[الصّوت] فهو الحنين.(217)

إذا أخرجت النّاقة صوتا من حلقها و لم تفتح به فاها، قيل:أرزمت،و ذلك على ولدها حين ترأمه.

و الحنين:أشدّ من الرّزمة.(218)

فإذا كان لها[الرّيح]حنين كحنين الإبل،فهي الحنون.(273)

ابن سيده: الحنين:الشّديد من البكاء و الطّرب.

و قيل:هو صوت الطّرب كان ذلك عن حزن أو فرح.

و الحنين:التّشوّق،و المعنيان متقاربان.

حنّ يحنّ حنينا.

و استحنّ:استطرب.

و حنّت الإبل:نزعت إلى أوطانها و أولادها.

و النّاقة تحنّ في إثر ولدها حنينا:تطرب مع صوت.

و قيل:حنينها:نزاعها بصوت و بغير صوت.و الأكثر أنّ الحنين بالصّوت.

و تحانّت كحنّت،حكاه يعقوب في بعض شروحه.

و كذلك الحمامة و الرّجل.و سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بلالا ينشد:

ص: 149

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

بواد و حولي إذخر و جليل

فقال له:حننت يا ابن السّوداء.

و الحنون من الرّياح:الّتي لها حنين كحنين الإبل، أي صوت يشبه صوتها عند الحنين.

و قد حنّت و استحنّت.

و سحاب حنّان،كذلك.

و امرأة حنّانة:تحنّ إلى زوجها الأوّل.و قيل:هي الّتي تحنّ على ولدها الّذي من زوجها المفارقها.

و الحنون من النّساء:الّتي تتزوّج رقّة على ولدها إذا كانوا صغارا،ليقوم الزّوج بأمرهم.

و حنّة الرّجل:امرأته.

«و ما له حانّة و لا آنّة».الحانّة:النّاقة،و الآنّة:الشّاة.

و قيل:هي الأمة،لأنّها تئنّ من التّعب.

و قالوا:«لا أفعل ذلك حتّى تحنّ الضّبّ في أثر الإبل الصّادرة».و ليس للضّبّ حنين،إنّما هو مثل؛و ذلك لأنّ الضّبّ لا يرد أبدا.

و الطّست تحنّ إذا نقرت،على التّشبيه.

و حنّت القوس حنينا:صوّتت،و أحنّها صاحبها، و قوس حنّانة.

قال أبو حنيفة:و كذلك سمّيت القوس حنّانة،اسم لها علم.هذا قول أبي حنيفة وحده،و نحن لا نعلم أنّ القوس تسمّى حنّانة،إنّما هو صفة تغلب عليها غلبة الاسم،فإن كان أبو حنيفة أراد هذا و إلاّ فقد أساء التّعبير.

و الحنّان من السّهام:الّذي إذا أدير بالأنامل على الأباهم حنّ لعتق عوده و التئامه.

و الحنّة بالكسر:رقّة القلب،عن كراع.

و الحنان:الرّحمة.

و قالوا:حنانيك،أي تحنّنا[منك]عليّ بعد تحنّن.

يقول:كلّما كنت في رحمة منك و خير فلا ينقطعنّ،و ليكن موصولا بآخر من رحمتك.هذا معنى التّثنية عند سيبويه في هذا الضّرب.

قال سيبويه:و لا يستعمل مثنّى إلاّ في حدّ الإضافة.

و قد قالوا:حنانا،فصلوه من الإضافة في حدّ الإفراد، و كلّ ذلك بدل من اللّفظ بالفعل،و الّذي ينتصب عليه غير مستعمل إظهاره،كما أنّ الّذي يرتفع عليه كذلك.

و قالوا:سبحان اللّه و حنانيه،أي و استرحامه،كما قالوا:سبحان اللّه و ريحانه،أي استرزاقه.

و التّحنّن كالحنان.

و طريق حنّان:بيّن واضح منبسط.

و طريق يحنّ فيه العود:ينبسط.

و الحنين و الحنّة:الشّبه.و في المثل«لا تعدم ناقة من أمّها حنينا و حنّة»أي شبها،يقال ذلك لكلّ من أشبه أباه و أمّه.

و الحنان:الهيبة.

و ما تحنّني شيئا من شرّك،أي ما تردّه عنّي.

و الحنّون:نور كلّ شجرة،و نبت؛واحدته:حنّونة.

و حنّن الشّجر و العشب:أخرج ذلك.

و زيت حنين:متغيّر الرّيح،و جوز حنين كذلك.

و بنو حنّ:حيّ.

و الحنّ:حيّ من الجنّ،منهم الكلاب البهم.يقال:

كلب حنّيّ.و قيل:الحنّ ضرب من الجنّ.

ص: 150

و الحنّ:سفلة الجنّ أيضا و ضعفاؤهم،عن ابن الأعرابى.

و ليس في هذا ما يدلّ على أنّ الحنّ سفلة الجنّ،و لا على أنّهم حيّ من الجنّ،إنّما يدلّ على أنّ الحنّ نوع آخر غير الجنّ.

و حنّة و حنّونة:اسم امرأة.

و حنين:اسم واد بين مكّة و الطّائف.

و حنين:اسم رجل.

و الحنّان:موضع إليه ينسب أبرق الحنّان.

و حنين و الحنين جميعا:جمادي الأولى،اسم له كالعلم.و جمعه:أحنّة و حنون و حنائن.[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](2:533)

الرّاغب: الحنين:النّزاع المتضمّن للإشفاق.يقال:

حنّت المرأة و النّاقة لولدها.و قد يكون مع ذلك صوت، و لذلك يعبّر بالحنين عن الصّوت الدّالّ على النّزاع و الشّفقة،أو متصوّر بصورته،و على ذلك حنين الجذع.

و ريح حنون و قوس حنّانة،إذا رنّت عند الإنباض

و قيل:ما له حانّة و لا آنّة،أي لا ناقة و لا شاة سمينة، و وصفتا بذلك اعتبارا بصوتهما.

و لمّا كان الحنين متضمّنا للإشفاق،و الإشفاق لا ينفكّ من الرّحمة،عبّر عن الرّحمة به،في نحو قوله تعالى:

وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا مريم:13.

و منه قيل:الحنّان المنّان.و حنانيك:إشفاقا بعد إشفاق و تثنيته كتثنية:لبّيك و سعديك.

وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ التّوبة:25،منسوب إلى مكان معروف.(133)

الزّمخشريّ: حنّ إلى وطنه و حنّ عليه حنانا:

ترحّم عليه،و حنانيك.

و ما له حانّة و لا آنّة،أي ناقة و لا شاة.

و هذه حنّتي،أي امرأتي.

و رجل مجنون محنون:من الحنّ،و هم حيّ من الجنّ.

و من المجاز:قوس حنّانة.

و عود حنّان،و خمس حنّان:تحنّ فيه الإبل،من الجهد.

و طريق حنّان و نهّام:للإبل فيه حنين و نهيم.

و استحنّه الشّوق:استطربه،و جرحه جرحا لا يحنّ على عظم.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات]

(أساس البلاغة:97)

[في حديث عمر]لمّا قال ابن أبي معيط:أ أقتل من بين قريش؟قال عمر:«حنّ قدح ليس منها».

ضربه مثلا لإدخاله نفسه في قريش،و ليس منهم.

و أصله أن يستعار قدح فيضرب مع القداح،فيصوّت صوتا يخالف أصواتها.(الفائق 1:323)

الحنّ:من حنّ عليه،إذا رقّ و أشفق.[ثمّ استشهد بشعر]

[في كلام و رقة في بلال رضى اللّه عنه:]«...و اللّه لئن قتلتموه لأتّخذنّه حنانا».

أراد لأجعلنّ قبره موضع حنان،أي مظنّة من رحمة اللّه فأتمسّح به متبرّكا،كما كان يتمسّح بقبور الصّالحين الّذين قتلوا في سبيل اللّه في الأمم الماضية،فيرجع ذلك عارا عليكم،و سبّة عند النّاس.(الفائق 1:325)

المدينيّ: في حديث عليّ رضى اللّه عنه:«إنّ هذه الكلاب

ص: 151

الّتي لها أربعة أعين من الحنّ».

الحنّ:حيّ من الجنّ،و هي ضعفة الجنّ.يقال:مجنون محنون،و هو الّذي يصرع ثمّ يفيق زمانا.

[قيل]:هي سفلة الجنّ،و قيل:الجنّ ثلاثة أصناف:

جنّ و حنّ و بنّ.

في الحديث:«أنّه دخل على أمّ سلمه رضي اللّه عنها، و عندها غلام يسمّى الوليد،فقال:اتّخذتم الوليد حنانا، غيّروا اسمه»،أي ترحمون و تحبّون هذا الاسم،و الحنان:

الرّحمة.

و في حديث آخر:«أنّه من أسماء الفراعنة»فكره أن يسمّى به،كما استحبّ أن يسمّى بأسماء الصّالحين،و اللّه أعلم.

في حديث زيد بن عمرو:«حنانيك»أي ارحمني رحمة بعد رحمة.

و قيل:الحنّ من«حنّ»إذا رقّ عليه قلبه،و الرّقّة و الضّعف من باب.

و يجوز أن يكون من أحنّ إحنانا،إذا أخطأ،لأنّ الأبصار تخطئها و لا تدركها،كما أنّ الجنّ من الاجتنان.(1:514)

ابن الأثير: [في حديث عمر]:«حنّ قدح ليس منها»هو مثل يضرب للرّجل ينتمي إلى نسب ليس منه، أو يدّعي ما ليس منه في شيء.

و القدح بالكسر:أحد سهام الميسر،فإذا كان من غير جوهر أخواته ثمّ حرّكها المفيض بها،خرج له صوت يخالف أصواتها،فعرف به.

و منه كتاب عليّ رضى اللّه عنه إلى معاوية:«و أمّا قولك:كيت و كيت،فقد حنّ قدح ليس منها».(1:452)

الفيّوميّ: حننت على الشّيء أحنّ،من باب «ضرب»حنّة بالفتح و حنانا:عطفت و ترحّمت.

و حنّت المرأة حنينا:اشتاقت إلى ولدها.

و حنين مصغّر:واد بين مكّة و الطّائف،هو مذكّر منصرف،و قد يؤنّث على معنى البقعة.(154)

الفيروزآباديّ: الحنين:الشّوق و شدّة البكاء و الطّرب،أو صوت الطّرب عن حزن أو فرح،حنّ يحنّ حنينا:استطرب،فهو حانّ كاستحنّ و تحانّ.

و الحانّة:النّاقة كالمستحنّ.

و الحنّانة:القوس،أو المصوّتة منها،و قد حنّت و أحنّها صاحبها،و الّتي كان لها زوج قبل فتذكره بالحنين و التّحزّن.

و الحنان كسحاب:الرّحمة و الرّزق و البركة و الهيبة و الوقار،و رقّة القلب،و الشّرّ الطّويل.

و حنان اللّه،أي معاذ اللّه.

و كشدّاد؛من يحنّ إلى الشّيء،و اسم اللّه تعالى، و معناه الرّحيم،أو الّذي يقبل على من أعرض عنه؛ و السّهم يصوّت إذا نقرته بين إصبعيك،و الواضح من الطّرق،و شاعر من جهينة،و فرس للعرب معروف.

و خمس حنّان،أي بائص له حنين من سرعته.

و أبرق الحنّان:موضع.

و الحنّان بالكسر:مشدّدة الحنّاء.

و الحنّ بالكسر:حيّ من الجنّ،منهم الكلاب السّود البهم،أو سفلة الجنّ و ضعفاؤهم أو كلابهم،أو خلق بين الجنّ و الإنس.

ص: 152

و بالفتح:الإشفاق أو الجنون،و مصدر حنّ عنّي شرّك:كفّه و اصرفه.

و بالضّمّ:بنو حنّ:حيّ من عذرة.

و الحنّة و يفتح:الجنّة.

و المحنون:المصروع،أو المجنون.

و تحنّن:ترحّم.

و حنانيك،أي تحنّن عليّ مرّة بعد مرّة و حنانا بعد حنان.

و حنّة:أمّ مريم عليها السّلام،و من الرّجل:زوجته،و من البعير:رغاؤه.

و حنّه:صدّه و صرفه.

و الحنون:الرّيح لها حنين كالإبل،و المتزوّجة رقّة على ولدها ليقوم الزّوج بهم،و كتنّور الفاغية (1)،أو نور كلّ شجر.

و حنّنت الشّجرة تحنينا:نوّرت.

و أحنّ:أخطأ.

و حنين كزبير:موضع بين الطّائف و مكّة،و اسم، و يمنع،و إسكاف ساومه أعرابيّ بخفّين؛فلم يشتره فغاظه،و علّق أحد الخفّين في طريقه،و تقدّم و طرح الآخر،و كمن له،فرأى الأوّل فقال:ما أشبهه بخفّ حنين و لو كان معه آخر لأخذته،فتقدّم و رأى الثّاني مطروحا فعقل بعيره و رجع إلى الأوّل،فذهب حنين ببعيره، و جاء الأعرابيّ إلى الحيّ بخفّي حنين،فذهب مثلا.

و حنين كأمير و سكّيت و باللاّم فيهما:اسمان لجمادى الأولى و الآخرة؛جمعه:أحنّة و حنون و حنائن.

و يحنّة بضمّ أوّله و فتح الباقي:ابن رؤبة،ملك أيلة، صالحه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على أهل جرباء و أذرح.

و حمل فحنّن،أي هلّل و كذّب.

و حنحن:أشفق.

و الحنن محرّكة:الجعل.

و حنّ بالضّمّ:أبو حيّ من عذرة.

و حنانة:اسم راع.

و حنيناء:موضع بالشّام.

و التّحوّن:الذّلّ و الهلاك.(4:218)

الطّريحيّ: يقال:حننت على الشّيء أحنّ،من باب «ضرب»حنّة بالفتح و حنانا:عطفت عليه و ترحّمت.

و قيل:الحنان:الرّزق و البركة.

و في الحديث:«سئل عليه السّلام ما عنى في يحيى وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا مريم:13؟قال:تحنّن اللّه عليه.قلت:فما بلغ من تحنّن اللّه عليه؟قال:كان إذا قال:يا ربّ،قال:لبّيك يا يحيى.[إلى أن قال:]

و الحنان بالتّخفيف:الرّحمة،و بالتّشديد:ذو الرّحمة.

و في حديث عليّ عليه السّلام،و قد سئل عن الحنّان و المنّان، فقال:«الحنّان هو الّذي يقبل على من أعرض عنه، و المنّان هو الّذي يبدأ بالنّوال قبل السّؤال».فالحنّان مشدّدا من صفاته تعالى.

و في الدّعاء:«سبحانك و حنانيك»أي أنزّهك عمّا لا يليق بك تنزيها،و الحال أنّي أسألك رحمة بعد رحمة.

و تحنّن عليهم:ترحّم.

و العرب تقول:حنانيك يا ربّ،أي ارحمني رحمة بعد رحمة،و هو كلبّيك.ء.

ص: 153


1- و هي ثمر الحنّاء.

و في الحديث:«تحنّنوا على أيتام المسلمين»أي تعطّفوا عليهم و ارحموهم.

و فيه:«لا يحنّن أحدكم حنين الأمة»على ما روي عنه،و خصّ الأمة،لأنّ العادة أنّ الأمة تضرب و تؤذى، فيكثر حنينها،أو لأنّ الغالب عليها الغربة،فتحنّ إلى أهلها.[ثمّ ذكر حديث الجذع و قال:]

و في الحديث:«قلوب شيعتنا تحنّ إلينا»أي تشتاق.

و الحنّانة:موضع قرب النّجف،على مشرّفه السّلام.

(6:239)

مجمع اللّغة :الحنان:الرّحمة و العطف و الرّزق و البركة.(1:305)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حنّ حنينا:اشتاق، و رفع صوته اشتياقا.

و حنّ حنانا:عطف و أشفق،و الحنان:الرّحمة و رقّة القلب.(149)

العدنانيّ: الحنّاء لا الحنّة

الشّجر الّذي يشبه ورقه و عيدانه ورق الرّمّان و عيدانه،و الّذي له زهر أبيض كالعناقيد،و يتّخذ من ورقه خضاب أحمر،يطلقون عليه اسم الحنّة.و الصّواب هو:الحنّاء:أبو زيد الأنصاريّ،و الأزهريّ،و الصّحاح، و معجم مقاييس اللّغة،و السّمعانيّ،و الأساس،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و دوزي،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و همزة الحنّاء أصليّة؛و يجمع على:

أ-حنآن:أنشد أبو حنيفة الدّينوريّ في كتاب النّبات:

و لقد أروح بلمّة فينانة

سوداء لم تخضب من الحنآن

و ممّن ذكر الحنآن أيضا:أبو الطّيّب اللّغويّ، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن.

ب-و حنّان:الفرّاء،و أبو حنيفة الدّينوريّ،و اللّسان -الّذي يذكر أنّ الجمع في بيت كتاب النّبات المذكور آنفا هو:الحنّان بدلا من الحنآن-و التّاج،و المدّ،و المتن.

ج-و حنّان:السّهيليّ في الرّوض الأنف،و التّاج، و المدّ،و المتن.

و يسمّى بائع الحنّاء:الحنّائيّ.

و يقولون:إنّ واحدة الحنّاء هي:حنّاءة.

أمّا فعله فهو:حنّأ لحيته يحنّؤها تحنيئا و تحنئة:

خضبها بالحنّاء.

و هنالك الفعل تحنّأ،و معناه:تخضّب بالحنّاء.

فسد الجبن أو الطّعام لا حنّنا

و يقولون:حنّن الجبن أو الطّعام،و الصّواب:فسدا، أو تغيّر طعمهما.

و الفعل حنّن،بهذا المعنى،عامّيّ،كما قال؛محيط المحيط،و المتن.

و لم أجد في المعجمات سوى:الزّيت الحنين و الجوز الحنين،و هما اللّذان تغيّرت رائحتهما.

و من معاني حنّن:

أ-حنّنت الشّجرة:نوّرت.

ب-حنّن فلان:1-هلّل.2-جبن.

ج-ما حنّن عنّي:ما انثنى و ما قصّر.

ص: 154

التّحنان

و يخطّئون من يستعمل كلمة«التّحنان»بمعنى الحنين الشّديد أو الرّحمة،اعتمادا على أنّ عددا كبيرا من المعجمات قد أهملوا ذكرها:كالصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و المتن.

و لكن:

قالت الخنساء:

لا تسمن الدّهر في أرض،و إن ربعت

فإنّما هو تحنان و تسجار

و الخنساء يستشهد بشعرها.

و ذكر التّحنان أيضا:دوزي،و أقرب الموارد، و محمود سامي البارودي،و الوسيط.

و ممّا قاله محمود سامي البارودي:

سواي بتحنان الأغاريد يطرب

و غيري باللّذّات يلهو و يلعب

و جاء في قصيدتي الّتي رثيت بها أمّي:

و هيهات أنسى لحن قلبك عازفا

لي الحبّ،و التّحنان،و البرّ،و الحلما

الحنائن لا الحناين

و يقولون:رانية من أشهر الأمّهات الحناين.

و الصّواب:هي من أشهر الأمّهات الحنائن،لأنّ جمع التّكسير«فعائل»،مقيس في كلّ رباعيّ-اسم أو صفة- مؤنّث تأنيثا لفظيّا أو معنويّا،ثالثه مدّة،ألفا كانت،أو واوا،أو ياء.و يشمل عشرة أوزان،خمسة منها غير مختومة بالتّاء.

و من هذه الخمسة ما جاء على وزن«فعول»،مثل:

حنون و حنائن،و عجوز و عجائز.

و كلمة عجوز تقال للمرأة-غالبا-إذا كانت عجوزا، و قد تقال للرّجل المسنّ أيضا.

راجع«معجم الأخطاء الشّائعة»للمؤلّف.

الحنّة،الحنان لا الحنّيّة

و يقولون:حنّيّة الأمّ الشّديدة أفسدت وحيدها.

و الحنّيّة بكسر الحاء و فتحها:كلمة عامّيّة،كما جاء في مستدرك التّاج،و المدّ،و المتن.و الصّواب هو:الحنّة،أو الحنان،أو العطف،أو الرّأفة.

و ممّن ذكر الحنّة بمعنى رقّة القلب:كراع،و مستدرك التّاج،و المدّ،و ذيل أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

حنانيك و حنانك

و يخطّئون من يقول:حنانك يا ربّي،أي امنحني حنانك و رحمتك،اعتمادا على قول طرفة بن العبد:

أبا منذر!أفنيت،فاستبق بعضنا

حنانيك،بعض الشّرّ أهون من بعض

و يعتمدون أيضا على قول السّيوطيّ في الجزء الثّاني من«المزهر»في باب ذكر المثنّى الّذي ليس له واحد:

حنانيك،و معناه:تحنين بعد تحنين.و هي مثل:لبّيك و سعديك.و زاد عليهما ابن دريد في«الجمهرة»:حواليك و دواليك.و أيّدهما في ذلك صاحب«أغلاط الكتّاب»، و انتقد شوقي لاستعماله حنان مفردة في قوله في مطلع قصيدته،في رثاء فوزي الغزّي:

رزء على رزء حنانك جلّق

حمّلت ما يوهي الجبال و يرهق

ص: 155

و قال الرّاغب الأصفهانيّ في«مفرداته»:حنانيك:

اشفاقا بعد إشفاق،و تثنيته كتثنية لبّيك و سعديك.

و جاء في«النّهاية»:و في حديث زيد بن عمرو بن نفيل:«حنانيك يا ربّ»أي ارحمني رحمة بعد رحمة.

و اكتفى«القاموس»بذكر«حنانيك»فقال:حنانيك:

تحنّن عليّ مرّة بعد مرّة و حنانا بعد حنان.

و لكن:جاء في«الصّحاح»:و العرب تقول:حنانك يا ربّ و حنانيك يا ربّ،بمعنى واحد،أي رحمتك.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاء في«معجم مقاييس اللّغة»:تقول:حنانك،أي رحمتك،و حنانيك،و حنانيك،أي حنانا بعد حنان، و رحمة بعد رحمة.

و قال«التّاج»:قالوا:حنانك و حنانيك،أي:تحنّن عليّ مرّة بعد مرّة،و حنانا بعد حنان.[ثمّ استشهد بشعر] ببيتي امرئ القيس و طرفة.

و أورد حنانك و حنانيك،كلتيهما كلّ من المختار، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.(173)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الرّقّة المخصوصة في القلب،المقتضية للإشفاق و الرّحمة،و ليس مفهومها الرّقّة المطلقة،و لا الرّحمة،و لا الإشفاق المطلق،و لا الاشتياق و غيره.

و هذه الصّفة من الصّفات الممتازة للإنسان الرّوحانيّ،و هو من صفات اللّه تعالى،فإنّ من أسمائه العليا الحنّان.

و يقابلها الغلظة و الخشونة في القلب.

و إذا اتّصف العبد بالحنّان من جانب اللّه و ايتائه، فيكون قلبه خاضعا خاضعا متذلّلا للّه،له خشية و رحمة و حبّ للّه و في اللّه.و هذا المقام إنّما يحصل بعد تزكية القلب و تهذيبها عن الأرجاس و السّيّئات من الأفكار و الأخلاق،ليكون طاهرا طيّبا،مستعدّا لنزول الرّحمة و البركة و الرّزق و السّكينة وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ الأعراف:58.(2:324)

النّصوص التّفسيريّة

حنانا

وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا وَ زَكاةً وَ كانَ تَقِيًّا. مريم:12 و 13

ابن عبّاس: و أعطيناه رحمة من عندنا لأبويه.

(254)

نحوه قتادة و عكرمة(الطّبريّ 16:55)،و أبو عبيدة (2:2)،و ابن قتيبة(273)،و الثّعلبيّ(6:208).

ما أدري ما(حنانا)إلاّ أن يكون بعطف رحمة اللّه عزّ و جلّ على عباده.(الثّعلبيّ 6:208)

سعيد بن جبير: بركة.(الماورديّ 3:360)

مجاهد :تعطّفا من ربّه عليه.(الطّبريّ 16:56)

عكرمة :محبّة عليه.

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 16:56)

نحوه عوف.(الثّعلبيّ 6:208)

الضّحّاك: رحمة من عندنا،لا يملك عطاءها أحد غيرنا.(الطّبريّ 16:55)

ص: 156

نحوه البغويّ.(3:227)

عطاء:تعظيما من لدنّا.(الطّبريّ 16:56)

الفرّاء: الحنان:الرّحمة.و نصب(حنانا)أي و فعلنا ذلك رحمة لأبويه.(2:163)

الجبّائيّ: معناه تحنّنا على العباد،و رقّة قلب عليهم،ليدعوهم إلى طاعة اللّه تعالى.

(الطّبرسيّ 3:506)

الطّبريّ: و رحمة منّا و محبّة له،آتيناه الحكم صبيّا.(16:55)

الزّجّاج: و الحنان:العطف و الرّحمة.[ثمّ استشهد بشعر](3:322)

الماورديّ: فيه ستّة تأويلات[و ذكر قول ابن عبّاس و مجاهد و عكرمة و سعيد بن جبير و قال:]

السّادس:يعني آتينا تحنّنا على العباد.

و يحتمل سابعا:أن يكون معناه رفقا،ليستعطف به القلوب و تسرع إليه الإجابة.(3:360)

الميبديّ: و أعطيناه مع الحكمة رحمة و عطفا من عندنا.

و قيل:معناه:جعلناه رحيما على الخلق،يدعوهم إلى الهدى،و يعلّمهم العلم.

الحنان:العطف و الشّفقة،مشتقّ من:حنّ إليه حنينا، إذا مالت إليه نفسه حتّى أظهر الجزع،من انقطاع رؤيته عنه،و اشتياقه إليه.و الحنّان:المترحّم.(6:14)

الزّمخشريّ: رحمة لأبويه و غيرهما و تعطّفا و شفقة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:حنانا من اللّه عليه،و«حنّ»في معنى ارتاح و اشتاق،ثمّ استعمل في العطف و الرّأفة.و قيل للّه:حنّان، كما قيل:رحيم،على سبيل الاستعارة.(2:504)

نحوه البروسويّ(5:319)،و القاسميّ(11:

4130).

ابن عطيّة: أي و بحال حنان منّا و تزكية له.

و الحنان:الرّحمة و الشّفقة و المحبّة،قاله جمهور المفسّرين.

و هو تفسير اللّغة،و هو فعل من أفعال النّفس.و يقال:

حنانك و حنانيك،فقيل:هما لغتان بمعنى واحد.و قيل:

حنانيك تثنية الحنان.(4:7)

الطّبرسيّ: و الحنان:العطف و الرّحمة.[و ذكر بعض الأقوال السّابقة ثمّ قال:]

و قيل:معناه تحنّن اللّه عليه،كان إذا قال:يا ربّ،قال اللّه:لبّيك يا يحيى.(3:506)

الفخر الرّازيّ: و قد اختلف النّاس في وصف اللّه ب«الحنان»فأجازه بعضهم،و جعله بمعنى:الرّءوف الرّحيم،و منهم من أباه لما يرجع إليه أصل الكلمة،قالوا:

لم يصحّ الخبر بهذه اللّفظة في أسماء اللّه تعالى.إذا عرفت هذا فنقول:الحنان هنا فيه وجهان:أحدهما:أن يجعل صفة للّه،و ثانيهما:أن يجعل صفة ليحيى.

أمّا إذا جعلناه صفة للّه تعالى،فنقول:التّقدير:

و آتيناه الحكم حنانا،أي رحمة منّا،ثمّ هاهنا احتمالات:

الأوّل:أن يكون الحنان من اللّه ليحيى،المعنى آتيناه الحكم صبيّا،ثمّ قال: وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا أي إنّما آتيناه الحكم صبيّا حنانا من لدنّا عليه،أي رحمة عليه(و زكاة) أي و تزكية له و تشريفا له.

و الثّاني:أن يكون الحنان من اللّه تعالى لزكريّا عليه السّلام،

ص: 157

فكأنّه تعالى قال:إنّما استجبنا لزكريّا دعوته بأن أعطيناه ولدا،ثمّ آتيناه الحكم صبيّا،و حنانا من لدنّا عليه،أي على زكريّا فعلنا ذلك،(و زكاة)أي و تزكية له عن أن يصير مردود الدّعاء.

و الثّالث:أن يكون الحنان من اللّه تعالى لأمّة يحيى عليه السّلام،كأنّه تعالى قال: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا* وَ حَناناً منّا على أمّته،لعظيم انتفاعهم بهدايته و إرشاده.

أمّا إذا جعلناه صفة ليحيى عليه السّلام،ففيه وجوه:

الأوّل:آتيناه الحكم و الحنان على عبادنا،أي التّعطّف عليهم،و حسن النّظر على كافّتهم فيما أولّيه من الحكم عليهم،كما وصف نبيّه فقال: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ آل عمران:159،و قال: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ التّوبة:128،ثمّ أخبر تعالى أنّه آتاه زكاة،و معناه أن لا تكون شفقته داعية له إلى الإخلال بالواجب،لأنّ الرّأفة و اللّين ربما أورثا ترك الواجب.

أ لا ترى إلى قوله تعالى: وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ النّور:2،و قال: قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً التّوبة:123،و قال:

أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ المائدة:54،فالمعنى إنّما جعلنا له التّعطّف على عباد اللّه مع الطّهارة عن الإخلال بالواجبات.و يحتمل آتيناه التّعطّف على الخلق و الطّهارة عن المعاصي،فلم يعص و لم يهمّ بمعصية.

و في الآية وجه آخر،و هو المنقول عن عطاء بن أبي رباح وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا، و المعنى:آتيناه الحكم صبيّا تعظيما؛إذ جعلناه نبيّا و هو صبيّ،و لا تعظيم أكثر من هذا.

و الدّليل عليه ما روي أنّه مرّ ورقة بن نوفل على بلال و هو يعذّب،قد ألصق ظهره برمضاء البطحاء، و يقول:أحد أحد،فقال:و الّذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتّخذنّه حنانا،أي معظّما.(21:192)

القرطبيّ: [نحو ابن عطيّة إلى أن قال:]

أي تعطّفا منّا عليه أو منه على الخلق.[ثمّ استشهد بشعر](11:88)

البيضاويّ: و رحمة منّا عليه،أو رحمة و تعطّفا في قلبه على أبويه و غيرهما،عطفا على الحكم.(2:30)

نحوه النّسفيّ.(3:30)

النّيسابوريّ: و الحنان:أصله توقان النّفس،ثمّ استعمل في الرّحمة،و هو المراد هاهنا.و ما قيل:إنّه يحتمل أن يراد حنانا منّا على زكريّا أو على أمّة يحيى،لا يساعده وجود الواو.

و قيل:أراد آتيناه الحكم و الحنان على عبادنا،كقوله في نبيّنا: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ آل عمران:

159.

و أراد بقوله:(و زكاة)أنّه مع الإشفاق عليهم كان لا يخلّ بإقامة ما يجب عليهم،لأنّ الرّأفة و اللّين ربّما تورث ترك الواجب،و لهذا قال: وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ النّور:2،و لا يخفى أنّه لا يساعد هذا القول وجود لفظة مِنْ لَدُنّا (16:41)

ابن كثير :[ذكر بعض الأقوال و قال:]

و الظّاهر من السّياق أنّ قوله:(و حنانا)معطوف على

ص: 158

قوله: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا أي و آتيناه الحكم و حنانا و زكاة،أي و جعلناه ذا حنان و زكاة.فالحنان هو المحبّة في شفقة و ميل،كما تقول العرب:حنّت النّاقة على ولدها، و حنّت المرأة على زوجها.و منه سمّيت المرأة:حنّة،من الحنية،و حنّ الرّجل إلى وطنه،و منه التّعطّف و الرّحمة.

[ثمّ استشهد بشعر](4:442)

الشّربينيّ: أي و آتيناه رحمة و هيبة و وقارا،و رقّة قلب و رزقا و بركة.(2:416)

أبو السّعود : وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا عطف على (الحكم)و تنوينه للتّفخيم،و هو التّحنّن و الاشتياق.

و(من)متعلّقة بمحذوف وقع صفة مؤكّدة لما أفاده التّنوين من الفخامة الذّاتيّة بالفخامة الإضافيّة،أي و آتيناه رحمة عظيمة عليه،كائنة من جنابنا،أو رحمة في قلبه و شفقة على أبويه و غيرهما.(4:234)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أبي السّعود إلى أن قال:]

أي و آتيناه رحمة عظيمة عليه،كائنة من جنابنا.

و هذا أبلغ من«و رحمناه»،و روي هذا التّفسير عن مجاهد.

و قيل:المراد و آتيناه رحمة في قلبه و شفقة على أبويه و غيرهما.و فائدة الوصف على هذا الإشارة إلى أنّ ذلك كان مرضيّا للّه عزّ و جلّ،فإنّ من الرّحمة و الشّفقة ما هو غير مقبول،كالّذي يؤدّي إلى ترك شيء من حقوق اللّه سبحانه،كالحدود مثلا،أو الإشارة إلى أنّ تلك الرّحمة زائدة على ما في جبلّة غيره عليه السّلام،لأنّ ما يهبه العظيم عظيم.

و أورد على هذا:أنّ الإفراط مذموم كالتّفريط، و خير الأمور أوسطها.

و ردّ بأنّ مقام المدح يقتضي ذلك،و ربّ إفراط يحمد من شخص و يذمّ من آخر،فإنّ السّلطان يهب الألوف، و لو وهبها غيره كان إسرافا مذموما.

و عن ابن زيد:أنّ الحنان هنا المحبّة،و هو رواية عن عكرمة،أي و آتيناه محبّة من لدنّا،و المراد-على ما قيل- جعلناه محبّبا عند النّاس،فكلّ من رآه أحبّه،نظير قوله تعالى: وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي طه:39.

و جوّز بعضهم أن يكون المعنى نحو ما تقدّم على القول السّابق.

و قيل:هو منصوب على المصدريّة،فيكون من باب زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ حِفْظاً فصّلت:12.

و جوّز أن يجعل مفعولا لأجله،و أن يجعل عطفا على (صبيّا)؛و ذلك ظاهر على تقدير:أن يكون المعنى رحمة لأبويه و غيرهما،و على تقدير أن يكون:و حنانا من اللّه تعالى عليه،لا يجيء الحال و باقي الأوجه بحاله،و لا يخفى على المتأمّل الحال،على ما روي عن ابن زيد.

(16:72)

سيّد قطب :و آتاه الحنان هبة لدنّيّة،لا يتكلّفه و لا يتعلّمه،إنّما هو مطبوع عليه و مطبوع به،و الحنان صفة ضروريّة للنّبيّ المكلّف رعاية القلوب و النّفوس،و تألّفها و اجتذابها إلى الخير في رفق.(4:2304)

ابن عاشور :و جعل حنان يحيى من لدن اللّه،إشارة إلى أنّه متجاوز المعتاد بين النّاس.(16:18)

الطّباطبائيّ: و الحنان:العطف و الإشفاق.[ثمّ نقل

ص: 159

قول الرّاغب و أضاف:]

و فسّر«الحنان»في الآية بالرّحمة،و لعلّ المراد بها النّبوّة أو الولاية،كقول نوح عليه السّلام: وَ آتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ هود:28،و قول صالح: وَ آتانِي مِنْهُ رَحْمَةً هود:63.

و فسّر بالمحبّة،و لعلّ المراد بها:محبّة النّاس له،على حدّ قوله: وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي طه:39،أي كان لا يراه أحد إلاّ أحبّه.

و فسّر بتعطّفه على النّاس و رحمته و رقّته عليهم، فكان رءوفا بهم ناصحا لهم،يهديهم إلى اللّه و يأمرهم بالتّوبة،و لذا سمّي في العهد الجديد ب«يوحنّا المعمّد».

و فسّر بحنان اللّه عليه،كان إذا نادى ربّه لبّاه اللّه سبحانه-على ما في الخبر-فيدلّ على أنّه كان للّه سبحانه حنان خاصّ به،على ما يفيده تنكير الكلمة.

و الّذي يعطيه السّياق،و خاصّة بالنّظر إلى تقييد «الحنان»بقوله: مِنْ لَدُنّا -و الكلمة إنّما تستعمل فيما لا مجرى فيه للأسباب الطّبيعيّة العاديّة،أو لا نظر فيه إليها -أنّ المراد به:نوع عطف و انجذاب خاصّ إلهيّ بينه و بين ربّه غير مألوف،و بذلك يسقط التّفسير الثّاني و الثّالث.

ثمّ تعقّبه بقوله:(زكاة)،و الأصل في معناه:النّموّ الصّالح،و هو لا يلائم المعنى الأوّل كثير ملاءمة،فالمراد به:

إمّا حنان من اللّه سبحانه إليه بتولّي أمره،و العناية بشأنه، و هو ينمو عليه.و إمّا حنان و انجذاب منه إلى ربّه،فكان ينمو عليه،و النّموّ نموّ الرّوح...(14:19)

مكارم الشّيرازيّ: و الحنان في الأصل بمعنى الرّحمة و الشّفقة و المحبّة،و إظهار العلاقة و المودّة.

(9:370)

المصطفويّ: فالحكم هو العلم اليقينيّ و الفصل و المعرفة،و الزّكاة:عبارة عن التّزكية و تهذيب النّفس، و طهارة الباطن و الصّفاء،و الحنان:مصدر كسلام معطوف على(الحكم)أي و آتيناه حنانا.

و لا يخفى أنّ الحنان و تلك الرّقّة و اللّطف المخصوص في القلب لا تحصل إلاّ من عند اللّه،و من موهبته و إيتائه.(2:324)

فضل اللّه :بما أفاضه اللّه عليه من روحيّة الحنان الإلهيّ الّذي يغمر قلبه بالخير و الرّحمة،فينسكب على حياة النّاس رأفة و عطفا و رحمة و محبّة،فلا يعنف بهم، و لا يقسو عليهم،و لا يحملهم ما لا يطيقون:في ما يحملهم من مسئوليّات،و يدعوهم إليه من قضايا،و يقودهم إليه من مواقف.و لعلّ هذا أقرب إلى الفهم في موقعه الرّساليّ الّذي تلتقي فيه الرّسالة بالحكم.

و ربّما فسّره بعضهم بأنّه نوع عطف و انجذاب خاصّ إلهيّ بينه و بين ربّه غير مألوف،و ذلك نظرا إلى تقييد«الحنان»بقوله: مِنْ لَدُنّا إذ إنّها تستعمل في ما لا مجرى أو نظر فيه،بالنّسبة للأسباب الطّبيعيّة العاديّة.

و لكنّنا لا نجد في الكلمة مثل هذا الإيحاء،بل يكفي في صحّة النّسبة إلى اللّه أن يكون العمل صادرا منه بإرادته، بشكل أو بآخر،و ربّما تكون دلالتها على جانب الرّعاية منه أكثر من دلالتها على الجانب غير العادي من ذلك، و اللّه العالم.(15:24)

ص: 160

حنين

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ...

التّوبة:25

ابن عبّاس: و هو واد بين مكّة و الطّائف.(156)

عروة بن الزّبير:هو واد إلى جنب ذي المجاز و الحريّ.(الثّعلبيّ 5:22)

قتادة :حنين:اسم ماء بين مكّة و الطّائف،و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في اثني عشر ألفا من المهاجرين و الأنصار، و ألفين من الطّلقاء،فقال رجل:لن تغلبوا اليوم،فتفرّق أكثرهم،ثمّ دعا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فأجيب و نصر،فأعلمهم اللّه جلّ و عزّ أنّهم لم يغلبوا من كثرة،و إنّما يغلبون بأن ينصرهم اللّه.(النّحّاس 3:194)

حنين:ماء بين مكّة و الطّائف،قاتل عليها نبيّ اللّه هوازن و ثقيف،و على هوازن مالك بن عوف أخو بني نصر،و على ثقيف عبد يا ليل بن عمرو الثّقفيّ.

ذكر لنا أنّه خرج يومئذ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم اثنا عشر ألفا،عشرة آلاف من المهاجرين و الأنصار،و ألفان من الطّلقاء،و ذكر لنا أنّ رجلا قال يومئذ لن نغلب اليوم بكثرة،و ذكر لنا أنّ الطّلقاء انجفلوا يومئذ بالنّاس،و جلوا عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،حتّى نزل عن بغلته الشّهباء،و ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه قال:«أي ربّ آتني ما وعدتني»و العبّاس آخذ بلجام بغلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

ناد يا معشر الأنصار،و يا معشر المهاجرين،فجعل ينادي الأنصار فخذا فخذا،ثمّ نادى:يا أصحاب سورة البقرة،فجاء النّاس عنقا واحدا،فالتفت نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و إذا عصابة من الأنصار،فقال:هل معكم غيركم؟فقالوا:يا نبيّ اللّه،و اللّه لو عمدت إلى برك الغماد من ذي يمن،لكنّا معك،ثمّ أنزل اللّه نصره،و هزم عدوّهم و تراجع المسلمون،و أخذ رسول اللّه كفّا من تراب،أو قبضة من حصباء،فرمى بها وجوه الكفّار،شاهت الوجوه، فانهزموا،فلمّا جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الغنائم،و أتى الجعرانة، فقسّم بها مغانم حنين.(الطّبريّ 10:100)

نحوه الثّعلبيّ.(5:22)

الفرّاء: حنين:واد بين مكّة و الطّائف.و جرى (حنين)لأنّه اسم لمذكّر،و إذا سمّيت ماء أو واديا أو جبلا باسم مذكّر لا علّة فيه أجريته،من ذلك:حنين،و بدر، و أحد،و حراء،و ثبير،و دابق،و واسط.

و إنّما سمّي واسطا،بالقصر الّذي بناه الحجّاج بين الكوفة و البصرة،و لو أراد البلدة أو اسما مؤنّثا لقال:

واسطة.و ربّما جعلت العرب واسط و حنين و بدر،اسما لبلدته الّتي هو بها،فلا يجرونه.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:429)

و هكذا جاء في أكثر التّفاسير مع تفاوت يسير.

الطّبريّ: (حنين)واد-فيما ذكر-بين مكّة و الطّائف،و أجري لأنّه مذكّر اسم لمذكّر،و قد يترك إجراؤه،و يراد به أن يجعل اسما للبلدة الّتي هو بها.[ثمّ استشهد بشعر](10:99)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحنان،أي العطف و الرّحمة،يقال:حنّ عليه يحنّ حنانا،و حنانك يا ربّ و حنانيك:رحمتك،أي تحنّن عليّ مرّة بعد أخرى و حنانا

ص: 161

بعد حنان،و حنانيك يا فلان افعل كذا و لا تفعل كذا، يذكّره الرّحمة و البرّ،و تحنّن عليه:ترحّم،و تحنّنت النّاقة على ولدها:تعطّفت،و كذلك الشّاة.

و الحنّان:«فعّال»من الرّحمة للمبالغة،و هو من أسماء اللّه تعالى،و امرأة حنّانة:الّتي تحنّ على ولدها الّذي من زوجها المفارقها.و الحنون:الّتي تتزوّج رقّة على ولدها إذا كانوا صغارا،ليقوم الزّوج بأمرهم.

و الحنّان أيضا:الّذي يحنّ إلى الشّيء،أي يشتاق إليه و ينزع،و الحنّانة:المرأة الّتي تحنّ إلى زوجها الأوّل، من الحنين،و هو الشّوق و توقان النّفس.يقال:حنّ إليه يحنّ حنينا،فهو حانّ،و حنّت الإبل:نزعت إلى أوطانها و أولادها،و المستحنّ:الّذي استحنّه الشّوق إلى وطنه، و طريق حنّان:بيّن واضح منبسط.يقال:طريق يحنّ فيه العود،أي ينبسط،من الحنين،أي الشّوق و النّزوع.

و الحنين و الحنّة:الشّبه،و في المثل:«لا تعدم ناقة من أمّها حنينا و حنّة»،أي شبها،و«لا تعدم أدماء من أمّها حنّة»،يضرب مثلا للرّجل يشبه الرّجل،و يقال ذلك لكلّ من أشبه أباه و أمّه،و الحنّة هنا:العطف و الشّفقة و الحيطة،و حنّة الرّجل:امرأته،لأنّها تحنّ عليه،أي تعطف،و الحنّة:رقّة القلب.

و الحنين:صوت النّاقة إذا اشتاقت إلى ولدها.يقال:

حنّت النّاقة تحنّ حنينا،أي رجّعت صوتها إثر ولدها، و هي حانّة،و تحانّت:حنّت،و الاستحنان:الاستطراب.

يقال:استحنّ،أي استطرب،و حنّة البعير:رغاؤه.

و يقال على التّشبيه:حنّت القوس حنينا،أي صوّتت،و أحنّها صاحبها،و قوس حنّانة:تحنّ عند الإنباض،و عود حنّان:مطرّب،و الحنّان من السّهام:

السّهم الّذي يصوّت إذا نفّزته بين إصبعيك.

و الحنون من الرّياح:الّتي لها حنين كحنين الإبل،أي صوت يشبه صوتها عند الحنين،و قد حنّت و استحنّت، و سحاب حنّان:له حنين،و الطّست تحنّ،إذا نقرت.

2-و جاءت بعض مشتقّات هذه المادّة ضدّ العطف و الرّحمة.يقال:حنّ عليه يحنّ،أي صدّ،و ما تحنّني شيئا من شرّك:ما تردّه و تصرفه عنّي،و حنّ عنّا شرّك:

اصرفه،و ما حنّن عنّي:ما انثنى و لا قصّر.

3-و حنين:موضع قريب من مكّة،و قيل:واد قبل الطّائف،أو بجنب ذي المجاز،و هو اليوم المذكور في القرآن.قال ياقوت:«يجوز أن يكون تصغير الحنان،و هو الرّحمة؛تصغير ترخيم،و يجوز أن يكون تصغير الحنّ، و هو حيّ من الجنّ» (1).

4-و وردت مشتقّات هذه المادّة في سائر اللّغات السّاميّة بمعنى العطف و الرّحمة أيضا،فأغرى ذلك بعض المستشرقين بالتّشكيك في عربيّة لفظ«حنان»،بل ادّعى بعضهم بأنّه سريانيّ المنشأ (2)،دون أن يدعم قوله بدليل يعتدّ به.

بيد أنّه يمكن أن يقال:إنّ لفظ«حنين»-أي تغيّر الرّيح-سريانيّ الأصل،لأنّه ورد بنفس اللّفظ و المعنى في هذه اللّغة (3)،و لكونه شاذّا عن هذا الباب،أي العطف و الرّحمة.».

ص: 162


1- معجم البلدان 2:313.
2- المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم-لفظ«حنان».
3- المعجم المقارن-مادّة«ح ن ن».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حنان»و«حنين»كلّ منهما مرّة في آيتين:

1- وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا* وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا وَ زَكاةً وَ كانَ تَقِيًّا مريم:12 و 13

2- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ... التّوبة:25

يلاحظ أوّلا:أنّ الحنان في(1)جاء موافقا للمعنى اللّغويّ،و فيه بحوث:

1-فسّر بالرّحمة و العطف و المحبّة و الرّفق و الرّأفة و الشّفقة و البركة و الرّقّة و التّعظيم.قال الميبديّ:

«مشتقّ من:حنّ إليه حنينا،إذا مالت إليه نفسه حتّى أظهر الجزع من انقطاع رؤيته عنه و اشتياقه إليه».

و قال الزّمخشريّ: «حنّ في معنى ارتاح و اشتاق،ثمّ استعمل في العطف و الرّأفة».

و قال ابن عطيّة:«الحنان:الرّحمة و الشّفقة و المحبّة، قاله جمهور المفسّرين،و هو تفسير اللّغة».

و قال النّيسابوريّ: «أصله توقان النّفس،ثمّ استعمل في الرّحمة،و هو المراد هاهنا».

و قال ابن كثير: «هو المحبّة في شفقة و ميل،كما تقول العرب:حنّت النّاقة على ولدها،و حنّت المرأة على زوجها».

2-اختلف في«الحنان»ممّن و على من يكون؟قيل:

من اللّه على العباد،أو على يحيى،أو على أبوي يحيى،أو على زكريّا.و قيل:من يحيى على العباد،أو على أبويه.

و على الأوّل قال الفخر الرّازيّ:«فأجازه بعضهم و جعله بمعنى الرّءوف الرّحيم،و منهم من أباه لما يرجع إليه أصل الكلمة،قالوا:لم يصحّ الخبر بهذه اللّفظة في أسماء اللّه تعالى».

و على الثّاني قال أيضا:«جعلنا له التّعطّف على عباد اللّه مع الطّهارة عن الإخلال بالواجبات.و يحتمل آتيناه التّعطّف على الخلق و الطّهارة عن المعاصي،فلم يعص و لم يهمّ بمعصية».

3-عطف(حنانا)على(الحكم)،أي آتيناه الحكم و حنانا،و علّة تنوينه التّفخيم،كما قال أبو السّعود، و أضاف«و(من)متعلّقة بمحذوف وقع صفة مؤكّدة لما أفاده التّنوين من الفخامة الذّاتيّة بالفخاميّة الإضافيّة».

و قيل:عطف على(صبيّا)،فهو عطف حال على حال،و يكون المعنى(حنانا)لأبوي يحيى و غيرهما.

و قيل:هو مفعول مطلق لفعل محذوف،و قيل:غير ذلك،و الأقرب أنّه معطوف على المفعول به(الحكم)كما تقدّم.

ثانيا:تناولت(2)اليوم المشهور«حنين»،و فيها بحوث:

1-اختلف في تعيين هذا الموضع،فبعض قال:بين مكّة و الطّائف،و آخر قال:قرب مكّة إلى جنب ذي المجاز.ثمّ اختلف أ هو اسم ماء أم واد؟

يبدو من بعض القرائن الواردة في أخبار غزوة حنين أنّه يقع بين مكّة و المدينة،و منها:أنّ ثقيفا و هوازن كانتا تقطنان الطّائف آنذاك،فخرجتا منها إلى مكّة لقتال المسلمين،و خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من مكّة إلى قتالهما.

و كان من عادته في الغزوات غالبا أن يخرج من موطنه إلى لقاء عدوّه على مبعدة منه،و لا يدعه يقرب منه

ص: 163

فيبغته،فكيف يترك جيش هوازن و ثقيف يتقدّم نحو مكّة و يقتحمها،و يلتقي معه جنب ذي المجاز،قرب عرفة؟!

و قد جاء في الخبر أنّه نزلت هوازن و ثقيف بأوطاس،و هو واد في ديار هوازن،و نزل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بحنين،و هو من أودية تهامة.

و منها:أنّه عليه السّلام قسّم غنائم هوازن في الجعرانة،و هي كما قال ياقوت:«ماء بين الطّائف و مكّة،و هي إلى مكّة أقرب (1)».

و أمّا اختلافهم في المسمّى أ هو ماء أم واد؟فليس ذا بال،فلعلّه واد يجتمع فيه ماء،فلا ضير في إطلاق هذا الاسم على أيّ منهما.

2-لفظ«حنين»معرب كبدر،لأنّه علم مذكّر،و لو كان فيه علّة أخرى كالتّأنيث،تريد به اسم بلدة كمكّة، لمنع من الصّرف.

3-لم يذكر في القرآن اسم لغزوة من الغزوات إلاّ بدر و حنين،و قد انتصر المسلمون في الغزوة الأولى رغم قلّة عددهم لثباتهم،و فرّوا في الثّانية في بداية المعركة رغم كثرة عددهم لإعجابهم بكثرتهم،ثم كرّوا و ثبتوا أمام عدوّهم فانتصروا،فسمّى اللّه تلك الواقعة يوما، لأنّها كانت شديدة على المسلمين و على الكافرين معا.

و لقد منّ اللّه على المسلمين بالنّصر في كلتا الغزوتين،فقال في الأولى: وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ آل عمران:

123،و قال في الثّانية: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ التّوبة:26.ن.

ص: 164


1- معجم البلدان.

ح و ب

اشارة

حوبا

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحوب:زجر البعير ليمضي،و للنّاقة:حل، و العرب تجرّه،و لو رفع أو نصب لجاز؛لأنّ الزّجر و الأصوات و الحكايات تحرّك أواخرها على غير إعراب لازم،و كذلك الأدوات الّتي لا تتمكّن في التّصريف،فإذا حوّل منه شيء إلى الأسماء حمل عليه الألف و اللاّم و أجري مجرى الاسم.

و الحوبة و الحوب:الإيوان،و الحوبة أيضا:رقّة فؤاد الأمّ.

و الحوباء:روع القلب.و التّحوّب:شدّة الصّياح و التّضرّع.

و الحوب:الإثم الكبير،و حاب حوبة.

و الحوبة:الحاجة.و المحوّب:الّذي يذهب ماله ثمّ يعود،و حافر حوأب و أب:مقعّب.

و الحوأب:موضع بئر،و ذلك حيث نبحت الكلاب على عائشة مقبلها إلى البصرة.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](3:309)

اللّيث:الحوب:الضّخم من الجمال.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:267)

الحوب:الأب،و الحوبة:الأمّ،و المحوّب:الّذي يذهب ماله ثمّ يعود.(الصّغانيّ 1:109)

ابن شميّل: «إليك أرفع حوبتي»أي حاجتي، و الحوبة:الحاجة،و حوبة الأب على الولد:تحوّبها و رقّتها و توجّعها.(الأزهريّ 5:269)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال النّميريّ:الحويبية من الإبل:الخذول الشّديدة الأكل،إن بركت لم تثر في سريع.

(1:153)

إنّ به لحوبة؛أي:لحاجة،و هو يتحوّب:

يتضرّع.(1:169)

ص: 165

الحوبة من الإبل:الثّقيلة.(1:179)

التّحوّب:التّوجّع.[ثمّ استشهد بشعر](1:205)

و المحوّب:الّذي يقتر على أهله النّفقة،فيقال:

حوّب على أهله.(1:216)

في الحديث:«ما زال صفوان يتحوّب رحالنا منذ اللّيلة»التّحوّب،و النّحيط و النّشيج:صوت مع توجّع، و أراد به شدّة صياحه بالدّعاء.من قولهم:«اجعل حوبتي إليك»أي تضرّعي،و نصب رحالنا على الظّرف،أي في رحالنا.

مثله الأصمعيّ.(المدينيّ 1:520)

[الحوب و الحوب]هما لغتان:فالحوب لأهل الحجاز، و الحوب لتميم،و معناهما الإثم.(الأزهريّ 5:268)

أبو عبيدة :الحوبة:الهمّ و الحاجة،و كذلك الحيبة.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:269)

و يقال:نرفع حوبتنا إليك،أي حاجتنا.

يقال:لي في فلان حوبة،و بعضهم يقول:حبيبة، و هي الأمّ أو الأخت أو البنت،و هي في موضع آخر:الهمّ و الحاجة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:270)

أبو زيد :الحوب:النّفس.(الأزهريّ 5:268)

لي فيهم حوبة،إذا كانت قرابة من قبل الأمّ، و كذلك كلّ رحم محرم.(الأزهريّ 5:269)

الحوبة:الرّجل الضّعيف،و الجمع:الحوب.

(الجوهريّ 1:117)

الأصمعيّ: يقال للبعير إذا زجرته:حوب و حوب و حوب،و للنّاقة حل جزم،و حل و حلي.

(الأزهريّ 5:267)

يقال:بات فلان بحيبة سوء،إذا بات بشدّة و حال سيّئة.(الأزهريّ 5:269)

الحوباء:روح القلب.(المدينيّ 1:520)

يقال:فلان يتحوّب من كذا و كذا،إذا كان يتغيّظ منه و يتوجّع.[ثمّ استشهد بشعر](أبو عبيد 1:221)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه كان يدعو في دعائه يقول:«ربّ تقبّل توبتي و اغسل حوبتي».قوله:

حوبتي يعني المأثم،و هو من قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً النّساء:2.و كلّ مأثم:حوب و حوبة.و منه الحديث الآخر:«أنّ رجلا أتى إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:إنّي أتيتك لأجاهد معك،فقال:«أ لك حوبة»؟فقال:نعم...» قوله:حوبة:يعني ما تأثّم فيه إن ضيّعته من حرمة.

و بعض أهل العلم يتأوّله على الأمّ خاصّة،و هي عندي كلّ حرمة تضيع إن تركتها من أمّ أو أخت أو بنت أو غير ذلك...

و قد يكون التّحوّب:التّعبّد و التّجنّب للمأثم،و منه الحديث الّذي يروى عن زيد بن عمرو بن نفيل:أنّه كان يخرج إلى هنالك للتّحوّب،و بعضهم يرويه:

التّحيّب.(1:220)

و الحوباء:النّفس ممدودة ساكنة الواو.و الحاب و الحوب:الإثم،مثل الجال و الجول.و يقال:تحوّب فلان، إذا تعبّد،كأنّه يلقي الحوب عن نفسه،كما يقال:تأثّم و تحنّث،إذا ألقى الحنث عن نفسه بالعبادة.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:ألحق اللّه بك الحوبة،و هي الحاجة و المسكنة و الفقر.(الأزهريّ 5:269)

ص: 166

ابن الأعرابيّ: الحوب:الغمّ و الهمّ و البلاء...

يقال:عيال ابن حوب،و الحوب:الجهد و الشّدّة.

و دعا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:«ربّ تقبّل توبتي و اغسل حوبتي».

(الأزهريّ 5:268)

ابن السّكّيت: يقال:ألحق به الحوبة و هي المسكنة و الحاجة.(574)

حوبة الرّجل:أمّه،و قال بعضهم:حوبة.

(إصلاح المنطق:114)

لي في بني فلان حوبة،و بعضهم يقوله حبيبة فتذهب الواو إذا انكسر ما قبلها.و هي كلّ حرمة تضيع من أمّ أو أخت أو بنت،أو غير ذلك من كلّ ذات رحم،و هي في موضع آخر:الهمّ و الحاجة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الجوهريّ 1:116)

شمر:قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الرّبا سبعون حوبا،أيسرها مثل وقوع الرّجل على أمّه.و أربى الرّبا عرض المسلم».

قوله:سبعون حوبا:كأنّه سبعون ضربا من الإثم.يقال:

سمعت من هذا حوبين،و رأيت منه حوبين،أي ثنّين (1)و ضربين.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:270)

الطّبريّ: الحوب:فإنّه الإثم يقال منه:حاب الرّجل يحوب حوبا و حوبا و حيابة،يقال منه:قد تحوّب الرّجل من كذا،إذا تأثّم منه.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قيل:نزلنا بحوبة من الأرض و بحيبة من الأرض،إذا نزلوا بموضع سوء منها.(4:230)

ابن دريد :و الحوب و الحوب:الإثم.و قد قرئ (حوبا كبيرا و حوبا كبيرا) و الحوبة:الحزن،يقال:بات بحوبة سوء و حيبة سوء.

و حوبة الرّجل:حريبته و أهله.و التّحوّب:الحنين و الشّكوى من حزن.و في دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«اللّهمّ اقبل توبتي و ارحم حوبتي».[ثمّ استشهد بشعر]

و تحوّب الرّجل من الشّيء،إذا تأثّم منه.و الحوباء:

النّفس.(1:231)

القفّال:كأنّ أصل الكلمة من التّحوّب و هو التّوجّع،فالحوب هو ارتكاب ما يتوجّع المرتكب منه.(الفخر الرّازيّ 9:170)

الأزهريّ: و قال غيره[الأصمعيّ]حوّبت بالإبل من الحوب.و حكى بعضهم:حب لا مشيت،و حب لا مشيت،و حاب لا مشيت،و حاب لا مشيت.[إلى أن قال:]

و قال غيره[اللّيث]سمّي الجمل حوبا بزجره،كما سمّي البغل عدسا بزجره.[إلى أن قال:]و قال خالد بن جنبة:الحوب:الوحشة.

يقال:فلان يتحوّب من كذا و كذا،أي يتغيّظ منه و يتوجّع.[ثمّ استشهد بشعر](5:267)

الصّاحب:حوب:زجر للبعير ليمضي.و الحوب:

البعير؛يسمّى بزجره.و يقولون للنّاقة:حاب لا حبت، كقولهم:جاه لا جهت.و حوّبت بالابل:زجرته بحوب.

و الحوبة و الحوب:الأبوان.

و لفلان في بني فلان حوبة و حيبة:و هي الأمّ و الأخت و البنت.

و الحوبة:رقّة فؤاد الأمّ.و كذلك الحاجة.و المسكنة.

و الحائب:المحتاج.و في الدّعاء:ألحق اللّه به الحوبة.ن.

ص: 167


1- كذا،و الظّاهر:فنّين،كما في اللّسان.

و ارحموا الحوبات:أي النّساء المحتاجات.

و المحوّب:الّذي يذهب ماله و يهلك ثمّ يعود.

و الحيبة-أيضا-:الحاجة.

و الحوب:سوء الحال.و الحزن.

و هو يتحوّب في دعائه:أي يتضرّع.و كذلك إذا صاح الصّائح.

و تحوّب من كذا:توجّع.

و الحوباء:روح القلب.

و الحوب:الإثم الكبير،و الحوبة:مثلها.و أحوب الرّجل:جاء بالحوب.و حاب يحوب حيابة و حوبا و حوبا و حابا،أي أثم،و تحوّب تحوّبا.و تحوّب الرّجل:

ألقى الحوب عن نفسه.

و الحائب:القاتل.

و حافر حوأب:مقعّب ضخم.

و الحوأب:موضع،و الواسع من الأودية،و من السّقاء و الدّلاء و غيرها.

و الحوأبة:المزادة العظيمة الرّقيقة،و جمعها:حوائب.

و رجل حوأب البطن:عظيمه.

و نزلنا بحوبة من الأرض:أي بمكان واسع.

(3:226)

الجوهريّ: الحوب،بالضّمّ:الإثم؛و الحاب مثله.

و يقال:حبت بكذا،أي أتمت،تحوب حوبا و حوبة و حيابة.[ثمّ استشهد بشعر]و فلان أعقّ و أحوب.و إنّ لي حوبة أعولها،أي ضعفة و عيالا.[إلى أن قال:]

و يقال:ألحق اللّه به الحوبة أي المسكنة و الحاجة، و قولهم:إنّما فلان حوبة،أي ليس عنده خير و لا شرّ...

و الحوباء:النّفس،و الجمع:الحوباوات.

و حوب:زجر للإبل،فيه ثلاث لغات حوب و حوب و حوب،تقول منه:حوّبت بالإبل.

و فلان يتحوّب من كذا،أي يتأثّم،و التّحوّب أيضا:

التّوجّع و التّحزّن.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال لابن آوي:هو يتحوّب؛لأنّ صوته كذلك، كأنّه يتضوّر.(1:116)

ابن جنّيّ: تحوّب:ترك الحوب،من باب السّلب، و نظيره تأثّم،أي ترك الإثم،و إن كانت«تفعّل»للإثبات أكثر منها للسّلب،و ذلك نحو تقدّم و تأخّر و تعجّل و تأجّل.(ابن سيده 4:28)

ابن فارس: الحاء و الواو و الباء أصل واحد، يتشعّب إلى إثم،أو حاجة أو مسكنة،و كلّها متقاربة.

فالحوب و الحوب:الإثم.قال اللّه تعالى: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً و(حوبا كبيرا)النّساء:2.و الحوبة:ما يأثم الإنسان في عقوقه،كالأمّ و نحوها.و فلان يتحوّب من كذا،أي يتأثّم.و في الحديث:«ربّ تقبّل توبتي،و اغفر حوبتي».و يقال:التّحوّب:التّوجّع.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ألحق اللّه به الحوبة،و هي الحاجة و المسكنة.

فإن قيل:فما قياس الحوباء،و هي النّفس؟قيل له:

هي الأصل بعينه؛لأنّ إشفاق الإنسان على نفسه أغلب و أكثر.

فأمّا قولهم في زجر الإبل:حوب،فقد قلنا إنّ هذه الأصوات و الحكايات ليست مأخوذة من أصل.و كلّ ذي لسان عربيّ فقد يمكنه اختراع مثل ذلك،ثمّ يكثر على ألسنة النّاس.(2:113)

ص: 168

أبو هلال:الفرق بين الحوب و الذّنب:أنّ الحوب يفيد أنّه مزجور عنه،و ذلك أنّ أصله في العربيّة الزّجر، و منه يقال في زجر الإبل:حوب حوب،و قد سمّي الجمل به؛لأنّه يزجر.و حاب الرّجل يحوب،و قيل للنّفس:

حوباء،لأنّها تزجر و تدعى.(193)

ابن سيده: الحوب و الحوبة:الأبوان و الأخت و البنت،و قيل:لي فيهم حوبة و حوبة و حيبة،أي قرابة من قبل الأمّ،و كذلك كلّ ذي رحم محرم.

و الحوبة:رقّة فؤاد الأمّ.

و الحوبة و الحيبة:الهمّ و الحاجة.

و في الدّعاء على الإنسان:ألحق اللّه به الحوبة،أي الحاجة و المسكنة.

و الحوب:الجهد و المسكنة و الحاجة.

و قال مرّة:ابن حوب:رجل مجهود محتاج،لا يعني في كلّ ذلك رجلا بعينه،إنّما يريد هذا النّوع.

و الحوب و الحوب:الحزن،و قيل:الوحشة،و به فسّر الهرويّ قوله صلّى اللّه عليه و سلّم لأبي أيّوب الأنصاريّ-و قد ذهب إلى طلاق أمّ أيّوب-:«إنّ طلاق أمّ أيّوب لحوب».

التّفسير عن شمر،و قيل:هو الوجع.

و التّحوّب:التّوجّع و الشّكوى.

و تحوّب في دعائه:تضرّع.

و التّحوّب أيضا:البكاء في جزع و صياح،و ربّما عمّ به الصّياح.

و في حديث النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام«اللّهمّ اقبل توبتي و ارحم حوبتي»فحوبتي يجوز أن يكون هنا توجّعي،و أن يكون تخشّعي و تمسكنى.

و الحوبة و الحوبة:الرّجل الضّعيف،و الجمع:

حوب،و كذلك المرأة إذا كانت ضعيفة زمنة.

و بات بحيبة سوء و حوبة سوء،أي بحال سوء، لا يقال إلاّ في الشّرّ،و قد استعمل منه فعل،قال:

*و إن قلّوا و حابوا*

و نزلنا بحيبة من الأرض و حوبة،أي بأرض سوء.

و الحوباء:النّفس.

و قيل:الحوباء:روح القلب.

و الحوب و الحوب و الحاب:الإثم.و الحوبة:المرّة الواحدة منه.و قد حاب حوبا و حوبة...

و تحوّب الرّجل:تأثّم...

و المحوّب و المتحوّب:الّذي يذهب ماله ثمّ يعود.

و الحوب:الجمل،ثمّ كثر حتّى صار زجرا له،يقال للجمل إذا زجر:حوب و حوب و حاب.

و حوّب بالإبل:قال لها حوب.

و قال بعضهم في كلام له:حوب حوب،إنّه يوم دعق و شوب لا لعا لبني الصّوب.الدّعق:الوطء الشّديد.

[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](4:28)

الطّوسيّ: و الحوب:الإثم يقال:حاب يحوب حوبا و حباة،و الاسم:الحوب.

و يقال:تحوّب فلان من كذا إذا تحرّج منه.و يقال:

نزلنا بحوبة من الأرض،و بحيب من الأرض،يعني بموضع سوء.

و الحوبة:الحزن،و التّحوّب:التّحزّن،و التّحوّب:

التّأثّم،و التّحوّب:الصّياح الشّديد،و الحوباء:الرّوح و الكبير العظيم.(3:102)

ص: 169

نحوه الطّبرسيّ.(2:3)

الرّاغب: الحوب:الإثم قال عزّ و جلّ: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً النّساء:2،و الحوب المصدر منه،و روي «طلاق أمّ أيّوب حوب»و تسميته بذلك لكونه مزجورا عنه من قولهم:حاب حوبا و حوبا و حيابة.و الأصل فيه حوب لزجر الإبل،و فلان يتحوّب من كذا،أي يتأثّم.

و قولهم:ألحق اللّه به الحوبة،أي المسكنة و الحاجة، و حقيقتها هي الحاجة الّتي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم.و قيل:بات فلان بحيبة سوء.

و الحوباء قيل:هي النّفس،و حقيقتها هي النّفس المرتكبة للحوب،و هي الموصوفة بقوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ يوسف:53.(134)

الزّمخشريّ: كان صلّى اللّه عليه و سلّم إذا قدم من سفر قال:«آئبون تائبون لربّنا حامدون حوبا حوبا».

حوب:زجر للجمل،يقولون:حوب لا مشيت.و في كلام بعضهم:حوب حوب،إنّه يوم دعق و شوب،لا لعا لبني الصّوب.و قد سمّي به الجمل فقيل له:الحوب.

و يجوز فيه ما يجوز في أفّ من الحركات الثّلاث و التّنوين إذا نكّر،فقوله:حوبا حوبا بمنزلة قولك:سيرا سيرا،كأنّه فرغ من دعائه،ثمّ زجر جمله.

«كان صلّى اللّه عليه و آله إذا دخل إلى أهله قال:توبا توبا،لا يغادر علينا حوبا».

الحوب و الحوب و الحوبة:الإثم.

و منه:إنّ أبا أيّوب رضي اللّه عنه أراد أن يطلّق أمّ أيّوب،فقال له صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ طلاق أمّ أيوب لحوب».

و إنّما أثّمه بطلاقها؛لأنّها كانت مصلحة له في دينه.

و في دعائه صلّى اللّه عليه و آله:«اللّهمّ اقبل توبتي و اغسل حوبتي و روي:و ارحم حوبتي».

و فسّر بالحاجة و المسكنة،و إنّما سمّوا الحاجة حوبة، لكونها مذمومة غير مرضيّة،و كلّ ما لا يرتضونه هو عندهم غيّ و حطّية و سيّئة،و إذا ارتضوا شيئا سمّوه خيرا و رشدا و صوابا.

و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«اللّهمّ إليك أرفع حوبتي».[و استشهد بالشّعر مرّتين](الفائق 1:328)

فيه حوب كبير،و اللّهمّ اغفر لي حوبتي و هو يتحوّب من القبيح:يتحرّج منه.و حرس اللّه حوباك، و فعلت كذا لحوبة فلان،أي لحرمته و حقّه،و ما يأثم الرّجل إن لم يراعه.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:98)

ابن الأثير: فيه«ربّ تقبّل توبتي و اغسل حوبتي» أي إثمي.

و منه الحديث:«إنّ الجفا و الحوب في أهل الوبر و الصّوف».[إلى أن قال:]

و منه الحديث:«اتّقوا اللّه في الحوبات»يريد النّساء المحتاجات اللاّتي لا يستغنين عمّن يقوم عليهنّ و يتعهّدهنّ.و لا بدّ في الكلام من حذف مضاف تقديره:

ذات حوبة و ذات حوبات.و الحوبة:الحاجة...

(1:455)

الفيّوميّ: حاب حوبا من باب قال،إذا اكتسب الإثم،و الإثم:الحوب بالضّمّ،و قيل:المضموم و المفتوح لغتان:فالضّمّ لغة الحجاز،و الفتح لغة تميم.و الحوبة بالفتح:الخطيئة.(1:155)

ص: 170

الفيروزآباديّ: الحوب و الحوبة:الأبوان و الأخت و البنت،و لي فيهم حوبة و حوبة و حيبة:قرابة من الأمّ،و الحوبة:رقّة فؤاد الأمّ،و الهمّ،و الحاجة، و الحالة كالحيبة بالكسر فيهما،و الرّجل الضّعيف.و يضمّ، و الأمّ،و امرأتك أو سرّيّتك،و الدّابّة،و وسط الدّار، و الإثم كالحابة و الحاب و الحوب و يضمّ.و حاب بكذا:أثم حوبا و يضمّ و حوبة و حيابة.و الحوب:الحزن و الوحشة و يضمّ فيهما،و الفنّ و الجهد و المسكنة،و النّوع،و الوجع، و موضع بديار ربيعة،و الجمل،ثمّ كثر حتّى صار زجرا له، فقالوا:حوب مثلّثة الباء و حاب بكسرها.

و الحوب بالضّمّ:الهلاك،و البلاء،و النّفس،و المرض.

و التّحوّب:التّوجّع،و ترك الحوب كالتّأثّم.

و المتحوّب و المحوّب كمحدّث:من يذهب ماله ثمّ يعود.و الحوباء:النّفس،جمعه:حوباوات.و حوبان:

موضع باليمن.و أحوب:صار إلى الإثم.و حوّب تحويبا:

زجر بالجمل.(1:60)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حاب يحوب حوبا:

اكتسب إثما،و الحوب:الذّنب العظيم،و يطلق الحوب على الهلاك و البلاء.(1:149)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو تضييع حقوق ممّن يعتمد إليه و هو تحت سلطته و يده،و هذا تضييع شديد مخصوص،و من أقوى مصاديق الإثم.

و الحوب بالفتح مصدر،و بالضّمّ اسم مصدر، كالغسل مصدرا،و الغسل اسم مصدر بمعنى ما تحصّل من المصدر.

و مبدأ لهذا العمل في الأغلب:هو الحاجة أو المسكنة في النّفس و ما يشابهها من نقاط الضّعف و الابتلاء.

و لا يخفى أنّ إطلاق الحوب على المسكنة أو الحاجة أو البلاء أو الأمّ و الأخت،إذا تحقّق هذا القيد و بلحاظه لا مطلقا.

فمعنى قوله صلّى اللّه عليه و آله:أ لك حوبة:أي عائلة هي في معرض التّضييع.و هكذا الإثم:فلا يصحّ إطلاقه على مطلق الإثم.

فقد ظهر لطف التّعبير به دون الإثم و غيره في الآية الكريمة: ...وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً النّساء:2،فإنّ تضييع أموال اليتامى من أعظم مصاديق الحوب،لكونهم تحت سلطته،و يتوقّع منه الحماية و التّأييد و الحفظ،و هم ضعفاء.

ثمّ إنّ التّحوّب:هو الحالة الحاصلة بعد الحوب،و هي التّأثّر الشّديد،و التّوجّع من عمله في التّضييع و الإثم.(2:327)

النّصوص التّفسيريّة

حوبا

...وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً. النّساء:2

ابن عبّاس: ذنبا عظيما عند اللّه بالعقوبة.(64)

نحوه البروسويّ(2:161)،و شبّر(2:8).

إثما عظيما.(الطّبريّ 4:231)

نحوه مجاهد،و الحسن،و قتادة،و السّدّيّ،(الطّبريّ

ص: 171

4:231)،و نحوه أبو عبيدة(1:113)،و القمّيّ(1:

130)،و البغويّ(1:562)،و الطّبرسيّ(2:4)،و النّسفيّ (1:204)،و الخازن(1:397)،و الكاشانيّ(1:388)، و البحرانيّ(3:16)،و المراغيّ(4:179)،و الطّباطبائيّ (4:166).

قتادة :ظلما كبيرا.(الطّبريّ 4:231)

ابن زيد :ذنبا كبيرا،و هي لأهل الإسلام.

(الطّبريّ 4:231)

الفرّاء: الحوب:الإثم العظيم.و رأيت بني أسد يقولون:الحائب:القاتل،و قد حاب يحوب و قرأ الحسن (انّه كان حوبا كبيرا) .(1:253)

أهل الحجاز يقولون:حوب بالضّمّ،و تميم يقولون:

بالفتح.المضموم الاسم،و المفتوح المصدر.

(ابن الجوزيّ 2:5)

نحوه ابن عاشور.(4:14)

ابن قتيبة :و الحوب:الإثم و فيه ثلاث لغات:

حوب و حوب و حاب.(118)

نحوه الماورديّ(1:448)،و الواحديّ(2:7).

الطّبريّ: معنى ذلك:أنّ أكلكم أموال اليتامى مع أموالكم،إثم عند اللّه عظيم.(4:230)

الزّجّاج: و الحوب:الإثم العظيم،و الحوب فعل الرّجل،تقول:حاب حوبا كقولك:قد خان خونا.

(2:8)

نحوه البيضاويّ.(1:202)

الثّعلبيّ: أي إثما عظيما،و فيه ثلاث لغات:قرأه العامّة حوبا بالضّمّ و هي لغة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أهل الحجاز،يدلّ عليه ما روى أبو عبيد عن عبّاد بن عبّاد عن واصل مولى ابن عيينة قال:قلت لابن سيرين:كيف يقرأ هذا الحرف إنّه كان حوبا أو حوبا؟فقال:إنّ أبا أيّوب أراد أن يطلّق أمّ أيّوب،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم«إنّ طلاق أمّ أيّوب حوب».

و قرأ الحسن: (حوبا) بفتح الحاء،و هي لغة تميم.

و قال مقاتل:لغة الحبش.

و قرأ أبيّ بن كعب: (حابا) على المصدر مثل القال، و يجوز أن يكون اسما مثل الزّاد و النّار.و يقال للذّنب:

حوب و حوب و حاب،و للأذناب كذلك،يكون مصدرا و اسما فقال:حاب يحوب حوبا و حابا و حباية،إذا أثم.

قال أبو معاذ:نزلنا منزلا قريبا من مدينة،فرمى رجل غطاية صغيرة فقيل له:يا حاجّ لا تقتلها فتصيب حوبا إنّها لا تؤذي،و منه قيل للقاتل:حائب،حكاه الفرّاء عن بني أسد.[ثمّ استشهد بشعر](3:243)

نحوه الزّمخشريّ(1:496)،و ابن عطيّة(2:6)، و الفخر الرّازيّ(9:170)،و القرطبيّ(5:10)، و أبو السّعود(2:95).

أبو حيّان :قرأ الجمهور بضمّ الحاء،و الحسن بفتحها، و هي لغة بني تميم و غيرهم،و بعض القرّاء (انّه كان حابا كبيرا) ،و كلّها مصادر.

قال ابن عبّاس و الحسن و غيرهما:الحوب:الإثم، و قيل:الظّلم و قيل:الوحشة،و الضّمير في(انّه)عائد على الأكل.و قيل:على التّبدّل،و عوده على الأكل أقرب لقربه منه،و يجوز أن يعود عليهما،كأنّه قيل:إنّ ذلك.[ثمّ استشهد بشعر](3:161)

ص: 172

الآلوسيّ: أي إثما أو ظلما،و كلاهما عن ابن عبّاس و هما متقاربان.و أخرج الطّبرانيّ أنّ رافع بن الأزرق سأله رضى اللّه عنه عن الحوب.فقال:هو الإثم بلغة الحبشة،فقال:

فهل تعرف العرب ذلك؟فقال:نعم.[ثمّ استشهد بشعر] و خصّه بعضهم بالذّنب العظيم.[ثمّ نقل القراءات]

(4:189)

مكارم الشّيرازيّ: -ذكر أكل مال الايتام ثمّ قال:

-ثمّ إنّه سبحانه،لبيان أهمّيّة هذا الموضوع و التّأكيد عليه يختم الآية بقوله: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً.

يقول الرّاغب في مفرداته:«الحوبة حقيقتها هي الحاجة الّتي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم»و حيث إنّ العدوان على أموال اليتامى ينشأ-في الأغلب-من الحاجة،أو بحجّة الحاجة استعمل القرآن الكريم مكان لفظة الإثم في هذه الآية لفظة«الحوب»للإشارة إلى هذه الحقيقة.[ثمّ أدام البحث في أكل مال اليتيم](3:80)

فضل اللّه :أي إثما عظيما،و ربّما كان في كلمة «الحوب»الّتي هي على حقيقتها،كما قال الرّاغب:

«الحاجة الّتي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم»،ما يوحي بأنّ هذا السّلوك الخيانيّ ربّما كان منطلقا من حاجة الوليّ القائم على مال اليتيم إلى الأخذ منه،لأنّ ذلك هو الغالب في أمثال هذه الموارد،و ربّما كانت الكلمة في استعمالاتها العرفيّة مجرّدة عن خصوصيّة هذا المعنى، لتأخذ معنى الإثم بشكل مطلق،و اللّه العالم.(7:40)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحوب و هو الإثم،و قد يطلق على النّفس الحوب و الحوباء-و الجمع:حوبات- لأنّها مصدر الحوب.قال الرّاغب:«قيل:الحوباء هي النّفس،و حقيقتها هي النّفس المرتكبة للحوب»و قيل:

بالعكس أي أنّ الأصل النّفس سمّي إثما.لأنّه يصدر عن النّفس!!،و هو الحوب و الحاب و الحيبة؛يقال:حاب يحوب حوبا و حيبة،و تحوّب الرّجل:تأثّم،و ترك الحوب، مثل:تأثّم،أي ترك الإثم،على السّلب.و فلان يتحوّب من الإثم:يتّقيه و يلقي الحوب عن نفسه،و تحوّب:تعبّد، كأنّه يلقي الحوب عن نفسه.و الحوب:الغمّ و الهمّ و البلاء، واحده:حوبة،و لعلّها لكونها يحمل صاحبها على الإثم.

و الحوب:الجهد و الشّدّة و الحزن و الحاجة،و الأبوان و الأخت و البنت،و كلّ ذي رحم محرم؛لأنّ الإنسان يأثم من عقوقهم.و الحوب:زجر البعير ليمضي،كما تزجر النّفس عن مقارفة الإثم؛يقال:حوّب بالإبل،أي قال لها:

حوب،ثمّ أطلق على الجمل نفسه،و واحده:حوبة.

و الحوبة و الحوبة و الحيبة:القرابة من قبل الأمّ؛يقال:

لي في بني فلان حوبة،و حوبة الأمّ على ولدها و تحوّبها:

رقّتها و توجّعها ذكر في كلّ ذي رحم.و الحوبة و الحيبة:

الحاجة و الهمّ و الحزن قال الرّاغب:«و حقيقتها هي الحاجة الّتي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم».

و الحوبة و الحوبة:الرّجل الضّعيف،و كذلك المرأة إذا كانت ضعيفة زمنة،تشبيها بضعف النّفس الّذي يحمل الإنسان على الإثم و الجمع حوب.

و التّحوّب:التّوجّع و الشّكوى و التّحزّن؛يقال:فلان يتحوّب من كذا،أي يتغيّظ منه و يتوجّع،و يقال لابن آوي:هو يتحوّب؛لأنّ صوته كذلك،كأنّه يتضوّر.

ص: 173

2-و يبدو من نصوص اللّغة العربيّة و بعض أخواتها أنّ«الحوب»كان مستعملا بكثرة في كلام السّاميّين، خلافا لهذا العصر؛إذ لا يلحظ له استعمال في اللّغات السّاميّة الحيّة حاليّا،كالعربيّة و العبريّة و السّريانيّة.

و لو لا استعمال لفظ«الحوبة»اليوم في العراق،لأميت ذكره،و اندرس أثره؛يقول العراقيّون عند الشّماتة و التّأنيب:هذه حوبة فلان،أي هذا جزاء إثمك و تفريطك في حقّه.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حوبا»مرّة في آية:

1- ...وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً النّساء:2

يلاحظ أوّلا:أنّ هذا اللّفظ وحيد الجذر في القرآن، لكنّه مدنيّ خلافا لأمثاله فإنّها مكّيّة.لاحظ المدخل:

بحث الألفاظ وحيدة الجذر في القرآن.و فيه بحوث:

1-فسّره ابن عبّاس تارة بالذّنب و أخرى بالإثم، و فسّره قتادة بالظّلم،و هي معاني متقاربة متلازمة.و قد استدلّ مكارم الشّيرازيّ و فضل اللّه بقول الرّاغب في معنى الحوبة:«هي الحاجة الّتي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم»على استعمال لفظ«الحوب»بدل«الإثم»، لسطوة القيّم على مال اليتيم للحاجة إليه،أو بذريعة الحاجة إليه.

و لعلّ الإثم أقرب من سائر نظائره إلى الحوب؛لأنّه وصف بالكبر أيضا في قوله تعالى: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما البقرة:

219.

2-قرئ«حوب»و«حاب»أيضا،فالأولى لغة تميم كما قال الفرّاء،و الثّانية على المصدريّة،و قال الثّعلبيّ:

«يجوز أن يكون اسما،مثل:الزّاد و النّار،و يقال للذّنب:

حوب و حوب و حاب».

3-جاء أكل أموال اليتامى في موضع آخر من نفس السّورة أيضا،و هو قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً النّساء:10،و كأنّه يفسّر الحوب بأكل النّار و صلي السّعير،لأنّه ينجرّ إليهما.و كأنّ قتادة أخذ تفسير«حوب»ب«ظلم»من هذه الآية.

4-استعمل أكل«أموال اليتامى»مرّتين في هذه السّورة المدنيّة،و استعمل قرب«مال اليتيم»مرّتين أيضا في سورتين مكّيّتين بلفظ واحد،و هو قوله: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ الأنعام:

152،و الإسراء:34.ففي أكل أموال اليتامى نهي و تهديد،و في قربها نهي دون تهديد،فهل القرب أهون من الأكل؟؛أو لأنّه ذريعة إلى الأكل المحرّم و ليس محرّما في نفسه.انظر(أ ك ل)و(ق ر ب)و(ي ت م).

ص: 174

ح و ت

اشارة

3 ألفاظ،5 مرّات:3 مكّيّة 2 مدنيّة

في 4 سور مكّيّة (1)

الحوت 3:2-1 حوتهما 1:1

حيتانهم 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحوت:معروف.و الجميع:الحيتان و هو السّمك.و الحوت:برج من الاثني عشر،و هو آخرها.

و الحوت،و الحوتان:حومان الطّائر حول الماء، و حومان الوحشيّة حول شيء.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:282)

ابن الأعرابيّ: المحاوتة:المراوغة،يقال:هو يحاوتني أي يراوغني.و الحائت:الكثير العذل.

(الأزهريّ 5:201)

ابن دريد :الحوت معروف؛و هو ما عظم من السّمك.و قال قوم:بل السّمك كلّه حيتان،و الجمع:

حيتان و أحوات.و بنو حوت:بطين من العرب.(2:5)

الصّاحب:الحوت:السّمك،و الجميع:حيتان و أحوات و حوتة،و هو آكل من حوت...

و الحوت و الحوتان:حومان الطّائر حول الشّيء.

و حاوته،إذا دافعه و عاسره.

و المحاوتة:المكالمة بمشاورة أو مواعدة.و هو في البيع:المداورة عليه،حاته يحوته.

و الحجفة الحوتيّة:ضرب من التّرسة.(3:185)

الجوهريّ: الحوت:السّمكة،و الجمع:الحيتان.

و الحوت:برج في السّماء.

و حات الطّائر على الشّيء يحوت،أي حام حوله.

و حاوتني فلان،إذا راوغك.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:247)

ابن فارس: الحاء و الواو و التّاء أصل صحيح منقاس،و هو من الاضطراب و الرّوغان،فالحوت العظيم

ص: 175


1- هكذا جاء في«المعجم المفهرس»استنادا إلى قول ابن عبّاس،و لكن سياق الآيات كونها جميعا مكّيّة.

من السّمك،و هو مضطرب أبدا غير مستقرّ.و العرب تقول:حاوتني فلان،إذا راوغني.[ثمّ استشهد بشعر](2:114)

ابن سيده: الحوت:السّمك،و قيل:هو ما عظم منه.

و الجمع:أحوات و حيتان.

و الحوت و الحوتان:حومان الطّائر،و الوحشيّ حول الشّيء و قد حات به يحوت.

و الحوتاء من النّساء:الضّخمة الخاصرتين المسترخية اللّحم و بنو حوت:بطن.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:493)

الحوت:برج في السّماء،و هو السّمكة...

الحوت:قلب الحوت:منزل من منازل برج الحوت.

(الإفصاح 2:910)

الحوت:السّمك كلّه.و قيل:ما عظم منه،الجمع:

أحوات و حوتة و حيتان.

البال:الحوت العظيم من حيتان البحر،و يدعى:

جمل البحر.و قيل:هي سمكة طولها خمسون ذراعا.

معرّب«وال».

البياح و البيّاح:ضرب من الحيتان.و قيل:ضرب من السّمك صغار،و هو أطيب السّمك،أمثال الشّبر.

الجواف و الجوفيّ: ضرب من حيتان البحر.و قيل:

سمك.

البهار:حوت أبيض.

الزّجر و الزّجر:ضرب من الحيتان عظام.

الدّخس:اسم بعض حيتان البحر.و قيل:دابّة في البحر تنجي الغريق،تمكّنه من ظهرها ليستعين على السّباحة،و تسمّى الدّلفين.الدّلفين:دابّة بحريّة تنجي الغريق.

الدّوع:قيل:ضرب من الحيتان(يمانيّة).

(الإفصاح 2:975)

الرّاغب: حوت:قال اللّه تعالى: نَسِيا حُوتَهُما الكهف:61. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ الصّافّات:142،و هو السّمك العظيم إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً الأعراف:163.و قيل:حاوتني فلان،أي راوغني مراوغة الحوت.(134)

الزّمخشريّ: آكل من حوت،و هو حوتيّ الالتقام، و تقول:التقمه الحوت و أكله الحيّوت؛و هو ذكر الحيّات.

و من المجاز:حاوتني فلان عن كذا،إذا خادعك عنه و راوغك.و ظلّ فلان يحاوتني بخدعه،و معناه يداورني فعل الحوت في الماء.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:98)

ابن الأثير: فيه«قال أنس:جئت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو يسم الظّهر و عليه خميصة حويتيّة»،هكذا جاء في بعض نسخ مسلم،و المشهور المحفوظ خميصة جونيّة، أي سوداء،و أمّا حويتيّة فلا أعرفها،و طالما بحثت عنها فلم أقف لها على معنى.

و جاء في رواية أخرى«خميصة حوتكيّة»،لعلّها منسوبة إلى القصر،فإنّ الحوتكيّ:الرّجل القصير الخطو، أو هي منسوبة إلى رجل يسمّى حوتكا.و اللّه أعلم.

(1:456)

الرّازيّ: الحوت:السّمكة؛و الجمع:الحيتان.قلت:

و هكذا قال الأزهريّ،و يؤيّد كونه مطلق السّمكة قوله

ص: 176

تعالى: نَسِيا حُوتَهُما الكهف:61.و المنقول في الحديث الصّحيح أنّها كانت سمكة في مكتل،و ما ظنّك بزوّادة اثنين خصوصا موسى و صاحبه،و أدلّ من هذا قوله تعالى: إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ الأعراف:163.و أمّا قوله تعالى: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ الصّافّات:142،فإنّه يدلّ على صحّة إطلاق الحوت على السّمكة الكبيرة، لا على حصر مسمّى الحوت فيها،كما يظنّه العامّة.

(178)

الفيّوميّ: الحوت:العظيم من السّمك،و هو مذكّر.

و في التّنزيل فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ الصّافّات:142.

و الجمع:حيتان.(1:155)

الفيروزآباديّ: الحوت:السّمك؛جمعه:أحوات و حوتة و حيتان،و برج في السّماء.

و الحوتاء:الضّخمة الخاصرة،و الحائت:الكثير العذل،و حاوته:راغمه و دافعه و شاوره و كالمه بمشاورة أو مواعدة،و هي في البيع.

و الحوت و الحوتان:حومان الطّير و الوحشيّ حول الشّيء.(1:152)

مجمع اللّغة :الحوت:السّمكة،صغيرة كانت أو كبيرة؛و جمعه:حيتان...(1:305)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:149)

العدنانيّ: و يخطّئون استعمال الصّافيّ النّجفيّ كلمة «الحوت»جمعا في قوله:

جاءته حوت البحر ظامئة له

أو ما كفاها بحرها العجّاج؟

و يقولون:إنّ الحوت كلمة مفردة،اعتمادا على القرآن الكريم الّذي ورد الحوت فيه مذكّرا مرّتين:في الآية:63، من سورة الكهف،و في الآية:142،من سورة الصّافّات.

و اعتمدوا أيضا لإثبات أنّ كلمة الحوت مفردة على معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس،و المختار،و اللّسان نقل أيضا قول المحكم:الحوت:السّمك،و المصباح،و التّاج ذكر أيضا قول المحكم،و المدّ يرجّح أنّه مفرد،و قد يكون جمعا،و المتن، و الوسيط.

و لكن ذكر أنّ الحوت جمع كلّ من:المحكم، و القاموس،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.أمّا الرّاغب الأصفهانيّ في«مفرداته»فقد تذبذب بين الجمع و المفرد في قوله:الحوت هو السّمك العظيم،فلو كان الحوت جمعا لقال:هي،و لو كان مفردا لقال:هي السّمكة.فتركيب جملته هنا قلق،و المعنى غير واضح.

أمّا إذا ظنّ الشّاعر أنّ الحوت كلمة مؤنّثة،فقد أخطأ، لأنّ الحوت مذكّر،كما ظهر في الآيتين الشّريفتين،و كما قال معجم ألفاظ القرآن الكريم،و مفردات الرّاغب، و الأساس،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط.

و هنالك معاجم لم تقل شيئا عن تذكير كلمة الحوت، أو تأنيثها كالصّحاح،و القاموس،و المتن،و الوسيط.

أمّا جمع الحوت فهو:حيتان،و أحوات،و حوتة.لذا:

أ-استعمل الحوت مفردا مذكّرا دون تردّد.

ب-و استعمله جمعا على حذر،لأنّني أخشى أن يكون المحكم قد أخطأ،فنقل عنه القاموس،و حذا حذوهما محيط المحيط،الّذي اعتاد أقرب الموارد أن ينقل

ص: 177

عنه،و لأنّ الرّاغب الأصفهانيّ لا يثبت قوله أنّ الكلمة جمع،و لأنّ مدّ القاموس يرجّح أنّ الحوت مفرد.(175)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الرّوغان،يقال:راغ إليه،إذا مال نحوه يريد منه شيئا على سبيل الاحتيال.و لمّا كان السّمك يتحرّك و يجري و يميل في الماء يريد صيدا و غذاء و يحتال في تحصيل ذلك دائما، يرى منه هذا الميل و الحركة و الاحتيال،فسمّي بالحوت، فالحوت هو السّمك المتظاهر به،و يلاحظ فيه هذه الخصوصيّة،و هذا القيد يلازم إطلاقه على السّمك المتراءى و المتظاهر في قبال الأعين،و هو العظيم منه.

(2:328)

النّصوص التّفسيريّة

الحوت

1- قالَ أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَ ما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً. الكهف:63

راجع:ن س ي:«انسانيه».

2- فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ. الصّافّات:142

ابن عبّاس: أوحى اللّه تعالى إلى سمكة يقال لها:

اللّحم من البحر الأخضر:أن شقّي البحار حتّى تأخذي يونس،و ليس يونس لك رزقا،و لكن جعلت بطنك له سجنا،فلا تخدشي له جلدا،و لا تكسري له عظما، فالتقمه الحوت حين ألقي.(الماورديّ 5:67)

نحوه الطّبرسيّ.(4:458)

الطّريحيّ: قال بعض العارفين:و يكفي الحوت شرفا أن كان وعاء و مسكنا لنبيّه يونس بن متّى.

(2:198)

الآلوسيّ: و روي أنّه لمّا وقف على شفير السّفينة ليرمي بنفسه،رأى حوتا،و اسمه على ما أخرج ابن أبي حاتم و جماعة عن قتادة«نجم»،قد رفع رأسه من الماء قدر ثلاثة أذرع يرقبه و يترصّده،فذهب إلى ركن آخر فاستقبله الحوت،فانتقل إلى آخر فوجده،و هكذا حتّى استدار بالسّفينة.فلمّا رأى ذلك عرف أنّه أمر من اللّه تعالى فطرح نفسه،فأخذه قبل أن يصل إلى الماء.

(23:143)

لاحظ:ل ق م:«التقمه».

3- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَ هُوَ مَكْظُومٌ. القلم:48

راجع:ص ح ب:«صاحب».

حوتهما

فَلَمّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً. الكهف:61

الزّجّاج: نَسِيا حُوتَهُما و كانت فيما روي سمكة مملوحة،و كانت آية لموسى في الموضع الّذي يلقى فيه الخضر.(3:299)

الماورديّ: قيل:إنّهما تزوّدا حوتا مملوحا.و تركاه حين جلسا.(3:323)

الواحديّ: قال المفسّرون:كانا فيما تزوّدا حوت

ص: 178

مملّح في زبيل،فكانا يصيبان منه الغداء و العشاء،فلمّا انتهيا إلى الصّخرة على ساحل البحر،وضع فتاه المكتل، فأصاب الحوت ندى البحر،فتحرّك في المكتل فانسرب في البحر،و قد كان قيل لموسى:تزوّد معك حوتا مالحا، فحيث تفقد الحوت ثمّ تجد الرّجل العالم،فلمّا انتهيا إلى الصّخرة قال لفتاه:امكث حتّى آتيك،و انطلق موسى لحاجته،فجرى الحوت حتّى وقع في البحر.(3:157)

نحوه الزّمخشريّ.(2:491)

ابن عربيّ: نَسِيا حُوتَهُما هو الحوت الّذي ابتلع ذا النّون عليه السّلام بالنّوع لا بالشّخص،لأنّ غذاءهما كان قبل الوصول إلى هذه الصّورة في الخارج من ذلك الحوت، الّذي أمر بتزوّده في السّفر وقت العزيمة.(1:766)

القرطبيّ: و جمهور المفسّرين:أنّ الحوت بقي موضع سلوكه فارغا،و أنّ موسى مشى عليه متبعا للحوت،حتى أفضى به الطّريق إلى جزيرة في البحر،و فيها وجد الخضر.و ظاهر الرّوايات و الكتاب أنّه إنّما وجد الخضر في ضفّة البحر.(11:12)

البيضاويّ: نسي موسى عليه الصّلاة و السّلام أن يطلبه و يتعرّف حاله،و يوشع أن يذكر له ما رأى من حياته و وقوعه في البحر...

روي أنّ موسى عليه السّلام رقد،فاضطرب الحوت المشويّ و وثب في البحر،معجزة لموسى أو الخضر،و قيل:توضّأ.

يوشع من عين الحياة،فانتضح الماء عليه فعاش و وثب الماء.(2:18)

النّيسابوريّ: نَسِيا حُوتَهُما لأنّه تعالى جعل انقلاب الحوت حيّا علامة على مسكن الخضر،قيل:إنّ الفتى كان يغسل السّمكة لأنّها كانت مملوحة،فطفرت و سارت.[إلى أن قال:]و قيل:انفجرت هناك عين من الجنّة،و وصلت قطرات من تلك العين إلى السّمكة فحييت،و طفرت إلى البحر.(16:8)

أبو حيّان :و كان من أمر الحوت و قصّته:أنّ موسى عليه السّلام حين أوحى إليه أنّ لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك،قال موسى:يا ربّ فكيف لي به؟قال:

تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل،فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ.فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثمّ انطلق،و انطلق معه فتاه يوشع بن نون حتّى أتيا الصّخرة،وضعا رءوسهما فنام موسى،و اضطرب الحوت في المكتل فخرج منه،فسقط في البحر سربا،و أمسك اللّه عن الحوت جرية الماء،فصار عليه مثل الطّاق.

قيل:و كان الحوت مالحا،و قيل:مشويّا،و قيل:

طريّا،و قيل:جمع يوشع الحوت و الخبز في مكتل،فنزلا ليلة على شاطئ عين تسمّى«عين الحياة»،و نام موسى، فلمّا أصاب السّمكة روح الماء و برده عاشت،و روي أنّهما أكلا منها.و قيل:توضّأ يوشع من تلك العين، فانتضح الماء على الحوت فعاش،و وقع في الماء.

(6:145)

نحوه البروسويّ(4:265)،و الآلوسيّ(15:314).

الطّباطبائيّ: الآيتان التّاليتان تدلاّن على أنّه كان حوتا مملوحا أو مشويّا،حملاه ليرتزقا به في المسير،و لم يكن حيّا و إنّما حيّ هناك.[إلى أن قال:]و اعلم أنّ الآيات غير صريحة في حياة الحوت بعد ما كان ميّتا،بل ظاهر قوله: نَسِيا حُوتَهُما، و كذا قوله: نَسِيتُ

ص: 179

اَلْحُوتَ أن يكونا وضعاه في مكان من الصّخرة مشرف على البحر،فيسقط في البحر،أو يأخذه البحر بمدّ و نحوه، فيغيب فيه،و يغور في أعماقه بنحو عجيب،كالدّخول في السّرب.و يؤيّده ما في بعض الرّوايات:أنّ العلامة كانت هي افتقاد الحوت لا حياته،و اللّه أعلم.(13:339)

المصطفويّ: السّمك المحتال يكون في هذا المورد غذاء و صيدا لموسى عليه السّلام؛إذ هو سائر إلى الكمال و مريد لأن يبلغ مجمع البحرين:بحر الظّاهر و بحر المعنى؛و هو مقام جمع الجمع،حتّى يستعدّ للرّسالة و الدّعوة،و لازم أن يكون البالغ إلى هذا المقام أن يحفظ وظائف الظّاهر و الباطن،و أن يتوجّه إلى كلا المقامين،و أن لا يفوت عنه شيء من الجانبين،و هذا المعنى من تأويلات الآية الكريمة،و بها يظهر لطف التّعبير بالحوت،و أمّا ظاهر الآية الشّريفة:فراجع مادّة«ب ح ر».(2:329)

مكارم الشّيرازيّ: و هناك كلام كثير بين المفسّرين عن نوعيّة هذا السّمك الّذي كان معدّا للغذاء ظاهرا،إلاّ أنّه سلك طريقه إلى البحر بشكل إعجازيّ.

و في بعض كتب التّفسير نرى أنّ هناك حديثا عن عين تهب الحياة،و أنّ السّمكة عند ما أصابها مقدار من ماء تلك العين عادت إليها الحياة.

و هناك احتمال آخر تكون فيه السّمكة حيّة،بمعنى أنّها لم تكن قد ماتت بالكامل،حيث يوجد بعض أنواع السّمك يبقى على قيد الحياة فترة بعد إخراجه من الماء، و هو يعود إلى الحياة الكاملة إذا أعيد في هذه الفترة إلى الماء.(9:280)

فضل اللّه : نَسِيا حُوتَهُما الّذي اصطحباه ليأكلاه-كما يبدو-أو ليكون علامة على تلك النّقطة، و لكن هل كان ميّتا،أو مشويّا؟ربّما يذكر المفسّرون ذلك،و ربّما يلاحظ البعض بأنّ الآية ليست ظاهرة في ذلك،فإنّ الوارد فيها هو نسيان الحوت من دون أيّة إشارة إلى طبيعة وضعه.و لكن قد تكون الفقرة التّالية فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً دليلا على حياته بعد الموت،لأنّها تتحدّث عنه،كما لو كان يتحرّك حركة اختياريّة في سلوكه الطّريق إلى البحر الّذي يدخل إليه ليغيب فيه.(14:359)

حيتانهم

وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ. الأعراف:163

الزّجّاج: حيتان:جمع حوت،و أكثر ما تسمّي العرب السّمك:الحيتان و النّينان.(2:384)

نحوه الطّوسيّ(5:14)،و الزّمخشريّ(2:125).

العكبريّ: (حيتانهم):جمع حوت،أبدلت الواو ياء لسكونها و انكسار ما قبلها.(1:600)

أبو حيّان :الحوت معروف،يجمع في القلّة على:

أحوات،و في الكثرة على:حيتان،و هو قياس مطّرد في فعل واويّ العين،نحو:عود و أعواد و عيدان.(4:403)

أبو السّعود :و الحيتان:جمع حوت،قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ك«نون و نينان»لفظا و معنى،و إضافتها إليهم للإشعار باختصاصها بهم،لاستقلالها بما لا يكاد

ص: 180

يوجد في سائر أفراد الجنس من الخواصّ الخارقة للعادة، أو لأنّ المراد بها الحيتان الكائنة في تلك النّاحية.

(3:43)

نحوه الآلوسيّ.(9:90)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]و كان عليّ بن أبي طالب يقول:«سبحان من يعلم اختلاف النّينان في البحار الغامرات».(3:264)

رشيد رضا :أي سمكهم.و لا يزال أهل الحجاز يسمّون السّمكة حوتا كبيرة كانت أو صغيرة،و أهل سوريّة يخصّون السّمكة الكبيرة باسم الحوت.و قد أضيفت الحيتان إليهم،لما كان من ابتلائهم بها و احتيالهم على صيدها.(9:375)

المصطفويّ: أي يوم هم ممنوعون عن صيد السّمك،و هم يعدون و يخالفون أمره تعالى.

و قد جعل اللّه تعالى الحيتان المحتالين في طلب الصّيد و الرّزق،أرزاقا و صيودا لهم ما داموا مطيعين مؤمنين، و جعل يوم السّبت يوم عيد لطلب الرّوحانيّة و المعنويّة لهم،و طلب الصّيد و الرّزق للحيتان.(2:329)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحوت،أي السّمك،صغيرا كان أم كبيرا،و الجمع:حيتان و أحوات.و الحوتاء من النّساء:الضّخمة الخاصرتين،المسترخية اللّحم،تشبيها بالحوت الكبير.

و المحاوتة:المراوغة؛يقال:حاوتك فلان،أي راوغك،و يحاوتني:يراوغني،تشبيها بمراوغة الحوت في الماء.

و الحوت و الحوتان:حومان الطّائر حول الماء، و الوحشيّ حول الشّيء؛يقال:حات الطّائر على الشّيء يحوت حوتا و حوتانا،أي حام حوله.

و شذّ الحائت عن هذا الباب،و هو الكثير العذل،أي العدد.

2-و قد ذكر بعض اللّغويّين معنى الحوت بلفظ «السّمك»،كالصّاحب بن عبّاد و ابن سيده،و ذكره آخرون بلفظ«السّمكة»كالجوهريّ،إلاّ أنّه لم يصرّح أحد منهم بأنّ لفظ«حوتة»هو واحد الحوت،مثلما صرّحوا بأنّ السّمكة واحدة السّمك.و هذا ينبئ بأنّ «الحوت»مفرد لا واحد له،و ما يستعمل اليوم بالتّاء فهو من لحن العوامّ.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حوت»4 مرّات،و«حيتان»مرّة،في 5 آيات:

1- فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ الصّافّات:142

2- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَ هُوَ مَكْظُومٌ القلم:48

3- فَلَمّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً الكهف:61

4- ...فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَ ما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ... الكهف:63

5- ...إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ الأعراف:163

ص: 181

5- ...إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ الأعراف:163

يلاحظ أوّلا:أنّ الحوت جاء مفردا في(1-4)و جمعا في(5)،و أريد به في(1 و 2)كباره،و في(3 و 4)صغاره، و في(5)مجموعهما.

ثانيا:(1 و 2)جاءتا بشأن يونس عليه السّلام في سورتين:

الصّافّات و القلم،و فيهما بحوث:

1-جاءت(1)في الصّافّات،و قد حكى اللّه فيها لمحة من رسالات ستّة من الأنبياء عليهم السّلام:أوّلها رسالة نوح، و آخرها رسالة يونس.و قد ابتلي كلّ من هؤلاء الأنبياء ببلاء خلال تبليغ رسالته،فكان بلاء نوح و إبراهيم و إلياس و لوط قومهم،و بلاء موسى فرعون و أتباعه ثمّ بنو إسرائيل،و بلاء يونس الحوت.

2-و جاء في(1)الالتقام: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ، في التقام الحوت ليونس،و في(2)النّبذ في طرحه له لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ، غير أنّ «الالتقام»أسند إلى الحوت،و«النّبذ»أسند إلى اللّه في الصّافّات:145، فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ، و جاء بالبناء للمفعول في القلم:49 لَنُبِذَ بِالْعَراءِ، و كلاهما منّ من اللّه على يونس،كما منّ على نوح و لوط بقوله:

نَجَّيْناهُ، و على موسى و هارون بقوله: نَجَّيْناهُما.

3-و جاء توصيفا لحالة يونس في(1)وصفان:

«مليم»عند الالتقام،و«سقيم»عند النّبذ: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ، فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَ هُوَ سَقِيمٌ، كما جاء في(2)وصفان له أيضا:«مكظوم»عند الالتقام:

إِذْ نادى وَ هُوَ مَكْظُومٌ، و«مذموم»عند النّبذ: لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَ هُوَ مَذْمُومٌ.

4-جاء«العراء»مع«النّبذ»في الآيتين جميعا.

5-كنّى اللّه عن يونس في(2)بلفظ«صاحب الحوت»: وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ، كما كنّى عنه في آية أخرى بلفظ«ذا النّون»: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً الأنبياء:87.

ثالثا:(3 و 4)جاءتا في سورة الكهف حكاية عن موسى عليه السّلام و فتاه و نسيانهما الحوت.و فيهما بحوث أيضا:

1-عرّف«حوت»في(4)بلام العهد: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، لأنّه كان معهودا لهما،و في(3)بالإضافة إلى ضميرهما تنسيقا لما قبله فَلَمّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما، حيث جاء فيها فعلان و ضميران مثنّى.

2-نسب النّسيان في(4)إلى فتاه،و أنّه لحقه من قبل الشّيطان: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَ ما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، و في(3)إليهما معا نَسِيا حُوتَهُما من دون ذكر الشّيطان،و كان من اللّه لا من الشّيطان؛لأنّ النّسيان عرض أوّلا فتاه،ثمّ تسرّى نتيجته إلى موسى عليه السّلام من دون عروضه له.

3-اختلفوا في صفة«الحوت»أ كان مملوحا،أو مشويّا،أو طريّا،و ليس شيء منها مذكورا في الآيات.

4-كما اختلفوا في أنّ فقدان الحوت كان علامة على موضع الخضر عليه السّلام،أو حياته و اتّخاذه سبيله في البحر فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً، أو كلّ ذلك مضافا إلى النّسيان،و هو الأقرب.

5-و هناك خلاف نادر في حياة الحوت فأكثرهم على أنّه كان ميّتا ثمّ عاش إعجازا،و بإزائه قولان نادران:

ص: 182

أحدهما:أنّه ما كان ميّتا،بل كان حيّا طريّا حكاه مكارم الشّيرازيّ.و لا يوافقه كونه غذاء لموسى و فتاه حيث قال موسى له في آية بعدها: آتِنا غَداءَنا.

ثانيهما:أنّه بقى ميّتا حتّى سقط في البحر.و احتمله الطّباطبائيّ بحجّة أنّ الآيات غير صريحة في حياة الحوت بعد ما كان ميّتا،بل ظاهر نَسِيا حُوتَهُما، و نَسِيتُ الْحُوتَ أنّهما وضعاه في مكان من الصّخرة مشرف على البحر،فسقط في البحر بمدّ و نحوه،فغاب فيه و غار في أعماقه بنحو عجيب.و أيّده بما جاء في بعض الرّوايات أنّ العلامة لالتقاء موسى بالخضر افتقاد الحوت لا حياته!!

و كأنّ فضل اللّه أراده بقوله:«و ربّما يلاحظ البعض بأنّ الآية ليست ظاهرة في ذلك»أي في حياته بعد موته.

ثمّ ردّه«بأنّ الآية: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً، قد تكون دليلا على حياته بعد موته،لأنّها تتحدّث عنه كما لو كان يتحرّك حركة اختياريّة في سلوكه الطّريق إلى البحر».

و هو الحقّ الموافق للرّوايات.لاحظ«يونس»، و موادّ الألفاظ الّتي جاءت في قصّته منها«مجمع البحرين».

6-و لعلّك تقول:أما كان الأوفق أن يقول:(نسيا حوتا لهما)،كما قال: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ الطّور:24،و لم يقل:(و يطوف عليهم غلمانهم)؟

نقول:كلاّ ليس من الأوفق ذلك،لأنّه جاء على أصله،و هو اختصاص الحوت بهما كما تفيده الإضافة، و لو قطع عنها لتعيّنت الملكيّة عليهما معا بلام الملك،و هو خلاف الحال،لأنّ الفتى كان تابعا لموسى،و الملكيّة تحقّقت لموسى دون فتاه،فتنتفي التّثنية.

و أمّا قوله: غِلْمانٌ لَهُمْ فهو ليس اختصاصا و لا ملكا،بل هؤلاء ملائكة من أجمل ما يكون كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ، جعلهم اللّه خدما و فرحا لأهل الجنّة،يطوفون عليهم و يهبونهم بجمالهم فرحا و بجهودهم حاجة،كما قال:

وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً الدّهر:19،فهذا من قبيل: وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً النّحل:72،و الجمع و التّنكير مع اللاّم أو بدونها غِلْمانٌ لَهُمْ، و(لكم ازواجا)، وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ في أمثال هذا السّياق تعظيم للنّعمة و تكبير للموهبة.

رابعا:جاءت(5)في سورة الأعراف بشأن حرمة الصّيد يوم السّبت على بني إسرائيل و احتيالهم في ذلك، و كانت الحيتان كسبت تجربة أو بإلهام اللّه إيّاهنّ-و هو الحقّ-أنّ القوم لا يصيدونها يوم السّبت،فتأتيهم في هذا اليوم،و لا تأتيهم في سائر الأيّام فاحتالوا في صيدها-كما حكى الطّبرسيّ(2:492)-بإلقاء السّمكة في الماء يوم السّبت،و لا يخرجونها في هذا اليوم بل في غيره من الأيّام،أو كانوا يتّخذون حياضا فيسوقون الحيتان إليها يوم السّبت،و يصيدونها في غيره.و فيها بحثان:

1-حيتان:جمع حوت.أبدلت الواو ياء لسكونها و انكسار ما قبلها،و هي جمع الكثرة،و جمع القلّة:

أحوات.

2-أضيفت«حيتان»إلى ضمير«هم»العائد على أهل القرية،و علّة الإضافة-كما قال أبو السّعود- «للإشعار باختصاصها بهم،لاستقلالها بما لا يكاد يوجد

ص: 183

في سائر أفراد الجنس من الخواصّ الخارقة لعادة،أو لأنّ المراد بها الحيتان الكائنة في تلك النّاحية».أو-كما قال رشيد رضا-:«لما كان من ابتلائهم بها و احتيالهم على صيدها»أو لمجموع ذلك.

ص: 184

ح و ج

اشارة

حاجة

لفظ واحد،3 مرّات:2 مكّيّة،1 مدنيّة

في 3 سور:2 مكّيّة،1 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحوج من الحاجة،تقول:أحوجه اللّه، و أحوج هو،أي احتاج،و الحاج جمع:حاجة،و كذلك الحوائج و الحاجات.و التّحوّج:طلب الحاجة.

و الحوج:الحاجات.

و تقول:لقد جاءته إلينا حاجة حائجة.

و الحاج من الشّوك:ضرب منه.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:259)

الكسائيّ: تصغير الحاج الشّوك:حييجة، و أحيجت الأرض و أحاجت:إذا أنبتت الحاج.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:134)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المحيج من الرّجال:

الغضبان.(1:174)

الفرّاء: هي الحوج،للحاجات.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:134)

أبو زيد :حج حجيّاك ما في يدي،و حاجيتك ما في يدي.(85)

اللّحيانيّ: حاج الرّجل يحوج و يحيج،و قد حجت و حجت،أي احتجت.يقال:كلّمت فلانا فما ردّ عليّ حوجاء و لا لوجاء على«فعلاء»ممدود،و معناه ما ردّ عليّ كلمة قبيحة و لا حسنة.

ما لي فيه حوجاء و لا لوجاء و لا حويجاء و لا لويجاء.

(الأزهريّ 5:135)

ابن الأعرابيّ: حاج يحوج حوجا،إذا احتاج.

و الحوج:الطّلب،و الحوج:الفقر.

(الأزهريّ 5:135)

ابن السّكّيت: يقال لي في هذا الشّيء حاجة.

و جمع حاجة:حاجات و حاج و حوائج و حوج.

ص: 185

و يقال:حجت أحوج،بمعنى احتجت.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو رجل محتاج و محوج و حائج،و يقال:ما بقيت في صدري حوجاء و لا لوجاء إلاّ قضيتها.(566)

أبو حاتم: قالوا:حاجة و حوائج،لأنّها من بنات الواو،و لا يكاد أحد يقول حوائج،إنّما يقال:حاجات و حاج،و لم أسمع حوائج إلاّ في قول الطّهويّ.

و قال بعضهم:حوج.[و استشهد بالشّعر مرّتين](79)

حاجيتك:عاييتك،و المحاجات:المعاياة.

(أبو زيد:85)

شمر: و الحاج جمع:حاجة،و تحوّج:طلب حاجة.

(الأزهريّ 5:134)

أبو الهيثم: الحاجة في كلام العرب الأصل فيها حائجة حذفوا منها الياء،فلمّا جمعوها ردّوا إليها ما حذفوا منها فقالوا:حاجة و حوائج،فدلّ جمعهم إيّاها على«حوائج»أنّ الياء محذوفة من الواحدة.و قالوا:

حاجة حوجاء.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:135)

ثعلب :إنّما تجمع حاجة على:حاجات و حاج.فأمّا حوائج فهو جمع:حائجة.[ثمّ استشهد بشعر](566)

يقال:ما في الأمر حوجاء و لا لوجاء،أي شكّ.

(ابن سيده 3:461)

ابن دريد :و الحوج لغة يمانيّة،يقول الرّجل للرّجل عند العثرة و المصيبة:حوجا لك،أي سلامة لك.

و الحائجة و الحوجاء و الحاجة بمعنى واحد،و على هذه اللّغة قيل:حوائج في جمع:حائجة،هكذا قال عبد الرّحمن عن عمّه.و جمع حاجة:حاج،و يقال:حاجة و حاجات و حوائج،و الحاج جمع:حاجة و هو ضرب من الشّجرة.(2:60)

يقال:ما لي قبلك حاجة و لا حوجاء و لا حائجة، فجمع حاجة:حاجات،و جمع حائجة:حوائج،و لا تكون الحوائج جمع:حاجة.

و الحاجة:خرزة أو لؤلؤة تعلّق في شحمة الأذن، و ربّما سمّيت شحمة الأذن حاجة أيضا.(3:221)

الصّاحب: الحوج:من الحاجة،أحوجه اللّه.و أحوج الرّجل:احتاج.و جمع الحاجة:الحاج و الحوائج و الحاجات،و حاجة حائجة.و التّحوّج:طلب الحاجة بعد الحاجة.و الحوج:الحاجات.و كذلك الحوجاء:الحاجة.

و كلّمته فما ردّ عليّ حوجاء و لا لوجاء،أي كلمة.

و ليس في أمرك حوجاء و لا لوجاء و لا حويجاء و لا لويجاء،أي حاجة و عوج.

و حوّجت لفلان:إذا تركت طريقك في هواه.

و حوّج بنا الطّريق و لوّج،أي عوّج.

و خذ حويجاء من الأرض،أي طريقا مخالفا ملتويا.

و قولهم:احتاج الرّجل إلى كذا،أي انعاج إليه.

و حاجة حائجة:مهمّة.و حاجات حوّج و محتاج:

بيّن الحوج و الحوجاء،و هو يتحوّج،أي يطلب معيشته.

و الحاج من الشّوك:ضرب منه.و أحاجت الأرض و أحيجت:صارت ذات حاج و شوك.(3:142)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه قال للرّجل الّذي باع له القدح و الحلس في من يزيد:انطلق إلى هذا الوادي،فلا تدع حاجا و لا حطبا،و لا تأتني خمسة عشر

ص: 186

يوما».

الحاج جمع:حاجة.

فأمّا الحوائج فهي جمع على غير قياس،إلاّ أنّ من العرب من يقول في الواحدة منها:حائجة،فمن قال ذلك أصاب القياس في جمعها على الحوائج.

فأمّا حديثه الآخر أنّه قال له رجل:«ما تركت حاجة و لا داجة إلاّ أتيتها»،هكذا رواه ابن قتيبة بالتّخفيف،و فسّره فقال:أراد أنّه لم يدع شيئا دعته نفسه إليه من المعاصي إلاّ ركبه.قال:و داجة إتباع، كقولهم:شيطان ليطان و أخواتها.

و قد روي هذا الحرف من غير هذا الطّريق مثقّلا، و فسّر على غير هذا المعنى.(1:253)

الجوهريّ: الحاجة معروفة،و الجمع:حاج و حاجات و حوج،و حوائج على غير قياس،كأنّهم جمعوا حائجة.و كان الأصمعيّ ينكره و يقول:هو مولّد.

و إنّما أنكره لخروجه عن القياس،و إلاّ فهو كثير في كلام العرب.

و الحوجاء:الحاجة.

يقال:ما في صدري به حوجاء و لا لوجاء،و لا شكّ و لا مرية بمعنى واحد.و يقال:ليس في أمرك حويجاء و لا لويجاء و لا رويغة.

[ثمّ ذكر قول اللّحيانيّ و أضاف:]و هذا كقولهم:فما ردّ عليّ سوداء و لا بيضاء،أي كلمة قبيحة و لا حسنة.

و حاج يحوج حوجا،أي احتاج.

و أحوج أيضا بمعنى احتاج.

و الحاج:ضرب من الشّوك.و الحاج جمع:حاجة.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](1:307)

ابن فارس: الحاء و الواو و الجيم أصل واحد،و هو الاضطرار إلى الشّيء.فالحاجة واحدة الحاجات.

و الحوجاء:الحاجة.و يقال:أحوج الرّجل:احتاج،و يقال أيضا:حاج يحوج بمعنى احتاج.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا الحاج فضرب من الشّوك،و هو شاذّ عن الأصل.(2:114)

أبو هلال :الفرق بين الفقر و الحاجة:أنّ الحاجة هي النّقصان،و لهذا يقال:الثّوب يحتاج إلى خرمة،و فلان يحتاج إلى عقل؛و ذلك إذا كان ناقصا.و لهذا قال المتكلّمون:الظّلم لا يكون إلاّ من جهل أو حاجة،أي من جهل بقبحه أو نقصان زاد جبره بظلم الغير.و الفقير خلاف الغنيّ،فأمّا قولهم:فلان مفتقر إلى عقل فهو استعارة،و محتاج إلى عقل حقيقة.(146)

الفرق بين النّقص و الحاجة:أنّ النّقص سبب إلى الحاجة،فالمحتاج يحتاج لنقصه،و النّقص أعمّ من الحاجة؛لأنّه يستعمل فيما يحتاج و فيما لا يحتاج.(147)

ابن سيده: الحاجة و الحائجة:المأربة.

و جمع الحاجة:حاج و حوج.

و جمع الحائجة:حوائج؛و هي الحوجاء،و حاجة حائجة على المبالغة.

و حجت إليك أحوج حوجا.

و يروى:و حجت،و إنّما ذكرتها هنا؛لأنّها من الواو، و ذكرتها في الياء لقولهم:حجت حيجا.

و احتجت و أحوجت كحجت،و أحوجه اللّه.

و المحوج:المعدم،من قوم محاويج،و عندي أنّ

ص: 187

محاويج إنّما هو جمع:محواج،إن كان قيل،و إلاّ فلا وجه للواو.

و التّحوّج:طلب الحاجة بعد الحاجة.

و تحوّج إلى الشّيء:احتاج إليه و أراده.

و الحاجة:خرزة لا ثمن لها لقلّتها و نفاستها.

و يقال للعاثر:حوجا لك،أي سلامة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:460)

الرّاغب: الحاجة إلى الشّيء:الفقر إليه مع محبّته، و جمعها:حاجات و حوائج.و حاج يحوج:احتاج.

و الحوجاء:الحاجة.(135)

الزّمخشريّ: ليس لي عنده حوجاء و لا لوجاء.

و هذه حاجتي،أي ما أحتاج إليه و أطلبه.و خذ حاجتك من الطّعام.و في نفسي حاجات.و إن كانت لك في نفسك حاجة فاقضها.و انج إلى منجاك من الأرض.و أحوجت إلى كذا و أحوجني إليكم زمان السّوء.و لا أحوجني اللّه إلى فلان.و خرج فلان يتحوّج:يتطلّب ما يحتاج إليه من معيشته.(أساس البلاغة:98)

[في حديث]قتادة رحمه اللّه:«أن تسجد بالآخرة منهما أحرى ألاّ يكون في نفسك حوجاء.هي الرّيبة الّتي يحتاج إلى إزالتها.الفائق(1:338)

المدينيّ: في الحديث:«...لا أدع في نفسي حوجاء من أسعد».

الحوجاء:الحاجة،أي لا أدع شيئا أرى فيه برأه و أؤمّل في معالجته صلاحه إلاّ فعلته.

و قيل:هي الرّيبة الّتي يحتاج إلى إزالتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث أبى سفيان:«قلت:ما جاء به؟قال:هو محوج»،أي شكا منه.(1:520)

ابن الأثير: [في حديث قتادة المتقدّم عن المدينيّ:] أي لا يكون في نفسك منه شيء.

و منه الحديث«أنّه قال لرجل شكا إليه الحاجة:

انطلق إلى هذا الوادي فلا تدع حاجة و لا حطبا،و لا تأتني خمسة عشر يوما»الحاج:ضرب من الشّوك، الواحدة:حاجة.(1:456)

الفيّوميّ: الحاجة:جمعها حاج بحذف الهاء، و حاجات و حوائج.و حاج الرّجل يحوج،إذا احتاج.

و أحوج و زان أكرم من الحاجة،فهو محوج.و قياس جمعه بالواو و النّون؛لأنّه صفة عاقل،و النّاس يقولون في الجمع:محاويج:مثل مفاطير و مفاليس،و بعضهم ينكره و يقول:غير مسموع.و يستعمل الرّباعيّ أيضا متعدّيا فيقال:أحوجه اللّه إلى كذا.(155)

الفيروزآباديّ: الحوج:السّلامة،حوجا لك،أي سلامة.و الاحتياج و قد حاج و احتاج و أحوج و أحوجته و بالضّمّ:الفقر.و الحاجة معروفة كالحوجاء.

و تحوّج:طلبها،جمعه:حاج و حاجات و حوج،و حوائج غير قياسيّ أو مولّدة،أو كأنّهم جمعوا حائجة.و الحاج:

شوك.

و حوّج به عن الطّريق تحويجا:عوّج.و ما في صدري حوجاء و لا لوجاء:لا مرية و لا شكّ.و ما لي فيه حوجاء و لا لوجاء و لا حويجاء و لا لويجاء،أي حاجة.و كلّمته فما ردّ حوجاء و لا لوجاء،أي كلمة قبيحة و لا حسنة.

و خذ حويجاء من الأرض،أي طريقا مخالفا ملتويا.

ص: 188

و حوّجت له:تركت طريقي في هواه.و احتاج إليه:انعاج.

حاج يحيج كحاج يحوج.و أحيجت الأرض و أحاجت:أنبتت الحاج،أي الشّوك،و تصغيره:حييج فهو يائيّ.(1:190)

الطّريحيّ: [نحو الفيّوميّ و أضاف:]

و في الحديث«كان إذا أراد قضاء الحاجة فعل كذا» كنّى بذلك المضيّ إلى الخلاء للتّغوّط.

و قد تكرّر في الحديث«من لم يفعل كذا فليس للّه فيه حاجة»،و هو كناية عن التّخلّي منه،و عدم الالتفات إليه بالرّأفة و الرّحمة.(2:290)

مجمع اللّغة :الحاجة:الرّغبة،أو المرغوب فيه نفسه.(1:305)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حاج حوجا:افتقر، و الحاجة:ما يحتاج إليه.(149)

المصطفويّ: [نقل قول أبي هلال و أضاف:]فظهر الفرق بين الحاجة و الفقر و النّقص.فالفقر في مقابل الغنى، و الغنى هو كون الإنسان ذا مال أو قوّة أو معونة،مادّيّة أو معنويّة؛بحيث يرتفع عنه الاحتياج.و الفقر على خلاف ذلك؛و هو أن لا يكون ذا مال و ثروة و قوّة مادّيّة أو معنويّة،و هو مرتبة مخصوصة دون الغنى،و حالة ملحوظة في نفسها،بخلاف الحاجة،فهي ملحوظة باعتبار النّظر إلى التّكميل و تتميم النّقص و جبران الفائت،مادّيّا أو معنويّا.

و قد يكون الاحتياج من آثار الفقر،إذا لوحظ فيه نقص.

و أشدّ من الفقر المسكنة،و أشدّ منها المعدم.

فالحاجة هي المنبعثة من رؤية النّقص في أمر مادّيّ أو نظر أو صفة.(2:331)

النّصوص التّفسيريّة

حاجة

1- وَ لَمّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها... يوسف:68

ابن عبّاس: حزازة.(200)

مجاهد :خيفة العين على بنيه.(الطّبريّ 13:14)

ابن إسحاق :ما تخوّف على بنيه من أعين النّاس، لهيبتهم و عدّتهم.(الطّبريّ 13:14)

الطّبريّ: إلاّ أنّهم قضوا وطرا ليعقوب بدخولهم، لا من طريق واحد،خوفا من العين عليهم،فاطمأنّت نفسه أن يكونوا أتوا من قبل ذلك،أو نالهم من أجله مكروه.(13:14)

الزّجّاج: أي إلاّ خوف العين،و تأويل ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ لو قدّر أن تصيبهم لأصابتهم و هم متفرّقون كما تصيبهم مجتمعين،و جائز أن يكون(لا يغنى)مع قضاء اللّه شيء.(3:119)

إِلاّ حاجَةً استثناء ليس من الأوّل،و المعنى:لكن حاجة في نفس يعقوب قضاها.(ابن الجوزيّ 4:254)

النّحّاس: قيل:المعنى:أنّه لو قضي عليهم شيء لأصابهم،دخلوا مجتمعين أو متفرّقين.

و قيل:المعنى:لو قضي أن تصيبهم العين،لأصابتهم متفرّقين كما تصيبهم مجتمعين.(3:443)

ص: 189

الثّعلبيّ: حزازة و همّة.(5:237)

الماورديّ: هو حذر المشفق و سكون نفسه بالوصيّة أن يتفرّقوا خشية العين.(3:60)

الطّوسيّ: لم يكن يعقوب يغني عنهم من اللّه شيئا إلاّ حاجة في[نفسه]قضاها من خوف العين عليهم،أو الحسد على اختلاف القولين،و(الاّ)بمعنى«لكن»،لأنّ ما بعدها ليس من جنس ما قبلها.(6:168)

الواحديّ: يعني أنّ ذلك الدّخول من الأبواب المتفرّقة قضى حاجة في نفس يعقوب؛و هي إرادته أن يكون دخولهم كذلك شفقة عليهم و خوفا من العين.

(2:622)

نحوه البروسويّ.(4:296)

البغويّ: مرادا.(2:503)

الزّمخشريّ: إِلاّ حاجَةً استثناء منقطع على معنى و لكن حاجة فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها، و هي شفقته عليهم و إظهارها بما قاله لهم و وصّاهم به.

(2:333)

نحوه البيضاويّ(1:502)،و النّسفيّ(2:231)، و الكاشانيّ(3:32).

ابن عطيّة: و إِلاّ حاجَةً استثناء ليس من الأوّل.

و الحاجة هي أن يكون طيّب النّفس بدخولهم من أبواب متفرّقة خوف العين.قال مجاهد:الحاجة:خيفة العين،و قاله ابن إسحاق،و في عبارتهما تجوّز.و نظير هذا الفعل أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سدّ كوّة في قبر بحجر و قال:إنّ هذا لا يغني شيئا،و لكنّه تطيّب (1)لنفس الحيّ.

(3:262)

الطّبرسيّ: أي لم يكن دخولهم مصر كذلك يغني عنهم،أو يدفع عنهم شيئا أراد اللّه تعالى إيقاعه بهم من حسد أو إصابة عين،و هو عليه السّلام كان عالما أنّه لا ينفع حذر من قدر،و لكن كان ما قاله لبنيه حاجة في قلبه،فقضى يعقوب تلك الحاجة،أي أزال به اضطراب قلبه؛لأن لا يحال على العين مكروه يصيبهم.(3:249)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في تفسير تلك الحاجة وجوها:أحدها:خوفه عليهم من إصابة العين.

و ثانيها:خوفه عليهم من حسد أهل مصر.

و ثالثها:خوفه عليهم من أن يقصدهم ملك مصر بشرّ.

و رابعها:خوفه عليهم من أن لا يرجعوا إليه.و كلّ هذه الوجوه متقاربة.(18:176)

القرطبيّ: و دلّت هذه الآية على أنّ المسلم يجب عليه أن يحذّر أخاه ممّا يخاف عليه،و يرشده إلى ما فيه طريق السّلامة و النّجاة،فإنّ الدّين النّصيحة،و المسلم أخو المسلم.(9:229)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]أي أظهرها و وصّاهم بها دفعا للخاطرة،غير معتقد أنّ للتّدبير تأثيرا في تغيير التّقدير.و قد جعل ضمير الفاعل في(قضاها)للدّخول على معنى أنّ ذلك الدّخول قضى حاجة في نفس يعقوب،و هي إرادته أن يكون دخولهم من أبواب متفرّقة،فالمعنى ما كان ذلك الدّخول يغني عنهم من جهة اللّه تعالى شيئا،و لكن قضى حاجة حاصلة في نفس يعقوب بوقوعه حسب إرادته.ب.

ص: 190


1- كذا و لعلّه تطييب.

فالاستثناء منقطع أيضا.و على التّقديرين لم يكن للتّدبير فائدة سوى دفع الخاطرة.و أمّا إصابة العين فإنّما لم تقع لكونها غير مقدّرة عليهم،لا لأنّها اندفعت بذلك مع كونها مقضيّة عليهم.(3:413)

نحوه البروسويّ(4:296)،و الآلوسيّ(13:21).

مغنيّة:اختلف المفسّرون في تحديد هذه الحاجة الّتي قضاها اللّه ليعقوب،فمن قائل:أن لا يصاب أولاده بالعين عند دخولهم إلى مصر.و قائل:أن لا ينالهم العزيز بسوء إلخ...

و الّذي نراه استنادا إلى طبيعة الحال،و إلى الآيات الدّالّة على حرصه و لهفته على يوسف و أخيه:أنّ الحاجة الأولى و الأخيرة ليعقوب من هذه الحياة كانت سلامة يوسف و أخيه،و اجتماعه بهما قرير العين،و قد أتمّ اللّه له ما أراد على أحسن حال.(4:338)

ابن عاشور :و الاستثناء في قوله إِلاّ حاجَةً منقطع،لأنّ الحاجة الّتي في نفس يعقوب عليه السّلام ليست بعضا من الشّيء المنفيّ إغناؤه عنهم من اللّه،فالتّقدير:

لكن حاجة في نفس يعقوب عليه السّلام قضاها...

و الحاجة:الأمر المرغوب فيه.سمّي حاجة؛لأنّه محتاج إليه،فهي من التّسمية باسم المصدر.و الحاجة الّتي في نفس يعقوب عليه السّلام هي حرصه على تنبيههم للأخطار الّتي تعرض لأمثالهم في مثل هذه الرّحلة،إذا دخلوا من باب واحد،و تعليمهم الأخذ بالأسباب مع التّوكّل على اللّه.(12:94)

الطّباطبائيّ: قيل:إنّ(إلاّ)بمعنى(لكن)،أي لكن حاجة في نفس يعقوب قضاها اللّه،فردّ إليه ولده الّذي فقده و هو يوسف.

و لا يبعد أن يكون«الاّ»استثنائيّة،فإنّ قوله: ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ في معنى قولنا:لم ينفع هذا السّبب يعقوب شيئا،أو لم ينفعهم جميعا شيئا،و لم يفض اللّه لهم جميعا به حاجة إلاّ حاجة في نفس يعقوب.

و قوله:(قضاها)استئناف و جواب سؤال،كأنّ سائلا يسأل فيقول:ما ذا فعل بها؟فأجيب بقوله:

(قضاها).(11:220)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ الفائدة و الثّمرة الوحيدة الّتي ترتّبت على تلك النّصيحة ليس إِلاّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها، و هذه إشارة إلى أنّ أثرها لم يكن سوى الهدوء و الطّمأنينة الّتي استولت على قلب الأب الحنون الّذي بعد عنه أولاده،و بقي ذهنه و فكره مشغولا بهم و بسلامتهم،و خائفا عليهم من كيد الحاسدين و شرور الطّامعين،فما كان يتسلّى به في تلك الأيّام لم يكن سوى يقينه القلبيّ بأنّ أولاده سوف يعملون بنصيحته.

(7:233)

فضل اللّه :حاجة في نفس يعقوب!

و بذلك استطاع أن يوحي لنفسه بالثّقة،فارتاحت مشاعره من الشّكّ و القلق،و انسابت عاطفته،لتحتوي أولاده كلّهم من جديد،عند ما أراد أن يودّعهم،فقد خاف عليهم من حسد الحاسدين،لما يمكن أن يثيره دخولهم دفعة واحدة إلى المجلس الّذي يجتمع إليه النّاس من الدّهشة و الإعجاب بهذه المجموعة،من الإخوة الرّجال الّذين يملكون القوّة في الجسد و التّوافق في الرّأي، و الوحدة في الموقف،فأراد أن ينصحهم بنصيحة أبويّة

ص: 191

تبعدهم عن أجواء الحسد الّذي يبعث على الكيد و التّآمر من قبل الحاسدين.

وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ فإنّ ذلك قد يشكل إثارة في نفوس الحاضرين،فيؤدّي إلى ما لا تحمد عقباه، وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ كي تضيع الصّورة الحقيقيّة القويّة بذلك،و لا تلفتوا الأنظار إليكم.

و ليس في هذا ما يمنع القضاء إذا أراد اللّه له أن يحدث، و لكنّه قلق الوالد على أولاده الّذي يبحث عن أيّة وسيلة لحمايتهم،عبر رعايته المباشرة لهم أو عبر تزويدهم بوصايا و نصائح تكفل لهم ذلك، وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ إن أراد بكم سوءا فهو المالك لكلّ شيء، إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ في كلّ أمور عباده، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ في جميع أموري، وَ عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ يوسف:67،في إرجاع كلّ القضايا إليه، فهو المعوّل عليه في الشّدّة و الرّخاء.

وَ لَمّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ لأنّ مثل هذه الوسائل لا تمنع الخطّة المرسومة الّتي يريد اللّه للنّاس أن يخضعوا لها في قضائه و قدره في علاقة المسبّبات بالأسباب،فإذا أراد اللّه شيئا هيّأ أسبابه.و هكذا لم يرد يعقوب أن يغيّر القضاء، أو يعطّل الأسباب إِلاّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها في ما كان يريده لهم من تحفّظ يبعدهم عن المشاكل من بعض النّواحي.و لم نعرف-من خلال القرآن-نوعيّة هذه الحاجة بالتّحديد،لكن ربّما كانت حالة من الطّمأنينة الدّاخليّة الّتي أراد أن يعيشها في نفسه،و ربّما كانت حاجته الملحّة إلى رجوع يوسف إليه،الّتي هيّأ اللّه له أسباب تحقيقها في سفر إخوته مع أخيهم غير الشّقيق إليه،الّذي انتهى بلقاء يوسف و أخيه لأبيه و أمّه،و بذلك يكون الضّمير في(قضاها)راجعا إلى اللّه،لا إلى يعقوب- كما يذهب إلى ذلك بعض المفسّرين-و ربّما كانت تلك الحاجة شيئا لا نعلمه،ممّا قد يكون معلوما لدى يعقوب ممّا علّمه اللّه إيّاه من أسرار الغيب في ما يمكن أن نستوحيه من قوله تعالى: وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ.

و لعلّ المراد به العلم الخاصّ الّذي يلهم اللّه به الأنبياء أو يوحي به إليهم من علمه،الّذي لا يريد أن يبيّنوه،بل يريد لهم أن يعيشوه،و يكتفوا في تبيانه على طريقة الإشعار أو الإيحاء لمصلحة ما هناك. وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ لأنّهم يتعاملون في أمورهم من خلال الرّؤية المحدودة للأشياء،ممّا يحجب عنهم الكثير من الأسرار الّتي تختفي في غيب المستقبل،أو في خلفيّات الحاضر.

(12:241)

2- ...وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا... الحشر:9

ابن عبّاس: حسدا.(464)

نحوه الحسن و الطّبريّ.(الطّبريّ 28:41،42)

أي حسدا و حزازة و غيظا ممّا أوتي المهاجرون من دونهم.(الفخر الرّازيّ 29:287)

نحوه الواحديّ(4:273)،و البغويّ(5:58)، و الطّبرسيّ(5:262)،و ابن الجوزيّ(8:212).

السّجستانيّ: فقر،و محنة أيضا.(190)

الماورديّ: فيه وجهان:

ص: 192

أحدهما:غيرة و حسدا على ما قدّموا به من تفضيل و تقريب،و هو محتمل.

الثّاني:يعني حسدا على ما خصّوا به من مال الفيء و غيره،فلا يحسدونهم عليه.(5:505)

القشيريّ: وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً ممّا خصّص به المهاجرون من الفيء،و لا يحسدونهم على ذلك،و لا يعترضون بقلوبهم على حكم اللّه بتخصيص المهاجرين،حتّى لو كانت بهم حاجة أو اختلال أحوال.(6:129)

الزّمخشريّ: أي طلب محتاج إليه ممّا أوتي المهاجرون من الفيء و غيره،و المحتاج إليه يسمّى:حاجة، يقال:خذ منه حاجتك،و أعطاه من ماله حاجته:يعني أنّ نفوسهم لم تتبع ما أعطوا،و لم تطمح إلى شيء منه يحتاج إليه.(4:84)

نحوه النّسفيّ(4:241)،و الآلوسيّ(28:52).

الفخر الرّازيّ: [نقل كلام الحسن ثمّ قال:]و أطلق لفظ الحاجة على الحسد و الغيظ و الحزازة؛لأنّ هذه الأشياء لا تنفكّ عن الحاجة،فأطلق اسم اللاّزم على الملزوم على سبيل الكناية.(29:287)

نحوه الشّربينيّ.(4:247)

العكبريّ: مسّ حاجة.(2:1216)

القرطبيّ: فيه تقدير حذف مضافين،المعنى:مسّ حاجة من فقد ما أوتوا.و كلّ ما يجد الإنسان في صدره ممّا يحتاج إلى إزالته فهو حاجة.(18:23)

البيضاويّ: ما تحمل عليه الحاجة كالطّلب و الحزازة و الحسد و الغيظ.(2:466)

أبو السّعود:أي شيئا محتاجا إليه،يقال:خذ منه حاجتك،أي ما تحتاج إليه.و قيل:إثر حاجة،كالطّلب و الحزازة و الحسد و الغيظ.(6:228)

نحوه البروسويّ.(9:433)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]و(من) تبعيضيّة،و جوّز كونها بيانيّة،و الكلام على حذف مضاف و هو طلب،و فيه فائدة جليلة،كأنّهم لم يتصوّروا ذلك،و لا مرّ في خاطرهم أنّ ذلك محتاج إليه حتّى تطمح إليه النّفس.

و يجوز أن يكون المعنى:لا يجدون في أنفسهم ما يحمل عليه الحاجة،كالحزازة و الغيظ و الحسد و الغبطة، لأجل ما أعطي المهاجرون على أنّ الحاجة مجاز عمّا يتسبّب عنها،و قيل:على أنّها كناية عمّا ذكر؛لأنّه لا ينفكّ عن الحاجة فأطلق اسم اللاّزم على الملزوم،و ما تقدّم أولى.و قول بعضهم:أي أثر حاجة تقدير معنى لا إعراب،و(من)في قوله تعالى:(ممّا اوتوا)تعليليّة.

(28:52)

ابن عاشور :و الحاجة في الأصل:اسم مصدر الحوج و هو الاحتياج،أي الافتقار إلى شيء،و تطلق على الأمر المحتاج إليه من إطلاق المصدر على اسم المفعول،و هي هنا مجاز في المأرب و المراد،و إطلاق الحاجة إلى المأرب مجاز مشهور ساوى الحقيقة،كقوله تعالى: وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ المؤمن:

80،أي لتبلغوا في السّفر عليها المأرب الّذي تسافرون لأجله،و كقوله تعالى: إِلاّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها يوسف:68،أي مأربا مهمّا.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 193

و عليه فتكون(من)في قوله: مِمّا أُوتُوا ابتدائيّة،أي مأربا أو رغبة ناشئة من فيء أعطيه المهاجرون.[إلى أن قال:]

و المعنى:أنّهم لا يخامر نفوسهم تشوّف إلى أخذ شيء ممّا أوتيه المهاجرون من فيء بني النّضير.

و يجوز وجه آخر بأن يحمل لفظ حاجة على استعماله الحقيقيّ اسم مصدر الاحتياج،فإنّ الحاجة بهذا المعنى يصحّ وقوعها في الصّدور،لأنّها من الوجدانيّات و الانفعالات.و معنى نفي وجدان الاحتياج في صدورهم أنّهم لفرط حبّهم للمهاجرين،صاروا لا يخامر نفوسهم أنّهم مفتقرون إلى شيء ممّا يؤتاه المهاجرون،أي فهم أغنياء عمّا يؤتاه المهاجرون،فلا تستشرف نفوسهم إلى شيء ممّا يؤتاه المهاجرون بله أن يتطلّبوه،و تكون(من) في قوله تعالى: مِمّا أُوتُوا للتّعليل،أي حاجة لأجل ما أوتيه المهاجرون،أو ابتدائيّة،أي حاجة ناشئة عمّا أوتيه المهاجرون،فيفيد انتفاء وجدان الحاجة في نفوسهم،و انتفاء أسباب ذلك الوجدان و مناشئه المعتادة في النّاس تبعا للمنافسة و الغبطة،و قد دلّ انتفاء أسباب الحاجة على متعلّق حاجة المحذوف؛إذ التّقدير:و لا يجدون في نفوسهم حاجة لشيء أوتيه المهاجرون.(28:

82)

الطّباطبائيّ: و المراد بالحاجة:ما يحتاج إليه، و(من)تبعيضيّة و قيل:بيانيّة.و المعنى:لا يخطر ببالهم شيء ممّا أعطيه المهاجرون.فلا يضيق نفوسهم من تقسيم الفيء بين المهاجرين دونهم و لا يحسدون.

و قيل:المراد بالحاجة:ما يؤدّي إليه الحاجة و هو الغيظ.(19:206)

عبد الكريم الخطيب :أي و لا يجد الأنصار في صدورهم شيئا من الضّيق،أو الألم أو الغيرة،لما أخذ المهاجرون من غنائم بني النّضير،فقد جعل الرّسول صلوات اللّه و سلامه عليه ما أفاءه اللّه عليه من تلك الغنائم جعلها في فقراء الهاجرين،و لم يعط الأنصار منها شيئا إلاّ ثلاثة نفر منهم كانوا على حال ظاهرة من الفقر...

و بهذا العطاء الّذي ناله المهاجرون خفّ العبء:عن الأنصار،الّذين كانوا يقاسمون إخوانهم المهاجرين ديارهم و أموالهم.(14:861)

مكارم الشّيرازيّ: فهم لا يطمعون بالغنائم الّتي أعطيت لهم،و لا يحسدون الآخرين عليها،و لا حتّى يحسّون بحاجة إلى ما أعطي لهم منها،و في الأساس فإنّ هذه الأمور لا تخطر على بالهم.و هذه الصّورة تعكس لنا منتهى السّموّ الرّوحيّ للأنصار.(18:182)

فضل اللّه :في ما قد يجده الإنسان من الضّيق النّفسيّ عند ما يأتي إليه شخص يشاركه مسكنه،أو ماله،أو يضيق عليه بعض مواقعه،حتّى قيل:إنّه لم ينزل مهاجر في دار أنصاريّ إلاّ بالقرعة،لأنّ عدد الرّاغبين في الإيواء المتزاحمين عليه كان أكثر من عدد المهاجرين.

و هكذا كانت هذه المحبّة تمثّل العمق الإيمانيّ الّذي يتحوّل إلى عمق في الإحساس و الشّعور،بحيث إنّ الحبّ يمثّل الصّورة الحقيقيّة للإيمان.(22:114)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحاجة:المأربة،و الجمع:

ص: 194

حاج و حوائج و حاجات،و هي الحائجة؛يقال على المبالغة:حاجة حائجة،و حاجة حوجاء،و تحوّج:طلب الحاجة.

و الحوج:الافتقار،و كذلك الحوج؛يقال:حاج الرّجل يحوج،و حاج إليه حوجا،أي افتقر،و احتاج و أحوج أيضا؛يقال:أحوجه اللّه،أي أفقره،و المحوج:

المعدم،من قوم محاويج،و تحوّج إلى الشّيء:افتقر إليه و أراده.

و الحوجاء:الحاجة،و هي الرّيبة الّتي يحتاج إلى إزالتها؛يقال:ما في صدري حوجاء و لا لوجاء،و لا حويجاء و لا لويجاء،أي شكّ و مرية،و ما في الأمر حوجاء و لا لوجاء:شكّ،و كلّمه فما ردّ عليه حوجاء و لا لوجاء:ما ردّ عليه كلمة قبيحة و لا حسنة.

2-و الحاجة:قيل:هي الخرزة الّتي لا ثمن لها و لا قيمة،و أصلها الجاجة،و جمعها جاج،من(ج و ج)، و الأظهر أنّه تصحيف،و ليس بلغة فيه.

3-و تستعمل جميع أفعال هذه المادّة لازمة،إلاّ «أفعل»فإنّه متعدّ؛يقال منه:أحوجه إلى غيره،أي أفقره و جعله محتاجا إليه.و لكنّ الزّبيديّ عدّى الفعل «احتاج»بنفسه،فقال:«خرج يتحوّج:يتطلّب ما يحتاجه من معيشته»،و الصّواب ما يحتاج إليه من معيشته.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حاجة»3 مرّات،في 3 آيات:

1- ...إِلاّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها...

يوسف:68

2- وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ... المؤمن:80

3- وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا...

الحشر:9

يلاحظ أوّلا:أنّ الحاجة في(1)مقرّها النّفس: إِلاّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها، و فيها بحوث:

1-فسّرت الحاجة هنا بالحزازة و الهمّة و الوطر و المراد،و ذكر الفخر الرّازيّ لها وجوها:«أحدها:خوفه عليهم من إصابة العين.و ثانيها:خوفه عليهم من حسد أهل مصر.و ثالثها:خوفه عليهم من أن يقصدهم ملك مصر بشرّ.و رابعها:خوفه عليهم من أن لا يرجعوا إليه.

و كلّ هذه الوجوه متقاربة».

2-قوله: إِلاّ حاجَةً استثناء منقطع،و المعنى على قول الزّجّاج:«لكن حاجة في نفس يعقوب قضاها».

و قال الطّباطبائيّ: «لا يبعد أن يكون«الاّ»استثنائيّة، فإنّ قوله: ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ في معنى قولنا:لم ينفع هذا السّبب يعقوب شيئا،أو لم ينفعهم جميعا شيئا،و لم يقض اللّه لهم جميعا به حاجة إلاّ حاجة في نفس يعقوب.و قوله:(قضاها)استئناف و جواب سؤال،كأنّ سائلا يسأل فيقول:ما ذا فعل بها؟فأجيب بقوله:(قضاها).

3-إن قيل:لما ذا أصرّ يعقوب على أولاده بدخول مصر من أبواب متفرّقة،و هو يعلم أنّ ذلك لا يحول دون قضاء اللّه عند حلوله؟

يقال:قال لهم ذلك لإزالة اضطراب قلبه،كما ذهب إليه الطّبرسيّ،أو لتطييب نفسه،فقد روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سدّ كوّة في قبر بحجر،و قال:«إنّ هذا لا يغني شيئا،و لكنّه

ص: 195

تطييب لنفس الحيّ».

و قال آدم الرّمتيّ: «أن لا تبقى في نفسه حسرة،إذا حدث لولده بنيامين ممّا يخشاه،كما بقيت في نفسه حسرة في حادثة يوسف،حينما و حيثما استرسل مع أولاده استرسالا،و سلّمه دون قيد و لا شرط،دون عهد و ميثاق،دون وصيّة و إرشاد (1)».

ثانيا:أنّ الحاجة في(2): وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ و(3): وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مقرّها الصّدور،و المراد بها النّفوس و القلوب،فهما مثل (1)مع تفاوت يأتي،و فيهما بحوث:

1-يراد بالحاجة في(2)الوطر و المراد،أي منافع غير ما ذكر في هذه الآية و الآية السّابقة-عليها من أكل لحومها و الانتفاع بها و الحمل عليها-و منها:

التّذليل: وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَ مِنْها يَأْكُلُونَ يس:72

المشارب: وَ لَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَ مَشارِبُ أَ فَلا يَشْكُرُونَ يس:73

إسقاء اللّبن: وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ النّحل:66

الفرش: وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً

الأنعام:142

الدّفء: وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ النّحل:5

الجمال: وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ النّحل:6

البيوت: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ النّحل:80

الأثاث و المتاع: وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ النّحل:80

2-يراد بالحاجة في(3)ملزومها على الكناية، كالحسد و الغيظ و الحزازة،قال الزّمخشريّ:«أي طلب محتاج إليه ممّا أوتي المهاجرون من الفيء و غيره.و المحتاج إليه يسمّى حاجة،يقال:خذ منه حاجتك،و أعطاه من ماله حاجته.يعني أنّ نفوسهم لم تتبع ما أعطوا،و لم تطمح إلى شيء منه يحتاج إليه».

3-جعلت الحاجة في(1)في النّفس،و في(2)و(3) في الصّدور،و هما بمعنى فإنّ الصّدر كناية عن النّفس، و فيه نوع مبالغة،كأنّ الحاجة تجاوزت النّفس إلى الصّدر كلّه،و مثلهما القلب و الرّوح.

و ممّا جاء في الصّدر و النّفس:الحرج،و الرّهبة و الخوف،و الكبر و الاستكبار،و الآيات.و جاء في الصّدر و القلب:الغلّ.و لم تجعل الرّوح مقرّا لشيء أبدا.لاحظ ص د ر،ن ف س،ق ل ب.

4-و اختلفوا في مِمّا أُوتُوا هل(من)فيه تعليليّة؛أي حاجة لأجل ما أوتيه المهاجرون،أو ابتدائيّة:أي حاجة ناشئة عمّا أوتيه المهاجرون،أو بيانيّة:

أي حاجة هي عبارة عمّا أتوا،أو تبعيضيّة-و اختاره الطّباطبائيّ-أي شيء ممّا أوتوا.لاحظ نصّ(ابن عاشور) ففيه تفصيل ليس في غيره من النّصوص.).

ص: 196


1- مؤتمر تفسير سورة يوسف(2:992).

ح و ذ

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مدنيّتين

استحوذ 1:-1 نستحوذ 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حاذ يحوذ حوذا،أي حاط يحوط حوطا.

و الحاذ:شجر عظام،الواحدة:حاذة.

و استحوذ عليه الشّيطان،و استحاذ-لغة-أي غلب عليه.

و رجل أحوذيّ،و أحوزيّ،أي نسيج وحده.

و أحوذ ثوبه إليه،أي ضمّه.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:284)

ابن المبارك:الأحوذيّ: الّذي يغلب،و استحوذ:

غلب.(الأزهريّ 5:206)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحاذ:من الحمض.

(1:158)

و الحاذ:نبت.(1:199)

الأحوذيّ: الخفيف،و الأحوزيّ مثله.

(أبو عبيد 2:12)

الأحوذيّ: الخفيف في الشّيء لحذقه.[و استشهد بالشّعر في كلّ نصّ مرّة](الجوهريّ 2:563)

أبو زيد :و يقال:أحوذ القوم السّير إحواذا،إذا أسرعوا السّير و أرادوا خروجا أو أمرا،ثمّ أخبطوا عنه إخباطا،إذا تركوه.و لم يعرف المازنيّ أخبطوا عنه إخباطا.

و يقال:جاد،ما أحوذ قصيدته!أي جاد،ما أحكمها!

(191)

الحوذ و الإحواذ:السّير الشّديد،يقال:حذت الإبل أحوذها.و رجل أحوذيّ:مشمّر في الأمور.

(الأزهريّ 5:206)

العرب تقول:أنفع اللّبن ما ولي حاذي النّاقة،أي ساعة يحلب،من غير أن يكون رضعها حوار قبل ذلك.

و الحاذ:ما وقع عليه الذّنب من أدبار الفخذين.

و جمع الحاذ:أحواذ.و فلان خفيف الحاذ،أي خفيف الحال من المال.

ص: 197

و أصل الحاذ:طريقة المتن.(الأزهريّ 5:208)

هذا الباب كلّه يجوز أن يتكلّم به على الأصل.تقول العرب:استصاب و استصوب،و استجاب و استجوب؛ و هو قياس مطّرد عندهم.(الجوهريّ 2:563)

نحوه الطّريحيّ.(3:180)

الأصمعيّ: الأحوذيّ:المشمّر في الأمور،القاهر لها، الّذي لا يشذّ عليه منها شيء.

أحوذ جانبيها،أي ضمّها فلم يفته منها شيء.

و أمّا الأحوزيّ،فإنّه السّائق الحسن السّياق،و فيه مع سياقه بعض النّفار.(أبو عبيد 2:12)

[في حديث]«يأتي على النّاس زمان يغبط الرّجل بخفّة حاذه».

الحاذان:ما يقع الذّنب عليه من دبر الفخذين،و«إنّه لخفيف الحاذ»يريد المال.و الحاذان:ما بطن من دبر الفخذين.(الحربيّ 3:1186،1189)

الحاذ:شجر،و الواحدة:حاذة من شجر الجنبة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:207)

أبو عبيد: الحاذ:نبت،واحدته:حاذة.

(الجوهريّ 2:563)

ابن الأعرابيّ: حوذيّ،و حوزيّ:شديد الخلق، حاذ يحوذ حوذا.(الحربيّ 3:1192)

أبو نصر الباهليّ: و أحوذ ثوبه،إذا ضمّه إليه.[ثمّ استشهد بشعر](الحربيّ 3:1192)

ابن السّكّيت: الأحوذيّ:هو السّريع في جميع ما أخذ فيه المجزئ له،و أصله في السّفر.(166)

و مرّوا يخوتونهم،أي يطردونهم.و يقال للعقاب إذا انقضّت:قد انخاتت،و ذاح يذوح،و ذحى يذحى،و حاذ يحوذ،كلّه في معنى طرد و ساق.(288)

و الأحوذيّ،و الأحوزيّ:الخفيف[في المشي](299)

شمر:الحويذ من الرّجال:المشمّر.

(الأزهريّ 5:206)

في الحديث:«ليأتينّ على النّاس زمان يغبط الرّجل فيه بخفّة الحاذ،كما يغبط اليوم أبو العشرة».

يقال:كيف حالك و حاذك؟

و في حديث آخر:«المؤمن خفيف الحاذ».

الحال و الحاذ:ما وقع عليه اللّبد من ظهر الفرس.

و ضرب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في قوله:«المؤمن خفيف الحاذ»:قلّة اللّحم،مثلا لقلّة ماله و قلّة عياله،كما يقال:هو خفيف الظّهر و رجل خفيف الحاذ،أي قليل المال.

(الأزهريّ 5:208)

الرّياشيّ: الحاذ:الّذي يقع عليه الذّنب من الفخذين،من ذا الجانب و ذا الجانب.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:208)

الدّينوريّ: الحاذ:من شجر الحمض،يعظم، و منابته السّهل و الرّمل،و هو ناجع في الإبل تخصب عليه رطبا و يابسا.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 3:498)

ابن أبي اليمان :و الحوذ:مصدر حاذ،أي استولى عليه.(338)

و الاستحواذ:الاستيلاء.(339)

و المستحوذ:المستولي.(343)

الحربيّ: [في حديث:]«يأتي على النّاس زمان

ص: 198

يغبط الرّجل بخفّة حاذه».

أخبرني أبو عدنان:الحاذان من النّاقة:مواخر فخذيها،و كذلك من الإنسان.فإذا كان الإنسان خفيف لحم ذلك الموضع كان أخفّ له في القيام،و إذا كان الرّجل ليس له عيال قيل له:خفيف الحاذين:ليس له عيال يقعدونه عن المسير و الرّحلة.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:1186،1189)

المبرّد: استحوذ على الشّيء:حواه و أحاط به.(الواحديّ 4:267)

ابن دريد :الحاذ:حاذ الإنسان و الفرس؛و هو ما حاذاك من لحم فخذيه إذا استدبرته.و الحاذ:الحال.

و الحاذ:ضرب من الشّجر.و حذت الدّابّة أحوذها حوذا،إذا سقتها سوقا شديدا.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:231)

الأزهريّ: [قيل:]الأحوذيّ الّذي يسير مسيرة عشر في ثلاث ليال.(5:206)

و قال أبو طالب:يقال:أحوذ الشّيء،أي جمعه و ضمّه،و منه يقال:استحوذ على كذا،إذا حواه.

و يقال:أحوذ الصّانع القدح،إذا أخفّه.و من هذا أخذ الأحوذيّ المنكمش:الحادّ،الخفيف في أموره.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](5:207)

و قيل:الحاذة:شجرة يألفها بقر الوحش.(5:208)

الصّاحب: الحاذ:شجر عظام،الواحدة:حاذة.

و الحاذان:أدبار الفخذين؛و الجميع:الأحواذ.و قيل:

هو الظّهر.

و فلان خفيف الحاذ،أي الحال و المئونة.

و هما بحاذة واحدة،أي بحالة واحدة.

و حاذ يحوذ حوذا:في معنى حاط يحوط.

و استحوذ عليه الشّيطان:غلب عليه،و استحاذ مثله.

و هو يستحوذ في الشّيء:يعمله بعجلة.

و رجل أحوذيّ: نسيج وحده.

و الأحوذ:الخفيف الماضي.

و أحوذ الرّجل ثوبه،إذا ضمّه إليه.

و الحوذ و الإحواذ:السّير الشّديد.(3:189)

الخطّابيّ: [في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:]«علم الإيمان الصّلاة،فمن فرّغ لها قلبه،و حاذ عليها بحدودها فهو مؤمن».

المشهور من هذا«حافظ عليها».فإن صحّ قوله:

حاذ،فمعناه و معنى الأوّل سواء.يقال:حاذ على الشّيء، إذا حافظ عليه،و منه قوله تعالى: اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ المجادلة:19،أي غلب عليهم،و من هذا قيل:

رجل أحوذيّ؛و هو النّافذ في الأمور.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد وصفت عائشة عمر بذلك فقالت:«كان أحوذيّا نسيج وحده»و يروى:أحوزيّا.قال بعض أهل اللّغة:الأحوذيّ:القطّاع للأمور.و الأحوزيّ:الجامع لما شذّ.(1:269)

ابن جنّيّ: امتنعوا من استعمال«استحوذ»معتلاّ، و إن كان القياس داعيا إلى ذلك مؤذنا به،لكن عارض فيه إجماعهم على إخراجه مصحّحا،ليكون دليلا على أصول ما غيّر من نحوه،كاستقام و استعان.

(ابن سيده 3:497)

ص: 199

الجوهريّ: الحوذ:السّوق السّريع.تقول:حذت الإبل أحوذها حوذا،و أحوذتها مثله.

و حاذ متنه،و حال متنه واحد؛و هو موضع اللّبد من ظهر الفرس.

و الحاذان:ما وقع عليه الذّنب من أدبار الفخذين.

و الحوذان:نبت نوره أصفر.

و استحوذ عليه الشّيطان،أي غلب.و هذا جاء بالواو على أصله،كما جاء استروح و استصوب.

(2:563)

ابن فارس: الحاء و الواو و الذّال أصل واحد،و هو من الخفّة و السّرعة و انكماش في الأمر.فالإحواذ:السّير السّريع.و يقال:حاذ الحمار أتنه يحوذها،إذا ساقها بعنف.

و الأحوذيّ: الخفيف في الأمور،الّذي حذق الأشياء و أتقنها...و الأحوذيّان:جناحا القطاة.

و من الباب:استحوذ عليه الشّيطان.و ذلك إذا غلبه، و ساقه إلى ما يريد من غيّه.

و من الشّاذّ عن الباب أيضا:أنّهم يقولون:هو خفيف الحاذ.

و من الشّاذّ عن الباب:الحاذ،و هو شجر.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:115)

الثّعالبيّ: الكاذ:لحم ظاهر الفخذ.الحاذ:لحم باطنها.(135)

ابن سيده: حاذ حوذا،كحاط حوطا.و الحوذ:

الطّلق.و حاذ إبله يحوذها حوذا:ساقها سوقا شديدا، كحازها حوزا.

و طرد أحوذ:سريع.

و أحوذ السّير:سار سيرا شديدا.

و الأحوذيّ: السّريع في كلّ ما أخذ فيه،و أصله في السّفر.

و أحوذ ثوبه:ضمّه إليه.

و أمر محوذ:مضموم محكم،كمحوز.

و جاد،ما أحوذ قصيدته!أي أحكمها.

و حاذه يحوذه حوذا:غلبه.

و استحوذ عليه الشّيطان و استحاذ:غلب.

و الحاذ:الحال،و منه قوله:«المؤمن خفيف الحاذ».

و الحاذ:طريقة المتن،و اللاّم أعلى من الذّال.

و الحاذان:ما استقبلك من فخذي الدّابّة إذا استدبرتها.

و الحاذان:لحمتان في ظاهر الفخذين،يكون في الإنسان و غيره.

و الحاذ:نبت،و قيل:شجر عظام ينبت نبتة الرّمث، لها غصنة كثيرة الشّوك.

و إنّما قضينا على أنّ ألف الحاذ واو،لما قدّمنا:من أنّ العين واو أكثر منها ياء.

و الحوذان:نبت يرتفع قدر الذّراع،له زهرة حمراء في أصلها صفرة،و ورقته مدوّرة،و الحافر يسمن عليه،و هو من نبات السّهل،حلو طيّب الطّعم.

و الحوذان:نبات مثل الهندباء،ينبت متسطّحا في جلد الأرض و ليانها لازقا بها،و قلّما ينبت في السّهل، و له زهرة صفراء،واحدتها:حوذانة.

و حوذانة و حوذان و أبو حوذان:أسماء رجال.

[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](3:496)

ص: 200

الطّوسيّ: الاستحواذ:الاستيلاء على الشّيء بالاقتطاع،و أصله من حاذه حوذا،مثل جازه يجوزه جوزا.(9:555)

مثله الطّبرسيّ.(5:254)

الرّاغب: الحوذ:أن يتبع السّائق حاذي البعير،أي أدبار فخذيه،فيعنّف في سوقه.يقال:حاذ الإبل يحوذها، أي ساقها سوقا عنيفا،و قوله: اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ المجادلة:19،استاقهم مستوليا عليهم،أو من قولهم:استحوذ العير على الأتان،أي استولى على حاذيها،أي جانبي ظهرها.و يقال:استحاذ؛و هو القياس،و استعارة ذلك كقولهم:اقتعده الشّيطان و ارتكبه.

و الأحوذيّ: الخفيف الحاذق بالشّيء،من الحوذ،أي السّوق.(134)

الزّمخشريّ: حاذ الإبل إلى الماء يحوذها:ساقها، و حاد أحوذيّ.

و بعير ضخم الحاذين؛و هما موقعا الذّنب من الفخذين.

و زلّ عن حال الفرس و حاذه،و هو موضع اللّبد.

و استحوذ عليه:غلبه.

و من المجاز:رجل خفيف الحاذ،كما يقال:خفيف الظّهر،استعير من حاذ الفرس.و كذلك:خفيف الحال، مستعار من حاله.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل أحوذيّ: يسوق الأمور أحسن مساق،لعلمه بها.(أساس البلاغة:98)

[في حديث]«علم الإيمان الصّلاة،فمن فرّغ لها قلبه و حاذ عليها بحدودها فهو مؤمن»

أي حافظ عليها بجدّ و انكماش،من الأحوذيّ؛و هو الجادّ الحسن،السّبّاق للأمور.(الفائق 1:333)

ابن الأثير: و فيه«ما من ثلاثة في قرية و لا بدو لا تقام فيهم الصّلاة إلاّ قد استحوذ عليهم الشّيطان»،أي استولى عليهم و حواهم إليه.و هذه اللّفظة أحد ما جاء على الأصل من غير إعلال،خارجة عن أخواتها،نحو استقال و استقام.

و في حديث قسّ:«غمير ذات حوذان».

الحوذان:بقلة لها قضب و ورق و نور أصفر.

(1:457)

الفخر الرّازيّ: [في حديث عائشة:«...كان أحوذيّا»]أي سائسا،ضابطا للأمور.(29:275)

الصّغانيّ: الحوذيّ:الطّارد المستحثّ على السّير.

و الحواذ:البعد.

و الحويذ،من الرّجال-على«فعيل»-:المشمّر.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:375)

الفيّوميّ: الحاذ،و زان الباب:موضع اللّبد من ظهر الفرس؛و هو وسطه،و منه قيل:رجل خفيف الحاذ،كما يقال:خفيف الظّهر على الاستعارة.و استحوذ عليه الشّيطان:غلبه و استماله إلى ما يريده منه.و الأحوذيّ:

الّذي حذق الأشياء و أتقنها.(1:155)

الفيروزآباديّ: الحوذ:الحوط،و السّوق السّريع كالإحواذ،و المحافظة على الشّيء.و حاذ المتن:موضع اللّبد منه.و الحاذان:ما وقع عليه الذّنب من أدبار الفخذين.و الحاذ:الظّهر،و شجر.و خفيف الحاذ:قليل

ص: 201

المال و العيال.و الأحوذيّ:الخفيف الحاذق،و المشمّر للأمور القاهر لها،لا يشذّ عليه شيء كالحويذ.

و الحوذان:نبت.و الحوذيّ بالضّمّ:الطّارد المستحثّ على السّير.و أحوذ ثوبه:جمعه،و الصّانع القدح (1):أخفّه.

و الحواذ بالكسر:البعد.و استحوذ:غلب و استولى.

و هما بحاذة واحدة:بحالة.الحيذوان:الورشان.

(1:366)

ابن عاشور :و الاستحواذ:الاستيلاء و الغلب،و هو «استفعال»من حاذ حوذا،إذا حاط شيئا و صرّفه كيف يريد.يقال:حاذ العير،إذا جمعها و ساقها غالبا لها.

فاشتقّوا منه«استفعل»للّذي يستولي بتدبير و معالجة، و لذلك لا يقال:«استحوذ»إلاّ في استيلاء العاقل،لأنّه يتطلّب وسائل استيلاء.و مثله استولى.و«السّين و التّاء» للمبالغة في الغلب،مثلها في:استجاب.

و الأحوذيّ: القاهر للأمور الصّعبة.و قالت عائشة:

«كان عمر أحوذيّا نسيج وحده».

و كان حقّ(استحوذ)أن يقلب عينه ألفا،لأنّ أصلها واو متحرّكة إثر ساكن صحيح،و هو غير اسم تعجّب، و لا مضاعف اللاّم،و لا معتلّ اللاّم،فحقّها أن تنقل حركتها إلى السّاكن الصّحيح قبلها،فرارا من ثقل الحركة على حرف العلّة،مع إمكان الاحتفاظ بتلك الحركة بنقلها إلى الحرف قبلها الخالي من الحركة،فيبقى حرف العلّة ساكنا سكونا ميّتا إثر حركة.فيقلب مدّة مجانسة للحركة الّتي قبلها،مثل:يقوم و يبين و أقام.فحقّ (استحوذ)أن يقال فيه:«استحاذ»،و لكن الفصيح فيه تصحيحه على خلاف غالب بابه،و هو تصحيح سماعيّ.

و له نظائر قليلة منها:استنوق الجمل،و أعول،إذ رفع صوته.و أغيمت السّماء،و استغيل الصّبيّ،إذا شرب الغيل؛و هو لبن الحامل.

و قال أبو زيد:التّصحيح هو لغة لبعض العرب مطّردة في هذا الباب كلّه.

و حكى المفسّرون أنّ عمر بن الخطّاب قرأ (استحاذ عليهم الشّيطان).

و قال الجوهريّ: تصحيح هذا الباب كلّه مطّرد.

و قال في«التّسهيل»:يطّرد تصحيح هذا الباب في كلّ فعل أهمل ثلاثيه،مثل:استنوق الجمل و استتيست الشّاة، إذا صارت كالتّيس.(28:48)

مجمع اللّغة :حاذه يحوذه حوذا:حاطه و استولى عليه.

و استحوذ عليه:استولى عليه.(1:306)

محمّد إسماعيل إبراهيم:استحوذ عليه:غلبه على أمره و استولى عليه.(1:150)

مكارم الشّيرازيّ: «استحوذ»من«حوذ»على وزن«كتب»،و هي في الأصل بمعنى القسم الخلفيّ لفخذ البعير،و لأنّ أصحاب الإبل عند ما يسوقون جمالهم يضربونها على أفخاذها،فقد جاء هذا المصطلح بمعنى التّسلّط أو السّوق بسرعة.(18:137)

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ...

المجادلة:19

ص: 202


1- عند أكثر اللّغويّين:القدح.

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث تكلّم موسى مع إبليس]

«...فقال له موسى:فأخبرني بالذّنب الّذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟قال:إذا أعجبته نفسه، و استكثر عمله و صغر في عينه ذنبه...».

(الكلينيّ 2:314)

الإمام عليّ عليه السّلام: أيّها النّاس إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع،و أحكام تبتدع،يخالف فيها كتاب اللّه،يتولّى فيها رجال رجالا،فلو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى؛و لو أنّ الحقّ خلص لم يكن اختلاف،و لكن يؤخذ من هذا ضغث،و من هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا،فهنالك استحوذ الشّيطان على أوليائه، و نجّي الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى.

(الكلينيّ 1:54)

الإمام الحسين عليه السّلام: [عند ما شاهد صفوف أهل الكوفة بكربلاء كاللّيل المظلم و السّيل العارم أمامه:]

فنعم الرّبّ ربّنا،و بئس العباد أنتم،أقررتم بالطّاعة، و آمنتم بالرّسول محمّد صلّى اللّه عليه و آله،ثمّ إنّكم رجعتم إلى ذرّيّته و عترته تريدون قتلهم،لقد استحوذ عليكم الشّيطان، فأنساكم ذكر اللّه العظيم...(العروسيّ 5:266)

ابن عبّاس: غلب عليهم الشّيطان،فأمرهم بطاعته فأطاعوه.(462)

زيد بن عليّ: غلب عليهم و حاد بهم.(411)

المفضّل الضّبّيّ: أحاط بهم.(الماورديّ 5:494)

أبو عبيدة :غلب عليهم و حازهم.(2:255)

مثله اليزيديّ.(372)

ابن قتيبة :أي غلب عليهم و استولى.(458)

مثله الثّعلبيّ(9:263)،و نحوه الطّوسيّ(9:555)، و الطّبرسيّ(5:254)،و النّسفيّ(4:236)،و الطّباطبائيّ (19:195).

الزّجّاج: معنى(استحوذ)في اللّغة:استولى،يقال:

حذت الإبل و حزتها،إذا استوليت عليها و جمعتها،و هذا ممّا خرج على أصله.و مثله في الكلام«أجودت و أطيبت»،و الأكثر«أجدت و أطبت»إلاّ أنّ(استحوذ) جاء على الأصل،لأنّه لم يقل على(حاذ)،لأنّه إنّما بني على«استفعل»في أوّل وهلة،كما بني«افتقر»على «افتعل»،و هو من الفقر.و لم يقل منه:فقر،و لا استعمل بغير زيادة،و لم يقل:(حاذ عليهم الشّيطان).و لو جاء «استحاذ»كان صوابا،لكن(استحوذ)هاهنا أجود،لأنّ الفعل في ذا المعنى لم يستعمل إلاّ بزيادة.(5:140)

القيسيّ: هذا ممّا جاء على أصله،و شذّ عن القياس،و كان قياسه:استحاذ عليهم،كما يقال:استقام الأمر،و استجاب الدّاعي.(2:365)

نحوه العكبريّ.(2:1214)

الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:قويّ عليهم.

الثّاني:أحاط بهم،قاله المفضّل.

و فيه ثالث:أنّه غلب و استولى عليهم في الدّنيا.

(5:494)

الواحديّ: غلب و استولى.[إلى أن قال:]و معناه:

استدار عليهم الشّيطان و أحاط بهم.(4:267)

الزّمخشريّ: استولى عليهم،من حاز الحمار العانة، إذا جمعها و ساقها غالبا لها،و منه«كان أحوذيّا نسيج وحده»،و هو أحد ما جاء على الأصل،نحو:استصوب

ص: 203

و استنوق،أي ملكهم(الشّيطان)لطاعتهم له في كلّ ما يريده منهم،حتّى جعلهم رعيّته و حزبه.(4:78)

نحوه ملخّصا الفخر الرّازيّ(29:275)،و البيضاويّ (2:462)،و النّيسابوريّ(28:20)،و أبو السّعود(6:220).

ابن عطيّة: معناه:تملّكهم من كلّ جهة،و غلب على نفوسهم،و هذا الفعل ممّا استعمل على الأصل،فإنّ قياس التّعليل يقتضي أن يقال:استحاذ.و حكى الفرّاء في كتاب«اللّغات»أنّ عمر رضى اللّه عنه قرأ: (استحاذ). (5:281)

القرطبيّ: [نحو الماورديّ و أضاف:]

و يحتمل رابعا،أي جمعهم و ضمّهم،يقال:أحوذ الشّيء،أي جمعه و ضمّ بعضه إلى بعض.و إذا جمعهم فقد غلبهم و قوي عليهم و أحاط بهم.(17:305)

الخازن :أي غلب و استولى عليهم و ملكهم.

(7:45)

نحوه ابن جزيّ.(4:105)

أبو حيّان :أي أحاط بهم من كلّ جهة،و غلب على نفوسهم و استولى عليها.[إلى أن قال:]

و قرأ عمر (استحاذ) ،أخرجه على الأصل و القياس.

و (استحوذ) شاذّ في القياس،فصيح في الاستعمال.

(8:238)

نحوه السّمين(6:290)،و البروسويّ(9:409).

ابن كثير :أي استحوذ على قلوبهم.(6:590)

نحوه حجازي.(28:12)

الشّربينيّ: أي استولى عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ مع أنّه طريد و محترق.و وصل منهم إلى ما يريده و ملكهم ملكا لم يبق لهم معه اختيار،فصاروا رعيّته،و صار هو محيطا بهم من كلّ جهة،غالبا عليهم ظاهرا و باطنا،من قولهم:

حذت الإبل و حذذتها،إذا استوليت عليها...(4:234)

الآلوسيّ: أي غلب على عقولهم بوسوسته و تزيينه حتّى اتّبعوه،فكان مستوليا عليهم.[إلى أن قال:]

و في«استفعل»هنا من المبالغة ما ليس في«فعل».

(28:33)

ابن عاشور :استئناف بيانيّ،لأنّ ما سبق من وصفهم بانحصار صفة الكذب فيهم،يثير سؤال السّامع أن يطلب السّبب الّذي بلغ بهم إلى هذا الحال الفظيع، فيجاب:بأنّه استحواذ الشّيطان عليهم و امتلاكه زمام أنفسهم،يصرّفها كيف يريد،و هل يرضى الشّيطان إلاّ بأشدّ الفساد و الغواية.(28:48)

عبد الكريم الخطيب :الاستحواذ على الشّيء:

الغلبة عليه،و التّملّك له،و الاستبداد به.[أي]ملك أمرهم،و ضمّهم إلى حوزته.(14:843)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ المنافقين المغرورين بأموالهم و مقامهم،ليس لهم مصير سوى أن يكونوا تحت سيطرة الشّيطان و اختياره و وساوسه بصورة تامّة، و ينسون اللّه بصورة كلّيّة،إنّهم ليسوا منحرفين فحسب، بل إنّهم في زمرة الشّيطان،و هم أنصاره و حزبه،و جيشه في إضلال الآخرين.[ثمّ استشهد بكلام الإمام عليّ و الإمام الحسين عليهما السّلام](18:138)

فضل اللّه :فأحاط بكلّ أفكارهم،فلم ينفتحوا على فكر الحقّ،و نفذ إلى قلوبهم،و تمكّن منها،و تحرّك في كلّ نبضاتها و خفقاتها،و امتدّ إلى كلّ آفاقها،فلم يطّلعوا على آفاق اللّه،و رحاب الخير و مواقع الإيمان،و انطلق إلى

ص: 204

مواقع خطواتهم فبعثرها،و انحرف بها عن الصّراط المستقيم،و أثار فيها الكثير من أجواء الشّرّ و الفساد، فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ في الكلمة،فلا تنطلق به ألسنتهم، و في الموقف فلا تعي حضوره ذهنيّاتهم،فاستغرقوا في الباطل كلّه،يقدّسون رموزه،و يتحرّكون في مخطّطاته.(22:83)

نستحوذ

...قالُوا أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ... النّساء:141

ابن عبّاس: أ لم نفش سرّ محمّد إليكم و نخبركم به؟

(83)

أ لم نحط من ورائكم؟(أبو حيّان 3:375)

مجاهد :أ لم نبيّن لكم أنّا على ما أنتم عليه قد كنّا نثبّطهم عنكم.(1:178)

نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 5:332)

السّدّيّ: نغلب عليكم.(الطّبريّ 5:332)

نحوه أبو عبيدة(1:141)،و ابن قتيبة(136)، و الواحديّ(2:130).

المبرّد: أ لم نغلبكم على رأيكم،و نصرفكم عن الدّخول في جملة المؤمنين.(الواحديّ 2:130)

الطّبريّ: أ لم نغلب عليكم،حتّى قهرتم المؤمنين، (و نمنعكم)منهم،بتخذيلنا إيّاهم،حتّى امتنعوا منكم، فانصرفوا.[إلى أن قال:]

و اختلف أهل التّأويل...فقال بعضهم:معناه:أ لم نغلب عليكم.

و قال آخرون:معنى ذلك:أ لم نبيّن لكم أنّا معكم، على ما أنتم عليه؟

و هذان القولان متقاربا المعنى،و ذلك أنّ من تأوّله بمعنى:أ لم نبيّن لكم،إنّما أراد-إن شاء اللّه-أ لم نغلب عليكم بما كان منّا من البيان لكم أنّا معكم؟

و أصل الاستحواذ في كلام العرب-فيما بلغنا-الغلبة، و منه قول اللّه جلّ ثناؤه: اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ... المجادلة:

19،بمعنى غلب عليهم،يقال منه:حاذ عليه،و استحاذ، يحيذ،و يستحيذ،و أحاذ يحيذ.[ثمّ استشهد بشعر]

و كان القياس في قوله: اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ... أن يأتي«استحاذ»عليهم،لأنّ الواو إذا كانت عين الفعل، و كانت متحرّكة بالفتح،و ما قبلها ساكن،جعلت العرب حركتها في فاء الفعل قبلها،و حوّلوها ألفا متّبعة حركة ما قبلها،كقولهم:استحال هذا الشّيء عمّا كان عليه،من حال يحول،و استنار فلان بنور اللّه،من النّور،و استعاذ باللّه،من عاذ يعوذ.و ربّما تركوا ذلك على أصله،و بهذه اللّغة جاء القرآن في قوله: اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ.

(5:331)

نحوه الطّوسيّ(3:363)،و الطّبرسيّ(2:128)، و أبو الفتوح(6:157)،و ملخّصا السّمين(2:445).

الزّجّاج: هذا يقوله المنافقون إذا كان للكافرين نصيب،قالوا: أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ، أي أ لم نغلب عليكم بالموالات لكم،و نمنعكم من المؤمنين بما كنّا نعلمكم من أخبارهم.[ثمّ أدام نحو الطّبريّ ملخّصا]

(2:122)

نحوه النّحّاس(2:219)،و البغويّ(1:714).

ص: 205

الثّعلبيّ: أ لم نخبركم بعزيمة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه، و نطّلعكم على سرّهم؟[ثمّ أدام نحو الطّبريّ ملخّصا]

(3:403)

الماورديّ: فيه ثلاثة تأويلات:أحدها:معناه أ لم نستول عليكم بالمعونة و النّصرة،و نمنعكم من المؤمنين بالتّخذيل عنكم.

و الثّاني:...[هو قول ابن جريج]

و الثّالث:[قول السّدّيّ](1:537)

الميبديّ: أي أ لم نغلب عليكم،أ لم نحط بكم من جوانبكم.(2:735)

الزّمخشريّ: أ لم نغلبكم و نتمكّن من قتلكم و أسركم،فأبقينا عليكم.(1:573)

نحوه البيضاويّ(1:251)،و النّسفيّ(1:258)، و الخازن(1:509)،و أبو حيّان(3:375)،و الشّربينيّ (1:339)،و أبو السّعود(2:210)،و الكاشانيّ(1:

474)،و البروسويّ(2:306)،و القاسميّ(5:1616)، و طنطاوي(3:101)،و فريد وجدي(127)،و حسنين مخلوف(1:175).

ابن عطيّة: معناه:نغلب على أمركم،و نحطكم و نحسم أمركم.[ثمّ استشهد بشعر،و قال نحو الطّبريّ ملخّصا](2:126)

الفخر الرّازيّ: في تفسير هذه الآية وجهان:

الأوّل:أن يكون بمعنى أ لم نغلبكم و نتمكّن من قتلكم و أسركم،ثمّ لم نفعل شيئا من ذلك،و نمنعكم من المسلمين بأن ثبّطناهم عنكم،و خيّلنا لهم ما ضعفت به قلوبهم، و توانينا في مظاهرتهم عليكم،فهاتوا لنا نصيبا ممّا أصبتم.

الثّاني:أن يكون المعنى أنّ أولئك الكفّار و اليهود كانوا قد همّوا بالدّخول في الإسلام،ثمّ إنّ المنافقين حذّروهم عن ذلك،و بالغوا في تنفيرهم عنه،و أطمعوهم أنّه سيضعف أمر محمّد،و سيقوى أمركم.فإذا اتّفقت لهم صولة على المسلمين قال المنافقون:ألسنا غلبناكم على رأيكم في الدّخول في الإسلام،و منعناكم منه،و قلنا لكم:

بأنّه سيضعف أمره و يقوى أمركم؟

فلمّا شاهدتم صدق قولنا،فادفعوا إلينا نصيبا ممّا وجدتم.

و الحاصل:أنّ المنافقين يمنّون على الكافرين بأنّا نحن الّذين أرشدناكم إلى هذه المصالح،فادفعوا إلينا نصيبا ممّا وجدتم.(11:82)

نحوه النّيسابوريّ.(5:168)

العكبريّ: (نستحوذ):هو شاذّ في القياس؛ و القياس«نستحذ».(1:400)

القرطبيّ: أي أ لم نغلب عليكم حتّى هابكم المسلمون،و خذلناهم عنكم؟[ثمّ قال نحو الطّبريّ ملخّصا](5:419)

ابن كثير :أي ساعدناكم في الباطن،و ما ألوناهم خبالا و تخذيلا حتّى انتصرتم عليهم...و هذا أيضا تودّد منهم إليهم،فإنّهم كانوا يصانعون هؤلاء و هؤلاء،ليحظوا عندهم و يأمنوا كيدهم،و ما ذاك إلاّ لضعف إيمانهم و قلّة إيقانهم.(2:416)

الآلوسيّ: [نقل كلام بعض المفسّرين و أضاف:] و قيل:المعنى أ لم نغلبكم على رأيكم بالموالاة لكم، وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ الدّخول في جملة(المؤمنين)؟و هو

ص: 206

خلاف الظّاهر،و أصل الاستحواذ:الاستيلاء،و كان القياس فيه:استحاذ يستحيذ استحاذة بالقلب،لكن صحّت فيه الواو و كثر ذلك فيه،و في نظائر له حتّى ألحق بالمقيس و عدّ فصيحا.و قال أبو زيد:إنّه قياسيّ،و على كلّ حال لا يرد على فصاحة القرآن كما حقّق في موضعه.

(5:174)

المراغيّ: الاستحواذ:الاستيلاء على الشّيء و التّمكّن من تسخيره،أو التّصرّف فيه،أي و إن كان للكافرين نصيب من الظّفر،منّوا عليهم بأنّهم كانوا عونا لهم على المؤمنين،بتخذيلهم و التّواني في الحرب معهم، و إلقاء الكلام الّذي تخور به عزائمهم عن قتالكم،فاعرفوا لنا هذا الفضل،و هاتوا نصيبنا ممّا أصبتم.(5:184)

نحوه عبد الكريم الخطيب(3:940)،و ابن عاشور (4:286).

سيّد قطب :يعنون أنّهم آذروهم و ناصروهم، و حموا ظهورهم و خذّلوا عنهم،و خلخلوا الصّفوف.

(2:781)

عزّة دروزة :الاستحواذ بمعنى الإحاطة و الحيازة.

و ممّا يرد في البال أن يكون معنى الجملة أ لم نحل دونكم و دون المسلمين الّذين كانوا قادرين عليكم، و نمنعكم بذلك منهم.(9:182)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحاذ،و هو ما يقع عليه الذّنب من فخذي الدّابّة إذا استدبرتها،و هما حاذان، و الجمع:أحواذ.و الحاذ:طريقة المتن من الحيوان و الإنسان،حملا على ظاهر الفخذين،و هو الحال أيضا؛ يقال:كيف حالك و حاذك؟و أنفع اللّبن ما ولي حاذي النّاقة،أي ساعة تحلب من غير أن يكون رضعها حوار قبل ذلك.و رجل خفيف الحاذ:قليل المال،أو قليل العيال.

و الحوذ و الإحواذ:السّير الشّديد،لأنّ سائق الدّابّة يتبع حاذيها،فيعنف بها؛يقال:حاذ إبله يحوذها حوذا، أي ساقها سوقا شديدا،و حذت الإبل أحوذها حوذا و أحوذتها:سقتها بسرعة،و أحوذ السّير:سار سيرا شديدا.

و الحوذيّ و الأحوذيّ:السّريع في السّير الشّديد فيه،ثمّ أطلق على المشمّر في الأمور القاهر لها،الّذي لا يشذّ عليه منها شيء،و هو الحويذ أيضا؛يقال:أحوذ الصّانع القدح،أي أخفّه.

و منه:الحوذ و الاستحواذ:الغلبة؛يقال:حاذه يحوذه حوذا،و استحوذ عليه الشّيطان و استحاذ:غلبه و ساقه إلى ما يريد من غيّه.

2-و جاءت بعض الألفاظ من(ح و ذ)بمعنى الجمع و الضّمّ،و الظّاهر أنّها من(ح و ز)،لأنّ الإبدال بين الذّال و الزّاي شائع في اللّغة،مثل:زبرت الكتاب و ذبرته،أي كتبته،و زرق الطّائر و ذرقه،أي سلحه.

و من هذه الألفاظ:الحوذ،أي الجمع؛يقال:حاذ الإبل يحوذها حوذا،إذا حازها و جمعها ليسوقها،و أحوذ ثوبه:جمعه،و حاذ الحمار أتنه:استولى عليها و جمعها، و كذلك حازها.و لعلّه مأخوذ من المعنى الأصليّ؛حيث اشتمل على الجمع بين الفخذ من تحت الذّنب.

ص: 207

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها كلمتان:«استحوذ»و«نستحوذ»كلّ منهما مرّة في آيتين:

1- اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ... المجادلة:19

2- ...قالُوا أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ النّساء:141

يلاحظ أوّلا أنّ الآيتين جاءتا إدانة للمنافقين،إلاّ أنّ الاستحواذ في(1)وقع بينهم و بين الشّيطان حيث استحوذ عليهم الشّيطان،و في(2)وقع بينهم و بين الكفّار حيث استحوذوا في الحروب على الكفّار و منعوهم من المؤمنين.

ثانيا في(1)بحوث:

1-فسّر بالاستيلاء و الغلبة و القوّة و الإحاطة و الحوز و الجمع و الضّمّ و التّملّك،و هي معان متقاربة:

فالاستيلاء من قولهم:حذت الإبل و حزتها،إذا استوليت عليها و جمعتها،و الغلبة من:حاذ الحمار العانة،إذا جمعها و ساقها غالبا لها،و الجمع و الضّمّ من:أحوذ الشّيء،أي جمعه و ضمّ بعضه إلى بعض.

2-قرئ «استحاذ» وفقا للقياس،لأنّ حركة(الواو) في(استحوذ)فتحة،و هي عين الفعل،و(الحاء)قبلها ساكنة،فنقلت فتحة الواو إلى الحاء،فانقلبت الواو ألفا، لسكونها و انفتاح ما قبلها،نحو:استعاذ و استحال.

و أمّا(استحوذ)فهو عمّا جاء على أصله و شذّ عن القياس،مثل:أجودت و أجدت،و أطيبت و أطبت.قال الزّجّاج:«لكن(استحوذ)هاهنا أجود،لأنّ الفعل في ذا المعنى لم يستعمل إلاّ بزيادة».

3-عقّبت الآية استحواذ الشّيطان عليهم بإنسائهم ذكر اللّه فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ، تفريعا له على الاستحواذ ب«الفاء»،و بيانا لكيفيّة الاستحواذ،فلم يكن استحواذه عليهم بالغلبة على أبدانهم و أجسامهم،بل بالغلبة على قلوبهم-و هي موضع ذكر اللّه-

و قد جاء إنساء الشّيطان في آيات أخرى،كما جاء فيها إضلاله،و إيقاع العداوة و البغضاء بينهم،و تزيين الأعمال لهم،و عمليّة الوعد و التّنمية و التّخبّط و الوسوسة و الإغواء و النّزغ و أمثالها فيهم،و كلّها من وساوس الشّيطان في القلوب،و كلّها خطوات الشّيطان الّتي نهى اللّه المؤمنين في آيات عن اتّباعها،فلاحظ ش طن:

«شيطان».

4-كما عقّبته: أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ، فكلّ من استحوذ الشّيطان على قلبه-بنحو من تلك الأنحاء-فهو من حزب الشّيطان.و قد جاء في ختام الآية: أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ.

5-جاء لفظ«سلطان»نظيرا لاستحواذ الشّيطان و إبليس على أوليائه،و بدلا منه في آيات:

إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ الحجر:42.

و إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ النّحل:99 و 100.

و إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً الإسراء:65.

ص: 208

و ما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ سبأ:20.لاحظ س ل ط:«سلطان».

ثالثا:أنّ الاستحواذ في(2): قالُوا أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ -كما قلنا-بين المنافقين و الكافرين،و فيه بحوث:

1-هذا من قول المنافقين لليهود و المشركين،أي أ لم نغلب عليكم بموالاتكم حتّى انتصرتم على المسلمين؟أو أ لم نغلبكم و نتمكّن من قتلكم و أسركم فأبقينا عليكم؟

أو أ لم نبيّن لكم أنّا معكم،قال الطّبريّ:«و هذان القولان متقاربا المعنى،و ذلك أنّ من تأوّله بمعنى أ لم نبيّن لكم،إنّما أراد-إن شاء اللّه-أ لم نغلب عليكم بما كان منّا من البيان لكم أنّا معكم»؟

أو أ لم نستول عليكم بالمعونة و النّصرة؟و سياق الآية يدلّ على المنّ و التّفضّل،قال الفخر الرّازيّ:

«و الحاصل أنّ المنافقين يمنّون على الكافرين بأنّا نحن الّذين أرشدناكم إلى هذه المصالح،فادفعوا إلينا نصيبا ممّا وجدتم».

2-قياس فعله:استحاذ يستحيذ استحاذة،و في الجزم ب«لم»:لم يستحذ،نحو:لم يستقم.و قيل:ظهور الواو فيه شاذّ في القياس.و قال الآلوسيّ:«صحّت فيه الواو،و كثر ذلك فيه و في نظائر له حتّى ألحق بالمقيس و عدّ فصيحا.و قال أبو زيد:إنّه قياسيّ.و على كلّ حال لا يرد على فصاحة القرآن،كما حقّق في موضعه».

3-إنّ استحواذ المنافقين على الكافرين هو استحواذ الشّيطان عليهم أجمعين،فكما استحوذ على الفئة الأولى،استحوذ على الفئة الثّانية كذلك.و لمّا استحوذ عليهم الشّيطان-كما سبق-أنساهم ذكر اللّه، فأصبحوا من حزبه،و استحوذوا على الكافرين و منعوهم من الإيمان،قال الفخر الرّازيّ:«إنّ أولئك الكفّار و اليهود كانوا قد همّوا بالدّخول في الإسلام،ثمّ إنّ المنافقين حذّروهم عن ذلك و بالغوا في تنفيرهم عنه، و أطمعوهم أنّه سيضعف أمر محمّد و سيقوى أمركم».

ص: 209

ص: 210

ح و ر

اشارة

6 ألفاظ،13 مرّة:6 مكّيّة،7 مدنيّة

في 10 سور:5 مكّيّة،5 مدنيّة

يحور 1:1 حور 4:3-1

يحاوره 2:2 الحواريّون 3:-3

تحاوركما 1:-1 الحواريّين 2:-2

النّصوص اللّغويّة

سعيد بن جبير:الحوراء:السّوداء العين الّتي ليس في عينها بياض،و لا يكون هذا في الإنس،إنّما يكون في الوحش كالبقر و الظّباء.

مثله أبو عمرو الشّيبانيّ.(المدينيّ 1:521)

الخليل: الحور:الرّجوع إلى الشّيء و عنه.و الغصّة إذا انحدرت يقال:حارت تحور،و أحار صاحبها.و كلّ شيء تغيّر من حال إلى حال،فقد حار يحور حورا.

و المحاورة:مراجعة الكلام.حاورت فلانا في المنطق،و أحرت إليه جوابا،و ما أحار بكلمة.و الاسم:

الحوير،تقول:سمعت حويرهما و حوارهما.

و المحورة من المحاورة،كالمشورة من المشاورة، و هي«مفعلة».

و في الحديث:«نعوذ باللّه من الحور بعد الكور»أي:

النّقصان بعد الزّيادة،كقولهم:العنوق بعد النّوق،أي بينا كنت في كور الزّيادة إذا أنت تحور راجعا إلى النّقصان.

و يقال:الحور:ما تحت الكور من العمامة،و الحور:

خشب يقال لها:البيضاء.

و الحوار:الفصيل أوّل ما ينتج؛و الجميع:الحيران.

و الحور:الأديم المصبوغ بحمرة حوّرته،و جمعه:

أحوار.

و خفّ محوّر،إذا بطّن بحور.

و الحور:شدّة بياض العين و شدّة سوادها،و لا يقال:

امرأة حوراء إلاّ لبيضاء مع حورها،و الجميع:حور.و في قراءة: (و حير عين) .

و المحور:الحديدة الّتي يدور فيها لسان الإبزيم في

ص: 211

طرف المنطقة و غيرها،و الحديدة الّتي تدور عليها البكرة يقال لها:المحورة.

و المحور:الخشبة الّتي يبسط بها العجين يحوّر به الخبز تحويرا.

و الحوّارى:أجود الدّقيق،يقال:حوّرته تحويرا،أي بيّضته.

و امرأة حواريّة،أي بيضاء حضريّة،و لا تكون بدويّة.

و الحواريّون:الّذين كانوا مع عيسى عليه السّلام ينصرونه، و كانوا قصّارين،يقال:فعل الحواريّون كذا،و نصر الحواريّون كذا،فلمّا جرى على ألسنة النّاس سمّي كل ناصر:حواريّا.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:287)

الأمويّ: الاحورار:الابيضاض.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:228)

ابن شميّل: يقول الرّجل لصاحبه:و اللّه ما تحور و لا تحول،أي ما تزداد خيرا.(الأزهريّ 5:233)

ابن الكلبيّ: كان قوم من القصّارين أجابوا عيسى ابن مريم صلّى اللّه عليهما و سلّم،فسمّوا حواريّين لتحويرهم الثّياب،أي غسلهم إيّاها.و الحواريّات:نساء الأمصار،سمّين بذلك لبياضهنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن دريد 2:146)

قطرب: الحوراء:الحسنة المحاجر،صغرت العين أم كبرت.(المدينيّ 1:522)

أبو عمرو الشّيبانيّ: رجل محوّر،إذا ما كويته دوّارات.(1:146)

و بعير أحور:أصفر مجرى مدامع عينيه.

حوّر عين البعير،أي أدر الكيّ على المحجر كلّه.

و بعير أحور:أصفر مجرى مدامع عينيه.(1:155)

و قال الأكوعيّ: ما أتاني عنه حوار،أي جواب كتابي.

(1:161)

إنّ سعي فلان لفي حور،أي في خسران،و كسبه مثله.(1:165)

كان بينهم حور:محاورة.(1:167)

هذه بئر بعيدة الحور،أي بعيدة القعر،و إنّه لبعيد الحور إذا كان عاقلا.(1:169)

الحوار:الجواب.(1:173)

و الحائر:ما يكون فيه ماء،و جماعه:الحوران.

(1:208)

و الأحوريّ: الأسود.(1:210)

و التّحوير:كيّ.(1:216)

و الأحور:العقل.(1:217)

الحور:التّحيّر،و الحور:النّقصان،و الحور،الرّجوع.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](الأزهريّ 5:230)

الأصمعيّ: كلّمته فما رجع إليّ حوارا و حوارا و حويرا و محورة بضمّ الحاء بوزن مشورة.

(الأزهريّ 5:227)

حوّرت الخبزة تحويرا إذا هيّأتها لتضعها في الملّة.

و حوّرت عين الدّابّة،إذا حجّرت حولها بكيّ،و ذلك من داء يصيبها،و الكيّة يقال لها:الحوراء،سمّيت بذلك لأنّ موضعها يبيضّ،و التّحوير:التّبيّض.(الأزهريّ 5:228)

المحارة:الصّدفة،و المحار من الإنسان:الحنك، و هو حيث يحنّك البيطار الدّابّة.(الأزهريّ 5:230)

ص: 212

يقال للمكان المطمئنّ الوسط المرتفع الحروف:حائر، و جمعه:حوران.(الأزهريّ 5:231)

لا يكون في النّاس حور،و إنّما ذلك في الظّباء،و الحور:

جلود يشقّق و يتّزر بها الصّبيان،الواحدة:حورة.و الحور أحد الثّلاثة من بنات نعش.[و قال مرّة أخرى:]أحد النّجوم الثّلاثة الّتي تتبع بنات نعش.(ابن دريد 2:146)

لا أدري ما الحور في العين؟(الجوهريّ 2:639)

ما يعيش بأحور،أي بعقل.(الصّاحب 3:202)

مثله ابن السّكّيت.(الأزهريّ 5:227)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّه كان إذا سافر سفرا قال:«اللّهمّ إنّا نعوذ بك من وعثاء السّفر،و كآبة المنقلب،و الحور بعد الكور،و سوء المنظر في الأهل و المال...

و قوله:الحور بعد الكون.هكذا يروى بالنّون،و سئل عاصم عن هذا فقال:أ لم تسمع إلى قوله:حار بعد ما كان؟يقول:إنّه كان على حالة جميلة فحار عن ذلك،أي رجع،و هو في غير هذا الحديث«الكور»بالرّاء.

و زعم الهيثم أنّ الحجّاج بن يوسف بعث فلانا قد سمّاه على جيش.و أمّره عليهم إلى الخوارج،ثمّ وجّهه بعد ذلك إليهم تحت لواء غيره،فقال الرّجل:هذا الحور بعد الكور،فقال له الحجّاج:و ما قولك:الحور بعد الكور؟ قال:النّقصان بعد الزّيادة.و من قال هذا أخذه من كور العمامة،يقول:قد تغيّرت حاله و انتقضت،كما ينتقض كور العمامة بعد الشّدّ،و كلّ هذا قريب بعضه من بعض في المعنى.(1:134)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الزّبير ابن عمّتي و حوّاريّ (1)من أمّتي».

يقال:إنّ أصل هذا-و اللّه أعلم-إنّما هو من الحواريّين أصحاب عيسى بن مريم صلوات اللّه عليه و على نبيّنا،و إنّما سمّوا حواريّين لأنّهم كانوا يغسلون الثّياب،أي يحوّرونها،و هو التّبييض.

يقال:حوّرت الشّيء إذا بيّضته،و منه قيل:امرأة حواريّة إذا كانت بيضاء.[ثمّ استشهد بشعر]

كان أبو عبيدة يذهب بالحواريّات إلى نساء الأمصار دون أهل البوادي،و هذا عندي يرجع إلى ذلك المعنى، لأنّ عند هؤلاء من البياض ما ليس عند أولئك من البياض،فسمّاهنّ حواريّات لهذا،فلمّا كان عيسى عليه السّلام نصره هؤلاء الحواريّون فكانوا شيعته و أنصاره دون النّاس،فقيل:فعل الحواريّون كذا،و نصره الحواريّون بكذا،جرى هذا على ألسنة النّاس حتّى صار مثلا لكلّ ناصر،فقيل:حواريّ إذا كان مبالغا في نصرته،تشبيها بأولئك،هذا كما بلغنا و اللّه أعلم.و هذا كما قلت لك:إنّهم يحوّلون اسم الشّيء إلى غيره،إذا كان من شبيه.(1:217)

[و في]حديث عمر رضى اللّه عنه«حين سأله رجل من الصّدقة فأعطاه ربعة يتبعها ظئراها»،و هو في هذا كلّه حوار،فلا يزال حوارا حولا ثمّ يفصل،فإذا فصل عن أمّه فهو فصيل.(1:408)

يقال لنساء الأمصار:حواريّات،لأنّهنّ تباعدن عن قشف الأعرابيّات بنظافتهنّ.(الأزهريّ 5:229)

الحائر:مجتمع الماء.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:231)ي.

ص: 213


1- في«الفائق 1:330»:حواريّي.

ابن الأعرابيّ: فلان حور في محارة،هكذا سمعته بفتح الحاء،يضرب مثلا للشّيء الّذي لا يصلح أو كان صالحا ففسد.

و المحاورة:المكان الّذي يحور،أو يحار فيه.

و الحائر:الرّاجع من حال كان عليها إلى حال كان دونها،و البائر:الهالك.و يقال:حوّر اللّه فلانا،أي خيّبه و رجعه إلى النّقص.

الحواريّون:الأنصار:و هم خاصّة أصحابه.و الحواريّ:

النّاصح،و أصله الشّيء الخالص و كلّ شيء خلص لونه فهو حواريّ.و الحواريّات من النّساء:النّقيّات الألوان و الجلود،و من هذا قيل لصاحب الحوّارى:محوّر.

(الأزهريّ 5:228)

محارة الفرس:أعلى فمه من باطن،و المحارة:

النّقصان،و المحارة:الرّجوع،و المحارة:الصّدفة،و المحارة:المحاورة.و الحورة:النّقصان،و الحورة:الرّجعة.

(الأزهريّ 5:230)

و استحار الدّار:استنطقها،من الحوار الّذي هو الرّجوع.(ابن سيده 3:502)

ابن السّكّيت: الأحوريّ:الأبيض النّاعم من أهل القرى.(207)

و حواريّ الرّجل:خلصائه.(468)

و الحور،يقال:حار يحور حورا،إذا رجع.و يقال:

نعوذ باللّه من الحور بعد الكور.و الحور:النّقصان.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحور:جمع حوراء.و يقال في مثل«حور في محارة»، أي نقصان في نقصان.(إصلاح المنطق:124)

الحور عند العرب:سعة العين،و كبر المقلة،و كثرة البياض.(المدينيّ 1:521)

شمر: إنّه ليسعى في الحور و البور،أي في النّقصان و الفساد،و رجل حائر بائر،و قد حار و بار،و هو يحور حئورا،إذا نقص و رجع.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:228)

الدّينوريّ: [الحور]:هي الجلود الحمر الّتي ليست بقرظيّة،و الجمع:أحوار،و قد حوّره.

(ابن سيده 3:504)

ابن أبي اليمان :و الحوار:ولد النّاقة،و الحوار:

الجواب،و هو مصدر حاورت فلانا.(389)

المبرّد: و قوله،أحور يعني ظبيا،و أهل الغريب يذهبون إلى أنّ الحور في العين:شدّة سواد سوادها،و شدّة بياض بياضها.و الّذي عليه العرب إنّما هو نقاء البياض فعند ذلك يتّضح السّواد،و قد فسّرنا الحور و الحواريّ.

(2:10)

و الحوار:ولد النّاقة،و يقال له حيث يسقط من أمّه:

سليل،قبل أن تقع عليه الأسماء،فإن كان ذكرا فهو:

سقب،و إن كانت أنثى فهي:حائل،و هو في ذلك كلّه حوار سنة.(2:356)

ثعلب :اقض محورتك،أي الأمر الّذي أنت فيه.

(ابن سيده 3:502)

كراع:و الحور بفتح الواو:نبت،و لم يحلّه.

(ابن سيده 3:506)

الحور:أن يكون البياض محدقا بالسّواد كلّه،و إنّما يكون هذا في البقر و الظّباء،ثمّ يستعار للنّاس.

ص: 214

(ابن سيده 3:503)

الزّجّاج: [فسّر الحواريّون ثمّ قال:]

...و قال أهل اللّغة في المحور و هو العود الّذي تدور عليه البكرة قولين،قال بعضهم:إنّما قيل له:محور للدّوران،لأنّه يرجع إلى المكان الّذي زال منه.

و قيل:إنّما قيل له:محور،لأنّه بدورانه ينصقل حتّى يصير أبيض.و يقال:دقيق حوّارى من هذا،أي قد أخذ لبابه،و كذلك عجين محوّر،للّذي يمسح وجهه بالماء حتّى يصفو.و يقال:عين حوراء،إذا اشتدّ بياضها و خلص، و اشتدّ سوادها،و لا يقال:امرأة حوراء إلاّ أن تكون مع حور عينها بيضاء.و ما روي في الحديث«نعوذ باللّه من الحور بعد الكور»معناه نعوذ باللّه من الرّجوع و الخروج عن الجماعة بعد الكور (1)،أي بعد أن كنّا في الكور،أي في الجماعة،يقال:كار الرّجل عمامة،إذا لفّها على رأسه، و حار عمامته،إذا نقضها،و قد قيل:«بعد الكون»و معناه بعد أن كنّا على استقامة،إلاّ أنّ مع الكون محذوفا في الكلام دليلا عليه.(1:417)

السّجستانيّ: يقال:تحاور الرّجلان،إذا ردّ كلّ واحد منهما على صاحبه،و المحاورة:الخطاب من اثنين فما فوق ذلك.(113)

ابن دريد :الحور مصدر حار يحور حورا،إذا رجع، و مثل من أمثالهم«حور في محارة»يضرب للرّجل المتحيّر الّذي لا يعرف وجهة أمره.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحور:جمع حوراء.و الحور:نقاء بياض العين و صفاء سوادها،كما يكون في الصّبيان.

و حوران:موضع.و حوار النّاقة:ولدها،و مثل من أمثالهم:(لا يضرّ الحوار وطء أمّه)و جمع الحوار:حيران و أحورة.و كلّمت فلانا فما أحار جوابا،و ما سمعت له حوارا و لا حويرا،و حاورت الرّجل محاورة و حوارا و حويرا،إذا كلّمك فأجبته.

[و نقل اشتقاق الحواريّين عن ابن الكلبيّ ثمّ قال:] و الدّقيق الحوّارى من هذا،أخذ لنقائه و بياضه.و حوّرت عين البعير،إذا أردت حولها ميسما.و حوّرت الخبزة، إذا دوّرتها.و الخشبة الّتي يحوّر بها تسمّى المحور.

و المحور:الخشبة الّتي يدور فيها المحالة.و بعض العرب يسمّي النّجم الّذي يقال له:المشتري:الأحور.

(2:146)

ابن الأنباريّ: و الحوار:ولد النّاقة،و يقال في جمعه:

حيران و حوران.(غريب اللّغة:55)

الأزهريّ: يقال عند تأكيد المرزئة عليه بقلّة النّماء:ما يحور فلان و ما يبور،و ذهب فلان في الحوار و البوار،منصوبا الأوّل،و ذهب في الحور و البور.

أحور الرّجل:قلبه،يقال:ما يعيش فلان بأحور،أي بقلب،اسم له.و يقال:إنّ الباطل لفي حور،أي في رجوع و نقص.

حوّرت الثّوب،إذا بيّضته.(5:227)

و يقال للرّجل إذا اضطرب أمره:لقد قلقت محاوره.

[ثمّ استشهد بشعر]...[و نقل كلام اللّيث«المحور:

الخشبة الّتي يبسط بها العجين...»ثمّ قال:]قلت:سمّي محورا لدورانه على العجين،تشبيها بمحور البكرة و استدارته.(5:230)ر.

ص: 215


1- جاءت عند أكثر اللّغويّين:الحور بعد الكور.

المحارة:جوف الأذن،و هو ما حول الصّماخ المتّسع.(5:231)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و يقول الرّجل لصاحبه:و اللّه ما تحور و لا تحول،أي لا تزداد خيرا.

و محاور الرّجل:مصائر أمره،واحدتها:محورة.

و المحورة-أيضا-الرّجوع.

و الحور:النّقصان-بضمّ الحاء؛على مثال النّور-و في مثل:«حور في محارة»أي باطل في نقص،و قد يفتح الحاء،و معناه:رجوع في نقصان.و المحارة:المنقصة.

و إنّه لفي حور و بور،أي في ضيعة.

و الإحارة:رجع اليد في السّير.

و الحور:ما تحت الكور من العمامة.و هي أيضا:

خشبة يقال لها:البيضاء.و كذلك الأديم المصبوغ بحمرة، يقال:حوّرته تحويرا،و الجميع:الأحوار.

و الحوار و الحوار:الفصيل أوّل ما ينتج،و الجميع:

الحيران.و أحارت النّاقة:صارت ذات حوار.و العرب تسمّي عقرب الشّتاء:عقيرب الحيران،و لا ينتجون فيها،أي تضرّ بالحوار.

و الحور:الأديم المصبوغ بحمرة.

و الحور:شدّة بياض بياض العين في شدّة سواد سوادها.و امرأة حوراء:بيضاء حسنة.و احورّت عينه:

صارت حوراء.و الجميع:الحور و الحير.

و امرأة حواريّة:بيضاء.

و عين حوراء:مستديرة.

و المحور:الحديدة الّتي يدور فيها لسان الإبزيم.

و هي أيضا:الخشبة الّتي تدور عليها البكرة،و الّتي يبسط بها العجين.

و الحوّارى:أجود الدّقيق و أخلصه.و حوّرت الدّقيق:

بيّضته.

و حرت الثّوب و حوّرته:بيّضته بالغسل.

و الحواريّون:ناصر و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و ناصر و عيسى بن مريم صلّى اللّه عليه و سلّم.و كلّ مجاهد عند العرب:حواريّ.

و قال الأصمعيّ: ما يعيش بأحور،أي بعقل،و قيل:

بقلب و حاش.

و ما له حورور،أي شيء.

و حوّرت البعير:كويته.و المحورة:المكواة.و حوّر عين بعيرك؛أي حجّر حولها بكيّ.و الكيّة تسمّى:

الحوراء.

و حوّر الحائط:بمعناه.

و الحارة:كلّ مستدار من فضاء و غيره مبنيّا أو غير مبنيّ.

و حوّرت خواصر الإبل:و هو أن يؤخذ خثيها فيضرب به على خواصرها.

و الحائر:المهزول.و الودك أيضا.

و احورّت القدر:ابيضّ لحمها قبل النّضج.

و الحور:ما تحفل به النّساء وجوهها عند الزّينة، يتّخذ من الرّصاص.

و الحور:شجر؛في قول الرّاعي:

*كالجوز نطّق بالصّفصاف و الحور*

و في المثل في شواهد الظّاهر على الباطن:«أراك بشر ما أحار مشفر».أحار:ردّ إلى جوفه،و هو كقولهم:«عينه

ص: 216

فراره».

و طحنت الطّاحنة فما أحارت شيئا من الدّقيق،أي ما ردّت.

و الحور:أن تسوّد عين البقرة و الظّبي كلّها،و ليس في بني آدم أحور.(3:200)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه لمّا أخبر بقتل أبي جهل قال:إنّ عهدي به في ركبتيه حوراء».قوله:

حوراء،يريد أثر كيّة كوي بها.يقال:حوّر عين دابّته،إذا حجّر حولها،و ذلك من داء يصيبها،و سمّيت الكيّة حوراء،لأنّ موضعها من البدن يبيضّ.و التّحوير:

التّبييض.[ثمّ استشهد بشعر](1:227)

في حديث عليّ عليه السّلام...:«فقال:أنا أبو الحسن القرم، و اللّه لا أريم حتّى يرجع إليكما أبناء كما بحور ما بعثتما به...».

و قوله:بحور ما بعثتما،أي بجواب ما بعثتما.يقال:

كلّمت الرّجل،فما ردّ إليّ حورا و لا حويرا،أي جوابا،و ما يتكلّم فلان إلاّ محورة.الرّجوع إلى النّقص،و منه قول اللّه إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ الانشقاق:14.

و من هذا قولهم:الحور بعد الكور:أي النّقص بعد الكمال،و يقال أيضا:الحور بعد الكون.

أخبرني عبد الرّحمن بن الأسد،نا الدّبريّ،قال:قلنا لعبد الرّزّاق:ما الحور بعد الكور؟قال:سمعت معمرا يقول:هو الكنتيّ،قلت:و ما الكنتيّ؟قال:الرّجل يكون صالحا،ثمّ يتحوّل امرأ سوء.

و قال أبو عمر:قال ابن الأعرابيّ: يقال للرّجل:

«كنتيّ»،إذا كان لا يزال يقول:كنت شابّا،كنت شجاعا، أو نحو هذا،و«كانيّ»:إذا قال:كان لي مال،فكنت أهب، و كان لي خيل،فكنت أركب،و نحو هذا من الكلام.

و من الحور الّذي هو الرّجوع إلى الحال المذمومة حديث عائشة.[ثمّ ذكر الحديث و إنشادها شعرا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله]

و قد يكون الحور أيضا بمعنى العود إلى الحال المتقدّمة خيرا كانت أو شرّا.

و يقال:إنّما سمّي العود الّذي تدور عليه البكرة محورا، لأنّ دورانه يتكرّر،فيعود كلّ مرّة إلى مداره الأوّل.

فأمّا الحور،بضمّ الحاء،فهو الخسران و النّقصان.

و يقال:إنّ الباطل في حور،أي في نقص و خسران.

و العرب تقول:طحنتنا الطّاحنة،فما أحارت شيئا، معناه:لم يتبيّن لها أثر عمل.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(2:193)

في حديث عبادة أنّه قال:«يوشك أن ترى الرّجل من ثبج المسلمين قرأ القرآن على لسان محمّد،فأعاده و أبداه،لا يحور فيكم إلاّ كما يحور صاحب الحمار الميّت».

و قوله:لا يحور فيكم،معناه لا يرجع فيكم بخير،و لا ينتفع بما حفظه من القرآن،كما لا ينتفع بالحمار الميّت صاحبه.

يقال:حار الشّيء يحور بمعنى رجع.[ثمّ استشهد بشعر]

و أكثر ما يراد بالحور:الرّجوع إلى النّقص،و منه قولهم:نعوذ باللّه من الحور بعد الكور،أي النّقص بعد التّمام،و يقال:إنّه مأخوذ من كور العمامة و حورها.

يقال:كار الرّجل عمامته،إذا لوّاها على رأسه،و حارها، إذا نقضها.

ص: 217

و قال بعض السّلف:لو عيّرت رجلا بالرّضع لخشيت أن يحور بي داؤه،أي يكون عليّ مرجعه.

(2:306)

الجوهريّ: حار يحور حورا و حئورا:رجع.يقال:

حار بعد ما كار.

و«نعوذ باللّه من الحور بعد الكور»،أي من النّقصان بعد الزّيادة.و كذلك الحور بالضّمّ.

و في المثل:«حور في محارة»أي نقصان في نقصان.

يضرب مثلا للرّجل،إذا كان أمره يدبر.

و الحور أيضا:الاسم من قولك:طحنت الطّاحنة فما أحارت شيئا،أي ما ردّت شيئا من الدّقيق.

و الحور أيضا:الهلكة.

و فلان حائر بائر،هذا قد يكون من الهلاك،و من الكساد.

و المحارة:الصّدفة،أو نحوها من العظم.

و محارة الحنك:فويق موضع تحنيك البيطار.

و المحارة:مرجع الكفّ.و المحار:المرجع.

و الحور:جلود حمر يغشّى بها السّلال،الواحدة:

حورة.

و الحور أيضا:شدّة بياض العين في شدّة سوادها.

يقال:امرأة حوراء بيّنة الحور.

و يقال:احورّت عينه احورارا.

و احورّ الشّيء:ابيضّ.

و إنّما قيل للنّساء:حور العيون،لأنّهنّ شبّهن بالظّباء و البقر.

و قيل لأصحاب عيسى عليه السّلام:الحواريّون،لأنّهم كانوا قصّارين.و يقال:الحواريّ:النّاصر.

و قيل للنّساء:الحواريّات،لبياضهنّ.

و الأحور:كوكب،و هو المشتري.

و الأحوريّ:الأبيض النّاعم.

و الحوّارى،بالضّمّ و تشديد الواو و الرّاء مفتوحة:ما حوّر من الطّعام،أي بيّض،و هذا دقيق حوّارى.

و حوّرته فاحورّ،أي بيّضته فابيضّ.

و الجفنة المحوّرة:المبيضّة بالسّنام.

و يقال:حوّر عين بعيرك،أي حجّر حولها بكيّ.

و حوّر الخبزة،إذا هيّأها و أدارها ليضعها في الملّة.

و المحور:عود الخبّاز.و المحور:العود الّذي تدور عليه البكرة،و ربّما كان من حديد.

و الحوار:ولد النّاقة.و لا يزال حوارا حتّى يفصل، فإذا فصل عن أمّه فهو فصيل.

و ثلاثة أحورة،و الكثير:حيران و حوران أيضا.

و حوران بالفتح:موضع بالشّام.

و المحاورة:المجاوبة.و التّحاور:التّجاوب.

و يقال:كلّمته فما أحار إليّ جوابا،و ما رجع إليّ حويرا و لا حويرة،و لا محورة،و لا حوارا،أي ما ردّ جوابا.

و استحاره،أي استنطقه.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](2:638)

ابن فارس: الحاء و الواو و الرّاء ثلاثة أصول:

أحدها لون.و الآخر الرّجوع.و الثّالث أن يدور الشّيء دورا.

فأمّا الأوّل:فالحور:شدّة بياض العين في شدّة

ص: 218

سوادها و يقال:حوّرت الثّياب،أي بيّضتها.

و يقال لأصحاب عيسى عليه السّلام:الحواريّون،لأنّهم كانوا يحوّرون الثّياب،أي يبيّضونها.هذا هو الأصل،ثمّ قيل لكلّ ناصر:حواريّ...

و الحواريّات:النّساء البيض.

و الحوّارى من الطّعام:ما حوّر،أي بيّض.و احورّ الشّيء:ابيضّ احورارا.

و بعض العرب يسمّي النّجم الّذي يقال له المشتري:

الأحور.

و يمكن أن يحمل على هذا الأصل الحور؛و هو ما دبغ من الجلود بغير القرظ و يكون ليّنا،و لعلّ ثمّ أيضا لونا.

و أمّا الرّجوع:فيقال:حار،إذا رجع.قال اللّه تعالى:

إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ* بَلى الانشقاق:14،15.

و العرب تقول:«الباطل في حور»و نقص.و كلّ نقص و رجوع حور.

و الحور:مصدر حار حورا:رجع.و يقال:«نعوذ باللّه من الحور بعد الكور»و هو النّقصان بعد الزّيادة.

و يقال:«حار بعد ما كار».و تقول:كلّمته فما رجع إليّ حوارا و حوارا و محورة و حويرا.

و الأصل الثّالث:المحور:الخشبة الّتي تدور فيها المحالة.و يقال:حوّرت الخبزة تحويرا،إذا هيّأتها و أدرتها لتضعها في الملّة.و ممّا شذّ عن الباب حوار النّاقة، و هو ولدها.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:115)

أبو سهل الهرويّ: و الحوار بالضّمّ:ولد النّاقة حين تضعه أمّه إلى أن ينفصل عن أمّه فحينئذ يقال له:فصيل.

و الرّجل حسن الحوار بالكسر،تريد المحاورة، و هي مراجعة الكلام و المجاوبة.

(التّلويح في شرح الفصيح:67)

ابن سيده: حار إلى الشّيء،و عنه،يحور حورا و محارة و حئورا:رجع عنه و إليه.

و كلّ شيء تغيّر من حال الى حال فقد حار حورا.

و حارت الغصّة:انحدرت كأنّها رجعت من مواضعها،و أحارها صاحبها.

و الحور:النّقصان بعد الزّيادة،لأنّه رجوع من حال إلى حال.و في الحديث:«نعوذ باللّه من الحور بعد الكور» معناه النّقصان بعد الزّيادة.و حور في محارة،أي نقصان في نقصان،و رجوع في رجوع.

و الباطل في حور،أي في نقص و رجوع.

و كلّ ذلك من النّقصان و الرّجوع.

و الحور:ما تحت الكور من العمامة؛لأنّه رجوع عن تكويرها.

و كلّمته فما رجع إليّ حوارا و حوارا و محاورة و حويرا و محورة،أي جوابا.

و أحار عليه جوابه:ردّه.

و هم يتحاورون،أي يتراجعون الكلام.

و المحاورة:مراجعة المنطق،و قد حاوره.

و المحورة من المحاورة،مصدر كالمشورة من المشاورة.

و ما جاءتني عنه محورة،أي ما رجع إليّ عنه خبر.

و إنّه لضعيف الحوار،أي المحاورة.

و الحور:أن يشتدّ بياض بياض العين و سواد سوادها،و تستدير حدقتها و يبيضّ ما حواليها.و قيل:

ص: 219

الحور شدّة سواد المقلة في شدّة بياض الجسد،و لا تكون الأدماء حوراء.و قيل:الحور أن تسوّد العين كلّها مثل الظّباء و البقر،و ليس في بني آدم حور،و إنّما قيل للنّساء:

حور العيون،لأنّهنّ شبّهن بالظّباء و البقر.

و قد حور حورا و احورّ،و هو أحور،و امرأة حوراء، و عين حوراء،و الجمع:حور.

فأمّا قوله:

*عيناء حوراء من العين الحير*

فعلى الاتباع لعين،و الحوراء:البيضاء،لا يقصد بذلك حور عينيها.و الأعراب تسمّي نساء الأمصار:

حواريّات،لبياضهنّ و تباعدهنّ عن قشف الأعرابيّات بنظافتهنّ.

و التّحوير:التّبييض.[ثمّ ذكر الحواريّين و قال:]

و الاحورار:الابيضاض.

و قصعة محوّرة:مبيضّة بالسّنام.

و الحور:خشبة يقال لها البيضاء.

و الحوّارى:الدّقيق الأبيض،و هو لباب الدّقيق و أجوده و أخلصه،و قد حوّر الدّقيق.

و الأحوريّ:الأبيض النّاعم من أهل القرى.

و الحور:البقر لبياضها،و جمعه:أحوار.

و الحور:الجلود البيض الرّقاق،تعمل منها الأسفاط، و قيل:السّلفة،و قيل:الحور:الأديم المصبوغ بحمرة.

و خفّ محوّر:بطانته بحور.

و الحوار و الحوار-الأخيرة رديئة عند«يعقوب»- ولد النّاقة من حين يوضع إلى أن يعظم.و قيل:هو حوار ساعة تضعه أمّه خاصّة.و الجمع:أحورة و حيران فيهما؛ قال«سيبويه»:وفّقوا بين«فعال»و«فعال»،كما وفّقوا بين«فعال»و«فعيل»،قال:و قد قالوا حوران،و له نظير، سمعنا العرب تقول:زقاق و زقاق.

و الأنثى بالهاء،عن«ابن الأعرابيّ».

و قال بعض العرب:اللّهمّ أحر رباعنا،أي اجعل رباعنا حيرانا.

و المحور:الهنة الّتي يدور فيها لسان الإبزيم في طرف المنطقة و غيرها.

و المحور:الخشبة الّتي يبسط بها العجين.

و حوّر الخبزة:هيّأها و أدارها ليضعها في الملّة.

و حوّر عين الدّابّة:حجّر حولها،و ذلك من داء يصيبها.

و حوّر عين البعير،إذا أدار حولها ميسما.

و إنّه لذو حوير،أي عداوة و مضادّة،عن«كراع».

و بعض العرب يسمّي النّجم الّذي يقال له:

المشتري:الأحور.

و الحور:أحد النّجوم الثّلاثة الّتي تتبع بنات نعش، و قيل:هو الثّالث من بنات نعش الكبرى،اللاّصق بالنّعش.

و الحارة:الخطّ و النّاحية.

و المحارة:الصّدفة،و الجمع:محاور و محار.

و المحارة:باطن الحنك.و المحارة:منسم البعير- كلاهما عن«أبي العميثل الأعرابيّ».

و الحور،بفتح الواو-عن«كراع»:نبت،و لم يحلّه.

و ما أصبت منه حورا و حورورا،أي شيئا.

و حوران:موضع.

ص: 220

و حوّارون:مدينة بالشّام.

و حوريت:موضع،قال«ابن جنّيّ»:دخلت على «أبي عليّ»رحمه اللّه،فحين رآني قال:أين أنت؟أنا أطلبك.

قلت:و ما هو؟قال:ما تقول في حوريت؟فخضنا فيه، فرأيناه خارجا عن الكتاب.و صانع«أبو عليّ»عنه فقال:

ليس من لغة ابني نزار،فأقلّ الحفل به لذلك.قال:و أقرب ما ينسب إليه أن يكون«فعليتا»،لقربه من«فعليت»، و فعليت موجود.[و استشهد بالشّعر 13 مرّة](3:501)

الطّوسيّ: و الحور:جمع حوراء و الحور:نقاء البياض من كلّ شائب يجري مجرى الوسخ.(9:493)

الرّاغب: الحور:التّردّد إمّا بالذّات و إمّا بالفكر، و قوله عزّ و جلّ: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ الانشقاق:14، أي لن يبعث...

و حار الماء في الغدير:تردّد فيه،و حار في أمره:تحيّر، و منه المحور،للعود الّذي تجري عليه البكرة لتردّده.

و بهذا النّظر قيل:سير السّواني أبدا لا ينقطع.

و محارة الأذن لظاهره المنقعر،تشبيها بمحارة الماء، لتردّد الهواء بالصّوت فيه،كتردّد الماء في المحارة.

و القوم في حوار:في تردّد إلى نقصان.و قوله:نعوذ باللّه من الحور بعد الكور،أي من التّردّد في الأمر بعد المضيّ فيه، أو من نقصان و تردّد في الحال بعد الزّيادة فيها،و قيل:

حار بعد ما كان.

و المحاورة و الحوار:المرادّة في الكلام،و منه التّحاور،قال اللّه تعالى: وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما المجادلة:1،و كلّمته فما رجع إليّ حوار أو حوير أو محورة و ما يعيش بأحور،أي بعقل يحور إليه،و قوله تعالى:

حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ الرّحمن:72، وَ حُورٌ عِينٌ الواقعة:22،جمع:أحور و حوراء،و الحور:قيل:

ظهور قليل من البياض في العين من بين السّواد، و احورّت عينه:و ذلك نهاية الحسن من العين،و قيل:

حوّرت الشّيء:بيّضته و دوّرته،و منه الخبز الحوّار.[ثمّ ذكر الحواريّون](134)

الزّمخشريّ: «كوى اسعد بن زرارة على عاتقه حوراء»الحوراء:كيّة مدوّرة،من حار يحور،إذا رجع.

و حوّره،إذا كوّاه هذه الكيّة.

و حوّر عين دابّته و حجّرها،إذا وسم حولها بميسم مستدير.و عنه صلّى اللّه عليه و آله:إنّه لمّا أخبر بقتل أبي جهل قال:«إنّ عهدي به في ركبته حوراء،فانظروا ذلك»،فنظروا فرأوه.

(الفائق 1:332)

في عينها حور،و احورّت عينها...

و جفنة محورّة:مبيضّة بالسّديف.

و امرأة حواريّة،و نساء حواريّات:بيض.

و«أعوذ باللّه من الحور بعد الكور»،و الباطل في حور؛و هما النّقصان،كالهون و الهون،و الضّعف و الضّعف.

و حاورته:راجعته الكلام،و هو حسن الحوار، و كلّمته فما ردّ عليّ محورة،و ما أحار جوابا،أي ما رجع.

و أحار البعير بحرّته.

و حوّر القرص:دوّره بالمحور.و نزلنا في حارة بني فلان؛و هي مستدار من فضاء.و بالطّائف حارات:منها حارة بني عوف،و حارة الصّقلة.

و من المجاز:قلقت محاوره،إذا اضطربت أحواله، استعير من حال محور البكرة،إذا املاسّ و اتّسع الخرق

ص: 221

فقلق و اضطرب.

و ما يعيش فلان بأحور،أي بعقل صاف كالطّرف الأحور النّاصع البياض و السّواد.[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](أساس البلاغة:98)

المدينيّ: قيل:الحوراء:الشّديدة بياض البياض في شدّة سواد السّواد.

و قيل:هو أن يكون البياض محدقا بالسّواد.

و في الحديث:«و الكبش الحوريّ».

قال القتبيّ: أراه منسوبا إلى الحور،و هي جلود حمر تتّخذ من جلود المعز و بعض جلود الضّأن.[ثمّ استشهد بشعر]

الحور:جلد رقيق،يتّخذ منه الأسفاط.و الأديم:

شدّة الحمرة أيضا.

في حديث سطيح:«فما أحار»من قولهم:حار:إذا رجع،و أحاره:رجعه و ردّه.(1:522)

ابن الأثير: فيه«الزّبير ابن عمّتي و حواريّ من أمّتي»أي خاصّتي من أصحابي و ناصري.

و منه الحديث:«من دعا رجلا بالكفر و ليس كذلك حار عليه»،أي رجع عليه ما نسب إليه.

و منه حديث عائشة:«فغسلتها،ثمّ أجففتها،ثمّ أحرتها إليه».

و منه حديث بعض السّلف:«لو عيّرت رجلا بالرّضع لخشيت أن يحور بي داؤه»،أي يكون عليّ مرجعه.

و في كتابه لوفد همدان:«لهم من الصّدقة الثّلب، و النّاب،و الفصيل،و الفارض و الكبش الحوريّ» الحوريّ منسوب إلى الحور و هي جلود تتّخذ من جلود الضّأن.و قيل:هو ما دبغ من الجلود بغير القرظ،و هو أحد ما جاء على أصله،و لم يعلّ كما أعلّ«ناب».

[قد تركنا كثيرا من كلامه حذرا من التّكرار]

(1:457)

الفيّوميّ: الحارة:المحلّة تتّصل منازلها،و الجمع:

حارات.و المحارة بفتح الميم:محمل الحاجّ،و تسمّى الصّدفة أيضا.و حورت العين حورا من باب«تعب»:

اشتدّ بياض بياضها و سواد سوادها.و يقال:الحور:

اسوداد المقلة كلّها كعيون الظّباء،قالوا:و ليس في الإنسان حور،و إنّما قيل ذلك في النّساء على التّشبيه.و في «مختصر العين»و لا يقال للمرأة:حوراء إلاّ للبيضاء مع حورها.و حوّرت الثّياب تحويرا:بيّضتها.و قيل لأصحاب عيسى عليه السّلام:حواريّون،لأنّهم كانوا يحوّرون الثّياب،أي يبيّضونها.و قيل:الحواريّ:النّاصر،و قيل غير ذلك.و احورّ الشّيء:ابيضّ وزنا و معنى.و حار، حورا من باب«قال»:نقص.

و حاورته:راجعته الكلام،و تحاورا.و أحار الرّجل الجواب بالألف:ردّه،و ما أحاره:ما ردّه.(1:155)

الفيروزآباديّ: الحور:الرّجوع كالمحار و المحارة و الحئور،و النّقصان،و ما تحت الكور من العمامة،و التّحيّر و القعر و العمق و هو بعيد الحور،أي عاقل.و بالضّمّ:

الهلاك،و النّقص،و جمع أحور و حوراء.و بالتّحريك:أن يشتدّ بياض بياض العين و سواد سوادها،و تستدير حدقتها و ترقّ جفونها،و يبيضّ ما حواليها،أو شدّة بياضها و سوادها في بياض الجسد،أو اسوداد العين كلّها

ص: 222

مثل الظّباء،و لا يكون في بني آدم بل يستعار لها،و قد حور ك«فرح»و احورّ،و جلود حمر يغشّى بها السّلال، جمعه:حوران،و منه الكبش الحوريّ،و خشبة يقال لها:

البيضاء،و الكوكب الثّالث من بنات نعش الصّغرى «و شرح في:ق و د»،و الأديم المصبوغ بحمرة.و خفّ محوّر بطانته منه،و البقر؛جمعه:أحوار،و نبت،و شيء يتّخذ من الرّصاص المحرق تطلي به المرأة وجهها.

و الاحور:كوكب أو هو المشتري،و العقل،و موضع باليمن.

و الأحوريّ: الأبيض النّاعم.و الحواريّات:نساء الأمصار و الحواريّ:النّاصر أو ناصر الأنبياء،و القصّار، و الحميم.و بضمّ الحاء و شدّ الواو و فتح الرّاء:الدّقيق الأبيض؛و هو لباب الدّقيق،و كلّ ما حوّر،أي بيّض من طعام.و حوّارون بفتح الحاء مشدّدة الواو:بلد.

و الحوراء:الكيّة المدوّرة،و موضع قرب المدينة؛و هو مرفأ سفن مصر،و ماء لبنى نبهان.و أبو الحوراء:راوي حديث القنوت.فرد و المحارة:المكان الّذي يحور أو يحار فيه،و جوف الأذن،و مرجع الكتف،و الصّدفة و نحوها من العظم،و شبه الهودج،و ما بين النّسر إلى السّنبك،و الخطّ و النّاحية.

و الاحورار:الابيضاض،و أحمد ابن أبي الحوارى كسكارى،و كسمّانى أبو القسم الحوّارى الزّاهدان:

معروف.و الحوار بالضّمّ و قد يكسر:ولد النّاقة ساعة تضعه أو إلى أن يفصل عن أمّه،جمعه:أحورة و حيران و حوران.

و المحاورة و المحورة و المحورة:الجواب كالحوير و الحوار و يكسر،و الحيرة و الحويرة،و مراجعة النّطق.

و تحاوروا:تراجعوا الكلام بينهم.

و المحور كمنبر:الحديدة الّتي تجمع بين الخطّاف و البكرة،و خشبة تجمع المحالة وهنة يدور فيها لسان الإبزيم في طرف المنطقة و غيرها،و المكواة،و خشبة يبسط بها العجين.

و حوّر الخبزة هيّأها و أدارها ليضعها في الملّة،و عين البعير:أدار حولها ميسما.و الحوير:العداوة و المضارّة، و ما أصبت حورا و حورورا:شيئا.و حوريت:موضع.

و الحائر:المهزول و الرّدك،و موضع فيه مشهد الحسين.و الحائرة:الشّاة و المرأة لا تشبّان أبدا،و ما هو إلاّ حائرة من الحوائر،أي لا خير فيه.و ما يحور و ما يبور:

ما ينمو و ما يزكو.

و حورة:بلدة بين الرّقّة و بالس،منها صالح الحوريّ و واد بالقبليّة.و حوريّ:بلدة من دجيل و موضع ببادية السّماوة.

و الحوران:جلد الفيل.

و حور في محارة بالضّمّ و الفتح نقصان في نقصان، مثل لمن هو في إدبار،أو لمن لا يصلح،أو لمن كان صالحا ففسد،و حور بن خارجة بالضّمّ من طيّئ.

و طحنت فما أحارت شيئا،أي ما ردّت شيئا من الدّقيق،و الاسم منه:الحور أيضا.و قلقت محاوره:

اضطرب أمره،و عقرب الحيران:عقرب الشّتاء؛لأنّها تضرّ بالحوار.و الحورورة:المرأة البيضاء.و أحارت النّاقة:صارت ذات حوار،و ما أحار جوابا:ما ردّ.

و حوّره تحويرا:رجعه.و اللّه فلانا:خيّبه.و احورّ

ص: 223

احورارا:ابيضّ،و عينه:صارت حوراء،و الجفنة المحورّة:المبيضّة بالسّنام.و استحاره:استنطقه.و قاع المستحيرة:بلدة و التّحاور:التّجاوب،و إنّه في حور و بور بضمّهما:في غير صنعة و لا إتاوة،أو في ضلال:و حرت الثّوب:غسلته و بيّضته.(2:15)

الطّريحيّ: و التّحاور:التّجاوب.و المحاورة:

المجاوبة،يقال:تحاور الرّجلان،إذا ردّ كلّ منهما على صاحبه.و منه ناظرته و حاورته.

و في الحديث«دع محاورات من لا عقل له»،أي دع الخوض معه في الكلام.

و في حديث تكبيرات الافتتاح«فلم يحر للحسين عليه السّلام» بالحاء و الرّاء المهملتين،أي لم يردّ جوابا،يقال:كلّمته فما أحار جوابا.[و قد كرّر كثيرا ممّا في كلام غيره]

(3:278)

العدنانيّ: الحور لا الحور و يسمّون الجلود البيض الرّقاق المصنوعة من جلود الضّأن:حورا.

و قد أجمعت المعاجم على أنّ الاسم الصّحيح هو الحور،و قد ذكر الصّحاح و اللّسان أنّ الحور:جلود حمر تغشّى بها السّلال،و الواحدة:حورة.

و قال معجم مقاييس اللّغة:«الحور؛هو ما دبغ من الجلود بغير القرظ،و يكون ليّنا».

و القرظ:شجر عظام يستخرج منها صمغ مشهور.

و جاء في«النّهاية»:و في كتابه لوفد همدان«لهم من الصّدقة:الثّلب،و النّاب،و الفصيل،و الفارض،و الكبش الحوريّ».الحوريّ منسوب إلى الحور،و هي جلود تتّخذ من جلود الضّأن.

و ذكر«اللّسان»أنّ جمع الحور هو:أحوار:جمع الجمع.

و للحور معان أخرى،هي:

1-شدّة بياض بياض العين مع شدّة سواد سوادها.

و جاء في«مختصر العين»:لا يقال للمرأة:حوراء إلاّ للبيضاء مع حورها.

2-النّجم الثّالث من الذّيل في بنات نعش الكبرى.

و في«القاموس»:«الصّغرى»،و هو خطأ،اللاّصق بالنّعش.

3-شيء يتّخذ من الرّصاص المحرق تطلي به المرأة وجهها للزّينة،و قد أطلق الشّيخ أحمد رضا مؤلّف«متن اللّغة»،في الجدول رقم:9،كلمة الحور على ما يسمّى اليوم«بالبودرة».و أسماها«المعجم الوسيط»«بدرة»، و قال:إنّها من الدّخيل،و عسى أن تدلي مجامعنا برأيها الموفّق.

4-البقر.

5-ما أصبت حورا أو حورا،أي شيئا.

6-الحور هو شجر الدّلب،و يسمّونه في سورية خطأ:

الحور.و قد أخطأ أحمد شوقي حين قال في قصيدته الّتي رثى بها فوزي الغزّي:

بردى وراء ضفافه مستعبر

و الحور محلول الضّفائر مطرق

قال الأصمعيّ:لا أدري ما الحور في العين.و قال المبرّد:و الّذي عليه العرب إنّما هو نقاء البياض،فعند ذلك يتّضح السّواد.

و من معاني الحور:

ص: 224

1-مصدر:حار يحور حورا،و حئورا،و محارا، و محارة:رجع.قال تعالى في الآية:14،من سورة الانشقاق: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ.

2-القعر و العمق.و منه قولهم للعاقل:هو بعيد الحور «مجاز».

3-النّقصان.

4-التّحيّر.

5-هو حور في محارة:لا يصلح«مجاز»،أو كان صالحا ففسد.

6-غسل الثّوب و تبييضه.

حوران لا حوران

الكورة الواسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة، ذات القرى الكثيرة و المزارع و الحرار،يطلقون عليها اسم:حوران،و الصّواب:حوران كما يقول الصّحاح، و معجم البلدان،و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و أقرب الموارد.[ثمّ ذكر أشعارا]

و حوران أيضا:ماء بنجد،و موضع ببادية السّماوة.

أمّا الحوران؛فهو جلد الفيل.

و من معاني الحوران:

أ-جمع الحور،و هي الجلود الرّقيقة الّتي تغشّى بها السّلال.

ب-جمع الحوار؛و هو ولد النّاقة.(175)

غيّر الكلام لا حوّره:و يقولون:حوّر فلان الكلام.

و الصّواب:غيّر الكلام أو بدّله،لأنّ من معاني الفعل حوّر:

حوّر اللّه فلانا:خيّبه و رجعه إلى النّقص.

حوّر الخبزة:هيّأها،و أدارها بالمحور:الخشبة الّتي يبسط بها العجين،ليضعها في الملّة:الرّماد الحار.

حوّر الشّيء:بيّضه.

حوّر العجين:مسح وجهه بالماء حتّى صفا.

حوّر الخفّ:جعل له بطانة من الحور:جلود تتّخذ من جلود الضّأن،و تطلق عليها العامّة اسم:حور.

أمّا قول«المعجم الوسيط»:حوّر فلان الكلام:غيّره «مولّد»،فإنّني لا أصوّبه،لأنّ المعجم لم يذكر أنّ مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة وافق على استعمال«حوّر»بهذا المعنى.

الحارات:

و يجمعون الحارة على:حواريّ،و الصّواب:حارات؛ لأنّه لم يسمع ل(الحارة)جمع مكسّر.و تقول:هو حواريّ فلان:خاصّته من أصحابه و ناصره.

الحواريّ: مبيّض الثّياب،صفوة الأنبياء الّذي أخلص و اختير و نقّي من كلّ عيب.

(معجم الأخطاء الشّائعة:72)

المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الخروج عن الجريان الخارجيّ،و الرّجوع عن حاله إلى غيرها،صلاحا أو فسادا،في أمر مادّيّ ظاهريّ و معنويّ باطنيّ.و المناط هو الجريان على خلاف الحالة السّابقة،و بلحاظ هذا القيد تطلق على تبييض الثّوب، و تنظيفها عن الدّنس و الكدر.و كذلك تستعمل في مقام ردّ اعتراض المتكلّم و إرجاع منطقه،و بيانه عن مسيره عليه بإبطال حجّته و نقض استدلاله،و ردّ النّفوذ و الجريان في كلامه.

ص: 225

فإطلاقها بمعنى الدّوران ملحوظ بهذا القيد،و هو الخروج عن الحالة السّابقة الثّابتة و باعتبارها،لا الدّوران من حيث هو و في نفسه.

و هذا القيد منظور في الحواريّ أيضا،فإنّهم خالفوا قومهم و أعرضوا عمّا هم فيه،و خرجوا عن مسير دينهم و مذهبهم السّابق بالإيمان،و الاتّباع عن دين جديد و نبيّ مبعوث إلهيّ،فرجعوا عن العداوة إلى الولاية.

و أمّا الحور:فكأنّهنّ قد خرجن عن مسيرهنّ و هنّ من عالم الملائكة،و صرن بأمر اللّه و إرادته تعالى على صورة إنسان لطيف ظريف،ذا لون جالب و شكل حسن و هيئة كريمة،مجانسا و قابلا لمعاشرة إنسان.

فظهر أنّ الحور ليس بمعنى الرّجوع المطلق،و لا التّبييض،و لا الدّوران المطلق،و لا النّصر،و ليس مخصوصا بالعين و لا بالثّياب.

و أمّا صيغة حور،فهو«فعل»جمع:فعلاء،كأسود و سوداء جمعها:سود.و أمّا الحواريّ؛فهو منسوب إلى الحوار.

و بهذا التّحقيق يظهر لطف التّعبير،و لطائف البيان في موارد استعمال هذه المادّة في القرآن الكريم.[ثمّ ذكر الآيات](2:335)

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ. الانشقاق:14

ابن عبّاس: يعني أن لن يرجع إلى ربّه في الآخرة، و هو بلسان الحبشة يحور:يرجع.(506)

نحوه مجاهد و سفيان(الطّبريّ 30:118)،و عكرمة (القرطبيّ 19:271)،و أبو عبيدة(2:291)،و البيضاويّ (2:548).

يقول:يبعث.(الطّبريّ 30:118)

نحوه قتادة(الطّبريّ 30:118)،و مقاتل(4:639).

عكرمة :أ لم تسمع الحبشيّ إذا قيل له:حر إلى أهلك،أي اذهب.(السّيوطيّ 6:330)

قتادة :أن لن ينقلب،يقول:أن لن يبعث.

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 30:118)

أن لا معاد له و لا رجعة.(الطّبريّ 30:118)

الفرّاء: أن لن يعود إلينا إلى الآخرة.(3:251)

ابن قتيبة :أي لن يرجع و يبعث.(521)

نحوه القشيريّ(6:275)،و البغويّ(5:229)، و الخازن(7:187).

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّ هذا الّذي أوتي كتابه وراء ظهره يوم القيامة،ظنّ في الدّنيا أن لن يرجع إلينا، و لن يبعث بعد مماته،فلم يكن يبالي ما ركب من المآثم، لأنّه لم يكن يرجو ثوابا،و لم يكن يخشى عقابا،يقال منه:

«حار فلان عن هذا الأمر»،إذا رجع عنه.(30:118)

الزّجّاج: هذه صفة الكافر،ظنّ أن لن يحور بأن لن يبعث.(5:305)

نحوه ابن الجوزيّ.(9:65)

القمّيّ: يقول:ظنّ أن لن يرجع بعد ما يموت.

(2:412)

مثله الكاشانيّ(5:305)،و شبّر(6:385).

السّجستانيّ: لن يرجع،أي لن يبعث.(215)

ص: 226

نحوه الواحديّ.(4:454)

الماورديّ: أي لن يرجع حيّا مبعوثا فيحاسب،ثمّ يثاب أو يعاقب.(6:236)

نحوه القرطبيّ.(19:271)

الطّوسيّ: أي لن يبعثه اللّه للجزاء،و لا يرجع حيّا بعد أن يصير ميّتا...[إلى أن قال:]و المعنى أنّه ظنّ أن لن يرجع إلى حال الحياة في الآخرة،فلذلك كان يرتكب المآثم.و ينتهك المحارم.فقال اللّه ردّا عليه:ليس الأمر على ما ظنّه،بلى إنّه يرجع حيّا و يجازى على أفعاله.

(10:311)

نحوه الميبديّ(10:429)،و الطّبرسيّ(5:461).

الرّاغب: أي لن يبعث،و ذلك نحو قوله: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ التّغابن:

7.(134)

الزّمخشريّ: لن يرجع إلى اللّه تعالى تكذيبا بالمعاد، يقال:لا يحور و لا يحول،أي لا يرجع و لا يتغيّر...

و عن ابن عبّاس:ما كنت أدري ما معنى(يحور)حتّى سمعت أعرابيّة تقول لبنيّة لها:حوري،أي ارجعي.

(4:235)

نحوه الشّربينيّ(4:508)،و البروسويّ(10:

379)،و مغنيّة(7:541)،و النّسفيّ(4:343)،و ابن جزيّ(4:187)،و أبو حيّان(8:447).

ابن عطيّة: لن يرجع إلى اللّه مبعوثا محشورا.

(5:458)

نحوه الثّعالبيّ.(3:460)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ الحور:هو الرّجوع، و المحار:المرجع و المصير.

و نقل القفّال عن بعضهم:أنّ الحور هو الرّجوع إلى خلاف ما كان عليه المرء،كما قالوا:«نعوذ باللّه من الحور بعد الكور».فعلى الوجه الأوّل معنى الآية:إنّه ظنّ أن لن يرجع إلى الآخرة،أي لن يبعث.و على الوجه الثّاني:إنّه ظنّ أن لن يرجع إلى خلاف ما هو عليه في الدّنيا من السّرور و التّنعّم.(31:107)

و نحوه النّيسابوريّ.(30:58)

أبو السّعود :تعليل لسروره في الدّنيا،أي يظنّ أن لن يرجع إلى اللّه تكذيبا للمعاد.و(ان)مخفّفة من«أنّ» سادّة مع ما في حيّزها مسدّ مفعولي الظّنّ،أو أحدهما على الخلاف المعروف.(6:402)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ قال:]و قيل:ظنّ أن لن يرجع إلى العدم،أي ظنّ أنّه لا يموت،و كان غافلا عن الموت غير مستعدّ له.و ليس بشيء و الحور:الرّجوع مطلقا.(30:81)

القاسميّ: أي لن يرجع إلى ربّه،أو إلى الحياة بالبعث،لاعتقاده أنّه يحيى و يموت و لا يهلكه إلاّ الدّهر.

فلم يك يرجو ثوابا،و لا يخشى عقابا،و لا يبالي ما ركب من المآثم على خلاف ما قيل عن المؤمنين.

(17:6109)

المراغيّ: أي إنّه ظنّ أن لن يرجع إلى ربّه،و أنّه لن يبعث الخلق لحسابهم على ما قدّموا،و لو علم أنّ اللّه سيبدّل سروره همّا،و فرحه حزنا و غمّا،لأقلع عمّا هو فيه،و لترك هذا السّرور العاجل السّريع الفناء،و طلب من السّرور ما يبقى ما بقيت الجنّة الّتي لا يفنى نعيمها،و لا

ص: 227

يزول سرور أهلها.

و في الآية إيماء إلى أنّ المسخّرين لشهواتهم، السّاعين وراء لذّاتهم ليسوا بظانّين فضلا عن أن يكونوا مستيقنين،بأنّهم يرجعون إلى ربّهم ليحاسبهم،بل الرّاجح عندهم أنّهم لا يحاسبون.و أنّ اللّه مخلف وعده، و هذا هو الّذي ينسيهم ذكره عند كلّ جرم يجرمونه،فهم و إن كانوا يزعمون الإيمان باللّه و بوعده و وعيده،فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.(30:92)

الطّباطبائيّ: أي لن يرجع،و المراد الرّجوع إلى ربّه للحساب و الجزاء،و لا سبب يوجبه عليهم إلاّ التّوغّل في الذّنوب و الآثام الصّادفة عن الآخرة الدّاعية إلى استبعاد البعث.(20:243)

عبد الكريم الخطيب :أي أنّ هذا الضّالّ ظنّ أن لن يرجع إلى اللّه،و أن يبعث بعد الموت،و يحاسب على ما كان منه.

و حار يحور:أي رجع إلى المكان الّذي بدأ منه مسيرته،في حركة دائريّة تصحبه فيها الحيرة و القلق و الاضطراب...و هكذا مسيرة الإنسان في الحياة،يتحرّك فيها على طريق دائريّ،ينتهي من حيث بدأ،و يبدأ من حيث انتهى.(15:1505)

المصطفويّ: أي كان الّذي أوتي كتابه وراء ظهره يظنّ أنّ حالته و جريان أمره في الدّنيا المادّيّة ستدوم و لا تتغيّر،اعتمادا و اطمئنانا على الدّنيا و حياتها و شهواتها الزّائلة.(2:336)

مكارم الشّيرازيّ: اعتقاده الفاسد و ظنّه الباطل الدّائر على نفي المعاد مصدر سروره و غروره،و هو ما سيوصله إلى الشّقاء الأبديّ،لأنّه قد ابتعد عن ساحة رضوانه سبحانه و تعالى،بعد أن أوقعته شهواته في هاوية الاستهزاء بدعوة الأنبياء عليهم السّلام الرّبّانيّة،حتّى أوصلته حالته المرضيّة تلك،لأن يستمرّ في استهزائه و سخريّته، حتّى في حال عودته إلى أهله،كما أشارت الآية:31،من سورة المطفّفين: وَ إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ، و كما وردت الإشارة أيضا على لسان علماء بني إسرائيل حينما خاطبوا قارون الثّريّ المغرور الجاهل:

لا تَفْرَحْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ القصص:76.[إلى أن قال:]

و على أيّة حال،فيقصد من الكلمة في الآية المبحوثة:الرّجوع و المعاد،لإيضاح أنّ عدم الإيمان بالمعاد يؤدّي إلى الوقوع في أتون الغفلة و الغرور و ارتكاب المعاصي.(20:58)

فضل اللّه :أي لن يرجع إلى ربّه للحساب،و لذلك فإنّه لم يجد هناك أيّ موجب للتّوقّف عن الامتداد في الغيّ و الاستغراق في العصيان،لأنّ الحياة لديه نهاية المطاف،فلما ذا يحرم نفسه من لذائذ الحياة و شهواتها؟ و هكذا سار على حساب ظنّه الّذي انطلق من تمنّياته أن لا يكون هناك آخرة،لا من قناعته الفكريّة،كما يحدث للبعض من النّاس الّذين يحوّلون تمنّياتهم إلى قناعات، و لا يعملون على أن يتوقّفوا للتّفكير،و للحوار مع الّذين يحملون القناعات الأخرى المضادّة.(24:154)

يحاور

1- وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ

ص: 228

مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً. الكهف:34

ابن عبّاس: وَ هُوَ يُحاوِرُهُ: يفاخر بالمال.

(247)

أبو عبيدة :أي يكلّمه،و معناه من المحاورة.

(1:403)

الطّبريّ: يقول عزّ و جلّ:فقال هذا الّذي جعلنا له جنّتين من أعناب،لصاحبه الّذي لا مال له و هو يخاطبه.

أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً. (15:246)

نحوه النّحّاس(4:240)،و الخازن(4:172).

الثّعلبيّ: يجاوبه.(7:170)

نحوه الواحديّ.(3:148)

الماورديّ: أي يناظره.و فيما يحاوره فيه وجهان:

أحدهما:في الإيمان و الكفر.

الثّاني:في طلب الدّنيا و طلب الآخرة،فجرى بينهما ما قصّه اللّه تعالى من قولهما...(3:307)

الطّوسيّ: أي يراجعه الكلام.(7:42)

نحوه ابن جزيّ(2:188)،و مغنيّة(5:128).

البغويّ: يخاطبه و يجاوبه.(3:192)

الميبديّ: أي يراجعه في الكلام،مشتقّ من حار، إذا رجع.(5:691)

نحوه الزّمخشريّ(2:12)،و النّيسابوريّ(15:

132)،و أبو السّعود(4:189)،و الكاشانيّ(3:242)، و البروسويّ(5:246).

الطّبرسيّ: أي فقال الكافر لصاحبه المؤمن و هو يخاطبه و يراجعه في الكلام.(3:468)

نحوه الطّباطبائيّ(13:309)،و فضل اللّه(14:

325).

أبو الفتوح الرّازيّ: أي يناظره.(12:343)

ابن الجوزيّ: يراجعه الكلام و يجاوبه.(5:142)

مثله القرطبيّ.(10:403)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّ المسلم كان يحاوره بالوعظ و الدّعاء إلى الإيمان باللّه و بالبعث.(21:125)

نحوه المراغيّ.(15:147)

أبو حيّان : وَ هُوَ يُحاوِرُهُ جملة حاليّة،و الظّاهر أنّ ذا الحال هو القائل،أي يراجعه الكلام في إنكار البعث و في إشراكه باللّه.(6:125)

السّمين: وَ هُوَ يُحاوِرُهُ جملة حاليّة مبنيّة؛إذ لا يلزم من القول المحاورة؛إذ المحاورة:مراجعة الكلام، من حار،أي رجع.

قال تعالى: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ الانشقاق:14، [ثمّ استشهد بشعر].و يجوز أن يكون حالا من الفاعل، أو من المفعول.(4:455)

ابن كثير :أي يجادله و يخاصمه،يفتخر عليه و يترأّس.(4:386)

الشّربينيّ: أي يراجعه الكلام من حار يحور،إذا رجع افتخارا عليه،و تقبيحا لحاله بالنّسبة إليه،و المسلم يحاوره بالوعظ و تقبيح الرّكون إلى الدّنيا.(2:376)

الشّوكانيّ: أي و الكافر يحاور المؤمن،و المعنى:

يراجعه الكلام.(3:359)

الآلوسيّ: أي يحاور صاحبه،فالجملة في موضع الحال من القائل.و المحاورة:مراجعة الكلام،من حار، إذا رجع،أي يراجعه الكلام في إنكاره البعث و إشراكه

ص: 229

باللّه تعالى.و جوّز أن تكون الجملة حالا من صاحبه، فضمير(هو)عائد عليه،و ضمير صاحبه عائد على القائل،أي و الصّاحب المؤمن يراجع بالوعظ و الدّعوة إلى اللّه عزّ و جلّ ذلك الكافر القائل له: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً. (15:275)

القاسميّ: أي يراجعه الكلام،تعبيرا له بالفقر، و فخرا عليه بالمال و الجاه.(11:4058)

2- قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ... الكهف:37 مثل ما قبلها.

تحاور

قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.

المجادلة:1

ابن عبّاس: محاورتكما و مراجعتكما.(460)

نحوه الماورديّ(5:488)،و الطّوسيّ(9:541)، و ابن عطيّة(5:273)،و الثّعالبيّ(3:308)،و الكاشانيّ (5:142).

الطّبريّ: أي يرجع فيه.(28:2)

الواحديّ: تخاطبكما و مراجعتكما الكلام.

(4:259)

نحوه البغويّ(5:38)،و الطّبرسيّ(5:247)، و الخازن(7:36).

الرّاغب: و المحاورة و الحوار:المرادّة في الكلام، و منه التّحاور قال اللّه تعالى: وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما.

(135)

الميبديّ: أي مراجعتكما الكلام؛و التّحاور:

التّجاوب،و هو رجع الكلام و جوابه،أخذ من الحور؛ و هو الرّجوع،يقول:حار بعد ما كار.قوله: وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما ليس هذا تكرارا،لأنّ الأوّل لما حكته من زوجها،و الثّاني لما كان يجري بينها و بين رسول اللّه، و لأنّ الأوّل ماض و الثّاني مستقبل.(10:5)

الزّمخشريّ: و قرئ (تحاورك) .أي تراجعك الكلام.و تحاولك،أي تساؤلك،و هي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصّامت أخي عبادة.(4:69)

نحوه القرطبيّ.(17:272)

الفخر الرّازيّ: و المحاورة:المراجعة في الكلام، من حار الشّيء يحور حورا،أي رجع يرجع رجوعا، و منه«نعوذ باللّه من الحور بعد الكور»،و منه«فما أحار بكلمة»،أي فما أجاب.(29:250)

نحوه النّسفيّ(4:231)،و الصّابونيّ(2:513).

البيضاويّ: تراجعكما الكلام،و هو على تغليب الخطاب.(2:458)

نحوه الشّربيني.(4:220)

النّيسابوريّ: و التّحاور:التّراجع.و في الآية دلالة على أنّ من انقطع رجاؤه عن الخلق كفاه اللّه همّه.

(28:7)

السّمين:قوله: تَشْتَكِي إِلَى اللّهِ يجوز فيه وجهان:أظهرهما أنّه عطف على(تجادلك)فهي صلة أيضا.

الثّاني:أنّها في موضع نصب على الحال،أي تجادلك شاكية حالها إلى اللّه،و كذا الجملة من قوله: وَ اللّهُ يَسْمَعُ

ص: 230

تَحاوُرَكُما، و الحاليّة فيها أبعد.(6:284)

أبو السّعود :أي يعلم تراجعكما الكلام،و صيغة المضارع للدّلالة على استمرار السّمع حسب استمرار التّحاور و تجدّده،و في نظمها في سلك الخطاب تغليبا تشريف لها من جهتين.و الجملة استئناف جار مجرى التّعليل لما قبله،فإنّ إلحاقها في المسألة و مبالغتها في التّضرّع إلى اللّه تعالى،و مدافعته عليه الصّلاة و السّلام إيّاها بجواب منبئ عن التّوقّف و ترقّب الوحي،و علمه تعالى بحالهما من دواعي الإجابة.و قيل:هي حال،و هو بعيد.(6:214)

نحوه البروسويّ.(9:389)

الآلوسيّ: تَحاوُرَكُما على ما هو المعروف فيه من كونه صفة يدرك بها الأصوات غير صفة العلم،أو كونه راجعا إلى صفة العلم،و التّحاور:المرادّة في الكلام، و جوّز أن يراد به الكلام المردّد،و يقال:كلّمته فما رجع إليّ حوارا،و حويرا.و محورة،أي ما ردّ عليّ بشيء.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود](28:3)

القاسميّ: و معنى تَحاوُرَكُما ترجيعكما الكلام في هذه النّازلة،و ذلك أنّ الظّهار كان طلاق الرّجل امرأته في الجاهليّة،فإذا تكلّم به لم يرجع إلى امرأته أبدا.و قد طمعت المشتكية أن يكون غير قاطع علقة النّكاح، و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يبتّ لها فيه الأمر،حتّى ينزل الوحي الّذي يردّ التّنازع إليه.(16:5706)

مكارم الشّيرازيّ: (تحاور)من(حور)على وزن «غور»بمعنى المراجعة في الحديث أو الفكر،و تطلق كلمة المحاورة على بحث بين طرفين.(18:99)

حور

1- كَذلِكَ وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. الدّخان:54

أبو هريرة:لسن من نساء الدّنيا.

(النّيسابوريّ 25:70)

ابن مسعود:إنّ المرأة من الحور العين ليرى مخّ ساقها من وراء اللّحم و العظم،و من تحت سبعين حلّة،كما يرى الشّراب الأحمر في الزّجاجة البيضاء.

(القرطبيّ 16:153)

ابن عبّاس: و الحور:جمع حوراء،و هي البيضاء.

و مثله الضّحّاك.(الآلوسيّ 25:135)

نحوه أبو السّعود(6:54)،و الكاشانيّ(4:410).

مجاهد :و الحور:اللاّتي يحار فيهنّ الطّرف باد مخّ سوقهنّ من وراء ثيابهنّ،و يرى النّاظر وجهه في كبد إحداهنّ كالمرأة،من رقّة الجلد و صفاء اللّون.

(الطّبريّ 25:136)

الحور:النّساء النّقيّات البياض.

(ابن الجوزيّ 7:351)

نحوه البروسويّ.(8:430)

الحسن :هنّ عجائزكم ينشئهنّ اللّه خلقا آخر.(النّيسابوريّ 25:70)

قتادة :بيضاء عيناء.

بيض عين.(الطّبريّ 25:136)

الفرّاء: و في قراءة عبد اللّه: (و امددناهم بعيس عين) و العيساء:البيضاء.و الحوراء كذلك.(3:44)

الحوراء:البيضاء من الإبل.و في الحور العين لغتان:

حور عين،و حير عين.(ابن الجوزيّ 7:351)

ص: 231

أبو عبيدة:الحوراء:الشّديدة بياض بياض العين، الشّديدة سواد سوادها.(ابن الجوزيّ 7:351)

نحوه السّجستانيّ(170)،و الميبديّ(9:106)، و أبو الفتوح الرّازيّ(17:219)،و النّسفيّ(4:132).

الأخفش: و هنّ البيض الوجوه.(الواحديّ 4:93)

الطّبريّ: [نقل القول الأوّل من قولي مجاهد و قال:]

و هذا الّذي قاله مجاهد من أنّ الحور إنّما معناها:أنّه يحار فيها الطّرف،قول لا معنى له في كلام العرب،لأنّ الحور إنّما هو جمع.حوراء كالحمر:جمع حمراء،و السّود:

جمع سوداء،و الحوراء إنّما هي«فعلاء»من الحور،و هو نقاء البياض،كما قيل للنّقيّ البياض من الطّعام:الحوّارى.

(25:136)

الواحديّ: أصل الحور:البياض،و التّحوير:

التّبييض.(الفخر الرّازيّ 27:253)

الزّمخشريّ: و قرأ عكرمة (بحور عين) على الإضافة،و المعنى:بالحور من العين،لأنّ العين إمّا أن تكون حورا أو غير حور،فهؤلاء من الحور العين لا من شهلهنّ مثلا.و في قراءة عبد اللّه (بعيس عين) و العيساء:

البيضاء تعلوها حمرة.(3:507)

نحوه أبو حيّان(8:40)،و السّمين(6:119).

ابن عطيّة: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]قال أبو الفتح:الإضافة هنا تفيد الصّفة.(5:78)

الفخر الرّازيّ: [نقل كلام الواحديّ ثمّ قال:]و قد ذكرنا ذلك في تفسير الحواريّين.و عين حوراء،إذا اشتدّ بياض بياضها و اشتدّ سواد سوادها.و لا تسمّى المرأة حوراء حتّى يكون حور عينيها بياضا في لون الجسد.

و الدّليل على أنّ المراد بالحور في هذه الآية البيض قراءة ابن مسعود (بعيس عين) و العيس:البيض.(27:253)

القرطبيّ: [نحو مجاهد و ابن مسعود و أضاف:]معنى الحور هنا:الحسان الثّاقبات البياض بحسن.(16:153)

الشّربينيّ: (بحور)أي جوار بيض حسان نقيّات الثّياب.(3:590)

الآلوسيّ: [نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]و قيل:

الحوراء:ذات الحور؛و هو سواد المقلة كلّها،كما في الظّباء،فلا يكون في الإنسان إلاّ مجازا...و أكثر الأخبار تدلّ على أنّهنّ لسن نساء الدّنيا.[ثمّ ذكر الأحاديث في مادّة خلقهنّ و أضاف:]و قيل:المراد بهنّ هنا نساء الدّنيا، و هنّ في الجنّة حور عين بالمعنى الّذي سمعت،بل هنّ أجمل من الحور العين،أعني النّساء المخلوقات في الجنّة من زعفران أو غيره.(25:135)

الطّباطبائيّ: و ظاهر كلامه تعالى:أنّ الحور العين غير نساء الدّنيا الدّاخلة في الجنّة.(18:149)

مثله فضل اللّه(20:294)،و نحوه مكارم الشّيرازيّ (16:162).

2- وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. الطّور:20

مثل ما قبلها.

3- حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ. الرّحمن:72

ابن عبّاس: (حور)بيض.(452)

مجاهد(الطّبريّ 27:158)،و الحسن(الطّوسيّ 9:

485)،و هذا المعنى مرويّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام

ص: 232

(الكاشانيّ 5:116)،و الطّبريّ(27:158).

مجاهد :النّساء.

البيض قلوبهم و أنفسهم و أبصارهم.

(الطّبريّ 27:159)

الضّحّاك: الحوراء:العيناء الحسناء.

(الطّبريّ 27:159)

زيد بن عليّ: واحدها:حوراء،و هي الشّديدة بياض العين و الشّديدة سواد سواد العين.(403)

نحوه أبو عبيدة(2:246)،و السّجستانيّ(184)، و القرطبيّ(17:188).

الثّوريّ: سواد في بياض.(الطّبريّ 17:159)

ابن قتيبة :(حور)شديدات البياض،و شديدات سواد المقل،واحدها:حوراء،و منه قيل:حواريّ.

(443)

الطّوسيّ: الحور:البيض الحسان البياض،و منه الدّقيق الحوّارى لشدّة بياضه،و العين الحوراء إذا كانت شديدة بياض البياض،و شديدة سواد السّواد،و بذلك يتمّ حسن العين.(9:484)

نحوه الطّبرسيّ.(5:211)

الميبديّ: لأهل اللّغة في(الحور)قولان:

قال قوم:الحور:البياض،و الحوّارى سمّي لبياضه، و الحواريّون كانوا قصّارين،يبيّضون الثّياب،و خبز محوّر.

و الحواريّات:نساء القرى،لبياض لونهنّ.

و قال قوم:الحور:السّواد.

و جمع المفسّرون بينهما فقالوا:حواريّ،شديدات سواد العين،شديدات بياضها.و قيل:معناه شديدات سواد العين شديدات بياض الوجه.(9:432)

البروسويّ: (حور)بدل من(خيرات)جمع:

حوراء و هي البيضاء.(9:313)

نحوه الآلوسيّ.(27:122)

القاسميّ: الحور:جمع حوراء،و هي البيضاء النّقيّة.

(15:5633)

المراغيّ: أي و هؤلاء الخيرات الحسان واسعات العيون مع صفاء البياض حول السّواد.(27:129)

مكارم الشّيرازيّ: حور:جمع حوراء و أحور، و تطلق على الشّخص الّذي يكون سواد عينه قائما و بياضها ناصعا.و أحيانا تطلق على النّساء اللّواتي يكون لون وجوههنّ أبيض.(17:401)

4- وَ حُورٌ عِينٌ. الواقعة:22

عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث]حور:بيض عين، ضخام العيون.(الثّعلبيّ 9:205)

نحوه ابن عبّاس.(454)

خلق الحور العين من الزّعفران.(الثّعلبيّ 9:205)

زيد بن عليّ عليه السّلام:الحور:السّود الحدق،و يقال:

الحور،الّذي يحار فيها الطّرف.(405)

الفرّاء: و قوله:(و حور عين)خفضها أصحاب عبد اللّه و هو وجه العربيّة،و إن كان أكثر القرّاء على الرّفع، لأنّهم هابوا أن يجعلوا الحور العين يطاف بهنّ،فرفعوا على قولك:و لهم حور عين،أو عندهم حور عين.

و الخفض على أن تتبع آخر الكلام بأوّله،و إن لم يحسن في آخره ما حسن في أوّله.[إلى أن قال:]و قد كان ينبغي لمن

ص: 233

قرأ: وَ حُورٌ عِينٌ لأنّهنّ-زعم-لا يطاف بهنّ،أن يقول:(و فاكهة،و لحم طير)،لأنّ الفاكهة و اللّحم لا يطاف بهما.ليس يطاف إلاّ بالخمر وحدها،ففي ذلك بيان،لأنّ الخفض وجه الكلام.و في قراءة أبيّ بن كعب: (و حورا عينا) أراد الفعل الّذي تجده في مثل هذا من الكلام.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:123)

نحوه أبو زرعة(695)،و الواحديّ(4:233)، و الطّوسيّ(9:439).

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَ حُورٌ عِينٌ، فقرأته عامّة قرّاء الكوفة و بعض المدنيّين(و حور عين)بالخفض إتباعا لإعرابها إعراب ما قبلها من «الفاكهة و اللّحم»،و إن كان ذلك ممّا لا يطاف به،و لكن لمّا كان معروفا معناه المراد أتبع الآخر الأوّل في الإعراب.

[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و قرأ ذلك بعض قرّاء المدينة و مكّة و الكوفة و بعض أهل البصرة بالرّفع وَ حُورٌ عِينٌ على الابتداء، و قالوا:الحور العين لا يطاف بهنّ،فيجوز العطف بهنّ في الإعراب،على إعراب(فاكهة)(و لحم)،و لكنّه مرفوع، بمعنى:و عندهم حور عين،أو لهم حور عين.

و الصّواب من القول في ذلك عندي:أن يقال:إنّهما قراءتان معروفتان،قد قرأ بكلّ واحدة منهما جماعة من القرّاء مع تقارب معنييهما،فبأيّ القراءتين قرأ القارئ فمصيب.و الحور:جماعة حوراء؛و هي النّقيّة العين، الشّديدة سوادها.(27:177)

الزّجّاج: قوله عزّ و جلّ: وَ حُورٌ عِينٌ* كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ. بالخفض،و قرئت بالرّفع،و الّذين قرءوها بالرّفع كرهوا الخفض،لأنّه عطف على قوله:

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* بِأَكْوابٍ الواقعة:

17،18،فقالوا:الحور ليس ممّا يطاف به،و لكن مخفوض على غير ما ذهب إليه هؤلاء؛لأنّ معنى يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ينعّمون بهذا،و كذلك ينعّمون بلحم طير،و كذلك ينعّمون بحور عين.و من قرأها بالرّفع فهو أحسن الوجهين،لأنّ معنى يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بهذه الأشياء،بمعنى ما قد ثبت لهم،فكأنّه قال:و لهم حور عين.[ثمّ استشهد بشعر].

و قد قرئت«و حورا عينا»بالنّصب على الحمل على المعنى أيضا،لأنّ المعنى يعطون هذه الأشياء و يعطون حورا عينا،إلاّ أنّ هذه القراءة تخالف المصحف الّذي هو الإمام،و أهل العلم يكرهون أن يقرأ بما يخالف الإمام.

و معنى الحور:الشّديدات البياض،و العين:الكبيرات العيون،حسانها.(5:111)

الزّمخشريّ: قرئ وَ حُورٌ عِينٌ بالرّفع على و فيها حور عين كبيت الكتاب:

*إلاّ رواكد جمرهنّ هباء*و مشجّج

أو للعطف على(ولدان).و بالجرّ عطفا على(جنّات النّعيم)كأنّه قال:هم في«جنّات النّعيم و فاكهة و لحم و حور».أو على(اكواب)،لأنّ معنى يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* بِأَكْوابٍ ينعّمون بأكواب.

و بالنّصب على«و يؤتون حورا».(4:54)

ابن عطيّة: [نقل الأقوال في القراءة و أضاف:]

و يجوز أن يعطف(و حور)على الضّمير في:(متّكين).

قال أبو عليّ:و لم يؤكّد،لكون الكلام بدلا من التّأكيد،

ص: 234

و يجوز أن يعطف على«الولدان»و إن كان طواف الحور يقلق،و يجوز أن يعطف على الضّمير المقدّر في قوله:

عَلى سُرُرٍ الواقعة:15.

و في هذا كلّه نظر،و قد تقدّم معنى حُورٌ عِينٌ.

و قرأ إبراهيم النّخعيّ: «و حير عين» .(5:242)

أبو البركات: تقرأ بالرّفع و النّصب و الجرّ،فالرّفع على تقدير:و لهم حور،و النّصب على تقدير:و يعطى حورا،و الجرّ بالعطف على ما قبله بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ الواقعة:18.و قيل:بالعطف على الأوّل على معنى، و ينعّمون بكذا.(2:415)

العكبريّ: يقرأ بالرّفع و فيه أوجه:

أحدها:هو معطوف على(ولدان)أي يطفن عليهم للتّنعّم،لا للخدمة.

و الثّاني:تقديره لهم حور،أو عندهم،أو و ثمّ.

و الثّالث:تقديره:و نساؤهم حور.

و يقرأ بالنّصب على تقدير:يعطون،أو يجازون.

و بالجرّ عطفا على(اكواب)في اللّفظ دون المعنى،لأنّ الحور لا يطاف بهنّ.

و قيل:هو معطوف على(جنّات)أي في جنّات،و في حور.(2:1204)

نحوه البيضاويّ(2:447)،و أبو السّعود(6:188).

الفخر الرّازيّ: و فيها قراءات:الأولى:الرّفع،و هو المشهور و يكون عطفا على(ولدان).

فإن قيل:قال قبله: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ الرّحمن:72،إشارة إلى كونها مخدّرة و مستورة،فكيف يصحّ قولك:إنّه عطف على(ولدان)؟

نقول:الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:و هو المشهور أن نقول:هو عطف عليهم في اللّفظ.لا في معنى،أو في المعنى على التّقدير و المفهوم،لأنّ قوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ الواقعة:17،معناه لهم ولدان،كما قال تعالى: وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ الطّور:24،فيكون حُورٌ عِينٌ بمعنى و لهم حور عين.

و ثانيهما:و هو أن يقال:ليست الحور منحصرات في جنس،بل لأهل الجنّة حُورٌ مَقْصُوراتٌ في حظائر معظّمات،و لهنّ جواري و خوادم،و حور تطوف مع الولدان السّقاة،فيكون كأنّه قال:يطوف عليهم ولدان و نساء.

الثّانية:الجرّ،عطفا على(اكواب و اباريق).

فإن قيل:كيف يطاف بهنّ عليهم؟نقول:الجواب سبق عند قوله: وَ لَحْمِ طَيْرٍ.

أو عطفا على جَنّاتِ، أي أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ الواقعة:11،12،و(حور).

و قرئ «حورا عينا» بالنّصب،و لعلّ الحاصل على هذه القراءة على غير العطف بمعنى العطف.لكن هذا القارئ لا بدّ له من تقدير ناصب فيقول:يؤتون حورا، فيقال:قد رافعا،فقال:و لهم حور عين،فلا يلزم الخروج عن موافقة العاطف.(29:154)

ابن عربيّ: وَ حُورٌ عِينٌ من تجلّيات الصّفات، و مجرّدات الجبروت،و ما في مراتبهم من الأرواح المجرّدة.

(2:588)

القرطبيّ: [نقل الأقوال و أضاف في قراءة الجرّ و النّصب:]قال قطرب:هو معطوف على«الأكواب

ص: 235

و الأباريق»من غير حمل على المعنى.قال:و لا ينكر أن يطاف عليهم بالحور،و يكون لهم في ذلك لذّة.و من نصب و هو الأشهب العقيليّ و النّخعيّ و عيسى بن عمر الثّقفيّ، و كذلك هو في مصحف أبيّ،فهو على تقدير إضمار فعل، كأنّه قال:و يزوّجون حورا عينا.و الحمل في النّصب على المعنى أيضا حسن،لأنّ معنى يُطافُ عَلَيْهِمْ به يعطونه.(17:205)

أبو حيّان :[نقل الأقوال و وجوه الإعراب ثمّ قال:

في وجه الجرّ]قال الزّمخشريّ عطفا على جَنّاتِ النَّعِيمِ...

و هذا فيه بعد،و تفكيك كلام مرتبط بعضه ببعض، و هو فهم أعجميّ.(8:206)

السّمين:قوله: وَ حُورٌ قرأ الأخوان بجرّ(حور عين)،و الباقون برفعهما،و النّخعيّ(و حير عين)بقلب الواو ياء و جرّهما،و أبيّ و عبد اللّه(و حورا عينا)بنصبهما.

فأمّا الجرّ فمن أوجه:

أحدهما:أنّه عطف على جَنّاتِ النَّعِيمِ، كأنّه قيل:هم في جنّات و فاكهة و لحم و حور قاله الزّمخشريّ.

قال الشّيخ:و هذا فيه بعد،و تفكيك كلام مرتبط بعضه ببعض،و هو فهم أعجميّ.قلت:و الّذي ذهب إليه معنى حسن جدّا،و هو على حذف مضاف؛أي و في مقاربة حور،و هذا هو الّذي عناه الزّمخشريّ،و قد صرّح غيره بتقدير هذا المضاف.

الثّاني:أنّه معطوف على(باكواب)و ذلك بتجوّز في قوله:(يطوف)؛إذ معناه ينعّمون فيها بأكواب و بكذا أو بحور،قاله الزّمخشريّ.

و الثّالث:أنّه معطوف عليه حقيقة،و أنّ الولدان يطوفون عليهم أيضا.فإنّ فيه لذّة لهم طافوا عليهم بالمأكول و المشروب و المتفكّه به و المنكوح،و إلى هذا ذهب أبو عمرو بن العلاء و قطرب،و لا التفات إلى قول أبي البقاء:عطفا على(اكواب)في اللّفظ دون المعنى؛لأنّ الحور لا يطاف بهنّ.و أمّا الرّفع فمن أوجه أيضا:

أحدها:عطفا على(ولدان)،أي إنّ الحور يطفن عليهم بذلك كما الولائد في الدّنيا،و قال أبو البقاء:أي يطفن عليهم للتّنعّم لا للخدمة.قلت:و هو للخدمة أبلغ، لأنّهم إذا خدمهم مثل أولئك فما الظّنّ بالموطوءات؟

الثّاني:أن يعطف على الضّمير المستكنّ في(متّكين)، و سوّغ ذلك الفصل بما بينهما.

الثّالث:أن يعطف على مبتدإ و خبر حذفا معا تقديره،لهم هذا كلّه وَ حُورٌ عِينٌ قاله الشّيخ.و فيه نظر،لأنّه إنّما عطف على المبتدإ وحده و ذلك الخبر له و ما عطف هو عليه.

الرّابع:أن يكون مبتدأ خبره مضمر.تقديره:و لهم أو فيها،أو ثمّ.[إلى أن قال:]

الخامس:أن يكون خبرا لمبتدإ مضمر،أي نساؤهم حور،قاله أبو البقاء،و أمّا النّصب ففيه وجهان:

أحدهما:أنّه منصوب بإضمار فعل،أي يعطون أو يأتون حورا.

الثّاني:أن يكون حملا على معنى يَطُوفُ عَلَيْهِمْ، لأنّ معناه:يعطون كذا و كذا فعطف هذا عليه.و قال مكّيّ:

و يجوز النّصب على أن يحمل أيضا على المعنى،لأنّ معنى يطوف ولدان بكذا و كذا.يعطون كذا و كذا،ثمّ عطف

ص: 236

حورا على معناه،فكأنّه لم يطّلع عليها قراءة.

و أمّا قراءة (وحير) فلمجاورتها عين،و لأنّ الياء أخفّ من الواو،و نظيره في التّغيير للمجاورة...[إلى أن قال:]

و قرأ قتادة «و حور عين» بالرّفع و الإضافة لعين، و ابن مقسم بالنّصب و الإضافة و قد تقدّم توجيه الرّفع و النّصب.أمّا الإضافة فمن إضافة الموصوف لصفته مؤوّلا.

و قرأ عكرمة «و حوراء عيناء» بإفرادها على إرادة الجنس،و هذه القراءة تحتمل وجهين:أحدهما:أن تكون نصبا كقراءة أبيّ و عبد اللّه،و أن تكون جرّا كقراءة الأخوين،لأنّ هذين الاسمين لا ينصرفان،فهما يحتملان الوجهين،و تقدّم الكلام في اشتقاق العين.[و استشهد بالشّعر مرّتين](6:257)

نحوه الآلوسيّ.(27:138)

عزّة دروزة : حُورٌ عِينٌ وصف لعيون النّساء.

فالحور:العيون الّتي تبدو مكحّلة،أو ناصعة بياض الحدقة.(3:102)

مكارم الشّيرازيّ: (حور)كما قلنا سابقا:جمع حوراء و أحور،و يقال للشّخص الّذي يكون سواد عينه شديدا و بياضها شفّافا...و قال البعض:إنّ حور أخذت من مادّة«حيرة»،يعني أنّهنّ جميلات إلى حدّ تصاب فيها العيون بالحيرة عند رؤيتهنّ.(17:423)

الحواريّون

1- فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَ اشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ. آل عمران:52

ابن عبّاس: أصفياؤه القصّارون و هم اثنا عشر رجلا.(48)

نحوه عكرمة و الكلبيّ(البغويّ 1:444)،و أبو روق (الطّبرسيّ 1:448)،و الضّحّاك(الطّبريّ 3:287)، و زيد بن عليّ(160)،و حسنين مخلوف(1:109).

كانوا صيّادين يسمّوا حواريّين،لبياض ثيابهم.

(الواحديّ 1:441)

نحوه سعيد بن جبير و مجاهد(الطّبريّ 3:287)، و السّدّيّ(البغويّ 1:444).

كانوا قصّارين يحوّرون الثّياب،أي يبيّضونها،اتّبعوا عيسى و صدّقوه.(الواحديّ 1:441)

مثله الحسن.(البغويّ 1:444).

و نحوه أبي أرطاة(الطّبريّ 3:287)،و ابن أبي نجيح (الماورديّ 1:395)،و مقاتل(النّيسابوريّ 3:201)، و اليزيديّ(ابن الجوزيّ 1:394).

الضّحّاك: خاصّة الأنبياء،سمّوا بذلك لنقاء قلوبهم.

مثله قتادة.(الماورديّ 1:395)

الّذي يغسل الثّياب يسمّى بلغة النّبط:هواري، فعرّب.(النّيسابوريّ 3:201)

الحسن :الحواريّون:الأنصار.

و الحواريّ: النّاصر.

مثله الثّوريّ.(البغويّ 1:445)

عطاء:سلّمت مريم عيسى إلى أعمال سريّ،و كان آخر ما دفعته إلى الحواريّين،و كانوا قوما قصّارين

ص: 237

و صبّاغين،فدفعته إلى رئيسهم ليتعلّم منه.فاجتمع عنده ثياب،و عرض له سفر،فقال لعيسى:إنّك قد تعلّمت هذه الحرفة،و أنا خارج في سفر إلى عشرة أيّام، و هذه ثياب مختلفة الألوان،و قد أعلمت على كلّ صنف منها يخيط على اللّون الّذي يصبغ به،فيجب أن تكون فارغا منها وقت قدومي،فخرج.

و طبخ عيسى عليه السّلام جبّا واحدا على لون واحد أدخله جميع الثّياب،و قال لها:كوني بإذن اللّه على ما أريد منك.

فقدم الحواريّ و الثّياب كلّها في جبّ واحد،فقال:ما فعلت؟قال:قد فرغت منها.قال:أين هي؟قال:في الجبّ.قال:كلّها؟قال:نعم.

قال:كيف تكون كلّها أحمر في جبّ واحد؟فقد أفسدت تلك الثّياب.قال:قم فانظر.فأخرج عيسى ثوبا أحمر،و ثوبا أصفر،و ثوبا أخضر،إلى أن أخرجها على الألوان الّتي أرادها.فجعل الحواريّ يتعجّب،و يعلم أنّ ذلك من اللّه،و قال للنّاس:تعالوا و انظروا إلى ما صنع.

فآمن به و أصحابه فهم الحواريّون.(الثّعلبيّ 3:76)

نحوه مكّيّ.(ابن عطيّة 1:442)

قتادة :الحواريّون خواصّ عيسى و أصفياؤه.

و مثله الكلبيّ.(الواحديّ 1:441)

نحوه ابن شميّل(الثّعلبيّ 3:77)،و النّسفيّ(1:

159)،و ابن جزيّ(1:108)،و الفرّاء(1:218).

الحواريّ: الوزير.(الثّعلبيّ 3:77)

هم الّذين تصلح لهم الخلافة.(الثّعلبيّ 3:78)

نحوه الضّحّاك.(الثّعالبيّ 1:257)

السّدّيّ: كانوا ملاّحين يصطادون السّمك.

(الثّعلبيّ 3:76)

الإمام الرّضا عليه السّلام:أنّه سئل لم سمّي الحواريّون الحواريّين،قال:أمّا عند النّاس فإنّهم سمّوا حواريّين، لأنّهم كانوا قصّارين يخلّصون الثّياب من الوسخ بالغسل، و هو اسم مشتقّ من الخبز الحوار.

و أمّا عندنا فسمّي الحواريّون:الحواريّين،لأنّهم كانوا مخلصين في أنفسهم،و مخلّصين غيرهم من أوساخ الذّنوب بالوعظ و التّذكير.(الكاشانيّ 1:315)

الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]و أشبه الأقوال الّتي ذكرنا في معنى الحواريّين؛قول من قال:سمّوا بذلك لبياض ثيابهم،و لأنّهم كانوا غسّالين،و ذلك أنّ الحور عند العرب:شدّة البياض،و لذلك سمّي الحوّارى من الطّعام حوّارى،لشدّة بياضه.و منه قيل للرّجل الشّديد البياض مقلة العينين:أحور،و للمرأة:حوراء.و قد يجوز أن يكون حواريّو عيسى كانوا سمّوا بالّذي ذكرنا من تبييضهم الثّياب،و أنّهم كانوا قصّارين،فعرفوا بصحبة عيسى،و اختياره إيّاهم لنفسه أصحابا و أنصارا،فجرى ذلك الاسم لهم،و استعمل حتّى صار كلّ خاصّة للرّجل من أصحابه و أنصاره:حواريّه،و لذلك قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

«لكلّ نبيّ حواريّ،و حواريّ الزّبير»يعني خاصّته.و قد تسمّي العرب النّساء اللّواتي مساكنهنّ القرى و الأمصار حواريّات،و إنّما سمّين بذلك لغلبة البياض عليهنّ.[ثمّ استشهد بشعر](3:287)

نحوه القرطبيّ.(4:98)

الزّجّاج: قال الحذّاق باللّغة:الحواريّون:صفوة الأنبياء عليهم السّلام الّذين خلصوا و أخلصوا في التّصديق به

ص: 238

و نصرته،فسمّاهم اللّه جلّ و عزّ:(الحواريّون).

و قد قيل:إنّهم كانوا قصارين،فسمّوا الحواريّين لتبييضهم الثّياب،ثمّ صار هذا الاسم يستعمل فيمن أشبههم من المصدّقين،تشبيها بهم.

و قيل:إنّهم كانوا صيّادين،و الّذي عليه أهل اللّغة أنّهم الصّفوة كما أخبرتك...

و يقال لنساء الأنصار:حواريّات،لأنّهنّ تباعدن عن قشف الأعرابيّات بنظافتهنّ.[ثمّ استشهد بشعر](1:417)

نحوه ابن سيدة.(3:501)

النّحّاس: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]قيل لنساء الأنصار:حواريّات،لنظافتهنّ.(1:407)

القفّال:و يجوز أن يكون بعض هؤلاء الحواريّين الاثنى عشر من الملوك،و بعضهم من صيّادي السّمك، و بعضهم من القصّارين،و الكلّ سمّوا بالحواريّين لأنّهم كانوا أنصار عيسى عليه السّلام و أعوانه،و المخلصين في محبّته و طاعته،و خدمته.(الفخر الرّازيّ 8:68)

نحوه البروسويّ.(2:40)

الثّعلبيّ: اختلفوا فيهم:[و نقل قول السّدّيّ و غيره ثمّ قال:]و روى يوسف الفريابيّ عن مصعب قال:

الحواريّون اثنا عشر رجلا اتّبعوا عيسى بن مريم.و كانوا إذا جاعوا قالوا:يا روح اللّه جعنا،فيضرب بيده الأرض سهلا كان أو جبلا فيخرج لكلّ إنسان منهم رغيفين فيأكلوهما،و إذا عطشوا قالوا:يا روح اللّه قد عطشنا، فيضرب بيده إلى الأرض فيخرجون منه ماء فيشربون.

قالوا:يا روح اللّه من أفضل منّا إذا شئنا أطعمنا و إذا شئنا سقينا،و آمنّا بك فاتّبعناك؟قال:«أفضل منكم من يعمل بيده و يأكل من كسبه».قال:فصاروا يغسلون الثّياب بالكراء.[إلى أن قال:]

و قال ابن عون:صنع ملك من الملوك طعاما.فدعا النّاس إليه،و كان عيسى على قصعة،فكانت القصعة لا تنقص.فقال له الملك:من أنت؟قال:«أنا عيسى بن مريم».قال:إنّي آتك ملكي هذا و أتّبعك،فانطلق و اتّبعه و من معه فهم الحواريّون.(3:77)

الرّاغب: و الحواريّون:أنصار عيسى صلّى اللّه عليه و سلّم.

قيل:كانوا قصّارين و قيل:كانوا صيّادين و قال بعض العلماء:إنّما سمّوا حواريّين،لأنّهم كانوا يطهّرون نفوس النّاس بإفادتهم الدّين و العلم المشار إليه بقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33.قال:و إنّما قيل:كانوا قصّارين على التّمثيل و التّشبيه و تصوّر منه من لم يتخصّص بمعرفته الحقائق المهنة المتداولة بين العامّة.قال:و إنّما كانوا صيّادين،لاصطيادهم نفوس النّاس من الحيرة،و قودهم إلى الحقّ.قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«الزّبير ابن عمّتي و حواريّ».و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«لكلّ نبيّ حواريّ و حواريّ الزّبير»،فتشبيه بهم في النّصرة حيث قال:

مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ.

(135)

البغويّ: [نقل الأقوال في(الحواريّين)ثمّ قال:]قال ابن المبارك:سمّوا به،لما عليهم من أثر العبادة و نورها.

(1:444)

الزّمخشريّ: و حواريّ الرّجل:صفوته و خالصته، و منه قيل:للحضريّات:الحواريّات،لخلوص ألوانهنّ

ص: 239

و نظافتهنّ.[ثمّ استشهد بشعر]و في وزنه«الحواليّ»و هو الكثير الحيلة.(1:432)

حواريّو الأنبياء:صفوتهم و المخلصون لهم،من الحور؛و هو أن يصفو بياض العين و يشتدّ خلوصه، فيصفو سوادها،و من الدّقيق:الحوّارى؛و هو خلاصته و لبابه،و من ذلك قيل لنساء الأمصار:الحواريّات، لخلوص ألوانهنّ و ذهابهنّ في النّظافة عن نساء الأعراب.

(الفائق 1:330)

ابن عطيّة: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]و هذا تقرير حال القوم،و ليس بتفسير اللّفظة،و على هذا الحدّ شبّه النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام ابن عمّته بهم في قوله:

«و حواريّ الزّبير».و الأقوال الأولى هي تفسير اللّفظ؛إذ هي من الحور،و هو البياض.حوّرت الثّوب:بيّضته،و منه الحواريّ،و قد تسمّي العرب النّساء السّاكنات في الأمصار:الحواريّات،لغلبة البياض عليهنّ.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال...]

و قرأ جمهور النّاس اَلْحَوارِيُّونَ بتشديد الياء، واحدهم:حواريّ،و ليست بياء نسب،و إنّما هي كياء كرسيّ.و قرأ إبراهيم النّخعيّ و أبو بكر الثّقفيّ (الحواريّون) مخفّفة الياء في جميع القرآن،قال أبو الفتح:«العرب تعاف ضمّة الياء الخفيفة المكسور ما قبلها و تمتنع منها،و متى جاءت في نحو قولهم:العاديون و القاضيون و السّاعيون أعلّت؛بأن تستثقل الضّمّة فتسكن الياء و تنقل حركتها، ثمّ تحذف لسكونها و سكون الواو بعدها،فيجئ «العادون»و نحوه،فكان يجب على هذا أن يقال:

الحوارون،لكن وجه القراءة على ضعفها أنّ الياء خفّفت استثقالا لتضعيفها،و حملت الضّمّة دلالة على أنّ التّشديد مراد؛إذ التّشديد محتمل للضّمّة».(1:442)

الطّبرسيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]و رابعها:أنّهم كانوا خاصّة الأنبياء،عن قتادة و الضّحّاك.و هذا أوجه؛ لأنّهم مدحوا بهذا الاسم،كأنّه ذهب إلى نقاء قلوبهم كنقاء الثّوب الأبيض بالتّحوير.[إلى أن قال:]قال عبد اللّه بن المبارك:سمّوا حواريّين لأنّهم كانوا نورانيّين، عليهم أثر العبادة و نورها و حسنها،كما قال تعالى:

سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ الفتح:29.

(1:448)

نحوه مغنيّة.(2:268)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ ففيه مسائل:

المسألة الأولى:ذكروا في لفظ«الحواريّ»وجوها:

الأوّل:أنّ الحواريّ اسم موضوع لخاصّة الرّجل، و خالصته،و منه يقال للدّقيق:حواريّ،لأنّه هو الخالص منه،و قال صلّى اللّه عليه و سلّم للزّبير:«إنّه ابن عمّتي،و حواريّ من أمّتي».و الحواريّات من النّساء:النّقيّات الألوان و الجلود، فعلى هذا:الحواريّون هم صفوة الأنبياء الّذين خلصوا، و أخلصوا في التّصديق بهم،و في نصرتهم.

القول الثّاني:الحواريّ أصله من الحور،و هو شدّة البياض،و منه قيل للدّقيق:حوّارى،و منه الأحور، و الحور:نقاء بياض العين،و حوّرت الثّياب:بيّضتها، و على هذا القول اختلفوا في أنّ أولئك لم سمّوا بهذا الاسم؟ فقال سعيد بن جبير:لبياض ثيابهم،و قيل:كانوا قصّارين،يبيّضون الثّياب،و قيل:لأنّ قلوبهم كانت نقيّة

ص: 240

طاهرة من كلّ نفاق و ريبة،فسمّوا بذلك مدحا لهم، و إشارة إلى نقاء قلوبهم،كالثّوب الأبيض،و هذا كما يقال:فلان نقيّ الجيب،طاهر الذّيل،إذا كان بعيدا عن الأفعال الذّميمة،و فلان دنس الثّياب؛إذا كان مقدما على ما لا ينبغي.

القول الثّالث:قال الضّحّاك:«مرّ عيسى عليه السّلام بقوم من الّذين كانوا يغسلون الثّياب،فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا،و الّذي يغسل الثّياب يسمّى بلغة النّبط:هواري، و هو القصّار فعرّبت هذه اللّفظة فصارت حواريّ».

و قال مقاتل بن سليمان:الحواريّون:هم القصّارون، و إذا عرفت أصل هذا اللّفظ فقد صار بعرف الاستعمال دليلا على خواصّ الرّجل و بطانته.

المسألة الثّانية:اختلفوا في أنّ هؤلاء الحواريّين من كانوا؟

فالقول الأوّل:أنّه عليه السّلام مرّ بهم و هم يصطادون السّمك،فقال لهم:«تعالوا نصطاد النّاس»قالوا:من أنت؟ قال:«أنا عيسى بن مريم،عبد اللّه و رسوله»،فطلبوا منه المعجز على ما قال،فلمّا أظهر المعجز آمنوا به.فهم الحواريّون.

القول الثّاني:قالوا:سلّمته أمّه إلى صبّاغ،فكان إذا أراد أن يعلّمه شيئا كان هو أعلم به منه،و أراد الصّبّاغ أن يغيب لبعض مهمّاته،فقال له:هاهنا ثياب مختلفة،و قد علمت على كلّ واحد علامة معيّنة،فأصبغها بتلك الألوان،بحيث يتمّ المقصود عند رجوعي،ثمّ غاب فطبخ عيسى عليه السّلام جبّا واحدا،و جعل الجميع فيه،و قال:«كوني بإذن اللّه كما أريد»فرجع الصّبّاغ فأخبره بما فعل،فقال:

قد أفسدت عليّ الثّياب،قال:«قم فانظر».فكان يخرج ثوبا أحمر،و ثوبا أخضر،و ثوبا أصفر،كما كان يريد،إلى أن أخرج الجميع على الألوان الّتي أرادها،فتعجّب الحاضرون منه،و آمنوا به فهم الحواريّون.

القول الثّالث:(قول الثّعلبيّ).

القول الرّابع:[قول ابن عون وفد سبق](8:66)

نحوه البيضاويّ(1:164)،و الخازن(1:297)، و النّيسابوريّ(3:201)،و أبو السّعود(1:373).

أبو حيّان: [نقل بعض الأقوال و قال:]قال ابن المبارك:الحوار:النّور و نسبوا إليه،لما كان في وجوههم من سيما العبادة و نورها.و قال تاج القرّاء:الحواريّ:الصّديق.

[ثمّ نقل القراءتين](2:471)

السّمين:الحواريّون:جمع حواريّ و هو النّاصر، و هو مصروف و إن ماثل«مفاعل»؛لأنّ ياء النّسب فيه عارضة،و مثله«حواليّ»و هو المحتال،و هذان بخلاف «قماريّ و بخاتيّ»فإنّما ممنوعان من الصّرف.و الفرق أنّ الياء في«حواريّ و حواليّ»عارضة بخلافها في قماريّ و بخاتيّ،فإنّها موجودة قبل جمعها في قولك:قمريّ و بختيّ.

[ثمّ نقل الأقوال](2:112)

نحوه ابن كثير.(2:43)

الثّعالبيّ: و الحواريّون:قوم مرّ بهم عيسى عليه السّلام، فدعاهم إلى نصره،و اتّباع ملّته،فأجابوه و قاموا بذلك خير قيام،و صبروا في ذات اللّه.[ثمّ نقل الاختلاف في وجه التّسمية](1:257)

الكاشانيّ: حواريّ الرّجل:خالصته،من الحور و هو البياض الخالص.(1:315)

ص: 241

الآلوسيّ: [نحو الفخر الرّازيّ و قال:]

و الاشتقاق كيف كانوا هو الاشتقاق،و مأخذه إمّا أن يؤخذ حقيقيّا،و إمّا أن يؤخذ مجازيّا،و هو الأوفق بشأن أولئك الأنصار.و قيل:إنّه مأخوذ من حار بمعنى رجع.

و منه قوله تعالى: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ الانشقاق:

14.و كأنّهم سمّوا بذلك لرجوعهم إلى اللّه تعالى.

و من النّاس من فسّر الحواريّ بالمجاهد،فإن أريد بالجهاد ما هو المتبادر منه،أشكل ذلك حيث أنّه لم يصحّ أنّ عيسى عليه السّلام أمر به.و ادّعاه بعضهم مستدلاّ بقوله تعالى: فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ كَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ الصّفّ:14.و لا يخفى أنّ الآية ليست نصّا في المقصود، لجواز أن يراد بالتّأييد،التّأييد بالحجّة و إعلاء الكلمة، و إن أريد بالجهاد جهاد النّفس بتجريعها مرائر التّكاليف لم يشكل ذلك...(3:176)

القاسميّ: و هم طائفة من بني إسرائيل انتدبت للإيمان بالمسيح عليه السّلام،فوازروه و نصروه و اتّبعوا النّور الّذي أنزل معه،جمع:حواريّ و هو النّاصر،أو المبالغ في النّصرة،و الوزير و الخليل و الخالص.(4:849)

رشيد رضا :و اَلْحَوارِيُّونَ: أنصار المسيح.

و النّصر لا يستلزم القتال،فالعمل بالدّين و الدّعوة إليه نصر له.قال الأستاذ الإمام:«و لا نتكلّم في عددهم،لأنّ القرآن لم يعيّنه».أقول:و لعلّ لفظ الحواريّ،مأخوذ من الحوّارى و هو لباب الدّقيق و خالصه،لأنّه من خيار القوم و صفوتهم،أو من الحور،و هو البياض.و في حديث الصّحيحين«لكلّ نبيّ حواريّ و حواريّ الزّبير»و من هنا قيل:خاصّ بأنصار الأنبياء.(3:314)

نحوه عزّة دروزة.(8:100)

ابن عاشور :و الحواريّون:لقب لأصحاب عيسى عليه السّلام،الّذين آمنوا به و لازموه،و هو اسم معرّب من النّبطيّة،و مفرده:حواريّ،قاله في«الإتقان»عن ابن حاتم عن الضّحّاك،و لكنّه ادّعى أنّ معناه الغسّال،أي غسّال الثّياب.

و فسّره علماء العربيّة بأنّه من يكون من خاصّة من يضاف هو إليه و من قرابته.و غلب على أصحاب عيسى...

و قد أكثر المفسّرون و أهل اللّغة في احتمالات اشتقاقه و اختلاف معناه،و كلّ ذلك إلصاق بالكلمات الّتي فيها حروف الحاء و الواو و الرّاء لا يصحّ منه شيء.

و الحواريّون:اثنا عشر رجلا و هم:سمعان بطرس، و أخوه أندراوس،و يوحنّا بن زبدي،و أخوه يعقوب، و هؤلاء كلّهم صيّاد و سمك.و متّى العشّار،و توما، و فيليبس،و برثولماوس،و يعقوب بن حلفي،و لباوس، و سمعان القانوي،و يهوذا الأسخريوطي.(3:105)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الحواريّون:جمع حواريّ؛و هو النّاصر المخلص،و سمّوا حواريّين،لخلوص نيّاتهم و نقاء سرائرهم،كنقاء الثّوب الأبيض من الدّنس،و المراد بهم أصحاب عيسى عليه السّلام؛و هم تلاميذه و أنصاره الّذين قاموا يبشّرون بدعوته بعده،و هم طبقات:

فالطّبقة الأولى:كانت من صيّادي السّمك،و قد عاشت معه و لازمته،و تجشّمت معه شظف العيش في

ص: 242

الجبال و البرّيّة.

و الطّبقة الثّانية:و كان إيمانهم في أوّل الأمر مصحوبا بالشّكّ و التّردّد حتّى اقتلعت معجزات عيسى نبيّ اللّه، و رسوله بذور الشّكّ من صدورهم.

و الطّبقة الثّالثة:كانوا من اليهود المتعصّبين المتشدّدين في تفسير نصوص التّوراة،فأقبلوا على السّيّد المسيح خصوما معاندين،و جادلوا إلى أن انتهوا بالتّصديق برسالته.(1:150)

الطّباطبائيّ: حواريّ الإنسان من اختصّ به من النّاس،و قيل:أصله من الحور و هو شدّة البياض،و لم يستعمل القرآن هذا اللّفظ إلاّ في خواصّ عيسى عليه السّلام من أصحابه.(3:203)

المصطفويّ: أي الّذين خرجوا من جامعة المخالفين و خالفوا جريان سيرهم،ثمّ نصروا رسول اللّه و آمنوا به،و عملوا على ما يقضي و يريد.فهم مشهورون بين النّاس بالحوار و منسوبون إليه،لتغيّر حالهم و تبدّل جريان أمورهم.و أمّا الحواريّات من النّساء فهنّ الخارجات من بين طائفتهم و من الحياة البدويّة الطّبيعيّة إلى المدنيّة،فتغيّرت حالاتهنّ و ابيضّت ألوانهنّ،و صرن على ما عليه أهل الجامعة المدنيّة عملا و سلوكا و أخلاقا و منطقا و لونا و شكلا.(2:337)

3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ... الصّفّ:14

أبو حيّان :و الحواريّون:اثنا عشر رجلا،و هم أوّل من آمن بعيسى،بثّهم عيسى في الآفاق:بعث بطرس و بولس إلى روميّة،و اندارس و متّى إلى الأرض الّتي يأكل أهلها النّاس،و بوقاس إلى أرض بابل،و فيليبس إلى قرطا جنّة و هي إفريقيّة،و يحنس إلى أقسوس قرية أصحاب الكهف،و يعقوبين إلى بيت المقدس،و ابن بليمن إلى أرض الحجاز،و تستمرّ إلى أرض البربر و ما حولها،و في بعض أسمائهم إشكال من جهة الضّبط فليلتمس ذلك من مظانّه.(8:264)

مكارم الشّيرازيّ: من هم الحواريّون؟

جاء ذكر الحواريّين في القرآن الكريم خمس مرّات، مرّتين منها في هذه السّورة المباركة.

الحواريّون:تعبير يراد به الإشارة إلى اثنا عشر شخصا من الأنصار الخواصّ لعيسى عليه السّلام،و قد ذكرت أسماؤهم في الأناجيل المتداولة حاليّا ك(إنجيل متّى، و لوقا:باب 6)،و هذا المصطلح من مادّة(حور)بمعنى الغسل و التّبييض،جعل الشّيء أبيض كما مرّ بنا سابقا، لأنّهم كانوا يتمتّعون بقلوب طاهرة و أرواح نقيّة،و كانوا يسعون دائما لغسل نفوسهم و الآخرين من دنس الذّنوب و تطهيرها من الآثام،لذا أطلق عليهم هذا المصطلح.

و جاء في بعض الرّوايات أنّ المسيح عليه السّلام أرسلهم جميعا ممثّلين عنه إلى مناطق مختلفة من العالم،و ذلك لإخلاصهم و تضحيتهم و جهادهم و حربهم ضدّ الباطل، و كانوا أيضا ممّن يكنّون أعمق الحبّ و الولاء للمسيح عليه السّلام.

و تحدّثنا الرّوايات:أنّ جميعهم قد بقي على العهد إلاّ

ص: 243

واحدا منهم،فإنّه قد خان و نكص و اسمه«يهوداي أسخريوطي»،ممّا حدا المسيح عليه السّلام في نهاية المطاف إلى طرده.

و لقد تناولنا توضيحات عديدة حول هذا في تفسير الآية:52،من سورة آل عمران.

جاء في حديث:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال للنّفر الّذين لاقوه بالعقبة:«أخرجوا إليّ اثنا عشر رجلا منكم يكونوا كفلاء على قومهم،كما كفلت الحواريّون لعيسى بن مريم، ممّا يعكس أهمّيّة هؤلاء العظام».و هناك نصوص أخرى نحوها.(18:286)

الحواريّين

1- وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَ بِرَسُولِي قالُوا آمَنّا وَ اشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ. المائدة:111

و فيها نصوص كثيرة مثل ما تقدّم.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحور،أي الرّجوع عن الشّيء و إلى الشّيء؛يقال:حار إلى الشّيء و عنه يحور حورا و محارا و محارة و حئورا،أي رجع عنه و إليه، و حارت الغصّة تحور:انحدرت،كأنّها رجعت من موضعها.و أحارها صاحبها،و المحار:المرجع،و المحارة:

المكان الّذي يحور أو يحار فيه.

و الحور:ما تحت الكور من العمامة،لأنّه رجوع عن تكويرها؛يقال:حار عمامته،أي نقضها.

و الحور أيضا:الجواب؛لأنّه يرجع عن كلام صاحبه؛ يقال:كلّمته فما ردّ إليّ حورا،أي جوابا،و إنّه لضعيف الحور:المحاورة،و أحار عليه جوابه:ردّه،و لم يحر جوابا:لم يرجع و لم يردّ،و كلّمته فما أحار إليّ جوابا،و ما رجع إليّ حوارا و لا حوارا و لا حويرا و لا حويرة و لا محورة،و استحاره:استنطقه.

و الحوير:الاسم من المحاورة،يقال:سمعت حويرهما و حوارهما.

و التّحاور:التّجاوب؛يقال:هم يتحاورون،أي يتراجعون الكلام.

و المحاورة:مراجعة المنطق و الكلام في المخاطبة، و قد حاوره.

و المحورة و المحورة:مصدر من المحاورة،يقال:

ما جاءتني عنه محورة،أي ما رجع إليّ عنه خبر.

و الحور:النّقصان بعد الزّيادة،لأنّه رجوع من حال إلى حال،و في المثل:«حور في محارة»،أي نقصان في نقصان و رجوع في رجوع،يضرب للرّجل إذا كان أمره يدبر.

و الحور:النّقصان و الرّجوع؛يقال:ذهب فلان في الحور و البور،و في الحوار و البوار،أي في النّقصان و الفساد،و إنّك لفي حور و بور:في غير صنعة و لا إجادة.

و الحور أيضا:الهلاك؛لأنّه نقصان و رجوع.

و الأحور:العقل؛يقال:ما يعيش فلان بأحور،أي ما يعيش بعقل يرجع إليه.

و منه:الحور،أي شدّة سواد المقلة في شدّة بياضها في شدّة بياض الجسد،لأنّ البياض يحدق بالسّواد و يرجع عنه،و قد حورت عينه حورا و احورّت احورارا،و هو أحور،و هي حوراء:بيّنة الحور،و عين حوراء،و الجمع:

ص: 244

حور.

و الحور أيضا:البقر،لبياضه،و الجمع:أحوار، و الجلود البيض الرّقاق تعمل منها الأسفاط،و خفّ محوّر:

بطانته بحور،و الحور:خشبة يقال لها:البيضاء.

و التّحوير:التّبييض،و أصله الرّجوع،و هو من:حار يحور،لأنّه يراجع فيه كثيرا،و قصعة محوّرة:مبيضّة بالسّنام،و عجين محوّر:الّذي مسح وجهه بالماء حتّى صفا.

و الحواريّ: البياض،من التّحوير،و سمّي به القصّار؛ لأنّه يقصّر الثّوب و يحوّره،أي يبيّضه،ثمّ غلب حتّى أطلق على كلّ ناصر و حميم،لأنّه روجع في اختياره مرّة بعد مرّة،فوجد نقيّا من العيوب كنقاء الثّوب الأبيض.

و قيل:سمّي الحواريّون بهذا الاسم لأنّهم كانوا قصّارين.

و امرأة حواريّة:بيضاء،و الحواريّات:النّقيّات الألوان و الجلود،لبياضهنّ.

و الحوراء:البيضاء،و الجمع:حور،و الحور العين:

البيض الواسعات العيون.

و الأحوريّ: الأبيض النّاعم،و الاحورار:

الابيضاض.

و الحواريّ من الدّقيق:النّقيّ،لأنّه ينقّى من لباب البرّ.

و الحوّارى:الدّقيق الأبيض،و هو لباب الدّقيق و أجوده و أخلصه؛يقال:هذا دقيق حوّارى،و قد حوّر الدّقيق و حوّرته فاحورّ،أي ابيضّ.

و الحوار و الحوار:ولد النّاقة ساعة تضعه أمّه خاصّة، و الجمع:أحورة و حيران؛لنقاء لونه و خلوصه.

و المحور:الحديدة أو العود الّذي تدور عليه البكرة، لأنّه بدورانه ينصقل حتّى يبيضّ،أو لأنّه يرجع إلى المكان الّذي زال عنه،و الجمع:محاور؛يقال للرّجل إذا اضطرب أمره:قد قلقت محاوره.

و المحور:الخشبة الّتي يبسط بها العجين؛يحوّر بها الخبز تحويرا؛لدورانه على العجين،تشبيها بمحور البكرة و استدارته؛يقال:حوّر الخبزة تحويرا،أي هيّأها و أدارها ليضعها في الملّة.

و التّحوير:تحجير عين الدّابّة بالكيّ،لأنّ موضعها يبيضّ،أو هو من:حار يحور،أي رجع؛يقال:حوّر عين البعير،أي أدار حولها ميسما،و حوّره:كواه كيّة فأدارها.

2-و ذهب أغلب المستشرقين إلى أنّ الحور-جمع:

الحوراء،أي البيضاء-لفظ فارسيّ،دخل العربيّة بواسطة الآراميّة،و هو في اللّغة الفهلويّة«هوروست (1)»أو «خوروست (2)»،أي الجمال.و زعم«سيل»أنّ القرآن أخذ فكرة«الحور العين»من المجوسيّة،و ردّه«دوزيّ» بأنّ القرآن أقدم بكثير من النّصّ الّذي استند إليه «سيل»،و على ذلك تنعكس الحجّة،أي أنّ المجوس قد استقوا هذه الفكرة من القرآن (3).

و من الجدير بالذّكر هنا أنّ العرب في صدر الإسلام كانوا يلمّون بمعنى«الحور العين»إلماما تامّا،لأنّه ورد في الشّعر الجاهليّ كثيرا.و من الشّعراء الجاهليّين الّذين0)

ص: 245


1- المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم(191)
2- المعجم المقارن(1:201)
3- دائرة المعارف الإسلاميّة(8:140)

ذكروه في أشعارهم:عبيد الأبرص،و عديّ بن زيد، و قعنب و غيرهم.

3-و ادّعى بعض المستشرقين أيضا أنّ لفظ «الحواريّ»معرّب من اللّفظ الآراميّ«حور»،أي النّظافة و البياض،و ادّعى آخرون أنّه معرّب من اللّفظ الحبشيّ «حوري»،أي الرّسول و المبعوث (1)،أو«حواريا»أي المبشّر (2).

و ذهب«دوراك»إلى أنّ لفظ«الحواريّين»من الألفاظ الّتي دخلت العربيّة بواسطة المهاجرين الّذين رجعوا من الحبشة (3).و يردّه ما ورد في بيت من قصيدة للشّاعر الجاهليّ ضابئ بن الحارث بن أرطاة البرجميّ، حيث ذكر لفظ الحواريّ،يريد به أتباع عيسى و أنصاره، قال:

فكرّ كما كرّ الحواريّ يبتغي

إلى اللّه زلفى أن يكرّ فيقتلا (4)

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا(يحور)مرّة،و(حور)4 مرّات، و(الحواريّون)رفعا و جرّا 5 مرّات،و من المفاعلة المضارع مرّتين،و من التّفاعل المصدر مرّة،في 12 آية:

1-حور

1- إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ* بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً الانشقاق:14 و 15

2-المحاورة و التّحاور

2- ...فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً الكهف:34

3- قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ... الكهف:37

4- ...وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما... المجادلة:1

3-الحور العين

5- كَذلِكَ وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ الدّخان:54

6- مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ الطّور:20

7- حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ الرّحمن:72

8- وَ حُورٌ عِينٌ* كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ

الواقعة:22،23

4-الحواريّون

9- ...قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ... آل عمران:52

10- إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ...

المائدة:112

11- وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَ بِرَسُولِي قالُوا آمَنّا... المائدة:111

12- ...كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ...

الصّفّ:14

ص: 246


1- المفردات الدّخيلة(186).
2- المعجم المقارن(1:201).
3- المفردات الدّخيلة(186).
4- ديوان الأصمعيّات(158).

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه المادّة جاءت على ثلاثة محاور:

المحور الأوّل:الحور مصدرا و المحاورة و التّحاور:

أ-الحور في(1): إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ، و فيها بحثان:

1-قيل:يراد به لن يبعث،و هو ظنّ الكافر،كما في قوله: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ التّغابن:7.أو لن يرجع و لن يعود،أي ظنّ أن لا رجعة له إلى ربّه و لا معاد.و روي عن ابن عبّاس أنّه قال:«ما كنت أدري ما معنى(يحور)،حتى سمعت أعرابيّة تقول لبنيّة لها:حوري،أي ارجعي».

و روي عنه أيضا أنّ(يحور):يرجع بالحبشيّة،و قال تلميذه عكرمة:«أ لم تسمع الحبشيّ إذا قيل له:حر إلى أهلك،أي اذهب»؟

و ذهب آخرون إلى أنّ الكافر ظنّ أن لن يرجع إلى خلاف ما هو عليه في الدّنيا من الفرح و النّعيم،فقد نقل عن القفّال قوله:«الحور:هو الرّجوع إلى خلاف ما كان عليه المرء،كما قالوا:نعوذ باللّه من الحور بعد الكور».

2-جملة لَنْ يَحُورَ في محلّ رفع،خبر(ان) المخفّفة،و أَنْ لَنْ يَحُورَ في محلّ نصب،سدّت مسدّ مفعولي(ظنّ).و جاء(ظنّ)ماضيا لأنّ الكافر كان كذلك في الدّنيا،و الكلام تمثيل لحاله في الآخرة،و لَنْ يَحُورَ فحوى قوله و مرماه في نكران الحياة الآخرة،و ليس في أبديّة الحياة الدّنيا و دوامها كما قال المصطفويّ.

ب-المحاورة في(2): فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ و(3): قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ، و التّحاور في(4): وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما، و فيها بحوث:

1-المحاورة:المخاطبة،و التّحاور:التّخاطب، و كانت المحاورة في(2)و(3)بين المؤمن و الكافر حول الإيمان و الكفر،أو حول طلب الدّنيا و طلب الآخرة.

و جملة وَ هُوَ يُحاوِرُهُ فيهما في محلّ نصب حال من الفاعل أو المفعول.

2-إن قيل:أ ليس قوله: وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما تكرارا لقوله: قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها؟

نقول:كلاّ،لأنّ المرأة-و هي خولة بنت ثعلبة،امرأة أوس بن الصّامت-حكت لرسول اللّه حال زوجها أوّلا، فجاءت الحكاية بالماضي،ثمّ سألته عن أمرها و أمر زوجها،و ألحفت في السّؤال و بالغت ثانيا،فجاء ما كان بينها و بين رسول اللّه بالمضارع.

3-قال الزّمخشريّ: «قرئ (تحاورك) أي تراجعك الكلام».و نسب التّحاور على هذه القراءة إلى النّبيّ دون المرأة،غير أنّ معناه-و هو المشاركة في الحوار-واحد في كلتا القراءتين.

المحور الثّاني:الحور صفة في(5)و(6):

وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ و(7): حُورٌ مَقْصُوراتٌ و(8) وَ حُورٌ عِينٌ و فيها بحوث:

1-الحور:جمع حوراء،و هي البيضاء،و العين:جمع عيناء،و هي الواسعة العين.و قيل في الحور أيضا:السّود، و السّود في بياض،و كأنّ القول الأخير جمع بين البيض و السّود،و كذا قول بعض المفسّرين:الشّديدات سواد العيون،الشّديدات بياضها،أو الشّديدات بياض

ص: 247

الوجوه.

و قيل:هنّ اللاّتي يحار فيهنّ الطّرف،و هو قول مجاهد،جعله من(ح ي ر)خلافا للسّماع،كما جعل ابن عبّاس الإنسان من(ن س ي)و هو في اللّغة من(أ ن س).

و اختلف المفسّرون أيضا فيهنّ؛أ هنّ من نساء الجنّة، أم من نساء الدّنيا؟و هو أمر لا طائل تحته.

2-قرأ ابن مسعود قوله في(5)و(6): (و امددناهم بعيس عين) ،و العيس:جمع عيساء،و هي النّاقة الّتي تخالط بياضها شقرة أو حمرة،و هذه القراءة تؤيّد من قال:الحور:البيض.

و قرأ عكرمة (بحور عين) بالإضافة،أي بالحور من العين،لا من سودهنّ أو شهلهنّ أو غير ذلك،قال الزّمخشريّ:«لأنّ العين إمّا أن تكون حورا أو غير حور».

و قرأ أصحاب ابن مسعود قوله في(8): (و حور عين) بجرّهما عطفا على فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ، و التّقدير:

أولئك في جنّات و فاكهة و لحم و حور.أو عطفا على بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ جوازا،أي ينعّمون بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ أو بحور عين،أو حقيقة،أي يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ... و(حور عين).

و قرأ أبيّ بن كعب (و حورا عينا) بإضمار فعل، و التّقدير:يعطون حورا عينا،أو بحمله على يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ، أي يعطون ما يطوفون به، فعطف عليه(و حورا عينا).

3-وصفت الحور بالعين في(5)و(6)و(8)، و وصفت بالمقصورات في(7)،و لعلّ لرويّ الآيات دخلا في ذلك؛إذ وقعت كلمة«عين»رويّا في الآيات الثّلاث.

و وقعت«الخيام»رويّا في(7)،لتكون على نسق «الأقدام»قبلها،و«الإكرام»بعدها.

المحور الثّالث:الحواريّون في(9)إلى(12)،و فيها بحوث:

1-اختلف المفسّرون في الحواريّين و في وجه تسميتهم،فقالوا:الحواريّ:هو خاصّة الرّجل و صفيّه و خالصته.أو هو من يلبس الثّياب البيض،أو من يغسل الثّياب و يبيّضها.و قالوا أيضا:كان الحواريّون صيّادي أسماك أو ملوكا.و جمع بعضهم بين القولين،فقال:يجوز أن يكون بعضهم صيّادي أسماك و بعضهم ملوكا.

و في وجه تسميتهم قالوا:سمّوا بذلك لبياض ثيابهم، أو لتبييضهم الثّياب و قصرها،أو لنقاء قلوبهم،أو لما عليهم من أثر العبادة و نورها،أو لرجوعهم إلى اللّه.

و القول الأخير يوافق الأصل في هذه المادّة،و سائر الأقوال متفرّعة منه كما تقدّم،فكأنّ الحواريّ من روجع في اختياره مرّات،فوجد نقيّا كنقاء البياض،و هذا هو معنى قول الإمام الرّضا عليه السّلام:«كانوا مخلصين في أنفسهم، و مخلّصين غيرهم من أوساخ الذّنوب بالوعظ و التّذكير».

2-عدّهم ابن عبّاس اثني عشر حواريّا،و سمّاهم عكرمة بأسمائهم،و ليس في القرآن ما يفصح عن ذلك.

غير أنّ العهد الجديد صرّح بعددهم (1)و أسمائهم (2)، فلعلّهما أخذا ذلك من النّصارى.6)

ص: 248


1- إنجيل متّى(26:14)
2- إنجيل لوقا(6:14-16)

3-قرأ إبراهيم النّخعيّ و أبو بكر الثّقفيّ (الحواريون) بتخفيف الياء،قال ابن عطيّة:«كما ذهب أبو الحسن في تخفيف«يستهزءون»إلى أن أخلص الهمزة ياء البتّة».

ثانيا:اختصّ الحور و الحوار و الحور العين بالآيات المكّيّة،كما اختصّ التّحاور و الحور دون العين و الحواريّون بالآيات المدنيّة.و هذا ينبئ بشيوع ما جاء في الآيات المكّيّة بين أهل مكّة،و شيوع ما جاء في الآيات المدنيّة بين أهل المدينة.و هذا لا يمنع أن يكون أهل مكّة يعرفون الألفاظ المدنيّة،و أهل المدينة يعرفون الألفاظ المكّيّة أيضا.و لكن من المتيقّن أنّ الحور العين أعرف في الكلام و الاستعمال عند المكّيّين،فاستعملها القرآن تشويقا لهم إلى الجنّة و ما عند اللّه في الآخرة،و أنّ الحواريّين أعرف في كلام المدنيّين،فاستعملها القرآن وعظا و تذكيرا للمسلمين و أهل الكتاب معا.

ص: 249

ص: 250

ح و ز

اشارة

متحيّزا

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحوز:السّير اللّيّن،و الحوز:موضع يحوزه الرّجل،يتّخذ حواليه مسنّاة.و جمعه:أحواز.و كلّ شيء ضممت إليك فقد حزته و احتزته.

و حوز الرّجل:طبيعته من خير أو شرّ.

و تحوّز الرّجل،إذا لم يستقرّ على الأرض،و الاسم:

التّحوّز.و منه قوله تعالى: أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ الأنفال:

16،أي متنحّيا.

و الأحوزيّ: السّائق الحسن السّياقة،و فيه بعض النّفار.و الحوز:النّكاح.

و في الحديث:«فما تحوّز عن فراشه»أي ما تنحّى عنه.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

حيّز الدّار:ما انضمّ إليها من المرافق و المنافع،و كلّ ناحية حيّر على حدة بتشديد الياء،و جمعه:أحياز،و كان قياسه أن يكون أحوازا،كميّت و أموات،و لكنّهم فرّقوا بينهما كراهة الالتباس.

و التّحيّز في الحرب:أن يضمّ قوم إلى قوم،و انحازوا:

تركوا مركزهم و معركة قتالهم،و مالوا إلى موضع آخر.(3:274)

اللّيث:يقال:ما لك تتحوّز،إذا لم تستقرّ على الأرض،و الاسم منه:التّحوّز.

و الحوزيّة:النّوق الّتي لها خلقة انقطعت عن الإبل في خلقتها و فراهتها،كما تقول:منقطع القرين.

(الأزهريّ 5:178)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المحاوز:الّذي يكون شريكا لآخر فيقتسمان،فيقال:قد تحاوزا.(1:152)

الحوّاز:الجعل.(1:198)

الحيز:السّير الرّويد و قد حزتها أحيزها.

(الأزهريّ 5:177)

تحوّز الحيّة؛و هو بطء القيام،إذا أراد أن يقوم.الحوز:

ص: 251

الملك الملك و حوزة المرأة:فرجها.[ثمّ استشهد بأشعار]

(الأزهريّ 5:180)

و الأحوزيّ مثل الأحوذيّ؛و هو السّائق الخفيف.

(الجوهريّ 3:875)

أبو زيد :الحوّاز:ما يحوز الجعل من الدّحروج و هو الخرء الّذي يدحرجه.(183)

الحوز:السّير الرّويد.(الأزهريّ 5:177)

الأصمعيّ: الأحوزيّ:الخفيف.

إذا كانت الإبل بعيدة المرعى من الماء،فأوّل ليلة توجّهها إلى الماء ليلة الحوز،و قد حوّزتها.[و استشهد بالشّعر مرّتين](الأزهريّ 5:177،179)

قولها[عائشة]في عمر:«كان و اللّه أحوزيّا».رووها بالزّاي،و بعضهم يرويها بالذّال:أحوذيّا.

الأحوذيّ: المشمّر في الأمور القاهر لها،الّذي لا يشدّ عليه منها شيء.هذا و ما أشبهه من الكلام.و أمّا الأحوزيّ فإنّه السّائق الحسن السّياق،و فيه مع سياقه بعض النّفار.(أبو عبيد 2:12)

أبو عبيد: في[حديث]النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم...«فما تحوّز له عن فراشه».

قوله:تحوّز؛هو التّنحّي،و فيه لغتان:التّحوّز و التّحيّز،قال اللّه تبارك و تعالى: أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ الأنفال:16.فالتّحوّز:«التّفعّل»،و التّحيّز:«التّفيعل».

[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما أراد من هذا الحديث أنّه لم يقم و لم يتنحّ له عن صدر فراشه؛لأنّ السّنّة:أنّ الرّجل أحقّ بصدر فراشه و صدر دابّته.(1:425)

ابن الأعرابيّ: حوذيّ و حوزيّ:شديد الخلق، حاذ يحوذ حوذا.(الحربيّ 3:1192)

ابن السّكّيت: الأحوذيّ و الأحوزيّ:الخفيف.

(299)

يقال:ما لك تحوّز كما تتحوّز الحيّة،و ما لك تحيّز كما تتحيّز الحيّة،و قد تحيّزت إلى حصن و إلى فئة،أي انحزت إليه،و قد تحوّزت:تلبّثت و تمكّثت.

(إصلاح المنطق:135)

سمر:الحوز من الأرض،أن يتّخذها رجل،و يبيّن حدودها فيستحقّها،فلا يكون لأحد فيها حقّ معه، فذلك الحوز.

الإثم حوّاز القلوب،أي يحوز القلب،و يغلب عليه حتّى يركب ما لا يجب،و كأنّه من حاز يحوز...

حزت الشّيء،أي جمعته أو نحّيته.

و الحوزيّ: المتوحّد؛و هو الفحل منها،و هو من حزت الشّيء،إذا جمعته أو نحّيته.[و استشهد بالشّعر مرّتين](الأزهريّ 5:177)

في حديث:«فلم نزل مفطرين حتّى بلغنا ما حوزنا».

قوله:«ما حوزنا»هو الموضع الّذي أرادوه،و أهل الشّام يسمّون المكان الّذي بينهم و بين العدوّ الّذي فيه أساميهم و مكاتبهم:الماحوز.

قال بعضهم:هو من قولك:حزت الشّيء،إذا أحرزته.(الأزهريّ 5:179)

ابن أبي اليمان :التّحوّز:التّنحّي،و يقال:التّحيّز، قال اللّه جلّ و عزّ: أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ الأنفال:16.

(446)

ص: 252

ابن دريد:حزت الشّيء أحوزه حوزا و حيازة،إذا استبددت به و ملكته،و حيازا أيضا.و هذه الياء الّتي في «حياز»منقلبة عن الواو أو الكسرة ما قبلها.و رجل، أحوزيّ،إذا كان حادّا فيما يأخذ فيه من عمل.و حاز الرّاعي إبله يحوزها حوزا،إذا جمعها و ساقها.و كذلك الحمار،إذا حاز أتنه.[ثمّ استشهد بشعر]

سألت أبا حاتم عن قوله:«و له حوزيّ»قال:حائز من قلبه مزعج،و فلان في حوزة فلان،أي ناحيته.و منع القوم حوزتهم،أي ناحيتهم.و قد سمّت العرب:أحوز و حوّازا.(2:151)

الأزهريّ: قيل:ناقة حوزيّة،أي منحازة عن الإبل لا تخالطها من سيرها مصون لا يدرك،و كذلك الرّجل الحوزيّ،الّذي له أبدا من رأيه و عقله مذخور.

و قيل:بل الحوزيّة الّتي عندها مذخور و قال العجّاج:

«يحوزهنّ و له حوزيّ»أي يغلبهنّ بالهوينى،و عنده مذخور منه لم يبتذله.[و نقل كلام شمر ثمّ قال:]

لو كان منه لقيل:محازنا أو محوزنا.و حزت الأرض، إذا أعلمتها و أحييت حدودها،و هو يحاوزه،أي يخالطه و يجامعه.

و أحسب قوله:«ما حوزنا»بلغة غير عربيّة،و كأنّه «فاعول»،و الميم أصليّة،مثل الفاخور:لنبت،و الرّاحول:

للرّحل...

و يقال للرّجل إذا تحبّس في الأمر:دعني من حوزك و طلقك.و يقال:طوّل فلان علينا بالحوز و الطّلق، و الطّلق:أن يخلّي وجوه الإبل إلى الماء،و يتركها في ذلك ترعى ليلتئذ،فهي ليلة الطّلق.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:179)

الصّاحب:الحوز:موضع يحوزه الرّجل؛يتّخذ حواليه مسنّاة،و الجميع:الأحواز.و حاز الشّيء و احتازه.

و حوز الرّجل:طبيعته من خير أو شرّ.

و ما لك تتحوّز،إذا لم يستقرّ.

و تحوّز للقيام:انقلع له من مكان إلى مكان.

و الحوز:السّير اللّيّن،و السّوق.حاز إبله:ساقها.

و المحاوزة:المخالطة،في قوله:

*و ازورّ عمّن يحاوز*

و المحاوز:شبه المطارد في الحرب.

و الأحوز:المنحاز في ناحيته،الجادّ في أمره،و هو الأحوزيّ.

و قال يعقوب:الحوز:النّكاح،قد حازها.

و ذهب لحوزيّته:أي لطيّته و هواه.

و ليس ينحاز من شيء:و لا ينحاش و لا يبالي.

و إنّ فيك حويزاء عنّي-ممدود-و هي الذّخيرة يطويها عنك.

و الحوز:جماعة الإبل.و الحوزيّة من الإبل:المجموعة إلى أوساطها،و ليلة الحوز للإبل:ليلة الماء،قد حوّزها تحويزا.

و الحوزة:عنب ليس بعظيم الحبّ،و هو من النّزع في القوس:المبالغة فيه يقال:حزت النّزع.(3:172)

الخطّابيّ: [في حديث]«ساق غنمه يحوزها حتّى جاء المدينة»قوله:«يحوزها»أي يسوقها.[ثمّ استشهد بشعر](1:350)

ص: 253

[في حديث]«إنّه كان أهتم الثّنايا،و كان قد انحاز على حلقة».

قوله:«انحاز عليها»أي أكبّ عليها،و الانحياز:أن يجمع نفسه و ينضمّ بعضه إلى بعض.(2:236)

الجوهريّ: الحوز:الجمع،و كلّ من ضمّ إلى نفسه شيئا فقد حازه حوزا و حيازة،و احتازه أيضا.

و الحوز و الحيز:السّوق اللّيّن.و قد حاز الإبل يحوزها و يحيزها.

و الأحوزيّ مثل الأحوذيّ،و هو السّائق الخفيف عن أبي عمرو.

و حوّز الإبل:ساقها إلى الماء.و المحاوزة:المخالطة.

و تحوّزت الحيّة و تحيّزت،أي تلوّت.

يقال:ما لك تتحوّز تحوّز الحيّة،و تتحيّز تحيّز الحيّة.

قال سيبويه:هو«تفيعل»من حزت الشّيء.

يقول.تتنحّى عنّي هذه العجوز و تتأخّر خوفا أن أنزل عليها ضيفا،و يروى«تحوّز منّي».

و الحيّز:ما انضمّ إلى الدّار من مرافقها،و كلّ ناحية:

حيّز،و أصله من الواو.

و الحيز:تخفيف الحيّز،مثل:هيّن و هين،و ليّن و لين.

و الجمع:أحياز.

و الحوزة:النّاحية،و حوزة الملك:بيضته.

و انحاز عنه،أي عدل.

و انحاز القوم:تركوا مركزهم إلى آخر.يقال للأولياء:

انحازوا عن العدوّ و حاصوا،و للأعداء:انهزموا و ولّوا مدبرين.

و تحاوز الفريقان في الحرب،أي انحاز كلّ فريق عن الآخر.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:875)

ابن فارس: الحاء و الواو و الزّاء أصل واحد،و هو الجمع و التّجمّع.يقال:لكلّ مجمع و ناحية حوز و حوزة.

و حمى فلان الحوزة،أي المجمع و النّاحية.و جعلته المرأة مثلا لما ينبغي أن تحميه و تمنعه.

و يقال:تحوّزت الحيّة،إذا تلوّت.

و كلّ من ضمّ شيئا إلى نفسه فقد حازه حوزا.و يقال لطبيعة الرّجل:حوز.و الحوزيّ من النّاس:الّذي ينحاز عنهم و يعتزلهم.

و الأحوزيّ من الرّجال مثل الأحوذيّ،و القياس واحد.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:117)

ابن سيده: الحيز:السّير الرّويد،و حاز الإبل يحيزها:سارها في رفق.

و التّحيّز:التّلوّي و التّقلّب.و تحيّز الرّجل:أراد القيام فأبطأ ذلك عليه،و الواو فيهما أعلى،و حيز حيز:من زجر المعزى.(3:426)

الحوز:السّير الشّديد و الرّويد.حاز إبله حوزا و حوّزها:ساقها سوقا رويدا.و سوق حوز،وصف بالمصدر.

و ليلة الحوز:أوّل ليلة توجّه فيها الإبل إلى الماء،إذا كانت بعيدة منه،سمّيت بذلك لأنّه يرفق بها تلك اللّيلة، فيسار بها رويدا،و قد حوّزها.

و الأحوزيّ و الحوزيّ:الحسن السّياقة.و فيه مع ذلك بعض النّفار.

و الأحوزيّ و الحوزيّ أيضا:الجادّ في أمره.

و الحوزيّ:المتنزّه في المحلّ الّذي يحتمل،و يحلّ وحده

ص: 254

و لا يخالط البيوت بنفسه و لا ماله.

و انحاز القوم:تركوا مركزهم و معركة قتالهم،و مالوا إلى موضع آخر.

و تحوّز عنه و تحيّز:تنحّى،و هي«تفيعل»أصلها تحيوز فقلبت الواو ياء لمجاورة الياء،و أدغمت فيها.

و تحوّز له عن فراشه:تنحّى.

و الحوزاء:الحرب تحوز القوم-حكاها«أبو رياش» في شرح أشعار الحماسة في قول جابر بن الثّعلب.

و التحوّز:التّلبّث و التّمكّث.

و التحيّز و التّحوّز:التّلوّي و التّقلّب،و خصّ بعضهم به الحيّة.و من كلامهم:ما لك تحوّزكما تحوّز الحيّة،و تحيّز.

و تحوّز الرّجل و تحيّز:أراد القيام فأبطأ ذلك عليه.

و كلّ من ضمّ شيئا إلى نفسه من مال أو غير ذلك، فقد حازه حوزا و حيازة،و حازه إليه و احتازه إليه.

و قولهم-حكاه«ابن الأعرابيّ»:إذا طلعت الشّعريان يحوزهما النّهار،فهنالك لا يجد الحر مزيدا،و إذا طلعتا يحوزهما اللّيل،فهناك لا يجد القرّ مزيدا.و لم يفسّره،و هو يحتمل عندي أن يكون:يضمّهما،و أن يكون:يسوقهما.

و حوز الدّار و حيزها:ما انضمّ إليها من المرافق و المنافع.

و كلّ ناحية على حدة:حيّز.و الجمع:أحياز،نادر.

فأمّا على القياس:فحيائز،بالهمز في قول«سيبويه»، و حياوز بالواو في قول«أبي الحسن».

و الحوز:موضع يحوزه الرّجل،يتّخذ حواليه مسنّاة، و الجمع:أحواز؛و هو يحمي حوزته،أي ما يليه و يحوزه.

و الحوّاز:ما يحوزه الجعل من الدّحروج،و هو الخرء الّذي يدحرجه.

و الحوز:الطّبيعة من خير أو شرّ.

و حازها حوزا:نكحها.

و حاوزه:خالطه.و أمر محوز:محكم.

و الحائز:الخشبة الّتي تنصب عليها الأجذاع.

و بنو حويزة:قبيلة،أظنّ ذلك.

و أحوز و حوّاز:اسمان.و حوزة:اسم موضع.

[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](3:481)

الطّوسيّ: التّحيّز:طلب حيز يتمكّن فيه،تحيّز تحيّزا،و انحاز انحيازا،و حازه يحوزه حوزا.و الحيّز:المكان الّذي فيه الجوهر.(5:109)

نحوه الطّبرسيّ.(2:529)

الواحديّ: أصل هذا،الحوز،و هو الجمع.يقال:

حزته فانحاز،و تحوّز و تحيّز،إذا انضمّ و اجتمع،ثمّ سمّي التّنحّي:تحيّزا،لأنّ المتنحّي عن جانب ينفصل عنه و يميل إلى غيره.(الفخر الرّازيّ 15:137)

الرّاغب: قال اللّه تعالى: أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ الأنفال:16،أي صائرا إلى حيّز،و أصله من الواو،و ذلك كلّ جمع منضمّ بعضه إلى بعض.و حزت الشّيء أحوزه حوزا.و حمى حوزته،أي جمعه.و تحوّزت الحيّة و تحيّزت، أي تلوّت.و الأحوزيّ:الّذي جمع حوزه متشمّرا،و عبّر به عن الخفيف السّريع.(135)

الزّمخشريّ: ابن مسعود رضى اللّه عنه:«الإثم حزّاز القلوب».

و رواه بعضهم:حوّاز القلوب،أي يحوز القلوب و يغلب عليها و يجعلها في ملكته.(الفائق 1:279)

ص: 255

حاز المال،و احتازه لنفسه،و عليك بحيازة المال، و حاز الإبل:ساقها إلى الماء،و حوّزها،و هذه ليلة الحوز.

و انحاز عن القوم:اعتزلهم.

و انحاز إليهم و تحيّز:انضمّ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ الأنفال:16.

و تحوّزت الحيّة،و تحوّز الرّجل للقيام.و دخل عليه فما تحوّز له عن فراشه.

و من المجاز:فلان يحمي حوزة الإسلام.و أنا في حيّز فلان و كنفه.و يقال لمن نكح المرأة:قد حازها.و رجل أحوزيّ.يسوق ما وكل إليه أحسن مساق.

(أساس البلاغة:99)

المدينيّ: في الحديث:«أنّ رجلا من المشركين جميع اللّأمة كان يحوز المسلمين»أي يسوقهم.يقال:

حزته،أي ملكته و قبضته و استبددت به.(1:523)

ابن الأثير: في حديث معاذ«فتحوّز كلّ منهم فصلّى صلاة خفيفة»،أي تنحّى و انفرد.و يروى بالجيم من السّرعة و التّسهيل.

و منه حديث يأجوج و مأجوج«فحوّز عبادي إلى الطّور»،أي ضمّهم إليه.و الرّواية«فحرّز»بالرّاء.

و منه حديث عمر:«قال لعائشة يوم الخندق:ما يؤمنك أن يكون بلاء أو تحوّز»هو من قوله تعالى: «أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ» أي منضمّا إليها.و التحوّز و التّحيّز و الانحياز بمعنى.

و منه الحديث:«فحمي حوزة الإسلام»أي حدوده و نواحيه،و فلان مانع لحوزته،أي لما في حيّزه،و الحوزة «فعلة»منه،سمّيت بها النّاحية...(1:459)

الفيّوميّ: حزت الشّيء أحوزه حوزا و حيازة:

ضممته و جمعته،و كلّ من ضمّ إلى نفسه شيئا فقد حازه.

و حازه حيزا من باب«سار»لغة فيه.و حزت الإبل باللّغتين:سقتها برفق.و الحوزة:النّاحية.و الحيّز:النّاحية أيضا و هو«فيعل»،و ربّما خفّف،و لهذا قيل في جمعه:

أحياز،و القياس أحواز،لكنّه جمع على لفظ المخفّف،كما قيل في جمع قائم و صائم:قيّم و صيّم،على لغة من راعى لفظ الواحد.و أحياز الدّار:نواحيها و مرافقها.و تحيّز المال:انضمّ إلى الحيّز.و قوله تعالى: أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ الأنفال:16،معناه أو مائلا إلى جماعة من المسلمين.و انحاز الرّجل إلى القوم بمعنى تحيّز إليهم.

(1:156)

الفيروزآباديّ: الحوز:الجمع و ضمّ الشّيء كالحيازة و الاحتياز،و السّوق اللّيّن و الشّديد«ضدّ»،و السّير اللّيّن،و الموضع تتّخذ حواليه مسنّاة،و الملك،و النّكاح، و الإغراق في نزع القوس...

و بهاء:النّاحية و بيضة الملك،و عنب،و فرج المرأة، و الطّبيعة،و واد بالحجاز،و أوّل ليلة توجّه الإبل إلى الماء:

ليلة الحوز،و قد حوّز تحويزا.و المحاوزة:المخالطة، و الوطء.و الأحوزيّ:الأحوذيّ،كالأحوز و الأسود، و الحسن السّياقة كالحوزيّ أو الحوزيّ،الّذي ينزل وحده و لا يخالط،و رجل رأيه و عقله مدّخر،و الأسود.

و انحاز عنه:عدل،و القوم تركوا مركزهم إلى آخر.

و تحاوز الفريقان:انحاز كلّ واحد عن الآخر.و«حوّاز القلوب»في حديث ابن مسعود:ما يحوزها و يغلبها حتّى تركب ما لا يحبّ،و يروى«حوازّ»:جمع حازّة،و هي

ص: 256

الأمور الّتي تحزّ في القلوب،و تحكّ و تؤثّر،و يتخالج فيها أن تكون معاصي لفقد الطّمأنينة إليها و تحوّز:تلوّى كتحيّز و تنحّى.و الحوزيّة بالضّمّ:النّاقة المنحازة عن الإبل،أو الّتي عندها سير مذخور،أو الّتي لها خلقة انقطعت عن الإبل في خلقتها و فراهتها،كما تقول:منقطع القرين.و الحويزاء:الذّخيرة تطويها عن صاحبك.

و حوزان و حوز:قريتان.و الحويزة كدويرة:قصبة بخوزستان...

و حويزة:كجهينة:ممّن قاتل الحسين.و بدر بن حويزة:محدّث،و ككتّان:رجل،و كرمّان:الجعلان الكبار.

و الحوزاء:الحرب الّتي تحوز القوم...

الحيز:السّوق الشّديد و الرّويد ضدّ.و تحيّزت الحيّة:

تلوّت.و حيز كجير:زجر للحمار.و بنو حيّاز كشدّاد:

بطن من طيّئ،و حيزان بالكسر:بلدة بديار بكر...

(2:180)

مجمع اللّغة :حازه يحوزه حوزا:ضمّه و جمعه.

و الحيّز:المكان الّذي ينحاز إليه الإنسان.

و تحيّز إلى القوم:مال إليهم و صار إلى حيّزهم و ناحيتهم.فهو متحيّز.(1:306)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حاز الشّيء و احتازه:

ضمّه و ملكه.و الحيّز:المكان.

و المتحيّز:المتنقّل من حيز إلى آخر،أو المنضمّ إلى فئة من النّاس.(1:150)

العدنانيّ: تحوز شادن إعجاب النّاس.

تحيز إعجابهم

و يقولون:تحوز شادن على إعجاب النّاس،و الصّواب:

1-تحوز إعجابهم.كما يقول الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

2-أو تحيز إعجابهم:المصباح،و التّاج،و المدّ، و الوسيط.

أمّا مصدرا حاز الشّيء يحوزه فهما:

أ-حوزا:الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

ب-و حيازة:الصّحاح،و الأساس،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.

و للفعل حازه يحيزه مصدران أيضا،هما:

أ-حيزا:المصباح،و المدّ،و الوسيط.

ب-و حيازة:الوسيط.

و يجيز التّاج و المدّ و الوسيط لنا أن نقول:حازت شادن العقار إليها.

و يقول معجم مقاييس اللّغة:إنّ عين الفعل في حاز «الألف»أصلها واو لا ياء.(176)

حاز الأموال و احتازها

و حوّزها

و يقولون:حاز على الأموال.و الصّواب:حاز الأموال،أي ضمّها إلى نفسه و جمعها.

و فعله:حازه يحوزه حوزا و حيازة،كما جاء في الأساس و الصّحاح و القاموس و المصباح.و أضاف التّاج:

ص: 257

1-احتازه احتيازا:ضمّه.

2-حوّزه تحويزا:ضمّه.

3-حاز الشّيء إليه:ضمّه.

4-احتاز الشّيء إليه:ضمّه.

و من معاني(حاز):

1-حاز الرّجل حوزا:سار سيرا ليّنا.

2-حاز العقار:ملكه.[ثمّ استشهد بشعر]

3-حاز الإبل يحوزها حوزا،و يحيزها حيزا، و حوّزها تحويزا:ساقها برفق.

حازها يحيزها:ساقها شديدا«ضدّ».

4-الحوز:الإغراق في جذب وتر القوس.

5-الحوز:الطّبيعة من خير أو شرّ.

6-حاز الشّيء يحوزه حوزا:نحّاه:شمر بن حمدويه، و تاج العروس.(معجم الأخطاء الشّائعة:72)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الجمع و الضّمّ،منتسبا إلى شخص أو شيء على سبيل التّملّك أو التّسلّط و النّفوذ.

و بلحاظ هذا القيد و حفظه تستعمل في السّير و السّوق،إذا كان المقصد هو الجمع و الضّبط و الضّمّ،مثل السّوق ليضبطه و يجمعه في محلّ.

و تلوّي الحيّة:هو ضمّ أعضائها،و تجمّعها في نقطة.

و الانحياز:باعتبار ترك مواضع متفرّقة،و التّجمّع في نقطة و على مقصد،و كذلك سائر المعاني المستعملة فيها، فإنّ هذا القيد ملحوظ في جميعها.

و قد خلط بعضهم بين هذه المادّة و مادّة«حوذ»، و ذكر المعاني المخصوصة بكلّ واحدة منهما تحت مادّة أخرى،كما أنّهم ذكروا مفهوم السّوق و السّير ذيل هذه المادّة،و مفهوم الجمع و الضّبط ذيل مادّة«حوذ».

وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ الأنفال:16،أي حال كونه مريدا أن يتجمّع و ينضبط و يتشكّل الجيش و يتقوّى،و يتحفّظ عن التّفرّق و قطع الارتباط.

فالتّعبير بهذه المادّة-دون الجمع و الضّمّ و الضّبط و السّير-للإشارة إلى ما في هذه المادّة من لطائف و خصوصيّات ذكرناها،و هي انضمام الأفراد و التّجمّع مع حفظ الانتساب،و كونهم تحت قدرة و نفوذ واحد.

(2:338)

النّصوص التّفسيريّة

متحيّزا

وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ... الأنفال:16

ابن عبّاس: أو ينحاز.(146)

أبو سعيد الخدريّ: لو انحازوا انحازوا إلى المشركين، و لم يكن يومئذ مسلم في الأرض غيرهم.

(الطّبريّ 9:201)

الضّحّاك: المتحيّز:الفارّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه، و كذلك من فرّ اليوم إلى أميره و أصحابه،و إنّما هذا وعيد من اللّه لأصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أن لا يفرّوا،و إنّما كان النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام و أصحابه فئتهم.

(الطّبريّ 9:201)

ص: 258

السّدّيّ: المتحيّز إلى الإمام و جنده إن هو كرّ،فلم يكن له بهم طاقة،و لا يعذر النّاس و إن كثروا أن يولّوا عن الإمام.(الطّبريّ 9:201)

الطّبريّ: يقول:[متحيّزا]صائرا إلى حيّز المؤمنين الّذين يفيئون به معهم إليهم لقتالهم،و يرجعون به معهم إليهم.(9:201)

الزّجّاج: يعني يوم حربهم،إلاّ متحرّفا،منصوب على الحال.و يجوز أن يكون النّصب في متحرّف و متحيّز على الاستثناء،أي إلاّ رجلا متحيّزا،أي يكون منفردا فينحاز ليكون مع المقاتلة.

و أصل(متحيّزا)متحيوز فأدغمت الياء في الواو.

(2:406)

نحوه ابن الجوزيّ.(3:331)

الواحديّ: أي متنحّيا منضمّا إِلى فِئَةٍ جماعة من المسلمين يريدون العودة إلى القتال.و معنى الآية النّهي عن الانهزام بين يدي الكفّار،إلاّ أن يكون متحرّفا لقتال.أو منضمّا إلى جماعة يعودون للقتال.فإذا انهزم و نوى التّحيّز إلى فئة من المسلمين ليستعين بهم،و يعود إلى القتال،لم يلحقه هذا الوعيد،و هو قوله: فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ. (2:448)

نحوه البغويّ(2:277)،و الطّبرسيّ(2:529).

الزّمخشريّ: أو منحازا...و وزن متحيّز«متفيعل» لا«متفعّل»،لأنّه من حاز يحوز،فبناء«متفعّل»منه متحوّز.(2:149)

نحوه النّسفيّ.(2:98)

الفخر الرّازيّ: [نقل قول أبي عبيدة و الواحديّ ثمّ قال:]

إذا عرفت هذا فنقول:الفئة:الجماعة،فإذا كان هذا المتحيّز كالمنفرد و في الكفّار كثرة،و غلب على ظنّ ذلك المنفرد أنّه إن ثبت قتل من غير فائدة،و إن تحيّز إلى جمع كان راجيا للخلاص،و طامعا في العدوّ بالكثرة،فربّما وجب عليه التّحيّز إلى هذه الفئة،فضلا عن أن يكون ذلك جائزا.و الحاصل:أنّ الانهزام من العدوّ حرام إلاّ في هاتين الحالتين.(15:137)

القرطبيّ: التّحرّف:الزّوال عن جهة الاستواء.

فالمتحرّف من جانب إلى جانب لمكايد الحرب غير منهزم،و كذلك المتحيّز إذا نوى التّحيّز إلى فئة من المسلمين ليستعين بهم،فيرجع إلى القتال غير منهزم أيضا.(7:383)

البيضاويّ: أو منحازا إلى فئة أخرى من المسلمين على القرب ليستعين بهم.(1:388)

نحوه الشّربينيّ(1:561)،و الكاشانيّ(2:286)، و شبّر(3:12)،و القاسميّ(8:2963).

ابن كثير :المتحيّز:الفارّ إلى النّبيّ و أصحابه،و كذلك من فرّ اليوم إلى أمير أو أصحابه،فأمّا إن كان الفرار لا عن سبب من هذه الأسباب فإنّه حرام و كبيرة عن الكبائر.(3:293)

أبو السّعود :أي منحازا إلى جماعة أخرى من المؤمنين،لينضمّ إليهم ثمّ يقاتل معهم العدوّ.عن ابن عمر قال:إنّ سريّة فرّوا و أنا معهم.فلمّا رجعوا إلى المدينة استحيوا و دخلوا البيوت،فقلت:يا رسول اللّه نحن الفرّارون،فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:«بل أنتم العكّارون»أي الكرّارون-

ص: 259

من عكر،أي رجع-و أنا فئتكم.و انهزم رجل من القادسيّة فأتى المدينة إلى عمر،فقال يا أمير المؤمنين:

هلكت ففررت من الزّحف،فقال:أنا فئتك.و وزن متحيّز«متفيعل»لا«متفعّل»،و إلاّ لكان متحوّزا،لأنّه من حاز يحوز.و انتصابهما إمّا على الحاليّة و(الاّ)لغو لا عمل لها،و إمّا على الاستثناء من المولّين،أي و من يولّهم دبره إلاّ رجلا منهم متحرّفا أو متحيّزا.(3:86)

نحوه الشّوكانيّ.(2:369)

البروسويّ: يعني إلاّ قلبا ينحرف ليهيّئ أسباب القتال مع النّفس،أو راجعا إلى الاستمداد من الرّوح و صفاتها،أو إلى ولاية الشّيخ يستمدّ منها إلى الحضرة الرّبّانيّة في قمع النّفس و قهرها بطريق المجاهدة و الرّياضة.

(3:325)

الآلوسيّ: أي منحازا إلى جماعة أخرى من المؤمنين و منضمّا إليهم،و ملحقا بهم ليقاتل معهم العدوّ و اعتبر بعضهم كون الفئة قريبة للمتحيّز ليستعين بهم،و كأنّه مبنيّ على المتعارف.و لم يعتبر ذلك آخرون اعتبارا للمفهوم اللّغويّ.[ثمّ ذكر الرّوايتين المتقدّمتين في كلام أبي السّعود،و قال:]

و وزن متحيّز«متفيعل»لا«متفعّل»و إلاّ لكان متحوّزا لأنّه من حاز يحوز،و إلى هذا ذهب الزّمخشريّ و من تبعه،و تعقّب بأنّ الإمام المرزوقيّ ذكر أنّ تديّر «تفعّل»مع أنّه واويّ،نظرا إلى شيوع ديار،و عليه فيجوز أن يكون تحيّز«تفعّل»نظرا إلى شيوع الحيّز بالياء،فلهذا لم يجئ تدوّر و تحوّز.و ذكر ابن جنّيّ أنّ ما قاله هذا الإمام هو الحقّ،و أنّهم قد يعدّون المنقلب كالأصليّ،و يجرون عليه أحكامه كثيرا.لكن في دعواه نفي تحوّز نظر،فإنّ أهل اللّغة قالوا:تحوّز و تحيّز كما يدلّ عليه ما في«القاموس».و قال ابن قتيبة:تحوّز«تفعّل» و تحيّز«تفيعل»،و هذه المادّة في كلامهم تتضمّن العدول- من جهة إلى أخرى من الحيّز بفتح الحاء و تشديد الياء، و قد وهم فيه من وهم،و هو فناء الدّار و مرافقها،ثمّ قيل لكلّ ناحية،فالمستقرّ في موضعه كالجبل لا يقال له:

متحيّز.

و قد يطلق عندهم على ما يحيط به حيّز موجود.

و المتكلّمون يريدون به الأعمّ،و هو كلّ ما أشير إليه، فالعالم كلّه متحيّز.و نصب الوصفين على الحاليّة،و(إلاّ) ليست عاملة و لا واسطة في العمل،و هو معنى قولهم:لغو، و كانت كذلك لأنّه استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال،و لو لا التّفريغ لكانت عاملة أو واسطة في العمل على الخلاف المشهور.و شرط الاستثناء المفرّغ أن يكون في النّفي،أو صحّة عموم المستثنى منه نحو:قرأت إلاّ يوم كذا،و منه ما نحن فيه.و يصحّ أن يكون من الأوّل باعتبار أنّ«يولّى» بمعنى لا يقبل على القتال،و نظير ذلك ما قالوا في قوله عليه الصّلاة و السّلام:«العالم هلكى إلاّ العالمون» الحديث.

و جوّز أن يكون على الاستثناء من المولّين،أي من يولّهم دبره إلاّ رجلا منهم متحرّفا لقتال أو متحيّزا.

(9:181)

نحوه ابن عاشور.(9:41)

الطّباطبائيّ: و التّحيّز:هو أخذ الحيّز و هو المكان، و الفئة:القطعة من جماعة النّاس،و التّحيّز إلى فئة؛أن

ص: 260

ينعطف المقاتل عن الانفراد بالعدوّ إلى فئة من قومه، فيلحق بهم و يقاتل معهم.(9:37)

نحوه حسنين مخلوف(1:297)،و فضل اللّه(10:

347).

المصطفويّ: أي حال كونه مريدا أن يتجمّع و ينضبط و يتشكّل الجيش و يتقوّى،و يتحفّظ عن التّفرّق و قطع الارتباط.(2:339)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحوز،و هو موضع،يحوزه الرّجل يتّخذ حواليه مسنّاة،و الجمع:أحواز؛يقال:هو يحمي حوزته،أي ما يليه و يحوزه،و حزت الأرض:

أعلمتها و احييت حدودها،و حوز الدّار:ما انضمّ إليها من المرافق و المنافع.

و الحوزة:«فعلة»من الحوز،أي النّاحية،و حوزة الملك:بيضته؛يقال:حمى حوزته،و فلان مانع لحوزته، أي لما في حيّزه،و الحيّز:كلّ ناحية على حدة.

و من المجاز:الحوز:النّكاح،تشبيها بما يحوزه الرّجل و يتّخذه،فلا يكون لأحد فيه حقّ معه؛يقال:حاز المرأة حوزا،أي نكحها،و حوزة المرأة:فرجها،لأنّه حوزها، تمنعه عمّن تشاء.

و التّحوّز:من الحوزة،كالتّنحّي من النّاحية؛يقال:

تحوّز الرّجل،أي تنحّى،و تحوّز له عن فراشه:تنحّى.

و ما لك تتحوّز:لا يستقرّ على الأرض،و ما لك تحوّز تحوّز الحيّة:تتلوّى.و تحوّز الرّجل،إذا أراد القيام فأبطأ ذلك عليه.

و الحوزيّة:ناقة منحازة عن الإبل لا تخالطها، و الحوزيّ:الرّجل الّذي ينزل وحده،و لا يخالط البيوت بنفسه و لا ماله.

و الحوزاء:الحرب تحوز القوم،أي تنحّيهم عن بعضهم بعضا؛يقال:تحاوز الفريقان في الحرب،أي انحاز كلّ فريق منهم عن الآخر،و انحاز عنه:انعدل؛يقال:

انحاز القوم،أي تركوا مركزهم و معركة قتالهم،و مالوا إلى موضع آخر.

و الحوز:الجمع؛يقال:حاز الرّجل الشّيء يحوزه حوزا و حيازة،و حازه إليه و احتازه إليه،أي ضمّه كما يضمّ الموضع و يتّخذه.و المحاوزة:المخالطة؛يقال:هو يحاوزه،أي يخالطه و يجامعه.

و الحوزيّة:النّاقة الّتي عندها سير مذخور من سيرها،مصون لا يدرك،و الحوزيّ:الرّجل الّذي له إبداء من رأيه و عقله مذخور.

و الحوز:السّوق اللّيّن؛يقال:حاز الإبل يحوزها حوزا و حوّزها،أي ساقها سوقا رويدا،لأنّه يجمعها بذلك و يضمّها،و ليلة الحوز:أوّل ليلة توجّه فيها الإبل إلى الماء،إذا كانت بعيدة منه،سمّيت بذلك لأنّه يرفق بها تلك اللّيلة،فيسار بها رويدا،و حوّز الإبل:ساقها إلى الماء.و الحوزيّ و الأحوزيّ:الحسن السّياقة.

2-و يطلق لفظ«الحوزة»على المدارس العلميّة الّتي تدرّس العلوم الإسلاميّة،كالفقه و الأصول و القرآن و الحديث و غيرها،في كلّ من العراق و إيران و بعض بقاع العالم.و كانت حوزة النّجف الأشرف في العراق النّواة الأولى للحوزات؛إذ تأسّست خلال القرن الثّالث أو

ص: 261

الرّابع الهجريّ (1)،عقب اكتشاف قبر الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عام 170 ه،و هجرة النّاس إلى النّجف زرافات و وحدانا من كلّ حدب و صوب،فتكوّنت هذه المدينة على مرّ الأيّام و توسّعت.

غير أنّ الحوزة العلميّة في النّجف لم تكتسب شهرتها و تبلغ ذروتها،إلاّ بعد هجرة الشّيخ أبي جعفر الطّوسيّ رحمه اللّه إليها عام 449 ه،حيث مكث فيها بعد قدومه من بغداد،و اشتغل بالتّدريس و التّأليف حتّى وفاته عام 460 ه،فدفن فيها،و لا يزال قبره قائما إلى يومنا هذا.

و لعلّ سبب تسمية هذه المراكز العلميّة بالحوزة هو قولهم:حوزة الملك:بيضته،لأنّ الحوزة تحمي بيضة الإسلام ببثّ تعليماته،و تدحض الشّبهات الّتي تحوم حوله و تدرأها.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«متحيّزا»مرّة في آية:

وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ... الأنفال:16

يلاحظ أوّلا:أنّ«متحيّزا»وحيد الجذر في القرآن، و فيه بحوث:

1-فسّر بالانحياز و الزّوال و التّنحّي و الانضمام،و قد نهى اللّه المؤمنين هنا عن الفرار عند لقاء العدوّ،و أوعد من يفعل ذلك منهم بغضب اللّه و دخول جهنّم.و لكنّه استثنى من ذلك حالتين،فقال: إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ، أي إلاّ من يعدل من جهة إلى جهة،أو من يتنحّى عن جماعة و ينضمّ إلى جماعة أخرى من المؤمنين يقاتل معهم العدوّ.

2-نصب(متحرّفا)،و(متحيّزا)على الحال،فتكون (الاّ)لغوا غير عاملة،و جوّز الزّجّاج نصبهما على الاستثناء،فتكون(الاّ)عاملة.و ردّه الآلوسيّ،و اعتبر (الاّ)لغوا،معلّلا ذلك بقوله:«لأنّه استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال،و لو لا التّفريغ لكانت عاملة أو واسطة في العمل على الخلاف المشهور.و شرط الاستثناء المفرّغ أن يكون في النّفي أو صحّة عموم المستثنى منه،نحو:قرأت إلاّ يوم كذا،و منه ما نحن فيه».

3-قال الزّجّاج:«أصل(متحيّزا)متحيوز،فأدغمت الياء في الواو».و تبعه آخرون،و منهم الزّمخشريّ فقال:

«وزن متحيّز(متفيعل)لا(متفعّل)،لأنّه من:حاز يحوز، فبناء(متفعّل)منه متحوّز».

و قال الآلوسيّ: «تعقّب بأنّ الإمام المرزوقيّ ذكر أنّ تديّر(تفعّل)مع أنّه واويّ،نظرا إلى شيوع ديار،و عليه فيجوز أن يكون تحيّز(تفعّل)،نظرا إلى شيوع الحيز بالياء،فلهذا لم يجئ تدوّر و تحوّز.

و ذكر ابن جنّيّ أنّ ما قاله هذا الإمام هو الحقّ،و أنّهم

ص: 262


1- يرى بعض المحقّقين أنّ حوزة النّجف العلميّة كانت قائمة قبل مجيء الشّيخ الطّوسيّ إليها،و منهم الشّهيد محمّد باقر الصّدر قدّس سرّه،راجع كتاب المعالم الجديدة (64).و يرى بعض آخر أنّ الشّيخ الطّوسيّ رحمه اللّه هو الّذي أسّسها،و منهم الشّيخ آقابزرگ الطّهرانيّ قدّس سرّه،راجع مقدّمة تفسير«التّبيان»للشّيخ الطّوسيّ.و نحن نحيل القارئ الكريم على كتاب موسوعة النّجف الأشرف(6: 21-58)؛إذ عرصت فيه أقوال كلا الفريقين،ليحيط بها عن كتب.

قد يعدّون المنقلب كالأصليّ،و يجرون عليه أحكامه كثيرا.

لكن في دعواه نفي(تحوّز)نظر،فإنّ أهل اللّغة قالوا:

تحوّز و تحيّز،كما يدلّ عليه ما في«القاموس».

و قال ابن قتيبة:تحوّز تفعّل،و تحيّز تفيعل،و هذه المادّة في كلامهم تتضمّن العدول من جهة إلى أخرى من «الحيّز»بفتح الحاء و تشديد الياء،و قد وهم فيه من وهم،و هو فناء الدّار و مرافقها،ثمّ قيل:لكلّ ناحية.

فالمستقرّ في موضعه كالجبل لا يقال له:متحيّز،و قد يطلق عندهم على ما يحيط به حيّز موجود،و المتكلّمون يريدون به الأعمّ،و هو كلّ ما أشير إليه،فالعالم كلّه متحيّز».

ص: 263

ص: 264

ح و ش

اشارة

حاش

لفظ واحد،مرّتان،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :المحاش (1):كأنّه«مفعل»من الحوش،و هم قوم لفيف أشابة.

و الحوش:بلاد الجنّ،لا يمرّ بها أحد من النّاس.

و رجل حوشيّ: لا يخالط النّاس.و ليل حوشيّ:مظلم هائل،و هذه سنة محوش:يابسة.

و حشنا الصّيد و أحشناها،أي أخذناها من حواليها لنصرفها إلى الحبائل الّتي نصبت لها.

و احتوش القوم فلانا و تحاوشوه:جعلوه وسطهم.

و ما أنحاش من شيء،أي ما أكثرت له.

و التّحويش:التّحويل.

و حاشا:كلمة استثناء،و ربّما ضمّ إليها لام الصّفة.

قال اللّه تعالى: قُلْنَ حاشَ لِلّهِ يوسف:51.

و الحائش:جماعة النّخل،لا واحد له.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:261)

سيبويه:«حاشا»لا تكون إلاّ حرف جرّ،لأنّها لو كانت فعلا لجاز أن تكون صلة ل(ما).كما يجوز ذلك في «خلا».فلمّا امتنع أن يقال:جاءني القوم ما حاشا زيدا، دلّ أنّها ليست بفعل.(الجوهريّ 6:2314)

أبو عمرو الشّيبانيّ: تحوّشت منه،أي ذعرت منه،و فزعت.(1:153)

حوّش ناقتك بالضّرب و أشمرها،أي اضربها.

(1:168)

و الحائش:جماعة النّخل.(1:203)

و الحوشيّ: الّذي لا يقرب النّاس.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:207)

التّحوّش:الاستحياء.و قد تحوّشت منه،أي استحيت.(الأزهريّ 5:143)

ص: 265


1- جاء في«اللّسان»أنّ اللّيث قال:المحاش،كأنّه «مفعل»

التّحويش:أكل بعض الكلإ.(الصّاحب 3:148)

أبو زيد :حشت عليه الصّيد و أحوشت،أي أخذنا من حواليه لنصرفه إلى الحبالة،و يقال:احتوش القوم فلانا أو تحاوشوه،أي جعلوه وسطهم.التّحويش:

التّحويل.(الأزهريّ 5:143)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه أتى حائش نخل أو حشا فقضى حاجته»الحائش:جماعة النّخل، و هو البستان،و الحشّ:جماعة النّخل أيضا،و فيه لغتان:

حشّ و حشّ.(1:465)

ابن الأعرابيّ: الحواشة:الاستحياء،و الحواسة بالسّين:الأكل الشّديد.(الأزهريّ 5:143)

ابن السّكّيت: جاءوا بطعام فأحوشوا فيه،أي أكلوا.و الحوش أن يأكل من جانب الطّعام حتّى ينهكه.(648)

شمر:الحائش:جماعة كلّ شجر من الطّرفاء و النّخل و غيرهما.

و قال بعضهم:إنّما جعل حائشا لأنّه لا منفذ له.

و يقال:الحواشة من الأمر:ما فيه قطيعة،يقال:لا تغش الحواشة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(الأزهريّ 5:143)

المبرّد: «حاشا»قد تكون فعلا.[ثمّ استشهد بشعر]،فتصرّفه يدلّ على أنّه فعل،و لأنّه يقال:حاشا لزيد،فحرف الجرّ لا يجوز أن يدخل على حرف الجرّ، و لأنّ الحذف يدخلها كقولهم:حاش لزيد،و الحذف إنّما يقع في الأسماء و الأفعال دون الحرف.

(الجوهريّ 6:2315)

ابن الهيثم:الإبل الحوشيّة:هي الوحشيّة،و يقال:

إنّ فحلا من فحولها ضرب في إبل لمهرة بن حيدان فنتجت النّجائب المهريّة من تلك الفحول الحوشيّة،فهي لا يكاد يدركها التّعب.

و ذكر أبو عمرو الشّيبانيّ أنّه رأى أربع فقر من مهريّة عظما واحدا،و إبل حوشيّة محرّمات لعزّة نفوسها.و يقال:فلان يتتبّع حوشيّ الكلام،و وحشيّ الكلام،و عقميّ الكلام بمعنى واحد.(الأزهريّ 5:142)

ابن دريد :يقال:حشت عليه الصّيد أحوشه حوشا و حياشة و أحشت و أحوشت.(3:473)

ابن الأنباريّ: معنى«حاشا»في كلام العرب:

أعزل فلانا،من وصف القوم بالحشا،و أعزله بناحيته، و لا أدخله في جملتهم.و معنى الحشا:النّاحية.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:140)

حاشى فلانا،معناه قد استثنيته،و أخرجته فلم أدخله في جملة المذكورين.(الأزهريّ 5:141)

الأزهريّ: يقال:حاشى لفلان،و حاشا فلانا، و حشى فلان.فمن قال:حاشى لفلان.خفضه باللاّم الزّائد،و من قال:حاشى فلانا،أضمر في حاشى مرفوعا و نصب فلانا بحاشى،و التّقدير:حاشى فعلهم فلانا.و من قال:حاشى فلان،خفض بإضمار اللاّم لطول صحبتها حاشى،و يجوز أن تخفضه بحاشى،لأنّ حاشى لمّا خلت من الصّاحب أشبهت الاسم فأضيفت إلى ما بعدها.

و من العرب من يقول:حاش لفلان فيسقط الألف.

و قد قرئ في القرآن بالوجهين.قلت: حاشَ لِلّهِ كان في الأصل(حاشى للّه)فلمّا كثر في كلامهم حذفوا الياء،

ص: 266

و جعل اسما و إن كان في الأصل فعلا،و هو حرف من حروف الاستثناء مثل«عدا»و«خلا»،و لذلك خفضوا ب«حاشى»كما خفضوا بهما،لأنّهما جعلا حرفين،و إن كانا (1)في الأصل فعلين...

[و نقل قول ابن الأنباريّ ثمّ قال:]قلت:جعله من حشا الشّيء و هو ناحيته.(5:141)

[و نقل قول اللّيث في المحاش ثمّ قال:]قلت:غلط اللّيث في المحاش من جهتين:

إحداهما فتحه الميم و جعله إيّاه«مفعلا»من الحوش.

و الجهة الأخرى:ما قال في تفسيره.

و الصّواب:المحاش بكسر الميم.قال أبو عبيدة فيما يروي عنه أبو عبيد-و هو قول ابن الأعرابيّ-إنّما هو:

جمع محاشك بكسر الميم،جعلوه من«محشته النّار»،إذا أحرقته،لا من الحوش.و قد مرّ تفسيره فيما تقدّم من الكتاب أنّ المحاش:القوم يتحالفون عند النّار.و أمّا المحاش بفتح الميم فهو أثاث البيت،و أصله من الحوش، و هو جمع الشّيء و ضمّه،و لا يقال للفيف النّاس:محاش.

و يقال:فلان ما ينحاش من فلان،أي ما يكترث له، و زجرت الذّئب فما انحاش لزجري.[و استشهد بالشّعر مرّتين](5:142)

الرّمّانيّ: حاشا:و هي من الحروف العوامل و عملها الجرّ،و معناها الاستثناء،تقول من ذلك:ذهب القوم حاشا زيد.هذا مذهب سيبويه.و ذهب أبو العبّاس إلى أنّها فعل تنصب ما بعدها،و ذلك قولك:ذهب القوم حاشا زيدا.و استدلّ على ذلك بقولهم:حاشى يحاشي.

و لا دليل في هذا،لأنّه يجوز أن يكون هذا الفعل مشتقّا من الحرف،كما اشتقّ نحو:«هلّلت»من لا إله إلاّ اللّه، و«سبّحت»من سبحان اللّه.و الدّليل على صحّة قول سيبويه امتناعهم من أن يقولوا:ذهب القوم ما حاشى زيدا.(المصطفويّ 2:340)

الصّاحب:الحوش:بلاد الجنّ.

و رجل حوشيّ: لا يخالط النّاس.

و ليل حوشيّ: مظلم هائل.

و حشنا الصّيد و أحشناها:أخذناها من حواليها.

و أحوشني صاحبي الصّيد.و تميم تقول:حشته أحوشه، و أحشته.

و احتوش القوم فلانا و تحاوشوه بينهم.

و الحائش:جماعة النّخل،لا واحد لها.

و ما ينحاش فلان من شيء:لم يكترث له.

و التّحويش:التّحويل.

و جاء القوم حاشى فلان:في معنى خلا.

و حاش للّه.

و حوش الفؤاد:حديده متوقّده.

و التّحوّش:الاستحياء.

و جاءوا بطعام فأحوشوا فيه،أي أكلوا منه.

و الحواشة:القرابة و الرّحم.و هي أيضا:الأمور فيها القطيعة و الإثم.

و الحيشة:الحرمة و الحشمة،و كذلك الانحياش.

و تحوّشت من ذلك الأمر أن أفعله،أي تحرّجت منه.

و المحاوشة:الانحراف.و محاوشة البرق:مداورته حيث ما دار انحرف من موقع مطره.!!

ص: 267


1- في الأصل:كان!!

و حاوشت فلانا على الشّيء:حرّضته عليه.

(3:147)

الخطّابيّ: في حديث ابن عمر«أحيشوه عليّ» قوله:«أحيشوه»معناه:سوقوه إليّ.

يقال:حشت الصّيد و أحشته،إذا أخذت من حواليه لتصرفه إلى الحبائل.(2:410)

قوله:في حديث عمرو«...إذا ببياض أنحاش منه مرّة و ينحاش منّي أخرى»«أنحاش منه»هو أن يوجس منه خوفا،فيتوقّاه و يحذره قبل أن يتبيّنه و يعرفه.

و الانحياش:الاكتراث للشّيء.يقال:فلان لا ينحاش من شيء،إذا لم يكترث.[ثمّ استشهد بشعر](2:483)

في حديث معاوية:«...قلّ انحياشه و كثر ارتعاشه...»قوله:«قلّ انحياشه»أي حركته و تصرّفه في الأمور،إلاّ أنّ الحركة الضّروريّة بالارتعاش قد كثرت منه و غلبت عليه.(2:524)

الجوهريّ: حشت الصّيد أحوشه،إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة.

و كذلك أحشت الصّيد و أحوشته.

و احتوش القوم الصّيد،إذا أنفره بعضهم على بعض.

و إنّما ظهرت فيه الواو كما ظهرت في اجتوروا.

و احتوش القوم على فلان:جعلوه وسطهم.

و تحوّش القوم عنّي:تنحّوا.

و حشت الإبل:جمعتها و سقتها.

و الحائش:جماعة النّخل،لا واحد له،كما قالوا لجماعة البقر:ربرب.

و أصل الحائش:المجتمع من الشّجر،نخلا كان أو غيره.يقال:حائش الطرفاء.

و انحاش عنه،أي نفر.

و ما ينحاش فلان من شيء،إذا لم يكترث له.

و الحواشة:ما يستحيا منه.

و يقال:حاش للّه:تنزيها له.و لا يقال:حاش لك، قياسا عليه،و إنّما يقال:حاشاك،و حاشا لك.

و الحوشيّ: الوحشيّ.

و حوشيّ الكلام:وحشيّه و غريبه.

و رجل حوشيّ: لا يخالط النّاس،و فيه حوشيّة.

و أصل الحوش-زعموا-بلاد الجنّ من وراء رمل يبرين،لا يسكنها أحد من النّاس.

و الحوش:النّعم المستوحشة.و يقال:إنّ الإبل الحوشيّة منسوبة إلى الحوش،و هي فحول جنّ تزعم العرب أنّها ضربت في نعم بعضهم فنسبت إليها.

و رجل حوش الفؤاد،أي حديد الفؤاد.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:1002)

يقال:حاشاك،و حاشى لك و المعنى واحد.و يقال:

حاشى للّه،أي معاذ اللّه.و قرئ: (حاش للّه) بلا ألف اتّباعا للكتاب و إلاّ فالأصل«حاشا»بالألف.و حاشا:كلمة يستثنى بها،و قد تكون حرفا جارّا،و قد تكون فعلا،فإن جعلتها فعلا نصبت بها فقلت:ضربتهم حاشا زيدا،و إن جعلتها حرفا خفضت بها.(6:2314)

ابن فارس: الحاء و الواو و الشّين كلمة واحدة.

الحوش:الوحش.يقال للوحشيّ:حوشيّ.و قال عمر في زهير:«كان لا يعاظل بين القوافي،و لا يتّبع حوشيّ الكلام،و لا يمدح الرّجل إلاّ بما فيه».قال القتبيّ:الإبل

ص: 268

الحوشيّة منسوبة إلى الحوش،و إنّها فحول نعم الجنّ، ضربت في بعض الإبل فنسبت إليها.

و أظنّ أنّ هذا من المقلوب،مثل جذب و جبذ.

و أصل الكلمة إن صحّت فمن التّجمّع و الجمع،يقال:

حشت الصّيد و أحشته،إذا أخذته من حواله،و جمعته لتصرفه إلى الحبالة.و احتوش القوم فلانا:جعلوه وسطهم.و يقال:تحوّش عنّي القوم:تنحّوا.و ما ينحاش فلان من شيء،إذا لم يتجمّع له،لقلّة اكتراثه به.

و يقال:إنّ الحواشة:الأمر يكون فيه الإثم؛و هو من الباب،لأنّ الإنسان يتجمّع منه و ينحاش.

و يقال:الحواشة:الاستحياء؛و هو من الأصل،لأنّ المستحيي يتجمّع من الشّيء.و الحوش:أن يأكل الإنسان من جوانب الطّعام حتّى ينهكه و الحائش:جماعة النّخل،و لا واحد له.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(2:119)

ابن سيده: الحوش:بلاد الجنّ لا يمرّ بها أحد من النّاس،و قيل:هم حيّ من الجنّ.و الحوش و الحوشيّة:إبل الجنّ،و قيل:هي الإبل المتوحّشة.

و رجل حوشيّ: لا يخالط النّاس.

و ليل حوشيّ: مظلم هائل.

و رجل حوش الفؤاد:حديده.

و حشنا الصّيد حوشا و حياشا و أحشناه و أحوشناه:

أخذناه من حواليه لنصرفه إلى الحبالة و ضممناه.

وحشت عليه الصّيد و الطّير حوشا و حياشا، و أحشته عليه،و أحوشته عليه،و أحوشته إيّاه،عن «ثعلب»:أعنته على صيدهما.

و حاش الذّئب الغنم،كذلك.

و التّحويش:التّحويل.

و احتوش القوم فلانا و تحاوشوه بينهم:جعلوه وسطهم.

و الحوش:أن تأكل من جوانب الطّعام.

و الحائش:جماعة النّخل و الطّرفاء،و هو في النّخل أشهر،لا واحد له من لفظه.

قال«ابن جنّيّ»:الحائش:اسم لا صفة،و لا هو جار على«فعل»فأعلّوا عينه،و هو في الأصل واو من الحوش.

فإن قلت:فلعلّه جار على حاش،جريان قائم على قام؟

قيل:لم نرهم أجروه صفة و لا أعملوه عمل الفعل.

و إنّما الحائش للبستان بمنزلة«الصّور»و هي الجماعة من النّخل،و بمنزلة الحديقة.

فإن قلت:فإنّ فيه معنى الفعل،لأنّه يحوش ما فيه من النّخل و غيره،و هذا يؤكّد كونه في الأصل صفة،و إن كان قد استعمل استعمال الأسماء كصاحب و وارد.

قيل:ما فيه من معنى الفعليّة لا يوجب كونه صفة،أ لا ترى إلى قولهم:الكاهل و الغارب،و هما و إن كان فيهما معنى الاكتهال و الغروب فإنّهما اسمان،و كذلك الحائش لا يستنكر أن يجيء مهموزا و إن لم يكن اسم فاعل، لا لشيء غير مجيئه على ما يلزم إعلال عينه نحو:قائم و بائع و صائم.

و الحائش:شقّ عند منقطع صدر القدم ممّا يلي الأخمص.

ص: 269

و لي في بني فلان حواشة،أي من ينصرني من قرابة أو ذي مودّة-عن«ابن الأعرابيّ».

ما ينحاش لشيء،أي ما يكترث له.و زجر الذّئب و غيره فما انحاش لزجره.

و إنّما حكمنا على أنّ«انحاش»من الواو،لما تقدّم من أنّ العين واوا أكثر منها ياء،و سواء في ذلك الاسم و الفعل.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](3:465)

الرّاغب: قال أبو عليّ الفسويّ رحمه اللّه:حاش ليس باسم،لأنّ حرف الجرّ لا يدخل على مثله،و ليس بحرف، لأنّ الحرف لا يحذف منه ما لم يكن مضعّفا.تقول:حاش و حاشى،فمنهم من جعل حاش أصلا في بابه،و جعله من لفظة الحوش،أي الوحش.و منه حوشيّ الكلام.

و قيل:الحوش:فحول جنّ نسبت إليها وحشة الصّيد.و أحشته،إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة.و احتوشوه و تحوّشوه:أتوه من جوانبه.و الحوش:

أن يأكل الإنسان من جانب الطّعام.و منهم من حمل ذلك مقلوبا من«حشى»،و منه الحاشية.[ثمّ استشهد بشعر](136)

الزّمخشريّ: حشت الصّيد على الصّائد،و هو يحوش الطّعام:يأكله من جوانبه حتّى ينهكه.و حاوشته على الأمر:داورته و حرّضته عليه.تقول:ظللت أحاوشه و أحاوته حتّى فعل.

و احتوشوه:أحاطوا به.و لا ينحاش من شيء:

لا يكترث له.

و من المجاز:ليل حوشيّ:مظلم هائل.

و رجل حوشيّ:وحشيّ لا يكاد يخالط النّاس.

و كلام حوشيّ:وحشيّ،و كان زهير لا يتتبّع حوشيّ الكلام.و رجل حوشيّ الفؤاد و حوش الفؤاد:ذكيّ كيّس،و أصله من الإبل الحوشيّة،و هي الّتي يزعمون أنّ فحول نعم الجنّ قد ضربت فيها،و يسمّونها الحوش.(أساس البلاغة:99)

[في حديث معاوية]«قلّ انحياشه»،الانحياش:

النّفور من الشّيء فزعا.(الفائق 1:175)

«أتى صلّى اللّه عليه و سلّم حائش نخل أو حشا فقضى حاجته».

الحائش:النّخل الملتفّ،كأنّه لالتفافه يحوش بعضه إلى بعض.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](الفائق 1:331)

المدينيّ: في الحديث:«و لم يتتبّع حوشيّ الكلام» أي وحشيّة.و الإبل الحوشيّة منسوبة إلى الحوش؛و هي فحول نعم الجنّ ضربت في الإبل فنسبت إليها.و قيل:

الحوش:بلاد الجنّ.و الرّجل الحوشيّ:الّذي لا يخالط النّاس.و الحوش:الوحش،و الوحشيّ:الحوشيّ،و ليل حوشيّ:مظلم هائل.(1:524)

ابن الأثير: و منه حديث سمرة:«و إذا عنده ولدان فهو يحوشهم و يصلح بينهم»أي يجمعهم.

و منه حديث عمر:«إنّ رجلين أصابا صيدا قتله أحدهما و أحاشه الآخر عليه»يعني في الإحرام،يقال:

حشت عليه الصّيد و أحشته،إذا نفّرته نحوه و سقته إليه و جمعته عليه.

و في حديث علقمة:«فعرفت فيه تحوّش القوم و هيأتهم».

يقال:احتوش القوم على فلان،إذا جعلوه وسطهم.

و تحوّشوا عنه،إذا تنحّوا.(1:461)

ص: 270

الصّغانيّ: [نقل كلام السّابقين و أضاف:]و أهل العراق يسمّون الحظيرة:حوشا.و الحواشة:القرابة و الرّحم،و الأمور الّتي فيها القطيعة و الإثم.

و الحيشة:الحرمة و الحشمة.

و محاوشة البرق:مداورته حيثما دار انحرف عن موقع مطره.

و حاوشته عليه:حرّضته.و الحوش:قرية من قرى أسفراين.

و الحواشة و الحواسة:الحاجة.

و تحوّشت المرأة من زوجها:تأيّمت.

تقول:حوّش ناقتك:اضربها.(3:469)

ابن هشام:حاشا على ثلاثة أوجه:

أحدها:أن تكون فعلا متعدّيا متصرّفا،تقول:

حاشيته بمعنى استثنيته،و منه الحديث:أنّه عليه الصّلاة و السّلام قال:«أسامة أحبّ النّاس إليّ،ما حاشى فاطمة».(ما):نافية،و المعنى أنّه عليه الصّلاة و السّلام لم يستثن فاطمة،و توهّم ابن مالك أنّها(ما)المصدريّة، و حاشا الاستثنائيّة،بناء على أنّه من كلامه عليه الصّلاة و السّلام،فاستدلّ به على أنّه قد يقال:«قام القوم ما حاشا زيدا».[ثمّ استشهد بشعر]

و يردّه أنّ في معجم الطّبرانيّ«ما حاشا فاطمة و لا غيرها»و دليل تصرّفه قوله:

و لا أرى فاعلا في النّاس يشبهه

و لا أحاشي من الأقوام من أحد

و توهّم المبرّد أنّ هذا مضارع«حاشا»الّتي يستثنى بها،و إنّما تلك حرف أو فعل جامد،لتضمّنه معنى الحرف.

الثّاني:أن تكون تنزيهيّة،نحو: حاشَ لِلّهِ، و هي عند المبرّد و ابن جنّيّ و الكوفيّين فعل،قالوا:لتصرّفهم فيها بالحذف،و لإدخالهم إيّاها على الحرف،و هذان الدّليلان ينفيان الحرفيّة،و لا يثبتان الفعليّة،قالوا:

و المعنى في الآية جانب يوسف المعصية لأجل اللّه،و لا يتأتّى هذا التّأويل في مثل: حاشَ لِلّهِ ما هذا بَشَراً يوسف:31.

و الصّحيح أنّها اسم مرادف للبراءة من كذا؛بدليل قراءة بعضهم: (حاشا للّه) بالتّنوين،كما يقال:«براءة للّه من كذا».و على هذا فقراءة ابن مسعود رضى اللّه عنه (حاش اللّه) ك«معاذ اللّه»ليس جارّا و مجرورا كما وهم ابن عطيّة، لأنّها إنّما تجرّ في الاستثناء،و لتنوينها في القراءة الأخرى، و لدخولها على اللاّم في قراءة السّبعة،و الجارّ لا يدخل على الجارّ،و إنّما ترك التّنوين في قراءتهم لبناء«حاشا» لشبهها ب«حاشا»الحرفيّة.و زعم بعضهم أنّها اسم فعل ماض بمعنى أتبرّأ،أو برئت،و حامله على ذلك بناؤها، و يردّه إعرابها في بعض اللّغات.

الثّالث:أن تكون للاستثناء،فذهب سيبويه و أكثر البصريّين إلى أنّها حرف دائما بمنزلة(إلاّ)لكنّها تجرّ المستثنى.و ذهب الجرميّ و المازنيّ و المبرّد و الزّجّاج و الأخفش و أبو زيد و الفرّاء و أبو عمرو الشّيبانيّ:إلى أنّها تستعمل كثيرا حرفا جارّا و قليلا فعلا متعدّيا جامدا، لتضمّنه معنى(إلاّ).و سمع«اللّهمّ اغفر لي و لمن يسمع حاشا الشّيطان و أبا الأصبغ»،و قال:

حاشا أبا ثوبان؛إنّ به

ضنّا على الملحاة و الشّتم

ص: 271

و يروى أيضا«حاشا أبي»بالياء،و يحتمل أن تكون رواية الألف على لغة من قال:

إنّ أباها و أبا أباها

قد بلغا في المجد غايتاها

و فاعل(حاشا)ضمير مستتر عائد على مصدر الفعل المتقدّم عليها،أو اسم فاعله،أو البعض المفهوم من الاسم العامّ،فإذا قيل:«قام القوم حاشا زيدا»فالمعنى جانب هو-أي قيامهم،أو القائم منهم،أو بعضهم-زيدا.

(121)

الرّضيّ الاسترآباديّ: مبحث المستثنى-التزم سيبويه حرفيّة«حاشا»لقولهم:حاشاي،من دون نون الوقاية،و امتناع وقوعه صلة ل(ما)المصدريّة مطّردا.

و عند المبرّد:يكون تارة فعلا و تارة حرف جرّ،و إذا وليته اللاّم نحو:حاشا لزيد،تعيّن عنده فعليّته.

و الأولى أنّه مع اللاّم اسم،لمجيئه معها منوّنا كقراءة أبي سمال «حاشى للّه» ،فنقول:إنّه مصدر بمعنى تنزيها للّه، كما قالوا في سبحان اللّه،فيجوز أن يرتكب على هذا كون (حاشا)في جميع المواضع مصدرا بمعنى تبرئة و تنزيها.

و أمّا حذف التّنوين في حاشا لك؛فلاستنكارهم للتّنوين فيما غلب عليه تجريده منها لأجل الإضافة.

و إذا استعمل«حاشا»في الاستثناء و في غيره؛فمعناه تنزيه الاسم الّذي بعده من سوء ذكر فيه أو في غيره،فلا يستثنى به إلاّ في هذا المعنى.و ربّما أرادوا تنزيه شخص من سوء فيبتدءون بتنزيه اللّه من السّوء،ثمّ يبرّءون من أرادوا تبرئته على معنى:إنّ اللّه منزّه على أن لا يطهّر من ما يصمه ذلك الشّخص،فيكون آكد و أبلغ: قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ يوسف:51.

(المصطفويّ 2:340)

الفيّوميّ: [و قال في«الحشا»حاشى فلان بالجرّ و النّصب أيضا كلمة استثناء تمنع العامل من تناوله]

(1:138)

الحوش:بضمّ الحاء مثل الوحش،و الحوشيّ و الوحشيّ بمعنى.و فلان يجتنب حوشيّ الكلام؛و هو المستغرب.و حكى ابن قتيبة:أنّ الإبل الحوشيّة منسوبة إلى الحوش،و أنّها فحول من الجنّ ضربت في إبل فنسبت إليها،و حكاه أبو حاتم أيضا و قال:هي النّجائب المهريّة.

و احتوش القوم بالصّيد:أحاطوا به.و قد يتعدّى بنفسه فيقال:احتوشوه،و اسم المفعول:محتوش بالفتح،و منه احتوش الدّم الطّهر،كأنّ الدّماء أحاطت بالطّهر و اكتنفته من طرفيه،فالطّهر محتوش بدمين.(1:156)

الفيروزآباديّ: حاش الصّيد:جاءه من حواليه ليصرفه إلى الحبالة،كأحاشه و أحوشه،و الإبل:جمعها و ساقها.و الحوش:شبه الحظيرة«عراقيّة»،و قرية بأسفراين،و أن يأكل من جوانب الطّعام حتّى ينهكه.

و الحواشة بالضّمّ:ما يستحيا منه،و القرابة و الرّحم، و الحاجة،و الأمر يكون فيه الإثم،و القطيعة.و الحائش جماعة النّخل،لا واحد له.و الحيشة بالكسر:الحرمة و الحشمة.و حاش للّه،أي تنزيها للّه،و لا تقل:حاش لك، بل حاشاك و حاشى لك.

و الحوشيّ بالضّمّ:الغامض من الكلام،و المظلم من اللّيالي،و الوحشيّ من الإبل و غيرها،منسوب إلى الحوش و هو بلاد الجنّ،أو فحول جنّ ضربت في نعم

ص: 272

مهرة فنسبت إليها.

و رجل حوش الفؤاد:حديده.و المحاش:أثاث البيت،و القوم اللّفيف الأشابة،أو هو بكسر الميم من:

محشته النّار.و التّحويش:التّجميع.

و احتوش القوم الصّيد:انفره بعضهم على بعض، و على فلان:جعلوه وسطهم كتحاوشوه.

و تحوّش:تنحّى،و استحيا.و المرأة من زوجها:

تأيّمت.و انحاش عنه:نفر و تقبّض.و حاوشته عليه:

حرّضته.و البرق:انحرفت عن موقع مطره حيثما دار.

و الحاشا:نبات تجرشه النّحل.

حاش يحيش:فزع،و فلانا:أفزعه،لازم متعدّ، و انكمش،و أسرع،و الوادي:امتدّ،و تحيّشت نفسه:

نفرت و فزعت.و الحيشان:الكثير الفزع،أو المذعور من الرّيبة،و هي بهاء.(2:280)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حاشا:أداة استثناء، و حاشَ لِلّهِ بحذف الألف للتّخفيف:عبارة تعجّب، معناها تنزّه اللّه سبحانه عمّا لا يليق بجلاله و كماله.

(1:151)

العدنانيّ: فناء الدّار أو المدرسة،أو باحتهما،أو ساحتهما لا حوشهما

و يطلقون على ساحة الدّار أو المدرسة اسم الحوش، و الصّواب هو:فناء الدّار أو المدرسة،أو باحتهما أو ساحتهما؛لأنّ التّاج و المدّ و المتن قالوا:إنّ الكلمة بهذا المعنى هي مصريّة.و قال محيط المحيط:إنّها تطلق على ما حول الدّار.و قال الوسيط:إنّها محدثة.دون أن يذكر أنّ مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،الّذي أصدره،قد وافق على استعمالها.

و أنا لا أرى ما يحول دون استعمالها إلاّ لأنّ مجامعنا، أو أحدها لم يوافق على ذلك.

أمّا في العراق فإنّ كلمة الحوش تعني شبه حظيرة تحفظ فيها الأشياء و الدّوابّ.

أمسك اللّصّ لا حاشه

جاء في المعجم الوسيط:حاش اللّصّ و نحوه:

و أمسكه«محدثة».و الصّواب:أمسك اللّصّ،أو قبض عليه،أو حال بينه و بين السّرقة.و لم أجد معجما واحدا يؤيّد الوسيط.

جاء في هامش المتن أنّ الفعل حاش بمعنى:استولى على الشّيء،هو من أقوال العامّة.

و العامّة في الشّقيقة مصر تستعمل الفعل حاشه بمعنى:أمسكه،و هو السّبب الّذي حمل مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة على ذكره في معجمه«الوسيط».

و هنالك الفعلان:

(أ)حاش الإبل أو الدّوابّ بمعنى جمعها و ساقها:

الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

ب-و حاش الصّيد:بمعنى جاءه من حواليه ليصرفه إلى الحبالة:جاء في النّهاية:و منه حديث عمر رضى اللّه عنه:«أنّ رجلين أصابا صيدا قتله أحدهما و أحاشه الآخر عليه» يعني في الإحرام،يقال حشت عليه الصّيد و أحشته،إذا نفرته نحوه،و سقته إليه،و جمعته عليه.

و ممّن ذكر جملة«حاش الصّيد»أيضا:الصّحاح.

و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس،و المختار،و اللّسان،

ص: 273

و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.

و فعله هو:حاش يحوش حوشا و حياشا.

و من معاني الفعل حاش و مشتقّاته:

1-الحوش:شبه الحظيرة«عراقيّة»نقله الصّاغانيّ، و يطلقه أهل مصر على فناء الدّار.

2-الحواشة:ما يخجل منه.

3-تحوّش عن القوم:تنحّى.

4-انحاش عنه:نفر و تقبّض،و فزع له و اكترث.

5-حاوشته عليه:حرّضته.

6-حاش الذّئب الغنم:ساقها.

و هنا لك:

1-حاش يحيش فلانا لازم متعدّ:أفزعه.

2-حاش الرّجل:انكمش،أسرع إسراع المذعور.

3-حاش الوادي:امتدّ.

4-تحيّشت نفسه:نفرت و فزعت.

حوّش المال

و يخطّئون من يقول:حوش المال،أي جمعه و ادّخره، لأنّهم يظنّون أنّ الفعل(حوّش)عامّيّ،لدورانه على ألسنة العامّة.و تقول المعجمات:إنّ هذا الفعل فصيح.

و من معاني حوّش:

1-حوّش الإبل:جمعها و ساقها.

2-حوّشه:حوّله.

3-حوّش:أ-تأهّب.

ب-تشجّع.

4-حوّش الصّيد و أحاشه:جاءه من حواليه ليصرفه إلى الحبالة.

حوشيّ الكلام و وحشيّه

و يخطّئون من يطلق على الغريب الغامض من الكلام اسم الوحشيّ،و يقولون:إنّ الصّواب هو الحوشيّ من الكلام.و الحقيقة هي أنّ كلتا الكلمتين صواب.فممّن ذكر الكلام الحوشيّ:النّهاية الّذي جاء فيه:و منه الحديث عن عمر رضى اللّه عنه:«و لم يتتبّع حوشيّ الكلام»أي وحشيّه و عقده،و الغريب المشكل منه.

و ذكر الكلام الحوشيّ أيضا:الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و مجاز الأساس،و المختار،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و ممّن ذكر الكلام الوحشيّ: الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و مجاز الأساس،و النّهاية،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و الوسيط.(177)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ كلمة(حاشا)في الأصل فعل،يقال:حاشى يحاشي محاشاة،و هي مأخوذة من الحوش بمعنى التّوحّش،أي التّبعّد الخاصّ،و لمّا كانت صيغة«مفاعلة»دالّة على إدامة الفعل:فينقلب التّبعّد إلى مفهوم مؤكّد و هو التّنزّه.

ثمّ إنّ كلمة(حاشا)صارت بكثرة الاستعمال اسما بالغلبة،و تدلّ على الاستثناء و التّنزّه،أي الاستثناء بلحاظ التّنزّه و باعتباره.

و قد يخفّف ذلك الاسم بحذف الآخر فيقال:حاش.

فهذه الكلمة إمّا مستعملة فعلا على الأصل،أو اسما

ص: 274

للتّنزّه،و القول:بأنّها حرف جرّ؛إنّما نشأ من ملاحظة ظاهر الكلمة في بعض الموارد.

فعمل الجرّ بها إنّما هو إذا كانت اسما و مضافة،و عمل النّصب باعتبار كونها بمعنى الفعل،فإنّها اسم للفعل.

(2:340)

النّصوص التّفسيريّة

حاش

1- ...قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ يوسف:31

ابن عبّاس: معاذ اللّه.(196)

مثله مجاهد و الحسن.(الطّبريّ 12:208)

الفرّاء: أعظمنه أن يكون بشرا،و قلن:هذا ملك.

و في قراءة عبد اللّه (حاشا للّه) بالألف،و هو في معنى:معاذ اللّه.(2:42)

قُلْنَ حاشَ لِلّهِ هو من حاشيت أحاشي.(الأزهريّ 5:140)

أبو عبيدة :الشّين مفتوحة و لا ياء فيه،و بعضهم يدخل الياء في آخره.[ثمّ استشهد بشعر]

و معناه:التّنزيه و الاستثناء من الشّرّ،و يقال:

حاشيته،أي استثنيته.(1:310)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الكوفيّين حاشَ لِلّهِ بفتح الشّين و حذف الياء.و قرأه بعض البصريّين بإثبات الياء(حاشى للّه).

و فيه لغات لم يقرأ بها «حاشى اللّه» .[ثمّ استشهد بشعر]

و ذكر عن ابن مسعود أنّه كان يقرأ بهذه اللّغة « و حاش للّه »بتسكين الشّين و الألف،يجمع بين السّاكنين.

و أمّا القراءة فإنّما هي بإحدى اللّغتين الأوليين.فمن قرأ حاشَ لِلّهِ بفتح الشّين و إسقاط الياء،فإنّه أراد لغة من قال:حاشى للّه،بإثبات الياء،و لكنّه حذف الياء لكثرتها على ألسن العرب،كما حذفت العرب الألف من قولهم:«لا أب لغيرك»،«و لا أب لشانيك»و هم يعنون:

لا أبا لغيرك،و لا أبا لشانيك.

و كان بعض أهل العلم بكلام العرب يزعم أنّ لقولهم:«حاشى للّه»موضعين في الكلام:أحدهما:

التّنزيه،و الآخر:الاستثناء،و هو في هذا الموضع عندنا بمعنى التّنزيه للّه،كأنّه قيل:معاذ اللّه.

و أمّا القول في قراءة ذلك،فإنّه يقال:للقارئ الخيار في قراءته بأيّ القراءتين شاء،إن شاء بقراءة الكوفيّين، و إن شاء بقراءة البصريّين و هو حاشَ لِلّهِ و(حاشى للّه)،لأنّهما قراءتان مشهورتان،و لغتان معروفتان بمعنى واحد،و ما عدا ذلك فلغات لا تجوز القراءة بها،لأنّا لا نعلم قارئا قرأ بها.(12:207)

الزّجّاج: وَ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ و(حاشى للّه)، يقرءان (1)-بحذف الألف و إثباتها،و معناه الاستثناء.

المعنى فيما فسّره أهل التّفسير:و قلن:معاذ اللّه،ما هذا بشرا!

و أمّا على مذهب المحقّقين من أهل اللّغة ف«حاشا» مشتقّة من قولك:كنت في حشا فلان،أي في ناحية فلان، فالمعنى في حاشَ لِلّهِ برّأه اللّه من هذا،من التّنحّي،

ص: 275


1- هكذا في الأصل،و الظاهر:يقرأ.

المعنى:قد نحّى اللّه هذا من هذا،إذا قلت:«حاشا لزيد من هذا»فمعناه:قد تنحّى زيد من هذا و تباعد منه،كما أنّك تقول:«قد تنحّى من النّاحية»،و كذلك«قد تحاشى من هذا الفعل».(3:107)

أبو زرعة:قرأ أبو عمرو: (و قلن حاشا للّه) بالألف، و حجّته ذكرها اليزيديّ فقال:يقال:«حاشاك،و حاشا لك».و ليس أحد من العرب يقول:«حاشك»و لا «حاش لك».و قرأ الباقون حاشَ لِلّهِ و حجّتهم أنّها مكتوبة في المصاحف بغير ألف.حكى أبو عبيد عن الكسائيّ:في مصحف عبد اللّه كذلك،و أصل الكلمة التّبرئة و الاستثناء.و اختلف النّحويّون في(حاشا)؛منهم من قال:إنّه فعل،و منهم من قال:إنّه حرف.(359)

الماورديّ: (و قلن حاشى للّه) بالألف في قراءة أبي عمرو و نافع في رواية الأصمعيّ،و قرأ الباقون حاشَ لِلّهِ بإسقاط الألف،و معناهما واحد.

و في تأويل ذلك وجهان:

أحدهما:معاذ اللّه،قاله مجاهد.

الثّاني:معناه سبحان اللّه،قاله ابن شجرة.

و في أصله وجهان:

أحدهما:أنّه مأخوذ من قولهم:«كنت في حشا فلان»أي في ناحيته.

و الثّاني:أنّه مأخوذ من قولهم:«حاش فلانا»أي أعزله في حشا،يعني في ناحية.(3:33)

الطّوسيّ: قرأ أبو عمرو و نافع في رواية الأصمعيّ عنه (حاشا) بألف،الباقون بلا ألف،فمن حجّة أبي عمرو، قول الشّاعر:

حاشى أبي ثوبان إنّ به ضنّا عن الملحاة و الشّتم

قال أبو عليّ الفارسيّ:لا يخلو قولهم: حاشَ لِلّهِ من أن يكون الحرف الجارّ في الاستثناء كما ذكرناه في البيت،أو فاعل من قولهم:«حاشى يحاشي».و لا يجوز أن يكون حرف الجرّ،لأنّ حرف الجرّ لا يدخل على مثله، و لأنّ الحروف لا تحذف إذا لم يكن فيها تضعيف،فإذا بطل ذلك ثبت أنّها فاعل مأخوذا من«الحشا»الّذي هو النّاحية،و المعنى أنّه صار في حشاء،أي ناحية ممّا قذف به،و فاعله يوسف،و المعنى بعد عن هذا الّذي رمي به للّه، أي لخوفه من اللّه و مراقبة أمره.

و من حذف الألف،فكما حذف«لم يك و لا أدر».

فإذا أريد به حرف الجرّ يقال:«حاشا و حاش و حشا» ثلاث لغات.[إلى أن قال:]

و قوله: حاشَ لِلّهِ تنزيه له عن حال البشر،و أنّه لا يجوز أن تكون هذه صورة البشر،و إنّما هو ملك كريم.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](6:130)

الواحديّ: (حاش و حاشا)يستعملان في الاستثناء و التّبرئة،و الأصل(حاشا)لأنّه من فاعل المحاشاة، يقال:حاشى يحاشي،و الحشاء:النّاحية،و معنى حاشَ لِلّهِ صار يوسف في حشا،أي في ناحية ممّا قذف به،أي لم يلابسه،كأنّ المعنى بعد يوسف عن هذا الّذي رمي به، أي لخوفه و مراقبته أمره،و هذا قول أكثر المفسّرين، قالوا:هذا تنزيه ليوسف عمّا رمته به امرأة العزيز.

و قال آخرون:هذا تنزيه له من تهمة البشر،لفرط جماله،يدلّ على هذا سياق الآية.

و من قرأ (حاش) بغير ألف فهو على حذف آخر

ص: 276

الفعل،كقولهم«لم يك و لا أدر».(2:610)

نحوه ابن الجوزيّ(4:219)،و الفخر الرّازيّ(18:

128).

البغويّ: أي معاذ اللّه أن يكون هذا بشرا.قرأ أبو عمرو «حاشى» بإتيان الياء في الوصل على الأصل،و قرأ الآخرون بحذف الياء،لكثرة دورها على الألسن و اتّباع الكذب.(2:489)

الزّمخشريّ: (حاشا)كلمة تفيد معنى التّنزيه في باب الاستثناء،تقول:أساء القوم حاشا زيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و هي حرف من حروف الجرّ فوضعت موضع التّنزيه و البراءة،فمعنى«حاشا اللّه»براءة اللّه و تنزيه اللّه، و هي قراءة ابن مسعود على إضافة«حاشا»إلى«اللّه» إضافة البراءة.و من قرأ«حاشا للّه»فنحو قولك:«سقيا لك»،كأنّه قال:براءة،ثمّ قال:«للّه»لبيان من يبرّأ و ينزّه.و الدّليل على تنزيل(حاشا)منزلة المصدر قراءة أبي السّمال «حاشا للّه» بالتّنوين،و قراءة أبي عمر و (حاش للّه) بحذف الألف الآخرة،و قراءة الأعمش «حشا للّه»بحذف الألف الأولى.و قرئ «حاش للّه» بسكون الشّين على أنّ الفتحة أتبعت الألف في الإسقاط و هي ضعيفة،لما فيها من التقاء السّاكنين على غير حدّه.

و قرئ «حاشا الإله» .

فإن قلت:فلم جاز في «حاشا للّه» أن لا ينوّن بعد إجرائه مجرى براءة اللّه؟

قلت:مراعاة لأصله الّذي هو الحرفيّة،أ لا ترى إلى قولهم:جلست من عن يمينه،كيف تركوا«عن»غير معرب على أصله،و«على»في قوله:«غدت من عليه».

منقلب الألف إلى الياء مع الضّمير؟و المعنى:تنزيه اللّه تعالى من صفات العجز،و التّعجّب من قدرته على خلق جميل مثله.

و أمّا قوله: حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ يوسف:51،فالتّعجّب من قدرته على خلق عفيف مثله.

(2:317)

نحوه النّسفيّ(2:220)،و الشّربينيّ(2:106)، و أبو السّعود(3:388)،و البروسويّ(4:248)، و الشّوكانيّ(3:29)،و القاسميّ(9:3535).

ابن عطيّة: و قرأ أبو عمرو وحده «حاشى للّه» ، و قرأ أبيّ و ابن مسعود «حاشى اللّه» ،و قرأ سائر السّبعة:

حاشَ لِلّهِ، و فرقة«حشى للّه»و هي لغة،و قرأ الحسن «حاش للّه» بسكون الشّين و هي ضعيفة.و قرأ الحسن- أيضا- «حاش الإله» محذوفا من«حاشى».فأمّا (حاش)فهي حيث جرت حرف معناه الاستثناء،كذا قال سيبويه،و قد ينصب به،تقول:حاشى زيد و حاشى زيدا،قال المبرّد:النّصب أولى؛إذ قد صحّ أنّها فعل بقولهم:حاش لزيد،و الحرف لا يحذف منه.

يظهر من مجموع كلام سيبويه و المبرّد أنّ الحرف يخفض به لا غير،و أنّ الفعل هو الّذي ينصب به،فهذه اللّفظة تستعمل فعلا و حرفا،و هي في بعض المواضع فعل وزنه فاعل،و ذلك في قراءة من قرأ «حاشى للّه» معناه مأخوذ من معنى الحرف،و هو إزالة الشّيء عن معنى مقرون به.و هذا الفعل مأخوذ من(الحشا)أي هذا في حشى و هذا في حشى.

ص: 277

و منه الحاشية كأنها مباينة لسائر ما هي له،و من المواضع الّتي حاشى فيه فعل هذه الآية،يدلّ على ذلك دخولها على حرف الجرّ،و الحروف لا تدخل بعضها على بعض،و يدلّ على ذلك حذف الياء منها في قراءة الباقين (حاش)على نحو حذفهم من«لا أبال،و لا أدر،و لو تر».

و لا يجوز الحذف من الحروف إلاّ إذا كان فيها تضعيف مثل:لعلّ،فيحذف و يرجع علّ،و يعترض في هذا الشّرط ب«منذ»و قد حذف دون تضعيف،فتأمّله.

و من ذلك في حديث خالد يوم مؤتة:فحاشى بالنّاس،فمعنى«حاشى للّه»أي حاش يوسف لطاعة اللّه، أو لمكان من اللّه،أو لترفيع اللّه له أن يرمى بما رميته به،أو يدعى إلى مثله،لأنّ تلك أفعال البشر،و هو ليس منهم إنّما هو ملك-هكذا رتّب أبو عليّ الفارسيّ معنى هذا الكلام،على هاتين القراءتين اللّتين في السّبع-و أمّا قراءة أبيّ بن كعب و ابن مسعود،فعلى أنّ«حاشى» حرف استثناء.

و تسكين الشّين في إحدى قراءتي الحسن،ضعيف، جمع بين ساكنين،و قراءته الثّانية محذوفة الألف من «حاشى».[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:239)

الطّبرسيّ: [نقل القراءات مع توجيه بعضها ثمّ قال:]

و أمّا من قرأ «حاش اللّه» فعلى أصل اللّغة يكون حرف جرّ كما جاء في البيت:

*حاشى أبي ثوبان إنّ به*

و أمّا«حاش الإله»فمحذوف من(حاشا)تخفيفا، و هو كقولك:حاش المعبود.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا«حاش اللّه»فضعيف،لالتقاء السّاكنين فيه، و لإسكان الشّين بعد حذف الألف و لا موجب لذلك.

[إلى أن قال:]

و«حاشى للّه»أي صار يوسف في حشا،أي ناحية ممّا قذف به،أي لم يلابسه،و المعنى بعد يوسف عن هذا الّذي رمي به اللّه،أي لخوفه و مراقبته أمر اللّه.هذا قول أكثر المفسّرين قالوا:هذا تنزيه ليوسف عمّا رمته به امرأة العزيز،و قال آخرون:هذا تنزيه له من شبه البشر لفرط جماله،و يدلّ على هذا سياق الآية.(3:229)

القرطبيّ: أي معاذ اللّه،و روى الأصمعيّ عن نافع أنّه قرأ كما قرأ أبو عمرو بن العلاء (و قلن حاشا للّه) بإثبات الألف و هو الأصل،و من حذفها جعل اللاّم في (للّه)عوضا منها.

و فيها أربع لغات:يقال:حاشاك،و حاشا لك، و حاش لك،و حشا لك.

و يقال:حاشا زيد و حاشا زيدا.قال النّحّاس:

و سمعت عليّ بن سليمان يقول سمعت:محمّد بن يزيد يقول:

النّصب أولى،لأنّه قد صحّ أنّها فعل لقولهم:حاش لزيد، و الحرف لا يحذف منه.

و قال بعضهم:(حاش)حرف و«أحاشي»فعل، و يدلّ على كون(حاشا)فعلا وقوع حرف الجرّ بعدها.

و حكى أبو زيد عن أعرابيّ:«اللّهمّ اغفر لي و لمن يسمع حاشا الشّيطان و أبا الأصبغ»فنصب بها.

و قرأ الحسن «و قلن حاش للّه» بإسكان الشّين، و عنه أيضا «حاش الإله» ،ابن مسعود و أبيّ: «حاش اللّه» بغير لام.[ثمّ نقل كلام الزّجّاج و قال:]

ص: 278

و قال أبو عليّ: هو فاعل من المحاشاة،أي حاشا يوسف و صار في حاشية و ناحية مما قرف به،أو من أن يكون بشرا فحاشا،و حاش في الاستثناء حرف جرّ عند سيبويه،و على ما قال المبرّد و أبو عليّ فعل.[و استشهد بالشّعر مرّتين](9:181)

البيضاويّ: تنزيها للّه من صفات العجز،و تعجّبا من قدرته على خلق مثله.و أصله(حاشا)كما قرأه أبو عمرو في«الدّرج»،فحذفت ألفه الأخيرة تخفيفا،و هو حرف يفيد معنى التّبرئة في باب الاستثناء،وضع موضع التّنزيه،و(اللاّم)للبيان كما في قولك:«سقيا لك».و قرئ «حاشا اللّه»بغير لام بمعنى براءة اللّه،و«حاشا للّه» بالتّنوين على تنزيله منزلة المصدر.و قيل:(حاشا)فاعل من الحشاء الّذي هو النّاحية،و فاعله ضمير يوسف،أي صار في ناحية للّه ممّا يتوهّم فيه.(1:494)

نحوه شبّر.(3:275)

أبو حيّان :قرأ الجمهور حاشَ لِلّهِ بغير ألف بعد الشّين،و(للّه)بلام الجرّ.و قرأ أبو عمرو «حاشَ لِلّهِ» بغير ألف و لام الجرّ.و قرأت فرقة منهم الأعمش «حشى» على وزن رمى للّه بلام الجرّ.و قرأ الحسن «حاش» بسكون الشّين وصلا و وقفا بلام الجرّ.و قرأ أبيّ و عبد اللّه «حاشى اللّه»بالإضافة،و عنهما كقراءة أبي عمرو،قال صاحب«اللّوامح».و قرأ الحسن«حاش الإله»،قال ابن عطيّة محذوفا من حاشى.و قال صاحب«اللّوامح»بحذف الألف.و هذه تدلّ على كونه حرف جرّ يجرّ ما بعده،فأمّا «الإله»فإنّه فكّه عن الإدغام و هو مصدر أقيم مقام المفعول،و معناه المألوه بمعنى المعبود،قال:و حذفت الألف من(حاش)للتّخفيف،انتهى.

و هذا الّذي قاله ابن عطيّة و صاحب«اللّوامح»:من أنّ الألف في«حاشى»في قراءة الحسن محذوفة،لا تتعيّن إلاّ أن نقل عنه أنّه يقف في هذه القراءة بسكون الشّين، فإن لم ينقل عنه في ذلك شيء فاحتمل أن تكون الألف حذفت لالتقاء السّاكنين؛إذا الأصل«حاشى الإله»ثمّ نقل فحذف الهمزة و حرّك اللاّم بحركتها،و لم يعتدّ بهذا التّحريك،لأنّه عارض كما تنحذف في«يخشى الإله».

و لو اعتدّ بالحركة لم تحذف الألف.

و قرأ أبو السّمال «حاشا للّه» بالتّنوين كرعيا للّه،فأمّا القراءات«للّه»بلام الجرّ في غير قراءة أبي السّمال فلا يجوز أن يكون ما قبلها من«حاشى أو حاش أو حشى أو حاش»حرف جرّ،لأنّ حرف الجرّ لا يدخل على حرف الجرّ،و لأنّه تصرّف فيهما بالحذف.و أصل التّصرّف بالحذف أن لا يكون في الحروف.

و زعم المبرّد و غيره كابن عطيّة أنّه يتعيّن فعليّتها، و يكون الفاعل ضمير يوسف،أي حاشى يوسف أن يقارف ما رمته به.و معنى(للّه)لطاعة اللّه،أو لمكانه من اللّه،أو لترفيع اللّه أن يرمى بما رمته به أو يذعن إلى مثله، لأنّ تلك أفعال البشر و هو ليس منهم،إنّما هو ملك، و على هذا تكون(اللاّم)في(للّه)للتّعليل،أي جانب يوسف المعصية لأجل طاعة اللّه،أو لما ذهب قبل.

و ذهب غير المبرّد إلى أنّها اسم و انتصابها انتصاب المصدر الواقع بدلا من اللّفظ بالفعل،كأنّه قال:تنزيها للّه،و يدلّ على اسميّتها قراءة أبي السّمال:«حاشا»منوّنا.

و على هذا القول يتعلّق(للّه)بمحذوف على البيان ك«لك

ص: 279

بعد سقيا»و لم ينوّن في القراءات المشهورة مراعاة لأصله الّذي نقل منه و هو الحرف،أ لا تراهم قالوا:من عن يمينه، فجعلوا«عن»اسما و لم يعربوه،و قالوا:من عليه،فلم يثبتوا ألفه مع المضمر،بل أبقوا«عن»على بنائه و قلبوا ألف«على»مع الضّمير مراعاة لأصلها.

و أما قراءة الحسن و قراءة أبيّ بالإضافة فهو مصدر مضاف إلى ألفه،كما قالوا:سبحان اللّه،و هذا اختيار الزّمخشريّ.

و قال ابن عطية:و أمّا قراءة أبيّ بن كعب و ابن مسعود فقال أبو عليّ:إنّ«حاشى»حرف استثناء كما قال الشّاعر:

*حاشى أبي ثوبان*

انتهى.

و أمّا قراءة الحسن(حاش)بالتّسكين ففيها جمع بين ساكنين و قد ضعّفوا ذلك.قال الزّمخشريّ و المعنى تنزيه اللّه من صفات العجز،و التّعجّب من قدرته على خلق جميل مثله.و أمّا قوله: حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ فالتّعجّب من قدرته على خلق عفيف مثله.

(5:303)

الآلوسيّ: أصله(حاشا اللّه)بالألف كما قرأ أبو عمرو في«الدّرج»،فحذفت ألفه الأخيرة تخفيفا،و هو على ما قيل:حرف وضع للاستثناء و التّنزيه معا،ثمّ نقل و جعل اسما بمعنى التّنزيه،و تجرّد عن معنى الاستثناء،و لم ينوّن مراعاة لأصله المنقول عنه،و كثيرا ما يراعون ذلك، أ لا تراهم قالوا:جلست من عن يمينه؟فجعلوا«عن» اسما و لم يعربوه،و قالوا:غدت من عليه،فلم يثبتوا ألف «على»مع المضمر،كما أثبتوا ألف«فتى»في فتاه،كلّ ذلك مراعاة للأصل،و«اللاّم»للبيان فهي متعلّقة بمحذوف.

و ردّ في«البحر»دعوى إفادته التّنزيه في الاستثناء بأنّ ذلك غير معروف عند النّحاة،و لا فرق بين:قام القوم إلاّ زيدا،و حاشا زيدا.و تعقّب بأنّ عدم ذكر النّحاة ذلك لا يضرّ؛لأنّه وظيفة اللّغويّين لا وظيفتهم.

و اعترض بعضهم حديث النّقل بأنّ الحرف لا يكون اسما إلاّ إذا نقل و سمّي به و جعل علما،و حينئذ يجوز فيه الحكاية و الإعراب،و لذا جعله ابن الحاجب اسم فعل بمعنى برئ اللّه تعالى من السّوء،و لعلّ دخول اللاّم كدخولها في هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ المؤمنون:

36،و كون المعنى على المصدريّة لا يرد عليه،لأنّه قيل:

إنّ أسماء الأفعال موضوعة لمعاني المصادر،و هو المنقول عن الزّجّاج.

نعم ذهب المبرّد،و أبو عليّ،و ابن عطيّة،و جماعة:إلى أنّه فعل ماض بمعنى جانب،و أصله من حاشية الشّيء:

وحشيه،أي جانبه و ناحيته،و فيه ضمير يوسف و اللاّم للتّعليل متعلّقة به،أي جانب يوسف ما قرف به للّه تعالى؛ أي لأجل خوفه و مراقبته.و المراد تنزيهه و بعده،كأنّه صار في جانب عمّا اتّهم به،لما رؤي فيه من آثار العصمة و أبّهة النّبوّة عليه الصّلاة و السّلام.و لا يخفى أنّه على هذا يفوت معنى التّعجّب.

و استدلّ على اسميّتها بقراءة أبي السّمال «حاشا للّه» بالتّنوين،و هو في ذلك على حدّ:«سقيا لك».

و جوّز أن يكون اسم فعل و التّنوين كما في«صه»، و كذا بقراءة أبيّ،و عبد اللّه رضي اللّه تعالى عنهما«حاشا

ص: 280

اللّه»بالإضافة كسبحان اللّه.

و زعم الفارسيّ أنّ(حاشا)في ذلك حرف جرّ مرادا به الاستثناء.

و ردّ بأنّه لم يتقدّمه هنا ما يستثنى منه،و جاء في رواية عن الحسن أنّه قرأ «حاش للّه» بسكون الشّين وصلا و وقفا مع لام الجرّ في الاسم الجليل على أنّ الفتحة اتبعت الألف في الإسقاط،لأنّها كالعرض اللاّحق لها.

و ضعّفت هذه القراءة بأنّ فيها التقاء السّاكنين على غير حدّه.و في رواية أخرى عنه أنّه قرأ «حاش الإله».

و قرأ الأعمش «حشا للّه» بحذف الألف الأولى،هذا.

و استدل المبرّد،و ابن جنّيّ،و الكوفيّون على أنّ (حاش)قد تكون فعلا بالتّصرّف فيها بالحذف كما علمت في هذه القراءات،و بأنّه قد جاء المضارع منها.

و مقصودهم الرّدّ على-س (1)-و أكثر البصريّة حيث أنكروا فعليّتها،و قالوا:إنّها حرف دائما بمنزلة «إلاّ»لكنّها تجرّ المستثنى،و كأنّه لم يبلغهم النّصب بها كما في قوله:

*حاشا قريشا فإنّ اللّه فضّلهم*

و ربّما يجيبون عن التّصرّف بالحذف:بأنّ الحذف قد يدخل الحرف كقولهم:أما و اللّه،و أم و اللّه.نعم ردّ عليهم أيضا:بأنّها تقع قبل حرف الجرّ.

و يقابل هذا القول ما ذهب إليه الفرّاء:من أنّها لا تكون حرفا أصلا بل هي فعل دائما و لا فاعل لها، و الجرّ الوارد بعدها كما في:

*حاشاي إنّي مسلم معذور*

و البيت المارّ آنفا بلام مقدّرة.

و الحقّ أنّها تكون فعلا تارة فينصب ما بعدها،و لها فاعل و هو ضمير مستكنّ فيها وجوبا،يعود إمّا على البعض المفهوم من الكلام،أو المصدر المفهوم من الفعل، و لذا لم يثنّ،و لم يجمع،و لم يؤنّث،و حرفا أخرى و يجرّ ما بعدها،و لا تتعلّق بشيء كالحروف الزّائدة عند ابن هشام،أو تتعلّق بما قبلها من فعل أو شبهه عند بعض،و لا تدخل عليها إلاّ كما إذا كانت فعلا،خلافا للكسائيّ في زعمه جواز ذلك إذا جرّت،و أنّها إذا وقعت قبل لام الجرّ كانت اسم مصدر مرادفا للتّنزيه،و تمام الكلام في محلّه.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](12:230)

ابن عاشور :تركيب عربيّ جرى مجرى المثل يراد منه إبطال شيء عن شيء و براء منه.و أصل«حاشا» فعل يدلّ على المباعدة عن شيء ثمّ يعامل معاملة الحرف فيجرّ به في الاستثناء،فيقتصر عليه تارة و قد يوصل به اسم الجلالة فيصير كاليمين على النّفي،يقال:حاشا اللّه، أي أحاشيه عن أن يكذب،كما يقال:«لا أقسم».و قد تزاد فيه لام الجرّ فيقال:حاشا للّه،و حاش للّه،بحذف الألف أي حاشا لأجله،أي لخوفه أن أكذب.حكي بهذا التّركيب كلام قالته النّسوة يدلّ على هذا المعنى في معنى لغة القبط بالمعنى.

و قرأ أبو عمرو«حاشا اللّه»بإثبات ألف حاشا في الوصل،و قرأ البقيّة بحذفها فيه،و اتّفقوا على الحذف في حالة الوقف.(12:55)

2- قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِة.

ص: 281


1- لعلّه سبعة و المقصود القراءات السّبعة.

قُلْنَ حاشَ لِلّهِ... يوسف:51

ابن عبّاس: معاذ اللّه.(198)

نحوه البغويّ(2:496)،و القرطبيّ(9:207)، و الشّوكانيّ(3:43).

الزّجّاج: قرأ الحسن (حاش للّه) ،بتسكين الشّين.

و لا اختلاف بين النّحويّين أنّ الإسكان غير جائز،لأنّ الجمع بين ساكنين لا يجوز،و لا هو من كلام العرب.

(3:115)

الطّوسيّ: حكاية عمّا أجابته به النّسوة،فإنّهنّ قلن للملك على وجه التّنزيه: حاشَ لِلّهِ، أي عياذ باللّه، و تنزيها من هذا الأمر،كقوله: مَعاذَ اللّهِ يوسف:79، و قد يستثنى به،فيقال:أتاني القوم حاشى زيد،بمعنى إلاّ زيدا.(6:153)

نحوه الطّبرسيّ(3:240)،و النّسفيّ(2:220)، و الشّربينيّ(2:114).

الزّمخشريّ: تعجيبا من عفّته و ذهابه بنفسه عن شيء من الرّيبة و من نزاهته عنها.(2:326)

نحوه البيضاويّ(1:499)،و النّيسابوريّ(13:

12)،و الكاشانيّ(3:25)،و أبو السّعود(3:402)، و الآلوسيّ(12:259).

ابن عطيّة: المعنى:فجمع الملك النّسوة و امرأة العزيز معهنّ،و قال لهنّ: ما خَطْبُكُنَّ... أي:أيّ شيء كانت قصّتكنّ؟فهو استدعاء منه أن يعلمنّه القصّة، فجاوب النّساء بجواب جيّد تظهر منه براءة أنفسهنّ جملة و أعطين يوسف بعض براءة،و ذلك أنّ الملك لمّا قرّر لهنّ أنّهنّ راودنه،قلن جوابا عن ذلك: حاشَ لِلّهِ في جهة يوسف عليه السّلام.(3:253)

نحوه أبو حيّان.(5:317)

البروسويّ: أصله«حاشا»بالألف فحذفت للتّخفيف،و هو في الأصل حرف وضع هنا موضع المصدر،أي التّنزيه و(اللاّم)لبيان من يبرّأ و ينزّه،و قد سبق في هذه السّورة فهو تنزيه له و تعجّب من قدرته على خلق عفيف مثله.(4:272)

المراغيّ: أي معاذ اللّه،ما علمنا عليه سوء يشينه و يسوءه لا قليلا و لا كثيرا.(12:158)

المصطفويّ: أي قالت النّسوة و قد تنزّه ذيل يوسف عن البشريّة و عن السّوء و عمّا يقال في حقّه، و هذا الإظهار و العقيدة منّا في حقّه خالص للّه تعالى، لا يشوب فيه نظر آخر،فالجارّ متعلّق بقوله:(قلن).

و يمكن أن يتعلّق بقوله:(حاش)فإنّ فيه معنى الفعل،أي تنزّه يوسف للّه تعالى،و أنّه عبده الخالص الطّاهر عن الشّوائب.و الحقّ أن يقال:إنّ جملة حاشَ لِلّهِ في مقام التّعجّب،كما في قولهم:«سبحان اللّه ما فعلت كذا».

(2:342)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحوش،أي التّوحّش؛ قيل:هو حيّ من الجنّ،و قيل:بلاد الجنّ من وراء رمل يبرين،لا يمرّ بها أحد من النّاس،و الحوشيّة:الإبل المتوحّشة،منسوبة إلى الحوش،و هي فحول جنّ.

و رجل حوشيّ: لا يخالط النّاس و لا يألفهم؛يقال:

فيه حوشيّة،أي وحشيّة،و ليل حوشيّ:مظلم هائل،

ص: 282

و حوشيّ الكلام:وحشيّة و غريبه؛يقال:فلان يتتبّع حوشيّ الكلام،و وحشيّ الكلام،و عقميّ الكلام،و رجل حوش الفؤاد:حديده.

و الحوش:إحاطة الذّئب بالغنم و جمعها؛يقال:حاش الذّئب الغنم حوشا،أي جمعها،و منه قولهم:حشنا الصّيد حوشا و حياشا،و أحشناه و أحوشناه،أي أخذناه من حواليه لنصرفه إلى الحبالة و ضممناه،و حشت عليه الصّيد و الطّير حوشا و حياشا،و أحشته عليه،و أحوشته عليه و أحوشته إيّاه:أعنته على صيدهما،و احتوش القوم الصّيد:نفّره بعضهم على بعض.و الحوش أيضا:الدّار، لأنّها تجمع أهلها.

و حمل عليه قولهم:حشت الإبل،أي جمعتها و سقتها،و حوّش:جمع،و احتوش القوم فلانا و تحاوشوه بينهم:جعلوه وسطهم.

و التّحويش:التّحويل،و تحوّش القوم عنّي:تنحّوا، و انحاش عنه:نفر،لأنّ التّنحّي و النّفار من خلق الوحش.

و التّحوّش:الاستحياء،و الحواشة:ما يستحيا منه، تشبيها بطبيعة الوحوش؛يقال:لا تغش الحواشة.

و الحائش:النّخل الملتفّ المجتمع،كأنّه لالتفافه يحوش بعضه إلى بعض،ثمّ أطلق على المجتمع من الشّجر، نخلا كان أو غيره.

و المحاش:أثاث البيت،و أصله من الحوش،و هو جمع الشّيء و ضمّه.

2-و حاشا:كلمة يستثنى بها؛يقال:حاشا فلان، و حاشا لفلان،و حاشا فلانا،و حشا فلان،و من العرب من يقول:حاش لفلان،فيسقط الألف،و قد قرئ في القرآن بالوجهين: حاشَ لِلّهِ و«حاشا للّه»،أي براءة للّه و معاذا.

و عدّ أغلب اللّغويّين الألف المحذوفة من«حاش» لاما،فهو من(ح ش و)،و هو الظّاهر من الحال و الاشتقاق؛قال الزّجّاج: حاشَ لِلّهِ اشتقّ من قولك:

كنت في حشا فلان،أي في ناحية فلان.و قال الفرّاء:هو من:«حاشيت أحاشي»؛يقال:شتمتهم و ما حاشيت منهم أحدا،و ما تحشّيت و ما حاشيت:ما قلت:حاشا لفلان.و ما استثنيت منهم أحدا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حاش»مرّتين في آيتين:

1- ...فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هذا بَشَراً... يوسف:31

2- ...قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ...

يوسف:51

يلاحظ أوّلا:أنّ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ في(1)استعملت في نفي البشريّة عن يوسف،و فيها بحوث:

1-فسّر بقول:سبحان اللّه،أو معاذ اللّه،أي ننزّهه و نستثنيه من هذا الأمر.و قال الزّمخشريّ:«المعنى تنزيه اللّه تعالى من صفات العجز و التّعجّب من قدرته على خلق جميل مثله».

و قال الواحديّ: «قالوا:هذا تنزيه ليوسف عمّا رمته به امرأة العزيز،و قال آخرون:هذا تنزيه له من تهمة البشر لفرط جماله،يدلّ على هذا سياق الآية».

2-قرئ «حاشا للّه» بألف ممدود أو مقصور،و هي قراءة منسوبة إلى أبي عمرو،من قولهم:حاشاك و حاشا لك.و نسبها الطّبريّ إلى البصريّين،كما نسب القراءة

ص: 283

المشهورة إلى الكوفيّين،و ردّ ما سواهما بقوله:«و ما عدا ذلك فلغات لا تجوز القراءة بها،لأنّا لا نعلم قارئا قرأ بها».

و الغريب أنّه روى قراءة ابن مسعود «حاش للّه» بسكون الشّين،و تعقّبه قائلا:«يجمع بين السّاكنين»، فكيف جهل من كان يقرأ دون تلكما القراءتين؟!

3-إن قيل:كيف قالت النّسوة: حاشَ لِلّهِ و هنّ من قوم وثنيّين لا يعرفون اللّه و لا يعبدونه؟

قلنا:هذا حكاية عن حالهنّ في ذلك الموقف لقوم يعبدونه،فعبّر به عمّا يعرفونه بلسانهم.

ثانيا:أنّ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ في(2)استعملت في نفي السّوء عن يوسف،و فيها بحوث:

1-شهدت النّسوة ليوسف بعفّته و طهارته ممّا اتّهم به،و كان قد حملهنّ على الاعتراف ليشهدن له على قول امرأة العزيز بحضوره و حضورهنّ: وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ يوسف:32،فقال: ما بالُ النِّسْوَةِ اللاّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ يوسف:50؟و هو يريد اعترافها بخطيئتها،فاعترفت صاغرة: أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ.

و هو من حنكة يوسف و حسن تدبيره،بإلهام و تسديد من اللّه،و هو قوله: كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ يوسف:76.

2-وردت قُلْنَ حاشَ لِلّهِ في سورة يوسف فقط، و هي حكاية عن النّسوة حول تنزيه يوسف عن البشريّة تارة،و عن السّوء تارة أخرى.غير أنّ(1) سبقت بالواو،و هي واو العطف،عطف على وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ. و لم تسبق(2)بشيء،لأنّها استئناف بيانيّ جوابا للسّؤال: قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ؟

3-قال المصطفويّ: إنّ الجارّ في قُلْنَ حاشَ لِلّهِ متعلّق ب(قلن)،ثمّ احتمل تعلّقه ب(حاش)مع أنّ هذا هو المتعيّن بحجّة ما جاء في اللّغة«حاش لفلان»،و الأوّل لا يساوقه السّياق في الموردين.

4-عمد يوسف بإرجاع التّهمة إلى النّسوة دون امرأة العزيز فقط حيث قال: ما بالُ النِّسْوَةِ اللاّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ و ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ يوسف:50 و 51،لأنّهنّ كنّ شريكات لامرأة العزيز في فرط محبّتهنّ و عشقهنّ به،و فى الميل بل الدّعوة إلى الاستمتاع بيوسف حيث صرّح يوسف به بقوله: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ يوسف:33، و كان هذا يقوّي حجّة يوسف أمام العزيز ببرائته ممّا اتّهم به.

5-أبى يوسف عليه السّلام أن يخرج من السّجن بأمر الملك حين قال: اِئْتُونِي بِهِ و هو مطأطئ الرّأس،متّهما بما رمي به،فقال لرسوله: اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ، إمعانا منه بالذّبّ عن حقّه،و إثبات براءته،و ردّا لمنّته عليه.و لمّا تحقّق له ما أراد بانتزاع شهادة النّسوة له ببراءته حاشَ لِلّهِ، و اعتراف المتّهم بجنايته أَنَا راوَدْتُهُ، خرج من السّجن مرفوع الرّأس،بريئا ممّا رمي به، فأجاب نداء الملك الّذي بعث إليه رسوله مرّة أخرى قائلا: اِئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي. فمشى إليه معزّزا مكرّما،و ليس لأحد في مصر عليه فضل و لا منّة،سوى فضل اللّه؛إذ قال شاكرا ربّه: وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ يوسف:100.

ص: 284

ح و ط

اشارة

13 لفظا،28 مرّة:17 مكّيّة،11 مدنيّة

في 18 سورة:11 مكّيّة،7 مدنيّة

احاط 5:3-2 يحيطون 2:1-1

احاطت 1:-1 تحط 2:2

احطت 1:1 تحيطوا 1:1

احطنا 1:-1 يحاط 1:1

احيط 2:2 محيط 7:4-3

يحيطوا 1:1 محيطا 2:-2

لمحيطة 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حاط يحوط حوطا و حياطة.و الحمار يحوط عانته:يجمعها،و الاسم:الحيطة،يقال:حاطه حيطة،إذا تعاهده.

و احتاطت الخيل بفلان و أحاطت به،أي أحدقت.

و كلّ من أحرز شيئا كلّه،و بلغ علمه أقصاه،فقد أحاط به،يقال:هذا أمر ما أحطت به علما.

و سمّي الحائط،لأنّه يحوط ما فيه.و تقول:حوّطت حائطا.

و الحواط:حضيرة تتّخذ للطّعام،و الشّيء يقلع عنه سريعا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحوّاط:هم الّذين يحوطونها يمنعون من ذلك.

و جماعة الحائط:حيطان.(3:276)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحوط:هلال من فضّة،أو درّة،أو ما كان يعقد في قصّة الغلام أو الجارية،يقال:

حوّطوا غلامكم.(1:142)

الفرّاء: الحوط:شيء تعلّقه الجارية على جبينها من فضّة أو نحوها.(الصّاحب 3:176)

و يحيط،و تحيط،و تحيط بكسر التّاء:السّنة الشّديدة.(الصّغانيّ 4:122)

أبو زيد :حطت قومي،و أحطت الحائط.

(الأزهريّ 5:185)

ص: 285

ابن بزرج:يقولون للدّراهم إذا نقصت في الفرائض أو غيرها:هلمّ حوطها.و الحوط:ما يتمّ به دراهمه.(الأزهريّ 5:184)

ابن الأعرابيّ: الحوط:خيط مفتول من لونين أحمر و أسود،يقال له:البريم،تشدّه المرأة في وسطها لئلاّ تصيبها العين،فيه خرزات و هلال من فضّة،يسمّى ذلك الهلال:الحوط،فسمّي الخيط به.و يقال للأرض المحاط عليها حائط و حديقة،فإذا لم يحط عليها فهي ضاحية.

(5:184)

حط حط:إذا أمرته بصلة الرّحم،و حط حط:إذا أمرته بأن يحلّي صبيّه بالحوط،و هو هلال من فضّة.(الأزهريّ 5:185)

ابن السّكّيت: تحوط:السّنة الشّديدة،و يقال:

تحيط.[ثمّ استشهد بشعر](الصّغانيّ 4:122)

نحوه القاليّ.(ذيل الأماليّ: 36)

المبرّد: الحائط:البستان.(2:36)

تحوط و قحوط و كحل و حجرة:أسماء السّنة المجدبة.(2:63)

ابن دريد :الحوط:مصدر حطته أحوطه حوطا،إذا حفظته،و قد سمّت العرب حوطا و حويطا.و حوط الحظائر:رجل من النّمر بن قاسط كانت له منزلة من المنذر الأكبر،و له حديث.(2:173)

و حطت الشّيء أحوطه حوطا.(3:234)

و تحوط:سنة مجدبة.[ثمّ استشهد بشعر](3:423)

الأزهريّ: حاوطت فلانا محاوطة،إذا داورته في أمر تريده منه،و هو يأباه،كأنّك تحوطه و يحوطك.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحيط بفلان،إذا دنا هلاكه،فهو محاط به،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ الكهف:

42،أي أصابه ما أهلكه و أفسده.(5:184)

الصّاحب:[ذكر نحو الخليل و أضاف:]

و الحائط:النّخل المجتمع،و ثلاثة أحواط،و الكثير:

الحوطان.

و استحاط السّائل و التّاجر استحاطة:و هو استدراج و تقرير.

و سنة تحوط و تحيط و تحيط،أي تحيط بأموال النّاس و تستأصلها،من قوله عزّ و جلّ: وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ.

و وقعوا في تحيط،أي في الشّدّة.

و الحطّة:الجماعة،حاطوا:اجتمعوا.

«و حطني القصا»أي تباعد عنّي.[ثمّ استشهد بشعر]

و حاطهم اللّه قصاهم و بقصاهم:بهذا المعنى.

و الحوطة:هي اللّعبة،تسمّى الدّارة.(3:175)

ابن جنّيّ: الحائط:اسم بمنزلة السّقف و الرّكن،و إن كان فيه معنى الحوط.(ابن سيده 3:484)

الجوهريّ: الحائط:واحد الحيطان،صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

و حوّط كرمه تحويطا:بنى حوله حائطا،فهو كرم محوّط.

و منه قولهم:أنا أحوّط حول ذلك الأمر،أي أدور.

و الحواطة:حظيرة تتّخذ للطّعام.

و الحيطة بالكسر:الحياطة،و هما من الواو.

و قد حاطه يحوطه حوطا و حيطة و حياطة،أي كلأه

ص: 286

و رعاه.

و مع فلان حيطة لك-و لا تقل عليك-أي تحنّن و تعطّف.

و الحمار يحوط عانته،أي يجمعها.

و احتاط الرّجل لنفسه،أي أخذ بالثّقة.

و أحاط به،أي علمه،و أحاط به علما.

و أحاطت الخيل بفلان و احتاطت به،أي أحدقت به.(3:1121)

ابن فارس: الحاء و الواو و الطّاء كلمة واحدة،و هو الشّيء يطيف بالشّيء.فالحوط من حاطه حوطا.و الحمار يحوط عانته:يجمعها.و حوّطت حائطا،و يقال:إنّ الحواطة حظيرة تتّخذ للطّعام.و الحوط:شيء مستدير تعلّقه المرأة على جبينها من فضّة.(2:120)

أبو هلال :الفرق بين العالم بالشّيء و المحيط به،أنّ أصل المحيط المطيف بالشّيء من حوله بما هو كالسّور الدّائر عليه،يمنع أن يخرج عنه ما هو منه،و يدخل فيه ما ليس فيه،و يكون من قبيل العلم و قبيل القدرة مجازا، فقوله تعالى: وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً النّساء:

126،يصلح أن يكون معناه أنّ كلّ شيء في مقدوره، فهو بمنزلة ما قبض القابض عليه في إمكان تصريفه، و يصلح أن يكون معناه أنّه يعلم بالأشياء من جميع وجوهها،و قال: قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً الطّلاق:

12،أي علمه من جميع وجوهه،و قوله: وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ الجنّ:28،يجوز في العلم و القدرة،و قال: قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها الفتح:21،أي قد أحاط بها لكم بتمليككم إيّاه،و قال: وَ اللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ البقرة:

19،أي لا يفوتونه،و هو تخويف شديد بالغلبة،فالمعلوم الّذي علم من كلّ وجه بمنزلة ما قد أحيط به بضرب سور حوله،و كذلك المقدور عليه من كلّ وجه،فإذا أطلق اللّفظ فالأولى أن يكون من جهة المقدور،كقوله تعالى: وَ اللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ، و قوله: وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً. و يجوز أن يكون من الجهتين،فإذا قيّد بالعلم فهو من جهة المعلوم لا غير،و يقال للعالم بالشّيء:عالم،و إن عرف من جهة واحدة،فالفرق بينهما بيّن.و قد أحطت في الأمر،إذا أحكمته،كأنّك منعت الخلل أن يدخله.و إذا أحيط بالشّيء علما فقد علم من كلّ وجه يصحّ أن يعلم منه،و إذا لم يعلم الشّيء مشاهدة لم يكن علمه إحاطة.(75)

الثّعالبيّ: أحيط بفلان،إذا دنا هلاكه.(310)

أبو سهل الهرويّ: و هو الحائط-بالألف-للجدار، لأنّه فاعل من حاط بالمكان يحوط،أي أحدق به.و لا تقل:حيط.(96)

ابن سيده: حاطه حوطا و حياطة:حفظه و تعهّده.

و تحوّطه:كحوّطه.

و احتاط الرّجل،أخذ في أموره بالأحزم.

و الحوطة و الحيطة و الحيطة:الاحتياط.

و حاطه اللّه حوطا و حياطة،و الاسم:الحيطة:صانه و كلأه.

و العير يحوط عانته:يجمعها.

و الحائط:الجدار،لأنّه يحوط ما فيه،و الجمع:

حيطان،قال سيبويه:و كان قياسه حوطانا.و حكى ابن الأعرابيّ في جمعه:حياط،كقائم و قيام،إلاّ أنّ حائطا قد

ص: 287

غلب عليه الاسم،فحكمه أن يكسّر على ما يكسّر عليه(فاعل)إذا كان اسما.

و حوط حائطا:عمله.

و الحواط:حظيرة تتّخذ للطّعام،لأنّها تحوطه.

و المحاط:المكان الّذي يكون خلف المال و القوم يستديرهم و يحوطهم.

و حواط الأمر:قوامه.

و كلّ من بلغ أقصى شيء و أحصى علمه،فقد أحاط به.

و أحاطت الخيل به و حاطت و احتاطت:أحدقت.

و قوله تعالى: وَ اللّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ البروج:

20،أي لا يعجزه أحد قدرته مشتملة عليهم.

و حاطهم قصاهم و بقصاهم:قاتل عنهم.

و تحوط و تحيط و تحيط و التّحوّط و التّحيط كلّه:

اسم للسّنة الشّديدة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(3:483)

الطّوسيّ: يقال:حاطه يحوطه حوطا،إذا حفظه من سوء يلحقه،و منه الحائط،لأنّه يحيط بما فيه.و أحاط به:

جعل عليه كالحائط الدّائر.و الاحتياط:الاجتهاد في حفظ الشّيء.(1:95)

و الإحاطة:أصله ضرب السّور حول الشّيء،و منه قيل:يعلمه علم إحاطة،أي على التّحديد.(6:166)

الرّاغب: الحائط:الجدار الّذي يحوط بالمكان، و الإحاطة تقال على وجهين:

أحدهما:في الأجسام نحو:أحطت بمكان كذا،أو تستعمل في الحفظ نحو: أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ فصّلت:54،أي حافظ له من جميع جهاته.و تستعمل في المنع نحو: إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ يوسف:66،أي إلاّ أن تمنعوا،و قوله: أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ البقرة:81 فذلك أبلغ استعارة،و ذلك أنّ الإنسان إذا ارتكب ذنبا و استمرّ عليه،استجرّه إلى معاودة ما هو أعظم منه،فلا يزال يرتقي حتّى يطبع على قلبه،فلا يمكنه أن يخرج عن تعاطيه.و الاحتياط:استعمال ما فيه الحياطة،أي الحفظ.

و الثّاني في العلم نحو قوله: أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً الطّلاق:12،و قوله عزّ و جلّ: إِنَّ اللّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ آل عمران:120،و قوله: إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ هود:92،و الإحاطة بالشّيء علما،هي أن تعلم وجوده و جنسه و كيفيّته،و غرضه المقصود به و بإيجاده،و ما يكون به و منه،و ذلك ليس إلاّ للّه تعالى، و قال عزّ و جلّ: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ يونس:39،فنفى ذلك عنهم.

و قال صاحب موسى: وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً الكهف:68،تنبيها أنّ الصّبر التّامّ إنّما يقع بعد إحاطة العلم بالشّيء،و ذلك صعب إلاّ بفيض إلهيّ.

و قوله عزّ و جلّ: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يونس:

22،فذلك إحاطة بالقدرة،و كذلك قوله عزّ و جلّ:

وَ أُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها الفتح:21، و على ذلك قوله: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ هود:84.(136)

الزّمخشريّ: حاطك اللّه حياطة،و لا زلت في حياطة اللّه و وقايته.

و رجل حيّط:يحوط أهله و إخوانه.و فلان يتحوّط

ص: 288

أخاه حيطة حسنة:يتعاهده و يهتمّ بأموره.و الحمار يحوط عانته:يحفظها و يجمعها.و حوّطت حائطا،و أحاط بهم العدوّ،و قد احتاط في الأمر و استحاط،سمعتهم يقولون:

فلان يستحيط في أمره و في تجارته،أي يبالغ في الاحتياط و لا يترك.

و من المجاز:أحاط به علما:أتى على أقصى معرفته، كقولك:قتله علما،و علمه علم إحاطة،إذا علمه من جميع وجوهه،لم يفته شيء منها.و أحيط بفلان:

أتي عليه،و فلان محاط به،إذا كان مقتولا مأتيّا عليه. وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ الكهف:42، وَ اللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ البقرة:19.

و أنا أحوّط حول ذلك الأمر و أدوّر،و حاوطه فإنّه سيلين لك،أي داوره،كأنّك تحوطه و هو يحوطك.

و وقعوا في تحيط،أي في سنة تحيط بالنّاس تهلكهم، و في تحوط،من حاط به بمعنى أحاط،أو على سبيل التّفاؤل،و تحيط بكسر التّاء للإتباع.

و إذا نزل بك خطب،فلم يحطّك أخوك،و ترك معونتك قيل:حاطك القصا،و هو تهكّم،أي حاطك في الجانب القصا و هو البعيد،يقال:نسب قصا،و بلد قصا، و معناه لم يحطك،لأنّ من يحوط أخاه،يدنو منه و يسانده، لا أن يحلّ منه في نجوة،و مثله فأعتبوا بالصّيلم،و وصله بطول الهجران،ثمّ كثر حتّى قيل:حطني القصا و إلاّ نكّلت بك،أي تباعد عنّي.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(أساس البلاغة:99)

ابن الأثير: في حديث العبّاس رضى اللّه عنه«قلت:يا رسول اللّه ما أغنيت عن عمّك يعني أبا طالب،فإنّه كان يحوطك و يغضب لك»حاطه يحوطه حوطا و حياطة،إذا حفظه و صانه و ذبّ عنه و توفّر على مصالحه.

و منه الحديث:«و تحيط دعوته من ورائهم»أي تحدق بهم من جميع جوانبهم،يقال:حاطه و أحاط به.

و منه قولهم:«أحطت به علما»أي أحدق علمي به من جميع جهاته و عرفته.

و في حديث أبي طلحة:«فإذا هو في الحائط و عليه خميصة»الحائط هاهنا:البستان من النّخيل،إذا كان عليه حائط و هو الجدار،و قد تكرّر في الحديث،و جمعه:

الحوائط.

و منه الحديث:«على أهل الحوائط حفظها بالنّهار» يعني البساتين،و هو عامّ فيها.(1:461)

الصّغانيّ: يقال:حاوطت فلانا محاوطة،إذا داورته في أمر تريده منه و يأباه،كأنّك تحوطه و يحوطك.[ثمّ استشهد بشعر](4:122)

الفيّوميّ: حاطه يحوطه حوطا:رعاه،و حوّط حوله تحويطا:أدار عليه نحو التّراب حتّى جعله محيطا به، و أحاط القوم بالبلد إحاطة:استداروا بجوانبه.و حاطوا به من باب«قال»لغة في الرّباعيّ،و منه قيل للبناء:حائط، اسم فاعل من الثّلاثيّ،و الجمع:حيطان،و الحائط:

البستان،و جمعه:حوائط.و أحاط به علما:عرفه ظاهرا و باطنا.

و احتاط للشّيء«افتعال»و هو طلب الأحظّ و الأخذ بأوثق الوجوه،و بعضهم يجعل الاحتياط من الياء،و الاسم:الحيط.و حاط الحمار عانته حوطا من باب«قال»،إذا ضمّها و جمعها،و منه قولهم:افعل

ص: 289

الأحوط،و المعنى افعل ما هو أجمع لأصول الأحكام، و أبعد عن شوائب التّأويلات،و ليس مأخوذا من الاحتياط،لأنّ أفعل التّفضيل لا يبنى من خماسيّ.

(1:156)

الجرجانيّ: الإحاطة:إدراك الشّيء بكماله ظاهرا و باطنا.

الاحتياط في اللّغة:هو الحفظ،و في الاصطلاح:حفظ النّفس عن الوقوع في المآثم.(4)

الفيروزآباديّ: حاطه حوطا و حيطة و حياطة:

حفظه و صانه و تعهّده كحوّطه و تحوّطه.

و الحمار عانته:جمعها.

و احتاط:أخذ في الحزم.و الاسم:الحوطة و الحيطة و يكسر.

و الحائط:الجدار.جمعه:حيطان و حياط،و القياس حوطان.و البستان،و ناحية باليمامة.

و حوّط حائطا:عمله.

و الحواطة بالضّمّ:حظيرة تتّخذ للطّعام.

و المحاط:المكان يكون خلف المال،و القوم:

يستدير بهم و يحوطهم.

و حوّاط الأمر:قوامه.

و كلّ من بلغ أقصى شيء و أحصى علمه،فقد أحاط به.

و الحوط:خيط مفتول من لونين أسود و أحمر،فيه خرزات و هلال من فضّة،تشدّه المرأة في وسطها لئلاّ تصيبها العين.

و الحوطة بالضّمّ:لعبة تسمّى الدّارة.

و حط حط:أمر بصلة الرّحم و بتحلية الصّبية بالحوط.

و حويط كزبير:اسم.

و الحوط كعنب:ما تتمّ به الدّراهم،إذا نقصت يقال:

هلمّ حوطها.

و حاطونا القصاء،أي تباعدوا عنّا و هم حولنا،و ما كنّا بالعبد منهم لو أرادونا.

و تحيط و تحوط و تحيط و تحيط بالكسر،و التّحوط و التّحيط.و يحيط بالمثنّاة تحت:السّنة المجدبة،تحيط بالأموال.

و حاوط فلانا:داوره في أمر يريده منه و هو يأباه، كأنّ كلاّ منهما يحوط صاحبه.(2:368)

الطّريحيّ: في الحديث:«خذ بالحائطة لدينك»أي بالاحتياط في أمر الدّين،يقال:احتاط بالأمر لنفسه،أي أخذ بما هو أحوط له،أي أوقى ممّا يخاف.

و احتاط بالشّيء:أحدق به.و احتاط الرّجل:أخذ بالثّقة.

و أنا أحوط ذلك الأمر،أي أدور.

و حاطه يحوطه حوطا و حياطة،إذا حفظه و صانه و ذبّ عنه،و توفّر على مصالحه.

و منه الدّعاء:«و اجعلني في حياطتك».و حياطة الإسلام:حفظه و حمايته.و منه حديث عليّ عليه السّلام:«أشهد أنّك كنت أحوطهم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»،أي أحفظهم و أحماهم له.

قوله:تحيط دعوته من ورائهم،أي تحدق بهم من جميع جوانبهم.و منه:«أحطت به علما»أي أحدق

ص: 290

علمي به من جميع جهاته.

و في حديث ترغيب المرء و كونه مع عشيرته«هم أشدّ النّاس حيطة من ورائه»أي حياطة و حفظا.

و في الحديث«كلّ محبّ لشيء يحوط حول ما أحبّ» يقال:حاطه حوطا و حياطة:كلأه و رعاه.

و الحائط:الجدار،و البستان أيضا من النّخيل،إذا كان عليه حائط (1)،و منه:«دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو يعمل في حائط له»و يجمع على:حيطان،قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

و في الحديث:«الاحتباء حيطان العرب»كأنّه بمنزلة الحيطان الّتي يتّكأ عليها.(4:243)

مجمع اللّغة :1-الإحاطة بالشّيء:الإحداق به من جميع جوانبه.

و أحاط بالشّيء علمه،و أحاط به علما و أحاط به خبرا و أحاط بعلمه:شمله علمه من جميع جهاته،فهو محيط.

و أحاطت به قدرته:شملته.و اسم الفاعل منه محيط، و هي محيطة.

2-أحيط به:حصر و منع سبيل النّجاة.و أحيط به:

أهلك.(1:307)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حوّط البستان:بنى حوله حائطا،و أحاط بالشّيء:أحدق به من كلّ جوانبه.

و أحاط بالأمر علما أو خبرا:علمه من جميع جهاته فهو محيط به بالعلم أو بالقدرة،و جهنّم محيطة بالكافرين:

محدقة بهم،و لا يشذّ عنها أحد منهم.(1:151)

العدنانيّ: احتاطوا بالمدينة،و يقولون:احتاطوا المدينة.و الصّواب:احتاطوا بالمدينة،أي أحدقوا بها.

أحاط الكتمان أو الكتمان بالحديث.

و يقولون:أحاط الحديث بالكتمان.و الصّواب:أحاط الكتمان أو الكتمان بالحديث.

و قد أجمعت المعجمات كلّها على استعمال الفعل أحاط لازما،و قد جاء في مجاز الأساس:أحاط به علما:

أتى على أقصى معرفته.و جاء في الحديث:أحطت به علما،و جاء في الآية:110،من سورة طه: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً لكنّ الدّكتور مصطفى جواد يرى أنّ تطوّر اللّغة يشعر بأنّ أصل«حاطه»هو:«حاط به»،كما أنّ أصل«حفّه»هو«حفّ به».و يرى أنّ تقدير«أحاط به»هو«أحاط الشّيء به»،أي جعله له كالحائط.

و حذف المفعول من جملة الفعل لا يدلّ على أنّ الفعل لازم،و لو كان هذا الحذف شبيها بالدّائم،كمثل صبر و كفّ،فالأصل:صبر نفسه و كفّ نفسه،و على هذا يكون الأصل في الجملة المذكورة آنفا:«حاط الكتمان بالحديث»،فإذا أدخلنا همزة التّعدية قلنا:«أحاط فلان الكتمان بالحديث».

و يستشهد الدّكتور على جواز استعمال الفعل «أحاط»متعدّيا.

1-بما جاء في نهج البلاغة:«أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الّذي ضرب الأمثال،و وقّت لكم الآجال، و ألبسكم الرّياش،و أرفغ لكم المعاش،و أحاط بكم الإحصاء»،أي جعل الإحصاء من حولكم.و الإحصاء في هذه العبارة كالكتمان في تلك العبارة.!!

ص: 291


1- هذا هو الصّحيح،و في الأصل:حائطا!!

2-بما جاء في الدّعاء المرفوع:«اللّهمّ من أراد بنا سوء فأحط به ذلك السّوء،كإحاطة القلائد بترائب الولائد».

و نحن هنا،لا بدّ لنا-بعد ما جاء في المعاجم،و بعد ما أتى به الدّكتور جواد من حجّة دامغة،و مجاراة لما يقوله كثير من أدبائنا المعاصرين-من الموافقة على استعمال الفعل«أحاط»لازما و متعدّيا.

(معجم الأخطاء الشّائعة:73)

محمود شيت:المحيط:العظيم من البحار يحدق باليابسة.

حاط الجيش بالعدوّ:طوّقه و حاصره.

أحاط الجيش بالبلد:أحدقوا به.و حركة الإحاطة:

حركة لتطويق العدوّ.

احتاط:أعدّ الخطط لأسوإ الاحتمالات.

المحيط:الخطّ الدّفاعيّ حول المعسكر،يقال:محيط المعسكر في الحروب الجبليّة:الخطّ الدّفاعيّ عن المعسكر، و يقال:المحيط الدّاخليّ،و المحيط الخارجيّ.

الاحتياط الوقتي،يقال:جيش الاحتياط:الجيش الوقتي.و جنديّ احتياط:الّذي يخدم لفترة قصيرة.

و الضّابط الاحتياط:غير الممتهن الّذي يخدم لمدّة معيّنة، ثمّ يسرّح.(1:201)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الرّعاية و التّوجّه مع الاستيلاء،كما أنّ في كلّ من الإحداق و الإدارة و الإطافة و الاستيلاء،خصوصيّة و امتياز معيّن من الإحاطة بضميمة النّظر،أو بقيد الدّوران أو الطّواف أو الولاية،و هذا هو الفرق بينها.

فهذا المعنى هو الحقيقة،و باعتباره تطلق في معاني قريبة منها،كالمعرفة و الإدارة و الإطافة و التّعاهد و الإحراز و بلوغ العلم و غيرها،و لكنّ الأصل الواحد فيها هو الرّعاية مع الاستيلاء.

ثمّ إنّ الإحاطة«إفعال»،و هذه الهيئة تدلّ على الحدث باعتبار جهة صدوره من الفاعل،كما أنّ «التّفعيل»يدلّ على الحدث من جهة الوقوع،ففي الإحاطة بلحاظ الدّلالة على جهة الصّدور،مزيد دلالة على الرّعاية و تأكيد فيها،فيكون معنى الاستيلاء فيها أشدّ.

و بمناسبة الإشعار على كمال الاستيلاء و الرّعاية من اللّه العزيز المحيط أو في موارد أخر متناسبة لازمة،يعبّر بهذه الصّيغة،أي من الإفعال،فقد وردت في القرآن الكريم: إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنّاسِ الإسراء:60، وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ الجنّ:28، قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها الفتح:21 وَ اللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ البقرة:19.[و ذكر آيات أخرى]

ففي التّعبير إشعار بأنّ اللّه المتعال ليس له رعاية فقط و لا استيلاء مجرّد،بل هو تعالى مستولى بالنّسبة إلى عباده و إلى أعمالهم مع الرّعاية و التّوجّه و المراقبة.

و قد استعملت في موارد أخر: ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها الكهف:29، وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ البقرة:81.[و ذكر آيات أخر]

إشعارا بأنّ الاستيلاء فيها مع قيد المواجهة و الرّعاية و الدّقّة و التّحقيق.فظهر لطف التّعبير بهذه المادّة في هذه الموارد.

ص: 292

و أمّا معنى الإهلاك و الإفساد وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ الكهف:42،فإنّما يستظهر من الاستيلاء و المواجهة التّامّة في المورد،و ليس معناه الإهلاك.

و ليعلم أنّ الفرق بين الحوط مجرّدا و الإحاطة من «الإفعال»،و الاحتياط من«الافتعال»،ليس إلاّ من جهة خصوصيّة الهيئة،و قد سبق تفصيلها في المجلّد الأوّل من هذا الكتاب،و لذا ترى استعمال الإحاطة في الآيات السّابقة بحرف الباء.

و أمّا التّحويط من باب«التّفعيل»فهو متعدّ،فيقال:

حوّطته،أي جعلته ذا حوط و حيطة و إحاطة.

(2:343)

النّصوص التّفسيريّة

احاط

1- وَ إِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنّاسِ وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ... الإسراء:60

ابن عبّاس: عالم بأهل مكّة،بمن يؤمن و بمن لا يؤمن.(238)

أحاط علمه بالنّاس.

مثله الرّبيع.(ابن الجوزيّ 5:52)

النّاس هنا:أهل مكّة،و إحاطته بهم:إهلاكه إيّاهم.(القرطبيّ 10:282)

براء بن عازب:أحاط بالنّاس يعني أهل مكّة،أي أنّها ستفتح لك.

مثله مقاتل.(الثّعلبيّ 6:109)

مجاهد :فهم في قبضته.(الطّبريّ 15:110)

نحوه الزّجّاج.(3:247)

معناه أحاطت بالنّاس قدرته،فهم في قبضته.

مثله ابن أبي نجيح.(الماورديّ 3:253)

الحسن :أحاط بالنّاس،عصمك من النّاس.(الطّبريّ 15:109)

نحوه عروة و قتادة.(الماورديّ 3:253)

يقول:أحطت لك بالعرب أن لا يقتلوك،فعرف أنّه لا يقتل.(الطّبريّ 15:110)

حال بينك و بين النّاس أن يقتلوك،لتبلّغ رسالته.

مثله قتادة.(ابن الجوزيّ 5:53)

قتادة :أي منعك من النّاس حتّى تبلّغ رسالة ربّك.(الطّبريّ 15:110)

الجبّائيّ: إنّه قادر على ما سألوه من الآيات عالم بمصالحهم،فلا يفعل إلاّ ما هو الصّلاح،فامض لما أمرت به من التّبليغ،فإنّ اللّه سبحانه إن أنزلها فلما يعلم في إنزالها من اللّطف،و إن لم ينزلها فلما يعلم من المصلحة.(الطّبرسيّ 3:424)

الطّبريّ: و اذكر يا محمّد إذ قلنا لك:إنّ ربّك أحاط بالنّاس قدرة،فهم في قبضته لا يقدرون على الخروج من مشيئته،و نحن مانعوك منهم،فلا تتهيّب منهم أحدا، و امض لما أمرناك به من تبليغ رسالتنا.(15:108)

نحوه الثّعلبيّ(6:108)،و البغويّ(3:141).

الطّوسيّ: أي أحاط علما بأحوالهم،و ما يفعلونه من طاعة أو معصية،و ما يستحقّونه على ذلك من الثّواب و العقاب،و قادر على فعل ذلك بهم فهم في قبضته، لا يقدرون على الخروج من مشيئته.(6:494)

ص: 293

الزّمخشريّ: و اذكر إذ أوحينا إليك أنّ ربّك أحاط بقريش،يعني بشّرناك بوقعة بدر و بالنّصرة عليهم، و ذلك قوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ القمر:45، قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ آل عمران:

12،و غير ذلك،فجعله كأن قد كان و وجد،فقال:

أَحاطَ بِالنّاسِ على عادته في إخباره...(2:454)

نحوه النّسفيّ.(2:319)

ابن عطيّة: [ذكر قول الطّبريّ و أضاف:]

و هذا تأويل بيّن جامع جار مع اللّفظ،و قد روي نحوه عن الحسن بن أبي الحسن و السّدّيّ،إلاّ أنّه لا يناسب ما بعده مناسبة شديدة.و يحتمل أن يجعل الكلام مناسبا لما بعده توطئة له.

فأقول:اختلف النّاس في(الرّؤيا)فقال الجمهور:

هي رؤيا و يقظة،و هي ما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في ليلة الإسراء.[إلى أن قال:]

فعلى هذا يحسن أن يكون معنى قوله: وَ إِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنّاسِ أي في إضلالهم و هدايتهم،و أنّ كلّ واحد ميسّر لما خلق له،أي فلا تهتمّ أنت بكفر من كفر،و لا تحزن عليهم،فقد قيل لك:إنّ اللّه محيط بهم، مالك لأمرهم،و هو جعل رؤياك هذه فتنة ليكفر من سبق عليه الكفر.(3:467)

الطّبرسيّ: [ذكر مثل الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:إنّ المراد به أنّه عالم بجميع الأشياء،فيعلم قصدهم إلى إيذائك،إذا لم تأتهم ما اقترحوا منك من الآيات،و هذا حثّ للرّسول صلّى اللّه عليه و آله على التّبليغ،و وعد له بالعصمة من أذيّة قومه.(3:423)

الفخر الرّازيّ: فيه قولان:

القول الأوّل:المعنى أنّ حكمته و قدرته محيطة بالنّاس،فهم في قبضته و قدرته،و متى كان الأمر كذلك فهم لا يقدرون على أمر من الأمور إلاّ بقضائه و قدره.

و المقصود كأنّه تعالى يقول له:ننصرك و نقوّيك حتّى تبلّغ رسالتنا،و تظهر ديننا.

و القول الثّاني:[و ذكر نحو الزّمخشريّ]

(20:235)

نحوه الشّربينيّ(2:316)،و النّيسابوريّ(15:50).

القرطبيّ: [ذكر قول ابن عبّاس و قال:]

أي أنّ اللّه سيهلكهم.و ذكره بلفظ الماضي لتحقّق كونه.و عنى بهذا الإهلاك الموعود ما جرى يوم بدر، و يوم الفتح.

و قيل:المراد عصمته من النّاس أن يقتلوه حتّى يبلّغ رسالة ربّه،أي و ما أرسلناك عليهم حفيظا،بل عليك التّبليغ،فبلّغ بجدّك فإنّا نعصمك منهم و نحفظك،فلا تهبهم،و امض لما آمرك به من تبليغ الرّسالة،فقدرتنا محيطة بالكلّ.(10:282)

البيضاويّ: فهم في قبضة قدرته،أو أحاط بقريش بمعنى أهلكهم،من أحاط بهم العدوّ،فهي بشارة بوقعة بدر،و التّعبير بلفظ الماضي لتحقّق وقوعه.(1:589)

أبو حيّان :لمّا طلبوا الرّسول بالآيات المقترحة، و أخبر اللّه بالمصلحة في عدم المجيء بها،طعن الكفّار فيه و قالوا:لو كان رسولا حقّا لأتى بالآيات المقترحة،فبيّن اللّه أنّه ينصره و يؤيّده و أنّه أحاط بالنّاس،فقيل:بعلمه، فلا يخرج شيء عن علمه.و قيل:بقدرته،فقدرته غالبة

ص: 294

كلّ شيء.

و قيل:الإحاطة هنا الإهلاك،كقوله: وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ الكهف:42.و الظّاهر أنّ(النّاس)عامّ.و قيل:

أهل مكّة،بشّره اللّه تعالى أنّه يغلبهم و يظهر عليهم.

و(احاط):بمعنى يحيط،عبّر عن المستقبل بالماضي، لأنّه واقع لا محالة.و الوقت الّذي وقعت فيه الإحاطة بهم،قيل:يوم بدر.و قال العسكريّ:هذا خبر غيب قدّمه قبل وقته،و يجوز أن يكون ذلك في أمر الخندق، و مجيء الأحزاب يطلبون ثأرهم ببدر،فصرفهم اللّه بغيظهم،لم ينالوا خيرا.و قيل يوم بدر و يوم الفتح.و قيل:

الأشبه أنّه يوم الفتح،فإنّه اليوم الّذي أحاط أمر اللّه بإهلاك أهل مكّة فيه،و أمكن منهم.[ثمّ ذكر قول الطّبريّ و ابن عطيّة](6:54)

أبو السّعود :أي علما كما نقله الإمام الثّعلبيّ عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،فلا يخفى عليه شيء من أفعالهم الماضية و المستقبلة من الكفر و التّكذيب.(4:

141)

مثله الآلوسيّ.(15:105)

البروسويّ: أي علما و قدرة،فهم في قبضته، فامض لأمرك و لا تخف أحدا.

قال بعض الكبار:إحاطة اللّه سبحانه عند العارفين بالموجودات كلّها عبارة عن تجلّيه بصور الموجودات، فهو سبحانه بأحديّة جميع أسمائه سار في الموجودات كلّها ذاتا و حياة و علما و قدرة،إلى غير ذلك من الصّفات.

و المراد بإحاطته تعالى هذه السّراية،و لا يعزب عنه ذرّة في السّماوات و الأرض،و كلّ ما يعزب عنه يلتحق بالعدم.

و قالوا:هذه الإحاطة ليست كإحاطة الظّرف بالمظروف،و لا كإحاطة الكلّ بأجزائه،و لا كإحاطة الكلّيّ بجزئيّاته،بل كإحاطة الملزوم بلازمه،فإنّ التّعيّنات اللاّحقة لذاته المطلقة إنّما هي لوازم له بواسطة أو بغير واسطة،و بشرط أو بغير شرط،و لا تقدح كثرة اللّوازم في وحدة الملزوم و لا تنافيها.(5:178)

مغنيّة:أي امض في دعوتك،و لا تكثرت بمن يعاند و يكابر،فنحن أعلم بالنّاس و ما يقولون و يفعلون،و هم جميعا في قبضتنا.نصدّهم عنك و عن إيذائك،و في هذا المعنى قوله تعالى: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ المائدة:

67.(5:59)

الطّباطبائيّ: مقتضى السّياق أنّ المراد بالإحاطة الإحاطة العلميّة،و الظّرف متعلّق بمحذوف،و التّقدير:

و اذكر إذ قلنا لك:كذا و كذا،و المعنى:و اذكر للتّثبّت فيما ذكرنا لك في هذه الآيات:أنّ شيمة النّاس الاستمرار في ذكرنا لك في هذه الآيات:أنّ شيمة النّاس الاستمرار في الفساد و الفسوق،و اقتداء أخلافهم بأسلافهم في الإعراض عن ذكر اللّه،و عدم الاعتناء بآيات اللّه وقتا، قلنا لك:إنّ ربّك أحاط بالنّاس علما،و علم أنّ هذه السّنّة ستجري بينهم كما كانت تجري.(13:139)

2- وَ أُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً. الفتح:21

ابن عبّاس: قد علم اللّه أنّها ستكون،و هي غنيمة فارس.(433)

الفرّاء: أحاط لكم بها أن يفتحها لكم.(3:67)

ص: 295

أحاط اللّه بها لكم حتّى يفتحها عليكم،فكأنّه قال:

حفظها عليكم،و منعها من غيركم حتّى تفتحوها و تأخذوها.(الطّبرسيّ 5:123)

نحوه البغويّ.(4:235)

الزّجّاج: قد علمها اللّه،و هو ما يغنم المسلمون إلى أن لا يقاتلهم أحد.(5:26)

أبو مسلم الأصفهانيّ: قدر اللّه عليها.

(الماورديّ 5:318)

الثّعلبيّ: حتّى يفتحها عليكم.(9:53)

الماورديّ: حفظها عليكم ليكون فتحها لكم.

(5:318)

الطّوسيّ: أي قدر اللّه عليها و أحاط بها علما، فجعلهم بمنزلة ما قد أدير حولهم بما يمنع أن يفلت أحد منهم.(9:331)

مثله الطّبرسيّ.(5:123)

الزّمخشريّ: أي قدر عليها و استولى،و أظهركم عليها و غنّمكموها.(3:547)

نحوه البيضاويّ(2:403)،و النّسفيّ(4:161).

الفخر الرّازيّ: أي حفظها للمؤمنين،لا يجري عليها هلاك إلى أن يأخذها المسلمون،كإحاطة الحرّاس بالخزائن.(28:97)

القرطبيّ: و معنى قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها أي أعدّها لكم،فهي كالشّيء الّذي قد أحيط به من جوانبه،فهو محصور لا يفوت،فأنتم و إن لم تقدروا عليها في الحال فهي محبوسة عليكم لا تفوتكم.و قيل: أَحاطَ اللّهُ بِها علم أنّها ستكون لكم،كما قال: وَ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً الطّلاق:12،و قيل:حفظها اللّه عليكم، ليكون فتحها لكم.(16:279)

النّيسابوريّ: علما أنّها ستصير لكم.(26:47)

أبو حيّان :و معنى قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها بالقدرة و القهر لأهلها.أي قد سبق في علمه ذلك،و ظهر فيها أنّهم لم يقدروا عليها.(8:97)

الشّربينيّ: أي المحيط بكلّ شيء قدرة و علما.

(4:49)

أبو السّعود :صفة أخرى ل(اخرى)مفيدة لسهولة تأتّيها بالنّسبة إلى قدرته تعالى،بعد بيان صعوبة منالها بالنّظر إلى قدرتهم،أي قدر اللّه عليها و استولى،و أظهركم عليها.و قيل:حفظها لكم و منعها من غيركم هذا،و قد قيل:إنّ(اخرى)منصوب بمضمر يفسّره قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها، أي و قضى اللّه(اخرى).و لا ريب في أنّ الإخبار بقضاء اللّه إيّاها بعد اندراجها في جملة المغانم الموعودة بقوله تعالى: وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها الفتح:20،ليس فيه مزيد فائدة،و إنّما الفائدة في بيان تعجيلها.(6:104)

نحوه البروسويّ.(9:41)

الآلوسيّ: [ذكر نحو أبي السّعود و أضاف:]

و الإحاطة مجاز عن الاستيلاء التّامّ،أي قد قدر اللّه تعالى عليها و استولى،فهي في قبض قدرته تعالى يظهر عليها من أراد،و قد أظهركم جلّ شأنه عليها و أظفركم بها.و قيل:مجاز عن الحفظ،أي قد حفظها لكم،و منعها من غيركم.(26:110)

المراغيّ: أي أعدّها لكم و هي تحت قبضته،يظهر

ص: 296

عليها من أراد.(26:103)

مكارم الشّيرازيّ: إشارة إلى إحاطة قدرة اللّه على هذه الغنائم أو الفتوحات،و يرى بعض المفسّرين أنّها إشارة إلى إحاطة علمه،غير أنّ المعنى الأوّل أكثر انسجاما مع تعابير الآية الأخرى،و بالطّبع لا مانع في الجمع بينهما.

و أخيرا فإنّ آخر جملة في الآية: وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً هي في الحقيقة بمنزلة بيان العلّة للجملة السّابقة،و هي إشارة إلى أنّه مع قدرة اللّه على كلّ شيء، فلا عجب أن ينال المسلمون مثل هذه الفتوحات.

(16:432)

3- اَللّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ... لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً.

الطّلاق:11-12

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:و لتعلموا أيّها النّاس أنّ اللّه بكلّ شيء من خلقه محيط علما،لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض و لا في السّماء و لا أصغر من ذلك و لا أكبر،يقول جلّ ثناؤه:فخافوا أيّها النّاس المخالفون أمر ربّكم عقوبته،فإنّه لا يمنعه من عقوبتكم مانع،و هو على ذلك قادر،و محيط أيضا بأعمالكم،فلا يخفى عليه منها خاف،و هو محصيها عليكم ليجازيكم بها،يوم تجزى كلّ نفس ما كسبت.(28:155)

نحوه المراغيّ.(28:152)

الطّوسيّ: معناه إنّ معلوماته متميّزة له بمنزلة ما قد أحاط به،فلم يفته منه شيء،و مثله: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110،أي إنّه ليس بمنزلة ما يحضره العلم بمكانه،فيكون كأنّه قد أحاط به،و قوله: وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ البقرة:255،معناه و لا يحيطون بشيء من معلومه إلاّ بما شاء أن يضطرّهم إليه، أو يدلّهم عليه،فهو تذكير بالنّعمة،أي لا ينالون هذه المنزلة إلاّ بمشيئته،و لو لا ذلك لا يعلمون شيئا من معلوماته إلاّ بما شاء،لكن لمّا دخل التّذكير بالنّعمة حسن من هذه الجهة.(10:42)

نحوه الطّبرسيّ.(5:311)

الميبديّ: الإحاطة:العلم البالغ،تجده في مواضع من القرآن،و من أسماء اللّه المحيط،و في قصّة الهدهد:

أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ النّمل:22،أي علمت ما لم تعلمه،و قال عزّ و جلّ: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:

110،لأنّه عزّ و جلّ يعلم،و لا يدرك حدّه و لا قدره.

و أمّا قوله عزّ و جلّ: أُحِيطَ بِهِمْ يونس:22، و أُحِيطَ بِثَمَرِهِ الكهف:42،فهو الهلاك،يأتي مجهولا.

(10:147)

الفخر الرّازيّ: يعني بكلّ شيء من الكلّيّات و الجزئيّات،لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض و لا في السّماء،عالم بجميع الأشياء،و قادر على الإنشاء بعد الإفناء.(30:40)

القرطبيّ: فلا يخرج شيء عن علمه و قدرته، و نصب(علما)على المصدر المؤكّد،لأنّ(احاط)بمعنى علم،و قيل:بمعنى و أنّ اللّه أحاط إحاطة علما.

(18:176)

البروسويّ: وَ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَحاطَ... كما أحاط به

ص: 297

قدرة،لاستحالة صدور الأفاعيل المذكورة ممّن ليس كذلك،و الإحاطة:العلم البالغ.(10:46)

احاطت

بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. البقرة:81

ابن عبّاس: أوبقه شركه،أي مات عليه.(12)

نحوه ابن جبير.(الماورديّ 1:153)

يحيط كفره بما له من حسنة.(الطّبريّ 1:386)

أحيطت بما له من حسنة فأحبطته.

(الثّعلبيّ 1:227)

هو الشّرك يموت عليه.

مثله عطاء و الضّحّاك و أبو العالية و الرّبيع.

(البغويّ 1:138)

مجاهد :هي الذّنوب تحيط بالقلب،كلّما عمل ذنبا ارتفعت حتّى تغشى القلب و هو الرّين.

(الثّعلبيّ 1:227)

ما أوجب اللّه فيه النّار.(الطّبريّ 1:386)

غشيت قلبه.(أبو حيّان 1:279)

عكرمة :هو الّذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب.(الثّعلبيّ 1:227)

مثله الرّبيع بن خيثم،و الأعمش،و السّدّيّ.

(ابن عطيّة 1:171)

الضّحّاك: مات بذنبه.(الطّبريّ 1:386)

مثله الأعمش.(الطّبريّ 1:387)

الحسن :كلّ ما توعّد اللّه عليه بالنّار فهي الخطيئة المحيطة.

مثله السّدّيّ.(ابن عطيّة 1:171)

الرّبيع:مات على الشّرك.(أبو حيّان 1:279)

نحوه مقاتل.(1:119)

الكلبيّ: أوبقته ذنوبه،دليله قوله تعالى: إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ يوسف:66،أي تهلكوا جميعا.

(الثّعلبيّ 1:227)

الطّبريّ: اجتمعت عليه فمات عليها قبل الإنابة و التّوبة منها،و أصل الإحاطة بالشّيء:الإحداق به، بمنزلة الحائط الّذي تحاط به الدّار فتحدق به،و منه قول اللّه جلّ ثناؤه ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها الكهف:29.

فتأويل الآية إذا:من أشرك باللّه و اقترف ذنوبا جمّة فمات عليها قبل الإنابة و التّوبة،فأولئك أصحاب النّار هم فيها مخلّدون أبدا.(1:386)

ابن السّرّاج:أنّها سدّت عليه المسالك.

(الماورديّ 1:153)

الفارسيّ: قوله: وَ أَحاطَتْ بِهِ... لا يخلو من أحد أمرين:

إمّا أن يكون المعنى أحاطت بحسنته خطيئته،أي أحيطتها من حيث كان المحيط أكبر من المحاط به، فيكون بمنزلة قوله: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ العنكبوت:54،و قوله: أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها الكهف:

29.

أو يكون المعنى في أَحاطَتْ بِهِ... أهلكته،من قوله: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ يوسف:66، و قوله: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يونس:22

ص: 298

وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ الكهف:42،فهذا كلّه في معنى البوار و الهلكة.

و يكون للإحاطة معنى ثالث و هو العلم،كقوله:

كَذلِكَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً الكهف:91، و لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ الجنّ:28،و قال: وَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ الأنفال:47،أي عالم.(1:319)

الشّريف الرّضيّ: و هذه استعارة فيها كناية عجيبة عن عظم الخطيئة،لأنّ الشّيء لا يحيط بالشّيء من جميع جهاته إلاّ بعد أن يكون سابغا غير قالص، و زائدا غير ناقص.(تلخيص البيان:4)

الثّعلبيّ: و الإحاطة:الإحفاف بالشّيء من جميع نواحيه.(1:226)

مثله البغويّ.(1:138)

الطّوسيّ: قال ابن عبّاس و مجاهد:أنّها الشّرك.

و قال الرّبيع بن خيثم:من مات عليها.و قال ابن السّرّاج:هي الّتي سدّت عليها مسالك النّجاة.و قال جميع المعتزلة:إنّه إذا كان ثوابه أكثر من عقابه.

و الّذي نقوله:الّذي يليق بمذهبنا:أنّ المراد بذلك الشّرك و الكفر،لأنّه الّذي يستحقّ به الدّخول مؤبّدا، و لا يجوز (1)أن يكون مرادا بالآية.و قوله: وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ يقوّي ذلك،لأنّ المعنى فيه أن تكون خطاياه كلّها اشتملت عليه،و لا يكون معه طاعة يستحقّ بها الثّواب،تشبيها بما أحاط بالشّيء من كلّ وجه.و لو كان معه شيء من الطّاعات لكان مستحقّا للثّواب،فلا تكون السّيّئة محيطة به،لأنّ الإحباط عندنا باطل،فلا يحتاج إلى تراعي كثرة العقاب و قلّة الثّواب، لأنّ قليل الثّواب عندنا يثبت مع كثرة العقاب،لما ثبت من بطلان التّحابط بأدلّة العقل،و ليس هذا موضع ذكرها،لأنّ الآية الّتي بعدها فيها وعد لأهل الإيمان بالثّواب الدّائم،فكيف يجتمع الثّواب الدّائم و العقاب الدّائم،و ذلك خلاف الإجماع؟و متى قالوا:أحدهما يبطل صاحبه،قلنا:الإحباط باطل ليس بصحيح على ما مضى.(1:325)

الزّمخشريّ: أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ تلك و استولت عليه كما يحيط العدوّ،و لم ينقص عنها بالتّوبة...

و قيل في الإحاطة:كان ذنبه أغلب من طاعته.و سأل رجل الحسن عن الخطيئة،فقال:سبحان اللّه،أ لا أراك ذا لحية و ما تدري ما الخطيئة؟انظر في المصحف،فكلّ آية نهى فيها اللّه عنها،و أخبرك أنّه من عمل بها أدخله النّار، فهي الخطيئة المحيطة.(1:292)

ابن عطيّة: و الخطيئة:الكفر،و لفظة الإحاطة تقوّي هذا القول،و هي مأخوذة من الحائط المحدق بالشّيء.(1:171)

الطّبرسيّ: قوله: أَحاطَتْ بِهِ... يحتمل أمرين:

أحدهما:أنّها أحدقت به من كلّ جانب،كقوله تعالى: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ التّوبة:49.

و الثّاني:أنّ المعنى أهلكته من قوله: إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ يوسف:66،و قوله: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يونس:22،و قوله: وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ الكهف:42، و هذا كلّه بمعنى البوار و الهلكة،فالمراد أنّها سدّت عليهمز.

ص: 299


1- كذا،و الظّاهر:و يجوز.

طريق النّجاة.(1:148)

ابن الجوزيّ: أي أحدقت به خطيئته.(1:108)

الفخر الرّازيّ: و لمّا كان من الجائز أن يظنّ أنّ كلّ سيّئة صغرت أو كبرت فحالها سواء في أنّ فاعلها يخلّد في النّار،لا جرم بيّن تعالى أنّ الّذي يستحقّ به الخلود أن تكون سيّئة محيطة به،و معلوم أنّ لفظ الإحاطة حقيقة في إحاطة جسم بجسم آخر،كإحاطة السّور بالبلد،و الكوز بالماء،و ذلك هاهنا ممتنع،فنحمله على ما إذا كانت السّيّئة كبيرة لوجهين:

أحدهما:أنّ المحيط يستر المحاط به،و الكبيرة لكونها محيطة لثواب الطّاعات كالسّاترة لتلك الطّاعات،فكانت المشابهة حاصلة من هذه الجهة.

و الثّاني:أنّ الكبيرة إذا أحبطت ثواب الطّاعات فكأنّها استولت على تلك الطّاعات و أحاطت بها،كما يحيط عسكر العدوّ بالإنسان بحيث لا يتمكّن الإنسان من التّخلّص منه،فكأنّه تعالى قال:بلى من كسب كبيرة و أحاطت كبيرته بطاعاته فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. [و له بحث مستوفى،في خلود المذنبين في النّار و عدمه فلاحظ](3:144)

نحوه النّيسابوريّ.(1:354)

البيضاويّ: استولت عليه و شملت جملة أحواله حتّى صار كالمحاط بها،لا يخلو عنها شيء من جوانبه.

و هذا إنّما يصحّ في شأن الكافر،لأنّ غيره و إن لم يكن سوى تصديق قلبه و إقرار لسانه فلم تحط الخطيئة به، و لذلك فسّرها السّلف بالكفر.

و تحقيق ذلك أنّ من أذنب ذنبا و لم يقلع عنه استجرّه إلى معاودة مثله و الانهماك فيه،و ارتكاب ما هو أكبر منه حتّى تستولي عليه الذّنوب،و تأخذ بمجامع قلبه،فيصير بطبعه مائلا إلى المعاصي مستحسنا إيّاها،معتقدا أن لا لذّة سواها،مبغضا لمن يمنعه عنها،مكذّبا لمن ينصحه فيها،كما قال اللّه تعالى: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى...

الرّوم:10.(1:66)

مثله الشّربينيّ(1:73)و نحوه أبو السّعود(1:

156)،و البروسويّ(1:170).

النّسفيّ: و سدّت عليه مسالك النّجاة،بأن مات على شركه.فأمّا إذا مات مؤمنا فأعظم الطّاعات و هو الإيمان معه،فلا يكون الذّنب محيطا به،فلا يتناوله النّصّ.

و بهذا التّأويل يبطل تشبّث المعتزلة و الخوارج.و قيل:

استولت عليه كما يحيط العدوّ و لم يتفصّ عنها بالتّوبة.(1:59)

أبو حيّان :و المعنى أنّها أخذته من جميع نواحيه، و معنى الإحاطة به أنّه يوافى على الكفر و الإشراك.هذا إذا فسّرت الخطيئة بالشّرك.و من فسّرها بالكبيرة فمعنى الإحاطة به أن يموت و هو مصرّ عليها.فيكون الخلود على القول الأوّل المراد به الإقامة لا إلى انتهاء،و على القول الثّاني المراد به الإقامة دهرا طويلا،إذ مآله إلى الخروج من النّار.(1:279)

الآلوسيّ: و المراد ب«الإحاطة»الاستيلاء و الشّمول و عموم الظّاهر و الباطن.و الخطيئة:السّيّئة، و غلبت فيما يقصد بالعرض،أي لا يكون مقصودا في نفسه.بل يكون القصد إلى شيء آخر،لكن تولّد منه ذلك الفعل،كمن رمى صيدا فأصاب إنسانا،و شرب

ص: 300

مسكرا فجنى جناية.

قال بعض المحقّقين:و لذلك أضاف الإحاطة إليها إشارة إلى أنّ السّيّئات باعتبار وصف الإحاطة داخلة تحت القصد بالعرض،لأنّها بسبب نسيان التّوبة.

و لكونها راسخة فيه متمكّنة حال الإحاطة أضافها إليه، بخلاف حال الكسب فإنّها متعلّق القصد بالذّات،و غير حاصلة فيه فضلا عن الرّسوخ؛فلذا أضاف الكسب إلى سيّئة و نكّرها.و إضافة(الأصحاب)إلى النّار على معنى الملازمة،لأنّ الصّحبة و إن شملت القليل و الكثير،لكنّها في العرف تخصّ بالكثرة و الملازمة،و لذا قالوا:لو حلف من لاقى زيدا أنّه لم يصحبه لم يحنث.

و المراد ب«الخلود»الدّوام،و لا حجّة في الآية على خلود صاحب الكبيرة،لأنّ الإحاطة إنّما تصحّ في شأن الكافر،لأنّ غيره إن لم يكن له سوى تصديق قلبه و إقرار لسانه،فلم تحط خطيئته به،لكون قلبه و لسانه منزّها عن الخطيئة.

و هذا لا يتوقّف على كون التّصديق و الإقرار حسنتين،بل على أن لا يكونا سيّئتين،فلا يرد البحث بأنّ الخصم يجعل العمل شرطا لكونهما حسنتين،كما يجعل الاعتقاد شرطا لكون الأعمال حسنات،فلا يتمّ عنده أنّ الإحاطة إنّما تصحّ في شأن الكافر،و لا يحتاج إلى الدّفع بأنّ المقصود أنّه لا حجّة له في الآية،و هذا يتمّ بمجرّد كون الإحاطة ممنوعة في غير الكافر،فلو ثبت أنّ العمل داخل في الإيمان صارت الآية حجّة-و دون إثباته خرط القتاد.

ثمّ إنّ نفي الحجّيّة بحمل الإحاطة على ما ذكر،إنّما يحتاج إليه إذا كانت السّيّئة و الخطيئة بمعنى واحد،و هو مطلق الفاحشة.أمّا إذا فسّرت السّيّئة بالكفر أو الخطيئة به-حسبما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،و أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه،و ابن جرير عن أبي وائل و مجاهد و قتادة و عطاء و الرّبيع- فنفي الحجّيّة أظهر من نار على علم.

و من النّاس من نفاها بحمل«الخلود»على أصل الوضع و هو اللّبث الطّويل،و ليس بشيء،لأنّ فيه تهوين الخطب في مقام التّهويل،مع عدم ملائمته حمل الخلود في الجنّة على الدّوام.

و كذا لا حجّة في قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ البقرة:80 إلخ،بناء على ما زعمه الجبّائيّ؛حيث قال:دلّت الآية على أنّه تعالى ما وعد موسى و لا سائر الأنبياء بعده بإخراج أهل الكبائر و المعاصي من النّار بعد التّعذيب،و إلاّ لما أنكر على اليهود بقوله تعالى: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ إلخ.و قد ثبت أنّه تعالى أوعد العصاة بالعذاب زجرا لهم عن المعاصي،فقد ثبت أن يكون عذابهم دائما.

و إذا ثبت في سائر الأمم وجب ثبوته في هذه الأمّة؛إذ الوعيد لا يجوز أن يختلف في الأمم،إذا كان قدر المعصية واحدا،لأنّ ما أنكر اللّه عليهم جزمهم بقلّة العذاب لا انقطاعه مطلقا،على أنّ ذلك في حق الكفّار لا العصاة كما لا يخفى.

و(من)تحتمل أن تكون شرطيّة،و تحتمل أن تكون موصولة،و المسوّغات لجواز دخول«الفاء»في الخبر إذا كان المبتدأ موصولا موجودة،و يحسّن الموصوليّة مجيء الموصول في قسيمه.

ص: 301

و إيراد اسم الإشارة المنبئ عن استحضار المشار إليه بماله من الأوصاف،للإشعار بعلّيّتها لصاحبيّة النّار،و ما فيه من معنى البعد للتّنبيه على بعد منزلتهم في الكفر و الخطايا،و إنّما أشير إليهم بعنوان الجمعيّة مراعاة لجانب المعنى في كلمة(من)،بعد مراعاة جانب اللّفظ في الضّمائر الثّلاثة،لما أنّ ذلك هو المناسب لما أسند إليهم في تينك الحالتين،فإنّ كسب السّيّئة و إحاطة الخطيئة به في حالة الإفراد،و صاحبيّة النّار في حالة الاجتماع،قاله بعض المحقّقين،و لا يخلو عن حسن.

و قرأ نافع (خطياته) و بعض (خطياه) و (خطيّته) و (خطيّاته) بالقلب و الإدغام،و استحسنوا قراءة الجمع بأنّ الإحاطة لا تكون بشيء واحد،و وجّهت قراءة الإفراد بأنّ الخطيئة و إن كانت مفردة لكنّها لإضافتها متعدّدة،مع أنّ الشّيء الواحد قد يحيط كالحلقة،فلا تغفل.(1:306)

القاسميّ: أي غمرته من جميع جوانبه،فلا تبقى له حسنة،و سدّت عليه مسالك النّجاة،بأن عمل مثل عملكم أيّها اليهود،و كفر بما كفرتم به حتّى يحيط كفره بما له من حسنة.(2:177)

رشيد رضا :و معنى إحاطة الخطيئة هو حصرها لصاحبها و أخذها بجوانب إحساسه و وجدانه،كأنّه محبوس فيها،لا يجد لنفسه مخرجا منها،يرى نفسه حرّا مطلقا و هو أسير الشّهوات،و سجّين الموبقات،و رهين الظّلمات.و إنّما تكون الإحاطة بالاسترسال في الذّنوب، و التّمادي على الإصرار،قال تعالى: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ المطفّفين:14،أي من الخطايا و السّيّئات،ففي كلمة(يكسبون)معنى الاسترسال و الاستمرار،و ران عليه غطاه و ستره،أي أنّ قلوبهم قد أصبحت في غلف من ظلمات المعاصي حتّى لم يبق منفذ للنّور يدخل إليها منه،و من أحدث لكلّ سيّئة يقع فيها توبة نصوحا و إقلاعا صحيحا لا تحيط به الخطايا،و لا ترين على قلبه السّيّئات.(1:363)

ابن عاشور :الخطيئة:اسم لما يقترفه الإنسان من الجرائم،و هي«فعيلة»بمعنى«مفعولة»من خطأ،إذا أساء، و الإحاطة مستعارة لعدم الخلوّ عن الشّيء.لأنّ ما يحيط بالمرء لا يترك له منفذا للإقبال على غير ذلك،قال تعالى:

وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يونس:22،و إحاطة الخطيئات هي حالة الكفر،لأنّها تجري على جميع الخطايا،و لا يعتبر مع الكفر عمل صالح،كما دلّ عليه قوله: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا البلد:17،فلذلك لم تكن في هذه الآية حجّة للزّاعمين خلود أصحاب الكبائر من المسلمين في النّار؛إذ لا يكون المسلم محيطة به الخطيئات،بل هو لا يخلو من عمل صالح،و حسبك من ذلك سلامة اعتقاده من الكفر.و سلامة لسانه من النّطق بكلمة الكفر الخبيثة.

و القصر المستفاد من التّعريف في قوله: فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ قصر إضافيّ لقلب اعتقادهم.(1:563)

الطّباطبائيّ: الخطيئة:هي الحالة الحاصلة للنّفس من كسب السّيّئة،و لذلك أتى بإحاطة الخطيئة بعد ذكر كسب السّيّئة.و إحاطة الخطيئة توجب أن يكون الإنسان المحاط مقطوع الطّريق إلى النّجاة،كأنّ الهداية لإحاطة

ص: 302

الخطيئة به لا تجد إليه سبيلا،فهو من أصحاب النّار مخلّدا فيها،و لو كان في قلبه شيء من الإيمان بالفعل،أو كان معه بعض ما لا يدفع الحقّ من الأخلاق و الملكات، كالإنصاف و الخضوع للحقّ،أو ما يشابههما،لكانت الهداية و السّعادة ممكنتي النّفوذ إليه،فإحاطة الخطيئة لا تتحقّق إلاّ بالشّرك الّذي قال تعالى فيه: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48،و من جهة أخرى إلاّ بالكفر و تكذيب الآيات،كما قال سبحانه: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:39، فكسب السّيّئة،و إحاطة الخطيئة كالكلمة الجامعة لما يوجب الخلود في النّار.(1:215)

مكارم الشّيرازيّ: إحاطة الخطيئة:

الخطيئة تستعمل غالبا في الذّنوب الّتي لا يرتكبها صاحبها عن عمد،لكنّها وردت في هذه الآية بمعنى الذّنوب الكبيرة،أو بمعنى آثار الذّنب في قلب الإنسان و روحه.

مفهوم إحاطة الخطيئة يعني انغماس الفرد في الذّنب إلى درجة يصبح ذلك الفرد سجّين ذنبه.

بعبارة أوضح،الذّنوب الكبيرة و الصّغيرة تبدأ على شكل«فعل»ثمّ تتحوّل إلى حالة،و مع الاستمرار و الإصرار تتحوّل إلى ملكة،و عند اشتدادها تغمر وجود الإنسان و تصبح عين وجوده،عندئذ لا تجدي مع هذا الفرد موعظة و لا يؤثّر فيه توجيه و لا نصح؛إذ إنّه عمل عن اختيار على قلب ماهيّته.(1:244)

فضل اللّه : وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ من كلّ جانب، فأينما يتوجّه و يتحرّك فهناك خطيئة في فكره و في عمله.

و لعلّ الشّرك الّذي لا يغفره اللّه هو التّجسيد الحيّ لهذه السّيّئة الّتي يكسبها الإنسان،فتعبّده عن اللّه في توحيد العقيدة و العبادة،و يستغرق في الصّنميّة الّتي تحوّل حياته إلى جدار مسدود لا مجال فيه للأفق الواسع،و إلى كهف مظلم لا ينفذ إليه النّور من أيّة جهة،فيكون هذا الإنسان خطيئة متجسّدة في حركة الباطل و الشّرّ و الفساد في واقعه الدّاخليّ و الخارجيّ.(2:105)

احطت-لم تحط

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ. النّمل:22

ابن عبّاس: بلغت إلى ما لم تبلغ،و علمت ما لم تعلم أيّها الملك.(317)

نحوه قتادة.(الماورديّ 4:202)

اطّلعت على ما لم تطّلع عليه.(الماورديّ 4:203)

مقاتل:يقول:علمت ما لم تعلم به، وَ جِئْتُكَ بأمر لم تخبرك به الجنّ و لم تنصحك فيه،و لم يعلم به الإنس،و بلغت ما لم تبلغه أنت و لا جنودك.(3:301)

نحوه الطّبرسيّ.(4:218)

الثّوريّ: علمت ما لم تعلمه.(الماورديّ 4:202)

نحوه ابن زيد(الطّبريّ 19:147)،و الثّعلبيّ(7:

201)،و القرطبيّ(13:181).

الفرّاء: قال بعض العرب:أحطّ،فأدخل الطّاء مكان التّاء،و العرب إذا لقيت الطّاء التّاء فسكّنت الطّاء قبلها صيّروا الطّاء تاء،فيقولون:أحتّ،كما يحوّلون الظّاء

ص: 303

تاء في قوله:(أ وعت (1)أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) الشّعراء:

136،و الذّال و الدّال تاء مثل(اختّم (2)،و رأيتها في بعض مصاحف عبد اللّه(و اختّم).و من العرب من يحوّل التّاء إذا كانت بعد الطّاء طاء فيقول:أحطّ.(2:289)

الطّبريّ: أحطت بعلم ما لم تحط به أنت يا سليمان.(19:147)

الزّجّاج: المعنى:فجاء الهدهد فسأله سليمان عن غيبته،فقال: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ و حذف هذا،لأنّ في الكلام دليلا عليه،و معنى(احطت)علمت شيئا من جميع جهاته،تقول:أحطت بهذا علما،أي علمته كلّه،لم يبق عليّ منه شيء.(4:114)

نحوه الماورديّ.(4:202)

الطّوسيّ: ثمّ جاء سليمان،فقال معتذرا عن تأخّره و إخلاله بموضعه: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ أي علمت ما لم تعلم،و علم الإحاطة هو أن يعلمه من جميع جهاته الّتي يمكن أن يعلم عليها،تشبيها بالسّور المحيط بما فيه.

(8:88)

البغويّ: و الإحاطة:العلم بالشّيء من جميع جهاته، يقول:علمت ما لم تعلم،و بلغت ما لم تبلغه أنت و لا جنودك.(3:498)

نحوه المراغيّ.(19:130)

الميبديّ: هذا و قول السّامريّ: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ طه:96،بمعنى واحد،أي علمت من حال سبأ ما لم تعلمه،و الإحاطة:العلم بالشّيء من جميع جهاته.(7:205)

الزّمخشريّ: (احطت)بإدغام الطّاء في التّاء بإطباق و بغير إطباق،ألهم اللّه الهدهد،فكافح سليمان بهذا الكلام على ما أوتي من فضل النّبوّة و الحكمة و العلوم الجمّة،و الإحاطة بالمعلومات الكثيرة،ابتلاء له في علمه، و تنبيها على أنّ في أدنى خلقه و أضعفه من أحاط علما بما لم يحط به،لتتحاقر إليه نفسه و يتصاغر إليه علمه، و يكون لطفا له في ترك الإعجاب الّذي هو فتنة العلماء، و أعظم بها فتنة،و الإحاطة بالشّيء علما أن يعلم من جميع جهاته،لا يخفى منه معلوم.(3:143)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:190)،و البيضاويّ(2:

173)،و النّسفيّ(3:209)،و الشّربينيّ(3:53).

ابن عطيّة: أي علمت علما تامّا ليس في علمك.

(4:255)

نحوه ابن الجوزيّ.(6:164)

أبو حيّان :و في الكلام حذف،فإن كان غَيْرَ بَعِيدٍ زمانا فالتّقدير فجاء سليمان فقال:(احطت)،و إن كان مكانا فالتّقدير فجاء فوقف مكانا قريبا من سليمان، فسأله ما غيّبك؟و كان فيما روي قد علم بما أقسم عليه سليمان،فبادر إلى جوابه بما يسكن غيظه عليه،و هو أنّ غيبته كانت لأمر عظيم عرض له،فقال: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ، و في هذا جسارة من لديه:علم لم يكن عند غيره،و تبجّحه بذلك،و إبهام حتّى تتشوّق النّفس إلى معرفة ذلك المبهم ما هو،و معنى الإحاطة هنا أنّه علم علما ليس عند نبيّ اللّه سليمان.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ](7:65)1.

ص: 304


1- هي في المصحف:أ وعظت...
2- هي في المصحف(و اخذتم)آل عمران:81.

أبو السّعود: أي علما و معرفة،و حفظته من جميع جهاته،و قرئ (احطت) بإدغام الطّاء في التّاء بإطباق و بغير إطباق،و لا خفاء في أنّه لم يرد بما ادّعى الإحاطة به ما هو من حقائق العلوم و دقائق المعارف الّتي تكون معرفتها،و الإحاطة بها من وظائف أرباب العلم و الحكمة،لتوقّفها على علم رصين و فضل مبين،حتّى يكون إثباتها لنفسه بين يدي نبيّ اللّه سليمان عليه السّلام تعدّيا عن طوره،و تجاوزا عن دائرة قدره،و نفيها عنه عليه الصّلاة و السّلام جناية على جناية،فيحتاج إلى الاعتذار عنه،بأنّ ذلك كان منه بطريق الإلهام فكافحه عليه الصّلاة و السّلام...[ثمّ ذكر مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

بل أراد به ما هو من الأمور المحسوسة الّتي لا تعدّ الإحاطة بها فضيلة،و لا الغفلة عنها نقيصة،لعدم توقّف إدراكها إلاّ على مجرّد إحساس يستوي فيه العقلاء و غيرهم،و قد علم أنّه عليه الصّلاة و السّلام لم يشاهده، و لم يسمع خبره من غيره قطعا،فعبّر عنه بما ذكر لترويج كلامه عنده عليه الصّلاة و السّلام،و ترغيبه في الإصغاء إلى اعتذاره و استمالة قلبه نحو قبوله،فإنّ النّفس للاعتذار المنبئ عن أمر بديع أقبل،و إلى تلقّي ما لا تعلمه أميل.

(5:78)

نحوه الآلوسيّ.(19:186)

البروسويّ: الإحاطة:العلم بالشّيء من جميع جهاته، بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ أي علما و معرفة،و حفظته من جميع جهاته،و ذلك لأنّه كان ممّا لم يشاهده سليمان، و لم يسمع خبره من الجنّ و الإنس،يشير إلى سعة كرم اللّه و رحمته بأن يختصّ طائرا بعلم لم يعلمه نبيّ مرسل، و هذا لا يقدح في حال النّبيّ و الرّسول بأن لا يعلم علما غير نافع في النّبوّة،فإنّ النّبيّ عليه السّلام كان يستعيذ باللّه منه، فيقول:«أعوذ بك من علم لا ينفع»...[إلى أن قال:]

و في«الأسئلة المقحمة»:هذا سوء أدب في المخاطبة، فكيف واجهه بمثله و قد احتمله؟

و الجواب:لأنّه عقّبه بفائدة،و الخشونة المصاحبة لفائدة قد يحتملها الأكابر.(6:338)

الطّباطبائيّ: و المراد بالإحاطة العلم الكامل.[إلى أن قال:]

و قد قيل:إنّ في قول الهدهد: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ كسرا لسورة سليمان عليه السّلام فيما شدّد عليه.

(15:355)

مكارم الشّيرازيّ: و ممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ جنود سليمان-حتّى الطّيور الممتثلة لأوامره-كانت عدالة سليمان قد أعطتهم الحرّيّة و الأمن و الدّعة،بحيث يكلّمه الهدهد دون خوف و بصراحة لا ستار عليها، فيقول: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ.

فتعامل الهدهد و علاقته مع سليمان لم يكن كتعامل أصحاب القصر المتملّقين للجبابرة الطّغاة...إذ يتملّقون في البدء مدّة طويلة،ثمّ يتضرّعون و يعدّون أنفسهم كالذّرّة أمام الطّود،ثمّ يهوون على أقدام الجبابرة، و يبدون حاجتهم في أثناء مائة حالة من التّملّق،و لا يستطيعون أن يصرّحوا في كلامهم أبدا،بل يكنّون كناية أرقّ من الورد،لئلاّ يخدش قلب السّلطان غبار كلامهم.

أجل،إنّ الهدهد قال بصراحة:إنّ غيابي لم يكن اعتباطا و عبثا،بل جئتك بخبر يقين مهمّ لم تحط به.

ص: 305

و هذا التّعبير درس كبير للجميع؛إذ يمكن أن يكون موجود صغير كالهدهد يعرف موضوعا لا يعرفه أعلم من في عصره،لئلاّ يكون الإنسان مغرورا بعلمه،حتّى لو كان ذلك سليمان،مع ما عنده من علم النّبوّة الواسع.

(12:47)

احيط

1- ..جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ... يونس:22

أبو عبيدة :مجازه:دنوا للهلاك،و يقال:إنّه محاط بك،و الإدراك،أي إنّك مدرك فمهلك.(1:277)

ابن قتيبة :أي دنوا للهلكة،و أصل هذا أنّ العدوّ إذا أحاط ببلد فقد دنا أهله من الهلكة.(195)

نحوه الفخر الرّازيّ.(17:70)

الطّبريّ: و ظنّوا أنّ الهلاك قد أحاط بهم و أحدق.

(11:100)

نحوه الثّعلبيّ.(5:127)

الزّجّاج: يقال لكلّ من وقع من (1)بلاء:قد أحيط به،أي أحاط به البلاء.و قيل:أحاطت بهم الملائكة.

(3:14)

الطّوسيّ: أي ظنّوا أنّهم هالكون،لما أحاط بهم من الأمواج...و يقال لمن أشرف على الهلاك:أحيط به،و منه قوله: وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ الكهف:43،أي أهلكت.

(5:414)

البغويّ: دنوا من الهلكة،أي أحاط بهم الهلاك.(2:415)

نحوه الواحديّ.(2:543)

الميبديّ: أهلكوا،و سدّت عليهم مسالك النّجاة من جميع الجهات.[ثمّ ذكر مثل الزّجّاج](4:273)

نحوه البيضاويّ.(1:444)

الزّمخشريّ: أي أهلكوا،جعل إحاطة العدوّ بالحيّ مثلا في الهلاك.(2:232)

نحوه النّسفيّ(2:158)،و البروسويّ(4:31).

الطّبرسيّ: أي أيقنوا أنّهم دنوا من الهلاك،و قيل:

غلب على ظنّهم أنّهم سيهلكون،لما أحاط بهم من الأمواج.(3:101)

القرطبيّ: أي أحاط بهم البلاء،يقال لمن وقع في بليّة:قد أحيط به،كأنّ البلاء قد أحاط به،و أصل هذا أنّ العدوّ إذا أحاط بموضع فقد هلك أهله.(8:325)

أبو حيّان :و معنى أُحِيطَ بِهِمْ أي للهلاك،كما يحيط العدوّ بمن يريد إهلاكه،و هي كناية عن استيلاء أسباب الهلاك،و قرأ زيد بن عليّ (حيط بهم) ثلاثيّا، و الجملة من قوله: دَعَوُا اللّهَ قال أبو البقاء:هي جواب ما اشتمل عليه المعنى من معنى الشّرط،تقديره لمّا ظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه،انتهى.و هو كلام لا يتحصّل منه شيء.(5:139)

أبو السّعود :[ذكر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]أو سدّت عليهم مسالك الخلاص.(3:228)

الآلوسيّ: أي أهلكوا كما رواه ابن المنذر عن ابن جريج،ففي الكلام استعارة تبعيّة،و قيل:إنّ الإحاطة

ص: 306


1- هكذا،و الظّاهر:في.

استعارة لسدّ مسالك الخلاص،تشبيها له بإحاطة العدوّ بإنسان،ثمّ كنّي بتلك الاستعارة عن الهلاك،لكونها من روادفها و لوازمها.و قيل:إنّ ذلك مثل في الهلاك.

(11:97)

القاسميّ: أي أحاط بهم أسباب الهلاك،و هي شدّة الموج و الرّيح.(9:3338)

رشيد رضا :أي اعتقدوا اعتقادا راجحا أنّهم هلكوا بإحاطة الموج من كلّ جانب،كما يحيط العدوّ المحارب بعدوّه؛إذ يطوّقه بما يقطع عليه سبل النّجاة.

ذلك بأنّ فعل العاصف يهبط بهم في لجج البحر تارة، كأنّهم سقطوا في هاوية سحيقة،و لا يلبث أن يثب بهم إلى أعلى غوارب الموج،كأنّهم في قنّة جبل شاهق أصابه رجفة زلزلة شديدة.(11:338)

الطّباطبائيّ: أُحِيطَ بِهِمْ كناية عن الإشراف على الهلاك،و تقديره:أحاط بهم البلاء أو الأمواج.(10:36)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(6:308)

2- وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها... الكهف:42

ابن قتيبة :أي أهلك.(268)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و أحاط الهلاك و الجوانح بثمره.(15:250)

الزّجّاج: أحاط اللّه العذاب بثمره.(3:290)

الطّوسيّ: معناه هلكت ثمرهم عن آخرها،و لم يسلم منها شيء،كما يقال:أحاط بهم العدوّ،إذا هلكوا عن آخرهم،و الإحاطة:إدارة الحائط على الشّيء،و منه قوله: وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ البقرة:255،أي لا يعلمون معلوماته،و الحدّ محيط بجميع المحدود.

(7:49)

نحوه الطّبرسيّ.(3:472)

البغويّ: أي أحاط العذاب بثمر جنّته،و ذلك أنّ اللّه تعالى أرسل عليها نارا فأهلكتها و غار ماؤها.

(3:193)

الميبديّ: أي أفسد و أهلك،كقول يعقوب لبنيه:

إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ أي أن تهلكوا.(5:693)

الزّمخشريّ: (و احيط)به عبارة عن إهلاكه، و أصله من أحاط به العدوّ،لأنّه إذا أحاط به فقد ملكه و استولى عليه،ثمّ استعمل في كلّ إهلاك،و منه قوله تعالى: إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ و مثله قولهم:أتى عليه إذا أهلكه،من:أتى عليهم العدوّ،إذا جاءهم مستعليا عليهم.

(2:485)

نحوه الفخر الرّازيّ(21:128)،و البيضاويّ(2:

14)،و النّسفيّ(3:14)،و أبو حيّان(6:130)،و المراغيّ (15:147).

ابن عطيّة: هذا خبر من اللّه عن إحاطة العذاب بحال هذا المثل به...غير أنّ الإحاطة كناية عن عموم العذاب و الفساد.(3:518)

البروسويّ: عطف على مقدّر،كأنّه قيل:فوقع بعض توقّعه من المحذور و أهلك أمواله المعهودة الّتي هي جنّتاه و ما حوتاه،مأخوذ من أحاط به العدوّ،لأنّه إذا أحاط به فقد غلبه و استولى عليه فيهلكه.(5:248)

ص: 307

الآلوسيّ: [ذكر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و ذكر الخفاجيّ: «أنّ في الكلام استعارة تمثيليّة،شبّه إهلاك جنّتيه بما فيهما بإهلاك قوم حاط بهم عدوّ،و أوقع بهم بحيث لم ينج أحد منهم،و يحتمل أن تكون الاستعارة تبعيّة،و بعض يجوّز كونها تمثيليّة تبعيّة»انتهى.و جعل ذلك من باب الكناية أظهر،و العطف على مقدّر كأنّه قيل:فوقع بعض ما ترجى و أحيط إلخ،و حذف لدلالة السّباق و السّياق عليه.(15:282)

الطّباطبائيّ: الإحاطة بالشّيء كناية عن هلاكه، و هي مأخوذة من إحاطة العدوّ و استدارته به من جميع جوانبه،بحيث ينقطع عن كلّ معين و ناصر و هو الهلاك، قال تعالى: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يونس:22.

(13:316)

مكارم الشّيرازيّ: (احيط)مشتقّة من«إحاطة» و هي في هذه الموارد تأتي بمعنى العذاب الشّامل،الّذي تكون نتيجته الإبادة الكاملة.(9:245)

لا يحيطون

1- ..وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ...

البقرة:255

السّدّي:لا يعلمون بشيء من علمه إلاّ بما شاء هو أن يعلمهم.(الطّبريّ 3:9)

الطّبريّ: فإنّه يعني تعالى ذكره أنّه العالم الّذي لا يخفى عليه شيء،محيط بذلك كلّه،محص له دون سائر من دونه،و أنّه لا يعلم أحد سواه شيئا إلاّ بما شاء هو أن يعلمه،فأراد فعلمه.(3:9)

القرطبيّ: العلم هنا بمعنى المعلوم،أي و لا يحيطون بشيء من معلوماته؛و هذا كقول الخضر لموسى عليه السّلام حين نقر العصفور في البحر:ما نقص علمي و علمك من علم اللّه إلاّ كما نقص هذا العصفور من هذا البحر.فهذا و ما شاكله راجع إلى المعلومات،لأنّ علم اللّه سبحانه و تعالى الّذي هو صفة ذاته لا يتبعّض.و معنى الآية لا معلوم لأحد إلاّ ما شاء اللّه أن يعلمه.(3:276)

أبو حيّان :الإحاطة تقتضي الحفوف بالشّيء من جميع جهاته و الاشتمال عليه.[ثمّ أدام الكلام نحو القرطبيّ](2:279)

الآلوسيّ: و الإحاطة بالشّيء علما،علمه كما هو على الحقيقة،و المعنى لا يعلم أحد من هؤلاء كنه شيء ما من معلوماته تعالى.(3:9)

2- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً. طه:110

الجبّائيّ: معناه و لا يحيطون بما خلفهم علما،و لا بما بين أيديهم.(الطّوسيّ 7:210)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و لا يحيط خلقه به علما،و معنى الكلام:أنّه محيط بعباده علما،و لا يحيط عباده به علما.و قد زعم بعضهم أنّ معنى ذلك:أنّ اللّه يعلم ما بين أيدي ملائكته و ما خلفهم،و أنّ ملائكته لا يحيطون علما بما بين أيدي أنفسهم و ما خلفهم،إنّما أعلم بذلك الّذين كانوا يعبدون الملائكة،أنّ الملائكة كذلك لا تعلم ما بين أيديها و ما خلفها موبّخهم بذلك، و مقرّعهم بأنّ من كان كذلك فكيف يعبد؟و أنّ العبادة إنّما

ص: 308

تصلح لمن لا تخفى عليه خافية في الأرض و لا في السّماء.

(16:215)

الثّعلبيّ: لا يدركونه و لا يعلمون ما هو صانع بهم.(6:261)

الطّوسيّ: (و لا يحيطون)هم(به)باللّه(علما)، و المعنى أنّهم لا يعلمون كلّ ما هو تعالى عالم به لنفسه،فلا يعلمه أحد علم إحاطة،و هو تعالى يعلم جميع ذلك، و جميع الأشياء علم إحاطة،بمعنى أنّه يعلمها على كلّ وجه يصحّ أن تعلم عليه مفصّلا.(7:210)

البغويّ: قيل:الكناية ترجع إلى(ما)أي هو يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم،و هم لا يعلمونه.و قيل:

الكناية راجعة إلى اللّه،لأنّ عباده لا يحيطون به علما.

(3:276)

مثله الميبديّ(6:179)،و الشّربينيّ(2:485).

الزّمخشريّ: و لا يحيطون بمعلوماته علما.

(2:554)

الطّبرسيّ: أي و لا يحيطون هم باللّه علما،أي بمقدوراته و معلوماته،و قيل:بكنه عظمته في ذاته و أفعاله.و قيل:معناه و لا يدركونه بشيء من الحواسّ حتّى يحيط علمهم به.(4:31)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في قوله: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى بيّن أنّه يعلم ما بين أيدي العباد و ما خلفهم،ثمّ قال: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً أي العباد لا يحيطون بما بين أيديهم و ما خلفهم علما.

الثّاني:المراد لا يحيطون باللّه علما.و الأوّل أولى لوجهين:

أحدهما:أنّ الضّمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات،و الأقرب هاهنا قوله: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ.

و ثانيهما:أنّه تعالى أورد ذلك مورد الزّجر ليعلم أنّ سائر ما يقدمون عليه و ما يستحقّون به المجازاة معلوم للّه تعالى.(22:119)

القرطبيّ: الهاء في(به)للّه تعالى،أي أحد لا يحيط به علما؛إذ الإحاطة مشعرة بالحدّ،و يتعالى اللّه عن التّحديد.و قيل:تعود على العلم،أي أحد لا يحيط علما بما يعلمه اللّه.(11:248)

البيضاويّ: و لا يحيط علمهم بمعلوماته،و قيل:

بذاته،و قيل:الضّمير لأحد الموصولين أو لمجموعهما، فإنّهم لم يعلموا جميع ذلك،و لا تفصيل ما علموا منه.

(2:61)

مثله أبو السّعود.(4:310)

النّسفيّ: أي بما أحاط به علم اللّه،فيرجع الضّمير إلى(ما)،أو يرجع الضّمير إلى اللّه،لأنّه تعالى ليس بمحاط.(4:66)

الآلوسيّ: أي لا يحيط علمهم بمعلوماته تعالى، ف(علما)تمييز محوّل عن الفاعل،و ضمير(به)للّه تعالى، و الكلام على تقدير مضاف.و قيل:المراد لا يحيط علمهم بذاته سبحانه،أي من حيث اتّصافه بصفات الكمال الّتي من جملتها العلم الشّامل،و يقتضي صحّة أن يقال:علمت اللّه تعالى؛إذ المنفيّ العلم على طريق الإحاطة.

(16:265)

ص: 309

البروسويّ: و لا يقدر جميع أهل العالم أن يحيطوا بذاته تعالى علما،لأنّه تعالى قديم و علم المخلوقين لا يحيط بالقديم.و فيه إشارة إلى العجز عن كنه معرفته.

قال بعض الكبار:ما علمه غيره و لا ذكره سواه،فهو عالم (1)و الذّاكر على الحقيقة،و ذلك أنّ الحادث فاني الوجود،و القديم باقي الوجود،و الفاني لا يدرك الباقي إلاّ بالباقي،و إذا أدركه به فلا يبلغ إلى ذرّة من كمال الأزليّة، لأنّ الإحاطة بوجوده مستحيلة من كلّ الوجوه صفاتا و ذاتا و سرّا و حقيقة.قال الواسطيّ:كيف يطلب أن يأخذ طريق الإحاطة و هو لا يحيط بنفسه علما،و لا بالسّماء و هو يرى جوهرها؟[ثمّ ذكر قول الرّاغب و زاد:]

قال في«أنوار المشارق»:يجوز في طريقة الصّوفيّة أن يطلب ما يقصر العقل عنه و لا يطيقه،أي ما لا يدرك بمجرّد العقل،و لا يجوز أن يطلب ما يحكم العقل باستحالته،فلا يرد ما يقال:أنّى يحصل للعقول البشريّة أن يسلكوا في الذّات الإلهيّة سبيل الطّلب و التّفتيش، و أنّى تطيق نور الشّمس أبصار الخفافيش؟

قال الشّيخ محمّد پارسا في«فصل الخطاب»:لا يجوز أن يظهر في طور الولاية ما يحكم العقل باستحالته، و يجوز أن يظهر فيه ما يقصر العقل عنه،و من لم يفرق بين ما يستحيله العقل و ما لا يناله العقل فليس له عقل، انتهى.

قال الشّيخ عزّ الدّين:كنه ذات الحقّ تعالى و صفاته محجوب عن نظر العقول،و نهاية معرفة العارفين هو أن ينكشف لهم باستحالة معرفة حقيقة ذات اللّه لغير اللّه.

و إنّما اتّساع معرفتهم باللّه إنّما يكون في معرفة أسمائه و صفاته تعالى،فبقدر ما تنكشف لهم معلوماته تعالى و عجائب مقدوراته و بديع آياته في الدّنيا و الآخرة، يكون تفاوتهم في معرفته سبحانه،و بقدر التّفاوت في المعرفة،يكون تفاوتهم في الدّرجات الأخرويّة العالية.(5:429)

مكارم الشّيرازيّ: فهو يعلم ما قدّم المجرمون و ما فعلوه في الدّنيا،و هو مطّلع على كلّ أفعالهم و أقوالهم و نيّاتهم في الماضي،و ما سيلاقونه من الجزاء في المستقبل، إلاّ أنّهم لا يحيطون بعلم اللّه.و بهذا فإنّ إحاطة علم اللّه سبحانه تشمل العلم بأعمال هؤلاء و بجزائهم،و هذان الرّكنان في الحقيقة هما دعامة القضاء التّامّ العادل،و هو أن يكون القاضي عالما و مطّلعا تماما على الحوادث الّتي وقعت،و كذلك يعلم بحكمها و جزائها.(10:72)

فضل اللّه :لأنّه هو الخالق لهم المحيط بهم في ما يخفون من أمرهم ممّا يسرّونه،أو في ما يظهرونه منه ممّا يعلنونه،فهم مكشوفون أمامه بكلّ دقائق وجودهم، و لكنّهم لا يحيطون به علما،لأنّهم محدودون في عمرهم و في تجربتهم و في آفاق إدراكهم،فلا يعلمون إلاّ بما أراد لهم أن يعلموه،و لا يحيطون إلاّ بما أراد لهم أن يحيطوا به من شئون السّماء و الأرض،و ذلك كلّه كناية عن الإحاطة الكاملة الّتي توحي إليهم بأن يخلصوا له القول، فلا يقولون ما لا يعتقدون،و يخلصوا له العمل،فلا يضمرون غير ما يظهرون في دوافعه و مقاصده.

(15:157)م.

ص: 310


1- كذا،و الظّاهر:فهو العالم.
يحاط

قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ... يوسف:66

ابن عبّاس: إلاّ أن ينزل عليكم أمر من السّماء، و يقال:إلاّ أن يصيبكم أمر من السّماء أو من الأرض.(200)

مجاهد :إلاّ أن تهلكوا جميعا.(الطّبريّ 13:12)

قتادة :إلاّ أن تغلبوا حتّى لا تطيقوا ذلك.

(الطّبريّ 13:12)

ابن إسحاق :إلاّ أن يصيبكم أمر يذهب بكم جميعا، فيكون ذلك عذرا لكم عندي.(الطّبريّ 13:13)

الفرّاء: إلاّ أن يأتيكم من اللّه ما يعذركم.(2:50)

ابن قتيبة :أي تشرفوا على الهلكة و تغلبوا.

(219)

الطّبريّ: إلاّ أن يحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه على أن تأتوني به.(13:12)

الزّجّاج: فموضع(ان)نصب،و المعنى لتأتنّني به إلاّ لإحاطة بكم،أي لا لتمتنعوا من الإتيان به إلاّ لهذا،و هذا يسمّى مفعولا له،و(الاّ)هاهنا تأتي بمعنى تحقيق الجزاء، تقول:ما تأتي إلاّ لأخذ الدّراهم،و إلاّ أن تأخذ الدّراهم.

و معنى الإحاطة بهم أن يحال بينهم و بينه،فلا يقدروا على الإتيان به.(3:119)

نحوه الطّوسيّ.(6:166)

الواحديّ: [ذكر قول مجاهد و ابن إسحاق و قال:] و العرب تقول:أحيط بفلان،إذا دنا هلاكه،و منه قوله:

وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ أي أصابه ما أهلكه.(2:621)

نحوه الميبديّ.(5:103)

الزّمخشريّ: إلاّ أن تغلبوا فلا تطيقوا الإتيان به،أو إلاّ أن تهلكوا.

فإن قلت:أخبرني عن حقيقة هذا الاستثناء ففيه إشكال!!

قلت: أَنْ يُحاطَ بِكُمْ مفعول له،و الكلام المثبت الّذي هو قوله: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ في تأويل النّفي،معناه لا تمتنعون من الإتيان به إلاّ للإحاطة بكم،أي لا تمتنعون منه لعلّة من العلل إلاّ لعلّة واحدة و هي أَنْ يُحاطَ بِكُمْ، فهو استثناء من أعمّ العامّ في المفعول له، و الاستثناء من أعمّ العامّ لا يكون إلاّ في النّفي وحده،فلا بدّ من تأويله بالنّفي،و نظيره من الإثبات المتأوّل بمعنى النّفي،قولهم:أقسمت باللّه لما فعلت و إلاّ فعلت،تريد ما أطلب منك إلاّ الفعل.(2:332)

نحوه البيضاويّ(1:502)،و النّسفيّ(2:230)، و النّيسابوريّ(13:24).

أبو السّعود :[ذكر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قد جوّز الأوّل بلا تأويل أيضا أي لتأتنّني به على كلّ حال إلاّ حال الإحاطة بكم.و أنت تدري أنّه حيث لم يكن الاتيان به من الأفعال الممتدّة الشّاملة للأحوال على سبيل المعيّة،كما في قولك:«لألزمنّك إلاّ أن تعطيني حقّي»،و لم يكن عليه السّلام يريد مقارنته على سبيل البدل لما عدا الحال المستثناة،كما إذا قلت:«صلّ إلاّ أن تكون محدثا»بل مجرّد تحقّقه و وقوعه من غير إخلال به،كما في قولك:«لأحجّنّ العام إلاّ أن أحصر»،فإنّ مرادك إنّما هو الإخبار بعدم منع ما سوى حال الإحصار عن الحجّ،

ص: 311

لا الإخبار بمقارنته لتلك الأحوال على سبيل البدل،كما هو مرادك في مثال الصّلاة،كأنّ اعتبار الأحوال معه من حيث عدم منعها منه،فآل المعنى إلى التّأويل المذكور.(3:411)

ابن عطيّة: لفظ عامّ لجميع وجوه الغلبة و القسر، و المعنى تعمّكم الغلبة من جميع الجهات حتّى لا تكون لكم حيلة و لا وجه تخلّص.و قال مجاهد:المعنى إلاّ أن تهلكوا جميعا.و قال قتادة:إلاّ ألاّ تطيقوا ذلك.و هذا يرجّحه لفظ الآية.(3:261)

الفخر الرّازيّ: فيه بحثان:

البحث الأوّل:[ذكر قول الزّمخشريّ]

البحث الثّاني:قال الواحديّ:للمفسّرين فيه قولان:

القول الأوّل:أنّ قوله: إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ معناه الهلاك.قال مجاهد:إلاّ أن تموتوا كلّكم،فيكون ذلك عذرا عندي،و العرب تقول:أحيط بفلان،إذا قرب هلاكه،قال تعالى: وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ أي أصابه ما أهلكه.و قال تعالى: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ و أصله أنّ من أحاط به العدوّ،و انسدّت عليه مسالك النّجاة دنا هلاكه،فقيل لكلّ من هلك:قد أحيط به.

و القول الثّاني:[قول قتادة المتقدّم](18:171)

العكبريّ: هو استثناء من غير الجنس.و يجوز أن يكون من الجنس،و يكون التّقدير:لتأتنّني به على كلّ حال إلاّ في حال الإحاطة بكم.(2:737)

أبو حيّان :[ذكر نحو ابن عطيّة و الزّمخشريّ و أضاف:]

و لا يجوز أن يكون مستثنى من الأحوال مقدّرا بالمصدر الواقع حالا،و إن كان صريح المصدر قد يقع حالا،فيكون التّقدير:لتأتنّني به على كلّ حال إلاّ إحاطة بكم،أي محاطا بكم،لأنّهم نصّوا على أنّ(ان)النّاصبة للفعل لا تقع حالا،و إن كانت مقدّرة بالمصدر الّذي قد يقع بنفسه حالا.

فإن جعلت(ان)و الفعل واقعة موقع المصدر الواقع ظرف زمان،و يكون التّقدير:لتأتنّني به في كلّ وقت إلاّ إحاطة بكم،أي إلاّ وقت إحاطة بكم.قلت:منع ذلك ابن الأنباريّ،فقال ما معناه:يجوز خروجنا صياح الدّيك، أي وقت صياح الدّيك،و لا يجوز خروجنا أن يصيح الدّيك،و لا ما يصيح الدّيك،و إن كانت(ان)و(ما) مصدريّتين،و إنّما يقع ظرفا المصدر المصرّح بلفظه.

و أجاز ابن جنّيّ أن تقع(ان)ظرفا كما يقع صريح المصدر،فأجاز في قول تأبّط شرّا:[ثمّ استشهد بشعر] فعلى ما أجازه ابن جنّيّ يجوز أن تخرج الآية،و يبقى لَتَأْتُنَّنِي بِهِ على ظاهره من الإثبات و لا يقدّر فيه معنى النّفي.و في الكلام حذف تقديره:فأجابوه إلى ما طلبه.(5:324)

نحوه السّمين.(4:196)

البروسويّ: إلاّ وقت الإحاطة بكم،و كونهم محاطا بهم إمّا كناية عن كونهم مغلوبين مقهورين بحيث لا يقدرون على إتيانه البتّة،أو عن هلاكهم و موتهم جميعا.و أصله من العدوّ،فإنّ من أحاط به العدوّ يصير مغلوبا عاجزا عن تنفيذ مراده أو هالكا بالكلّيّة.و لقد صدّقت هذه القصّة المثل السّائر و هو قولهم:«البلاء موكّل بالمنطق»،فإنّ يعقوب عليه السّلام قال أوّلا في حقّ

ص: 312

يوسف: وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ يوسف:13،فابتلى من ناحية هذا القول،حيث قالوا:أكله الذّئب،و قال هاهنا: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فابتلى أيضا بذلك،و أحيط بهم و غلبوا عليه.(4:291)

الآلوسيّ: [ذكر نحو أبي حيّان و أضاف:]

و الظّاهر اعتبار التّأويل على الوجه الأوّل أيضا، فإنّ الاستثناء فيه مفرّغ كما علمت،و هو لا يكون في الإثبات إلاّ إذا صحّ و ظهر إرادة العموم فيه،نحو:قرأت إلاّ يوم الجمعة،لا مكان القراءة في كلّ يوم غير الجمعة، و هنا غير صحيح،لأنّه لا يمكن لإخوة يوسف عليه السّلام أن يأتوا بأخيهم في كلّ وقت.و على كلّ حال،سوى وقت الإحاطة بهم،لظهور أنّهم لا يأتون به له و هو في الطّريق أو في مصر،اللّهمّ إلاّ أن يقال:إنّه من ذلك القبيل،و أنّ العموم و الاستغراق فيه عرفيّ،أي في كلّ حال يتصوّر الإتيان فيها.

و تعقّب المولى أبو السّعود تجويز الأوّل بلا تأويل، بقوله:و أنت تدري أنّه حيث لم يكن(الإتيان)من الأفعال الممتدّة الشّاملة للأحوال على سبيل المعيّة.

[و ذكر قول أبي السّعود و أضاف:]

و بحث فيه واحد من الفضلاء بثلاثة أوجه:

الأوّل:أنّه لو كان المراد من قوله:(لتاتنّنى به) الإخبار بمجرّد تحقّق الإتيان و وقوعه من غير إخلال به لم يحتج إلى التّأويل المذكور-أعني التّأويل بالنّفي-كما لا يخفى على المتأمّل فكلامه يفيد خلاف مراده.

الثّاني:أنّا سلّمنا أن ليس مراد القائل من قوله:

«لأحجّنّ إلخ»الإخبار بمقارنة الحجّ لما عدا حال الإحصار على سبيل البدل،لكن لا نسلّم أن ليس مراده منه إلاّ الإخبار بعدم منع ما سوى حال الإحصار عنه، غايته أنّ بينهما ملازمة،و ذاك لا يستلزم الاحتياج إلى التّأويل بالنّفي.

الثّالث:أنّه إن أراد من قوله:«كان اعتبار الأحوال إلخ»أنّ الاتيان به لم يكن معه اعتبار الأحوال كما هو الظّاهر فممنوع،و إن أراد أنّ اعتبار الأحوال معه يستلزم حيثية عدم منعها منه فمسلّم،لكن لا يلزم منه الاحتياج إلى التّأويل المذكور أيضا،و ليس المدّعى إلاّ ذاك،انتهى.

و هو كما ترى فتبصّر.(13:14)

المراغيّ: أي إلاّ أن تغلبوا على أمركم،أو إلاّ أن تهلكوا،فإنّ من يحيط به العدوّ يهلك غالبا.(13:14)

الطّباطبائيّ: و الإحاطة من حاط بمعنى حفظ، و منه الحائط:للجدار الّذي يدور حول المكان ليحفظه، و اللّه سبحانه محيط بكلّ شيء،أي مسلّط عليه،حافظ له من كلّ جهة،لا يخرج و لا شيء من أجزائه من قدرته، و أحاط به البلاء و المصيبة،أي نزل به على نحو انسدّت عليه جميع طريق النّجاة،فلا مناص له منه،و منه قولهم:

أحيط به،أي هلك أو فسد،أو انسدّت عليه طرق النّجاة و الخلاص،قال تعالى: وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ...

الكهف:42،و قال: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ...

يونس:22،و منه قوله في الآية: إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ أي أن ينزل بكم من النّازلة ما يسلب منكم كلّ استطاعة و قدرة،فلا يسعكم الإتيان به إليّ.(11:216)

حسنين مخلوف:أي إلاّ أن تهلكوا جميعا،تقول العرب:أحيط بفلان،إذا هلك أو قارب الهلاك،و أصله

ص: 313

من إحاطة العدوّ،و استعمل في الهلاك،لأنّ من أحاط به العدوّ يهلك غالبا،أو إلاّ أن تغلبوا عليه فلا تطيقوا الإتيان به.(1:389)

مكارم الشّيرازيّ: و أمّا جملة إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فهي في الواقع بمعنى إلاّ إذا أحاطت بكم و غلبتكم الحوادث،و لعلّها إشارة إلى حوادث الموت أو غيرها من الحوادث،و المصائب الّتي تسلب قدرة الإنسان،و تقصم ظهره و تجعله عاجزا.

و ذكر هذا الاستثناء دليل بارز على ذكاء نبيّ اللّه يعقوب و فطنته،فإنّه برغم حبّه الشّديد لولده بنيامين، لكنّه لم يحمّل أولاده بما لا يطيقوا،و قال لهم:إنّكم مسئولون عن سلامة ولدي العزيز،و أنّي سوف أطلبه منكم إلاّ أن تغلبكم الحوادث القاهرة،فحينئذ لا حرج عليكم.(7:229)

فضل اللّه :تغلبوا على أمركم.(12:238)

محيط

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَ اللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ. البقرة:19

ابن عبّاس: أي عالم بهم و جامعهم في النّار.(5)

نحوه مجاهد(الطّبريّ 1:158)،و الطّبريّ(1:

157)،و الثّعلبيّ(1:164).

يقول:اللّه منزّل ذلك بهم من النّقمة.

(الطّبريّ 1:158)

مجاهد :جامعهم يوم القيامة.(الواحديّ 1:96)

يجمعهم فيعذّبهم.(البغويّ 1:91)

الأصمّ:إنّه عالم بهم فيعلم سرائرهم،و يطّلع نبيّه على ضمائرهم.(الطّبرسيّ 1:58)

الطّوسيّ: وَ اللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ يحتمل أمرين:

أحدهما:إنّه عالم بهم-و إن كان عالما بغيرهم-و إنّما خصّهم لما فيه من التّهديد.

و الثّاني:إنّه المقتدر عليهم-و إن كان مقتدرا على غيرهم-لأنّه تقدّم ذكرهم،و لما فيه من الوعيد،و المحيط:

القادر.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا الإحاطة بمعنى كون الشّيء حول الشّيء،ممّا يحيط به فلا يجوز على اللّه تعالى،لأنّه من صفات الأجسام،و الّذي يجوز الإحاطة بمعنى الأقدار و الملك،كما يقال:أحاط ملكك بمال عظيم،يعنون أنّه يملك مالا عظيما.(1:95)

الواحديّ: أحاط بكذا،إذا لم يشذّ منه شيء،كقوله تعالى: أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً الطّلاق:12،أي لم يشذّ عن علمه شيء.

و جاء في التّفسير:و اللّه مهلكهم،يقال:أحاط بفلان، إذا دنا هلاكه فهو محاط به،قال اللّه تعالى: وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ أي أصابه ما أهلكه و أفسده،و قوله تعالى: إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ أي تهلكوا جميعا.(1:96)

نحوه الطّبرسيّ.(1:58)

البغويّ: أي عالم بهم،و قيل:جامعهم،و قيل:

مهلكهم،دليله قوله تعالى: إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ أي تهلكوا جميعا.(1:91)

ص: 314

الزّمخشريّ: و إحاطة اللّه بالكافرين مجاز،و المعنى أنّهم لا يفوتونه،كما لا يفوت المحاط به المحيط حقيقة، و هذه الجملة اعتراض لا محلّ لها.(1:218)

نحوه النّسفيّ(1:27)،و النّيسابوريّ(1:186).

ابن عطيّة: معناه بعقابه و أخذه،يقال:أحاط السّلطان بفلان،إذا أخذه أخذا حاصرا من كلّ جهة، و منه قوله تعالى: وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ الكهف:42،ففي الكلام حذف مضاف.(1:103)

ابن الجوزيّ: فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:[قول مجاهد و قد تقدّم]

و الثّاني:أنّ الإحاطة الإهلاك،مثل قوله تعالى:

وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ.

و الثّالث:أنّه لا يخفى عليه ما يفعلون.(1:44)

القرطبيّ: ابتداء و خبر،أي لا يفوتونه.يقال:

أحاط السّلطان بفلان،إذا أخذه أخذا حاصرا من كلّ جهة.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قوله تعالى: وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ و أصله محيط، نقلت حركة الياء إلى الحاء فسكّنت.فاللّه سبحانه محيط بجميع المخلوقات،أي هي في قبضته و تحت قهره،كما قال:

وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ الزّمر:67.[ثمّ ذكر نحو البغويّ](1:221)

أبو حيّان :الإحاطة هنا كناية عن كونه تعالى لا يفوتونه،كما لا يفوت المحاط المحيط به،فقيل:بالعلم، و قيل:بالقدرة،و قيل:بالإهلاك،و هذه الجملة اعتراضيّة،لأنّها دخلت بين هاتين الجملتين اللّتين هما:

يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ و يَكادُ الْبَرْقُ و هما من قصّة واحدة.(1:87)

نحوه الشّربينيّ.(1:29)

السّمين:جملة من مبتدإ و خبر،و أصل محيط محوط،لأنّه من حاط يحوط،فأعلّ كإعلال نستعين.

و الإحاطة:حصر الشّيء من جميع جهاته،و هو هنا عبارة عن كونهم تحت قهره،و لا يفوتونه،و قيل:ثمّ مضاف محذوف،أي عقابه محيط بهم.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ](1:139)

أبو السّعود :أي لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط.شبّه شمول قدرته تعالى لهم،و انطواء ملكوته عليهم،بإحاطة المحيط بما أحاط به في استحالة الفوت،أو شبّه الهيئة المنتزعة من شئونه تعالى معهم بالهيئة المنتزعة من أحوال المحيط مع المحاط.

فالاستعارة المبنيّة على التّشبيه الأوّل استعارة تبعيّة في الصّفة،متفرّعة على ما في مصدرها من الاستعارة، و المبنيّة على الثّاني تمثيليّة قد اقتصر من طرف المشبّه به على ما هو العمدة في انتزاع الهيئة المشبّه بها،أعني الإحاطة،و الباقي منويّ بألفاظ متخيّلة،بها يحصل التّركيب المعتبر في التّمثيل،كما مرّ تحريره في قوله عزّ و جلّ: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7.

و الجملة اعتراضيّة منبّهة على أنّ ما صنعوا من سدّ الآذان بالأصابع لا يغني عنهم شيئا،فإنّ القدر لا يدافعه الحذر،و الحيل لا تردّ بأس اللّه عزّ و جلّ.

و فائدة وضع«الكافرين»موضع الضّمير الرّاجع إلى أصحاب الصّيّب،الإيذان بأنّ ما دهمهم من الأمور الهائلة المحكيّة بسبب كفرهم على منهاج قوله تعالى:

ص: 315

كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ... آل عمران:117،فإنّ الإهلاك النّاشئ من السّخط أشدّ، و قيل:هذا الاعتراض من جملة أحوال المشبّه على أنّ المراد ب«الكافرين»المنافقون،قد دلّ به على أنّه لا مدفع لهم من عذاب اللّه تعالى في الدّنيا و الآخرة،و إنّما وسّط بين أحوال المشبّه مع أنّ القياس تقديمه أو تأخيره، لإظهار كمال العناية و فرط الاهتمام بشأن المشبّه.

(1:75)

البروسويّ: أصل الإحاطة الإحداق بالشّيء من جميع جهاته،و هو مجاز في حقّه تعالى،أي محدق بعلمه و قدرته.[ثمّ ذكر نحو أبي السّعود](1:71)

الآلوسيّ: [ذكر نحو أبي السّعود و أضاف:]

و جوّز أبو عليّ في(محيط)أن يكون بمعنى مهلك،كما في قوله تعالى: وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ أو عالم علم مجازاة،كما في قوله تعالى: وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ الجنّ:

28،و كلّ هذا من الظّاهر،و لأهل الشّهود كلام-من ورائه محيط-و الواو اعتراضيّة لا عاطفة و لا حاليّة، و الجملة معترضة بين جملتين من قصّة واحدة،و فيها تتميم للمقصود من التّمثيل بما تفيده من المبالغة...

(1:174)

رشيد رضا :يرشدنا في أثناء شرح المثل و تقريره إلى حال من ضرب فيهم المثل،لئلاّ يذهلنا ما نتصوّره من حال المشبّه به عن حال المشبّه المقصود بالذّات،و هو أنّ التّصامم و الهروب من سماع آيات الحقّ،و الحذر من صواعق براهينه السّاطعة،أن تذهب بتقاليدهم الّتي يرون حياتهم المليّة مرتبطة بها لا يفيد شيئا،لأنّ اللّه تعالى محيط بهم،و مطّلع على سرائرهم،و عالم بما في ضمائرهم،و قادر على أخذهم أينما كانوا،و في أيّ طريق سلكوا،فلا يهربون من برهان إلاّ و يفاجئهم برهان آخر، كالغريق يدفعه موج و يتلقّاه موج حتّى يقذف به إلى ساحل النّجاة،أو يدفعه إلى هاوية العدم،و لهذا قال:

مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ، و لم يقل محيط بهم.

أقول:فوضع الاسم المظهر موضع المضمر للإيذان بأنّهم إنّما كانوا كذلك بكفرهم،و أنّ ذلك يرد في أمثالهم.

و المراد بالإحاطة هنا إحاطة القدرة،فمن لم يمته بأخذ الصّاعقة أماته بغيرها.

*تنوّعت الأسباب و الموت واحد*

و المحيط بالشّيء لا يمكن أن يفوته و ينفلت من قبضته.(1:177)

نحوه المراغيّ.(1:61)

فضل اللّه :فلا عاصم من أمر اللّه،لأنّ الأجل يأتيهم من كلّ مكان،و بأكثر من سبب،فلا يحميهم منه شيء،و لا هناك من يستجيرون به.(1:163)

2- ...وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ. آل عمران:120

ابن عبّاس: عالم.(55)

مثله الثّعلبيّ(3:137)،و البغويّ(1:499).

الطّبريّ: إنّ اللّه بما يعمل هؤلاء الكفّار في عباده و بلاده من الفساد،و الصّدّ عن سبيله،و العداوة لأهل دينه و غير ذلك من معاصي اللّه،محيط بجميعه،حافظ له، لا يعزب عنه شيء منه حتّى يوفّيهم جزاءهم على ذلك

ص: 316

كلّه،و يذيقهم عقوبته عليه.(4:69)

الخطّابيّ: و المحيط:الّذي أحاطت قدرته بجميع خلقه،و أحاط علمه بالأشياء كلّها.

(ابن الجوزيّ 1:448)

الطّوسيّ: عالم به من جميع جهاته مقتدر عليه.(2:

575)

الواحديّ: عالم به،لا يخفى عليه شيء من ذلك.(1:

484)

الزّمخشريّ: ففاعل بكم ما أنتم أهله،قرئ بالياء [يعملون] بمعنى أنّه عالم بما يعملون (1)في عداوتكم فمعاقبهم عليه.(1:460)

نحوه البيضاويّ(1:179)،و النّسفيّ(1:179).

ابن عطيّة: و قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وعيد،و المعنى محيط جزاؤه و عقابه و بالقدرة و السّلطان.و قرأ الحسن: (بما تعملون) بالتّاء،و هذا إمّا على توعّد المؤمنين في اتّخاذ هؤلاء بطانة،و إمّا على توعّد هؤلاء المنافقين بتقدير:قل لهم يا محمّد.(1:499)

الطّبرسيّ: [ذكر مثل الطّوسيّ و أضاف:]

لأنّ أصل المحيط بالشّيء هو المضيف به من حواليه، و ذلك من صفات الأجسام فلا يليق به سبحانه.

(1:494)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:قرئ بِما يَعْمَلُونَ بالياء على سبيل المغايبة،بمعنى أنّه عالم بما يعملون في معاداتكم فيعاقبهم عليه،و من قرأ بالتّاء على سبيل المخاطبة، فالمعنى أنّه عالم محيط بما تعملون من الصّبر و التّقوى، فيفعل بكم ما أنتم أهله.

المسألة الثّانية:إطلاق لفظ المحيط على اللّه مجاز،لأنّ المحيط بالشّيء هو الّذي يحيط به من كلّ جوانبه،و ذلك من صفات الأجسام،لكنّه تعالى لمّا كان عالما بكلّ الأشياء قادرا على كلّ الممكنات جاز في مجاز اللّغة أنّه محيط بها.[ثمّ ذكر آيات]

المسألة الثّالثة:إنّما قال: إِنَّ اللّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ و لم يقل:إنّ اللّه محيط بما يعملون،لأنّهم يقدّمون الأهمّ و الّذي هم بشأنه أعنى،و ليس المقصود هاهنا بيان كونه تعالى عالما،بل بيان أنّ جميع أعمالهم معلومة للّه تعالى و مجازيهم عليها،فلا جرم قدّم ذكر العمل،و اللّه أعلم.

[و أيضا رويّا لما بعدها:(و اللّه سميع عليم)](8:216)

البروسويّ: علما فيعاقبهم على ذلك،و الإحاطة:

إدراك الشّيء بكماله.(2:86)

نحوه الآلوسيّ.(4:41)

رشيد رضا :قال الأستاذ الإمام ما مثاله:المحيط بالعمل هو الواقف على دقائقه،فهو إذا دلّ على طريق النّجاة لعامل من كيد الكائدين و الوسيلة للخلاص من ضررهم،فإنّما يدلّ على الطّريق الموصل للنّجاة حتما، و الوسيلة المؤدّية إلى النّجاح قطعا،فالكلام كالتّعليل لكون الاستعانة بالصّبر و التّمسّك بالتّقوى شرطين للنّجاح.و هناك وجه آخر و هو أنّ الخطاب ب(تعلمون) عامّ للمؤمنين و الكافرين جميعا-يعني على قراءة الحسن و أبي حاتم (تعلمون) بالمثنّاة الفوقيّة أو على الالتفات.

و من كان عالما بعمل فريقين متحادين محيطا بأسباب ماو.

ص: 317


1- و في الأصل:يعلمون،و هو سهو.

يصدر عن كلّ منهما و مقدّماته و نتائجه و غاياته،فهو الّذي يعتمد على إرشاده في معاملة أحدهما للآخر،و لا يمكن أن يعرف أحدهما من نفسه في حاضرها و آتيها ما يعرفه ذلك المحيط بعمله و عمل من يناهضه و يناصبه، فهداية اللّه تعالى للمؤمنين خير ما يبلغون به المآرب، و ينتهون به إلى أحسن العواقب.

و أقول:إنّ الإحاطة إحاطتان،إحاطة علم و إحاطة قدرة و منع،و هذا التّفسير مبنيّ على أنّ الإحاطة هنا إحاطة علم لتعلّقها بالعمل،و ذلك من المجاز الّذي ورد في التّنزيل كقوله تعالى: أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً الطّلاق:12،و قوله: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ يونس:39.و أمّا الإحاطة بالشّخص أو بالشّيء قدرة فهي تأتي بمعنى منعه ممّا يراد به،و هذا ليس بمراد هنا، و بمعنى منعه ممّا يريده،و بمعنى التّمكّن منه،و منه الإحاطة بالعدوّ،أي أخذه من جميع جوانبه بالفعل و التّمكّن من ذلك،و منه قوله تعالى: وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ البقرة:81، إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ هود:92، وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يونس:22،كلّ هذا من باب واحد،و إن فسّر كلّ قول بما يليق به،فيصحّ أن يكون منه ما نحن فيه.

و المعنى حينئذ:أنّ اللّه قد دلّكم يا معشر المؤمنين على ما ينجيكم من كيد عدوّكم،فعليكم بعد الامتثال أن تعلموا أنّه محيط بأعمالهم إحاطة قدرة،تمنعهم ممّا يريدون منكم،معونة منه لكم كقوله: وَ أُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها الفتح:21،فعليكم بعد القيام بما يجب عليكم أن تثقوا به و تتوكّلوا عليه.(4:93)

نحوه المراغيّ.(4:48)

3- ..إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ. هود:92

الحسن :إنّه خبير بأعمال العباد ليجازيهم بها.(الطّوسيّ 6:55)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:153)

الطّوسيّ: إنّه محص لأعمالكم،لا يفوته شيء منها.(6:115)

مثله الطّبرسيّ.(3:189)

الزّمخشريّ: قد أحاط بأعمالكم علما،فلا يخفى عليه شيء منها.(2:289)

نحوه الفخر الرّازيّ(18:51)،و النّسفيّ(2:202)، و أبو حيّان(5:257)،و الشّربينيّ(2:76).

ابن عطيّة: خبر في ضمنه توعّد،و معناه محيط علمه و قدرته.(3:203)

القرطبيّ: أي عليم.و قيل:حفيظ.(9:92)

أبو السّعود :لا يخفى عليه منها خافية،و إن جعلتموها منسيّا فيجازيكم عليها.(3:346)

البروسويّ: [ذكر نحو أبي السّعود و أضاف:]

و الإحاطة:إدراك الشّيء بكماله،و إحاطة اللّه بالأعمال مجاز.(4:179)

الآلوسيّ: تهديد عظيم لأولئك الكفرة الفجرة،أي أنّه سبحانه قد أحاط علما بأعمالكم السّيّئة الّتي من جملتها رعايتكم جانب الرّهط،دون رعاية جنابه جلّ جلاله فيّ،فيجازيكم على ذلك.(12:127)

سيّد قطب :و الإحاطة:أقصى الصّور الحسّيّة للعلم

ص: 318

بالشّيء و القدرة عليه.(4:1923)

4- وَ اللّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ. البروج:20

ابن عبّاس: عالم بهم و بأعمالهم.(507)

الطّبريّ: بأعمالهم،محص لها،لا يخفى عليه منها شيء،و هو مجازيهم على جميعها.(30:140)

الزّجّاج: أي لا يعجزه منهم أحد،قدرته مشتملة عليهم.(5:309)

نحوه فضل اللّه.(24:175)

الثّعلبيّ: عالم بهم،لا يخفى عليه شيء من أحوالهم.(10:175)

نحوه البغويّ(5:237)،و ابن الجوزيّ(9:78).

الطّوسيّ: أي هم مقدور عليهم كما يكون فيما أحاط اللّه بهم،و هذا من بلاغة القرآن.(10:321)

الواحديّ: يقدر أن ينزل بهم ما أنزل بمن قبلهم.(4:463)

الميبديّ: لا يفوتونه و لا يعجزونه.و قيل:محيط:

عالم بهم،لا يخفى عليه شيء من أحوالهم،و هذا تهديد.(10:445)

الزّمخشريّ: و اللّه عالم بأحوالهم و قادر عليهم، و هم لا يعجزونه.و الإحاطة بهم من ورائهم مثل،لأنّهم لا يفوتونه،كما لا يفوت فائت الشّيء المحيط به.

(4:240)

مثله النّسفيّ(4:347)،و نحوه البيضاويّ(2:551).

الطّبرسيّ: معناه أنّهم في قبضة اللّه و سلطانه، لا يفوتونه كالمحاصر المحاط به من جوانبه،لا يمكنه الفوات و الهرب،و هذا من بلاغة القرآن.(5:469)

نحوه المراغيّ.(31:107)

الفخر الرّازيّ: و لمّا طيّب قلب الرّسول عليه السّلام بحكاية أحوال الأوّلين في هذا الباب،سلاّه بعد ذلك من وجه آخر،و هو قوله: وَ اللّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ، و فيه وجوه:

أحدها:أنّ المراد وصف اقتداره عليهم،و أنّهم في قبضته و حوزته،كالمحاط إذا أحيط به من ورائه فسدّ عليه مسلكه،فلا يجد مهربا،يقول تعالى:فهم كذا في قبضتي،و أنا قادر على إهلاكهم و معاجلتهم بالعذاب على تكذيبهم إيّاك،فلا تجزع من تكذيبهم إيّاك،فليسوا يفوتوني إذا أردت الانتقام منهم.

و ثانيها:أن يكون المراد من هذه الإحاطة قرب هلاكهم،كقوله تعالى: وَ أُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها الفتح:21،و وَ إِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنّاسِ الإسراء:60،و وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يونس:22،فهذا كلّه عبارة عن مشارفة الهلاك، يقول:فهؤلاء في تكذيبك قد شارفوا الهلاك.

و ثالثها:أن يكون المراد و اللّه محيط بأعمالهم،أي عالم بها،فهو مرصد بعقابهم عليها.(30:125)

مثله الشّربينيّ(4:515)،و نحوه النّيسابوريّ(30:

67).

القرطبيّ: أي يقدر على أن ينزل بهم ما أنزل بفرعون.و المحاط به كالمحصور.و قيل:أي و اللّه عالم بهم فهو يجازيهم.(19:296)

نحوه أبو حيّان.(8:452)

ص: 319

أبو السّعود:تمثيل لعدم نجاتهم من بأس اللّه تعالى بعدم فوت المحاط المحيط.(6:408)

البروسويّ: [ذكر نحو أبي السّعود و أضاف:]و في «التّأويلات النّجميّة»:محيط،و المحيط لا يفوته المحاط،و لا يفوت المحيط شيء،لإحاطة اللّه سبحانه عند العارفين بالكافرين،بل الموجودات كلّها عبارة عن تجلّيه بصور الموجودات،فهو سبحانه بأحديّة جميع أسمائه سار في الموجودات كلّها ذاتا و حياة،علما و قدرة إلى غير ذلك من الصّفات.

و المراد بإحاطته تعالى هذه السّراية،و لا يعزب عنه ذرّة في السّماوات و الأرض،و كلّ ما يعزب عنه يلتحق بالعدم.و قالوا:هذه الإحاطة ليست كإحاطة الظّرف بالمظروف،و لا كإحاطة الكلّ بأجزائه،و لا كإحاطة الكلّيّ بجزئيّاته،بل كإحاطة الملزوم بلازمه،فإنّ التّعيّنات اللاّحقة لذاته المطلقة إنّما هي لوازم له بواسطة أو بغير واسطة،و بشرط أو بغير شرط،و لا تقدح كثرة اللّوازم في وحدة الملزوم و لا تنافيها،و اللّه أعلم بالحقائق.

(10:395)

الآلوسيّ: جوّز أن يكون اعتراضا تذييليّا،و أن يكون حالا من الضّمير في الجارّ و المجرور السّابق.

و الكلام تمثيل لعدم نجاتهم من بأس اللّه تعالى بعدم فوت المحاط المحيط،كما قال غير واحد،و كأنّ المعنى أنّه عزّ و جلّ عالم بهم و قادر عليهم،و هم لا يعجزونه و لا يفوتونه سبحانه و تعالى.

و ذكر عصام الدّين أنّ في ذلك تعريضا و توبيخا للكفّار بأنّهم نبذوا اللّه سبحانه وراء ظهورهم،و أقبلوا على الهوى و الشّهوات بكلّيّتهم،و لعلّ ذلك من العدول عن(بهم)إلى مِنْ وَرائِهِمْ. (30:93)

مكارم الشّيرازيّ: و عليهم أن يعلموا بقدرة اللّه وَ اللّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ، فلا يدلّ الإمهال على الضّعف أو العجز،و لا يعني عدم تعجيل إنزال العقوبة الإلهيّة بأنّهم قد خرجوا عن قدرته جلّ شأنه.

و ما مجيء مِنْ وَرائِهِمْ إلاّ للتّعبير عن كونهم في قبضة القدرة الإلهيّة من جميع الجهات،و هو محيط بهم، و ليس لهم من مخلص عن العذاب بحكم العدل الإلهيّ.

و ثمّة من يذهب بإرادة الإحاطة العلميّة في الآية،أي إنّ اللّه تعالى محيط بأعمالهم من كلّ جهة،فلا يغيب عنه سبحانه أيّ قول أو عمل أو نيّة.(20:89)

محيطا

1- يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً. النّساء:108

الحسن :حفيظا.(الآلوسيّ 5:141)

الطّبريّ: محيصا،لا يخفى عليه شيء منه،حافظا لذلك عليهم،حتّى يجازيهم عليه جزاءهم.(5:272)

نحوه الطّوسيّ.(3:319)

الثّعلبيّ: يعني قد أحاط اللّه بأعمالهم الحسنة.

(3:382)

الواحديّ: علم إحاطة،و هو العلم بالشّيء من كلّ وجه حتّى لا يشذّ عنه شيء.(2:122)

الفخر الرّازيّ: فالمراد الوعيد من حيث إنّهم و إن

ص: 320

كانوا يخفون كيفيّة المكر و الخداع من النّاس،إلاّ أنّها كانت ظاهرة في علم اللّه،لأنّه تعالى محيط بجميع المعلومات،لا يخفى عليه سبحانه منها شيء.(11:36)

البيضاويّ: لا يفوت عنه شيء.(1:242)

مثله البروسويّ(2:280)،و نحوه رشيد رضا(5:

398).

النّسفيّ: عالما علم إحاطة.(1:250)

أبو حيّان :كناية عن المبالغة في العلم،و لمّا كانت قصّة طعمة جمعت بين عمل و قول جاء: وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً فنبّه على أنّه عالم بأقوالهم و أعمالهم.و تضمّن ذلك الوعيد الشّديد و التّقريع البالغ؛إذ كان تعالى محيطا بجميع الأقوال و الأعمال،فكان ينبغي أن تستر القبائح عنه بعدم ارتكابها.(3:345)

الشّربينيّ: أي علما و قدرة،لا يفوت عنه شيء.

(1:331)

الآلوسيّ: أي حفيظا-كما قال الحسن-أو عالما، لا يعزب عنه شيء و لا يفوت،كما قال غيره.و على القولين الإحاطة هنا مجاز،و نظمها البعض في سلك المتشابه.(5:141)

2- وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً. النّساء:126

الطّبريّ: و لم يزل اللّه محصيا لكلّ ما هو فاعله عباده من خير و شرّ،عالما بذلك،لا يخفى عليه شيء منه،و لا يعزب عنه مثقال ذرّة.(5:298)

عبد الجبّار:و ربّما قيل في قوله تعالى: وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً: إنّ ذلك يوجب أنّه تعالى جسم يحيط بالأشياء؟و جوابنا:أنّ المراد به إحاطة العلم لقوله تعالى: وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ البقرة:

255.(107)

مسألة:قالوا:ثمّ ذكر تعالى بعده ما يدلّ على أنّه يخلق أفعال العباد،و على أنّه جسم يجوز عليه الإحاطة، فقال: وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ... وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً.

و الجواب عن ذلك...[إلى أن قال:]

و أمّا قوله تعالى: وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً فإن حمل على ظاهره اقتضى كونه محتويا على كلّ الأجسام، و ذلك يتناقض،لأنّ الشّيء إذا احتوى على جمل الأشياء استحال كونه محتويا على كلّ واحد منها،لما فيه من إيجاب كونه،أو كون بعضه في مكانين،و لأنّ احتواء الشّيء على الأشياء يقتضي أنّه أزيد منها في بعض جهات تركيبه،و هذا يستحيل عند الكلّ عليه تعالى،فلا ظاهر يصحّ تعلّقه به على قول المجسّمة.

و المراد بذلك أنّه تعالى مقتدر على الأشياء،لأنّ هذه اللّفظة في الاقتدار متعارفة،و لأنّ صدر الكلام يدلّ عليه.

و لا يقال بهذا اللّفظ:إنّه مقتدر على المعدوم،لأنّ نفس الإحاطة إذا كانت إنّما تصحّ في الموجود،فإذا اتّسع بها في الاقتدار على الشّيء من سائر جهاته تشبيها بالإحاطة،فيجب كونه موجودا!و قد بيّنّا أنّ المراد بالموجود إذا قيل:إنّه مقتدر عليه،أنّه قادر على إعدامه

ص: 321

و تفريقه،فلا يصحّ التّعلّق بذلك في أنّه الخالق لأفعال العباد.(متشابه القرآن 1:205)

الثّعلبيّ: أي لبساطة علمه لجميع الأشياء.

(3:393)

الطّوسيّ: لم يزل اللّه عالما بجميع ما فعل عباده،إن كان محسنا أثابه،و إن كان مسيئا عاقبه إن شاء.

(3:342)

الواحديّ: أحاط بسرائرهم.(2:113)

البغويّ: أي أحاط علمه بجميع الأشياء.

(1:707)

مثله ابن الجوزيّ(2:213)،و القرطبيّ(5:402)

الزّمخشريّ: فكان عالما بأعمالهم،فمجازيهم على خيرها و شرّها،فعليهم أن يختاروا لأنفسهم ما هو أصلح لها.(1:567)

نحوه البيضاويّ.(1:246)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:أحدهما:المراد منه الإحاطة في العلم.

و الثّاني:المراد منه الإحاطة بالقدرة،كما في قوله تعالى: وَ أُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها الفتح:21.

قال القائلون بهذا القول:و ليس لقائل أن يقول:لمّا دلّ قوله: وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ على كمال القدرة،فلو حملنا قوله: وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً على كمال القدرة لزم التّكرار؛و ذلك لأنّا نقول:

إنّ قوله: لِلّهِ ما فِي... لا يفيد ظاهره إلاّ كونه تعالى قادرا مالكا لكلّ ما في السّماوات و ما في الأرض،و لا يفيد كونه قادرا على ما يكون خارجا عنهما و مغايرا لهما، فلمّا قال: وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً دلّ على كونه قادرا على ما لا نهاية له من المقدورات،خارجا عن هذه السّماوات و الأرض.

على أنّ سلسلة القضاء و القدر في جميع الكائنات و الممكنات إنّما تنقطع بإيجاده و تكوينه و إبداعه،فهذا تقرير هذا القول.

إلاّ أنّ القول الأوّل أحسن،لما بيّنّا أنّ الإلهيّة و الوفاء بالوعد و الوعيد إنّما يحصل و يكمل بمجموع القدرة و العلم،فلا بدّ من ذكرهما معا.

و إنّما قدّم ذكر القدرة على ذكر العلم،لما ثبت في علم الأصول أنّ العلم باللّه هو العلم بكونه قادرا،ثمّ بعد العلم بكونه قادرا يعلم كونه عالما،لما أنّ الفعل بحدوثه يدلّ على القدرة،و بما فيه من الإحكام و الإتقان يدلّ على العلم.و لا شكّ أنّ الأوّل مقدّم على الثّاني.(11:60)

نحوه النّيسابوريّ(5:154)،و البروسويّ(2:

293).

الخازن :يعني عالما علم إحاطة،و هو العلم بالشّيء من كلّ وجه حتّى لا يشذّ عنه نوع إلاّ علمه.

و قيل:يجوز أن يكون معناه محيطا بالقدرة عليه.

(1:503)

أبو حيّان :أي عالما بكلّ شيء من الجزئيّات و الكلّيّات،فهو يجازيهم على أعمالهم خيرها و شرّها، قليلها و كثيرها.

و قد تضمّنت هذه الآيات أنواعا من الفصاحة و البلاغة و البيان و البديع.[إلى أن قال:]

ص: 322

و في(محيطا)عبّر به عن العلم بالشّيء من جميع جهاته.(3:357)

الشّربينيّ: علما و قدرة،أي لم يزل متّصفا بذلك، فمهما أراد كان في وعد و وعيد للمطيع و العاصي،لا يخفى عليه أحد منهم،و لا يعجزه شيء.(1:335)

أبو السّعود :تذييل مقرّر لمضمون ما قبله على الوجوه المذكورة،فإنّ إحاطته تعالى علما و قدرة بجميع الأشياء الّتي من جملتها ما فيهما من المكلّفين و أعمالهم،ممّا يقرّر ذلك أكمل تقرير.(2:202)

الآلوسيّ: إحاطة علم و قدرة،بناء على أنّ حقيقة الإحاطة في الأجسام،فلا يوصف اللّه تعالى بذلك،فلا بدّ من التّأويل و ارتكاب المجاز على ما ذهب إليه الخلف.

و الجملة تذييل مقرّر لمضمون ما قبله على سائر وجوهه.

(5:156)

رشيد رضا :إحاطة قهر و تصرّف و تسخير، و إحاطة علم و تدبير،قال الأستاذ الإمام:«فسّروا الإحاطة بالقدرة و القهر،و يصحّ أن تكون إحاطة وجود، لأنّ هذه الموجودات ليس وجودها من ذاتها،و لا هي ابتدعت نفسها،و إنّما وجودها مستمدّ من ذلك الوجود الواجب الأعلى،فالوجود الإلهيّ هو المحيط بكلّ موجود، فوجب أن يخلص الخلق له،و يتوجّه إليه العباد وحده، و لا يشركوا به أحدا من خلقه».(5:440)

نحوه المراغيّ.(5:167)

محيط

3- ..وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ. هود:84

راجع ع ذ ب:«عذاب».

لمحيطة

1- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ. التّوبة:49

ابن عبّاس: ستحيط بالكافرين.(159)

الطّبريّ: و إنّ النّار لمطيفة بمن كفر باللّه،و جحد آياته،و كذّب رسله،محدقة بهم،جامعة لهم جميعا يوم القيامة.(10:149)

الثّعلبيّ: مطيفة بهم و جامعتهم فيها.(5:52)

نحوه البغويّ(2:356)،و الميبديّ(4:143).

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّ جهنّم مطيفة بما فيها من جميع جهاتها بالكافرين،و الإحاطة و الإطافة و الإحداق نظائر في اللّغة،و لا يدلّ ذلك على أنّها لا تحيط بغير الكفّار من الفسّاق،أ لا ترى أنّها تحيط بالزّبانية و المتولّين للعقاب،فلا تعلّق للخوارج بذلك.(5:271)

الزّمخشريّ: يعني أنّها تحيط بهم يوم القيامة،أو هي محيطة بهم الآن،لأنّ أسباب الإحاطة معهم،فكأنّهم في وسطها.(2:194)

نحوه البيضاويّ(1:418)،و النّسفيّ(2:129)، و الشّربينيّ(1:620).

الطّبرسيّ: أي ستحيط بهم فلا مخلص لهم منها.(3:37)

نحوه القاسميّ.(8:3172)

الفخر الرّازيّ: [ذكر مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

ص: 323

و قال الحكماء الإسلاميّة:إنّهم كانوا محرومين من نور معرفة اللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر،و ما كانوا يعتقدون لأنفسهم كمالا و سعادة سوى الدّنيا و ما فيها من المال و الجاه،ثمّ إنّهم اشتهروا بين النّاس بالنّفاق و الطّعن في الدّين،و قصد الرّسول بكلّ سوء،و كانوا يشاهدون أنّ دولة الإسلام أبدا في التّرقّي و الاستعلاء و التّزايد،و كانوا في أشدّ الخوف على أنفسهم و أولادهم و أموالهم.و الحاصل أنّهم كانوا محرومين عن كلّ السّعادات الرّوحانيّة،فكانوا في أشدّ الخوف بسبب الأحوال العاجلة.و الخوف الشّديد مع الجهل الشّديد أعظم أنواع العقوبات الرّوحانيّة،فعبّر اللّه تعالى عن تلك الأحوال بقوله: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ.

(16:84)

القرطبيّ: أي مسيرهم إلى النّار،فهي تحدق بهم.(8:159)

النّيسابوريّ: أمّا في الدّنيا فلإحاطة أسبابها بهم، من النّعي عليهم بالنّفاق،و إفشاء الأسرار،و هتك الأستار،و تحقير المقدار.و أمّا في الآخرة فمآل حالهم إلى الدّرك الأسفل من النّار.(10:101)

أبو حيّان :و إحاطة جهنّم بهم إمّا يوم القيامة،أو الآن على سبيل المجاز،لأنّ أسباب الإحاطة معهم، فكأنّهم في وسطها،أو لأنّ مصيرهم إليها.(5:51)

أبو السّعود :وعيد لهم على ما فعلوا،معطوف على الجملة السّابقة،داخل تحت التّنبيه،أي جامعة لهم يوم القيامة من كلّ جانب،و إيثار الجملة الاسميّة للدّلالة على الثّبات و الاستمرار،أو محيطة بهم الآن تنزيلا لشيء سيقع عن قريب منزلة الواقع،أو وضعا لأسباب الشّيء موضعه،فإنّ مبادئ إحاطة النّار بهم من الكفر و المعاصي محيطة بهم الآن من جميع الجوانب،و من جملتها ما فرّوا منه و ما سقطوا فيه من الفتنة.

و قيل:تلك المبادئ المتشكّلة بصور الأعمال و الأخلاق هي النّار بعينها،و لكن لا يظهر ذلك في هذه النّشأة،و إنّما يظهر عند تشكّلها بصورها الحقيقيّة في النّشأة الآخرة.

و المراد ب(الكافرين)إمّا المنافقون،و إيثار وضع المظهر موضع المضمر للتّسجيل عليهم بالكفر،و الإشعار بأنّه معظم أسباب الإحاطة المذكورة،و إمّا جميع الكافرين الشّاملين للمنافقين شمولا أوّليّا.(3:158)

نحوه البروسويّ(3:445)،و الآلوسيّ(10:114).

المراغيّ: [ذكر نحو الطّبريّ و أضاف:]

و هذا وعيد لهم على الفتنة الّتي تردّوا فيها،و بيان لأنّ عقابهم بإحاطة جهنّم بهم عقاب على الكفر الّذي حملهم على ذلك الاعتذار،و إنّما تحيط النّار بمن أحاطت بهم خطاياهم حتّى لا رجاء في توبتهم منها،كما قال تعالى: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ...

البقرة:81.(10:134)

مغنيّة:من جميع الجهات،و لا يجدون عنها محيصا، لقد دعاهم الرّسول إلى الخلاص بالتّوبة من ذنوبهم الّتي أحاطت بهم من كلّ جهة،فرفضوا دعوته،فأحاط بهم العذاب من كلّ جانب.(4:52)

الطّباطبائيّ: [بيّن المراد من الفتنة ثمّ قال:]

ص: 324

فأجاب اللّه عن قولهم بقوله (1): أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا و معناه أنّهم يحترزون بحسب زعمهم عن فتنة مترقّبة من قبل الخروج،و قد أخطئوا فإنّ الّذي هم عليه من الكفر و النّفاق و سوء السّريرة،و من آثاره هذا القول الّذي تفوّهوا به،هو بعينه فتنة سقطوا فيها،فقد فتنهم الشّيطان بالغرور،و وقعوا في مهلكة الكفر و الضّلال و فتنته.

هذا حالهم في هذه النّشأة الدّنيويّة،و أمّا في الآخرة فإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين على حذو إحاطة الفتنة بهم في الدّنيا و سقوطهم فيها،فقوله: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، و قوله: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ كأنّهما معا يفيدان معنى واحدا،و هو أنّ هؤلاء واقعون في الفتنة و التّهلكة أبدا في الدّنيا و الآخرة.

و يمكن أن يفهم من قوله: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ الإحاطة بالفعل دون الإحاطة الاستقباليّة، كما تهدي إليه الآيات الدّالّة على تجسّم الأعمال.

(9:305)

مكارم الشّيرازيّ: للمفسّرين أقوال مختلفة في تفسير جملة: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ فقال بعضهم:هذه العبارة كناية عن عوامل ورودهم إلى جهنّم و أسبابه،أي أنّ ذنوبهم تحيط بهم.

و قال بعضهم:إنّ هذا التّعبير من قبيل الحوادث الحتميّة المستقبليّة الّتي تذكر بصيغة الفعل الماضي أو الحال،أي أنّ جهنّم ستحيط بهم بشكل قاطع.

كما يرد الاحتمال التّالي؛و هو أن نفسّر الجملة بمعناها الحقيقيّ،و هو أنّ جهنّم موجودة الآن،و هي في باطن هذه الدّنيا،و هي محيطة بهم،و إن لم يصدر الأمر بتأثيرها،كما أنّ الجنّة موجودة في هذه الدّنيا أيضا و تحيط بالجميع، غاية ما في الأمر لمّا كان أهل الجنّة جديرين بها فسيكونون مرتبطين بها،و أهل النّار جديرون بالنّار فسيكونون من أهلها أيضا.(6:71)

2- وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ

العنكبوت:54

بمعنى ما قبلها في التّفاسير.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحوط،أي الإحداق؛يقال:

حاطه يحوطه حوطا،و أحاط به من جميع نواحيه، و أحاطت به الخيل،و حاطت و احتاطت:أحدقت، و العير يحوط عانته:يجمعها.

و الحوط أيضا:خيط مفتول من لونين:أحمر و أسود، تشدّه المرأة على وسطها؛لئلاّ تصيبها العين؛يقال:حط حط،إذا أمرت الرّجل أن يحلّي صبية بالحوط،و هو هلال من فضّة؛لشدّه بالحوط.

و الحائط:الجدار،لأنّه يحوط ما فيه،و الجمع:

حيطان؛يقال:أحطت الحائط،و حوّطت حائطا،أي عملته،و حوّط الرّجل كرمه تحويطا:بنى حوله حائطا، فهو كرم محوّط.

و المحاط:الأرض المحاط الّتي عليها حائط و حديقة.

ص: 325


1- في الأصل:بقولهم،و هو سهو.

و يقال مجازا:أحاط بالأمر،أي أحدق به من جوانبه كلّه،و أحاط به،علمه و أحاط به علما.و أنا أحوّط حول ذلك الأمر:أدور،و حاوطت فلانا محاوطة:داورته في أمر تريده منه و هو يأباه،كأنّك تحوطه و يحوطك، و أحيط بفلان:دنا هلاكه،فهو محاط به.

و تحوط و تحيط و تحيط و التّحوّط و التّحيّط:اسم للسّنة الشّديدة.

و حاطه يحوطه حوطا و حيطة و حياطة،و حوّطه و تحوّطه:حفظه و تعهّده،و حاطه اللّه حوطا و حياطة:

صانه و كلأه و رعاه،و الاسم:الحيطة و الحيطة،و مع فلان حيطة لك:تحنّن و تعطّف.

و الحوط:ما تتمّ به الدّراهم،كأنّه يحفظها من النّقص؛ يقال:هلمّ حوطها.

و الحوطة و الحيطة:الاحتياط،يقال:احتاط الرّجل، أي أخذ في أموره بالأحزم،و احتاط لنفسه:أخذ بالثّقة.

2-و المحيط:العظيم من البحار،سمّي بذلك لأنّه يحدق بالبرّ،و قد أطلق العرب لفظ«البحر المحيط»على المحيط الأطلسيّ،و سمّوه أيضا:البحر الخارجيّ،و البحر الأخضر،و بحر الظّلمات.و كانوا يظنّون أنّه يحيط بجميع اليابسة،و يعدّون بحار الأرض أذرعا له،رغم وجود محيطات أخرى كالمحيط الهادئ،و هو أكبرها.

و يفصل البحر المحيط أوربّا و إفريقيا عن أمريكا الشّماليّة و الجنوبيّة،بينما يفصل المحيط الهادئ آسيا و استراليا عن الأمريكيّتين.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها من الإفعال الماضي معلوما 7 مرّات، و مجهولا مرّتين،و المضارع معلوما 5 مرّات،و مجهولا مرّة، و اسم فاعل 11 مرّة،في 27 آية:

1:إحاطة اللّه

1- وَ إِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنّاسِ...

الإسراء:60

2- وَ أُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها...

الفتح:21

3- ...وَ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً

الطّلاق:12

4- لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ... الجنّ:28

5- كَذلِكَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً

الكهف:91

6- ...وَ اللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ البقرة:19

7- بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ* وَ اللّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ البروج:19 و 20

8- أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ فصّلت:54

9- ...وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً النّساء:126

10- ...إِنَّ اللّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ

آل عمران:120

11- ...وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ الأنفال:47

12- ...إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ هود:92

13- وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً النّساء:108

2:عدم إحاطة النّاس

14- بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ... يونس:39

ص: 326

14- بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ... يونس:39

15- ...وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ البقرة:255

16- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110

17- ...أَ كَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَ لَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً...

النّمل:84

18- وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً

الكهف:68

3:إحاطة الخطيئة

19- بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ... البقرة:81

4:إحاطة عذاب الآخرة

20- ...أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ التّوبة:49

21- يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ العنكبوت:54

22- ...إِنّا أَعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها الكهف:29

23- ...إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ هود:84

5:إحاطة عذاب الدّنيا

24- وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يونس:22

25- وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها... الكهف:42

26- ...لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ...

يوسف:66

6:إحاطة الهدهد

27- فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ النّمل:22

يلاحظ أوّلا:أنّ الإحاطة في الآيات(1)إلى(13) هي إحاطة اللّه،و فيها بحوث:

1-أحاط اللّه بالنّاس عامّة في(1)،و بالكافرين خاصّة في(6)و(7)و بما يعملون في(10)إلى(12)و بما يعمل الخائنون في(13).كما أنّه أحاط بما لدى الأنبياء عامّة في(4)و بما لدى ذي القرنين خاصّة في(5).

و أحاط بالغنائم في(2)و بكلّ شيء في(3)و(8)و(9).

و استعمل الفعل الماضي«أحاط»في(1)إلى(4)، و«احطنا»في(5)،و عدّي بالباء في جميعها.و«بما»متعلّق ب«احاط»،و«لدى»صلة«ما»في(4)و(5)،و«بما»في (10)إلى(13)متعلّق ب«محيط»،و«يعملون» و«تعلمون»صلة«ما».و بهذا يتّضح الفرق بين صلة الفعل و اسم الفاعل سلبا و إيجابا.

2-تفيد الإحاطة في هذه الآيات الاستيلاء بالعلم- كما هو صريح في(3)و(5)-و القدرة أو هما معا،و يختلف بحسب سياق الآيات،فجاء حثّا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على التّبليغ، أو بشارته بوقعة بدر أو يوم الأحزاب أو الفتح في(1).

و بشارته للمسلمين بفتح بلاد فارس و أخذ غنائمها في (2).و تخويفا-كما ذهب إليه الطّبريّ أو تذكيرا بالنّعمة- كما ذهب إليه الطّوسيّ-في(3).و إظهارا لعلمه و قدرته تعالى في(4)و(5).و تهديدا و وعيدا في(6)إلى(13)،

ص: 327

سوى(9)فإنّها تذكير و وعظ.

3-تعدّى الفعل«احاط»و اسم الفاعل«محيط»في جميع هذه الآيات بالباء،سوى(7): وَ اللّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ، فإنّ اسم الفاعل تعدّى ب«من».و هذا خلاف السّماع،لأنّه إمّا يتعدّى بالباء و هو المشهور،و إمّا بنفسه و هو قليل،كقولهم:أحاط الشّيء:حفظه.

و الأرجح أن يقدّر الباء هنا،أي و اللّه من ورائهم محيط بهم،و مِنْ وَرائِهِمْ خبر أوّل للفظ الجلالة، و«محيط»خبر ثان له،أو أنّ مِنْ وَرائِهِمْ متعلّق ب(محيط)،قدّم عليه اهتماما به،و رعاية للرّويّ وزنا لا حرفا،فقبله«قريب»و بعده«مجيد».

4-إنّ«علما»في(3)معمول«احاط»،و«خبرا» في(5)معمول«احطنا»،و لم يأت معمول للفعل و اسم الفاعل سواهما في هذه الآيات،و هما تمييزان على الأصحّ.

5-حكى الآلوسيّ في(1)عن بعض الكبار-و لعلّه محي الدّين بن عربيّ-ما يؤول إلى وحدة الوجود،و هو أنّ إحاطة اللّه بالنّاس عبارة عن تجلّيه بصور الموجودات فهو بأحديّته سار في الموجودات كلّها ذاتا و حياة و علما و قدرة،إلى غير ذلك من الصّفات...

و الحقّ أنّ الآيات نزلت لعامّة النّاس،و هم لا يفهمون منها ما قاله هذا القائل،فلو سلّم القول بوحدة الوجود-و فيه ما فيه-فلا يجوز حمل الآية إلاّ على إحاطته تعالى بالنّاس علما و قدرة.

و احتمله الإمام عبده في تفسير(9) وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً من دون الالتجاء إلى وحدة الوجود، بل لأنّ وجود اللّه فوق الموجودات فلاحظ.

ثانيا:أنّ الإحاطة في(14)إلى(18)هي نفي إحاطة النّاس علما،و فيها بحوث:

1-نفيت الإحاطة ب«لم»في(14)و(17)و(18)، نفيا لإحاطة النّاس عامّة،و في(27): بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ نفيا لإحاطة سليمان عليه السّلام خاصّة،و هو نفي للماضي في جميعها.كما نفيت الآيتان(15)و(16)ب«لا»نفيا لإحاطة النّاس عامّة للحال و الاستقبال فيهما.

2-إنّ المحاط به في(14)إلى(18)هو العلم أو ما يفضي إلى العلم مباشرة كما في(14)،أو غير مباشرة كما في(15)إلى(18)،و«الخبر»في الآية الأخيرة-و مثلها (5)-قريب من العلم،و هو مقدّر في(27)،بقرينة وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ، لأنّ النّبأ اليقين بمنزلة العلم.

3-لقد بيّن اللّه تعالى في الطّائفة الأولى من الآيات إحاطته بكلّ شيء،و بيّن في الطّائفة الثّانية منها عدم إحاطة النّاس بعلمه،إلاّ في(15)،فقد منّ تعالى عليهم بأن يحيطوا بشيء من علمه بمشيئته و إرادته.

و ذهب بعض إلى أنّ العلم في هذه الآية و في(16) و(17)بمعنى المعلوم،و هذا نحو قولهم:رجل رضا،أي مرضيّ،من باب إقامة المصدر مقام المفعول.

ثالثا:أنّ الإحاطة في(19): وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ هي إحاطة الخطيئة بأصحاب النّار،و فيها بحوث:

1-فسّرت إحاطة الخطيئة بإحداقها بالإنسان أو إهلاكها إيّاه،و قيل:إحداقها بالحسنة،أو إحداق الشّرك

ص: 328

بالحسنة،أو إحداق الذّنب بالطّاعة أو بالقلب.

و لا شكّ أنّ من أحاطت به الخطيئة هو الكافر،لأنّه محدق بها من جميع نواحيه،أو لأنّه مهلك بها و هو مشرك.

2-حمل الفخر الرّازيّ الإحاطة في هذه الآية على كون السّيّئة كبيرة،فهي تحيط بالطّاعات و تحجبها،ثمّ تستولي عليها و تحيط بها.

و لكنّ الشّيخ الطّوسيّ ذهب إلى بطلان التّحابط، فقال:«لو كان معه شيء من الطّاعات،لكان مستحقّا للثّواب،فلا تكون السّيّئة محيطة به،لأنّ الإحباط عندنا باطل».[لاحظ ح ب ط:«إحباط»]

3-إن قيل:هلاّ قال:من كسب خطيئة و أحاطت به سيّئته،فيبتدئ الكلام بالخاصّ،و ينتهي بالعامّ؟

قلنا:إنّ كسب الخطيئة لسائغ،و هو قوله: وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً النّساء:112،و أمّا إحاطة السّيّئة فلا،لأنّ الإحاطة شمول و استيعاب،و السّيّئة عموم و استغراق،فلا يتحقّق هذا المعنى بهذه الصّفة،إلاّ إذا خصّص بما يحاط به الشّيء.و هو هنا الخطيئة.

قال الشّريف الرّضيّ: «هذه استعارة فيها كناية عجيبة عن عظم الخطيئة،لأنّ الشّيء لا يحيط بالشّيء من جميع جهاته،إلاّ بعد أن يكون سابغا غير قالص، و زائدا غير ناقص».

رابعا:أنّ الإحاطة في(20)إلى(23)هي إحاطة عذاب الآخرة،و فيها بحوث:

1-جاءت الآيتان(20)و(21): وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ بنسق واحد يدلّ على الحال،أي أنّها محيطة بهم الآن،لإحاطتهم بأسبابها،كالكفر و العصيان و الظّلم،فهم محاطون محدقون بها.أو يدلّ على الاستقبال،أي أنّها ستحيط بهم يوم القيامة،و اسم الفاعل يدلّ على كلا المعنيين،لأنّه مشتقّ من الفعل المضارع.

2-إنّ جهنّم نفسها تحيط بالكافرين في(20) و(21)،و أنّ سرادق النّار يحيط بهم في(22): ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها، و إذا كانوا محاطين بالسّرادق،فقد أحاطت بهم النّار أيضا.و ذكر«السّرادق»هنا إمعانا في الإحاطة و الإطباق،و إيماء إلى استحالة الفرار منها،و هذا كقوله: عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ البلد:20.

3-ورد لفظ«محيط»في(23): عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ صفة ل«يوم»،أي يوم يحيط بأعمال العباد و يحصيها،و هو عذاب يوم القيامة.و نكّر النّعت و المنعوت هنا للتّهويل و التّشنيع،كما في قوله: عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ الأنعام:15،و عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ هود:3، و عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ هود:26،و عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ الحجّ:55.

خامسا:أنّ الإحاطة في(24)إلى(26)هي إحاطة عذاب الدّنيا،و فيها بحوث:

1-إنّها تعني الهلاك في هذه الآيات باختلاف أسباب الهلاك و المحاط به،فأسبابه في(24)الرّيح العاصف و موج البحر،و المحاط به من ركب الفلك في البحر.و أسبابه في (25)الحسبان و غور الماء،و المحاط به الكافر ذو الجنّة.

و أسبابه في(26)نزول مصيبة أو مداهمة عدوّ،و هي أسباب فرضيّة،لأنّها لم تقع،و المحاط به أبناء يعقوب

ص: 329

جميعا عدا يوسف.

2-جاءت هذه الأفعال الثّلاثة مبنيّة للمجهول في ثلاث آيات مكّيّة،و قد أبهم الفاعل فيها دون سائر أفعال هذه المادّة و أسماء الفاعل أيضا،فهل في ذلك سرّ مكنون؟مثل أنّ المراد نفس الإصابة كيف كانت دون ما أصابهم،أو حذف الفاعل تهويلا و تشنيعا و ليذهب ذهن السّامع و القارئ إلى كلّ مذهب ممكن.

و لا يخفى أنّ الفاعل فيها معلوم من السّياق،فهو كناية عن الأمواج في(24)،و الفساد في(25)،و العدوّ في (26).

3-قرأ زيد بن عليّ «حيط بهم» في(24)،من:

حاطه يحوطه حوطا:أحدق،و القراءة المشهورة من:

أحاط به إحاطة،إذا أحدق به،فكلتا القراءتين بمعنى واحد.

سادسا:أنّ الإحاطة في(27): فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ هي إحاطة هدهد و سليمان،و فيها بحوث:

1-إنّ إحاطة الهدهد بما لم يحط به سليمان لأمر يسترعي الانتباه،كيف و قد قال اللّه فيه و في أبيه داود:

وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً الأنبياء:79،و قال أيضا:

وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَ سُلَيْمانَ عِلْماً النّمل:15؟!

و قد برّر بعض العلماء هذا الأمر بأنّه ابتلاء لسليمان في علمه،و تنبيه على عدم إحاطته-و هو نبيّ كبير-بما أحاط به أدنى الخلق،و هو طائر صغير،ليتّضع في علمه و نفسه.أو هو كسر سورته و تسكين غيظه.

و لعلّ أفضل من برّر ذلك أبو السّعود،حيث قال:«لم يرد بما ادّعى الإحاطة به ما هو من حقائق العلوم و دقائق المعارف...بل أراد به ما هو من الأمور المحسوسة الّتي لا تعدّ الإحاطة بها فضيلة،و لا الغفلة عنها نقيصة، لعدم توقّف إدراكها إلاّ على مجرّد إحساس يستوي فيه العقلاء و غيرهم».

2-شطّ بعض المفسّرين في القول حين ذهب إلى أنّ الهدهد أساء الأدب في خطابه لسليمان،فاحتمل ذلك منه لأنّه عقّبه بفائدة؛إذ اعتبر طبعه كطبع الإنسان،يضاهيه في قوله و فعله.و لو كان كذلك لعاقب الطّائر الّذي أهدى إليه جرادة،و النّملة الّتي أهدت إليه رجل جرادة،كما جاء في الخبر.

3-قرئ «احتّ» بإدغام الطّاء في التّاء،بإطباق و بغير إطباق،قال الفرّاء:«العرب إذا لقيت الطّاء التّاء، فسكّنت الطّاء قبلها،صيّروا الطّاء تاء،فيقولون:

«أحتّ» .

سابعا:أنّ الإحاطة في جميع ذلك-كما قيل-مجاز لأنّها في الأصل تخصّ الأجسام في المحيط و المحاط به، و ليس شيء من العلم و القدرة،و العذاب جسما.اللّهمّ أن يستثنى منها عذاب الدّنيا فقط أو هذا مع عذاب الآخرة،فإنّه جسم يحيط بأجسام المعذّبين.و الحقّ أنّ المراد بالإحاطة في الجميع ما هو لازمه،و هو الاستيلاء و الاستيعاب تماما،كما قال سيّد قطب:«و الإحاطة أقصى الصّور الحسّيّة للعلم بالشّيء و القدرة عليه».و قال الشّربينيّ:«أي علما و قدرة لا يفوت عنه شيء».

ثامنا:17 منها مكّيّات و 10 مدنيّات،فالمكّيّات تفوق المدنيّات بسبع.و هذه النّسبة مناسب طبيعة الدّعوة في البلدين:فإنّ ستّا من المكّيّات،و هي:(1،4،5،7،8،

ص: 330

و 12)تحتوي إحاطة علم اللّه و قدرته،و هما من أكبر صفات اللّه التّوحيديّة،و أربع منها و هي:(14 و 16- 18)تنفي علم النّاس بما يحيط به علم اللّه،فهذه العشر مآلها إلى عقيدة التّوحيد،و ثلاث منها و هي:(12-23) تحوي إحاطة عذاب الآخرة بالكافرين،فهي راجعة إلى عقيدة البعث،و ثلاث منها أيضا و هي:(24-26)تحوي الالتجاء إلى اللّه من بلايا الدّنيا،فهي أيضا راجعة إلى التّوحيد،و قد أكّدنا مرارا أنّ مكّة لمّا كانت دار الشّرك و نفي البعث،فالدّعوة الإسلاميّة فيها كانت مركزة غالبا على التّوحيد و البعث.و واحدة منها،و هي:(27)قصّة، و القصص أغلبها مكّيّة.

و أمّا المدنيّات فسبع،منها و هي:(2،3،6،و 9- 12)تحوي علم اللّه بما يعملون،و الأعمال مجرى التّشريع،و كانت المدينة دار التّشريع،و واحدة منها، و هي:(15)تنفي علم النّاس بشيء من علم اللّه،و اثنتان و هما(19 و 20)تحويان الخلود في النّار لمن أحاطت به خطيئته،و الخطيئة تناسب العصيان المترتّب على التّشريع،و هذه الثلاث راجعة إلى التّوحيد و البعث و لا يخلو الآيات المدنيّة منهما أيضا.

تاسعا:جاءت نظائر الإحاطة في القرآن على ضربين:

جاءت نظائر الإحاطة في القرآن على ضربين:
1-حقيقة:و منها:

الحفّ: جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ الكهف:32

2-مجاز:

العلم: وَ لَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ

الأنفال:23

المعرفة: فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ يوسف:58

الفقه: قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمّا تَقُولُ هود:91

الدّراية: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً لقمان:34

الخبرة: وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً الكهف:68

البصر: وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ البقرة:96

ص: 331

ص: 332

ح و ل

اشارة

14 لفظا،25 مرّة:16 مكّيّة،9 مدنيّة

في 19 سورة:14 مكّيّة،5 مدنيّة

حال 1:1 حولهم 2:1-1

يحول 1:-1 حولك 1:-1

حيل 1:1 حولكم 2:1-1

حول 2:2 حولين 1:-1

الحول 1:-1 حولا 1:1

حوله 5:4-1 تحويلا 3:2-1

حولها 3:3 حيلة 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :و الحول:سنة بأسرها.تقول:حال الحول، و هو يحول حولا و حئولا،و أحال الشّيء،إذا أتى عليه حول كامل.

و دار محيلة:غاب عنها أهلها منذ حول،و كذاك إذا أتت عليها أحوال،و لغة أخرى،أحولت الدّار.و أحول الصّبيّ،إذا تمّ له حول،فهو محول.

و الحول:الحيلة.تقول:ما أحول فلانا،و إنّه لذو حيلة،و المحالة:الحيلة نفسها.

و يقولون في موضع«لا بدّ»:لا محالة،و قد ينوّن في الشّعر اضطرارا.

و الاحتيال و المحاولة:مطالبتك الأمر بالحيل،و كلّ من رام أمرا فقد حاول.

و رجل حوّل:ذو حيل.

و امرأة حوّلة و قلّبة.

و رجل محوال:كثير محال الكلام،و المحال من الكلام:ما حوّل عن وجهه.

و كلام مستحيل:محال.

و أرض مستحالة:تركت حولا أو أحوالا عن الزّراعة.

و قوس مستحالة:في سيتها اعوجاج.

و رجل مستحالة.إذا كان طرفا السّاقين منها

ص: 333

معوجّين.

و كلّ شيء استحال عن الاستواء إلى العوج،يقال له:مستحيل.

و الحول:اسم يجمع الحوالي،تقول:حوالي الدّار كأنّها في الأصل:حوالين،كقولك:جانبين،فأسقطت النّون و أضيفت،كقولك:ذو مال،و أولو مال.

و الحوال:المحاولة.حاولته حوالا و محاولة.

و الحوال:كلّ شيء حال بين اثنين،يقال:هذا حوال بينهما،أي:حائل بينهما.فالحاجز و الحجاز و الحول يجري مجرى التّحويل.

و حال الشّيء يحول حئولا في معنيين:يكون تغييرا، و يكون تحويلا.

و الحائل:المتغيّر اللّون.رماد حائل،و نبات حائل.

و حوّلت كسائي،إذا جعلت فيه شيئا،ثمّ حملته على ظهري،و الاسم:الحال.

و الحائل:كلّ شيء يتحرّك من مكانه،أو يتحوّل من موضع إلى موضع،و من حال إلى حال.

و ناقة حائل:الّتي لم تحمل سنة أو أكثر،حالت تحول حيالا و حئولا،و الجميع:الحيال و الحول،و قالوا للجميع:حولك.

و الحيلان:الحدائد بخشبها،يداس بها الكدس.

و الحوالة:إحالتك غريما،و تحوّل ماء من نهر إلى نهر.

و الحول:إقبال الحدقة على الأنف.حولت تحول.و إذا كان الحول يحدث و يذهب قيل:

احولّت عينه احولالا،و احوالّت احويلالا.و لغة تميم:حالت عينه تحال حولا.

و الحال تؤنّث فيقال:حال حسنة.و حالات الدّهر و أحواله:صروفه.

و الحال:الوقت الّذي أنت فيه.

و الحال:التّراب اللّيّن الّذي يقال له:السّهلة.

و الحولاء من النّاقة كالمشيمة من المرأة.

و احتوله القوم:احتوشوا حواليه.

و المحالة:منجنون يستقى عليه.و الجميع:محاول.

و المحالة و المحال:واسط الظّهر.يقال:هو«مفعل»، و يقال:«مفال»و الميم أصليّة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(3:297)

المحال:كلام لغير شيء،و المستقيم:كلام لشيء، و الغلط:كلام لشيء لم ترده،و اللّغو:كلام لشيء ليس من شأنك،و الكذب:كلام لشيء تغرّ به.

(الأزهريّ 5:246)

سيبويه :الحول:سنة بأسرها،و الجمع:أحوال و حوول و حئول.(ابن سيده 4:5)

الكسائيّ: يقال:لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه،و لا حيل و لا قوّة إلاّ باللّه،و حكي:ما أحيله و أحوله،من الحيلة.(الأزهريّ 5:244)

سمعتهم يقولون:هو رجل لا حولة له،يريدون لا حيلة له.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:247)

و أحال الرّجل بالمكان و أحول،أي أقام به حولا.(الجوهريّ 4:1681)

ابن شميّل: الحولاء مضمّنة لما يخرج من جوف الولد و هي فيها،و هي أعقاؤه،الواحدة:عقي،و هو شيء يخرج من دبره،و هو في بطن أمّه،بعضه أسود،و بعضه

ص: 334

أصفر،و بعضه أحمر.(الأزهريّ 5:247)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحالة:المحتالة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للنّاقة:إنّها لحائل أحوال،إذا احتالت أعواما.

(1:140)

هي محوّل:الأنثى إذا ولدت مرّة ذكرا،و مرّة أنثى.(1:142)

الحول:الخيط الّذي يكون بين الحقب و البطان.

(1:147)

قد حال عهده،أي تغيّر.(1:148)

و قال الطّائيّ: قد أحال بفلان الخبز،إذا سمن عنه، و كلّ شيء سمن عنه فهو كذلك.(1:153)

قال العدويّ: أرض حيال إذا لم تزرع.(1:160)

أحال النّبيذ الماء:غيّره،و ما غيّر شيئا فقد أحاله.(1:165)

الحول:ما يكون بين يدي الحصّاد من الزّرع،فكلّ إنسان منهم ما بين يديه حول،من كلام أهل السّراة.(1:172)

و الحولة:الدّاهية،و الهولة مثلها.(1:187)

ما أحال منّي شيئا،إذا سألك،أي ما أخذ،و ما أحال فيه السّيف و ما أحال فيه قولي.(1:193)

و الحولاء،كأنّها دلو عظيمة خضراء ملأى ماء،ثمّ تنفقئ حين تقع على الأرض،ثمّ يخرج السّلى فيه القرنتان.(1:207)

و الاستحالة:أن تستحيل الشّيء.(1:211)

و الاستحالة:أن يتحوّل وتر القوس عن موضعه، و قد استحالت.

و الحولاء:العظيمة الخضراء.(1:213)

و الحول:أولاد الغنم المهازيل،و هو الحمك.

(1:214)

أحالوا،أي فرّوا.(3:191)

الحال:الكارة الّتي يحملها الرّجل على ظهره،يقال منه:تحوّلت حالا.(الأزهريّ 5:244)

أبو عبيدة :[في شرح و النّاس محيلون،إذا حالت إبلهم]لكلّ ذي إبل كفأتان،أي قطعتان،يقطعها قطعتين فتنتج قطعة عاما و تحول القطعة الأخرى،فيراوح بينهما في النّتاج،فإذا كان العام المقبل نتج القطعة الّتي حالت، فكلّ قطعة نتجها فهي كفأة،لأنّها تهلك إن نتجها كلّ عام.و رجل حائل اللّون إذا كان أسود،متغيّرا.

(الأزهريّ 5:243)

أبو زيد :حلت بينه و بين الشّرّ أحول أشدّ الحول و المحالة.(الأزهريّ 5:242)

الحولاء:الماء الّذي في السّلى.

فلان على حول فلان،إذا كان مثله في السّنّ،أو ولد على إثره.و سمعت أعرابيّا يقول جمل حوليّ،إذا أتى عليه حول.و جمال حواليّ بغير تنوين و حواليّة،و مهر حوليّ، و مهارة حوليّات:أتى عليها حول.(الأزهريّ 5:247)

الحولاء:الماء الّذي يخرج على رأس الولد،إذا ولد.(الجوهريّ 4:1679)

الأصمعيّ: حلت في متن الفرس أحول حئولا،إذا ركبته،و قد حال الشّخص يحول،إذا تحرّك.و كذلك كلّ متحوّل عن حاله.

ص: 335

و منه قيل:استحلت الشّخص:نظرت هل يتحرّك.

حالت النّاقة فهي تحول حيالا:إذا لم تحمل،و ناقة حائل و نوق حيال و حول،و قد حالت حوالا و حولا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحال فلان إبله العام،إذا لم يضربها الفحل.

و النّاس محيلون،إذا حالت إبلهم.(الأزهريّ 5:243)

ما أحسن حال متن الفرس و هو موضع اللّبد.(الأزهريّ 5:244)

أحال عليه بالسّوط يضربه.و أحالت الدّار و أحولت:أتى عليها حول.و أحولت أنا بالمكان و أحلت:

أقمت حولا.

أحلت عليه بالكلام،أي أقبلت عليه،و أحال الذّئب على الدّم،أي أقبل عليه.و من أمثال العرب:حال صبوحهم على غبوقهم،معناه أنّ القوم افتقروا فقلّ لبنهم، فصار صبوحهم و غبوقهم واحدا (1).

و حال:معناه انصبّ؛حال الماء على الأرض يحول عليها حولا،و أحلته أنا عليها إحالة،أي صببته،كتبته عن المنذريّ عن أصحابه:و أحلت الماء في الجدول أي صببته.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:245)

يقال للّذي يحال عليه بالحقّ:حيّل،و للّذي يقبل الحوالة حيّل و هما الحيّلان،كما يقال:البيّعان.و يقال:إنّه ليتحوّل،أي يجيء و يذهب.

جاء بأمر حولة من الحول،أي بأمر منكر عجب.

(الأزهريّ 5:246)

[ما أحسن حويله]أي ما أحسن مذهبه الّذي يريد.

الحيلة:الجماعة من المعزى.(الأزهريّ 5:247)

اللّحيانيّ: يقال:حلت بينه و بين ما يريد حولا و حئولا،و يقال:بيني و بينك حائل و حئولة،أي شيء حائل.و حال عليه الحول يحول حولا و حئولا.و أحال اللّه عليه الحول إحالة.و أحالت الدّار،أي أتى عليها حول.

و يقال:إنّ هذا لمن حولة الدّهر،و حولاء الدّهر، و حولان الدّهر،و حول الدّهر.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:242)

يقال للرّجل إذا تحوّل من مكان إلى مكان،أو تحوّل على رجل بدراهم:حال و هو يحول حولا.و يقال:أحلت فلانا على فلان بدراهم،أحيله إحالة و إحالا،فإذا ذكرت فعل الرّجل قلت:حال يحول حولا،و احتال احتيالا:إذا تحوّل هو من نفسه.

و حالت النّاقة و الفرس و النّخلة و المرأة و الشّاة و غيرها،إذا لم تحمل.و ناقة حائل،و نوق حوائل و حول و حولل.(الأزهريّ 5:243)

يقال:إنّه لشديد الحيل أي القوّة؛و يقال:لا حيلة و لا احتيال،و لا محالة و لا محلّة.

و يقال:حال فلان عن العهد يحول حولا و حئولا، أي زال.و حال عن ظهر دابّته،يحول حولا و حئولا،أي زال و مال.

و يقال أيضا:حال في ظهر دابّته و أحال،لغتان:إذا استوى في ظهر دابّته،و كلام العرب:حال على ظهره و أحال في ظهره.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:244)ء.

ص: 336


1- أي ما يشرب في الصّباح و المساء.

حال فلان حسنة و حسن،و الواحدة:حالة.

يقال:هو بحالة سوء،فمن ذكّر الحال جمعه أحوالا، و من أنّثها جمعها:حالات.

و يقال:حال متنه و حاذ متنه؛و هو الظّهر بعينه.(الأزهريّ 5:245)

امرأة محيل و محول و محوّل،إذا ولدت غلاما على إثر جارية،أو جارية على إثر غلام،و يقال لها:العكوم أيضا، إذا حملت عاما ذكرا و عاما أنثى.

يقال للرّجل الدّاهية:إنّه لحولة من الحول،تسمّى الدّاهية نفسها حولة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:246)

و حاولت له بصري،إذا حدّدته نحوه و رميته به.

(ابن سيده 4:12)

أبو عبيدة :في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«لا تولّه والدة عن ولدها،و لا توطأ حامل حتّى تضع،و لا حائل حتّى تستبرئ بحيضة».

فالحائل الّتي وطئت فلم تحمل يقال:حالت النّاقة و المرأة و غير ذلك،إذا كانت غير حامل،فهي تحول حيالا،و الجمع من ذلك:حوّل و حولل،و هذا على غير قياس،يقال في الحولل:إنّه مصدر،يقال:حالت حيالا و حوللا،فزادوا«لاما»كما زادوا«الدّال»في السّودد، و إنّما أصلها دال واحدة،و كذلك عوط و عوطط مثل حول و حولل في المعنى واحد.

و كذلك الحرب إذا خمدت بعد وقود قيل:حالت حيالا،و إن هاجت بعد ذلك وقود قيل:قد لقحت عن حيال.(1:406)

حال الرّجل يحول مثل تحوّل من موضع إلى موضع.(الأزهريّ 5:244)

الحال أيضا:العجلة الّتي يدبّ عليها الصّبيّ.و الحال:

الطّين الأسود.و في الحديث أنّ جبريل لمّا قال فرعون:

امنت انّه لا اله الاّ الّذى امنت به بنوا اسرائيل،أخذ من حال البحر و طينه فألقمه فاه.(الأزهريّ 5:245)

ابن الأعرابيّ: حال الرّجل امرأته،و الحال:الرّماد و الحارّ،و الحال:لحم المتن،و الحال:الحمأة،و الحال:

الكارة،يقال:تحوّلت حالا على ظهري،إذا حملت كارة من ثياب و غيرها.و جمع الأحوال:حولان،و الحويل:

الحيلة.

الحول و الحوّل:الدّواهي،و هي جمع:حولة.

الحيلة:و علة تخرّ من رأس الجبل-رواه بضمّ الخاء- إلى أسفله،ثمّ تخرّ أخرى ثمّ أخرى،فإذا اجتمعت الوعلات فهي الحيلة و الوعلات:صخرات ينحدرن من رأس الجبل إلى أسفله.

و العرب تقول:من الحيلة ترك الحيلة،و من الحذر ترك الحذر.ما له حيلة و لا حول و لا محالة و لا حويل و لا حيل و لا حيل،الحيل:القوّة.(الأزهريّ 5:245)

ابن السّكّيت: يقال:جاء بأمر حولة،أي عجب.(95)

و إنّه لحوّل قلّب،إذا كان ذا حيلة و تصرّف في الأمور.(163)

و يقال:ما لي عنه متّسع و لا محالة عنه،و لا حيلة.

و لا محتال و لا حول و لا احتيال و لا محلة،و يقال:ما لي عنه معتنز و منتفد،أي منصرف.و ما لي عنه غنية و لا

ص: 337

غناء و لا غنيان و لا مضطرب و لا متحوّل.(271)

الحولاء و الحولاء،للجلدة الّتي تخرج مع الولد فيها أغراس،و فيها خطوط حمر و خضر.

(إصلاح المنطق:133)

تقول:ما كان أحوله،إذا كان محتالا،و قد تحوّل،إذا احتال.و هو رجل حوّل،إذا كان كثير الاحتيال،و ما أحيله:لغة و هي الحول و الحيل.(إصلاح المنطق:187)

يقال:قد أحال،إذا أتى عليه حول.و قد أحال،إذا حالت إبله فلم تحمل،و هي إبل حيال.و قد أحال الماء من الدّلو في الحوض،إذا صبّه.و قد أحال فلان فلانا على فلان،ما له عليه من الدّين.

و يقال:قد حال يحول،إذا انقلب عن العهد.و قد حالت القوس،إذا انقلبت عن عطفها الّذي عطفت عليه.

و قد حال الشّيء يحول،إذا تحرّك.و يقال في الحول:

قد حال الحول و أحال.و قد أحال عليه بالسّوط يضربه.

و قد حال في متن دابّته يحول حولا،إذا وثب في متنها.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:272)

شمر:حوّلت المجرّة صارت في شدّة الحرّ وسط السّماء.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:247)

أبو الهيثم:[في]تفسير قوله:«لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه»،الحول:الحركة،يقال:حال الشّخص،إذا تحرّك، فكأنّ القائل إذا قال:لا حول و لا قوّة،يقول:لا حركة و لا استطاعة إلاّ بمشيئة اللّه.(الأزهريّ 5:243)

يقال للقوم إذا أمحلوا فقلّ لبنهم:حال صبوحهم على غبوقهم،أي صار صبوحهم و غبوقهم واحدا.و حال بمعنى انصبّ.حال الماء على الأرض يحول عليها حولا و أحلّته إحالة،أي صببته.و يقال:أحلت الكلام أحيله إحالة،إذا أفسدته.(الأزهريّ 5:246)

الدّينوريّ: حال وتر القوس:زال عند الرّميّ،و قد حالت القوس وترها.(ابن سيده 4:6)

ابن أبي اليمان :و الحول:القوّة،و الحول:السّنة، يقال:قد حال عليه الحول،و الحول:مصدر حال الرّجل في ظهر دابّته يحول،إذا وثب عليه و استوى على ظهره، و يقال:أحال إحالة.و الحول:مصدر حلت بين القوم،أي فرّقت.و الحول:مصدر حالت القوس،أي انقلبت.(624)

الحربيّ: حاولته:طلبته،و إنّما حاول الرّبح و طلبه أصحابها.(1:217)

المبرّد: الحوّل معناه ذو الحيلة.(2:382)

ابن كيسان :محول:صغير من غير أن يحدّ حول.(ابن سيده 4:5)

كراع النّمل:و الحال:اللّبن.(ابن سيده 4:9)

الزّجّاج: و حال الرّجل في ظهر دابّته و أحال،إذا وثب و استوى على ظهرها.(فعلت و أفعلت:10)

و حال الرّجل و أحال،إذا أتى عليه الحول.و حالت النّاقة و النّخلة،إذا لم تحمل حملا.(فعلت و أفعلت:11)

ابن دريد :حال الشّيء يحول حولا و حئولا،إذا تغيّر عن حاله،و كذلك النّخلة حالت تحول إذا حملت عاما و أخلفت عاما.و حال الظّلّ يحول حئولا:مثل زال يزول.و حال فلان عن عهده:زال عنه.و حالت الشّخوص في السّراب تحول حئولا،إذا رأيتها كأنّها تزول عن مواضعها.و ليس لفلان حول و لا حويل،أي

ص: 338

لا حيلة له،و منه«لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه»و ما لفلان حيلة و لا حويل و لا محالة.

و حال الحول علينا،إذا أتت علينا سنة،و الجميع:

أحوال.و حالت النّاقة تحول حولا فهي حائل،و الجمع:

حوّل و حوّال.

و يقال:حالت و أحالت بمعنى،و هما لغتان فصيحتان.

و حوّلت الشّيء عن الموضع تحويلا و حويلا.

و الحوالة:أن تحيل رجلا بحقّه على آخر.

و حول الرّجل يحول حولا،إذا صار أحد سواد عينيه في موقه،و الآخر في لحاظه.

و رجل حوّل،إذا كان كثير الاحتيال و التّقلّب في الأمور.و يقال للدّهر أيضا:حوّل قلّب،لتحوّله و تقلّبه.

و الحولاء:جلدة رقيقة تخرج من الحوار كأنّها مرآة، فإذا وصفت العرب أرضا بالخصب قالوا:تركنا أرض بني فلان كالحولاء.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:192)

المنذريّ: أحلت الماء في الجدول،أي صببته.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:245)

الأزهريّ: العرب تقول:رأيت النّاس حوله و حواليه و حواله و حوليه.فحواله وحدان حواليه،و أمّا حوليه فهو تثنية حولة.[ثمّ استشهد بشعر](5:241)

التّحويل:مصدر حقيقيّ من حوّلت.و الحول:اسم يقوم مقام المصدر.(5:242)

قال بعضهم:هي[النّاقة]حائل حول و أحوال و حولل،أي حائل أعوام.

و يقال إذا وضعت النّاقة:إن كان ذكرا سمّي سقبا، و إن كانت أنثى فهي حائل.(5:243)

و يقال:تحوّل الرّجل و احتال،إذا طلب الحيلة.و من أمثالهم:من كان ذا حيلة تحوّل.

و يقال:هذا أحول من ذئب،من الحيلة،و هو أحول من أبي براقن،و هو طائر يتلوّن ألوانا.و أحول من أبي قلمون؛و هو ثوب يتلوّن ألوانا.و في دعاء يرويه ابن عبّاس عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«اللّهمّ ذا الحيل الشّديد».و المحدّثون يروونه:«ذا الحبل»بالباء،و الصّواب:«ذا الحيل»بالياء، أي ذا القوّة.(5:244)

يقال للمحتال من الرجال:إنّه لحولة،و حوّلة و حول و حوّل:قلّب.

و أرض محتالة،إذا لم يصبها المطر.(5:247)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]و امرأة محوّل،إذا عاقبت في الولاد بين جارية و غلام.و لا تضع إلاّ تحاويل،أي تخطئ حولا و تصيب حولا.و تحاويل الأرض و تحويلاتها؛من ذلك:أن تزرع سنة و تترك سنة.

و الحولول من الرّجال:المنكر الكميش.

و الحول:القوّة و الثّبات.و هو أيضا:سترة يستر بها البيت.

و فلان على حول فلان،أي مثله في السّنّ.

و أرض محتالة:لم يصبها المطر.

و أحال على الدّم:أقبل عليه يلغ فيه.

و أحال عليه بالسّوط:يضربه.

و حال في ظهر الدّابّة و أحال:وثب عليها.و أحاله غيره في ظهرها.

و حائل من نخل:جماعة.(3:208)

ص: 339

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه نهى أن يستنجى بعظم حائل».

الحائل:المتغيّر من البلى،و كلّ متغيّر اللّون:حائل.

يقال:حال لونه يحول،إذا تغيّر،فإذا أردت أنّه قد أتى على الشّيء حول كامل،قلت:قد أحال الشّيء.و يقال:

دار محيلة،إذا لم تسكن حولا،و ربّما ردّ إلى الأصل،فقيل:

أحول فهو محول.[ثمّ استشهد بشعر](1:239)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«...فلمّا رأوه حالوا إلى الحصن»:أي تحوّلوا إليه.يقال:حلت عن المكان،إذا تحوّلت عنه،و مثله:أحلت عنه.(1:605)

و قد جاء في بعض الحديث:«من أحال دخل الجنّة».

قال[ابن الأعرابيّ]أحال،يريد أسلم،و ليس هذا من الإحلال،هذا من الإحالة،يقال:أحال الرّجل،إذا تحوّل من شيء إلى غيره،يريد-و اللّه أعلم-الانتقال من دين الكفر إلى ملّة الإسلام.(1:689)

الجوهريّ: الحول:الحيلة و القوّة أيضا.

و الحول:السّنة.

و كلّ ذي حافر أوّل سنة حوليّ،و الأنثى:حوليّة، و الجمع:حوليّات.

و حال عليه الحول،أي مرّ.

و حالت الدّار،و حال الغلام،أي أتى عليه حول.

و حالت القوس و استحالت بمعنى،أي انقلبت عن حالها الّتي غمزت عليها،و حصل في قابها اعوجاج.

و حال في متن فرسه حئولا،إذا وثب و ركب.

و حالت النّاقة حيالا،إذا ضربها الفحل فلم تحمل، و كذلك النّخل،و هي إبل حيال.

و حال عن العهد حئولا:انقلب.و حال لونه،أي تغيّر و اسودّ،عن أبي نصر.

و حال الشّيء بيني و بينك،أي حجز.

و حال إلى مكان آخر،أي تحوّل.

و حال الشّخص،أي تحرّك.و كذلك كلّ متحوّل عن حاله.

و يقال:قعدوا حوله و حواله و حوليه و حواليه،و لا تقل:حواليه بكسر اللاّم.

و قعد حياله و بحياله،أي بإزائه،و أصله الواو.

و الحول بالضّمّ:الحيال.

و الحول أيضا:جمع حائل من النّوق.يقال:حائل حول و حولل.

و يقال أيضا:حولة من الحول:أي داهية من الدّواهي.

و الحالة:واحدة حال الإنسان و أحواله.

و الحال:الطّين الأسود.و في الحديث أنّ جبريل عليه السّلام قال:«أخذت من حال البحر فحشوت فمه»،يعني فرعون.

و الحال:الدّرّاجة الّتي يدرج عليها الصّبيّ إذا مشى، و هي كالعجلة الصّغيرة.

و الحال:الكارة الّتي يحملها الرّجل على ظهره.

و حال متن الفرس:وسط ظهره موضع اللّبد.

و الحائل:الأنثى من ولد النّاقة،لأنّه إذا نتج و وقع عليه اسم تذكير و تأنيث؛فإنّ الذّكر:سقب،و الأنثى:

حائل.يقال:نتجت النّاقة حائلا حسنة،و لا أفعل ذاك ما أرزمت أمّ حائل.

ص: 340

و التّحول:التّنقّل من موضع إلى موضع،و الاسم:

الحول.و منه قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً. الكهف:108.

و يقال أيضا:تحوّل الرّجل،إذا حمل الكارة على ظهره.و تحوّل أيضا،أي احتال من الحيلة،عن يعقوب.

و أحال الرّجل:أتى بالمحال و تكلّم به.

و أحال في متن فرسه،مثل حال،أي وثب.

و أحال الرّجل،إذا حالت إبله فلم تحمل.

و أحال عليه بالسّوط يضربه،أي أقبل.

و في المثل:«تجنّب روضة و أحال يعدو»،أي ترك الخصب،و اختار عليه الشّقاء.

و أحال عليه الحول:حال.

و أحالت الدّار و أحولت:أتى عليها حول،و كذلك الطّعام و غيره،فهو محيل.

و أحال عليه بدينه،و الاسم:الحوالة.

و أحال الماء من الدّلو،أي صبّه و قلبها.و منه قول لبيد:

*يحيلون السّجال على السّجال*

و حاولت الشّيء،أي أردته.و الاسم:الحويل.

و حوّله فتحوّل،و حوّل أيضا بنفسه،يتعدّى و لا يتعدّى.

و المحالة:الحيلة.يقال:«المرء يعجز لا المحالة».

و قولهم:لا محالة،أي لا بدّ.يقال:الموت آت لا محالة.

و رجل حولة،مثال همزة،أي محتال.

قال الفرّاء:يقال:هو أحول منك،أي أكثر حيلة.و ما أحوله.

و رجل حوّل،بتشديد الواو،أي بصير بتحويل الأمور.و هو حوّليّ قلّب.

و احتال من الحيلة.

و احتال عليه بالدّين،من الحوالة.

و رجل أحول بيّن الحول.و قد حولت عينه و احولّت أيضا،بتشديد اللاّم.و أحولتها أنا.حكاه الكسائيّ.

و استحلت الشّخص،أي نظرت هل يتحرّك.

و استحال الكلام لمّا أحاله،أي صار محالا.

و الأرض المستحيلة الّتي في حديث مجاهد،هي الّتي ليست بمستوية،لأنّها استحالت عن الاستواء إلى العوج.

و كذلك القوس.[و استشهد بالشّعر 7 مرّات]

(4:1679)

ابن فارس: الحاء و الواو و اللاّم أصل واحد،و هو تحرّك في دور فالحول:العام،و ذلك أنّه يحول،أي يدور.

و يقال:حالت الدّار و أحالت و أحولت:أتى عليها الحول.

و أحولت أنا بالمكان و أحلت،أي أقمت به حولا.

يقال:حال الرّجل في متن فرسه يحول حولا و حئولا،إذا وثب عليه،و أحال أيضا.و حال الشّخص يحول،إذا تحرّك.و كذلك كلّ متحوّل عن حالة،و منه قولهم:استحلت الشّخص،أي نظرت هل يتحرّك؟

و الحيلة و الحويل و المحاولة من طريق واحد،و هو القياس الّذي ذكرناه،لأنّه يدور حوالي الشّيء ليدركه.

[ثم استشهد بشعر]و الحولاء:ما يخرج من الولد و هو مطيف.(2:121)

أبو هلال :الفرق بين الصّفة و الحال:أنّ الصّفة تفرّق بين اسمين مشتركين في اللّفظ،و الحال زيادة في الفائدة

ص: 341

و الخبر.

قال المبرّد:إذا قلت:جاءني عبد اللّه و قصدت إلى زيد،فخفت أن يعرف السّامع جماعة أو اثنين كلّ واحد عبد اللّه أو زيد،قلت:الرّاكب أو الطّويل أو العاقل،و ما أشبه ذلك من الصّفات،لتفضل بين من تعني و بين من خفت أن يلبّس به،كأنّك قلت:جاءني زيد المعروف بالرّكوب أو المعروف بالطّول،فإن لم ترد هذا،و لكن أردت الإخبار عن الحال الّتي وقع فيها مجيئه،قلت:

جاءني زيد راكبا أو ماشيا،فجئت بعده بذكره لا يكون نعتا له،لأنّه معرفة،و إنّما أردت أنّ مجيئه وقع في هذه الحال،و لم ترد جاءني زيد المعروف بالرّكوب،فإن أدخلت الألف و اللاّم صارت صفة للاسم المعروف، و فرقا بينه و بينه.(19)

الفرق بين الحيلة و التّدبير:أنّ الحيلة:ما أحيل به عن وجهه،فيجلب به نفع أو يدفع به ضرّ،فالحيلة بقدر النّفع و الضّرّ من غير وجه[إلى أن قال:]

و إنّما سمّي ذلك حيلة،لأنّه شيء أحيل من جهة إلى جهة أخرى،و يسمّى تدبيرا أيضا.و من التّدبير ما لا يكون حيلة،و هو تدبير الرّجل لإصلاح ماله و إصلاح أمر ولده و أصحابه.و قد ذكرنا اشتقاق التّدبير قبل.(212)

الفرق بين الحيلة و المكر:أنّ من الحيلة ما ليس بمكر، و هو أن يقدّر نفع الغير لا من وجهه،فيسمّى ذلك حيلة مع كونه نفعا،و المكر لا يكون نفعا.

و فرق آخر:و هو أنّ المكر بقدر ضرر الغير من غير أن يعلم به،و سواء كان من وجهه أو لا،و الحيلة لا تكون إلاّ من غير وجهه.و سمّى اللّه تعالى ما توعّد به الكفّار مكرا في قوله تعالى فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ الأعراف:99،و ذلك أنّ الماكر ينزل المكروه بالممكور به من حيث لا يعلم،فلمّا كان هذا سبيل ما توعّدهم به من العذاب سمّاه مكرا،و يجوز أن يقال:

سمّاه مكرا لأنّه دبّره و أرسله في وقته،و المكر في اللّغة:

التّدبير على العدوّ،فلمّا كان أصلهما واحدا قام أحدهما مقام الآخر.

و أصل المكر في اللّغة:الفتل،و منه قيل:جارية ممكورة،أي ملتفّة البدن،و إنّما سمّيت الحيلة مكرا،لأنّها قيلت على خلاف الرّشد.(215)

الفرق بين الطّلب و المحاولة:أنّ المحاولة الطّلب بالحيلة،ثمّ سمّى كلّ طلب محاولة.(239)

الثّعالبيّ: فإذا استكمل[سنّ الفرس]سنة فهو:

حوليّ.(114)

السّابياء و الحولاء:الماء الّذي يخرج مع الولد.(138)

المحاولة:طلب الشّيء بالحيل.(191)

في تقسيم التّمام و الكمال:عشرة كاملة،نعمة سابغة،حول مجرّم،شهر كريت...(319)

أبو سهل الهرويّ: تقول:أحال الرّجل في المكان، إذا أقام فيه حولا،أي سنة،و أحال المنزل إحالة،إذا أتى عليه حول.

و حال بيني و بينك الشّيء حولا،أي حجز و منع، و حال الحول،أي مضى و دخل حول آخر.و حال عن العهد حئولا،إذا تغيّر في المودّة.

ص: 342

و حالت النّاقة و النّخلة،إذا لم تحملا حيالا.

و أحلت فلانا على فلان بالدّين إحالة،أي حوّلت عن نفسي المطالبة بالدّين إلى غيري.و حال في ظهر دابّته حئولا،إذا ركبها.(38)

ابن سيده: و حال الحول حولا:تمّ.

و أحاله اللّه علينا:أتمّه.و حال عليه الحول حولا و حئولا:أتى.

و أحال الشّيء و احتال:أتى عليه حول كامل.

و أحالت الدّار،و أحولت،و حالت و حيل بها:أتى عليها أحوال.

و أحول الصّبيّ: أتى عليه حول من مولده.

و أحول بالمكان،و أحال:أقام به حولا.و قيل:أزمن من غير أن يحدّ حول.و أحال الحول:بلغه.

و نبت حوليّ: أتى عليه حول،كما قالوا فيه:عامىّ.

و جمل حوليّ،كذلك.و أرض مستحالة:تركت حولا و أحوالا.

و رجل مستحال:في طرفي ساقه اعوجاج،و قيل:

كلّ شيء تغيّر عن الاستواء إلى العوج فقد حال و استحال،و في المثل:«ذاك أحول من بول الجمل»و ذلك أنّ بوله لا يخرج مستقيما،يذهب في إحدى النّاحيتين.

و الحول،و الحيل،و الحول،و الحيلة و الحويل، و المحالة،و الاحتيال،و التّحوّل،و التّحيّل كلّ ذلك:

الحذق و جودة النّظر.و القدرة على دقّة التّصرّف.

و الحيل و الحول:جمع حيلة.

و رجل حول و حولة و حوّل و حواليّ و حواليّ و حولول:شديد الاحتيال.

و رجل حولول:منكر كميش،و هو من ذلك.و ما أحوله و أحيله،و هو أحول منك و أحيل،معاقبة.

و لا محالة من ذلك،و ما أحوله،أي لا بدّ.

و المحال من الكلام:ما عدل به عن وجهه.

و حوّله:جعله محالا.

و أحال:أتى بمحال.

و رجل محوال:كثير محال الكلام.

و كلام مستحيل:محال.

و هو حوله،و حوليه،و حواليه،و حواله.

و حاول الشّيء محاولة و حوالا:رامه.

و كلّ ما حجز بين شيئين فقد حال بينهما حولا، و اسم ذلك الشّيء:الحوال،و الحول كالحوال.

و حوال الدّهر:تغيّره و تصرّفه.

و تحوّل عن الشّيء:زال عنه إلى غيره.

و حوّله إليه:أزاله،و الاسم:الحول و الحويل.

و في التّنزيل: لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً الكهف:108.

و حال الشّيء حولا و حئولا و أحال،الأخيرة عن ابن الأعرابيّ،كلاهما:تحوّل،و في الحديث:«من أحال دخل الجنّة»يريد:من أسلم،لأنّه تحوّل عمّا كان يعبد إلى الإسلام.

و الحوالة:تحويل نهر إلى نهر.

و الحائل:المتغيّر اللّون.يقال:رماد حائل،و نبات حائل.

و حوّل كساءه:جعل فيه شيئا،ثمّ حمله على ظهره.

و الاسم:الحال.

و الحال أيضا:الشّيء يحمله الرّجل على ظهره ما

ص: 343

كان.و قد تحوّل حالا:حملها.

و الحال:العجلة الّتي يدبّ عليها الصّبيّ.

و الحائل:كلّ شيء تحرّك في مكانه،و قد حال يحول.

و استحال الشّخص:نظر إليه هل يتحرّك.

و ناقة حائل:حمل عليها فلم تلقح،و قيل:هي الّتي لم تحمل سنة أو سنتين أو سنوات.و كذلك كلّ حامل ينقطع عنها الحمل سنة أو سنوات حتّى تحمل.و الجمع:حيال و حوّل و حولل،الأخيرة اسم للجمع،و حائل حول و حولل على المبالغة،كقولك:رجل رجال.و قيل:إذا حمل عليها سنة فلم تلقح فهي حائل،فإن لم تحمل سنتين فهي حائل حول و حولل.و لقحت على حول و حولل، و قد حالت حئولا و حيالا،و أحالت،و حوّلت و هي محوّل،و قيل:المحوّل:الّتي تنتج سنة سقبا،و سنة قلوصا.

و الحائل:الأنثى من أولاد الإبل ساعة توضع.و شاة حائل،و نخلة حائل.و حالت النّخلة:حملت عاما و لم تحمل آخر.

و الحال كينة الإنسان،و ما هو عليه من خير أو شرّ، يذكّر و يؤنّث،و الجمع:أحوال و أحولة،الأخيرة عن اللّحيانيّ،و هي شاذّة،لأنّ وزن حال«فعل»،و فعل لا يكسّر على«أفعلة»،و هي الحالة أيضا.

و تحوّله بالنّصيحة و الوصيّة و الموعظة:توخّي الحال الّتي ينشط فيها لقبول ذلك منه،و كذلك روى أبو عمرو الحديث:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يتحوّلنا بالموعظة»بالحاء غير معجمة،و قال:هو الصّواب،و فسّره بما تقدّم،حكاه الهرويّ في«الغريبين».

و حالات الدّهر و أحواله:صروفه.

و الحال:الوقت الّذي أنت فيه.

و أحال الغريم:زجّاه عنه إلى غريم آخر،و الاسم:

الحوالة.

و الحال:التّراب اللّيّن الّذي يقال له:السّهلة.

و الحال:الطّين الأسود و الحمأة،و في الحديث:«أنّ جبريل عليه السّلام قال:لمّا قال فرعون: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ يونس:90،أخذت من حال البحر فضربت به وجهه».و خصّ بعضهم بالحال الحمأة دون سائر الطّين الأسود.

و الحال:ورق السّمر،يخبط في ثوب و ينفض،يقال:

حال من ورق،و نفاض من ورق.

و حال الرّجل:امرأته،هذليّة.

و المحالة:منجنون يستقى عليه الماء.و قيل:هي البكرة العظيمة يستقى عليها،و الجمع:محال و محاول.

و المحالة و المحال:واسط الظّهر،و قيل:المحال:

الفقارة،واحدته:محالة،و يجوز أن يكون«فعالة»،و قد تقدّم هنالك.

و الحول في العين:أن يظهر البياض في مؤخرها، و يكون السّواد من قبل المأق،و قيل:الحول:إقبال الحدقة على الأنف.و قيل:هو ذهاب حدقتها قبل مؤخرها،و قيل:الحول:أن تكون العين كأنّما تنظر إلى الحجاج.و قيل:هو أن تميل الحدقة إلى اللّحاظ،و قد حولت و حالت تحال.

و قال محمّد بن حبيب: صار أحول،قال ابن جنّيّ:

يجب من هذا تصحيح العين،و أن يقال:حولت كعورت و صيد،لأنّ هذه الأفعال في معنى ما لا يخرج إلاّ على

ص: 344

الصّحّة.و هو احولّ و اعورّ و اصيدّ فعلى قول محمّد ينبغي أن يكون حالت شاذّا كما شذّ اجتاروا،في معنى اجتوروا.

و احولّت و رجل أحول و حول،جاء على الأصل لسلامة فعله،لأنّهم شبّهوا حركة العين التّابعة لها بحرف اللّين التّابع لها،فكأنّ فعلا«فعيل»،فكما يصحّ نحو طويل، كذلك يصحّ حول من حيث شبّهت فتحة العين بالألف من بعدها.

و أحال عينه و أحولها:صيّرها حولاء.

و الحولة:العجب.

و يوصف به،فيقال:جاء بأمر حولة.

و الحولاء و الحولاء من النّاقة كالمشيمة للمرأة،و هي جلدة ماؤها أخضر،و فيها أغراس و عروق و خطوط حمر تأتي بعد الولد في السّلى الأوّل،و ذلك أوّل شيء يخرج منه،و قد يستعمل للمرأة.و قيل:الحولاء:غلاف أخضر كأنّه دلو عظيمة مملوءة ماء تنفقئ حين تقع إلى الأرض،ثمّ يخرج السّلى فيه القرنتان،ثمّ يخرج بعد ذلك بيوم أو يومين الصّاءة،و لا تحمل حاملة أبدا ما كان في الرّحم شيء من الصّاءة و القذر،أو تخلص و تنقّى.

و نزلوا في مثل حولاء النّاقة،و في مثل حولاء السّلى، يريدون بذلك الخصب و الماء،لأنّ الحولاء ملأى ماء ريّا.

و رأيت أرضا مثل الحولاء،إذا اخضرّت و أظلمت خضرتها،و ذلك حين يتفقّأ بعضها،و بعض لم يتفقّأ.

و احوالّت الأرض،إذا اخضرّت و استوى نباتها.

و الحول:الأخدود الّذي تغرس فيه النّخل على صفّ.

و أحال عليه:استضعفه.

و أحال عليه بالسّوط يضربه:أقبل.

و أحال عليه الماء:أفرغه.

و أحال اللّيل:انصبّ على الأرض و أقبل.

و الحال:موضع اللّبد من ظهر الفرس.و قيل:هي طريقة المتن.

و حال في ظهر دابّته حولا و أحال:وثب و استوى فيه.و في المثل:«تجنّب روضة و أحال يعدو».

و يقال لولد النّاقة ساعة تلقيه من بطنها،إذا كانت أنثى:حائل،و أمّها:أمّ حائل.

و الجمع:حوّل و حوائل.

و الحيال:خيط يشدّ من بطان البعير إلى حقبه؛لئلاّ يقع الحقب على ثيله.

و هذا حيال كلمتك،أي مقابلة كلمتك،عن ابن الأعرابيّ،ينصبه على الظّرف،و لو رفعه على المبتدإ و الخبر جاز،و لكن كذا رواه عن العرب.

و الحويل:الشّاهد،و الحويل:الكفيل.و الاسم:

الحوالة.

و بنو حوالة:بطن،و بنو محوّلة:بنو عبد اللّه بن غطفان، و كان اسمه عبد العزّى،فسمّاه النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام عبد السّلام،فسمّوا بني محوّلة لذلك.

و حويل:اسم موضع.[و استشهد بالشّعر 19 مرّة]

(4:5)

الماورديّ: و الحول:السّنة،و في أصله قولان:

أحدهما:أنّه مأخوذ من قولهم:حال الشّيء،إذا انقلب عن الوقت الأوّل،و منه استحالة الكلام،لانقلابه عن الصّواب.

ص: 345

و الثّاني:أنّه مأخوذ من التّحوّل عن المكان،و هو الانتقال منه إلى المكان الأوّل.(1:299)

نحوه الطّوسيّ.(2:256)

الرّاغب: أصل الحول تغيّر الشّيء و انفصاله عن غيره،و باعتبار التّغيّر قيل:حال الشّيء يحول حئولا، و استحال:تهيّأ لأن يحول،و باعتبار الانفصال قيل:حال بيني و بينك كذا،و قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ الأنفال:24،فإشارة إلى ما قيل في وصفه:مقلّب القلوب،و هو أن يلقي في قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده،لحكمة تقتضي ذلك.و قيل:على ذلك وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ سبأ:54،و قال بعضهم في قوله: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ، هو أن يهمله أو يردّه إلى أرذل العمر،لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.

و حوّلت الشّيء فتحوّل:غيّرته،إمّا بالذّات،و إمّا بالحكم و القول،و منه:أحلت على فلان بالدّين.و قولك:

حوّلت الكتاب،هو أن تنقل صورة ما فيه إلى غيره،من غير إزالة الصّورة الأولى.

و في المثل:لو كان ذا حيلة لتحوّل،و قوله عزّ و جلّ:

لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً الكهف:108،أي:تحوّلا.

و الحول:السّنة،اعتبارا بانقلابها،و دوران الشّمس في مطالعها و مغاربها،قال اللّه تعالى: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ البقرة:233،و قوله عزّ و جلّ: مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ البقرة:240 و منه:حالت السّنة تحول،و حالت الدّار:تغيّرت.

و أحالت و أحولت:أتى عليها الحول،نحو:أعامت و أشهرت،و أحال فلان بمكان كذا:أقام به حولا.

و حالت النّاقة تحول حيالا،إذا لم تحمل،و ذلك لتغيّر ما جرت به عادتها.

و الحال:لما يختصّ به الإنسان و غيره من أموره المتغيّرة في نفسه و جسمه و قنيته،و الحول:ما له من القوّة في أحد هذه الأصول الثّلاثة،و منه قيل:لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه.

و حول الشّيء:جانبه الّذي يمكنه أن يحوّل إليه،قال عزّ و جلّ: اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ المؤمن:

7،و الحيلة و الحويلة:ما يتوصّل به إلى حالة ما في خفية، و أكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث،و قد تستعمل فيما فيه حكمة،و لهذا قيل في وصف اللّه عزّ و جلّ: وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ الرّعد:13،أي الوصول في خفية من النّاس إلى ما فيه حكمة.و على هذا النّحو وصف بالمكر و الكيد لا على الوجه المذموم،تعالى اللّه عن القبيح.

و الحيلة من الحول،و لكن قلبت واوها ياء لانكسار ما قبلها،و منه قيل:رجل حول.

و أمّا المحال:فهو ما جمع فيه بين المتناقضين،و ذلك يوجد في المقال،نحو أن يقال:جسم واحد في مكانين في حالة واحدة،و استحال الشّيء:صار محالا،فهو مستحيل.أي آخذ في أن يصير محالا.

و الحولاء:لما يخرج مع الولد.

و لا أفعل كذا ما أرزمت أمّ حائل،و هي الأنثى من أولاد النّاقة إذا تحوّلت عن حال الاشتباه،فبان أنّها أنثى، و يقال للذّكر بإزائها:سقب.

و الحال تستعمل في اللّغة للصّفة الّتي عليها

ص: 346

الموصوف،و في تعارف أهل المنطق لكيفيّة سريعة الزّوال،نحو:حرارة و برودة،و يبوسة و رطوبة عارضة.(137)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:509)

الزّمخشريّ: حال عليه الحول.و حالت الدّار و أحالت و أحولت،و رسم حوليّ و محيل و محول و حائل.

و حالت النّاقة،و هي حائل غير حامل.

و هذه امرأة لا تضع إلاّ تحاويل،و لا تلد إلاّ تحاويل، أي تلد سنة و سنة لا،و منه تحاويل الأرض و تحويلاتها، أي تزرع سنة و سنة لا،للتّقوية.

و حال الرّجل يحول حولا،إذا احتال،و منه«لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه».و عن النّضر:أنّه فسّره بالتّحرّك،من حال الشّخص يحول،إذا تحرّك.

و استحل هذا الشّخص،أي انظر هل يتحرّك.

و رجل حوّل و حولة و حواليّ،و ما أحول فلانا.و حال بين الشّيئين حيلولة،و بينهما حائل.

و حال الشّيء و استحال:تغيّر،و حال لونه،و عظم حائل.و يقولون:و اللّه لا يحور و لا يحول.و حالت القوس:

انقلبت عن حالها الّتي غمزت عليها.

و أحاله:غيّره،فهو حائل و محال و مستحيل،و شيء مستقيم و محال.

و أحال في كلامه،و قد أحلت فيما قلت.

و تقول:هو قويّ المحال،شديد المحال كثير المحال.

و حال عن مكانه:تحوّل،و حال في متن فرسه:وثب عليه،و حال عنه:سقط.

و استوى على حال متنه.

و حاولته:طلبته بحيلة.

و تحوّلت كسائي:جعلت فيه شيئا و حملته.و جاءنا يحمل حالا على ظهره،أي كارة.

و أحلته عليه بكذا فاحتال.

و في عينه حول،و قد حولت و أحولت و احوالّت.

و أحال عليه بالسّوط يضربه. لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً الكهف:108،أي تحوّلا.

و امرأة محوّل:معقاب تحمل مرّة ذكرا و مرّة أنثى،و قد حوّلت.

و قعدوا حوله و حوليه،و حواله و حواليه و أحواله.

و ضربه فكسر محاله،أي فقاره.

و تقول:سحماء عقّاقة،كأنّها حولاء ناقه.

و من المجاز:لقحت الحرب عن حيال.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:100)

و الحولاء:جلدة رقيقة تخرج مع الحوار كأنّها مرآة، مملوءة ماء أصفر يسمّى السّخد.[ثمّ استشهد بشعر]

(الفائق 1:267)

الحال:الحمأة،من حال يحول،إذا تغيّر.

و منه الحديث إنّ جبرئيل عليه السّلام«أخذ من حال البحر فأدخله فاه فرعون».(الفائق 1:332)

نهى صلّى اللّه عليه و آله أن يستنجى بعظم حائل.هو المتغيّر المستحيل بلى،من حال،أي تغيّر.(الفائق 1:333)

اللّهمّ بك أحاول و بك أصاول.

المحاولة:طلب الشّيء بحيلة،و نظيرها المراوغة.

(الفائق 1:334)

[في حديث]عائشة رضي اللّه تعالى عنها-قالت في

ص: 347

عثمان:«استتابوه حتّى إذا ما تركوه كالثّوب الرّحيض أحالوا عليه فقتلوه».

أحالوا عليه:أقبلوا عليه،يقال:أحال عليه بالسّوط و بالسّيف كما يقال:أنحى عليه،و راغ عليه.

(الفائق 2:51)

إنّ وفد عبد القيس[قالوا]«إنّما كانت عندنا خصبة نعلفها إبلنا و حميرنا،فلمّا رجعنا عظمت رغبتنا فيها، و نسلناها حتّى تحوّلت ثمارنا،و رأينا البركة فيها»...

تحوّلت،أي من الرّداءة إلى الجودة.

(الفائق 2:130)

مجاهد رحمه اللّه«كان لا يرى بأسا أن يتورّك الرّجل على رجله اليمنى فى الأرض المستحيلة في الصّلاة».

المستحيلة:غير المستوية،لاستحالتها إلى العوج.(الفائق 4:55)

المدينيّ: في الحديث:«إذا ثوّب بالصّلاة،أحال الشّيطان له ضراط».

يقال:أحال يفعل كذا،إذا طفق و أقبل و تهيّأ لفعله.

و أحال،إذا تحوّل من شيء إلى شيء،و قيل:وثب و خبّ.

و منه حديث قباث بن أشيم،رضى اللّه عنه:«رأيت خذق الفيل أخضر محيلا»أي متغيّرا،و منه سمّي الأحول،كأنّ سواد عينه تحوّل عن موضعه.و في غير هذا،أحال:إذا صبّ الماء،و أحال،إذا غيّر الكلام عن جهته،و أحال،إذا جاء بالمحال.

في الحديث:«أعوذ بك من شرّ كلّ ملقح و محيل» فالمحيل:الّذي لا يولد له.من قولهم:حالت النّاقة و أحالت،إذا حملت عاما و لم تحمل عاما.و أحال الرّجل إبله العام،إذا لم يضربها الفحل حتّى حالت،أي صارت بلا حمل.

في الحديث:«أو فسد محالة».

المحالة:منجنون يستقى عليها،شبه البكرة.

في حديث الأحنف:«إنّ إخواننا من أهل الكوفة نزلوا في مثل حولاء النّاقة»أي في الخصب،و أصله جلدة رقيقة،و هي كالمشيمة للمرأة تخرج مع الولد فيها ماء أصفر،و فيها خطوط حمر و خضر،قاله الأصمعيّ.

و قد يسمّى ذلك الماء:حولاء،و هو كناية عن الخصب.

في حديث الحجّاج:ممّا أحال على الوادي،أي ما أقبل عليه،من قولهم:أحال عليه بالسّوط،أو من قولهم:

أحال الماء،إذا صبّه،أي من الجانب الّذي صبّ الماء على الوادي،أو من الجانب الّذي أحال الشّجر على الوادي.

في حديث قصل:«إن حوّلناها عنك بمحول».

كأنّه آلة من التّحويل كالمجمر،و يروى:بمحوّل، و هو موضع التّحويل،أي لو حوّلناها عنك إلى غيرك.

في قصّة وفاة معاوية:«قلّبا حوّلا»،و روي:«حوّليّا قلّبيّا»،أي ذا تصرّف و احتيال،و ياء النّسبة للمبالغة.

فيه:«لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه».

الحول هاهنا:الحركة:يقال:حال الشّخص يحول،إذا تحرّك،المعنى:لا حركة و لا قوّة إلاّ بمشيئة اللّه تعالى، و قيل:الحول:الحيلة،و الأوّل أشبه.(1:527)

ابن الأثير: «اللّهمّ بك أصول و بك أحول»أي أتحرّك.و قيل:أحتال،و قيل:أدفع و أمنع،من حال بين

ص: 348

الشّيئين،إذا منع أحدهما عن الآخر.

و في حديث طهفة:«و نستحيل الجهام»أي ننظر إليه هل يتحرّك أم لا؟-و هو«نستفعل»من حال يحول،إذا تحرّك-و قيل:معناه نطلب حال مطره،و يروى بالجيم.

و منه:[أي بمعنى التّحوّل]الحديث«من أحال دخل الجنّة»أي أسلم.يعني أنّه تحوّل من الكفر إلى الإسلام.

و فيه:«فاحتالتهم الشّياطين»أي نقلتهم من حال إلى حال،هكذا جاء في رواية،و المشهور بالجيم.

و منه حديث عمر رضى اللّه عنه:«فاستحالت غربا»أي تحوّلت دلوا عظيمة.

و في حديث ابن أبي ليلى«أحيلت الصّلاة ثلاثة أحوال»أي غيّرت ثلاث تغييرات،أو حوّلت ثلاث تحويلات.

حديث أمّ معبد:«و الشّاء عازب حيال»أي غير حوامل-حالت تحول حيالا-و هي شاء حيال،و إبل حيال:و الواحدة:حائل،و جمعها:حول أيضا بالضّمّ.(1:

462)

الفيّوميّ: حال حولا من باب«قال»إذا مضى، و منه قيل للعام:حول،و لو لم يمض،لأنّه سيكون تسمية بالمصدر،و الجمع:أحوال.و حال الشّيء و أحال و أحول، إذا أتى عليه حول،و أحلت بالمكان:أقمت به حولا.

و الحيلة:الحذق في تدبير الأمور،و هو تقليب الفكر حتّى يهتدي إلى المقصود،و أصلها«الواو».و احتال:

طلب الحيلة.

و حالت المرأة و النّخلة و النّاقة و كلّ أنثى حيالا بالكسر:لم تحمل،فهي حائل.

و حال النّهر بيننا حيلولة:حجز و منع الاتّصال.

و الحال صفة الشّيء،يذكّر و يؤنّث،فيقال:حال حسن و حال حسنة،و قد يؤنّث بالهاء فيقال:حالة.

و استحال الشّيء:تغيّر عن طبعه و وصفه،و حال يحول مثله.

و المحال:الباطل غير الممكن الوقوع.و استحال الكلام:صار محالا.و استحالت الأرض:اعوجّت و خرجت عن الاستواء.و تحوّل من مكانه:انتقل عنه، و حوّلته تحويلا:نقلته من موضع إلى موضع.و حوّل هو تحويلا،يستعمل لازما و متعدّيا.و حوّلت الرّداء:نقلت كلّ طرف إلى موضع الآخر.

و الحوالة بالفتح،مأخوذة من هذا.فأحلته بدينه:

نقلته إلى ذمّة غير ذمّتك،و أحلت الشّيء إحالة:نقلته أيضا.

و أحلت عليه بالسّوط و الرّمح:سدّدته إليه،و أقبلت به عليه.و منه قولهم فيمن ضرب مشرفا على الموت فقتله:يحال الموت على الضّرب،أي نعلّقه به و نلصقه به، كما يلصق الرّمح بالمحال عليه،و هو المطعون.و أحلت الأمر على زيد،أي جعلته مقصورا عليه مطلوبا به.

«و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه»قيل:معناه لا حول عن المعصية،و لا قوّة على الطّاعة إلاّ بتوفيق اللّه.

و قعدنا حوله-بنصب اللاّم-على الظّرف،أي في الجهات المحيطة به،و حواليه بمعناه.(157)

الفيروزآباديّ: الحول:السّنة،جمعه:أحوال و حئول و حوول.

و حال الحول تمّ و أحاله اللّه تعالى و حال عليه الحول

ص: 349

حولا و حئولا:أتى،و أحال:أسلم.و صارت إبله حائلا فلم نحمل،و الشّيء:أتى عليه حول كاحتال،و بالمكان:

أقام به حولا كأحول به.و الحول:بلغه.و الشّيء:تحوّل كحال حولا و حئولا.و الغريم:زجّاه عنه إلى غريم آخر.

و الاسم:الحوالة كسحابة.و عليه:استضعفه،و عليه الماء:

أفرغه،و عليه بالسّوط:أقبل.و اللّيل:انصبّ على الأرض و في ظهر دابّته:وثب و استوى كحال،و الدّار:

أتى عليها أحوال كاحولت و حالت و حيل بها.

و أحول الصّبيّ فهو محول:أتى عليه حول.و الحوليّ:

ما أتى عليه حول من ذي حافر و غيره،و هي بهاء،جمعه:

حوليّات.

و المستحالة و المستحيلة من القسيّ:المعوجّة و قد حالت،و من الأرض:الّتي تركت حولا أو أحوالا،و كلّ ما تحوّل أو تغيّر من الاستواء إلى العوج فقد حال و استحال.

و الحول و الحيل و الحول كعنب،و الحولة و الحيلة و الحويل و المحالة و المحال و الاحتيال و التّحوّل و التّحيّل:الحذق و جودة النّظر و القدرة على التّصرّف.

و الحول و الحيل و الحيلات:جموع حيلة.

و رجل حول كصرد،و بومة و سكّر و همزة و حواليّ و يضمّ و حولول و حوليّ كسكّريّ:شديد الاحتيال.

و ما أحوله و أحيله،و هو أحول منك و أحيل،و لا محالة منه بالفتح:لا بدّ.

و المحال من الكلام بالضّمّ ما عدل عن وجهه كالمستحيل،و أحال:أتى به و المحوال:الكثير المحال.

و حوّله:جعله محالا،و إليه:أزاله.

و الاسم:كعنب و أمير.و الشّيء تحوّل،لازم متعدّ.

و المجرّة:صارت في وسط السّماء،و ذلك في الصّيف، و هو حواليه و حوله و حوليه و حواله و أحواله بمعنى.

و احتولوه:احتاشوا عليه.

و حاوله حوالا و محاولة:رامه،و الاسم:الحويل.

و كلّ ما حجز بين شيئين فقد حال بينهما،و اسم الحاجز ككتاب و صرد و جبل.

و حوال الدّهر كسحاب:تغيّره و صرفه،و هذا من حولة الدّهر بالضّمّ،و حولانه محرّكة،و حوله كعنب، و حولائه بالضّمّ:من عجائبه.و تحوّل عنه:زال إلى غيره، و الاسم:كعنب،و منه: لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً، و حمل الكارة على ظهره.و في الأمر:احتال،و الكساء:جعل فيه شيئا ثمّ حمله على ظهره.

و الحائل:المتغيّر اللّون،و موضع بجبلي طيّئ،و موضع بنجد.

و الحوالة:تحويل نهر إلى نهر.

و الحال:كينة الإنسان و ما هو عليه كالحالة،و الوقت الّذي أنت فيه،و يذكّر.جمعه:أحوال و أحولة.

و تحوّله بالموعظة:توخّى الحال الّتي ينشط فيها لقبولها.

و حالات الدّهر و أحواله:صروفه.

و الحال أيضا:الطّين الأسود،و التّراب اللّيّن،و ورق السّمر يخبط و ينفض في ثوب،و الزّوجة،و اللّبن، و الحمأة،و ما تحمله على ظهرك ما كان،و العجلة الّتي يدبّ عليها الصّبيّ،و موضع اللّبد من الفرس،أو طريقة المتن،و الرّماد الحارّ،و الكساء يحتشّ فيه،و بلدة باليمن

ص: 350

بديار الأزد.

و الحولة:القوّة و التّحوّل و الانقلاب،و الاستواء على ظهر الفرس،و بالضّم:العجب،جمعه:حول،و الأمر المنكر.و استحاله:نظر إليه هل يتحرّك؟

و ناقة حائل:حمل عليها فلم تلقح،أو الّتي لم تلقح سنة أو سنتين أو سنوات،و كذلك كلّ حائل،جمعه حيال و حول و حوّل و حولل و حائل حول و حولل مبالغة،أو إن لم تحمل سنة فحائل،أو سنتين فحائل حول و حولل، و قد حالت حئولا و حيالا و حيالة و أحالت و حوّلت و هي محوّل.

و الحائل:الأنثى من أولاد الإبل ساعة توضع، و الذّكر منها:سقب.يقال:نتجت النّاقة حائلا حسنة، و نخلة حملت عاما و لم تحمل عاما.

و المحالة:المنجنون،و البكرة العظيمة،جمعه:محال و محاول،و واسطة الظهر و الفقار كالمحال.

و الحول محرّكة:ظهور البياض في مؤخر العين، و يكون السّواد من قبل الماق،أو إقبال الحدقة على الأنف،أو ذهاب حدقتها قبل مؤخرها،أو أن تكون العين كأنّما تنظر إلى الحجاج،أو أن تميل الحدقة إلى اللّحاظ،و قد حولت و حالت تحال و احولّت احولالا.

و رجل أحول و حول ككتف،و أحال عينه و حوّلها:

صيّرها حولاء،و الحولاء كالعنباء و السّيراء و لا رابع لها و تضمّ كالمشيمة للنّاقة:و هي جلدة خضراء مملوءة ماء تخرج مع الولد،فيها أغراس و خطوط حمر و خضر، و منه نزلوا في مثل حولاء النّاقة:يريدون الخصب و كثرة الماء و الخضرة.و احوالّت الأرض:اخضرّت و استوى نباتها،و كعنب:الأخدود يغرس فيه النّخل على صفّ.

و الحيال خيط يشدّ من بطان البعير إلى حقبه،لئلاّ يقع الحقب على ثيله و قبالة الشّيء،و قعد حياله و بحياله:بازائه،و الحويل:الشّاهد،و موضع،و الكفيل، و الاسم:الحوالة.

و حاولت له بصري:حدّدته نحوه و رميت به.

و امرأة محيل و ناقة محيل و محول و محوّل:ولدت غلاما إثر جارية أو عكست.

و رجل مستحالة:طرفا ساقيه معوجّان.

و المستحيل:الملآن.

و حالة:موضع بديار بني القين.و حولايا:قرية من عمل النّهروان،و حوالى بالضّمّ:موضع.و ذو حولان:

موضع باليمن.

و تحاويل الأرض:أن تخطئ حولا و تصيب حولا.

(3:374)

الطّريحيّ: الحول:العام،سمّي حولا اعتبارا بالدّوران.

و حول الشّيء:جانبه الّذي يمكن أن يحول إليه،سمّي بذلك اعتبارا بالدّوران و الإطافة.و منه قوله تعالى حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ الزّمر:75.

و التّحوّل:التّنقّل من موضع إلى موضع،و الاسم:

الحول...

و في الحديث:«لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه كنز من كنوز الجنّة»قيل:الحول:الحركة،فكأنّ القائل يقول:لا حركة و لا استطاعة لنا على التّصرّف إلاّ بمشيّة اللّه تعالى.

و قيل:الحول:القدرة،أي لا قدرة لنا على شيء،و لا

ص: 351

قوّة إلاّ بإعانة اللّه سبحانه.و إنّ الحول بمعنى التّحوّل و الانتقال،و المعنى:لا حول لنا عن المعاصي إلاّ بعون اللّه، و لا قوّة لنا على الطّاعات إلاّ بتوفيق اللّه سبحانه.

و قد يفسّر الحول بالحيلة:و هي ما يتوصّل به إلى حالة بما فيه خفية.

و قيل:الحيلة هي الحول قلبت واوه ياء،لانكسار ما قبلها.

و المعنى لا يوصل إلى تدبير أمر و تغيير حال،إلاّ بمشيّتك و معرفتك.[إلى أن قال:]

و فيه:[الدّعاء]«بحول اللّه و قوّته»،و فسّر بالقوّة، و ليس بسديد.و الوجه أن يقال:بمقدرته الّتي يحول بها بين المرء و قلبه،أو نحو ذلك.

و في دعاء الاستسقاء:«حوالينا و لا علينا»يقال:

رأيت النّاس حوله و حواليه،أي مطيفين به من جوانبه.

يريد اللّهمّ أنزل الغيث في مواضع النّبات،لا في مواضع الأبنية.

و الحول:السّنة.

و كلّ ذي حافر أوّل سنته:حوليّ،و الأنثى حوليّة، و الجمع:حوليّات.

و حال عن العهد،أي انقلب.

و حال لونه أي تغيّر و اسودّ.

و حال الشّيء بيني و بينه،أي حجز.

و قعد حياله و بحياله،أي بإزائه.و أصله الواو.

و منه«رفع يديه حيال وجهه»أي بإزائه.

و المراد أنّه لم يرفعهما بالتّكبير أزيد من محاذاة وجهه.

و الحالة:واحدة حالات الإنسان و أحواله.

و الحائل:الأنثى من ولد النّاقة.

و حاولت الشّيء:أردته.

و التّحويل:تصيير الشّيء على خلاف ما كان فيه.

و التّغيير:تصيير الشّيء على خلاف ما كان.

و حوّلت الرّداء،إذا نقلت كلّ طرف إلى موضع.

و الغرض من تحويله على ما ذكر في«المجمع»التّفاؤل بتحويل الحال من الجدب و العسر إلى الخصب و اليسر.

و كيفيّته:أن يأخذ بيده اليمنى بالطّرف الأسفل من جانب يساره،و بيده اليسرى من الطرف الأسفل من جانب يمينه،و يقلّب يديه خلف ظهره،بحيث يكون الطّرف المقبوض بيده اليمنى على كتفه اليمنى،و المقبوض باليسرى على كتفه اليسرى،فقد انقلب اليمين يسارا و الأعلى أسفل.

و«يحوّل اللّه رأسه رأس حمار»أي يجعله بليدا.

و من جوّز المسخ على هذه الأمّة،حمله على ظاهره.

و أحلته بدينه:إذا نقلته من ذمّتك إلى غير ذمّتك.

و أحال عليه بدينه مثله.

و الاسم:الحوالة،و هي في مصطلح أهل الشّرع:

عقد شرّع لتحويل المال من ذمّة إلى ذمّة مشغولة بمثله، أو غير مشغولة على اختلاف فيه.[إلى أن قال:]

و رجل محتال:ذو حيل يحتال على النّاس.

و رجل أحول العين.

و حولت عينه و احولّت أيضا بالتّشديد.

و استحال الكلام،أي صار محالا.

و الحمد للّه على كلّ حال قيل:يذكر عند البلاء و الشّدّة،و أمّا عند النّعمة فيقال:الحمد للّه بنعمته تتمّ

ص: 352

الصّالحات.

و في الدّعاء«و يصدّني عمّا أحاول لديك»أي أريده، من قولهم:حاولت الشّيء:أردته.

و في الحديث:«ما حال المؤمن عندك»؟أي ما قدره و منزلته،و الخطاب للّه تعالى.

و في حديث صفاته تعالى«لم يسبق له حال فيكون أوّلا،قبل أن يكون آخرا،و يكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا».

قال بعض الشّارحين:و قد تحقّق أنّ ما يلحق ذاته المقدّسة من الصّفات،اعتبارات ذهنيّة تحدثها العقول عند مقايسته إلى المخلوقات،و لا سبق لشيء منها على الآخر بالنّظر إلى ذاته القدسيّة،و إلاّ لكانت كمالات قابلة للزّيادة و النّقصان،و بعضها علّة للبعض و أشرف، و بعضها معلول للبعض و أنقص،بالنّظر إلى ذاته تعالى، و ذلك من لواحق الإمكان.(5:358)

الجزائريّ: الحول و القوّة قيل:الحول:القدرة على التّصرّف،و القوّة مبدأ الأفعال الشّاقّة.و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام في تفسير:«لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه»أنّ المعنى لا حائل عن المعاصي،و لا قوّة على الطّاعات،إلاّ باللّه،أي باستعانته و توفيقه.(91)

مجمع اللّغة :حال بينهما يحول حولا:حجز و فصل.

الحول:السّنة.

حول الشّيء:ما يحيط به.و يستعمل منصوبا،و تارة مجرورا ب(من).

الحول:التّحوّل و الانتقال.

حوّل الشّيء يحوّله تحويلا:غيّره و بدّله،فعله متعدّ.

و حوّل الشّيء بنفسه تحويلا:تغيّر و تبدّل،فعله لازم.

الحيلة:الحذق في تدبير الأمور.(1:309)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حال الشّيء:مضى عليه حول،أي عام،و تحوّل من حال إلى حال.و حال بين الشّيئين:حجز بينهما.

و حوّله تحويلا:غيّره أو نقله من موضع إلى آخر.

و احتال احتيالا:أتى بالحيلة و استعملها.

و أحول الصّبيّ: أتمّ من عمره حولا.

و الحال:صفة الشّيء و هيئته و كيفيّته،يذكّر و يؤنّث.

و الحول:القدرة و القوّة،و حول الشّيء،أي ما يحيط به.

و الحول:الانتقال من موضع إلى غيره.

و الحيلة:القدرة على التّصرّف الدّقيق في الأمور.(151)

العدنانيّ: تغيّرت الحال:تغيّر الحال.

و يخطّئون من يقول:تغيّر الحال،و يقولون:إنّ الحال مؤنّثة،و الصّواب:تغيّرت الحال،و يستشهدون بمطلع قصيدة المتنبي المشهورة،الّتي هجا بها كافورا الإخشيديّ:

عيد بأيّة حال عدت يا عيد

بما مضى،أم بأمر فيك تجديد؟

و معتمدين على قول الرّاغب الأصفهانيّ في «مفرداته»:و الحال تستعمل في اللّغة للصّفة الّتي عليها الموصوف.و لكن:

ص: 353

تؤنّث الحال،بمعنى صفة الشّيء،و تذكّر،كما يقول أدب الكاتب في باب ما يذكّر و يؤنّث،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، أقرب الموارد،و المتن.

و قال التّاج:«التّأنيث أكثر».و قال محيط المحيط:

تؤنّث باعتبار كونها صفة،و تذكّر باعتبار كونها لفظا»، و قال المتن:«مؤنّث و يذكّر».

و في وسعنا جعل الحال مؤنّثة دائما،بإضافة تاء التّأنيث إليها«الحالة»:الصّحاح،و المختار،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و تجمع الحال على:أحوال و أحولة:اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و المتن،و الوسيط.

حوالي ألف كتاب،نحو ألف كتاب،زهاء ألف كتاب

كنت قد خطّأت في الطّبعة الأولى من معجم الأخطاء الشّائعة من يقول:عندي حوالي ألف كتاب،و قلت:إنّ الصّواب هو:عندي نحو ألف كتاب؛لأنّ معنى حواليه،أو حواله،أو حوله،أو حوليه،أو أحواله هو الجهات المحيطة به.

ثمّ وافق مؤتمر مجمع اللّغة العربيّة في دورته الأربعين، بين 25 شباط و 11 آذار 1974،على قرار لجنة الألفاظ و الأساليب،الّتي ناقشت ما يجري على أقلام بعض الكتّاب من قولهم:«حضر حوالي عشرين طالبا»، و قول بعض النّقّاد:إنّ من الخطإ استعمال لفظة«حوالي» في هذا الموطن و أمثاله.و إنّ الصّواب فيه استعمال كلمة «زهاء»أو كلمة(نحو)لأنّ حوالي ظرف غير متصرّف، و لا يستعمل إلاّ في المكان.و انتهت اللّجنة بعد دراسة المسألة و مناقشتها من مختلف جهاتها إلى إجازة استعمال «حوالي»في غير المكان.

و كان قبول مؤتمر مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة لقرار لجنة الألفاظ و الأساليب بالأكثريّة.

شدّ النّطاق على وسطه،في وسطه،لا حول وسطه

و يقولون:شدّ النّطاق:كلّ ما يشدّ به الوسط حول وسطه.و الصّواب:

شدّ النّطاق على وسطه:اللّسان و هو يشرح:انتطق و تنطّق،و المصباح و هو يشرح:انتطق،و التّاج.

أو:شدّ النّطاق في وسطه الصّحاح،و اللّسان، و المتن...

فلان أحول من فلان،أو أحيل منه

و يخطّئون من يقول:فلان أحيل من فلان.و يقولون:

إنّ الصّواب هو:أحول منه.لأنّ ياء الحيلة.كما تقول المعجمات،أصلها واو(حولة).قلبت بالإعلال ياء لكسر ما قبلها.و لأنّ الرّاغب الأصفهانيّ في«مفرداته»اكتفى بقوله:إنّ الحيلة من الحول،و لأنّ الأساس،و اللّسان، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط، ذكروا أنّ جملة(حاولته)تعني:طلبته بحيلة.دون أن يذكروا أو تذكر المعجمات الأخرى:«حايلته»،و لأنّ ابن سيده جمع الحيلة على حول لا حيل،و لأنّ جلّ المعجمات تذكر الحيلة في مادّة«حول»وحدها،لا«حيل».

و لكن:أجاز:ما أحول فلانا و ما أحيله كلّ من:

ص: 354

الصّحاح.و اللّسان،و التّاج،و محيط المحيط،و المتن.

و ذكرت المصادر الآتية ما يأتي:

يقول المثل السّائر:هو أحيل من قصير.

و ذكر ابن سيده و اللّسان:أنّ الحول،و الحيل، و الحول،و الحويل،و المحالة،و الاحتيال،و التّحوّل، و التّحيّل تعني الحيلة.

و زاد عليها الكسائيّ و التّاج:الحولة.

و زاد الصّاغانيّ و التّاج:المحيلة.

و قال الفرّاء:هو أحيل منك و أحول:أكثر حيلة.

و قال الحريريّ في شرح المقامة التّبريزيّة:«ما أحيله؟»لغة في«ما أحوله!»،و قالها الفرّاء أيضا، و الصّحاح.

و قال الحريريّ في المقامة التّبريزيّة أيضا:أشهد إنّكما لأحيل الثّقلين.

و قال المختار:هو أحيل منه ما احوله!ما أحيله.

و قال القاموس:

أ-الحيل و الحول:الاحتيال.

ب-هو أحول منك و أحيل.

و ذكر التّاج الحيلة في مادّتي«حول»و«حيل» كلتيهما،و قال:إنّ الأصل هو«الواو»،و قال أيضا:هو أحول من فلان و أحيل.و ذكر التّاج في مستدركه كلمة «الحيّال»صاحب الحيلة في مادّة«حول».

و كان محمّد الفاسيّ،شيخ صاحب التّاج،قد ذكر قبله في كتابه«حاشية على قاموس الفيروزآباديّ»في مادّة«رود»جملة:هو أحيل النّاس.و علّق المدّ عليه بقوله:أصلها:أحول النّاس.

و ذكر المدّ جملتي:ما أحوله،و ما أحيله.

و ذكر محيط المحيط أيضا جملة:هو أحيل النّاس.

و ذكر الحيلة هو و الوسيط في مادّتي«حول»و«حيل» كلتيهما.

و قال أقرب الموارد:«هو أحول منك و أحيل، و الثّاني أشهر».

و ذكر المتن جملة الفرّاء،و جملة:ما أحيله!

و ذكر الوسيط أنّ الفعل تحيّل يعني:استعمل الحيلة في تصريف أموره.و يقول:إنّ جملة تحايل عليه محدثة، و تجمع الحيلة على:حول و حيل.

و لمّا كان معظم النّاس يؤثرون استعمال الياء«ما أحيله»مثلا على الواو(ما احوله).و إن كانت الثّانية أعلى معجميّا.فإنّني أنضمّ إلى الأكثريّة.و أوصي باستعمال كلمة«الأحيل»بدلا من«الأحول»،كفانا اللّه شؤم الحول و العور إرضاء لروح الشّاعر ابن الرّوميّ.(178)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو تبدّل الحالة و التّحوّل،من صورة أو جريان أو حالة أو صفة أو برنامج إلى أخرى.

و من مصاديق هذا المعنى،العام:فإنّ الأيّام و الشّهور إذا انتهت إلى سنة كاملة،فتصير تلك الشّهور متحوّلة إلى سنة أخرى مثلها،كتحوّل صفحة إلى صفحة أخرى مثلها،في تمام الخصوصيّات من عدد الأيّام و الشّهور و الفصول.

و من مصاديقه:الحالة العارضة للإنسان،فإنّها متحوّلة متبدّلة من خصوصيّة إلى أخرى.و قد قيل:كلّ

ص: 355

حال يزول.

و من مصاديقه:الحوالة،فإنّ الدّين يتحوّل من رقبة المديون إلى رقبة المحال عليه،و كذلك الذّمّة المديونة تتحوّل إلى أخرى.

و من مصاديقه:استحالة الأرض،و تحوّلها إلى الاعوجاج.

و من مصاديقه:تحوّل حالة المرأة إلى جريان آخر،لم تحمل.

و من مصاديقه:الحول و الحوالي،فإنّ محيط الشّيء يتحوّل إلى محيط خارج عنه،و إلى حالة ثانويّة قريبة منه،فيقال:إنّها حولها و حواليها.

و منها الحيلة،و هي تحويل الفكر و الكلام و العمل لمنظور خاصّ يضمره.

ثمّ إنّه قد يشتقّ من بعض هذه الألفاظ بمعانيها الخاصّة بها،أفعال بالاشتقاق الانتزاعيّ،فيقال:حال و أحال و أحول من الحول بمعنى العام،و احتال من الحيلة.

و لا يخفى أنّ قيد التّحوّل و التّبدّل مأخوذ في جميع هذه المصاديق و الموارد،و بهذا يظهر الفرق بين الحول و العام و السّنة.و بين الحالة و الصّفة.و بين الحول و الحوالي،و الجانب و الطّرف.

فيظهر لطف التّعبير بهذه الكلمات في موارد استعمالاتها في القرآن الكريم.

وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ هود:43، أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ الأنفال:24،أي و ظهر حال الموج و تحرّك بينهما و تحوّل،فاستعمل الفعل لازما.و أنّ اللّه يظهر و تتجلّى قدرته و إرادته و مشيّته بين المرء و قلبه، فلا يقدّر له أن يصل إلى ما يريده و أن يعمل به،فظهور الحالة للّه تعالى باعتبار ظهور حالة من آثار قدرته و مشيّته و تجلّيّاته.

و يمكن أن يكون الفعل،هنا متعدّيا،أي أنّ اللّه يوجد حالة مخصوصة و يحوّل حالة إلى حالة مغايرة فيما بين المرء و قلبه،كما أنّ الحيلة يائيّا،بمعنى تحويل الفكر و العمل،و تغيير حالة إلى أخرى،و يؤيّد هذا قوله:

وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ سبأ:54،صيغة الفعل مجهولا تدلّ على استعماله متعدّيا،أي و أوجدت حالة جديدة حادثة بينهم و بين ما يشتهون،فلا يتمكّنون من بلوغ مشتهياتهم.

فالفعل لا يدلّ على المنع،بل على تغيير الحالة و ايجادها،و المنع من آثار تلك الحالة،و ليس من مصاديق الحقيقة.

لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ النّساء:98، أي تحويل حالة و تغيير مالهم و عليهم،أو تحوّلا و تحرّكا و انتقالا،إن كان بمعنى اللاّزم.

و ليس المقصود من الحيلة هو المكر و الحيلة العرفيّة، و إن كانت من مصاديق التّحويل و التّحوّل اللّغويّة،فإنّ المعنى اللّغويّ هو الأصل،و إنّه أعمّ و أبلغ في بيان المنظور، و هو العجز عن التّحويل المطلق و التّحوّل.

كما أنّ إرادة مفهوم المنع في الآيات السّابقة غير صحيح:فأوّلا إنّه خلاف الأصل و الحقيقة،و ثانيا إنّ المنع في نفسه في قوله تعالى:(و حال الموج)،و من اللّه تعالى في قوله: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ: غير ملائم،فإنّ المنع و الحجب بينهما لا يوجب الغرق،و انّ اللّه تعالى لا يمنع

ص: 356

عمّا يريد المرء من دون جهته،و إنّما يوجد بمقتضى النّظم و التّدبير حالة حادثة توجب الممنوعيّة.

وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ البقرة:240، يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ البقرة:233.

التّعبير بالحول دون السّنة و العام،فإنّه أعمّ و يمكن أن يحاسب من كلّ يوم إلى أن ينتهي إلى ذلك اليوم من السّنة الآتية،فيتحوّل امتداد الزّمان إلى الأوّل،و غير لازم أن يحاسب من أوّل السّنة.

لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ آل عمران:159، وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ التّوبة:101، وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى الأحقاف:27، إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ الإسراء:1، أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَ مَنْ حَوْلَها النّمل:8، قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ الشّعراء:34.حول كلّ شيء بحسبه و بالنّسبة إليه،أي الحالة المنعكسة منه،و المحيط القريبة منه ظاهرا أو معنى،فيلاحظ في الحول الصّفات و الامتيازات الكلّيّة للشّيء.

فحول الرّسول صلّى اللّه عليه و آله عبارة عن محيط أشعّة من وجوده و حياته و تجلّيات صفاته،و التّفرّق منه هو البعد و المحروميّة من الفيوضات.و حول البلد امتداد أشعّة المدنيّة الاجتماعيّة الموجودة في البلد،و تظاهر آثاره التّابعة له.و الّذين حول شخص هم التّابعون له و المقتفون أثره.

و التّعبير بهذه الكلمة دون الجانب و الطّرف و الدّور:

إشارة إلى أنّ الحول فيه حالة من ذي الحول،و فيه خصوصيّاته و آثاره المنعكسة منه.فتدلّ على الارتباط و المناسبة بينهما،فإنّ الحول كالظّلّ و المرتبة النّازلة.

و بهذا يظهر حقيقة مفهوم«لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه» أي لا يتراءى تحوّل و لا تبدّل حالة و تغيّرها في عالم الممكنات،و لا ظهور قوّة و تأثير و قدرة إلاّ بأمر اللّه العزيز و قدرته و مشيّته.و ليس الحول بمعنى المنع:فأوّلا:

إنّه خلاف الأصل الواحد.و ثانيا:إنّ المنع يشمل المنع عن الخيرات و العبادات و الطّاعات،و لا يعقل نسبته إلى اللّه المتعال.

و لا ينتقض بنسبة القوّة المطلقة إليه تعالى:فإنّ القوّة ليست علّة تامّة،و يعقّبها الاختيار من العبد و فقدان الموانع.و ليس كذلك الحول بمعنى المنع،فإنّه علّة تامّة لترك الفعل.

فقد اتّضح معنى الجملة،و اندفع الإشكال فيه، فاغتنم و كن على بصيرة.(2:347)

النّصوص التّفسيريّة

يحول

...وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. الأنفال:24

ابن عبّاس: أَنَّ اللّهَ يَحُولُ يحفظ، بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ بين المؤمن بأن يحفظ قلب المؤمن على الإيمان حتّى لا يكفر،و يحفظ قلب الكافر على الكفر حتّى لا يؤمن.(147)

نحوه سعيد بن جبير(الطّبريّ 9:215)،و الضّحّاك (الماورديّ 2:308).

يحول بين الكافر و بين طاعته،و يحول بين المؤمن

ص: 357

و بين معصيته.(الطّبريّ 9:216)

نحوه الضّحّاك(الطّبريّ 9:215)،و الفرّاء(1:

407).

يحول بين المؤمن و بين الكفر،و بين الكافر و بين الإيمان.

و مثله مجاهد.(الطّبريّ 9:216)

مجاهد :يحول بين المرء و عقله،فلا يدري ما يعمل.

(الماورديّ 2:308)

هي يحول بين المرء و قلبه حتّى لا يتركه يعقل.(الطّبريّ 9:216)

الحسن :معناه أنّه سبحانه أقرب إليه من قلبه،و هو نظير قوله: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ق:

16،فإنّ الحائل بين الشّيء و غيره أقرب إلى ذلك الشّيء من ذلك الغير،و فيه تحذير شديد.

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 2:534)

الإمام الباقر عليه السّلام:يحول بين المؤمن و معصيته أن تقوده إلى النّار،و بين الكافر و بين طاعته أن يستكمل بها الإيمان.و اعلموا أنّ الأعمال بخواتيمها.

(الكاشانيّ 2:289)

قتادة :معناه أنّه قريب من قلبه،يحول بينه و بين أن يخفى عليه شيء من سرّه أو جهره،فصار أقرب إليه من حبل الوريد،و هذا تحذير شديد.

(الماورديّ 2:308)

السّدّيّ: أي يحول بين الإنسان و قلبه،فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلاّ بإذنه.(280)

الإمام الصّادق عليه السّلام:لا يستيقن القلب أنّ الحقّ باطل أبدا،و لا يستيقن أنّ الباطل حقّ أبدا.

(الطّوسيّ 5:120)

يحول بينه و بين أن يعلم أنّ الباطل حقّ.

[سئل]عن قول اللّه: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ يشتهي بسمعه و بصره و يده و لسانه و قلبه،أما إن هو غشي شيئا ممّا يشتهي،فإنّه لا يأتيه إلاّ و قلبه منكر، لا يقبل الّذي يأتي،يعرف أنّ الحقّ غيره.

(البحرانيّ 4:296)

ابن قتيبة :(يحول...)بين المؤمن و المعصية،و بين الكافر و الطّاعة.و يكون:يحول بين الرّجل و هواه.(178)

الجبّائيّ: أي يحول بين المرء و بين الانتفاع بقلبه بالموت،فلا يمكنه استدراك ما فات،فبادروا إلى الطّاعات قبل الحيلولة،و دعوا التّسويف،و فيه حثّ على الطّاعة قبل حلول المانع.(الطّبرسيّ 2:533)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:معناه:يحول بين الكافر و الإيمان،و بين المؤمن و الكفر.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:يحول بين المرء و عقله، فلا يدري ما يعمل.

و قال آخرون:معناه:يحول بين المرء و قلبه،أن يقدر على إيمان أو كفر إلاّ بإذنه.

و قال آخرون:معنى ذلك:أنّه قريب من قلبه، لا يخفى عليه شيء أظهره أو أسرّه.

و أولى الأقوال بالصّواب عندي في ذلك:أن يقال:إنّ ذلك خبر من اللّه عزّ و جلّ،أنّه أملك لقلوب عباده منهم،

ص: 358

و أنّه يحول بينهم و بينها إذا شاء،حتّى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئا من إيمان أو كفر،أو أن يعي به شيئا،أو أن يفهم إلاّ بإذنه و مشيئته،و ذلك أنّ الحول بين الشّيء و الشّيء،إنّما هو الحجز بينهما،و إذا حجز جلّ ثناؤه بين عبد و قلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه،لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع اللّه قلبه إدراكه سبيل.و إذا كان ذلك معناه،دخل في ذلك قول من قال:يحول بين المؤمن و الكفر،و بين الكافر و الإيمان.و قول من قال:يحول بينه و بين عقله.و قول من قال:يحول بينه و بين قلبه،حتّى لا يستطيع أن يؤمن و لا يكفر إلاّ بإذنه،لأنّ اللّه عزّ و جلّ إذا حال بين عبد و قلبه،لم يفهم العبد بقلبه الّذي قد حيل بينه و بينه،ما منع إدراكه به على ما بيّنت.غير أنّه ينبغي أن يقال:إنّ اللّه عمّ بقوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ الخبر عن أنّه يحول بين العبد و قلبه،و لم يخصّص من المعاني الّتي ذكرنا شيئا دون شيء،و الكلام محتمل كلّ هذه المعاني،فالخبر على العموم،حتّى يخصّه ما يجب التّسليم له.(9:215)

الزّجّاج: قيل فيه ثلاثة أقوال:قال بعضهم:يحول بين المؤمن و الكفر،و يحول بين الكافر و الإيمان بالموت، أي يحول بين الإنسان و ما يسوّف به نفسه بالموت،قيل:

يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ معناه:و اعلموا أنّ اللّه مع المرء في القرب بهذه المنزلة.كما قال:جلّ و عزّ: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ق:16.و قيل:إنّهم كانوا يفكّرون في كثرة عدوّهم و قلّة عددهم،فيدخل في قلوبهم الخوف،فأعلم اللّه جلّ ثناؤه أنّه يحول بين المرء و قلبه،بأن يبدّله بالخوف الأمن،و يبدّل عدوّهم-بظنّهم أنّهم قادرون عليه-الجبن و الخور.(2:409)

ابن الأنباريّ: يحول بين المرء و ما يتمنّاه بقلبه من البقاء و طول العمر و الظّفر و النّصر.(الماورديّ 2:308)

السّجستانيّ: أي يملك عليه قلبه فيصرفه كيف شاء.(74)

الرّمّانيّ: معناه يفرّق بين المرء و قلبه بالموت،فلا يقدر على استدراك فائت.(الماورديّ 2:308)

هو أن يتوفّاه،و لأنّ الأجل يحول بينه و بين أمل قلبه.و هذا حثّ على انتهاز الفرصة قبل الوفاة الّتي هو واجدها،و هي التّمكّن من إخلاص القلب و مخالجة أدوائه و علله،و ردّه سليما كما يريده اللّه،فاغتنموا هذه الفرصة،و أخلصوا قلوبكم لطاعة اللّه و رسوله.

(أبو حيّان 4:481)

عبد الجبّار:و أمّا قوله تعالى من بعد:

وَ اعْلَمُوا... فلا يصحّ أن يتعلّق به المجبّرة في أنّه تعالى يمنع من الإيمان،لأنّ ظاهره يقتضي أنّه يحول بين المرء و قلبه،لا بينه و بين أفعال قلبه،و لأنّه لو أراد الحيلولة في الحقيقة لم يكن فيه فائدة،لأنّ بيننا و بين القلب حائلا، و لذلك لا نراه كما لا نرى المستور المحجوب،فلا ظاهر للقوم.

و المراد بذلك:أن يحول بين المرء و قلبه بالإماتة، فيخرج من أن يمكنه التّلافي بالتّوبة و النّدم،و رغّب تعالى بذلك في المبادرة إلى التّوبة و تلافي المعصية،و يؤكّد ذلك ما تقدّمه من قوله: اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ الأنفال:24،فأمر بالمبادرة إلى طاعة اللّه و رسوله قبل حلول الموت الّذي يفوّت ذلك.(1:321)

ص: 359

الماورديّ: فيه لأهل التّأويل سبعة أقاويل:[نقل الأقوال و أضاف:]

و السّابع:يحول بين المرء و ما يوقعه في قلبه من رعب و خوف أو قوّة و أمن،فيأمن المؤمن من خوفه،و يخاف الكافر عذابه.(2:309)

الطّوسيّ: قيل في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها:أن يفرّق بين المرء و قلبه بالموت أو الجنون و زوال العقل.فلا يمكنه استدراك ما فات.و المعنى بادروا بالتّوبة من المعاصي قبل هذه الحال.

الثّاني:أنّ معناه بادروا بالتّوبة،لأنّه أقرب إلى المرء من حبل الوريد،لا يخفى عليه خافية من سرّه و علانيته، و في ذلك غاية التّحذير.

و الثّالث:تبديل قلبه من حال إلى حال،لأنّه مقلّب القلوب من حال الأمن إلى حال الخوف،و من حال الخوف إلى حال الأمن على ما يشاء.

فأمّا من قال من المجبّرة:إنّ المراد يحول بين المرء و الإيمان بعد أمره إيّاه به،فباطل،لأنّه تعالى لا يجوز عليه أن يأمر أحدا بما يمنعه منه،و يحول بينه و بينه،لأنّ ذلك غاية السّفه،تعالى اللّه عن ذلك.و أيضا فلا أحد من الأمّة يقول:إنّ الإيمان مستحيل من الكافر،فإنّهم و إن قالوا:

إنّه لا يقدر على الإيمان،يقولون:يجوز منه الإيمان و يتوهّم منه ذلك،و من ارتكب ذلك فقد خرج من الإجماع.

و يحتمل أن يكون المراد أنّ أمر اللّه بالموت يحول بين المرء و قلبه،كما قال: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ البقرة:210،أي أمر اللّه.

و قال قوم:يجوز أن يكون معناه يحول بينه و بين قلبه،بأن يسلبه قلبه فيبقى حيّا بلا قلب.و هذا قريب من معنى زوال العقل،قالوا:يجوز أن يكون المراد:إنّه عالم بما ينظرون إليه،و ما يضمره العبد في نفسه من معصيته،فهو في المعنى كأنّه حائل بينه و بينه،لأنّ العبد لا يقدر على إضمار شيء في قلبه إلاّ و اللّه عالم به،و هذا وجه حسن.

و روي في التّفسير:أنّ اللّه يحول بين المؤمن و بين الكفر.و المعنى في ذلك أنّ اللّه يحول بينه و بين الكفر بالوعد و الوعيد،و الأمر و النّهي،و التّرغيب في الثّواب و العقاب.فأمّا ما روي عن سعيد بن جبير و غيره:من أنّ اللّه يحول بين الكافر و الإيمان،فقد بيّنّا أنّ ذلك لا يجوز على اللّه،و العقل مانع منه،و لو صحّ ذلك لكان الوجه فيه أنّ اللّه يحول بين الكافر و بين الإيمان في المستقبل بأن يميته،لأنّه لا يجب تبقيته حتّى يؤمن،-بل لو أبقاه لكان حسنا،و إن لم يبقه كان أيضا حسنا.(5:119)

القشيريّ: يصون القلوب عن تقليب أربابها، فيقلّبها كما يشاء هو،من بيان هداية و ضلال،و غيبة و وصال،و حجبة و قربة،و يقين و مرية،و أنس و وحشة.

و يقال:صان قلوب العبّاد عن الجنوح إلى الكسل، فجدّوا في معاملاتهم.و صان قلوب المريدين عن التّعريج في أوطان الفشل،فصدقوا في منازلاتهم.و صان قلوب العارفين-على حدّ الاستقامة-عن الميل فتحقّقوا بدوام مواصلاتهم.

و يقال:حال بينهم و بين قلوبهم،لئلاّ يكون لهم رجوع إلاّ إلى اللّه،فإذا سنح لهم أمر فليس لهم إلى الأغيار سبيل،و لا على قلوبهم تعويل.و كم بين من يرجع عند سوانحه إلى قلبه،و بين من لا يهتدي إلى شيء

ص: 360

إلاّ إلى ربّه!كما قيل:

لا يهتدى قلبي إلى غيركم

لأنّه سدّ عليه الطّريق

و يقال:العلماء:هم الّذين وجدوا قلوبهم،قال تعالى:

إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ق:37.

و العارفون:هم الّذين فقدوا قلوبهم.(2:310)

ابن عطيّة: يحتمل وجوها:

منها أنّه لمّا أمرهم بالاستجابة في الطّاعة حضّهم على المبادرة و الاستعجال،فقال: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ بالموت و القبض،أي فبادروا بالطّاعات،و يلتئم مع هذا التّأويل قوله: وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، أي فبادروا الطّاعات،و تزوّدوها ليوم الحشر.

و منها أن يقصد بقوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ إعلامهم أنّ قدرة اللّه و إحاطته و علمه والجة بين المرء و قلبه،حاصلة هناك،حائلة بينه و بين قلبه.فكأنّ هذا المعنى يحضّ على المراقبة و الخوف للّه المطّلع على الضّمائر.

و يحتمل أن يريد تخويفهم إن لم يمتثلوا الطّاعات، و يستجيبوا للّه و للرّسول بما حلّ بالكفّار الّذين أرادهم بقوله: وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ، لأنّ حتمه عليهم بأنّهم لو سمعوا و فهموا لم ينتفعوا،يقتضي أنّه قد كان حال بينهم و بين قلوبهم،فكأنّه قال للمؤمنين في هذه الأخرى:استجيبوا للّه و للرّسول،و لا تأمنوا إن تفعلوا أن ينزل بكم ما نزل بالكفّار من الحول بينهم و بين قلوبهم،فنبّه على ما جرى على الكفّار بأبلغ عبارة و أعلقها بالنّفس.

و منها أن يكون المعنى ترجية لهم بأنّ اللّه يبدّل الخوف الّذي في قلوبهم من كثرة العدوّ،فيجعله جرأة و قوّة،و بضدّ ذلك الكفّار،فإنّ اللّه هو مقلّب القلوب،كما كان قسم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.قال بعض النّاس:و منه:«لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه»أي لا حول على معصية،و لا قوّة على طاعة إلاّ باللّه.(2:514)

الزّمخشريّ: يعني أنّه يميته فتفوته الفرصة الّتي هو واجدها،و هي التّمكّن من إخلاص القلب و معالجة أدوائه و علله،و ردّه سليما كما يريده اللّه،فاغتنموا هذه الفرصة،و أخلصوا قلوبكم لطاعة اللّه و رسوله، وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فيثيبكم على حسب سلامة القلوب و إخلاص الطّاعة.

و قيل:معناه أنّ اللّه قد يملك على العبد قلبه فيفسخ عزائمه،و يغيّر نيّاته و مقاصده،و يبدّله بالخوف أمنا، و بالذّكر نسيانا،و بالنّسيان ذكرا،و ما أشبه ذلك ممّا هو جائز على اللّه تعالى،فأمّا ما يثاب عليه العبد،و يعاقب من أفعال القلوب فلا.

و المجبّرة على أنّه يحول بين المرء الإيمان إذا كفر، و بينه و بين الكفر إذا آمن-تعالى عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيرا-.

و قيل:معناه أنّه يطّلع على كلّ ما يخطره المرء بباله، لا يخفى عليه شيء من ضمائره فكأنّه بينه و بين قلبه.

(2:152)

نحوه الشّربينيّ.(1:524)

ابن الجوزيّ: فيه عشرة أقوال.[فذكر ستّا منها

ص: 361

و هي قول ابن عبّاس.و الضّحّاك و مجاهد و قتادة و السّدّيّ و ابن قتيبة،ثمّ قال:]

و السّابع:يحول بين المرء و بين ما يتمنّى بقلبه من طول العمر و النّصر و غيره.

و الثّامن:يحول بين المرء و قلبه بالموت،فبادروا الأعمال قبل وقوعه.

و التّاسع:يحول بين المرء و قلبه بعلمه،فلا يضمر العبد شيئا في نفسه إلاّ و اللّه عالم به،لا يقدر على تغييبه عنه.

و العاشر:يحول بين ما يوقعه في قلبه من خوف أو أمن،فيأمن بعد خوفه،و يخاف بعد أمنه.(3:339)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ يختلف تفسيره بحسب اختلاف النّاس في الجبر و القدر.امّا القائلون بالجبر،فقال الواحديّ حكاية عن ابن عبّاس و الضّحّاك:يحول بين المرء الكافر و طاعته،و يحول بين المرء المطيع و معصيته، فالسّعيد من أسعده اللّه،و الشّقيّ من أضلّه اللّه.و القلوب بيد اللّه يقلّبها كيف يشاء،فإذا أراد الكافر أن يؤمن و اللّه تعالى لا يريد إيمانه،يحول بينه و بين قلبه.و إذا أراد المؤمن أن يكفر و اللّه لا يريد كفره،حال بينه و بين قلبه.

قلت:و قد دلّلنا بالبراهين العقليّة على صحّة أنّ الأمر كذلك،و ذلك لأنّ الأحوال القلبيّة إمّا العقائد،و إمّا الإرادات و الدّواعي.أمّا العقائد:فهي إمّا العلم،و إمّا الجهل.

أمّا العلم،فيمتنع أن يقصد الفاعل إلى تحصيله إلاّ إذا علم كونه علما،و لا يعلم ذلك إلاّ إذا علم كون ذلك الاعتقاد مطابقا للمعلوم،و لا يعلم ذلك إلاّ إذا سبق علمه بالمعلوم،و ذلك يوجب توقّف الشّيء على نفسه.

و أمّا الجهل فالإنسان البتّة لا يختاره و لا يريده،إلاّ إذا ظنّ أنّ ذلك الاعتقاد علم،و لا يحصل له هذا الظّنّ إلاّ بسبق جهل آخر،و ذلك أيضا يوجب توقّف الشّيء على نفسه.

و أمّا الدّواعي و الإرادات فحصولها إن لم يكن بفاعل يلزم الحدوث لا عن محدث،و إن كان بفاعل فذلك الفاعل إمّا العبد،و إمّا اللّه تعالى،و الأوّل باطل،و إلاّ لزم توقّف ذلك القصد على قصد آخر و هو محال،فتعيّن أن يكون فاعل الاعتقادات و الإرادات و الدّواعي هو اللّه تعالى.فنصّ القرآن دلّ على أنّ أحوال القلوب من اللّه.

و الدّلائل العقليّة دلّت على ذلك،فثبت أنّ الحقّ ما ذكرناه.

أمّا القائلون بالقدر فقالوا:لا يجوز أن يكون المراد من هذه الآية ما ذكرتم،و بيانه من وجوه:

الوجه الأوّل:قال الجبّائيّ:إنّ من حال اللّه بينه و بين الإيمان فهو عاجز،و أمر العاجز سفه،و لو جاز ذلك لجاز أن يأمرنا اللّه بصعود السّماء.و قد أجمعوا على أنّ الزّمن لا يؤمر بالصّلاة قائما،فكيف يجوز ذلك على اللّه تعالى؟ و قد قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها البقرة:

286.و قال في المظاهر: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً المجادلة:4،فأسقط فرض الصّوم عمّن لا يستطيعه.

الوجه الثّاني:أنّ اللّه تعالى أمر بالاستجابة للّه و للرّسول.و ذكر هذا الكلام في معرض الذّكر و التّحذير

ص: 362

عن ترك الإجابة،و لو كان المراد ما ذكرتم،لكان ذلك عذرا قويّا في ترك الإجابة،و لا يكون زجرا عن ترك الإجابة.

الوجه الثّالث:أنّه تعالى أنزل القرآن ليكون حجّة للرّسول على الكفّار،لا ليكون حجّة للكفّار على الرّسول،و لو كان المعنى ما ذكرتم لصارت هذه الآية من أقوى الدّلائل للكفّار على الرّسول،و لقالوا:إنّه تعالى لمّا منعنا من الإيمان فكيف يأمرنا به؟

فثبت بهذه الوجوه:أنّه لا يمكن حمل الآية على ما قاله أهل الجبر،قالوا:و نحن نذكر في الآية وجوها:

الأوّل:أنّ اللّه تعالى يحول بين المرء و بين الانتفاع بقلبه بسبب الموت،يعني بذلك أن تبادروا في الاستجابة فيما ألزمتكم من الجهاد و غيره،قبل أن يأتيكم الموت الّذي لا بدّ منه،و يحول بينكم و بين الطّاعة و التّوبة.قال القاضي:و لذلك قال تعالى عقيبه ما يدلّ عليه،و هو قوله: وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. و المقصود من هذه الآية الحثّ على الطّاعة قبل نزول الموت الّذي يمنع منها.

الثّاني:أنّ المراد أنّه تعالى يحول بين المرء و بين ما يتمنّاه و يريده بقلبه،فإنّ الأجل يحول دون الأمل، فكأنّه قال:«بادروا إلى الأعمال الصّالحة،و لا تعتمدوا على ما يقع في قلوبكم من توقّع طول البقاء،فإنّ ذلك غير موثوق به».

و إنّما حسن إطلاق لفظ القلب على الأماني الحاصلة في القلب،لأنّ تسمية الشّيء باسم ظرفه جائزة،كقولهم:

سال الوادي.

الثّالث:أنّ المؤمنين كانوا خائفين من القتال يوم بدر، فكأنّه قيل لهم:سارعوا إلى الطّاعة،و لا تتمنّعوا عنها بسبب ما تجدون في قلوبكم من الضّعف و الجبن،فإنّ اللّه تعالى يغيّر تلك الأحوال،فيبدّل الضّعف بالقوّة،و الجبن بالشّجاعة،لأنّه تعالى مقلّب القلوب.

الرّابع:قال مجاهد:المراد من القلب هاهنا:العقل، فكان المعنى أنّه يحول بين المرء و قلبه،و المعنى فبادروا إلى الأعمال و أنتم تعقلون،فإنّكم لا تأمنون زوال العقول الّتي عند ارتفاعها يبطل التّكليف.

و جعل القلب كناية عن العقل جائز،كما قال تعالى:

إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ق:37،أي لمن كان له عقل.

الخامس:قال الحسن معناه:إن اللّه حائل بين المرء و قلبه،و المعنى أنّ قربه تعالى من عبده أشدّ من قرب قلب العبد منه،و المقصود منه التّنبيه على أنّه تعالى لا يخفى عليه شيء ممّا في باطن العبد و ممّا في ضميره.

و نظيره قوله تعالى: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.

فهذه جملة الوجوه المذكورة في هذا الباب لأصحاب الجبر و القدر.(15:147)

نحوه النّيسابوريّ.(9:141)

القرطبيّ: [نقل معنى قول ابن عبّاس و أضاف:] فبان بهذا النّصّ أنّه تعالى خالق لجميع اكتساب العباد خيرها و شرّها،و هذا معنى قوله عليه السّلام:«لا،و مقلّب القلوب».و كان فعل اللّه تعالى ذلك عدلا فيمن أضلّه و خذله؛إذ لم يمنعهم حقّا وجب عليه فتزول صفة العدل، و إنّما منعهم ما كان له أن يتفضّل به عليهم،لا ما وجب

ص: 363

لهم.[ثمّ ذكر بعض أقوال المتقدّمين فلاحظ](7:390)

البيضاويّ: تمثيل لغاية قربه من العبد،كقوله:

وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ق:16.و تنبيه على أنّه مطّلع على مكنونات القلوب،ما عسى يغفل عنه صاحبها،أو حثّ على المبادرة إلى إخلاص القلوب و تصفيتها،قبل أن يحول اللّه بينه و بين قلبه بالموت أو غيره.أو تصوير و تخييل لتملّكه على العبد قلبه،فيفسخ عزائمه،و يغيّر مقاصده،و يحول بينه و بين الكفر إن أراد سعادته،و بينه و بين الإيمان إن قضى شقاوته.

(1:390)

نحوه النّسفيّ(2:100)،و أبو السّعود(3:90)، و البروسويّ(3:331).

أبو حيّان :المعنى:أنّه تعالى هو المتصرّف في جميع الأشياء،و القادر على الحيلولة بين الإنسان و بين ما يشتهيه قلبه،فهو الّذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعا؛إذ بيده تعالى ملكوت كلّ شيء و زمامه.

و في ذلك حضّ على المراقبة،و الخوف من اللّه تعالى، و البدار إلى الاستجابة له.[ثمّ نقل الأقوال،و منها قول الزّمخشريّ و قال:]

و جعل هذا المسكين صدر هذه الأمّة ظالمين؛إذ قائل ذلك هو ابن عبّاس ترجمان القرآن،و من ذكر معه من سادات التّابعين...(4:481)

الكاشانيّ: يملك تقلّب القلوب من حال إلى حال.(2:289)

شبّر: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ بينه و بين الانتفاع بقلبه بالموت،أو أنّه أقرب إليه من قلبه،فإنّ الحائل عن شيء أقرب منه،أو أنّه يملك تقليب القلوب من حال إلى حال.(3:16)

الشّوكانيّ: قيل:معناه:بادروا إلى الاستجابة قبل أن لا تتمكّنوا منها بزوال القلوب الّتي تعقلون بها بالموت الّذي كتبه اللّه عليكم.[ثمّ نقل الأقوال و قال:]

و لا يخفاك أنّه لا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني.(2:376)

الآلوسيّ: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ عطف على(استجيبوا).و أصل الحول كما قال الرّاغب تغيّر الشّيء و انفصاله عن غيره،و باعتبار التّغيّر قيل:حال الشّيء يحول،و باعتبار الانفصال قيل:حال بينهما كذا،و هذا غير متصوّر في حقّ اللّه تعالى،فهو مجاز عن غاية القرب من العبد،لأنّ من فصل بين شيئين كان أقرب إلى كلّ منهما من الآخر،لاتّصاله بهما و انفصال أحدهما عن الآخر.

و ظاهر كلام كثير:أنّ الكلام من باب الاستعارة التّمثيليّة،و يجوز أن يكون هناك استعارة تبعيّة،فمعنى (يحول):يقرب.و لا بعد في أن يكون من باب المجاز المرسل المركّب،لاستعماله في لازم معناه و هو القرب،بل ادّعي أنّه الأنسب،و إرادة هذا المعنى هو المرويّ عن الحسن،و قتادة.فالآية نظير قوله سبحانه: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.

و فيها تنبيه على أنّه تعالى مطّلع من مكنونات القلوب على ما قد يغفل عنه أصحابها،و جوّز أن يكون المراد من ذلك،الحثّ على المبادرة إلى إخلاص القلوب و تصفيتها،فمعنى يحول بينه و بين قلبه:يميته فيفوّته

ص: 364

الفرصة الّتي هو واجدها،و هي التّمكّن من إخلاص القلب و معالجة أدوائه و علله،و ردّه سليما كما يريده اللّه تعالى،فكأنّه سبحانه بعد أن أمرهم بإجابة الرّسول عليه الصّلاة و السّلام،أشار لهم إلى اغتنام الفرصة من إخلاص القلوب للطّاعة.و شبّه الموت بالحيلولة بين المرء و قلبه الّذي به يعقل في عدم التّمكّن من علم ما ينفعه علمه، و إلى هذا ذهب الجبّائيّ.

و قال غير واحد:إنّه استعارة تمثيليّة لتمكّنه تعالى من قلوب العباد،فيصرفها كيف يشاء بما لا يقدر عليه صاحبها،فيفسخ عزائمه،و يغيّر مقاصده،و يلهمه رشده، و يزيغ عن الصّراط السّويّ قلبه،و يبدله بالأمن خوفا، و بالذّكر نسيانا.و ذلك كمن حال بين شخص و متاعه، فإنّه القادر على التّصرّف فيه دونه.

و هذا كما في حديث شهر بن حوشب عن أمّ سلمة، و قد سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن إكثاره الدّعاء ب«يا مقلّب القلوب،ثبّت قلبي على دينك»فقال لها:«يا أمّ سلمة إنّه ليس آدميّ إلاّ و قلبه بين إصبعين من أصابع اللّه تعالى، فمن شاء أقام و من شاء أزاغ».

و يؤيّد هذا التّفسير ما أخرجه ابن مردويه عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،قال:سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن هذه الآية،فقال عليه الصّلاة و السّلام:«يحول بين المؤمن و الكفر،و يحول بين الكافر و الهدى».

و لعلّ ذلك منه عليه الصّلاة و السّلام اقتصار على الأمرين اللّذين هما أعظم مدار للسّعادة و الشّقاوة، و إلاّ،فهذا من فروع التّمكّن الّذي أشرنا إليه،و لا يختصّ أمره بما ذكر،و قد حال سبحانه بين العدليّة و بين اعتقاد هذا،فعدلوا عن سواء السّبيل.

و بيّن بعض الأفاضل ربط الآيات على ذلك،بأنّه تعالى لمّا نصّ بقوله عزّ من قائل: لَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ إلخ،على أنّ الإسماع لا ينفع فيهم تسجيلا على أولئك الصمّ البكم،منّ على المؤمنين بما منحهم من الإيمان،و يسّر لهم من الطّاعة،كأنّه قيل:إنّكم لستم مثل أولئك المطبوعين على قلوبهم،فإنّهم إنّما امتنعوا عن الطّاعة،لأنّهم ما خلقوا إلاّ للكفر،فما تيسّر لهم الاستجابة،و كلّ ميسّر لما خلق له،فأنتم لمّا منحتم الإيمان و وفّقتم للطّاعة فاستجيبوا للّه و للرّسول إذا دعاكم،لما فيه حياتكم من مجاهدة الكفّار،و طلب الحياة الأبديّة،و اغتنموا تلك الفرصة،و اعلموا أنّ اللّه تعالى قد يحول بين المرء و قلبه،بأن يحول بينه و بين الإيمان،و بينه و بين الطّاعة،ثمّ يجازيه في الآخرة بالنّار.

و تلخيصه أوليتكم النّعمة فاشكروها و لا تكفروها، لئلاّ أزيلها عنكم انتهى.

و لا يخفى ما فيه من التّكلّف.

و قيل:إنّ القوم لمّا دعوا إلى القتال و الجهاد،و كانوا في غاية الضّعف و القلّة،خافت قلوبهم و ضاقت صدورهم،فقيل لهم:قاتلوا في سبيل اللّه تعالى إذا دعيتم.

و اعلموا أنّ اللّه يحول بين المرء و قلبه،فيبدّل الأمن خوفا، و الجبن جرأة.

و قرئ (بين المرّ) بتشديد الرّاء على حذف الهمزة، و نقل حركتها إليها،و إجراء الوصل مجرى الوقف.

(9:191)

رشيد رضا :هذا تنبيه لأمرين عظيمين،أمرنا اللّه

ص: 365

أن نعلمهما علما يقينا إذعانيّا،لما لهما من الشّأن في مقام الوصيّة،بالاستجابة لدعوة الحياة الإنسانيّة العليا الّتي فيها سعادة الدّنيا و الآخرة.

الأوّل:أنّ من سنّة اللّه في البشر الحيلولة بين المرء و بين قلبه،الّذي هو مركز الوجدان و الإدراك،ذي السّلطان على إرادته و عمله،و هذا أخوف ما يخافه المتّقيّ على نفسه،إذا غفل عنها و فرّط في جنب ربّه،كما أنّه أرجى ما يرجوه المسرف عليها،إذا لم ييأس من روح اللّه فيها.فهذه الجملة أعجب جمل القرآن،و لعلّها أبلغها في التّعبير،و أجمعها لحقائق علم النّفس البشريّة،و علم الصّفات الرّبّانيّة،و علم التّربية الدّينيّة،الّتي تعرف دقائقها بما تثمره من الخوف و الرّجاء،فبينا زيد يسير على سبيل الهدى،و يتّقي بنيّات طرق الضّلالة الموصلة إلى مهاوي الرّدى،إذا بقلبه قد تقلّب بعصوف هوى جديد،يميل به عن الصّراط المستقيم،من شبهة تزعزع الاعتقاد،أو شهوة يغلّب بها الغيّ على الرّشاد،فيطيع هواه،و يتّخذه إلهه من دون اللّه: أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَ فَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً الفرقان:43،على أنّه فيه مختار،فلا جبر و لا اضطرار.

و يقابل هذا من الحيلولة ما حكى بعضهم عن نفسه، أنّه كان منهمكا في شهواته و لهوه،تاركا لهداه و طاعة ربّه،فنزل يوما في زورق مع خلاّن له في نهر دجلة للتّنزّه،و معهم النّبيذ و المعازف،فبيناهم يعزفون و يشربون،إذ التقوا بزورق آخر فيه تال للقرآن،يرتّل سورة: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ الشّمس:1،فوقعت تلاوته من نفسه موقع التأثير و العظة،فاستمع له و أنصت،حتّى إذا بلغ قوله تعالى: وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ التّكوير:10،امتلأ قلبه خشية من اللّه،و تدبّرا لاطّلاعه على صحيفة عمله يوم يلقاه،فأخذ العود من العازف فكسره،و ألقاه في دجلة،و ثنّى بنبذ قنانيّ (1)النّبيذ و كئوسه فيها،و صار يردّد الآية،و عاد إلى منزله تائبا من كلّ معصية،مجتهدا في كلّ ما يستطيع من طاعة.

فتذكير اللّه تعالى إيّانا بهذا الشّأن من شئون الإنسان،و هذه السّنّة القلبيّة من سنن اللّه تعالى في الإرادات و الأعمال،و أمره إيّانا بأن نعلمها علم إيقان و إذعان،يفيدنا فائدتين لا يكمل بدونهما الإيمان،و هما:

أن لا يأمن الطّائع المشمّر من مكر اللّه فيغترّ بطاعته، و يعجب بنفسه،و أن لا ييأس العاصي و المقصّر في الطّاعة من روح اللّه،فيسترسل في اتّباع هواه،حتّى تحيط به خطاياه.

و من لم يأمن عقاب اللّه،و لم ييأس من رحمة اللّه، يكون جديرا بأن يراقب قلبه،و يحاسب نفسه على خواطره،و يعاقب نفسه على هفواته،لتظلّ على صراط العدل المستقيم،متجنّبة الإفراط و التّفريط،و يتحرّى أن يكون دائما بين خوف يحجزه عن المعاصي،و رجاء يحمله على الطّاعات،و يساعدنا على ذلك.

الأمر الثّاني:و هو تذكر حشرنا إليه عزّ و جلّ، و محاسبته إيّانا على أعمالنا القلبيّة و البدنيّة،و مجازاته إيّانا عليها إمّا بالعذاب الأليم،و إمّا بالنّعيم المقيم،و هذا منه مقتضى الفضل،و ذلك أثر العدل.ط.

ص: 366


1- هذا جمع القنّينة،و هي وعاء من زجاج يجعل فيه الشّراب و الحجم الوسيط.

و ممّا يؤيّد ما فهمناه في هذا المقام مقام حرمان الرّاسخين في الكفر من سماع الفقه و الهدى،و الحيلولة بين المرء و قلبه أن يعصي الهوى، أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ الجاثية:23،فهي صريحة في أنّ من هذا حاله ليس مجبورا عليه،و أنّ اللّه لم يحرمه الهدى بإعجازه عنه-و هو يؤثّره و يفضّله-أو بإكراهه على اتّباع الهوى-و هو كاره له-فإنّه أسند إليه اتّخاذ هواه إلهه،و قد قال تعالى لنبيّه داود عليه السّلام: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ص:26.

فهذا نصّ في أنّ اتّباع الهوى سبب للضّلال عن سبيل اللّه،فقوله في آية الجاثية: وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ ليس معناه أنّه تعالى خلق فيه الضّلال استقلالا كما يدّعي بعض المتكلّمين،بل هو داخل في سنّته تعالى في الأسباب و المسبّبات.

و يؤيّده إثبات كون ضلاله على علم،و هو أنّه متعمّد لاتّباع الهوى،مؤثّرا له على الهدى،و اللّه تعالى يسند الأمور إلى أسبابها تارة،و إليه تعالى تارة من حيث إنّه خالق كلّ شيء،و واضع سنن الأسباب و المسبّبات.

و من الأسباب ما جعله من أفعال المخلوقات الاختياريّة على علم،و ما جعله بأسباب لا يعلم للخلق اختيار فيها و لا علم و كلّ من القسمين يسند إلى سببه تارة،و إلى ربّ الأسباب تارة،و الجهة مختلفة معروفة، و يختار هذا أو ذاك في البيان بحسب سياق الكلام،كقوله تعالى في الحرث: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ* أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ الواقعة:64،فهل يقول عاقل:إنّ الفلاح لا فعل له و لا اختيار في زرعه،و أنّ اللّه يخلقه له بدون إرادته و لا فعله،أو أنّ فعله و تركه في أرضه سواء، و تلقيحه لنخله و عدمه سيّان؟

و جملة القول:أنّ من سننه تعالى في البشر،أنّ من يتّبع هواه في أعماله،و يستمرّ على ذلك و يدمنه الزّمن الطّويل،تضعف إرادته في هواه،حتّى تذوب و تفنى فيه، فلا تعود تؤثّر فيه المواعظ القوليّة،و لا العبر المبصرة و لا المعقولة،و هذه الحالة يعبّر عنها بالختم و الرّين و الطّبع على القلب،و بالصّمم و العمى و البكم،كما تقدّم آنفا، و سبق مثله في تفسير سورة البقرة و غيرها.

و أمثال هذه الأمثال المضروبة لهذه الحالة قد ضلّ بها الجبريّة،غافلين عن كونها عاقبة طبيعيّة لإدمان تلك الأعمال الاختياريّة،كالخمار الّذي يعتري مدمن الخمر، فيشعر بفتور و ألم عصبيّ لا يسكن إلاّ بالعودة إلى الشّرب،على أنّ هذه الآية علّمتنا عدم اليأس.

و من تفسير القرآن بالقرآن في تقليب القلوب، و الحيلولة بينها و بين إرادة الإنسان المتصرّفة في قدرته و مشاعره،قوله تعالى: وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ.وَ نَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ الأنعام:110،فيراجع معناها في آخر تفسير الجزء السّابع.و قال الرّاغب:تقليب اللّه القلوب:صرفها من رأي إلى رأي.و ذكر آية الأنعام هذه.

و من تفسير الآية المأثور في السّنّة ما رواه ابن مردويه في تفسيرها عن ابن عبّاس.مرفوعا:«يحول بين

ص: 367

المؤمن و بين الكفر،و بين الكافر و بين الهدى»،و سنده ضعيف،كما قال الحافظ في«الفتح»،و له و لغيره آثار في هذا المعنى.و روى البخاريّ و أصحاب السّنن إلاّ أبا داود من حديث عبد اللّه بن عمر،قال:كانت يمين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«لا و مقلّب القلوب»،و في رواية له عنه:أكبر،ما كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يحلف«لا و مقلّب القلوب»،و في معناه أحاديث أخرى عند ابن ماجة و غيره.و للمفسّرين و شرّاح الأحاديث أغلاط لفظيّة و معنويّة في تفسير لفظ القلب، و في تقليب اللّه تعالى له.و قد تقدّم تفسيره اللّفظيّ من قبل،و معنى تقليبه آنفا،و قولهم:إنّ اللّه خالق القلوب و مقلّبها حقّ.و كذا أفعال العباد كلّها،و ليس بحقّ ما عبّر به بعضهم عن ذلك:بأنّ اللّه تعالى يمنع الكافر بمحض قدرته عن الإيمان،و غيره من أفعال الخير مباشرة، و يخلق في قلبه و لسانه الكفر اعتقادا و نطقا خلقا أنفا، لا فعل له فيه.

فالجمع بين الآيات الّتي أوردناها و ما في معناها يبطله و يثبت الأسباب الاختياريّة،و القائلون بما ذكر يثبتون قول القدريّة،و يحتجّون به على قول الجبريّة،فهم يؤيّدون الفاسد بالفاسد و لا يشعرون،و يمدّهم إخوانهم الصّوفيّة في الغيّ ثمّ لا يقصرون.(9:634)

نحوه المراغيّ.(9:187)

ابن عاشور :و الحول،و يقال:الحول:منع شيء اتّصالا بين شيئين أو أشياء،قال تعالى: وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ هود:43.

و إسناد الحول إلى اللّه مجاز عقليّ،لأنّ اللّه منزّه عن المكان،و المعنى يحول شأن من شئون صفاته،و هو تعلّق صفة العلم بالاطّلاع على ما يضمره المرء،أو تعلّق صفة القدرة بتنفيذ ما عزم عليه المرء،أو بصرفه عن فعله، و ليس المراد بالقلب هنا البضعة الصّنوبريّة المستقرّة في باطن الصّدر،و هي الآلة الّتي تدفع الدّم إلى عروق الجسم،بل المراد عقل المرء و عزمه،و هو إطلاق شائع في العربيّة.

فلمّا كان مضمون هذه الجملة تكملة لمضمون الجملة الّتي قبلها،يجوز أن يكون المعنى:و اعلموا أنّ علم اللّه يخلص بين المرء و عقله،خلوص الحائل بين شيئين،فإنّه يكون شديد الاتّصال بكليهما.

و المراد ب(المرء)عمله و تصرّفاته الجسمانيّة:

فالمعنى:أنّ اللّه يعلم عزم المرء و نيّته قبل أن تنفعل بعزمه جوارحه،فشبّه علم اللّه بذلك بالحائل بين شيئين، في كونه أشدّ اتّصالا بالمحول عنه من أقرب الأشياء إليه، على نحو قوله تعالى: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ق:16.

و جيء بصيغة المضارع(يحول)للدّلالة على أنّ ذلك يتجدّد و يستمرّ،[ثمّ ذكر قول قتادة و قال:]و المقصود من هذا تحذير المؤمنين من كلّ خاطر يخطر في النّفوس،من التّراخي في الاستجابة إلى دعوة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و التّنصّل منها،أو التّستّر في مخالفته،و هو معنى قوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ البقرة:235،[ثمّ ذكر كلام الزّمخشريّ و ابن عطيّة و قال:]

و هنالك أقوال أخرى للمفسّرين يحتملها اللّفظ،و لا يساعد عليها ارتباط الكلام،و الّذي حملنا على تفسير الآية بهذا دون ما عداه،أن ليس في جملة أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ إلاّ تعلّق شأن من شئون اللّه بالمرء و قلبه،أي جثمانه و عقله دون شيء آخر خارج عنهما، مثل دعوة الإيمان و دعوة الكفر،و أنّ كلمة(بين)تقتضي شيئين،فما يكون تحول إلاّ إلى أحدهما لا إلى أمر آخر خارج عنهما كالطّبائع،فإنّ ذلك تحويل و ليس حئولا.(9:69)

ص: 368

و هنالك أقوال أخرى للمفسّرين يحتملها اللّفظ،و لا يساعد عليها ارتباط الكلام،و الّذي حملنا على تفسير الآية بهذا دون ما عداه،أن ليس في جملة أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ إلاّ تعلّق شأن من شئون اللّه بالمرء و قلبه،أي جثمانه و عقله دون شيء آخر خارج عنهما، مثل دعوة الإيمان و دعوة الكفر،و أنّ كلمة(بين)تقتضي شيئين،فما يكون تحول إلاّ إلى أحدهما لا إلى أمر آخر خارج عنهما كالطّبائع،فإنّ ذلك تحويل و ليس حئولا.(9:69)

مغنيّة:القلب محلّ الإيمان و الكفر،و الإخلاص و النّفاق.[إلى أن قال:]و بهذا يتّضح أنّ المراد بالمرء الّذي يحول اللّه بينه و بين قلبه هو الّذي أعماه الهوى و الضّلال، و عليه تكون هذه الآية بمعنى الآية: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7،أي أنّهم لا ينتفعون بقلوبهم بسبب ما ران عليها من الضّلال،حتّى كأنّ اللّه قد ختم عليها أو حال بين أصحابها و بينها...و على هذا تكون نسبة الختم و المنع إليه تعالى مجازا،لا حقيقة.

و ذهب جماعة من المفسّرين إلى أنّ معنى قوله تعالى: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ أنّ القلب في قبضة اللّه يقلّبه كيف يشاء،فيفسخ عزائمه و يبدله بالذّكر نسيانا، و بالنّسيان ذكرا،و بالخوف أمنا،و بالأمن خوفا...و كلّ من التّفسيرين محتمل.(3:466)

الطّباطبائيّ: الحيلولة هي التّخلّل وسطا.[إلى أن قال:]

فاللّه سبحانه هو الحائل المتوسّط بين الإنسان و بين قلبه،و كلّ ما يملكه الإنسان و يرتبط و يتّصل هو به نوعا من الارتباط و الاتّصال،و هو أقرب إليه من كلّ شيء، كما قال تعالى: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ق:

16.

و إلى هذه الحقيقة يشير قوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فهو تعالى لكونه مالكا لكلّ شيء،و من جملتها الإنسان ملكا حقيقيّا لا مالك حقيقة سواه،أقرب إليه حتّى من نفسه، و قوى نفسه الّتي يملكها،لأنّه سبحانه هو الّذي يملّكه إيّاها،فهو حائل متوسط بينه و بينها،يملّكه إيّاها و يربطها به،فافهم ذلك.

و لذلك عقّب الجملة بقوله: وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فإنّ الحشر و البعث هو الّذي ينجلي عنده أنّ الملك الحقّ للّه وحده لا شريك له،و يبطل عند ذلك كلّ ملك صوريّ و سلطنة ظاهريّة إلاّ ملكه الحقّ جلّ ثناؤه،كما قال سبحانه: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ المؤمن:

16،و قال: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ الانفطار:19.

فكأنّ الآية تقول:و اعلموا أنّ اللّه هو المالك بالحقيقة لكم و لقلوبكم،و هو أقرب إليكم من كلّ شيء،و أنّه ستحشرون إليه،فيظهر حقيقة ملكه لكم و سلطانه عليكم يومئذ،فلا يغني عنكم منه شيء.

و أمّا اتّصال الكلام،أعني ارتباط قوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ إلخ بقوله: اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ فلأنّ حيلولته سبحانه بين المرء و قلبه،يقطع منبت كلّ عذر في عدم استجابته للّه و الرّسول،إذا دعاه لما يحييه،و هو التّوحيد الّذي هو حقيقة الدّعوة الحقّة،فإنّ اللّه سبحانه لمّا كان أقرب إليه من كلّ شيء حتّى من قلبه الّذي يعرفه بوجدانه قبل كلّ شيء،فهو تعالى وحده لا شريك له أعرف إليه من قلبه

ص: 369

الّذي هو وسيلة إدراكه،و سبب أصل معرفته و علمه.

فهو يعرف اللّه إلها واحدا لا شريك له قبل معرفته قلبه،و كلّ ما يعرفه بقلبه،فمهما شكّ في شيء،أو ارتاب في أمر،فلن يشكّ في إلهه الواحد الّذي هو ربّ كلّ شيء، و لن يضلّ في تشخيص هذه الكلمة الحقّة.

فإذا دعاه داعي الحقّ إلى كلمة الحقّ و دين التّوحيد الّذي يحييه لو استجاب له،كان عليه أن يستجيب داعي اللّه،فإنّه لا عذر له في ترك الاستجابة معلّلا بأنّه لم يعرف حقّيّة ما دعي إليه،أو اختلط عليه،أو أعيته المذاهب في الإقبال على الحقّ الصّريح،فإنّ اللّه سبحانه هو الحقّ الصّريح الّذي لا يحجبه حاجب،و لا يستره ساتر؛إذ كلّ حجاب مفروض،فاللّه سبحانه أقرب منه إلى الإنسان، و كلّ ما يختلج في القلب من شبهة أو وسوسة،فاللّه سبحانه متوسّط متخلّل بينه-مع ما له من ظرف و هو القلب-و بين الإنسان،فلا سبيل للإنسان إلى الجهل باللّه و الشّكّ في توحّده.

و أيضا فإن اللّه سبحانه لمّا كان حائلا بين المرء و قلبه، فهو أقرب إلى قلبه منه،كما أنّه أقرب إليه من قلبه،فإنّ الحائل المتوسّط أقرب إلى كلّ من الطّرفين من الطّرف الآخر،و إذا كان تعالى أقرب إلى قلب الإنسان منه،فهو أعلم بما في قلبه منه.

فعلى الإنسان إذا دعاه داعي الحقّ إلى ما يحييه من الحقّ،أن يستجيب لدعوته بقلبه كما يستجيبه بلسانه، و لا يضمر في قلبه ما لا يوافق ما لبّاه بلسانه و هو النّفاق فإن اللّه أعلم بما في قلبه منه و سيحشر إليه فينبّئه بحقيقة عمله و يخبره بما طواه في قلبه قال تعالى: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ المؤمن:16،و قال:

وَ لا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً النّساء:42.

و أيضا فإنّ اللّه سبحانه لمّا كان هو الحائل بين الإنسان و قلبه،و هو المالك للقلب بحقيقة معنى الملك، كان هو المتصرّف في القلب قبل الإنسان،و له أن يتصرّف فيه بما شاء،فما يجده الإنسان في قلبه من إيمان أو شكّ،أو خوف أو رجاء،أو طمأنينة أو قلق و اضطراب أو غير ذلك،ممّا ينسب إليه باختيار أو اضطرار،فله انتساب إليه تعالى بتصرّفه فيما هو أقرب إليه من كلّ شيء تصرّفا بالتّوفيق أو الخذلان،أو أيّ نوع من أنواع التّربية الإلهيّة،يتصرّف بما شاء و يحكم بما أراد،من غير أن يمنعه مانع،أو يهدّده ذمّ أو لوم،كما قال تعالى: وَ اللّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ الرّعد:41،و قال تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ التّغابن:1.

فمن الجهل أن يثق الإنسان بما يجد في قلبه من الإيمان بالحقّ أو التّلبّس بنيّة حسنة،أو عزيمة على خير،أو همّ بصلاح و تقوى،بمعنى أن يرى استقلاله بملك قلبه و قدرته المطلقة على ما يهمّ به،فإنّ القلب بين أصابع الرّحمن يقلّبه كيف يشاء،و هو المالك له بحقيقة معنى الملك،و المحيط به بتمام معنى الكلمة،قال تعالى: وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ الأنعام:

110،فمن الواجب عليه أن يؤمن بالحقّ،و يعزم على الخير على مخافة من اللّه تعالى أن يقلّبه من السّعادة إلى الشّقاء،و يحوّل قلبه من حال الاستقامة إلى حال الانتكاس و الانحراف.و لا يأمن مكر اللّه،فلا يأمن مكر اللّه إلاّ القوم الخاسرون.

ص: 370

و كذلك الانسان إذا وجد قلبه غير مقبل على كلمة الحقّ و العزم على الخير و صالح العمل،عليه أن يبادر إلى استجابة اللّه و رسوله فيما يدعوه إلى ما يحييه،و لا ينهزم عمّا يهجم عليه من أسباب اليأس و عوامل القنوط من ناحية قلبه،فإنّ اللّه سبحانه يحول بين المرء و قلبه،و هو القادر على أن يصلح سرّه،و يحوّل قلبه إلى أحسن حال، و يشمله بروح منه و رحمة،فإنّما الأمر إليه،و قد قال:

إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ يوسف:87،و قال: وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضّالُّونَ الحجر:56.

فالآية الكريمة-كما ترى-من أجمع الآيات القرآنيّة تشتمل على معرفة حقيقيّة من المعارف الإلهيّة-مسألة الحيلولة-و هي تقطع عذر المتجاهلين في معرفة اللّه سبحانه من الكفّار و المشركين،و تقلع غرّة النّفاق من أصلها بتوجيه نفوس المنافقين إلى مقام ربّهم،و أنّه أعلم بما في قلوبهم منهم،و يلقي إلى المسلمين و الّذين هم في طريق الإيمان باللّه و آياته مسألة نفسيّة،تعلّمهم أنّهم غير مستقلّين في ملك قلوبهم،و لا منقطعون في ذلك من ربّهم،فيزول بذلك رذيلة الكبر عمّن يرى لنفسه استقلالا و سلطنة فيما يملكه،فلا يغرّه ما يشاهده من تقوى القلب و إيمان السّرّ،و رذيلة اليأس و القنوط عمّن يحيط بقلبه دواهي الهوى و دواعي أعراض الدّنيا، فيتثاقل عن الإيمان بالحقّ،و الإقبال على الخير،و يورثه ذلك اليأس و القنوط.

و ممّا تقدّم يظهر أنّ قوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ إلخ،تعليل لقوله تعالى: اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ على جميع التّقادير من وجوه معناه.

و بذلك يظهر أيضا أنّ الآية أوسع معنى ممّا أورده المفسّرون من تفسيرها:كقول من قال:إنّ المراد أنّ اللّه سبحانه أقرب إلى المرء من قلبه،نظير قوله:و نحن أقرب إليكم من حبل الوريد و فيه تحذير شديد.

و قول من قال:إنّ المراد أنّ القلب لا يستطيع أن يكتم اللّه حديثا،فإنّ اللّه أقرب إلى قلب الإنسان من نفسه،فما يعلمه الإنسان من قلبه يعلمه اللّه قبله.

و قول من قال:إنّ المراد أنّه يحول بين المرء و بين الانتفاع بقلبه بالموت،فلا يمكنه استدراك ما فات، فبادروا إلى الطّاعات قبل الحيلولة و دعوا التّسويف، و فيه حثّ على الطّاعة قبل حلول المانع.

و قول من قال:معناه أنّ اللّه سبحانه يملك تقليب القلوب من حال إلى حال،فكأنّهم خافوا من القتال، فأعلمهم اللّه سبحانه أنّه يبدّل خوفهم أمنا،بأن يحول بينهم و بين ما يتفكّرون فيه من أسباب الخوف.

و قد ورد في الحديث عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،أنّ المراد بذلك أنّ اللّه سبحانه يحول بين الإنسان و بين أن يعلم أنّ الحقّ باطل،أو أنّ الباطل حقّ...(9:46)

حسنين مخلوف:أي يحول بين المرء و خواطر قلبه،فيمنعه من حصول ما لم يرده منه،فلا يقدر الإنسان أن يدرك شيئا من إيمان أو كفر،أو أن يعي شيئا إلاّ بمشيئته تعالى،من الحول بين الشّيء و الشّيء،بمعنى الحجز و الفصل بينهما.و هو مجاز عن غاية قربه تعالى من العبد.(1:298)

ص: 371

عبد الكريم الخطيب:إشارة إلى ما للّه سبحانه و تعالى من قدرة و علم،و أنّه بقدرته قادر على كلّ شيء، و بعلمه محيط بكلّ شيء.

فالإنسان لا يملك من أمر نفسه شيئا مع ما للّه عليه من سلطان،حتّى إنّ قلبه الّذي هو بين جنبيه،و الّذي هو الجهاز الممسك بزمام الحياة فيه،واقع تحت سلطان اللّه، يصرفه كيف يشاء،و يحوّله إلى حيث يريد،و إذا الإنسان في واد،و قلبه في واد آخر...

و إذ كان ذلك كذلك،فإنّ من السّفه أن يتحدّى الإنسان أمر اللّه،و لا يستجيب له إذا دعاه إليه،و لا يطيع رسول اللّه إذا بلغه رسالة ربّه،فإنّه بهذا يهلك نفسه؛إذ يحول بينهما و بين الخير الّذي يدعوها اللّه و رسوله إليه، و يقطع عنها شريان الحياة،كما يقطع اللّه سبحانه و تعالى عنه أسباب الحياة،حين يمسك قلبه فلا يخفق أبدا.

(5:589)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ المقصود بالقلب هنا-كما ذكرنا سابقا-الرّوح و العقل،أمّا عن كيف يحول اللّه بين المرء و قلبه فقد ذكروا لذلك احتمالات مختلفة.

فتارة قيل:إنّه إشارة لشدّة قرب اللّه من عباده، فكأنّ اللّه في داخل روح العبد و جسمه،و كما يقول القرآن الكريم: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ق:

16.

و قيل:إشارة إلى أنّ تقلّب القلوب و الأفكار هي بيد اللّه،كما نقرأ في الدّعاء:«يا مقلّب القلوب و الأبصار».

و قيل:إنّ المقصود هو أنّه إذا لم يكن اللّطف الإلهيّ، فلن يقدر الإنسان على معرفة أحقّيّة الحقّ و بطلان الباطل.

و قيل أيضا:إنّ المقصود هو أنّه ما دام للنّاس فرصة، فينبغي عليهم أداء الطّاعات و أعمال الخير،لأنّ اللّه قد يحول بواسطة الموت بين المرء و قلبه.

و يمكن بنظرة شاملة جمع كلّ التّفاسير في تفسير واحد،هو أنّ اللّه عزّ و جلّ حاضر و ناظر و مهيمن على كلّ المخلوقات.فإنّ الموت و الحياة و العلم و القدرة و الأمن و السّكينة و التّوفيق و السّعادة،كلّها بيديه و تحت قدرته، فلا يمكن للإنسان كتمان أمر ما عنه،أو أن يعمل أمرا بدون توفيقه،و ليس من اللاّئق التّوجّه لغيره و سؤال من سواه.

لأنّه مالك كلّ شيء،و المحيط بجميع وجود الإنسان.

و ارتباط هذه الجمل مع سابقتها من وجهة أنّه لو دعا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله النّاس إلى الحياة،فذلك لأنّ الّذي أرسله هو مالك الحياة و الموت و العقل و الهداية و مالك كلّ شيء.

و للتّأكيد على هذا الموضوع فإنّ الآية تقول ما معناه:

إنّكم لستم اليوم في حدود قدرته فحسب،بل ستذهبون إليه في العالم الآخر،فهنا و هناك كلّ النّاس بين يديه.(5:

362)

فضل اللّه :ربّما كان ذلك كناية عن الهيمنة الإلهيّة على الإنسان،فله السّلطة عليه بما لا يملكه من نفسه،فهو قادر على أن يغيّر له فكره في أيّ جانب من الجوانب، و يحول بينه و بينه،و هذا من أوضح مظاهر السّلطة و القدرة،لأنّ أعلى مظاهر القدرة هي السّيطرة على الدّاخل الّذي يختصّ أمره بالإنسان نفسه،لأنّ النّاس- عادة-لا يملكون الضّغط إلاّ على الجانب الخارجيّ من الإنسان،و هو الجسد.أمّا الفكر،فلا يملك النّاس الضّغط

ص: 372

عليه إلاّ من خلال الوسائل العاديّة الّتي لا تخرج الإنسان عن اختياره،فإذا كان اللّه يملك عليه ذلك،فمعناه أنّه أقرب إليه من ذاته،و أنّه يعرف منه ما لا يعرفه-هو-من نفسه،فلا بدّ له من أن يراقبه و يخافه و يراعيه في كلّ أموره...(10:357)

حيل

وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ... سبأ:54

ابن عبّاس: فرّق بينهم وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ من الرّجوع إلى الدّنيا.(363)

مجاهد :من الرّجوع إلى الدّنيا ليتوبوا.

من مال أو ولد أو زهرة.(الطّبريّ 22:112)

حيل بينهم و بين الدّنيا.(الماورديّ 4:460)

و حيل بينهم و بين نعيم الدّنيا و لذّاتها.

(ابن عطيّة 4:427)

الحسن :حيل بينهم و بين الإيمان باللّه.

(الطّبريّ 22:112)

معناه من الإيمان و التّوبة،و الرّجوع إلى الإنابة و العمل الصّالح،و ذلك أنّهم اشتهوه في وقت لا تنفع فيه التّوبة.

مثله قتادة.(ابن عطيّة 4:427)

قتادة :كان القوم يشتهون طاعة اللّه،أن يكونوا عملوا بها في الدّنيا،حين عاينوا ما عاينوا.

(الطّبريّ 22:112)

السّدّيّ: بينهم و بين التّوبة.(الماورديّ 4:426)

مقاتل: وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ من أن تقبل التّوبة منهم عند العذاب.(3:539)

حيل بين الجيش الّذي خرج لتخريب الكعبة،و بين ذلك بأن خسف بهم.(ابن الجوزيّ 6:470)

ابن زيد :في الدّنيا الّتي كانوا فيها و الحياة.

(الطّبريّ 22:113)

الجبّائيّ: و قيل:هو نعيم الجنّة.

(الطّبرسيّ 4:398)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و حيل بين هؤلاء المشركين حين فزعوا،فلا فوت،و أخذوا من مكان قريب،فقالوا:آمنّا به وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ.

حينئذ من الإيمان بما كانوا به في الدّنيا قبل ذلك يكفرون،و لا سبيل لهم إليه.[إلى أن قال:]و إنّما اخترنا القول الّذي اخترناه في ذلك؛لأنّ القوم إنّما تمنّوا حين عاينوا من عذاب اللّه ما عاينوا،ما أخبر اللّه عنهم أنّهم تمنّوه،و قالوا:آمنّا به،فقال اللّه:و أنّى لهم تناوش ذلك من مكان بعيد،و قد كفروا من قبل ذلك في الدّنيا.فإذا كان ذلك كذلك،فلأن يكون قوله: وَ حِيلَ... خبرا عن أنّه لا سبيل لهم إلى ما تمنّوه،أولى من أن يكون خبرا عن غيره.(22:113)

الزّجّاج: المعنى من الرّجوع إلى الدّنيا،و الإيمان.(4:

259)

أبو مسلم الأصفهانيّ: أي و فرّق بينهم و بين مشتهياتهم بالموت الّذي حلّ بهم،كما حلّ بأمثالهم.

(الطّبرسيّ 4:398)

الثّعلبيّ: يعني التّوبة و الإيمان و الرّجوع إلى الدّنيا.(8:96)

ص: 373

نحوه البغويّ.(3:686)

الماورديّ: حيل بين المؤمن و بين العمل،و بين الكافر و بين الإيمان.(4:460)

الطّوسيّ: أي فرّق بينهم و بين شهواتهم،من قبول توبتهم،و إيصالهم إلى ثواب الجنّة،أو ردّهم إلى دار الدّنيا.(8:409)

الواحديّ: منع بين هؤلاء الكفّار وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ. (3:499)

نحوه البروسويّ.(7:310)

الزّمخشريّ: من نفع الإيمان يومئذ،و النّجاة به من النّار و الفوز بالجنة،أو من الرّدّ إلى الدّنيا،كما حكى عنهم:

فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً. السّجدة 12.(3:297)

ابن عطيّة: [نقل قول الحسن و مجاهد ثمّ قال:] و قيل:حيل بينهم و بين الجنّة و نعيمها،و هذا يتمكّن جدّا على القول بأنّ الأخذ و الفزع المذكورين هو في يوم القيامة.(4:427)

الطّبرسيّ: قيل:معناه منعوا من كلّ مشتهى، فيلحق اللّه تعالى فيهم النّفار،فلا يدركون شيئا إلاّ و يتألّمون به.(4:398)

الفخر الرّازيّ: من العود إلى الدّنيا،أو بين لذّات الدّنيا.

فإن قيل:كيف يصحّ قولك: ما يَشْتَهُونَ من العود،مع أنّه تعالى قال: كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ و ما حيل بينهم و بين العود؟ قلنا:لم قلتم:إنّه ما حيل بينهم،بل كلّ من جاءه الملك طلب التّأخير و لم يعط،و أرادوا أن يؤمنوا عند ظهور اليأس و لم يقبل.(25:272)

البيضاويّ: من نفع الإيمان و النّجاة به من النّار.(2:266)

نحوه أبو السّعود.(5:268)

النّسفيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و الأفعال الّتي هي(فزعوا)و(اخذوا)و(حيل)كلّها للمضيّ،و المراد بها الاستقبال لتحقّق وقوعه.(3:332)

نحوه الشّربينيّ(3:309)،و النّيسابوريّ(22:62).

أبو حيّان : وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ قال الحوفيّ:الظّرف قائم مقام اسم ما لم يسمّ فاعله انتهى.و لو كان على ما ذكر لكان مرفوعا بينهم،كقراءة من قرأ: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ في أحد المعنيين.

لا يقال لما أضيف إلى مبنيّ و هو الضّمير:مبنيّ (1)، فهو في موضع رفع و إن كان مبنيّا،كما قال بعضهم في قوله:«و إذ ما مثلهم»،يشير إلى أنّه في موضع رفع لإضافته إلى الضّمير و إن كان مفتوحا.

لأنّه قول فاسد يجوز أن تقول:مررت بغلامك،و قام غلامك بالفتح،و هذا لا يقوله أحد.و البناء لأجل الإضافة إلى المبنيّ ليس مطلقا،بل له مواضع أحكمت في النّحو،و ما يقول قائل ذلك في قول الشّاعر:

*و قد حيل بين العير و النّزوان*

فإنّه نصب«بين»و هي مضافة إلى معرب،و إنّما يخرج ما ورد من نحو هذا على أنّ القائم مقام الفاعل هو ضمير المصدر الدّال عليه،و(حيل)هو أي الحول، و لكونه أضمر لم يكن مصدرا مؤكّدا،فجاز أن يقام مقامى.

ص: 374


1- في الأصل:بنى.

الفاعل.(7:294)

نحوه الآلوسيّ.(22:159)

ابن عاشور :عطف على الجمل الفعليّة نظائر هذه و هي جمل(فزعوا)،و(اخذوا)،و(قالوا)سبأ:51،52، أي و حال زجّهم في النّار بينهم،و بين ما يأملونه من النّجاة بقولهم: آمَنّا بِهِ سبأ:52،و ما يشتهونه هو النّجاة من العذاب،أو عودتهم إلى الدّنيا.فقد حكى عنهم في آيات أخرى أنّهم تمنّوه: فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الأنعام:

27،«ربّنا أرجعنا نعمل صالحا غير الّذى كنّا نعمل».

(22:105)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(11:847)

الطّباطبائيّ: و المعنى:و وقعت الحيلولة بين المشركين المأخوذين،و بين ما يشتهون من ملاذّ الدّنيا، كما فعل ذلك بأشباههم من مشركي الأمم الدّارجة من قبلهم،إنّهم كانوا في شكّ مريب من الحقّ أو من الآخرة فيقذفونها بالغيب.(16:391)

مكارم الشّيرازيّ: ففي لحظة مؤلمة،فصل بينهم و بين كلّ ثرواتهم و أموالهم،و قصورهم و مقاماتهم، و أمانيّهم،فكيف سيكون حالهم؟هؤلاء الّذين كانوا يعشقون الدّرهم و الدّينار،و الّذين كانت قلوبهم لا تطاوعهم في التّخلّي عن أبسط الإمكانات المادّيّة...

كيف سيكون حالهم في تلك اللّحظة الّتي يجب عليهم فيها أن يودّعوا كلّ ذلك وداعا أخيرا؟ثمّ يغمضون عيونهم و يسيرون باتّجاه مستقبل مظلم موحش.

جملة حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ فسّرت بتفسيرين:

الأوّل:هو ما عرضناه سابقا.

و أمّا الثّاني فهو:أنّه حيل بينهم و بين رغبتهم في الإيمان،و جبران ما فاتهم...غير أنّ التّفسير الأوّل ينسجم أكثر مع جملة: ما يَشْتَهُونَ. (13:453)

حول

فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا. مريم:68

ابن عبّاس: وسط جهنّم.(258)

مقاتل:أي في جهنّم.(ابن الجوزيّ 5:253)

الواحديّ: يعني في جهنّم،و ذلك أنّ حول الشّيء يجوز أن يكون داخله،يقال:جلس القوم حول البيت، إذا جلسوا داخله مطيفين به.(3:190)

مثله ابن الجوزيّ.(5:253)

القرطبيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]فقوله: حَوْلَ جَهَنَّمَ على هذا يجوز أن يكون بعد الدّخول،و يجوز أن يكون قبل الدّخول.(11:133)

لاحظ ج ث و:«جثيّا».

حولكم

1- وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ... التّوبة:101

ابن عبّاس: مزينة و جهينة،و أسلم،و غفار، و أشجع،كان فيهم بعد إسلامهم منافقون.

(ابن الجوزيّ 3:491)

ص: 375

نحوه الواحديّ.(2:521)

مقاتل:[نحو ابن عبّاس و قال:]كانت منازلهم حول المدينة،و هم منافقون.(2:192)

نحوه البغويّ.(2:382)

الطّبريّ: و من القوم الّذين حول مدينتكم من الأعراب منافقون،و من أهل مدينتكم أيضا أمثالهم أقوام منافقون.(11:9)

الماورديّ: يعني حول المدينة.(2:396)

الطّوسيّ: من جملة من حولكم يعني حول مدينتكم.و حول الشّيء:المحيط به،و هو مأخوذ من حال يحول،إذا دار بالانقلاب،و منه المحالة لأنّها تدور في المحول.(5:333)

نحوه الطّبرسيّ.(3:65)

الزّمخشريّ: يعني حول بلدتكم و هي المدينة.

(منافقون)و هم جهينة و أسلم و أشجع و غفار،كانوا نازلين حولها.(2:211)

نحوه الفخر الرّازيّ(16:173)،و النّسفيّ(2:

142)،و أبو حيّان(5:93)،و الشّربينيّ(1:646)، و رشيد رضا(11:18)،و المراغيّ(11:121).

ابن عطيّة: هي إلى جهينة و مزينة و أسلم و غفار و عصية و لحيان و غيرهم من القبائل المجاورة للمدينة، فأخبر اللّه عن منافقيهم،و تقدير الآية:و من أهل المدينة قوم أو منافقون،هذا أحسن ما حمل اللّفظ.(3:75)

الخازن :ذكر جماعة من المفسّرين المتأخّرين كالبغويّ و الواحديّ و ابن الجوزيّ أنّهم من أعراب مزينة و جهينة و أشجع و غفار و أسلم،و كانت منازلهم حول المدينة،يعني و من هؤلاء الأعراب منافقون.و ما ذكروه مشكل،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم دعا لهؤلاء القبائل و مدحهم،فإن صحّ نقل المفسّرين فيحمل قوله سبحانه و تعالى: وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ على القليل،لأنّ لفظة(من)للتّبعيض،و يحمل دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لهم على الأكثر و الأغلب،و بهذا يمكن الجمع بين قول المفسّرين و دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لهم.[ثمّ نقل قول الطّبريّ]

(3:115)

الآلوسيّ: [نحو الخازن و أضاف:]و أجيب بأنّ ذلك باعتبار الأغلب منهم.(11:10)

مغنيّة:فهم[المنافقون]موجودون في المدينة الّتي يقيم فيها و في البادية الّتي حولها.(4:96)

الطّباطبائيّ: حول الشّيء:ما يجاوره من المكان من أطرافه،و هو ظرف...و معنى الآية:و ممّن في حولكم أو حول المدينة من الأعراب السّاكنين في البوادي منافقون،مرنوا على النّفاق.(9:376)

مكارم الشّيرازيّ: أي يجب أن لا تركّزوا اهتمامكم على المنافقين الموجودين داخل المدينة،بل ينبغي أن تأخذوا بنظر الاعتبار المنافقين المتواجدين في أطراف المدينة،و تحذروهم،و تراقبوا أعمالهم و نشاطاتهم الخطرة.(6:179)

2- وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَ صَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. الأحقاف:27

الطّبريّ: أيّها القوم مِنَ الْقُرى ما حول قريتكم،كحجر ثمود،و أرض سدوم و مأرب و نحوها،

ص: 376

فأنذرنا أهلها بالمثلات،و خرّبنا ديارها،فجعلناها خاوية على عروشها.(26:29)

نحوه البغويّ.(4:201)

الطّوسيّ: يعني قوم هود و صالح،لأنّهم كانوا مجاورين لبلاد العرب و بلادهم حول بلادهم،فإذا أهلكهم اللّه بكفرهم كان ينبغي أن يعتبروا بهم.

(9:283)

الواحديّ: الخطاب لأهل مكّة،و أراد القرى المهلكة باليمن و الشّام.(4:114)

و هكذا جاء في أكثر التّفاسير:

الزّمخشريّ(4:526)،و ابن عطيّة(5:103)، و الطّبرسيّ(5:91)،و ابن الجوزيّ(7:386)،و الفخر الرّازيّ(28:30)،و القرطبيّ(16:209).

حولين

وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ... البقرة:233

ابن عبّاس: سنتين كاملتين.(32)

الطّبريّ: و أصل الحول من قول القائل:حال هذا الشّيء،إذا انتقل،و منه قيل:تحوّل فلان من مكان كذا، إذا انتقل عنه.

فإن قال لنا قائل:و ما معنى ذكر(كاملين)في قوله:

وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ بعد قوله: يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ و في ذكر الحولين مستغنى عن ذكر الكاملين؟إذ كان غير مشكل على سامع سمع قوله: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ ما يراد به،فما الوجه الّذي من أجله زيد ذكر كاملين؟قيل:إنّ العرب قد تقول:أقام فلان بمكان كذا حولين أو يومين أو شهرين،و إنّما أقام به يوما و بعض آخر،أو شهرا و بعض آخر،أو حولا و بعض آخر،فقيل:

حولين كاملين ليعرف سامع ذلك:أنّ الّذي أريد به حولان تامّان،لا حول و بعض آخر،و ذلك كما قال اللّه تعالى ذكره: وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ البقرة:

203.

و معلوم أنّ المتعجّل إنّما يتعجّل في يوم و نصف، فكذلك ذلك في اليوم الثّالث من أيّام التّشريق،و أنّه ليس منه شيء تامّ،و لكنّ العرب تفعل ذلك في الأوقات خاصّة،فتقول:اليوم يومان منذ لم أره،و إنّما تعني بذلك يوما و بعض آخر،و قد توقع الفعل الّذي تفعله في السّاعة أو اللّحظة على العام و الزّمان و اليوم،فتقول:زرته عام كذا،و قتل فلان فلانا زمان صفّين،و إنّما تفعل ذلك،لأنّها لا تقصد بذلك الخبر عن عدد الأيّام و السّنين،و إنّما تعني بذلك الإخبار عن الوقت الّذي كان فيه المخبر عنه، فجاز أن ينطق بالحولين و اليومين على ما وصفت قبل، لأنّ معنى الكلام في ذلك:فعلته إذ ذاك،و في ذلك الوقت.

فكذلك قوله: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لمّا كان الرّضاع في الحولين و ليسا بالحولين، فكان الكلام لو أطلق في ذلك بغير تضمين الحولين بالكمال،و قيل: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ محتملا أن يكون معنيّا به حول و بعض آخر.ففي اللّبس عن سامعيه بقوله: كامِلَيْنِ أن يكون مرادا به

ص: 377

حول و بعض آخر،و أبين بقوله: كامِلَيْنِ عن وقت تمام حدّ الرّضاع،و أنّه تمام الحولين بانقضائهما،دون انقضاء أحدهما و بعض الآخر.(2:490)

الزّجّاج: و معنى حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ أربعة و عشرون شهرا،من يوم يولد إلى يوم يفطم.و إنّما قيل:

كامِلَيْنِ لأنّ القائل يقول:قد مضى لذلك عامان و سنتان،فيجيز أنّ السّنتين قد مضتا،و يكون أن تبقى منهما بقيّة،إذا كان في الكلام دليل على إرادة المتكلّم، فإذا قال: كامِلَيْنِ لم يجز أن تنقصا شيئا.(1:312)

الماورديّ: و إنّما قال: حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ، لأنّ العرب تقول:أقام فلان بمكان كذا حولين،و إنّما أقام حولا و بعض آخر،و أقام يومين و إنّما أقام يوما و بعض آخر،قال اللّه تعالى: وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ البقرة:203.و معلوم أنّ التّعجيل في يوم و بعض يوم.(1:299)

نحوه القرطبيّ.(3:161)

الطّوسيّ: إنّما قال: كامِلَيْنِ، فإن كانت التّثنية تأتي على استيفاء العدّة،لرفع التّوهّم،و إنّه على طريقة التّغليب،كقولهم:سرنا يوم الجمعة،و إن كان السّير في بعضه.و قد يقال:أقمنا حولين،و إن كانت الإقامة في حولين و بعض آخر،فهو لرفع الإيهام الّذي يعرض في الكلام.

(2:256)

الواحديّ: [نحو الماورديّ و أضاف:]

و هذا تحديد لقطع التّنازع بين الزّوجين،إذا اشتجرا في مدّة الرّضاع،فجعل الحولين ميقاتا لهما يرجعان إليه عند الاختلاف،و ليس هذا تحديد إيجاب.(1:341)

البغويّ: أي سنتين،و ذكر الكمال للتّأكيد،كقوله تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ البقرة:196.(1:312)

الفخر الرّازيّ: ففيه مسائل:

المسألة الأولى:أصل الحول من حال الشّيء يحول، إذا انقلب،فالحول منقلب من الوقت الأوّل إلى الثّاني، و إنّما ذكر الكمال لرفع التّوهّم من أنّه على مثل قولهم:

أقام فلان بمكان كذا حولين أو شهرين،و إنّما أقام حولا و بعض الآخر،و يقولون:اليوم يومان مذ لم أره،و إنّما يعنون يوما و بعض اليوم الآخر.

المسألة الثّانية:اعلم أنّه ليس التّحديد بالحولين تحديد إيجاب،و يدلّ عليه وجهان:

الأوّل:أنّه تعالى قال بعد ذلك: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ فلمّا علّق هذا الإتمام بإرادتنا،ثبت أنّ هذا الإتمام غير واجب.

الثّاني:أنّه تعالى قال: فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَ تَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما، فثبت أنّه ليس المقصود من ذكر هذا التّحديد إيجاب هذا المقدار.

(6:126)

نحوه النّيسابوريّ(2:279)،و الخازن(1:197).

النّسفيّ: حَوْلَيْنِ ظرف كامِلَيْنِ تامّين و هو تأكيد،لأنّه ممّا يتسامح فيه،فإنّك تقول:أقمت عند فلان حولين و لم تستكملهما.(1:117)

نحوه الشّربينيّ(1:151)،و البروسويّ(1:363).

أبو السّعود :التّأكيد بصفة الكمال،لبيان أنّ التّقدير تحقيقيّ لا تقريبيّ مبنيّ على المسامحة المعتادة.

ص: 378

(1:276)

نحوه الآلوسيّ.(2:147)

و فيه بحوث أخرى راجع ر ض ع:«الرّضاعة».

حولا

خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً. الكهف:108

ابن عبّاس: تحويلا.(253)

مثله مقاتل(الماورديّ 3:349)،و أبو عبيدة(1:

416).

لا يريدون أن يتحوّلوا عنها،كما ينتقل الرّجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى،و الجنّة ليست هكذا.(الواحديّ 3:171)

مجاهد :متحوّلا.(الطّبريّ 16:38)

الضّحّاك: بدلا.(الماورديّ 3:349)

مثله الكاشانيّ.(3:268)

الفرّاء: تحوّلا.(2:161)

مثله ابن قتيبة.(271)

الطّبريّ: لا يريدون عنها تحوّلا،و هو مصدر تحوّلت،أخرج إلى أصله،كما يقال:صغر يصغر صغرا، و عاج يعوج عوجا.(16:38)

الزّجّاج: [نحو الطّبريّ و أضاف:]و قد قيل أيضا:إنّ الحوال:الحيلة،فيكون على هذا المعنى،لا يحتالون منزلا غيرها.(3:315)

الماورديّ: حيلة،أي لا يحتالون منزلا غيرها.

(3:349)

الطّوسيّ: أي لا يطلبون عنها التّحوّل و الانتقال إلى مكان غيرها،و قد يكون معناه التّحوّل من حال إلى حال،و يقال:حال عن مكانه حولا مثل صغر صغرا و كبر كبرا.(7:99)

القشيريّ: عرّفنا سبحانه أنّ ما يخوّله لهم غدا يكون على الدّوام،فهم لا ينفكّون عن أفضالهم،و لا يخرجون عن أحوالهم،فهم أبدا في الجنّة،و لا إخراج لهم منها.و أبدا لهم الرّؤية،و لا حجاب لهم عنها.(4:88)

الواحديّ: و الحول:اسم بمعنى التّحويل يقوم مقام المصدر،يقال:حوّلوا عنه تحويلا و حولا.(3:171)

البغويّ: أي تحوّلا إلى غيرها.(3:222)

الزّمخشريّ: الحول:التّحوّل،يقال:حال من مكانه حولا،كقولك:عادني حبّها عودا:يعني لا مزيد عليها حتّى تنازعهم أنفسهم إلى أجمع لأغراضهم و أمانيّهم.

و هذه غاية الوصف،لأنّ الإنسان في الدّنيا في أيّ نعيم كان،فهو طامح الطّرف إلى أرفع منه.و يجوز أن يراد نفي التّحوّل و تأكيد الخلود.(2:500)

نحوه الفخر الرّازيّ(21:175)،و البيضاويّ(2:

27)،و النّسفيّ(3:27)،أبو حيّان(6:168)،و أبو السّعود (4:223)،و المراغيّ(16:26).

ابن عطيّة: الحول (1)بمعنى التّحوّل.قال مجاهد:

متحوّلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و كأنّه اسم جمع،و كأنّ واحده حوالة،و في هذا نظر.

و قال الزّجّاج عن قوم:هي بمعنى الحيلة في التّنقّل،و هذا ضعيف متكلّف.(3:546)

الآلوسيّ: أي لا يطلبون عنها تحوّلا؛إذ لا يتصوّر أن

ص: 379


1- في الأصل:الحلول!!

يكون شيء أعزّ عندهم و أرفع منها حتّى تنازعهم إليه أنفسهم،و تطمح عنه أبصارهم و إن تفاوتت درجاتهم.

و الحاصل أنّ المراد من عدم طلب التّحوّل عنها كونها أطيب المنازل و أعلاها.

و قال ابن عطيّة:كأنّه اسم جمع،و كأنّ واحده:

حوالة.و لا يخفى بعده.

و قال الزّجّاج عن قوم:هو بمعنى الحيلة في التّنقّل، و هو ضعيف متكلّف.و جوّز أن يراد نفي التّحوّل و الانتقال على أن يكون تأكيدا للخلود،لأنّ عدم طلب الانتقال مستلزم للخلود فيؤكّده أو لأنّ الكلام على حدّ.

*و لا ترى الضّبّ بها ينجحر*

أي لا يتحوّلون عنها فيبغوه.

و قيل في وجه التّأكيد:إنّهم إذا لم يريدوا الانتقال لا ينتقلون،لعدم الإكراه فيها و عدم إرادة النّقلة عنها، فلم يبق إلاّ الخلود؛إذ لا واسطة بينهما كما قيل.و الجملة حال من صاحب(خالدين)أو من ضميره فيه،فتكون حالا متداخلة،و فيها إيذان بأنّ الخلود لا يورثهم مللا.

(16:51)

تحويلا

1- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِيلاً. الإسراء:56

ابن عبّاس: يريد من السّقم و الفقر إلى الصّحّة و الغنى.(الواحديّ 1:113)

نحوه القرطبيّ.(10:279)

الطّبريّ: فانظروا هل يقدرون على دفع ذلك عنكم،أو تحويله عنكم إلى غيركم،فتدعوهم آلهة، فإنّهم لا يقدرون على ذلك،و لا يملكونه.و إنّما يملكه و يقدر عليه خالقكم و خالقهم.(15:103)

الزّجّاج: أنّهم لا يملكون كشف ضرّ عنهم،و لا تحويلا من واحد إلى آخر.(3:245)

نحوه ابن عطيّة.(3:465)

الطّوسيّ: يعني الّذين تدعون من دون اللّه كَشْفَ الضُّرِّ و البلاء عَنْكُمْ، و لا تحويله إلى سواكم.

(6:491)

نحوه أبو السّعود.(4:138)

الواحديّ: التّحويل:النّقل من حال إلى حال،و من مكان إلى مكان.

قال ابن عبّاس:يريد من السّقم و الفقر إلى الصّحة و الغنى.و في هذا احتجاج عليهم أنّهم في عبادتهم على الباطل.(3:112)

نحوه الفخر الرّازيّ.(20:232)

البغويّ: فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ القحط و الجوع، عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِيلاً إلى غيركم،أو تحويل الحال من العسر إلى اليسر.(3:139)

مثله الخازن.(4:134)

الطّبرسيّ: للحالة الّتي تكرهونها إلى حالة تحبّونها، يعني تحويل حال القحط إلى الخصب،و الفقر إلى الغنى، و المرض إلى الصّحّة.(3:422)

البروسويّ: و لا تحويله و نقله منكم إلى غيركم من القبائل.(5:174)

الآلوسيّ: فَلا يَمْلِكُونَ فلا يستطيعون

ص: 380

بأنفسهم كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ كالمرض و الفقر و القحط و غيرها. وَ لا تَحْوِيلاً و لا نقله منكم إلى غيركم ممّن لم يعبدهم،أو و لا تبديله بنوع آخر.و من لا يملك ذلك لا يستحقّ العبادة؛إذ شرط استحقاقها القدرة الكاملة التّامّة.(15:98)

2- سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً. الإسراء:77

ابن عبّاس: تغييرا.(240)

مثله الشّربينيّ(2:326)،و أبو السّعود(4:150).

قتادة :أي سنّة الأمم و الرّسل كانت قبلك كذلك، إذا كذّبوا رسلهم و أخرجوهم،لم يناظروا إنّ اللّه أنزل عليهم عذابه.(الطّبريّ 15:134)

الطّبريّ: و لا تجد لسنّتنا تحويلا عمّا جرت به.

(15:133)

نحوه أبو حيّان.(6:67)

الطّوسيّ: أي تغييرا و انتقالا من حالة إلى حالة أخرى،بل هي على وتيرة واحدة.(6:508)

البغويّ: أي تبديلا.(3:148)

الطّبرسيّ: أي تبديلا،و معناه:ما يتهيّأ لأحد أن يقلّب سنّة اللّه و يبطلها،و السّنّة هي العادة الجارية.

(3:432)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّ ما أجرى اللّه تعالى به العادة،لم يتهيّأ لأحد أن يقلّب تلك العادة.و تمام الكلام في هذا الباب أنّ اختصاص كلّ حادث بوقته المعيّن و صفته المعيّنة،ليس أمرا ثابتا له لذاته،و إلاّ لزم أن يدوم أبدا على تلك الحالة،و أن لا يتميّز الشّيء عمّا يماثله في تلك الصّفات،بل إنّما يحصل ذلك الاختصاص بتخصيص المخصّص،و ذلك التّخصيص هو أنّه تعالى يريد تحصيله في ذلك الوقت،ثمّ تتعلّق قدرته بتحصيله في ذلك الوقت،ثمّ يتعلّق علمه بحصوله في ذلك الوقت.

ثمّ نقول:هذه الصّفات الثّلاثة الّتي هي المؤثّرة في حصول ذلك الاختصاص،إن كانت حادثة افتقر حدوثها إلى تخصيص آخر،و لزم التّسلسل و هو محال، و إن كانت قديمة فالقديم يمتنع تغيّره،لأنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه،و لمّا كان التّغيّر على تلك الصّفات المؤثّرة في ذلك الاختصاص ممتنعا،كان التّغيّر في تلك الاشياء المقدّرة ممتنعا،فثبت بهذا البرهان صحّة قوله تعالى:

وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً. (21:24)

نحوه النّيسابوريّ.(15:67)

الآلوسيّ: و التّحويل:التّغيير،أي لا تجد لما أجرينا به العادة تغييرا،أي لا يغيّره أحد.و المراد من نفي الوجدان هنا و فيما أشبهه نفي الوجود،و دليل نفي وجود من يغيّر عادة اللّه تعالى أظهر من الشّمس في رابعة النّهار.

و للإمام كلام في هذا المقام لا يخلو عن بحث.(15:13)

3- ...وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْوِيلاً. فاطر:43

الطّبريّ: وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ في خلقه تَبْدِيلاً؛ لن يغيّر ذلك و لا يبدّله،لأنّه لا مردّ لقضائه.

(22:146)

الطّوسيّ: و لا يبدّلها بغيرها،فالتّبديل:تصيير الشّيء مكان غيره،و التّحويل:تصيير الشّيء في غير

ص: 381

المكان الّذي كان فيه،و التّغيير:تصيير الشّيء على خلاف ما كان.(8:439)

مثله الطّبرسيّ(4:412)،و النّيسابوريّ(22:85).

الواحديّ: لا يقدر أحد أن يحوّل العذاب عنهم إلى غيرهم.(3:508)

ابن الجوزيّ.(6:498)

الفخر الرّازيّ: حصل العلم بأنّ العذاب مع أنّه لا تبديل له بالثّواب،لا يتحوّل عن مستحقّه إلى غيره، فيتمّ تهديد المسيء.(26:35)

القرطبيّ: أي أجرى اللّه العذاب على الكفّار، و يجعل ذلك سنّة فيهم،فهو يعذّب بمثله من استحقّه، لا يقدر أحد أن يبدّل ذلك،و لا أن يحوّل العذاب عن نفسه إلى غيره.(14:360)

البيضاويّ: إذ لا يبدّلها بجعله غير التّعذيب تعذيبا، و لا يحوّلها بأن ينقله من المكذّبين إلى غيرهم.

(2:275)

النّسفيّ: بيّن أنّ سنّته الّتي هي الانتقام من مكذّبي الرّسل سنّة،لا يبدّلها في ذاتها،و لا يحوّلها عن أوقاتها، و أنّ ذلك مفعول لا محالة.(3:344)

نحوه أبو حيّان.(7:320)

الشّربينيّ: أي من حالة إلى أخفّ منها،لأنّه لا مردّ لقضائه.(3:334)

أبو السّعود :بأن ينقله من المكذّبين إلى غيرهم.

و(الفاء)لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب من مجيئه،و نفي وجدان التّبديل،و التّحويل عبارة عن نفي وجودها بالطّريق البرهانيّ،و تخصيص كلّ منهما بنفي مستقلّ لتأكيد انتفائهما.(5:286)

نحوه البروسويّ(7:362)،و الآلوسيّ(22:206).

لاحظ ب د ل:«تبديلا».

حيلة

إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً. النّساء:98

ابن عبّاس: حيلة الخروج.(78)

السّدّيّ: و الحيلة هي المال.(214)

الواحديّ: أي لا يقدرون على حيلة في الخروج من مكّة،و لا على نفقة،و لا قوّة.(2:106)

نحوه البغويّ(1:685)،و ابن الجوزيّ(2:178)، و الفخر الرّازيّ(11:13)،و النّيسابوريّ(5:124)، و الخازن(1:485)،و الشّربينيّ(1:326).

ابن عطيّة: و الحيلة:لفظ عامّ لأسباب أنواع التّخلّص.(2:100)

نحوه القرطبيّ(5:347)،و أبو حيّان(3:335).

البيضاويّ: و استطاعة الحيلة:وجدان أسباب الهجرة و ما تتوقّف عليه.(1:239)

نحوه أبو السّعود(2:187)،و البروسويّ(2:269)، و الآلوسيّ(5:127).

النّسفيّ: لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً في الخروج منها لفقرهم و عجزهم.(1:246)

الطّباطبائيّ: الحيلة كأنّها بناء نوع من الحيلولة، ثمّ استعملت استعمال الآلة،فهي ما يتوسّل به إلى الحيلولة بين شيء و شيء،أو حال للحصول على شيء،

ص: 382

أو حال آخر.و غلب استعماله في ما يكون على خفية، و في الأمور المذمومة،و في مادّتها على أيّ حال معنى التّغيّر،على ما ذكره الرّاغب في«مفرداته».

و المعنى:لا يستطيعون و لا يتمكّنون أن يحتالوا لصرف ما يتوجّه إليهم من استضعاف المشركين عن أنفسهم،و لا يهتدون سبيلا يتخلّصون بها عنهم.

(5:50)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: الحول على خمسة أوجه:العام، الحيلولة،حواليه،التّحويل،التّغيير.

فوجه منها:الحول:العام،قوله: حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ البقرة:233 يعني عامين كاملين،كقوله: مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ البقرة:240،يعني إلى العام.

و الوجه الثّاني:الحول:الحيلولة،قوله: وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ سبأ:54،أي فرّق بينهم،و قوله تعالى: وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ هود:23،مثلها:

وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ الأنفال:24، أي بين المؤمن و الكفر،و الكافر و الإيمان.

و الوجه الثّالث:الحول يعني حواليه إلى (1)قوله:

وَ مَنْ حَوْلَهُ المؤمن:7،و قال: اَلَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ الإسراء:1،يريد حواليه.

و الوجه الرّابع:حولا بكسر الحاء و نصب الواو:

التّحويل،قوله: لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً الكهف:108، يعني تحويلا،و يقال:حيلة.

و الوجه الخامس:التّحويل:التّغيير،قوله: وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً الإسراء:77،يعني تبديلا و تغييرا، مثلها في: وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْوِيلاً فاطر:43 يعني تبديلا و تغييرا.(265)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحول،و هو التّغيّر و الدّوران؛يقال:حال الشّيء يحول حولا،أي تغيّر، و حال حولا و حئولا و أحال:تحوّل،و حال إلى مكان آخر:تحوّل أيضا،و تحوّل عن الشّيء:زال عنه إلى غيره، و حال فلان عن العهد يحول حولا و حئولا:زال،و حوّله إليه:أزاله،و الاسم:الحول و الحويل،و حوال الدّهر:

تغيّره و صرفه؛يقال:إنّ هذا لمن حولة الدّهر،و حولاء الدّهر،و حولان الدّهر،و حول الدّهر.و الحائل:المتغيّر اللّون؛يقال:رماد حائل و نبات حائل،و رجل حائل اللّون:أسود متغيّر.

و الحول:السّنة،لأنّها تحول،أي تدور؛يقال:حال عليه الحول حولا و حئولا،أي أتى،و الجمع:أحوال و حوول و حئول،و أحال الشّيء و احتال:أتى عليه حول كامل،و أحالت الدّار و أحولت و حالت و حيل بها:

أتت عليها أحوال،فهي دار محيلة،و حال الغلام:أتى عليه حول،و أحول الصّبيّ:أتى عليه حول من مولده، فهو محول.و أحال الرّجل بالمكان و أحول:أقام به حولا، و أحول بالمكان الحول:بلغه.و نبت حوليّ:أتى عليه حول،و جمل حوليّ كذلك،و الأنثى:حوليّة،و الجمع:

حوليّات،و جمال حواليّ و حواليّة:أتى عليها حول،

ص: 383


1- كذا!و الظاهر:في قوله.

و أرض مستحالة:تركت حولا و أحوالا عن الزّراعة.

و حالت النّاقة و الفرس و الشّاة و المرأة و النّخلة و غيرهنّ:حملت عاما و لم تحمل آخر،و ناقة حائل و نوق حوائل و حول و حوّل و حيال و حولل:غير حوامل؛ يقال:حالت النّاقة،فهي تحول حيالا،أي ضربها الفحل و لم تحمل،و أحال الرّجل:حالت إبله فلم تحمل،و أحال فلان إبله العام:لم يصبها الفحل،فهو محيل.و المحيل أيضا:الّذي لا يولد له،من قولهم:حالت النّاقة و أحالت، أي حملت عاما و لم تحمل عاما.

و الحائل:الأنثى من ولد النّاقة؛لأنّها حال عليها حول؛يقال:نتجت النّاقة حائلا حسنة،و أمّها أمّ حائل، و الجمع:حوّل و حوائل؛يقال:لا أفعل ذلك ما أرزمت أمّ حائل.

و امرأة محيل و ناقة محيل و محول و محوّل:ولدت غلاما على أثر جارية،أو جارية على أثر غلام.

و حول القوس و استحالتها:اعوجاج قابها أو سيتها، و قد حالت حولا،و استحالت استحالة:انقلبت عن حالها الّتي غمزت عليها،و حصل في قابها اعوجاج، و حال وتر القوس:زال عند الرّمي،و قد حالت القوس وترها.و رجل مستحال:في طرفي ساقه اعوجاج،و قد حال و استحال.و هو مستحيل،و رجل مستحالة،إذا كان طرفا السّافين معوجّين،و في المثل:«ذاك أحول من بول الجمل»،و ذلك أنّ بوله لا يخرج مستقيما،يذهب في إحدى النّاحيتين.

و الحال:الطّين الأسود و الحمأة،و اللّبن،و الرّماد الحارّ؛لتغيّرها من حال إلى حال،و كذا ورق السّمر يخبط في ثوب و ينفض؛يقال:حال من ورق و نفاض من ورق.

و الحال:الدّرّاجة الّتي يدرّج عليها الصّبيّ إذا مشى، و هي العجلة الّتي يدبّ عليها،فهي تغيّر دبيبه من الحبو إلى المشي على رجليه.

و الحال:الكارة يحملها الرّجل على ظهره؛لأنّها متغيّرة من ثوب أو كساء؛يقال:تحوّل كساءه،أي جعل فيه شيئا ثمّ حمله على ظهره،و تحوّلت حالا على ظهره-:

حملت كارة من ثياب و غيرها.

و الحال:موضع اللّبد على ظهر الفرس؛لأنّه مطيف به،يقال:ما أحسن حال متن الفرس!و حال في ظهر دابّته حولا و أحال:وثب و استوى على ظهرها،و حلت في متن الفرس أحول حئولا:ركبته.

و الحولاء و الحولاء:الجلدة الّتي تخرج على رأس الولد،سمّيت بذلك لأنّها مشتملة على الولد،مطيفة به، و هي كالمشيمة للمرأة،و قد تستعمل للمرأة؛يقال:نزلوا في مثل حولاء النّاقة،و في مثل حولاء السّلى،يريدون بذلك الخصب و الماء،لأنّ الحولاء ملأى ماء ريّا،و رأيت أرضا مثل الحولاء،إذا اخضرّت و أظلمت خضرة، و ذلك حين يتفقّأ بعضها و بعض لم يتفقّأ،تشبيها بتفقّؤ الحولاء حين تقع إلى الأرض،و تركت أرض بني فلان كحولاء النّاقة،إذا بالغت في وصفها أنّها مخصبة، و احوالّت الأرض:اخضرّت و استوى نباتها.

و الحول:الأخدود الّذي تغرس فيه النّخل على صفّ،و ذلك أنّه يطيف بها.

و المحالة:البكرة الّتي يستقى عليها،فهي متغيّرة أبدا بدورانها و حركتها،و الجمع:محال و محاول.

ص: 384

و المحالة أيضا:الفقارة،لأنّها مطيفة بالنّخاع، و الجمع:محال.

و الحوالة:تحويل ماء من نهر إلى نهر،و منه قولهم:

أحلت فلانا على فلان بدراهم أحيله إحالة و إحالا،أي دفعته عنّي إلى غريم آخر،فاحتال عليه،و احتال احتيالا:تحوّل هو من ذات نفسه،و الحيّل:الّذي يقبل الحوالة،و الّذي يحال عليه بالحقّ،و الحويل:الكفيل.

و الحوال:كلّ شيء حال بين اثنين؛يقال:هذا حوال بينهما،أي حائل بينهما كالحاجز و الحجاز،و حال الشّيء بين الشّيئين يحول حولا:حجز،و حلت بينه و بين ما يريد حولا و حئولا،و حلت بينه و بين الشّرّ أحول أشدّ الحول و المحالة.

و الحول:إقبال حدقة العين على الأنف،و قد حولت تحول و حالت تحال حولا،و احولّت احولالا،و احوالّت احويلالا،و أحولتها أنا،و أحلتها:صيّرتها حولاء،فهو أحول،و الجمع:حولان،و هي حولاء؛يقال:ما أقبح حولته!و قد حول حولا قبيحا.

و الحول:انصباب الماء؛يقال:حال الماء على الأرض يحول عليها حولا،أي انصبّ،و أحلته أنا عليها أحيله إحالة:صببته،و أحال الماء من الدّلو:صبّه و قلبها،و أحال عليه الماء:أفرغه،و أحلت الماء في الجدول:صببته.

و أحال اللّيل:انصبّ على الأرض و أقبل،و أحال الذّئب على الدّم:أقبل عليه،و أحال عليه بالسّوط يضربه:أقبل،و أحال عليه:استضعفه،و أحلت عليه بالكلام:أقبلت عليه.

و الحول:الإحاطة بالشّيء؛يقال:رأيت النّاس حوله و حوليه و حواله و حواليه،أي مطيفين به من جوانبه، و احتوله القوم:احتوشوا حواليه.

و الحول و الحيل و الحول و الحيلة و الحويل و المحالة و الاحتيال و التحوّل و التحيّل:الحذق و جودة النّظر و القدرة على دقّة التّصرّف،لأنّ الرّجل يدور حوالي الشّيء ليدركه؛يقال:رجل حول و حولة و حولة و حوّل و حواليّ و حواليّ و حولول،أي محتال شديد الاحتيال، و تحوّل الرّجل و احتال:طلب الحيلة،و في المثل:«من كان ذا حيلة تحوّل»،و هو أحول من ذئب،و أحول من أبي براقش،و هو طائر يتلوّن ألوانا،و هو أحول من أبي قلمون،و هو ثوب يتلوّن ألوانا،و ما أحوله و أحيله! و المحالة:الحيلة نفسها؛يقال:المرء يعجز لا المحالة.

و الحولة:الدّاهية من الرّجال،لأنّه يدور حول التّدبير و المكر،و الجمع:حول و حوّل؛يقال:إنّه لحولة من الحول،و جاء بأمر حولة من الحول:بأمر منكر عجيب، و تسمّى الدّاهية نفسها حولة.

و الحوال:المحاولة و الاحتيال،أي طلب الشّيء بالحيل،و كلّ من رام أمرا بالحيل فقد حاوله؛يقال:

حاولت الشّيء حوالا و محلولة،أي أردته بالحيلة، و الاسم:الحويل.

و المحال من الكلام:ما عدل به عن وجهه؛يقال:

حوّل الكلام،أي جعله محالا،و أحال الرّجل:أتى بالمحال و تكلّم به،فهو محوال،و كلام مستحيل:محال، و أحلت الكلام أحيله إحالة،إذا أفسدته.

و الحيال:قبالة الشّيء،لأنّه مطيف به؛يقال:قعد حياله و بحياله،أي بإزائه،و هذا حيال كلمتك:مقابلة

ص: 385

كلمتك.

و الحال:كينة الإنسان،و هو ما كان عليه من خير أو شرّ،يذكّر و يؤنّث،و الجمع:أحوال و أحولة؛يقال:حال فلان حسنة و حسن،واحدته:حالة،و الجمع:حالات؛ يقال:هو بحالة سوء،و تحوّله بالنّصيحة و الموعظة:توخّى الحال الّتي ينشط فيها لقبول ذلك منه،و حالات الدّهر و أحواله:صروفه.

2-و الحال أيضا:الصّفة الجسميّة و النّفسيّة المتغيّرة للإنسان و غيره،غير أنّ معناه في الاصطلاح يختلف باختلاف العلوم:

فالحال عند النّحاة:ما يبيّن هيئة الفاعل أو المفعول به لفظا.نحو:ضرب زيدا قائما،أو معنى نحو:زيد في الدّار قائما.

و عند البلاغيّين:الأمر الدّاعي إلى التّكلّم على وجه مخصوص.

و عند الأصوليّين:يطلق على الاستصحاب.

و عند المتكلّمين:يطلق على ما هو صفة لموجود، لا موجودة و لا معدومة.

و عند الحكماء:كيفيّة مختصّة بنفس أو بذي نفس و ما شأنها أن تفارق،و تسمّى بالحالة أيضا.

و عند الأطبّاء:يطلق على ثلاثة أشياء فقط؛الأوّل:

الصّحّة،و الثّاني:المرض،و الثّالث:الحالة المتوسّطة بينهما، فلا تكون العلامات و الأسباب بهذا الاصطلاح من الأحوال.

و عند السّالكين:ما يرد على القلب من غير تصنّع و لا اجتلاب و لا اكتساب،من طرب أو حزن أو قبض أو بسط أو هيئة،و يزول بظهور صفات النّفس،سواء يعقبه المثل أو لا.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا الماضي معلوما و مجهولا كلّ منهما مرّة،و المضارع معلوما مرّة،و(الحول)مكانا 15 مرّة، و زمانا مفردا و مثنّى،(و حول)و(حيلة)مصدرا كلّ منها مرّة،و مزيدا من التّفعيل مصدرا 3 مرّات في 25 آية:

1:الحاجز

1- ...وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ هود:43

2- ...وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ الأنفال:24

3- وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ... سبأ:54

2:حول:أطراف

4- وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... الزّمر:75

5- اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... المؤمن:7

6- ...إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا... الإسراء:1

7- ...وَ لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها...

الأنعام:92

8- ...لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ... الشّورى:7

ص: 386

9- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ... العنكبوت:67

10- وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى...

الأحقاف:27

11- وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ... التّوبة:101

12- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ... التّوبة:120

13- ...فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ... البقرة:17

14- ...وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ... آل عمران:159

15- فَلَمّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَ مَنْ حَوْلَها... النّمل:8

16- قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَسْتَمِعُونَ الشّعراء:25

17- قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ

الشّعراء:34

18- فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا مريم:68

3:حول:سنة

19- وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ...

البقرة:240

20- وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ... البقرة:233

4:حولا

21- خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً

الكهف:108

5:تحويلا

22- ...فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِيلاً الإسراء:56

23- سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً الإسراء:77

24- ...فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِيلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْوِيلاً فاطر:43

6:حيلة

25- إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً

النّساء:98

يلاحظ أوّلا:أنّ الحول جاء على خمسة معان:

الأوّل:الحجز في(1-3)و فيها بحوث:

1-حجز الموج بين نوح و ابنه في(1): وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ، و يراد به المنع من الرّؤية،و ليس الفصل بفاصل كالماء،لأنّ الماء حين ارتفع كالجبال و اشتدّ اضطرابه،ما كاد أحدهما يرى الآخر،و لم يعلم نوح بمصير ولده و غرقه،و لذا نادى ربّه طمعا في نجاة ابنه: فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي هود:45.

2-ما ذكر اللّه تعالى في(2): يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ بم يحول و يحجز؟غير أنّ المفسّرين تأوّلوا ذلك على أقوال كثيرة،منها بالإيمان للكافر و بالكفر للمؤمن،

ص: 387

أو بالطّاعة للكافر و بالمعصية للمؤمن،و بالموت أو الجنون للإنسان عامّة،و قيل:غير ذلك،فلاحظ النّصوص ففيها بحث طويل عن مسألة الجبر و الاختيار،و هو في غير محلّه.و القول الفصل فيها لرشيد رضا.

3-صرّح بأحد المتحاجزين و أبهم الآخر في(3):

وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ، فأحدهما المشركون، و هو ظاهر،و الآخر(ما يشتهون)،و هو مبهم.و راح المفسّرون يتأوّلونه و يفسّرونه بأنحاء مختلفة،فقيل:هو رجوعهم إلى الدّنيا و لذّاتها،أو الإيمان باللّه،أو نعيم الجنّة، أو بالموت.

و لعلّ ما يَشْتَهُونَ يشمل جميع ما ذكر،و يدلّ عليه إبهام الفاعل و«ما»الموصولة،بخلاف(1)و(2)؛إذ الفاعل فيهما صريح،و المتحاجزان فيهما من جنس واحد، فهما في(1)الأب و الابن،و في(2)المرء و قلبه.

الثّاني:الإحاطة بالشّيء في(4)إلى(18)،و فيها بحوث:

1-استعمل هذا المعنى حقيقة في حفّ الملائكة من حول العرش في(4)،و حملهم العرش و من حوله في(5)، و في مباركة اللّه حول المسجد الأقصى في(6)،و في إنذار أهل مكّة و من حولها في(7)و(8)،و إهلاك ما حولها من القرى في(10)،و في تخطّف النّاس من حولهم في(9)، و في الأعراب حول المدينة في(11)و(12)،و في إضاءة النّار ما حول المستوقد في(13)،و في مباركة من حول النّار في(15)،و في قول فرعون لمن حوله في(16) و(17)،و في انفضاض أصحاب النّبيّ من حوله لو كان فظّا غليظ القلب في(14)،و في إحضار الكافرين حول جهنّم في(18).

2-فسّر ابن عبّاس حَوْلَ جَهَنَّمَ في(18)بقوله:

«وسط جهنّم»،و مقاتل:«في جهنّم»خلافا لما ورد في اللّغة،و لا اعتداد بقول الواحديّ:«يقال:جلس القوم حول البيت،إذا جلسوا داخله مطيفين به،لأنّ المأثور عن العرب أنّ الحول و الإطافة بالشّيء تكون من جوانبه،و ليس من وسطه.

و نرى أنّ المراد نار جهنّم،كما في قوله: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ فاطر:36،لأنّ جهنّم-نعوذ باللّه منها-محلّ لأنواع العذاب،و منها النّار.و التّقدير:ثمّ لنحضرنّهم حول نار جهنّم جثيّا،فهم يحيطون بنار جهنّم، و جهنم تحيط بهم،و هو قوله تعالى: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ التّوبة:49.

3-أضاف«حول»في(11)إلى ضمير المخاطبين «كم»،و يريد به حول المدينة،و هو خطاب للنّبيّ و للمسلمين،يحذّرهم فيه من خطر المنافقين من الأعراب،و كأنّه يقول:ها هم قريبون منكم،محدقون بكم فاحذروهم.ثمّ خاطب النّبيّ وحده دون المسلمين:

لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ، أي لا تعلم خبرهم،نحن نعلم خبرهم و ما تنطوي عليه قلوبهم من نفاق و كيد لكم.

الثّالث:العام في(19): مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ و(20):

حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ، و فيهما بحوث:

1-استعمل الحول في وصيّة الزّوج عند الوفاة لأزواجه،و هو المتاع إلى الحول،أي العام في(1)،و في رضاعة الوالدات لأولادهنّ حولين كاملين،أي عامين تامّين في(2).

ص: 388

و قد اختصّ كلّ مترادف من مترادفات الحول في القرآن بمعان لا تتكرّر في غيره،كاستعمال الأجر في الحجّة،و العدّ في السّنة،و إبعاد المشركين عن المسجد الحرام في العام.

بيد أنّه ذكر فطام الرّضيع في العام أيضا: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ لقمان:14،و هو نظير الآية(20).كما ذكر لبث النّبيّ نوح عليه السّلام في قومه في «السّنة»و في«العام»أيضا: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً العنكبوت:14، فعدّ الألف بالسّنة و الخمسين بالعام.

2-ربّ قائل يقول:ما وجه إطلاق الحول في(19) و تقييده في(20)ب«كاملين»؟

يقال له:أطلق الأوّل لأنّ المرأة مخيّرة بين السّكن في بيت زوجها حولا كاملا بعد وفاته،و بين الخروج منه قبل الحول،و لذا أعقبه بقوله: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ، و به ينتفي تقييد الحول بالكمال.

و لكن قيّده في الثّاني و أكّده بصفة الكمال،لانتفاء التّخيير في مدّة الرّضاع حتّى لا يغبن الرّضيع،كما أنّ الولد قاصر و ليس بالغا مخيّرا،و لذا حدّد بهذه الصّفة.

3-استعمل الحول هنا لأنّه أبلغ من غيره في هذا المعنى،يقال:حال الشّيء،أي مضى عليه حول،إلاّ أنّ العام أو السّنة ينقلان إلى وزن(أفعل)ليفيدا الدّخول في هذا المعنى،يقال:أعوم الشّيء،أي مضى له عام،و أسنى:

أتت عليه سنة،كما أنّه ليس للحجّة:جمع حجج فعل في قوله: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ القصص:27.

الرّابع:التّغيير في(21): لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً و(22)إلى(24):(تحويلا)،و فيها بحوث:

1-اختلف في الحول في(21)،فذهب الزّمخشريّ إلى أنّه مصدر:حال من مكانه حولا،أي تحوّل.و ذهب الطّبريّ إلى أنّه مصدر:تحوّل تحوّلا و حولا.و ذهب الواحديّ إلى أنّه اسم مصدر بمعنى التّحويل،و قام مقام المصدر،يقال:حوّلوا عنه تحويلا و حولا.

و قيل:إنّ الحول:الحيلة،أي لا يحتالون منزلا غيرها،رواه الزّجّاج،و ضعّفه ابن عطيّة،و قال:«كأنّه اسم جمع،و كأنّ واحده حولة»،ثمّ عقّبه قائلا:«و في هذا نظر».

2-إنّ الحول في(21)و التّحويل في(22)إلى(24) بمعنى التّغيير من حال إلى حال،و ربّما من مكان إلى مكان.و هما منفيّان في الجميع،ففي(21)مشيئة أهل الجنّة،و في(22)تعجيز الشّركاء لكشف الضّرّ عن الأتباع،و في(23)تحدّ للخلق من تغيير سنّة اللّه،و النّفي فيها مطلق وَ لا تَجِدُ و كذلك في(24)،إلاّ أنّ النّفي فيها للاستقبال وَ لَنْ تَجِدَ، و هي آكد في النّفي من نظيرتها،و لذا نسبت السّنّة فيها إلى لفظ الجلالة دون الأخرى.

3-الفرق بين التّحويل و التّبديل في(24)واضح لغة،فإنّ التّبديل أن يعوّض شيئا بدلا عن شيء، و التّحويل أن يتصرّف فيه بنحو من التّصرّف من غير تعويض إلاّ أنّ المراد بهما هنا واحد كرّر بلفظين تأكيدا.

4-جاءت هذه الآيات الأربع في ثلاث سور مكّيّة، و هي تعني مشركي مكّة،فالأولى ترغيب لهم في الجنّة طمعا في إيمانهم،و الثّلاث الأخرى ترهيب لهم ردعا

ص: 389

لغيّهم.

الخامس:الحذق و القدرة على التّصرّف،و هو الحول و الحيلة في(25): لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً، و فيها بحوث:

1-فسّرت الحيلة بالخروج،و المال،و القوّة و غيرها من أسباب الهجرة من مكّة إلى المدينة.و لعلّ لكلّ من هذه الأسباب دخلا في الحيلولة دون الهجرة،و لذا نكّرت الحيلة دلالة على العموم.

2-وعد اللّه المستضعفين العازفين عن الهجرة شرّا في الآية السّابقة،فقال: فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً النّساء:97.و استثنى منهم في هذه الآية من أعيته الحيلة و انقطع به السّبيل،و هو استثناء متّصل ممّن ذكروا في الآية السّابقة،أو منقطع من أولئك،و هو الأظهر،لأنّه وصف حالهم بجملة: لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً، فهي جملة حاليّة،لا استئناف بيانيّ كما قيل.ثمّ قال على الرّجاء في الآية اللاّحقة: فَأُولئِكَ عَسَى اللّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، فالآية الأولى وعد بالشّرّ،و الوسطى فصل و إبانة،و الثّالثة أمل و رجاء للعفو.

3-إن قيل:إنّ العجز عن الحيلة ظاهر في الولدان، و هم غير مكلّفين بالهجرة،فما هي الحكمة في اقترافهم هنا بالكبار؟و الجواب:أنّهم جميعا من المستضعفين.و قد عمّهم اللّه بالاستثناء.

ثانيا:أنّ 17 آية منها مكّيّة،و 8 مدنيّة:فالمكّيّات ضعف المدنيّات بإضافة واحدة،و قد خصّ المعنى الثّالث -السّنّة-و المعنى السّادس-حيلة-بالمدنيّ،لأنّهما تشريع.فالآية(19): وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ في عدّة الوفاة،و الآية(20): وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ في مدّة الرّضاع، و الآية(25): إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً في الهجرة،فقبلها: قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها.

كما أنّ آيات المعنى الرّابع و الخامس-حول و تحويل -(21-24)كلّها مكّيّة،إنذار للمشركين.

و أمّا آيات المعنى الأوّل و الثّاني-الحاجز و الأطراف -،فمشتركة بين المكّيّ و المدنيّ:

فمن الأوّل اثنتان مكّيّة:(1)قصّة نوح و ابنه:

وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ، ،و(3)تهويل للمشركين:

وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ و واحدة منها(2)في تهويل المنافقين و ضعفة الإيمان في غزوة بدر،و هي مدنيّة.

و من المعنى الثّاني-و هو الأطراف-في 14 آية:

11 آية منها:(4-10)،و(15-18)،إمّا توصيف للمسجد الأقصى في الإسراء(6)أو لمكّة و ما حولها(7- 10)،أو قصّة مثل(15-17)،أو وعيد للمشركين مثل (18)،و كلّها يناسب جوّ مكّة؛و أربعة منها مدنيّة،و هي (11-13)في المنافقين،و(14)في سيرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع أصحابه،و هذان يناسبان جوّ المدينة.

ثالثا:جاءت بعض المترادفات و النّظائر لمشتقّات هذه المادّة في القرآن،و هي:

جاءت بعض المترادفات و النّظائر لمشتقّات هذه المادّة في القرآن،و هي:
1-الحيلولة:

الحجز: وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً النّمل:61

المنع: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ

ص: 390

اَللّهِ الحشر:2

الحجب: جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً الإسراء:45

2-الاحتوال:

الإحاطة: إِنّا أَعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها الكهف:29

الحفّ: وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ

الزّمر:75

الحيق: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ

فاطر:43

3-الحول:

السّنة: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ البقرة:96

العام: فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ البقرة:259

الحجّة: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ القصص:27

الحقبة: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً النّبأ:23

4-التّحويل:

التّغيير: إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ الرّعد:11

التّبديل: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56

التّحريف: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ النّساء:46

5-الحيلة:

التّدبير: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يونس:3

التّلطّف: فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْيَتَلَطَّفْ

الكهف:19

ص: 391

ص: 392

ح و ي

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

أحوى 1:1 الحوايا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حوى فلان مالا حيّا و حواية،أي جمعه و أحرزه،و احتوى عليه،كحويّ الحيّة.

و الحويّة:مركب يهيّأ للمرأة.و الحويّ:استدارة كلّ شيء،كحويّ الحيّة،و كحويّ بعض النّجوم،إذا رأيتها على نسق واحد مستديرة،و الحويّة و الحاوية،و الجميع:

الحوايا:الأمعاء.

و الحواء:أخبية تدانى بعضها من بعض.تقول:هم أهل حواء واحد،و الجماعة:أحوية.

و الحوّاء:نبت معروف،الواحد:حوّأة.

و الحوّة في الشّفاه:شبه اللّمى و اللّمس.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:318)

ابن شميّل: هما حوّاءان.

أحدهما حوّاء الذّعاليق؛و هو حوّاء البقر،و هو من أحرار البقول.

و الآخر حوّاء الكلاب،و هو من الذّكور ينبت في الرّمث خشنا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:293)

أبو عمرو الشّيبانيّ: حويت عليه وركا،إذا كنت قد حويته و أحرزته.(1:143)

الحويّة،تتّخذ من عيدان،ثمّ توسر بالقدّ.(1:164)

الحواية:أن تأخذ قطعة حبل فتلفّ عليه خيوطا و تجعله كهيئة العروة،فتضعه على الحجر الّذي ترضخ عليه النّوى،لئلاّ يندر منه شيء.(1:210)

و الحوّاء،تكون من المعزى و لا تكون من الضّأن.

و حوّتها:سواد و حمرة مختلطان.(1:214)

أبو عبيدة :يقال:احواوى يحواوي احويواء.

(الأزهريّ 5:293)

الأصمعيّ: الحويّة:كساء يحوي سنام البعير ثمّ يركب.

الحواء:جماعات بيوت النّاس.(الأزهريّ 5:293)

ص: 393

حوي الفرس يحوى حوّة.(الخطّابيّ 1:318)

الحوّة:حمرة تضرب إلى السّواد،يقال:قد احووى الفرس يحووي احوواء.و بعض العرب يقول:احواوى يحواوي احويواء.يحووي احوواء،على وزن ارعوى.

و بعض العرب يقول:حوي يحوى حوّة.

و الحوّاء،مثال المكّاء:نبت يشبه لون الذّئب، الواحدة:حوّاءة.(الجوهريّ 6:2322)

اللّحيانيّ: التّحوية:الانقباض.

و قيل للكلبة:ما تصنعين مع اللّيلة المطيرة؟فقالت:

أحوّي نفسي،و أجعل نفسي عند استي.و عندي أنّ التّحوّي:الانقباض.(ابن سيده 4:35)

ابن الأعرابيّ: الحويّ:المالك بعد استحقاق.

و الحويّ:العليل،و الدّويّ:الأحمق،مشدّدات كلّها.

الحوايا:المساطح،و هو أن يعمدوا إلى الصّفا فيحوون له ترابا يحبس عليهم الماء،واحدتها:حويّة.

هي الحوايّة و الحاوية و هي الدّوّارة الّتي في بطن الشّاة.

[و في الحديث]«...و رأيت الحوايا عليها المنايا».

العرب تقول:المنايا على الحوايا،أي قد تأتي المنيّة الشّجاع و هو على سرجه.(الأزهريّ 5:292)

ابن السّكّيت: الأحوى:الشّديد سواد الشّعر و اللّحية.(231)

الحاويات:بنات اللّبن،يقال:حاوية و حاويات و حاو ياء ممدود،و حويّة و حوايا و حويّات.و الحاوياء واحدة:الحوايا.(الأزهريّ 5:292)

شمر:حويّ خبت:طائر.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:294)

أبو الهيثم:يقال:حاوية و حوايا مثل زاوية و زوايا و رواية و روايا.و منهم من يقول:حويّة و حوايا،مثل الحويّة الّتي توضع على ظهور البعير و يركب فوقها.

و منهم من يقول لوحدتها:حاوياء،و جمعها:الحوايا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:292)

ابن قتيبة :الحوايا:المباعر،واحدها:حاوية و حويّة.

(163)

المبرّد: حواء:تضرب إلى السّواد لشدّة ريّها و خضرتها.(2:43)

كراع النّمل:الحويّة:طائر صغير.

(ابن سيده 4:35)

ابن دريد :حواء القوم:مجتمعهم،و الجمع:أحوية و الحويّة،مركب من مراكب النّساء،ليس بحدج و لا هودج.

الحوّة:شية من شيات الخيل-و هي بين الدّهمة و الكمتة،يقال:احووى الفرس و احواوى،إذا صار أحوى،و الاسم:الحوّة،و كثر هذا في كلامهم حتّى سمّوا كلّ اسود:أحوى،فقالوا:ليل أحوى،و شعر أحوى.

و يقال:احتوى فلان على كذا و كذا،إذا استولى عليه.

و الحوايا جمع:حاوية،و حويّة مثله.

الحاوية و الحاوياء:الأمعاء-و هي بنات اللّبن.

و الحوّاء:ضرب-من البقل يشبّه ورقه بنصال السّهام.

فأمّا حوّاء فهي فيما تسوّغه اللّغة:فأنثى أحوى،و اللّه أعلم.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:172)

الحاوياء:الواحدة من حوايا البطن.(3:408)

ص: 394

الأزهريّ: و الحويّ:الحويض الصّغير يسوّيه الرّجل لبعيره يسقيه فيه و هو المركوّ،يقال قد احتويت حويّا.

و أمّا الحوايا الّتي تكون في القيعان و الرّياض،فهي حفائر ملتوية يملؤها ماء السّيل،فيبقى فيها دهرا،لأنّ طين أسفلها علك صلب يمسك الماء،واحدتها:حويّة.و قد تسمّيها العرب:الأمعاء،تشبيها بحوايا البطن.

(5:292)

و قال أبو خيرة:الحوّ من النّمل:نمل حمر،يقال لها:

نمل سليمان.

و العرب تقول لمجتمع بيوت الحيّ: محوّى و حواء و محتوى،و الجميع:أحوية و محاء.[و نقل عن بعض اللّغويّين:يوح،اسم للشّمس...و أضاف:]

قلت:و قد جاء يوح اسما للشّمس في كتاب «الألفاظ»المعزيّ إلى ابن السّكّيت،و هو صحيح.و لم يأت به أبو عبيد و لا ابن شميّل و لا الأصمعيّ.

(5:294)

الصّاحب:الحويّة و الحاوية و الحاوياء:الأمعاء، و الجميع:الحوايا.و هي أيضا:الّتي يلقى وسطها النّوى فيمسكها حين يرضح لئلاّ يتطاير.

و الحوايا:المساطح حول الماء لتحبسه،و الواحدة:

حويّة.و حويت للماء حويّا،فأنا أحويه حيّا.و قيل:هي البرابخ.

و حوّا:معروف.

و رجل حوّاءة:لا يبرح،مشبّه بالنّبت المسطّح على الأرض يسمّى الحوّاءة.

و هو حوّاءة مال،أي لازم لها حسن القيام عليها.

و هذا حويّ خبت واقعا:و هو طائر كالعصفور أسود البطن و الرّأس.

و يقولون:«ما يعرف الحوّ من اللّوّ،و الحيّ من اللّيّ، أي الحقّ من الباطل.

و تحوّيت،أي ترجّيت الشّيء ليس لي.

و العنز تسمّى:حوّة-غير مجراة-اسم لها،تدعى به للحلب.(3:240)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ رجلا قال له:

يا رسول اللّه،هل عليّ في مالي شيء إذا أدّيت زكاته؟ فقال النّبيّ عليه السّلام:فأين ما تحاوت عليك الفضول».

قوله:تحاوت وزنه«تفاعلت»،من حويت الشّيء، إذا جمعته.يقول:إذا أدّيت الزّكاة المفروضة،فلا تدع أن تواسي من فضل مالك،و إن لم يكن فرضا عليك.

(1:519)

[و في الحديث]«أنّه أقبل من خيبر،و أقبل بصفيّة بنت حييّ قد حازها،و كان يحوّي وراءه بعباءة أو بكساء،ثمّ يردفها وراءه».

قوله:يحوّي هو أن يدير كساء حول سنام البعير،ثمّ يركب،و هو الحويّة.(1:575)

الجوهريّ: الحويّة:لا تكون إلاّ للجمال،و السّويّة:

قد تكون لغيرها.

و حويّة البطن و حاوية البطن و حاوياء البطن،كلّه بمعنى.

و جمع الحويّة:حوايا،و هي الأمعاء.و جمع الحاوياء:

حواو،على«فواعل»،و كذلك جمع الحاوية.

و الحواء:جماعة بيوت من النّاس مجتمعة،و الجمع:

ص: 395

الأحوية،و هي من الوبر.

و الحوّة:لون يخالط الكمتة،مثل صدأ الحديد.

و الحوّة:سمرة الشّفة.يقال رجل أحوى و امرأة حوّاء،و قد حويت.

و الحوّة:موضع ببلاد كلب.

و حواه يحويه حيّا،أي جمعه.و احتواه مثله.

و احتوى على الشّيء،أي ألمأ عليه.

و تحوّى،أي تجمّع و استدار.يقال تحوّت الحيّة.

و بعير أحوى،إذا خالط خضرته سواد و صفرة.

و تصغير أحوى:أحيو،في لغة من قال:أسيود...

[و استشهد بالشّعر مرّتين](6:2322)

الثّعالبيّ: فإن خالطت حمرته[البعير]صفرة و سواد،فهو أحوى.(102)

[و الأفصح أن يقال:]نبت أحوى.(103)

ابن سيده: حوى الشّيء حيّا و حواية و احتواه، و احتوى عليه:جمعه و أحرزه.

و الحيّة من الهوامّ،تكون للذّكر و الأنثى بلفظ واحد...

و رجل حوّاء و حاو:يجمع الحيّات،و هذا يعضد قول أبي حاتم أيضا.

و حوى الحيّة:انطواؤها.

و أرض محواة:كثيرة الحيّات.

و حوّى حويّة:عملها.

و الحويّة:استدارة كلّ شيء.

و تحوّى الشّيء:استدار.

و الحويّة صفاة يحاط عليها بالحجارة أو التّراب فيجتمع فيها الماء.

و الحويّة و الحاوية و الحاوياء:ما تحوّى من الأمعاء، و هي بنات اللّبن،و قيل:هي الدّوّارة منها،و الجمع:

حوايا،تكون«فعائل»إن كانت جمع حويّة،و«فواعل» إن كانت جمع حاوية أو حاوياء.

و التّحويّة:القبض.

و الحواة:الصّوت كالخواة،و الخاء أعلى.

و حويّ:اسم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحاء:حرف هجاء:و حكى صاحب«العين» حيّيت حاء؛فإذا كان هذا فهو من باب عيّيت.و هذا عندي من صاحب«العين»صنعة لا عربيّة،و إنّما قضيت على الألف أنّها واو،لأنّ هذه الحروف و إن كانت صوتا في موضوعاتها،فقد لحقت ملحق الأسماء،و صارت كمال،و إبدال الألف من الواو عينا أكثر من إبدالها من الياء،هذا مذهب سيبويه.و إذا كانت العين واوا كانت الهمزة ياء؛لأنّ باب لويت أكثر من باب قوّة،أعني أنّه أن تكون الكلمة من حروف مختلفة أولى من أن تكون من حروف متّفقة،لأنّ باب«ضرب»أكثر من باب «رددت»،و لم أقض أنّها همزة لأنّ«ح و همزة»على النّسق معدوم.و حكى ثعلب عن معاذ الهرّاء أنّه سمع العرب تقول:هذه قصيدة حاوية[أي]على الحاء.

و منهم من يقول:حائيّة.فهذا يقوّي أنّ الألف الأخيرة همزة وضعيّة.و قد قدّمت عدم«ح و همزة»على نسق.

و حيوة:اسم رجل،و إنّما ذكرتها هنا،لأنّه ليس في الكلام«ح ي و»،و إنّما هي عندي مقلوبة من«ح و ي».

إمّا مصدر حويت:حيّة،مقلوب،و إمّا مقلوب عن الحيّة

ص: 396

الّتي هي الهامة فيمن جعل الحيّة من«ح و ي»،و إنّما صحّت الواو لنقلها إلى العلميّة،و سهّل ذلك لهم القلب، و لو أعلّوا بعد القلب-و القلب علّة-لتوالى إعلالان.و قد يكون«فيعلة»من حوى يحوي،ثمّ قلبت الواو ياء للكسرة،فاجتمعت ثلاث ياءات،فحذفت الأخيرة فبقيت«حيّة»،ثمّ أخرجت على الأصل فقيل:

«حيوة».(4:35)

الطّوسيّ: حوايا:جمع حويّة و حاوية.و قيل في واحده:حاوياء في قول الزّجّاج،على وزن راضعات و رواضع،و ضاربة و ضوارب.و من قال:حويّة قال وزنه «فعائل»مثل سفينة و سفائن في الصّحيح،و هي ما يجري في البطن،فاجتمع و استدار.و يسمّى بنات اللّبن و المباعر و المرابض و ما فيها:الأمعاء بذلك.(4:330)

الرّاغب: الحوايا:جمع حويّة و هي الأمعاء،و يقال للكساء الّذي يلفّ به السّنام:حويّة،و أصله من حويت كذا حيّا و حواية...

قوله عزّ و جلّ: فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى الأعلى:5، أي شديد السّواد،و ذلك إشارة إلى الدّرين نحو:

*و طال حبس بالدّرين الأسود*

و قيل:تقديره: وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى الأعلى:

4،أحوى،فجعله غثاء.و الحوّة:شدّة الخضرة،و قد احووى يحووي احوواء نحو ارعوى،و قيل:ليس لهما نظير و حوى حوّة و منه أحوى و حوي.(140)

الزّمخشريّ: حويت المال حواية،و احتويته لنفسي.و تحوّى الشّيء:تجمّع.و تحوّت الحيّة:ترحّت.

و نحن في أرض محواة:كثيرة الحيّات.و ركبت الحويّة، و ركبن الحوايا،و هي كساء يحوّى حول السّنام تركبه المرأة.و تقول:يوما على الحشايا.و يوما على الحوايا.

و حوّى الكساء حول السّنام.و حوّى التّراب حول الماء ليحبسه.و قد شحمت حوايا الجزور،جمع حويّة و هو المعى.و فلان عظيم الحاويّة.و رمى به في حاويائه،أي أكله.و قعدوا في الحواء،و هم أهل حواء،و هي أخبية متدانية،و كنّا في أحوية بني فلان.و شعر أحوى:أسود، و رجل أحوى:شابّ أسود الشّعر.و شفة و لثة حوّاء، و نساء حوّ اللّثات.

و من المجاز:احتوى على الشّيء:استولى عليه.

و احتوى القوم:تجاوروا،و هذا محتوى بنى فلان و محواهم،أي متجاورهم.قال يصف قدرا:

و دهماء تستوفي الجزور كأنّها

بأفنية المحوى حصان مقيّد

و هذه محاويهم.(أساس البلاغة:100)

[و في حديث]...«فأين ما تحاوت عليك الفضول.

التّحاوي:«تفاعل»من الحواية،و هي الجمع.

و(ما)موصولة و ما يجب من الضّمير الرّاجع إليها في الصّلة محذوف،و التّقدير تحاوته.

و من يرويه:تحاوأت فوجهه-إن صحّت روايته- أن يكون في الشّذوذ كقولهم:حلّأت السّويق،و لبّأت في الحجّ.(الفائق 1:328)

ابن الشّجريّ: الأحوى:الأسود.(1:365)

حويت الشّيء أحويه،و الحويّة واحدة:الحوايا و هي الأمعاء،و الحويّة أيضا:كساء يحوّى حول سنام البعير.

ص: 397

و الحواء:بيت من وبر.و الحواء:نبت كان أصله حواي فقلبت ياؤه همزة لتطرفها بعد ألف زائدة.

(2:44)

المدينيّ: [في الحديث]ولدت جديا أسفع أحوى:

أي أسود،ليس بالشّديد السّواد،أي كان لطيما،في الخدّين بياض.

و في الحديث:«إنّ امرأة قالت:إنّ ابني هذا كان حجري له حواء».

الحواء:اسم المكان الّذي يحوي الشّيء،أي يجمعه، و أصله أخبية دنا بعضها من بعض.(1:531)

ابن الأثير: في حديث قيلة«فوألنا إلى حواء ضخم»الحواء:بيوت مجتمعة من النّاس على ماء، و الجمع:أحوية.و وألنا بمعنى لجأنا.

و منه الحديث الآخر«و يطلب في الحواء العظيم الكاتب فما يوجد.

و فيه:«خير الخيل الحوّ»الحوّ جمع:أحوى،و هو الكميت الّذي يعلوه سواد،و الحوّة:الكمتة،و قد حوي فهو أحوى.

و في حديث أنس:«شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي حتّى حكم و حاء»هما حيّان من اليمن من وراء رمل يبرين.قال أبو موسى:يجوز أن يكون حا؛من الحوّة،و قد حذفت لامه.و يجوز أن يكون من حوى يحوي.و يجوز أن يكون مقصورا غير ممدود.(1:465)

الفيّوميّ: حويت الشّيء أحويه حواية،و احتويت عليه:إذا ضممته و استوليت عليه فهو محويّ،و أصله «مفعول»،و احتويته كذلك،و حويته:ملكته.(1:158)

الفيروزآباديّ: حواه يحويه حيّا و حواية،و احتواه و احتوى عليه:جمعه و أحرزه.قيل:و منه الحيّة،لتحوّيها أو لطول حياتها و ستذكر.و الحويّ كغنيّ:المالك بعد استحقاق،و الحوض الصّغير.و الحويّة كغنيّة:استدارة كلّ شيء كالتّحوّي،و ما تحوّى من الأمعاء كالحاوية و الحاوياء،الجمع:حوايا،و كساء محشوّ حول سنام البعير،و طائر صغير.و التّحوية:القبض و الانقباض كالتّحوّي.و الحواة:الصّوت كالحواء،و الحاء في الحروف اللّيّنة.و حيوة:رجل،مقلوب من«ح و ي».و الحواء ككتاب و المحوّى كالمعلّى:جماعة البيوت المتدانية، و نوح بن عمرو بن حويّ كسميّ حدّث عن بقيّة.

(4:323)

مجمع اللّغة :(الحوايا):الأمعاء،واحدتها:حويّة.

الحوّة:خضرة تضرب إلى سواد،أو سواد يضرب إلى خضرة.

حوي يحوى حوى:كان به حوّة فهو أحوى.

(1:309)

محمّد إسماعيل إبراهيم:(الحوايا):الأمعاء، مفرده:الحويّة و الحاوية و الحاوياء و هي ما تحوّى،أي ما استدار من الأمعاء،و حوى النّبات:اسودّ من قدمه و احتراقه و صار أحوى.(1:152)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الاشتمال و الضّمّ إلى آخر؛بحيث يستولي عليه و يجمعه.فهو مركّب من قيود:الاشتمال،الاستيلاء، التّجمّع،الانضمام،و من مصاديقه المعاء المتجمّعة في داخل البدن الّتي اشتملت عليها الأعضاء الظّاهرة،

ص: 398

و الكساء المحتوى المحشوّ،و الوسادة المحشوّة،و حويّة البطن.و اللّون الملتوى (1)المتجمّعة من ألوان،و المال المحتوى المنضمّ إلى نفسه.و ما يكون متجمّعا تحت استيلائه.

و بهذا يظهر الفرق بينها و بين مادّة الاستيلاء المطلق، و الاشتمال،و التّجمّع المطلق،و الانضمام،و غيرها.

(2:351)

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى* فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى*

الأعلى:4،5

ابن عبّاس: أسود،إذا حال عليه الحول.(508)

غُثاءً أَحْوى هشيما متغيّرا.(الطّبريّ 3:154)

مجاهد :(غثاء)السّيل.(احوى)أسود.

(الطّبريّ 30:153)

قتادة :يعود يبسا بعد خضرة.(الطّبريّ 30:153)

نحوه زيد بن عليّ.(477)

تقدير هذه الآية:أخرج المرعى أحوى:أسود من خضرته و نضارته، فَجَعَلَهُ غُثاءً عند يبسه.

(ابن عطيّة 5:469)

ابن زيد :قال:كان بقلا و نباتا أخضر،ثمّ هاج فيبس،فصار غثاء أحوى،تذهب به الرّياح و السّيول.

(الطّبريّ 30:153)

الفرّاء: إذا صار النّبت يبسا فهو غثاء.و الأحوى:

الّذي قد اسودّ عن العتق،و يكون أيضا:أخرج المرعى أحوى،فجعله غثاء،فيكون مؤخّرا معناه التّقديم.

(3:256)

أبو عبيدة : غُثاءً أَحْوى هيّجه حتّى يبس، فجعله أسود من احتراقه(غثاء):هشيما،و هو في موضع آخر من شدّة خضرته و كثرة مائه،يقال له:

أحوى.[ثمّ استشهد بشعر](2:295)

ابن قتيبة :(غثاء)أي يبسا،(احوى):أسود من قدمه و احتراقه.(524)

نحوه السّجستانيّ.(216).

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فجعل ذلك المرعى غثاء،و هو ما جفّ من النّبات و يبس،فطارت به الرّيح، و إنّما عني به هاهنا أنّه جعله هشيما يابسا،متغيّرا إلى الحوّة،و هي السّواد من بعد البياض أو الخضرة،من شدّة اليبس.[إلى أن أشار إلى كلام الفرّاء و قال:]

و هذا القول و إن كان غير مدفوع أن يكون ما اشتدّت خضرته من النّبات،قد تسمّيه العرب أسود، غير صواب عندي،بخلافه تأويل أهل التّأويل في أنّ الحرف إنّما يحتال لمعناه المخرج بالتّقديم و التّأخير،إذا لم يكن له وجه مفهوم إلاّ بتقديمه عن موضعه،أو تأخيره، فأمّا و له في موضعه وجه صحيح،فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتّقديم و التّأخير.(30:153)

الزّجّاج: (احوى)في موضع نصب حال من (المرعى)المعنى:الّذي أخرج المرعى أحوى،أي أخرجه أخضر يضرب إلى الحوّة.و الحوّة:السّواد. فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى جفّفه حتّى صيّره هشيما جافّا،كالغثاء الّذي تراه فوق ماء السّيل.(5:315)

ص: 399


1- كذا،و لعلّه المحتوى.

نحوه البيضاويّ.(2:553)

القمّيّ: يصير هشيما بعد بلوغه،و يسودّ.

(2:417)

مثله البحرانيّ.(10:244)

الثّعلبيّ: (غثاء):هشيما باليا،(احوى):أسود،إذا هاج و عتق.(10:184)

القيسيّ: فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى.

(الهاء)و(غثاء)مفعولان ل(جعل)،لأنّه بمعنى «صيّر»و(احوى)نعت ل«الغثاء»؛بمعنى أسود.

و قيل:(احوى)حال من(المرعى)،بمعنى أخضر، أي أخرج المرعى في حال خضرته فجعله غثاء، و«الغثاء»:الهشيم،كغثاء السّيل.(2:470)

نحوه العكبريّ.(2:1283)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه.

أحدها:أنّ«الغثاء»:ما يبس من النّبات حتّى صار هشيما تذروه الرّياح.و«الأحوى»:الأسود.و هذا معنى قول مجاهد.

الثّاني:أن«الغثاء»:ما احتمل السّيل من النّبات.

و«الأحوى»:المتغيّر،و هذا معنى قول السّدّيّ.

الثّالث:[ذكر نحو قول الفرّاء و أضاف:]و«الأحوى»:

ألوان النّبات الحيّ من أخضر و أحمر و أصفر و أبيض، و يعبّر عن جميعه بالسّواد،كما سمّي به سواد العراق.

و«الغثاء»:الميّت اليابس.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(6:252)

الطّوسيّ: «الغثاء»:ما يقذف به السّيل على جانب الوادي من الحشيش و النّبات.و«الأحوى»:الأسود.

و الحوّة:السّوداء.[ثمّ استشهد بشعر](10:329)

الواحديّ: أسود بعد الخضرة،و ذلك أنّ الكلأ إذا جفّ يبس و اسودّ.(4:470)

مثله البغويّ(5:241)،و الميبديّ(10:460)، و الخازن(7:196).

الزّمخشريّ: غُثاءً أَحْوى درينا أسود،و يجوز أن يكون(احوى)حالا من(المرعى)،أي أخرجه أحوى أسود من شدّة الخضرة و الرّيّ، فَجَعَلَهُ غُثاءً بعد حوّته.(4:243)

نحوه البيضاويّ(2:553)،و أبو السّعود(6:414).

ابن عطيّة: «الأحوى»قيل:هو الأخضر الّذي عليه سواد من شدّة الخضرة و الغضارة،و قيل:هو الأسود سوادا يضرب إلى الخضرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال ابن عبّاس:المعنى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى أي أسود،لأنّ الغثاء إذا قدم و أصابته الأمطار اسودّ و تعفّن، فصار أحوى بهذه الصّفة.(5:469)

الطّبرسيّ: [مثل الواحديّ و أضاف:]

قيل:معناه أخرج العشب و ما ترعاه النّعم(احوى) أي شديد الخضرة،يضرب إلى السّواد من شدّة خضرته، فَجَعَلَهُ غُثاءً أي يابسا بعد ما كان رطبا،و هو قوت البهائم في الحالين،فسبحان من دبّر هذا التّدبير، و قدّر هذا التّقدير.و قيل:إنّه مثل ضربه اللّه تعالى لذهاب الدّنيا بعد نضارتها.(5:475)

أبو البركات: فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى إن جعلت (جعله)بمعنى خلق،كان غُثاءً أَحْوى منصوبا على الحال.و إن جعلته بمعنى صيّر،كان غُثاءً أَحْوى نصبا،

ص: 400

لأنّه مفعول ثان،أي جعله غثاء أسود يابسا.و قيل:

تقديره،الّذي أخرج المرعى أحوى أخضر فجعله غثاء.

و لا يكون قوله تعالى: فَجَعَلَهُ غُثاءً فصلا بين الصّلة و الموصول،لأنّ قوله: فَجَعَلَهُ غُثاءً داخل في الصّلة،و الفصل بين بعض الصّلة و بعضها غير ممتنع،و إنّما الممتنع الفصل بين بعضها و بعض بأجنبيّ عنها.

(2:508)

الفخر الرّازيّ: المسألة الثّانية:الحوّة:السّواد،و قال بعضهم:«الأحوى»:هو الّذي يضرب إلى السّواد،إذا أصابته رطوبة،و في(احوى)قولان:

أحدهما:أنّه نعت«الغثاء»،أي صار بعد الخضرة يابسا،فتغيّر إلى السّواد،و سبب ذلك السّواد أمور:

أحدها:أنّ العشب إنّما يجفّ عند استيلاء البرد على الهواء،و من شأن البرودة أنّها تبيّض الرّطب،و تسوّد اليابس.

و ثانيها:أن يحملها السّيل فيلصق بها أجزاء كدرة فتسودّ.

و ثالثها:أن يجعله الرّيح فتلصق بها الغبار الكثير فتسودّ.

القول الثّاني:-و هو اختيار الفرّاء و أبي عبيدة-و هو أن يكون الأحوى هو الأسود لشدّة خضرته كما قيل:

مُدْهامَّتانِ الرّحمن:64،أي سوداوان،لشدّة خضرتهما.و التّقدير:الّذي أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء،كقوله: وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً الكهف:1، 2،أي أنزله قيّما و لم يجعل له عوجا.(31:141)

ابن عربيّ: أي،سريع الفناء،و شيك الزّوال، كالهشيم و الحطام البالي المسودّ،فلا تلتفت إليه،و لا تشتغل به،فيمنعك عن تسبيحك الخاصّ من تنزيه ذاتك و تجريدها،فتحتجب به عن كمالك المقدّر فيك،و لا تعد عيناك عنه إليه،فإنّه الفاني،و ذلك هو الباقي أبدا لا يزال.

(2:796)

القرطبيّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و يجوز أن يكون(احوى)صفة ل(غثاء)،و المعنى أنّه صار كذلك بعد خضرته.(20:18)

النّسفيّ: (غثاء):يابسا هشيما،(احوى):أسود، ف(احوى)صفة«الغثاء».(4:348)

النّيسابوريّ: الظّاهر أنّ(احوى)صفة«للغثاء».

و الحوّة:السّواد،فالعشب إذا يبس و استولى البرد عليه، جعل يضرب إلى السّواد،و قد يحتمله السّيل،فيلصق به أجزاء كدرة.(30:75)

نحوه القاسميّ.(7:6130)

ابن جزيّ: و«الغثاء»:هو النّبات اليابس المحتّم.

و(احوى)معناه أسود،و هو صفة ل(غثاء)،و المعنى أنّ اللّه أخرج المرعى أخضر،فجعله بعد خضرته غثاء أسود،لأنّ الغثاء إذا قدم تعفّن و اسودّ.[ثمّ ذكر نحو الزّجّاج و قال:]

و في هذا القول تكلّف.(4:193)

أبو حيّان :[ذكر عدّة من الأقوال و أضاف:]

قيل:خضرة عليها سواد،و الأحوى:الظّبي الّذي في ظهره خطّان من سواد و بياض.[ثمّ استشهد بشعر]

(8:457)

السّمين:(احوى)فيه وجهان:أظهرهما:أنّه نعت

ص: 401

ل(غثاء).

و الثّاني:أنّه حال من(المرعى)قال أبو البقاء،فقدّم بعض،الصّلة.قلت:يعني أنّ الأصل أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء،و لا يسمّى هذا تقديما لبعض الصّلة، و الأحوى«أفعل»من الحوّة:و هو سواد يضرب إلى الخضرة.

و قيل:خضرة عليها سواد،و الأحوى:الظّبي،لأنّ في ظهره خطّين.

و يقال:رجل أحوى و امرأة حوّاء،و جمعها:حوّ،نحو أحمر و حمراء و حمر.[و استشهد بالشّعر مرتين]

(6:509)

السّيوطيّ: (غثاء):هشيما.(احوى):أسود.

(الإتقان 2:54)

(احوى)إن أريد به الأسود من الجفاف و اليبس فهو صفة ل(غثاء)،أو من شدّة الخضرة فحال من(المرعى).

(الإتقان 2:310)

الشّربينيّ: (غثاء)أي جافّا هشيما،(احوى)أي أسود يابسا.(4:521)

الكاشانيّ: غُثاءً أَحْوى يابسا أسود.

(5:317)

البروسويّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

سواء كان جفافه و اسوداده بتأثير حرارة الشّمس أو برودة الهواء.الفاء التّعقيبيّة إشارة إلى قصر مدّة الخضرة،و رمز إلى قصر مدّة العمر،و سرعة زوال الدّنيا و نعيمها.

و فيه إشارة إلى زينة الحياة الدّنيا و منافعها و مآكلها و مشاربها،فإنّها مرعى النّفس الحيوانيّة،و مرتع بهائم القوى،جعلها اللّه سريعة الفناء و شيكة الزّوال،كالهشيم و الحطام البالي المسودّ،فينبغي أن لا يلتفت إليها،و لا يشغل بها،فإنّها مانعة عن التّسبيح الخاصّ؛و هو تنزيه الذّات و تجريدها عن العلائق،و بها يحصل الاحتجاب عن الكمال المقدّر في حقّ كلّ أحد.(10:405)

الآلوسيّ: من الحوّة و هي كما قيل:السّواد و قال الأعلم:لون يضرب إلى السّواد.و في«الصّحاح»الحوّة:

السّمرة،فالمراد ب(احوى):أسود أو أسمر.و النّبات إذا يبس اسودّ أو اسمرّ،فهو صفة مؤكّدة«للغثاء».و تفسّر الحوّة بشدّة الخضرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا ينافي ذلك تفسيرها بالسّواد،لأنّ شدّة الخضرة ترى في بادئ النّظر كالسّواد،و جوّز كونه حالا من (المرعى)،أي أخرج المرعى حال كونه طريّا غضّا شديد الخضرة،فجعله غثاء.و الفصل بالمعطوف بين الحال و صاحبها ليس فصلا بأجنبيّ،لا سيّما و هو حال يعاقب الأوّل من غير تراخ.

و سرّ التّقديم،المبالغة في استعقاب حالة الجفاف حالة الرّفيف و الغضارة،كأنّه قبل أن يتمّ رفيفه و غضارته يصير غثاء،و مع هذا هو خلاف الظّاهر.و هذه الأوصاف على ما قيل:يتضمّن كلّ منها التّدريج،ففي الوصف بها تحقيق لمعنى التّربية،و هي تبليغ الشّيء كماله شيئا فشيئا.(30:104)

سيّد قطب :(المرعى)يخرج في أوّل أمره خضرا، ثمّ يذوي فإذا هو غثاء،أميل إلى السّواد فهو أحوى،و قد يصلح أن يكون طعاما و هو أخضر،و يصلح أن يكون

ص: 402

طعاما و هو غثاء أحوى،و ما بينهما فهو في كلّ حالة صالح لأمر من أمور هذه الحياة،بتقدير:الّذي خلق فسوّى و قدّر فهدى.

و الإشارة إلى حياة النّبات هنا توحي من طرف خفيّ،بأنّ كلّ نبت إلى حصاد،و أنّ كلّ حيّ إلى نهاية، و هي اللّمسة الّتي تتّفق مع الحديث عن الحياة الدّنيا و الحياة الأخرى... بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا* وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى الأعلى:16،17،و الحياة الدّنيا كهذا المرعى،الّذي ينتهي فيكون غثاء أحوى...و الآخرة هي الّتي تبقى.(6:3888)

عزّة دروزة :(احوى):أسود أو ضارب للسّواد...

هو الّذي أنبت النّبات،ثمّ جعله جافّا متكسّرا أسود اللّون،بالنّاموس الّذي أودعه في الكون بعد ما كان أخضر ليّنا.(1:134)

ابن عاشور :«الأحوى»:الموصوف بالحوّة بضمّ الحاء و تشديد الواو،و هي من الألوان:سمرة تقرب من السّواد و هو صفة(غثاء)،لأنّ الغثاء يابس فتصير خضرته حوّة.

و هذا الوصف أحوى لاستحضار تغيّر لونه،بعد أن كان أخضر يانعا،و ذلك دليل على تصرّفه تعالى بالإنشاء و بالإنهاء.و في وصف إخراج اللّه تعالى المرعى، و جعله غثاء أحوى،مع ما سبقه من الأوصاف في سياق المناسبة بينها،و بين الغرض المسوق له الكلام،إيماء إلى تمثيل حال القرآن و هدايته-و ما اشتمل عليه من الشّريعة الّتي تنفع النّاس-بحال الغيث الّذي ينبت به المرعى،فتنتفع به الدّوابّ و الأنعام،و إلى أنّ هذه الشّريعة تكمل و يبلغ ما أراد اللّه فيها،كما يكمل المرعى و يبلغ نضجه حين يصير غثاء أحوى،على طريقة تمثيليّة مكنيّة رمز إليها بذكر لازم الغيث و هو المرعى.

و قد جاء بيان هذه الإيماء و تفصيله بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم «مثل ما بعثني اللّه به من الهدى و العلم،كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا،فكان منها نقيّة قبلت الماء،فأنبتت الكلأ و العشب الكثير،و كانت منها أجادب أمسكت الماء،فنفع اللّه بها النّاس،فشربوا و سقوا و زرعوا...».

و يجوز أن يكون المقصود من جملة فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى إدماج العبرة بتصاريف ما أودع اللّه في المخلوقات، من مختلف الأطوار من الشّيء إلى ضدّه،للتّذكير بالفناء بعد الحياة،كما قال تعالى: اَللّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَ شَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ الرّوم:54، للإشارة إلى أنّ مدّة نضارة الحياة للأشياء تشبه المدّة القصيرة،فاستعير لعطف(جعله غثاء)الحرف الموضوع لعطف ما يحصل فيه حكم المعطوف،بعد زمن قريب من زمن حصول المعطوف عليه،و يكون ذلك من قبيل قوله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَ الْأَنْعامُ إلى قوله: فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ يونس:24.(30:246)

المصطفويّ: أي الملتوى من جهة الشّكل و الصّورة و من جهة اللّون،فيتغيّر طراوته و خضرته.و ليس لفظ أحسن دلالة و أجمع مفهوما من هذه الكلمة،حيث إنّها تدلّ على زوال الطّراوة و الصّفاء و البهجة من المرعى،إذا

ص: 403

كان يابسا،و كذا تغيّر لونه عن الخضرة إلى الألوان المختلفة المركّبة الملتوية.(2:352)

مكارم الشّيرازيّ: (احوى):من الحوّة،و هي شدّة الخضرة أو شدّة السّواد،و كلاهما من أصل واحد، لأنّ الخضرة لو اشتدّت قربت من السّواد،و جاء في الآية بمعنى تجمّع النّبات اليابس و تراكمه،حتّى يتحوّل لونه تدريجيّا إلى السّواد.

و يمكن أن يكون اختيار هذا التّعبير في مقام بيان النّعم الإلهيّة،لأحد أسباب ثلاثة:

الأوّل:أنّ حال هذه النّباتات يشير بشكل غير مباشر إلى فناء الدّنيا،لتكون دوما درسا و عبرة للإنسان،فهي بعد أن تنمو و تخضرّ في الرّبيع شيئا فشيئا تيبس و تموت بعد مرور الأيّام عليها،حتّى يتحوّل جمالها الزّاهي في فصل الرّبيع إلى سواد قاتم،و لسان حالها يقول:بعدم دوام الدّنيا و انقضائها السّريع!

الثّاني:أنّ النّباتات اليابسة عند ما تتراكم، فستتحوّل بمرور الوقت إلى سماد طبيعيّ،ليعطي الأرض القدرة اللاّزمة لإخراج نباتات جديدة أخرى.

الثّالث:أنّ الآية تشير إلى تكوّن الفحم الحجريّ من النّباتات و الأشجار.

فكما هو معلوم أنّ الفحم الحجريّ،و الّذي يعتبر من المصادر المهمّة للطّاقة،إنّما تكوّن من النّباتات و الأشجار الّتي يبست منذ ملايين السّنين،و دفنت في الأرض حتّى تحجّرت و اسودّ لونها بمرور الزّمان.

و يعتقد بعض العلماء،بأنّ مناجم الفحم الحجريّ،قد تكوّنت من جراء النّباتات اليابسة المدفونة في داخل الأرض منذ(250)ميليون سنة تقريبا!

و لو أخذنا بنظر الاعتبار كمّيّة الفحم الحجريّ المستهلك في العالم،لوجدنا أنّ تلك النّباتات كانت بقدر بحيث تؤمّن احتياج النّاس لأكثر من(4000)سنة.

و تفسير الآية بالمعنى الأخير دون غيره قد لا يوصلنا إلى الصّواب،و لا يستبعد أن تكون الآية قد أرادت كلّ ما جاء في المعاني الثّلاثة أعلاه.

و على أيّة حال،فللغثاء الأحوى منافع كثيرة...فهو غذاء جيّد للحيوانات في الشّتاء،و يستعمل كسماد طبيعيّ للأرض،و كذا يستعمله الإنسان كوقود.

فما ذكرته الآيات من صفات:الرّبوبيّة،الأعلى، الخلق،التّسوية،التّقدير،الهداية و إخراج المرعى،إنّما توصلنا إلى الرّبوبيّة الحقّة للّه جلّ و علا،و بقليل من التّأمّل يتمكّن أيّ إنسان من إدراك هذه المسألة،ليصل نور الإيمان إلى قلبه،فيشكر المنعم على ما أعطى.

(20:119)

فضل اللّه : فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى فيتحوّل إلى أوراق يابسة و أغصان ذابلة،و تزول كلّ تلك الحيويّة النّضرة في الألوان المتنوّعة،فإذا هو أميل إلى السّواد،فهو أحوى.

و يبلغ التّقدير الإلهيّ مداه في ذلك كلّه،لينتظر العودة إلى حركته في فصول جديدة و رحلة جديدة للنّموّ و الحياة الخضراء.و في هذا إشارة خفيّة للتّدبير الإلهيّ، في إبداع الإنسان في إخراجه إلى الحياة،ثمّ في تحوّله إلى شيء ميّت...ثمّ إلى تراب...ثمّ تبدأ رحلة الحياة من جديد،و لكن في عالم آخر...(24:208)

ص: 404

خليل ياسين:س-كلمة(احوى)صفة حال من (المرعى)فلما ذا فصل الصّفة عن الموصوف بجملة فَجَعَلَهُ غُثاءً؟

ج-ليأتي بكلمة(احوى)-في آخر الآية مراعاة للفواصل،و محافظة على النّظم:و«الغثاء»:الهشيم الجافّ و معنى(احوى)شديد الخضرة،يضرب إلى السّواد من شدّة خضرته.(2:312)

الحوايا

...وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ...

الأنعام:146

ابن عبّاس: المباعر.(121)

مثله سعيد بن جبير،و مجاهد و قتادة(الطّبريّ 8:

75)،و الضّحّاك(الطّبريّ 8:76)،و زيد بن عليّ (192)،و السّدّيّ(254)،و الثّعلبيّ(4:202)،و نحوه ابن قتيبة(163)،و الزّجّاج(2:301).

مجاهد :المبعر و المربض.(الطّبريّ 8:75)

الضّحّاك: يعني البطون غير الثّروب.

(الطّبريّ 8:76)

ابن زيد :(الحوايا):المرابض الّتي تكون فيها الأمعاء،تكون وسطها،و هي بنات اللّبن،و هي في كلام العرب تدعى المرابض.(الطّبريّ 8:76)

الفرّاء: (الحوايا):في موضع رفع،تردّها على الظّهور:إلاّ ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا،و هي المباعر و بنات اللّبن.و النّصب على أن تريد أو شحوم الحوايا فتحذف الشّحوم و تكتفي بالحوايا،كما قال:

وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82.يريد:و اسأل أهل القرية.(1:363)

أبو عبيدة :(الحوايا):ما تحوّى من البطن،أي ما استدار منها.

نحوه الزّجّاج.(ابن الجوزيّ 3:143)

نحوه الرّمّانيّ.(الماورديّ 2:184)

الجبّائيّ: الأمعاء الّتي عليها الشّحم من داخلها.

(الطّوسيّ 4:330)

الطّبريّ: (الحوايا)جمع،واحدها:حاوياء،و حاوية، و حويّة:و هي ما تحوّى من البطن فاجتمع و استدار، و هي بنات اللّبن،و هي المباعر،و تسمّى المرابض،و فيها الأمعاء.و معنى الكلام:و من البقر و الغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما،أو ما حملت الحوايا، ف(الحوايا)رفع عطفا على«الظّهور»،و(ما)الّتي بعد (الاّ)،نصب على الاستثناء من«الشّحوم».(8:75)

نحوه السّجستانيّ(63)،و شبّر(2:328)،و حسنين مخلوف(24).

القيسيّ: واحدها:حويّة،و قيل:حاوية،و قيل:

حاوياء،مثل نافقاء.

و(الحوايا):في موضع رفع عند الكسائيّ،على العطف على«الظّهور»على معنى:و إلاّ ما حملت الحوايا.

و قال غيره:هي في موضع نصب عطف على(ما)في قوله:

إِلاّ ما حَمَلَتْ بمعنى.(1:297)

الواحديّ: و هي المباعر،واحدتها:حاوية و حويّة و حاوياء.يعني و ما حملت من الشّحم.(2:333)

ص: 405

نحوه البغويّ.(2:168)

الزّمخشريّ: (الحوايا):أو[ما]اشتمل على الأمعاء...

و قيل:(الحوايا)عطف على(شحومهما)،و(او) بمنزلتها في قولهم:«جالس الحسن أو ابن سيرين».

(2:58)

ابن عطيّة: (الحوايا)معطوف على(ما)في قوله:

إِلاّ ما حَمَلَتْ فهي في موضع نصب عطفا على المنصوب بالاستثناء،[ثمّ ذكر قول الكسائيّ و قد سبق عن الطّبريّ ثمّ أضاف:]و قال بعض النّاس:(الحوايا) معطوف على الشّحوم.و على هذا تدخل(الحوايا)في التّحريم،و هذا قول لا يعضده اللّفظ و لا المعنى،بل يدفعانه.(2:358)

ابن العربيّ: (الحوايا):واحدها حاوياء أو حويّة، و هي عند العلماء على ثلاثة أقوال:

الأوّل-المباعر.

الثّاني-أنّها خزائن اللّبن.

الثّالث-أنّها الأمعاء الّتي عليها الشّحوم.(2:769)

الطّبرسيّ: موضع(الحوايا)يحتمل أن يكون رفعا عطفا على«الظّهور»،و تقديره:أو ما حملت الحوايا.

و يحتمل أن يكون نصبا عطفا على(ما)في قوله: إِلاّ ما حَمَلَتْ، فأمّا قوله: أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ فإنّ(ما) هذه معطوف على(ما)الأولى.(2:379)

الفخر الرّازيّ: [ذكر قول الواحديّ و غيره من اللّغويّين ثمّ قال:]

إذا عرفت هذا:فالمراد أنّ الشّحوم الملتصقة بالمباعر و المصارين-:الأمعاء الدّقيقة و الغليظة-غير محرّمة.

[إلى أن قال:]

(الحوايا)غير معطوف على المستثنى،بل على المستثنى منه.و التّقدير:حرّمت عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم،إلاّ ما حملت ظهورهما فإنّه غير محرّم،قالوا:و دخلت كلمة(او)كدخولها في قوله تعالى: وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً الدّهر:24.

و المعنى كلّ هؤلاء أهل أن يعصى،فاعص هذا و اعص هذا،فكذا هاهنا،المعنى حرّمنا عليهم هذا و هذا.

(13:224)

القرطبيّ: (الحوايا):في موضع رفع عطف على «الظّهور»،أي أو حملت حواياهما،و الألف و اللاّم بدل من الإضافة.و على هذا تكون(الحوايا)من جملة ما أحلّ.[إلى أن قال:]

قيل:إنّ الاستثناء في التّحليل إنّما هو ما حملت الظّهور خاصّة،و قوله: أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ معطوف على المحرّم.و المعنى:حرّمت عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم؛إلاّ ما حملت الظّهور فإنّه غير محرّم...(7:125)

الخازن :[ذكر بعض الأقوال و قال:]

و المعنى أنّ الشّحم الملتصق بالمباعر و المصارين غير محرّم على اليهود.(2:162)

ابن جزيّ: [ذكر بعض الأقوال و قال:]

و هو معطوف على(ما)في قوله: إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما، فهو من المستثنى من التّحريم،و قيل:عطف على«الظّهور»،فالمعنى إلاّ ما حملت الظّهور،أو حملت

ص: 406

الحوايا،و قيل:عطف على«الشّحوم»،فهو من المحرّم.

(2:24)

أبو حيّان :[نحو القيسيّ إلى أن ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و قال النّحويّون:«او»في هذا المثال[في قول الزّمخشريّ]للإباحة،فيجوز أن يجالسهما معا،و أن يجالس أحدهما،و الأحسن في الآية إذا قلنا:إنّ ذلك معطوف على(شحومهما)،أن تكون(او)فيه للتّفصيل، فصل بها ما حرّم عليهم من البقر و الغنم.[ثمّ ذكر قول ابن عطيّة و قال:]...و لم يبيّن دفع اللّفظ و المعنى لهذا القول.(4:245)

السّمين:(او الحوايا)في موضعها من الإعراب ثلاثة أوجه:

أحدها-و هو قول الكسائيّ-:أنّها في موضع رفع عطفا على(ظهورهما)،أي:و إلاّ الّذي حملته الحوايا من الشّحم فإنّه أيضا غير محرّم،و هذا هو الظّاهر.

الثّاني[فذكر نحو الفخر الرّازيّ إلى أن قال:]

قلت:هذه العبارة الّتي ذكرها الزّمخشريّ،سبقه إليها أبو إسحاق،فإنّه قال:«و قال قوم:حرّمت عليهم الثّروب،و أحلّ لهم ما حملت الظّهور،و صارت اَلْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ نسقا على ما حرّم،لا على الاستثناء، و المعنى على هذا القول:حرّمت عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم،إلاّ ما حملت الظّهور فإنّه غير محرّم،و أدخلت(او)على سبيل الإباحة.كما قال تعالى:

وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً الدّهر:24.و المعنى:كلّ هؤلاء أهل أن يعصى.فاعص هذا،أو اعص هذا،و(او) بليغة في هذا المعنى،لأنّك إذا قلت:لا تطع زيدا و عمرا، فجائز أن تكون نهيتني عن طاعتهما معا في حالة،فإذا أطعت زيدا على حدته لم أكن عاصيا،و إذا قلت:لا تطع زيدا أو عمرا أو خالدا،فالمعنى أنّ كلّ هؤلاء أهل ألاّ يطاع،فلا تطع واحدا منهم،و لا تطع الجماعة.و مثله:

جالس الحسن أو ابن سيرين أو الشّعبيّ،فليس المعنى أنّي آمرك بمجالسة واحد منهم،فإن جالست واحدا منهم فأنت مصيب،و إن جالست الجماعة فأنت مصيب».و أمّا قوله:«فالأحسن أن تكون«أو»فيه للتّفصيل،فقد سبقه إلى ذلك أبو البقاء،فإنّه قال:و«أو» هنا بمعنى الواو،لتفصيل مذاهبهم،أو لاختلاف أماكنها، و قد ذكرناه في قوله: كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى البقرة:

135.

و قال ابن عطيّة-رادّا على هذا القول،أعني كون (الحوايا)نسقا على(شحومهما)و على هذا تدخل (الحوايا)في التّحريم،و هذا قول لا يعضده لا اللّفظ و لا المعنى.بل يدفعانه،و لم يبيّن وجه الدّفع فيهما.

الثّالث:أنّ(الحوايا)في محلّ نصب عطفا على المستثنى،و هو: ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما، كأنّه قيل:إلاّ ما حملت الظّهور،أو إلاّ الحوايا،أو إلاّ ما اختلط،نقله مكّيّ،و أبو البقاء بدأ به،ثمّ قال:و قيل:هو معطوف على «الشّحوم».و نقل الواحديّ عن الفرّاء أنّه قال:«يجوز أن تكون في موضع نصب،بتقدير حذف المضاف،على أن تريد:«أو شحوم الحوايا،فتحذف الشّحوم،و تكتفي بالحوايا،كما قال تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82، يريد أهلها.و حكى ابن الأنباريّ عن أبي عبيد أنّه قال:

ص: 407

قلت:للفرّاء،هو بمنزلة قول الشّاعر:

لا يسمع المرء فيها ما يؤنّسه

باللّيل إلاّ نئيم اليوم و الضّوعا

فقال لي:نعم،يذهب إلى أنّ«الضّوع»عطف على «النّئيم»و لم يعطف على«اليوم»،كما عطفت(الحوايا) على(ما)،و لم تعطف على«الظّهور».قلت:فمقتضى ما حكاه ابن الأنباريّ أن تكون(الحوايا)عطفا على(ما) المستثناة،و في معنى ذلك قلق بيّن،هذا ما يتعلّق بإعرابها.

و أمّا ما يتعلّق بمدلولها.فقيل:هي المباعر،[و ذكر جملة من الأقوال،ثمّ قال:]

فإن كان مفردها حاوية فوزنها:«فواعل»، ك«ضاربة و ضوارب»،و نظيرها في المعتلّ:«راوية و روايا،و زاوية و زوايا»،و الأصل:«حواوي»، ك«ضوارب»فقلبت الواو الّتي هي عين الكلمة همزة، لأنّها ثاني حرفي لين اكتنفا مدّة«مفاعل»،فاستثقلت همزة مكسورة فقلبت ياء،فاستثقلت الكسرة على الياء،فجعلت فتحة،فتحرّك حرف العلّة و هو الياء الّتي هي لام الكلمة بعد فتحة فقلبت ألفا فصارت(حوايا).

و إن شئت قلت:قلبت الواو همزة مفتوحة،فتحرّكت الياء و انفتح ما قبلها فقلبت ألفا،فصارت همزة مفتوحة بين ألفين يشبهانها،فقلبت الهمزة ياء،و قد تقدّم تحقيق هذا في قوله: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ البقرة:58.

و اختلف أهل التّصريف في ذلك،و كذلك إذا قلنا:

مفردها حاوياء كان وزنها:«فواعل»أيضا،ك«قصعاء و قاصع،و راهطاء و رواهط»،و الأصل:حواوي أيضا، ففعل به ما فعل فيما قبله.و إن قلنا:إنّ مفردها حويّة فوزنها:«فعائل»،ك«ظرائف»،و الأصلى:حوائي، فقلبت الهمزة ياء مفتوحة،و قلبت الياء الّتي هي لام ألفا، فصار اللّفظ(حوايا)أيضا،فاللّفظ متّحد،و العمل مختلف.و قوله: أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ فيه ما تقدّم في (حوايا).و رأي الفرّاء فيه أنّه منصوب نسقا على(ما) المستثناة في قوله: إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما، و المراد به:

الألية.«و قيل:هو كلّ شحم في الجنب و العين الأذن و القوائم».(3:208)

الشّربينيّ: أي ما حملته الحوايا و هي الأمعاء الّتي هي متعاطفة ملويّة،جمع:حويّة،فوزنها«فعائل» كسفينة و سفائن.و قيل:جمع حاوية أو حاوياء، كقاصعاء فهو«فواعل».(1:456)

نحوه أبو السّعود(2:456)،و البروسويّ(3:115).

الشّوكانيّ: (الحوايا)معطوف على(ظهورهما)،أي إلاّ ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا.[إلى أن قال:]

و قيل:إنّ(الحوايا)و مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ معطوفة على«الشّحوم».و المعنى:حرّمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم،إلاّ ما حملت ظهورهما،فإنّه غير محرّم،و لا وجه لهذا التّكلّف،و لا موجب له،لأنّه يكون المعنى إنّ اللّه حرّم عليهم إحدى هذه المذكورات.

(2:218)

الآلوسيّ: (الحوايا)بما اشتملت عليه الأمعاء،لأنّه من حواه بمعنى اشتمل عليه،فيطلق على الشّحم الملتفّ على الأمعاء.و جوّز غير واحد أن يكون العطف على (ظهورهما)،و أن يكون على(شحومهما)،و حينئذ يكون ما ذكر محرّما.و إليه ذهب بعض السّلف.

ص: 408

(الحوايا):قيل:جمع حاوية،كزاوية و زوايا و وزنه «فواعل»و أصله حواوي فقلبت الواو الّتي هي عين الكلمة همزة،لأنّها ثاني حرفي لين اكتنفا مدّة«مفاعل» ثمّ قلبت الهمزة المكسورة ياء،ثمّ فتحت لثقل الكسرة على الياء،فقلبت الياء الأخيرة ألفا لتحرّكها بعد فتحة، فصارت حوايا،أو قلبت الواو همزة مفتوحة،ثمّ الياء الأخيرة ألفا،ثمّ الهمزة ياء لوقوعها بين ألفين،كما فعل بخطايا.

و قيل:جمع حاوياء كقاصعاء و قواصع،و وزنه «فواعل»أيضا،و إعلاله كما علمت.و قيل:جمع حويّة كظريفة و ظرائف،و وزنه«فعائل»و أصله حوائي،فقلبت الهمزة ياء مفتوحة،و الياء الّتي هي لام ألفا فصار حوايا.

(8:47)

القاسميّ: أي:الأمعاء و المصارين،أي ما حملته من الشّحوم.(6:2539)

رشيد رضا :اختلف في الاستثناء هنا،هل هو منقطع أو متّصل من«الشّحوم»،و بنوا عليه أحكاما في من يحلف لا يأكل شحما فأكل ممّا استثنى،و الصّواب:أنّ مبنى الأيمان على العرف لا على حقيقة مدلول اللّغة،و كلّ منهما معروف عند أهله.و سبب تخصيص البقر و الغنم بالحكم،هو أنّ القرابين عندهم لا تكون إلاّ منهما،و كان يتّخذ من شحمهما المذكور الوقود للرّبّ،كما هو مفصّل في الفصل الثّالث من سفر اللاّويّين.و قد صرّح فيه بأنّه الشّحم الّذي يغشى الأحشاء و الكليتين و الألية من عند العصعص،أي دون ما في عظم العصعص.و قال بعد التّفصيل في قرابين السّلامة من البقر و الغنم بقسميه الضّأن و المعز ما نصّه:كلّ الشّحم للرّبّ فريضة في أجيالكم في جميع مساكنكم،لا تأكلوا شيئا من الشّحم و لا من الدّم.(8:173)

المراغيّ: «الحوايا»:المباعر أو المرابض،مجتمع الأمعاء في البطن أو المصارين و الأمعاء.(8:57)

ابن عاشور :(الحوايا):معطوف على(ظهورهما) فالمقصود العطف على المباح لا على المحرّم،أي أو ما حملت الحوايا،و هي جمع:حويّة،و هي الأكياس الشّحميّة الّتي تحوي الأمعاء.(7:106)

الطّباطبائيّ: [ذكر القولين في محلّ إعراب(الحوايا) ثمّ قال:]و الوجه الأوّل:[رفعا]أقرب.

(7:365)

المصطفويّ: يستثنى«الشّحوم»من(ظهورهما) أو من(الحوايا)،أي ما كانت في الدّاخل و البطن و من محتوياته المتجمّعة فيه،جمع:الحويّة.(2:352)

فضل اللّه :(الحوايا)و هي المصارين و الأمعاء،لأنّها تحوي الفضلات.و قيل:(الحوايا):كلّ ما تحويه البطن، فإنّ الشّحوم المتّصلة بها غير محرّمة.و قيل:هي المباعر.

(9:357)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحويّة،أي المعى،و هي الحاوية و الحاوياء أيضا،و الجمع:حوايا،ثمّ حمل عليه استدارة كلّ شيء،كحويّ الحيّة،و حويّ بعض النّجوم، إذا رأيتها على نسق واحد مستديرة،و كحويّ الحوض الصّغير يسوّيه الرّجل لبعيره،يسقيه فيه؛يقال:قد

ص: 409

احتويت حويّا.

و الحويّة:حفرة ملتوية يملؤها ماء السّماء،فيبقى فيها دهرا طويلا.

و الحويّة:كساء يحوّى حول سنام البعير ثمّ يركب، أي يقبض و يجمع،تشبيها بانقباض الحوايا و تجمّعها؛ يقال:حوّى حويّة،أي عملها،و المنايا على الحوايا،أي قد تأتي المنيّة الشّجاع و هو على سرجه.

و الحواء و المحوّى و المحتوى:مجتمع بيوت الحيّ، و بيوت مجتمعه من النّاس على ماء،و الجمع:أحوية و محاو؛يقال:هم أهل حواء واحد.

و الحيّة:من الهوامّ،معروفة،لتحوّيها في لوائها، و حوى الحيّة:انطواؤها؛يقال:تحوّت الحيّة،أي تجمّعت و استدارت،و تطلق على الذّكر و الأنثى،و رجل حوّاء و حاو:يجمع الحيّات،و أرض محواة:كثيرة الحيّات.

و الاحتواء:جمع الشّيء و إحرازه،على التّشبيه؛ يقال:حوى الشّيء يحويه حيّا و حواية،و احتوى عليه، و الحواء:اسم المكان الّذي يحوي الشّيء،أي يجمعه و يضمّه.

و الحوّة:سواد إلى الخضرة،أو حمرة تضرب إلى السّواد،لأنّها تجمع ألوانا،و قد حوي و احواوى و احووى و احووى،فهو أحوى.

و الحوّة:سمرة الشّفة؛يقال:رجل أحوى و امرأة حوّاء،و قد حويت،و شفة حوّاء:حمراء تضرب إلى السّواد،و كثر في كلامهم حتّى سمّوا كلّ أسود أحوى.

و الأحوى:الأسود من الخضرة،و الجمع:حوّ، و جميم أحوى:يضرب إلى السّواد من شدّة خضرته، و هو أنعم ما يكون من النّبات،و احواوت الأرض:

اخضرّت.

و الحوّاء:نبت يشبه لون الذّئب،واحدته:حوّاءة.

و الحوّاءة:بقلة لازقة بالأرض،و الرّجل اللاّزم بيته، شبّه بهذه النّبتة.

و الأحوى من الخيل:هو الأحمر السّراة؛يقال:

احواوى الفرس يحواوي احويواء،و احووى يحووي احوواء،و بعير أحوى،إذا خالط خضرته سواد و صفرة.

و الحوّ من النّمل:نمل حمر يقال لها:نمل سليمان.

2-و حوّاء:زوج آدم عليهما السّلام؛قيل:سمّاها آدم بهذا الاسم،لأنّها خلقت من شيء حيّ،أي من ضلعه الأيسر.

و يقضي هذا القول بأن يكون لفظ«حوّاء»من(ح ي ي)،و هو خلاف القياس،لأنّ قياسه إن كان كذلك أن يكون«حيّاء»،كما يقال للرّجل:عيّان،و للمرأة:عيّا،من العيّ،و لا يقال:عوّان و عوّا بتاتا.

و الصّواب أنّه(فعّال)من(ح و ي)،مثل:لوّاء:اسم طير،و روّاء:سقّاء،و إن شئت جعلته(فعلاء)من(ح و ي)أيضا؛اجتمعت الواو و الياء،و سبقت إحداهما بالسّكون،فأدغمت الياء في الواو و شدّدتا.

و لم يتعرّض اللّغويّون لأصل هذا اللّفظ،بيد أنّ بعض المفسّرين القدامى ذهب إلى أنّه من الحياة،تبعا لأهل الكتاب؛إذ ورد في سفر التّكوين(3:20):«دعا آدم اسم امرأته حوّاء لأنّها أمّ كلّ حيّ».

و جاء فيه أيضا وصف خلق حوّاء:«فأوقع الرّبّ الإله سباتا على آدم فنام،فأخذ واحدة من أضلاعه و ملأ

ص: 410

مكانها لحما،و بنى الرّبّ الإله الضّلع الّتي أخذها من آدم امرأة،و أحضرها إلى آدم.فقال آدم:هذه الآن عظم من عظامي و لحم من لحمي.هذه تدعى امرأة،لأنّها من امرئ أخذت».التّكوين(2:21-23).

و هذا ما نجده في أغلب كتب التّفسير،و في بعض المعاجم،لاحظ(ض ل ع)في كتاب«العين»،و(ش ق ق)في«لسان العرب».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«احوى»و«الحوايا»كلّ منهما مرّة في آيتين:

1- وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى* فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى الأعلى:4،5

2- إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ... الأنعام:146

و يلاحظ أوّلا:أنّ الأحوى في(1): فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى لون من الحوّة،كالأخضر من الخضرة،و هو اللّون الأخضر الضّارب إلى السّواد،و فيه بحوث:

1-قيل:هو صفة ل(غثاء)،أي صار بعد الخضرة يابسا،فتغيّر إلى السّواد،أو أنّ شدّة الخضرة تشبّه بالسّواد،و منه:سواد العراق،أي قراه و ريفه.قال الطّبريّ:«إنّما عني به هاهنا أنّه جعله هشيما يابسا متغيّرا إلى الحوّة،و هي السّواد من بعد البياض،أو الخضرة من شدّة اليبس».

و قيل:هو حال من(المرعى)ففيه تقديم و تأخير، و التّقدير:الّذي أخرج المرعى أحوى،فجعله غثاء،أي أخرج المرعى في حال خضرته فجعله غثاء.و ردّه الطّبريّ قائلا:«و هذا القول-و إن كان غير مدفوع أن يكون ما اشتدّت خضرته من النّبات،قد تسمّيه العرب أسود-غير صواب عندي،بخلافه تأويل أهل التّأويل في أنّ الحرف إنّما يحتال لمعناه المخرج بالتّقديم و التّأخير، إذا لم يكن له وجه مفهوم إلاّ بتقديمه عن موضعه أو تأخيره،فأمّا و له في موضعه وجه صحيح،فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتّقديم و التّأخير».

و قال أبو البركات:«لا يكون قوله تعالى: فَجَعَلَهُ غُثاءً فصلا بين الصّلة و الموصول،لأنّ قوله: فَجَعَلَهُ غُثاءً داخل في الصّلة،و الفصل بين بعض الصّلة و بعضها غير ممتنع،و إنّما الممتنع الفصل بين بعضها و بعض بأجنبيّ عنها».

و قال الآلوسيّ:«سرّ التّقديم المبالغة في استعقاب حالة الجفاف حالة الرّفيف و الغضارة،كأنّه قيل:إن يتمّ رفيفه و غضارته يصير غثاء».

و لعلّ القول الثّاني أقرب إلى السّياق من الأوّل،رغم ما فيه من التّكلّف و الخلاف للظّاهر،لأنّه يوافق.فواصل الآيات و رويّها،كما ذهب إلى ذلك خليل ياسين،فرويّ هذه السّورة ألف مقصور.

و قال الطّبرسيّ: ...هو قوت البهائم في الحالين، فسبحان من دبّر هذا التّدبير،و قدّر هذا التّقدير»!

2-جاءت هذه الآية و الآية الّتي سبقتها بين كلام مسوق إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حثّا له على تسبيح اللّه و ذكره.قال الطّبرسيّ:«قيل:إنّه مثل ضربه اللّه تعالى لذهاب الدّنيا بعد نضارتها».

ص: 411

و قال البروسويّ: «إشارة إلى قصر مدّة الخضرة، و رمز إلى قصر مدّة العمر و سرعة زوال الدّنيا و نعيمها».

3-اختصّ الرّعي و المرعى بالسّور المكّيّة،كما اختصّ الأثل و السّدر و الخمط و الزّقّوم و الضّريع بها أيضا.و كذلك اختصّ الغثاء و الحوّة بها،كما اختصّ اليبس و الهشيم و الاصفرار و اخضرار النّبات بها أيضا.

و كأنّ بين إخراج المرعى أحوى،و بين جعله غثاء طباقا،لأنّ المرعى يتّصف بالنّضارة و الازدهار و الزّهوّ و الرّفيف و الوريف،بينما الذّبول و الذّويّ و الجفوف و اليبس و الاصفرار و الهشيم خلافه،و هو صفة الغثاء.

و اختصّ هذا المعنى بالسّور المكّيّة،لأنّ هذه الظّاهرة مألوفة لأهل مكّة،فهم يرون حوّة المرعى و يبسه،كما يرون غثاء السّيل و زباده.

ثانيا:جاءت الحوايا في(2): إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا جمعا لحويّة و حاوية و حاوياء، و فيها بحوث:

1-فسّرت على أنحاء:

ما تحوّى من البطن،أي ما استدار منها،و هو يطابق اللّغة كما تقدّم،رواه ابن الجوزيّ عن أبي عبيدة،و نسبه الماورديّ إلى الرّمّانيّ.

أو الأمعاء الّتي عليها الشّحم من داخلها،و هو قريب من الأوّل،لأنّ الأمعاء تتحوّى في البطن،قاله الجبّائيّ.

و نسبه الماورديّ إلى بعض المتأخّرين،و ليس كذلك كما ترى،لأنّ الجبّائيّ من المتقدّمين،إلاّ أن يعدّه من الرّعيل الثّاني من التّابعين.

أو بنات اللّبن،أي خزائنه،لأنّه يخلّص في البطن، قاله عبد الرّحمن بن زيد.

أو المباعر،و هي مواضع خروج البعر من الأمعاء، و هو قول ابن عبّاس.و أضاف إليه مجاهد المرابض،و هما بمعنى واحد.

2-إنّ تعذّر ظهور علامات الإعراب في آخر (الحوايا)،أدّى إلى الاختلاف في موقعه من الجملة،و من ثمّ الاختلاف في حكمه.فقيل:إنّه في محلّ رفع عطفا على (ظهورهما)،و هو قول الكسائيّ،و حكم(الحوايا)عدم الحرمة على هذا القول،لأنّه مستثنى ممّا حرّم،و هو الشّحم.

و قيل:إنّه في محلّ نصب،و هو إمّا عطف على (شحومهما)،و يكون حكمه التّحريم كالشّحوم،و إمّا عطف على(ما)المستثناة في قوله: إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما، و حكمه عدم التّحريم،و إمّا بتقدير حذف مضاف،و تقديره:أو شحوم الحوايا،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه محلّه،فاكتسب إعرابه،و هو النّصب، كقوله: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82،كما اكتسب حكمه و هو التّحريم.

3-جاءت«او»في قوله:(او الحوايا)للإباحة، و نحوه قولهم:جالس الحسن أو ابن سيرين،أي جالسهما مجتمعين أو متفرّقين،و هو كقوله: وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً الدّهر:24.

و فضّل أبو حيّان أن تكون«او»هنا للتّفصيل،إن كانت(الحوايا)معطوفة على(شحومهما)،فقال:«فصّل بها ما حرّم عليهم من البقر و الغنم».

ص: 412

ح ي ث

اشارة

حيث

لفظ واحد،31 مرّة،في 14 سورة:

9 مكّيّة،5 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :للعرب في(حيث)لغتان،و اللّغة العالية:

(حيث)الثّاء مضمومة،و هو أداة للرّفع،يرفع الاسم بعده.و لغة أخرى:(حوت)رواية عن العرب لبني تميم.

[ثمّ استشهد بشعر](3:285)

سيبويه :هذا باب الظّروف المبهمة غير المتمكّنة، و ذلك لأنّها لا تضاف و لا تصرّف تصرّف غيرها،و لا تكون نكرة،و ذاك:أين،و متى،و كيف،و حيث،و إذ، و إذا،و قبل،و بعد.فهذه الحروف و أشباهها لمّا كانت مبهمة غير متمكّنة،شبّهت بالأصوات،و بما ليس باسم و لا ظرف.فإذا التقى في شيء منها حرفان ساكنان حرّكوا الآخر منهما،و إن كان الحرف الّذي قبل الآخر متحرّكا أسكنوه،كما قالوا:هل و بل و أجل و نعم...

فأمّا ما كان غاية نحو:قبل و بعد و حيث فإنّهم يحرّكونه بالضّمّة.و قد قال بعضهم:حيث،شبّهوه ب«أين».(3:285)

اللّيث:[نقل كلام الخليل و أضاف:]

يظنّون«حيث»في موضع نصب،يقولون:ألقه حيث لقيته،و نحو ذلك كذلك.(الأزهريّ 5:210)

الكسائيّ: و قد يكون فيها النّصب يحفزها ما قبلها إلى الفتح.و سمعت في بني تميم من بني يربوع و طهيّة من ينصب الثّاء على كلّ حال في الخفض و النّصب و الرّفع.

فيقول:حيث التقينا،و من حيث لا يعلمون.و لا يصيبه الرّفع في لغتهم.و سمعت في بني أسد بن الحارث بن ثعلبة، و في بني فقعس كلّها يخفضونها في موضع الخفض، و ينصبونها في موضع النّصب،فيقول:من حيث لا يعلمون،و كان ذلك حيث التقينا.و منهم من يخفض ب(حيث).[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 3:432)

ص: 413

ابن شميّل:الحوث:عرق الكبد.

(الصّاحب 3:192)

الأصمعيّ: و ممّا تخطئ فيه العامّة و الخاصّة باب «حيث و حين»غلط فيه العلماء مثل أبي عبيدة و سيبويه.

(الأزهريّ 5:210)

اللّحيانيّ: [نقل آخر كلام الكسائيّ:«و منهم من يخفض بحيث»و أضاف:]و ليس بالوجه.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 3:432)

ابن الأعرابيّ: يقال:تركتهم حاث باث؛إذا تفرّقوا،و مثلهما من مزدوج الكلام:خاق باق.

الحاثياء:تراب يخرجه اليربوع من نافقائه،بني على «فاعلاء».(الأزهريّ 5:211)

أبو حاتم: رأيت في كتاب سيبويه شيئا كثيرا يجعل «حين»حيث،و كذلك في كتاب أبي عبيدة بخطّه.

و اعلم أنّ«حيث و حين»ظرفان،ف«حين»ظرف من الزّمان،و«حيث»ظرف من المكان.و لكلّ واحد منهما حدّ لا يجاوزه،و الأكثر من النّاس جعلوهما معا «حيث».و الصّواب أن تقول:رأيتك حيث كنت،أي الموضع الّذي كنت فيه،و اذهب حيث شئت،أي إلى أيّ موضع شئت.و يقال:رأيتك حين خرج الحاجّ،أي في ذلك الوقت،فهذا ظرف من الزّمان،و لا يجوز حيث خرج الحاجّ.

و تقول:ائتني حين يقدم الحاجّ،و لا يجوز حيث يقدم الحاجّ.

و قد سيّر النّاس هذا كلّه«حيث»،فليتعهّد الرّجل كلامه.

فإذا كان موضع يحسن فيه«أين»و أيّ موضع فهو «حيث»،لأنّ«أين»معناه«حيث».و قولهم:حيث كانوا، و أين كانوا،معناهما واحد.و لكن أجازوا الجمع بينهما لاختلاف اللّفظين.(الأزهريّ 5:210)

أبو الهيثم:«حيث»ظرف من الظّروف،يحتاج إلى اسم و خبر،و هي تجمع معنى ظرفين،كقولك:حيث عبد اللّه قاعد زيد قائم.المعنى:الموضع الّذي فيه عبد اللّه قاعد زيد قائم.

و«حيث»من ظروف المواضع،لا من حروف المعاني،و إنّما ضمّت لأنّها ضمّنت الاسم الّذي كانت تستحقّ إضافتها إليه،و قال بعضهم:إنّما ضمّت لأنّ أصلها«حوث»فلمّا قلبوا واوها ياء ضمّوا آخرها،و هذا خطأ،لأنّهم إنّما يعقبون في الحرف ضمّة دالّة على واو ساقطة.(الأزهريّ 5:210)

ابن قتيبة :أمّا«حيثما»فتكتب موصولة،و كتبها بعضهم مفصولة،و ذلك خطأ،لأنّ«حيث»إذا انفردت فهي بمعنى مكان،و ترفع الفعل إذا وليها؛تقول:حيث يكون عبد اللّه أكون،فإذا زيد فيها«ما»تغيّرت و صارت بمعنى«أين»و جزمت الفعل؛تقول:حيثما تكن أكن، فدخول«ما»عليها يغيّر معناها،فكأنّها و«ما»حرف واحد،و على أنّ«ما»معها لا تكون أبدا في موضع اسم، كما كانت مع«أين»و غيرها في موضع اسم،فيجوز فيها ما جاز في غيرها من الفعل.(أدب الكاتب:172)

الحريريّ: أمّا«حيثما»فالاختيار أن تكتب موصولة،لأنّ«ما»لا تقع بعدها موقع الاسم،و كذلك «طالما و قلّما»لأنّ ما فيهما صلة،بدليل شبههما ب«ربّما»

ص: 414

في أنّ الفعل لم يكن يلي إحداهما إلاّ بعد اتّصالهما ب«ما».

(203)

ابن كيسان :«حيث»حرف مبنيّ على الضّمّ.و ما بعده صلة له يرتفع الاسم بعده على الابتداء،كقولك:

قمت حيث زيد قائم.و الكوفيّون يجيزون حذف«قائم» و يرفعون«زيدا»ب«حيث»و هو صلة لها.فإذا أظهروا «قائما»بعد زيد أجازوا فيه الوجهين:الرّفع و النّصب، فيرفعون الاسم أيضا و ليس بصلة لها،و ينصبون خبره و يرفعونه،فيقولون:«قامت مقام صفتين»و المعنى:زيد في موضع فيه عمرو،فعمرو مرتفع ب«فيه»،و هو صلة للموضع،و زيد مرتفع ب«في»الأولى،و هي خبر و ليست بصلة لشيء.و أهل البصرة يقولون:«حيث مضافة إلى جملة،فلذلك لم تخفض»و قد أنشد الفرّاء بيتا أجاز فيه الخفض.

*أ ما ترى حيث سهيل طالعا*

فلمّا أضافها فتحها كما يفعل ب«عند و خلف».

(الأزهريّ 5:211)

ابن دريد :«حيث»كلمة معروفة،ليستدلّ بها على المكان،مبنيّة على الضّمّ.(2:36)

و قد قالوا:«حوث»بمعنى(حيث).و في الحديث «القهما حوث وقعتا»،و يقال:ترك فلان بني فلان حوثا بوثا،إذا أغار عليهم.(3:217)

النّحّاس: حيث و حيث و حيث،و حوث و حوث و حاث،كلّها لغات.(القرطبيّ 1:303)

الصّاحب:للعرب في«حيث»لغتان:حيث و حوث.

و منهم من ينصبه في موضع نصب،و قد يجعل اسما فيقولون:«هي أحسن النّاس حيث نظر ناظر»يعني وجها.

و الحوثاء:من أعفاج البطن.

و صار القوم حوث بوث و حاث باث،إذا تفرّقوا شلالا،و حوثا بوثا،و حيث بيث.(3:192)

الجوهريّ: «حيث»كلمة تدلّ على المكان،لأنّه ظرف في الأمكنة بمنزلة«حين»في الأزمنة.و هو اسم مبنيّ،و إنّما حرّك آخره لالتقاء السّاكنين.فمن العرب من يبنيها على الضّمّ تشبيها بالغايات،لأنّها لم تجئ إلاّ مضافة إلى جملة،كقولك:أقوم حيث يقوم زيد،و لم تقل:

حيث زيد.و تقول:حيث تكون أكون.

و منهم من يبنيها على الفتح مثل«كيف»استثقالا للضّمّ مع الياء.

و هي من الظّروف الّتي لا يجازى بها إلاّ مع«ما»، تقول:«حيثما تجلس أجلس»في معنى«أينما».

و قوله تعالى: وَ لا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى طه:

69.في حرف ابن مسعود:(أين أتى).

و العرب تقول:جئت من أين لا تعلم،أي من حيث لا تعلم.(1:280)

نحوه الرّازيّ.(182)

ابن فارس: الحاء و الياء و الثّاء ليست أصلا،لأنّها كلمة موضوعة لكلّ مكان،و هي مبهمة.تقول:«اقعد حيث شئت».و تكون مضمومة.و حكى الكسائيّ فيها الفتح أيضا.(2:122)

ابن سيده: «حيث»:ظرف من الأمكنة مبهم، مضموم و بعض العرب يفتحه،و زعموا أنّ أصلها الواو،

ص: 415

و إنّما قلبوا الواو ياء قلب الخفّة.و هذا غير قويّ.و قال بعضهم:اجتمعت العرب على رفع«حيث»في كلّ وجه، و ذلك أنّ أصلها حوث،فقلبت الواو ياء لكثرة دخول الياء على الواو،فقيل:حيث،ثمّ بنيت على الضّمّ لالتقاء السّاكنين.و اختير لها الضّمّ ليشعر ذلك بأنّ أصلها الواو؛ و ذلك لأنّ الضّمّة مجانسة للواو،فكأنّهم أتبعوا الضّمّ الضّمّ.(3:432)

الطّوسيّ: «حيث»مبنيّة على الضّمّ،كما تبنى الغاية،نحو:«من قبل و من بعد»لأنّه منع من الإضافة إلى المفرد،كما منعت الغاية من الإضافة إلى المفرد.

(1:159)

نحوه الطّبرسيّ.(1:84)

ابن الشّجريّ: «حيث»و هو من الظّروف الّتي لزمتها الإضافة إلى جملة،فأشبه بذلك إذ تقول:«جلست حيث زيد جالس،و حيث جلس زيد»،كما تقول:

«خرجت إذ زيد جالس،و دخلت إذ جلس زيد».

و يدلّك على أنّها للمكان قولك:«زيد حيث عمرو جالس»أخبرت بها عن شخص.و قد استعملوها للزّمان،و هو قليل كقوله:

للفتى عقل يعيش به حيث تهدى بساقه قدمه

و فيها لغات:منهم من بناها على الفتح لمكان الياء، و هو القياس،حملا على«أين و كيف و ليت...».و منهم من بناها على الضّمّ.و هي لغة التّنزيل و ذلك أنّ إضافتها إلى الجملة لا اعتداد بها،لأنّ حقّ الظّرف المكانيّ أن يضاف إلى المفرد،فلمّا عدمت الإضافة الّتي يستحقّها ظرف المكان صارت إضافتها كلا إضافة،فأشبهت الغايات الّتي استحقّت البناء على الضّمّ،لقطعها عن الإضافة.و من قال:«حيث»فكسرها،فلأنّ الكسرة أصل حركة التقاء السّاكنين.و نظيرها في ذلك«جير».

و قد استعملوها في الأحوال الثّلاثة بالواو فقالوا:

«حوث و حوث و حوث».(2:262)

السّمين:ظرف مكان.و المشهور بناؤها على الضّمّ،لشبهها بالحرف في الافتقار إلى جملة،و كانت حركتها ضمّة تشبيها ب«قبل»و«بعد».و نقل الكسائيّ إعرابها عن فقعس،و فيها لغات:«حيث»بتثليث الثّاء، و«حوث»بتثليثها أيضا،و نقل:«حاث»بالألف.و هي لازمة الظّرفيّة لا تتصرّف،و قد تجرّ ب«من»،كقوله تعالى:(من حيث امركم اللّه)البقرة:222،(من حيث لا تعلمون)الأعراف:182،و هي لازمة للإضافة إلى جملة مطلقا،و لا تضاف إلى المفرد إلاّ نادرا.

و قد تزاد عليها«ما»فتجزم فعلين شرطا و جزاء ك«إن»،و لا يجزم بها دون«ما»خلافا لقوم.و قد تشرّب معنى التّعليل،و زعم الأخفش أنّها تكون ظرف زمان.و لا دليل فيه لأنّها على بابها.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:190)

ابن هشام:(حيث)و طيّئ تقول:(حوث)و في الثّاء فيهما:الضّمّ تشبيها بالغايات،لأنّ الإضافة إلى الجملة كلا إضافة،لأنّ أثرها-و هو الجرّ-لا يظهر،و الكسر على أصل التقاء السّاكنين،و الفتح للتّخفيف.

و من العرب من يعرب(حيث)،و قراءة من قرأ (من حيث لا يعلمون) بالكسر تحتملها،و تحتمل لغة البناء على الكسر.

ص: 416

و هي للمكان اتّفاقا،قال الأخفش:و قد ترد للزّمان، و الغالب كونها في محلّ نصب على الظّرفيّة أو خفض ب«من»،و قد تخفض بغيرها.

و قد تقع(حيث)مفعولا به وفاقا للفارسيّ،و حمل عليه اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ الأنعام:124؛إذ المعنى أنّه تعالى يعلم نفس المكان المستحقّ لوضع الرّسالة فيه،لا شيئا في المكان.

و ناصبها«يعلم»محذوفا مدلولا عليه ب«اعلم»لا ب«أعلم»نفسه،لأنّ أفعل التّفضيل لا ينصب المفعول به، فإن أوّلته ب«عالم»جاز أن ينصبه في رأي بعضهم.و لم تقع اسما ل«أنّ»،خلافا لابن مالك،و لا دليل له في قوله:

إن حيث استقرّ من أنت راعي

ه حمى فيه....................

لجواز تقدير(حيث)خبرا،و«حمى»اسما.فإن قيل:

يؤدّي إلى جعل المكان حالا في المكان،قلنا:هو نظير قولك:«إنّ في مكّة دار زيد»و نظيره في الزّمان:«إنّ في يوم الجمعة ساعة الإجابة».

و تلزم(حيث)الإضافة إلى جملة:اسميّة كانت أو فعليّة،و إضافتها إلى الفعليّة أكثر،و من ثمّ رجح النّصب في نحو«جلست حيث زيد أراه»،و ندرت إضافتها إلى المفرد،كقوله:

و نطعنهم تحت الكلى بعد ضربهم

ببيض المواضي حيث ليّ العمائم

أنشده ابن مالك،و الكسائيّ يقيسه،و يمكن أن يخرج عليه قول الفقهاء:

«من حيث أن كذا».و أندر من ذلك إضافتها إلى جملة محذوفة.

قال أبو الفتح في كتاب«التّمام»:و من أضاف(حيث) إلى المفرد أعربها،انتهى.

و رأيت بخطّ الضّابطين:

*أ ما ترى حيث سهيل طالعا*

بفتح الثّاء من(حيث)و خفض سهيل،و حيث بالضّمّ و سهيل بالرّفع،أي موجود،فحذف الخبر.

و إذا اتّصلت بها«ما»الكافّة ضمّنت معنى الشّرط، و جزمت الفعلين كقوله:

حيثما تستقم يقدّر لك اللّه

نجاحا في غابر الأزمان

و هذا البيت دليل عندي على مجيئها للزّمان.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](1:131)

الفيّوميّ: «حيث»:ظرف مكان،و يضاف إلى جملة،و هي مبنيّة على الضّمّ.و بنو تميم ينصبون إذا كانت في موضع نصب،نحو«قم حيث يقوم زيد».و تجمع معنى ظرفين،لأنّك تقول:أقوم حيث يقوم زيد و حيث زيد قائم،فيكون المعنى أقوم في الموضع الّذي فيه زيد.

و عبارة بعضهم:«حيث»من حروف المواضع لا من حروف المعاني،و شذّ إضافتها إلى المفرد في الشّعر، و يشتبه ب«حين».(159)

الآلوسيّ: ظرف مكان مبهم،لازم للظّرفيّة، و إعرابها لغة بني فقعس،و لا تكون ظرف زمان خلافا للأخفش،و لا يجزم بها دون«ما»خلافا للفرّاء،و لا تضاف للمفرد خلافا للكسائيّ،و لا يقال:زيد حيث

ص: 417

عمرو،خلافا للكوفيّين.و يعتقب على آخرها الحركات الثّلاث-مع الياء و الواو و الألف-و يقال:(حايث)على قلّة.(1:234)

مجمع اللّغة :«حيث»:ظرف مكان مبهم،يوضّحه ما بعده،يأتي مسبوقا ب«من»و مجرّدا عنها.(1:309)

محمّد إسماعيل إبراهيم:«حيث»:ظرف مكان مبهم،يوضّحه ما بعده،و ترد للزّمان أيضا.و هي مبنيّة على الضّمّ دائما،و تتّصل بها«ما»الكافّة،فتتضمّن معنى الشّرط،و تجزم فعلين.(152)

العدنانيّ: و يخطّئون من يقول:«خالد من حيث نشاطه فذّ».و يقولون:«يجب أن نقول:«من حيث نشاطه»؛بإعراب«نشاطه»مبتدأ و ليس مضافا إليه،كما تعرب الأسماء بعد الظّروف.

هذا هو رأي معظم النّحاة،و لكن عليّ بن حمزة الكسائيّ أحد أئمّة الكوفيّين في النّحو-يؤيّده عدد غير قليل من النّحاة-يجيزون أن نضيف الظّرف«حيث»إلى الاسم بعده،فنقول:من حيث نشاطه،كما نقول:من حيث نشاطه.

فضمّ الطّاء بإضافة«حيث»إلى الجملة الاسميّة، و تجوز إضافتها إلى الجملة الفعليّة أيضا.بينهما الجملة الأولى الّتي كسرنا فيها طاء«نشاطه»مضافة إلى المفرد.

و قد استشهد الكسائيّ.[بشعرين]

و قد ذكر محمود شكريّ الآلوسيّ في كتابه«الضّرائر» أنّ إضافة«حيث»إلى المفرد ضرورة شعريّة.

[و استشهد بالشّعرين المشار إليهما]

و يعرب بعضهم«حيث»،فيقولون:من حيث،و أنا لا أنصح بذلك،و أوثر ضمّ الاسم بعد«حيث».و لا أخطّئ من يجرّه بالإضافة.

(معجم الأخطاء الشّائعة:74)

المصطفويّ: كلمة«حيث»من أسماء الظّروف المكانيّة،و لازم أن تضاف إلى جملة يرتفع إبهامها.و لمّا كانت الإضافة إلى الجملة غير ظاهرة في اللّفظ فشبّهت بالغايات،و بنيت على الضّمّ مثلها.

و التّحقيق:أنّ كلمة«حيث»تدلّ على المكان و المورد،محسوسا أو معقولا بقيد الكيفيّة،أي تدلّ على المكان مع كيفيّة و حيثيّة.[ثمّ استشهد بآيات]

فهذه الكلمة فيها تدلّ على المكان و على الكيفيّة معا،كما أنّ كلمة«أين»تدلّ على المكان استفهاما أو شرطا،و كذلك«أنّى».

و قد يغلب عليها مفهوم الكيفيّة،فيقال:الإنسان من حيث أنّه إنسان،و البحث عنه من حيثيّة أنّه مادّيّ،أو من الحيثيّة الرّوحانيّة.و بهذا اللّحاظ قد يستفاد منها التّعليل،فيقال:النّار من حيث إنّها حارّة تسخّن الماء.

اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ الأنعام:124،أي أعلم في هذا المورد بتمام المصالح و جميع الحيثيّات و قاطبة الخصوصيّات و الكيفيّات.و معلوم أنّ من هو كذلك في مقام عمل و جعل أمر،لا يفعل إلاّ الأصلح و الأحقّ.

و هذا المعنى ألطف و أدقّ دلالة من جعلها مفعولا به، فإنّ العلم بالمورد يخصّ به،و التّعبير بهذا النّحو لا يفيد انتخاب الأصلح الأحقّ.و أيضا يستلزم التّجوّز في أفعل التّفضيل حتّى يصحّ عمله.(2:353)

ص: 418

النّصوص التّفسيريّة

حيث

لمّا كانت(حيث)مرتبطة ارتباطا وثيقا بما قبلها و بعدها من الكلمات،فقد جاء تفسيرها معها.

لاحظ:«أ ت ي-أ م ر-ث ق ف-ج ع ل-ح س ب-خ ر ج-ر أ ي-س ك ن-ش ع ر -ش ي أ-ص و ب-ف ي ض-ك و ن-م ض ي-و ج د».

الأصول اللّغويّة

1-حيث:ظرف مكان مبهم مبنيّ على الضّمّ؛لقطعه عن الإضافة،تشبيها بالغايات؛يقال:أقوم حيث يقوم زيد.و هو اسم على الأشهر،يرفع ما بعده من الأسماء على الابتداء؛يقال:قمت حيث زيد قائم.و يستعمل في معنى الشّرط باتّصاله ب«ما»الكافّة،فتجزم فعلين؛ يقال:حيث تجلس أجلس،أي أينما تجلس أجلس.

2-و في حيث لغتان:حيث،و هي المشهورة، و حوث،و هي لغة طيّئ أو تميم؛يقال:حوت عبد اللّه زيد.و قيل:لغة الواو هي الأصل،و إنّما قلبت ياء للخفّة، أو لكثرة دخول الياء على الواو،فصارت حيث،ثمّ بنيت على الضّمّ لالتقاء السّاكنين،و كانت ضمّة،للدّلالة على الواو،و ذلك لأنّ الضّمّة مجانسة للواو.

3-و استعمل العرب«ثاء»حيث مضموما و مفتوحا و مكسورا،و قد أجمعوا على الرّفع في كلّ وجه،و فتحه بعض بني تميم على كلّ حال أيضا،فيقولون:حيث التقينا، و من حيث لا يعلمون،و لا يصيبه الضّمّ في لغتهم.و قيل في علّة الفتح:إنّ الضّمّ ثقيل مع الياء،أو أنّ ما قبل الثّاء مفتوح.

و قال الكسائيّ: «سمعت في بني أسد بن الحارث بن ثعلبة و في بني فقعس كلّها يخفضونها في موضع الخفض، و ينصبونها في موضع النّصب،فيقول:من حيث،و كان ذلك حيث التقينا».

4-و قد ولّد في«إيران»لفظ«حيثيّت»،و هو يضارع المصدر الصّناعيّ في صياغته،و يراد به القدر و المنزلة؛يقال:هتك فلان حيثيّتي،أي ضامني و فضحني و حطّ من قدري.

و جمعت فئة من العلماء حيث على«حيثيّات»، فقالوا:لو لا الحيثيّات لبطلت الحكمة،يعنون به قول:

حيث إنّ كذا.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها كلمة واحدة 31 مرّة في 30 آية:

1-المكان في الدّنيا و الآخرة

1- ...اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما... البقرة:35

2- ...فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ... الأعراف:19

3- وَ إِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَ كُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ... الأعراف:161

4- وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً البقرة:58

5- وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَ امْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ

الحجر:65

ص: 419

6- وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ... يوسف:56

7- وَ لَمّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ... يوسف:68

8- فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ ص:36

9- ...وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ... الطّلاق:2،3

10- ...اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ...

الأنعام:124

11- ...فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ... البقرة:222

12- أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَ لا تُضآرُّوهُنَّ... الطّلاق:6

13 و 14- ...وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ... البقرة:144،150

15 و 16- وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... البقرة:149،150

17- ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ...

البقرة:199

18- وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ... البقرة:191

19- ...فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ... النّساء:89

20- ...فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ...

النّساء:91

21- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ... التّوبة:5

22- ...إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَ لا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى طه:69

23- ...إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ... الأعراف:27

24- وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ... الزّمر:74

2-عذاب الدّنيا

25- كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ الزّمر:25

26- ...وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ

النّحل:26

27- ...أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ

النّحل:45

28- وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ الأعراف:182

29- ...سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ

القلم:44

30- ...فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ... الحشر:2

يلاحظ أوّلا:أنّ«حيث»جاءت ظرف مكان فحسب في كلّ المواضع،و فيها بحوث:

1-تعني حيث«أين»خبرا و ليس استفهاما،و تؤيّده قراءة ابن مسعود في(22): (و لا يفلح السّاحر اين اتى) .

ص: 420

و قال الأخفش:«تقول العرب:«جئتك من أين لا تعلم»، يريد معنى الخبر»خلافا للمبرّد،حيث قال:«أمّا ما حكي عن العرب:جئتك من أين لا تعلم،فإنّما هو جواب من لم يفهم فاستفهم،كما يقول قائل:أين الماء و العشب»؟ و لكن تردّه قراءة ابن مسعود،فهي ليست استفهاما،كما يبدو من السّياق.

2-جاءت«حيث»في الآيات متقدّمة على الفعل مباشرة في جميع المواضع،و متأخّرة مباشرة عن الفعل أربع مرّات،و عن الاسم ستّ مرّات،و عن حرف الجرّ «من»ستّ عشرة مرّة،و عن الجارّ و المجرور«منها» ثلاث مرّات،و عن الواو مرّتين.

3-استعملت«حيث»في أمور الدّنيا،إلاّ الآية(1) و(2)فإنّهما يخصّان آدم و حوّاء في الجنّة و(24)فإنّها تخصّ دخول المتّقين في الجنّة أيضا.و جاءت سائر الآيات في أغراض مختلفة،كالقصّة في(3)إلى(8) و(22)،و الأحكام في(9)و(11)إلى(15)،و العبرة في (10)،و الأمر بقتل المشركين في(18)إلى(21)،و التّحذير من الشّيطان في(23)،و صفة العذاب في الدّنيا في(25) إلى(30)و أيضا فتلك الجنّة كانت من جنّات الدّنيا،دون الآخرة.

بيد أنّه يمكن القول:إنّ الآيتين الأوليين تخصّان الدّنيا أيضا،لأنّ آدم و حوّاء هبطا إلى الأرض بعد إخراجهما من الجنّة،و عاشا فيها و أصبحا من أهل الدّنيا.

ثانيا:لا تجرّ«حيث»إلاّ بحرف الجرّ«من»،و يتعلّق الجارّ و المجرور بالفعل المتقدّم عليها،و قد جاءت مجرورة به(14)مرّة كما تقدّم.

ص: 421

ص: 422

ح ي د

اشارة

تحيد

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحيد:ما شخص من الرّأس و الجبل و اعوجّ.و كلّ ما اشتدّ اعوجاجه من ضلع أو عظم فهو:

حيد،و جمعه:حيود.

و الرّجل يحيد عن الشّيء حيدا و حيدانا و حيدودة، إذا صدّ عنه خوفا و أنفة،و ما لك عنه محيد.[ثمّ استشهد بشعر](3:279)

اللّيث:الحيد:كلّ حرف من الرّأس.

و حيود البعير مثل الوركين و السّاقين.[و استشهد بالشّعر مرّتين](الأزهريّ 5:189)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحيد:المحدّد،غير الطّويل من أسفل الجبل.(1:165)

الحيدة،تقول:ما ينظر إليّ إلاّ الحيدة،أي نظر سوء.(1:191)

الحيد:الحرفة.

و يقال:اعلوا بنا ذلّ الطّريق و لا تعلوا بنا حيده و درأه.فحيده:غلظه،و درؤه:عوجه.[ثمّ استشهد بشعر](1:208)

الأصمعيّ: لم أسمع«فعلى»[حيدى]إلاّ في المؤنّث، إلاّ في قول الهذليّ.[ثمّ استشهد بشعر]

الحيد:شاخص يخرج من الجبل،فيتقدّم كأنّه جناح.

(الأزهريّ 5:190)

و يكون لملتقى كلّ عظمين من[الصّدر]حيد،و ذلك ما أشرف من عظام الصّدر.[ثمّ استشهد بشعر]

(الكنز اللّغويّ: 216)

الحربيّ: الحيود:كلّ عضلة شاخصة عن الجلد.

(1:238)

المبرّد: و الحيد:ما أشرف من الجبل أو غير ذلك.

يقال للطّنف:حيد،و هو الّذي يسمّيه أهل الحضر الإفريز،يقال:طنّف حائطك.و يقال للنّاتئ وسط

ص: 423

الكتف:حيد و عير و كذا النّاتئ في القدم.(2:96)

ابن دريد :الحيد:النّاتئ من الجبل،و الجمع:حيود و أحياد.و الحيود أيضا:حيود قرن الظّباء.و الوعول و هي العقود فيها.و حاد عن الشّيء يحيد حيادا.

(2:127)

و حاد عنه،إذا عدل عنه.(3:225)

باب«فعلى»و الإمالة أحسن فيه[نحو]حيدى، حمار حيدى:يحيد عن ظلّه لنشاطه.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:366)

ابن الأنباريّ: رجل حيدى:الّذي يحيد.[أي يحمي نفسه](الأزهريّ 5:189)

الأزهريّ: اشتكت الشّاة حيدا،إذا نشب ولدها فلم يسهل مخرجه.و يقال:في هذا العود:حرود و حيود:

أي عجر.و يقال:قدّ فلان السّير فحرّده و حيّده،إذا جعل فيه حيودا.و حيود القرن:ما تلوّى منه.و يقال:

قرن ذو حيد،أي ذو أنابيب ملتوية.[ثمّ استشهد بشعر](5:190)

الصّاحب:الحيد،و الحيود من الجبال:ما شخص منها و اعوجّ.و كذلك كلّ عضلة شاخصة:حيد.

و الحيد:العقد في قرن الظّبي،الواحدة:حيدة.

و الرّجل يحيد عن الشّيء،إذا صدّ عنه،حيدودة و حيدانا و محيدا و حيدا.و ما لك عنه محيد.

و الحيدى:الّذي يحيد.

و هو يمشي الحيدى،أي الخيلاء.

و ما تركت له حيادا و لا ليادا،أي شيئا.

و ما رأيت بإبلكم حيادا،أي شخبا من اللّبن.

و يقولون:حيدي حياد،إذا أمر بالحيدودة.

و ما ينظر إليّ إلاّ الحيدة و إلاّ ظلاما؛و هو نظر سوء.(3:178)

الجوهريّ: حاد عن الشّيء يحيد حيودا و حيدة و حيدودة:مال عنه و عدل؛و أصله حيدودة،بتحريك الياء فسكنت،لأنّه ليس في الكلام«فعلول»غير صعفوق.

و قولهم:حيدي حياد،هو كقولهم:فيحي فياح.

و حايده محايدة و حيادا:جانبه.

و حمار حيدى،أي يحيد عن ظلّه لنشاطه،و يقال:

كثير الحيود عن الشّيء.و لم يجئ في نعوت المذكّر شيء على«فعلى»غيره.

و الحيد بالتّسكين:حرف شاخص يخرج من الجبل.

يقال:جبل ذو حيود و أحياد،إذا كانت له حروف ناتئة في أعراضه لا في أعاليه.

و الحيدة:العقدة في قرن الوعل،و الجمع:حيود.و كلّ نتوّ في القرن و الجبل و غيرهما:حيد،و حيد أيضا،مثل بدرة و بدر.

و الحيدان:ما حاد من الحصى عن قوائم الدّابّة في السّير.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:467)

ابن فارس: الحاء و الياء و الدّال أصل واحد،و هو الميل و العدول عن طريق الاستواء.يقال:حاد عن الشّيء يحيد حيدة و حيودا.و الحيود:الّذي يحيد كثيرا، و مثله الحيدى على«فعلى».[ثمّ استشهد بشعر]

الحيد:النّادر من الجبل،و الجمع:حيود و أحياد.

و الحيود:قرن الظّبي،و هي العقد فيه،و كلّ ذلك راجع

ص: 424

إلى أصل واحد.(2:123)

الثّعالبيّ: الحيد:جناح الجبل.(287)

ابن سيده: الحيد:ما شخص من نواحي الشّيء، و جمعه:أحياد و حيود.و حيد الرّأس:ما شخص من نواحيه.و حيد الجبل:شاخص يخرج منه فيتقدّم كأنّه جناح.و كلّ ضلع شديدة الاعوجاج:حيد.و كذلك العظم.و الحيد و الحيود:حروف قرن الوعل.

و حاد عن الشّيء حيدا و حيدانا و محيدا و حيدودة:

عدل.الأخيرة عن اللّحيانيّ.

و الحيدى:الّذي يحيد،يقال:حمار حيدى.قال أميّة الهذليّ:

أو أصحم حام جراميزه حزابية حيدى بالدّحال

قال ابن جنّيّ:جاء بحيدى للمذكّر.و قد حكى عيره:

رجل دلظى،للشّديد الدّفع،إلاّ أنّه قد روي موضع حيدى:حيّد،فيجوز أن يكون هكذا،رواه الأصمعيّ لا حيدى.و كذلك أتان حيدى-عن ابن الأعرابيّ- سيبويه:حادان،«فعلان»منه،ذهب به إلى الصّفة، اعتلّت ياؤه لأنّهم جعلوا الزّيادة في آخره بمنزلة ما في آخره الهاء،و جعلوه معتلاّ كاعتلاله،و لا زيادة فيه،و إلاّ فقد كان حكمه أن يصحّ كما صحّ الجولان.

و الحياد:الطّعام.

و حيدة:اسم.

و حيدة:أرض.

و بنو حيدان:بطن.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(3:427)

الحيد:حاد عن الشّيء يحيد حيدا و حيدانا و محيدا:

مال عنه و عدل،و تنحّى و بعد.و حاد به عن الشّيء و أحاده عنه:صرفه.و حايده محايدة و حيادا:مال عنه، و كفّ عن خصومته.(الإفصاح 1:174)

الطّوسيّ: حاد يحيد حيدا و محيدا،و الحيد:الزّوال عن المكروه.(6:288)

الزّمخشريّ: حاد عنه و حايده:مال عنه حيادا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:ما عليه مزيد،و ما عنه محيد.و حيدي حياد:

أمر بالحيدودة و الرّوغان.و ما نظر إليّ إلاّ الحيدة،و هي نظر سوء فيه حيدودة.و قعد تحت حيد الجبل،و هو نادر كالجناح.

و في قرن الظّبي حيود،و هي عقده.

و ضربه على حيدة رأسه اليمنى،و على حيدتي رأسه، و هما العجرتان في جانبيه.

و اعلوا بنا ذلّ الطّريق،و لا تعلوا بنا حيدة الطّريق، و هي غلظه.(أساس البلاغة:100)

ابن الأثير: فيه:«أنّه ركب فرسا فمرّ بشجرة،فطار منها طائر فحادت فندر عنها».

حاد عن الشّيء و الطّريق يحيد،إذا عدل،أراد أنّها نفرت و تركت الجادّة.

و في خطبة عليّ: «فإذا جاء القتال قلتم:حيدي حياد».

حيدي،أي ميلي.و حياد بوزن قطام.

و في كلامه أيضا يذمّ الدّنيا:«هي الجحود الكنود، الحيود الميود»و هذا البناء من أبنية المبالغة.(1:466)

الصّغانيّ: [نحو المتقدّمين إلاّ أنّه أضاف:]...

ص: 425

و اشتكت الشّاة حيدا،إذا نشب ولدها فلم يسهل مخرجه.

و قد سمّوا:حيدة،بالفتح،و حيدا،بالكسر؛و أحيد، و حيادة،و حيدان.

و فلان حيد فلان،و حيده،بالفتح و الكسر،أي مثله.

هو يمشي الحيدى،أي مشية المختال.

و حيد عوّر؛و يقال:قوّر؛و يقال:حود حوّر:جبل بين حضرموت،و عمان،فيه كهف،و يتعلّم فيه السّحر، فيما يقال.(2:225)

الفيّوميّ: حاد عن الشّيء يحيد حيدة و حيودا:

تنحّى و بعد.و يتعدّى بالحرف و الهمزة،فيقال:حدت به و أحدته،مثل ذهب و ذهبت به و أذهبته.(1:158)

الفيروزآباديّ: حاد عنه يحيد حيدا و حيدانا و محيدا و حيودا و حيدة و حيدودة:مال.و الحيد:ما شخص من نواحي الشّيء،و من الجبل شاخص كأنّه جناح،و كلّ ضلع شديدة الاعوجاج،و العقدة في قرن الوعل،و كلّ نتوء في قرن أو جبل،جمعه:حيود و أحياد.

و حيد كعنب:المثل و النّظير،و يكسر.

و الحيدان كسحبان:ما حاد من الحصى عن قوائم الدّابّة في السّير.و الحيد محرّكة:الطّعام،و أن ينشب ولد الشّاة و لم يسهل مخرجه.

و الحيدى كجمزى:مشية المختال.و حمار حيدى، و حيّد ككيّس:يحيد عن ظلّه نشاطا،و لم يوصف مذكّر على«فعلى»غيره.و سمّوا حيدة و حيدا بالكسر،و أحيد و حيادة،و حيدان.و حيد عوّر،أو قوّر،أو خوّر:جل باليمن فيه كهف يتعلّم فيه السّحر.

و حايده محايدة و حيادا،جانبه.و ما ترك حيادا كسحاب شيئا أو شخبا من اللّبن.

و الحيدة:نظر سوء،و أرض.و حيدي حياد،كفيحي فياح.

و قدّ السّير فحيّده:جعل فيه حيودا.(1:300)

الطّريحيّ: ...و يحيد عنه:ينهزم عنه.

و في حديث عليّ عليه السّلام في ذمّ قومه:«فإذا جاء القتال قلتم:حيدي حياد» (1)أي إذا كان قتال تكرهون، و تقولون:أيّها الحرب حيدي حياد،أي جانبي منّا،من حايده محايدة:جانبه.

قال بعض شرّاح الحديث:«حيدي حياد»مثل فيحي فياح،و حياد و فياح كلاهما اسم للغارة،و فيحي، أي اتّسعي،و هذا من كلام الجاهليّة كانوا يتكلّمون به، أي أعرضي عنها أيّتها الحرب.

و في حديثه أيضا مع قومه:«فإذا جاء القتال كنتم حيدى»أي ميلى.

و حادت الدّابّة:نفرت و تركت الجادّة.

و الحائدين عن دين اللّه:العادلين.(3:42)

مجمع اللّغة :حاد عن الشّيء يحيد حيدا و حيدانا و حيدة:مال عنه و نفر منه.(1:310)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:152)

العدنانيّ: حاد منه،أو عنه.

و يخطّئون من يقول:حاد منه،لأنّ المعجمات تقول:

حاد عنه.و الصّواب:حاد عنه يحيد حيدا و حيدانا و محيدا0.

ص: 426


1- نهج البلاغة 1:70.

و حيدودة:مال عنه و عدل.و حاد منه:عدل عنه و نفر منه«مفردات الرّاغب»،لأنّ الآية:19،من سورة«ق» جاء فيها: ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ، أي تهرب و تفزع «تفسير الجلالين».

و استشهد عليّ اللّحيانيّ بقول الشّاعر:

يحيد حذار الموت من كلّ روعة

*و لا بدّ من موت-إذا كان-أو قتل

و ليست«من»هنا ضرورة شعريّة،لأنّنا نستطيع وضع«عن»بدلا منها دون أن يختلّ الوزن.

(معجم الأخطاء الشّائعة:74)

محمود شيت:حاد عن الشّيء حيدا،و حيدانا:

مال عنه.و يقال:حاد عن الطّريق.

أحاده عن الشّيء:صرفه.

حايده محايدة،و حيادا:مال عنه،و كفّ عن خصومته.

يقال:حيدي حياد:أمر بالانصراف و الزّوغان، تقوله للهارب و للمتشبّث برأيه.

الحياد:عدم الميل إلى طرف من أطراف الخصومة.

و الحياد الإيجابيّ في السّياسة الدّوليّة:ألاّ تتحيّز الدّولة لإحدى الدّول المتخاصمة،مع مشاركتها لسائر الدّول فيما يحفظ السّلم العامّ.

و الحيد:المثل و النّظير.

يقال:ما لك محيد عن هذا:مالك مفرّ منه.

حاد عن هدفه:مال عنه،و عن خطّته:لم ينفّذها حرفيّا.

الحياد:عدم الميل إلى أيّ طرف من الأطراف المتخاصمة،و عدم الاشتراك في الحرب.يقال:سويسرا دولة محايدة...

و الحياد الإيجابيّ: الابتعاد عن الحرب و التّعاون لإقرار السّلام.

و الحياد المسلّح:عدم الاشتراك في القتال مع تقوية الجيش عددا و عددا،ليكون مرهوب الجانب،يحافظ على حياد أمّته بقوّة السّلاح عند الحاجة.(1:202)

المصطفويّ: الّذي يظهر من موارد استعمال المادّة:

أنّ الأصل الواحد فيها هو الميل و الاعوجاج عن الاستقامة في نفسه من دون تجانب و تباعد،كاعوجاج في رأس الجبل،أو في الضّلع،أو في العظم،أو كانصراف و إعراض عن عقيدة أو فكر،أو إدبار و تولّي عن أمر و تركه.

و بهذا القيد يظهر الفرق بينها و بين الميل و العدول و الانحراف و التّنحّي و التّباعد و التّجانب و الاعوجاج؛ فإنّ البعد و الفصل مأخوذ في هذه الكلمات،و بعضها أعمّ.

راجع ح ي ف:«حيف».(2:355)

النّصوص التّفسيريّة

وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. ق:19

ابن عبّاس: تفرّ و تكره.(439)

الضّحّاك: تروغ.(الثّعلبيّ 9:100)

الحسن :تهرب.(الثّعلبيّ 9:100)

عطاء:تميل.(الثّعلبيّ 9:100)

مثله البغويّ(4:273)،و الخازن(6:196)،

ص: 427

و السّمين(6:178).

مقاتل:تنكص.(الثّعلبيّ 9:100)

الطّبريّ: يقول:هذه السّكرة الّتي جاءتك أيّها الإنسان بالحقّ هو الشّيء الّذي كنت تهرب منه،و عنه تروغ.(26:161)

نحوه الطّوسيّ.(9:365)

الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:أنّه كان يحيد من الموت،فجاءه الموت.الثّاني:أنّه يحيد من الحقّ، فجاءه الحقّ عند المعاينة.

و في معني«التّحيّد»وجهان:أحدهما:أنّه الفرار، قاله الضّحّاك.الثّاني:العدول،قاله السّدّيّ.[ثمّ استشهد بشعر](5:348)

الواحديّ: تهرب و تميل.(4:167)

نحوه الرّاغب(134)،و الطّبرسيّ(5:145)،و القرطبيّ (17:13).

الزّمخشريّ: تنفر و تهرب.و عن بعضهم أنّه سأل زيد بن أسلم عن ذلك فقال:الخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فحكاه لصالح بن كيسان،فقال:و اللّه ما سنّ عالية و لا لسان فصيح و لا معرفة بكلام العرب هو للكافر،ثمّ حكاهما للحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عبّاس فقال:أخالفهما جميعا هو للبرّ و الفاجر.(4:7)

ابن عطيّة: قال بعض المتأوّلين:المعنى:و جاءت سكرة فراق الحياة بالموت،و فراق الحياة حقّ يعرفه الإنسان و يحيد منه بأمله.و معنى هذا الحيد:أنّه يعرفه الإنسان و يحيد منه بأمله.و معنى هذا الحيد:أنّه يقول:

أعيش كذا و كذا،فمتى فكّر في قرب الموت حاد بذهنه و أمله إلى مسافة بعيدة من الزّمن.و أيضا فحذر الموت و تحرّزاته و نحو هذا حيد كلّه.(5:161)

ابن الجوزيّ: تهرب و تفرّ.(8:13)

الفخر الرّازيّ: (ذلك)يحتمل أن يكون إشارة إلى الموت،و يحتمل أن يكون إشارة إلى الحقّ،و حاد عن الطّريق،أي مال عنه.

و الخطاب قيل:مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو منكر،و قيل:مع الكافرين،و هو أقرب،و الأقوى أن يقال:هو خطاب عامّ مع السّامع،كأنّه يقول:ذلك ما كنت منه تحيد أيّها السّامع.(28:164)

ابن عربيّ: أي تميل إلى الأمور الظّاهرة،و تذهل عنها.(2:529)

البيضاويّ: تميل و تفرّ عنه،و الخطاب للإنسان.

(2:415)

النّيسابوريّ: [نحو البيضاويّ و قال:]و لا ريب أنّ هذا الهرب للفاجر يكون بالحقيقة،و للبرّ يكون بسبب نفرة الطّبع،إلاّ أنّه إذا فكّر في أمر نفسه و ما خلق هو لأجله،علم أنّ الموت راحة و خلاص عن عالم الآفات و البليّات.(26:79)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة ثمّ قال:]

و ظاهر(تحيد)أنّه خطاب للإنسان الّذي جاءته سكرة الموت.(8:124)

الشّربينيّ: (ذلك)أي هذا الأمر العظيم العالي الرّتبة،الّذي يحقّ لكلّ أحد الاعتداد له بغاية الجهد،(ما) أي الأمر الّذي(كنت)أي جبلّة و طبعا، مِنْهُ تَحِيدُ، أي تميل و تنفر و تروغ و تهرب.[ثمّ قال نحو الفخر الرّازيّ]

(4:84)

ص: 428

أبو السّعود:أي تميل و تنفر عنه.و الخطاب للإنسان، فإنّ النّفرة عنه شاملة لكلّ فرد من أفراده طبعا.

(6:126)

البروسويّ: (تحيد)من حاد عنه يحيد حيدا،إذا مال عنه،أي تميل و تهرب منه.و كنت تخاف منه و تكرهه،بل تحسب أنّه لا ينزل عليك بسبب محبّتك الحياة الدّنيا،كما في قوله: أَ وَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ إبراهيم:44،أي أقسمتم بألسنتكم بطرا و أشرا و جهلا و سفها،أو بألسنة الحال حيث بنيتم مشيدا و أملتم بعيدا،و لم تحدّثوا أنفسكم بالانتقال منها إلى هذه الحالة،فكأنّكم ظننتم أنّكم مالكم من زوال،ممّا أنتم عليه من التّمتّع بالحظوظ الدّنيويّة.فالخطاب في الآية للانسان المتقدّم على طريق الالتفات،فإنّ النّفرة عن الموت شاملة لكلّ فرد من أفراده طبعا.

و جوّز في«الكشّاف»أن تكون الإشارة إلى الحقّ، و الخطاب للفاجر،و هذا هو الظّاهر،لأنّ الكلام في الفجّار.قاله سعديّ المفتيّ.(9:118)

الآلوسيّ: أي تميل و تعدل،فالإشارة إلى الحقّ، و الخطاب للفاجر لا للإنسان مطلقا،و الإشارة إلى الموت، لأنّ الكلام في الكفرة،و إنّما جيء بقوله تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ق:16،لإثبات العلم بجزئيّات أحواله، و تضمين شبه وعيد لهؤلاء إدماجا،و التّخلّص منه إلى بيان أحواله في الآخرة،و لأنّ قوله سبحانه و تعالى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ ق:22،إلخ يناسب خطاب هؤلاء، و كذلك ما يعقبه على ما لا يخفى.

و أمّا حديث مقابليهم فقد أخذ فيه حيث قال عزّ و جلّ: وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ ق:31،الآيات.[ثمّ ذكر قول أبي السّعود و قال:]

و قال الطّيّبيّ: إن كان قوله تعالى: وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ متّصلا بقوله سبحانه: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ق:15،و قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ق:12،فالمناسب أن يكون المشار إليه الحقّ، و الخطاب للفاجر.و إن كان متّصلا بقوله تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ق:16،فالمناسب أن يكون المشار إليه الموت،و الخطاب للجنس،و فيه البرّ و الفاجر،و الالتفات لا يفارق الوجهين،و الثّاني هو الوجه،لقوله تعالى بعد ذلك: وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ إلخ ق:21،و تفصيله بقوله تعالى: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ ق:24، و وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ق:31،و فيه ما يعلم ممّا قدّمنا.[ثمّ ذكر كلام الزّمخشريّ و قال:]

و كأنّ هذه المخالفة لنحو ما سمعت عن الطّيّبيّ.

و في بعض الآثار ما يؤيّد القول بالعموم.[ثمّ ذكر روايتين و قال:]

إذ التّمثّل بالآية على تقدير العموم أوفق بالحال، كما لا يخفى.(26:182)

المراغيّ: أي ذلك الحقّ الّذي كنت تفرّ منه قد جاءك،فلا محيد،و لا مناص،و لا فكاك،و لا خلاص.

(26:161)

عزّة دروزة :تبتعد عن تذكّره أو تنفر منه و تهرب، و لا تفكّر فيه.(2:35)

ابن عاشور :تفرّ و تهرب،و هو مستعار للكراهية، أو لتجنّب أسباب الموت.و الخطاب للمقصود من الإنسان، و بالمقصود الأوّل منه و هم المشركون،لأنّهم أشدّ كراهية للموت،لأنّ حياتهم مادّيّة محضة،فهم يريدون طول

ص: 429

الحياة،قال تعالى: وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ البقرة:96،إذ لا أمل لهم في حياة أخرى،و لا أمل لهم في تحصيل نعيمها.

فأمّا المؤمنون فإنّ كراهتهم للموت المرتكزة في الجبلّة بمقدار الإلف،لا تبلغ بهم إلى حدّ الجزع منه.

و في الحديث:«من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه، و من كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه»،و تأويله بالمؤمن يحبّ لقاء اللّه للطّمع في الثّواب،و بالكافر يكره لقاء اللّه.و قد بيّنه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:«إنّ المؤمن إذا حضرته الوفاة رأى ما أعدّ اللّه له من خير فأحبّ لقاء اللّه»أي و الكافر بعكسه، و قد قال اللّه تعالى خطابا لليهود: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ الجمعة:8.

و تقديم(منه)على(تحيد)للاهتمام بما منه الحياد، و للرّعاية على الفاصلة.(26:255)

الطّباطبائيّ: الحيد:العدول و الميل على سبيل الهرب.

[إلى أن قال:]

و في قوله: ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ إشارة إلى أنّ الإنسان يكره الموت بالطّبع،و ذلك أنّ اللّه سبحانه زيّن الحياة الدّنيا و التّعلّق بزخارفها للإنسان ابتلاء و امتحانا، قال تعالى: إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ... الكهف:7.(18:348)

المصطفويّ: فإنّهم يستبعدون البعث و يجعلونه وراء ظهورهم،و يعرضون عن سبيل الآخرة، و لا يتهيّئون للموت عن الحياة الدّنيويّة.فظهر لطف التّعبير بهذه الكلمة،فإنّهم لا يتباعدون باعوجاجهم عن الحقّ،و لا يتنحّون عن طريق سيرهم إلى البعث.

(2:356)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ الموت حقيقة يهرب منها أغلب النّاس،لأنّهم يحسبونه فناء لا نافذة إلى عالم البقاء، أو لعلائقهم و ارتباطاتهم الشّديدة بالدّنيا و المواهب المادّيّة الّتي لهم فيها،فلا يستطيعون أن يصرفوا قلوبهم عنها،أو لسواد صحيفة أعمالهم.أيّا كان،فهم منه يهربون.

و لكن ما ينفعهم،و مصيرهم المحتوم في انتظار الجميع، و الجمل الّذي أناخ بكلكله على أبواب بيوتهم جميعا لا مفرّ لأحد منه،و لا بدّ أن ينزلوا إلى حفرة الموت، و يقال لهم:هذا ما كنتم منه تفرّون!

و قائل هذا الكلام ربّما هو اللّه أو الملائكة أو الضّمائر اليقظة أو الجميع...(17:32)

فضل اللّه : وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ لتنقلك إلى عالم آخر،يختلف عن العالم الّذي أنت فيه، فتفارق كلّ مواقع شغلك،و كلّ ملاعب لهوك و فرحك، ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ فتهرب من ذكره،و تبتعد عن مواقعه و إيحاءاته،و تعمل على الهاء نفسك عنه بأيّ شيء،ممّا يجلب الغفلة إلى وعيك و شعورك،لأنّك كنت مشدودا إلى الدّنيا بكلّ غرائزك و شهواتك و علاقاتك، و بكلّ ما ألفته من أوضاع و أشياء و أعمال.و ها أنت تواجه الحقّ في القضاء الإلهيّ،فتنشغل به في ما يشبه السّكرة عن كلّ من حولك من النّاس،و ما حولك من الأمور.(21:180)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحيد،أي ما شخص من الجبل و اعوجّ،و هو الحيد أيضا،و الجمع:حيود و أحياد؛ يقال:جبل ذو حيود و أحياد،إذا كانت له حروف ناتئة

ص: 430

في أعراضه لا في أعاليه،ثمّ أطلق على عامّة ما شخص من نواحي الشّيء و اعوجّ،كحيد الرّأس و القرن و العظم و الضّلع و العود و غيرها.و حيود القرن:ما تلوّى منه؛ يقال:قرن ذو حيد،أي ذو أنابيب ملتوية،و حيود البعير:

مثل الوركين و السّاقين،و في هذا العود حيود و حرود:

عجر و عقد،و الحيدة:العقدة في قرن الوعل.و قدّ فلان السّير فحرّده و حيّده:جعل فيه حيودا،و اشتكت الشّاة حيدا:نشب ولدها فلم يسهل مخرجه.

و الحيد:الميل و العدول عن الشّيء،و منه:الحيدان:

ما حاد من الحصى عن قوائم الدّابّة في السّير.

و الحيدى:الّذي يحيد؛يقال:حمار حيدى،أي يحيد عن ظلّه،و كذلك أتان حيدى.

و حاد عن الشّيء و الطّريق يحيد حيدا و حيدانا و محيدا و حيدودة،أي مال عنه و عدل.

و المحيد:المفرّ و العدول عن الشّيء؛يقال:ما لك محيد عن ذلك،و في الدّعاء:«اللّهمّ وعدك حقّ،و لقاؤك حقّ،لازم لا بدّ منه و لا محيد عنه».

2-و الحياد في اللّغة:مصدر حايده محايدة و حيادا، أي جانبه،و في الاصطلاح:عدم اشتراك دولة في نزاع مسلّح بين دولتين؛يقال:وقفت على الحياد.و تلتزم الدّول المتحاربة بواجبات معيّنة لاحترام حياد الدّولة المحايدة،و مثال ذلك سويسرا.

و منه:الحياد الايجابيّ،و هو مذهب حديث في السّياسة الدّوليّة المعاصرة،يطلق على موقف فريق من الدّول رفضت الانضمام إلى الدّول الغربيّة أو الكتلة الشّرقيّة في الحرب الباردة الّتي ظهرت في الفترة التّالية للحرب العالميّة الثّانية،أو الاشتراك في الأحلاف العسكريّة الّتي عقدتها الدّول الغربيّة أو الاتّحاد السّوفيتيّ و الدّول الموالية له،كما يطلق على هذه السّياسة عدم الانحياز، و تعتبر مصر و الهند و يوغسلافيا الرّائدة لهذه الفكرة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«تحيد»مرّة في آية:

وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ق:19

يلاحظ أوّلا:أنّ(تحيد)وحيد الجذر في القرآن، و فيه بحوث:

1-فسّر بالفرار و الهروب و النّفور و النّكوص و العدول و الكره و الرّوغ،و هي تتلخّص في معنيين:إمّا فرار و إمّا نفار،أي و جاءت شدّة الموت بالحقّ،ذلك ما كنت أيّها الإنسان عنه تميل و تعدل بالأمل و الحذر و الحيطة،و اجتناب أسباب الموت.و قيل:إنّ الإنسان يحيد من الحقّ فجاءه و رآه.

2-اختلف في المخاطب،فقيل:هذا خطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و هو بعيد،و قد استنكره الفخر الرّازيّ.و قيل:

خطاب للإنسان عامّة،قال أبو السّعود:«فإنّ النّفرة عنه شاملة لكلّ فرد من أفراده طبعا».و قيل:إنّه للكافر،و هو الأقرب،لأنّ الغالب على هذه السّورة إيعاد الكافرين و ذكر أخبارهم.

و قد فصّل الآلوسيّ نقلا عن الطّيّبيّ في المشار إليه ب(ذلك)،و في المخاطب ب كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ بأنّه إن كان قوله: وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ متّصلا بقوله: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ، و كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ق:15،و 12،فالمشار إليه(الحقّ)و المخاطب

ص: 431

(الفاجر)،و إن كان متّصلا بقوله: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ق:16،فالمشار إليه(الموت)و الخطاب للجنس و فيه البرّ و الفاجر،ثمّ رجّح الثّاني بقوله بعده:

وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ ق:21،حيث عمّ كلّ نفس،و لا يخصّ بالفاجر.

و الحقّ أنّ الكلام في هذا السّياق بدأ بقوله: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ و يستمرّ إلى فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:22،و لا علاقة له ب كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ، و لا ب بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ.

3-يرجع سبب فرار الكافر و نفاره من الموت إلى حبّه للحياة الدّنيا،و إنكاره للحياة الأخرى،فيخاف مغبّة ما أنكر،و تعلّقه بزخارف الدّنيا و زينتها.و أمّا المؤمن فهو يحبّ لقاء اللّه،و لا يخاف من الموت إن حلّ به، لإيمانه بانتقاله إلى عيش جديد،و نعيم لا يبيد.

4-قال ابن عاشور:«و تقديم(منه)على(تحيد)للاهتمام بما منه الحياد و للرّعاية على الفاصلة»و هو الوجه عندنا فيه و في نظائره،كما أنّ في التّقديم إفادة للحصر في بعض الآيات،مثل إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ، و هو هنا محتمل أيضا.

5-جملة ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ، تدلّ على الدّوام، فإنّ الكافر بل كلّ إنسان يكره الموت بطبعه طول عمره إلاّ المخلصين و قليل ما هم.

6-و فيها التفات عن الغيبة الّتي توجد في الآيات قبلها و بعدها،اهتماما به أيضا كالالتفات في إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ عمّا قبلهما.و قد جاء بعدها الالتفات مكرّرا في وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ* لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:21،22.

7-و في التّعبير عن الموت ب سَكْرَةُ الْمَوْتِ، تشبيه بليغ،لاحظ س ك ر:«سكرة».

ثانيا:استعمل(الحيد)في الميل عن الموت أو الحقّ، كما استعملت نظائره في شتّى المعاني،و منها:

1-الميل: وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً النّساء:27،أي تعدلوا عن الاستقامة.

2-التّحريف: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ النّساء:46،أي يعدلون بكلمات اللّه و أحكامه عن مواضعها.

3-الجنوح: وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ الأنفال:61،أي إن مالوا إلى المسالمة فمل إليها.

4-الصّدوف: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللّهِ وَ صَدَفَ عَنْها الأنعام:157،أي مال و عدل عنها.

5-الإلحاد: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ النّحل:103،أي لغة الّذي يميلون إليه القول أعجميّة.

6-الزّيغ: وَ مَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ سبأ:12،أي من يعدل من الجنّ عمّا أمر به.

7-النّكوب: وَ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ المؤمنون:74،أي عن الدّين الحقّ عادلون مائلون.

8-الجنف: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً البقرة:182،أي ميلا في الكلام و في الأمور كلّها.

ص: 432

ح ي ر

اشارة

حيران

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء:انشدتني امرأة من حمير ترقّص ابنا لها و تقول:

يا ربّنا من سرّه أن يكبرا فهب له أهلا و مالا حيرا

و الحير:الكثير من الأهل و المال.(الخليل 3:289)

الخليل: يقال:حار بصره يحار حيرة و حيرا، و ذلك إذا نظرت إلى الشّيء فغشي بصرك،و هو حيران تائه،و الجميع:حيارى،و امرأة حيرى.

و الطّريق المستحير،الّذي يأخذ في عرض مفازة، لا يدرى أين منفذه.

و الحائر:حوض يسيّب إليه مسيل الماء في الأمصار يسمّى هذا الاسم بالماء،و بالبصرة:حائر الحجّاج،معروف يابس لا ماء فيه و أكثر النّاس يسمّونه:الحير،كما يقال لعائشة:عيشة،يستحسنون التّخفيف و طرح الألف.

و إنّما سمّي حائرا،لأنّ الماء يتحيّر فيه،يرجع أقصاه إلى أدناه.

و استحار الرّجل بمكانه،إذا نزله أيّاما.

و الحيرة بجنب الكوفة،و النّسبة إليها:حاريّ،كقولهم في النّسبة إلى تمر:تمريّ،فأراد أن يقول:حيريّ،فسكّن الياء فصارت ألفا.

و الحارة:كلّ محلّة دنت من منازلهم،فهم أهل حارة.

[ثمّ ذكر نحو أبي عمرو ابن العلاء]

و المحارة:الصّدف.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(3:288)

سيبويه :[قالت]العرب:لا أفعل ذاك حيري دهر.

و قد زعموا أنّ بعضهم ينصب الياء،و منهم من يثقّل الياء أيضا.(3:307)

اللّيث:يقال:الماء يتحيّر في الغيم،و تحيّرت الرّوضة بالماء،إذا امتلأت.و تحيّر الرّجل،إذا ضلّ فلم يهتد لسبيله،و تحيّر في أمره.(الأزهريّ 5:231)

ص: 433

ابن شميّل:يقال:ذهب ذاك حاري الدّهر،و حيري الدّهر،أي أبدا،و يبقى حاري الدّهر و حيري الدّهر،أي أبدا.

يقول الرّجل لصاحبه:و اللّه ما تحور و لا تحول،أي ما تزداد خيرا.(الأزهريّ 5:232،233)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحائرة:جماعة.[ثمّ استشهد بشعر](1:168)

الحائرة من الشّاء:الّتي لا تشبّ أبدا،و هو من النّاس، يقال:و اللّه ما هو إلاّ حائرة من الحوائر،لا خير فيه.

(1:170)

و يقال:السّماء حيرى،و غيث حيران،إذا استوت السّماء.(1:194)

حير ما،أي ربّما.[ثمّ استشهد بشعر](1:205)

و قال الطّرمّاح:

في مستحير ردى المنون

و ملتقى الأسل النّواهل

يريد:يتحيّر الرّدى فلا يبرح.(الأزهريّ 5:232)

الأخفش: سمعت من يقول:لا أفعل ذلك حيريّ دهر،مثقّلة.و الحيريّ الدّهر:كلّه.(الأزهريّ 5:232)

أبو زيد :يقال:هذه أنعام حيرات،أي متحيّرة كثيرة،و كذلك النّاس إذا كثروا.

الحير:الغيم ينشأ مع المطر فيتحيّر في السّماء.

(الأزهريّ 5:233)

الأصمعيّ: يقال للمكان المطمئنّ الوسط المرتفع الحروف:حائر،و جمعه:حوران.

حار يحار حيرة و حيرا.(الأزهريّ 5:231)

اللّحيانيّ: لا تفعل ذلك أمّك حيرى،أي متحيّرة، كقولك:أمّك ثكلى،و كذلك الجميع.يقال:لا تفعلوا ذلكم أمّهاتكم حيرى.(ابن سيده 3:435)

أبو عبيد: الحائر:مجتمع الماء.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:231)

ابن الأعرابيّ: المستحير:الدّائم الّذي لا ينقطع.

و المتحيّر من السّحاب:الدّائم لا يبرح مكانه،يصبّ الماء صبّا،و لا تسوقه الرّيح.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:لا آتيه حيريّ دهر و لا حيريّ دهر و حير الدّهر،يريد ما تحيّر الدّهر.و حير الدّهر:جماعة حيري.

(الأزهريّ 5:232)

شمر:العرب تقول لكلّ شيء ثابت دائم لا يكاد ينقطع:مستحير و متحيّر.[ثمّ استشهد بشعر]

عن سفيان،عن الرّبيع بن قريع قال:سمعت ابن عمر يقول:أسلفوا ذاكم الّذي يوجب اللّه أجره،و يردّ إليه ماله،لم يعط الرّجل شيئا أفضل من الطّرق،الرّجل يطرق على الفحل أو على الفرس فيذهب حيريّ الدّهر،فقال له رجل:ما حيريّ الدّهر؟قال:لا يحسب...

هكذا رواه:حيريّ الدّهر،بفتح الحاء و تشديد الياء الثّانية و فتحها،[ثمّ نقل كلام سيبويه و أضاف:]

و قال أبو الحسن:سمعت من يقول:لا أفعل ذلك حيريّ دهر،مثقّلة،قال:و الحيريّ الدّهر:كلّه.

قوله:حيريّ الدّهر:يريد أبدا.

و سمعت ابن الأعرابيّ يقول:حيري الدّهر،بكسر الحاء،مثل قول سيبويه و الأخفش.و الّذي فسّره ابن عمر ليس بمخالف لهذا،أراد أنّه لا يحسب،أي لا يمكن أن

ص: 434

يعرف قدره و حسابه،لكثرته و دوامه على وجه الدّهر.

(الأزهريّ 5:231)

الدّينوريّ: من مطمئنّات الأرض الحائر،و هو المكان المطمئنّ الوسط المرتفع الحروف،و لا يقال:حير، إلاّ أنّ أبا عبيد قال في تفسير قول رؤبة:

*حتّى إذا ما هاج حيران الذّرق*

الحيران:جمع حير.لم يقلها أحد غيره،و لا قالها هو إلاّ في تفسير هذا البيت.(ابن سيده 3:435)

الحربيّ: قال طفيل الغنويّ:

*فحار و عقّت مزنة الرّيح و التقت*

وصف سحابا فقال:حار:لم يأخذ على القصد.

(1:52)

و قال ساعدة:

*حيران يركب أعلاه أسافله*

وصف سحابا فقال:هو حيران لا يبرح.(2:841)

ابن دريد :مال حير:كثير.

فأمّا قول العامّة:الحير،فخطأ،إنّما هو الحائر.

(2:147)

و الحائر،الّذي تسمّيه العامّة الحير،و الحائر من الأرض:انخفاض و حوله غلظ،فماء السّماء يتحيّر فيه، أي يجتمع،و يقال:حار يحور،إذا رجع.

و يقال:أعطاه اللّه مالا حيرا،أي كثيرا.[ثمّ استشهد بشعر](3:232)

حائر بائر،و سمج لمج و...فهذه الحروف إتباع لا تفرد.(3:430)

و يقال:تحيّرت القصاع و الحياض،إذا امتلأت.

و الحائر:الودك.(3:473)

أحارته:أدخلته أجوافها.(3:494)

الصّاحب:الحائر:حوض يسيّب إليه مسيل الماء، و الجميع:حيران،و يسمّى أيضا:الحير،لأنّه يتحيّر فيه الماء،و تحيّرت الأرض بالماء.

و تحيّر الرّجل:ضلّ فلم يهتد لسبيله.

[ثمّ قال نحو الخليل و أضاف:]

و استحار شبابه:تمّ و انتهى.و البعير:ظلع،و أصبح بعيركم مستحيرا.

و المستحار من الأرضين:الّذي في وهدان.

و الحيرة:بلد بجنب الكوفة،و النّسبة إليها:حاريّ.

و حيروا بهذا الموضع؛أي أقيموا،و به سمّيت الحيرة.

و الحيرتان:الحيرة و الكوفة.

و الحير:الكثير من الأهل و المال،و هو الحائر أيضا.

و كذلك الودك.و ثريدة مستحيرة و متحيّرة:كثيرة الودك.

و يقولون:لا أفعله حيريّ دهر،أي آخره،و قد تسكّن الياء الأخيرة.

و أصبحت الأرض حيرة،أي مخضرّة مبقلة.

(3:203)

ابن جنّيّ: في«حيري دهر»بالسّكون:عندي شيء لم يذكره أحد،و هو أنّ أصله«حيريّ دهر»و معناه مدّة الدّهر،فكأنّه مدّة تحيّر الدّنيا و بقائه.فلمّا حذفت إحدى الياءين بقيت الياء السّاكنة ساكنة كما كانت،يعني حذفت المدغم فيها و أبقيت المدغمة.و من قاله بتخفيف الياء فكأنّه حذف الأولى و أبقى الآخرة.فعذر الأوّل تطرّف ما حذف.و عذر الثّاني سكونه.و عندي أنّ

ص: 435

اشتقاقه من قولهم:حيروا بهذا الموضع،أي أقيموا.

و يحكى عن تبّع الأكبر الّذي يقال له:ذو المنار،أنّه لمّا رأى أن يأتي خراسان خلّف ضعفة جنده بالموضع الّذي كان به،قال لهم:حيروا بذا،أي بهذا المكان،فسمّي الحيرة.و كان يجري عليهم فسمّوا العباد،و المعنى ما أقام الدّهر.(الفائق 2:358)

الجوهريّ: حار يحار حيرة و حيرا،أي تحيّر في أمره.فهو حيران،و قوم حيارى.

و حيّرته أنا فتحيّر.

و تحيّر الماء:اجتمع و دار.

و الحائر:مجتمع الماء،و جمعه:حيران و حوران.

و رجل حائر بائر:إذا لم يتّجه لشيء.

و استحير الشّراب:أسيغ.

و تحيّر المكان بالماء و استحار،إذا امتلأ.

و المستحير:سحاب ثقيل متردّد ليس له ريح تسوقه.

و الحير بالفتح:شبه الحظيرة أو الحمى،و منه الحير بكربلاء.

و الحيرة،بالكسر:مدينة بقرب الكوفة،و النّسبة إليها حيريّ و حاريّ أيضا على غير قياس،و كأنّهم قلبوا الياء ألفا.

و يقال:لا آتيك حيريّ دهر،أي أبدا.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:640)

ابن فارس: الحاء و الياء و الرّاء أصل واحد،و هو التّردّد في الشّيء،من ذلك الحيرة.و قد حار في الأمر يحير،و تحيّر يتحيّر.

و الحير و الحائر:الموضع يتحيّر فيه الماء.

و يقال لكلّ ممتلئ:مستحير،و هو قياس صحيح، لأنّه إذا امتلأ تردّد بعضه على بعض،كالحائر الّذي يتردّد فيه الماء إذا امتلأ.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:123)

أبو سهل الهرويّ: الحائر،بالألف و الهمز:لهذا الّذي تسمّيه العامّة:الحير،و جمعه:حوران و حيران، بضمّ أوّله و كسره.

و أصله:المكان الواسع الّذي تسيل إليه الأمطار، و ربّما ذهب الماء منه و يبس،و يبقى اسم الحائر عليه.(التّلويح:96)

ابن سيده: حار بصره يحار حيرة و حيرا و حيرانا، و تحيّر،إذا نظر إلى الشّيء فعشي.

و تحيّر و استحار و حار:لم يهتد لسبيله،و هو حائر و حيران،من قوم حيارى،و الأنثى:حيرى.

و قد حيّره الأمر و الحير:التّحيّر.

و حار الماء فهو حائر،و تحيّر:تردّد.

و الحائر:مجتمع الماء،و قيل:هو حوض يسيّب إليه مسيل الماء من الأمطار،و قيل:الحائر:المكان المطمئنّ، يجتمع فيه الماء فيتحيّر،لا يخرج منه.

[و قال في كلام أبي عبيد الّذي أورده الدّينوريّ:] و ليس ذلك أيضا في كلّ نسخة.

و استعمل«حسّان بن ثابت»الحائر في البحر.

و الجمع من كلّ ذلك:حيران و حوران.

و قالوا:لهذه الدّار حائر واسع.و العامّة تقول:حير، و هو خطأ.

و الحائر:كربلاء،سمّيت بأحد هذه الأشياء.

و استحار المكان بالماء و تحيّر:تملّأ.و تحيّر فيه الماء:

ص: 436

اجتمع.

و تحيّر الماء في الغيم:اجتمع.و إنّما سمّي مجتمع الماء حائرا بتحيّره فيه،يرجع أقصاه إلى أدناه.

و تحيّرت الأرض بالماء لكثرته.

و استحار شباب المرأة و تحيّر:امتلأ و بلغ الغاية.

و الحيّر:الغيم ينشأ مع المطر فيتحيّر في السّماء،و تحيّر السّحاب:لم يتّجه جهة.

و الحائر:الودك،و مرقة متحيّرة:كثيرة الإهالة و الدّسم.و تحيّرت الجفنة:امتلأت طعاما و دسما.

و المحارة:الصّدفة،و جمعها:محار.

و محارة الأذن:صدفتها،و قيل:هي ما أحاط بسموم الأذن من قعر صحنيهما،و قيل:محارة الأذن:جوفها الظّاهر المتقعّر.و المحارة أيضا:ما تحت الإطار.و المحارة:

الحنك،و ما خلف الفراشة من أعلى الفم.و المحارة:منفذ النّفس إلى الخياشيم.و المحارة:النّقرة الّتي في كعبرة الكتف.و المحارة:نقرة الورك.

و المحارتان:رأسا الورك المستديران اللّذان تدور فيهما رءوس الفخذين.

و المحار-بغير هاء-من الإنسان:الحنك.و من الدّابّة:

حيث يحنّك البيطار.

و طريق مستحير:يأخذ في عرض مفازة،و لا يدرى أين منفذه.

و استحار الرّجل بمكان كذا و كذا:نزله أيّاما.

و الحير و الحير:الكثير من المال و الأهل.

و الحارة:كلّ محلّة دنت منازلهم.

و الحيرة:بلد بجنب الكوفة ينزلها نصارى العباد، و النّسبة إليها:حاريّ،و هو من نادر معدول النّسب، قلبت الياء فيه ألفا،و هو قلب شاذّ غير مقيس عليه غيره.

و السّيوف الحاريّة:المعمولة بالحيرة.

و الحاريّ: أنماط نطوع تعمل بالحيرة،تزيّن بها الرّحال.

و المستحيرة:موضع.

و لا أفعل ذلك حيريّ دهر،و حيزى دهر،أي أمد الدّهر.و حيرى دهر مخفّفة من حيريّ.

و قد يجوز أن يكون وزنه«فعلى»،فإن قيل:كيف ذلك و الهاء لازمة لهذا البناء فيما زعم«سيبويه»؟فإنّ هذا قد يكون نادرا من باب«انقحل».

[ثمّ ذكر كلام ابن الأعرابيّ في:لا آتيك حيريّ الدّهر...و قال:]

و لا أدري كيف هذا.

و الحياران:موضع.[و استشهد بالشّعر 14 مرّة]

(3:435)

الرّاغب: يقال:حار يحار حيرة فهو حائر و حيران، و تحيّر و استحار،إذا تبلّد في الأمر و تردّد فيه.

و الحائر:الموضع الّذي يتحيّر به الماء.قال الشّاعر:

*و استحار شبابها*

و هو أن يمتلأ حتّى يرى في ذاته حيرة.

و الحيرة:موضع،قيل:سمّي بذلك لاجتماع ماء كان فيه.(135)

ابن القطّاع:الرّجل يحار حيرة:اضطرب،و أيضا هلك.

ص: 437

و منه:حائر بائر،أي هالك في دين أو دنيا.

(1:256)

الزّمخشريّ: حار الرّجل في أمره فهو حائر و حيران،و امرأة حيرى،و هم و هنّ حيارى.و حيّرته فتحيّر،و حار بصره.

و من المجاز:حار الماء في المكان و تحيّر و استحار،إذا اجتمع و وقف.

كأنّه لا يدري كيف يجري.

و جفنة مستحيرة:ممتلئة.

و أتانا بمرقة مستحيرة:كثيرة الإهالة.

و استقينا من الحائر و الحيران،و هو شبه حوض يتحيّر فيه ماء المطر.

و استحار شباب المرأة،إذا تمّ و امتلأ.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا أفعل ذلك حيريّ دهر،و حيري دهر بالتّخفيف،أي ما وقف الدّهر و دام.

و يجوز أن يراد ما كرّ و رجع،من حار يحور.

و نشأ الحير،و هو سحاب ماطر يتحيّر في الجوّ و يدوم.(أساس البلاغة:101)

حيريّ دهر؛أي أبدا.و فيه ثلاث لغات:حيريّ دهر،و حيري دهر،بياء ساكنة،و حيريّ دهر،بياء مخفّفة.(الفائق 2:358)

ابن الشّجريّ: الحائر:المكان الّذي يتحيّر فيه الماء.

(2:347)

الطّبرسيّ: الحيران:المتردّد في أمر لا يهتدي إلى المخرج منه،و الفعل منه:حار يحار حيرة،و رجل حائر و حيران و قوم حيارى.(3:319)

المدينيّ: في حديث ابن سيرين في غسل الميّت «يؤخذ من سدر فيجعل في محارة أو سكرّجة».

المحارة،و الحير،و الحائر:الموضع الّذي يجتمع فيه الماء،و جمع المحارة:محار.قال ذو الرّمّة:

*...و من نشغ المحارا*

أي أوجر في حلقه الماء أو غيره،و أصل المحارة:

الصّدفة.(1:532)

ابن برّيّ: [ذكر شعرا لأبي ذؤيب ثمّ قال:]

استحار شبابها:جرى فيها ماء الشّباب.

(ابن منظور 4:224)

ابن الأثير: في حديث عمر:«أنّه قال:الرّجال ثلاثة:فرجل حائر بائر»،أي متحيّر في أمره لا يدري كيف يهتدي فيه.

[ثمّ ذكر حديث ابن عمر المتقدّم و أضاف:]أي لا يعرف حسابه لكثرته،يريد أنّ أجر ذلك دائم أبدا لموضع دوام النّسل.[ثمّ ذكر حديث ابن سيرين في غسل الميّت و أضاف:]

المحارة و الحائر:الموضع الّذي يجتمع فيه الماء،و أصل المحارة:الصّدفة،و الميم زائدة.

و قد تكرّر فيه ذكر«الحيرة»و هي بكسر الحاء:

البلد القديم بظهر الكوفة،و محلّة معروفة بنيسابور.

(1:466)

الصّغانيّ: الحير؛بالتّحريك:الحيرة.

و قولهم:لا أفعله حيريّ دهر،أي أبدا؛فيه ثلاث لغات:حيريّ دهر،بياء مشدّدة-و قد ذكرها الجوهريّ-

ص: 438

و حيري دهر،بياء ساكنة.و حيري دهر،بياء مخفّفة.[ثمّ ذكر قول ابن جنّيّ و قصّة تبّع و أضاف:]

و يقال أيضا:حيريّ الدّهر،بالفتح؛و حاريّ الدّهر، فصار فيه خمس لغات.

و الحيريّ: الدّهر كلّه.

و الحيرة،بالكسر:محلّة بنيسابور،ينسب إليها جماعة من أهل العلم.

و الحيرتان:الحيرة و الكوفة.

و الحارة:كلّ محلّة دنت منازلهم،فهم أهل حارة.

و يقال:فلان من حارة كذا،و من حانة كذا،أي محلّة كذا.

و الطّريق المستحير:الّذي يأخذ من عرض مفازة، و لا يدرى أين منفذه.

استحار البعير:طلع.

و ثريدة مستحيرة:و دكة.

و أصبحت الأرض حيرة،أي مخضرّة مبقلة.

و الحير:قصر كان بسرّمن رأى.

و الحيران:ماء بسلمية.

و حيّرة:بلد بجبل نطاع.

و حيار بني القعقاع:صقع من برّيّة قنّسرين.

و حير الدّهر،مثل:حيريّ الدّهر.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:485)

الفيّوميّ: حار في أمره يحار حيرا،من باب تعب، و حيرة:لم يدر وجه الصّواب،فهو حيران،و المرأة حيرى،و الجمع:حيارى.

و حيّرته فتحيّر،قال الأزهريّ:و أصله أن ينظر الإنسان إلى شيء فيغشاه ضوء،فينصرف بصره عنه.

و الحائر معروف قيل:سمّي بذلك لأنّ الماء يحار فيه، أي يتردّد.

و الحيرة،بالكسر:بلد قريب من الكوفة،و النّسبة إليه حيريّ»على القياس،و سمع حاريّ،على غير قياس.(1:158)

الفيروزآباديّ: حار يحار حيرة و حيرا و حيرا و حيرانا،و تحيّر و استحار:نظر إلى الشّيء فغشي عليه و لم يهتد لسبيله،فهو حيران و حائر،و هي حيراء،و هم حيارى،و يضمّ.

و الماء:تردّد.و الحائر:مجتمع الماء،و هو من يسيّب إليه مسيل ماء الأمطار،و المكان المطمئنّ،و البستان كالحير.جمعه:حوران و حيران.و الودك،و كربلاء كالحيراء و موضع بها.

و لا آتيه حيريّ الدّهر،مشدّدة الآخر،و تكسر الحاء،و حيري دهر،ساكنة الآخر،و تنصب مخفّفة، و حاريّ دهر،و حير دهر كعنب،أي مدّة الدّهر،و حير ما،أي ربّما.

و تحيّر الماء:دار و اجتمع،و المكان بالماء:امتلأ، و الشّباب:تمّ آخذا من الجسد كلّ مأخذ كاستحار فيهما، و السّحاب:لم يتّجه جهة،و الجفنة:امتلأت دسما و طعاما.

و الحيّر ككيّس:الغيم،و كعنب،و بالتّحريك:الكثير من المال و الأهل.

و الحيرة،بالكسر:محلّة بنيسابور و بلدة قرب الكوفة،و النّسبة حيريّ و حاريّ،و قرية بفارس،و بلدة قرب عانة.

ص: 439

و الحيرتان:الحيرة و الكوفة،و المستحيرة:بلدة، و الجفنة الودكة.

و بلا«هاء»:الطّريق الّذي يأخذ في عرض مفازة لا يدرى أين منفذه،و سحاب ثقيل متردّد.

و الحياران:موضع.و حيّرة ككيّسة:بلدة بجبل نطاع.

و الحير:شبه الحظيرة أو الحمى،و قصر كان بسرّمن رأى .

و أصبحت الأرض حيرة،أي مخضرّة مبقلة.

و حيار بني القعقاع،بالكسر:صقع ببرّيّة قنّسرين.

و الحارة:كلّ محلّة دنت منازلهم.

و الحويرة:حارة بدمشق.و إنّه في حير بير،و حير بير كحور بور.(2:16)

الطّريحيّ: حار يحار حيرة و حيرا،من باب «تعب»أي تحيّر في أمره و لم يكن له مخرج،فمضى و عاد إلى حاله،فهو حيران،و قوم حيارى،و حيّرته فتحيّر.

و في الحديث ذكر الحائر،و هو في الأصل مجمع الماء، و يراد به حائر الحسين عليه السّلام،و هو ما حواه سور المشهد الحسينيّ على مشرّفه السّلام.

و منه:«وقف عند باب الحير فقل».

و الحير بالفتح مخفّف حائر؟و هو الحظيرة و الموضع الّذي يتحيّر فيه الماء.و منه:«عمل لإبراهيم عليه السّلام حيرا، و جمع فيه الحطب».

و في الحديث ذكر الحيرة،بكسر الحاء،و هي البلد القديم بظهر الكوفة،يسكنه النّعمان بن المنذر،و النّسبة إليها حاريّ.

و فيه أيضا:«حدّثني قبل الحيرة بعشر سنين»أي قبل الغيبة،يعني غيبة الإمام عليه السّلام،أو موت العسكريّ عليه السّلام.

و في الخبر«فيجعل في محارة أو سكرجة»المحارة:هي موضع يجتمع فيه الماء،و أصله الصّدفة،و ميمه زائدة.

(3:280)

مجمع اللّغة :حار يحار حيرا و حيرة و حيرانا:

اضطرب فلم يدر جهة الصّواب،فهو حيران.(1:310)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حار حيرا و حيرة و حيرانا:تردّد فلم يدر ما ذا يعمل،و تأتي بمعنى ضلّ الطّريق.

و الحيران:المتحيّر.(1:152)

العدنانيّ: الحيرة و الحيرة.

و يقول المعجم الوسيط:إنّ الحيرة هي التّردّد و الاضطراب،و كان محيط المحيط قبله قد ذكر ذلك،ثمّ اكتشف أنّه أخطأ،فقال في نهاية المادّة:إنّ الحيرة بهذا المعنى عامّيّة.

و الحقيقة هي أنّ الّذي يعني التّردّد و الاضطراب هو الحيرة،كما ذكر معجم ألفاظ القرآن الكريم،و التّهذيب، و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و اللّسان،و المصباح، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط.

و يقول التّهذيب،و المصباح،و التّاج،و المدّ:إنّ أصل الحيرة أن ينظر الإنسان إلى شيء،فيغشاه ضوء، فيصرف بصره عنه،ثمّ صارت تطلق على المتردّد المضطرب.

و قد تعني جملة:حار فلان حيرة:ضلّ سبيله،كما جاء في مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المختار،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،

ص: 440

و المتن،و الوسيط.

و فعله هو:حار يحار حيرة،و حيرا،و حيرا، و حيرانا.

أمّا الحيرة فقد تعني:

أ-بلدا قديما بظهر الكوفة،كما قال الصّحاح، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ:موضع،و النّهاية،و المختار، و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

ب-و قد تعني أيضا محلّة بنيسابور،كما جاء في النّهاية،و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و محيط المحيط.

أمّا النّسبة إلى الحيرة،فهي:حيريّ و حاريّ على غير قياس،كما يقول الصّحاح،و اللّسان،و المصباح، و التّاج،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.(180)

حار في أمره

و يقولون:احتار في أمره،و الصّواب:حار في أمره، لأنّ الفعل«احتار»لم تتفوّه به العرب.[ثمّ استشهد بشعر]

لم يحر جوابا

و يقولون:لم يحر جوابا،و الصّواب:لم يحر جوابا،أي لم يردّ الجواب.و ماضيه:أحار.

(معجم الأخطاء الشّائعة:75)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو التّردّد و التّحيّر.و الفرق بينها و بين التّردّد و الشّكّ:أنّ الحيرة تكون ملحوظة أوّلا في القلب ثمّ في الجوارح، و التّردّد بالعكس،فإنّ إطلاقه بلحاظ ظهور التّحيّر و الاشتباه في الظّاهر.

فالتّحيّر ناظر إلى القلب و الباطن،و التّردّد إلى الظّاهر.

و أمّا الشّكّ:فهو محدود بالتّردّد بين الأمرين،أو أمور معيّنة مع العلم بصحّة واحد منهما أو منها.[ثمّ ذكر الآية و تفسيرها و قال:]فيعلم أنّ الحيرة نتيجة الشّكّ و الضّلال،و تحصل بعدهما.(2:357)

النّصوص التّفسيريّة

حيران

وَ نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ... الأنعام:71

ابن عبّاس: (حيران)ضالاّ عن الهدى.(112)

هذا مثل ضربه اللّه للآلهة و من يدعو إليها،و للدّعاة الّذين يدعون إلى اللّه،كمثل رجل ضلّ عن الطّريق،إذ ناداه مناد:يا فلان ابن فلان،هلمّ إلى الطّريق،و له أصحاب يدعونه:يا فلان،هلمّ إلى الطّريق،فإن اتّبع الدّاعي الأوّل انطلق به حتّى يلقيه في الهلكة،و إن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطّريق.

(الطّبريّ 7:236)

فهو الرّجل الّذي لا يستجيب لهدى اللّه،و هو رجل أطاع الشّيطان،و عمل في الأرض بالمعصية،و حار عن الحقّ،و ضلّ عنه.(الطّبريّ 7:237)

كالّذي استغوته الغيلان في المهامه فأضلّوه،فهو حائر بائر.(البغويّ 2:134)

مجاهد :رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطّريق، كذلك مثل من يضلّ بعد إذ هدي.

ص: 441

(حيران)هذا مثل ضربه اللّه للكافر،يقول:الكافر حيران،يدعوه المسلم إلى الهدى،فلا يجيب.

(الطّبريّ 7:236)

السّدّيّ: مثلكم إن كفرتم بعد الإيمان كمثل رجل كان معه قوم على الطّريق فضلّ الطّريق،فحيّرته الشّياطين و استهوته في الأرض،و أصحابه على الطّريق، فجعلوا يدعونه إليهم،يقولون:ائتنا،فإنّا على الطّريق، فأبى أن يأتيهم،فذلك مثل من تبعكم بعد المعرفة بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم هو الّذي يدعو إلى الطّريق، و الطّريق هو الإسلام.(244)

أبو عبيدة :و هو الحيران الّذي يشبّه له الشّياطين فيتبعها،حتّى يهوى في الأرض فيضلّ.(1:196)

الأخفش: حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ الأنعام:71،فإنّ كلّ«فعلان»له«فعلى»فإنّه لا ينصرف في المعرفة و لا النّكرة.(2:492)

الطّبريّ: أمّا(حيران)فإنّه«فعلان»من قول القائل:قد حار فلان في الطّريق،فهو يحار فيه حيرة و حيرانا و حيرورة،و ذلك إذا ضلّ فلم يهتد للمحجّة [إلى أن قال:]و هذا مثل ضربه اللّه تعالى لمن كفر باللّه بعد إيمانه،فاتّبع الشّياطين من أهل الشّرك باللّه،و أصحابه الّذين كانوا أصحابه في حال إسلامه...يقولون له:ائتنا فكن معنا على استقامة و هدى،و هو يأبى ذلك،و يتّبع دواعي الشّيطان،و يعبد الآلهة و الأوثان.(7:235)

الزّجّاج: أي كالّذي زيّنت له الشّياطين هواه، و قوله: حَيْرانَ منصوب على الحال،أي كالّذي استهوته في حال حيرته.(2:262)

مثله ابن ناقيا.(97)

السّجستانيّ: حَيْرانَ أي حائر،و يقال:حار يحار و تحيّر يتحيّر أيضا،إذا لم يكن له مخرج من أمره، فمضى و عاد إلى حاله.(59)

الطّوسيّ: لا يهتدي إلى طريق و لا معرفة. لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إلى الطّريق الواضح و هو الهدى، و يقولون:(ائتنا)و لا يقبل منهم و لا يصير إليهم،غير أنّه لذهاب عقله من فعل اللّه،فيستولي الشّيطان حينئذ عليه،و لا يقبل من أحد لحيرته،شبّه اللّه به الكافر الّذي يرجع عن إيمانه و هداه إلى الضّلال.

البغويّ: الحيران:المتردّد في الأمر،لا يهتدي إلى مخرج منه.(2:134)

نحوه النّيسابوريّ(7:133)،و الخازن(2:121).

الزّمخشريّ: كالّذي ذهبت به مردة الجنّ و الغيلان (فى الارض)المهمه(حيران)تائها ضالاّ عن الجادّة، لا يدري كيف يصنع.(2:28)

نحوه البيضاويّ(1:316)،و النّسفيّ(2:18)،و ابن جزيّ(2:13)،و الكاشانيّ(2:129)،و المشهديّ(3:

307)،و القاسميّ(6:2365)،و حسنين مخلوف(229).

ابن عطيّة: حَيْرانَ في موضع الحال،و مؤنّثه «حيرى»فهو لا ينصرف في معرفة و لا نكرة.و معناه ضالاّ متحيّرا،و هو حال من الضّمير في(استهوته) و العامل فيه(استهوته).و يجوز أن يكون من«الّذى» و العامل فيه المقدّر بعد الكاف.و قوله:(استهوته)يقتضي أنّه كان على طريق فاستدعته.

فسياق هذا المثل كأنّه قال:أ يصلح أن يكون بعد

ص: 442

الهدى نعبد الأصنام،فيكون ذلك منّا ارتدادا على العقب، فيكون كرجل على طريق واضح،فاستهوته عنه الشّياطين فخرج عنه إلى دعوتهم،فبقي حائرا.

(2:307)

نحوه الثّعالبيّ.(1:491)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ هذا المثل في غاية الحسن، و ذلك لأنّ الّذي يهوي من المكان العالي إلى الوهدة العميقة يهوي إليها مع الاستدارة على نفسه،لأنّ الحجر حال نزوله من الأعلى إلى الأسفل ينزل على الاستدارة، و ذلك يوجب كمال التّردّد و التّحيّر.و أيضا فعند نزوله لا يعرف أنّه يسقط على موضع يزداد بلاؤه بسبب سقوطه عليه أو يقلّ،فإذا اعتبرت مجموع هذه الأحوال، علمت أنّك لا تجد مثالا للمتحيّر المتردّد الخائف،أحسن و لا أكمل من هذا المثال.(13:30)

ابن عربيّ: كالّذي ذهبت به شياطين الوهم و التّخيّل في مهمة أرض النّفس(حيران)لا يدري أين يمشي،و ما يصنع بلا طريق و لا مقصد.(1:380)

القرطبيّ: أي استغوته و زيّنت له هواه و دعته إليه، يقال:هوى يهوي إلى الشّيء:أسرع إليه.[ثمّ ذكر القراءات في(استهوته)و أضاف:]

(حيران)نصب على الحال،و لم ينصرف،لأنّ أنثاه حيرى كسكران و سكرى،و غضبان و غضبى.و الحيران:

هو الّذي لا يهتدي لجهة أمره...(7:18)

الشّربينيّ: تائها ضالاّ لا يهتدي لوجه،و لا يدري كيف يسلك.(1:428)

أبو السّعود :(فى الارض)إمّا متعلّق ب(استهوته)، أو بمحذوف هو حال من مفعوله،أي كائنا في الأرض.

و كذا قوله: حَيْرانَ حال منه،على أنّها بدل من الأولى،أو حال ثانية عند من يجيزها،أو من(الّذى)،أو من المستكنّ فى الظّرف،أي تائها ضالاّ عن الجادّة، لا يدري ما يصنع.

مثله الآلوسيّ(7:189)،و نحوه حجازي(7:67).

البروسويّ: حَيْرانَ حال من(استهوته)،و هو صفة مشبّهة،مؤنّثه:«حيرى»و الفعل منه:حار يحار حيرة أي متحيّرا،ضالاّ عن الطّريق.(3:52)

رشيد رضا :إنّ للمفسّرين قولين في تفسير كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ... حَيْرانَ

الأوّل:[ما روي عن السّدّيّ و قد تقدّم]

الثّاني:[نحو قول ابن عبّاس الثّاني إلى أن قال:]

بل يصحّ أن يقال:إنّ ذلك الّذي استهوته الشّياطين بوسوستها حال كونه حيران،له أصحاب يدعونه إلى الهدى و الخروج من ذلك الضّلال،تتنازعه وسوسة شياطينه،و دعوة أصحابه،فلا يستطيع التّفلّت من الأولى فيكون من المهتدين،و لا البتّ بردّ الأخرى فيكون من الأخسرين،بل يظلّ هائما في حيرته، مضطربا في أمره.

و إنّما جعل دعاة الهدى أصحابا له باعتبار ما كانوا عليه قبل إضلال الشّياطين له،و مثل هذا لا يستقرّ على حال من القلق.

و التّشبيه يدلّ بهذا التّوجيه على أنّ المرتدّ عن الإسلام لا يمكن أن يعود مطمئنّا بالشّرك،و وجه الاستفهام الإنكاريّ في أوّل الآية على هذا الوجه:أ يعقل

ص: 443

أن يختار هذه الحال السّوأى الّتي لا بدّ منها،لمن يرتدّ عن الإيمان،و هي أسوأ حال يمكن أن يكون عليها الإنسان؟

(7:527،529)

المراغيّ: و خلاصة المثل:أنّ من يرتدّ مشركا بعد الإيمان،كمن جعله العشق أو الجنون هائما على وجهه، ضالاّ في الفلوات حيران لا يهتدي،تاركا رفاقه على الطّريق المستقيم...(7:165)

سيّد قطب :إنّه مشهد حيّ شاخص متحرّك للضّلالة و الحيرة الّتي تنتاب من يشرك بعد التّوحيد، و من يتوزّع قلبه بين الإله الواحد و الآلهة المتعدّدة من العبيد.و يتفرّق إحساسه بين الهدى و الضّلال،فيذهب في التّيه،إنّه مشهد ذلك المخلوق التّعيس الّذي استهوته الشّياطين في الأرض.[إلى أن قال:]

و هو بين هذا الاستواء و هذا الدّعاء حَيْرانَ، لا يدري أين يتّجه،و لا أيّ الفريقين يجيب.

إنّه العذاب النّفسيّ يرتسم و يتحرّك،حتّى ليكاد يحسّ و يلمس من خلال التّعبير!و لقد كنت أتصوّر هذا المشهد،و ما يفيض به من عذاب الحيرة و التّأرجح و القلقلة كلّما قرأت هذا النّصّ.و لكن مجرّد تصوّر،حتّى رأيت حالات حقيقيّة يتمثّل فيها هذا الموقف،و يفيض منها هذا العذاب،حالات ناس عرفوا دين اللّه و ذاقوه- أيّا كانت درجة هذه المعرفة و هذا التّذوّق-ثمّ ارتدّوا عنه إلى عبادة الآلهة الزّائفة،تحت قهر الخوف و الطّمع،ثمّ إذا هم في مثل هذا البؤس المرير،و عندئذ عرفت ما ذا تعني هذه الحالة،و ما يعني هذا التّعبير؟

و بينما ظلّ المشهد الحيّ الشّاخص المتحرّك الموحي يغمر النّفس بالوجل من هذا المصير التّعيس،يأتي التّقرير الحاسم بالاتّجاه الثّابت المستقيم.(2:1131)

عزّة دروزة :أن يرتدّوا على أعقابهم ضالّين،بعد أن هداهم اللّه،و أن يصبح شأنهم كشأن الّذي استهوته الشّياطين في الأرض فاتّبعها و تاه،و وقف موقف الحائر الّذي ضلّ عن الطّريق الّذي يحسن أن يسلكه لينجو، و له رفاق يدعونه إليهم فلا يسمعهم.(4:182)

ابن عاشور :(حيران)حال من(الذى استهوته)و هو وصف من الحيرة،و هي عدم الاهتداء إلى السّبيل.يقال:حار يحار،إذا تاه في الأرض فلم يعلم الطّريق.و تطلق مجازا على التّردّد في الأمر بحيث لا يعلم مخرجه.و انتصب(حيران)على الحال من(الّذى).

(6:162)

مغنيّة:هذا مثال ضربه سبحانه لمن أعرض عن التّوحيد إلى الشّرك أو الإلحاد،و يتلخّص بأنّ مثل هذا كمثل رجل كان مع قافلة تسير على طريق الأمن و السّلامة فتركها،و هام على وجهه في الفلوات ضالاّ، لا يهتدي إلى شيء،تماما كالّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ،فأشفق رفاقه عليه،و نادوه:هلمّ إلينا،هذا هو طريق النّجاة،و لكنّه لم يستجب لذهوله و حيرته، فكانت نهايته الوبال و الهلاك.(3:209)

الطّباطبائيّ: تمثيل مثّل به حال الإنسان المتحيّر الّذي لم يؤت بصيرة في أمره،و عزيمة راسخة على سعادته،فترك أحسن طريق و أقومه إلى مقصده،و قد ركبه قبله أصحاب له مهتدون به،و بقي متحيّرا بين شياطين يدعونه إلى الرّدى و الهلاك،و أصحاب له

ص: 444

مهتدين قد نزلوا في منازلهم أو أشرفوا على الوصول، يدعونه إلى الهدى أن(ائتنا)،فلا يدري ما يفعل و هو بين مهبط و مستوى.(7:144)

طه الدّرّة:أي حالنا إن رجعنا إلى الشّرك كحال من ذهبت به مردة الجنّ،فألقته في أرض فلاة مترامية الأطراف،فهو حيران لا يدري أين يذهب و ما ذا يفعل؟(4:172)

مكارم الشّيرازيّ: يضرب[اللّه]مثلا لتوضيح الأمر فيقول:إنّ الرّجوع عن التّوحيد إلى الشّرك أشبه بالّذي أغوته الشّياطين...فتاه عن مقصده و ظلّ حيرانا في البادية كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ... بينما له رفاق يرشدونه إلى الصّراط السّويّ المستقيم،و ينادونه:هلمّ إلينا،و لكنّه من الحيرة و التّيه بحيث لا يسمع النّداء،أو أنّه غير قادر على اتّخاذ القرار.(4:316)

فضل اللّه :و هذا مثل الإنسان الّذي يعيش الحيرة الضّاربة في الأرض بفعل الإيحاءات الّتي تلقيها الشّياطين في وعيه،فيفقد التّركيز في الرّؤية الطّبيعيّة للأشياء، فيظلّ يضرب في الأرض يمينا و شمالا،فلا يهتدي إلى قرار،و لا يسكن إلى قاعدة،و لا يستجيب إلى نداء أصحابه الّذين يحاولون إنقاذه من حيرته القاتلة،عند ما يدعونه للسّير معهم،حيث إشراقه النّور و استقامة الطّريق.(9:160)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحير،و هو المكان المنخفض يجتمع فيه الماء؛يقال:حار الماء حيرا،أي اجتمع في الحير و دار فيه،فهو حائر،و تحيّر الماء في المكان:اجتمع و دار،و تحيّرت الأرض بالماء و استحارت:

امتلأت،و يقال مجازا:استحار شباب المرأة و يحيّر،أي امتلأ و بلغ الغاية.

و الحير:الغيم ينشأ مع المطر فيتحيّر في السّماء،و هو الحيّر أيضا؛يقال:تحيّر الماء في الغيم،أي اجتمع،و تحيّر السّحاب:لم يتّجه جهة،فهو متحيّر،و المستحير:سحاب ثقيل متردّد ليس له ريح تسوقه.

و الحير:شبه الحظيرة أو الحمى؛لاجتماع الماء فيه، و منه:الحير بكربلاء.

و الحائر:مجتمع الماء؛لأنّ الماء فيه يرجع أقصاه إلى أدناه،و الجمع:حيران و حوران،و سمّيت به كربلاء أيضا، لأنّها مكان مطمئنّ يجتمع فيه الماء،كما نرى ذلك في هذه الأيّام.و جاء في بعض الأخبار أنّ أحد الخلفاء العبّاسيّين -و هو المتوكّل-أراد أن يرسل الماء على القبر الشّريف، فأحاط به الماء من جميع جوانبه،و لم يصل إلى القبر، فلأجل ذلك سمّيت(كربلاء)بالحائر.

و الحائر:الودك،لأنّه يملأ القدر و يتجمّع فيها؛يقال:

تحيّرت الجفنة،أي امتلأت طعاما و دسما،و مرقة متحيّرة:كثيرة الإهالة و الدّسم.

و الحارة:كلّ محلّة دنت منازلهم،فهم أهل حارة، تشبيها بتجمّع الماء في الحير.

و المحارة:الصّدفة،لأنّها مجمع الدّرّة،و الجمع:

محار،و محارة الأذن:صدفتها،و المحارة:الحنك،و نقرة الكتف يدور فيها رأس الذّراع،و نقرة الورك يدور فيها رأس الفخذ،كلّ ذلك على التّشبيه.

ص: 445

و الحير و الحير:الكثير من المال و الأهل،تشبيها بتجمّع الماء؛يقال:هذه أنعام حيرات،أي متحيّرة كثيرة، و كذلك النّاس إذا كثروا.

و الحير و الحير:التّردّد؛يقال:حار الرّجل يحار حيرا و حيرة،أي تردّد و تاه،فهو حائر و حيران،من قوم حيارى،و الأنثى:حيرى،و رجل حائر بائر،إذا لم يتّجه لشيء،و تحيّر و استحار:لم يهتد لسبيله،و حار بصره يحار حيرة و حيرا و حيرانا و تحيّر،إذا نظر إلى الشّيء فغشي بصره،كأنّه تردّد و اضطرب.

و قولهم:لا أفعل ذلك حيري دهر و حيريّ دهر،و لا آتيك حيريّ الدّهر و حير الدّهر،أي طول الدّهر،من:

تحيّر الدّهر و بقائه،و معناه مدّة الدّهر و دوامه،أي ما أقام الدّهر،تشبيها بمكوث الماء في الحير،و منه:استحار الرّجل بمكان كذا و مكان كذا،أي نزله أيّاما.

2-و الحيرة:موضع يقع جنوب النّجف في العراق، و النّسبة إليه حيريّ،و حاريّ أيضا على غير قياس، و تنسب إليه السّيوف الحاريّة،و كذلك الرّحال الحاريّات، و الحاريّ:أنماط نطوع تعمل بالحيرة،تزيّن بها الرّحال.

و كانت الحيرة قديما حاضرة مشهورة،يرجع بناؤها -كما قيل-إلى عهد الملك البابليّ«نبوخذنصّر»، و أصبحت منطقة تخضع لنفوذ النّصارى بعد ميلاد المسيح عليه السّلام،و حكمها الملوك اللّخميّون في العصر الجاهليّ،و تأثّروا بالمسيحيّة على مرّ الأيّام،ثمّ تنصّروا و أنشئوا فيها الأديار و المعاقل.

و لمّا ظهر الإسلام،فتحها المسلمون و فرضوا على أهلها الجزية،ثمّ خمل ذكرها وصيتها شيئا فشيئا، و أضحت اليوم مدينة صغيرة تحيط بها المزارع و المراعي.

و اختلف اللّغويّون و المؤرّخون في علّة تسمية الحيرة بهذا الاسم،فقال بعض:سمّيت بذلك لاجتماع ماء كان فيها.و قال آخرون:لأنّها كانت حيرا مبنيّا،بناه« نبوخذنصّر»لتجّار العرب على النّجف و حصّنه.و قال بعض آخر:لمّا نزلها مالك بن زهير من قضاعة،جعلها حيرا و أقطعه قومه،فسمّيت بذلك.

و قيل:بناها الأردوان ملك النّبط لمن أعانه من العرب على«أردشير»،فسمّي ذلك الحير الحيرة،كما تسمّى القيعة من القلع.و قيل:لمّا قصد تبّع الأكبر خراسان،خلّف ضعفة جنده بذلك الموضع،و قال لهم:

حيّروا به،أي أقيموا به.أو أنّه لمّا أقبل بجيوشه،فبلغ موضع الحيرة،ضلّ دليله و تحيّر،فسمّيت الحيرة (1).

3-و جاءت الحيرة في اللّغة السّريانيّة بلفظ «حيرتا»،فهو إمّا أخذ من العربيّة،أو أنّ العربيّة أخذته من السّريانيّة ثمّ عرّب.و عدّه بعض المستشرقين آراميّ المنشأ (2)،و إن كان كذلك،فقد دخل العربيّة بواسطة السّريانيّة.

4-و الحيرة أيضا:محلّة كبيرة مشهورة كانت في نيسابور،و لكنّها أضحت اليوم في طيّ النّسيان؛إذ لا يذكر اسمها اليوم هناك أبدا،و يجهل مكانها أهله.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها كلمة(حيران)مرّة في آية:

ص: 446


1- معجم البلدان(الحيرة).
2- لاحظ«المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم».

1- ...كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ... الأنعام:71

يلاحظ أوّلا:أنّ هذا اللّفظ وحيد الجذر في القرآن، و فيه بحوث:

1-قابل اللّه في هذا المثل الشّياطين بأصحاب الهدى، فالفريق الأوّل يوسوس للإنسان فينصاع له لحيرته، و الفريق الثّاني يدعوه إلى الطّريق الواضح-أي الإسلام -فيأبى لضلاله.

و تفصح هذه المقابلة عن شدّة الصّراع الّذي كان دائرا بين مشركي مكّة الّذين وصفوا بالشّياطين.و بين المسلمين أثناء الجهر بالإسلام و الدّعوة إليه في ذلك الزّمان.

و هو مثل يضرب لمن يفضّل الهوى على الهدى،و لا يخصّ شخصا بعينه،أو من ارتدّ بعد الإيمان كما ذكر بعض، لأنّ هذه الآية مكّيّة،و لم تنقل لنا الأخبار حدثا كهذا في مكّة.

2-(حيران)منصوب على الحال،و صاحبه الضّمير في(استهوته)أي الهاء،و العامل فيه الفعل المتقدّم.و هو صفة مشبّهة،و وزنه«فعلان»،ممنوع من الصّرف،لأنّ مؤنّثه حيرى على وزن«فعلى».

3-قال الفخر الرّازيّ:«اعلم أنّ هذا المثل في غاية الحسن،و ذلك لأنّ الّذي يهوي من المكان العالي إلى الوهدة العميقة يهوي إليها مع الاستدارة على نفسه،لأنّ الحجر حال نزوله من الأعلى إلى الأسفل ينزل على الاستدارة،و ذلك يوجب كمال التّردّد و التّحيّر.و أيضا فعند نزوله لا يعرف أنّه يسقط على موضع يزداد بلاؤه بسبب سقوطه عليه أو يقلّ.

فإذا اعتبرت مجموع هذه الأحوال،علمت أنّك لا تجد مثالا للمتحيّر المتردّد الخائف أحسن و لا أكمل من هذا«المثال».و لكلّ من المفسّرين القدامى و المتأخّرين توصيف خاصّ لهذا التّمثيل،فلاحظ النّصوص.

ثانيا:استعملت الحيرة هنا صفة،و استعمل العمه- و هو الحيرة أيضا-في سبعة مواضع فعلا بلفظ(يعمهون) و هو بمعنى الصّفة أيضا،إلاّ أنّ الأوّل ورد في الضّلال، و الثّاني في الطّغيان و السّكرة،انظر(ع م ه).

ص: 447

ص: 448

ح ي ص

اشارة

لفظان،5 مرّات 4 مكّيّة،1 مدنيّة

في 5 سور 4 مكّيّة،1 مدنيّة

محيص 4:4 محيصا 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحيص:الحيد عن الشّيء،و المحيص:

المحيد.يقال:هو يحيص عنّي،أي:يحيد و هو يحايصني، و ما لك من هذا لأمر محيص،أي محيد.

و حيص بيص:ينصبان،يتكلّم به عند اختلاط الأمر،تقول:لا تزال تأتينا بحيص بيص.

و أصل الحيص:الضّيّق.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(3:269)

أبو عمرو الشّيبانيّ: تقول:طعنت في حياصه،إذا عبته.(1:196)

وقع فلان في حيص بيص و حيص بيص و حيص بيص.

إنّك لتحسب عليّ الأرض حيصا بيصا.و يقال:

حيص بيص.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 3:1035)

الفرّاء: هم في حيص بيص و حيص بيص.

إذا أفردوه أجروه.و ربّما تركوا إجراءه و قالوا:وقعوا في حيص،أي في ضيق.(الأزهريّ 5:163)

حاص عنه يحيص حيصا،و حيوصا و محيصا، و محاصا و حيصانا،أي عدل و حاد.

(الجوهريّ 3:1035)

الأصمعيّ: وقع القوم في حيص بيص،أي في اختلاط من أمر لا مخرج لهم منه.[ثمّ استشهد بشعر]

و نصب حيص بيص على كلّ حال.

و قال الكسائيّ في حيص بيص مثله إلاّ أنّه قالها بكسر الحاء و الباء حيص بيص.(الأزهريّ 5:162)

أبو عبيد: في حديث ابن عمر أنّه كان في غزاة، بعثهم فيها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،قال ابن عمر:فحاص المسلمون حيصة.و بعضهم يقول:فجاض المسلمون جيضة...

ص: 449

قال الأصمعيّ: المعنى فيهما واحد،و إنّما هو الرّوغان و العدول عن القصد،و منه قوله عزّ و جلّ: ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ فصّلت:48،يقول:من محيد يحيدون إليه؛و منه قول أبي موسى:إنّ هذه لحيصة من حيصات الفتن،كأنّه أراد أنّها روغة منها عدلت إلينا.و الجيض نحو منه.[ثمّ استشهد بشعر](2:320)

و في حديث مطرّف:«أنّه خرج من الطّاعون،فقيل له في ذلك،فقال:هو الموت نحايصه و لا بدّ منه.

معناه نزوغ عنه.يقال:حاص يحيص حيصا،و منه قول اللّه جلّ و عزّ: ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ الشّورى:

35.(الأزهريّ 5:162)

ابن الأعرابيّ: الحيصاء:الضّيّقة الحياء.

و المحياص:الضّيّقة الملاقي.(الصّغانيّ 3:540)

ابن السّكّيت: يقال:وقعوا في حيص بيص،أي في اختلاط و أمر عمي عليهم،لا يجدون منه مخرجا.[ثمّ استشهد بشعر](90)

إنّك لتحسب عليّ الأرض حيصا بيصا و حيصا بيصا.و في حديث سعيد بن جبير و سئل عن المكاتب، يشترط عليه أهله أن لا يخرج من بلده،فقال:أثقلتم ظهره،و جعلتم الأرض عليه حيص بيص،أي ضيّقتم الأرض عليه حتّى لا مضرب له فيها،و لا متصرّف للكسب.

يقال:حاص و حاض و جاض بمعنى واحد.و كذلك ناص و ناض.و قال عزّ من قائل: وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ، أي لات حين مهرب.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:163)

الحربيّ: الحيوص:[الّذي]يعدل يمينا و شمالا و هو مستقيم على الطّريق.(2:446)

ابن دريد :يقال:وقع في حيص بيص و حيص بيص و حيص بيص و حيص بيص،إذا وقع في أمر لا يتخلّص منه.(2:166)

الحيص من قولهم:حاص يحيص حيصا و حيصانا، إذا حاد عنه.و يقال:فلان في حيص بيص و حيص بيص و حيص بيص و حيص بيص و حيص بيص،إذا وقع في أمر ضيّق.[ثمّ استشهد بشعر](3:233)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«جاض المسلمون جيضة[و يروى]«حاص النّاس حيصة»و هما سواء.

يقال:حاص الرّجل عن الشّيء،و جاض عنه،إذا حاد عنه حذرا أو خوفا.(1:331)

الصّاحب:[نحو الخليل إلاّ أنّه قال:]و ما له محيص أي معدل.

و حيص بيص:يتكلّم به عند اختلاط الأمر و فيما لا يقدر على الخروج منه،و ينوّن فيقال:حيص بيص.(3:162)

الجوهريّ: يقال:ما عنه محيص،أي محيد و مهرب، و الانحياص مثله.

يقال للأولياء:حاصوا عن العدوّ،و للأعداء:

انهزموا.

و يقال:في ضيق و شدّة.و هما اسمان جعلا واحدا، و بنيا على الفتح،مثل جاري بيت بيت.[ثمّ استشهد بشعر]

و زعم بعضهم أيضا أنّهما اسمان من حيص و بوص،

ص: 450

جعلا واحدا،و أخرج البوص على لفظ الحيص ليزدوجا.

و الحيص:الرّواغ و التّخلّف.و البوص:السّبق و الفرار.

و معناه:كلّ أمر يتخلّف عنه و يفرّ.(3:1035)

ابن فارس: الحاء و الياء و الصّاد أصل واحد،و هو الميل في جور و تلدّد،يقال:حاص عن الحقّ يحيص حيصا،إذا جار.

و من الباب قولهم:وقعوا في حيص بيص،أي شدّة.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:124)

ابن سيده: حاص يحيص حيصا:رجع.

و حاص الفرس يحيص حيصا فهو حوص،لم يستقم في حضره.

و حاص عن الشّيء حيصا و حيوصا و حيصانا و حيصوصة و محاصا و محيصا،و حايصه و تحايص عنه، كلّه:عدل و حاد.

و حاص عن الشّرّ:حاد عنه،فسلم منه.

و الحياصة:سير في الحزام.

و حيص بيص:حجر الفأر.

و الحائص من النّساء:الضّيّقة،و من الإبل:الّتي لا يجوز فيها قضيب الفحل كأنّ بها رتقا.(3:421)

البطليوسيّ: الحيص،بالصّاد:مصدر حاص عن الشّيء يحيص،إذا راغ عنه.و وقع القوم في حيص بيص و حيص بيص،إذا وقعوا في شدّة و مكروه.(340)

و حاص عن الشّيء محيصا:عدل عنه،و هو الحيص و الحيصان أيضا،و هذا من ذوات النّظائر.[ثمّ استشهد بشعر](506)

الزّمخشريّ: حاص عن القتال و هو حائص بائص،و وقع في حيص بيص.(أساس البلاغة 1:101)

مطرّف رحمه اللّه-خرج من الطّاعون،فقيل له ذلك، فقال:هو الموت نحايصه و لا بدّ منه.

المحايصة:«مفاعلة»من حاص عنه،و ليس المعنى أنّ كلّ واحد من الموت و الرّجل يحيص عن صاحبه،و إنّما المعنى أنّ الرّجل في فرط حرصه على الحياص عن الموت،كأنّه يباريه و يغالبه،لأنّ من شأن المغالب المباري،أن يحرص على فعله و يحتشد فيه،فيؤول معنى نحايصه إلى قولك:يحرص على الفرار منه.و إخراجه على هذه الزّنة لهذا الغرض،لكونها موضوعة لإفادة المباراة و المغالبة في الفعل.

و منه قوله تعالى: يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ النّساء:142.[ثمّ ذكر حديث سعيد بن جبير و قال:]

أي ضيّقة لا يقدر على التّردّد فيها،من قولهم:فلان في حيص بيص:إذا وقع في خطّة ملتبسة،لا يجد موضع تفصّ عنها،تقدّم أو تأخّر،من حاص عن الشّيء إذا حاد عنه.و باص إذا تقدّم،و الّذي قلبت له«واو»بوص «ياء»طلب المزاوجة كالعين الحير،و بنيا بناء خمسة عشر،لأنّ الأصل حيص و بيص-و روي الفتح و الكسر في الحاء و الصّاد-و التّنوين للتّنكير.

(الفائق 1:344)

الطّبرسيّ: المحيص:المعدل،يقال حصت عنه أحيص حيصا و جضت أجيض جيضا بمعنى.[ثمّ استشهد بشعر](2:111)

الصّغانيّ: و حايصه،أي راوغه،و منه حديث مطرّف.

ص: 451

حاص:باص،لغة في حيص بيص.(3:540)

ابن الأثير: و في حديث أبي موسى:«إنّ هذه الفتنة حيصة من حيصات الفتن»أي روغة منها عدلت إلينا.(1:468)

الفيّوميّ: حاص عن الحقّ يحيص حيصا و حيوصا و محيصا و محاصا:حاد عنه و عدل.و في التّنزيل ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ الشّورى:35،أي معدل يلجئون إليه.(1:

159)

الفيروزآباديّ: حاص عنه يحيص حيصا و حيصة و حيوصا و محيصا و محاصا و حيصانا:عدل و حاد كانحاص،أو يقال للأولياء:حاصوا،و للأعداء:انهزموا.

و المحيص:المحيد و المعدل و المميل و المهرب.و دابّة حيوص:نفور.

و الحيصاء و المحياص:الضّيّقة الحياء.و حيص بيص في«ب ي ص»و حايصه:راوغه و غالبه.

(2:311)

نحوه مجمع اللّغة.(1:310)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حاص عن الشّيء:

عدل عنه و حاد،و من الأمثال:«من حاص عن الشّرّ سلم».و المحيص:المفرّ و المهرب.(1:153)

المصطفويّ: يظهر من موارد استعمال هذه المادّة:

أنّ الأصل الواحد فيها هو الحيد من دون قيد عدم التّباعد و الفصل.فهي تدلّ على مفهوم الميل بين الحيد و التّجانب،بمعنى أنّ الميل فيها أكثر و أشدّ من الحيد.

و هذا الأصل أعمّ من أن يكون في أمر محسوس أو معقول،و أكثر استعمالها في مورد التّخلّص و الفرار و النّجاة.

و بهذه المناسبة تستعمل في مفهوم الشّدّة و الضّيق.(2:358)

النّصوص التّفسيريّة

محيص

1- ...سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ.

إبراهيم:21

ابن عبّاس: من مغيث و ملجإ.(213)

ابن كعب القرظيّ: أي منجى.

(الطّبريّ 13:199)

ابن قتيبة :أي معدل.يقال:حاص عن الحقّ يحيص؛إذا زاغ و عدل.(232)

الطّبريّ: يعنون:ما لهم من مزاغ يزوغون عنه، يقال منه:حاص عن كذا،إذا زاغ عنه،يحيص حيصا و حيوصا و حيصانا.(13:199)

الزّجّاج: أي ما لنا من مهرب و لا معدل عن العذاب،يقال حاص عن الشّيء يحيص،و جاص عنه يجيص في معنى واحد.و هذه اللّغة لا تجوز في القرآن.

و يقال:وقع في حيص بيص،و حاص باص و حاص باص،إذا وقع فيما لا يقدر أن يتخلّص منه.(3:158)

القمّيّ: أي مفرّ.(1:368)

الثّعلبيّ: مهرب و لا منجّى،و يجوز أن يكون بمعنى المصدر و بمعنى الاسم.[ثمّ قال نحو الطّبريّ](5:313)

الطّوسيّ: أي مهرب من عذاب اللّه تعالى.

(6:288)

ص: 452

الواحديّ: أي معدل عن العذاب.(3:28)

البغويّ: مهرب و لا منجاة.(3:35)

نحوه النّسفيّ(2:259)،و الخازن(4:32)،و أبو حيّان (5:417)،و الشّربينيّ(2:177)،و شبّر(3:356)، و القاسميّ(10:2723).

الميبديّ: مهرب و معدل عن العذاب.و الحيص:

العدول على جهة الفرار،يقال:وقع فلان في حيص بيص،إذا وقع فيما لا يقدر أن يتخلّص منه.(5:242)

نحوه طنطاوي(7:203)،و حسنين مخلوف(412).

الزّمخشريّ: المحيص يكون مصدرا كالمغيب و المشيب،و مكانا كالمبيت و المصيف،و يقال:حاص عنه و حاض بمعنى واحد.(2:374)

نحوه الفخر الرّازيّ(19:109)،و البيضاويّ(1:

529)،و النّيسابوريّ(13:121)،و المشهديّ(5:175).

ابن عطيّة: المحيص:المفرّ و الملجأ،مأخوذ من حاص يحيص،إذا نفر و فرّ،و منه في حديث هرقل:

فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب.(3:332)

مثله الثّعالبيّ.(2:194)

ابن جزيّ: أي مهرب حيث وقع،و يحتمل أن يكون مصدرا أو اسم مكان.(2:140)

نحوه السّمين.(4:261)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و هي جملة مفسّرة لإجمال ما فيه الاستواء،فلا محلّ لها من الإعراب،أو حال مؤكّدة،أو بدل منه.(3:481)

نحوه الآلوسيّ.(13:207)

ابن عاشور :و جملة ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ واقعة موقع التّعليل لمعنى الاستواء،أي حيث لا محيص و لا نجاة،فسواء الجزع و الصّبر.

و المحيص:مصدر ميميّ كالمغيب و المشيب و هو النّجاة.يقال:حاص عنه،أي نجا منه.و يجوز أن يكون اسم مكان من حاص أيضا،أي ما لنا ملجأ و مكان ننجو فيه.(12:244)

الطّباطبائيّ: المحيص:هو المكان الّذي يزول إليه الإنسان عن المكروه و الشّدّة.[إلى أن قال:]

و قوله: ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ بيان آخر للتّساوي، و المعنى الأمران متساويان علينا و بالنّسبة إلينا و هما الجزع و الصّبر،لا مهرب لنا عن العذاب اللاّزم.

(12:44،45)

مكارم الشّيرازيّ: «المحيص»من«المحص»بمعنى الهروب من العيوب أو عدم الرّاحة.(7:437)

فضل اللّه :مهرب من المصير الأسود الّذي لا نملك إلاّ أن نتقبّله و نخضع له،لأنّنا لا نملك له تغييرا،سواء سقطنا جزعا أو استسلمنا للصّبر.

و قد نفهم من جواب هؤلاء المستكبرين،نوعا من الهروب من طبيعة المسئوليّة،فهم لا يعتبرون أنفسهم مسئولين عن ضلال أتباعهم،لأنّ الهداية تكون من اللّه، فإذا لم يوفّرها لهم،فكيف يمكن أن يوفّروها لغيرهم.و في ذلك تجسيد لغاية اليأس في الموقف.

فاللّه يريد من خلال هذا النّصّ أن يصوّر للمستضعفين في الدّنيا،كيف تتجسّد مواقف النّدم و اليأس في الآخرة؟ليواجهوا واقعهم،مواجهة من سيتحمّل مسئوليّته وحده،و لذا فإنّ عليه أن يبدأ

ص: 453

الحساب على هذا الأساس.(13:100)

و بهذا المعنى جاء:

2- وَ يَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ الشّورى:35.

و 3- ...وَ ظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ فصّلت:48.

المصطفويّ: أي من ميل و تخلّص و نجاة.[ثمّ ذكر قول البيضاويّ و أضاف:]

و ليعلم أنّ الابتلاء و عذاب الآخرة و التّأثّر و التّحيّر و التّأسّف فيها،إنّما هي نتيجة الأعمال و آثار ما اكتسبت، و ما تحصّلت و رسخت و تجسّمت و ثبتت في النّفس،فهي من نفسها،و لا يمكن الفرار منها و لا التّخلّص،و ليس مبدؤها أمرا خارجيّا حتّى يمكن دفعه،فلا محيص عنها.(2:358)

4- وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ. ق:36

ابن عبّاس: هل كان لهم ملجأ و مفرّ من عذابنا.

(440)

قتادة :قد حاص الفجرة،فوجدوا أمر اللّه متّبعا.

حاص أعداء اللّه،فوجدوا أمر اللّه مدركا.

(الطّبريّ 26:177)

ابن زيد :قال:هل من منجى.(الطّبريّ 26:177)

ابن قتيبة :أي هل يجدون من الموت محيصا؟!فلم يجدوا ذلك.(419)

نحوه السّجستانيّ.(177)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:فهل كان لهم بتنقّبهم في البلاد من معدل عن الموت،و منجى من الهلاك إذا جاءهم أمرنا.و أضمرت«كان»في هذا الموضع،كما أضمرت في قوله: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ محمّد:13،بمعنى لم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم.(26:176)

نحوه القاسميّ.(15:5514)

الزّجّاج: و قرئت(فنقبوا)بالتّشديد و التّخفيف، المعنى:طوّقوا و فتّشوا،فلم يروا محيصا من الموت.[ثمّ استشهد بشعر](5:48)

الثّعلبيّ: من الموت و أمر اللّه سبحانه.(9:106)

الطّوسيّ: أي هل من محيد،و هو الذّهاب في ناحية عن الأمر للهرب منه،حاص يحيص حيصا فهو حايص، مثل حاد يحيد حيدا فهو حايد.و المعنى إنّ أولئك الكفّار الّذين وصفهم بشدّة البطش،لمّا نزل بهم عذاب اللّه لم يكن لهم مهرب و لا محيص عنه.و قيل:هل من محيد من الموت،و منجى من الهلاك.(9:373)

البغويّ: فلم يجدوا محيصا من أمر اللّه.و قيل:هل من محيص:مفرّا عن الموت؟فلم يجدوا منه مفرّا.و هذا إنذار لأهل مكّة،و أنّهم على مثل سبيلهم لا يجدون مفرّا عن الموت،يموتون فيصيرون إلى عذاب اللّه.(2764)

نحوه الميبديّ(9:292)،و الخازن(6:198).

الزّمخشريّ: من اللّه أو من الموت.(4:11)

نحوه النّسفيّ(4:180)،و ابن جزيّ(4:66)، و الكاشانيّ(5:64)،و شبّر(6:76).

الطّبرسيّ: أي هل من محيد عن الموت و منجى من الهلاك،يعني لم يجدوا في جميع ذلك-السّير في البلاد

ص: 454

و الطّوف فيها و سلوكهم كلّ طريق و...-من الموت و الهلاك منجى و مهربا.(5:150)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: هَلْ مِنْ مَحِيصٍ يحتمل وجوها ثلاثة:

الأوّل:على قراءة من قرأ بالتّشديد،يحتمل أن يقال هو مفعول،أي بحثوا عن المحيص هَلْ مِنْ مَحِيصٍ.

الثّاني:على القراءات جميعا استفهام بمعنى الإنكار، أي لم يكن لهم محيص.

الثّالث:هو كلام مستأنف،كأنّه تعالى يقول لقوم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:هم أهلكوا مع قوّة بطشهم فهل من محيص لكم تعتمدون عليه.

و المحيص كالمحيد،غير أنّ المحيص معدل و مهرب عن الشّدّة،يدلّك عليه قولهم:وقعوا في حيص بيص،أي في شدّة و ضيق،و المحيد معدل و إن كان لهم بالاختيار، يقال:حاد عن الطّريق نظرا،و لا يقال:حاص عن الأمر نظرا.(28:182)

البيضاويّ: أي هل لهم من اللّه أو من الموت.

و قيل:الضّمير في(نقّبوا)لأهل مكّة،أي ساروا في أسفارهم في بلاد القرون،فهل رأوا لهم محيصا حتّى يتوقّعوا مثله لأنفسهم.و يؤيّده أنّه قرئ (فنقّبوا) على الأمر...(2:417)

أبو السّعود :أي هل لهم من مخلّص من أمر اللّه تعالى.و الجملة إمّا على إضمار قول هو حال من«واو» نقّبوا،أي فنقّبوا في البلاد قائلين:هل من محيص،أو على إجراء التّنقيب لما فيه من معنى التّتبّع و التّفتيش مجرى القول،أو هو كلام مستأنف وارد لنفي أن يكون لهم محيص.(6:130)

نحوه الآلوسيّ.(26:191)

النّيسابوريّ: أي مهرب من عذاب اللّه،فعلموا أن لا مفرّ.(26:84)

أبو حيّان :يحتمل أن يكون هَلْ مِنْ مَحِيصٍ على إضمار القول؟أي يقولون:هل من محيص من الهلاك.

و احتمل أن لا يكون ثمّ قول،أي لا محيص من الموت، فيكون توفيقا و تقريرا.(8:129)

السّمين:مبتدأ،و خبره مضمر تقديره:هل لمن سلك طريقهم،أو هل لهم من محيص؟و هذه الجملة يحتمل أن تكون على إضمار قول،و أن لا تكون.

(6:181)

ابن كثير :أي هل من مفرّ كان لهم قضاء اللّه و قدره؟و هل نفعهم ما جمعوه و ردّ عنهم عذاب اللّه إذا جاءهم،لمّا كذّبوا الرّسل،فأنتم أيضا لا مفرّ لكم و لا محيد و لا مناص و لا محيص.(6:409)

الشّربينيّ: أي معدل و محيد و مهرب،و إن دقّ من قضائنا ليكون لهؤلاء وجه ما في ردّ أمرنا.(4:91)

البروسويّ: حال من واو(نقّبوا)و أصله من قولهم:

وقع في حيص بيص،أي في شدّة.و حاص عن الحقّ يحيص،أي حاد عنه إلى شدّة و مكروه.و في«القاموس»:

المحيص:المهرب،أي فنقّبوا في البلاد قائلين:هل من محيص؛أي هل لهم من مفرّ و مخلص من أمر اللّه و عذابه، أو من الموت؟ف(محيص)مبتدأ خبره مضمر و هو«لهم»، و(من)زائدة.

و يجوز أن تكون الجملة كلاما مستأنفا،واردا لنفي أن

ص: 455

يكون لهم محيص...(9:134)

مغنيّة:المحيص:المهرب،و المعنى كان في الزّمان الغابر أمم أكثر حضارة،و أقوى عدّة و عددا من الّذين كذّبوك يا محمّد،و كانت لهم صلات مع كثير من البلاد، كلّ ذلك و ما إليه لم يغن عنهم حين نزل بهم العذاب،و لم يجدوا من أمر اللّه مهربا ألا يخشى قومك أن يصيبهم مثل ما أصاب الماضين؟(7:139)

عبد الكريم الخطيب :أي هل انتفع هؤلاء المغترّون بقوّتهم المعتزّون بسلطانهم،في ردّ بأس اللّه عنهم،و في رفع البلاء الّذي أخذهم به؟كلاّ.فما أغنى عنهم ذلك من اللّه من شيء...

و المحيص:المفرّ من مواجهة البلاء،و التماس السّلامة من الهلاك.[ثمّ استشهد بشعر](13:491)

مكارم الشّيرازيّ: المحيص كلمة مشتقّة من الحيص على زنة«الحيف»و معناها الانحراف و العدول عن الشّيء،و من هنا فقد استعملت هذه الكلمة في الفرار من المشاكل و الهزيمة عن المعركة.[إلى أن قال:]

أمّا جملة هَلْ مِنْ مَحِيصٍ فيحتمل أن تكون سؤالا عن لسان الكفّار السّابقين حين أحدق بهم العذاب،فكانوا يسألون هل من فرار و محيص عنه؟كما يحتمل أن يكون سؤالا من قبل اللّه للكفّار المعاصرين للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أي هل استطاع من كان قبلكم من الكفرة الفرار من قبضة العذاب؟أو هل يستطيع من يعاند النّبيّ أن يهرب من مثل هذا لو أحدق به؟!(17:51)

فضل اللّه : فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ و طافوا فيها و استولوا على خيراتها،و بحثوا عن السّبل الّتي تتيح لهم النّجاة من الموت،و الهرب من قضاء اللّه،فلم يجدوا سبيلا إلى ذلك،و وقفوا أمام الطّريق المسدود ليتساءلوا،أو ليفرض الواقع عليهم السّؤال في معرض الاستنكار:

هَلْ مِنْ مَحِيصٍ أي هل من مهرب من الموت؟فهل ينتظر قومك في مصيرهم غير ما حلّ بمن قبلهم من النّاس؟(21:187)

محيصا

أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً.

النّساء:121

الزّجّاج: أي لا يجدون عنها معدلا و لا ملجأ.

يقال:حصت عن الرّجل أحيص،و رووا:جضت عنه أجيض،بالجيم و الضّاد المعجمة،بمعنى حصت،و لا يجوز ذلك في القرآن،و إن كان المعنى واحدا،و الخطّ غير مخالف،لأنّ القرآن سنّة لا تخالف فيه الرّواية عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه و السّلف و قرّاء الأمصار،بما يجوز في النّحو و اللّغة،و ما فيه أفصح ممّا يجوز.فالاتّباع فيه أولى.

يقال:حصت أحوص حوصا و حياصا،إذا خطت.(2:111)

الطّوسيّ: يعني لا يجدون عنها معدلا إذا حصلوا فيها.(3:335)

الواحديّ: يقال:حاص عن الأمر،إذا عدل عنه.

و المعنى:أنّهم لا بدّ لهم من ورودها و الخلود فيها،فلا معدل لهم عنها.(2:118)

الفخر الرّازيّ: المحيص:المعدل و المفرّ[ثمّ نقل قول الواحديّ و قال:]و هذا غير بعيد،لأنّ الضّمير في قوله:

ص: 456

وَ لا يَجِدُونَ عائد إلى الّذين تقدّم ذكرهم،و هم الّذين قال الشّيطان:لأتّخذنّ من عبادك نصيبا مفروضا.

و الأظهر أنّ الّذي يكون نصيبا للشّيطان هم الكفّار.

(11:51)

البيضاويّ: معدلا و مهربا من حاص يحيص،إذا عدل و(عنها)حال منه و ليس صلة له،لأنّه اسم مكان، و إن جعل مصدرا فلا يعمل أيضا فيها قبله.(1:245)

نحوه أبو السّعود.(2:199)

أبو حيّان :أخبر تعالى أنّ المكان الّذي يأوون إليه و يستقرّون فيه هو جهنّم،و أنّهم لا يجدون عنها مراغا يروغون إليه.و(عنها)لا يجوز أن تتعلّق بمحذوف،لأنّها لا تتعدّى ب«عن»و لا ب(محيصا)و إن كان المعنى عليه، لأنّه مصدر،فيحتمل أن يكون ذلك تبيينا على إضمار أعني.و جوّزوا أن يكون حالا من«محيص»فيتعلّق بمحيص،أي كائنا عنها.و لو تأخّر لكان صفة.(3:354)

البروسويّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و الإشارة أنّ اللّه خلق الجنّة و خلق لها أهلا،و هم السّعداء،و خلق النّار و خلق لها أهلا و هم الأشقياء، و خلق الشّيطان مزيّنا و داعيا و آمرا بالهوى،فمن يرى حقيقة الإضلال و مشيئته من إبليس فهو إبليس،و قد قال تعالى: يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ فاطر:8.

و النّصيب المفروض من العباد هم طائفة خلقهم اللّه تعالى أهل النّار،كقوله تعالى: وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ الأعراف:179.و هم أتباع الشّيطان هاهنا،و قد لعن اللّه الشّيطان و أبعده عن الحضرة،إذ كان سبب ضلالتهم،كما قال عليه السّلام:«الدّنيا ملعونة ملعون ما فيها إلاّ ذكر اللّه تعالى و ما والاه».

و إنّما لعن اللّه الدّنيا و أبغضها،لأنّها كانت سببا للضّلالة،و كذلك الشّيطان و لا يغترّ بوعد الشّيطان إلاّ الضّالّ بالضّلال البعيد الأزليّ،و لذا تولّد منه الشّرك المقدّر بمشيئة اللّه الأزليّة.

و أمّا من خلقه اللّه أهلا للجنّة فقد غفر له قبل أن خلقه،و من غفر له فإنّه لا يشرك باللّه شيئا.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:لمّا نزل قوله تعالى:

وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ الأعراف:156.تطاول إبليس و قال:أنا شيء من الأشياء.فلمّا نزل: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ الأعراف:156،يئس إبليس،و تطاولت اليهود و النّصارى.ثمّ لمّا نزل قوله تعالى: اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الأعراف:

157،يئس اليهود و النّصارى،و بقيت الرّحمة للمؤمنين خاصّة،فهم خلقوا للرّحمة،و دخلوا الجنّة بالرّحمة،و لهم الخلود في الرّحمة،و بقي العذاب للشّيطان و أتباعه من الإنس و الجنّ،و لهم الخلود في النّار،كما قال اللّه تعالى:

وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً لأنّهم خلقوا لها،فلا بدّ من الدّخول فيها.(2:289)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]

و من جوّز تقدّمه[معمول المصدر]إذا كان ظرفا أو جارّا و مجرورا جوّزه هنا.(5:151)

رشيد رضا :لا يجدون معدلا عنها يفرّون إليه، لأنّهم منجذبون إليها بطبعهم،يتهافتون فيها بأنفسهم، كما يتهافت الفراش في النّار.(5:430)

نحوه المراغيّ.(5:162)

ص: 457

المصطفويّ: فإنّهم استقرّوا و تمكّنوا في مقام الظّلمة و الكدورة،و تحجّبوا عن مرحلة النّور،و رضوا بالحياة الدّنيا،و ليس لهم عن الآخرة نصيب.(2:359)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحيص،أي الحيد عن الشّيء و العدول عنه؛يقال:حاص عنه يحيص حيصا، أي رجع،و المحيص:المهرب و المحيد؛يقال:ما عنه محيص،و مثله المحاص.

و حاص الفرس يحيص حيصا و حيوصا و حيصانا و حيصوصة و محاصا و محيصا:عدل و حاد.

و حاص عن الشّرّ:حاد عنه فسلم منه،و حايصه و تحايص عنه:عدل و حاد.

و حيص بيص:من حاص،إذا حاد،و وقع القوم في حيص بيص،و حيص بيص،و حيص بيص،و حاص باص:في اختلاط من أمر لا مخرج لهم منه و لا مهرب.

و حيص بيص:جحر الفأر،لأنّه يلجأ إليه عند الهرب.

2-و أمّا الضّيق فهو من(ح و ص)؛يقال منه:إنّك لتحسب عليّ الأرض حيصا بيصا،أي ضيّقة،و الحائص من النّساء:الضّيّقة،و من الإبل:الّتي لا يجوز فيها قضيب الفحل،كأنّ بها رتقا.

و الأحيص:لغة في الأحوص،و هو الّذي في عينيه ضيق،أو الّذي إحدى عينيه أصغر من الأخرى،و مثله الأخيص و الأخوص.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«محيص»5 مرّات في 5 آيات:

1- ...سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ إبراهيم:21

2- وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَ ظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ فصّلت:48

3- وَ يَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ الشّورى:25

4- ...هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ق:36

5- أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً

النّساء:121

يلاحظ أوّلا:أنّ المحيص اختصّ بالكافرين و هو عنهم بمنتأى،و فيه بحوث:

1-فسّر بالمنجاة و الملجأ و المفرّ و المعدل و المحيد و المزاغ،و تعلي الألفاظ الثّلاثة الأولى المهرب،و الألفاظ الثّلاثة الأخرى الانحياز عن الشّيء.و ذهب الرّعيل الأوّل من اللّغويّين و بعض المفسّرين إلى المعنى الثّاني، كالخليل و الفرّاء و أبي عبيد و الأصمعيّ و ابن قتيبة و الطّبريّ،ذهب آخرون إلى المعنى الأوّل،كابن السّكّيت و الجوهريّ و أغلب المفسّرين.و جمع الزّجّاج بين المعنيين،فقال في(1):«أي ما لنا من مهرب و لا معدل عن العذاب».

و المعنى الثّاني هو الأصل هنا،و الأوّل منقول من معنى آخر،و هو المناص في قوله تعالى: وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ ص:3،أي ملجأ و مفرّ،و هذا ممّا أضافه المفسّرون إلى اللّغة.

ص: 458

و المعنى الثّاني هو الأصل هنا،و الأوّل منقول من معنى آخر،و هو المناص في قوله تعالى: وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ ص:3،أي ملجأ و مفرّ،و هذا ممّا أضافه المفسّرون إلى اللّغة.

2-جاء نكرة مجرورا ب«من»في جميع المواضع إلاّ (5)،فقد جاء منصوبا بالفعل(يجدون)،كما جاء مسبوقا بالنّفي ب(ما)أو«لا»في الجميع إلاّ(4)،فسبق بالاستفهام الإنكاريّ،و هو نفي أيضا.و(من)في الجميع تأكيد للتّعميم الّذي أفادته النّكرة عقيب النّفي،و إن قالوا:إنّها زائدة.

3-و في(5) لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً قد سبق (عنها)لفظ(محيصا)،فهو إمّا متعلّق به أخّر عن متعلّقه رعاية لرويّ الآيات،على قول من جوّز تقدّم معمول المصير على عامله،إذا كان ظرفا أو جارّا و مجرورا،و حمل عليه اسم المكان أيضا و لا سيّما عند الضّرورة،أو متعلّق بحال محذوف من«محيص»،و التّقدير:و لا يجدون محيصا كائنا عنها،أو متعلّق ب(يجدون)،و الأقرب هو الأوّل.

4-المعدول عنه في هذه الآيات هو العذاب في جهنّم،إلاّ(4)فهو إمّا الموت كما قال ابن قتيبة،أو اللّه كما قال الزّمخشريّ،و ذهب ابن عبّاس إلى أنّه العذاب أيضا.

و السّياق يناسب الهلاك في الدّنيا: وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ.

5- هَلْ مِنْ مَحِيصٍ فيها من قول الكفّار،كما احتمل بعض إضمار القول،أي يقولون:هل من محيص من الموت أو الهلاك أو العذاب؟و نفى بعض هذا الاحتمال:

فيكون الكلام تقريرا من اللّه تعالى.و العادل من الموت هذا القرون الماضية،و قيل:أهل مكّة،و تؤيّده قراءة من قرأ «فنقّبوا» على الأمر.

ثانيا:أنّ المحيص جاء رويّا في هذه الآيات الخمس، و هي مكّيّة،سوى الآية الأخيرة،فهي مدنيّة.

ص: 459

ص: 460

ح ي ض

اشارة

لفظان،4 مرّات مدنيّة،في سورتين مدنيّتين

يحضن 1:-1 المحيض 3:-3

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحيض معروف،و المرّة الواحدة:الحيضة، و الاسم:الحيضة،و جمعها:الحيض،و الحيضات:جماعة، و الفعل:حاضت.المرأة تحيض حيضا و محيضا،فالمحيض يكون اسما و مصدرا،و النّساء:حيّض،الواحدة:

حائض،و المستحاضة:الّتي غلب عليها الدّم فلا يرقأ.(3:267)

اللّيث:و المستحاضة:المرأة الّتي يسيل منها الدّم فلا يرقأ،و لا يسيل من المحيض،و لكنّه يسيل من عرق يقال له:العاذل،و إذا استحيضت المرأة في غير أيّام حيضها و استمرّ بها الدّم صلّت و صامت،و لم تقعد عن الصّلاة كما تعقد الحائض.و قال اللّه جلّ و عزّ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ... البقرة:222.(الأزهريّ 5:159)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و حياض غتيم:الموت.[ثمّ استشهد بشعر](1:188)

الفرّاء: حاضت السّمرة تحيض،إذا سال منها الدّودم،و يجمع الحوض:حياضا و أحواضا،و المحوّض:

الموضع الّذي يسمّى حوضا.(الأزهريّ 5:159)

حاضت المرأة تحيض حيضا و محيضا،فهي حائض و حائضة أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

(الجوهريّ 3:1073)

اللّحيانيّ: حاض و جاض و حاص بمعنى واحد.

(الصّغانيّ 4:69)

المبرّد: سمّي الحيض حيضا من قولهم:حاض السّيل،إذا فاض.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن منظور 7:142)

الزّجّاج: يقال:حاضت المرأة تحيض حيضا و محاضا و محيضا،و عند النّحويّين أنّ المصدر في هذا الباب «المفعل»و«المفعل»جيّد بالغ فيه،يقال:ما في برّك «مكال»أي كيل،و يجوز ما فيه«مكيل».(1:296)

ص: 461

نحوه الطّبرسيّ.(1:319)

ابن دريد :و جارية عارك و طامث و دارس و حائض كلّه سواء،و جارية جالع،إذا طرحت قناعها من قلّة الحياء.و امرأة قاعد،إذا قعدت عن الحيض.

(3:444)

نفطويه:المحيض و الحيض اجتماع الدّم إلى ذلك الموضع،و به سمّي الحوض لاجتماع الماء فيه،يقال:

حاضت المرأة و تحيّضت،و درست،و عركت،و طمثت.

تحيض حيضا و محاضا و محيضا،إذا سال الدّم منها في أوقات معلومة،فإذا سال في غير أيّام معلومة و من غير عرق المحيض قلت:استحيضت،فهي مستحاضة.

(القرطبيّ 3:82)

الأزهريّ: يقال:حاض السّيل و فاض،إذا سال، يحيض و يفيض.[ثمّ استشهد بشعر]

و من هذا قيل للحوض:حوض الماء،لأنّ الماء يحيض إليه أي يسيل،و العرب تدخل الواو على الياء و الياء على الواو،لأنّهما من حيّز واحد و هو الهواء،و هما حرفا لين.(5:159)

الصّاحب:[مثل الخليل و أضاف:]

و في الحديث في المستحاضة:«تلجّمي و تحيّضي»أي اقعدي أيّام حيضك.

و حيض السّمرة:ما يسيل منه كدم الغزال حمرة، يقال:حاضت السّمرة.(3:157)

الخطّابيّ: و أمّا قوله صلّى اللّه عليه و سلّم لعائشة:«ليست حيضتك في يدك»فإنّهم قد يفتحون الحاء منه و ليس بالجيّد، و الصّواب حيضتك مكسورة الحاء،و الحيضة:الاسم أو الحال،يريد ليست نجاسة المحيض أو أذاه في يدك.فأمّا الحيضة:فالمرّة الواحدة من الحيض أو الدّفعة من الدّم.(3:220)

الجوهريّ: و نساء حيض و حوائض،الحيضة:المرّة الواحدة.و الحيضة بالكسر:الاسم،و الجمع:الحيض.

و الحيضة أيضا:الخرقة الّتي تستثفر بها المرأة.قالت عائشة رضي اللّه عنها:«ليتني كنت حيضة ملقاة» و كذلك المحيضة،و الجمع:المحايض.

و استحيضت المرأة:أي استمرّ بها الدّم بعد أيّامها، فهي مستحاضة.

و تحيّضت،أي قعدت أيّام حيضها عن الصّلاة،و في الحديث:«تحيّضي في علم اللّه ستّا أو سبعا».

و حاضت السّمرة حيضا،و هي شجرة يسيل منها شيء كالدّم.(3:1073)

ابن فارس: الحاء و الياء و الضّاد كلمة واحدة.

يقال:حاضت السّمرة،إذا خرج منها ماء أحمر،و لذلك سمّيت النّفساء حائضا،تشبيها لدمها بذلك الماء.

(2:124)

أبو سهل الهرويّ: تقول:امرأة حائض،للّتي يخرج دمها من قبلها أيّاما معدودة.

(التّلويح في شرح الفصيح:74)

ابن سيده: حاضت المرأة حيضا و محيضا و هي حائض،همزت و إن لم تجر على الفعل،لأنّه أشبه في اللّفظ ما اطّرد همزه من الجاري على الفعل،نحو قائم و صائم و أشباه ذلك.و يدلّك على أنّ عين حائض همزة و ليست ياء خالصة-كما لعلّه يظنّه كذلك ظانّ-قولهم:

ص: 462

امرأة زائر من زيارة النّساء،أ لا ترى أنّه لو كانت العين صحيحة لوجب ظهورها واوا،و أن يقال:زاور؟و عليه قالوا:العائر،للرّمد و إن لم يجر على الفعل،لمّا جاء مجيء ما يجب همزه و إعلاله في غالب الأمر،و مثله الحائش، و سيأتي.

و جمع الحائض:حوائض و حيّض.و الحيضة:المرّة الواحدة،و الحيضة:الاسم.و قيل:الحيضة:الدّم نفسه.

و الحياض:دم الحيضة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تحيّضت المرأة:تركت الصّلاة أيّام حيضها.و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال للمرأة:«تحيّضي ستّا أو سبعا».

و المستحاضة:الّتي لا يرقأ دم حيضها.

و حاضت السّمرة:خرج منها الدّودم،و هو شيء شبه الدّم،و إنّما ذلك على التّشبيه.(3:417)

الطّوسيّ: و المحيض مصدر حاضت المرأة تحيض حيضا و محيضا،فهي حائض.و المرّة:حيضة،و جمعه:

حيض و حيضات،و نساء حيض و المستحاضة:الّتي عليها الدّم فلا رواق،و أصل الباب الحيض:مجيء الدّم لأنثى على عادة معروفة.(2:220)

الرّاغب: الحيض:الدّم الخارج من الرّحم على وصف مخصوص في وقت مخصوص،و المحيض:الحيض و وقت الحيض و موضعه،على أنّ المصدر في هذا النّحو من الفعل يجيء على«مفعل»نحو معاش و معاد.و قول الشّاعر:

*لا يستطيع بها القراد مقيلا*

أي مكانا للقيلولة،و إن كان قد قيل:هو مصدر، و يقال:ما في برّك مكيل و مكال.(136)

الزّمخشريّ: حاضت المرأة حيضة واحدة و حيضة طويلة،و ثلاث حيض.و استحيضت و تحيّضت:فعلت ما تفعل الحائض.و في الحديث:«تلجّمي و تحيّضي».

و من المجاز:حاضت السّمرة،إذا خرج منها شبه الدّم،و يعرف بالدّودم،و يضمد به رأس المولود لينفر عنه الجانّ.و العزل:حيض الرّجال،و تقول:فلان ديدنه أن يحيص و يحيض،و يوشك أن يحيض.

(أساس البلاغة:101)

ابن العربيّ: المحيض:و هو«مفعل»،من حاض يحيض إذا سال حيضا.تقول العرب:حاضت الشّجرة و السّمرة:إذا سالت رطوبتها،و حاض السّيل:إذا سال.

[ثمّ استشهد بشعر]

و هو عبارة من الدّم الّذي يرخيه الرّحم فيفيض، و لها ثمانية أسماء:الأوّل:حائض،الثّاني:عارك،الثّالث:

فارك،الرّابع:طامس،الخامس:دارس،السّادس:كابر، السّابع:ضاحك،الثّامن:طامث.(1:159)

المدينيّ: في الحديث:«في بئر بضاعة تلقى فيها المحائض»أي خرق الحيض،سمّيت بالمصدر فلهذا جمع، و المحيض:مصدر حاضت حيضا و محيضا.

و في الحديث:«إنّ حيضتك ليست بيدك»بكسر الحاء و هي الحال الّتي تلزمها الحائض من التّجنّب و التّحيّض،كما قالوا:القعدة و الجلسة لحال القعود و الجلوس.فأمّا بالفتح فهي الدّفعة من دفعات دم الحيض.

و في الحديث:«تحيّضي»أي عدّي نفسك حائضا، و افعلي ما تفعل الحائض.

ص: 463

في الحديث:«لا تقبل صلاة حائض إلاّ بخمار»أي الّتي بلغت سنّ المحيض،و لم يرد في أيّام حيضها،لأنّ الحائض لا تصلّي بحال.(1:535)

ابن الأثير: قد تكرّر ذكر الحيض و ما تصرف منه، من اسم،و فعل،و مصدر،و موضع،و زمان،و هيئة،في الحديث:يقال:حاضت المرأة تحيض حيضا و محيضا، فهي حائض،و حائضة.

و منها قوله:«تحيّضي في علم اللّه ستّا أو سبعا» تحيّضت المرأة إذا قعدت أيّام حيضها تنتظر انقطاعه، أراد عدّي نفسك حائضا و افعلي ما تفعل الحائض،و إنّما خصّ السّتّ و السّبع لأنّهما الغالب على أيّام الحيض.

و منها:حديث عائشة:«ليتني كنت حيضة ملقاة» هي بالكسر خرقة الحيض،و يقال لها أيضا المحيضة، و تجمع على المحائض.

و منه حديث بئر بضاعة:«يلقى فيها المحايض» و قيل:المحايض جمع المحيض،و هو مصدر حاض،فلمّا سمّي به جمعه.و يقع المحيض على المصدر و الزّمان و المكان و الدّم.

و منها الحديث:«إنّ فلانة استحيضت»الاستحاضة:

أن يستمرّ بالمرأة خروج الدّم بعد أيّام حيضها المعتادة.

يقال:استحيضت فهي مستحاضة،و هو استفعال من الحيض.(1:468)

الصّغانيّ: التّحييض:التّسييل.[ثمّ استشهد بشعر]

و حيّض:إذا جامع في الحيض.(4:69)

الفيّوميّ: حاضت السّمرة تحيض حيضا:سال صمغها.و حاضت المرأة حيضا و محيضا،و حيّضتها:

نسبتها إلى الحيض.و المرّة حيضة،و الجمع:حيض،مثل بدرة و بدر،و مثله في المعتلّ ضيعة و ضيع،و حيدة و حيد، و خيمة و خيم،و من بنات الواو دولة و دول،و القياس حيضات مثل بيضة و بيضات.

و الحيضة:بالكسر هيئة الحيض مثل الجلسة لهيئة الجلوس،و جمعها:حيض أيضا مثل سدرة و سدر.

و الحيضة بالكسر أيضا:خرقة الحيض.

و في الحديث:«خذي ثياب حيضتك»يروى بالفتح و الكسر،و المرأة حائض،لأنّه وصف خاصّ،و جاء حائضة أيضا بناء له على حاضت،و جمع الحائض:

حيّض مثل راكع و ركّع،و جمع الحائضة:حائضات مثل قائمة و قائمات.و قوله:«لا يقبل اللّه صلاة حائض إلاّ بخمار»ليس المراد من هي حائض حالة التّلبّس بالصّلاة، لأنّ الصّلاة حرام عليها حينئذ،و ليس المراد المرأة البالغة أيضا،فإنّه يفهم أنّ الصّغيرة تصحّ صلاتها مكشوفة الرّأس و ليس كذلك،بل المراد مجاز اللّفظ،و المعنى جنس من تحيض،بالغة كانت أو غير بالغة،فكأنّه قال:لا يقبل اللّه صلاة أنثى،و خرجت الأمة عن هذا العموم بدليل من خارج.و تحيّضت:قعدت عن الصّلاة أيّام حيضها.

و الاستحاضة:دم غالب ليس بالحيض،و استحيضت المرأة فهي مستحاضة مبنيّا للمفعول.(159)

الجرجانيّ: الحيض في اللّغة:السّيلان،و في الشّرع:

عبارة عن الدّم الّذي ينفضه رحم[امرأة]بالغة سليمة عن الدّاء و الصّغر،احترز بقوله:«رحم امرأة»عن دم الاستحاضة،و عن الدّماء الخارجة من غيره،و بقوله:

«سليمة عن الدّاء»عن النّفاس،إذ النّفاس في حكم

ص: 464

المرض حتّى اعتبر تصرّفها من الثّلث،و ب«الصّغر»عن دم تراه بنت تسع سنين،فإنّه ليس بمعتبر في الشّرع.

(42)

المستحاضة:هي الّتي ترى الدّم من قبلها في زمان لا يعتبر من الحيض و النّفاس مستغرقا وقت صلاة في الابتداء،و لا يخلو وقت صلاة عنه في البقاء.(93)

الفيروزآباديّ: حاضت المرأة تحيض حيضا و محيضا و محاضا،فهي حائض و حائضة من حوائض، و حيّض:سال دمها،و المحيض اسم و مصدر،قيل:و منه الحوض لأنّ الماء يسيل إليه،و الحيضة:المرّة،و بالكسر الاسم و الخرقة تستثفر بها،و التّحييض:التّسييل و المجامعة في الحيض،و المستحاضة:من يسيل دمها لا من الحيض، بل من عرق العاذل،و حيض:جبل بالطّائف و تحيّضت:

قعدت أيام حيضها عن الصّلاة.(2:341)

الطّريحيّ: [مثل المتقدّمين](4:201)

مجمع اللّغة :الحيض و المحيض:دم يفرزه الرّحم بأوصاف خاصّة و في أوقات محدودة.

حاضت المرأة تحيض حيضا و محيضا:نزل عليها دم الحيض.(1:310)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حاضت المرأة حيضا و محيضا و محاضا:خرج منها دم في وقت مخصوص فهي حائض،و حاض الوادي:إذا فاض ماؤه،و منه الحوض لسيلان الماء فيه، فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ البقرة:222،أي زمن الحيض أو في مكانه و هو الفرج.

(1:153)

نحوه حسنين مخلوف.(1:73)

المصطفويّ: و يظهر من كلمات القوم أنّ مادّة الحيض في الأصل مصدر بمعنى الفيض و السّيلان الخفيف من داخل شيء،كفيضان الصّمغ من الشّجرة و فيضان الدّم من رحم المرأة،ثمّ غلب استعمالها في المعنى الثّاني، و اشتقّت منها أفعال و مشتقّات انتزاعا،فقيل:امرأة حائض،و مستحاضة،و تحيّضت،و حيّضتها.

و أمّا مفهوم السّيلان،فهو معنى الحوض واويّا،و بينه و بين الحيض اشتقاق أكبر،و الحوص قريب من معناهما.

و الاستحاضة:بمعنى طلب التّحيّض،فكأنّ مزاج المرأة و طبيعتها اقتضت خروج الدّم و سيلانه زائدا على ما هو عادتها.

وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ الطّلاق:4، وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ... البقرة:222،مصدر ميميّ من الحيض.

و انتخاب المحيض لأنّ الحيض قد غلب عليه الاسميّة و الجنسيّة.(2:360)

النّصوص التّفسيريّة

المحيض

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ...

البقرة:222

الطّبريّ: و يسألك يا محمّد أصحابك عن الحيض، و قيل:المحيض،لأنّ ما كان من الفعل ماضيه بفتح عين الفعل،و كسرها في الاستقبال،مثل قول القائل:ضرب يضرب،و حبس يحبس،و نزل ينزل،فإنّ العرب تبني

ص: 465

مصدره على«المفعل»،و الاسم على«المفعل»مثل المضرب و المضرب من ضربت،و نزلت منزلا و منزلا، و مسموع في ذوات الياء و الألف:المعيش و المعاش، و المعيب و المعاب.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما كان القوم سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيما ذكر لنا عن الحيض،لأنّهم كانوا قبل بيان اللّه لهم ما يتبيّنون من أمره، لا يساكنون حائضا في بيت و لا يؤاكلونهنّ في إناء،و لا يشاربونهنّ،فعرّفهم اللّه بهذه الآية أنّ الّذي عليهم في أيّام حيض نسائهم،أن يجتنبوا جماعهنّ فقط،دون ما عدا ذلك من مضاجعتهنّ و مؤاكلتهنّ و مشاربتهنّ.

(2:380)

نحوه الزّجّاج(1:296)،و ابن الجوزيّ(1:248).

الجصّاص :و المحيض قد يكون اسما للحيض نفسه،و يجوز أن يسمّى به موضع الحيض كالمقيل و المبيت هو موضع القيلولة و موضع البيتوتة.و لكن في فحوى اللّفظ ما يدلّ على أنّ المراد ب(المحيض)في هذا الموضع هو الحيض،لأنّ الجواب ورد بقوله: هُوَ أَذىً و ذلك صفة لنفس الحيض لا للموضع الّذي فيه،و كانت مسألة القوم عن حكمه و ما يجب عليهم فيه...[ثمّ ذكر بحوثا أخرى،و اختلاف الفقهاء في مقدار مدّة الحيض]

(1:407-421)

الثّعلبيّ: أي الحيض،و هو مصدر قولك:حاضت المرأة تحيض حيضا و محيضا،مثل السّير و المسير، و العيش و المعيش،و الكيل و المكيل.و أصل الحيض:

الانفجار،يقال:حاضت الثّمرة،إذا سال منها شيء كالدّم.(2:156)

نحوه البغويّ.(1:285)

الطّوسيّ: و صفة الحيض:هو الدّم الغليظ الأسود الّذي يخرج بحرارة،و أقلّ الحيض ثلاثة أيّام،و أكثره عشرة؛و هو قول الحسن،و أهل العراق.و قال الشّافعيّ و أكثر أهل المدينة:أقلّ الحيض يوم و ليلة،و أكثره خمسة عشر يوما.و حكي أنّ قوما قالوا:ليس له وقت محدود، إنّما هو ما رأت دم الحيض.و أقلّ الطّهر عشرة أيّام، و خالف الجميع و قالوا:خمسة عشر يوما.

و الاستحاضة:دم رقيق أصفر بارد.و حكم الاستحاضة حكم الطّهر في جميع الأحكام إلاّ في تجديد الوضوء عند كلّ صلاة،و وجوب الغسل عليها على بعض الوجوه عندنا.(2:220)

نحوه الطّبرسيّ.(1:320)

الزّمخشريّ: المحيض:مصدر،يقال:حاضت محيضا،كقولك:جاء مجيئا و بات مبيتا.(1:361)

نحوه البيضاويّ(1:117)،و النّسفيّ(1:111)، و أبو السّعود(1:268).

ابن عطيّة: و المحيض مصدر كالحيض،و مثله المقيل من قال يقيل.(1:298)

ابن العربيّ: [فيها مسائل:]

المسألة الرّابعة:المحيض«مفعل»من حاض،فعن أيّ شيء يكون عبارة عن الزّمان أم عن المكان،أم عن المصدر حقيقة أم مجاز؟

و قد قيل:إنّه عبارة عن زمان الحيض و عن مكانه، و عن الحيض نفسه.

و تحقيقه عند مشيخة الصّنعة قالوا:إنّ الاسم المبنيّ

ص: 466

من«فعل يفعل»للموضع«مفعل»بكسر العين كالمبيت و المقيل،و الاسم المبنيّ منه على«مفعل»بفتح العين يعبّر به عن المصدر كالمضرب،تقول:إنّ في ألف درهم لمضربا،أي ضربا،و منه قوله تعالى: وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً النّبأ:11؛أي عيشا.و قد يأتي«المفعل»- بكسر العين-للزّمان،كقولنا:مضرب النّاقة،أي زمان ضرابها.

و قد يبنى المصدر أيضا عليه،إلاّ أنّ الأصل ما تقدّم.

و ذلك كقوله تعالى: إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ المائدة:48،أي رجوعكم،و كقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ، أي عن الحيض.

و إذا علمت هذا من قولهم،فالصّحيح عندي أنّ كلّ «ف ع ل»لا بدّ لكلّ متعلّق من متعلّقاته من بناء يختصّ به،قصدا للتّمييز بين المعاني بالألفاظ المختصّة بها،و هي سبعة:الفاعل،و المفعول،و الزّمان،و المكان،و أحوال الفعل الثّلاثة من ماض،و مستقبل،و حال،و يتداخلان، ثمّ يتفرّع إلى عشرة و إلى أكثر منها،بحسب تزايد المتعلّقات.

و كلّ واحد من هذه الأبنية يتميّز بخصيصته اللّفظيّة عن غيره تميّزه بمعناه،و قد يتميّز ببنائه في حركاته و تردّداته المتّصلة و تردّداته المنفصلة،كقولك:معه،و له، و به،و غير ذلك.فإذا وضع العربيّ أحدهما موضع الآخر جاز،و هذا على جهة الاستعارة،و هذا بيّن للمنصف استقصيناه من كتاب«ملجئة المتفقّهين إلى معرفة غوامض النّحويّين».

فإذا ثبت هذا و قلت معنى قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ زمان الحيض صحّ،و يكون حينئذ مجازا على تقدير محذوف دلّ عليه السّبب الّذي كان السّؤال بسببه،تقديره:و يسألونك عن الوطء في زمان الحيض.

و إن قلت:إنّ معناه موضع الحيض كان مجازا في مجاز على تقدير محذوفين،تقديره: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ، أي عن الوطء في موضع الحيض حالة الحيض،لأنّ أصل اسم الموضع يبقى عليه،و إنزال الّذي لأجله سمّي به؛فلا بدّ من تقدير تحقيق في هذا الاحتمال، لظهور المجاز فيه.

و إن قلت معناه:و يسألونك عن الحيض،كان مجازا على تقدير محذوف واحد،تقديره:و يسألونك عن منع الحيض؛و هذا كلّه متصوّر متقرّر على رواية مجاهد و ثابت ابن الدّحداح،و حديث أنس متقدّر عليها كلّها تقديرا صحيحا،فيتبيّن عند التّنزيل فلا يحتاج إلى بسطه بتطويل.

المسألة الخامسة في اعتباره شرعا:الدّماء الّتي ترخيها الرّحم دم عادة،و هو المعتبر،و دم علّة يعتبر غالبا عند علمائنا،و فيه خلاف،و كلاهما معروف، و الأرحام الّتي ترخيها ثنتان:حامل،و حائل،[و الحائل] تنقسم إلى أربعة:مبتدأة،و معتادة،و مختلطة، و مستحاضة،ثمّ تتفرّع بالأحوال و الزّمان إلى ثلاثين قسما،بيانها في كتب المسائل،و لكلّ حال منها حكم.

(1:160)

الرّاونديّ: إنّ في هذه الآية خمسة عشر حكما، و زاد بعضهم.

و المحيض و الحيض مصدر حاضت المرأة،و

ص: 467

(المحيض)في الآية تصلح للمصدر و الزّمان،فتقدير المصدر:يسألونك عن حيض المرأة ما حكمه من المجامعة و غيرها؟و تقدير الزّمان:يسألونك عن حال المرأة وقت الحيض ما حكمها في مجامعة الرّجل إيّاها؟[ثمّ ذكر نحو الطّوسيّ](1:51)

الفخر الرّازيّ: أصل الحيض في اللّغة السّيل،يقال:

حاض السّيل و فاض،قال الأزهريّ:و منه قيل للحوض:حوض،لأنّ الماء يحيض إليه أي يسيل إليه، و العرب تدخل الواو على الياء،و الياء على الواو،لأنّهما من جنس واحد.

إذا عرفت هذا فنقول:إنّ هذا البناء قد يجيء للموضع،كالمبيت،و المقيل،و المغيب،و قد يجيء أيضا بمعنى المصدر،يقال:حاضت محيضا.و جاء مجيئا،و بات مبيتا،و حكى الواحديّ في«البسيط»عن ابن السّكّيت:

إذا كان الفعل من ذوات الثّلاثة،نحو:كال يكيل،و حاض يحيض،و أشباهه،فإنّ الاسم منه مكسور،و المصدر مفتوح،من ذلك مال ممالا،و هذا مميله،يذهب بالكسر إلى الاسم،و بالفتح إلى المصدر،و لو فتحهما جميعا أو كسرهما في المصدر و الاسم لجاز،تقول العرب:المعاش و المعيش.و المغاب و المغيب،و المسار و المسير،فثبت أنّ لفظ المحيض حقيقة في موضع الحيض،و هو أيضا اسم لنفس الحيض.

و إذا ثبت هذا فاعلم أنّ أكثر المفسّرين من الأدباء زعموا أنّ المراد ب(المحيض)هاهنا الحيض،و عندي أنّه ليس كذلك؛إذ لو كان المراد ب(المحيض)هاهنا الحيض لكان قوله: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ معناه:فاعتزلوا النّساء في الحيض،و يكون المراد فاعتزلوا النّساء في زمان الحيض،فيكون ظاهره مانعا من الاستمتاع بها فيما فوق السّرّة و دون الرّكبة،و لمّا كان هذا المنع غير ثابت لزم القول بتطرّق النّسخ أو التّخصيص إلى الآية،و معلوم أنّ ذلك خلاف الأصل.أمّا إذا حملنا(المحيض)على موضع الحيض،كان معنى الآية:فاعتزلوا النّساء في موضع الحيض،و يكون المعنى:

فاعتزلوا موضع الحيض من النّساء،و على هذا التّقدير لا يتطرّق إلى الآية نسخ و لا تخصيص.

و من المعلوم أنّ اللّفظ إذا كان مشتركا بين معنيين، و كان حمله على أحدهما يوجب محذورا،و على الآخر لا يوجب ذلك المحذور،فإنّ حمل اللّفظ على المعنى الّذي لا يوجب المحذور أولى.هذا إذا سلّمنا أنّ لفظ المحيض مشترك بين الموضع و بين المصدر،مع أنّا نعلم أنّ استعمال هذا اللّفظ في الموضع أكثر و أشهر منه في المصدر.

فإن قيل:الدّليل على أنّ المراد من المحيض الحيض، أنّه قال: هُوَ أَذىً أي المحيض أذى،و لو كان المراد من المحيض الموضع لما صحّ هذا الوصف.

قلنا:بتقدير أن يكون المحيض عبارة عن الحيض، فالحيض في نفسه ليس بأذى،لأنّ الحيض عبارة عن الدّم المخصوص،و الأذى كيفيّة مخصوصة،و هو عرض، و الجسم لا يكون نفس العرض،فلا بدّ و أن يقولوا:المراد منه أنّ الحيض موصوف بكونه أذى،و إذا جاز ذلك فيجوز لنا أيضا أن نقول:المراد أنّ ذلك الموضع ذو أذى.

و أيضا لم لا يجوز أن يكون المراد من المحيض الأوّل هو الحيض،و من المحيض الثّاني موضع الحيض؟و على هذا

ص: 468

التّقدير يزول ما ذكرتم من الإشكال،فهذا ما عندي في هذا الموضع،و باللّه التّوفيق.

[ثمّ ذكر أوصاف دم الحيض و أحكام شرعيّة يتفرّع عليه و الاختلاف في مقداره](6:67)

نحوه النّيسابوريّ(2:246)،و أبو حيّان(2:167)، و الآلوسيّ(2:121).

القرطبيّ: قيل:المحيض عبارة عن الزّمان و المكان، و عن الحيض نفسه،و أصله في الزّمان و المكان،مجاز في الحيض.[ثمّ ذكر إجماع العلماء على أنّ للمرأة ثلاثة أحكام في رؤيتها الدّم...و اختلاف العلماء في مقدار الحيض،فلاحظ](3:81)

السّمين:«مفعل»من الحيض،و يراد به المصدر و الزّمان و المكان،تقول:حاضت المرأة تحيض حيضا و محيضا و محاضا،فبنوه على«مفعل»و«مفعل»بالكسر و الفتح.

و اعلم أنّ في«المفعل»من يفعل بكسر العين اليائيّها-ثلاثة مذاهب:

أحدها:أنّه كالصّحيح،فتفتح عينه مرادا به المصدر، و تكسر مرادا به الزّمان و المكان.

و الثّاني:أن يتخيّر بين الفتح و الكسر في المصدر خاصّة،كما جاء هنا:المحيض و المحاض،و وجه هذا القول أنّه كثر هذان الوجهان،أعني الكسر و الفتح فاقتاسا.

و الثّالث:أن يقتصر على السّماع،فيما سمع فيه الكسر أو الفتح لا يتعدّى،فالمحيض المراد به المصدر ليس بمقيس على المذهبين الأوّل و الثّالث،مقيس على الثّاني.و يقال:

امرأة حائض و لا يقال:حائضة إلاّ قليلا.و أنشد الفرّاء:

*كحائضة يزنى بها غير طاهر*

و المعروف أنّ النّحويّين فرّقوا بين حائض و حائضة، فالمجرّد من تاء التّأنيث بمعنى النّسب،أي ذات حيض و إن لم يكن عليها حيض،و المتلبّس بالتّاء لمن عليها الحيض في الحال،فيحتمل أن يكون مراد الشّاعر ذلك،و هكذا كلّ صفة مختصّة بالمؤنّث نحو:طامث،و مرضع و شبههما.

[إلى أن قال:]

و الظّاهر أنّ(المحيض)في هذه الآية يراد به المصدر،و إليه ذهب الزّمخشريّ و ابن عطيّة،قال ابن عطيّة:«و المحيض مصدر كالحيض،و مثله المقيل من قال يقيل».[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك قال الطّبريّ: إنّ المحيض اسم كالمعيش اسم العيش.

و قيل:المحيض في الآية المراد به اسم موضع الدّم، و على هذا فهو مقيس اتّفاقا،و يؤيّد الأوّل قوله: قُلْ هُوَ أَذىً. و قد يجاب عنه بأنّ ثمّ حذف مضاف،أي هو ذو أذى.و يؤيّد الثّاني قوله: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ و من حمله على المصدر قدّر هنا حذف مضاف،أي فاعتزلوا وطء النّساء في زمان الحيض، و يجوز أن يكون المحيض الأوّل مصدرا،و الثّاني مكانا.

(1:542)

البروسويّ: مصدر كالمجيء و المبيت،و الحيض هو اللّوث الخارج من الرّحم في وقت معتاد.(1:347)

نحوه القاسميّ.(3:560)

رشيد رضا :أي عن حكمه،و المحيض هو الحيض

ص: 469

المعروف،و هو الدّم الّذي يخرج من الرّحم على وصف مخصوص في زمن معلوم.لوظيفة حيويّة صحّيّة تعدّ الرّحم للحمل بعده،إذا حصل التّلقيح المقصود من الزّوجيّة لبقاء النّوع،فالمحيض كالحيض مصدر كالمجيء و المبيت،و يطلق على زمان الحيض و مكانه،و المرأة حائض بدون تاء،لأنّه وصف خاصّ،و جمعه:حيّض بتشديد الياء كراكع و ركّع،و ورد حائضة،و جمعه:

حائضات،و لا حاجة إلى تقدير محلّ المحيض،فإنّما يسأل الشّارع عن الأحكام.(2:359)

نحوه المراغيّ.(2:155)

مغنيّة:المحيض اسم لمكان الحيض و محلّه،و المراد به هنا الحيض،من باب إطلاق المحلّ على الحالّ.و السّؤال وقع عن مخالطة النّساء في زمن الحيض،فأمر اللّه نبيّه الأكرم أن يجيب السّائلين بأن يعتزلوا النّساء أيّام الحيض،أي لا يجامعوهنّ فيه،فقد جاء في الحديث:

«اصنعوا كلّ شيء إلاّ الجماع».(1:336)

الطّباطبائيّ: قد كان للنّاس في أمر المحيض مذاهب شتّى:فكانت اليهود تشدّد في أمره،و يفارق النّساء في المحيض في المأكل و المشرب و المجلس و المضجع،و في التّوراة أحكام شديدة في أمرهنّ في المحيض،و أمر من قرب منهنّ في المجلس و المضجع و المسّ و غير ذلك،و أمّا النّصارى فلم يكن عندهم ما يمنع الاجتماع بهنّ أو الاقتراب منهنّ بوجه،و أمّا المشركون من العرب فلم يكن عندهم شيء من ذلك،غير أنّ العرب القاطنين بالمدينة و حواليها سرى فيهم بعض آداب اليهود في أمر المحيض،و التّشديد في أمر معاشرتهنّ في هذا الحال،و غيرهم ربّما كانوا يستحبّون إتيان النّساء في المحيض،و يعتقدون أنّ الولد المرزوق حينئذ يصير سفّاحا ولوعا في سفك الدّماء،و ذلك من الصّفات المستحسنة عند العشائر من البدويّين.

و كيف كان فقوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ و إن كان ظاهره الأمر بمطلق الاعتزال على ما قالت به اليهود،و يؤكّده قوله تعالى ثانيا: وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ إلاّ أنّ قوله تعالى أخيرا فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ -و من المعلوم أنّه محلّ الدّم-قرينة على أنّ قوله: فَاعْتَزِلُوا وَ لا تَقْرَبُوا واقعان موقع الكناية لا التّصريح،و المراد به الإتيان من محلّ الدّم فقط،لا مطلق المخالطة و المعاشرة،و لا مطلق التّمتّع و الاستلذاذ.

فالإسلام قد أخذ في أمر المحيض طريقا وسطا بين التّشديد التّامّ الّذي عليه اليهود،و الإهمال المطلق الّذي عليه النّصارى،و هو المنع عن إتيان محلّ الدّم و الإذن فيما دونه.و في قوله تعالى: فِي الْمَحِيضِ وضع الظّاهر موضع المضمر،و كان الظّاهر أن يقال:فاعتزلوا النّساء فيه.و الوجه فيه أنّ المحيض الأوّل أريد به المعنى المصدريّ، و الثّاني زمان الحيض،فالثّاني غير الأوّل،و لا يفيد معناه تبديله من الضّمير الرّاجع إلى غير معناه.[و تقدّم وجه تسمية المحيض أذى في«أذي»](2:208)

نحوه الصّابونيّ.(1:296)

المصطفويّ: مصدر ميميّ من الحيض،و انتخاب المحيض،لأنّ الحيض قد غلب عليه الاسميّة و الجنسيّة.

(2:360)

مكارم الشّيرازيّ: للنّساء عادة شهريّة تستمرّ

ص: 470

بين ثلاثة إلى عشرة أيّام.و خلالها يخرج من رحم المرأة دم ذو أوصاف خاصّة مذكورة في كتب الفقه.و المرأة في هذه الحالة تكون حائضا،و موقف الدّيانتين اليهوديّة و النّصرانيّة الحاليّين من المرأة الحائض متناقض يثير الاستغراب.

جمع من اليهود قالوا:إنّ معاشرة المرأة الحائض حرام حتّى المجالسة على مائدة الطّعام أو في غرفة واحدة.

و يذهبون إلى حظر جلوس الرّجل في المكان الّذي تجلس فيه الحائض،و إن فعل ذلك تنجّست ملابسه و عليه أن يغسلها،و إن رقد معها على سرير واحد تنجّس بدنه و لباسه،فهم يعتبرون المرأة في هذه الحالة موجودا مدنّسا يلزم اجتنابه.

و مقابل هؤلاء يذهب النّصارى إلى عدم التّفريق بين حالة الحيض و الطّهر في المرأة حتّى بالنّسبة إلى الجماع.

المشركون العرب،و خاصّة أهل المدينة منهم،كانوا متأثّرين بالنّظرة اليهوديّة،و يعاملون المرأة الحائض على أساسها،فينفصلون عنها خلال مدّة الحيض.و هذا الاختلاف في المواقف و ما يصحبه من إفراط و تفريط، دفع ببعض المسلمين لأن يسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن ذلك،فنزلت الآية.

أضرار الجماع في أيّام العادة الشّهريّة: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً المحيض:مصدر ميميّ أي الحيض،و هذه العبارة تبيّن علّة اجتناب الجماع في أيّام الحيض،فهو إضافة إلى ما فيه من اشمئزاز ينطوي على أذى و ضرر،ثبت لدى الطّبّ الحديث من ذلك:احتمال تسبيب عقم الرّجل و المرأة،و إيجاد محيط مناسب لتكاثر جراثيم الأمراض الجنسيّة مثل السّفلس،و التهابات الأعضاء التّناسليّة للرّجل و المرأة،و دخول موادّ الحيض المليئة بمكروبات الجسم في عضو الرّجل،و غير ذلك من الأضرار المذكورة في كتب الطّبّ،لذلك ينصح الأطبّاء باجتناب الجماع في هذه الحالة.

خروج دم الحيض يعود إلى احتقان الرّحم و تسلّخ مخاطه،و مع هذا الاحتقان يحتقن المبيض أيضا.و قبيل موعد العادة الشّهريّة تخرج بويضة المرأة من المبيض و تجتاز أنبوبا باسم«فالب»و تدخل الرّحم،منتظرة نطفة الرّجل لتكوّن الجنين.

دم الحيض في البداية يكون متقطّعا باهت اللّون،ثمّ يزداد و يحمرّ و يعود في الأخير إلى وضعه المتقطّع الباهت.

الدّم الخارج في أيّام العادة الشّهريّة،هو الدّم الّذي يتجمّع شهريّا في العروق الدّاخليّة للرّحم من أجل تقديم الغذاء للجنين المحتمل.ذلك لأنّ مبيض المرأة يدفع كلّ شهر ببويضة إلى الرّحم،و في نفس الوقت تمتلئ عروق الرّحم بالدّم استعدادا لتغذية الجنين،فإن انعقد الجنين يستهلك الدّم لتغذيته،و إلاّ يخرج بشكل دم حيض،من هنا نفهم جانبا آخر لحظر الجماع في هذه الفترة الّتي يكون الرّحم خلالها غير مستعدّ استعدادا طبيعيّا لقبول نطفة الرّجل،حيث يواجه أذى من جرّاء ذلك.

فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ.

العبارة الأولى من هذه الآية تأمر باعتزال المرأة الحائض و عدم الاقتراب منها،و تبدو للوهلة الأولى أنّها

ص: 471

شبيهة بتعاليم الدّيانة اليهوديّة الحاليّة،و لكن وجود قرينة في عبارة فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ يدلّ على أنّ الاعتزال يقتصر على الابتعاد عن الجماع.

بهذا الشّكل اتّخذ الإسلام الطّريق الوسط في تعامل الرّجل مع المرأة الحائض،و طريق الإسلام هو دائما البعيد عن الإفراط و التّفريط،و في هذا الحكم ابتعد الإسلام عن الأسلوب اليهوديّ،و أباح معاشرة المرأة الحائض و مجالستها و التّعامل معها في غير العمل الجنسيّ، و منع من ممارسة أسلوب المسيحيّين الّذين لا يحدّدون أنفسهم بأيّ قيد تجاه المرأة الحائض.و بهذا الشّكل صان شخصيّة المرأة و كرامتها،و حفظ احترامها،و ألغى كلّ ما يهينها،كما أنّه حال دون وقوع أضرار صحّيّة تؤذي المرأة و الرّجل معا.(2:84)

نحوه فضل اللّه.(4:247)

يحضن

وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ... الطّلاق:4

الضّحّاك: لم يبلغن المحيض و مسسن،عدّتهنّ ثلاثة.

(الطّبريّ 28:142)

قتادة :هنّ الأبكار الّتي لم يحضن،فعدّتهنّ ثلاثة أشهر.(الطّبريّ 28:142)

وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ الصّغار.(الطّوسيّ 10:34)

السّدّيّ: الجواري.(الطّبريّ 28:142)

الطّبريّ: و كذلك[ثلاثة أشهر]عدد اللاّئي لم يحضن من الجواري لصغر،إذا طلّقهنّ أزواجهنّ بعد الدّخول.(28:142)

الزّجّاج: فمعناه و اللاّئي لا يحضن فعدّتهنّ ثلاثة أشهر،فقياس اللاّئي لا يحضن قياس اللاّئي لم يحضن، فلم يحتج إلى ذكر ذلك،و إذا كان عدّة المرتاب بها ثلاثة أشهر،فالّتي لا يرتاب بها أولى بذلك.[و فيه مباحث لاحظ ع د د:«فعدّتهنّ»](5:185)

الثّعلبيّ: يعني بهنّ الصّغار.(9:339)

الماورديّ: يعني كذلك عدّتهنّ ثلاثة أشهر،فجعل لكلّ قرء شهرا،لأنّها تجمع في الأغلب حيضا و طهرا.(6:33)

الطّوسيّ: تقديره:و اللاّئي لم يحضن إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهر،و حذف لدلالة الكلام الأوّل عليه، و الكلام فيها كالكلام في اليائسة.(10:33)

نحوه الطّبرسيّ.(5:307)

البغويّ: يعني الصّغائر اللاّئي لم يحضن فعدّتهنّ أيضا ثلاثة أشهر،أمّا الشّابّة الّتي كانت تحيض فارتفع حيضها قبل بلوغها سنّ الآيات.فذهب أكثر أهل العلم إلى أنّ عدّتها لا تنقضي حتّى يعاودها الدّم،فتعتدّ بثلاثة أقراء،أو تبلغ سنّ الآيات،فتعتدّ بثلاثة أشهر، و هو قول عثمان و عليّ و زيد بن ثابت و عبد اللّه بن مسعود،و به قال عطاء،و إليه ذهب الشّافعيّ و أصحاب الرّأي.و حكي عن عمر:أنّها تتربّص تسعة أشهر،فإن لم تحض تعتدّ بثلاثة أشهر،و هو قول مالك.و قال الحسن:

تتربّص سنة،فإن لم تحض تعتدّ بثلاثة أشهر.

و هذا كلّه في عدّة الطّلاق.و أمّا المتوفّى عنها زوجها

ص: 472

فعدّتها أربعة أشهر و عشر،سواء كانت ممّن تحيض أو لا تحيض.(5:110)

الزّمخشريّ: هنّ الصّغائر،و المعنى فعدّتهنّ ثلاثة أشهر،فحذف لدلالة المذكور عليه.(4:121)

مثله النّسفيّ(4:267)،و النّيسابوريّ(28:73)، و نحوه أبو السّعود(6:262).

ابن الجوزيّ: يعني عدّتهنّ ثلاثة أشهر أيضا،لأنّه كلام لا يستقلّ بنفسه،فلا بدّ له من ضمير،و ضميره تقدّم ذكره مظهرا،و هو العدّة بالشّهور.و هذا على قول أصحابنا محمول على من لم يأت عليها زمان الحيض أنّها تعتدّ ثلاثة أشهر.فأمّا من أتى عليها زمان الحيض و لم تحض فإنّها تعتدّ سنة.(8:294)

الفخر الرّازيّ: أي هي بمنزلة الكبيرة الّتي قد يئست عدّتها ثلاثة أشهر.(30:35)

العكبريّ: هو مبتدأ،و الخبر محذوف،أي فعدّتهنّ كذلك.[أي ثلاثة أشهر](2:1227)

القرطبيّ: يعني الصّغيرة،فعدّتهنّ ثلاثة أشهر، فأضمر الخبر.[ثمّ ذكر حكم عدّته](18:165)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ قوله: وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ يشمل من لم يحض لصغر،و من لا يكون لها حيض البتّة، و هو موجود في النّساء،و هو أنّها تعيش إلى أن تموت و لا تحيض،و من أتى عليها زمان الحيض و ما بلغت به و لم تحض،فقيل هذه تعتدّ سنة، وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ معطوف على وَ اللاّئِي يَئِسْنَ فإعرابه مبتدأ كإعراب وَ اللاّئِي يَئِسْنَ، و قدّروا خبره جملة من جنس خبر الأوّل،أي عدّتهنّ ثلاثة أشهر،و الأولى أن يقدّر مثل أولئك أو كذلك،فيكون المقدّر مفردا جملة.

(8:284)

نحوه السّمين.(6:330)

البروسويّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

وضع السّجاونديّ«الطّاء»الدّالّة على الوقف المطلق على وضعه و قانونه في لَمْ يَحِضْنَ لانقطاعه عمّا بعده،و كان الظّاهر أن يضع«الميم»الدّالّة على اللاّزم، لأنّ المتبادر الاتّصال،الموهم معنى فاسدا[و]لعلّه نظر إلى ظهور عدم حمل الّتي لم تحض لصغرها.(10:36)

الآلوسيّ: مبتدأ خبره محذوف،أي و اللاّئي لم يحضن كذلك،أو عدّتهنّ ثلاثة أشهر،و الجملة معطوفة على ما قبلها،و جوّز عطف هذا الموصول على الموصول السّابق و جعل الخبر لهما من غير تقدير،و المراد ب اَللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ الصّغار اللاّئي لم يبلغن سنّ الحيض.

[ثمّ ذكر قول أبي حيّان](28:137)

الطّباطبائيّ: وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ عطف على قوله: وَ اللاّئِي يَئِسْنَ إلخ،و المعنى:و اللاّئي لم يحضن و هو في سنّ من تحيض فعدّتهنّ ثلاثة أشهر.

(19:316)

مكارم الشّيرازيّ: يمكن أن تكون إشارة إلى النّساء اللاّئي بلغن سنّ البلوغ،دون أن يشاهدن العادة الشّهريّة،و في هذه الصّورة يجب أن يحسبن عدّتهنّ ثلاثة أشهر.

و احتملوا أن تكون الآية ناظرة لجميع النّساء اللاّئي لم يشاهدن العادة الشّهريّة،سواء بلغن سنّ اليأس أم لا، غير أنّ المشهور بين فقهائنا أن لا عدّة للنّساء اللاّئي

ص: 473

يطلّقن قبل بلوغهنّ سنّ البلوغ.و يوجد من خالف هذا الرّأي،و استدلّوا على ذلك ببعض الرّوايات،كما أنّ ظاهر الآية يوافقهم.و للتّوسّع في ذلك يجب الرّجوع إلى الكتب الفقهيّة.

و ذكر كسبب لنزول الجملة الأخيرة في الآية أنّ «أبيّ بن كعب»سأل الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم عن أنّ القرآن لم يذكر عدّة النّساء الصّغيرات و النّساء الكبيرات«اليائسات» و الحوامل،فنزلت السّابقة تبيّن أحكامهنّ.(18:385)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحيض،أي فيضان السّيل؛يقال:حاض السّيل يحيض حيضا،أي سال و فاض،ثمّ سمّي به حيض المرأة و محيضها،أي سيل الدّم من فرجها؛يقال:حاضت المرأة تحيض حيضا و محيضا و محاضا،فهي حائض و حائضة،و الجمع:حوائض و حيّض.و حيّضت و تحيّضت:سيّلت،و استحيضت:

استمرّ بها الدّم بعد أيّامها،فهي مستحاضة،و هي الّتي لا يرقأ دم حيضها و لا يسيل من المحيض،و لكنّه يسيل من عرق يقال له:العازل.

و الحيضة:المرّة الواحدة من دفع الحيض و نوبه، و الجمع:حيضات،و الحياض:دم الحيضة.

و الحيضة:الاسم من الحيض،و الدّم نفسه،و الحال الّتي تلزمها الحائض من التّجنّب و التّحيّض،كالجلسة و القعدة،و هي أيضا الخرقة الّتي تستثفر بها المرأة، و الجمع:حيض.

و يقال على التّشبيه:حاضت السّمرة تحيض حيضا، و هي شجرة يسيل منها شيء كالدّم.

2-و لفّق الأزهريّ بين مادّتي(ح و ض)و(ح ي ض)،كما هو ديدنه عند تعاقب الواو و الياء غالبا،و زعم أنّ الحوض من الحيض،و علّل ذلك بقوله:«لأنّ الماء يحيض إليه،أي يسيل،و العرب تدخل الواو على الياء، و الياء على الواو،لأنّهما من حيّز واحد،و هو الهواء،و هما حرفا لين».

و هذا ليس بشيء؛لأنّ الواويّ يعني الحوض و الإحاطة،و اليائيّ يعني فيضان السّيل و الدّم فحسب، و هما متغايران،و ليسا بمعنى واحد،كما ذهب إليه اللّغويّون قاطبة.

و إضافة إلى ذلك أنّ دخول الواو على الياء أو بالعكس،ليس مطّردا،كما نرى ذلك في موادّ كثيرة،نحو:

العون و العين،و الغوث و الغيث،و الغور و الغير،و غيرها:

و كذلك فعل أيضا في مواضع كثيرة من التّهذيب،فأفرد لكلّ من الواويّ و اليائيّ حقلا مستقلاّ،مثل:العون و العين، و النّوح و النّيح،و الزّوق و الزّيق،و الشّوق و الشّيق، و الدّوك و الدّيك،و الدّوش و الدّيش.

3-و الحيض،بمعنى فيضان السّيل يقتضي الشّدّة، لكن المصطفويّ استظهر من كلمات القوم أنّه السّيلان الخفيف،كما فرّق بين الواويّ و اليائيّ بذلك من غير شاهد،فلاحظ.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(يحضن)مرّة،و(المحيض)3 مرّات في آيتين:

ص: 474

1- وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ... البقرة:222

2- وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ... الطّلاق:4

يلاحظ أوّلا:أنّه جاء المحيض مرّتين في(1)؛مرّة سؤالا منه،و أخرى جوابا عنه،و فيه بحوث:

1-اختلفوا في المراد منه،أ هو الحيض نفسه،أو موضعه،أو زمانه؟و قدّروا حذفا في كلّ ذلك،فالتّقدير على الأوّل:و يسألونك عن منع الحيض،أو عن حكم الحيض.و التّقدير على الثّاني:و يسألونك عن الوطء في موضع الحيض حالة الحيض.و التّقدير على الثّالث:

و يسألونك عن الوطء في زمان الحيض.

2-تضمّنت هذه الآية سؤالا بمعنى الخبر وَ يَسْئَلُونَكَ خطابا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لبيان شريعة المحيض و حكمه،ثمّ جوابا بمعنى الإنشاء(قل)يأمره فيه ببيان موقف الإسلام منه.و قد تقدّمتها آيات من هذه السّورة-أي البقرة-على هذا الغرار،و تناولت بيان شريعة و حكم،نحو:

يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ البقرة:215

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ البقرة:217

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ البقرة:219

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ البقرة:220

فيلحظ من سياق هذه الآيات أنّ السّؤال و الجواب فيها عامّان،فلا يمنع إذن أن يكون السّؤال عن المحيض عامّا،فيشمل نفس الحيض و موضعه و زمانه،و هو الأظهر.

3-تعتبر الحائض عند اليهود نجسة و منجسة سبعة أيّام،فهي تنجس ما تمسّه من الأشياء كالفراش و الزّرع.

و كذا ينجس من مسّها أو لمس ما مسّته،فيبقى نجسا إلى المساء،فيغسل ثيابه و يستحمّ.و من ضاجعها ينجس سبعة أيّام،فيكون طمثها عليه (1)!

ثانيا:جاء(المحيض)و(يحضن)في(2)كلّ منهما مرّة،و فيهما بحوث:

1-استعمل(المحيض)في النّساء اليائسات، و(يحضن)في الآنسات،و لا مشاحّة في اللّفظ الأوّل، لتقييده ب(يئسن)،غير أنّ الخلاف في اللّفظ الثّاني لإطلاقه،فقيل:هنّ اللاّئي لم يبلغن المحيض من المتزوّجات،و قيل:من الأبكار.و اختلف أيضا في علّة عدم الحيض،أ لكبرهنّ،أم لصغرهنّ؟

2-إن قيل:هلاّ كان وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ في موضع وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ و يكتفى به،فيشمل الطّائفتين لفظا و حكما؟

يقال:لو قدّر الكلام:و اللاّئي لم يحضن من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهر و أولات الأحمال...

لخرجت الصّبايا اللاّئي لا تحيض بقوله تعالى: إِنِ ارْتَبْتُمْ؛ إذ ليس للارتياب في حيضهنّ معنى.و هذا).

ص: 475


1- اللاّوويين(15:19-33).

التّقدير يصدق على من انقطع عنها الحيض من النّساء لكبر أو عارض،و لا يصدق على من لم تحض منهنّ لصغرها.و لذا قال في صدر الآية: وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ، ثمّ قال: وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ، لأنّ عدّة طلاقهنّ واحدة،و هي ثلاثة أشهر.

3-جملة لَمْ يَحِضْنَ صلة(اللاّئى)،لا محلّ لها من الإعراب،و ما بعدها: وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ... عطف على الاستئناف،فيكون الوقف على لَمْ يَحِضْنَ وجوبا كما ذهب إليه البروسويّ،و ليس حسنا كما ذهب إلى ذلك السّجاونديّ،حيث وضع علامة«ط»عندها، دلالة على الوقف المطلق،نحو قوله: وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ فصّلت:

12.و كان عليه أن يضع علامة«م»عندها،دلالة على الوقف اللاّزم،نحو قوله: وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ هود:20.

ص: 476

ح ي ف

اشارة

يحيف

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحيف:الميل في الحكم.حاف يحيف حيفا.(3:307)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و التّحييف،تقول:حيّفت منه،أي أكلت منه من حواليه.(1:195)

يقال للخرقة الّتي يرقع بها ذيل القميص القدّام:

كيفة،و للّتي يرقع بها الخلف:حيفة.(الصّغانيّ 4:456)

ابن السّكّيت: و يقال:هو يتحوّف مالي،و يتخوّفه، أي يتنقّصه و يأخذ من أطرافه.(الكنز اللّغويّ:31)

نحوه القاليّ.(2:113)

الدّينوريّ: و الحيفة:الطّريدة،لأنّها تحيف ما يزيد فتنقصه.(ابن سيده 3:451)

ابن أبي اليمان :الحيف:الجور.و الحيف:الهام الذّكر (1).(579)

الحربيّ: في خبر:«كان عمارة بن الوليد و عمرو بن العاص في البحر،فجلس عمرو على ميحاف السّفينة فدفعه عمارة».

ما سمعت في الميحاف شيئا،و لعلّه أراد إحدى ناحيتي السّفينة.(المدينيّ 1:536)

المبرّد: و قوله:[أبو بكر]«حتّى لا يطمع شريف في حيفك»يقول:في ميلك معه لشرفه.(1:10)

نحوه ابن الأثير.(1:469)

كراع النّمل:و الحيف:الهام الذّكر.

(ابن سيده 3:451)

ابن دريد :حاف يحيف حيفا،إذا جار.(2:179)

الأزهريّ: [قيل:]حيفة الشّيء:ناحيته،و قد تحيّفت الشّيء:أخذته من نواحيه.

و الحيف:الميل في الحكم،يقال:حاف يحيف حيفا.

و قال بعض الفقهاء:يردّ من حيف النّاحل ما يردّ من

ص: 477


1- الظّاهر:الهام و الذّكر كما جاء عن الفيروزآباديّ.

جنف الموصي،و حيف النّاحل أن يكون للرّجل أولاد، فيعطي بعضا دون بعض،و قد أمر بأن يسوّي بينهم،فإذا فضّل بعضهم فقد حاف.

و جاء بشير الأنصاريّ بابنه النّعمان بن بشير إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و قد نحله نحلا،و أراد أن يشهده عليه.فقال له:

«أكلّ ولدك قد نحلت مثله»؟فقال:لا،فقال:«إنّي لا أشهد على حيف،و تحبّ أن يكون أولادك في برّك سواء،فسوّ بينهم في العطاء،هذا حيف».(5:263)

الصّاحب:الحيف:الميل في الحكم،حاف يحيف حيفا،و رجل حائف،و قوم حافة؛و يقال:حيّف و حيف.

و تحيّفت الشّيء:تنقّصته.

و بلد أحيف:لم يصبه المطر،و أرض حيفاء.

و الحيف:حدّ الحجر،و جمعه:حيوف.

و الحائف من الجبل:بمنزلة الحافة،و جمعه:حيف.

و الحافة:الحاجة و الشّدّة.و من الدّوائس في الكدس:

الّتي في الطّرف و هي أكثرها دورانا.(3:222)

الخطّابيّ: [في قصّة]...و قوله:متحيّفا إخوتي،أي متتبّعا لهم،يأتيهم من نواهيهم فيهلكهم،و أصله من الحافة و هي النّاحية.يقال:حافة الوادي،أي ناحيته.

و قد يكون التّحيّف من الحيف أيضا.(3:61)

الجوهريّ: الحيف:الجور،و الظّلم.و قد حاف عليه يحيف،أي جار.

و تحيّفت الشّيء مثل تحوّفته،إذا تنقّصته من حافاته.(4:1347)

ابن فارس: الحاء و الياء و الفاء أصل واحد،و هو الميل.يقال:حاف عليه يحيف،إذا مال.و منه تحيّفت الشّيء،إذا أخذته من جوانبه،و هو قياس الباب،لأنّه مال عن عرضه إلى جوانبه.(2:125)

أبو هلال :الفرق بين الحنف و الحيف:أنّ الحنف هو العدول عن الحقّ،و الحيف:الحمل على الشّيء حتّى ينقصه،و أصله من قولك:تحيّفت الشّيء،إذا تنقّصته من حافاته.(177)

ابن سيده: حاف عليه في حكمه حيفا:مال و جار.

و رجل حائف،من قوم حافة و حيّف و حيف.

و حافة كلّ شيء:ناحيته،و الجمع:حيف على القياس، و حيف على غير القياس،حكى ابن الأعرابيّ عن أبي الجرّاح:جاءنا بضيحة سجاجة،ترى سواد الماء في حيفها.

و حافتا اللّسان:جانباه.

و تحيّف الشّيء:أخذ من جوانبه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تحيّف ماله:نقصه و أخذ من أطرافه.

و الحافان:عرقان تحت اللّسان.

و ذات الحيفة:من مساجد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،بين المدينة و تبوك.(3:450)

و تحيّف الشّيء:أخذ من حافاته و تنقّصه،و يقال:

تحيّفتهم السّنة.(الإفصاح 1:252)

الحيفة:خشبة مثال نصف قصبة في ظهرها قصبة تبرى بها السّهام و القسيّ،لأنّها تحيّف ما يزيد فتنقصه.

(الإفصاح 2:1218)

الرّاغب: الحيف:الميل في الحكم،و الجنوح إلى أحد الجانبين،قال اللّه تعالى: أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ... النّور:50،أي يخافون أن يجور في

ص: 478

حكمه.

و يقال:تحيّفت الشّيء:أخذته من جوانبه.(137)

الزّمخشريّ: قعدت على حافة البركة.و تحيّفت الشّيء:أخذت من حافاته و تنقّصته.و تحيّفتهم السّنة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أعطيته من حافة المتاع،أي من شقّه و عرضه.و حاف عليه حيفا.و تقول:من كان فيه الجنف و الحيف،حقّ له الشّنف و السّيف.

(أساس البلاغة:101)

الصّغانيّ: حيفة الشّيء،بالكسر:ناحيته،و الجمع:

حيف،مثل فيقة و فيق.

بلد أحيف:لم يصبه المطر.و أرض حيفاء.

و الحيف:حدّ الحجر.

و حائف الجبل:حافته.

و الحافة:الحاجة و الشّدّة.(4:456)

الفيّوميّ: حاف يحيف حيفا:جار و ظلم،و سواء كان حاكما أو غير حاكم فهو حائف،و جمعه:حافة و حيّف.(1:159)

الفيروزآباديّ: الحيف:الجور و الظّلم،و الهام و الذّكر،و حدّ الحجر،و بلد أحيف،و أرض حيفاء:لم يصبهما المطر.

و الحائف من الجبل:الحافة،و الحائر.جمعه:حافة و حيّف.و الحيفة بالكسر:النّاحية،جمعه:كعنب،و خشبة مثال نصف قصبة في ظهرها قصبة تبرى بها السّهام و القسيّ.و الخرقة الّتي يرقع بها ذيل القميص من خلف، و ذو الحياف ككتاب:ماء بين مكّة و البصرة.

و تحيّفته:تنقّصته من حيفه،أي نواهيه.(3:135)

الطّريحيّ: في الحديث:«إنّا معاشر الأنبياء لا نشهد على الحيف»يعني على الظّلم و الجور،كأن يشهدوا على من يبخل بعض أولاده دون بعض،أو على من يطلّق لغير السّنّة،أو على الرّبا،و نحو ذلك.

و الحائف في حكمه:الجائر فيه.

و قد حاف يحيف:أي جار،و منه:«الحيف في الوصيّة من الكبائر»و قد فسّر بالوصيّة بالثّلث،و لعلّه يريد المبالغة.

و في الدّعاء:«لا يطمع شريف في حيفك»أي في مهلك معه لشرفه.(5:42)

مجمع اللّغة :الحيف:الميل في الحكم،و الجنوح إلى أحد الجانبين.حاف عليه يحيف حيفا.(1:311)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:153)

العدنانيّ: و يقولون:حافّة الوادي.و الصّواب:

حافة الوادي،أي:جانبه.و جمعها:حافات و حيف و حيف و حوائف.(معجم الأخطاء الشّائعة:73)

محمود شيت:[نحو الصّاحب و أضاف:]

حيف المكان و الأرض يحيف حيفا:لم يصبه مطر، فهو أحيف،جمعه:حوف.

الحيفة:مبراة تبرى بها الحراب و السّيوف،جمعه:

حيف.(1:204)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الميل و الخروج عن الاعتدال.و بهذه المناسبة تطلق على الجور و الظّلم و الميل في الحكم.

و أمّا الجانب و النّاحية فمن معاني الحوف واويّا،و قد

ص: 479

تبدّل الواو ياء و يقال:حيفة الشّيء،أي ناحيته،و قد اشتبه هذا المعنى على كثير من أهل اللّغة و الأدب، فخلطوا بين المادّتين.

و بهذا القيد يظهر الفرق بينها و بين الميل و الحيد و العدول و غيرها من الكلمات متقاربة المفهوم،راجع«ح ي د».

و لا يخفى أنّ الفرق بين الحوف و الحيف؛هو ما يستفاد من حرفي«الواو و الياء»،فإنّ«الياء»تدلّ على النّزول و الهبوط و الانخفاض،و السّيلان مفهوم الحوف، و إذا أبدلت الواو ياء،تدلّ على انخفاض في السّيلان، و هذا مفهوم الحيف،و هو انخفاض الدّم من الرّحم و مثله.

و هذا قريب من المعنيين بين المادّتين السّابقتين:

الحوض و الحيض.و ليعلم أنّ النّظر في مفهوم الميل إلى الغاية و المنتهى،أي ما يتوجّه إليه،و في العدول و التّنحّي و التّباعد و أمثالها إلى المبدا،أي ما يتوجّه منه.

(2:361)

النّصوص التّفسيريّة

...أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ...

النّور:50

ابن عبّاس: يجور.(297)

و نحوه أكثر التّفاسير.

الفرّاء: جعل«الحيف»منسوبا إلى اللّه و إلى رسوله، و إنّما المعنى للرّسول،أ لا ترى أنّه قال: وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ النّور:48،و لم يقل:ليحكما، و إنّما بدئ باللّه إعظاما له،كما تقول:«ما شاء اللّه و شئت، و أنت تريد ما شئت»و كما تقول لعبدك:قد أعتقك اللّه و أعتقتك.(2:257)

الطّوسيّ: الحيف:الجور بنقض الحقّ،و يحيف عليهم:يظلمهم،لأنّه لا وجه للامتناع عن المجيء إلاّ أحد هذه الثّلاثة.[المرض و الارتياب و الحيف].(7:451)

نحوه الطّبرسيّ.(4:150)

الواحديّ: الحيف:الميل في الحكم،فيقال:حاف في قضيّته،أي جار فيما حكم.(3:325)

نحوه الزّمخشريّ(3:72)،و ابن الجوزيّ(6:55)، و أبو حيّان(6:444)،و السّمين(5:228).

ابن عطيّة: أَنْ يَحِيفَ اللّهُ... من حيث الرّسول، إنّما يحكم بأمر اللّه و شرعه.و الميل:الحيف.(4:191)

البروسويّ: و الحيف:الجور و الظّلم:الميل في الحكم إلى أحد الجانبين.يقال:حاف في قضيّته،أي جار فيما حكم.(6:170)

ابن عاشور :و الحيف:الظّلم و الجور في الحكومة.

و جيء في جانبه بالفعلين المضارعين للإشارة إلى أنّه خوف في الحال من الحيف في المستقبل،كما يقتضيه دخول(ان)،و هي حرف الاستقبال،على فعل(يحيف).

فهم خافوا من وقوع الحيف بعد نشر الخصومة،فمن ثمّة أعرضوا عن التّحاكم إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.

و أسند الحيف إلى اللّه و رسوله،بمعنى أن يكون ما شرّعه الإسلام حيفا لا يظهر الحقوق.و هذا كناية عن كونهم يعتقدون أنّه غير منزل من اللّه،و أن يكون حكم الرّسول بغير ما أمر اللّه،فهم يطعنون في الحكم و في الحاكم،و ما ذلك إلاّ لأنّهم لا يؤمنون بأنّ شريعة الإسلام

ص: 480

منزلة من اللّه،و لا يؤمنون بأنّ محمّدا عليه الصّلاة و السّلام مرسل من عند اللّه،فالكلام كناية عن إنكارهم أن تكون الشّريعة إلهيّة،و أن يكون الآتي بها صادقا فيما أتى به.(18:217)

الطّباطبائيّ: يخافون أن يجوز اللّه عليهم و رسوله، لكون الشّريعة الإلهيّة الّتي يتّبعها حكم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مبنيّة على الجور و إماتة الحقوق الحقّة،أو لكون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يراعي الحقّ في قضائه.(15:147)

عبد الكريم الخطيب :...العلّة الثّالثة الّتي تسكن في قلوب المنافقين،هي تخوّفهم من أن يحيف اللّه عليهم و رسوله،إذا هم احتكموا إلى كتاب اللّه.فكتاب اللّه ميزان واحد،و هم إنّما يجرون أمورهم على موازين لا حصر لها.و كلّ حكم لا يتّفق مع أهوائهم،هو عندهم جور و حيف.فهم يضعون أحكام اللّه موضع الاختبار و الامتحان،و لا يجيئون إليها مستسلمين راضين بما يقضي به اللّه،سواء أ كان لهم،أم عليهم.بل إنّهم إن وجدوا في حكم اللّه ما هو لهم،أخذوا به و رضوا عنه، و إن وجدوه على غير ما يريدون،أعرضوا عنه و تنكّروا له.(9:1309)

المصطفويّ: أي يخافون أن يميل اللّه في حقّهم عن العدل،و أن يظلم و يعدو عليهم خارجا عن الاعتدال،بل هم الظّالمون الّذين يتجاوزون عن العدل و الحقّ، و يتعدّون إلى حقوق غيرهم.

و الحيف ألطف من الظّلم،و أنسب بأن لا ينسب إلى اللّه المتعال،فإنّه إذا نفى الحيف و الميل و الخروج عن العدل،فنفي الجور بطريق أولى.(2:362)

مكارم الشّيرازيّ: بيّنت الآية في ثلاث جمل، الجذور الأساسيّة،و دوافع عدم التّسليم إزاء تحكيم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله...[إلى أن قال:]

و ثالثها: أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ في الوقت الّذي يعتبر هذا تناقضا صريحا؛إذ كيف للّذي يؤمن برسالة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و يعتبر حكمه حكم اللّه تعالى أن ينسب الظّلم إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله؟!و هل يمكن أن يظلم اللّه أحدا؟أ ليس الظّلم وليد الجهل أو الحاجة أو الكبر؟

إنّ اللّه تعالى مقدّس عن كلّ هذه الصّفات بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ إنّهم لا يقتنعون بحقّهم،و هم يعلمون أنّ النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله لا يجحف بحقّ أحد،و لهذا لا يستسلمون لحكمه.(11:120)

فضل اللّه :و يجور عليهم و يظلمهم في حكمه؟و لكن هل يعقل أن يفعل اللّه ذلك؟فما هي حاجة اللّه إلى الظّلم، و هو العادل الّذي لا يظلم أحدا من عباده،و القويّ الّذي تهيمن قوّته على كلّ شيء؟

و يأتي الجواب المنطلق من عمق شخصيّة هؤلاء في كلّ أفكارهم و أعمالهم: بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ الّذين ظلموا أنفسهم بالانحراف و المعصية،و الابتعاد عن حكم اللّه.(16:344)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحيفة،أي النّاحية،و هو الحافة أيضا،و حافتا الوادي:ناحيتاه،و حافتا اللّسان:

جانباه،و الجمع:حيف و حيف،و تصغيره:حويفة؛يقال:

تحيّف الشّيء،أي أخذ من جوانبه و نواحيه،و تحيّف

ص: 481

ماله:نقصه و أخذ من أطرافه.

و الحيف:الميل في الحكم،و الجور و الظّلم؛يقال:

حاف عليه في حكمه يحيف حيفا،أي مال و جار،فهو حائف،من قوم حافة و حيّف و حيف.و هو من هذا الباب،لأنّه مال عرضه إلى جوانبه،كما قال ابن فارس، أو جنح إلى أحد الجانبين،كما قال الرّاغب.

2-و جاء معنى الجانب و النّاحية في موادّ متقاربة الجذور؛يقال:تحيّفت الشّيء و تحوّفته،أي تنقّصته من حافاته،و حوف الوادي:حرفه و ناحيته.

و الحفافان:ناحيتا الرّأس و الإناء و غيرهما،و حفافا كلّ شيء:جانباه،و حافّ اللّسان:طرفه،و الحافّان من اللّسان:عرقان أخضران يكتنفانه من باطن.

و التّحوّف:التّنقّص؛يقال:هو يتحوّف المال،أي يتنقّصه و يأخذ من أطرافه.

3-و يستعمل العوامّ اليوم لفظ«الحيف»في التّلهّف و التّحسّر،فيقولون:حيف ذهب،أو يا حيف،و حيف عليه.كما يطلقون على من يسرق ليلا لفظ«حائف»؛ يقولون:راح يحوف.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(يحيف)مرّة في آية:

...أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ...

النّور:50

يلاحظ أوّلا:أنّ الحيف وحيد الجذر في القرآن،و فيه بحوث:

1-قال الطّوسيّ: «الحيف:الجور بنقض الحقّ،و يحيف عليهم:يظلمهم»،و ذكر البروسويّ نحو ذلك، فقال:«الحيف:الجور و الظّلم و الميل في الحكم إلى أحد الجانبين».

2-أسند المنافقون الحيف إلى اللّه و رسوله،قال الفرّاء:«إنّما المعنى للرّسول،أ لا ترى أنّه قال: وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ النّور:48،و لم يقل:

ليحكما.و إنّما بدئ باللّه إعظاما له،كما تقول:ما شاء اللّه و شئت،و أنت تريد ما شئت،و كما تقول لعبدك:قد أعتقك اللّه و أعتقتك».

و قال ابن عاشور:«هذا كناية عن كونهم يعتقدون أنّه غير منزل من اللّه،و أن يكون حكم الرّسول بغير ما أمر اللّه،فهم يطعنون في الحكم و في الحاكم».

3-شدّد اللّه في ذمّهم و تقريعهم،و أنكر عليهم عقيدتهم بهذا الاستفهام،قال أبو حيّان:«هو استفهام توقيف و توبيخ،ليقرّوا بأحد هذه الوجوه الّتي عليهم في الإقرار بها ما عليهم».

ثانيا:نفى اللّه الحيف عنه و عن رسوله بالإنكار،و هو إنكار السّببيّة،و نظيره قوله في نفي الرّهق عنه-و هو الظّلم و الجور-نفيا مباشرا: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً الجنّ:13،و قوله: وَ ما ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ النّحل:33.

و ثالثا:قال المصطفويّ: «الحيف ألطف من الظّلم، و أنسب أن لا ينسب إلى اللّه المتعال،فإنّه إذا نفى الحيف و الميل و الخروج عن العدل،فنفي الجور بطريق أولى.

و رابعا:بعد أن أنكر عليهم نسبة الحيف إلى اللّه و رسوله،أعلن بسياق يشبه الحصر إيماء إلى أنّهم قاسوا

ص: 482

اللّه و رسوله بأنفسهم بقوله: بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ.

و هذا-كما قال فضل اللّه-جواب منطلق عن شخصيّة هؤلاء في كلّ أفكارهم و أعمالهم.

خامسا:التفت ابن عاشور إلى أنّ مجيء فعلين متعاقبين يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْهِمْ، إشارة إلى أنّه خوف في الحال من الحيف في المستقبل،كما يقتضيه دخول(ان)-و هي حرف الاستقبال-على فعل(يحيف) فهم خافوا من وقوع الحيف بعد نشر الخصومة،فمن ثمّة أعرضوا عن التّحاكم إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله.

ص: 483

ص: 484

ح اق

اشارة

لفظان،10 مرّات مكّيّة،في 9 سور مكّيّة

حاق 9:9 يحيق 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحوق و الحوق؛لغتان:ما استدار بالكمرة.

يقال:فيشلة حوقاء.

الحيق:ما حاق بالإنسان من منكر أو سوء،يعمله فينزل به ذلك.تقول:أحاق اللّه به مكره.(3:256)

الكسائيّ: الحواقة:القماش،و قد حقت البيت حوقا:كنسته.(الأزهريّ 5:126)

ابن شميّل: حاق بهم العذاب،كأنّه وجب عليهم.

حاق العذاب يحيق فهو حائق.(الأزهريّ 5:126)

أبو عمرو الشّيبانيّ: إنّ فلانا ليحايق فلانا،إذا كان يحسده و يبغضه.(1:149)

الحيقة:شجرة طيّبة الرّيح مثل:الشّيحة،يؤكل بها التّمر فيطيبان.(1:216)

الحوقة:الجماعة الممخرقة.(الأزهريّ 5:126)

ابن الأعرابيّ: الحوق:الكنس،و المحوقة:

المكنسة،و الحوق:الحوقلة.

الحوق:الجمع الكثير.(الأزهريّ 5:126)

شمر:في حديث أبي بكر«ستجدون أقواما محوّقة رءوسهم».

التّحويق بمعنى السّفر،يقال:حقت البيت حوقا،أي سفرته و كنسته بالمحوقة،أي سفروا و حلقوا أوساط رءوسهم،و يكون التّحويق بمعنى الاستدارة أيضا من الحوق و هو الإطار،و حوق الحشفة:الإطار الّذي فوق الختان،و الحوق:الكمرة أيضا.(المدينيّ 1:526)

نحوه ابن الأثير.(1:462)

ابن دريد :و الحوق مصدر حاقه يحوقه حوقا،إذا دلكه و ملسه،و الشّيء محيق و محيوق و هو الأصل.

و حقت البيت،إذا كنسته.و المحوقة:المكنسة.

و الحوق:ما أطاف بالحشفة،و الرّجل أحوق،إذا كان عظيم الحوق.

ص: 485

يقال ذكر محوّق،إذا عظم حوقه.

حاق بهم الشّرّ يحيق حيقا و حيقانا و حيوقا.

(2:184)

حواق:موضع،و حقت الشّيء أحوقه حوقا،إذا دلكته و ملسته.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:235)

الأزهريّ: [نقل قول الزّجّاج.ذيل آية:15،من سورة المؤمن ثمّ قال:]

قلت:جعل أبو إسحاق«حاق»بمعنى أحاط،و كأنّ مأخذه من الحوق:و هو ما استدار بالكمرة،و جائز أن يكون الحوق«فعلا»من حاق يحيق،كأنّه كان في الأصل حيقا فقلبت«الياء»«واوا»،لانضمام ما قبلها،و«الياء» تدخل على«الواو»في حروف كثيرة،يقال:تصوّح النّبت و تصيّح،إذا تشقّق.و توّهه و تيّهه،و طوّحه و طيّحه.(5:126)

الصّاحب:الحوق و الحوق:ما استدار بالكمرة فيشلة حوقاء،و يقال:الحوق أيضا،و هي قليلة.

و يقال للجرح إذا انتبر:تحوّق.

و حقت البيت حوقا:كنسته.و الحواقة:الكناسة، و كذلك المحوقة.و احتقت على شيء احتياقا،بمعنى احتطت احتياطا.

و الحوق و الاحتياق:مثل القحو و الجرف.

و حوّق فلان على فلان:عوّج عليه الكلام،و هو مأخوذ من حوق الذّكر.و تركت النّخلة حوقا،إذا أشعل النّيران في الكرانيف...

الحيق:ما حاق بالإنسان من مكر أو سوء،قد أحاق اللّه بهم مكرهم،و حاق به مكره،و حاق به الأمر و أحاق.

و حيق:موضع باليمن.(3:134)

الخطّابيّ: في حديث أبي بكر«...ما أخرجني إلاّ ما أجد من حاق الجوع»قوله:«حاق الجوع»يروى بالتّخفيف و التّثقيل،فمن ثقّل فمعناه كلب الجوع و شدّته.

[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و من رواه بالتّخفيف جعله مصدرا يقوم مقام الاسم من قولك:حاق به البلاء يحيق حيقا و حاقا،كما قيل:

عابه عيبا و عابا،و في مصدر يقول:قيلا و قالا،و قد قرئ (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ) مريم:34.(2:10)

الجوهريّ: الحوق:الكنس،و قد حقت البيت أحوقه،إذا كنسته.و الحواقة:الكناسة.

و المحوقة:المكنسة.و الحوق بالضّمّ:ما أحاط بالكمرة من حروفها.

حاق به الشّيء يحيق،أي أحاط به،و منه قوله تعالى: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فاطر:43.

و حاق بهم العذاب،أي أحاط بهم و نزل.

(2:1465)

ابن فارس: الحاء و الواو و القاف أصل واحد، يقرب من الّذي قبله[حوط]فالحوق:ما استدار بالكمرة،و الحوق:كنس البيت.و المحوقة:المكنسة، و الحواقة:الكناسة.(2:121)

الحاء و الياء و القاف كلمة واحدة،و هو نزول الشّيء بالشّيء،يقال:حاق به السّوء يحيق،قال اللّه تعالى:

وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فاطر:43.

(2:125)

أبو هلال :الفرق بين قولك:حاق به،و قولك:نزل

ص: 486

به؛أنّ النّزول عامّ في كلّ شيء،يقال:نزل بالمكان،و نزل به الضّيف،و نزل به المكروه،و لا يقال:حاق إلاّ في نزول المكروه فقط.تقول:حاق به المكروه يحيق حيقا و حيوقا،و منه قوله تعالى: وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هود:8.يعني العذاب،لأنّهم كانوا إذا ذكر لهم استهزءوا به جزاء استهزائهم.

و قيل:أصل(حاق)حقّ،لأنّ المضاعف قد يقلب إلى حرف،نحو قول الرّاجز:

تقضي البازي إذا البازي كسر

و هذا حسن في تأويل هذه الآية،لأنّ فيه معنى الخبر الّذي أتت به الرّسل.(251)

ابن سيده: حاق به الشّيء حيقا:نزل.و قيل:هو أن يشتمل على الإنسان عاقبة مكروه فعله،و في التّنزيل: وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هود:8، النّحل:34،الزّمر:48،الجاثية:33،و الأحقاف:26، المؤمن:83.قال ثعلب:كانوا يقولون:لا عذاب و لا آخرة،فحاق بهم العذاب الّذي كذّبوا به،و أحاقه اللّه به و أنزله.و شيء محيق و محيوق:مدلوك.و حاق فيه السّيف حيقا:كحاك.

و حيق:موضع باليمن.(3:412)

الحوق و الحوق:ما استدار بالكمرة.

و قيل:حوقها:حرفها.قال ثعلب:الحوق:استدارة في الذّكر،و به فسّر قوله:

قد وجب المهر إذا غاب الحوق

و ليس هذا بشيء.و كمرة حوقاء:مشرفة.و أير أحوق:عظيم الحوق.

و حوق الحمار:لقب الفرزدق.

و حاقه حوقا:دلكه.و حاق البيت يحوقه حوقا:

كنسه.

و المحوقة:المكنسة.و الحواقة:الكناسة.

و أرض محوقة:قليلة النّبت جدّا لقلّة المطر.

و حوّق عليه كلامه:عوّجه.و حواقة:موضع.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:457)

الزّمخشريّ: حقت البيت بالمحوقة و بيت محوق و رمى بالحواقة،و تقول:إذا غاب الحوق و جبت الحقوق.

و من المجاز اجتاحوا ماله و احتاقوه من ورائه،إذا أتوا عليه،و سمع غلام من العرب يقول لآخر:قد أحرق كرانيف النّخلة:سحقت النّخلة حتّى تركتها حوقة،أي محوقة،كأنّها حاقها حين لم يبق لها كرنافة.و حوّق فلان على فلان،إذا عرقل عليه كلامه،أي عوّجه و خلطه عليه،و معناه جعله مثل الحواقة في اختلاطه.

حاق به المكر السّيّئ حيقا،و المكر حائق بأهله، و تقول:الماكر لوبال أمره ذائق،و مكره به حائق،و هو أحمق مائق.(أساس البلاغة:100)

الطّبرسيّ: و الحيق:ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله،يقال:حاق يحيق حيقا و حيوقا و حيقانا بفتح الياء.(2:276)

المدينيّ: في الحديث:«ما أجد من حاق الجوع» من قولهم:حاق يحيق و حاقا،أي من اشتماله،و يجوز أن يكون بمعنى حائق.(1:536)

ابن الأثير: في حديث أبي بكر:«أخرجني ما أجد من حاق الجوع».هو من حاق يحيق حيقا و حاقا،أي

ص: 487

لزمه و وجب عليه.و الحيق:ما يشتمل على الإنسان من مكروه،و يروى بالتّشديد و قد تقدّم.(1:469)

الفيّوميّ: حاق به الشّيء يحيق:نزل،قال تعالى:

وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فاطر:43.

(1:159)

الفيروزآباديّ: الحوق:الكنس،و الدّلك،و التّمليس،و الشّيء محيق و محوق،و الجمع الكثير،و الإحاطة.و تركت النّخلة حوقا،إذا أشعل في الكرانيف، و بالضّمّ:ما أحاط بالكمرة من حروفها و يفتح.أو الحوق:

استدارة في الذّكر،و حوق الحمار:لقب الفرزدق.و الأحوق و كمعظّم:العظيم الكمرة.و فيشلة حوقاء:عظيمة.

و أرض محوقة بضمّ الحاء:قليلة النّبت،لقلّة المطر.

و الحوقة:الجماعة الممخرقة.و الحواقة:الكناسة، و المحوقة:المكنسة.و الحواق ككتاب و غراب:موضع.

و حوّق عليه تحويقا:عوّج عليه الكلام.

حاق به يحيق حيقا و حيوقا و حيقانا:أحاط به كأحاق، و فيه السّيف:حاك،و بهم الأمر:لزمهم و وجب عليهم و نزل،و أحاق اللّه بهم مكرهم.و الحيق:ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله،و واد باليمن،و بهاء:شجرة كالشّيح يؤكل بها التّمر،و حايقه:حسده و أبغضه.

(3:231)

الطّريحيّ: يقال:حاق بهم العذاب حيقا،إذا نزل.

و الحيق:نزول البلاء.(5:152)

مجمع اللّغة :حاق به الشّيء أو العذاب يحيق حيقا و حيقانا:نزل به و أصابه.(1:311)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حاق به العذاب أو أحاق به حيقا:أصابه و أحاط به.

و الحيق و الحيّق:ما ينال الإنسان من مكروه فعله.(1:153)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الحوق و الحيق بينهما اشتقاق أكبر،و معناهما على ما يظهر من كلمات القوم:أنّ الواويّ بمعنى الإحاطة،و اليائيّ بمعنى النّزول،و هذا يوافق مادّة اللّفظين،كما قلنا في الحيف،فإنّ مقتضى حرف الياء هو الانخفاض،و هو يلائم النّزول.و قد اختلط المفهومان في كلامهم.

و بمناسبة الإحاطة تطلق على كنس البيت،فإنّه جعلها تحت النّظر و تنظيفها و تدبيرها و الإحاطة على ما فيها.

فالأصل الواحد في هذه المادّة:هو النّزول مع قيد الإحاطة و السّلطة،و ليس معناها مطلق النّزول و لا مطلق الإحاطة،و بهذه الخصوصيّة قد استعملت في كلام اللّه المجيد: وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هود:8، وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ المؤمن:45.أي أحاط بهم نازلا عليهم، وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فاطر:43،أي لا يحيط و لا ينزل إلاّ بمن هو أهل المكر،و يرجع نتيجة مكرهم إلى أنفسهم.

و لا يخفى أنّ الاستهزاء إنّما ينبثّ من صفة نفسانيّة قلبيّة هي الأصل،و ذلك العمل ظلّ و مرتبة نازلة لها و من آثارها،و هي عبارة عن التّكبّر و التّوجّه إلى النّفس، و رؤية إنسان آخر حقيرا و التّعرّض له.

و هذه الصّفة الظّلمانيّة الحيوانيّة النّفسانيّة ترسخ في النّفس،و تظهر عند انتزاعها عن البدن و ظهورها في

ص: 488

نفسها،و هي تحيط بها.

ففي أمثال هذه الموارد لا نحتاج إلى تأويلها بالثّواب و العقاب و أثر الأعمال أو تجسّمها،فإنّ الصّفات الباطنيّة هي الأصيلة.و لا حاجة إلى تجسّمها في عالم المادّة،فإنّها في نفسها متجسّمة في عالمها.(2:363)

النّصوص التّفسيريّة

حاق

1- وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. الأنعام:10

ابن عبّاس: فوجب و نزل و دار.(106)

نحوه الرّبيع.(الواحديّ 2:254)

الضّحّاك: أحاط.(الواحديّ 2:254)

عطاء:حلّ.(الواحديّ 2:254)

السّدّيّ: يقول:وقع بهم العذاب الّذي استهزءوا به.

(الطّبريّ 7:154)

الفرّاء: حاق بهم هو في كلام العرب:عاد عليهم ما استهزءوا،و جاء في التّفسير:أحاط بهم و نزل بهم.(الأزهريّ 5:126)

الطّبريّ: يعني بقوله:(فحاق)فنزل و أحاط بالّذين هزءوا برسلهم ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يقول:العذاب الّذي كانوا يهزءون به،و ينكرون أن يكون واقعا بهم على ما أنذرتهم رسلهم.

يقال منه:حاق بهم هذا الأمر يحيق بهم حيقا و حيوقا و حيقانا.(7:154)

الزّجّاج: الحيق في اللّغة:ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله،و منه قوله عزّ و جلّ: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فاطر:43،أي لا ترجع عاقبة مكروهه إلاّ عليهم.(2:231)

أحاط بهم العذاب الّذي هو جزاء استهزائهم،كما تقول:أحاط بفلان عمله،و أهلكه كسب،أي جزاء كسبه.

(الواحديّ 2:254)

الثّعلبيّ: [نقل بعض الأقوال و قال:]

و قيل:وجب،و الحيق و الحيوق:الوجوب.

(4:136)

الطّوسيّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و المعنى فحاق بالسّاخرين منهم ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ من وعيد أنبيائهم بعاجل العقاب في الدّنيا، نحو ما نزل بقوم عاد و ثمود و غيرهم من الأمم.

و قال أبو عليّ: حاق و حقّ بمعنى واحد،و المعنى أنّه لمّا نزل بهم العذاب حقّ بذلك الخبر عندهم،الخبر الّذي كان أخبرهم به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(4:90)

الرّاغب: قوله تعالى: وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هود:8،و قال عزّ و جلّ: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فاطر:43،أي لا ينزل و لا يصيب،قيل:و أصله حقّ،فقلب نحو زلّ و زال،و قد قرئ: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ البقرة:36،و أزالهما،و على هذا ذمّه و ذامه.(137)

الزّمخشريّ: فحاق بهم:فأحاط بهم الشّيء الّذي كانوا يستهزءون به و هو الحقّ،حيث أهلكوا من أجل الاستهزاء به.(2:7)

نحوه النّسفيّ(2:4)،و الكاشانيّ(2:110).

ص: 489

ابن عطيّة:و(حاق)معناه:نزل و أحاط،و هي مخصوصة في الشّرّ،يقال:حاق يحيق حيقا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال قوم:أصل حاق:حقّ،فبدّلت القاف الواحدة، كما بدّلت النّون في:«تظنّنت»،و هذا ضعيف.(2:270)

نحوه القرطبيّ.(6:394)

الطّبرسيّ: أي فحلّ بالسّاخرين منهم ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ من وعيد أنبيائهم بعاجل العقاب في الدّنيا.و قيل:معنى حاق بهم:أحاط بهم،عن الضّحّاك، و هو اختيار الزّجّاج،أي أحاط بهم العذاب الّذي هو جزاء استهزائهم،فهو من باب حذف المضاف،إذا جعلت (ما)في قوله: ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ عبارة عن القرآن و الشّريعة.و إن جعلت(ما)عبارة عن العذاب الّذي كان يوعدهم به النّبيّ إن لم يؤمنوا،استغنيت عن تقدير حذف المضاف،و يكون المعنى:فحاق بهم العذاب الّذي كانوا يسخرون من وقوعه.(2:277)

الفخر الرّازيّ: نظيره قوله: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فاطر:43.و في تفسيره وجوه كثيرة لأهل اللّغة،و هي بأسرها متقاربة.[ثمّ نقل الأقوال]

(12:163)

أبو حيّان :في قوله تعالى(فحاق)إلى آخره إخبار بما جرى للمستهزئين بالرّسل قبلك،و وعيد متيقّن لمن استهزأ بالرّسول عليه السّلام،و تثبيت للرّسول على عدم اكتراثه بهم،لأنّ مآلهم إلى التّلف و العقاب الشّديد المرتّب على الاستهزاء،و أنّه تعالى يكفيه شرّهم و إذايتهم،كما قال تعالى: إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الحجر:95.(4:80)

أبو السّعود :عقيبه،أي أحاط أو نزل أو حلّ أو نحو ذلك،فإنّ معناه يدور على الشّمول و اللّزوم،و لا يكاد يستعمل إلاّ في الشّرّ.و الحيق ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله.(2:359)

نحوه البروسويّ(3:12)،و القاسميّ(6:2252).

شبّر:فأحاط بهم عملهم السّيّئ أو جزاؤه.

(2:240)

الآلوسيّ: قيل:نزل و هو قريب من سابقه،و معناه يدور على الإحاطة و الشّمول،و لا يكاد يستعمل إلاّ في الشّرّ.[ثمّ استشهد بالشّعر إلى أن قال:]

و من النّاس من زعم أنّ(حاق بهم)كناية عن إهلاكهم،و إسناده إلى ما أسند إليه مجاز عقليّ،من قبيل:

أقدمني بلدك حقّ لي على فلان؛إذ من المعلوم من مذهب أهل الحقّ أنّ المهلك ليس إلاّ اللّه تعالى،فإسناده إلى غيره لا يكون إلاّ مجازا،و أنت تعلم أنّ الحيق:الإحاطة، و نسبتها إلى العذاب لا شبهة في أنّها حقيقة،و لا داعي إلى تفسيره بالإهلاك،و ارتكاب المجاز العقليّ.و لعلّ مراد من فسّر بذلك بيان مؤدّى الكلام و مجموع معناه.نعم،إذا قلنا إنّ الإحاطة إنّما تكون للأجسام دون المعاني،فلا بدّ من ارتكاب تجوّز في الكلام على تقدير إسنادها إلى العذاب،لكن لا على الوجه الّذي ذكره هذا الزّاعم،كما لا يخفى.(7:101)

جاء بهذا المعنى(حاق)و(يحيق)في سائر الآيات الّتي تأتي في الاستعمال القرآنيّ.

ص: 490

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحيق،أي الإصابة،و هو ما حاق بالإنسان من مكر أو سوء عمل يعمله،فينزل ذلك به؛يقال:حاق به الشّيء يحيق حيقا،أي نزل به، و أحاق اللّه بهم مكرهم،أي أنزل.

2-و أقحم بعض مشتقّات من موادّ أخرى في هذه المادّة؛قال الزّجّاج في قوله تعالى: وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هود:8،«أي أحاط بهم العذاب الّذي هو جزاء ما كانوا يستهزءون،كما تقول:أحاط بفلان عمله و أهلكه كسبه،أي أهلكه جزاء كسبه».

و تعقّبه الأزهريّ بقوله:«جعل أبو إسحاق حاق بمعنى أحاط،و أراه أخذه من الحوق،و هو ما استدار بالكمرة».

و كذا قولهم:شيء محيق و محيوق،أي مدلوك،فهو من:حاقه حوقا،أي دلكه.

و قال ابن الأثير:«في حديث أبي بكر:«أخرجني ما أجد من حاق الجوع»،هو من:حاق يحيق حيقا و حاقا، أي لزمه و وجب عليه».

و نراه أخذه من:الحقّ،أي وجوب الشّيء و ثبوته.

قيل:أصل حاق هو حقّ فقلب،مثل زلّ و زال،كذا أفاد الرّاغب.

و حاق فيه السّيف حيقا،أي أثّر،مبدل من قولهم:ما أحاك فيه السّيف و ما حاك،أي ما أثّر و ما عمل،لأنّ إبدال الكاف قافا و بالعكس كثير في اللّغة،نحو:كشطت عنه جلده و قشطت،أي نزعته،و قهرت الرّجل و كهرته، أي غلبته.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الماضي 9 مرّات،و المضارع مرّة،في 10 آيات:

1- ...فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الأنعام:10

2- أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هود:8

3- فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ النّحل:34

4- وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الأنبياء:41

5- وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الزّمر:48

6- ...فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ المؤمن:83

7- وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الجاثية:33

8- ...إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الأحقاف:26

9- فَوَقاهُ اللّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ المؤمن:45

10- ...وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ...

فاطر:43

يلاحظ أوّلا:أنّ بعضهم فسّر الحيق بغير ما وضع له،و هو النّزول و الإصابة،من قولهم:حاق به الشّيء،

ص: 491

أي أصابه و نزل به،و فيه بحوث:

1-فسّره ابن عبّاس بالوجوب،و هو من قولهم:

حقّ الأمر حقّا،أي ثبت و وجب،من مادّة(ح ق ق)، و منه قوله: وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ الحجّ:18.و قال ابن عطيّة:«قال قوم:أصل حاق«حقّ»،فبدّلت القاف الواحدة كما بدّلت النّون في«تظنّنت»،و هذا ضعيف».

و فسّره الضّحّاك بالإحاطة،و هو اختيار الزّجّاج و الزّمخشريّ و غيرهما،و هو من قوله: إِنّا أَعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها الكهف:29،و قوله:

وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ التّوبة:49 و العنكبوت:54.

و فسّره عطاء و الطّبريّ بالحلول،و هو قول لأبي السّعود أيضا،من قوله: وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ هود:39.

و فسّره السّدّيّ بالوقوع،أخذه من قوله: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ الطّور:7.

و جمع الفرّاء بين الإحاطة و النّزول في تفسير الحيق، و حذا حذوه كثير من المفسّرين،كالطّبريّ و ابن عطيّة و أبي السّعود و الآلوسيّ و غيرهم.

2-أسند الحيق إلى غير اللّه مجازا في(1)إلى(8):

ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ، و هو لا يكون إلاّ له تعالى،كما قال في(9) فَوَقاهُ اللّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا، و المسند إليه هو«ما»،و هي إمّا اسم موصول في محلّ رفع فاعل، و تقديره العذاب.و إمّا حرف مصدريّ،و المصدر المؤوّل فاعل،على حذف مضاف،و تقديره:جزاء استهزائهم.

كما أسند الحيق في(9): وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ إلى(سوء العذاب)،و في(10): وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلى(المكر السّيّئ)،و هو مجاز أيضا، قال الآلوسيّ:«إسناده إلى ما أسند إليه مجاز عقليّ،من قبيل:«أقدمني بلدك حقّ لي على فلان»إذ من المعلوم من مذهب أهل الحقّ أنّ المهلك ليس إلاّ اللّه تعالى،فإسناده إلى غيره لا يكون إلاّ مجازا».ثمّ ردّه بأنّه لا داعي إلى تفسيره بالإهلاك،إلاّ أن يكون مراده مؤدّى الكلام،ثمّ ارتكب فيه التّجوّز بنحو آخر،و هو أنّ الإحاطة تخصّ الأجسام،و نسبت هنا إلى المعاني،لأنّ العذاب من قبيل المعاني.و لكن فيه نظر،لأنّ العقيدة استقرّت على الجزاء الجسمانيّ ثوابا و عقابا،كما هو صريح الآيات.و فيها جميعا تجوّز آخر و هو حذف المضاف،أي جزاء استهزائهم و جزاء مكرهم،فنسب ما للمضاف إلى المضاف إليه.

3-كان نزول العذاب على الكافرين في(1-8) جزاء لاستهزائهم بالرّسل و الأنبياء،و إصابة آل فرعون بسوء العذاب في(9)جزاء لمكرهم السّيّئ بموسى عليه السّلام، و كذا إصابة الكافرين بالعذاب في(10)جزاء لمكرهم السّيّئ أيضا.

4-سيقت الآيات(1-8)سياقا واحدا: وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ، سوى(1)و(4)،فجاءتا على هذا النّسق فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فربط فيها جميعا بين الاستهزاء و الحيق،كما ربط في(9 و 10)بين مكر السّيّئ و الحيق،و الاستهزاء أمر ظاهر،و المكر أمر خفيّ،إلاّ أنّ ذلك الظّاهر منبعث عن هذا الخفيّ،و بذلك أوجب الأمران إحاطة العذاب بهم الجسمانيّ و الرّوحانيّ جميعا.

ص: 492

5-سياق هذه الآيات جميعا يعتبر سياقا قصصيّا، عبرة للمسلمين و إنذارا للمشركين،لأنّها من سور مكّيّة.

ثانيا:اختصّ الحيق بالشّرّ فحسب،و لكنّ مترادفاتها استعملت في الخير و الشّرّ معا،نحو الإصابة، قال تعالى: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ النّساء:79،و النّزول: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ الشّعراء:193،و فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ الصّافّات:177.

ص: 493

ص: 494

ح ي ن

اشارة

لفظان،35 مرّة:27 مكّيّة،8 مدنيّة

في 23 سورة:19 مكّيّة،4 مدنيّة

حين 34:26-8 حينئذ 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحين:الهلاك،حان يحين حينا،و كلّ شيء لم يوفّق للرّشاد فقد حان حينا.

و الحائنة:النّازلة ذات الحين،و الجميع:الحوائن.

و حيّنه اللّه فتحيّن.

و الحين:وقت من الزّمان،تقول:حان أن يكون ذلك يحين حينونة.

و حيّنت الشّيء:جعلت له حينا،و التّحيين:أن تحلب النّاقة في اليوم مرّة واحدة:تقول:حيّنها،إذا جعل لها ذلك الوقت،و هي محيّنة.

و حينئذ:تبعيد لقولك الآن.فإذا باعدوا بين الوقت باعدوا ب«إذ»فقالوا:حينئذ،خفّفوا الهمزة فأبدلوها ياء فكتبوا حينئذ.

و الحين:يوم القيامة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(3:304)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال أبو حزام:قال:هذا حين تثمر النّخل،و أثمر النّخل،نصب«حين»و رفع.

(1:162)

و التّحيين:أن تحيّن الشّاة،يقال:حيّنتها،إذا حليتها من غدوة إلى مثلها،و من اللّيلة إلى مثلها.(1:197)

يقال:لقيته حين وارى دمس دمسا،أي حين اختلط الظّلام.(1:244)

في حديث النّبيّ: «تحيّنوا نوقكم»التّحيين:أن تحلبها مرّة واحدة،يقال:قد حيّنها،إذا جعل لها ذلك الوقت.(أبو عبيد 1:459)

أحينت الإبل،إذا حان لها أن تحلب أو يعكم عليها.

و أحين القوم.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(الأزهريّ 5:256)

ص: 495

الفرّاء:هو يأكل الحينة،و الحينة لأهل الحجاز،أي وجبة في اليوم.(إصلاح المنطق:117)

يقال:حان حينه،و للنّفس:قد حان حينها،إذا هلكت، و يقال:تحيّنت رؤية فلان،أي تنظّرته.

(الأزهريّ 5:256)

الحين حينان:حين لا يوقف على حدّه،و هو الأكثر، و حين ذكره اللّه تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ إبراهيم:

25،و هذا محدود،لأنّه ستّة أشهر.(ابن فارس 2:126)

الأصمعيّ: التّحيين:أن تحلب النّاقة في اليوم و اللّيلة مرّة واحدة،و التّوجيب مثله.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:255)

ابن الأعرابيّ: و أحين القوم:حان لهم ما حاولوه، أو حان لهم أن يبلغوا ما أمّلوه.(ابن سيده 3:448)

ابن السّكّيت: و الحين:الهلاك،و الحين:من الدّهر.

(إصلاح المنطق:30)

السّجستانيّ: له كلام تقدّم في«حيث».

(الأزهريّ 5:211)

كراع النّمل:الحانة:الحانوت.(ابن سيده 3:448)

ابن دريد :الحين مصدر حان يحين حينا فهو حائن، و هو التّعرّض للهلاك،و الرّجل حائن متعرّض للحين.

و الحين:الحقبة من الدّهر،و قد جاء في التّنزيل و اختلف فيه المفسّرون،و لا أحبّ أن أتكلّم فيه.[ثمّ استشهد بشعر](2:198)

الهمدانيّ: يقال:أزف الرّحيل،و أفد،و أنى،و آن، و حان،و أجمّ،و أحمّ،و حمّ.(24)

يقال:اطلب الشّيء في حينه،و وقته،و أوانه، و زمانه،و إبّانه.(252)

الأزهريّ: و إبل محيّنة،إذا كانت لا تحلب في اليوم و اللّيلة إلاّ مرّة واحدة،و لا يكون ذلك إلاّ بعد ما تشول، و يقلّ ألبانها.(5:256)

الصّاحب:[ذكر نحو الخليل و أضاف:]

و الحين:وقت من الزّمان،حان يحين حينونة،و يجمع على:الأحيان ثمّ على الأحايين.و حيّنته:جعلت له حينا.

و التّحيين:أن تعمل عملا في حين واحد.

و حيّن الضّيفان و أحينوا:أطعموا في اليوم و اللّيلة مرّة.

و التّحيين:أن تحلب النّاقة في اليوم مرّة.و متى حينة ناقتك،أي وقتها الّذي تحلب فيه،و كذلك حلابها بالرّطل.

و الحينة بالفتح:الوجبة.

و بلغ محيان ذاك،أي جاء حينه.

و الحائن:الأحمق،و امرأة حائنة.(3:216)

الخطّابيّ: في حديث سعيد:أنّه بلغه قول عكرمة في الحين:أنّه ستّة أشهر،فقال:انتقرها عكرمة.

هذا في الرّجل يحلف على الشّيء لا يفعله حينا، و الحين:مدّة من الزّمان غير معلومة،فكان عكرمة يحدّه بستّة أشهر.(3:41)

الجوهريّ: الحين:الوقت،يقال:حينئذ.

و ربّما أدخلوا عليه التّاء.

و الحين أيضا:المدّة،و منه قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ الدّهر:1،و حان له أن يفعل كذا يحين حينا،أي آن.

ص: 496

و حان حينه،أي قرب وقته.

و عاملته محاينة مثل مساوعة.

و أحينت بالمكان،إذا أقمت به حينا.

و حيّنت النّاقة،إذا جعلت لها في كلّ يوم و ليلة وقتا تحلبها فيه.

و فلان يأكل الحينة و الحينة،أي المرّة الواحدة في اليوم و اللّيلة.

و فلان يفعل كذا أحيانا،و في الأحايين.

و تحيّن الوارش،إذا انتظر وقت الأكل ليدخل.

و الحين بالفتح:الهلاك،يقال:حان الرّجل،أي هلك و أحانه اللّه.

و الحانات:المواضع الّتي يباع فيها الخمر.

و الحانيّة:الخمر منسوبة إلى الحانة،و هي حانوت الخمّار.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](5:2106)

ابن فارس: الحاء و الياء و النّون أصل واحد،ثمّ يحمل عليه،و الأصل الزّمان،فالحين:الزّمان قليله و كثيره.و يقال:عاملت فلانا محاينة من الحين.و أحينت بالمكان:أقمت به حينا.و حان حين كذا،أي قرب.

و يقال:حيّنت الشّاة،إذا حلبتها مرّة بعد مرّة، و يقال:حيّنتها:جعلت لها حينا.و التّأفين:أن لا تجعل لها وقتا تحلبها فيه.

و أمّا المحمول على هذا فقولهم للهلاك:حين،و هو من القياس،لأنّه إذا أتى فلا بدّ له من حين،فكأنّه مسمّى باسم المصدر.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:125)

أبو هلال :الفرق بين الحين و السّنة،أنّ قولنا:حين اسم جمع أوقاتا متناهية،سواء كان سنة أو شهورا أو أيّاما أو ساعات،و لهذا جاء في القرآن لمعان مختلفة،و بينه و بين الدّهر فرق،و هو أنّ الدّهر يقتضي أنّه أوقات متوالية مختلفة على ما ذكرنا،و لهذا قال اللّه عزّ و جلّ حاكيا عن الدّهريّين: وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ الجاثية:

24،أي يهلكنا الدّهر باختلاف أحواله،و الدّهر أيضا لا يكون إلاّ ساعات قليلة،و يكون الحين كذلك.(224)

ابن سيده: الحين:الدّهر،و قيل:وقت من الدّهر مبهم،لجميع الأزمان كلّها طالت أو قصرت،يكون سنة و أكثر من ذلك،و خصّ بعضهم به أربعين سنة،أو سبع سنين،أو سنتين،أو ستّة أشهر،أو شهرين.و قوله تعالى:

تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها إبراهيم:25،قيل:كلّ سنة،و قيل:كلّ ستّة أشهر،و قيل:كلّ غدوة و عشيّة.

و قوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ الصّافّات:

174،أي حتّى تنقضي المدّة الّتي أمهلوا فيها.

و الجمع:أحيان،و أحايين:جمع الجمع.

و قالوا:لات حين بمعنى ليس حين،و في التّنزيل:

وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ ص:3.[و استشهد بالشّعر إلى أن قال:]

و حينئذ:تبعيد لقولك:الآن.

و ما ألقاه إلاّ الحينة بعد الحينة،أي الحين بعد الحين.

و عامله محاينة و حيانا:من الحين،الأخيرة عن اللّحيانيّ،و كذلك استأجره محاينة و حيانا،عنه أيضا.

و أحان من الحين:أزمن.

و حيّن الشّيء:جعل له حينا.

و حيّن النّاقة و تحيّنها:حلبها مرّة في اليوم و اللّيلة، و الاسم:الحينة و الحين.

ص: 497

و هو يأكل الحينة و الحينة:أي الوجبة.

و الحين:يوم القيامة.

و الحين:الهلاك.

و قد حان.و في المثل:أتتك بحائن رجلاه.

و كلّ شيء لم يوفّق للرّشاد فقد حان.

و حيّنه اللّه فتحيّن.

و الحائنة:النّازلة ذات الحين.

و حان الشّيء:قرب.و حانت الصّلاة:دنت،و هو من ذلك و حان سنبل الزّرع:يبس فآن حصاده.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](3:446)

الحين:الهلاك.حان فلان يحين حينا،و أحان:هلك، و أحانه اللّه.(الإفصاح 1:653)

الطّوسيّ: الحين و المدّة و الزّمان متقاربة.[ثمّ ذكر مثل الخليل و أضاف:]

و أصل الباب الوقت.و الحين:وقت الهلاك،ثمّ كثر فسمّي الهلاك به.و الحين:الوقت الطّويل.(1:165)

الرّاغب: الحين:وقت بلوغ الشّيء و حصوله،و هو مبهم المعنى،و يتخصّص بالمضاف إليه نحو قوله تعالى:

وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ ص:3،و من قال:حين،فيأتي على أوجه:للأجل نحو: وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ يونس:

98،و للسّنة نحو قوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ...

إبراهيم:25،و للسّاعة نحو: حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ الرّوم:17،و للزّمان المطلق نحو: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ... الدّهر:1، وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ص:88،و إنّما فسّر ذلك بحسب ما وجد قد علق به،و يقال:عاملته محاينة حينا و حينا،و أحينت بالمكان:

أقمت به حينا،و حان حين كذا،أي قرب أوانه،و حيّنت الشّيء:جعلت له حينا،و الحين عبّر به عن حين الموت.

(138)

الزّمخشريّ: حان حينه:جاء وقته،و حان لك أن تقوم،و هو يتحيّن طعام النّاس،و يأكل الحينة و الحينة و الحين:أي الأكلة في وقت مخصوص،و قد حيّنوا ضيوفهم و أحانوهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و حان فلان و هو حائن،و الخائن حائن،و الدّين حين،أي هلاك،و نزلت به كائنة حائنة،أي فيها حينه.(أساس البلاغة:101)

تحيّنوا نوقكم،أي احتلبوها في حينها المعلوم.

(الفائق 1:340)

المدينيّ: قوله تعالى:(حينئذ)الواقعة:84،الحين:

الوقت،و حقبة من الدّهر اختلف في قدره.و الصّحيح أنّه للقليل و الكثير،أضيف إلى«إذ»و معناه تبعيد قولك:

الآن،للوقت الّذي أنت فيه.(1:537)

ابن الأثير: في حديث الأذان«كانوا يتحيّنون وقت الصّلاة»أي يطلبون حينها،و الحين:الوقت.

و منه حديث رمي الجمار:«كنّا نتحيّن زوال الشّمس».

و منه الحديث:«تحيّنوا نوقكم»هو أن يحلبها مرّة واحدة في وقت معلوم،يقال:حيّنتها و تحيّنتها.

و في حديث ابن زمل:«أكبّوا رواحلهم في الطّريق و قالوا:هذا حين المنزل»أي وقت الرّكون إلى النّزول.

و يروى«خير المنزل»بالخاء و الرّاء.(1:470)

الفيّوميّ: حان كذا يحين قرب،و حانت الصّلاة حينا و حينا بالفتح و الكسر و حينونة:دخل وقتها.

ص: 498

و الحين:الزّمان قلّ أو كثر،و الجمع:أحيان.(1:160)

الفيروزآباديّ: الحين بالكسر الدّهر،أو وقت مبهم،يصلح لجميع الأزمان طال أو قصر،يكون سنة و أكثر،أو يختصّ بأربعين سنة،أو سبع سنين،أو سنتين، أو ستّة أشهر،أو شهرين،أو كلّ غدوة و عشيّة،و يوم القيامة،و المدّة،و قوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ الصّافّات:174،أي حتّى تنقضي المدّة الّتي أمهلوها، جمعه:أحيان،و جمع الجمع:أحايين،و لات حين،أي ليس حين،و إذا باعدوا بين الوقتين باعدوا ب«إذ» فقالوا:حينئذ،و حيّنه:جعل له حينا،و النّاقة:جعل لها في كلّ يوم و ليلة وقتا يحلبها فيه كتحيّنها.

و الاسم:الحين و الحينة بكسرهما،و متى حينة ناقتك؟:متى وقت حلبها؟و كم حينتها:كم حلابها؟ و حان حين:قرب و آن،و السّنبل:يبس،و عامله محاينة كمساوعة،و أحين:أقام،و الإبل:حان لها أن تحلب أو يعكم عليها.و القوم:حان لهم ما حاولوه،و هو يأكل الحينة-و يفتح-أي مرّة في اليوم و اللّيلة،و ما ألقاه إلاّ الحينة بعد الحينة،أي الحين بعد الحين.

و الحين:الهلاك و المحنة،و قد حان و أحانه اللّه،و كلّ ما لم يوفّق للرّشاد فقد حان،و حيّنه اللّه فتحيّن،و الحائن:

الأحمق،و الحائنة:النّازلة المهلكة،جمعه:حوائن.و الحانوت في«ح ن ت»و الحانيّة:الخمر.و الحانة:موضع بيعها،و حينى كضيزى:بلدة و محيان الشّيء بالكسر:حينه.(4:219)

الطّريحيّ: [ذكر نحو المتقدّمين](6:241)

مجمع اللّغة :1-الحين:يراد به الوقت و المدّة،من غير تحديد في معناه بقلّة أو كثرة فيكون اسما مستقلاّ.

و قد يكون ظرف زمان مبهم المعنى،يوضّح بما يضاف إليه و ينصب على الظّرفيّة.

2-و قد يضاف الظّرف«حين»إلى«إذ»المنوّنة عوضا عن جملة محذوفة.(1:311)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حان الشّيء:قرب وقته،و الحين:الوقت و المدّة من غير تحديد،و أتى عليه حين بالمكان:أقام به وقتا ما،و حين:ظرف زمان،و حينه:

في ذاك الوقت،و قوله تعالى: وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ الصّافّات:178،أي حتّى تنقضي المدّة الّتي أمهلوها، و لات حين،أي ليس حين.(1:153)

العدنانيّ: لم تحن الصّلاة،لا«لم تحن».

و يقولون:لم تحن الصّلاة،أي لم يقترب وقتها.

و الصّواب لم تحن الصّلاة،لأنّ الفعل هو:حان يحين حينا و حينا و حينونة.

و لا يوجد في المعجمات حان يحون،حتّى نستطيع أن نقول:لم تحن الصّلاة،و هي غلطة شائعة كثيرا،مع أنّها بسيطة جدّا،و في وسع المرء اكتشافها بسهولة.

و من معاني الفعل حان:

أ-حان له أن يفعل كذا:آن.

ب-حان الرّجل:هلك،و يقال:حان حين النّفس.

ج-حان فلان:لم يهتد إلى الرّشاد«مجاز».

د-حان السّنبل:آن حصاده.

ه-حان الحين:قرب الهلاك.(1:181)

المصطفويّ: الأصل الواحد فيها هو الزّمان المبهم المطلق من دون أن يقيّد بقيد من زمان ماض أو مستقبل أو قطعة من زمان،قليل أو كثير،و يتعيّن معناه بقيود

ص: 499

خارجيّة و ضمائم لفظيّة و قرائن أخرى.[ثمّ ذكر آيات و قال:]

و الفرق بين الحين و الزّمان و المدّة:أنّ الزّمان بمعنى مطلق ما يمتدّ من الزّمان من حيث هو هو.و المدّة زمان محدود مقيّدا بامتداد ما.و الحين زمان محدود غير مقيّد بامتداد.

فهذا المفهوم أي قطعة محدودة من الزّمان المطلق، مأخوذ في موارد استعمال كلمة الحين في القرآن الكريم، و به يظهر لطف التّعبير به.

و أمّا تعيين تلك القطعة من الزّمان بقرائن لفظيّة كما في وَ حِينَ الْبَأْسِ البقرة:177، حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ المائدة:101، حِينَ الْوَصِيَّةِ المائدة:106، حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ النّحل:6، حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ النّحل:6، حِينَ مَناصٍ ص:3، حِينَ مَوْتِها الزّمر:42،و النّصب على الظّرفيّة.

و من هذا الباب كلمة حينئذ،إلاّ أنّ التّنوين للتّعويض،و التّقدير:حين إذ كان أو يكون كذلك، فالحين مضاف و منصوب على الظّرفيّة،و جملة«إذ كان» مضاف إليها،و التّنوين عوض عن المحذوف. وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ الواقعة:84،أي حين إذ بلغت الحلقوم.

و الظّاهر أنّ الأفعال حان،و أحان،و حيّن،مشتقّة من الحين بالاشتقاق الانتزاعيّ.

و أمّا مفهوم الهلاك فباعتبار وصول وقت مخصوص، و عروض حالة فيها تخالف جريان الحالات السّابقة، كالأجل المستعمل في الموت.(2:365)

النّصوص التّفسيريّة

حين

1- ...وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ.

البقرة:36

ابن عبّاس: إلى حين الموت.(7)

الحياة.(الطّبريّ 1:242)

إلى أجل قد علمه اللّه.(أبو حيّان 1:164)

إلى فناء الأجل بالموت.(ابن الجوزيّ 1:69)

مجاهد :إلى يوم القيامة،إلى انقطاع الدنيا.

(الطّبريّ 1:242)

زيد بن عليّ: إلى وقت.(126)

السّدّيّ: بلاغ إلى الموت.(الطّبريّ 1:242)

الرّبيع:إلى أجل.(الطّبريّ 1:242)

مثله ابن قتيبة.(46)

أبو عبيدة :إلى غاية و وقت.(1:38)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:و لكم فيها بلاغ.إلى الموت.

و قال آخرون:يعني بقوله: وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ إلى قيام السّاعة.

و قال آخرون: إِلى حِينٍ قال:إلى أجل.

(1:241)

الزّجّاج: قال قوم:معنى الحين هاهنا إلى يوم القيامة،و قال قوم:إلى فناء الآجال.أي كلّ مستقرّ إلى

ص: 500

فناء أجله،و الحين و الزّمان في اللّغة منزلة واحدة، و بعض النّاس يجعل الحين في غير هذا الموضع ستّة أشهر،دليله قوله: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها إبراهيم:25.

و إنّما كُلَّ حِينٍ هاهنا جعل لمدّة معلومة،و الحين يصلح للأوقات كلّها،إلاّ أنّه في الاستعمال في الكثير منها أكثر،يقال:ما رأيتك منذ حين،تريد منذ حين طويل، و الأصل على ما أخبرنا به.(1:116)

ابن السّرّاج:إذا قيل: وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ لظنّ أنّه غير منقطع،فقال:(الى حين)انقطاعه.

(الطّوسيّ 1:165)

نفطويه:الحين:القطعة من الدّهر كالسّاعة فما فوقها،و قوله: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتّى حِينٍ أي حتّى تفنى آجالهم.(القرطبيّ 1:322)

الثّعلبيّ: إلى حين اقتضاء آجالكم،و منتهى أعماركم.(1:183)

نحوه البغويّ(1:107)،و الشّربينيّ(1:51).

الطّوسيّ: و قيل:ال(حين)في الآية يعني الموت.

و قيل:إلى يوم القيامة.و قيل:إلى أجل.و الفرق بين قول القائل:هذا لك حينا،و بين قوله:إلى حين:أنّ«إلى»تدلّ على الانتهاء،و لا بدّ أن يكون له ابتداء،و ليس كذلك الوجه الآخر.(1:165)

نحوه الطّبرسيّ.(1:87)

الواحديّ: الحين:وقت من الزّمان يصلح للأوقات كلّها،طالت أم قصرت،و يجمع على:الأحيان،ثمّ يجمع الأحيان:أحايين،و المراد ب«الحين»هاهنا فيما ذكره أهل التّفسير:حين الموت.(1:124)

الزّمخشريّ: إلى يوم القيامة،و قيل:إلى الموت.

(1:274)

مثله النّسفيّ(1:43)،و البيضاويّ(1:50).

ابن عطيّة: و اختلف المتأوّلون في«الحين»هنا، فقالت فرقة:إلى الموت،و هذا قول من يقول:المستقرّ هو المقام في الدّنيا.و قالت فرقة(الى حين):إلى يوم القيامة، و هذا قول من يقول:المستقرّ هو في القبور.و يترتّب أيضا على أنّ المستقرّ في الدّنيا أن يراد بقوله:(و لكم)أي لأنواعكم في الدّنيا استقرار،و متاع قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة،و الحين:المدّة الطّويلة من الدّهر،أقصرها في الأيمان و الالتزامات سنة.

قال اللّه تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها.... و قد قيل:أقصرها ستّة أشهر،لأنّ من النّخل ما يثمر في كلّ ستّة أشهر،و قد يستعمل الحين في المحاورات في القليل من الزّمن.و في قوله تعالى:(الى حين)فائدة لآدم عليه السّلام،ليعلم أنّه غير باق فيها و منتقل إلى الجنّة الّتي وعد بالرّجوع إليها،و هي لغير آدم دالّة على المعاد.(1:129)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في معنى الحين بعد اتّفاقهم على أنّه اسم للزّمان،و الأولى أن يراد به الممتدّ من الزّمان،لأنّ الرّجل يقول لصاحبه:ما رأيتك منذ حين، إذا بعدت مشاهدته له،و لا يقال ذلك مع قرب المشاهدة، فلمّا كانت أعمار النّاس طويلة،و آجالهم عن أوائل حدوثهم متباعدة،جاز أن يقول: وَ مَتاعٌ إِلى

ص: 501

حِينٍ. (3:18)

القرطبيّ: اختلف المتأوّلون في الحين على أقوال:

[ثمّ ذكر قول ابن عطيّة و الرّبيع و قال:]

و الحين:الوقت البعيد،فحينئذ تبعيد من قولك:الآن.

و ربّما أدخلوا عليه التّاء.

و الحين أيضا:المدّة،و منه قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ.

و الحين:السّاعة،قال تعالى: أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ. [إلى أن قال:]

و الحين:يوم القيامة،و الحين:الغدوة و العشيّة،قال اللّه تعالى: فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ الرّوم:17.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:321)

النّيسابوريّ: هو يوم القيامة،أو حين انقضاء آجالكم.و الحين:المدّة طويلة أو قصيرة.و لهذا لو قال:

أنت طالق إلى حين،فمضت لحظة،طلّقت.(1:284)

أبو حيّان :إلى الموت أو إلى قيام السّاعة،و يتعلّق (الى)بمحذوف،أي و متاع كائن إلى حين،أو ب(متاع) أي و استمتاع إلى حين.(1:164)

أبو السّعود :هو حين الموت على أنّ المغيّا تمتّع كلّ فرد من المخاطبين،أو القيامة على أنّه تمتّع الجنس في ضمن الأفراد.و الجملة كما قبلها في كونها حالا،أي مستحقّين للاستقرار و التّمتّع،أو استئنافا.(1:122)

البروسويّ: إلى آخر أعماركم و هو حين الموت أو إلى القيامة،قال بعض العلماء:في قوله تعالى:(الى حين) فائدة لآدم عليه السّلام،ليعلم أنّه غير باق فيها،و منتقل إلى الجنّة الّتي وعد بالرّجوع إليها،و هي لغير آدم دالّة على المعاد فحسب.(1:111)

الآلوسيّ: و الحين:مقدار من الزّمان قصيرا أو طويلا،و المراد هنا إلى وقت الموت،و هو القيامة الصّغرى.و قيل:إلى يوم القيامة الكبرى،و عليه تجعل السّكنى في القبر تمتّعا في الأرض،أو يجعل الخطاب شاملا لإبليس،و يراد الكلّ المجموعيّ.و الجارّ متعلّق ب(متاع).

قيل:أو به و ب(مستقرّ)على التّنازع،أو بمقدار صفة ل(متاع).و هذه الجملة كالّتي قبلها استئنافا و حاليّة.

(1:237)

فضل اللّه :إلى الأجل الّذي جعله اللّه لكم في مدّة العمر الّتي حدّدها لكم في هذه الدّنيا.(1:250)

و بهذا المعنى جاء 2- وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ الأعراف:24،و كذا جملة ممّا بعدهما ممّا جاء فيها«متاع الى حين»أو نحوه.

3- ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّى حِينٍ. يوسف:35

ابن عبّاس: إلى سنين،و يقال:إلى حين يقطع مقالة النّاس.(196)

نحوه عطاء(ابن الجوزيّ 4:222)،و الشّربينيّ(2:

106).

خمس سنين.(ابن الجوزيّ 4:222)

مثله الكلبيّ.(الطّبرسيّ 3:232)

سنة.(ابن الجوزيّ 4:222)

سعيد بن جبير: أنّ الحين هاهنا ستّة أشهر.

(الماورديّ 3:34)

ص: 502

عكرمة:سبع سنين.(الطّبريّ 12:213)

تسع سنين.(الثّعلبيّ 5:220)

وهب بن منبّه:أقام في السّجن اثنتي عشر شهرا.

(القرطبيّ 9:187)

مقاتل:سبع.(القرطبيّ 9:187)

حبس يوسف اثنتي عشر سنة.

(الفخر الرّازيّ 18:133)

الجبّائيّ: ينسى حديث المرأة معه،و ينقطع فيه عن النّاس خبره.(الطّبرسيّ 3:232)

الثّعلبيّ: يعني إلى الوقت الّذي يرون فيه رأيهم.

(5:220)

مثله البغويّ.(2:490)

الماورديّ: إنّه زمان غير محدود،قاله كثير من المفسّرين.(3:34)

نحوه القرطبيّ.(9:187)

الواحديّ: الحين من الزّمان غير محدود،يقع على القصير منه و الطّويل.(2:612)

الكيا الهرّاسيّ: ثلاثة عشر شهرا.

(القرطبيّ 9:187)

الزّمخشريّ: إلى زمان،كأنّها اقترحت أن يسجن زمانا حتّى تبصر ما يكون منه.(2:319)

مثله النّسفيّ.(2:221)

ابن الجوزيّ: أمّا الحين فهو يقع على قصير الزّمان و طويله.و في المراد به هاهنا للمفسّرين خمسة أقوال:

[ذكر قولي ابن عبّاس و قول عكرمة و عطاء ثمّ قال:]

و الخامس:أنّه زمان غير محدود،ذكره الماورديّ.

و هذا هو الصّحيح،لأنّهم لم يعزموا على حبسه مدّة معلومة،و إنّما ذكر المفسّرون قدر ما لبث.(4:222)

نحوه الفخر الرّازيّ(18:133)،و الآلوسيّ(12:

237).

النّيسابوريّ: إلى زمان ممتدّ.(12:104)

أبو حيّان :و الحين يدلّ على مطلق الوقت،و من عيّن له هنا زمانا،فإنّما كان ذلك باعتبار مدّة سجن يوسف،لا أنّه موضوع في اللّغة كذلك،و كأنّها اقترحت زمانا حتّى تبصر ما يكون منه.(5:307)

أبو السّعود :إلى حين انقطاع قالة النّاس،و هذا بادي الرّأي عند العزيز و ذويه،و أمّا عندها فحتّى يذلّله السّجن و يسخّره لها،و يحسب النّاس أنّه المجرم،و قرئ (عتّى حين) بلغة هذيل.(3:391)

البروسويّ: و الحين عند أهل اللّغة:وقت من الزّمان غير محدود،و يقع على القصير منه و الطّويل،و أمّا عند الفقهاء فلو حلف:و اللّه لا أكلّم فلانا حينا أو زمانا، بلا نيّة على شيء من الوقت،فهو محمول على نصف سنة، و مع نيّة شيء معيّن من الوقت،فما نوى من الوقت.

(4:254)

4- تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها... إبراهيم:25

الإمام عليّ عليه السّلام:إنّه ثمانية أشهر.

(ابن الجوزيّ 4:359)

أرى الحين:سنة.(الجصّاص 3:236)

ابن عبّاس: الحين قد يكون غدوة و عشيّة.

(الطّبريّ 13:207)

ص: 503

مثله الرّبيع.(الطّبريّ 13:208)

بكرة و عشيّا.(الطّبريّ 13:207)

الحين:سبعة أشهر،و قرأ هذه الآية.

(الثّعلبيّ 5:315)

يذكر اللّه كلّ ساعة من اللّيل و النّهار.

(الطّبريّ 13:207)

الحين:ستّة أشهر.

مثله سعيد بن جبير و عكرمة.(الطّبريّ 13:208)

مثله قتادة و الحسن(البغويّ 3:37)،و هو المرويّ عن الباقر و الصّادق عليهما السّلام(الطّوسيّ 6:291)،و مجاهد (أبو حيّان 5:422)،و سعيد بن المسيّب و الجصّاص(3:

236).

الحين حينان:حين يعرف،و حين لا يعرف،فأمّا الحين الّذي لا يعرف وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ص:

88،و أمّا الحين الّذي يعرف فقوله: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها. (الطّبريّ 13:209)

نحوه عكرمة.(الطّبريّ 13:208)

الحين:سنة.

مثله حمّاد،و الحكم،و ابن زيد،و عكرمة و مجاهد.

(الطّبريّ 13:209)

تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ ستّة أشهر، لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّى حِينٍ يوسف:35،ثلاث عشرة سنة، وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ص:88،يوم القيامة.(الجصّاص 3:236)

ابن المسيّب:كلّ أربعة أشهر.

(الماورديّ 3:132)

شهران.(الطّوسيّ 6:292)

عكرمة:هو ما بين حمل النّخلة إلى أن تحزر.

(الطّبريّ 13:208)

الضّحّاك: المؤمن يطيع اللّه باللّيل و النّهار،و في كلّ حين.(الطّبريّ 13:208)

كلّ ساعة ليلا و نهارا،شتاء و صيفا يؤكل في جميع الأوقات.كذلك المؤمن لا يخلو من الخير في الأوقات كلّها.(الثّعلبيّ 5:315)

الحسن :ما بين السّتّة الأشهر و السّبعة:يعني الحين.

مثله قتادة.(الطّبريّ 13:209)

زيد بن عليّ: كلّ ستّة أشهر يخرج ثمرها،و يقال:

الحين:غدوة و عشيّة.(234)

الرّبيع:يصعد عمله أوّل النّهار و آخره.

(الطّبريّ 13:208)

ابن قتيبة :يقال:كلّ ستّة أشهر،و يقال:كلّ سنة.

(232)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في معنى الحين الّذي ذكر اللّه عزّ و جلّ في هذا الموضع...فقال بعضهم:

معناه تؤتي أكلها كلّ غداة و عشيّة.

و قال آخرون:معنى ذلك تؤتي أكلها كلّ ستّة أشهر من بين صرامها إلى حملها.

و قال آخرون:بل الحين هاهنا:سنة.

و قال آخرون:بل الحين في هذا الموضع:شهران.

و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب:قول من قال:عني بالحين في هذا الموضع:غدوة و عشيّة و كلّ ساعة،لأنّ اللّه تعالى ذكره ضرب ما تؤتى هذه الشّجرة كلّ حين من الأكل،لعمل المؤمن و كلامه مثلا،و لا شكّ

ص: 504

أنّ المؤمن يرفع له إلى اللّه في كلّ يوم صالح من العمل و القول،لا في كلّ سنة،أو في كلّ ستّة أشهر،أو في كلّ شهرين.فإذا كان ذلك كذلك فلا شكّ أنّ المثل لا يكون خلافا للممثّل به في المعنى،و إذا كان ذلك كذلك كان بيّنا صحّة ما قلنا.

فإن قال قائل:فأيّ نخلة تؤتى في كلّ وقت أكلا صيفا و شتاء؟قيل:أمّا في الشّتاء فإنّ الطّلع من أكلها، و أمّا في الصّيف فالبلح و البسر و الرّطب و التّمر ذلك كلّه من أكلها.(13:207)

الزّجّاج: اختلف النّاس بتفسير الحين،فقال بعضهم:

كلّ سنة،و قال بعضهم:كلّ ستّة أشهر،و قال بعضهم:

غدوة و عشيّة،و قال بعضهم:الحين:شهران.

و جميع من شاهدنا من أهل اللّغة يذهب إلى أنّ الحين:اسم كالوقت،ليصلح لجميع الأزمان كلّها،طالت أو قصرت.فالمعنى في قوله: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ أنّها ينتفع بها في كلّ وقت،لا ينقطع نفعها البتّة.[ثمّ استشهد بشعر](3:160)

نحوه النّحّاس.(القرطبيّ 9:360)

الجصّاص :[ذكر أقوال السّابقين و أضاف:]

الحين:اسم يقع على وقت مبهم،و جائز أن يراد به وقت مقدّر،قال اللّه تعالى: فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ الرّوم:17،ثمّ قال: وَ حِينَ تُظْهِرُونَ الرّوم:18،فهذا على وقت صلاة الفجر و وقت الظّهر، و وقت المغرب على اختلاف فيه،لأنّه قد أريد به فعل الصّلاة المفروضة في هذه الأوقات،فصار(حين)في هذا الموضع اسما لأوقات هذه الصّلوات.و يشبه أن يكون ابن عبّاس في الرّواية الّتي رويت عنه في الحين أنّه غدوة و عشيّة،ذهب إلى معنى قوله تعالى: حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ الرّوم:17.و يطلق و يراد به أقصر الأوقات،كقوله تعالى: وَ سَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ الفرقان:42،و هذا على وقت الرّؤية،و هو وقت قصير غير ممتدّ.و يطلق و يراد به أربعون سنة،لأنّه روي في تأويل قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ الدّهر:1،أنّه أراد أربعين سنة،و السّنة، و السّتّة الأشهر،و الثّلاث عشرة سنة،و الشّهران،على ما ذكرنا من تأويل السّلف للآية كلّه محتمل.

فلمّا كان ذلك كذلك ثبت أنّ الحين:اسم يقع على وقت مبهم،و على أقصر الأوقات،و على مدّد معلومة بحسب قصد المتكلّم.ثمّ قال أصحابنا فيمن حلف:«أن لا يكلّم فلانا حينا»،أنّه على ستّة أشهر؛و ذلك لأنّه معلوم أنّه لم يرد به أقصر الأوقات؛إذ كان هذا القدر من الأوقات لا يحلف عليه في العادة،و معلوم أنّه لم يرد به أربعين سنة،لأنّ من أراد الحلف على أربعين سنة حلف على التّأييد من غير توقيت.

ثمّ كان قوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها لمّا اختلف السّلف فيه على ما وصفنا كان أقصر الأوقات فيه ستّة أشهر،لأنّ من حين الصّرام إلى وقت أوان الطّلع ستّة أشهر،و هو أولى من اعتبار السّنة،لأنّ وقت الثّمرة لا يمتدّ سنة،بل ينقطع حتّى لا يكون فيه شيء.و إذا اعتبرنا ستّة أشهر كان موافقا لظاهر اللّفظ في أنّها تطعم ستّة أشهر و تنقطع ستّة أشهر.و أمّا الشّهران فلا معنى لاعتبار من اعتبرهما،لأنّه معلوم أنّ من وقت

ص: 505

الصّرام إلى وقت خروج الطّلع أكثر من شهرين،فإن اعتبر بقاء الثّمرة شهرين،فإنّا قد علمنا أنّ من وقت خروج الطّلع إلى وقت الصّرام أكثر من شهرين أيضا، فلمّا بطل اعتبار السّنة و اعتبار الشّهرين بما وصفنا،ثبت أنّ اعتبار السّتّة الأشهر أولى.(3:236)

نحوه الماورديّ.(3:132)

الطّوسيّ: [ذكر أقوال المتقدّمين ثمّ قال:]

و قال قوم:من أكل النّخلة:الطّلع و الرّطب و البسر و التّمر،فهو دائم لا ينقطع على هذه الصّفة،و أهل اللّغة يذهبون إلى أنّ الحين هو الوقت.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:291)

نحوه الطّبرسيّ.(3:313)

الميبديّ: أي كلّ سنة،لأنّ التّمر يكون في السّنة مرّة.و قيل:ستّة أشهر،لأنّ التّمر يبقى عليها ستّة أشهر.

و قيل:شهرين،و هما مدّة الصّرام إلى وقت ظهور الطّلع.

و قيل:كلّ ساعة ليلا و نهارا شتاء و صيفا،تؤكل في جميع الأوقات،كذلك المؤمن لا يخلو من الخير في الأوقات كلّها،و يرتفع في كلّ يوم و ليلة إلى اللّه عمل صالح.

(5:252)

نحوه البروسويّ.(4:414)

الزّمخشريّ: تعطي ثمرها كلّ وقت وقّته اللّه لإثمارها.

(2:376)

مثله النّسفيّ(2:261)،و النّيسابوريّ(13:125)، و نحوه البيضاويّ(1:530)،و أبو السّعود(3:483).

ابن عطيّة: الحين في اللّغة:القطيع من الزّمن غير محدّد،كقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ الدّهر:

1،و كقوله: وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ص:88،و قد تقتضي لفظة الحين بقرينتها تهديدا،كهذه الآية.[ثمّ ذكر أقوال المتقدّمين و قال:]

و من قال:الحين سنة،راعى أنّ ثمر النّخلة و جناها إنّما يأتى كلّ سنة،و من قال:ستّة أشهر،راعى من وقت جذاذ النّخل إلى حملها من الوقت المقبل،و قيل:إنّ التّشبيه وقع بالنّخل الّذي يثمر مرّتين في العام.و من قال:

شهرين قال:هي مدّة الجني في النّخل.و كلّهم أفتى بقوله في الأيمان على الحين.(3:335)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:359)

الفخر الرّازيّ: [ذكر أقوال المتقدّمين ثمّ قال:]

و المراد من قوله: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ أنّه ينتفع بها في كلّ وقت،و في كلّ ساعة ليلا أو نهارا،أو شتاء أو صيفا.قالوا:و السّبب فيه أنّ النّخلة إذا تركوا عليها الثّمر من السّنة إلى السّنة انتفعوا بها في جميع أوقات السّنة.و أقول:

هؤلاء و إن أصابوا في البحث عن مفردات ألفاظ الآية،إلاّ أنّهم بعدوا عن إدراك المقصود،لأنّه تعالى وصف هذه الشّجرة بالصّفات المذكورة،و لا حاجة بنا إلى أنّ تلك الشّجرة هي النّخلة أم غيرها،فإنّا نعلم بالضّرورة أنّ الشّجرة الموصوفة بالصّفات الأربع المذكورة شجرة شريفة،ينبغي لكلّ عاقل أن يسعى في تحصيلها و تملّكها لنفسه،سواء كان لها وجود في الدّنيا أو لم يكن،لأنّ هذه الصّفة أمر مطلوب التّحصيل،و اختلافهم في تفسير الحين أيضا من هذا الباب.و اللّه أعلم بالأمور.

(19:120)

ص: 506

القرطبيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]لمّا كانت الأشجار تؤتي أكلها كلّ سنة مرّة،كان في ذلك بيان حكم الحين، و لهذا قلنا:من حلف ألاّ يكلّم فلانا حينا،و لا يقول كذا حينا،إنّ الحين سنة.و قد ورد الحين في موضع آخر يراد به أكثر من ذلك لقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ الدّهر:1،قيل في التّفسير:أربعون عاما.

و حكى عكرمة أنّ رجلا قال:إن فعلت كذا و كذا إلى حين فغلامه حرّ،فأتي عمر بن عبد العزيز فسأله، فسألني عنها فقلت:إنّ من الحين حينا لا يدرك قوله:

وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ الأنبياء:

111،فأرى أن تمسك ما بين صرام النّخلة إلى حملها، فكأنّه أعجبه،و هو قول أبي حنيفة في الحين أنّه ستّة أشهر،اتّباعا ل«عكرمة»و غيره.(9:361)

الآلوسيّ: اختلفوا في مقدار الحين[ثمّ ذكر قول ابن المسيّب و مجاهد و قال:]

اختلفت الرّوايات عن ابن عبّاس،و الأشهر أنّه فسّره بستّة أشهر،و قال:إنّ النّخلة ما بين حملها إلى صرامها ستّة أشهر،و أفتى رضى اللّه عنه عنه لرجل حلف:أن لا يكلّم أخاه حينا،أنّه لو كلّمه قبل ستّة أشهر حنث، و هو الّذي قال به الحنفيّة،فقد ذكروا أنّ الحين و الزّمان معرّفين أو منكّرين،واقعين في النّفي أو في الإثبات:ستّة أشهر،و علّلوا ذلك بأنّ الحين قد جاء بمعنى السّاعة، و بمعنى أربعين سنة،و بمعنى الأبد،و بمعنى ستّة أشهر،فعند عدم النّيّة ينصرف إليه،لأنّه الوسط،و لأنّ القليل لا يقصد بالمنع،لوجود الامتناع فيه عادة،و الأربعون سنة لا تقصد بالحلف عادة،لأنّه في معنى الأبد،و لو سكت عن الحين تأبّد،فالظّاهر أنّه لم يقصد ذلك،و لا الأبد،و لا أربعين سنة،فيحكم بالوسط في الاستعمال، و الزّمان استعمل استعمال الحين،و يعتبر ابتداء السّتّة أشهر من وقت اليمين في نحو:لا أكلّم فلانا حينا مثلا، و هذا بخلاف:لأصومنّ حينا،فإنّ له أن يعيّن فيه أيّ ستّة أشهر شاء،كما بيّن في محلّه،و متى نوى الحالف مقدارا معيّنا في الحين و أخيه صدّق،لأنّه نوى حقيقة كلامه، لأنّ كلاّ منهما للقدر المشترك بين القليل و الكثير و المتوسّط.و استعمل في كلّ كما لا يخفى على المتتبّع، فليتذكّر.(13:214)

الطّباطبائيّ: اختلفوا في المراد ب«الحين»فقيل:

شهران،و قيل:ستّة أشهر،و قيل:سنة كاملة،و قيل:كلّ غداة و عشيّ،و قيل:جميع الأوقات.

و الاشتغال بأمثال هذه المشاجرات ممّا يصرف الإنسان عمّا يهمّه من البحث عن معارف كتاب اللّه، و الحصول على مقاصد الآيات الكريمة و أغراضها.

(12:51)

5- هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً. الدّهر:1

ابن عبّاس: أربعون سنة مخلوقا مصوّرا.(495)

أنّه أربعون سنة مرّت قبل أن ينفخ فيه الرّوح،و هو ملقى بين مكّة و الطّائف.[و في رواية]أنّه خلق من طين فأقام أربعين سنة،ثمّ من حمإ مسنون أربعين سنة،ثمّ من صلصال أربعين سنة،فتمّ خلقه بعد مائة و عشرين سنة، ثمّ نفخ فيه الرّوح.

ص: 507

[و في رواية]أنّ الحين المذكور هاهنا وقت غير مقدّر،و زمان غير محدود.(الماورديّ 6:162)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في قدر هذا الحين الّذي ذكره اللّه في هذا الموضع،فقال بعضهم:هو أربعون سنة،و قالوا:مكثت طينة آدم مصوّرة لا تنفخ فيها الرّوح أربعين عاما،فذلك قدر الحين الّذي ذكره اللّه في هذا الموضع...

و قال آخرون:لا حدّ للحين في هذا الموضع،و قد يدخل هذا القول من أنّ اللّه أخبر أنّه أتى على الإنسان حين من الدّهر،و غير مفهوم في الكلام أن يقال:أتى على الإنسان حين قبل أن يوجد،و قبل أن يكون شيئا،و إذا أريد ذلك قيل:أتى حين قبل أن يخلق،و لم يقل:أتى عليه.(29:202)

الطّوسيّ: و الحين:مدّة من الزّمان،و قد يقع على القليل و الكثير.قال اللّه سبحانه: فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ الرّوم:17،أي وقت تمسون و وقت تصبحون،و قال: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ إبراهيم:25، يعني كلّ ستّة أشهر،و قال قوم:كلّ سنة.و قال هاهنا هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ أي مدّة طويلة.

(10:205)

الميبديّ: قيل:(الانسان)بنو آدم«و الحين»مدّة لبثه في بطن أمّه تسعة أشهر إلى أن صار شيئا مذكورا.

و يحتمل أنّ(الانسان)عامّ،و حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ زمان فترة الرّسل بعد عيسى عليه السّلام.(10:317)

نحوه القرطبيّ.(19:118)

الزّمخشريّ: طائفة من الزّمان الطّويل الممتدّ.

(4:194)

نحوه النّيسابوريّ.(29:117)

الفخر الرّازيّ: (حين)فيه قولان:الأوّل[مثل الزّمخشريّ]

و الثّاني:أنّه مقدّر بالأربعين.(30:235)

أبو حيّان :و(الانسان)هنا جنس بني آدم،و«الحين» الّذي مرّ عليه،إمّا حين عدمه،و إمّا حين كونه نطفة، و انتقاله من رتبة إلى رتبة حتّى حين إمكان خطابه،فإنّه في تلك المدّة لا ذكر له،و سمّي إنسانا باعتبار ما صار إليه.

و قيل:آدم عليه السّلام،و«الحين»الّذي مرّ عليه هي المدّة الّتي بقي فيها إلى أن نفخ فيه الرّوح.(8:393)

أبو السّعود :أي طائفة محدودة كائنة من الزّمن الممتدّ.(6:340)

البروسويّ: «الحين»:زمان مطلق و وقت مبهم، يصلح لجميع الأزمان طال أو قصر.(10:259)

الآلوسيّ: و«الحين»:طائفة محدودة من الزّمان، شاملة للكثير و القليل.(29:151)

نحوه المراغيّ(29:159)،و الطّباطبائيّ(20:120).

6- فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتّى حِينٍ. المؤمنون:54

ابن عبّاس: إلى حين العذاب يوم بدر.(288)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:479)

مجاهد :حتّى الموت.(القرطبيّ 12:130)

نحوه البغويّ.(3:367)

مقاتل:حين قتلهم و هو يوم بدر.

(الآلوسيّ 18:42)

ص: 508

الطّبريّ: إلى أجل سيأتيهم عند مجيئه عذابي.

(18:31)

نحوه الثّعلبيّ(7:49)،و الميبديّ(6:450).

الطّوسيّ: حين وقت الموت،و قيل:حين العذاب.

(7:376)

مثله الطّبرسيّ.(4:109)

الزّمخشريّ: إلى أن يقتلوا أو يموتوا،سلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بذلك،و نهي عن الاستعجال بعذابهم،و الجزع من تأخيره.(3:34)

نحوه البيضاويّ(2:109)،و النّسفيّ(3:122)، و الشّربينيّ(2:583).

ابن عطيّة: أي إلى وقت فتح فيهم غير محدود.

(4:147)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في الحين وجوها:أحدها:إلى حين الموت.و ثانيها:إلى حين المعاينة.و ثالثها:إلى حين العذاب،و العادة في ذلك أن يذكر في الكلام،و المراد به الحالة الّتي تقترن بها الحسرة و النّدامة،و ذلك يحصل إذا عرفهم اللّه بطلان ما كانوا عليه و عرفهم سوء منقلبهم، و يحصل أيضا عند المحاسبة في الآخرة،و يحصل عند عذاب القبر و المسألة،فيجب أن يحمل على كلّ ذلك.

(23:105)

نحوه النّيسابوريّ.(18:25)

القرطبيّ: [ذكر قول مجاهد ثمّ قال:]فهو تهديد لا توقيت،كما يقال:سيأتي لك يوم.(12:130)

أبو حيّان :حتّى ينزل بهم الموت،و قيل:حتّى يأتي ما وعدوا به من العذاب،و قيل:هو يوم بدر.(6:409)

أبو السّعود:هو حين قتلهم أو موتهم على الكفر، أو عذابهم،فهو وعيد لهم بعذاب الدّنيا و الآخرة،و تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و نهي له عن الاستعجال بعذابهم، و الجزع عن تأخيره.و في التّنكير و الإبهام ما لا يخفى من التّهويل.(4:420)

نحوه البروسويّ(6:89)،و الآلوسيّ(18:42).

القاسميّ: أي إلى وقت يستفيقون فيه من سباتهم، بظهور دين اللّه و علوّ كلمته،و هزم عدوّه.(12:4403)

الطّباطبائيّ: و في الآية تهديد بالعذاب،و قد تقدّمت إشارة إلى أنّ من سنّته تعالى المجازاة بالعذاب بعد تكذيب الرّسالة،و في تنكير(حين)إشارة إلى إتيان العذاب الموعود بغتة.(15:35)

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير(حين)على أربعة وجوه:

فوجه منها:حين،يعني سنة،فذلك قوله: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها إبراهيم:25،يعني كلّ سنة بأمر ربّها.

و الوجه الثّاني:حين،يعني منتهى الآجال،فذلك قوله لآدم و حوّاء: وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ البقرة:36،يعني إلى منتهى آجالكم،نظيرها في الأعراف:24،و قال في يونس:98، وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ يعني إلى منتهى آجالهم،و قال في النّحل:80، أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ يعني إلى حين تبلى الثّياب.

و الوجه الثّالث:حين،يعني السّاعات،فذلك قوله:

فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ الرّوم:

ص: 509

17،يعني صلّوا للّه مغرب الشّمس و حين تصبحون صلاة الغداة،(و عشيّا)يعني لوقت العصر، وَ حِينَ تُظْهِرُونَ يعني ساعة تظهرون صلاة الأولى.

و الوجه الرّابع:حين،زمان لم يؤقت،فذلك قوله:

وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ص:88،يعني بعد زمان و هو القتل ببدر،و لم يبيّن ذلك الوقت و قال في الدّهر:1، هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ يعني زمانا من الدّهر.(238)

نحوه هارون الأعور(248)،و الدّامغانيّ(271).

الحيريّ: [نحو مقاتل إلاّ أنّه قال:]

الثّالث:أربعون سنة،كقوله: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ الدّهر:1.(195)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحين،و هو وقت من الزّمان، و الجمع:أحيان،و أحايين:جمع الجمع،و قد اشتقّ منه الفعل؛يقال:حان له أن يفعل كذا يحين حينا،أي آن، و حان حينه:قرب وقته،و أحان:أزمن،و حيّن الشّيء:

جعل له حينا،و استأجره محاينة و حيانا:من الحين، و عامله محاينة،و أحين القوم:حان لهم ما حاولوه،أو حان لهم أن يبلغوا ما أمّلوه.و حان الشّيء:قرب،و حانت الصّلاة:دنت،و حان سنبل الزّرع:يبس فآن حصاده.

و تحيّن الوارش:انتظر وقت الأكل ليدخل،و تحيّنت رؤية فلان:تنظّرته.

و الحينة و الحينة:الحين؛يقال:ما ألقاه إلاّ الحينة بعد الحينة،أي الحين بعد الحين.

و الحينة و الحينة أيضا:حلب النّاقة مرّة في اليوم و اللّيلة؛يقال:حيّن النّاقة و تحيّنها،و إبل محيّنة،إذا كانت لا تحلب في اليوم و اللّيلة إلاّ مرّة واحدة،و أحينت الإبل:

حان لها أن تحلب أو يعكم عليها،و هو يأكل الحينة و الحينة:المرّة الواحدة في اليوم و اللّيلة.

و إذا باعدوا بين الوقتين،باعدوا ب«إذ»،فقالوا:

حينئذ،و هو تبعيد لقولك:الآن،و ربّما أدخلوا عليه التّاء و قالوا:لات حين،أي ليس حين.

و الحين:الهلاك،و قد حان الرّجل:هلك،و أحانه اللّه:

أهلكه،و النّفس قد حان حينها:هلكت،و في المثل:

«أتتك بحائن رجلاه»،أي هالك،و الحائنة:النّازلة ذا الحين،و الجمع:حوائن.

2-و«حين»:ظرف مثل«حيث»،إلاّ أنّ حين ظرف زمان،يحسن في موضع«لمّا،و إذ،و وقت،و يوم،و ساعة، و حتّى»؛يقال:رأيتك لمّا جئت،و حين جئت،و إذ جئت.

و حيث:ظرف مكان،يحسن في موضع«أين»و ما بمعناه؛يقال:رأيتك حيث كنت،أي في الموضع الّذي كنت فيه،و اذهب حيث شئت:إلى أيّ موضع شئت.

3-و الحانة:موضع بيع الخمر،و الحانيّة:الخمر نفسها،منسوبة إلى الحانة،و الحانيّ:بائع الخمر،نسبة إلى الحانة أيضا.

و قال أبو حنيفة:«أظنّها فارسيّة،و أنّ أصلها خانه»، و نحن نميل إلى قوله أيضا لأمرين:

الأوّل:وردت في الفارسيّة القديمة(الفهلويّة)بلفظ «خانك».

و الثّاني:دخلت العربيّة بواسطة السّريانية على

ص: 510

الأغلب،كما هو الحال في الألفاظ الفارسيّة المعرّبة،مثل:

الحبّ،أي الجرّة،و أصله الحبّ بالخاء،كما تقدّم في(ح ب ب)،لأنّ السّريانيّين يبدلون الخاء حاء.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حين»34 مرّة،و«حينئذ»مرّة في 33 آية:

حين

1- ...وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ

البقرة:36

2- ...وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ...

الأعراف:24

3- فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ الصّافّات:148

4- ...كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ يونس:98

5- إِلاّ رَحْمَةً مِنّا وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ يس:44

6- وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ

الأنبياء:111

7- ...وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ النّحل:80

8- وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ النّحل:6

9- تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها...

إبراهيم:25

10- ...وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ... البقرة:177

11- ...وَ إِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْها... المائدة:101

12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ...

المائدة:106

13- ...أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ... هود:5

14- اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها... الزّمر:42

15- هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً الدّهر:1

16- وَ فِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتّى حِينٍ

الذّاريات:42

17- وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها...

القصص:15

18- ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّى حِينٍ يوسف:35

19- كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ ص:3

20- إِنْ هُوَ إِلاّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتّى حِينٍ المؤمنون:25

21- وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ* وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ الصّافّات:178،179

22- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ* وَ أَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ الصّافّات:174،175

23- لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النّارَ... الأنبياء:39

24- أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً

ص: 511

فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الزّمر:58

25- فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتّى حِينٍ المؤمنون:54

26- ...وَ سَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً الفرقان:42

27- وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* اَلَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ الشّعراء:217،218

28- ...مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ... النّور:58

29- فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ

الرّوم:17

30- وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ عَشِيًّا وَ حِينَ تُظْهِرُونَ الرّوم:18

31- وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ الطّور:48

32- وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ص:88

حينئذ

33- فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ الواقعة:83،84

يلاحظ أوّلا:أنّ«حين»جاء نكرة في جميع المواضع، و مجرورا ب«إلى»في(1)إلى(7)،و ب«حتّى»في(16) و(18)و(20)إلى(22)و(25)،و ب«على»في(17)، و بإضافة«كلّ»في(9)،و«بعد»في(32)،كما أنّه أضيف إلى«الباس»في(10)،و«الوصيّة»في(12)،و«موتها» في(14)و«غفلة»في(17)،و«مناص»في(19)،و«إذ» في(33).و جرّ بالإضافة تقديرا«تريحون»و«تسرحون» في(8)،و«ينزّل»في(11)،و«يستغشون»في(13)، و«لا يكفّون»في(23)،و«ترى»في(24)،و«يرون»في (26)،و«تقوم»في(27)و(31)،و«تضعون»في(28)، و«تمسون»و«تصبحون»في(29)،و«تظهرون»في (30).

و جاء أيضا منصوبا بالظّرفيّة في(8)و(10)إلى(14) و(23)و(24)و(26)إلى(31)،كما نصب في(19)لأنّه خبر«لات».

و جاء مرفوعا مرّة واحدة في(15)،و هو فاعل «أتى»،و أخّر هنا لحصر شبه الجملة«على الإنسان»، و أصله:هل أتى حين من الدّهر على الإنسان لم يكن شيئا مذكورا؟

و تتعلّق شبه الجملة«الى حين»في(1): وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ بلفظ«كائن» المحذوف،و فيها بحوث:

1-فسّر الحين هنا بالموت و الأجل و قيام السّاعة و يوم القيامة و غير ذلك،قال نفطويه:«الحين:القطعة من الدّهر كالسّاعة فما فوقها».و قال الزّجّاج:«الحين:يصلح للأوقات كلّها،إلاّ أنّه في الاستعمال في الكثير منها أكثر؛ يقال:ما رأيتك منذ حين،تريد منذ حين طويل».و قال الثّعلبيّ:«الحين:المدّة الطّويلة من الدّهر،أقصرها في الأيمان و الالتزامات سنة».

2-قال الثّعلبيّ: «في قوله تعالى:(الى حين)فائدة لآدم عليه السّلام،ليعلم أنّه غير باق فيها،و منتقل إلى الجنّة الّتي وعد بالرّجوع إليها،و هي لغير آدم دالّة على المعاد».

و قال الطّوسيّ: «الفرق بين قول القائل:هذا لك حينا، و بين قوله:إلى حين،أنّ«إلى»تدلّ على الانتهاء،و لا بدّ

ص: 512

أن يكون له ابتداء،و ليس كذلك الوجه الآخر».

3-جاء(الى حين)في(1)إلى(7)بعد المتاع مباشرة اسما و فعلا،و المتاع في القرآن كناية عن الحياة،و(الى حين)مدّتها،و هي مدّة طويلة تقدّر بسنين،كما قال تعالى: أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ الشّعراء:205، فاستغنى عن الظّرف«إلى حين»بذكر المدّة إشارة إلى تكافؤهما.

ثانيا:أنّ الحين في(9): تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ مدّة لجني ثمار الأشجار،و فيها بحوث:

1-قدّر الحين هنا بستّة أشهر،و هو من حين الصّرام إلى أوان الطّلع.و بسنة،لأنّ التّمر يكون في السّنة مرّة، و شهرين،أي من الصّرام إلى ظهور الطّلع،أو هما مدّة الجني في النّخل،و غدوة و عشيّة و كلّ ساعة،و هو قول ابن عبّاس،و اختاره الطّبريّ،و علّله بقوله:«لأنّ اللّه تعالى ذكره ضرب-ما تؤتي هذه الشّجرة كلّ حين من الأكل لعمل المؤمن و كلامه-مثلا.و لا شكّ أنّ المؤمن يرفع له إلى اللّه في كلّ يوم صالح من العمل و القول،فلا شكّ أنّ المثل لا يكون خلافا للممثّل به في المعنى،و إذا كان ذلك كذلك كان بيّنا صحّة ما قلنا.

فإن قال قائل:فأيّ نخلة تؤتي في كلّ وقت أكلا صيفا و شتاء؟

قيل:أمّا في الشّتاء فإنّ الطّلع من أكلها،و أمّا في الصّيف فالبلح و البسر و الرّطب و التّمر ذلك كلّه من أكلها».

و قال الفخر الرّازيّ: «قالوا:و السّبب فيه أنّ النخلة إذا تركوا عليها الثّمر من السّنة إلى السّنة،انتفعوا بها في جميع أوقات السّنة».

و تقول:إنّ أكل الشّجرة هنا ليس المأكول منها فحسب،بل هو نتاجها غير المأكول أيضا،كاللّيف و السّعف و الكرب و الجذع من النّخلة،و الأوراق و الأغصان و السّيقان و الجذور من سائر الأشجار؛إذ فيها فوائد طيّبة و اقتصاديّة و صناعيّة و عمرانيّة و خدميّة و غيرها،فينتفع بها الإنسان كلّ حين.

2-يرى الفخر الرّازيّ أنّ المفسّرين أصابوا في البحث عن الحين في هذه الآية،و لكنّهم بعدوا عن إدراك المقصود منه،فقال:«هؤلاء و إن أصابوا في البحث عن مفردات ألفاظ الآية،إلاّ أنّهم بعدوا عن إدراك المقصود، لأنّه تعالى وصف هذه الشّجرة بالصّفات المذكورة،و لا حاجة بنا إلى أنّ تلك الشّجرة هي النّخلة أم غيرها،فإنّا نعلم بالضّرورة أنّ الشّجرة الموصوفة بالصّفات الأربع المذكورة شجرة شريفة،ينبغي لكلّ عاقل أن يسعى في تحصيلها و تملّكها لنفسه،سواء كان لها وجود في الدّنيا أو لم يكن،لأنّ هذه الصّفة أمر مطلوب التّحصيل،و اختلافهم في تفسير الحين أيضا من هذا الباب».

و يرى الطّباطبائيّ رأي الفخر الرّازيّ أيضا،فهو أشار إلى اختلافهم في الحين و مدّته،ثمّ عقّب ذلك بقوله:

«الاشتغال بأمثال هذه المشاجرات ممّا يصرف الإنسان عمّا يهمّه من البحث عن معارف كتاب اللّه،و الحصول على مقاصد الآيات الكريمة و أغراضها».

3-يفيد لفظ(كلّ حين)استغراق الوقت كلّه أو بعضه، و نظيره قوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ الرّحمن:29،و قوله: أَ وَ لا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ التّوبة:126،و لم تقترن(كلّ)إلاّ بهذه الألفاظ الثّلاثة من الظّروف.

ص: 513

3-يفيد لفظ(كلّ حين)استغراق الوقت كلّه أو بعضه، و نظيره قوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ الرّحمن:29،و قوله: أَ وَ لا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ التّوبة:126،و لم تقترن(كلّ)إلاّ بهذه الألفاظ الثّلاثة من الظّروف.

ثالثا:أنّه يعني الزّمان الطّويل الممتدّ في(15): هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ، و فيه بحوث:

1-فيه قولان؛الأوّل:أنّه مقدّر بمدّة معيّنة،فقيل:

أربعون سنة،مرّت على آدم قبل أن ينفخ فيه الرّوح،قاله ابن عبّاس.و قيل:تسعة أشهر،مرّت على الإنسان عامّة و هو في بطن أمّه،قاله الميبديّ.

و الثّاني:أنّه زمان ممتدّ غير مقدّر،قيل:هو فترة الرّسل بعد عيسى عليه السّلام،و قال أبو حيّان:«الحين الّذي مرّ عليه إمّا حين عدمه،و إمّا حين كونه نطفة و انتقاله من رتبة إلى رتبة حتّى حين إمكان خطابه».

2-رغم أنّه طويل ممتدّ كالدّهر و القرن و العصر و الحقب و الفطحل،إلاّ أنّه جعل جزء من الدّهر، حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ و هذا يدلّ على عظم تطاول الدّهر و امتداده كالأبد،يقال:لا آتيه دهر الدّاهرين،أي أبدا،و لا أفعل ذلك أبد الآبدين،أي مدى الدّهر.

و نظيره قوله: وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ الأحقاف:35.

جاء منكّرا مرفوعا،دلالة على إبهامه و عدم تعيّنه في ظرف معلوم،و الغالب في الظّروف النّصب نكرة أو معرفة.و نظيره قوله: أَنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ البقرة:254،و قوله:

وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَ رَواحُها شَهْرٌ سبأ:

12، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ يوسف:49.

رابعا:أنّ الحين في(18): لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّى حِينٍ زمان غير محدود،و فيه بحوث:

1-فسّر بستّة أشهر،و اثني عشر شهرا،و ثلاثة عشر شهرا،و خمس سنين،و سبع سنين،و اثنتي عشرة سنة،و غير ذلك.و قال الماورديّ:«إنّه زمان غير محدود»،و صحّحه ابن الجوزيّ و قال:«لأنّهم لم يعزموا على حبسه مدّة معلومة،و إنّما ذكر المفسّرون قدر ما لبث».و هو الصّواب.

2-قرأ ابن مسعود: (عتّى حين) بقلب حاء«حتّى» عينا،و هي لغة هذيل،و تسمّى الفحفحة،و هي لغة مرغوب عنها.و ذهب الدّكتور رمضان عبد التّوّاب إلى«أنّ هذه الظّاهرة لم تكن عامّة في كلّ«حاء»عند قبيلة هذيل؛إذ لم تقلب الحاء عينا في كلمة«حين»المجاورة لكلمة «حتّى»في الآية القرآنيّة[مرّات]،أي أنّ هذا الإبدال خاصّ بكلمة«حتّى».و ممّا يقوّي هذا الظّنّ قول أبي عبيدة:قوم يحوّلون حاء«حتّى»فيجعلونها عينا، كقولك:قم عتّى آتيك (1)».

3-سبقت«حتّى»لفظ«حين»،و هي حرف جرّ بمعنى«إلى»تقيد انتهاء الغاية،و تقدير الكلام هنا:

ليسجننّ أعوان العزيز يوسف إلى زمان يرون فيه رأيهم.

و الحين في هذه الآية و الآيات الخمس الأخرى الّتي سبقت بلفظ(حتّى)زمان غير ممتدّ،ففي(16)زمان نزول العذاب على ثمود،و كان نزوله في مدّة قصيرة.و في (20)زمان هلاك نوح بزعم قومه،فإنّهم كانوا يتربّصون به شرّا يحلّ به.و في(21)و(22)و(25)زمان انكسار).

ص: 514


1- فصول في فقه اللّغة(139).

شوكة المشركين،و كان قصيرا،كما سيأتي في تفسير الآية اللاّحقة.

خامسا:أنّ الحين في(25): فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتّى حِينٍ توقيت يتضمّن تهديدا،و فيه بحوث:

1-اختلف فيه على أقوال:العذاب،و الموت،و القتل، و الفتح،و المعاينة،و المحاسبة.فمن ذهب إلى العذاب و الموت و المعاينة و المحاسبة،جعله تهديدا و وعيدا للمشركين في الآخرة،قال الطّباطبائيّ:«في الآية تهديد بالعذاب،و قد تقدّمت إشارة إلى أنّ من سنّته تعالى المجازاة بالعذاب بعد تكذيب الرّسالة».

و من ذهب إلى القتل و الفتح،جعله توقيتا و تهديدا لهم في الدّنيا و الآخرة،لأنّهم قتلوا يوم بدر و هزموا، و فتحت مكّة و هم ينظرون،قال القاسميّ:«إلى وقت يستفيقون فيه من سباتهم بظهور دين اللّه،و علوّ كلمته و هزم عدوّه».

2-جاءت هذه الآية و الآية(21) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ* وَ أَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ و(22): فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ* وَ أَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ بمعنى واحد و نسق متشابه؛إذ أمر اللّه فيها نبيّه بالإعراض عنهم،و تركهم إلى زمان ظهوره عليهم،و هو تصبير له و تطييب لنفسه.قال الزّمخشريّ:«سلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بذلك،و نهي عن الاستعجال بعذابهم،و الجزع من تأخيره».

3-عدّ أبو السّعود تنكير(حين)هنا تهويلا،فقال:

«و في التّنكير و الإبهام ما لا يخفى من التّهويل».و عدّه الطّباطبائيّ إشارة إلى بغتة العذاب،فقال:«و في تنكير (حين)إشارة إلى إتيان العذاب الموعود بغتة».و لكنّ كثيرا ممّا جاء نكرة منه لا يتضمّن هذا المعنى،بل فيه خلاف ذلك،كما في الآيات الأولى خاصّة.

سادسا:أنّ حَتّى حِينٍ في الآيات السّتّ مكّيّة، و كذا إِلى حِينٍ في الآيات السّتّ من(2)إلى(7)،إلاّ أنّ الحين في آيات الفئة الأولى قصير الأحد،و هو في آيات الفئة الثّانية طويل الأمد.فهل هذا يعدّ فرقا بين «حين»و«إلى»؟

ص: 515

ص: 516

ح ي ي

اشارة

47 لفظا،184 مرّة،119 مكّيّة،65 مدنيّة

في 51 سورة:38 مكّيّة،13 مدنيّة

حيّ 1:-1

يحيى 3:2-1

تحيون 1:1

نحيا 2:2

أحياء 4:2-2

الأحياء 1:1

محياهم 1:1

محياي 1:1

حيّ 1:1

الحيّ 13:9-4

حيّا 5:5

حياة 4:2-2

الحياة 67:43-24

حياتكم 1:1

لحياتى 1:1

حياتنا 3:3

أحيا 6:4-2

أحياها 2:1-1

أحياهم 1:-1

أحياكم 2:-2

أحييتنا 1:1

أحييناه 1:1

أحييناها 1:1

يحيي 20:12-8

يحييها 1:1

يحييكم 5:2-3

يحيين 1:1

تحيى 1:-1

أحيا 2:-2

نحيى 3:3

لنحيى 1:1

فلنحيينّه 1:1

لمحيى الموتى 2:2

حيّيتم 1:-1

حيّوك 1:-1

يحيّك 1:-1

فحيّوا 1:-1

تحيّة 3:1-2

تحيّتهم 3:2-1

استحيوا 1:1

يستحيى 4:1-3

يستحيون 3:2-1

نستحيى 1:1

استحياء 1:1

حيّة 1:1

الحيوان 1:1

ص: 517

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حيّ-مثقّلة-يندب بها،و ينعى بها.يقال:

حيّ على الفداء،حىّ على الخير،و لم يشتقّ منه فعل.

و«الحياة»كتبت بالواو،ليعلم أنّ الواو بعد الياء.

و يقال:بل كتبت على لغة من يفخّم الألف الّتي مرجعها إلى الواو،نحو:الصّلوة و الزّكوة.

و يقال:حيي يحيا فهو حيّ،و يقال للجميع:حيّوا.

و لغة أخرى:حيّ يحيّ؛و الجميع:حيوا،خفيفة مثل:بقوا.

و الحيوان:كلّ ذي روح.الواحد و الجميع فيه سواء.

و الحيوان:ماء فى الجنّة لا يصيب شيئا إلاّ حيّ بإذن اللّه.

و الحيّة:اشتقاقها من الحياة.و يقال:هي في أصل البناء:حيوة.و لكنّ الياء و الواو إذا التقتا و سكّنت الأولى منهما جعلتا ياء شديدة.و من قال لصاحب الحيّات:

حاي.فهو«فاعل»من هذا البناء.صارت الواو كسرة كواو الغازيّ.و من قال:حوّاء على«فعّال»فإنّه يقول:

اشتقاق الحيّة من«حويت»،لأنّها تتحوّى في التوائها، و كذلك تقول العرب.

و الحيا مقصور:حيا الرّبيع،و هو ما تحيا به الأرض من الغيث.

و أرض محواة:كثيرة الحيّات،اجتمعوا على ذلك.

و الحياء ممدود:من الاستحياء.رجل حييّ بوزن «فعيل»،و امرأة حيّية بوزن«فعيلة».

و المحاياة:الغذاء للصّبيّ بما به حياته.

و المحاياة:تحيّة القوم بعضهم بعضا.

و الحيّ: الواحد من أحياء العرب.

و حيا الشّاة:مقصور و ممدود،لغتان.

و المحيّا:الوجه.و قول العرب:حيّاك اللّه:يعني الاستقبال بالمحيّا،و يحتمل أن يكون اشتقاقه من الحياة.

و تقول:حيّاك اللّه و بيّاك،أي أفرحك و أضحكك.و يقال:

بيّاك تقوية لحيّاك.

و قول المصلّي في التّشهّد:التّحيّات للّه،معناه:البقاء للّه،و يقال:الملك للّه.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(3:316)

اللّيث:جاء في الحديث«أنّ الرّجل الميّت يسأل عن كلّ شيء حتّى عن حيّة أهله»معناه:عن كلّ شيء حيّ في منزله،مثل الهرّة و غيره،فأنّث الحيّ و قال:

«حيّة»،و نحو ذلك.(الأزهريّ 5:286)

سيبويه :[و من الأشياء الّتي ضمّ أحدهما الى الآخر:]«حيّهل»،الّتي للأمر فمن شيئين،يدلّك على ذلك حيّ على الصّلاة.و زعم أبو الخطّاب:أنّه سمع من يقول:

حيّ هل الصّلاة.و الدّليل على أنّهما جعلا اسما واحدا.

قول الشّاعر:[ثمّ ذكر قوله](3:300)

و تقول في الجمع:حيوا،كما يقال:خشوا،ذهبت الياء لالتقاء السّاكنين،لأنّ الواو ساكنة و حركة الياء قد زالت كما زالت في«ضربوا»إلى الضّمّ،و لم تحرّك الياء بالضّمّ لثقله عليها،فحذفت و ضمّت الياء الباقية لأجل الواو.

[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 6:2323)

تحيّة:«تفعلة»،و المضاعف من الياء قليل،لأنّ الياء قد تثقل وحدها لاما،فإذا كان قبلها ياء كان أثقل لها.

(ابن سيده 3:399)

الكسائيّ: يقال:لا حيّ عنه،أي لا منع منه.[ثمّ

ص: 518

استشهد بشعر](الأزهريّ 5:286)

ابن شميّل: الحيهل:شجر،رأيت حيهلا،و هذا حيهل كثير.(الأزهريّ 5:283)

يقال:أتانا حيّ فلان،أي أتانا في حياته.و سمعت حيّ فلان يقولون كذا،أي سمعته يقول في حياته.

(الأزهريّ 5:286)

قطرب: إنّ أهل اليمن يقولون:الحياة بواو قبلها فتحة،فهذه الواو بدل من ألف حياة،و ليست بلام الفعل من حيوة،أ لا ترى أنّ لام الفعل ياء؟و كذلك يفعل أهل اليمن بكلّ ألف منقلبة عن واو،كالصّلاة و الزّكاة.

(ابن سيده 3:395)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الهرم من الحمص[نبات]، يقال له:حيهل؛الواحدة:حيهلة و سمّي به،لأنّه إذا أصابه المطر نبت سريعا،و إذا أكلته الإبل فلم تبعر و لم تسلح مسرعة ماتت.(الأزهريّ 5:283)

العرب تقول:كيف أنت؟و كيف حيّة أهلك؟أي كيف من بقي منهم حيّا؟(الأزهريّ 5:286)

التّحيّة:الملك.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:290)

أحيا القوم،إذا حسنت حال مواشيهم.فإن أردت أنفسهم قلت:حيوا.(الجوهريّ 6:2323)

الفرّاء: في قول العرب:حيّاك اللّه،معناه:أبقاك اللّه.

و حيّاك أيضا،أي ملّكك اللّه،و حيّاك،أي سلّم عليك.

و قولنا في التّشهّد:التّحيّات للّه:ينوى بها البقاء للّه، و السّلام من الآفات للّه،و الملك للّه.

نحوه أبو طالب.(الأزهريّ 5:290)

أبو زيد:و يقال:حيّ هلك يا زيد،و حيّ هلك يا امرأة،إذا استعجلته.(220)

يقال:أرض محياة و محواة،من الحيّات.

يقال:حييت من فعل كذا أحيا حياء،أي استحييت.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:288)

يقال:أحيا القوم،إذا مطروا فأصابت دوابّهم العشب و سمنت و إن أرادوا أنفسهم قالوا:حيوا بعد الهزال.

(الأزهريّ 5:288)

حييت منه أحيا:استحييت.(الجوهريّ 6:2323)

الأصمعيّ: [الحيّة]:هو ذكر الحيّات.[ثمّ استشهد بشعر](ابن دريد 1:172)

اللّحيانيّ: ضرب ضربة ليس بحاي منها،أي ليس يحيا منها.و لا يقال:ليس بحيّ منها إلاّ أن يخبر أنّه ليس بحيّ،أي هو ميّت.فإن أردت أنّه لا يحيا،قلت:

ليس بحاي.

و كذلك أخوات هذا،كقولك:عد فلانا فإنّه مريض، تريد الحال.و تقول:لا تأكل هذا الطّعام فإنّك مارض،أي إنّك تمرض إن أكلته.

استحياه:استبقاه،و لم يشتقّه.(ابن سيده 3:396)

الحيا مقصور:المطر.حيّاهم اللّه بحيا مقصور،أي أعانهم.و قد جاء الحيا الّذي هو المطر و الخصب ممدودا.

(ابن سيده 3:398)

أبو عبيد: [في حديث]عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«اقتلوا شيوخ المشركين و استحيوا شرخهم».

و قوله:«استحيوا»إنّما هو«استفعلوا»من الحياة،أي دعوهم أحياء لا تقتلوهم.و منه قول اللّه عزّ و جلّ فيما

ص: 519

يروى في التّفسير: ...سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ الأعراف:127.(1:384)

نحوه الأزهريّ.(5:288)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النّبوّة الأولى:إذا لم تستحي فاصنع ما شئت...».

قال جرير:معناه:أن يريد الرّجل أن يعمل الخير فيدعه حياء من النّاس،كأنّه يخاف مذهب الرّياء،يقول:

فلا يمنعك الحياء من المضيّ لما أردت.و الّذي ذهب إليه جرير معنى صحيح في مذهبه،و هو شبيه بالحديث الآخر.[ثمّ ذكر الحديث]

و إنّما وجهه عندي أنّه أراد بقوله:«إذا لم تستحي فاصنع ما شئت»:إنّما هو من لم يستحي صنع ما شاء على جهة الذّمّ لترك الحياء،و لم يرد بقوله:«فاصنع ما شئت»، أن يأمره بذلك أمرا.و هذا جائز في كلام العرب أن يقول:

افعل كذا و كذا و ليس يأمره،و لكنّه أمر بمعنى الخبر.

(1:391)

جاء في الحديث:«أنّ الرّجل الميّت يسأل عن كلّ شيء حتّى عن حيّة أهله».إنّما قال:«حيّة»لأنّه ذهب إلى كلّ نفس أو دابّة فأنّث لذلك.(الأزهريّ 5:286)

ذكر شعرا و قال:

و التّحيّة في غير هذا السّلام.(الأزهريّ 5:290)

ابن الأعرابيّ: العرب تقول:حيّ هل بفلان،و حيّ هل بفلان و حيّ هلا بفلان،أي أعجل.

و مثله الأسمر.(الأزهريّ 5:282)

الحيّ:الحقّ،و اللّيّ:الباطل.

و منه قولهم:«هو لا يعرف الحيّ من اللّيّ».و كذلك «الحوّ من اللّوّ»في المعنيين.(الأزهريّ 5:284)

فلان حيّة الوادي،و حيّة الأرض،و شيطان الحماط، إذا بلغ النّهاية في الإرب و الخبث.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:287)

و حيّا الخمسين:دنا منها.(ابن سيده 3:399)

ابن السّكّيت: قولهم:«حيّاك اللّه و بيّاك»معنى حيّاك اللّه:ملّكك،و التّحيّة:الملك،و قولهم:«التّحيّات للّه»،أي الملك للّه.[ثمّ استشهد بشعر]

(إصلاح المنطق:316)

شمر:قول العرب:«فلان لا يعرف الحوّ من اللّوّ»، الحوّ:نعم،و اللّوّ:لو قال.و الحيّ (1)الحويّة،و اللّيّ:ليّ الحبل،أي فتله.يضرب هذا للأحمق الّذي لا يعرف شيئا.

و الحيّ:فرج المرأة.و رأى أعرابيّ جهاز عروس فقال:«هذا سعف الحيّ»أي جهاز فرج امرأة.

و الحيّ:كلّ متكلّم ناطق.

و الحيّ من النّبات:ما كان طريّا يهتزّ.

و الحيّ:الواحد من أحياء العرب.

و الحيّ بكسر الحاء:جمع الحياة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:284)

أبو الهيثم:التّحيّة في كلام العرب:ما يحيّ به بعضهم بعضا إذا تلاقوا،و تحيّة اللّه الّتي جعلها في الدّنيا و الآخرة لمؤمني عباده إذا تلاقوا و دعا بعضهم لبعض بأجمع الدّعاء،أن يقول:السّلام عليكم و رحمة اللّه.

قال اللّه في أهل الجنّة: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ».

ص: 520


1- قولهم:«هو لا يعرف الحيّ من اللّيّ».

الأحزاب:44،و قال في تحيّة الدّنيا: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها النّساء:86.[ثمّ استشهد بشعر]

معنى«التّحيّات للّه»،أي السّلام له من الآفات الّتي تلحق العباد،من العناء و أسباب الفناء.

(الأزهريّ 5:290)

ابن قتيبة :إنّما قيل:«التّحيّات للّه»على الجمع،لأنّه كان في الأرض ملوك يحيّون بتحيّات مختلفة،يقال لبعضهم:أبيت اللّعن،و لبعضهم اسلم و انعم،و عش ألف سنة،فقيل لنا:قولوا:التّحيّات للّه،أي الألفاظ الّتي تدلّ على الملك،و يكنّى بها عن الملك هي للّه تعالى.

(الأزهريّ 5:290)

الدّينوريّ: حيّت النّار تحي حياة فهي حيّة،كما تقول:ماتت فهي ميّتة.[ثمّ استشهد بشعر]

أحييت الأرض،إذا استخرجت.

(ابن سيده 3:396)

ابن أبي اليمان :الاستحياء:شقّ البطن و إخراج ما فيه،قال اللّه جلّ و عزّ: وَ يَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ القصص:4.(68)

و الحيوان:الحياة،قال اللّه تعالى: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64،أي الحياة.و الحيوان و الحيّ واحد.(656)

الحيّ:من أحياء العرب،و الحيّ:ضدّ الميّت،و الحيّ:

صفح الجبل.[و استشهد بالشّعر مرتين](688)

الزّجّاج: أحيينا الأرض:وجدناها حيّة النّبات، غضّة.(فعلت و أفعلت:46)

ابن دريد:و الحيّة أصلها من الواويّ،و قد سمّيت الحيّوت.

و حياة الإنسان:معروفة.

و الحيّ: ضدّ الميّت،حيي يحيى حياة طيّبة.

و الحيا:المطر العامّ،مقصور.

و بنو الحيا:بطن من العرب.و الحياء المعروف ممدود، حيي يحيى حياء شديدا.و حييت من هذا الأمر و استحييت منه.

و حياء النّاقة،ممدود.

و الحيّ:الحياة.

و بنو حيّ:بطن من العرب،و حييّ:أحد فرسانهم.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](1:172)

الأزهريّ: [قيل:]حيّ:حثّ و دعاء،و منه قول المؤذّن:حيّ على الصّلاة،حيّ على الفلاح،معناه عجّل إلى الصّلاة و إلى الفلاح.

الحيّ:من أحياء العرب،يقع على بني أب كثروا أم قلّوا،و على شعب يجمع القبائل.

قال اللّيث:«الحياة»كتبت بالواو في المصحف،ليعلم أنّ الواو بعد الياء.و قال بعضهم:بل كتبت واوا على لغة من يفخّم الألف الّتي مرجعها إلى الواو،نحو الصّلوة و الزّكوة.

و حيوة:اسم رجل بسكون الياء.

و يقال:حاييت النّار بالنّفخ،كقولك:أحييتها.

و سمعت العرب تقول-إذا ذكرت ميّتا-:كنّا سنة كذا و كذا بمكان كذا و كذا،و حيّ عمر و معنا.يريدون:عمرو معنا حيّ بذلك المكان.و كانوا يقولون:أتينا فلانا زمان

ص: 521

كذا،و حيّ فلان شاهد و حيّ فلانة شاهدة،المعنى:و فلان إذ ذاك حيّ.

و العرب تذكّر الحيّة و تؤنّثها فإذا قالت:الحيّوت، عنوا الحيّة الذّكر.

و للعرب أمثال كثيرة في الحيّة نذكر ما حضرنا:

منها:سمعتهم يقولون في باب التّشبيه:هو أبصر من حيّة،لحدّة بصره.

و يقولون:هو أظلم من حيّة لأنّها تأتي جحر الضّبّ فتأكل حسلها،و تسكن جحره.

و يقولون:فلان حيّة الوادي،إذا كان شديد الشّكيمة حامي الحقيقة.و هم حيّة الأرض،إذا كانوا أشدّاء ذوي بسالة.

و يقال:فلان رأسه رأس حيّة،إذا كان متوقّدا ذكيّا شهما،و فلان حيّة ذكر،أي شجاع شديد.

و يدعى على الرّجل فيقال:سقاه اللّه دم الحيّات، أي أهلكه اللّه.

و يقال:رأيت في كتاب كتبه فلان في أمر فلان:

حيّات و عقارب إذا محل كاتبه برجل إلى سلطان ليوقعه في ورطة.

و يقال للرّجل إذا طال عمره و للمرأة المعمّرة:ما هو إلاّ حيّة و ما هي إلاّ حيّة؛و ذلك أنّ عمر الحيّة يطول، و كأنّه سمّي حيّة لطول حياته،و أنّه قلّما يوجد ميّتا إلاّ أن يقتل.

كلّ ما هو حيّ فجمعه:حيوات،و تجمع الحيّة:

حيوات.و في الحديث:«لا بأس بقتل الحيوات»جمع الحيّة.

و الحيوان:اسم يقع على كلّ شيء حيّ.و سمّى اللّه جلّ و عزّ الآخرة:حيوانا،فقال: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64.

و كلّ ذي روح:حيوان.

و الحيوان:عين في الجنّة.

ابن هانئ عن زيد بن كثوة،من أمثالهم:«حيّهن حماري و حمار صاحبي.حيّهن حماري وحدي».يقال ذلك عند المزرئة على الّذي يستحقّ ما لا يملك مكابرة و ظلما.

و أصله:أنّ امرأة كانت رافقت رجلا في سفر و هي راجلة و هو على حمار،قال:فأوى لها و أفقرها ظهر حماره،و مشى عنها،فبينما هما في مسيرهما؛إذ قالت و هي راكبة عليه:حيّهن حماري و حمار صاحبي،فسمع الرّجل مقالتها،فقال:حيّهن حماري وحدي.و لم يحفل لقولها و لم ينغضها،فلم يزالا كذلك حتّى بلغت النّاس.فلمّا وثقت قالت:حيّهن حماري وحدي،و هي عليه،فنازعها الرّجل إيّاه،فاستغاثت عليه،فاجتمع لهما النّاس و المرأة راكبة على الحمار و الرّجل راجل،فقضي لها عليه بالحمار لما رأوا،فذهبت مثلا.

[نقل قول الخليل ثمّ قال:]

من قال لصاحب الحيّات:حاي،فهو«فاعل»من هذا البناء...

قلت:و إن قيل:حاو على«فاعل»فهو جائز.

و الفرق بينه و بين غازي أنّ عين الفعل من«حاو»واو، و عين الفعل من الغازي الزّاي،فبينهما فرق.

و هذا يجوز على قول من جعل الحيّة في أصل البناء

ص: 522

«حوية».

[و نقل قول اللّيث في الحياء من الاستحياء ثمّ قال:]

يقال:استحيا الرّجل و استحيت المرأة.قلت:

و للعرب في هذا الحرف لغتان:يقال:استحى فلان يستحي بياء واحدة،و استحيا فلان يستحيي بياءين.

و القرآن نزل باللّغة التّامّة.

و أمّا قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«اقتلوا شيوخ المشركين و استحيوا شرخهم»فهو بمعنى استفعلوا من الحياة،أي استبقوهم و لا تقتلوهم.

و يقال:فلان أحيا من الهديّ،و أحيا من كعاب، و أحيا من مخدّرة و من مخبّأة،و هذا كلّه من«الحياء» ممدود.و أمّا قولهم:أحيا من الضّبّ،فهي الحياة.

روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«الحياء شعبة من الإيمان».و اعترض هذا الحديث بعض النّاس،فقال:

كيف جعل الحياء-و هو غريزة-شعبة من الإيمان،و هو اكتساب؟

و الجواب في ذلك:أنّ المستحي ينقطع بالحياء عن المعاصي و إن لم تكن له تقيّة،فصار كالإيمان الّذي يقطع عنها و يحول بين المؤمنين و بينها،و كذلك قيل:«إذا لم تستح فاصنع ما شئت»يراد أنّ من لم يستح صنع ما شاء؛لأنّه لا يكون له حياء يحجزه عن الفواحش فيتهافت فيها.و لا يتوقّاها،و اللّه أعلم.

[و ذكر معنى التّحيّة للّه عن أبي عمرو الشّيبانيّ ثمّ قال:]

قال خالد بن يزيد:لو كانت التّحيّة الملك لما قيل:

التّحيّات للّه،و المعنى:السّلامات من الآفات كلّها للّه، و جمعها،لأنّه أراد السّلام من كلّ آفة.

[و ذكر كلام أبي الهيثم في معنى التّحيّة ثمّ قال:]

و هذا الّذي قاله أبو الهيثم حسن،و دلائله واضحة، غير أنّ التّحيّة و إن كانت في الأصل سلاما فجائز أن يسمّى الملك في الدّنيا تحيّة-كما قال الفرّاء و أبو عمرو- لأنّ الملك يحيّا بتحيّة الملك المعروفة للملوك الّتي يباينون فيها غيرهم،و كانت تحيّة ملوك العجم قريبة في المعنى من تحيّة ملوك العرب،كان يقال لملكهم:«زه هزار سال»،المعنى:عش سالما ألف سنة.

و جائز أن يقال للبقاء:تحيّة،لأنّ من سلم من الآفات فهو باق،و الباقي في صفة اللّه من هذا،لأنّه لا يموت أبدا،فمعنى:حيّاك اللّه،أي أبقاك،صحيح من «الحياة»،و هو البقاء.

يقال:أحياه اللّه و حيّاه بمعنى واحد.و العرب تسمّي الشّيء باسم غيره،إذا كان معه أو من سببه.

و عن حاتم بن المظفّر أنّه سأل سلمة بن عاصم عن قوله:حيّاك اللّه،فقال:بمنزلة أحياك اللّه،أي أبقاك اللّه، مثل كرّم اللّه و أكرم اللّه.

قال:و سألت أبا عثمان المازنيّ عن«حيّاك اللّه»فقال:

عمّرك اللّه.

و الحيا:الغيث،مقصور لا يمدّ،و حياء الشّاة و النّاقة و المرأة ممدود،و لا يجوز قصره إلاّ لشاعر يضطرّ في شعره إلى قصره،و ما جاء عن العرب إلاّ ممدودا.

و إنّما قيل له:حياء باسم الحياء من الاستحياء لأنّه يستر من الآدميّ،و يكنّى عنه من الحيوان،و يستفحش التّصريح بذكره و اسمه الموضوع له،و يستحى من ذلك،

ص: 523

سمّي حياء لهذا المعنى.

و قد قال اللّيث:«يجوز قصر الحياء و مدّه»و هو غلط لا يجوز قصره لغير الشّاعر،لأنّ أصله:الحياء من الاستحياء.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(5:285-292)

الصّاحب:حيّ،ثقيلة:يندب بها،يقول:حيّ على الخير و الغداء.و أمّا الحياة:فتكتب بالواو،ليعلم أنّ الواو بعد الياء.

و المحاياة:الغذاء للصّبيّ بما به حياته.

و قوله عزّ و جلّ: وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ البقرة:

49،أي يتركونهنّ أحياء.

و ناقة محي و محيية:لا يموت ولدها.

و أتيتك و حيّ فلان قائم،أي هو حيّ.

و يقولون:«أحيا من ضبّ»،أي أطول حياة.

و الحيوان:كلّ ذي روح.و ماء في الجنّة.

و الحيوات:بمنزلة الحيوان.

و الحيّة:اشتقاقها من الحياة،و أصلها:حيوة.

و صاحبها:حاء،على«فاعل»و حوّاء.و سمّيت لأنّها تتحوّى في التوائها.

و أرض محواة و محياة:كثيرة الحيّات.

و الحيّوت:ذكر الحيّات.و الحيوات:جمع الحيّة.

و هذا حيّ زيد،أي نفس زيد.

و مكث فلان عندنا حيّ زيد،أي حياة زيد.

و الحيوان:الحياة.و ما بهذا حيوان،أي روح، و الحيوات:مثله.

و لا حيّ لي،أي لا أحد لي.

و امرأة الرّجل:أمّ الحيّ.

و يقولون:«أظلم من حيّة».

و حيي الرّجل يحيا؛من الحياء،و استحييت-بيائين -،و رجل حييّ و امرأة حييّة.و حيا فلان:بمعنى حيي،كما يقال بقى:بمعنى بقي.

و الحيا مقصور:حياء الرّبيع تحيى به الأرض.و تتابع علينا حيا و حييان و أحياء من مطر.

و أحييت الأرض:وجدتها حيّة النّبات.

و الحوّة:حمرة تضرب إلى السّواد،شفة حوّاء.

و حياء الشّاة:ممدود و مقصور و المدّ أكثر؛و جمعه:

أحيية.

و الحيّ: حيّ من أحياء العرب.

و المحيّا:الوجه،و هو في الفرس:حيث انفرق اللّحم تحت النّاصية في أعلى الجبهة.

و المحاياة:تحيّة القوم بعضهم بعضا.

و قولهم:حيّاك اللّه:يعني به الاستقبال بالمحيّا، و اشتقاقه من الحياة أو الحياء.و قيل:أفرحك و أضحكك.

و دائرة المحيّى:لاصقة بأسفل النّاصية.

و التّحيّات للّه:البقاء.و قيل:الملك للّه عزّ و جلّ.

و قيل:السّلام.

و رجاء بن حيوة:معروف.

و التّحايي:كواكب ثلاثة حذاء الهنعة؛الواحدة:

تحياة.

و الحيّة:كواكب ما بين الفرقدين و بنات نعش.

و الأسد:حيّة الوادي.

و الحويّة:مركب للمرأة.و كساء يحوّي حول سنام

ص: 524

البعير ثمّ يركب.[إلى أن قال:]

و حيّ-بمعنى حيّهلا-،أي اعجل.

و يقال للحمار:حيّه،إذا زجرته،و حي و حيه:مثله.

و حاي بضأنك و حاح بها،أي ادعها.(3:237)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«...فحيّ هلا بالحيا و الخصب...».و قوله:فحيّ هلا:كلمة حثّ و استعجال.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الحيا مقصور:المطر الّذي يحيي الأرض.و الحياء ممدود من الاستحياء.و حياء النّاقة يمدّ و يقصر.

(1:438)

الجوهريّ: الحياة:ضدّ الموت،و الحيّ:ضدّ الميّت.

و المحيا«مفعل»من الحياة تقول:محياي و مماتي؛ و الجمع:المحايي.

و زعموا أنّ الحيّ بالكسر:جمع الحياة.

و الحيّ: واحد أحياء العرب.

و أحياه اللّه فحيي و حيّ أيضا،و الإدغام أكثر لأنّ الحركة لازمة،فإذا لم تكن الحركة لازمة لم تدغم،كقوله تعالى: أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى القيمة:40،و يقرأ: يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ الأنفال:

42.

و تقول في الجمع:حيوا،كما يقال:خشوا.و قال بعضهم:حيّوا بالتّشديد،تركه على ما كان عليه للإدغام.

و أحيت النّاقة،إذا حيي ولدها فهي محي و محيية، لا يكاد يموت لها ولد.

و أحيا القوم،أي صاروا في الحيا،و هو الخصب.

و قد أتيت الأرض فأحييتها،أي وجدتها خصبة.

و استحياه و استحيا منه بمعنى،من الحياء.و يقال استحيت بياء واحدة،و أصله:استحييت مثل استعييت، فأعلّوا الياء الأولى و القوا حركتها على الحاء،فقالوا:

استحيت كما قالوا استعيت،استثقالا لما دخلت عليها الزّوائد.

قال سيبويه:حذفت لالتقاء السّاكنين؛لأنّ الياء الأولى تقلب ألفا لتحرّكها.و إنّما فعلوا ذلك حيث كثر في كلامهم.

و قال أبو عثمان المازنيّ: لم تحذف لالتقاء السّاكنين، لأنّها لو حذفت لذلك لردّوها إذا قالوا:هو يستحي، و لقالوا يستحيّ،كما قالوا:يستبيع.

و قال أبو الحسن الأخفش:استحى بياء واحدة لغة تميم،و بياءين لغة أهل الحجاز،و هو الأصل،لأنّ ما كان موضع لامه معتلاّ لم يعلّوا عينه،أ لا ترى أنّهم قالوا:

أحييت و حويت.

و يقولون:قلت و بعت،فيعلّون العين لما لم تعتلّ اللاّم.و إنّما حذفوا الياء لكثرة استعمالهم لهذه الكلمة،كما قالوا لا أدر،في لا أدري.

و قوله تعالى: وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ البقرة:49، و قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً البقرة:26،أي لا يستبقي.

و الحيّة:تكون للذّكر و الأنثى،و إنّما دخلته الهاء،لأنّه واحد من جنس،كبطّة و دجاجة.على أنّه قد روي عن العرب:رأيت حيّا على حيّة،أي ذكرا على أنثى.

و فلان حيّة ذكر.

و النّسبة إلى حيّة:حيّويّ.

ص: 525

و الحيّوت:ذكر الحيّات.

و الحاوي:صاحب الحيّات،و هو«فاعل».

و الحيا مقصور:المطر و الخصب،إذا ثنّيت قلت:

حييان،فتبيّن الياء،لأنّ الحركة غير لازمة.

و الحياء ممدود:الاستحياء.و الحياء أيضا:رحم النّاقة،و الجمع:أحيية.

و الحيوان:خلاف الموتان.

و أرض محياة و محواة أيضا،حكاه ابن السّرّاج،أي ذات حيات.

و حيوة:اسم رجل،و إنّما لم يدغم كما أدغم هيّن و ميّت،لأنّه اسم مرتجل موضوع لا على وجه الفعل.

و المحيّا:الوجه.

و التّحيّة:الملك.

و إنّما أدغمت،لأنّها«تفعلة»و الهاء لازمة.

و يقال:حيّاك اللّه،أي ملّكك اللّه.

و«التّحيّات للّه»قال يعقوب:أي الملك للّه.و الرجل محيّي و المرأة محيّية.

و كلّ اسم اجتمع فيه ثلاث ياءات فينظر،فإن كان غير مبنيّ على فعل حذفت منه اللاّم،نحو قولك:عطيّ في تصغير عطاء،و في تصغير أحوى:أ حيّ.و إن كان مبنيّا على فعل ثبتت،نحو قولك:محيّي من حيّا يحيّي.

و قولهم:حيّ على الصّلاة،معناه هلمّ و أقبل، و فتحت الياء لسكونها و سكون ما قبلها،كما قيل:ليت و لعلّ.

و العرب تقول:حيّ على الثّريد،و هو اسم لفعل الأمر.

[و استشهد بالشعر 6 مرّات](6:2323)

ابن فارس: حيي الحاء و الياء و الحرف المعتلّ أصلان:أحدهما:خلاف الموت،و الآخر:الاستحياء الّذي هو ضدّ الوقاحة.

فأمّا الأوّل فالحياة و الحيوان،و هو ضدّ الموت و الموتان.و يسمّى المطر حيّا،لأنّ به حياة الأرض.

و يقال:ناقة محي و محيية:لا يكاد يموت لها ولد.و تقول:

أتيت الأرض فأحييتها،إذا وجدتها حيّة النّبات غضّة.

و الأصل الآخر:قولهم:استحييت منه استحياء.

فأمّا حياء النّاقة و هو فرجها،فيمكن أن يكون من هذا،كأنّه محمول على أنّه لو كان ممّن يستحيي لكان يستحى من ظهوره و تكشّفه.(2:122)

باب وجوه دخول الألف في الأفعال[منها]أن يكون الفعلان لشيئين مختلفين،فيكون بغير ألف لشيء، و بالألف لشيء آخر،من ذلك:حيّ القوم بعد هزال،إذا حسنت أحوالهم.و أحيوا،إذا حيّت دوابّهم.

(الصّاحبيّ: 102)

أبو هلال :الفرق بين السّلام و التّحيّة:أنّ التّحيّة أعمّ من السّلام.و قال المبرّد:«يدخل في التّحيّة:حيّاك اللّه،و لك البشرى،و لقيت الخير».و لا يقال لذلك:

سلام،إنّما السّلام قولك:سلام عليك.

و يكون السّلام في غير هذا الوجه:السّلامة،مثل الضّلال و الضّلالة و الجلال و الجلالة،و منه دار السّلام،أي دار السّلامة.و قيل:دار السّلام،أي دار اللّه.

و السّلام:اسم من أسماء اللّه.و التّحيّة أيضا:الملك، و منه قولهم:التّحيّات للّه.(44)

ص: 526

الفرق بين التّقليد و التّحيّة:أنّ التّحيّة هو الاعتقاد الّذي يعتدّ به الإنسان من غير أن يرجّحه على خلافه، أو يخطر بباله أنّه بخلاف ما اعتقده،و هو مفارق للتّقليد، لأنّ التّقليد ما يقلّد فيه الغير،و التّحيّة لا يقلّد فيه أحد.(78)

الفرق بين الحياة و النّماء:أنّ الحياة هي ما تصير به الجملة كالشّيء الواحد،في جواز تعلّق الصّفات بها،فأمّا قوله تعالى: فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فاطر:9، فمعناه أنّا جعلنا حالها كحال الحيّ في الانتفاع بها.و الصّفة للّه بأنّه حيّ،مأخوذة من«الحياة»على التّقدير لا على الحقيقة،كما أنّ صفته بأنّه موجود مأخوذة من«الوجود» على التّقدير.

و قد دلّ الدّليل على أنّ الحيّ بعد أن لم يكن حيّا حيّ من أجل الحياة،فالّذي لم يزل حيّا ينبغي أن يكون حيّا لنفسه.

و النّماء يزيد الشّيء،حالا بعد حال من نفسه،لا بإضافة إليه،فالنّبات ينمو و يزيد و ليس بحيّ،و اللّه تعالى حيّ و لا ينام.

و لا يقال لمن أصاب ميراثا أو أعطى عطيّة:إنّه قد نما ماله،و إنّما يقال:نما ماله إذا زاد في نفسه.

و النّماء في الماشية حقيقة،لأنّها تزيد بتوالدها قليلا قليلا،و في الورق و الذّهب مجاز.فهذا هو الفرق بين الزّيادة و النّماء.

و يقال للأشجار و النّبات:نوام لأنّها تزيد في كلّ يوم إلى أن تنتهي إلى حدّ التّمام.

الفرق بين الحيّ و الحيوان:أنّ الحيوان هو الحيّ ذو الجنس،و يقع على الواحد و الجمع،و أمّا قوله تعالى:

وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64،فقد قال بعضهم:يعني البقاء،يريد أنّها باقية،و لا يوصف اللّه تعالى بأنّه حيوان،لأنّه ليس بذي جنس.

الفرق بين الحياة و العيش:أنّ العيش اسم لما هو سبب الحياة من الأكل و الشّرب و ما بسبيل ذلك، و الشّاهد قولهم:معيشة فلان من كذا،يعنون مأكله و مشربه ممّا هو سبب لبقاء حياته،فليس العيش من الحياة في شيء.

الفرق بين الحياة و الرّوح:أنّ الرّوح من قرائن الحياة،و الحياة عرض و الرّوح جسم رقيق من جنس الرّيح،و قيل:هو جسم رقيق حسّاس.

و تزعم الأطبّاء أنّ موضعها في الصّدر من الحجاب و القلب،و ذهب بعضهم إلى أنّها مبسوطة في جميع البدن.

و فيه خلاف كثير ليس هذا موضع ذكره.

و الرّوح و الرّيح في العربيّة من أصل واحد،و لهذا يستعمل فيه النّفخ،فيقال:نفخ فيه الرّوح.و سمّي جبريل عليه السّلام روحا؛لأنّ النّاس ينتفعون به في دينهم كانتفاعهم بالرّوح،و لهذا المعنى سمّي القرآن روحا.(82)

الفرق بين الحياة و القدرة:أنّ قدرة الحيّ قد تتناقض مع بقاء حياته على حدّ واحد،أ لا ترى أنّه قد يتعذّر عليه في حال المرض و الكبر كثير من أفعاله الّتي كانت مناسبة له،مع كون إدراكه في الحالين على حدّ واحد؟ فيعلم أنّ ما صحّ به أفعاله قد يتناقض،و ما صحّ به إدراكه غير متناقض.

و فرق آخر أنّ العضو قد يكون فيه الحياة بدليل

ص: 527

صحّة إدراكه،و إن لم تكن فيه القدرة كالأذن،أ لا ترى أنّه يتعذّر تحريكها مباشرا و إن كانت منفصلة؟

و فرق آخر أنّ الحياة جنس واحد و القدرة مختلفة، و لو كانت متّفقة لقدّرتا بقدرتين على مقدور واحد.(84)

الفرق بين الخجل و الحياء:أنّ الخجل معنى يظهر في الوجه لغمّ يلحق القلب عند ذهاب حجّة،أو ظهور على ريبة و ما أشبه ذلك،فهو شيء تتغيّر به الهيبة.

و الحياء هو الارتداع بقوّة الحياء،و لهذا يقال:فلان يستحي في هذا الحال أن يفعل كذا،و لا يقال:يخجل أن يفعله في هذه الحال؛لأنّ هيئته لا تتغيّر منه قبل أن يفعله، فالخجل ممّا كان و الحياء ممّا يكون،و قد يستعمل الحياء موضع الخجل توسّعا.(202)

الهرويّ: و في الحديث:«التّحيّات للّه»قال أبو بكر:

فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:السّلام على اللّه،يقول الرّجل للرّجل:حيّاك اللّه،أي سلّم اللّه عليك.

و الثّاني:الملك للّه،و التّحيّة:الملك،و يقال:حيّاك اللّه، أي ملّكك اللّه.

و الثّالث:البقاء للّه تعالى،و يقال:حيّاك اللّه،أي أبقاك اللّه.

و قال بعضهم:معنى حيّاك اللّه،أي أحياك اللّه.

«فعل»بمعنى«أفعل»،كما يقال:و هي و أوهي،و مهل و أمهل.

قال اللّه: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً الطّارق:17،قال القتيبيّ:إنّما قال:التّحيّات للّه على الجمع،لأنّه كان من الأرض ملوك يحيّون بتحيّات مختلفة،فيقال لبعضهم:أبيت اللّعن،و لبعضهم:أسلم و أنعم،و لبعضهم:عش ألف سنة،فقيل لنا:قولوا:

التّحيّات للّه،أي الألفاظ الّتي تدلّ على الملك،و يكنّى بها عن الملك هي للّه عزّ و جلّ.

و في الحديث:«الحياء من الإيمان».و قال بعضهم:

جعل الحياء-و هي غريزة-من الإيمان،و هو انكسار.

لأنّ المستحي ينقطع لحيائه عن المعاصي،و إن لم يكن له تقيّد،فصار كالإيمان الّذي يقطع بينها و بينه.

و منه الحديث الآخر:«إذا لم تستحي فاصنع ما شئت»،أي من لم يستح صنع ما شاء،لفظ ليّن معناه الخبر.يقال:استحى يستحي،و استحيا يستحيي.

و في حديث الاستسقاء:«و حيا ربيعا»:الحيا:

الخصب،و ما تحيا به النّاس،و هو مقصور،و الجدا:المطر الكثير الواسع،و كذلك من العطيّة،و يكتبان بالألف.

و في الحديث:«إذا ذكر الصّالحون فحيّ هلا بعمر» و هي كلمة على حدة،و معناها هلمّ و هلا حثيثا،فجعلا كلمة واحدة،يريد:إذا ذكروا فهات و عجّل بعمر.

و معنى قوله:«حيّ على الصّلاة»هلمّوا إليها و أقبلوا.

و في الحديث:«يسأل الرّجل عن كلّ شيء حتّى عن حيّة أهله»،أي عن كلّ شيء حيّ في منزله مثل الهرّ و غيره،و أنّث الحيّ فقال:حيّة،لأنّه ذهب إلى النّفس.

(2:520)

الثّعالبيّ: [في تفصيل أسماء الحيّات]

و الحيّوت:الذّكر منها.(179)

إذا أحيا[المطر]الأرض بعد موتها فهو

ص: 528

الحياء.(278)

ابن سيده: الحياة:نقيض الموت.كتبت بالواو ليعلم أنّ الواو بعد الياء في حدّ الجمع.و قيل:على تفخيم الألف.

حيّ حياة،و حيّ يحيا و يحيّ.

و الحيّ من كلّ شيء:نقيض الميّت؛و الجمع:أحياء.

[إلى أن قال:]

و حيّ القوم في أنفسهم و أحيوا في دوابّهم و ماشيتهم.

و أرض حيّة:مخصبة،كما قالوا في الجدب:ميّتة.

و أحيينا الأرض:وجدناها حيّة النّبات،غضّة.

و طريق حيّ: بيّن؛و الجمع:أحياء.

و حيّ الطّريق:استبان،يقال:إذا حيّ لك الطّريق فخذ يمنة.

و الحيّ: الحياة.

و كذلك الحيوان،و في التّنزيل: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64،أي دار الحياة الدّائمة.

و الحيوان:ماء في الجنّة.

و الحيوان:جنس الحيّ،و أصله:حييان،فقلبت الياء الّتي هي لام واوا استكراها،لتوالي الياءين ليختلف الحرفان،هذا مذهب الخليل و سيبويه.

و ذهب أبو عثمان إلى أنّ«الحيوان»غير مبدل الواو، و أنّ الواو فيه أصل و إن لم يكن منه فعل،و شبّه هذا بقولهم:فاظ الميّت يفيظ فيظا و فوظا،و إن لم يستعملوا من«فوظ»فعلا،كذلك«الحيوان»عنده مصدر لم يشتقّ منه فعل.

قال أبو عليّ: هذا غير مرضيّ من أبي عثمان من قبل أنّه لا يمتنع أن يكون في الكلام مصدر عينه واو و فاؤه و لامه صحيحان،مثل:فوظ و صوغ و قول و موت و أشباه ذلك.فأمّا أن يوجد في الكلام كلمة عينها ياء و لامها واو فلا،فحمله«الحيوان»على«فوظ»خطأ، لأنّه شبّه ما لا يوجد في الكلام بما هو موجود مطّرد.

قال أبو عليّ: و كأنّهم إنّما استجازوا قلب الياء واوا لغير علّة و إن كانت الواو أثقل من الياء،ليكون ذاك عوضا للواو من كسرة دخول الياء و غلبتها عليها.

و حيوة:اسم رجل،قلبت الياء واوا فيه،لضرب من التّوسّع و كراهة لتضعيف الياء.و إذا كانوا قد كرهوا تضعيف الياء مع الفصل حتّى دعاهم ذلك إلى التّغيير في حاحيت و هاهيت،كان إبدال اللاّم في«حيوة»ليختلف الحرفان أحرى.و انضاف إلى ذلك أنّه علم،و الأعلام قد يعرض فيها ما لا يوجد في غيرها،نحو مورق و موهب و موظب.

و حيوان:اسم،و القول فيه كالقول في حيوة.

و المحاياة:الغذاء للصّبيّ؛لأنّ حياته به.

و الحيّ: البطن من بطون العرب.

و الحيا مقصور:الخصب؛و الجمع:أحياء.

و جاء في الحديث عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّه قال:«كان عليّ أمير المؤمنين يشبه القمر الباهر،و الأسد الخادر،و الفرات الزّاخر،و الرّبيع الباكر.أشبه من القمر ضوءه و بهاءه،و من الأسد شجاعته و مضاءه و من الفرات جوده و سخاءه،و من الرّبيع خصبه و حياءه».

و أحيا اللّه الأرض:أخرج فيها النّبات.و قيل:إنّما أحياها من الحياة،كأنّها كانت ميّتة بالمحل فأحياها

ص: 529

بالغيث.

و التّحيّة:السّلام،و قد حيّاه تحيّة.و حكى اللّحيانيّ:

حيّاك اللّه تحيّة المؤمن (1).

و التّحيّة:البقاء.

و التّحيّة:الملك.

و قولهم:«حيّاك اللّه و بيّاك»قيل:حيّاك:ملّكك، و قيل:أبقاك.و بيّاك:اعتمدك بالملك،و قيل:أضحكك.

و المحيّا:جماعة الوجه،و قيل:حرّه و هو من الفرس حيث انفرق تحت النّاصية في أعلى الجبهة،و هناك دائرة المحيّا.

و الحياء:التّوبة و الحشمة.و قد حيي منه حياء و استحيا و استحى-حذفوا الياء الأخيرة كراهية التقاء الياءين-و الأخيرتان تتعدّيان بحرف و بغير حرف، يقولون:استحيا منك و استحياك و استحى منك و استحاك.و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النّبوّة:إذا لم تستح فاصنع ما شئت»أي من لم يستحي صنع ما شاء على جهة الذّمّ لترك الحياء،و ليس يأمره بذلك،و لكنّه أمر بمعنى الخبر.و معنى الحديث:أنّه يأمر بالحياء و يحثّ عليه و يعيب تركه.

و رجل حييّ: ذو حياء،و الأنثى:بالهاء.

و الحيّة:الحنش المعروف،اشتقاقه من«الحياة»في قول بعضهم.قال سيبويه:و الدّليل على ذلك قول العرب في الإضافة إلى حيّة بن بهدلة:حيويّ،فلو كان من الواو لكان حوويّ،كقولك في الإضافة إلى ليّة:لوويّ.

قال بعضهم:فإن قلت:فهلاّ كانت الحيّة ممّا عينه واو استدلالا بقولهم:رجل حوّاء لظهور الواو عينا في حوّاء؟

فالجواب أنّ أبا عليّ ذهب إلى أنّ:حيّة و حوّاء، كسبط و سبطر و لؤلؤ و لآل و دمث و دمثر و دلاص و دلامص في قول«أبي عثمان»،و أنّ هذه ألفاظ اقتربت أصولها و اتّفقت معانيها،و كلّ واحد لفظه غير لفظ صاحبه،فكذلك حيّة ممّا عينه و لامه ياءان،و حوّاء ممّا عينه واو و لامه ياء،كما أنّ لؤلؤا رباعيّ و لآل ثلاثيّ، لفظاهما مقتربان و معنياهما متّفقان،و نظير ذلك قولهم:

جبت جيب القميص.و إنّما جعلوا حوّاء-ممّا عينه واو و لامه ياء-و إن كان يمكن لفظه أن يكون ممّا عينه و لامه واوان،من قبل أنّ هذا هو الأكثر في كلامهم.و لم تأت الفاء و العين و اللاّم ياءات إلاّ في قولهم:ييّيت ياء حسنة؛على أنّ فيه ضعفا من طريق الرّواية.و يجوز أن يكون من التّحوّي لانطوائها.و المذكّر و المؤنّث في ذلك سواء.

و الحيّوت:ذكر الحيّات-و قد أبنت تعليل هذه الكلمة بنهاية الشّرح في«الكتاب المخصّص»-.

و أرض محياة:كثيرة الحيّات.

و الحيّة من سمات الإبل،وسم يكون في العنق ملتويا مثل الحيّة-عن«ابن حبيب»من تذكرة«أبي عليّ»-.

و الحيا:الفرج،من إناث الخفّ و الظّلف و السّباع.

و خصّ«ابن الأعرابيّ»به الشّاة و البقرة و الظّبية؛ و الجمع:أحياء-عن«أبي زيد»،و أحيية و أحيّة و حيّ و حيّ-عن«سيبويه»،قال:ظهرت الياء في أحيية لظهورها في حيي،و الإدغام أحسن،لأنّ الحركة لازمة، فإن أظهرت فأحسن ذلك أن تخفي كراهة تلاقي المثلين،ن.

ص: 530


1- هذا هو الظّاهر،و في الأصل:تحيّة المؤمن.

و هي مع ذلك بزنتها متحرّكة.و حمل«ابن جنّيّ»أحياء على أنّه جمع:حياء ممدودا،قال:كسّروا«فعالا»على «أفعال»حتّى كأنّهم إنّما كسّروا«فعلا».

و حيّة بن بهدلة:قبيلة،النّسب إليها حيويّ،حكاه «سيبويه»عن«الخليل»عن العرب،و بذلك استدلّ على أنّ الإضافة إلى ليّة:لوويّ،قال:و أمّا«أبو عمرو»فكان يقول:لييّ و حييّ.

و بنو حيّ: بطين من العرب،و كذلك بنو حيّ.

و محيّاة:اسم موضع.

حا:أمر للكبش بالسّفاد.

و قالوا:ابن مائة لا حا و لا سا،أي لا محسن و لا مسيء؛و قيل:لا يستطيع أن يقول:حا،و هو أمر للكبش بالسّفاد كما تقدّم،و لا:سا،و هو زجر الحمار.

و حاحيت بالغنم و حاحأت محاحأة و حيحاء:

صحت.

و حيّ على الغذاء و الصّلاة:ائتوها،فحيّ اسم للفعل، و لذلك علّق حرف الجرّ،الّذي هو«على»به.

و حيّهل و حيهل و حيّهلا و حيّهلا،منوّنا و غير منوّن، كلّه:كلمة يستحثّ بها.

قال بعض النّحويّين:إذا قلت:حيّهلا فنوّنت، فكأنّك قلت:حثّا،و إذا قلت:حيّهلا،فلم تنوّن،فكأنّك قلت:الحثّ،فصار التّنوين علم التّنكير،و تركه علم التّعريف؛و كذلك جميع ما هذه حاله من المبنيّات،إذا اعتقد فيه التّنكير نوّن،و إن اعتقد فيه التّعريف حذف التّنوين.

قال«أبو عبيد»:سمع«أبو مهديّة»رجلا من العجم يقول لصاحبه:زود؛فسأل«أبو مهديّة»عنها فقيل له:

يقول له:اعجل؛قال«أبو مهديّة»:فهلاّ قال له:حيّهلك؟ فقيل له:ما كان اللّه ليجمع لهم إلى العجميّة العربيّة.

و قد سمّوا:يحيى و حييّا و حيّا و حيّا و حيان و حييّة.

و الحيا:اسم امرأة.[و استشهد بالشّعر 10 مرّات]

(3:395)

الرّاغب: الحياة باعتبار الدّنيا و الآخرة ضربان:

الحياة الدّنيا،و الحياة الآخرة.قال عزّ و جلّ: فَأَمّا مَنْ طَغى وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا النّازعات:38،و قال عزّ و جلّ: اِشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ البقرة:86، و قال تعالى: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ مَتاعٌ الرّعد:26،أي الأعراض الدّنيويّة،و قال: وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها يونس:7،و قوله تعالى:

وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ البقرة:96،أي حياة الدّنيا،و قوله عزّ و جلّ: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى البقرة:260،كان يطلب أن يريه الحياة الأخرويّة المعراة عن شوائب الآفات الدّنيويّة.

و قوله عزّ و جلّ: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ البقرة:

179،أي يرتدع بالقصاص من يريد الإقدام على القتل، فيكون في ذلك حياة النّاس.

و قال عزّ و جلّ: وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً المائدة:32،أي من نجّاها من الهلاك،و على هذا قوله مخبرا عن إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ البقرة:258، قالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ البقرة:258،أي أعفو فيكون إحياء.

و الحيوان مقرّ الحياة،و يقال:على ضربين:أحدهما:

ص: 531

ما له الحاسّة،و الثّاني:ما له البقاء الأبديّ،و هو المذكور في قوله عزّ و جلّ: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت:64،و قد نبّه بقوله: لَهِيَ الْحَيَوانُ أنّ الحيوان الحقيقيّ السّرمديّ الّذي لا يفنى لا ما يبقى مدّة ثمّ يفنى.و قال بعض أهل اللّغة:الحيوان و الحياة واحد.و قيل:الحيوان ما فيه الحياة،و الموتان ما ليس فيه الحياة.

و الحيا:المطر،لأنّه يحيي الأرض بعد موتها،و إلى هذا أشار بقوله تعالى: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ الأنبياء:30،و قوله تعالى: إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى مريم:7،فقد نبّه أنه سمّاه بذلك من حيث إنّه لم تمته الذّنوب،كما أماتت كثيرا من ولد آدم صلّى اللّه عليه و سلّم،لا أنّه كان يعرف بذلك فقط،فإنّ هذا قليل الفائدة.

و قوله عزّ و جلّ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ الرّوم:19،أي يخرج الإنسان من النّطفة،و الدّجاجة من البيضة،و يخرج النّبات من الأرض،و يخرج النّطفة من الإنسان.

و قوله عزّ و جلّ: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها النّساء:86،و قوله تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ النّور:

61.

فالتّحيّة أن يقال:حيّاك اللّه،أي جعل لك حياة؛ و ذلك إخبار،ثمّ يجعل دعاء،و يقال:حيّا فلان فلانا تحيّة، إذا قال له ذلك.

و أصل التّحيّة من«الحياة»ثمّ جعل ذلك دعاء تحيّة لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة،أو سبب حياة إمّا في الدّنيا و إمّا في الآخرة،و منه:التّحيّات للّه.

و قوله عزّ و جلّ: وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ البقرة:

49،الأعراف:141،إبراهيم:6،أي يستبقونهنّ، و الحياء:انقباض النّفس عن القبائح و تركه،لذلك يقال:

حيي فهو حيّ.و استحيا فهو مستحي،و قيل:استحى فهو مستح،قال اللّه تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها البقرة:26،و قال عزّ و جلّ:

وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ الأحزاب:53.

و روي:«إنّ اللّه تعالى يستحي من ذي الشّيبة المسلم أن يعذّبه»فليس يراد به انقباض النّفس؛إذ هو تعالى منزّه عن الوصف بذلك،و إنّما المراد به ترك تعذيبه.و على هذا ما روي:«إنّ اللّه حييّ»،أي تارك للقبائح فاعل للمحاسن.(139)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوى التّمييز 2:512)

الزّمخشريّ: أحياه اللّه فحيي و حيّ و حيوا بخير و حيّوا،و هو حيّ من الأحياء.

و لا حيّ لي ينفعني،أي لا أحد،و ما بالدّار حيّ.

و ناقة محي و محيية:لا يموت لها ولد،خلاف مميت و مميتة.

و استحييت أسيري:تركته حيّا.

و في الحديث:«اقتلوا المشركين و استحيوا شرخهم».

و مررت بحيّ من أحياء العرب.

و حيّاه اللّه،و أكرمك اللّه بتحيّته و بتحاياه،و بي شوق إلى محيّاك،و تحايا القوم،و حايا بعضهم بعضا.

و حكم المكاتبة حكم المحاياة.

ص: 532

و حييت منه أحيا حياء،و استحييته،و استحييت منه،و استحيت،و أنا أستحي منه.

و هو رجل حييّ و هو أحيا من مخدّرة.

و حيّ على الغداء:أقبل و عجّل.

و أرض محياة و محواة:كثيرة الحيّات.

و من المجاز:أتيت الأرض فأحييتها،أي وجدتها حيّة النّبات،مخصبة.

و وقع في الأرض الحيا،و هو المطر.و أحيا القوم:

أخصبوا،و حييت أرضهم و أحيا أرضا ميتة.

و أحييت النّار و حاييتها:نفخت فيها حتّى تحيا، و طلبت حياة النّار بالنّفخ.

و يقول الرّجل لصاحبه:كيف الحيّ،كما يقول كيف الأهل؟يريد امرأته.

و سترت حياءها.

و هو حيّة الوادي:للحامي حوزته،و هم حيّات الأرض:لدواهيها و فرسانها.

و هو حيّة ذكر:للشّهم.

و رأسه رأس حيّة:للذّكيّ المتوقّد.

و أكلت حيّاتنا حيّاتكم،إذا قتلت فرسانهم فرسانهم.

و سقاك اللّه دم الحيّات،أي أهلكك.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](أساس البلاغة:101)

[و في حديث]:«و أتى اللّه بالحيا».الحيا:الخصب، و لامه ياء،و هو من الحياة.(الفائق 1:211)

[و في حديث]:«التّحيّات للّه».التّحيّة:«تفعلة»من الحياة،بمعنى الإحياء و التّبقية.(الفائق 1:339)

«الحياء من الإيمان».جعل كالبعض منه لمناسبته له، في أنّه يمنع من المعاصي كما يمنع الإيمان.

[و في حديث]«أتاني جبرئيل ليلة أسري بي بالبراق،فقال:اركب يا محمّد،فدنوت منه لأركب، فأنكرني فتحيّا منّي».

أي انقبض و انزوى،و لا يخلو من أن يكون مأخوذا من«الحياء»على طريق التّمثيل،لأنّ من شأن الحييّ أن يتقبّض،أو يكون أصله«تحوّى»أي تجمّع،فقلبت واوه ياء،أو يكون«تفعيل»،من الحيّ و هو الجمع،كتحيّز من الحوز.

[و في حديث]«اللّهمّ اسقنا غيثا مغيثا و حيا ربيعا».

الحيا:المطر لإحيائه الأرض.(الفائق 1:340)

[عن]سلمان رضى اللّه عنه:«أحيوا ما بين العشاءين فإنّه يحطّ عن أحدكم من جزئه،و إيّاكم و ملغاة أوّل اللّيل».

إحياء اللّيل بمنزلة تسهيده و تأريقه،لأنّ النّوم موت، و اليقظة حياة،و مرجع الصّفة إلى صاحب اللّيل.[ثمّ استشهد بشعر]

ابن عمير رضي اللّه تعالى عنه:«إنّ الرّجل ليسأل عن كلّ شيء حتّى عن حيّة أهله»أي عن كلّ نفس حيّة في بيته،من هرّة و فرس و حمار و غير ذلك.

(الفائق 1:343)

المدينيّ: في الحديث:«يصلّي العصر و الشّمس حيّة».قيل:حياتها:شدّة و هيجها و بقاء حرّها،لم ينكسر منه شيء.و قيل:حياتها:صفاء لونها.لم يدخلها التّغيّر.

في الحديث:«إنّ الملائكة قالت لآدم عليه الصّلاة و السّلام:حيّاك اللّه تعالى و بيّاك».حيّاك،قيل:أبقاك،من

ص: 533

الحياة.و قيل:ملّكك،و قيل:سلّم عليك،و قيل:أفرحك.

و قيل:هو من استقبال المحيّا،و هو الوجه،و هو من الفرس:دائرة في أسفل النّاصية.

و بيّاك:إتباع له.و قيل:أي بوّأك منزلا،ترك الهمز، و أبدل من الواو ياء ليزدوج الكلام،كالغدايا و العشايا.

قوله للأنصار:«المحيا محياكم»،المحيا:الحياة، و موضع الحياة،و زمان الحياة.

في الحديث:«أنّه كره من الشّاة سبعا:الدّم،و المرارة، و الحياء،و الغدّة،و الذّكر،و الأنثيين،و المثانة».

الحياء ممدود:الفرج لذوات الخفّ و الظّلف؛و جمعه:

أحيية،من مصدر«استحيا»قصدا إلى التّورية،و أنّه ممّا يستحى من ذكره.(1:538)

ابن الأثير: فيه:«الحياء من الإيمان».جعل الحياء و هو غريزة،من الإيمان و هو اكتساب،لأنّ المستحيي ينقطع بحيائه عن المعاصي،و إن لم تكن له تقيّة،فصار كالإيمان الّذي يقطع بينها و بينه.و إنّما جعله بعضه،لأنّ الإيمان ينقسم إلى ائتمار بما أمر اللّه به،و انتهاء عمّا نهى اللّه عنه،فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعض الإيمان.

و منه الحديث:«إذا لم تستحي فاصنع ما شئت».

يقال:استحيا يستحيى،و استحى يستحي،و الأوّل أعلى و أكثر،و له تأويلان:

أحدهما:ظاهر و هو المشهور،أي إذا لم تستحي من العيب و لم تخش العار ممّا تفعله،فافعل ما تحدّثك به نفسك من أغراضها حسنا كان أو قبيحا.و لفظه أمر، و معناه توبيخ و تهديد،و فيه إشعار بأنّ الّذي يردع الإنسان عن مواقعة السّوء هو الحياء،فإذا انخلع منه كان كالمأمور بارتكاب كلّ ضلالة و تعاطي كلّ سيّئة.

و الثّاني:أن يحمل الأمر على بابه،يقول:إذا كنت في فعلك آمنا أن تستحيي منه لجريك فيه على سنن الصّواب،و ليس من الأفعال الّتي يستحيا منها،فاصنع منها ما شئت.

و فيه:«من أحيا مواتا فهو أحقّ به».الموات:الأرض الّتي لم يجر عليها ملك أحد،و إحياؤها:مباشرتها بتأثير شيء فيها،من إحاطة أو زرع،أو عمارة و نحو ذلك، تشبيها بإحياء الميّت.

و في حديث الاستسقاء:«اللّهمّ اسقنا غيثا مغيثا و حيا ربيعا».الحيا مقصور:المطر،لإحيائه الأرض.

و قيل:الخصب و ما يحيا به النّاس.

و منه حديث القيامة:«يصبّ عليهم ماء الحيا» هكذا جاء في بعض الرّوايات،و المشهور يصبّ عليهم ماء الحياة.

و منه حديث عمر رضى اللّه عنه:«لا آكل السّمين حتّى يحيا النّاس من أوّل ما يحيون»،أي حتّى يمطروا و يخصبوا،فإنّ المطر سبب الخصب.و يجوز أن يكون من الحياة؛لأنّ الخصب سبب الحياة.

و في حديث الأذان:«حيّ على الصّلاة حيّ على الفلاح»أي هلمّوا إليهما و أقبلوا،و تعالوا مسرعين.

و منه حديث ابن مسعود:«إذا ذكر الصّالحون فحيّ هلاّ بعمر»،أي ابدأ به و اعجل بذكره،و هما كلمتان جعلتا كلمة واحدة؛و فيها لغات.و«هلا»:حثّ و استعجال.

(1:470)

الفيّوميّ: حيي:يحيا،من باب«تعب»حياة فهو

ص: 534

حيّ،و تصغيره:حييّ،و به سمّي.و منه حييّ بن أخطب.

و الجمع:أحياء.و يتعدّى بالهمزة،فيقال:أحياه اللّه.

و استحييته بياءين،إذا تركته حيّا فلم تقتله،ليس فيه إلاّ هذه اللّغة.

و حيي منه حياء بالفتح و المدّ فهو حييّ،على «فعيل»،و استحيا منه:و هو الانقباض و الانزواء.

قال الأخفش:يتعدّى بنفسه و بالحرف،فيقال:

استحييت منه و استحييته،و فيه لغتان:إحداهما:لغة الحجاز،و بها جاء القرآن بياءين،و الثّانية:لتميم بياء واحدة.

و حياء الشّاة ممدود.قال أبو زيد:الحياء:اسم للدّبر من كلّ أنثى من الظّلف و الخفّ و غير ذلك.

و قال الفارابيّ في باب«فعال»:الحياء:فرج الجارية و النّاقة،و الحيا مقصور:الغيث.

و حيّاه تحيّة أصله:الدّعاء بالحياة،و منه:التّحيّات للّه،أي البقاء.و قيل:الملك،ثمّ كثر حتّى استعمل في مطلق الدّعاء،ثمّ استعمله الشّرع في دعاء مخصوص و هو سلام عليك.

و حيّ على الصّلاة و نحوها دعاء،قال ابن قتيبة:

معناه هلمّ إليها.

و يقال:حيّ على الغداء،و حيّ إلى الغداء.أي أقبل.

قالوا:و لم يشتقّ منه فعل.

و«الحيعلة»قول المؤذّن:حيّ على الصّلاة حيّ على الفلاح.

و الحيّ: القبيلة من العرب؛و الجمع:أحياء.

و الحيوان:كلّ ذي روح ناطقا كان أو غير ناطق، مأخوذ من الحياة،يستوي فيه الواحد و الجمع،لأنّه مصدر في الأصل.

و قوله تعالى: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64،قيل:هي الحياة الّتي لا يعقبها موت، و قيل:(الحيوان)هنا مبالغة في الحياة،كما قيل للموت الكثير موتان.

و الحيّة:الأفعى تذكّر و تؤنّث،فيقال:هو الحيّة و هي الحيّة.(1:160)

الجرجانيّ: الحياة:هي صفة توجب للموصوف بها أن يعلم و يقدر الحياة الدّنيا:هي ما يشغل العبد عن الآخرة.

الحياء:انقباض النّفس من شيء،و تركه،حذرا عن اللّوم فيه،و هو نوعان:

نفسانيّ،و هو الّذي خلقه اللّه تعالى في النّفوس كلّها، كالحياء من كشف العورة و الجماع بين النّاس.

و إيمانيّ؛و هو أن يمنع المؤمن من فعل المعاصي خوفا من اللّه تعالى.

الحيوان:الجسم النّامي الحسّاس المتحرّك بالإرادة.

(42)

الفيروزآباديّ: الحيّ بكسر الحاء،و الحيوان محرّكة و الحياة و الحياة بسكون الواو:نقيض الموت.حيي كرضي:حياة و حيّ يحيّ و يحيا.

و الحياة الطّيّيبة:الرّزق الحلال أو الجنّة.

و الحيّ: ضدّ الميّت،جمعه:أحياء،و فرج المرأة.

و ضرب ضربة ليس بهاء منها،أي ليس يحيا، كقولك:لا تأكل كذا فإنّك مارض،أي تمرض إن أكلته.

ص: 535

و أحياه:جعله حيّا،و استحياه:استبقاه،قيل:و منه إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً... البقرة:26.

و طريق حيّ: بيّن،و حيي:استبان.

و أرض حيّة:مخصبة.

و أحيينا الأرض:وجدناها حيّة،غضّة النّبات.

و الحيوان محرّكة:جنس الحيّ،أصله حييان.

و المحاياة:الغذاء للصّبيّ.

و الحيّ: البطن من بطونهم،جمعه:أحياء.

و الحيا:الخصب،و المطر،و يمدّ،و اسم امرأة.

و بالمدّ التّؤبة و الحشمة،حيي منه حياء،و استحيا منه،و استحى منه،و استحياه،و هو حييّ كغنيّ ذو حياء، و الفرج من ذوات الخفّ و الظّلف و السّباع،و قد يقصر.

جمعه:أحياء و أحيية و حيّ و يكسر.

و التّحيّة:السّلام،و حيّاه تحيّة،و البقاء،و الملك.

و حيّاك اللّه:أبقاك أو كلّمك.

و حيّا الخمسين:دنا منها.

و المحيّا كالحميّا:جماعة الوجه،أو حرّه.

و الحيّة معروف.يقال:لا تموت إلاّ بعرض،جمعها:

حيّات و حيوات.

و الحيّوت كتنّور:ذكر الحيّات.

و رجل حوّاء و حاو:يجمع الحيّات.

و الحيّة:كواكب ما بين الفرقدين و بنات نعش.

و حيّ: قبيلة،و النّسبة حيويّ و حيييّ.

و بنو حيّ بالكسر:بطنان.و محياة:موضع.

و أحييت النّاقة:حيي ولدها:و القوم حييت ماشيتهم أو حسنت حالها،أو صاروا في الخصب.

و سمّوا حيّة و حيوان ككيوان و حييّة و حيّوية و حيّون.

و ذو الحيّات:سيف.

و فلان حيّة الوادي أو الأرض أو البلد أو الحماط، أي داه خبيث.

و حاييت النّار بالنّفخ:أحييتها.

و حيّ على الصّلاة بفتح الياء،أي هلمّ و أقبل.

و حيّ هلا و حيّ هلا على كذا و إلى كذا،و حيّ هل كخمسة عشر،و حي هل كصه و مه،و حيّهل بسكون الهاء حيّ،أي اعجل،و هلا،أي صله،أو حيّ أي هلمّ، و هلا أي حثيثا أو أسرع،أو هلا أي اسكن،و معناه أسرع عند ذكره و اسكن حتّى تنقضي،و حي هلا بفلان، أي عليك به و ادعه.و إذا قلت:حيّ هلا منوّنة فكأنّك قلت:حثّا،و إذا لم تنوّن فكأنّك قلت:الحثّ،جعلوا التّنوين علما على النّكرة و تركه علما للمعرفة،و كذا في جميع ما هذا حاله من المبنيّات.

و لا حيّ عنه:لا منع.

و لا يعرف الحيّ من اللّيّ: الحقّ من الباطل،أو لا يعرف الحويّة من فتل الحبل.

و التّحايي:كواكب ثلاثة حذاء الهنعة.

و حيّة الوادي:الأسد.(4:323)

مجمع اللّغة :حيي يحيا،و حيّ يحيا،حياة:ضدّ مات.

و قد يراد بالحياة معان مجازيّة على التّشبيه، كخصوبة الأرض و إصلاح النّفوس.

و أحياه:جعله حيّا،فاللّه يحيي الموتى.

ص: 536

الحيّ: ضدّ الميّت؛و جمعه:أحياء.و الحيّ من صفات اللّه تعالى و المحيا هو:الحياة:ضدّ الممات.

حيّاه تحيّة،قال له:حيّاك اللّه،ثمّ استعمل في التّحيّة و السّلام بأيّ لفظ.

استحيا استحياء يأتي لمعنيين:

ألف:الاستحياء الّذي هو من الحياء،بمعنى الخجل و الاحتشام،و فعله لازم.

و الاستحياء المسند إلى اللّه،معناه ترك الفعل.

ب:استحياه استحياء:أبقى حياته و ترك قتله، و فعله متعدّ.

الحيّة:الأفعى.

الحيوان:كلّ ما فيه حياة.و الحيوان:قد يراد به معنى المصدر كالحياة.(1:312)

محمد إسماعيل إبراهيم:[نحو مجمع اللّغة و أضاف:]

و الحيّ: اسم من أسماء اللّه الحسنى،و معناه:الدّائم الحياة،فلا يجوز عليه موت أو فناء،لأنّه سبحانه واجب الوجود،تلازمه الحياة السّرمديّة ملازمة أبديّة.(154)

العدنانيّ: الحيوان لا الحيوان

و يطلقون على كلّ ذي روح اسم حيوان، و الصّواب:حيوان،كما تقول جميع المعجمات الّتي ذكرت هذه الكلمة،و ضبطتها بالشّكل؛لأنّ بعضها-كالمتن- يوردها غير مضبوطة بالشّكل.

و لا يذكر القرآن الكريم الحيوان إلاّ بمعنى الحياة السّرمديّة في الآخرة؛إذ قال سبحانه و تعالى في الآية:

64،من سورة العنكبوت: وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.

و حذا الصّحاح،و المختار،و الوسيط حذو القرآن الكريم،فقال الأوّلان:إنّ الحيوان هو خلاف الموتان، و قال الوسيط:إنّه الحياة،و جعله أيضا أحد مصدري الفعل:حيي يحيا حياة و حيوانا:كان ذا نماء.

و لكن:

ذكرت المعجمات الأخرى المعنى الثّاني المعروف للحيوان،منها:

أ-ابن سيده،و التّاج؛اللّذان قالا:جنس الحيّ و أصله:حييان،فقلبت الياء الثّانية واوا،استكراها لتوالي الياءين،لتختلف الحركات،و هذا مذهب الخليل و سيبويه.

ب-و اللّسان الّذي قال:إنّ الحيوان يقع على كلّ شيء حيّ؛و إنّ كلّ ذي روح حيوان.

ج-و المصباح الّذي جاء فيه:الحيوان هو كلّ ذي روح،ناطقا كان أو غير ناطق،يستوي فيه الواحد و الجمع،لأنّه مصدر في الأصل.

د-و القاموس الّذي قال:الحيوان هو جنس الحيّ، أصله:حييان.

ه-و المدّ الّذي قال:إنّ الحيوان هو كلّ شيء فيه حياة.

و-و محيط المحيط الّذي قال:

1:الحيوان في الجنّة،و الحياة في الدّنيا.

2:الحيوان:جسم حيّ نام حسّاس،متحرّك بالإرادة.

ز-و المتن الّذي جاء فيه أنّ«الحيوان»اسم يقع

ص: 537

على كلّ شيء ذي روح،و يستوي فيه المفرد و الجمع و المذكّر و المؤنّث.

حيّة بيضاء و حيّة أبيض

قال النّمريّ في كتاب«الملمّع»:

أ-فإذا كان الحيّة أبيض فهو الحرّ.

ب-و إذا كان الحيّة أسود فهو حنش.

فخطّئوه اعتمادا على قوله تعالى في الآية:20،من سورة طه: فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى، و على ورود كلمة حيّة مؤنّثة في القاموس،و دوزيّ.

و لكن:

أجاز تأنيث الحيّة و تذكيرها كلّ من:أدب الكاتب، و الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و حياة الحيوان الكبرى للدّميريّ،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

و تجمع الحيّة على:حيّات،و حيوات،و حيوات.

و يطلق على ذكر الحيّات اسم:الحيّوت.و النّسبة إليها:حيّويّ،و تصغيرها:حييّة،و يسمّى جامعها:

حاويا.

و يقولون:إنّ التّاء المربوطة في«حيّة»هي للإفراد كبطّة و دجاجة.

و روي عن العرب:

أ-رأيت حيّا على حيّة،أي ذكرا على أنثى.

ب-هو أبصر من حيّة،لحدّة بصرها.

ج-هو أظلم من حيّة؛لأنّها تأتي جحر الضّبّ فتأكل حسلها،و تسكن جحرها.

د-فلان حيّة الوادي:إذا كان شديد الشّكيمة، حاميا لحوزته.

ه-هم حيّة الأرض:أشدّاء لا يضيّعون ثأرا.

و-رأسه رأس حيّة:إذا كان متوقّدا شهما عاقلا.

ز-فلان حيّة ذكر:شجاع شديد.

ح-سقاه اللّه دم الحيّات:أهلكه.

ط-ما هو-أو هي-إلاّ حيّة،إذا طال عمرهما،لأنّ عمر الحيّة طويل.

ي-فلان حيّة الوادي و حيّة الأرض،إذا كان غاية في الدّهاء و الخبث و العقل.

حيّ على الصّلاة،حيّ على الفلاح

و سمعت كثيرا من المؤذّنين يقولون:حيّ على الصّلاة «مرّتين»،حيّ على الفلاح«مرّتين».و الصّواب:

حيّ على الصّلاة«مرّتين»،حيّ على الفلاح «مرّتين»،لأنّ«حيّ»اسم فعل معناه:أقبل و عجّل.

و جاء في«النّهاية»:و في حديث الأذان:«حيّ على الصّلاة،حيّ على الفلاح»،أي هلمّوا إليها،و أقبلوا، و تعالوا مسرعين.

و قد نبّه محمّد عليّ النّجّار إلى ذلك في كتابه:

«لغويّات النّجّار».

و يجيز«الوسيط»أن نقول:حيّ إلى الشّيء أيضا.

(181)

محمود شيت:حيي حياة و حيوانا:كان ذا نماء، و القوم:حسنت حالهم،و الطّريق:استبان،و من القبيح حياء:انقبضت نفسه،و من الرّجل:احتشم،فهو حيي.

حايا القوم بعضهم بعضا:حيّا بعضهم بعضا.

تحايا القوم:حيّا بعضهم بعضا.

ص: 538

استحيا الأسير:تركه حيّا فلم يقتله.

التّحيّة:السّلام.

التّحيّة:السّلام العسكريّ.و التّدريب على التّحيّة:

تعليم العسكريّ للتّحيّة.(1:204)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل الممات،و من آثاره التّحرّك و التّحسّس،و قد ذكرت في القرآن الكريم في مقابل الموت و الهلاك لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ الأنفال:42، نَمُوتُ وَ نَحْيا المؤمنون:37، أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ الحجّ:66، يُحْيِي وَ يُمِيتُ آل عمران:156، كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى البقرة:260.

و الحياة أعمّ من أن تكون في النّباتات يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الحديد:17،فإنّها حياة نباتيّة،أو في الحيوان رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى البقرة:

260،أو في الإنسان ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا الجاثية:

24،و هو الّذي أحياكم،أو في مطلق الحياة وَ اللّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ آل عمران:156، يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ الرّوم:19،أو في الحياة المعنويّة فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً النّحل:97، إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ الانفال:

24،أو في الدّار الآخرة وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64، لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى طه:74،أو في اللّه المتعال هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ البقرة:

255، وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ الفرقان:58، وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ طه:111.

و حقّ الحياة الّتي لا يشوبها هلاك و لا يعريها الموت، و هي الحياة الأصيلة،و الذّاتيّة الثّابتة،و الأزليّة الأبديّة:

هي للّه العزيز المتعال.

و باقي المراتب النّازلة و الأصناف المتأخّرة إنّما هي منه و به و إليه،و هذا معنى الحياة القيّوميّة له تعالى،و عنى الوجوه له.

و كلّ مرتبة لها قرب منه تعالى:فهي ذات حياة قويّة و روحانيّة قريبة من حياته،كما أنّ الدّار الآخرة باعتبار صفائها و روحها،هي الحيوان.

و أمّا التّحيّة:فمرجعها إلى طلب الحياة ظاهرة و باطنة،مادّيّة و معنويّة لمن يحيّى،و هذا معنى الدّعاء له بالسّلامة المطلقة أو بالبقاء.قال تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ النّور:61 تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ إبراهيم:23،فقد فسّرت التّحيّة بدعاء السّلامة.

و أمّا الاستحياء:فمرجعه إلى حفظ النّفس عن الضّعف و النّقص و البعد عن العيب و الشّين و ما يسوءه، و طلب السّلامة و مطلق الحياة،و هو ضدّ الوقاحة،قال تعالى: فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ القصص:25.

و بهذا يظهر حقيقة معنى الآية الكريمة إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً البقرة:26، وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ الأحزاب:53،فإنّ الحقّ فيه كمال و سلامة و حياة،و ليس فيه نقطه ضعف و عيب حتّى يوجب الاستحياء،فالاستحياء في مورد ترك الحقّ لا في ذكره،و ضرب المثل الحقّ أيضا من الحقّ.

و فيها إشارة إلى أنّ القضايا تابعة للواقع و الحقيقة، لا للعرف العامّ و ما يتصوّره النّاس من دون تعقّل

ص: 539

و تبصّر.

و أمّا الحيّة:فباعتبار كونها ذات حياة كاملة لشدّة تحرّكها و تحسّسها و طول بقائها و زيادة قوّتها و قدرتها، مع عدم انتظار الحياة منها في الظّاهر،فإنّها بصورة حبل ممتدّ لا يد لها و لا رجل و لا جارحة،أو خشبة يابسة.

فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى طه:20،في مقام لا يتوقّع و لا ينتظر منها كونها ذات حياة متحرّكة ساعية.

و أمّا الحيّ بمعنى القبيلة:فباعتبار كونها ذات حياة اجتماعيّة لهم حقوق محفوظة و نظم و تحرّك و آثار حياتيّة، كما في الفرد الحيّ.فإطلاق هذه الكلمة على القبيلة مقيّد بهذه الخصوصيّة و بهذا الاعتبار.

و أمّا الاستحياء بمعنى الاستبقاء:فحقيقته طلب الحياة و إرادة أن يكون فرد آخر حيّا في مقابل من يريد الموت و الهلاك وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ البقرة:49،و قد ذكر في مقابل الذّبح و القتل سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ الأعراف:127، يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ البقرة:49.

و أمّا التّعبير بصيغة الاستفعال:إشارة إلى أنّ الحياة ليست تحت قدرتهم و طلبهم،و إنّما يريدون طلبها و إبقاءها و إدامة الحياة.

فاللّه تعالى هو المحيي،و النّاس هم المستحيون،أي طالبون الحياة،و ليس لهم أن يحيوا أحدا،إلاّ بإذن و قوّة و إرادة من اللّه المتعال. وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:49،فلا يكون له استقلال فيها.

و أمّا«حيّ»اسم فعل:فأصله أنّه صيغة أمر من حيّ يحيّ مضاعفا،بمعنى طلب الحياة،بأن يكون المأمور ذا حياة مادّيّة و معنويّة،ثمّ جعل هذا اللّفظ اسما لهذه الصّيغة و مستعملا في مورد يطلب فيه و يدعى إلى الخير و الصّلاح و السّعادة و الحياة المعنويّة.

و أمّا يحيى اسما لنبيّ: فهو مأخوذ من هذه المادّة، و قد اتّفقت اللّغة العبريّة و العربيّة في المادّة لفظا و معنى.

قع-(حي)-حيّ،على قيد الحياة،كلّ من تدبّ فيه الحياة،مفعم بالحياة،نشيط.

(حيّاه)-حيوان،الجسم الحيّ،الحياة.

فهذا الاسم في الأصل كان عبريّا لا عربيّا.

و هو ابن زكريّا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى مريم:7.(2:369)

النّصوص التّفسيريّة

حىّ-يحيى

...لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ. الأنفال:42

ابن عبّاس: (يحيى)و يثبت على الإيمان مَنْ حَيَّ من أراد اللّه أن يثبت عَنْ بَيِّنَةٍ بعد البيان بالنّصرة لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(149)

قتادة :ليضلّ من ضلّ عن بيّنة و يهتدي من اهتدى على بيّنة.(الثّعلبيّ 4:362)

ابن إسحاق :ليكفر من كفر بعد حجّة قامت عليه، و يؤمن من آمن على مثل ذلك،فالهلاك هو الكفر، و الحياة هي الإيمان.(البغويّ 2:297)

الفرّاء: و قوله: وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ كتابتها

ص: 540

على الإدغام بياء واحدة،و هي أكثر قراءة الفرّاء،و قد قرأ بعضهم: (حيي عن بيّنة) بإظهارها.و إنّما أدغموا الياء مع الياء و كان ينبغي لهم ألاّ يفعلوا،لأنّ«ياء»الآخرة لزمها النّصب في«فعل»،فأدغموا لمّا التقى حرفان متحرّكان من جنس واحد.

و يجوز الإدغام في الاثنين للحركة اللاّزمة للياء الآخرة،فتقول للرّجلين:قد حيّا و حييا.و ينبغي للجمع ألاّ يدغم،لأنّ ياءه يصيبها الرّفع و ما قبلها مكسور، فينبغي لها أن تسكّن فتسقط بواو الجمع؛و ربّما أظهرت العرب الإدغام في الجمع إرادة تأليف الأفعال،و أن تكون كلّها مشدّدة،فقالوا في حييت:حيّوا،و في عبيت:

عيّوا.

و قد اجتمعت العرب على إدغام:التّحيّة و التّحيّات بحركة الياء الأخيرة فيها،كما استحبّوا إدغام عيّ و حيّ بالحركة اللاّزمة فيها.و قد يستقيم أن تدغم الياء و الياء في يحيا و يعيا؛و هو أقلّ من الإدغام في حيّ،لأنّ«يحيا» يسكّن ياؤها إذا كانت في موضع رفع،فالحركة فيها ليست لازمة.و جواز ذلك أنّك إذا نصبتها كقول اللّه تبارك و تعالى: أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى القيمة:40،استقام إدغامها هاهنا؛ثمّ تؤلّف الكلام،فيكون في رفعه و جزمه بالإدغام،فتقول:(هو يحيّ و يميت).و كذلك يحيّان و يحيّون.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](1:411)

الطّبريّ: و ليعيش من عاش منهم عن حجّة للّه قد أثبتت له،و ظهرت لعينه فعلمها.(10:12)

الزّجّاج: جعل اللّه عزّ و جلّ القاصد للحقّ بمنزلة الحيّ،و جعل الضّالّ بمنزلة الهالك.و يجوز حيي بياءين، و حيّ بياء مشدّدة مدغمة،و قد قرئ بهما جميعا.فأمّا الخليل و سيبويه فيجيزان الإدغام و الإظهار،إذا كانت الحركة في الثّاني لازمة،فأمّا من أدغم فلاجتماع حرفين من جنس واحد.و أمّا من أظهر فلأنّ الحرف الثّاني ينتقل عن لفظ الياء،تقول:حيي يحيا،و المحيا و الممات.فعلى هذا يجوز الإظهار.

فأمّا قوله عزّ و جلّ: هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ يونس:

56 و قوله: أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى القيمة:40،فلا يجوز فيه عند جميع البصريّين إلاّ «يحيي»بياءين ظاهرتين.و أجاز بعضهم:يحيّ بياء واحدة مشدّدة مدغمة.[ثمّ استشهد بشعر]

و ليس ينبغي أن يحمل«كتاب اللّه»على«أنشدني بعضهم»و لا على بيت شاذّ لو عرف قائله و كان ممّن يؤخذ بقوله،لم يجز.

و هذا عندنا لا يجوز في كلام و لا شعر،لأنّ الحرف الثّاني إذا كان يسكّن من غير المعتلّ نحو:لم يودّ فالاختيار إظهار التّضعيف،فكيف إذا كان من المعتلّ؟!

(2:418)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:ليقتل ببدر من قتل من مشركي قريش عن حجّة،و ليبقى من بقي عن قدرة.

و الثّاني:ليكفر من قريش من كفر بعد الحجّة ببيان ما وعدوا،و يؤمن من آمن بعد العلم بصحّة إيمانهم.

(2:322)

نحوه ابن الجوزيّ.(3:363)

ص: 541

الطّوسيّ: يعني ليستبصر من استبصر عن قيام حجّة،فجعل اللّه المتّبع للحقّ بمنزلة الحيّ،و جعل الضّالّ بمنزلة الهالك.(5:149)

القشيريّ: أي ليضلّ من زاغ عن الحقّ بعد لزومه الحجبة،و يهتدي من أقام على الحقّ بعد وضوح الحجّة.

و يقال:الحقّ أوضح السّبيل و نصب الدّليل،و لكن سدّ بصائر قوم عن شهود الرّشد،و فتح بصائر آخرين لإدراك طرق الحقّ.

الهالك:من وقع في أودية التّفرقة،و الحيّ:من حيي بنور التّعريف.

و يقال:الهالك:من كان بحظّه مربوطا،و الحيّ:من كان من أسر كلّ نصيب مستلبا مجذوبا.(2:322)

الواحديّ: أكثر أهل العلم على أنّ المراد بالهلاك هاهنا:الكفر و الضّلال،و بالحياة:الاهتداء و الدّين، و المعنى:ليكفر من كفر بعد حجّة قامت عليه فقطعت عذره،و يؤمن من آمن على مثل ذلك.(2:463)

البغويّ: أي ليموت من يموت على بيّنة رآها و عبرة عاينها و حجّة قامت عليه.و يحيى من حيّ عن بيّنة، و يعيش من يعيش على بيّنة لوعده: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15.(2:297)

نحوه الطّبرسيّ(2:546)،و القرطبيّ(8:22)، و الخازن(3:30).

الزّمخشريّ: و استعير الهلاك و الحياة للكفر و الإسلام،أي ليصدر كفر من كفر عن وضوح بيّنة لا عن مخالجة شبهة،حتّى لا تبقى له على اللّه حجّة،و يصدر إسلام من أسلم أيضا عن يقين،و علم بأنّه دين الحقّ الّذي يجب الدّخول فيه و التّمسّك به؛و ذلك أنّ ما كان من وقعة بدر من الآيات الغرّ المحجّلة الّتي من كفر بعدها كان مكابرا لنفسه مغالطا لها.(2:160)

نحوه البيضاويّ(1:396)،النّسفيّ(2:105)، و الشّربينيّ(1:572).

أبو البركات: قرئ (حيى) بالإظهار و الإدغام؛ فالإظهار إجراء للماضي على المستقبل،و المستقبل لا يجوز فيه الإدغام،لا تقول فيه:يحيّا،لأنّ حركته غير لازمة،فكذلك الماضي.و الإدغام للفرق بين ما تلزم لامه حركة كالماضي،و ما لا تلزم لامه حركة كالمستقبل، و أجاز الفرّاء وحده الإدغام في المستقبل،و لم يجزه غيره.

(1:388)

العكبريّ: مَنْ حَيَّ يقرأ بتشديد الياء و هو الأصل؛لأنّ الحرفين متماثلان متحرّكان،فهو مثل شدّ و مدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقرأ بالإظهار،و فيه وجهان:

أحدهما:أنّ الماضي حمل على المستقبل و هو«يحيا» فكما لم يدغم في المستقبل لم يدغم في الماضي،و ليس كذلك«شدّ و مدّ»فإنّه يدغم فيهما جميعا.

و الوجه الثّاني:أنّ حركة الحرفين مختلفة،فالأولى مكسورة و الثّانية مفتوحة.و اختلاف الحركتين كاختلاف الحرفين،و لذلك أجازوا في الاختيار:لححت عينه،و ضبب البلد،إذا كثر ضبّه.

و يقوّي ذلك أنّ الحركة الثّانية عارضة،فكأنّ الياء الثّانية ساكنة،و لو سكنت لم يلزم الإدغام،و كذلك إذا كانت في تقدير السّاكن،و الياءان أصل،و ليست الثّانية

ص: 542

بدلا من واو،فأمّا الحيوان فالواو فيه بدل من الياء.

(2:625)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و المراد ب مَنْ هَلَكَ و مَنْ حَيَّ المشارف للهلاك و الحياة،أو من حاله في علم اللّه تعالى الهلاك و الحياة.(3:100)

نحوه البروسويّ.(3:349)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و يجوز أن يراد بالحياة:الإيمان،و بالموت:الكفر، استعارة أو مجازا مرسلا.(10:7)

ابن عاشور :و من البعيد حمل(يهلك) و(يحيى)على الحقيقة؛لأنّه و إن تحمّله المعنى في قوله:

لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ فلا يتحمّله في قوله: وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ؛ لأنّ حياة الأحياء ثابتة لهم من قبل يوم بدر.و دلّ معنى المجاوزة الّذي في(عن)على أنّ المعنى:أن يكون الهلاك و الحياة صادرين عن بيّنة و بارزين منها.

(9:114)

الطّباطبائيّ: لتعليل ما قضي به من الأمر المفعول، أي إنّ اللّه إنّما قضى هذا الّذي جرى بينكم من التّلاقي و المواجهة،ثمّ تأييد المؤمنين و خذلان المشركين،ليكون ذلك بيّنة ظاهرة على حقّيّة الحقّ و بطلان الباطل،فيهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّ عن بيّنة.

و بذلك يظهر أنّ المراد بالهلاكة و الحياة هو الهدى و الضّلال،لأنّ ذلك هو الّذي يرتبط به وجود الآية البيّنة ظاهرا.(9:92)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(5:408)

فضل اللّه: وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ فيما يمثّله الإيمان من حياة روحيّة،في ما يحسّه الإنسان المؤمن من حياة مطمئنّة،أو في ما ينتهي إليه من حياة النّعيم في الآخرة.فقد أراد اللّه للمؤمنين أن ينفتحوا على الإيمان من موقع الحجّة لهم على الآخرين،كما أراد أن يقيم الحجّة على الكافرين فيما أشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطانا. إِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ فهو الّذي يسمع دعوات المؤمنين و استغاثتهم،و يعلم ضعفهم و حاجتهم للتّأييد و النّصر.(10:388)

يحيى

1- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى. طه:74

ابن عبّاس: لا يَمُوتُ فِيها فيستريح، وَ لا يَحْيى حياة تنفعه.(264)

نحوه البغويّ(3:269)،و الثّعلبيّ(6:254).

المبرّد: لا يموت ميتة مريحة،و لا يحيا حياة تنفعه.(الواحديّ 3:215)

الطّبريّ: لا يَمُوتُ فِيها فتخرج نفسه، (وَ لا يَحْيى) فتستقرّ نفسه في مقرّها فتطمئنّ،و لكنّها تتعلّق بالحناجر منهم.(16:190)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:لا ينتفع بحياته و لا يستريح بموته،كما قال الشّاعر:

ألا من لنفس لا تموت فينقضي

شقاها و لا تحيا حياة لها طعم

ص: 543

الثّاني:أنّ نفس الكافر معلّقة بحنجرته كما أخبر اللّه عنه،فلا يموت بفراقها،و لا يحيا باستقرارها.(3:415)

نحوه الميبديّ(6:157)،و القرطبيّ(11:227).

الطّوسيّ: أي لا يموت فيها فيستريح من العذاب، و لا يحيى حياة فيها راحة،بل هو معاقب بأنواع العذاب.

(7:191)

مثله الطّبرسيّ.(4:21)

الواحديّ: [نحو ابن عبّاس و أضاف:]

فهو يألم كما يألم الحيّ،و يبلغ به حالة الموت في المكروه،إلاّ أنّه لا يبطل فيها عن إحساس الألم،و العرب تقول:فلان لا حيّ و لا ميّت،إذا كان غير منتفع بحياته.

[ثمّ ذكر الشّعر كالماورديّ](3:215)

ابن عطيّة: مختصّ بالكافر،فإنّه معذّب عذابا ينتهي به إلى الموت،ثمّ لا يجهز عليه فيستريح،بل يعاد جلده و يجدّد عذابه،فهو لا يحيى حياة هنيّة.و أمّا من يدخل النّار من المؤمنين بالمعاصي فهم قبل أن تخرجهم الشّفاعة في غمرة قد قاربوا الموت،إلاّ أنّهم لا يجهز عليهم و لا يجدّد عذابهم،فهذا فرق ما بينهم و بين الكفّار.

(4:53)

نحوه أبو حيّان.(6:262)

الفخر الرّازيّ: الجسم الحيّ لا بدّ و أن يبقى إمّا حيّا أو يصير ميّتا،فخلوّه عن الوصفين محال،فمعناه في الآية:

أنّه يكون في جهنّم بأسوء حال،لا يموت موتة مريحة،و لا يحيا حياة ممتعة.(22:91)

أبو السّعود : لا يَمُوتُ فِيها فينتهي عذابه،و هذا تحقيق لكون عذابه أبقى، وَ لا يَحْيى حياة ينتفع بها.

(3:296)

مثله البروسويّ(5:407)،و الآلوسيّ(16:234).

القاسميّ: أي فينقضي عذابه، وَ لا يَحْيى أي حياة طيّبة.(11:4194)

مكارم الشّيرازيّ: بل إنّه يتقلّب دائما بين الموت و الحياة،تلك الحياة الّتي هي أمرّ من الموت،و أكثر مشقّة منه.(10:35)

فضل اللّه :لأنّه لن يذوق فيها لذّة الحياة،و لن يستريح فيها في هدأة الموت و راحته،بل يظلّ في عذاب متحرّك بين الموت و الحياة،جزاء على تمرّده على اللّه و انحرافه عنه من دون حجّة و لا هدى.(15:137)

2- ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى. الأعلى:13

مثل ما قبلها.

تحيون

قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ

الأعراف:25

ابن عبّاس: في الأرض(تحيون):تعيشون.

(125)

نحوه الكلبيّ(الواحديّ 2:357)،و الطّبريّ(8:

145)،و الطّبرسيّ(2:408)،و الفخر الرّازيّ(14:

50)،و القاسميّ(7:2644).

الخازن :قال اللّه عزّ و جلّ لآدم و ذرّيّته و إبليس و أولاده: فِيها تَحْيَوْنَ يعني في الأرض تعيشون أيّام حياتكم.(2:181)

نحوه الشّربينيّ.(1:469)

ص: 544

البروسويّ: أي في المحبّة و صدق الطّلب و قرع باب الفرج بالصّبر و الثّبات على العبوديّة،و في طلب الحقّ تموتون على جادّة الشّريعة بإقدام الطّريقة.(3:147)

الطّباطبائيّ: قضاء آخر يوجب تعلّقهم بالأرض إلى حين البعث،و ليس من البعيد أن يختصّ هذا الخطاب بآدم و زوجته و بنيهما،لما فيه من الفصل بلفظة(قال).

(8:35)

عبد الكريم الخطيب :فعلى هذه الأرض يحيا آدم و أبناؤه،و في هذه الأرض يموت و يدفن آدم و ذرّيّته...(4:384)

نحيا

1- إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ. المؤمنون:37

ابن عبّاس: يموت الآباء و يحيا الأبناء.(287)

مثله الكلبيّ.(الماورديّ 4:53)

ابن زيد :يقول:ليس آخرة و لا بعث،يكفرون بالبعث،يقولون:إنّما هي حياتنا هذه،ثمّ نموت و لا نحيا:

يموت هؤلاء،و يحيا هؤلاء.يقولون:إنّما النّاس كالزّرع يحصد هذا،و ينبت هذا.يقولون:يموت هؤلاء و يأتي آخرون.

و قرأ وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ سبأ:

7.

و قرأ لا تَأْتِينَا السّاعَةُ قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ سبأ:3.(الطّبريّ 18:20)

يحيى بن سلاّم:يموت قوم و يولد قوم.

(الماورديّ 4:53)

الطّبريّ: ما حياة إلاّ حياتنا الدّنيا الّتي نحن فيها نموت و نحيا،يقول:تموت الأحياء منّا فلا تحيا،و يحدث آخرون منّا،فيولدون أحياء.(18:21)

الرّمّانيّ: يموت منّا قوم،و يحيا منّا قوم.

(الماورديّ 4:53)

الطّوسيّ: ليست الحياة إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، أي لسنا نبعث يوم القيامة على ما يقول هذا المدّعي للنّبوّة من قبل اللّه.

و معنى نَمُوتُ وَ نَحْيا، أي يموت منّا قوم و يحيا قوم،لأنّهم لم يكونوا يقرّون بالنّشأة الثّانية،فلذلك قالوه على هذا الوجه.و شبهتهم (1)في إنكار البعث طول المدّة في القرون الخالية،فظنّوا أنّه أبدا على تلك الصّفة.و هذا أبلغ،لأنّه إذا اقتضت الحكمة طول المدّة لما في ذلك من المصلحة للمكلّفين،فلا بدّ منه،لأنّ الحكيم لا يخالف مقتضى الحكمة.(7:368)

الواحديّ: قالوا:ما الحياة إلاّ ما نحن فيه،لا الحياة الآخرة الّتي تعدنا بعد البعث نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، نهلك نحن و يبقى أبناؤنا،و يهلك أبناؤنا و يبقى أبناؤهم.(3:290)

البغويّ: إِنْ هِيَ يعنون الدّنيا إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا. قيل:فيه تقديم و تأخير،أي نحيا و نموت،لأنّهم كانوا ينكرون البعث بعد الموت.

(3:365)

ص: 545


1- و في الأصل:شبهتهم،و هو سهو.

نحوه الميبدي.(6:436)

الزّمخشريّ: أصله:إن الحياة إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا ثمّ وضع(هى)موضع الحياة،لأنّ الخبر يدلّ عليها و يبيّنها.و منه:هي النّفس تتحمّل ما حمّلت،و هي العرب تقول:ما شاءت.

و المعنى:لا حياة إلاّ هذه الحياة،لأنّ(ان)النّافية دخلت على(هى)الّتي في معنى الحياة الدّالّة على الجنس فنفتها،فوازنت«لا»الّتي نفت ما بعدها نفي الجنس.

نَمُوتُ وَ نَحْيا، أي يموت بعض و يولد بعض،ينقرض قرن و يأتي قرن آخر.(3:32)

نحوه البيضاويّ(2:107)،و النّسفيّ(3:120)، و أبو حيّان(6:405)،و الشّربينيّ(2:579).

الطّبرسيّ: أي ليس الحياة إلاّ الحياة الّتي نحن فيها القريبة منّا، نَمُوتُ وَ نَحْيا، أي يموت قوم منّا و يحيا قوم،و لا نبعث.(4:106)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و قال:]

نَمُوتُ وَ نَحْيا جملة مفسّرة لما ادّعوه من أنّ الحياة هي الدّنيا،أي يموت بعضنا أو يولد بعض،إلى انقراض العصر.(4:414)

البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

أو يصيبنا الأمران:الموت و الحياة،يعنون الحياة المتقدّمة في الدّنيا و الموت بعدها،و ليس وراء ذلك حياة.

(6:82)

الآلوسيّ: إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا أصله:إن الحياة إلاّ حياتنا الدّنيا،ثمّ وضع الضّمير موضع الحياة، لأنّ الخبر يدلّ عليها و يبيّنها،فالضّمير عائد على متأخّر،و عوده كذلك جائز في صور،منها إذا فسّر بالخبر كما هنا،كذا قالوا.و اعترض بأنّ الخبر موصوف فتلاحظ الصّفة في ضميره،كما هو المشهور في الضّمير الرّاجع إلى موصوف،و حينئذ يصير التّقدير:إن حياتنا الدّنيا إلاّ حياتنا الدّنيا.

و أجيب:بأنّ الضّمير قد يعود إلى الموصوف بدون صفته،و هذا في«الآخرة»يعود إلى القول بأنّ الضّمير عائد على ما يفهم من جنس الحياة،ليفيد الحمل ما قصدوه من نفي البعث،فكأنّهم قالوا:لا حياة إلاّ حياتنا الدّنيا،و من ذلك يعلم خطأ من قال:إنّه كشعري شعري.

و من هذا القبيل على رأي قولهم:هي العرب تقول ما شاءت،و قوله:

هي النّفس ما حمّلتها تتحمّل

و للدّهر أيّام تجور و تعدل

و في«الكشف»:ليس المعنى النّفس النّفس،لأنّه لا يصلح الثّاني حينئذ تفسيرا و الجملة بعدها بيانا،بل الضّمير راجع إلى معود ذهنيّ أشير إليه،ثمّ أخبر بما بعده، كما في«هذا أخوك»انتهى،فتأمّل و لا تغفل.

و قوله تعالى: نَمُوتُ وَ نَحْيا جملة مفسّرة لما ادّعوه من أنّ الحياة هي الحياة الدّنيا،و أرادوا بذلك بموت بعضنا و يولد بعض و هكذا؛و ليس المراد بالحياة حياة أخرى بعد الموت؛إذ لا تصلح الجملة حينئذ للتّفسير،و لا يذمّ قائلها،و ناقضت قولهم: وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ.

و قيل:أرادوا بالموت العدم السّابق على الوجود،أو أرادوا بالحياة بقاء أولادهم،فإنّ بقاء الأولاد في حكم حياة الآباء،و لا يخفى بعده.

ص: 546

و مثله على ما قيل-و أنا لا أراه كذلك-:أنّ القوم كانوا قائلين بالتّناسخ،فحياتهم بتعلّق النّفس الّتي فارقت أبدانهم بأبدان أخر عنصريّة تنقّلت في الأطوار حتّى استعدّت لأنّ تتعلّق بها تلك النّفس المفارقة،فزيد مثلا إذا مات نتعلّق نفسه ببدن آخر قد استعدّ في الرّحم للتّعلّق،ثمّ يولد،فإذا مات أيضا تتعلّق نفسه ببدن آخر كذلك،و هكذا إلى ما لا يتناهى.و هذا مذهب لبعض التّناسخيّة،و هم ملّيّون و نحليّون.

و يمكن أن يقال:إنّ هذا على حدّ قوله تعالى لعيسى عليه السّلام: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ آل عمران:

55،على قول،فإنّ العطف فيه بالواو و هي لا تقتضي التّرتيب،فيجوز أن تكون الحياة الّتي عندها الحياة الّتي قبل الموت،و يحتمل أنّهم قالوا:نحيا و نموت،إلاّ أنّه لمّا حكى عنهم قيل: نَمُوتُ وَ نَحْيا ليكون أوفق بقوله تعالى: إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا. (18:32)

الطّباطبائيّ: أي يموت قوم منّا في الدّنيا و يحيا آخرون فيها لا نزال كذلك، وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ للحياة في دار أخرى وراء الدّنيا.

و يمكن أن يحمل قولهم: نَمُوتُ وَ نَحْيا على التّناسخ؛و هو خروج الرّوح بالموت من بدن و تعلّقها ببدن آخر إنسانيّ أو غير إنسانيّ،فإنّ التّناسخ مذهب شائع عند الوثنيّين،و ربّما عبّروا عنه بالولادة بعد الولادة،لكنّه لا يلائم سياق الآيات كثير ملاءمة.

(15:32)

عبد الكريم الخطيب :إنّهم بهذا يؤكّدون استبعاد البعث بعد الموت،و يؤكّدون أنّه لا حياة إلاّ هذه الحياة الّتي هم فيها،و أنّهم إنّما يدورون في هذين المدارين، حياة و موت،و موت و حياة؛حيث يموت ناس،و يولد ناس،و هكذا دواليك.أمّا أن يبعث الموتى من قبورهم، و يعودوا إلى الحياة مرّة أخرى،فذلك ما لا تقبله عقولهم و لا يتصوّره خيالهم.(9:1135)

2- وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ... الجاثية:24

ابن عبّاس: يعنون تموت الآباء و تحيا الأبناء.

(421)

نحوه البغويّ(4:187)،و الخازن(6:128)، و الثّعلبيّ(8:368).

مقاتل:نموت نحن و يحيا آخرون فيخرجون من أصلابنا،فنحن كذلك فما نبعث أبدا.(3:840)

الفرّاء: يقول القائل:كيف قال:نموت و نحيا،و هم مكذّبون بالبعث؟فإنّما أراد نموت و يأتي بعدنا أبناؤنا، فجعل فعل أبنائهم كفعلهم،و هو في العربيّة كثير.

(3:48)

ثعلب :سئل عن تفسيرها،فقال:اختلف فيه، فقالت طائفة:هو مقدّم و مؤخّر،و معناه نحيا و نموت و لا نحيا بعد ذلك.

و قالت طائفة:معناه نحيا و نموت و لا نحيا أبدا،و يحيا أولادنا بعدنا،فجعلوا حياة أولادهم بعدهم كحياتهم،ثمّ قالوا:و يموت أولادنا فلا نحيا و لا هم.

(الأزهريّ 5:289)

الطّبريّ: ما حياة إلاّ حياتنا الدّنيا الّتي نحن فيها،لا

ص: 547

حياة سواها،تكذيبا منهم بالبعث بعد الممات.

و قوله: نَمُوتُ وَ نَحْيا نموت نحن و تحيا أبناؤنا بعدنا،فجعلوا حياة أبنائهم بعدهم حياة لهم،لأنّهم منهم و بعضهم،فكأنّهم بحياتهم أحياء،و ذلك نظير قول النّاس:ما مات من خلّف ابنا مثل فلان؛لأنّه بحياة ذكره به كأنّه حيّ غير ميّت.

و قد يحتمل وجها آخر،و هو أن يكون معناه:نحيا و نموت على وجه تقديم الحياة قبل الممات،كما يقال:قمت و قعدت،بمعنى:قعدت و قمت.و العرب تفعل ذلك في «الواو»خاصّة،إذا أرادوا الخبر عن شيئين أنّهما كانا أو يكونان،و لم تقصد الخبر عن كون أحدهما قبل الآخر، تقدّم المتأخّر حدوثا على المتقدّم حدوثه منهما أحيانا، فهذا من ذلك،لأنّه لم يقصد فيه إلى الخبر عن كون الحياة قبل الممات،فقدّم ذكر الممات قبل ذكر الحياة؛إذ كان القصد إلى الخبر عن أنّهم يكون مرّة أحياء و أخرى أمواتا.(25:151)

نحوه الميبديّ.(9:134)

الزّجّاج: فإن قال قائل:كيف قالوا:نموت و نحيا، و هم لا يقرّون بالبعث؟فالدّليل على أنّهم لا يقرّون بالبعث قولهم:ما هي إلاّ حياتنا.و في نَمُوتُ وَ نَحْيا ثلاثة أقوال:

يكون المعنى نموت و نحيا:يحيا أولادنا،فيموت قوم و يحيا قوم.

و يكون معنى نَمُوتُ وَ نَحْيا: نحيا و نموت،لأنّ الواو للاجتماع،و ليس فيها دليل على أنّ أحد الشّيئين قبل الآخر.

و يكون نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ أي ابتداؤنا موات في أصل الخلقة،ثمّ نحيا ثمّ يهلكنا الدّهر.

(4:434)

الطّوسيّ: أي ليس الحياة إلاّ هذه الحياة الّتي نحن فيها في دار الدّنيا[و أدام الكلام نحو ما تقدّم عن الزّجّاج]

(9:259)

نحوه الطّبرسيّ.(5:78)

الزّمخشريّ: نَمُوتُ وَ نَحْيا نموت نحن و يحيا أولادنا،أو يموت بعض و يحيا بعض،أو نكون مواتا نطفا في الأصلاب و نحيا بعد ذلك.

أو يصيبنا الأمران:الموت و الحياة،يريدون الحياة في الدّنيا و الموت بعدها،و ليس وراء ذلك حياة.و قرئ (نحيا) بضمّ النّون.(3:512)

نحوه المراغيّ.(25:158)

ابن عطيّة: الآية حكاية مقالة بعض قريش،و هذه صنيفة دهريّة من كفّار العرب.و معنى قولهم:ما في الوجود إلاّ هذه الحياة الّتي نحن فيها،و ليست ثمّ آخرة و لا بعث.

و اختلف المفسّرون في معنى قولهم: نَمُوتُ وَ نَحْيا فقالت فرقة:المعنى:نحن موتى قبل أن نوجد،ثمّ نحيا في وقت وجودنا.و قالت فرقة:المعنى:(نموت)حين نحن نطف و دم،ثمّ(نحيا)بالأرواح فينا.

و هذا قول قريب من الأوّل،و يسقط على القولين ذكر الموت المعروف الّذي هو خروج الرّوح من الجسد، و هو الأهمّ في الذّكر.(5:87)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى حكى عنهم بعد

ص: 548

ذلك شبهتهم في إنكار القيامة،و في إنكار الإله القادر.أمّا شبهتهم في إنكار القيامة فهي قوله تعالى: وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا.

فإن قالوا:الحياة مقدّمة على الموت في الدّنيا،فمنكروا القيامة كان يجب أن يقولوا:نحيا و نموت،فما السّبب في تقديم ذكر الموت على الحياة؟قلنا:فيه وجوه:

الأوّل:المراد بقوله:(نموت)حال كونهم نطفا في أصلاب الآباء و أرحام الأمّهات،و بقوله:(نحيا)ما حصل بعد ذلك في الدّنيا.

الثّاني:نموت نحن و نحيا بسبب بقاء أولادنا.

الثّالث:يموت بعض و يحيا بعض.

الرّابع:و هو الّذي خطر بالبال عند كتابة هذا الموضع:

أنّه تعالى قدّم ذكر الحياة،فقال: ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا ثمّ قال بعده: نَمُوتُ وَ نَحْيا يعني أنّ تلك الحياة منها ما يطرأ عليها الموت،و ذلك في حقّ الّذين ماتوا،و منها ما لم يطرأ الموت عليها،و ذلك في حقّ الأحياء الّذين لم يموتوا بعد.(27:269)

نحوه الشّربينيّ.(3:599)

البيضاويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و يحتمل أنّهم أرادوا به التّناسخ،فإنّه عقيدة أكثر عبدة الأوثان. وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ إلاّ مرور الزّمان،و هو في الأصل مدّة بقاء العالم من دهره،إذا غلبه.

(2:382)

نحوه النّسفيّ(4:137)،و أبو السّعود(6:62)، و البروسويّ(8:449).

أبو حيّان :قالوا:إن هي إلاّ حياتنا الدّنيا،هي مقالة بعض قريش إنكار البعث.و الظّاهر أنّ قولهم: نَمُوتُ وَ نَحْيا حكم على النّوع بجملته،من غير اعتبار تقديم و تأخير،أي تموت طائفة و تحيا طائفة،و أنّ المراد :بالموت،مفارقة الرّوح للجسد.

و قيل في الكلام تقديم و تأخير،أي نحيا و نموت.

و قيل:(نموت)عبارة عن كونهم لم يوجدوا،و(نحيا) أي في وقت وجودنا.و هذا قريب من الأوّل قبله،و لا ذكر للموت الّذي هو مفارقة الرّوح في هذين القولين.

(8:49)

الآلوسيّ: ما هِيَ أي ما الحياة إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا الّتي نحن فيها.و يجوز أن يكون الضّمير للحال، و الحياة الدّنيا من جملة الأحوال،فيكون المستثنى من جنس المستثنى منه أيضا،لاستثناء حال الحياة الدّنيا من أعمّ الأحوال،و لا حاجة إلى تقدير حال مضافا بعد أداة الاستثناء،أي ما الحال إلاّ حال الحياة الدّنيا.

نَمُوتُ وَ نَحْيا حكم على النّوع بجملته من غير اعتبار تقديم و تأخير،إلاّ أنّ تأخير(نحيا)في النّظم الجليل للفاصلة،أي تموت طائفة و تحيا طائفة و لا حشر أصلا.

و قيل:في الكلام تقديم و تأخير،أي نحيا و نموت، و ليس بذاك.

و قيل:أرادوا بالموت:عدم الحياة السّابق على نفخ الرّوح فيهم،أي نكون نطفا و ما قبلها و ما بعدها،و نحيا بعد ذلك.

و قيل:أرادوا بالحياة:بقاء النّسل و الذّرّيّة مجازا، كأنّهم قالوا:نموت بأنفسنا و نحيا ببقاء أولادنا و ذرارينا.

ص: 549

و قيل:أرادوا يموت بعضنا و يحيا بعض،على أنّ التّجوّز في الإسناد.و جوّز أن يريدوا بالحياة على سبيل المجاز:إعادة الرّوح لبدن آخر بطريق التّناسخ،و هو اعتقاد كثير من عبدة الأصنام،و لا يخفى بعد ذلك.

(25:153)

ابن عاشور :و تقدّم في سورة الأنعام:29، وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ و ضمير(هى)ضمير القصّة و الشّأن،أي قصّة الخوض في البعث تنحصر في أن لا حياة بعد الممات،أي القصّة هي انتفاء البعث كما أفاده حصر الأمر في الحياة الدّنيا،أي الحاضرة القريبة منّا،أي فلا تطيلوا الجدال معنا في إثبات البعث.

و يجوز أن يكون(هى)ضمير الحياة باعتبار دلالة الاستثناء على تقدير لفظ الحياة،فيكون حصرا لجنس الحياة في الحياة الدّنيا.

و جملة نَمُوتُ وَ نَحْيا مبيّنة لجملة ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا أي ليس بعد هذا العالم عالم آخر،فالحياة هي حياة هذا العالم لا غير،فإذا مات من كان حيّا خلفه من يوجد بعده،فمعنى نَمُوتُ وَ نَحْيا يموت بعضنا و يحيا بعض،أي يبقى حيّا إلى أمد،أو يولد بعد من ماتوا.

و للدّلالة على هذا التّطوّر عبّر بالفعل المضارع،أي تتجدّد فينا الحياة و الموت.فالمعنى:نموت و نحيا في هذه الحياة الدّنيا،و ليس ثمّة حياة أخرى.

ثمّ إن كانت هذه الجملة محكيّة بلفظ كلامهم فلعلّها ممّا جرى مجرى المثل بينهم،و إن كانت حكاية لمعنى كلامهم فهي من إيجاز القرآن،و هم إنّما قالوا:يموت بعضنا و يحيا بعضنا ثمّ يموت،فصار كالمثل.

و لا يخطر بالبال أنّ حكاية قولهم: نَمُوتُ وَ نَحْيا تقتضي إرادة نحيا بعد أن نموت،لأنّ قولهم: ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا يصرف عن خطور هذا بالبال.و العطف بالواو لا يقتضي ترتيبا بين المتعاطفين في الحصول.

و إنّما قدّم(نموت)في الذّكر على(و نحيا)في البيان مع أنّ المبيّن قولهم: ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا فكان الظّاهر أن يبدأ في البيان بذكر اللّفظ المبيّن،فيقال:نحيا و نموت.

فقيل:قدّم(نموت)لتتأتّى الفاصلة بلفظ(نحيا)مع لفظ (الدّنيا).

و عندي أنّ تقديم فعل(نموت)على(نحيا)للاهتمام بالموت في هذا المقام،لأنّهم بصدد تقرير أنّ الموت لا حياة بعده،و يتّبع ذلك الاهتمام تأتّي طباقين بين حَياتُنَا الدُّنْيا و(نموت)،ثمّ بين(نموت)و(نحيا) و حصلت الفاصلة تبعا،و ذلك أدخل في بلاغة الإعجاز، و لذلك أعقبه بقوله تعالى: وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ، فالإشارة ب«ذلك»إلى قولهم: وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ، أي لا علم لهم بأنّ الدّهر هو المميت؛إذ لا دليل.

و أمّا زيادة وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ فقصدوا تأكيد معنى انحصار الحياة و الموت في هذا العالم المعبّر عنه عندهم بالدّهر،فالحياة بتكوين الخلقة،و الممات بفعل الدّهر،فكيف يرجى لمن أهلكه الدّهر أن يعود حيّا؟ فالدّهر هو الزّمان المستمرّ المتعاقب ليله و نهاره.

و المعنى:أحياؤنا يصيرون إلى الموت بتأثير الزّمان، أي حدثانه من طول مدّة يعقبها الموت بالشّيخوخة،أو من أسباب تقضي إلى الهلاك،و أقوالهم في هذا كثيرة،

ص: 550

و من الشّعر القديم قول عمرو بن قميئة:

رمتني بنات الدّهر من حيث لا أرى

فما بال من يرمى و ليس برام

و لعلّهم يريدون أنّه لو تأثّر الزّمان لبقي النّاس أحياء،كما قال أسقف نجران:

منع البقاء تقلّب الشّمس

و طلوعها من حيث لا تمسي

فلمّا كان الموت بفعل الدّهر فكيف يرجى أن يعودوا أحياء؟و هذه كلمات كانت تجري على ألسنتهم لقلة التّدبّر في الأمور،و إن كانوا يعلمون أنّ اللّه هو الخالق للعوالم.و أمّا ما يجري في العالم من التّصرّفات فلم يكن لهم فيه رأي،و كيف و حالتهم الأمّيّة لا تساعد على ذلك، و كانوا يخطئون في التّفاصيل حتّى يأتوا بما يناقض ما يعتقدونه.(25:377)

مغنيّة: قال المادّيّون أو الدّهريّون-عبّر بما شئت- قالوا:إنّ الإنسان خليط من أشياء مادّيّة تجمّعت من هنا و هناك و تفاعلت،فإذا مات فإلى فناء،و لا شيء بعد الموت تماما كالنّبات و الحشرات،و ما نراه في الإنسان من إدراك و إحساس فهو من إفراز الجسم و وليد الظّروف و الملابسات،أي إنّ عقل الإنسان و عاطفته من الأعراض الثّانويّة الّتي لا أصالة لها و لا استقلال.

(7:29)

الطّباطبائيّ: و الآية على ما يعطيه السّياق-سياق الاحتجاج على الوثنيّين المثبتين للصّانع المنكرين للمعاد -حكاية قول المشركين في إنكار المعاد،لا كلام الدّهريّين النّاسبين للحوادث وجودا و عدما إلى الدّهر،المنكرين للمبدإ و المعاد جميعا؛إذ لم يسبق لهم ذكر في الآيات السّابقة.

فقولهم: ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا الضّمير للحياة، أي لا حياة لنا إلاّ حياتنا الدّنيا لا حياة وراءها،فلا وجود لما يدّعيه الدّين الإلهيّ من البعث و الحياة الآخرة،و هذا هو القرينة المؤيّدة،لأن يكون المراد بقوله: نَمُوتُ وَ نَحْيا يموت بعضنا و يحيا بعضنا الآخر،فيستمرّ بذلك بقاء النّسل الإنسانيّ بموت الأسلاف و حياة الأخلاف.

و يؤيّد ذلك بعض التّأييد قوله بعده: وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ المشعر بالاستمرار.

فالمعنى:و قال المشركون:ليست الحياة إلاّ حياتنا الدّنيا الّتي نعيش بها في الدّنيا،فلا يزال يموت بعضنا و هم الأسلاف،و يحيا آخرون و هم الأخلاف،و ما يهلكنا إلاّ الزّمان-الّذي بمروره يبلي كلّ جديد و يفسد كلّ كائن و يميت كلّ حيّ-فليس الموت انتقالا من دار إلى دار، منتهيا إلى البعث و الرّجوع إلى اللّه.

و لعلّ هذا كلام بعض الجهلة من وثنيّة العرب،و إلاّ فالعقيدة الدّائرة بين الوثنيّة هي التّناسخ:و هو أنّ نفوس غير أهل الكمال إذا فارقت الأبدان تعلّقت بأبدان أخرى جديدة،فإن كانت النّفس المفارقة اكتسبت السّعادة في بدنها السّابق تعلّقت ببدن جديد تتنعّم فيه و تسعد،و إن كانت اكتسبت الشّقاء في البدن السّابق تعلّقت ببدن لاحق تشقى فيه و تعذّب،جزاء لعملها السّيّئ و هكذا، و هؤلاء لا ينكرون استناد أمر الموت كالحياة إلى وساطة الملائكة.

و لهذا أعني كون القول بالتّناسخ دائرا بين الوثنيّة.

ص: 551

ذكر بعض المفسّرين أنّ المراد بالآية قولهم بالتّناسخ، و المعنى: إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا فلسنا نخرج من الدّنيا أبدا(نموت)عن حياة دنيا(و نحيا)بعد الموت بالتّعلّق ببدن جديد،و هكذا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ.

و هذا لا يخلوا من وجه،لكن لا يلائمه قولهم المنقول ذيلا: وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ إلاّ أن يوجّه بأنّ مرادهم من نسبة الإهلاك إلى الدّهر:كون الدّهر وسيلة يتوسّل بها الملك الموكّل على الموت إلى الإماتة،و كذا لا تلائمه حجّتهم المنقولة ذيلا اِئْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الطّاهرة في أنّهم يرون آباءهم معدومين باطلي الذّوات.

و ذكر في معنى الآية وجوه أخر لا يعبأ بها،كقول بعضهم:المعنى نكون أمواتا لا حياة فيها و هو قبل ولوج الرّوح،ثمّ نحيا بولوجها،على حدّ قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ البقرة:28.

و قول بعضهم:المراد بالحياة:بقاء النّسل مجازا، و المعنى:نموت نحن و نحيا ببقاء نسلنا،إلى غير ذلك ممّا قيل.(18:174)

مكارم الشّيرازيّ: عقائد الدّهريّين

في هذه الآيات بحث آخر حول منكري التّوحيد، غاية ما هناك أنّه قد ذكر هنا اسم جماعة خاصّة منهم، و هم الدّهريّون الّذين كانوا ينكرون وجود صانع حكيم لعالم الوجود مطلقا،في حين أنّ أكثر المشركين كانوا يؤمنون ظاهرا باللّه،و كانوا يعتبرون الأصنام شفعاء عند اللّه،فتقول الآية أوّلا: وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا فكما يموت من يموت منّا،يولد من يولد منّا، و بذلك يستمرّ النّسل البشريّ وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ و بهذا فإنّهم كانوا ينكرون المعاد كما ينكرون المبدأ،و الجملة الأولى ناظرة إلى إنكارهم المعاد،أمّا الجملة الثّانية فتشير إلى إنكار المبدإ.

و الجدير بالانتباه أنّ هذا التّعبير قد ورد في آيتين أخريين:الأنعام:29، وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ و المؤمنون:37، إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ.

إلاّ أنّ التّأكيد في الآيتين إنكار المعاد و حسب،و لم يرد إنكار المبدإ و المعاد معا إلاّ في هذه الآية.

و من الواضح أنّ هؤلاء إنّما كانوا يؤكّدون المعاد أكثر من المبدإ،لخوفهم،و اضطرابهم من التّأثير الّذي كان من الممكن أن يغيّر مسير حياتهم المليئة بالشّهوات و الخاضعة لها.

و قد ذكر المفسّرون عدّة تفاسير لجملة نَمُوتُ وَ نَحْيا: [و ذكرها ثمّ قال:]

غير أنّ التّفسير الأوّل-و هو أنّهم يموتون و أولادهم يحيون-هو أنسب الجميع و أفضلها.

و على أيّة حال،فإنّ جماعة من المادّيّين في العصور الخالية كانوا يعتقدون بأنّ الدّهر و الأيّام هي الفاعلة في هذا العالم-أو بتعبير جماعة آخرين:إنّ الفاعل هو دوران الأفلاك و أوضاع الكواكب-و كانوا ينهون سلسلة الحوادث إلى الأفلاك،و يعتقدون أنّ كلّ ما يقع في هذا العالم بسببها،حتّى أنّ جماعة من فلاسفة الدّهريّين و أمثالهم كانوا يقولون بوجود عقل للأفلاك، و يعتقدون أنّ تدبير هذا العالم بيدها.

إنّ هذه العقائد الخرافيّة قد انقرضت بمرور الزّمان،

ص: 552

خاصّة و قد ثبت بتقدّم علم الهيئة عدم وجود شيء باسم الأفلاك-الكرات المتداخلة الصّافية-في الوجود الخارجيّ أصلا،و أنّ لنجوم العالم العلويّ بناء كبناء الكرة الأرضيّة بتفاوت ما،غاية ما في الأمر أنّ بعضها مظلم و يكتسب نوره من الكرات الأخرى،و بعضها الآخر في حالة اشتعال و إنارة.(16:204)

فضل اللّه :فليست هناك حياة غيرها،و ليست هناك قوّة غيبيّة تحرّك وجودنا بطريقة خفيّة لتكون لها قدرة على إبداع الحياة من جديد.فنحن نعيش في هذه الحياة الدّنيا،فنموت كبشر في جيل ماض،و نحيا في جيل جديد،ضمن حركة الحياة و الموت الّتي تحكم الوجود الإنسانيّ بشكل طبيعيّ.و ربّما كانت كلمتا نَمُوتُ وَ نَحْيا معبّرتين عن النّوع الإنسانيّ بأكمله، و يكون تقديم الموت على الحياة،تعبيرا فنّيّا نلحظ فيه التّناسب في موسيقي الكلمات.

وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ و هو الزّمن الّذي يترك في استمراره تأثيرا على عناصر الحياة و الموجودات فيبلي كلّ جديد،و يهلك كلّ وجود،فهو الّذي يعطّل دور كلّ عضو من أعضائنا،و يفني الأجهزة المودعة في خلايانا.فنموت عند ما تستنفد الحياة طاقتها على البقاء، فلا غيب،و لا خفاء،بل هو الحسّ الّذي يتحرّك أمام الأعين،في حركة الوجود و الفناء.

و لكنّ القرآن يطرح موقفه من هذه المسألة،من خلال السّؤال عن مصدر هذه الأحكام،فهل هناك دليل على نفي الحياة الأخرى،يحكم به العقل،أو تقود إليه التّجربة؟!و كيف يفسّرون القوّة الخفيّة الّتي تمثّل مصدر الحياة؟و إذا كانوا يفسّرون نهاية الحياة،بتأثير الزّمن على الأجسام الحيّة،فكيف يفسّرون بداية حياة الأشياء الجامدة؟و كيف يفسّرون تحوّل الغذاء إلى دم، و الدّم إلى نطفة،و تحوّل النّطفة،في تطوّر نوعيّ متقن،إلى إنسان؟إلى غير ذلك من الأمور الّتي ترصد الظّواهر الحياتيّة،و تلاحظ أنّ هناك شيئا غير المادّة،ممّا لا يملكون علمه بالدّقّة و العمق و الشّمول، وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ فليس لديهم إلاّ النّفي الّذي يحتاج إلى دليل،كما يحتاج الإثبات إلى دليل، إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ انطلاقا من الحدس المبنيّ على الاحتمال،و الّذي يتحرّك في أجواء الخيال،و في مجالات الاستبعاد،من دون علم.

(20:329)

احيا

1- ...وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها... البقرة:164

راجع أ ر ض:«إحياء الأرض».

2- ...وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً.

المائدة:33

لاحظ:ق ت ل:«قتل».

3- وَ اللّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. النّحل:65

الطّبريّ: فأنبت-بما أنزل من ذلك الماء من السّماء-الأرض الميتة الّتي لا زرع بها و لا عشب

ص: 553

و لا نبت.(14:130)

الطّوسيّ: أي أحياها بالنّبات بعد جدوبها و قحطها.(6:398)

نحوه الميبديّ(5:304)،و البيضاويّ(1:560)، و أبو السّعود(4:73)،و القاسميّ(14:3823).

ابن عطيّة: لمّا أمره بتبيين ما اختلف فيه،نصّ العبر المؤدّية إلى تبيين أمر الرّبوبيّة،فبدأ بنعمة المطر الّتي هي أبين العبر،و هي ملاك الحياة،و هي في غاية الظّهور لا يخالف فيها عاقل،و حياة الأرض و موتها استعارة و تشبيه بالحيوان،فإذا هي هامدة غبراء غير منبتة فهي كالميّت؛و إذ هي منبتة مخضرّة مهتزّة رابية فهي كالحيّ.

(3:404)

نحوه الفخر الرّازيّ(20:63)،و البروسويّ(5:

47)،و الآلوسيّ(14:175).

أبو حيّان :[نقل قول ابن عطيّة ثمّ قال:]

لمّا ذكر إنزال الكتاب للتّبيين كان القرآن حياة الأرواح و شفاء لما في الصّدور من علل العقائد،و لذلك ختم بقوله: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، أي يصدّقون،و التّصديق محلّه القلب،فكذا إنزال المطر الّذي هو حياة الأجسام و سبب لبقائها.

ثمّ أشار بإحياء الأرض بعد موتها إلى إحياء القلوب بالقرآن،كما قال تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122،فكما تصير الأرض خضرة بالنّبات نضرة بعد همودها،كذلك القلب يحيا بالقرآن بعد أن كان ميّتا بالجهل.(5:507)

ابن عاشور :و إحياء الأرض:إخراج ما فيه الحياة، و الكلأ و الشّجر،و موتها ضدّ ذلك،فتعدية فعل(احيا) إلى الأرض تعدية مجازيّة.(13:159)

الطّباطبائيّ: يريد إنبات الأرض بعد ما انقطعت عنه بحلول الشّتاء بماء السّماء الّذي هو المطر،فتأخذ أصول النّباتات و بذورها في النّموّ بعد سكونها،و هي حياة من سنخ الحياة الحيوانيّة و إن كانت أضعف منها.

و قد اتّضح بالأبحاث الحديثة أنّ للنّبات من جراثيم الحياة ما للحيوان،و إن اختلفتا صورة و أثرا.

(12:288)

مكارم الشّيرازيّ: لقد تناولت آيات قرآنيّة كثيرة مسألة إحياء الأرض،بواسطة نزول الأمطار من السّماء،فكم من أرض يابسة أو ميتة أحيانا أو قد أصابها الجفاف،فجعلها خارجة عن مجال الاستفادة من قبل الإنسان،و نتيجة لما وصلت إليه من وضع قد يخيّل للإنسان أنّها أرض غير منبتة أصلا،و لا يصدّق بأنّها ستكون أرض معطاء مستقبلا،و لكن بتوالي سقوط المطر عليها و ما يبثّ عليها من أشعّة الشّمس،ترى و كأنّها ميّت قد تحرّك،حينما تدبّ فيه الرّوح من جديد، فتسري في عروقها دماء المطر و تعادلها الحياة،فتعمل بحيويّة و نشاط،و تقدّم أنواع الورود و النّباتات،و من ثمّ تتّجه إليها الحشرات و الطّيور و أنواع الحيوانات الأخرى من كلّ جانب،و بذلك تبدأ عجلة الحياة على ظهرها بالدّوران من جديد.

و خلاصة المقال أنّه سيبقى الإنسان مبهوتا أمام تحوّل الأرض الميتة إلى مسرح جديد للحياة،و هذا بحقّ من أعظم عجائب الخلقة.

ص: 554

و هذا المظهر من مظاهر قدرة و عظمة الخالق عزّ و جلّ،يدلّل بما لا يقبل الشّكّ على إمكان المعاد،و ما ارتداء الأموات لباس الحياة الجديد إلاّ أمر خاضع لقدرته سبحانه.

يلاحظ أرض:«إحياء الأرض».(8:210)

4- وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا. النّجم:44

عطاء:أمات بعد له و أحيا بفضله.

(القرطبيّ17:117)

الطّبريّ: أنّه هو أمات من مات من خلقه،و هو أحيا من حيي منهم.و عنى بقوله:(احيا)نفخ الرّوح في النّطفة الميّتة،فجعلها حيّة بتصييره الرّوح فيها.

(27:75)

أبو مسلم الأصفهانيّ: خلق الموت و الحياة،كما قال تعالى: اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ الملك:2.

(الماورديّ 5:404)

الثّعلبيّ: أفنى في الدّنيا وَ أَحْيا للبعث.

و قيل:أمات الآباء و أحياء الأبناء.

و قيل:أمات النّطفة و أحيا النّسمة.

و قيل:أمات الكافر بالنّكرة و القطيعة،و أحيا المؤمن بالمعرفة و الوصلة.قال سبحانه: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122.

و قال القاسم:أمات عن ذكره و أحيا بذكره،و قيل:

أمات بالمنع و البخل و أحيا بالجود و البذل.(9:156)

نحوه البغويّ.(4:317)

الماورديّ: فيه خمسة أوجه:

أحدها:قضى أسباب الموت و الحياة.

الثّاني:[قول أبي مسلم الأصفهانيّ]

الثّالث:أن يريد بالحياة:الخصب،و بالموت:الجدب.

الرّابع:أمات بالمعصية،و أحيا بالطّاعة.

الخامس:أمات الآباء،و أحيا الأبناء.

و يحتمل سادسا:أن يريد به:أنام و أيقظ.

(5:404)

نحوه القرطبيّ.(17:117)

الطّوسيّ: معناه أنّه تعالى الّذي يخلق الموت فيميت به الأحياء،لا يقدر على الموت غيره؛لأنّه لو قدر على الموت غيره لقدر على الحياة؛لأنّ القادر على الشّيء قادر على ضدّه،و لا أحد يقدر على الحياة إلاّ اللّه.

و قوله:(و احيا)أي هو الّذي يقدر على الحياة الّتي يحيي بها الحيوان،لا يقدر عليها غيره من جميع المحدثات.(9:436)

نحوه الطّبرسيّ.(5:182)

القشيريّ: أماته في الدّنيا،و أحياه في القبر،فالقبر إمّا للرّاحة و إمّا للإحساس بالعقوبة.

و يقال:أماته في الدّنيا،و أحياه في الحشر.

و يقال:أمات نفوس الزّاهدين بالمجاهدة،و أحيا قلوب العارفين بالمشاهدة.

و يقال:أمات نفوسهم بالمعاملات،و أحيا قلوبهم بالمواصلات.

و يقال:أماتها بالهيبة،و أحياها بالأنس.

و يقال:بالاستتار،و التّجلّي.

و يقال:بالإعراض عنه،و الإقبال عليه.

ص: 555

و يقال:بالطّاعة،و المعصية.(6:58)

الميبديّ: [نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

و قيل:أمات في الدّنيا و أحيا في القبر إمّا للرّاحة و إمّا للإحساس بالعقوبة.و قيل:خلق الموت و الحياة.

(9:370)

الفخر الرّازيّ: و البحث فيه كما في الضّحك و البكاء،غير أنّ اللّه تعالى في الأوّل بيّن خاصّة النّوع الّذي هو أخصّ من الجنس،فإنّه أظهر و عن التّعليل أبعد،ثمّ عطف عليه ما هو أعمّ منه و دونه في البعد عن التّعليل،و هي الإماتة و الإحياء،هما صفتان متضادّتان، أي الموت و الحياة كالضّحك و البكاء.و الموت على هذا ليس بمجرّد العدم،و إلاّ لكان الممتنع ميّتا.

و كيفما كان فالإماتة و الإحياء أمر وجوديّ و هما من خواصّ الحيوان.و يقول:الطّبيعيّ في الحياة لاعتدال المزاج،و المزاج من أركان متضادّة هي النّار و الهواء، و الماء و التّراب،و هي متداعية إلى الانفكاك،و ما لا تركيب فيه من المتضادّات لا موت له،لأنّ المتضادّات كلّ أحد يطلب مفارقة مجاوره،فقال تعالى:الّذي خلق و مزج العناصر و حفظها مدّة،قادر على أن يحفظها أكثر من ذلك،فإذا مات فليس عن ضرورة،فهو بفعل فاعل مختار و هو اللّه تعالى،فهو الّذي أمات و أحيا.

فإن قيل:متى أمات و أحيا حتّى يعلم ذلك،بل مشاهدة الإحياء و الإماتة بناء على الحياة و الموت؟

نقول:فيه وجوه:

أحدها:أنّه على التّقديم و التّأخير،كأنّه قال:أحيا و أمات.

ثانيها:هو بمعنى المستقبل فإنّ الأمر قريب،يقال:

فلان وصل و اللّيل دخل،إذا قرب مكانه و زمانه، فكذلك الإحياء و الإماتة.

ثالثها:أمات،أي خلق الموت و الجمود في العناصر، ثمّ ركّبها و أحيا،أي خلق الحسّ و الحركة فيها.

(29:19)

البيضاويّ: لا يقدر على الإماتة و الإحياء غيره، فإنّ القاتل ينقض البنية،و الموت يحصل عنده بفعل اللّه تعالى،على سبيل العادة.(2:433)

نحوه أبو السّعود(6:161)،و الآلوسيّ(27:68).

البروسويّ: [نقل أقوال المتقدّمين و أضاف:]

يقول الفقير:قدّم الإماتة على الإحياء رعاية للفاصلة و لأنّ النّطفة قبل النّسمة،و لأنّ موت القلب قبل حياته و لأنّ موت الجسد قبل حياته في القبر.

و أيضا في تقديم الإماتة تعجيل لأثر القهر لينتبه المخاطبون.و أيضا إنّ العدم قبل الوجود،ثمّ إنّ مآل الوجود إلى الفناء و العدم،فلا ينبغي الاغترار بحياة بين الموتين و وجود بين العدمين،و اللّه الموفّق.(9:255)

ابن عاشور :انتقل من الاعتبار بانفراد اللّه بالقدرة على إيجاد أسباب المسرّة و الحزن-و هما حالتان لا تخلو عن إحداهما نفس الإنسان-إلى العبرة بانفراده تعالى بالقدرة على الإحياء و الإماتة،و هما حالتان لا يخلو الإنسان عن إحداهما،فإنّ الإنسان أوّل وجوده نطفة ميتة ثمّ علقة ثمّ مضغة-قطعة ميتة و إن كانت فيها مادّة الحياة إلاّ أنّها لم تبرز مظاهر الحياة فيها-ثمّ ينفخ فيه الرّوح فيصير إلى حياة،و ذلك بتدبير اللّه تعالى و قدرته.

ص: 556

و لعلّ المقصود هو العبرة بالإماتة،لأنّها أوضح عبرة،و للرّدّ عليهم قولهم: وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ الجاثية:24،و أنّ عطف وَ أَحْيا تتميم و احتراس،كما في قوله: اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ الملك:2، و لذلك قدّم أَماتَ على أَحْيا مع الرّعاية على الفاصلة،كما تقدّم في أَضْحَكَ وَ أَبْكى النّجم:43.

و موقع الجملة كموقع جملة: وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى النّجم:40،فإن كان مضمونها ممّا شملته صحف إبراهيم كان المحكيّ بها من كلام إبراهيم ما حكاه اللّه عنه بقوله: وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ الشّعراء:81.

و فعلا أَماتَ وَ أَحْيا منزّلان منزلة اللاّزم،كما تقدّم في قوله: وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى النّجم:43، إظهارا لبديع القدرة على هذا الصّنع الحكيم،مع التّعريض بالاستدلال على كيفيّة البعث و إمكانه،حيث أحاله المشركون،و شاهده في خلق أنفسهم.

و ضمير الفصل للقصر على نحو قوله: وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى ردّا على أهل الجاهليّة الّذين يسندون الإحياء و الإماتة إلى الدّهر،فقالوا: وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ. فليس المراد الحياة الآخرة،لأنّ المتحدّث عنهم لا يؤمنون بها و لأنّها مستقبلة و المتحدّث عنه ماض.

و في هذه الآية محسّن الطّباق أيضا لما بين الحياة و الموت من التّضادّ.(27:143)

مغنيّة:هو سبحانه يهب الحياة و يأخذها،أمّا قول من قال:إنّ المادّة أصل الحياة و سببها فهو مجرّد ادّعاء تكذّبه بديهة العقل،لأنّ المادّة لا تتحرّك بطبيعتها بل بعلّة مغايرة لها،و أيّ عاقل يقبل القول بأنّ المادّة الصّمّاء أنشأت بنفسها لنفسها أبصارا و أسماعا و أفئدة!و إذا كانت الحياة صفة تلازم المادّة فلما ذا ظهر النّموّ و الحركة و الحسّ و التّفكير في بعضها دون بعض؟

و إن قال قائل:إنّ لبعض أفراد المادّة استعدادا للحياة دون بعض.

قلنا في جوابه:من أين جاءت هذه التّفرقة؟هل جاءت من داخل المادّة أو خارجها؛فإن كانت من الدّاخل وجب أن تكون كلّ مادّة صالحة لاستقبال الحياة،و إلاّ لزم أن يكون الشّيء الواحد سببا لوجود الشّيء و عدمه في آن واحد،و إن جاءت بسبب خارج عن المادّة،فهو الّذي نقول.(7:185)

الطّباطبائيّ: الكلام في انتساب الموت و الحياة إلى أسباب أخر طبيعيّة و غير طبيعيّة كالملائكة،كالكلام في انتساب الضّحك و البكاء إلى غيره تعالى،مع انحصار الإيجاد فيه تعالى.

[و تقدّم كلامه في«بكي»فلاحظ](19:49)

احياهم

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ... البقرة:243

ابن عبّاس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطّاعون،فأماتهم اللّه،فمرّ عليهم نبيّ من الأنبياء،فدعا ربّه أن يحييهم حتّى يعبدوه،فأحياهم.

(الطّبريّ 2:586)

نحوه مقاتل.(أبو حيّان 2:251)

الحسن :فرّوا من الطّاعون،فقال لهم اللّه:موتوا،ثمّ

ص: 557

أحياهم ليكملوا بقيّة آجالهم.(الطّبريّ 2:589)

الإمام الباقر عليه السّلام:حمران بن أعين قلت له:حدّثني عن قول اللّه تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا... قلت:

أحياهم حتّى نظر النّاس إليهم،ثمّ أماتهم من يومهم،أو ردّهم إلى الدّنيا حتّى سكنوا الدّور و أكلوا الطّعام و نكحوا النّساء؟

قال:بل ردّهم اللّه حتّى سكنوا الدّور و أكلوا الطّعام و نكحوا النّساء،و لبثوا بذلك ما شاء اللّه،ثمّ ماتوا بآجالهم.(العيّاشيّ 1:249)

إنّ هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشّام،و كانوا إذا وقع الطّاعون و أحسّوا به خرج من المدينة الأغنياء لقوّتهم،و بقي فيها الفقراء لضعفهم،فكان الموت يكثر في الّذين أقاموا،و يقلّ في الّذين خرجوا،فيقول الّذين خرجوا:لو كنّا أقمنا لكثر فينا الموت.و يقول الّذين أقاموا:

لو كنّا خرجنا لقلّ فينا الموت.

قال:فاجتمع رأيهم جميعا أنّه إذا وقع الطّاعون و أحسّوا به،خرج كلّهم من المدينة،فلمّا أحسّوا بالطّاعون خرجوا جميعا،و تنحّوا عن الطّاعون حذر الموت، فسافروا في البلاد ما شاء اللّه.ثمّ إنّهم مرّوا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها،و أفناهم الطّاعون،فنزلوا بها،فلمّا حطّوا رحالهم و اطمأنّوا،قال لهم اللّه تعالى عزّ و جلّ:

موتوا جميعا،فماتوا من ساعتهم و صاروا رميما يلوح.

و كانوا على طرق المارّة فكنّسهم المارّة فنحّوهم و جمعوهم في موضع،فمرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له:«حزقيل»،فلمّا رأى تلك العظام بكى و استعبر، و قال:ربّ لو شئت لأحييتهم السّاعة كما أمتّهم،فعمّروا بلادك،و ولّدوا عبادك،و عبدوك مع من يعبدك من خلقك،فأوحى اللّه إليه أ فتحبّ ذلك؟قال:نعم يا ربّ، فأحياهم اللّه.

قال:فأوحى اللّه عزّ و جلّ أن قل:كذا و كذا،فقال الّذي أمره اللّه عزّ و جلّ أن يقوله.قال:قال أبو عبد اللّه:

و هو الاسم الأعظم فلمّا قال«حزقيل»ذلك نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض،فعادوا أحياء ينظر بعضهم إلى بعض،يسبّحون اللّه عزّ و جلّ و يكبّرونه و يهلّلونه، فقال«حزقيل»عند ذلك:أشهد أنّ اللّه على كلّ شيء قدير.(الكاشانيّ1:250)

نحوه وهب بن منبّه(الطّبريّ2:586)،و السّدّيّ (الطّبريّ2:587)،و ابن إسحاق و ابن زيد(الطّبريّ2:

588)،و النّيسابوريّ(2:303).

قتادة :مقتهم اللّه على فرارهم من الموت،فأماتهم اللّه عقوبة،ثمّ بعثهم إلى بقيّة آجالهم ليستوفوها،و لو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم.

(الطّبريّ2:589)

الماورديّ: فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا فيه قولان:

أحدهما:يعني فأماتهم اللّه،كما يقال:قالت السّماء فمطرت،لأنّ القول مقدّمة الأفعال،فعبّر به عنها.

و الثّاني:أنّه تعالى قال قولا سمعته الملائكة.

ثُمَّ أَحْياهُمْ إنّما فعل ذلك معجزة لنبيّ من أنبيائه كان اسمه«شمعون»من أنبياء بني إسرائيل،و أنّ مدّة موتهم إلى أن أحياهم اللّه سبعة أيّام.(1:312)

الطّوسيّ: قيل:في معناه قولان:

أحدهما:أنّ معناه أماتهم اللّه.

ص: 558

الثّاني:أن يكون أحياهم عند قول سمعته الملائكة بضرب من العبرة.

و يجوز-عندنا-أن يكونوا أحيوا في غير زمان نبيّ.

و قالت المعتزلة:لا يجوز أن يكون ذلك إلاّ في زمان نبيّ، لأنّ المعجزة لا يجوز ظهورها إلاّ للدّلالة على صدق نبيّ تكون له آية.و قد بيّنّا فساد ذلك في غير موضع،و أنّه تجوز المعجزات على دين من الصّادقين:من الأئمّة، و الأولياء و إن لم يكونوا أنبياء.(2:283)

ابن العربيّ: إنّ بني إسرائيل لمّا سلّط عليهم رجز الطّاعون،و مات منهم عدد كثير،خرجوا هاربين من الموت،فأماتهم اللّه تعالى مدّة،عقوبة لهم،ثمّ أحياهم آية،و ميتة العقوبة بعدها حياة،و ميتة الأجل لا حياة بعدها.(1:228)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

هذه الآية حجّة على من أنكر عذاب القبر و الرّجعة معا؛لأنّ إحياء أولئك،مثل إحياء هؤلاء الّذين أحياهم اللّه للاعتبار.(1:347)

الفخر الرّازيّ: ففيه مسائل:

المسألة الأولى:الآية دالّة على أنّه تعالى أحياهم بعد أن ماتوا فوجب القطع به؛و ذلك لأنّه في نفسه جائز، و الصّادق أخبر عن وقوعه،فوجب القطع بوقوعه.

أمّا الإمكان فلأنّ تركّب الأجزاء على الشّكل المخصوص ممكن،و إلاّ لما وجد أوّلا،و احتمال تلك الأجزاء للحياة ممكن،و إلاّ لما وجد أوّلا،و متى ثبت هذا فقد ثبت الإمكان.

و أمّا إنّ الصّادق قد أخبر عنه ففي هذه الآية،و متى أخبر الصّادق عن وقوع ما ثبت في العقل إمكان وقوعه، وجب القطع به.

المسألة الثّانية:قالت المعتزلة:إحياء الميّت فعل خارق للعادة،و مثل هذا لا يجوز من اللّه تعالى إظهاره إلاّ عند ما يكون معجزة لنبيّ؛إذ لو جاز ظهوره لا لأجل أن يكون معجزة لنبيّ،لبطلت دلالة على النّبوّة.و أمّا عند أصحابنا فإنّه يجوز إظهار خوارق العادات لكرامة الوليّ و لسائر الأغراض،فكان هذا الحصر باطلا.

ثمّ قالت المعتزلة:و قد روي أنّ هذا الإحياء إنّما وقع في زمان«حزقيل»النّبيّ عليه السّلام ببركة دعائه،و هذا يحقّق ما ذكرناه من أنّ مثل هذا لا يوجد إلاّ ليكون معجزة للأنبياء عليهم السّلام.

و قيل:«حزقيل»هو ذو الكفل،و إنّما سمّي بذلك لأنّه تكفّل بشأن سبعين نبيّا و أنجاهم من القتل.

و قيل:إنّه عليه السّلام مرّ بهم و هم موتى،فجعل يفكّر فيهم متعجّبا،فأوحى اللّه تعالى إليه:إن أردت أحييتهم و جعلت ذلك الإحياء آية لك،فقال:نعم فأحياهم اللّه تعالى بدعائه.

المسألة الثّالثة:أنّه قد ثبت بالدّلائل أنّ معارف المكلّفين تصير ضروريّة عند القرب من الموت،و عند معاينة الأهوال و الشّدائد،فهؤلاء الّذين أماتهم اللّه ثمّ أحياهم،لا يخلو إمّا أن يقال:إنّهم عاينوا الأهوال و الأحوال الّتي معها صارت معارفهم ضروريّة،و إمّا ما شاهدوا شيئا من تلك الأهوال،بل اللّه تعالى أماتهم بغتة كالنّوم الحادث من غير مشاهدة الأهوال البتّة.

فإن كان الحقّ هو الأوّل،فعند ما أحياهم يمتنع أن

ص: 559

يقال:إنّهم نسوا تلك الأهوال و نسوا ما عرفوا به ربّهم بضرورة العقل،لأنّ الأحوال العظيمة لا يجوز نسيانها مع كمال العقل،فكان يجب أن تبقى تلك المعارف الضّروريّة معهم بعد الإحياء،و بقاء تلك المعارف الضّروريّة يمنع من صحّة التّكليف،كما أنّه لا يبقى التّكليف في الآخرة.

و إمّا أن يقال:إنّهم بقوا بعد الإحياء غير مكلّفين، و ليس في الآية ما يمنع منه،أو يقال:إنّ اللّه تعالى حين أماتهم ما أراهم شيئا من الآيات العظيمة الّتي تصير معارفهم عندها ضروريّة،و ما كان ذلك الموت كموت سائر المكلّفين الّذين يعاينون الأهوال عند القرب من الموت.و اللّه أعلم بحقائق الأمور.(6:175)

البيضاويّ: [نقل القصّة نحو ما تقدّم عن الإمام الباقر عليه السّلام و أضاف:]

و فائدة القصّة تشجيع المسلمين على الجهاد و التّعريض للشّهادة،و حثّهم على التّوكّل و الاستسلام للقضاء.(2:128)

نحوه البروسويّ.(1:377)

النّسفيّ: خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ من قرية-قيل:

واسط-وقع فيهم الطّاعون فخرجوا هاربين فأماتهم اللّه،ثمّ أحياهم بدعاء حزقيل عليه السّلام.

و قيل:هم قوم من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد فهربوا حذرا من الموت،فأماتهم اللّه ثمانية أيّام ثمّ أحياهم.[إلى أن قال:]

ليعتبروا و يعلموا أنّه لا مفرّ من حكم اللّه و قضائه.

و هو معطوف على فعل محذوف تقديره:فماتوا ثمّ أحياهم، أو لمّا كان معنى قولهم فقال لهم اللّه:موتوا،فأماتهم،كان عطفا عليه معنى.(1:122)

الخازن :[نقل بعض الأقوال و أضاف:]

فإن قلت:كيف أميت هؤلاء مرّتين في الدّنيا،و قد قال اللّه تعالى: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى الدّخان:56؟

قلت:إنّ موتهم كان عقوبة لهم كما قال قتادة،و قيل:

إنّ موتهم و إحياءهم كان معجزة من معجزات ذلك النّبيّ، و معجزات الأنبياء خوارق للعادات و نوادر،فلا يقاس عليها،فيكون قوله: إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى. عامّا مخصوصا بمعجزات الأنبياء،أي إلاّ الموتة الأولى الّتي ليست من معجزات الأنبياء،و لا من خوارق العادات.

و في هذه الآية احتجاج على اليهود و معجزة عظيمة لنبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم؛حيث أخبرهم بأمر لم يشاهدوه و لم يعلموا صحّة ذلك.و فيه احتجاج على منكري البعث أيضا؛إذ قد أخبر اللّه تعالى-و هو الصّادق في خبره-أنّه أماتهم ثمّ أحياهم في الدّنيا،فهو تعالى قادر على أن يحييهم يوم القيامة.(1:211)

أبو حيّان :العطف ب«ثمّ»يدلّ على تراخي الإحياء عن الإماتة،قال قتادة:«أحياهم ليستوفوا آجالهم».

و ظاهره أنّ اللّه هو الّذي أحياهم بغير واسطة...

و قيل:عنى بالموت:الجهل،و بالحياة:العلم،كما يحيا الجسد بالرّوح.و أتت هذه القصّة بين يدي الأمر بالقتال تشجيعا للمؤمنين،و حثّا على الجهاد و التّعريض للشّهادة،و إعلاما أن لا مفرّ ممّا قضى اللّه تعالى قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاّ ما كَتَبَ اللّهُ لَنا التّوبة:51،و احتجاجا على اليهود و النّصارى بإنبائه صلّى اللّه عليه و سلّم بما لا يدفعون صحّته مع

ص: 560

كونه أمّيّا لم يقرأ كتابا،و لم يدارس أحدا،و على مشركي العرب؛إذ من قرأ الكتب يصدّقه في أخباره بما جاء به ممّا هو في كتبهم.(2:250)

نحوه الشّربينيّ.(1:157)

رشيد رضا :قال الأستاذ الإمام:و هذا لا يمنع أن يكون بين الجملة المبدوءة بواو الاستئناف و بين ما قبلها تناسب و ارتباط في المعنى،غير ارتباط العطف و المشاركة في الإعراب،كما هو الشّأن هنا،فإنّ الآية الأولى مبيّنة لفائدة القتال في الدّفاع عن الحقّ أو الحقيقة،و الثّانية آمرة به بعد تقرير حكمته و بيان وجه الحاجة إليه، فالارتباط بينهما شديد الأواخي،لا يعتريه التّراخي.

خرجوا فارّين فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا أي أماتهم بإمكان العدوّ منهم،فالأمر أمر التّكوين لا أمر التّشريع، أي قضت سنّته في خلقه بأن يموتوا بما أتوه من سبب الموت،و هو تمكين العدوّ المحارب من إقفائهم بالفرار، ففتك بهم و قتل أكثرهم.و لم يصرّح بأنّهم ماتوا،لأنّ أمر التّكوين عبارة عن مشيئته سبحانه،فلا يمكن تخلّفه، و للاستغناء عن التّصريح بقوله بعد ذلك: ثُمَّ أَحْياهُمْ و إنّما يكون الإحياء بعد الموت.و الكلام في القوم لا في أفراد لهم خصوصيّة،لأنّ المراد بيان سنّته تعالى في الأمم الّتي تجبن فلا تدافع العادين عليها.

و معنى حياة الأمم و موتها في عرف النّاس جميعهم معروف.

فمعنى موت أولئك القوم هو أنّ العدوّ نكل بهم فأفنى قوّتهم:و أزال استقلال أمّتهم،حتّى صارت لا تعدّ أمّة، بأن تفرّق شملها،و ذهبت جامعتها.فكلّ من بقي من أفرادها خاضعين للغالبين ضائعين فيهم،مدغمين في غمارهم،لا وجود لهم في أنفسهم،و إنّما وجودهم تابع لوجود غيرهم.

و معنى حياتهم هو عود الاستقلال إليهم.ذلك أنّ من رحمة اللّه تعالى في البلاء يصيب النّاس أنّه يكون تأديبا لهم،و مطهّرا لنفوسهم ممّا عرض لها من دنس الأخلاق الذّميمة.

أشعر اللّه أولئك القوم بسوء عاقبة الجبن و الخوف و الفشل و التّخاذل بما أذاقهم من مرارتها،فجمعوا كلمتهم،و وثقوا رابطتهم،حتّى عادت لهم وحدتهم قويّة، فاعتزّوا و كثروا إلى أن خرجوا من ذلّ العبوديّة الّتي كانوا فيها إلى عزّ الاستقلال.

فهذا معنى:حياة الأمم و موتها،يموت قوم منهم باحتمال الظّلم،و بذلّ الآخرين حتّى كأنّهم أموات؛إذ لا تصدر عنهم أعمال الأمم الحيّة،من حفظ سياج الوحدة،و حماية البيضة،بتكافل أفراد الأمّة و منعتهم، فيعتبر الباقون فينهضون إلى تدارك ما فات،و الاستعداد لما هو آت،و يتعلّمون من فعل عدوّهم بهم كيف يدفعونه عنهم،قال عليّ كرّم اللّه وجهه:إنّ بقيّة السّيف هي الباقية،أي الّتي يحيا بها أولئك الميّتون.

فالموت و الإحياء واقعان على القوم في مجموعهم، على ما عهدنا في أسلوب القرآن؛إذ خاطب بني إسرائيل في زمن تنزيله بما كان من آبائهم الأوّلين،بمثل؛ وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ البقرة:49،و ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ البقرة:56،و غير ذلك.و قلنا:إنّ الحكمة في هذا الخطاب تقرير معنى وحدة الأمّة و تكافلها،

ص: 561

و تأثير سيرة بعضها في بعض حتّى كأنّها شخص واحد، و كلّ جماعة منها كعضو منه،فإن انقطع العضو العامل لم يكن ذلك مانعا من مخاطبة الشّخص بما عمله قبل قطعه.

و هذا الاستعمال معهود في سائر الكلام العربيّ،يقال:

هجمنا على بني فلان حتّى أفنيناهم،أو أتينا عليهم،ثمّ أجمعوا أمرهم و كرّوا علينا مثلا،و إنّما كرّ عليهم من بقي منهم.

أقول:و إطلاق«الحياة»على الحالة المعنويّة الشّريفة في الأشخاص و الأمم،و الموت على مقابلها معهود،كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ الأنفال:24،و قوله: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها... الأنعام:122.

و انظر إلى دقّة التّعبير في عطف الأمر بالموت على الخروج من الدّيار بالفاء الدّالّة على اتّصال الهلاك بالفرار من العدوّ،و إلى عطفه الإخبار بإحيائهم ب«ثمّ»الدّالّة على تراخي ذلك و تأخّره،و لأنّ الأمّة إذا شعرت بعلّة البلاء بعد وقوعه بها و ذهابه باستقلالها،فإنّه لا يتيسّر لها تدارك ما فات إلاّ في زمن طويل،فما قرّره الأستاذ الإمام هو ما يعطيه النّظم البليغ،و تؤيّده السّنن الحكيمة.و أمّا الموت الطّبيعيّ فهو لا يتكرّر كما علم من سنّة اللّه و من كتابه؛إذ قال: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى الدّخان:56،و قال: وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ المؤمن:11.

و لذلك أوّل بعضهم الموت هنا بأنّه نوع من السّكتة و الإغماء الشّديد لم تفارق به الأرواح أبدانها.

و قد قال بعد ما قرّره:هذا هو المتبادر فلا نحمل القرآن ما لا يحمل لنطبّقه على بعض قصص بني إسرائيل،و القرآن لم يقل:إنّ أولئك الألوف منهم،كما قال في الآيات الآتية و غيرها،و لو فرضنا صحّة ما قالوه من أنّهم هربوا من الطّاعون،و أنّ الفائدة في إيراد قصّتهم بيان أنّه لا مفرّ من الموت-لما كان لنا مندوحة عن تفسير إحيائهم،بأنّ الباقين منهم تناسلوا بعد ذلك و كثروا، و كانت الأمّة بهم حيّة عزيزة،ليصحّ أن تكون الآية تمهيدا لما بعدها مرتبطة به.

و اللّه تعالى لا يأمرنا بالقتال لأجل أن نقتل ثمّ يحيينا، بمعنى أنّه يبعث من قتل منّا بعد موتهم في هذه الحياة الدّنيا.(2:458)

نحوه المراغيّ.(2:208)

ابن عاشور : فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ القول فيه إمّا مجاز في التّكوين و الموت حقيقة،أي جعل فيهم حالة الموت،و هي وقوف القلب و ذهاب الإدراك و الإحساس،استعيرت حالة تلقّي المكوّن لأثر الإرادة بتلقّي المأمور للأمر،فأطلق على الحالة المشبّهة المركّب الدّالّ على الحالة المشبّه بها على طريقة التّمثيل،ثمّ أحياهم بزوال ذلك العارض،فعلموا أنّهم أصيبوا بما لو دام لكان موتا مستمرّا.و قد يكون هذا من الأدواء النّادرة المشبهة داء السّكت.

و إمّا أن يكون القول مجازا عن الإنذار بالموت، و الموت حقيقة،أي أراهم اللّه مهالك شمّوا منها رائحة الموت،ثمّ فرّج اللّه عنهم فأحياهم.

و إمّا أن يكون كلاما حقيقيّا بوحي اللّه،لبعض

ص: 562

الأنبياء،و الموت موت مجازيّ،و هو أمر للتّحقير شتما لهم،و رماهم بالذّلّ و الصّغار،ثمّ أحياهم،و ثبّت فيهم روح الشّجاعة.

و المقصود من هذا موعظة المسلمين بترك الجبن، و أنّ الخوف من الموت لا يدفع الموت،فهؤلاء الّذين ضرب بهم هذا المثل خرجوا من ديارهم خائفين من الموت،فلم يغن خوفهم عنهم شيئا،و أراهم اللّه الموت ثمّ أحياهم،ليصير خلق الشّجاعة لهم حاصلا بإدراك الحسّ.

و محلّ العبرة من القصّة:هو أنّهم ذاقوا الموت الّذي فرّوا منه،ليعلموا أنّ الفرار لا يغني عنهم شيئا،و أنّهم ذاقوا الحياة بعد الموت،ليعلموا أنّ الموت و الحياة بيد اللّه، كما قال تعالى: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ الأحزاب:16.(2:457)

مغنيّة:[نقل أقوال المفسّرين و منها قول رشيد رضا ثمّ قال:]

هذا تلخيص موجز جدّا لرأي الشّيخ محمّد عبده الّذي شرحه بكلام طويل،و هو-كما ترى-من وحي وعيه النّيّر،و رسالته الإصلاحيّة،لا من وحي دلالة اللّفظ.إنّ رأيه هذا صحيح في ذاته،و انسانيّ من غير شكّ،و لكنّه بعيد عن مدلول اللّفظ،و قد يظنّ أنه أقرب من قول أكثر المفسّرين من هذه الجهة،لأنّ قولهم يعتمد الرّوايات الإسرائيليّة،و الأساطير الّتي لا سند لها،و لا تمتّ إلى الحياة بسبب،و قوله يهدف إلى التّرغيب في مقاومة الظّلم،و التّضحية من أجل الحرّيّة و الكرامة، شأن الموجّه المصلح.

و كيف كان،فإنّ الآية تحتمل معاني شتّى،و من ثمّ كثرت فيها الأقوال،و لا شيء في لفظها يدلّ على صحّة قول بالذّات.أجل،إنّ قول الشّيخ عبده هو أرجح الأقوال جميعا للاعتبار من جهة-كما أشرنا-و يساعد عليه السّياق من جهة أخرى.أمّا الاعتبار فواضح،و أمّا السّياق فقوله تعالى بعد هذه الآية بلا فاصل: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. البقرة:244.

(1:373)

الطّباطبائيّ: فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ الأمر تكوينيّ،و لا ينافي كون موتهم واقعا عن مجرى طبيعيّ،كما ورد في الرّوايات أنّ ذلك كان بالطّاعون، و إنّما عبّر بالأمر دون أن يقال:«فأماتهم اللّه ثمّ أحياهم»، ليكون أدلّ على نفوذ القدرة و غلبة الأمر،فإنّ التّعبير بالإنشاء في التّكوينيّات أقوى و آكد من التّعبير بالإخبار،كما أنّ التّعبير بصورة الإخبار الدّالّ على الوقوع في التّشريعيّات أقوى و آكد من الإنشاء.

و لا يخلو قوله تعالى: ثُمَّ أَحْياهُمْ عن الدّلالة على أنّ اللّه أحياهم ليعيشوا فعاشوا بعد حياتهم؛إذ لو كان إحياؤهم لعبرة يعتبر بها غيرهم،أو لإتمام حجّة،أو لبيان حقيقة،لذكر ذلك على ما هو دأب القرآن في بلاغته،كما في قصّة أصحاب الكهف.على أنّ قوله تعالى بعد: إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ يشعر بذلك أيضا.

(2:279)

مكارم الشّيرازيّ: بحوث:هنا ينبغي أن نشير إلى بعض النّقاط:

1-درس للعبرة

ص: 563

هدف الآية في الواقع هو إعطاء النّاس درسا للعبرة، لكي لا يتصوّروا أنّهم بهروبهم من تحمّل المسئوليّات و بالتّذرّع بمختلف الأعذار يستطيعون أن يكونوا في أمان،و لكي لا يحسبوا أنّهم أقوياء في قبال قدرة اللّه،أو حتّى في قبال قوى الطّبيعة و قوانينها الّتي تسيطر على العالم.إذا كان هؤلاء يفرّون من منازلة العدوّ-و هي مدعاة لعزّتهم و رفعتهم-فإنّ اللّه قادر على أن يبتليهم بعدوّ من الصّغر بحيث إنّه لا يرى بالعين.إنّ هذه الأعداء الصّغيرة و جراثيم الطّاعون أو الوباء المجهريّة و أمثالها أشبه بالبرق الخاطف في اختطاف ضحاياها؛بحيث إنّ أيّ عدوّ في ميادين الحرب لا يمكن أن يحاربها في سرعة الإبادة و الإهلاك،فلما ذا إذا لا تعتبرون؟و لم تفرّون من تحمّل المسئوليّات؟

2-أ تاريخ أم تمثيل؟

هذه الحكاية الّتي ذكرناها،أ هي حدث تاريخيّ واقعيّ أشار إليه القرآن إشارة عابرة ثمّ شرحته الرّوايات و الأحداث،أم أنّها أقصوصة تحكى لتجسيد الحقائق العقليّة و بيانها بلغة حسّيّة؟.

لمّا كان لهذه الحكاية جوانب غير عاديّة بحيث صعب هضمها على بعض المفسّرين،فإنّهم أنكروا كونها حقيقة واقعة،و قالوا:إنّ ما جاء في الآية إنّما هو من باب ضرب المثل بقوم يضعفون عن الجهاد ضدّ العدوّ فيهزمون،ثمّ يعتبرون بما جرى فيستيقظون و يستأنفون الجهاد و محاربة العدوّ و ينتصرون.

و بموجب هذا التّفسير يكون معنى(موتوا)الهزيمة في الحرب بسبب الضّعف و التّهاون.و(احياهم)إشارة إلى الوعي و اليقظة،و من ثمّ النّصر.

هذا التّفسير يرى أنّ الرّوايات الّتي تعتبر هذه الحادثة واقعة تاريخيّة روايات مجعولة و إسرائيليّة.

و على الرّغم من أنّ مسألة«الهزيمة»بعد التّهاون و«الانتصار»بعد اليقظة مسألة هامّة و رائعة،و لكن لا يمكن إنكار كون ظاهر الآية يدلّ على بيان حادثة تاريخيّة بعينها،و ليست تمثيلا.

إنّ الآية تتحدّث عن قوم من الماضين ماتوا على أثر هروبهم من حدث مروّع ثمّ أحياهم اللّه.فإذا كانت غرابة الحادثة و بعدها عن المألوف هو السّبب في تأويلها ذاك التّأويل،فهذا إذا ما ينبغي أن نفعله بشأن جميع معاجز الأنبياء.

لو أنّ أمثال هذه التّأويلات و التّوجيهات وجدت طريقها إلى القرآن لأمكن إنكار معاجز الأنبياء،فضلا عن إنكار معظم قصص القرآن التّاريخيّة،و اعتبارها من قبيل القصص الرّمزيّ التّمثيليّ،كأن نعتبر قصّة هابيل و قابيل قصّة موضوعة لتمثّل الصّراع بين العدالة و طلب الحقّ من جهة،و القسوة و الظّلم من جهة أخرى،و بهذا تفقد قصص القرآن قيمتها التّاريخيّة.

و فضلا عن ذلك فإنّنا لا نستطيع أن نتجاهل الرّوايات الواردة في تفسير هذه الآية،لأنّ بعضها قد ورد في الكتب الموثوق بها،و لا يمكن أن تكون من الإسرائيليّات المجعولة.

3-النّقطة الثّالثة الّتي يجب الانتباه إليها في هذه الآية:هي احتمال كونها تشير إلى الرّجعة،فالحكاية تتحدّث عن تاريخ قوم قدماء ماتوا ثمّ أعيدوا إلى هذه

ص: 564

الدّنيا،كهذه الجماعة من بني إسرائيل الّتي تشير إليها الآية.

و عليه فما الّذي يمنع أن تتكرّر هذه الحادثة مرّة أخرى في المستقبل؟

العالم الشّيعيّ المعروف ب«الصّدوق»رحمه اللّه استدلّ بهذه الآية في القول بالرّجعة،و يقول:«إنّ من معتقداتنا الرّجعة»،بديهيّ أنّ قضيّة الرّجعة لا علاقة لها بموضوع التّناسخ،و سوف نشرح ذلك في موضعه.(2:141)

فضل اللّه :مناسبة النّزول

يذكر المفسّرون لهذه الآية،قصّة من قصص الأمم السّالفة،ففي«الكافيّ»في ما رواه-بسند ضعيف-عن أبي عبد اللّه جعفر الصّادق عليه السّلام،و عن أبيه أبي جعفر محمّد الباقر عليه السّلام في قول اللّه تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ، فقال:إنّ هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشّام.[ثمّ ذكر عين القصّة الّتي مرّت عند الإمام الباقر عليه السّلام و أضاف:]

و قد أورد الطّبريّ في تفسيره،و السّيوطيّ في«الدّرّ المنثور»عدّة روايات تشبه هذه الرّواية،مع بعض الاختلاف في التّفاصيل.

و قد ذكر بعض المفسّرين أنّ الآية واردة مورد المثل.

و حاول بعضهم أن يوجّه الحياة و الموت إلى الجانب المعنويّ منهما بما يقرب من العزّ المتمثّل في مواجهة الأعداء،و الذّلّ الّذي يتمثّل في الوقوع تحت سيطرتهم.

و اعتبر الأحاديث الواردة في هذا الباب من الإسرائيليّات الّتي لا يعتمد عليها في تفسير القرآن،أو في تقرير أيّة حقيقة من حقائق الإسلام.و نحن لا نريد أن نتوقّف طويلا أمام هذه الرّوايات لنحقّق صحّة سندها و ضعفه،و لنجمع بينها في ما تتّفق فيه،و لنعالجها في ما تختلف فيه،لأنّ ذلك كلّه لا يقدّم شيئا و لا يؤخّر في ما نحن بصدده،من فهم معنى الآية و استيحائها.(4:374)

احياها

وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فصّلت:39

السّدّيّ: كما يحيي الأرض بالمطر،كذلك يحيي الموتى بالماء يوم القيامة بين النّفختين.(429)

الطّبريّ: إنّ الّذي أحيا هذه الأرض الدّارسة فأخرج منها النّبات،و جعلها تهتزّ بالزّرع-من بعد يبسها،و دثورها-بالمطر الّذي أنزل عليها،القادر أن يحيي أموات بني آدم من بعد مماتهم بالماء الّذي ينزل من السّماء لإحيائهم.(24:122)

نحوه المراغيّ(24:136)،و عبد الكريم الخطيب (12:1324).

الماورديّ: جعل ذلك دليلا لمنكري البعث على إحياء الخلق بعد الموت استدلالا بالشّاهد على الغائب.

(5:184)

القشيريّ: إنّ الذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على إحياء النّفوس بالحشر و النّشر و كذلك هو قادر على إحياء القلوب بنور العناية بعد الفترة و الحجبة.

(5:334)

ص: 565

نحوه الفخر الرّازيّ.(27:130)

البروسويّ: و الإحياء في الحقيقة:إعطاء الحياة، و هي صفة تقتضي الحسّ و الحركة،فالمراد بإحياء الأرض تهييج القوى النّامية فيها،و إحداث نضارتها بأنواع النّباتات، لَمُحْيِ الْمَوْتى بالبعث إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الأشياء الّتي من جملتها الإحياء،(قدير) مبالغ في القدرة.و قد وعد بذلك فلا بدّ من أن يفي به، و الحكمة في الإحياء هو المجازاة و المكافأة.

و في الآية إشارة إلى إحياء النّفوس و إحياء القلوب:

أمّا الأوّل فلأنّ أرض البشريّة قد تصير يابسة عند فقدان الدّواعي و الأسباب،فإذا نزل عليها ماء الابتلاء و الاستدراج تراها تهتزّ بنباتات المعاصي و أشجار المناهي.و لذا كان أصعب دعاء عليه أن يقال له:«أذاقك اللّه طعم نفسك»فإنّه من ذاق طعم نفسه،و استحلى ما عنده،و شغل به عن المقصود،فلا يرجى فلاحه أبدا.

و أمّا إحياء القلوب فبنور الإيمان و صدق الطّلب و غلبات الشّوق؛و ذلك عند نزول مطر اللّطف و ماء الرّحمة.(8:267)

ابن عاشور :إدماج لإثبات البعث في أثناء الاستدلال على تفرّده تعالى بالخلق و التّدبير،و وقوعه على عادة القرآن في التّفنّن و انتهاز فرص الهدى إلى الحقّ.

و الجملة استئناف ابتدائيّ،و المناسبة مشابهة الإحياءين،و حرف التّوكيد لمراعاة إنكار المخاطبين إحياء الموتى.و تعريف المسند إليه بالموصوليّة لما في الموصول من تعليل الخبر.

و شبّه إمداد الأرض بماء المطر الّذي هو سبب انبثاق البذور الّتي في باطنها الّتي تصير نباتا بإحياء الميّت، فأطلق على ذلك(احياها)على طريق الاستعارة التّبعيّة، ثمّ ارتقى من ذلك إلى جعل ذلك-الّذي سمّي إحياء،لأنّه شبيه الإحياء-دليلا على إمكان إحياء الموتى بطريقة قياس الشّبه،و هو المسمّى في المنطق«قياس التّمثيل»، و هو يفيد تقريب المقيس بالمقيس عليه.

و ليس الاستدلال بالشّبه و التّمثيل بحجّة قطعيّة،بل هو إقناعيّ،و لكنّه هنا يصير حجّة،لأنّ المقيس عليه و إن كان أضعف من المقيس؛إذ المشبّه لا يبلغ قوّة المشبّه به،فالمشبّه به حيث كان لا يقدر على فعله إلاّ الخالق الّذي اتّصف بالقدرة التّامّة لذاته،فقد تساوى فيه قويّه و ضعيفه،و هم كانوا يحيلون إحياء الأموات استنادا للاستبعاد العاديّ،فلمّا نظّر إحياء الأموات بإحياء الأرض المشبّه،تمّ الدّليل الإقناعيّ المناسب لشبهتهم الإقناعيّة.و قد أشار إلى هذا تذييله بقوله: إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (25:66)

احياكم-يحييكم

1- كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. البقرة:28

ابن مسعود:لم تكونوا شيئا،فخلقكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم يوم القيامة.(الطّبريّ1:186)

كنتم أمواتا معدومين قبل أن تخلقوا دارسين،كما يقال للشّيء الدّارس:ميّت،ثمّ خلقتم و أخرجتم إلى الدّنيا،فأحياكم ثمّ أماتكم الموت المعهود،ثمّ يحييكم

ص: 566

للبعث يوم القيامة.

مثله ابن عبّاس،و مجاهد.(ابن عطيّة1:114)

ابن عبّاس: كنتم ترابا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة، ثمّ أحياكم فخلقكم فهذه إحياءة،ثمّ يميتكم فترجعون إلى القبور،فهذه ميتة أخرى،ثمّ يبعثكم يوم القيامة، فهذه إحياءة،فهما ميتتان و حياتان،فهو قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. (الطّبريّ1:187)

إنّ الموت الأوّل هو الخمول،و الإحياء الأوّل:الذّكر و الشّرف بهذا الدّين و النّبيّ الّذي جاءكم،و الموت الثّاني:

المعهود،و الإحياء الثّاني:البعث.(أبو حيّان1:130)

مجاهد :لم تكونوا شيئا حين خلقكم،ثمّ يميتكم الموتة الحقّ ثمّ يحييكم.(الطّبريّ1:186)

قتادة :كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم،فأحياهم اللّه و خلقهم،ثمّ أماتهم الموتة الّتي لا بدّ منها،ثمّ أحياهم للبعث يوم القيامة،فهما حياتان و موتتان.

(الطّبريّ1:187)

ابن زيد :يعني أنّ اللّه عزّ و جلّ حين أخذ الميثاق على آدم و ذرّيّته،أحياهم في صلبه و أكسبهم العقل، و أخذ عليهم الميثاق،ثمّ أماتهم بعد أخذ الميثاق عليهم،ثمّ أحياهم و أخرجهم من بطون أمّهاتهم،و هو معنى قوله تعالى: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ الزّمر:6.

فقوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً يعني بعد أخذ الميثاق فَأَحْياكُمْ بأن خلقكم في بطون أمّهاتكم،ثمّ أخرجكم أحياء، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ بعد أن تنقضي آجالكم في الدّنيا، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بالنّشور للبعث يوم القيامة.

(الماورديّ1:91)

الفرّاء: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ يعني نطفا،و كلّ ما فارق الجسد من شعر أو نطفة فهو ميتة،و اللّه أعلم.

يقول:فأحياكم من النّطف،ثمّ يميتكم بعد الحياة،ثمّ يحييكم للبعث.(1:25)

نحوه ابن قتيبة(44)،و الواحديّ(1:111).

الإمام العسكريّ عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لكفّار قريش و اليهود: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ الّذي دلّكم على طريق الهدى،و جنّبكم-إن أطعتموه-سبل الرّدى.

وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً في أصلاب آبائكم و أرحام أمّهاتكم فَأَحْياكُمْ أخرجكم أحياء، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ في هذه الدّنيا و يقبركم، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ في القبور،و ينعّم فيها المؤمنين بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و ولاية عليّ عليه السّلام،و يعذّب الكافرين بهما.

ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ في الآخرة بأن تموتوا في القبور بعد،ثمّ تحيوا للبعث يوم القيامة،ترجعون إلى ما وعدكم من الثّواب على الطّاعات إن كنتم فاعليها،و من العقاب على المعاصي إن كنتم مقار فيها.(210)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك.[ثمّ نقل الأقوال و قال:]

و لكلّ قول من هذه الأقوال الّتي حكيناها عمّن رويناها عنه وجه و مذهب من التّأويل.

فأمّا وجه تأويل من تأوّل، كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ أي لم تكونوا شيئا،فإنّه ذهب إلى نحو قول العرب للشّيء الدّارس و الأمر الخامل الذّكر:هذا شيء

ص: 567

ميّت،و هذا أمر ميّت،يراد بوصفه بالموت:خمول ذكره و دروس أثّره من النّاس،و كذلك يقال في ضدّ ذلك.

و خلافه:«هذا أمر حيّ،و ذكر حيّ»يراد بوصفه بذلك أنّه نابه متعالم في النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

فكذلك تأويل قول من قال في قوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً: لم تكونوا شيئا،أي كنتم خمولا لا ذكر لكم، و ذلك كان موتكم،فأحياكم فجعلكم بشرا أحياء تذكرون و تعرفون،ثمّ يميتكم بقبض أرواحكم، و إعادتكم كالّذي كنتم قبل أن يحييكم من دروس ذكركم،و تعفّي آثاركم،و خمول أموركم،ثمّ يحييكم بإعادة أجسامكم إلى هيئاتها،و نفخ الرّوح فيها، و تصييركم بشرا كالّذي كنتم قبل الإماتة،لتعارفوا في بعثكم و عند حشركم.

و أمّا وجه تأويل من تأوّل ذلك أنّه الإماتة الّتي هي خروج الرّوح من الجسد،فإنّه ينبغي أن يكون ذهب بقوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً إلى أنّه خطاب لأهل القبور بعد إحيائهم في قبورهم،و ذلك معنى بعيد،لأنّ التّوبيخ هنالك إنّما هو توبيخ على ما سلف و فرط من إجرامهم لا استعتاب و استرجاع.و قوله جلّ ذكره: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً توبيخ مستعتب عباده، و تأنيب مسترجع خلقه من المعاصي إلى الطّاعة،و من الضّلالة إلى الإنابة،و لا إنابة في القبور بعد الممات،و لا توبة فيها بعد الوفاة.

و أمّا وجه تأويل قول قتادة:ذلك أنّهم كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم،فإنّه عنى بذلك أنّهم كانوا نطفا لا أرواح فيها،فكانت بمعنى سائر الأشياء الموات الّتي لا أرواح فيها،و إحياؤه إيّاها تعالى ذكره:نفخه الأرواح فيها،و إماتته إيّاهم بعد ذلك:قبضه أرواحهم،و إحياؤه إيّاهم بعد ذلك:نفخ الأرواح في أجسامهم،يوم ينفخ في الصّور و يبعث الخلق للموعود.

و أمّا ابن زيد فقد أبان عن نفسه ما قصد بتأويله ذلك،و أنّ الإماتة الأولى:عند إعادة اللّه جلّ ثناؤه عباده في أصلاب آبائهم بعد ما أخذهم من صلب آدم،و أنّ الإحياء الآخر:هو نفخ الأرواح فيهم في بطون أمّهاتهم، و أنّ الإماتة الثّانية:هي قبض أرواحهم للعود إلى التّراب،و المصير في البرزخ إلى يوم البعث،و أنّ الإحياء الثّالث:هو نفخ الأرواح فيهم لبعث السّاعة،و نشر القيامة،و هذا تأويل إذا تدبّره المتدبّر وجده خلافا لظاهر قول اللّه الّذي زعم مفسّره أنّ الّذي وصفنا من قوله تفسيره؛و ذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر في كتابه عن الّذين أخبر عنهم من خلقه،أنّهم قالوا: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ المؤمن:11.و زعم ابن زيد في تفسيره:

أنّ اللّه أحياهم ثلاث إحياءات،و أماتهم ثلاث إماتات، و الأمر عندنا و إن كان فيما وصف من استخراج اللّه جلّ ذكره من صلب آدم ذرّيّته،و أخذه ميثاقه عليهم كما وصف،فليس ذلك من تأويل هاتين الآيتين،أعني قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً الآية، و قوله: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ في شيء، لأنّ أحدا لم يدّع أنّ اللّه أمات من ذرأ يومئذ غير الإماتة الّتي صار بها في البرزخ إلى يوم البعث،فيكون جائزا أن يوجّه تأويل الآية إلى ما وجّهه إليه ابن زيد.

و قال بعضهم:الموتة الأولى:مفارقة نطفة الرّجل

ص: 568

جسده إلى رحم المرأة،فهي ميتة من لدن إفراقها جسده إلى نفخ الرّوح فيها،ثمّ يحييها اللّه بنفخ الرّوح فيها فيجعلها بشرا سويّا بعد تارات تأتي عليها،ثمّ يميته الميتة الثّانية بقبض الرّوح منه،فهو في البرزخ ميّت إلى يوم ينفخ في الصّور فيردّ في جسده روحه،فيعود حيّا سويّا لبعث القيامة،فذلك موتتان و حياتان؛و إنّما دعا هؤلاء إلى هذا القول لأنّهم قالوا:موت ذي الرّوح مفارقة الرّوح إيّاه،فزعموا أنّ كلّ شيء من ابن آدم حيّ ما لم يفارق جسده الحيّ ذا الرّوح،فكلّ ما فارق جسده الحيّ ذا الرّوح فارقته الحياة فصار ميّتا،كالعضو من أعضائه مثل اليد من يديه،و الرّجل من رجليه لو قطعت و أبينت، و المقطوع ذلك منه حيّ كان الّذي بان من جسده ميّتا لا روح فيه بفراقه سائر جسده الّذي فيه الرّوح.قالوا:

فكذلك نطفته حيّة بحياته،ما لم تفارق جسده ذا الرّوح، فإذا فارقته مباينة له صارت ميّتة،نظير ما وصفنا من حكم اليد و الرّجل و سائر أعضائه.و هذا قول و وجه من التّأويل لو كان به قائل من أهل القدوة الّذين يرتضى للقرآن تأويلهم.

و أولى ما ذكرنا من الأقوال...القول الّذي ذكرناه عن ابن مسعود،و عن ابن عبّاس،من أنّ معنى قوله:

وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً أموات الذّكر خمولا في أصلاب آبائكم نطفا لا تعرفون و لا تذكرون،فأحياكم بإنشائكم بشرا سويّا،و حتّى ذكرتم و عرفتم و حيّيتم،ثمّ يميتكم بقبض أرواحكم و إعادتكم رفاتا لا تعرفون و لا تذكرون في البرزخ إلى يوم تبعثون،ثمّ يحييكم بعد ذلك بنفخ الأرواح فيكم لبعث السّاعة و صيحة القيامة،ثمّ إلى اللّه ترجعون بعد ذلك،كما قال: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه يحييهم في قبورهم قبل حشرهم،ثمّ يحشرهم لموقف الحساب،كما قال جلّ ذكره: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ المعارج:

43،و قال: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51.

و العلّة الّتي من أجلها اخترنا هذا التّأويل،ما قد قدّمنا ذكره للقائلين به،و فساد ما خالفه بما قد أوضحناه قبل،و هذه الآية توبيخ من اللّه جلّ ثناؤه،للقائلين:

آمَنّا بِاللّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الّذين أخبر اللّه عنهم،أنّهم مع قيلهم:ذلك بأفواههم؛غير مؤمنين به،و أنّهم إنّما يقولون ذلك خداعا للّه و للمؤمنين،فعذلهم اللّه بقوله:

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ و وبّخهم و احتجّ عليهم في نكيرهم ما أنكروا من ذلك، و جحودهم ما جحدوا بقلوبهم المريضة،فقال:كيف تكفرون بالله فتجحدون قدرته،على إحيائكم بعد إماتتكم،و إعادتكم بعد إفنائكم،و حشركم إليه لمجازاتكم بأعمالكم.(1:186)

الزّجّاج: فكونهم أمواتا أوّلا أنّهم كانوا نطفا ثمّ جعلوا حيوانا،ثمّ أميتوا ثمّ أحيوا،ثمّ يرجعون إلى اللّه عزّ و جلّ بعد البعث،كما قال: مُهْطِعِينَ إِلَى الدّاعِ القمر:

8،أي مسرعين،و قوله،عزّ و جلّ: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً و الأجداث:القبور.

و تأويل(كيف)أنّها استفهام في معنى التّعجّب،و هذا التّعجّب إنّما هو للخلق و للمؤمنين،أي اعجبوا من هؤلاء كيف يكفرون و قد ثبتت حجّة اللّه عليهم.

ص: 569

و معنى(و كنتم):و قد كنتم،و هذه الواو للحال، و إضمار«قد»جائز إذا كان في الكلام دليل عليه.

(1:106)

القمّيّ: (امواتا)أي نطفة ميّتة و علقة،و أجرى فيكم الرّوح فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ بعد ثُمَّ يُحْيِيكُمْ في القيامة، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. (1:35)

السّجستانيّ: من العدم ثمّ يميتكم عند انقضاء آجالكم،ثمّ يحييكم بالبعث.(8)

الماورديّ: و في قوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ستّة تأويلات:[و ذكر ما ذكره الطّبريّ بلا ترجيح شيء فيها].(1:91)

الطّوسيّ: [نقل الأقوال و قال في تأويلها:بأنّكم كنتم خاملي الذّكر:]

و هذا وجه مليح،غير أنّ الأليق بما تقدّم قول ابن عبّاس و قتادة.

و قال قوم:معناه أنّ اللّه تعالى أحياهم حين أخذ الميثاق منهم و هم في صلب آدم،و كساهم العقل ثمّ أماتهم،ثمّ أحياهم و أخرجهم من بطون أمّهاتهم.

و قد بيّنّا أنّ هذا الوجه ضعيف في نظائره،لأنّ الخبر الوارد بذلك ضعيف،و الأقوى في معنى الآية أن يكون المراد بذلك:تعنيف الكفّار و إقامة الحجّة عليهم بكفره، و جحودهم ما أنعم اللّه تعالى عليهم،و أنّهم كانوا أمواتا قبل أن يخلقوا في بطون أمّهاتهم و أصلاب آبائهم؛يعني نطفا،و النّطفة موات،ثمّ أحياهم فأخرجهم إلى دار الدّنيا أحياء،ثمّ يحييهم في القبر للمسألة،ثمّ يبعثهم يوم القيامة للحشر و الحساب،و هو قوله تعالى: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ معناه ترجعون للمجازاة على الأعمال،كقول القائل:

طريقك عليّ و مرجعك إليّ.يريد أنّي مجازيك و مقتدر عليك.

و سمّي الحشر رجوعا إلى اللّه؛لأنّه رجوع إلى حيث لا يتولّى الحكم فيه غير اللّه،فيجازيكم على أعمالكم،كما يقول القائل:أمر القوم إلى الأمير أو القاضي،و لا يراد به الرّجوع من مكان إلى مكان،و إنّما يراد به أنّ النّظر صار له خاصّة دون غيره.

فإن قال قائل:لم يذكر اللّه إحياء في القبر فكيف تثبتون عذاب القبر؟

قلنا:قد بيّنّا أنّ قوله: ثُمَّ يُحْيِيكُمْ المراد به إحياؤهم في القبر للمسألة،و قوله: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ معناه إحياؤهم يوم القيامة،و حذف(ثمّ يميتكم)بعد ذلك،لدلالة الكلام عليه.على أنّ قوله: ثُمَّ يُحْيِيكُمْ لو كان المراد به يوم القيامة،لم يمنع ذلك من إحياء في القبر، و إماتة بعده،كما قال تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ البقرة:243،و لم يذكر حياة الّذين أحيوا في الدّنيا بعد أن ماتوا.و قال في قوم موسى: فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ* ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ البقرة:55،56،و لم يذكر حياتهم في الدّنيا،و لم يدلّ ذلك على أنّهم لم يحييوا في الدّنيا بعد الموت،و كذلك أيضا لا تدلّ هذه الآية على أنّ المكلّفين لا يحيون في قبورهم للثّواب و العقاب،على ما أخبر به الرّسول عليه السّلام.

و قول من قال:لم يكونوا شيئا.ذهب إلى قول العرب

ص: 570

للشّيء الدّارس الخامل:إنّه ميّت،يريد خموله و درسه.

و في ضدّ ذلك يقال:«هذا أمر حيّ»يراد به،كأنّه متعالم في النّاس.

و من أراد الإماتة الّتي هي خروج الرّوح من الجسد، فإنّه أراد بقوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً أنّه خطاب لأهل القبور بعد إحيائهم فيها،و هذا بعيد،لأنّ التّوبيخ هنالك إنّما هو توبيخ على ما سلف،و فرط من إجرامهم، لا استعتاب و استرجاع،و قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً توبيخ مستعتب،و تأنيب مسترجع من خلقه من المعاصي إلى الطّاعة،و من الضّلالة إلى الإنابة، و لا إنابة في القبر و لا توبة فيها بعد الوفاة.

و أحسن الوجوه ممّا قدّمنا ما ذكر ابن عبّاس و بعده قول قتادة.(1:122)

القشيريّ: هذه كلمة تعجيب و تعظيم لما فيه العبد، أي لا ينبغي مع ظهور الآيات أن يجنح إلى الكفر قلبه.

و يقال:تعرّف إلى الخلق بلوائح دلالاته،و لوامع آياته،فقال: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً يعني نطفة،أجزاؤها متساوية،(فاحياكم):بشرا اختصّ بعض أجزاء النّطفة بكونه عظما،و بعضها بكونه لحما،و بعضها بكونه شعرا،و بعضها بكونه جلدا،إلى غير ذلك.

ثُمَّ يُمِيتُكُمْ بأن يجعلكم عظاما و رفاتا، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بأن يحشركم بعد ما صرتم أمواتا، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أي إلى ما سبق به حكم من السّعادة و الشّقاوة.

و يقال: كُنْتُمْ أَمْواتاً بجهلكم عنّا،ثمّ(احياكم) بمعرفتكم بنا، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عن شواهدكم، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ به بأن يأخذكم عنكم، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي بحفظ أحكام الشّرع بإجراء الحقّ.

و يقال: كُنْتُمْ أَمْواتاً لبقاء نفوسكم فأحياكم بفناء نفوسكم،ثمّ يميتكم عنكم عن شهود ذلك،لئلاّ تلاحظوه فيفسد عليكم،ثمّ يحييكم بأن يأخذكم عنكم، ثمّ إليه ترجعون بتقلّبكم في قبضته سبحانه و تعالى.

و يقال:يحبس عليهم الأحوال،فلا حياة بالدّوام و لا فناء بالكلّيّة،كلّما قالوا:هذه حياة-و بينا هم كذلك-إذ أدال عليهم فأفناهم،فإذا صاروا إلى الفناء أثبتهم و أبقاهم،فهم أبدا بين نفي و إثبات،و بين بقاء و فناء،و بين صحو و محو،كذلك جرت سنّته سبحانه معهم.(1:85)

البغويّ: (امواتا)نطفا في أصلاب آبائكم، فَأَحْياكُمْ في الأرحام و الدّنيا، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ للبعث.(1:100)

مثله الخازن(1:37)،و نحوه الشّربينيّ(1:42).

الزّمخشريّ: و الواو في قوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً للحال.

فإن قلت:فكيف صحّ أن يكون حالا و هو ماض، و لا يقال:جئت و قام الأمير،و لكن و قد قام إلاّ أن يضمر (قد)؟

قلت:لم تدخل الواو على كُنْتُمْ أَمْواتاً وحده، و لكن على جملة قوله: كُنْتُمْ أَمْواتاً إلى تُرْجَعُونَ، كأنّه قيل:كيف تكفرون باللّه و قصّتكم هذه،و حالكم أنّكم كنتم أمواتا نطفا في أصلاب آبائكم فجعلكم أحياء،ثمّ يميتكم بعد هذه الحياة،ثمّ يحييكم بعد الموت،ثمّ يحاسبكم.

ص: 571

فإن قلت:بعض القصّة ماض و بعضها مستقبل، و الماضي و المستقبل كلاهما لا يصحّ أن يقعا حالا حتّى يكون فعلا حاضرا وقت وجود ما هو حال عنه.فما الحاضر الّذي وقع حالا؟قلت:هو العلم بالقصّة،كأنّه قيل:كيف تكفرون و أنتم عالمون بهذه القصّة بأوّلها و آخرها.

فإن قلت:فقد آل المعنى إلى قولك:على أيّ حال تكفرون في حال علمكم بهذه القصّة فما وجه صحّته؟

قلت:قد ذكرنا أنّ معنى الاستفهام في«كيف» الإنكار،و أنّ إنكار الحال متضمّن لإنكار الذّات على سبيل الكناية،فكأنّه قيل:ما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه!

فإن قلت:إن اتّصل عليهم بأنّهم كانوا أمواتا فأحياهم ثمّ يميتهم،فلم يتّصل بالإحياء الثّاني و الرّجوع؟

قلت:قد تمكّنوا من العلم بهما بالدّلائل الموصلة إليه، فكان ذلك بمنزلة حصول العلم،و كثير منهم علموا ثمّ عاندوا.

و الأموات:جمع ميّت،كالأقوال في جمع،قيل.

فإن قلت:كيف قيل لهم:«أموات»في حال كونهم جمادا،و إنّما يقال:«ميّت»فيما يصحّ فيه الحياة من البتّيّ؟

قلت:بل يقال:ذلك لعادم الحياة،كقوله: بَلْدَةً مَيْتاً الفرقان:49، وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ يس:

33، أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ النّحل:21.و يجوز أن يكون استعارة لاجتماعهما في أن لا روح و لا إحساس.

فإن قلت:ما المراد بالإحياء الثّاني؟قلت:يجوز أن يراد به الإحياء في القبر،و بالرّجوع:النّشور.و أن يراد به النّشور،و بالرّجوع:المصير إلى الجزاء.

فإن قلت:لم كان العطف الأوّل ب«الفاء»و الإعقاب ب«ثمّ»؟

قلت:لأنّ الإحياء الأوّل قد تعقّب الموت بغير تراخ،و أمّا الموت فقد تراخى عن الإحياء.و الإحياء الثّاني كذلك متراخ عن الموت-إن أريد به النّشور- تراخيا ظاهرا.و إن أريد به إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه و الرّجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن النّشور.(1:269)

ابن عطيّة: [نقل الأقوال و قال:]

و القول الأوّل[قول ابن مسعود]هو أولى هذه الأقوال؛لأنّه الّذي لا محيد للكفّار عن الإقرار به في أوّل ترتيبه،ثمّ إنّ قوله أوّلا: كُنْتُمْ أَمْواتاً و إسناده آخرا الإماتة إليه تبارك و تعالى ممّا يقوّي ذلك القول،و إذا أذعنت نفوس الكفّار لكونهم أمواتا معدومين،ثمّ للإحياء في الدّنيا،ثمّ للإماتة فيها،قوي عليهم لزوم الإحياء الآخر،و جاء جحدهم له دعوى لا حجّة عليها.

(1:114)

الطّبرسيّ: [نقل الأقوال المتقدّمة و أضاف:]

و إنّما بدأ اللّه تعالى بذكر الحياة من بين سائر النّعم الّتي أنعم بها على العبد،لأنّ أوّل نعمة أنعم اللّه بها عليه خلقه إيّاه حيّا لينفعه،و بالحياة يتمكّن الإنسان من الانتفاع و الالتذاذ.و إنّما عدّ الموت من النّعم و هو يقطع النّعم في الظّاهر،لأنّ الموت يقطع التّكليف،فيصل المكلّف بعد إلى الثّواب الدّائم،فهو من هذا الوجه نعمة.و قيل:إنّما ذكر

ص: 572

الموت لتمام الاحتجاج لا لكونه نعمة.

و في هذه الآية دلالة على أنّه تعالى لم يرد من عباده الكفر،و لا خلقه فيهم،لأنّه لو أراده منهم أو خلقه فيهم، لم يجز أن يضيفه إليهم بقوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ؟ كما لا يجوز أن يقول لهم:كيف أو لم كنتم طوالا أو قصارا،و ما أشبه ذلك.ممّا هو من فعله تعالى فيهم؟(1:71)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه سبحانه و تعالى لمّا تكلّم في دلائل التّوحيد و النّبوّة و المعاد إلى هذا الموضع،فمن هذا الموضع إلى قوله: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ البقرة:40،في شرح النّعم الّتي عمّت جميع المكلّفين،و هي أربعة:أوّلها:نعمة الإحياء،و هي المذكورة في هذه الآية.

و اعلم أنّ قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ و إن كان بصورة الاستخبار فالمراد به:التّبكيت و التّعنيف،لأنّ عظم النّعمة يقتضي عظم معصية المنعم،يبيّن ذلك أنّ الوالد كلّما عظمت نعمته على الولد بأن ربّاه و علّمه و خرّجه و موّله و عرضه للأمور الحسان،كانت معصيته لأبيه أعظم،فبيّن سبحانه و تعالى بذلك عظم ما أقدموا عليه من الكفر،بأن ذكّرهم نعمه العظيمة عليهم، ليزجرهم بذلك عمّا أقدموا عليه من التّمسّك بالكفر، و يبعثهم على اكتساب الإيمان،فذكر تعالى من نعمه ما هو الأصل في النّعم و هو الإحياء،فهذا هو المقصود الكلّيّ.

فإن قيل:لم كان العطف الأوّل ب«الفاء»و البواقي ب«ثمّ»؟

قلنا:لأنّ الإحياء الأوّل قد يعقب الموت بغير تراخ، و أمّا الموت فقد تراخى عن الإحياء،و الإحياء الثّاني كذلك متراخ عن الموت،إن أريد به النّشور تراخيا ظاهرا.

و هاهنا مسائل:[إلى أن قال:]

المسألة الثّانية:اتّفقوا على أنّ قوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً المراد به:و كنتم ترابا و نطفا،لأنّ ابتداء خلق آدم من التّراب،و خلق سائر المكلّفين من أولاده-إلاّ عيسى عليه السّلام-من النّطف.لكنّهم اختلفوا في أنّ إطلاق اسم الميّت على الجماد حقيقة أو مجاز،و الأكثرون على أنّه مجاز،لأنّه شبّه الموات بالميّت،و ليس أحدهما من الآخر بسبيل،لأنّ الميّت ما يحلّ به الموت،و لا بدّ و أن يكون بصفة من يجوز أن يكون حيّا في العادة،فيكون اللّحميّة و الرّطوبة.

و قال الأوّلون هو حقيقة فيه،و هو مرويّ عن قتادة،قال:كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم اللّه تعالى،ثمّ أخرجهم،ثمّ أماتهم الموتة الّتي لا بدّ منها،ثمّ أحياهم بعد الموت،فهما حياتان و موتتان.و احتجّوا بقوله: خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ الملك:2،و الموت المقدّم على الحياة هو كونه مواتا،فدلّ على أنّ إطلاق الميّت على الموات ثابت على سبيل الحقيقة.

و الأوّل هو الأقرب،لأنّه يقال في الجماد:إنّه موات، و ليس بميّت،فيشبه أن يكون استعمال أحدهما في الآخر على سبيل التّشبيه.

قال القفّال:و هو كقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً الدّهر:

1،فبيّن سبحانه و تعالى أنّ الإنسان كان لا شيء يذكر فجعله اللّه حيّا،و جعله سميعا بصيرا.و مجازه من قولهم:

ص: 573

فلان ميّت الذّكر،و هذا أمر ميّت،و هذه سلعة ميّتة،إذا لم يكن لها طالب و لا ذاكر.[ثمّ استشهد بشعر]

فكذا معنى الآية: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً، أي خاملين و لا ذكر لكم،لأنّكم لم تكونوا شيئا فَأَحْياكُمْ، أي فجعلكم خلقا سميعا بصيرا.(2:149)

ابن عربيّ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ، أي على أيّ حال تحجبون عنه،و الحال أنّكم كنتم أمواتا نطفا في أصلاب آبائكم،فأحياكم-أي لم لا تستدلّون بالخلق على الخالق-ثمّ يميتكم بالموت الطّبيعيّ،ثمّ يحييكم بالبعث؛إذ الأوّل. ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ للمجازاة.

أو ثمّ يميتكم عن أنفسكم بالموت الإراديّ الّذي هو الفناء في الوحدة،ثمّ يحييكم بالحياة الحقيقيّة الّتي هي البقاء بعد الفناء بالوجود الموهوب الحقّانيّ. ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ للمشاهدة إن كانت الوحدة وحدة الصّفات، أو الشّهود إن كانت وحدة الذّات.(1:34)

القرطبيّ: و اختلف أهل التّأويل في ترتيب هاتين الموتتين و الحياتين،و كم من موتة و حياة للإنسان.[ثمّ نقل بعض الأقوال المتقدّمة و أضاف:]

و قيل: كُنْتُمْ أَمْواتاً أي نطفا في أصلاب الرّجال و أرحام النّساء،ثمّ نقلكم من الأرحام فأحياكم،ثمّ يميتكم بعد هذه الحياة ثمّ يحييكم في القبر للمسألة،ثمّ يميتكم في القبر،ثمّ يحييكم حياة النّشر إلى الحشر،و هي الحياة الّتي ليس بعدها موت.

قلت:فعلى هذا التّأويل هي ثلاث موتات و ثلاث إحياءات.و كونهم موتى في ظهر آدم،و إخراجهم من ظهره و الشّهادة عليهم غير كونهم نطفا في أصلاب الرّجال و أرحام النّساء،فعلى هذا تجيء أربع موتات و أربع إحياءات.

و قد قيل:إنّ اللّه تعالى أوجدهم قبل خلق آدم عليه السّلام كالهباء،ثمّ أماتهم،فيكون على هذا خمس موتات و خمس إحياءات.

و موتة سادسة للعصاة من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إذا دخلوا النّار؛لحديث أبى سعيد الخدريّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:

«أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها و لا يحيون،و لكن ناس أصابتهم النّار بذنوبهم-أو قال:

بخطاياهم-فأماتهم اللّه إماتة حتّى إذا كانوا فحما أذن في الشّفاعة،فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثّوا على أنهار الجنّة، ثمّ قيل:يا أهل الجنّة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل».فقال رجل من القوم:كأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قد كان يرعى بالبادية.أخرجه مسلم.

قلت:فقوله«فأماتهم اللّه»حقيقة في الموت،لأنّه أكّده بالمصدر؛و ذلك تكريما لهم.و قيل:يجوز أن يكون «أماتهم»عبارة عن تغييبهم عن آلامها بالنّوم،و لا يكون ذلك موتا على الحقيقة؛و الأوّل أصحّ.و قد أجمع النّحويّون على أنّك إذا أكّدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازا،و إنّما هو على الحفيقة،و مثله: وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً النّساء:164،على ما يأتى بيانه إن شاء اللّه تعالى.

و قيل:المعنى و كنتم أمواتا بالخمول فأحياكم بأن ذكرتم و شرّفتم بهذا الدّين و النّبيّ الّذي جاءكم،ثمّ يميتكم فيموت ذكركم،ثمّ يحييكم للبعث.(1:249)

ص: 574

البيضاويّ: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند تقضّي آجالكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بالنّشور يوم نفخ الصّور أو للسّؤال في القبور، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بعد الحشر فيجازيكم بأعمالكم أو تنشرون إليه من قبوركم للحساب،فما أعجب كفركم مع علمكم بحالتكم هذه.

فإن قيل:إن علموا أنّهم كانوا أمواتا فأحياهم ثمّ يميتهم،لم يعلموا أنّه يحييهم ثمّ إليه ترجعون؟

قلت:تمكّنهم من العلم بهما لما نصب لهم من الدّلائل منزّل منزلة علمهم في إزاحة العذر،سيّما و في الآية تنبيه على ما يدلّ على صحّتهما،و هو أنّه تعالى لمّا قدر على إحيائهم أوّلا قدر على أن يحييهم ثانيا،فإنّ بدء الخلق ليس بأهون عليه من إعادته،أو الخطاب مع القبيلين، فإنّه سبحانه لمّا بيّن دلائل التّوحيد و النّبوّة،و وعدهم على الإيمان،و أوعدهم على الكفر،أكّد ذلك بأن عدّد عليهم النّعم العامّة و الخاصّة،و استقبح صدور الكفر منهم،و استبعده عنهم مع تلك النّعم الجليلة،فإنّ عظم النّعم يوجب عظم معصية المنعم.

فإن قيل:تعدّ الإماتة من النّعم المقتضية للشّكر؟

قلت:لمّا كانت وصلة إلى الحياة الثّانية الّتي هي الحياة الحقيقيّة-كما قال اللّه تعالى: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64-كانت من النّعم العظيمة، مع أنّ المعدود عليهم نعمة هو المعنى المنتزع من القصّة بأسرها،كما أنّ الواقع حالا هو العلم بها لا كلّ واحدة من الجمل،فإنّ بعضها ماض و بعضها مستقبل،و كلاهما لا يصحّ أن يقع حالا،أو مع المؤمنين خاصّة لتقرير المنّة عليهم،و تبعيد الكفر عنهم،على معنى كيف يتصوّر منكم الكفر،و كنتم أمواتا جهّالا،فأحياكم بما أفادكم من العلم و الإيمان،ثمّ يميتكم الموت المعروف،ثمّ يحييكم الحياة الحقيقيّة،ثمّ إليه ترجعون،فيثيبكم بما لا عين رأت،و لا أذن سمعت.و لا خطر على قلب بشر.و الحياة حقيقيّة في القوّة الحسّاسة أو يقتضيها،و بها سمّي الحيوان حيوانا مجازا في القوّة النّامية؛لأنّها من طلائعها و مقدّماتها،و فيما يخصّ الإنسان من الفضائل كالعقل و العلم و الإيمان،من حيث إنّها كمالها و غايتها.و الموت بإزائها يقال على ما يقابلها في كلّ مرتبة.قال تعالى: قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ الجاثية:26،و قال: اِعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الحديد:17،و قال: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ الأنعام:

122،و إذا وصف بها الباري تعالى،أريد بها صحّة اتّصافه بالعلم و القدرة اللاّزمة لهذه القوّة فينا،أو معنى قائم بذاته يقتضي ذلك على الاستعارة.(1:43)

النّسفيّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

و إنّما كان العطف الأوّل ب«الفاء»و البواقي ب«ثمّ»، لأنّ الإحياء الأوّل قد تعقّب الموت بلا تراخ،و أمّا الموت فقد تراخى عن الحياة،و الحياة الثّانية كذلك تتراخى عن الموت،إن أريد النّشور،و إن أريد إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه،و الرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن النّشور.(1:39)

النّيسابوريّ: و اعلم أنّ هذه الآية دالّة على أمور:

منها:اشتمالها على وجود ما يدلّ على الصّانع القادر، العالم الحيّ،السّميع البصير،الغنيّ عمّا سواه.

و منها:الدّلالة على أنّه لا قدرة على الإحياء

ص: 575

و الإماتة إلاّ اللّه،فيبطل قول الدّهريّ: وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ الجاثية:24.

و منها:الدّلالة على صحّة الحشر و النّشر،مع التّنبيه على الدّليل القطعيّ الدّالّ عليه،لأنّ الإعادة أهون من الإبداء.

و منها:الدّلالة على التّكليف و التّرغيب و التّرهيب.

و منها:الدّلالة على وجوب الزّهد في الدّنيا،لأنّه قال: فَأَحْياكُمْ أي بعقب كونكم نطفا من غير تخلّل حالة أخرى بينهما. ثُمَّ يُمِيتُكُمْ بعد انقضاء مهلة الحياة.

ثمّ بيّن أنّه لا يترك على هذا الموت بل لا بدّ من حياة ثانية للسّؤال أو للحشر،ثمّ من الرّجوع إليه للثّواب أو العقاب.

فبيّن سبحانه أنّه بعد ما كان نطفة فإنّه أحياه، و صوّره أحسن صورة،و جعله بشرا سويّا،و أكمل عقله و بصره بأنواع المضارّ و المنافع،و ملّكه الأموال و الأولاد و الدّور و القصور.ثمّ إنّه تعالى يزيل كلّ ذلك عنه،بأن يميته و يصيّره بحيث لا يملك شيئا،و لا يبقى منه في الدّنيا خبر و لا أثر،و يبقى مدّة مديدة في اللّحد: وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ المؤمنون:100،ينادى فلا يجيب،و يستنطق فلا يتكلّم،ثمّ لا يزوره الأقربون بل ينساه الأهل و البنون.(1:223)

أبو حيّان :[نقل قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و نحن نقول:إنّه على إضمار«قد»كما ذهب إليه أكثر النّاس،أي و قد كنتم أمواتا فأحياكم.و الجملة الحاليّة عندنا فعليّة،و أمّا أن نتكلّف و نجعل تلك الجملة اسميّة حتّى نفرّ من إضمار«قد»فلا نذهب إلى ذلك.و إنّما حمل الزّمخشريّ على ذلك اعتقاده أنّ جميع الجمل مندرجة في الحال.[إلى أن قال:]

و لا يتعيّن أن تكون جميع الجمل مندرجة في الحال إذ يحتمل أن يكون الحال قوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ و يكون المعنى كيف تكفرون باللّه و قد خلقكم،فعبّر عن الخلق بقوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ.

و نظيره قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«أن تجعل للّه ندّا و هو خلقك»أي أنّ من أوجدك بعد العدم الصّرف حريّ أن لا تكفر به، لأنّه لا نعمة أعظم من نعمة الاختراع،ثمّ نعمة الاصطناع،و قد شمل النّعمتين قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ، لأنّ بالإحياء حصلتا،أ لا ترى أنّها تضمّنت الجملة الإيجاد و الإحسان إليك بالتّربية،و النّعم إلى زمان أن توجّه عليك إنكار الكفر.[ثمّ نقل الأقوال، و نقل قول ابن عطيّة أيضا و قال:]و هو كلام حسن.

و للمنسوبين إلى علم الحقائق أقوال تخالف ما تقدّم:

أحدها:أمواتا بالشّرك فأحياكم بالتّوحيد.

الثّاني:أمواتا بالجهل فأحياكم بالعلم.

الثّالث:أمواتا بالاختلاف فأحياكم بالائتلاف.

الرّابع:أمواتا بحياة نفوسكم و إماتتكم بإماتة نفوسكم و إحياء قلوبكم.

الخامس:أمواتا عنه فأحياكم به،قاله الشّبليّ.

السّادس:أمواتا بالظّواهر فأحياكم بمكاشفة السّرائر،قاله ابن عطاء.

السّابع:أمواتا بشهودكم فأحياكم بمشاهدته،ثمّ يميتكم عن شواهدكم،ثمّ يحييكم بقيام الحقّ عنه،ثمّ إليه ترجعون عن جميع مالكم،قاله فارس.

ص: 576

و اختار الزّمخشريّ أنّ الموت الأوّل كونهم نطفا في أصلاب آبائهم فجعلهم أحياء،ثمّ يميتهم بعد هذه الحياة، ثمّ يحييهم بعد الموت،ثمّ يحاسبهم.

و جوّز أيضا أن يكون المراد بالإحياء الثّاني:الإحياء في القبر،و بالرّجوع:النّشور،و أن يراد بالإحياء الثّاني أيضا:النّشور،و بالرّجوع:المصير إلى الجزاء.و هذا الّذي جوّز أن يراد به الإحياء في القبر لا يفهم منه أنّه يحيا للمسألة في القبر،و لا لأن ينعّم فيه أو يعذّب،لأنّه ليس مذهبه،لأنّ المعتزلة و أتباعهم أنكروا عذاب القبر،و أهل السّنّة و الكراميّة أثبتوه بلا خلاف بينهم،إلاّ أنّ أهل السّنّة يقولون:يحيا الميّت الكافر فيعذّب في قبره، و الفاسق يجوز أن يعذّب في قبره،و الكراميّة تقول:

يعذّب و هو ميّت.و الأحاديث الصّحيحة قد استفاضت بعذاب القبر،فوجب القول به و اعتقاده.

و اختار صاحب«المنتخب»أنّ المراد بقوله:أمواتا، أي ترابا و نطفا؛لأنّ ابتداء خلق آدم من التّراب و خلق سائر المكلّفين من أولاده-إلاّ عيسى على نبيّنا و عليه أفضل الصّلاة و السّلام-من النّطف.قال:و اختلفوا فالأكثرون على أنّ إطلاق اسم الميّت على الجماد مجاز، لأنّ الميّت من يحلّه الموت،و لا بدّ أن يكون بصفة من يجوز أن يكون حيّا في العادة.و القول:بأنّه حقيقة في الجماد مرويّ عن قتادة،انتهى كلامه.

و تفسيره الأموات بالتّراب و النّطف لا يظهر ذلك في التّراب،لأنّ المخلوق من التّراب لم يتّصف بالصّفة الّتي أنكرت أو تعجب منها وقتا قطّ،فكيف يندرج في قوله:

وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً؟

و الّذي نختاره أنّ كونهم(امواتا)هو من وقت استقرارهم نطفا في الأرحام إلى تمام الأطوار بعدها،و أنّ الحياة الأولى نفخ الرّوح بعد تلك الأطوار من النّطفة و العلقة و المضغة و اكتساء العظام لحما،و الإماتة الثّانية هي المعهودة،و الإحياء هو البعث بعد الموت،و يكون الإحياء الأوّل و الموت الأوّل و الإحياء الثّاني حقيقة، و أمّا كونهم(أمواتا)فمن ذهب إلى أنّ الجماد يوصف بالموت حقيقة فيكون إذ ذاك حقيقة.

و من ذهب إلى المجاز فهو مجاز سائغ قريب،لأنّه على كلّ حال موجود فقرب اتّصافه بالموت،بخلاف من زعم أنّه أريد به كونه معدوما و كونه في الصّلب،أو حين كان آدم طينا،فإنّ المجاز في ذلك بعيد،لأنّ ذلك عدم صرف، و العدم الّذي لم يسبقه وجود يبعد فيه أن يسمّى موتا،أ لا ترى ما أطلق عليه في اللّغة لفظ الموت ممّا لا تحلّه الحياة، كيف يكون موجودا لا عدما صرفا؟ وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ يس:33. فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى فصّلت:39، وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ الأنبياء:30، و تقول العرب:أرض موات.

و أمّا قول من ذهب إلى أنّ الموت الأوّل هو الخمول و الإحياء الأوّل هو التّنويه و الذّكر،فمجاز بعيد هنا؛لأنّه متى أمكن الحمل على الحقيقة أو المجاز القريب كان أولى، و قد أمكن ذلك بما ذكرناه.

ثمّ أكثر تلك الأقاويل يبعد فيها التّعقيب ب«الفاء» في قوله: فَأَحْياكُمْ لأنّ بين ذاك الموت و الإحياء مدّة طويلة،و على ما اخترناه تكون الفاء دالّة على معناها من

ص: 577

التّعقيب.و من قال:إنّ الموت الأوّل هو المعهود، و الإحياء الأوّل هو للمسألة،فيكون فيه الماضي قد وضع موضع المستقبل مجازا لتحقّق وقوعه،أي و تكونون أمواتا فيحييكم،كقوله: أَتى أَمْرُ اللّهِ النّحل:1.

و قد استدلّ بهذه الآية قوم على نفي عذاب القبر، لأنّه ذكر تعالى موتتين و حياتين،و لم يذكر حياة بين إحيائهم في الدّنيا و إحيائهم في الآخرة.قالوا:و لا يجوز أن يستدلّ بقوله تعالى: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ المؤمن:11،لأنّه من كلام الكفّار،و لأنّ كثيرا من النّاس أثبتوا حياة الذّرّ في صلب آدم.

و الجواب أنّه لا يلزم من عدم ذكر هذه الحياة للمسألة عدمها قبل.و أيضا فيمكن أن يكون قوله: ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هو للمسألة،و لذلك قال: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فعطف ب«ثمّ»الّتي تقتضي التّراخي في الزّمان.و الرّجوع إلى اللّه تعالى حاصل عقب الحياة الّتي للبعث،فدلّ ذلك على أنّ تلك الحياة المذكورة هي للمسألة.قال الحسن:

ذكر الموت مرّتين،هذا لأكثر النّاس،و أمّا بعضهم فقد أماتهم ثلاث مرّات أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ البقرة:

259، أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ البقرة:

243، فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ البقرة:260،الآيات.

و في قوله تعالى: فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ دليل على اختصاصه تعالى بذلك،و دليل على النّشر و الحشر.و الظّاهر في قوله تعالى: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أنّ الهاء عائدة على اللّه سبحانه و تعالى.[ثمّ ذكر وجوها أخرى له](1:130)

أبو السّعود : وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً إلى آخر الآية، حال من ضمير الخطاب في(تكفرون)مؤكّدة للإنكار، و الاستبعاد بما عدّد فيها من الشّئون العظيمة الدّاعية إلى الإيمان الرّادعة من الكفر،من حيث كونها نعمة عامّة، و من حيث دلالتها على قدرة تامّة،كقوله تعالى: وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً نوح:14.و(كيف)منصوبة على التّشبيه بالظّرف عند سيبويه،و بالحال عند الأخفش،أي في أيّ حال،أو على أيّ حال تكفرون به تعالى،و الحال أنّكم كنتم أمواتا،أي أجساما لا حياة لها،عناصر و أغذية و نطفا و مضغا مخلّقة و غير مخلّقة.

و(الأموات)جمع:ميّت،كأقوال:جمع قيل، و إطلاقها على تلك الأجسام باعتبار عدم الحياة مطلقا، كما في قوله تعالى: بَلْدَةً مَيْتاً الفرقان:49،و قوله تعالى: وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ يس:33، فَأَحْياكُمْ بنفخ الأرواح فيكم.

و«الفاء»للدّلالة على التّعقيب،فإنّ الإحياء حاصل إثر كونهم أمواتا،و إن توارد عليهم في تلك الحالة أطوار مترتّبة بعضها متراخ عن بعض،كما أشير إليه آنفا. ثُمَّ يُحْيِيكُمْ أي عند انقضاء آجالكم،و كون الإماتة من دلائل القدرة ظاهر،و أمّا كونها من النّعم فلكونها وسيلة إلى الحياة الثّانية الّتي هي الحيوان و النّعمة العظمى، و التّراخي المستفاد من كلمة(ثمّ)بالنّسبة إلى زمان الإحياء دون زمان الحياة،فإنّ زمان الإماتة غير متراخ عنه. ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بالنّشور يوم ينفخ في الصّور أو للسّؤال في القبور،و أيّا ما كان فهو متراخ من زمان الإماتة،و إن كان إثر زمان الموت المستمرّ. ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بعد الحشر لا إلى غيره،فيجازيكم بأعمالكم

ص: 578

إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ،أو إليه تنشرون من قبوركم للحساب.

و هذه الأفعال و إن كان بعضها ماضيا و بعضها مستقبلا،لا يتسنّى مقارنة شيء منها،لما هو حال منه في الزّمان،لكنّ الحال في الحقيقة هو العلم المتعلّق بها،كأنّه قيل:كيف تكفرون باللّه و أنتم عالمون بهذه الأحوال المانعة منه؟!و مآله التّعجيب من وقوعه مع تحقّق ما ينفيه.و إنّما نظم ما ينكرونه من الإحياء الأخير و الرّجع في سلك ما يعترفون به من الإحياء الأوّل و الإماتة، تنزيلا لتمكّنهم من العلم،لما عاينوه من الدّلائل القاطعة منزلة العلم بذلك بالفعل في إزاحة العلل و الأعذار.

و الحياة حقيقة في القوّة الحسّاسة أو ما يقتضيها، و بها سمّي الحيوان حيوانا،مجاز في القوّة النّامية،لكونها من طلائعها،و كذا فيما يخصّ الإنسان من العقل و العلم و الإيمان،من حيث إنّه كمالها و غايتها.

و الموت بإزائها يطلق على ما يقابل كلّ مرتبة من تلك المراتب،قال تعالى: قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ الجاثية:26،و قال تعالى: اِعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الحديد:17،و قال تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ الأنعام:

122،و عند وصفه تعالى بها يراد صحة اتّصافه تعالى بالعلم و القدرة اللاّزمة لهذه القوّة فينا،أو معنى قائم بذاته تعالى مقتض لذلك.(1:104)

البروسويّ: أي و الحال إنّكم كنتم أمواتا،أي أجساما لا حياة لها،عناصر و أغذية و نطفا و مضغا مخلّقة و غير مخلّقة.[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ](1:90)

الآلوسيّ: [ذكر إعراب الآية و قال:]

و الحياة:قوّة تتّبع الاعتدال النّوعيّ،و يفيض منها سائر القوى.و قيل:القوّة الحسّاسة،و العضو المفلوج حيّ و إلاّ لتسارع إليه الفساد،و عدم الإحساس بالفعل لا يدلّ على عدم القوّة،لجواز فقدان الأثر لمانع.و كأنّهم أرادوا من ذلك قوّة اللّمس؛لأنّ مغايرة الحياة لما عداه من الحواسّ ظاهرة،فإنّها مختصّة بعضو دون عضو،و أنّها مفقودة في بعض أنواع الحيوانات،و أنّه يلزم تعدّد الحياة بالنّوع في شخص واحد،إن قيل بكون الحياة لكلّ واحد منها،و تركّبها في الخارج،إن أريد مجموعها.

و تطلق مجازا على القوّة النّامية.لأنّها من طلائعها و مقدّماتها،و على ما يخصّ الإنسان من الفضائل كالعقل و العلم و الإيمان،من حيث إنّها كمالها و غايتها.و الموت مقابل لها في كلّ مرتبة،و الكلّ في كتاب اللّه تعالى.

و حياته سبحانه و تعالى صحّة اتّصافه جلّ شأنه بالعلم و القدرة،أو معنى قائم بذاته تعالى يقتضي ذلك.

[ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة و قال:]

و أبعد الأقوال عندي حمل الموت الأوّل على المعهود بعد انقضاء الأجل،و الإحياء الأوّل على ما يكون للمسألة في القبر،فيكون قد وضع الماضي موضع المستقبل لتحقّق الوقوع.ثمّ لا دليل في الآية على المختار لنفي عذاب القبر،إذ نهاية ما فيها عدم ذكر الإحياء المصحّح له،و نحن لا نستدلّ لها بذلك الوجه عليه و لنا.- و الحمد للّه تعالى-في ذلك المطلب أدلّة شتّى.(2131)

القاسميّ: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً أجساما لا حياة لها عناصر،و أغذية،و نطفا،و مضغا مخلّقة و غير مخلّقة.

ص: 579

و إطلاق الأموات على تلك الأجسام الجماديّة،إمّا حقيقة،بناء على أنّ الميّت عادم الحياة مطلقا،كما في قوله تعالى: بَلْدَةً مَيْتاً الفرقان:49،و وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ يس:33،أو استعارة،جريا على أنّ إطلاق الميّت فيما تصحّ فيه الحياة،لاجتماعهما في أن لا روح و لا إحساس. فَأَحْياكُمْ بخلق الأرواح،و نفخها فيكم.

و إنّما عطفه ب«الفاء»لأنّه متّصل بما عطف عليه،غير متراخ عنه بخلاف البواقي. ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند تقضّي آجالكم، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بالنّشور،و البعث،للحساب و الجزاء.(2:89)

رشيد رضا :أي و الحال إنّكم كنتم قبل هذه النّشأة الأولى من حياتكم الدّنيا أمواتا منبثّة أجزاؤكم في الأرض،بعضها في طبقتها الجامدة،و بعضها في طبقتها السّائلة،و بعضها في طبقتها الغازيّة الهوائيّة،لا فرق في ذلك بينها و بين أجزاء سائر الحيوان و النّبات،فخلقكم أطوارا من سلالة من طين،فكنتم بالطّور الأخير في أحسن تقويم،و فضّلكم على غيركم بما وهبكم من العقل و الإدراك،و ما سخّر لكم من الكائنات. ثُمَّ يُمِيتُكُمْ بقبض الرّوح الحيّ الّذي به نظام حياتكم هذه،فتنحلّ أبدانكم بمفارقته إيّاها،و تعود إلى أصلها الميّت،و تنبثّ في طبقات الأرض،و تدغم في عوالمها،حتّى ينعدم هذا الوجود الخاصّ بها. ثُمَّ يُحْيِيكُمْ حياة ثانية،كما أحياكم بعد الموتة الأولى بلا فرق،إلاّ ما تكون به الحياة الثّانية أرقى في مرتبة الوجود،و أكمل لمن يزكّون أنفسهم في تلك،و أدنى منها و أسفل فيمن يدسّونها و يفسدون فطرتها.[إلى أن قال:]

لا يقال:كيف يحتجّ عليهم بالحياة الثّانية قبل الإيمان بالوحي الّذي هو دليلها و مثبتها؟لأنّه احتجاج على مجموع النّاس بما عليه الأكثرون منهم،و لا عبرة بالشّذّاذ المنكرين للبعث في هذا المقام؛لأنّ الاحتجاج بالحياة الأولى بعد الموتة الأولى كاف للتّعجّب من كفرهم باللّه، و إنكارهم عليه أن يضرب مثلا ما لهداية النّاس،زعما أنّ هذا لا يليق بعظمته،فإنّ من أوجد هذا الإنسان الكريم، و جعله في أحسن تقويم،و ركّب صورته من تلك الذّرّات الصّغيرة،و النّطفة المهينة الحقيرة و العلقة الدّمويّة أو الدّوديّة و المضغة اللّحميّة، لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها البقرة:26.و الكلام مسوق لإبطال شبه منكري المثل و القرآن الّذي جاء به، لا لإبطال شبه منكري البعث بلوامع شبهه.

ثمّ إنّ تمثيل إحدى الحياتين بعد الموت بالأخرى داحض لحجّة من يزعم عدم إمكان الثّانية؛لأنّ ما جاز في أحد المثلين جاز في الآخر،و الكلام في إثبات الوحي الإلهيّ للنّبيّ المرسل من البشر،و الإيمان بالبعث تابع له.(1:245)

نحوه المراغيّ.(1:75)

ابن عاشور : وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ جملة حاليّة،و هي تخلص إلى بيان ما دلّت عليه(كيف)بطريق الإجمال،و بيان أولى الدّلائل على وجوده و قدرته،و هي ما يشعر به كلّ أحد من أنّه وجد بعد عدم.

و لقد دلّ قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ أنّ هذا الإيجاد على حال بديع،و هو أنّ الإنسان كان مركّب أشياء موصوفا بالموت،أي لا حياة فيه؛إذ كان قد أخذ

ص: 580

من العناصر المتفرّقة في الهواء و الأرض فجمعت في الغذاء و هو موجود ثان ميّت،ثمّ استخلصت منه الأمزجة من الدّم و غيره و هي ميّتة،ثمّ استخلص منه النّطفتان للذّكر و الأنثى،ثمّ امتزج فصار علقة ثمّ مضغة،كلّ هذه أطوار أوّليّة لوجود الإنسان،و هي موجودات ميّتة،ثمّ بثّت فيه الحياة بنفخ الرّوح.فأخذ في الحياة إلى وقت الوضع فما بعده،و كان من حقّهم أن يكتفوا به دليلا على انفراده تعالى بالإلهيّة.

و إطلاق الأموات هنا مجاز شائع،بناء على أنّ الموت هو عدم اتّصاف الجسم بالحياة،سواء كان متّصفا بها من قبل-كما هو الإطلاق المشهور في العرف-أم لم يكن متّصفا بها،إذا كان من شأنه أن يتّصف بها،فعلى هذا يقال للحيوان-في أوّل تكوينه نطفة و علقة و مضغة-:

ميّت،لأنّه من شأنه أن يتّصف بالحياة،فيكون إطلاق الأموات في هذه الآية عليهم حين كانوا غير متّصفين بالحياة إطلاقا شائعا،و المقصود به التّمهيد لقوله:

فَأَحْياكُمْ، ثمّ التّمهيد و التّقريب لقوله: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ.

و قال كثير من أئمّة اللّغة:الموت:انعدام الحياة بعد وجودها،و هو مختار الزّمخشريّ و السّكّاكيّ و هو الظّاهر، و عليه فإطلاق الأموات عليهم في الحالة السّابقة على حلول الحياة استعارة.و اتّفق الجميع على أنّه إطلاق شائع في القرآن،فإن لم يكن حقيقة فهو مجاز مشهور قد ساوى الحقيقة و زال الاختلاف.

و الحياة:ضدّ الموت،و هي في نظر الشّرع نفخ الرّوح في الجسم.و قد تعسّر تعريف الحياة أو تعريف دوامها على الفلاسفة المتقدّمين و المتأخّرين تعريفا حقيقيّا بالحدّ،و أوضح تعاريفها بالرّسم،أنّها قوّة ينشأ عنها الحسّ و الحركة،و أنّها مشروطة باعتدال المزاج و الأعضاء الرّئيسيّة الّتي بها تدوم الدّورة الدّمويّة.

و المراد بالمزاج:التّركيب الخاصّ المناسب مناسبة تليق بنوع ما من المركّبات العنصريّة،و ذلك التّركيب يحصل من تعادل قوى و أجزاء بحسب ما اقتضته حالة الشّيء المركّب مع انبثاث الرّوح الحيوانيّ،فباعتدال ذلك التّركيب يكون النّوع معتدلا،و لكلّ صنف من ذلك النّوع مزاج يخصّه بزيادة تركيب،و لكلّ شخص من الصّنف مزاج يخصّه،و يتكوّن ذلك المزاج على النّظام الخاصّ تنبعث الحياة في ذي المزاج في إبّان نفخ الرّوح فيه،و هي المعبّر عنها بالرّوح النّفسانيّ.

و قد أشار إلى هذا التّكوين حديث التّرمذيّ عن عبد اللّه بن مسعود:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوما نطفة،ثمّ يكون علقة مثل ذلك،ثمّ يكون مضغة مثل ذلك،ثمّ يرسل إليه الملك فينفخ فيه الرّوح».

فأشار إلى حالات التّكوين الّتي بها صار المزاج مزاجا مناسبا حتّى انبعثت فيه الحياة.ثمّ بدوام انتظام ذلك المزاج تدوم الحياة،و باختلاله تزول الحياة؛و ذلك الاختلال هو المعبّر عنه بالفساد.و من أعظم الاختلال فيه اختلال الرّوح الحيوانيّ و هو الدّم إذا اختلّت دورته فعرض له فساد،و بعروض حالة توقّف عمل المزاج و تعطّل آثاره يصير الحيّ شبيها بالميّت كحالة المغمى عليه و حالة العضو المفلوج،فإذا انقطع عمل المزاج فذلك

ص: 581

الموت.فالموت:عدم،و الحياة:ملكة،و كلاهما موجود مخلوق،قال تعالى: اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ في سورة الملك:2.

و ليس المقصود من قوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ الامتنان،بل هو استدلال محض ذكر شيئا يعدّه النّاس نعمة،و شيئا لا يعدّونه نعمة و هو الموتتان، فلا يشكل وقوع قوله: أَمْواتاً، و قوله: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ في سياق الآية.

و أمّا قوله: ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فذلك تفريع عن الاستدلال،و ليس هو بدليل؛إذ المشركون ينكرون الحياة الآخرة،فهو إدماج و تعليم و ليس باستدلال،أو يكون ما قام من الدّلائل على أنّ هناك حياة ثانية قد قام مقام العلم بها،و إن لم يحصل العلم،فإنّ كلّ من علم وجود الخالق العدل الحكيم،و رأى النّاس لا يجرون على مقتضى أوامره و نواهيه،فيرى المفسد في الأرض في نعمة،و الصّالح في عناء،علم أنّ عدل اللّه و حكمته ما كان ليضيع عمل عامل،و أنّ هنالك حياة أحكم و أعدل من هذه الحياة،تكون أحوال النّاس فيها على قدر استحقاقهم و سموّ حقائقهم.(1:370)

مغنيّة:المراد بالموتة الأولى المشار إليها ب كُنْتُمْ أَمْواتاً المراد بها:العدم السّابق،و المراد بالإحياء الأوّل فَأَحْياكُمْ: الخلق بعد العدم،و الموت الثّاني ثُمَّ يُمِيتُكُمْ هو الموت المعهود،و الإحياء:البعث للحساب و الجزاء ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

و تسأل:هل الرّوح تفارق الجسد بعد نفاد قواه الموجبة للحياة؛بحيث لو بقيت هذه القوى مئات السّنين لبقي الإنسان معها حيّا،أو أنّه من الممكن أن تفارق الرّوح الجسم،حتّى مع وجود القوى بكاملها،و دون أن يطرأ أيّ خلل على الجسم؟

ذهب المادّيّون إلى الأوّل،و قال غيرهم بالثّاني،أمّا قوله تعالى: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:33،أمّا هذه الآية فتحتمل الوجهين،لأنّها لم تبيّن سبب الأجل:هل هو فساد الجسم،أو شيء آخر؟و أمّا قوله سبحانه: اَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا البقرة:243،و قوله: قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ البقرة:259،أمّا هاتان الآيتان فإنّهما قضيّتان في واقعتين لا تتعدّيانهما إلى بقيّة الوقائع،كما هو الشّأن في القواعد العامّة،و المبادئ الكلّيّة.

و مهما يكن،فلا شيء لدينا يوجب القطع و الجزم، و لكن الّذي نشاهده بالوجدان أنّ كثيرا من النّاس يدركهم الموت،و هم في مقتبل العمر،و أوج الصّحة و السّلامة،و أنّ كثيرا منهم يسرحون و يمرحون،و هم في سنّ متقدّمة و فيهم أكثر من داء.و كم من طبيب ماهر قال لمريضه:ستموت بعد ساعات فعاش سنوات،و قد يحدث العكس.(1:76)

الطّباطبائيّ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً الآية قريبة السّياق من قوله تعالى: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ المؤمن:11،و هذه من الآيات الّتي يستدلّ بها على وجود البرزخ بين الدّنيا و الآخرة،فإنّها

ص: 582

تشتمل على إماتتين،فلو كان إحداهما الموت النّاقل من الدّنيا لم يكن بدّ في تصوير الإماتة الثّانية من فرض حياة بين الموتين و هو البرزخ،و هو استدلال تامّ اعتني به في بعض الرّوايات أيضا.

و ربّما ذكر بعض المنكرين للبرزخ أنّ الآيتين،-أعني قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ الآية،و قوله: قالُوا رَبَّنا الآية-متّحدتا السّياق،و قد اشتملتا على موتين و حياتين،فمدلولهما واحد،و الآية الأولى ظاهرة في أنّ الموت الأوّل هو حال الانسان قبل ولوج الرّوح في الحياة الدّنيا،فالموت و الحياة الأوليان هما الموت قبل الحياة الدّنيا و الحياة الدّنيا،و الموت و الحياة الثّانيتان هما الموت عن الدّنيا و الحياة يوم البعث،و المراد بالمراتب في الآية الثّانية هو ما في الآية الأولى،فلا معنى لدلالتها على البرزخ.

و هو خطأ فإنّ الآيتين مختلفتان سياقا؛إذ المأخوذ في الآية الأولى موت واحد و إماتة واحدة و إحياءان،و في الآية الثّانية إماتتان و إحياءان،و من المعلوم أنّ الإماتة لا يتحقّق لها مصداق من دون سابقة حياة بخلاف الموت، فالموت الأوّل في الآية الأولى غير الإماتة الأولى في الآية الثّانية،فلا محالة في قوله تعالى: أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ الإماتة الأولى هي الّتي بعد الدّنيا، و الإحياء الأوّل بعدها للبرزخ،و الإماتة و الإحياء الثّانيتان للآخرة يوم البعث.

و في قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ إنّما يريد الموت قبل الحياة و هو موت و ليس بإماتة،و الحياة هي الحياة الدّنيا.و في قوله تعالى: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ حيث فصّل بين الإحياء و الرّجوع بلفظ(ثمّ)تأييد لما ذكرنا هذا.

قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً بيان حقيقة الإنسان من حيث وجوده،فهو وجود متحوّل متكامل،يسير في مسير وجوده المتبدّل المتغيّر تدريجا،و يقطعه مرحلة مرحلة،فقد كان الإنسان قبل نشأته في الحياة الدّنيا ميّتا، ثمّ حيي بإحياء اللّه،ثمّ يتحوّل بإماتة و إحياء و هكذا، و قد قال سبحانه: وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ* ثُمَّ سَوّاهُ وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ السّجدة:7،8،9،و قال تعالى: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ المؤمنون:

14،و قال تعالى: وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ* قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ السّجدة:10،11،و قال تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى طه:55.

و الآيات كما ترى-و سنزيدها توضيحا في محالّها- تدلّ على أنّ الإنسان جزء من الأرض غير مفارقها و لا مباين معها،انفصل منها ثمّ شرع في التّطوّر بأطواره حتّى بلغ مرحلة أنشئ فيها خلقا آخر،فهو المتحوّل خلقا آخر و المتكامل بهذا الكمال الجديد الحديث،ثمّ يأخذ ملك الموت هذا الإنسان من البدن نوع أخذ يستوفيه،ثمّ يرجع إلى اللّه سبحانه،فهذا صراط وجود الإنسان.

ثمّ إنّ الإنسان صاغه التّقدير صوغا يرتبط به مع سائر الموجودات الأرضيّة و السّماويّة،من بسائط العناصر و قواها المنبجسة منها و مركّباتها من حيوان

ص: 583

و نبات و معدن و غير ذلك،من ماء أو هواء و ما يشاكلها، و كلّ موجود من الموجودات الطّبيعيّة كذلك،أي إنّه مفطور على الارتباط مع غيره ليفعل و ينفعل و يستبقي به موهبة وجوده،غير أنّ نطاق عمل الإنسان و مجال سعيه أوسع؛كيف؟و هذا الموجود الأعزل على أنّه يخالط الموجودات الأخر الطّبيعيّة بالقرب و البعد و الاجتماع و الافتراق بالتّصرّفات البسيطة،لغاية مقاصده البسيطة في حياته،فهو من جهة تجهيزه بالإدراك و الفكر يختصّ بتصرّفات خارجة عن طوق سائر الموجودات بالتّفصيل و التّركيب و الإفساد و الإصلاح،فما من موجود إلاّ و هو في تصرّف الإنسان،فزمانا يحاكي الطّبيعة بالصّناعة فيما لا يناله من الطّبيعة،و زمانا يقاوم الطّبيعة بالطّبيعة.

و بالجملة فهو مستفيد لكلّ غرض من كلّ شيء،و لا يزال مرور الدّهور على هذا النّوع العجيب،يؤيّده في تكثير تصرّفاته و تعميق أنظاره،ليحقّ اللّه الحقّ بكلماته، و ليصدّق قوله: سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ الجاثية:13،و قوله: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ البقرة:29.و كون الكلام واقعا موقع بيان النّعم لتمام الامتنان يعطي أن يكون الاستواء إلى السّماء لأجل الإنسان،فيكون تسويتها سبعا أيضا لأجله، و عليك بزيادة التّدبّر فيه.

فذاك الّذي ذكرناه من صراط الإنسان في مسير وجوده،و هذا الّذي ذكرناه من شعاع عمله في تصرّفاته في عالم الكون،هو الّذي يذكره سبحانه من العالم الإنسانيّ،و من أين يبتدئ و إلى أين ينتهي.

غير أنّ القرآن كما يعدّ مبدأ حياته الدّنيويّة آخذة في الشّروع من الطّبيعة الكونيّة و مرتبطة بها أحيانا،كذلك يربطها بالرّبّ تعالى و تقدّس،فقال تعالى: وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً مريم:9،و قال تعالى: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ البروج:13،فالإنسان و هو مخلوق مربّى في مهد التّكوين،مرتضع من ثدي الصّنع و الإيجاد، متطوّر بأطوار الوجود،يرتبط سلوكه بالطّبيعة الميّتة،كما أنّه من جهة الفطر و الإبداع مرتبط متعلّق بأمر اللّه و ملكوته،قال تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82،و قال تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ النّحل:

40.

فهذا من جهة البدء،و أمّا من جهة العود و الرّجوع فيعدّ صراط الإنسان متشعّبا إلى طريقين:طريق السّعادة و طريق الشّقاوة،فأمّا طريق السّعادة فهو أقرب الطّرق يأخذ في الانتهاء إلى الرّفيع الأعلى،و لا يزال يصعد الإنسان و يرفعه حتّى ينتهي به إلى ربّه.و أمّا طريق الشّقاوة فهو طريق بعيد يأخذ في الانتهاء إلى أسفل السّافلين،حتّى ينتهي إلى ربّ العالمين،و اللّه من ورائهم محيط،و قد مرّ بيان ذلك في ذيل قوله تعالى:

اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ من سورة الفاتحة:5.

فهذا إجمال القول في صراط الإنسان،و أمّا تفصيل القول في حياته قبل الدّنيا،و فيها و بعد الدّنيا فسيأتي كلّ في محلّه،غير أنّ كلامه تعالى إنّما يتعرّض لذلك من جهة ارتباطه بالهداية و الضّلال و السّعادة و الشّقاء،و يطوي البحث عمّا دون ذلك إلاّ بمقدار يماسّ غرض القرآن المذكور.(1:111)

ص: 584

مكارم الشّيرازيّ: القرآن يبدأ في أدلّته من نقطة لا تقبل الإنكار،و يركّز على مسألة الحياة بكلّ ما فيها من تعقيد و غموض،و يقول: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ.

و في هذه العبارة تذكير للإنسان بما كان عليه قبل الحياة،لقد كان ميّتا تماما مثل الأحجار و الأخشاب،و لم يكن فيه أيّ أثر للحياة،لكنّه الآن يتمتّع بنعمة الحياة، و بنعمة الشّعور و الإدراك.

من الّذي منح الإنسان نعمة الحياة؟هل أنّ الكائن البشريّ هو الّذي منح نفسه الحياة؟!كلّ إنسان منصف لا يتردّد أن يجيب:أنّ هذه الحياة موهوبة للإنسان من لدن عالم قادر،عالم برموز الحياة و قوانينها المعقّدة، و قادر على تنظيمها.إذن كيف يكفر هذا الإنسان بمن أحياه بعد موته؟!

أجمعت العلماء اليوم أنّ مسألة الحياة أعقد مسألة في عالمنا هذا،لأنّ لغز الحياة لم ينحلّ حتّى اليوم على الرّغم من كلّ ما حقّقه البشر من تقدّم هائل في حقل العلم و المعرفة.قد يستطيع العلم في المستقبل أن يكتشف بعض أسرار الحياة،لكن السّؤال يبقى قائما بحاله:كيف يكفر الإنسان باللّه و ينسب هذه الحياة بتعقيداتها و غموضها و أسرارها إلى صنع الطّبيعة العمياء الصّمّاء الفاقدة لكلّ شعور و إدراك؟!

من هنا نقول:إنّ ظاهرة الحياة في عالم الطّبيعة أعظم سند لإثبات وجود اللّه تعالى،و القرآن يركز في الآية المذكورة على هذه المسألة بالذّات،و هي مسألة تحتاج إلى مزيد من الدّراسة و التّعمّق،لكنّنا نكتفي هنا بهذه الإشارة.

بعد التّذكير بهذه النّعمة،تؤكّد الآية دليلا واضحا آخر و هو«الموت» ثُمَّ يُمِيتُكُمْ.

ظاهرة«الموت»يراها الإنسان في حياته اليوميّة، من خلال وفاة من يعرفهم و من لا يعرفهم،و هذه الظّاهرة تبعث أيضا على التّفكير.من الّذي قبض أرواحهم؟ألا يدلّ سلب الحياة منهم على أنّ هناك من منحهم هذه الحياة؟

نعم،إنّ خالق الحياة هو خالق الموت أيضا،و إلى ذلك تشير الآية الكريمة: اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً الملك:2.

بعد أن ذكرت الآية هذين الدّليلين الواضحين على وجود اللّه،تناولت المعاد و الحياة بعد الموت: ثُمَّ يُحْيِيكُمْ. و يأتي ذكر المعاد في سياق هذه الآية ليبيّن أنّ مسألة الحياة بعد الموت-المعاد-مسألة طبيعيّة جدّا، لا تختلف عن مسألة إحياء الإنسان في هذه الدّنيا.و هل بمقدور إنسان أن ينكر إمكان المعاد،و هو يرى أنّه خلق من عناصر ميّتة؟!

و هكذا،و بعبارة موجزة رائعة يفتح القرآن أمام الإنسان سجّل حياته منذ ولادته و حتّى بعثه.(1:129)

التّناسخ أو عودة الأرواح

الآية المذكورة من الآيات الّتي ترفض بوضوح فكرة التّناسخ،فالمعتقدون بالتّناسخ يؤمنون بأنّ الإنسان يعود بعد الموت ثانية إلى هذه الحياة،بعد أن تحلّ روحه في جسم آخر و«نطفة أخرى»،و يحيا في هذه الدّنيا حياة أخرى.و قد تتكرّر هذه العودة مرّات.

ص: 585

و تكرّر هذه الحياة يسمّى بالتّناسخ أو عودة الأرواح.

الآية تصرّح بعدم وجود أكثر من حياة واحدة بعد الموت،هي حياة البعث و النّشور.و بعبارة أخرى توضّح الآية أنّ للإنسان حياتين و مماتين لا أكثر،و كان الإنسان ميّتا يوم كان جزء من الطّبيعة غير الحيّة،ثمّ أحياه اللّه يوم ولد،ثمّ يميته،ثمّ يعيده.و لو كان التّناسخ صحيحا لكان للإنسان أكثر من مماتين و حياتين.

هذا المفهوم مذكور في آيات أخرى أيضا،سنشير إليه في موضعه.

فكرة التّناسخ إذن مرفوضة قرآنيّا،كما أنّها مرفوضة عقليّا،و هي نوع من الرّجعيّة و الانتكاس في قانون التّكامل.

جدير بالذّكر أنّ هذه الآية لا تشير إلى الحياة البرزخيّة-الحياة بين الموت و النّشور-.بل إلى الحياة بعد الموت في هذه الدّنيا-إحياء الإنسان بعد تكوّنه من موادّ طبيعيّة ميّتة-،ثمّ الموت بعد هذه الحياة الدّنيويّة،ثمّ الحياة الأخرى،و استمرار المسيرة التّكامليّة نحو اللّه.

(1:132)

فضل اللّه : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ أيّها النّاس، و أنتم تملكون العقل الّذي يتحرّك من خلال مفردات الحسّ الّذي يتزوّد بعناصر الفكر،و طاقة الوعي المتحرّك الّتي توجّهه نحو التّأمّل و الدّراسة و المقارنة بين الأشياء،و الاستنتاج الحيّ المنفتح على حقائق العقيدة و الحياة.

و للعقل أكثر من طريق يؤدّي بكم إلى معرفة اللّه من دون حاجة إلى الاستغراق في التّجريد الفكريّ و العمق الفلسفيّ،لأنّ الواقع الحيّ الّذي تعيشونه في وجودكم، و تتحسّسونه في مشاعركم،هو الّذي يمنحكم الإيمان باللّه، من موقع الوجدان المنفتح على الفطرة،و الفكر المتحرّك في نطاق البديهة.

وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً قبل وجودكم،حيث كان العدم هو الأفق الّذي يحتويكم في دائرته،فليس هناك أيّ شيء يربطكم بالوجود في ذاتيّاتكم،أو في الأسباب الطّبيعيّة الّتي تفرضها طبيعة الأشياء في ذاتها،الأمر الّذي جعل مسألة الحياة بحاجة إلى إرادة الخالق القادر الّذي يبدع الحياة في التّراب،و يحوّل الدّم إلى نطفة،لتتطوّر النّطفة في مسيرة الحياة إلى علقة،فمضغة،فعظام،فلحم، فإنسان سويّ،تتحرّك فيه الرّوح،و ينفتح فيه الإحساس.

فَأَحْياكُمْ، و كانت الحياة هي الّتي تختصر تفاصيل وجودكم في الوعي و الحسّ و الحركة و الإبداع و الإنتاج،في عمليّة تكامل مع الوجود الّذي ينسجم مع وجودكم،و تفاعل مع الحياة في تنوّعاتها،و مع الإنسان الآخر في عطاءاته الكثيرة،و هي الّتي تنفتح على المسئوليّات الّتي تجعل لكلّ طاقة قدرا من المسئوليّة في بناء الذّات على الصّورة الّتي يريدها اللّه،و بناء المجتمع على المنهج الّذي يرضاه،لتكون الحياة حياة العقل و الحسّ و الوعي و الانفتاح على الطّاقات الدّاخليّة للحياة و للإنسان.

ثُمَّ يُمِيتُكُمْ، لتدخلوا من جديد في غياهب الموت الّذي يفصلكم عن هذه الحياة الّتي أبدعها اللّه فيكم، فيغيب وجودكم عنها،و يبتعد دوركم عن ساحاتها،

ص: 586

و ينقطع أثركم منها.و لكنّه ليس الموت الأبديّ الّذي يموت فيه الوجود بالمطلق،بل هو الموت الّذي تعقبه الحياة في أفق آخر،و بعد جديد،و عالم أوسع،هو عالم الآخرة الّذي يطلّ على الغيب ليضعه في متناول الحسّ الإنسانيّ.

ثُمَّ يُحْيِيكُمْ، لأنّ القادر على إبداع الحياة أوّلا قادر على إبداعها ثانيا،لأنّ القدرة على الإعادة من موقع المثال الحيّ أكثر سهولة من إبداع الخلق من دون مثال.

و إذا كان اللّه هو الّذي أطلق لكم البداية من إرادته و قدرته،فمنه المبدأ الّذي يعيدكم إلى رعايته من جديد.

ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لتواجهوا مسئوليّاتكم أمامه، ليكون لكم الاستقرار الموعود في ثوابه أو عقابه.

إنّها الحقيقة الوجوديّة الإلهيّة الّتي ينطلق الحسّ في دلالاتها،و يتحرّك الإمكان العقليّ في نهاياتها،و هي الّتي تفرض نفسها على العقل ليعرف اللّه،فكيف تكفرون به و تنكرونه؟(1:204)

2- وَ هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ. الحجّ:66

ابن عبّاس: (احياكم)في أرحام أمّهاتكم صغارا، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ صغارا أو كبارا، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ للبعث بعد الموت.(283)

الطّبريّ: و اللّه الّذي أنعم عليكم هذه النّعم،هو الّذي جعل لكم أجساما أحياء بحياة أحدثها فيكم،و لم تكونوا شيئا،ثمّ هو يميتكم من بعد حياتكم،فيفنيكم عند مجيء آجالكم،ثمّ يحييكم بعد مماتكم عند بعثكم لقيام السّاعة.(17:198)

نحوه المراغيّ.(17:138)

الثّعلبيّ: هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ و لم تكونوا شيئا، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم و فناء أعماركم، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ للثّواب و العقاب.(7:33)

نحوه الطّوسيّ(7:338)،و البغويّ(3:350)، و الميبديّ(6:399)،و الخازن(5:22).

الواحديّ: هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ بعد أن كنتم نطفا ميتة.[و أدام نحو الثّعلبيّ](3:279)

نحوه القرطبيّ(12:93)،و البيضاويّ(2:98).

الزّمخشريّ: (احياكم)بعد أن كنتم جمادا ترابا و نطفة و علقة و مضغة.(3:21)

ابن عطيّة: الإحياء و الإماتة في هذه الآية ثلاث مراتب،و سقط منها الموت الأوّل الّذي نصّ عليه في غيرها،إلاّ أنّه بالمعنى في هذه.(4:132)

الطّبرسيّ: [نحو الواحديّ و قال:]

و فيه بيان أنّ من قدر على ابتداء الإحياء قدر على إعادة الإحياء.(4:94)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّ من سخّر له هذه الأمور، و أنعم عليه بها فهو الّذي أحياه،فنبّه بالإحياء الأوّل على إنعام الدّنيا علينا بكلّ ما تقدّم،و نبّه بالإماتة و الإحياء الثّاني على نعم الدّين علينا،فإنّه سبحانه و تعالى خلق الدّنيا بسائر أحوالها للآخرة،و إلاّ لم يكن للنّعم على هذا الوجه معنى.

يبيّن ذلك أنّه لو لا أمر الآخرة لم يكن للزّراعات

ص: 587

و تكلّفها،و لا لركوب الحيوانات و ذبحها إلى غير ذلك معنى،بل كان تعالى يخلقه ابتداء من غير تكلّف الزّرع و السّقي،و إنّما أجرى اللّه العادة بذلك ليعتبر به في باب الدّين.(23:63)

النّسفيّ: وَ هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ في أرحام أمّهاتكم، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ لإيصال جزائكم.(3:110)

الشّربينيّ: اَلَّذِي أَحْياكُمْ أي عن الجماديّة بعد أن أوجدكم من العدم، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ أي عند انقضاء آجالكم،ليكون الموت واعظا لأولي البصائر منكم، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ أي يوم البعث للثّواب و العقاب،و إظهار العدل في الجزاء.(2:564)

أبو السّعود : وَ هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ بعد أن كنتم جمادا عناصر و نطفا،حسبما فصّل في مطلع السّورة الكريمة، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند مجيء آجالكم، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ عند البعث.(4:395)

نحوه البروسويّ(6:57)،و الآلوسيّ(17:194).

ابن عاشور :بعد أن أدمج الاستدلال على البعث بالمواعظ و المنن و التّذكير بالنّعم،أعيد الكلام على «البعث»هنا بمنزلة نتيجة القياس،فذكّر الملحدون بالحياة الأولى الّتي لا ريب فيها،و بالإماتة الّتي لا يرتابون فيها،و بأنّ بعد الإماتة إحياء آخر،كما أخذ من الدّلائل السّابقة.و هذا محلّ الاستدلال.فجملة وَ هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ عطف على جملة: وَ يُمْسِكُ السَّماءَ الحجّ:

65،لأنّ صدر هذه من جملة النّعم،فناسب أن تعطف على سابقتها المتضمّنة امتنانا و استدلالا كذلك.

(17:235)

الطّباطبائيّ: سياق الماضي في(احياكم)يدلّ على أنّ المراد به الحياة الدّنيا،و أهمّيّة المعاد بالذّكر تستدعي أن يكون المراد من قوله: ثُمَّ يُحْيِيكُمْ الحياة الآخرة يوم البعث،دون الحياة البرزخيّة.

و هذه الحياة ثمّ الموت ثمّ الحياة،من النّعم الإلهيّة العظمى ختم بها الامتنان،و لذا عقّبها بقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ. (14:403)

عبد الكريم الخطيب :في هذه الآية تذكير للنّاس بتلك النّعمة الكبرى نعمة الحياة،فقد كان النّاس عدما،أو ترابا في هذا التّراب،ثمّ إذا هم هذا الخلق السّويّ العاقل،المدبّر،الصّانع!ثمّ إذا هم تراب مرّة أخرى،ثمّ إذا هم يلبسون حياة لا موت بعدها،و بهذه الحياة تتمّ النّعمة،نعمة الحياة؛ذلك أنّه لو كانت الحياة الدّنيا هي كلّ حياة الإنسان لكانت نعمة ناقصة،بل إنّها تكون نقمة لما فيها من معاناة،و أعباء،و شدائد،يلتقي بها الإنسان في مسيرة الحياة الدّنيا،من المولد إلى الممات.

إنّ الحياة الدّنيا هي إعداد للحياة الأخرى،إنّها زرع،و الأخرى حصاد لثمر هذا الزّرع،و من هنا كان لا بدّ من الحياة الآخرة،حتّى تكون الحياة نعمة تستوجب الحمد و الشّكران للّه.(9:1091)

مكارم الشّيرازيّ: أي كنتم ترابا لا حياة فيه فألبسكم لباس الحياة، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ و بعد انقضاء دورة حياتكم يميتكم، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ أي يمنحكم حياة جديدة يوم البعث.(10:350)

فضل اللّه :بعد أن كنتم في غياهب العدم، ثُمَّ

ص: 588

يُمِيتُكُمْ بعد أن تأخذوا من الحياة كلّ ما تستطيعون أخذه و الانتفاع به، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ليحاسبكم على كلّ ما قمتم به في حياتكم من أفعال الخير و الشّرّ،و ما تحرّكتم به في خطّ الانحراف و الاستقامة،على ضوء ما كلّفكم به من مسئوليّة في بناء الحياة و تحريكها،على الصّورة الّتي جاءت في مضمون رسالاته.(16:112)

احييتنا

قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ. المؤمن:11

ابن مسعود:هي كالّتي في البقرة:28 وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ،ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ.

مثله ابن عبّاس،و الضّحّاك.(الطّبريّ24:47)

و نحوه أبو عبيدة.(2:194)

أنّه خلقهم أمواتا في أصلاب آبائهم،ثمّ أحياهم بإخراجهم،ثمّ أماتهم عند انقضاء آجالهم،ثمّ أحياهم للبعث،فهما ميتتان:إحداهما في أصلاب الرّجال،و الثّانية في الدّنيا،و حياتان:إحداهما في الدّنيا،و الثّانية في الآخرة.(الماورديّ 5:146)

نحوه قتادة(الطّبريّ24:47)،و ابن عبّاس، و الضّحّاك،و أبو مالك(ابن عطيّة 4:549).

ابن عبّاس: وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ مرّتين:مرّة قبل أن سألنا منكر و نكير في القبور،و مرّة للبعث.(393)

ابن كعب القرظيّ: أرادوا أنّ الكافر في الدّنيا هو حيّ الجسد ميّت القلب،فكأنّ حالهم في الدّنيات جمعت إحياء و إماتة،ثمّ أماتهم حقيقة،ثمّ أحياهم بالبعث.

(ابن عطيّة 4:549)

السّدّيّ: أميتوا في الدّنيا،ثمّ أحيوا في قبورهم، فسئلوا أو خوطبوا،ثمّ أميتوا في قبورهم،ثمّ أحيوا في الآخرة.(422)

ابن زيد :إنّ اللّه أحياهم حين أخذ عليهم الميثاق في ظهر آدم بقوله: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الأعراف:172،ثمّ إنّ اللّه أماتهم بعد أخذ الميثاق عليهم،ثمّ أحياهم حين أخرجهم،ثمّ أماتهم عند انقضاء آجالهم،ثمّ أحياهم للبعث،فتكون حياتان و موتتان في الدّنيا،و حياة في الآخرة.

(الماورديّ 5:146)

الجبّائيّ: إنّ الحياة الأولى في الدّنيا و الثّانية في القبر،و لم يرد الحياة يوم القيامة،و الموتة الأولى في الدّنيا و الثّانية في القبر.(الطّبرسيّ 4:516)

الزّجّاج: أي خلقتنا أمواتا ثمّ أحييتنا،ثمّ أمتّنا بعد، ثمّ بعثتنا بعد الموت.

و قد جاء في بعض التّفاسير:أنّ إحدى الحياتين، و إحدى الموتتين أن يحيا في القبر ثمّ يموت،فذلك أدلّ على(احييتنا)و(امتّنا)،و الأوّل أكثر في التّفسير.

(4:368)

السّجستانيّ: مثل قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ البقرة:28،فالموتة الأولى:كونهم نطفا في أصلاب آبائهم،لأنّ النّطفة ميّتة، و الحياة الأولى إحياء اللّه تعالى إيّاهم من النّطفة،و الموتة الثّانية:إماتة اللّه إيّاهم بعد الحياة،و الحياة الثّانية:إحياء اللّه إيّاهم للبعث،فهاتان موتتان و حياتان.

ص: 589

و يقال:الموتة الأولى:الّتي تقع بهم في الدّنيا بعد الحياة،و الحياة الأولى:إحياء اللّه تعالى إيّاهم في القبر لمساءلة منكر و نكير،و الموتة الثّانية:إماتة اللّه تعالى إيّاهم بعد المسألة،و الحياة الثّانية إحياء اللّه تعالى إيّاهم للبعث.(164)

الطّوسيّ: [ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

و في النّاس من استدلّ بهذه الآية على صحّة الرّجعة، بأن قال:الإماتة الأولى في دار الدّنيا،و الإحياء الأوّل حين إحيائهم للرّجعة،و الإماتة الثّانية بعدها.و الإحياء الثّاني يوم القيامة.

فكأنّهم اعتمدوا قول السّدّيّ،إنّ حال كونهم نطفا لا يقال له:إماتة،لأنّ هذا القول يفيد إماتة عن حياة، و الإحياء يفيد عن إماتة منافية للحياة،و إن سمّوا في حال كونهم نطفا مواتا.

و هذا ليس بقويّ،لأنّه لو سلم ذلك لكان لا بدّ من أربع إحياءات و ثلاث إماتات:أوّل إحياء حين أحياهم بعد كونهم نطفا،لأنّ ذلك يسمّى إحياء بلا شكّ،ثمّ إماتة بعد ذلك في حال الدّنيا،ثمّ إحياء في القبر،ثمّ إماتة بعده، ثمّ إحياء في الرّجعة،ثمّ إماتة بعدها،ثمّ إحياء يوم القيامة.

لكن يمكن أن يقال:إنّ إخبار اللّه عن الإحياء مرّتين و الإماتة مرّتين لا يمنع من إحياء آخر و إماتة أخرى، و ليس في الآية أنّه أحياهم مرّتين و أماتهم مرّتين بلا زيادة.فالآية محتملة لما قالوه و محتملة لما قاله السّدّيّ، و ليس للقطع على أحدهما سبيل.(9:60)

القشيريّ: الإماتة الأولى:إماتتهم في الدّنيا،ثمّ في القبر يحييهم،ثمّ يميتهم فهي الإماتة الثّانية.و الإحياء الأوّل:في القبر،و الثّاني:عند النّشر.(5:298)

الواحديّ: أي كنّا نطفا في الدّنيا أمواتا،فخلقت فينا الحياة،ثمّ أمتّنا و بعثتنا بعد الموت.و هذا كقوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ البقرة:28.

(4:6)

الزّمخشريّ: إماتتين و إحياءتين أو موتتين و حياتين،و أراد بالإماتتين:خلقهم أمواتا أوّلا،و إماتتهم عند انقضاء آجالهم،و بالإحياءتين:الإحياءة الأولى و إحياءة البعث.و ناهيك تفسيرا لذلك قوله تعالى:

وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ البقرة:

28،و كذا عن ابن عبّاس.

فإن قلت:كيف صحّ أن يسمّي خلقهم أمواتا إماتة؟

قلت:كما صحّ أن تقول:سبحان من صغّر جسم البعوضة و كبّر جسم الفيل،و قولك للحفّار:ضيّق فم الرّكيّة و وسّع أسفلها،و ليس ثمّ نقل من كبر إلى صغر، و لا من صغر إلى كبر،و لا من ضيق إلى سعة،و لا من سعة إلى ضيق،و إنّما أردت الإنشاء على تلك الصّفات.

و السّبب في صحّته أنّ الصّغر و الكبر جائزان معا على المصنوع الواحد،من غير ترجّح لأحدهما،و كذلك الضّيق و السّعة،فإذا اختار الصّانع أحد الجائزين و هو متمكّن منهما على السّواء،فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر،فجعل صرفه منه كنقله منه.

و من جعل الإماتتين:الّتي بعد حياة الدّنيا،و الّتي بعد حياة القبر،لزمه إثبات ثلاث إحياءات و هو خلاف ما في القرآن،إلاّ أن يتمحّل فيجعل إحداها غير معتدّ بها،أو يزعم أنّ اللّه تعالى يحييهم في القبور،و تستمرّ بهم تلك

ص: 590

الحياة،فلا يموتون بعدها،و يعدّهم في المستثنين من الصّعقة.(3:418)

ابن عطيّة: و اختلف المفسّرون في معنى قولهم:

[و ذكر الآية ثمّ نقل قول ابن عبّاس و ابن زيد و قال:]

و هذا قول ضعيف،لأنّ الإحياء فيه ثلاث مرّات.

[ثمّ نقل قول السّدّيّ و قال:]

و هذا أيضا يدخله الاعتراض الّذي في القول قبله، و الأوّل أثبت الأقوال.(4:549)

الفخر الرّازيّ: و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:احتجّ أكثر العلماء بهذه الآية في إثبات عذاب القبر،و تقرير الدّليل أنّهم أثبتوا لأنفسهم موتتين؛حيث قالوا: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ فأحد الموتتين مشاهد في الدّنيا،فلا بدّ من إثبات حياة أخرى في القبر حتّى يصير الموت الّذي يحصل عقيبها موتا ثانيا؛و ذلك يدلّ على حصول حياة في القبر.

فإن قيل:قال كثير من المفسّرين:الموتة الأولى إشارة إلى الحالة الحاصلة عند كون الإنسان نطفة و علقة، و الموتة الثّانية إشارة إلى ما حصل في الدّنيا،فلم لا يجوز أن يكون الأمر كذلك؟و الّذي يدلّ على أنّ الأمر ما ذكرناه قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ البقرة:28،و المراد من قوله:

وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً الحالة الحاصلة عند كونه نطفة و علقة.

و تحقيق الكلام أنّ الإماتة تستعمل بمعنيين:أحدهما:

إيجاد الشّيء ميّتا،و الثّاني:تصير الشّيء ميّتا بعد أن كان حيّا،كقولك:وسّع الخيّاط ثوبي،يحتمل أنّه خاطه واسعا،و يحتمل أنّه صيّره واسعا بعد أن كان ضيّقا،فلم لا يجوز في هذه الآية أن يكون المراد بالإماتة:خلقها ميّتة،و لا يكون المراد:تصييرها ميّتة بعد أن كانت حيّة؟

السّؤال الثّاني:أنّ هذا كلام الكفّار،فلا يكون حجّة.

السّؤال الثّالث:أنّ هذه الآية تدلّ على المنع من حصول الحياة في القبر.و بيانه أنّه لو كان الأمر كذلك لكان قد حصلت الحياة ثلاث مرّات:أوّلها في الدّنيا، و ثانيها في القبر،و ثالثها في القيامة.و المذكور في الآية ليس إلاّ حياتين فقط،فتكون إحداهما الحياة في الدّنيا، و الحياة الثّانية في القيامة،و الموت الحاصل بينهما هو الموت المشاهد في الدّنيا.

السّؤال الرّابع:أنّه إن دلّت هذه الآية على حصول الحياة في القبر،فهاهنا ما يدلّ على عدمه؛و ذلك بالمنقول و المعقول:أمّا المنقول فمن وجوه:

الأوّل:قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ الزّمر:9،فلم يذكر في هذه الآية إلاّ الحذر عن الآخرة،و لو حصلت الحياة في القبر لكان الحذر عنها حاصلا،و لو كان الأمر كذلك لذكره،و لمّا لم يذكره علمنا أنّه غير حاصل.

الثّاني:أنّه تعالى حكى في سورة الصّافّات عن المؤمنين المحقّين أنّهم يقولون بعد دخولهم في الجنّة:

أَ فَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ* إِلاّ مَوْتَتَنَا الْأُولى 58،59،و لا شكّ أنّ كلام أهل الجنّة حقّ و صدق،و لو حصلت لهم حياة في القبر لكانوا قد ماتوا موتتين؛و ذلك على خلاف قوله: أَ فَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاّ مَوْتَتَنَا الْأُولى قالوا:

و الاستدلال بهذه الآية أقوى من الاستدلال بالآية الّتي ذكرتموها؛لأنّ الآية الّتي تمسّكنا بها حكاية قول المؤمنين

ص: 591

الّذين دخلوا الجنّة،و الآية الّتي تمسّكتم بها حكاية قول الكافرين الّذين دخلوا النّار.

و أمّا المعقول فمن وجوه:

الأوّل:و هو أنّ الّذي افترسته السّباع و أكلته لو أعيد حيّا لكان إمّا أن يعاد حيّا بمجموعه،أو بآحاد أجزائه،و الأوّل باطل،لأنّ الحسّ يدلّ على أنّه لم يحصل له مجموع.و الثّاني باطل،لأنّه لما أكلته السّباع،فلو جعلت تلك الأجزاء أحياء لحصلت أحياء في معدة السّباع و في أمعائها،و ذلك في غاية الاستبعاد.

الثّاني:أنّ الّذي مات لو تركناه ظاهرا بحيث يراه كلّ أحد،فإنّهم يرونه باقيا على موته،فلو جوّزنا مع هذه الحالة أنّه يقال:إنّه صار حيّا لكان هذا تشكيكا في المحسوسات،و إنّه دخول في السّفسطة.

و الجواب:قوله:لم لا يجوز أن تكون الموتة الأولى هي الموتة الّتي كانت حاصلة حال ما كان نطفة و علقة؟

فنقول:هذا لا يجوز،و بيانه أنّ المذكور في الآية أنّ اللّه أماتهم،و لفظ الإماتة مشروط بسبق حصول الحياة؛إذ لو كان الموت حاصلا قبل هذه الحالة امتنع كون هذا إماتة،و إلاّ لزم تحصيل الحاصل،و هو محال.و هذا بخلاف قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً لأنّ المذكور في هذه الآية أنّهم كانوا أمواتا،و ليس فيها أنّ اللّه أماتهم، بخلاف الآية الّتي نحن في تفسيرها،لأنّها تدلّ على أنّ اللّه تعالى أماتهم مرّتين،و قد بيّنّا أنّ لفظ الإماتة لا يصدق إلاّ عند سبق الحياة فظهر الفرق.

أمّا قوله:إنّ هذا كلام الكفّار فلا يكون حجّة.

قلنا:لمّا ذكروا ذلك لم يكذّبهم اللّه تعالى؛إذ لو كانوا كاذبين لأظهر اللّه تكذيبهم،أ لا ترى أنّهم لمّا كذّبوا في قولهم: وَ اللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ الأنعام:23 كذّبهم اللّه في ذلك،فقال: اُنْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا الأنعام:24.

و أمّا قوله:ظاهر الآية يمنع من إثبات حياة في القبر؛ إذ لو حصلت هذه الحياة لكان عدد الحياة ثلاث مرّات لا مرّتين.

فنقول:الجواب عنه من وجوه:

الأوّل:هو أنّ مقصودهم تعديل أوقات البلاء و المحنة،و هي أربعة:الموتة الأولى،و الحياة في القبر، و الموتة الثّانية،و الحياة في القيامة.فهذه الأربعة أوقات البلاء و المحنة،فأمّا الحياة في الدّنيا فليست من أقسام أوقات البلاء و المحنة،فلهذا السّبب لم يذكروها.

الثّاني:لعلّهم ذكروا الحياتين:و هي الحياة في الدّنيا، و الحياة في القيامة،أمّا الحياة في القبر فأهملوا ذكرها لقلّة وجودها و قصر مدّتها.

الثّالث:لعلّهم لمّا صاروا أحياء في القبور لم يموتوا بل بقوا أحياء:إمّا في السّعادة،و إمّا في الشّقاوة،و اتّصل بها حياة القيامة،فكانوا من جملة من أرادهم اللّه بالاستثناء في قوله: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ الزّمر:68.

الرّابع:لو لم تثبت الحياة في القبر لزم أن لا يحصل الموت إلاّ مرّة واحدة،فكان إثبات الموت مرّتين كذبا.

و هو على خلاف لفظ القرآن،أمّا لو أثبتنا الحياة في القبر لزمنا إثبات الحياة ثلاث مرّات،و المذكور في القرآن مرّتين،أمّا المرّة الثّالثة فليس في اللّفظ ما يدلّ على ثبوتها أو عدمها.فثبت أنّ نفي حياة القبر يقتضي ترك ما دلّ

ص: 592

اللّفظ عليه،فأمّا إثبات حياة القبر فإنّه يقتضي إثبات شيء زائد على ما دلّ عليه اللّفظ،مع أنّ اللّفظ لا إشعار فيه بثبوته و لا بعدمه،فكان هذا أولى.

و أمّا ما ذكروه في المعارضة الأولى فنقول:قوله:

يَحْذَرُ الْآخِرَةَ الزّمر:9،تدخل فيه الحياة الآخرة سواء كانت في القبر أو في القيامة.و أمّا المعارضة الثّانية فجوابها أنّا نرجّح قولنا بالأحاديث الصّحيحة الواردة في عذاب القبر.

و أمّا الوجهان العقليّان فمدفوعان،لأنّا إذا قلنا:إنّ الإنسان ليس عبارة عن هذا الهيكل،بل هو عبارة عن جسم نورانيّ سار في هذا البدن،كانت الإشكالات الّتي ذكرتموها غير واردة في هذا الباب،و اللّه أعلم.

المسألة الثّانية:اعلم أنّا لمّا أثبتنا حياة القبر،فيكون الحاصل في حقّ بعضهم أربعة أنواع من الحياة،و ثلاثة أنواع من الموت،و الدّليل عليه قوله تعالى في سورة البقرة:243: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ، فهؤلاء أربعة مراتب في الحياة:حياتان في الدّنيا،و حياة في القبر،و حياة رابعة في القيامة.

المسألة الثّالثة:قوله:(اثنتين)نعت لمصدر محذوف، و التّقدير:إماتتين اثنتين.ثمّ حكى اللّه عنهم أنّهم قالوا:

فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فإن قيل:(الفاء)في قوله:

فَاعْتَرَفْنا تقتضي أن تكون الإماتة مرّتين،و الإحياء مرّتين سببا لهذا الاعتراف فبيّنوا هذه السببيّة.

قلنا:لأنّهم كانوا منكرين للبعث،فلمّا شاهدوا الإحياء بعد الإماتة مرّتين،لم يبق لهم عذر في الإقرار بالبعث،فلا جرم وقع هذا الإقرار كالمسبّب عن ذلك الإحياء و تلك الإماتة.(27:39)

القرطبيّ: اختلف أهل التّأويل في معنى قولهم:

أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ [نقل الأقوال إلى أن نقل قول السّدّيّ و أضاف:]

و إنّما صار إلى هذا؛لأنّ لفظ الميّت لا ينطلق في العرف على النّطفة،و استدلّ العلماء من هذا في إثبات سؤال القبر،و لو كان الثّواب و العقاب للرّوح دون الجسد فما معنى الإحياء و الإماتة؟و الرّوح عند من يقصر أحكام الآخرة على الأرواح لا تموت و لا تتغيّر و لا تفسد،و هو حيّ لنفسه لا يتطرّق إليه موت و لا غشية و لا فناء.

(15:297)

البيضاويّ: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ إماتتين بأن خلقتنا أمواتا أوّلا،ثمّ صيّرتنا أمواتا عند انقضاء آجالنا، فإنّ الإماتة جعل الشّيء عادم الحياة ابتداء أو بتصيير كالتّصغير و التّكبير،و لذلك قيل:سبحان من صغّر البعوض و كبّر الفيل،و إن خصّ بالتّصغير فاختيار الفاعل المختار أحد مقبوليه تصيير و صرف له عن الآخر.

وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ: الإحياءة الأولى و إحياءة البعث.و قيل:الإماتة الأولى:عند انخرام الأجل،و الثّانية:

في القبر بعد الإحياء للسّؤال،و الإحياءان:ما في القبر و البعث؛إذ المقصود اعترافهم بعد المعاينة بما غفلوا عنه و لم يكترثوا به.(2:332)

النّيسابوريّ: [ذكر قول«الكشّاف»ثمّ قال:]

قلت:و ممّا يؤيّد قوله إنّه بدأ بالإماتة،و إلاّ كان الأظهر أن يبدأ بالإحياء،قال:و الإماتة الثّانية هي الّتي

ص: 593

في الدّنيا،و الإحياءة الأولى هي الّتي في الدّنيا و الثّانية هي الّتي بعد البعث.

و أورد على هذا القول أنّه يلزم أن لا تكون الإحياءة في القبر و الإماتة فيه مذكورتين في القرآن،بل تكونان منفيّتين مع ورودهما في الحديث؟

أجاب بعضهم:بأنّ حياة القبر و الإماتة ممنوعة، لأنّه تعالى لم يذكرها،و الأحاديث الواردة فيها آحاد، و لأنّ الّذي افترسه السّبع لو أعيد حيّا لزم نقصان شيء من السّبع و ليس بمحسوس؛و لأنّ الّذي مات لو تركناه ظاهرا بحيث يراه كلّ أحد لم يحسّ منه حياة.و تجويز ذلك مع عدم الرّؤية سفسطة،و فتح لباب الجهات.

و زيّف هذا الجواب أهل الاعتبار:بأنّ عدم ذكر الشّيء لا يدلّ على عدمه،و الأحاديث في ذلك الباب صحيحة مقبولة.

و إذا كان الإنسان جوهرا نورانيّا مشرقا مدبّرا للبدن في كلّ طور على حدّ معلوم-كما ورد في الشّريعة الحقّة- زالت سائر الإشكالات،و لا يلزم قياس ما بعد الموت على ما قبله.و للشّرع في إخفاء هذه الأمور عن نظر المكلّفين حكم ظاهرة حقّقناها لك مرّات.

و قال بعضهم في الجواب:هذا كلام الكفّار فلا يكون حجّة.و ضعّف بأنّه لو لم يكن صادقا لأنكر اللّه عليهم.

و قيل:إنّ مقصودهم تعديد أوقات البلاء و المحنة و هي أربعة:الموتة الأولى،و الحياة في القبر،و الموتة الثّانية، و الحياة في القيامة.فأمّا الحياة في الدّنيا فإنّها وقت ترفّههم و تنعّمهم فلهذا السّبب لم يذكروها.و قيل:أهملوا ذكر حياة القبر لقصر مدّتها،أو لأنّهم لم يموتوا بعد ذلك بل يبقون أحياء في الشّقاوة حتّى اتّصل بها حياة القيامة، و كانوا من جملة المستثنين في قوله: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ الزّمر:68، و لا يخفى أنّ أكثر هذه الأقوال متكلّفة و لا سيّما الأخير، فإنّ قوله: اَلَّذِينَ كَفَرُوا المؤمن:10،عامّ،و لو فرض أنّه مخصوص بكفّار معهودين فتخصيصهم بالحياة في القبر حتّى يكونوا من المستثنين بعيد جدّا.

و قد يدور في الخلد أنّ هذا النّداء يحتمل أن يكون في القبر و على هذا لا يبقى إشكال؛لأنّ الإماتة و الإحياء الّتي بعد ذلك تخرج من غير تكلّف،و ثبت سؤال القبر كما جاء في الحديث،و اللّه تعالى أعلم بمراده.(24:30)

أبو حيّان :[نقل قول السّدّيّ و ابن زيد ثمّ قال:]

فعلى هذا و الّذي قبله تكون ثلاثة إحياءات،و هو خلاف القرآن.(7:453)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

صفتان لمصدري الفعلين المذكورين،أي إماتتين و إحياءتين،أو موتتين و حياتين،على أنّهما مصدران لهما أيضا بحذف الزّوائد،أو لفعلين يدلّ عليهما المذكوران، فإنّ الإماتة و الإحياء ينبئان عن الموت و الحياة حتما، كأنّه قيل:أمتّنا فمتّنا موتتين اثنتين،و أحييتنا فحيينا حياتين اثنتين.[ثمّ استشهد بشعر]

قيل:أرادوا بالإماتة الأولى:خلقهم أمواتا، و بالثّانية:إماتتهم عند انقضاء آجالهم،على أنّ الإماتة جعل الشّيء عادم الحياة أعمّ من أن يكون بإنشائه كذلك،كما في قولهم:سبحان من صغّر البعوض و كبّر الفيل،أو بجعله كذلك بعد الحياة.و بالإحياءين:الإحياء

ص: 594

الأوّل و إحياء البعث.

و قيل:أرادوا بالإماتة الأولى:ما بعد حياة الدّنيا، و بالثّانية:ما بعد حياة القبر،و بالإحياءين:ما في القبر و ما عند البعث،و هو الأنسب بحالهم.

و أمّا حديث لزوم الزّيادة على النّصّ ضرورة تحقّق حياة الدّنيا،فمدفوع،لكن لا بما قيل:من عدم اعتدادهم بها لزوالها و انقضائها و انقطاع آثارها و أحكامها،بل بأنّ مقصودهم إحداث الاعتراف بما كانوا ينكرونه في الدّنيا، كما ينطق به قولهم: فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا [إلى أن قال:]

و أمّا الإحياء الأوّل فلم يكونوا ينكرونه لينظموه في سلك ما اعترفوا به،و زعموا أنّ الاعتراف يجديهم نفعا، و إنّما ذكروا الموتة الأولى مع كونهم معترفين بها في الدّنيا، لتوقّف حياة القبر عليها،و كذا حال الموتة في القبر،فإنّ مقصدهم الأصليّ هو الاعتراف بالإحياءين،و إنّما ذكروا الإماتتين لترتيبهما عليهما ذكرا،حسب ترتّبهما عليهما وجودا.(5:410)

الآلوسيّ: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ صفتان لمصدري الفعلين،و التّقدير:أمتّنا إماتتين اثنتين و أحييتنا إحياءتين اثنتين.

و جوّز كون المصدرين موتتين و حياتين،و هما إمّا مصدران للفعلين المذكورين أيضا بحذف الزّوائد،أو مصدران لفعلين آخرين يدلّ عليهما المذكوران،فإنّ الإماتة و الإحياء ينبئان عن الموت و الحياة حتما، فكأنّه أمتّنا فمتنا موتتين اثنتين،و أحييتنا فحيينا حياتين اثنتين.[ثمّ استشهد بشعر]

و اختلف في المراد بذلك،فقيل:أرادوا بالإماتة الأولى:خلقهم أمواتا،و بالثّانية:إماتتهم عند انقضاء آجالهم،و بالإحياءة الأولى:إحياءتهم بنفخ الرّوح فيهم و هم في الأرحام،و بالثّانية:إحياءتهم بإعادة أرواحهم إلى أبدانهم للبعث.و أخرج هذا ابن جرير،و ابن أبي حاتم،و ابن مردويه عن ابن عبّاس و جماعة منهم الحاكم، و صحّحه عن ابن مسعود،و عبد بن حميد،و ابن المنذر عن قتادة،و روي أيضا عن الضّحّاك و أبي مالك،و جعلوا ذلك نظير آية البقرة: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ البقرة:28.

و الإماتة إن كانت حقيقة في جعل الشّيء عادم الحياة سبق بحياة أم لا،فالأمر ظاهر،و إن كانت حقيقة في تصيير الحياة معدومة بعد أن كانت موجودة-كما هو ظاهر كلامهم-حيث قالوا:إنّ صيغة الإفعال و صيغة التّفعيل موضوعتان للتّصيير،أي النّقل من حال إلى حال،ففي إطلاقها على ما عدّ إماتة أولى خفاء،لاقتضاء ذلك سبق الحياة،و لا سبق فيما ذكر.

و وجّه بأنّ ذلك من باب المجاز،كما قرّروه في«ضيّق فم الرّكيّة و وسّع أسفلها».قالوا:إنّ الصّانع إذا اختار أحد الجائزين،و هو متمكّن منهما على السّواء،فقد صرف المصنوع الجائز عن الآخر،فجعل صرفه عنه كنقله منه، يعني أنّه تجوّز بالإفعال أو التّفعيل الدّالّ على التّصيير- و هو النّقل من حال إلى حال أخرى-عن لازمه،و هو الصّرف عمّا في حيّز الإمكان.و يتبعه جعل الممكن الّذي تجوّز إرادته بمنزلة الواقع.و كذا جعل الأمر في«ضيّق فم الرّكيّة»مثلا بإنشائه على الحال الثّانية بمنزلة أمره بنقله عن غيرها،و لذا جعله بعض الأجلّة بمنزلة الاستعارة

ص: 595

بالكناية،فيكون مجازا مرسلا مستتبعا للاستعارة بالكناية،فالمراد بالإماتة هناك الصّرف لا النّقل.

و ذكر بعضهم أنّه لا بدّ من القول بعموم المجاز لئلاّ يلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز في الآية،أو استعمال المشترك في معنييه،بناء على زعم أنّ الصّيغة مشتركة بين الصّرف و النّقل.و من أجاز ما ذكر لم يحتجّ للقول بذلك.

و في«الكشف»آثر جار اللّه أنّ إحدى الإماتتين ما ذكر في قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ البقرة:

28،و إطلاقها عليه من باب المجاز-و هو مجاز مستعمل في القرآن-،و قد ذكر وجه التّجوّز.و تحقيق ذلك يبتنى على حرف واحد:و هو أنّ الإحياء معناه جعل الشّيء حيّا،فالمادّة التّرابيّة أو النّطفيّة إذا أفيضت عليها الحياة، صدق أنّها صارت ذات حياة على الحقيقة؛إذ لا يحتاج إلى سبق موت على الحقيقة،بل إلى سبق عدم الحياة.

فهناك إحياء حقيقة.و أمّا الإماتة فإن جعل بين الموت و الحياة التّقابل المشهوريّ استدعى المسبوقيّة بالحياة، فلا تصحّ الإماتة قبلها حقيقة.و إن جعل التّقابل الحقيقيّ صحّت،لكنّ الظّاهر في الاستعمال بحسب عرفي العرب و العجم أنّه مشهوريّ انتهى.

و أراد بالمشهوريّ و الحقيقيّ ما ذكروه في التّقابل بالعدم و الملكة،فإنّهم قالوا:فالمتقابلان بالعدم و الملكة و هما أمران،يكون أحدهما وجوديّا و الآخر عدم ذلك الوجوديّ في موضوع قابل له إن اعتبر قبوله بحسب شخصه في وقت اتّصافه بالأمر العدميّ،فهو العدم و الملكة المشهوران كالكوسجيّة،فإنّها عدم اللّحية عمّا من شأنه في ذلك الوقت أن يكون ملتحيا،فإنّ الصّبيّ لا يقال له:كوسج،و إن اعتبر قبوله أعمّ من ذلك بأن لا يقيّد بذلك الوقت،كعدم اللّحية عن الطّفل،أو يعتبر قبوله بحسب نوعه كالعمى للأكمه،أو جنسه القريب كالعمى للعقرب،أو البعيد كعدم الحركة الإراديّة عن الجبل،فإنّ جنسه البعيد،أعني الجسم الّذي هو فوق الجماد قابل للحركة الإراديّة،فهو العدم و الملكة الحقيقيّان،لكن في بناء اقتضاء المسبوقيّة بالحياة و عدمه على ذلك خفاء،و إن ضمّ إليه التّعبير بصيغة الماضي،كما لا يخفى على المتدبّر.

ثمّ وجّه تسبّب الإماتة مرّتين و الإحياء كذلك لقوله تعالى: فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا، أنّهم قد أنكروا البعث فكفروا،و تبع ذلك من الذّنوب ما لا يحصى؛لأنّ من لم يخش العاقبة،تخرّق في المعاصي،فلمّا رأوا الإماتة و الإحياء قد تكرّر عليهم،علموا بأنّ اللّه تعالى قادر على الإعادة قدرته على الإنشاء،فاعترفوا بذنوبهم الّتي اقترفوها من إنكار البعث،و ما تبعه من معاصيهم.

و قال السّدّيّ: أرادوا بالإماتة الأولى:إماتتهم عند انقضاء آجالهم،و بالإحياءة الأولى:إحياءتهم في القبر للسّؤال،و بالإماتة الثّانية:إماتتهم بعد هذه الإحياءة إلى قيام السّاعة،و بالإحياءة الثّانية:إحياءتهم للبعث.

و اعترض عليه بأنّه يلزم هذا القائل ثلاث إحياءات،فكان ينبغي أن يكون المنزل أحييتنا ثلاثا.

فإن ادّعى عدم الاعتداد بالإحياءة المعروفة،و هي الّتي كانت في الدّنيا لسرعة انصرامها و انقطاع آثارها و أحكامها،لزمه أن لا يعتدّ بالإماتة بعدها.

ص: 596

و قال بعض المحقّقين في الانتصار له:إنّ مراد الكفّار من هذا القول اعترافهم بما كانوا ينكرونه في الدّنيا، و يكذّبون الأنبياء حين كانوا يدعونهم إلى الإيمان باللّه تعالى و اليوم الآخر؛لأنّ قولهم هذا كالجواب عن النّداء في قوله تعالى: يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللّهِ المؤمن:10، كأنّهم أجابوا أنّ الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام دعونا، و كنّا نعتقد أن لا حياة بعد الموت،فالآن نعترف بالموتين و الحياتين لما قاسينا من شدائدهما و أحوالهما،فالذّنب المعترف به تكذيب البعث،و لهذا جعل مرتّبا على القول، و إنّما ذكروا الإماتتين ليذكروا الإحياءين؛إذ كلتا الحياتين كانتا منكرتين عندهم دون الحياة المعروفة.

و مقام هذه الآية غير مقام قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ البقرة:28،فإنّ هذه كما سمعت لبيان الإقرار و الاعتراف منهم في الآخرة بما أنكروه في الدّنيا،و تلك لبيان الامتنان الّذي يستدعي شكر المنعم،أو لبيان الدّلائل لتصرّفهم عن الكفر.

و يرجّح هذا القول إنّ أمر إطلاق الإماتة على كلتا الإماتتين ظاهر.و تعقّبه في«الكشف»بأنّه لا قرينة في اللّفظ تدلّ على خروج الإحياء الأوّل مع أنّ الإطلاق عليه أظهر،و المقابلة تنادي على دخوله.و يكفي في الاعتراف إثبات إحياء واحد منهما غير الأوّل.و قيل:إنّما قالوا: أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ لأنّهما نوعان:إحياء البعث و إحياء قبله،ثمّ إحياء البعث قسمان:إحياء في القبر و إحياء عند القيام،و لم يذكر تقسيمه،لأنّهم كانوا منكرين لقسميه.

و تعقّب بأنّ ذكر الإماتة الثّانية الّتي في القبر دليل على أنّ التّقسيم ملحوظ،و المراد التّعدّد الشّخصيّ لا النّوعيّ.نعم هذا يصلح تأييدا لما اختاره جار اللّه،و روي عن جمع من السّلف:من أنّ الإحياءات و إن كانت ثلاثا إنّما سكت عن الثّانية،لأنّها داخلة في إحياءة البعث،قاله صاحب«الكشف»،ثمّ قال:و على هذا فالإماتة على مختار جار اللّه إماتة قبل الحياة و إماتة بعدها،و طويت إماتة القبر كما طويت إحياءته و لك أن تقول:إنّ الإماتة نوع واحد بخلاف الإحياء فروعي التّعدّد فيها شخصا بخلافه،و ذكر الإماتة الثّانية لأنّها منكرة عندهم كالحياتين،و يجب الاعتراف بها لا للدّلالة على أنّ التّعدّد في الإحياء شخصيّ،و الحقّ أنّ ذلك وجه،لكن قوله تعالى:(اثنتين)ظاهر في المرّة،فلذا آثر من آثر الوجه الأوّل،و إن كانت الإماتة فيه غير ظاهرة،ذهابا إلى أنّ ذلك مجاز مستعمل في القرآن،فتأمّل.

و قال الإمام:إنّ أكثر العلماء احتجّوا بهذه الآية في إثبات عذاب القبر؛و ذلك أنّهم أثبتوا لأنفسهم موتتين، فإحدى الموتتين مشاهد في الدّنيا،فلا بدّ من إثبات حياة أخرى في القبر،حتّى يصير الموت الّذي عقيبها موتة ثانيا؛و ذلك يدلّ على حصول حياة في القبر.و أطال الكلام في تحقيق ذلك و الانتصار له،و المنصف يرى أنّ عذاب القبر ثابت بالأحاديث الصّحيحة دون هذه الآية، لقيام الوجه المرويّ عمّن سمعت أوّلا فيها،و قد قيل:إنّه الوجه،لكنّي أظنّ أنّ اختيار الزّمخشريّ له لدسيسة اعتزاليّة.

و قال ابن زيد:في الآية أريد،إحياؤهم نسما عند أخذ العهد عليهم من صلب آدم،ثمّ إماتتهم بعد،ثمّ

ص: 597

إحياؤهم في الدّنيا،ثمّ إماتتهم،ثمّ إحياؤهم.و هذا صريح في أنّ الإحياءات ثلاث،و قد أطلق فيه الإحياء الثّالث؛ و الأغلب على الظّنّ أنّه عنى به إحياء البعث.

و قيل:التّثنية في كلامهم مثلها في قوله تعالى:

ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ الملك:4،مراد بها التّكرير و التّكثير،فكأنّهم قالوا:أمتّنا مرّة بعد مرّة و أحييتنا مرّة بعد مرّة،فعلمنا عظيم قدرتك،و أنّه لا يتعاصاها الإعادة كما لا يتعاصاها غيرها،فاعترفنا بذنوبنا الّتي اقترفناها من إنكار ذلك،و حينئذ فلا عليك أن تعتبر الموت في صلب آدم،ثمّ الإحياء لأخذ العهد،ثمّ الإماتة،ثمّ الإحياء بنفخ الرّوح في الأرحام،ثمّ الإماتة عند انقضاء الأجل في الدّنيا،ثمّ الإحياء في القبر للسّؤال أو لغيره،ثمّ الإماتة فيه،ثمّ الإحياء للبعث.

و لا يخفى أنّه على ما فيه إنّما يتمّ لو كان المقول أمتّنا إماتتين أو كرّتين و أحييتنا إحياءتين أو كرّتين مثلا دون ما في المنزل،فإنّ(اثنتين)فيه وصف لإماتتين و لإحياءتين،و هو دافع لاحتمال إرادة التّكثير،كما قيل في: إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ النّحل:51،و بناء الأمر على أنّ العدد لا مفهوم له لا يخلو عن بحث.

و من غرائب ما قيل في ذلك ما روي عن محمّد بن كعب:أنّ الكافر في الدّنيا حيّ الجسد ميّت القلب، فاعتبرت الحالتان،فهناك إماتة و إحياء للقلب و الجسد في الدّنيا،ثمّ إماتتهم عند انقضاء الآجال،ثمّ إحياؤهم للبعث،و مثل هذا يحكى ليطّلع على حاله.(24:51)

ابن عاشور :و المراد بإحدى الموتتين:الحالة الّتي يكون بها الجنين لحما لا حياة فيه في أوّل تكوينه،قبل أن ينفخ فيه الرّوح،و إطلاق الموت على تلك الحالة مجاز، و هو مختار الزّمخشريّ و السّكّاكيّ،بناء على أنّ حقيقة الموت انعدام الحياة من الحيّ بعد أن اتّصف بالحياة، فإطلاقه على حالة انعدام الحياة قبل حصولها فيه استعارة،إلاّ أنّها شائعة في القرآن حتّى ساوت الحقيقة، فلا إشكال في استعمال(امتّنا)في حقيقته و مجازه،ففي ذلك الفعل جمع بين الحقيقة و الاستعارة التّبعيّة تبعا لجريان الاستعارة في المصدر،و لا مانع من ذلك،لأنّه واقع و وارد في الكلام البليغ،كاستعمال المشترك في معنييه.

و الّذين لا يرون تقييد مدلول الموت بأن يكون حاصلا بعد الحياة،يكون إطلاق الموت على حالة ما قبل الاتّصاف بالحياة عندهم واضحا.و تقدّم في قوله تعالى:

وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ البقرة:28،على أنّ إطلاق الموت على الحالة الّتي قبل نفخ الرّوح في هذه الآية أسوغ،لأنّ فيه تغليبا للموتة الثّانية.و أمّا الموتة الثّانية فهي الموتة المتعارفة عند انتهاء حياة الإنسان و الحيوان.

و المراد بالإحياءتين:الإحياءة الأولى عند نفخ الرّوح في الجسد بعد مبدإ تكوينه،و الإحياءة الثّانية الّتي تحصل عند البعث،و هو في معنى قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ البقرة:28.

و انتصب(اثنتين)في الموضعين على الصّفة لمفعول مطلق محذوف.و التّقدير:موتتين اثنتين و إحياءتين اثنتين،فيجيء في تقدير موتتين تغليب الاسم الحقيقيّ على الاسم المجازيّ عند من يقيّد معنى الموت.

ص: 598

و قد أورد كثير من المفسّرين إشكالا:أنّ هنالك حياة ثالثة لم تذكر هنا و هي الحياة في القبر الّتي أشار إليها حديث سؤال القبر،و هو حديث اشتهر بين المسلمين من عهد السّلف.و في كون سؤال القبر يقتضي حياة الجسم حياة كاملة احتمال،و قد يتأوّل بسؤال روح الميّت عند جسده،أو بحصول حياة بعض الجسد،أو لأنّها لمّا كانت حياة مؤقّتة بمقدار السّؤال ليس للمتّصف بها تصرّف الإحياء في هذا العالم،لم يعتدّ بها لا سيّما و الكلام مراد منه التّوطئة لسؤال خروجهم من جهنّم.و بهذا يعلم أنّ الآية بمعزل عن أن يستدلّ بها لثبوت الحياة عند السّؤال في القبر.(24،158)

الطّباطبائيّ: و المراد بقولهم: أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ -كما قيل-:الإماتة عن الحياة الدّنيا و الإحياء للبرزخ،ثمّ الإماتة عن البرزخ و الإحياء للحساب يوم القيامة،فالآية تشير إلى الإماتة بعد الحياة الدّنيا،و الإماتة بعد الحياة البرزخيّة،و إلى الإحياء في البرزخ و الإحياء ليوم القيامة،و لو لا الحياة البرزخيّة لم تتحقّق الإماتة الثّانية،لأنّ كلاّ من الإماتة و الإحياء يتوقّف تحقّقه على سبق خلافه.

و لم يتعرّضوا للحياة الدّنيا و لم يقولوا:و أحييتنا ثلاثا و إن كانت إحياء،لكونها واقعة بعد الموت الّذي هو حال عدم ولوج الرّوح،لأنّ مرادهم ذكر الإحياء الّذي هو سبب الإيقان بالمعاد،و هو الإحياء في البرزخ ثمّ في القيامة.و أمّا الحياة الدّنيويّة فإنّها و إن كانت إحياء لكنّها لا توجب بنفسها يقينا بالمعاد،فقد كانوا مرتابين في المعاد و هم أحياء في الدّنيا.

و بما تقدّم من البيان يظهر فساد ما اعترض عليه بأنّه لو كان المراد بالإحياءتين ما كان في البرزخ و في الآخرة،لكان من الواجب أن يقال:«أمتّنا اثنتين و أحييتنا ثلاثا»؛إذ ليس المراد إلاّ ذكر ما مرّ عليهم من الإماتة و الإحياءة؛و ذلك إماتتان اثنتان و إحياءات ثلاث.

و الجواب:أنّه ليس المراد هو مجرّد ذكر الإماتة و الإحياء اللّتين مرّتا عليهم كيفما كانتا،بل ذكر ما كان منهما مورثا لليقين بالمعاد،و ليس الإحياء الدّنيويّ على هذه الصّفة.

و قيل:المراد بالإماتة الأولى:حال النّطفة قبل ولوج الرّوح،و بالإحياءة الأولى:ما هو حال الإنسان بعد ولوجها،و بالإماتة الثّانية:إماتته في الدّنيا،و بالإحياءة الثّانية:إحياءته بالبعث للحساب يوم القيامة.و الآية منطبقة على ما في قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ البقرة:28.

و لمّا أحسّوا بعدم صدق الإماتة على حال الإنسان قبل ولوج الرّوح في جسده لتوقّفها على سبق الحياة، تمحّلوا في تصحيحه تمحّلات عجيبة من أراد الوقوف عليها فليراجع«الكشّاف»و شروحه.

على أنّك قد عرفت أنّ ذكرهم ما مرّ عليهم من الإماتة و الإحياءة إشارة إلى أسباب حصول يقينهم بالمعاد،و الحياة الدّنيا و الموت الّذي قبلها لا أثر لهما في ذلك.

و قيل:إنّ الحياة الأولى في الدّنيا و الثّانية في القبر، و الموتة الأولى في الدّنيا و الثّانية في القبر،و لا تعرّض في

ص: 599

الآية لحياة يوم البعث.و يرد عليه ما تقدّم أنّ الحياة الدّنيا لا تعلّق لها بالغرض فلا موجب للتّعرض لها،و الحياة يوم القيامة بالخلاف من ذلك.

و قيل:المراد بالإحياءتين:إحياء البعث و الإحياء الّذي قبله،و إحياء البعث قسمان:إحياء في القبر،و إحياء عند البعث،و لم يتعرّض لهذا التّقسيم في الآية،فتشمل الآية الإحياءات الثّلاث و الإماتتين جميعا.

و يرد عليه ما يرد على الوجهين السّابقين عليه مضافا إلى ما أورد عليه،أنّ ذكر الإماتة الثّانية الّتي في القبر دليل على أن التّقسيم ملحوظ،و المراد التّعدّد الشّخصيّ لا النّوعيّ.

و قيل:المراد إحياء النّفوس في عالم الذّرّ،ثمّ الإماتة ثمّ الإحياء في الدّنيا،ثمّ الإماتة ثمّ الإحياء للبعث،و يرد عليه ما يرد على سوابقه.

و قيل:المراد بالتّثنية التّكرار،كما في قوله تعالى: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ الملك:4،و المعنى أمتّنا إماتة و أحييتنا إحياءة بعد إحياءة.

و أورد عليه أنّه إنّما يتمّ لو كان القول:أمتّنا إماتتين و أحييتنا إحياءتين أو كرّتين مثلا،لكن المقول نفس العدد و هو لا يحتمل ذلك،كما قيل في قوله: إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ النّحل:51.(17:313)

مكارم الشّيرازيّ: [أشار إلى أقوال المفسّرين و ذكر من بينها ثلاثة:]

أوّلا:أن يكون المقصود من: أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ هو الموت في نهاية العمر،و الموت في نهاية البرزخ.أمّا المقصود من: أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فهي الإحياء في نهاية البرزخ و الإحياء في القيامة.

و لتوضيح ذلك،نرى أنّ للإنسان حياة أخرى بعد الموت تسمّى الحياة البرزخيّة،و هذه الحياة هي نفس حياة الشّهداء الّتي يحكي عنها قوله تعالى: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران:169،و هي نفس حياة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام؛حيث يسمعون سلامنا و يردّون عليه.

و هي أيضا نفس حياة الطّغاة و الأشقياء كالفراعنة الّذين يعاقبون صباحا و مساء بمقتضى قوله تعالى:

اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا المؤمن:46.

و من جانب آخر نعرف أنّ الجميع،من الملائكة و البشر و الأرواح،ستموت في نهاية هذا العالم مع أوّل نفخة من الصّور: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ الزّمر:68،و لا يبقى أحد سوى الذّات الإلهيّة بالطّبع،على خلاف ما أوضحناه في نهاية الآية:86،من سورة الزّمر،بين موت و حياة الملائكة و الأرواح،و بين موت و حياة الإنسان.

و على هذا الأساس فإنّ هناك حياة جسمانيّة و حياة برزخيّة،ففي نهاية العمر يحلّ الموت بحياتنا الجسمانيّة، لكن في نهاية العالم يحلّ بحياتنا البرزخيّة.

يترتّب على ذلك أن تكون هناك حياتان بعد هاتين الموتتين:حياة برزخيّة،و حياة في يوم القيامة.

و هنا قد يطرح البعض هذا السّؤال:إنّنا في الواقع نملك حياة ثالثة هي حياتنا في هذه الدّنيا،و هي غير هاتين الحياتين،و قبلها أيضا كنّا في موت قبل أن نأتي إلى هذه الدّنيا،و بهذا سيكون لدينا ثلاث موتات و ثلاثة

ص: 600

إحياءات.

و لكنّ الجواب يتوضّح عند التّدقيق في نفس الآية، فالموت قبل الحياة الدّنيا،أي في الحالة الّتي كنّا فيها ترابا يعتبر«موتا»لا«إماتة»،و أمّا الحياة في هذه الدّنيا فبالرّغم من أنّها مصداق للإحياء،إلاّ أنّ القرآن لم يشر إلى هذا الجانب في الآية.

لأنّ هذا الإحياء لا يشكّل عبرة كافية بالنّسبة للكافرين؛إذ الشّيء الّذي جعلهم يعون،و يعترفون بذنوبهم هو الحياة البرزخيّة أوّلا،و الحياة عند البعث ثانيا.

ثانيا:أنّ المقصود بالحياتين،هو الإحياء في القبر لأجل بعض الأسئلة،و الإحياء في يوم القيامة،و إنّ المقصود بالموتتين،هما الموتة في نهاية العمر،و الموتة في القبر.

لذلك اعتبر بعض المفسّرين هذه الآية دليلا على الحياة المؤقّتة في القبر.

أمّا عن كيفيّة حياة القبر،و فيما إذا كانت جسمانيّة أو برزخيّة أو نصف جسمانيّة،فهذه كلّها بحوث ليس هنا مجال الخوض فيها.

ثالثا:أنّ المقصود بالموتة الأولى،هو الموت قبل وجود الإنسان في هذه الدّنيا؛إذ أنّه كان ترابا في السّابق، لذا فإنّ الحياة الأولى:هي الحياة في هذه الدّنيا،و الموت الثّاني:هو الموت في نهاية هذا العالم،فيما الحياة الثّانية:هي الحياة عند البعث.

و الّذين يعتقدون بهذا التفسير يستدلّون بالآية:

28،من سورة البقرة: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

إلاّ أنّ الآية الّتي نبحثها تتحدّث عن إماتتين،في حين أنّ آية سورة البقرة تتحدّث عن حياة واحدة و إماتة واحدة.

يتّضح من مجموع التّفاسير الثّلاثة هذه أنّ التّفسير الأوّل هو الأرجح.

لكن من الضّروريّ أن نشير إلى أنّ بعض مؤيّدي «التّناسخ»أرادوا الاستدلال بهذه الآية على الحياة و الموت المكرّر للإنسان،و عودة الرّوح إلى الأجساد الجديدة في هذه الدّنيا،في حين أنّ الآية تعتبر إحدى الأدلّة الحيّة على نفي التّناسخ،لأنّها تحدّد الموت و الحياة في قسمين،إلاّ أنّ أنصار عقيدة«التّناسخ»يقولون بالموت و الحياة المتعدّد و المتوالي،و يعتقدون بأنّ روح الإنسان الواحد يمكن أن تتجسّد و تحلّ مرة أخرى في أجساد جديدة،و نطف جديدة،و ترجع إلى هذه الدّنيا.

(15:193)

فضل اللّه :هذا حديث أهل النّار الّذين يتوسّلون إلى اللّه أن يخرجهم من هذا المأزق الّذي وضعوا فيه أنفسهم بكفرهم و عنادهم،و ردّ عليهم بأنّه لا مجال لذلك،و أنّ الأمر للّه الّذي يملك الأمر كلّه،و يرجع إليه الخلق في كلّ شيء. قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فقد كانت هناك حالتان من الموت و حالتان من الحياة.

و اختلف المفسّرون في تحديد هاتين الإماتتين، و هذين الإحياءين.فذهب بعضهم إلى أنّ الموتة الأولى هي الّتي تسبق وجود الإنسان،و الموتة الثّانية هي الّتي

ص: 601

تأتي بعد وجوده،لتكون الحياة الأولى،هي الحياة في الدّنيا.أمّا الحياة الثّانية فهي حياة الإنسان بعد البعث في الدّار الآخرة.

و ذهب بعضهم إلى أنّ الموتة الأولى،هي الإماتة عن الحياة الدّنيا،و الإحياء للبرزخ،ثمّ الإماتة عن البرزخ و الإحياء للحساب يوم القيامة،و قد ذكر هذا البعض:أنّ هؤلاء«لم يتعرّضوا للحياة الدّنيا،و لم يقولوا:و أحييتنا ثلاثا و إن كانت إحياء،لكونها واقعة بعد الموت الّذي هو حال عدم ولوج الرّوح؛لأنّ مرادهم ذكر الإحياء الّذي هو سبب الإيقان بالعباد،و هو الإحياء في البرزخ ثمّ في القيامة،و أمّا الحياة الدّنيويّة فإنّها و إن كانت إحياء، لكنّها لا توجب بنفسها يقينا بالمعاد،فقد كانوا مرتابين في المعاد،و هم أحياء في الدّنيا».

و لعلّ الأقرب إلى الذّهن من خلال بعض الآيات القرآنيّة هو المعنى الأوّل،فقد جاء في قوله تعالى:

وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ البقرة:

28،ما يعني أنّ اللّه يعبّر عن الحالة الّتي تسبق الحياة الدّنيا بالموت،مع ملاحظة أنّ القرآن لم يذكر شيئا واضحا عن حياة البرزخ و موته إلاّ في قوله تعالى:

وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الأمر الّذي يجعل الذّهن متطلّعا إلى هذا العالم في حياته و موته،من خلال الأسلوب القرآنيّ.[ثمّ ذكر سؤال صاحب «الكشّاف»و جوابه و أضاف:]

أمّا ما ذكره صاحب«الميزان»شاهدا على تفسيره:- بأنّ المراد ذكر الإحياء الّذي هو سبب الإيمان بالمعاد، و هو الإحياء بالبرزخ ثمّ في القيامة،دون الحياة الدّنيا الّتي لم تكن سببا في الإيمان بالمعاد،لأنّهم كانوا مرتابين، و هم في داخلها؛-فقد نلاحظ عليه:أنّ هذا التّحوّل من الحياة الدّنيا إلى الآخرة بالموت،ربّما جعلهم يعيدون التّفكير في أمر الحياة و الموت بالطّريقة الّتي تثبت قدرة اللّه على إرجاع الإنسان إلى الحياة بعد الموت،كما كان قادرا على إحيائه بعد الموت الّذي كان غافلا عنه في الدّنيا لاستغراقه في المألوف،ممّا جعل الآيات تتكرّر تذكيرا للإنسان بأن اللّه الّذي بدأ الخلق،قادر على أن يعيده،و بذلك تتكامل النّظرة عندهم للمسألة الإلهيّة في قضيّة الحياة و الموت،ليفكّروا بعد التّجربة الحيّة في الدّار الآخرة بحركة الحياة و الموت في قدرة اللّه،و اللّه العالم.

(20:21)

احيينا

1- وَ اللّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ.

فاطر:9

قتادة :يرسل الرّياح فتسوق السّحاب،فأحيا اللّه به هذه الأرض الميّتة بهذا الماء،فكذلك يبعثه يوم القيامة.(الطّبريّ22:119)

الطّبريّ: فأخصبنا بغيث ذلك السّحاب الأرض، الّتي سقناه إليها بعد جدوبها،و أنبتنا فيها الزّرع بعد المحل.(22:119)

الزّجّاج: أي ننشئ،المعنى مثل ذلك،أي مثل إحياء الأرض،و كذلك بعثكم.(4:264)

الطّوسيّ: يمطر على تلك الأرض،فيحيي بذلك

ص: 602

الماء و المطر الأرض بعد موتها بالزّرع،بعد أن لم يكن فيها زرع.ثمّ قال:كما فعل هذا بهذه الأرض الجدبة القحطة من إحيائها بالزّرع بعد أن لم يكن فيها زرع،مثل ذلك ينشر الخلائق بعد موتهم و يحشرهم إلى الموقف،للجزاء من ثواب و عقاب.

و قيل:إنّ اللّه تعالى إذا أراد إحياء الخلق أمطر السّماء أربعين يوما فينبت بذلك الخلق نباتا.(8:416)

نحوه الطّبرسيّ.(4:402)

القشيريّ: أجرى سنّته بأنّه يظهر فضله في إحياء الأرض بالتّدريج:فأوّلا يرسل الرّياح،ثمّ يأتي بالسّحاب،ثمّ يوجّه ذلك السّحاب إلى الموضع الّذي يريد له تخصيصا كيف يشاء،و يمطر هناك كيف يشاء.

كذلك إذا أراد إحياء قلب عبد بما يسقيه،و ينزل عليه من أمطار عنايته،فيرسل أوّلا رياح الرّجاء،و يزعج بها كوامن الإرادة،ثمّ ينشئ فيها سحب الاهتياج،و لوعة الانزعاج،ثمّ يجود بمطر ينبت في القلب أزهار البسط، و أنوار الرّوح،فيطيب لصاحبه العيش،إلى أن تتمّ لطائف الأنس.(5:195)

الواحديّ: أنبتنا فيها الزّرع و الكلأ بعد ما لم يكن، كَذلِكَ النُّشُورُ: البعث و الإحياء.(3:503)

الزّمخشريّ: و إحياء الأرض بالمطر بعد موتها لمّا كانا من الدّلائل على القدرة الباهرة،قيل:فسقنا و أحيينا،معدولا بهما عن لفظ الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص و أدلّ عليه.(3:302)

نحوه النّسفيّ.(3:335)

ابن عطيّة: هذه آية احتجاج على الكفرة في إنكار البعث من القبور،فدلّهم تعالى على المثال الّذي يعاينونه، و هو سواء مع إحياء الموتى،و البلد الميّت:هو الّذي لا نبت فيه قد أغبر من القحط،فإذا أصابه الماء من السّحاب اخضرّ و أنبت فتلك حياته.(4:431)

الشّربينيّ: أي بالمطر النّازل منه،و ذكر السّحاب كذكر المطر حيث أقيم مقامه،أو بالسّحاب،فإنّه سبب السّبب أو الصّائر مطرا.(الارض)بالنّبات و الكلأ(بعد موتها)،أي يبسها.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و الكاف في قوله تعالى:(كذلك)في محلّ رفع،أي مثل إحياء الموات.(النّشور)للأموات،وجه الشّبه من وجوه:أوّلها:أنّ الأرض الميّتة قبلت الحياة،كذلك الأعضاء تقبل الحياة.

ثانيها:كما أنّ الرّيح يجمع السّحاب المقطّع كذلك تجمع الأعضاء المتفرّقة.

ثالثها:كما أنّا نسوق الرّيح و السّحاب إلى البلد الميّت كذلك نسوق الرّوح إلى الجسد الميّت.(3:314)

أبو السّعود :أي بالمطر النّازل منه،المدلول عليه بالسّحاب،فإنّ بينهما تلازما في الذّهن،كما في الخارج أو بالسّحاب،فإنّه سبب السّبب. بَعْدَ مَوْتِها أي يبسها.

و إيراد الفعلين على صيغة الماضي،للدّلالة على التّحقيق،و إسنادها إلى نون العظمة المنبئ عن اختصاصهما به تعالى،لما فيهما من مزيد الصّنع،و لتكميل المماثلة بين إحياء الأرض و بين البعث الّذي شبّه به بقوله تعالى: كَذلِكَ النُّشُورُ في كمال الاختصاص بالقدرة الرّبّانيّة.

و«الكاف»في حيّز الرّفع على الخبريّة،أي مثل ذلك

ص: 603

الإحياء الّذي تشاهدونه إحياء الأموات في صحّة المقدوريّة و سهولة التّأتّي،من غير تفاوت بينهما أصلا، سوى الألف في الأوّل دون الثّاني.

و قيل:في كيفيّة الإحياء يرسل اللّه تعالى من تحت العرش ماء فينبت منه أجساد الخلق.(5:274)

نحوه البروسويّ(7:322)،و الآلوسيّ(22:172).

المراغيّ: أي أ فلا تتدبّرون و تعقلون،فتعلموا أنّ من أوجد الرّياح بعد أن لم تكن،ثمّ جعلها تسيّر السّحاب الثّقال،فتنزل منها الغيث إلى الأرض الجرز الّتي لا نبات بها،فتحيا بعد أن كانت ميّتة،و تهتزّ و تربوا و تنبت كلّ زوج بهيج،أ فليس ذلك القادر الحكيم الّذي أحيا ميّت الأرض بقادر على أن يحيي الموتى بعد بلاها،و بعد أن كانت عظاما نخرة؟إنّه على كلّ شيء قدير.(22:112)

الطّباطبائيّ: و أنبتنا فيها نباتا بعد ما لم تكن، و نسبة الإحياء إلى الأرض و إن كانت مجازيّة،لكن نسبته إلى النّبات حقيقيّة،و أعمال النّبات من التّغذية و النّموّ و توليد المثل و ما يتعلّق بذلك،أعمال حيويّة تنبعث من أصل الحياة.

و لذلك شبّه البعث و إحياء الأموات بعد موتهم بإحياء الأرض بعد موتها،أي إنبات النّبات بعد توقّفه عن العمل و ركوده في الشّتاء،فقال:(كذلك)أي البعث.

فالنّشور بسط الأموات يوم القيامة بعد إحيائهم و إخراجهم من القبور.(17:21)

عبد الكريم الخطيب :مناسبة هذه الآية لما قبلها، هي أنّ اللّه سبحانه و تعالى،يبعث رسله بالرّحمة إلى عباده،فيقبلها قوم،و يأباها آخرون،فهي أشبه بالغيث، ينزل من السّماء،فتحيا بها أماكن منها،و تخرج الحبّ و الثّمر،على حين يتحوّل به بعضها إلى أحراش،تؤوي الهوامّ و الحشرات.[إلى أن قال:]

و في قوله تعالى: كَذلِكَ النُّشُورُ إشارة إلى قضيّة البعث،الّتي هي مبعث ارتياب المشركين و تكذيبهم للرّسول،في كلّ ما يدعوهم إليه.

و في هذه الإشارة دليل مادّيّ محسوس يشهد لإمكانيّة البعث،و أنّه إذا كانت الأرض الميّتة المجدبة، ينزل عليها الماء فتلد هذه المواليد العجيبة،من النّبات و الزّهر و الثّمر،فإنّ هذه الأرض الّتي أودع في ترابها النّاس،ليس ببعيد أن ينفخ اللّه فيها نفخة الحياة،فتخرج ما في بطنها من آدميّين.(11:857)

مكارم الشّيرازيّ: نظام دقيق يتحكّم في حركة الرّياح،ثمّ في حركة السّحاب،ثمّ في نزول قطرات المطر الباعثة للحياة،ثمّ في حياة الأرض الميّتة،و هو أحسن دليل على أنّ يد القدرة الحكيمة هي من وراء ذلك النّظام تجريه و تدبّره:

أوّلا تؤمر الرّياح الحارّة بالتّحرّك من المناطق الاستوائيّة إلى المناطق الباردة،و في مسيرها تحمل معها بخار الماء من البحار و تطلقه في السّماء،بعدئذ،تتحرّك بجريانات منظّمة للبرد القطبيّ الّذي يعاكس دوما اتّجاه الحركة الأوّل،و تؤمر بتجميع البخار الحاصل لتشكيل الغيوم.

ثمّ تؤمر نفس تلك الرّيح بحمل تلك الغيوم و إرسالها إلى الصّحاري الميّتة،لتلقي قطرات المطر الباعثة للحياة فيها.

ص: 604

بعد ذلك-بشروط خاصّة-تؤمر الأرض و البذور الّتي نثرت عليها بقبول الماء و النّموّ و الاخضرار،و من موجودات حقيرة و عديمة القيمة ظاهرا تنبت موجودات حيّة و كثيرة التّنوّع و الجمال،طريّة خضراء،مفيدة و مثمرة تدلّل بدورها على قدرته سبحانه و تعالى، و تشهد على حكمته،و تكون نموذجا من البعث الكبير.

في الحقيقة إنّ هذه الآية تدعو إلى التّوحيد في عدّة جوانب:فالنّظم دليل على الوحدانيّة،و الحركة الّتي تقتضي وجود محرّك لكلّ متحرّك،و من جانب آخر فإنّ النّعم تدعو إلى شكر المنعم فطريّا.

و كذلك فهي دليل على مسألة المعاد من جهات أيضا:

فتكامل الموجودات بسير تكامليّ،و انبعاث الحياة من الأرض الميّتة،إنّما تقول للإنسان:أيّها الإنسان إنّك ترى مشهد المعاد في فصول كلّ عام أمام ناظريك و تحت قدميك.(14:29)

فضل اللّه : وَ اللّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً وفق ما أودعه اللّه في القانون الطّبيعيّ لتكوّن السّحاب المثقل بالماء فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ في عمليّة توزيع الوظائف الكونيّة للموجودات،حسب مقتضى الحكمة الإلهيّة في الرّزق في جانبي الخصب و الجدب في الأرض؛حيث يريد اللّه أن يرزق بعض البلاد أو يحرمها منه،فيحيي أرضا بعد موت،كما يبقي أرضا على موتها الزّراعيّ،فلا تنبض فيها حياة البذور و لا تتفتّح فيها الثّمار،فللأرض موت و حياة كما هو الإنسان في موته و حياته،و هكذا يحيي اللّه الأرض بعد أن تموت بسبب الجفاف،أو بسبب آخر فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، فيكون في ذلك بعث جديد للحياة في الأرض، فتتولّد الحياة في البذور و يهتزّ النّبات،ممّا يوحي بفكرة البعث بطريقة حسّيّة،يمكن للإنسان أن يستشرف منها المعنى العميق في إمكانيّة بعث الحياة بعد الموت في الإنسان.و كَذلِكَ النُّشُورُ فهو الصّورة الحيّة للإحياء الطّبيعيّ المتحرّك بقدرة اللّه في الأرض الّتي توحي بإمكان صورة مماثلة لإحياء الإنسان بعد الموت،لأنّ الموت هو الموت،و الحياة هي الحياة،من دون فرق بين الأشياء في ذلك كلّه.

و هذا الّذي يمثّل قدرة اللّه و سيطرته على عمق الحياة في الكون كلّه في عالم الإيجاد و عالم البعث،ممّا يجعل الأمور كلّها مرتبطة به و خاضعة له،باعتباره المصدر الوحيد للقوّة على مستوى حركة الجسد و الرّوح في الجانب المادّيّ أو المعنويّ،فلا قوّة لأيّ مخلوق في ذاته، و هذا ما تريد الآية التّالية[و هي: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ وَ الَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ فاطر:9]أن تؤكّده و تثيره أمام الكثيرين من النّاس الّذين يعبدون غير اللّه و يرتبطون به،و يتركون طاعة اللّه و عبادته،طلبا للعزّة الّتي يملكها هؤلاء الشّركاء المزعومون،في ما يملكون من قوّة و مال و جاه و سلطان،في استغراقهم في الجانب الحسّيّ المباشر، و ابتعادهم عن الوعي العميق النّافذ إلى حقائق الأشياء.

(19:89)

ص: 605

2- رِزْقاً لِلْعِبادِ وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ.

ق:11

الطّبريّ: و أحيينا بهذا الماء الّذي أنزلناه من السّماء بلدة ميتا قد أجدبت و قحطت،فلا زرع فيها و لا نبت.

و قوله: كَذلِكَ الْخُرُوجُ كما أنبتنا بهذا الماء هذه الأرض الميتة فأحييناها به،فأخرجنا نباتها و زرعها، كذلك نخرجكم يوم القيامة أحياء من قبوركم من بعد بلائكم فيها بما ينزل عليها من الماء.(26:154)

الماورديّ: جعل هذا كلّه دليلا على البعث و النّشور من وجهين:

أحدهما:أنّ النّشأة الأولى إذا خلقها من غير أصل كانت النّشأة الثّانية بإعادة ماله أصل أهون.

الثّاني:أنّه لمّا شوهد من قدرته،إعادة ما مات من زرع و نبات،كان إعادة من مات من العباد أولى للتّكليف الموجب للجزاء.(5:343)

الطّوسيّ: أي أحيينا بذلك الماء الّذي أنزلنا من السّماء بلدة ميتا،أي جدبا قحطا،لا تنبت شيئا،فأنبتت و عاشت،ثمّ قال: كَذلِكَ الْخُرُوجُ أي مثل ما أحيينا هذه الأرض الميتة بالماء،مثل ذلك نحيي الموتى يوم القيامة فيخرجون من قبورهم،لأنّ من قدر على أحدهما قدر على الآخر.

و إنّما دخلت على القوم شبهة من حيث إنّهم رأوا العادة جارية بإحياء الأرض الموات بنزول المطر عليها، و لم يروا إحياء الأموات،فظنّوا أنّه يخالف ذلك،و لو أمعنوا النّظر لعلموا أنّ القادر على أحدهما قادر على الآخر.(9:360)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(13:474)

الفخر الرّازيّ: إن قلنا:إنّ الاستدلال بإنبات الزّرع و إنزال الماء كان لإمكان البقاء بالرّزق،فقوله:

وَ أَحْيَيْنا بِهِ إشارة إلى أنّه دليل على الإعادة،كما أنّه دليل على البقاء.و يدلّ عليه قوله تعالى: كَذلِكَ الْخُرُوجُ.

فإن قيل:كيف يصحّ قولك استدلالا،و إنزال الماء كان لبيان البقاء مع أنّه تعالى قال بعد ذلك: وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً، و قال: كَذلِكَ الْخُرُوجُ فيكون الاستدلال على البقاء قبل الاستدلال على الإحياء، و الإحياء سابق على الإبقاء،فينبغي أن يبيّن أوّلا أنّه يحيي الموتى،ثمّ يبيّن أنّه يبقيهم؟

نقول:لمّا كان الاستدلال بالسّماوات و الأرض على الإعادة كافيا بعد ذكر دليل الإحياء،ذكر دليل الإبقاء، ثمّ عاد و استدرك فقال:هذا الدّليل الدّالّ على الإبقاء دالّ على الإحياء،و هو غير محتاج إليه،لسبق دليلين قاطعين،فبدأ ببيان البقاء و قال:(و انبتنا به جنات،) ثمّ ثنّى بإعادة ذكر الإحياء،فقال: وَ أَحْيَيْنا بِهِ.

و إن قلنا:إنّ الاستدلال بإنزال الماء و إنبات الزّرع لا لبيان إمكان الحشر،فقوله: وَ أَحْيَيْنا بِهِ ينبغي أن يكون مغايرا لقوله: فَأَنْبَتْنا بِهِ بخلاف ما لو قلنا بالقول الأوّل،لأنّ الإحياء و إن كان غير الإنبات.لكنّ الاستدلال لمّا كان به على أمرين متغايرين جاز العطف، تقول:خرج للتّجارة و خرج للزّيارة،و لا يجوز أن يقال:

خرج للتّجارة و ذهب للتّجارة،إلاّ إذا كان الذّهاب غير الخروج.

ص: 606

فنقول:الإحياء غير إنبات الرّزق؛لأنّ بإنزال الماء من السّماء يخضرّ وجه الأرض،و يخرج منها أنواع من الأزهار،و لا يتغذّى به و لا يقتات،و إنّما يكون به زينة وجه الأرض،و هو أعمّ من الزّرع و الشّجر،لأنّه يوجد في كلّ مكان،و الزّرع و الثّمر لا يوجدان في كلّ مكان، فكذلك هذا الإحياء.

فإن قيل:فكان ينبغي أن يقدّم في الذّكر؛لأنّ اخضرار وجه الأرض يكون قبل حصول الزّرع و الثّمر؛ و لأنّه يوجد في كلّ مكان بخلاف الزّرع و الثّمر.

نقول:لمّا كان إنبات الزّرع و الثّمر أكمل نعمة قدّمه في الذّكر.(28:159)

أبو حيّان :و الإشارة في ذلك إلى الإحياء،أي الخروج من الأرض أحياء بعد موتكم،مثل ذلك الحياة للبلدة الميت،و هذه كلّها أمثلة و أدلّة على البعث.

(8:122)

أبو السّعود : وَ أَحْيَيْنا بِهِ أي بذلك الماء بَلْدَةً مَيْتاً أرضا جدبة لا نماء فيها أصلا،بأن جعلناها بحيث ربت و أنبتت أنواع النّبات و الأزهار،فصارت تهتزّ بها بعد ما كانت جامدة هامدة.و تذكير(ميتا)؛لأنّ البلدة بمعنى البلد و المكان. كَذلِكَ الْخُرُوجُ جملة قدّم فيها الخبر للقصد إلى القصر،و ذلك إشارة إلى الحياة المستفادة من الإحياء.و ما فيه من معنى البعد للإشعار ببعد رتبتها،أي مثل تلك الحياة البديعة حياتكم بالبعث من القبور لا شيء مخالف لها.

و في التّعبير عن إخراج النّبات من الأرض بالإحياء و عن حياة الموتى بالخروج تفخيم لشأن الإنبات، و تهوين لأمر البعث،و تحقيق للمماثلة بين إخراج النّبات و إحياء الموتى،لتوضيح منهاج القياس و تقريبه إلى أفهام النّاس.(6:124)

نحوه البروسويّ(9:109)،و الآلوسيّ(26:176)، و المراغيّ(26:156).

الكاشانيّ: كما أنزلنا الماء من السّماء و أخرجنا به النّبات من الأرض و أحيينا به البلدة الميت يكون خروجكم أحياء بعد موتكم،و هو جواب لقولهم: أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ق:3(5:59)

ابن عاشور : وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً عطف على رِزْقاً لِلْعِبادِ عطف الفعل على الاسم المشتقّ من الفعل،و هو رزقه المشتقّ؛لأنّه في معنى:رزقنا العباد و أحيينا به بلدة ميتا،أي لرعي الأنعام و الوحش فهو استدلال،و فيه امتنان.و البلدة:القطعة من الأرض.

(26:244)

الطّباطبائيّ: و قوله: وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ برهان آخر على البعث غير ما تقدّم،استنتج من طيّ الكلام،فإنّ البيان السّابق في ردّ استبعادهم للبعث،مستندين إلى صيرورتهم ترابا غير متمايز الأجزاء،كان برهانا من مسلك إثبات علمه بكلّ شيء، و قدرته على كلّ شيء،و هذا البرهان الّذي يتضمّنه قوله: وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ من مسلك إثبات إمكان الشّيء بوقوع مثله.فليس الخروج من القبور بالإحياء بعد الموت،إلاّ مثل خروج النّبات الميّت من الأرض بعد موتها،و وقوف قواه عن النّماء و النّشوء.

و قد قرّرنا هذا البرهان في ذيل الآيات المستدلّة

ص: 607

بإحياء الأرض بعد موتها على البعث غير مرّة،فيما تقدّم من أجزاء الكتاب.(18:341)

مكارم الشّيرازيّ: و هكذا تذكّر هذه الآيات ضمن بيان النّعم العظمى للعباد،و تحريك إحساس الشّكر فيهم في مسير المعرفة،أنّهم يرون مثلا للمعاد كلّ سنة في حياتهم،بل خلال سنين حياتهم في هذه الدّنيا.

فالأرض الميتة الخالية و اليابسة تهتزّ و تنبت النّباتات عليها عند نزول قطرات الغيث،و كأنّ أصداء القيامة تترنّم على شفاه النّباتات قائلة:«وحده لا شريك له».

فهذه الحركة العظيمة نحو الحياة في عالم النّباتات كاشفة عن هذه الواقعيّة،و هي أنّ بارئ عالم الموجودات قادر على إحياء الموتى مرّة أخرى،لأنّ وقوع الشّيء الأقوى دليل على إمكانه.(17:19)

فضل اللّه : كَذلِكَ الْخُرُوجُ في يوم البعث،عند ما تتحرّك قدرة اللّه،لتمنح الحياة للتّراب الّذي تحوّلت إليه أجزاء الجسد الإنسانيّ،أو للعظام الّتي يكسوها اللّه لحما و يبعث فيها الحياة،تماما كما يمنح الحياة للأرض الميتة من خلال الماء الّذي ينزله عليها،فيتفاعل مع البذور المتناثرة فيها.(21:176)

احييناه

أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. الأنعام:122

ابن عبّاس: أكرمناه بالإيمان،و هو عمّار بن ياسر.

(118)

يعني من كان كافرا فهديناه.(الطّبريّ8:23)

نحوه ابن قتيبة.(159)

مجاهد :ضالاّ فهديناه.(الطّبريّ 8:22)

مثله الفرّاء.(1:353)

قتادة :هذا المؤمن معه من اللّه نور و بيّنة يعمل بها و يأخذ،و إليها ينتهي كتاب اللّه.(الطّبريّ8:23)

السّدّيّ: من كان كافرا فجعلناه مسلما،و جعلنا له نورا يمشي به في النّاس،و هو الإسلام.(251)

الطّبريّ: يقول:فهديناه للإسلام،فأنعشناه،فصار يعرف مضارّ نفسه و منافعها،و يعمل في خلاصها من سخط اللّه و عقابه في معاده،فجعل إبصاره الحقّ-تعالى ذكره-بعد عماه عنه،و معرفته بوحدانيّته و شرائع دينه بعد جهله بذلك حياة،و ضياء يستضيء به،فيمشي على قصد السّبيل،و منهج الطّريق في النّاس.(8:22)

الزّجّاج: جاء في التّفسير أنّه يعني به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أبو جهل ابن هشام،فالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم هدي و أعطي نور الإسلام و النّبوّة و الحكمة،و أبو جهل في ظلمات الكفر.

و يجوز أن تكون هذه الآية عامّة لكلّ من هداه اللّه و لكلّ من أضلّه اللّه،فأعلم اللّه جلّ و عزّ أنّ مثل المهتدي مثل الميّت الّذي أحيي و جعل مستضيئا يمشي في النّاس بنور الحكمة و الإيمان،و مثل الكافر مثل من هو في الظّلمات لا يتخلّص منها.(2:288)

أبو مسلم الأصفهانيّ: كان ميّتا حين كان نطفة فأحييناه بنفخ الرّوح فيه.(الماورديّ 2:163)

القمّيّ: جاهلا عن الحقّ و الولاية،فهديناه إليها.(1:215)

ص: 608

الرّمّانيّ: كان ميّتا بالكفر،فأحييناه بالهداية إلى الإيمان.(الماورديّ 2:163)

الثّعلبيّ: هو(ألف)الاستفهام،و التّقدير دخلت على(واو)النّسق فبقيت على فتحها،يعني أو من كان كافرا ميّتا بالضّلالة فهديناه و اجتبيناه بالإيمان.

(4:186)

نحوه الواحديّ.(2:318)

الماورديّ: كان ميّتا بالجهل،فأحييناه بالعلم.

أنشدني بعض أهل العلم ما يدلّ على صحّة هذا التّأويل لبعض شعراء البصرة:

و في الجهل قبل الموت موت لأهله

فأجسامهم قبل القبور قبور

و إن امرأ لم يحيى بالعلم ميّت

فليس له حتّى النّشور نشور

(2:163)

الطّوسيّ: و المعنى من كان ميّتا بالكفر،فصار حيّا بالإسلام بعد الكفر،كالمصرّ على كفره؟(4:279)

القشيريّ: الإيمان عند هؤلاء القوم حياة القلب باللّه،و أهل الغفلة إذ لهم الذّكر فقد صاروا أحياء بعد ما كانوا أمواتا،و أرباب الذّكر لو اعتراهم نسيان فقد ماتوا بعد الحياة.و الّذي هو في أنوار القرب و تحت شعاع العرفان و في روح الاستبصار،لا يدانيه من هو في أسر الظّلمات،و لا يساويه من هو رهين الآفات.(2:193)

البغويّ: أي كان ضالاّ فهديناه،كان ميّتا بالكفر فأحييناه بالإيمان.(2:156)

نحوه النّسفيّ.(2:31)

الزّمخشريّ: مثّل الّذي هداه اللّه بعد الضّلالة،- و منحه التّوفيق لليقين الّذي يميّز به بين المحقّ و المبطل و المهتدي و الضّالّ-بمن كان ميّتا فأحياه اللّه،و جعل له نورا يمشي به في النّاس مستضيئا به،فيميّز بعضهم من بعض،و يفصل بين حلاهم،و من بقي على الضّلالة بالخابط في الظّلمات،لا ينفكّ منها و لا يتخلّص.

(2:48)

الفخر الرّازيّ: قال أهل المعاني:قد وصف الكفّار بأنّهم أموات في: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ النّحل:21، و: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا يس:70،و: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى الرّوم:52،و: وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ*... وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ فاطر:19-22،فلمّا جعل الكفر موتا و الكافر ميّتا،جعل الهدى حياة و المهتدي حيّا.و إنّما جعل الكفر موتا لأنّه جهل،و الجهل يوجب الحيرة و الوقفة،فهو كالموت الّذي يوجب السّكون.

و أيضا الميّت لا يهتدي إلى شيء و الجاهل كذلك.

و الهدى علم و بصر،و العلم و البصر سبب لحصول الرّشد و الفوز بالنّجاة.

و قوله: وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ عطف على قوله: فَأَحْيَيْناهُ فوجب أن يكون هذا النّور مغايرا لتلك الحياة.و الّذي يخطر بالبال-و العلم عند اللّه تعالى-أنّ الأرواح البشريّة لها أربع مراتب في المعرفة:

فأوّلها:كونها مستعدّة لقبول هذه المعارف،و ذلك الاستعداد الأصليّ يختلف في الأرواح،فربّما كانت الرّوح موصوفة باستعداد كامل قويّ شريف،و ربّما كان ذلك

ص: 609

الاستعداد قليلا ضعيفا،و يكون صاحبه بليدا ناقصا.

و المرتبة الثّانية:أن يحصل لها العلوم الكلّيّة الأوّليّة، و هي المسمّاة بالعقل.

و المرتبة الثّالثة:أن يحاول ذلك الإنسان تركيب تلك البديهيّات:و يتوصّل بتركيبها إلى تعرّف المجهولات الكسبيّة،إلاّ أنّ تلك المعارف ربّما لا تكون حاضرة بالفعل،و لكنّها تكون بحيث متى شاء صاحبها استرجاعها و استحضارها يقدر عليه.

و المرتبة الرّابعة:أن تكون تلك المعارف القدسيّة و الجلايا الرّوحانيّة حاضرة بالفعل،و يكون جوهر ذلك الرّوح مشرقا بتلك المعارف مستضيئا بها،مستكملا بظهورها فيه.

إذا عرفت هذا فنقول:

المرتبة الأولى:و هي حصول الاستعداد فقط،هي المسمّاة بالموت.

و المرتبة الثّانية:و هي أن تحصل العلوم البديهيّة الكلّيّة فيه،فهي المشار إليها بقوله: فَأَحْيَيْناهُ.

و المرتبة الثّالثة،و هي تركيب البديهيّات حتّى يتوصّل بتركيباتها إلى تعرّف المجهولات النّظريّة،فهي المراد من قوله تعالى: وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً.

و المرتبة الرّابعة:و هي قوله: يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ إشارة إلى كونه مستحضرا لتلك الجلايا القدسيّة ناظرا إليها،و عند هذا تتمّ درجات سعادات النّفس الإنسانيّة.

و يمكن أن يقال أيضا:الحياة عبارة عن الاستعداد القائم بجوهر الرّوح،و النّور عبارة عن إيصال نور الوحي و التّنزيل به.فإنّه لا بدّ في الإبصار من أمرين:من سلامة الحاسّة و من طلوع الشّمس.فكذلك البصيرة لا بدّ فيها من أمرين:من سلامة حاسّة العقل،و من طلوع نور الوحي و التّنزيل،فلهذا السّبب قال المفسّرون:المراد بهذا النّور:القرآن.و منهم من قال:هو نور الدّين،و منهم من قال:هو نور الحكمة،و الأقوال بأسرها متقاربة، و التّحقيق ما ذكرناه.(13:171)

نحوه النّيسابوريّ.(8:18)

الخازن:يعني أو من كان ميّتا بالكفر فأحييناه بالإيمان،و إنّما جعل الكفر موتا،لأنّه جعل الإيمان حياة، لأنّ الحيّ صاحب بصر يهتدي به إلى رشده،و لمّا كان الإيمان يهدي إلى الفوز العظيم و الحياة الأبديّة،شبّهه بالحياة.(2:147)

نحوه الشّربينيّ.(1:447)

أبو حيّان: [نقل قول الفخر الرّازيّ و قال:]

و هو بعيد من مناحي كلام العرب و مفهوماتها.و لمّا ذكر صفة الإحسان إلى العبد المؤمن نسب ذلك إليه، فقال: فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً، و في صفة الكافر لم ينسبها إلى نفسه،بل قال:كمن مثله في الظّلمات.

(4:214)

ابن كثير:هذا مثل ضربه اللّه تعالى للمؤمن الّذي كان ميّتا،أي في الضّلالة هالكا حائرا،فأحياه اللّه،أي أحيا قلبه بالإيمان،و هداه له،و وفّقه لاتّباع رسله.

(3:93)

البروسويّ: أعطيناه الحياة و ما يتبعها من القوى المدركة و المتحرّكة.[إلى أن قال:]

قال أرباب الحقيقة:الموت بهوى النّفس،و الحياة

ص: 610

بمحبّة الحقّ،و أيضا الموت بالنّكرة،و الحياة بالمعرفة.

و فرّق بين حياة المعرفة و حياة البشريّة،فأهل العموم حيّ بحياة البشريّة؛لكنّه كالميّت في قبر قالبه،لا يمكنه الخروج من ظلمات وجوده المجازيّ.و أهل الخصوص حيّ بحياة المعرفة،فحياة البشريّة تزول لقوله تعالى:

كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ آل عمران:185،بخلاف حياة المعرفة،لقوله تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً النّحل:97،و قوله عليه السّلام:«المؤمن حيّ في الدّارين».

(3:97)

الآلوسيّ: تمثيل مسوق لتنفير المسلمين عن طاعة المشركين،إثر تحذيرهم عنها بالإشارة إلى أنّهم مستضيئون بأنوار الوحي الإلهيّ،و المشركون غارقون في ظلمات الكفر و الطّغيان،فكيف يعقل طاعتهم له؟

(8:18)

مغنيّة: هذا مثل ضربه اللّه تعالى للمقارنة بين المؤمن و الكافر.و توضيحه أنّ المقارنة بينهما تماما كالمقارنة بين الموت و الحياة،و النّور و الظّلام،فالكافر ميّت،فإذا آمن بعث من جديد،و عادت إليه الحياة، و إيمانه نور يمشي به في حياته على بصيرة من أمره.

و من بقي على الكفر و الشّرك،فهو كمن يتخبّط في الظّلمات،يسير على غير هدى،و لا يصل إلى خير مدى حياته كلّها.

قد يقول القائل:إنّ الآية شبّهت الإيمان بالحياة، و الكفر بالموت،مع أنّ الكافرين و الملحدين في هذا العصر أكثر ثراء و رفاهية من المؤمنين و العابدين؟

الجواب:ليس المراد بالحياة في هذه الآية أن يعيش الإنسان في النّعيم و الرّفاهية،فيأكل طيّبا،و يلبس ثمينا، و يشرب سائغا.إنّ الرّفاهية لا تناط بالكفر و لا بالإيمان، و إلاّ كان المؤمنون سواء في الشّرق و الغرب من حيث الحضارة و الرّفاهية،و كذلك الملحدون و الكافرون.إنّ للرّفاهية أسبابا و ملابسات لا تمّت إلى الإيمان و الكفر بسبب.و إنّما المراد بالحياة في الآية:الإيمان و الشّعور الدّينيّ الّذي يدفع بصاحبه إلى القيام بالواجب كإنسان مسئول عن سلوكه،يحاسب عليه و يكافا على إحسانه بالثّواب،و إساءته بالعقاب.

و لو كان الإنسان غير مسئول عن شيء لكانت الشّرائع و القوانين ألفاظا بلا معان.و متى سلّمنا بأنّ الإنسان مسئول،و لا يترك سدّى يلزمنا حتما أن نسلّم بأنّه مسئول أمام من لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون.

و لو كان هذا السّائل مسئولا لوجب وجود سائل له، و هكذا إلى ما لا نهاية.

و من كفر بوجود السّائل الأعلى الّذي يسأل و لا يسأل،فقد كفر بالمسئوليّة و نفاها من الأساس،لأنّه لا مسئوليّة من غير سائل،و من كفر بالمسئوليّة فقد كفر بالحياة الاجتماعيّة.

و تقول:أجل،إنّ الإنسان مسئول،و لكن ليس من الضّروريّ أن يكون السّائل هو اللّه،فللنّاس أن يختاروا هيئة منهم يكون الإنسان مسئولا أمامها.

و نسأل بدورنا:إذا أخطأت هذه الهيئة فمن يسألها و يحاسبها؟و إن قيل:الوجدان،قلنا:أوّلا:الوجدان أمر معنويّ لا عينيّ.و ثانيا:إنّ الوجدان مشاع يدّعيه كلّ واحد،فلما ذا يترك هذا لوجدانه دون ذاك؟إذن،لا سائل

ص: 611

غير مسئول إلاّ اللّه وحده،فمن آمن باللّه و ألزم نفسه بشريعته و أحكامه فقد سار على بصيرة من أمره في عقيدته و سلوكه،و إلاّ كان مثله كمن يمشي في الظّلمات ليس بخارج منها.(3:257)

الطّباطبائيّ: الآية واضحة المعنى،و هي بحسب ما يسبق إلى الفهم البسيط السّاذج مثل،مضروب لكلّ من المؤمن و الكافر،يظهر بالتّدبّر فيه حقيقة حاله في الهدى و الضّلال،فالإنسان قبل أن يمسّه الهدى الإلهيّ كالميّت المحروم من نعمة الحياة الّذي لا حسّ له و لا حركة،فإن آمن بربّه إيمانا يرتضيه كان كمن أحياه اللّه بعد موته، و جعل له نورا يدور معه حيث دار،يبصر في شعاعه خيره من شرّه،و نفعه من ضرّه،فيأخذ ما ينفعه،و يدع ما يضرّه،و هكذا يسير في مسير الحياة.

و أمّا الكافر فهو كمن وقع في ظلمات لا مخرج له منها،و لا مناص له عنها،ظلمة الموت و ما بعد ذلك من ظلمات الجهل في مرحلة تمييز الخير من الشّرّ،و النّافع من الضّار.

و نظير هذه الآية في معناها بوجه قوله تعالى: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ الأنعام:

36،و قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً النّحل:97.

ففي الكلام استعارة الموت للضّلال،و استعارة الحياة للإيمان،أو الاهتداء و الإحياء للهداية إلى الايمان،و النّور للتّبصّر بالأعمال الصّالحة،و الظّلمة للجهل،كلّ ذلك في مستوى التّفهيم و التّفهّم العموميّين،لما أنّ أهل هذا الظّرف لا يرون للإنسان بما هو إنسان حياة وراء الحياة الحيوانيّة الّتي هي المنشأ للشّعور باللّذائذ المادّيّة، و الحركة الإراديّة نحوها.

فهؤلاء يرون أنّ المؤمن و الكافر لا يختلفان في هذه الموهبة،و هي فيهما شرع سواء،فلا محالة عدّ المؤمن حيّا بحياة الإيمان،ذا نور يمشي به في النّاس،و عدّ الكافر ميّتا بميتة الضّلال في ظلمات لا مخرج منها،ليس إلاّ مبتنيا على عناية تخييليّة و استعارة تمثيليّة،يمثّل بها حقيقة المعنى المقصود.

لكنّ التّدبّر في أطراف الكلام و التّأمّل فيما يعرّفه القرآن الكريم يعطي للآية معنى وراء هذا الّذي يناله الفهم العامّيّ،فإنّ اللّه سبحانه ينسب للإنسان الإلهيّ في كلامه حياة خالدة أبديّة،لا تنقطع بالموت الدّنيويّ،هو فيها تحت ولاية اللّه محفوظ بكلاءته،مصون بصيانته، لا يمسّه نصب و لا لغوب،و لا يذلّه شقاء و لا تعب، مستغرب في حبّ ربّه،مبتهج ببهجة القرب،لا يرى إلاّ خيرا،و لا يواجه إلاّ سعادة،و هو في أمن و سلام، لا خوف معه و لا خطر،و سعادة و بهجة و لذّة لا نفاد لها و لا نهاية لأمدها.

و من كان هذا شأنه فإنّه يرى ما لا يراه النّاس، و يسمع ما لا يسمعونه،و يعقل ما لا يعقلونه،و يريد ما لا يريدونه،و إن كانت ظواهر أعماله و صور حركاته و سكناته تحاكي أعمال غيره و حركاتهم و سكناتهم و تشابهها،فله شعور و إرادة فوق ما لغيره من الشّعور و الإرادة،فعنده من الحياة الّتي هي منشأ الشّعور و الإرادة ما ليس عند غيره من النّاس،فللمؤمن مرتبة من الحياة ليست عند غيره.

ص: 612

فكما أنّ العامّة من الإنسان في عين أنّها تشارك سائر الحيوان في الشّعور بواجبات الحياة و الحركة الإراديّة نحوها،و يشاركها الحيوان،لكنّا مع ذلك لا نشكّ أنّ الإنسان نوع أرقى من سائر الأنواع الحيوانيّة،و له حياة فوق الحياة الّتي فيها،لما نرى في الإنسان آثاره العجيبة المترشّحة من أفكاره الكلّيّة و تعقّلاته المختصّة به، و لذلك نحكم في الحيوان إذا قسناه إلى النّبات،و في النّبات إذا قسناه إلى ما قبله من مراتب الكون،أنّ لكلّ منهما كعبا أعلى،و حياة هي أرقى من حياة ما قبله.

فلنقض في الإنسان الّذي أوتي العلم و الإيمان، و استقرّ في دار الإيقان،و اشتغل بربّه،و فرغ و استراح من غيره،و هو يشعر بما ليس في وسع غيره،و يريد ما لا يناله سواه،أنّ له حياة فوق حياة غيره،و نورا يستمدّ به في شعوره،و إرادة لا توجد إلاّ معه و في ظرف حياته.

يقول اللّه سبحانه: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً النّحل:

97،فلهم الحياة لكنّها بطبعها طيّبة وراء مطلق الحياة، و يقول: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ الأعراف:179،فيثبت لهم أمثال القلوب و الأعين و الآذان الّتي في المؤمنين،لكنّه ينفي كمال آثارها الّتي في المؤمنين،و لم يكتف بذلك حتّى أثبت لهم روحا خاصّا بهم،فقال: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ المجادلة:22.

فتبيّن بذلك أنّ للحياة و كذا للنّور حقيقة في المؤمن واقعيّة،و ليس الكلام جاريا على ذاك التّجوّز الّذي لا يتعدّى مقام العناية اللّفظيّة،فما في خاصّة اللّه من المؤمنين من الصّفة الخاصّة بهم أحقّ باسم الحياة،ممّا عند عامّة النّاس من معنى الحياة،كما أنّ حياة الإنسان كذلك بالنّسبة إلى حياة الحيوان،و حياة الحيوان كذلك بالنّسبة إلى حياة النّبات.(7:336)

مكارم الشّيرازيّ:ترتبط هذه الآية بالآيات السّابقة من حيث كون الآيات السّابقة أشارت إلى طائفتين من النّاس:المؤمنين المخلصين،و الكافرين المعاندين الّذين لا يكتفون بضلالهم،فهم يسعون حثيثا إلى تضليل الآخرين،هنا أيضا يتجسّد وضع هاتين الطّائفتين من خلال ضرب مثل واضح.

يشير المثال إلى طائفة من النّاس كانوا من الضّالّين، ثمّ غيّروا مسيرتهم باعتناق الإسلام،فهؤلاء أشبه بالميّت الّذي يحييه اللّه بإرادته: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ.

كثيرا ما يستعمل القرآن«الموت»و«الحياة»بالمعنى المعنويّ لهما لتمثيل الكفر و الإيمان،و هذا يدلّ على أنّ الإيمان ليس مجرّد معتقدات جافّة و أوراد و طقوس،بل هو بمثابة الرّوح الّتي تحلّ في النّفوس الميّتة غير المؤمنة، فتؤثّر عليها في جميع شئونها،و تمنح العيون الرّؤية، و الآذان قدرة السّمع،و اللّسان قوّة البيان،و الأطراف العزم على أداء النّشاطات البنّاءة.الإيمان يغيّر الأفراد و يشمل هذا التّغيير كلّ جوانب الحياة،و تبدو آثاره في كلّ الحركات و السّكنات.

و تفيد جملة: فَأَحْيَيْناهُ أنّ الإيمان،و إن استلزم سعي الإنسان ليصل إليه،لا يتمّ إلاّ بهداية من اللّه!ثمّ تقول الآية عن أمثال هؤلاء: وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ.

ص: 613

على الرّغم من وجود الاختلاف في تفسير هذا «النّور»فالظّاهر أنّ المقصود ليس القرآن و تعاليم الشّرع فحسب،بل أكثر من ذلك،يمنح الإيمان باللّه الإنسان رؤية و إدراكا جديدين.يمنحه رؤية واضحة و يوسّع من آفاق نظرته،لتتجاوز إطار حياته المادّيّة و جدران عالم المادّة الضّيّق إلى عالم أرحب و أوسع.

و لمّا كان الإيمان يدعو الإنسان إلى أن يبني نفسه، فإنّه يزيح عن عينيه أغشية الأنانيّة و التّعصّب و المعاندة و الأهواء،و يريه حقائق ما كان قادرا على إدراكها من قبل.

إنّه في ضوء هذا النّور يستطيع أن يميّز مسيرة حياته بين النّاس،و أن يصون نفسه و يحافظ عليها،و يحصّنها ضدّ ما يقع فيه الآخرون من أخطار الطّمع و الجشع و الأفكار المادّيّة المحدودة،و الوقوف بوجه أهوائه و كبح جماحها.

إنّ ما نقرأه في الأحاديث الإسلاميّة من أنّ«المؤمن ينظر بنور اللّه»إشارة إلى هذه الحقيقة،إنّ مجرّد الوصف غير قادر على تبيان خصائص هذه الرّوية الإيمانيّة الّتي يمنحها اللّه للإنسان،بل ينبغي أن يذوق الإنسان طعمها لكي يدرك بنفسه مغزى هذا القول،و يحسّ به.

ثمّ تقارن الآية بين هذا الإنسان الحيّ،الفعّال،النّيّر، و المؤثّر،بالإنسان العديم الإيمان و المعاند،فتقول: كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها.

نلاحظ أنّ الآية لا تقول:«كمن في الظّلمات»بل تقول: كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ يقول بعضهم:إنّ الهدف من هذا التّعبير هو إثبات أنّ هؤلاء الأفراد غارقون في الظّلمات و التّعاسة إلى الحدّ الّذي جعلهم مثلا يعرفه المدركون.

و قد يكون ذلك إشارة إلى معنى أدقّ هو:أنّه لم يبق من وجود هؤلاء الأفراد سوى شبح،أو قالب،أو مثال أو تمثال،لهم هياكل خالية من الرّوح و أدمغة معطّلة عن العمل.

لا بدّ من القول-أيضا-إنّ«النّور»الّذي يهدي المؤمنين جاء بصيغة المفرد،بينما«الظّلمات»الّتي يعيش فيها الكافرون جاءت بصيغة الجمع؛و ذلك لأنّ الإيمان ليس سوى حقيقة واحدة،و هو يرمز إلى الوحدة و التّوحيد،بينما الكفر و عدم الإيمان مدعاة للتّشتّت و التّفرقة.(4:418)

فضل اللّه:في هذه الآيات و ما بعدها،حديث عن الجوّ الدّاخليّ الّذي يعيشه الإنسان المؤمن،في الانفتاح على الحياة من خلال الانفتاح على اللّه،في مقابل الجوّ المنغلق الّذي يعيشه الإنسان الكافر؛و ذلك من خلال الحديث عن الإنسان الّذي كان ميّتا فأحياه اللّه،و جعل له نورا يمشي به في النّاس،و لكن كيف نتمثّل هذه الصّورة؟

إنّ الموت هنا لا يعني الموت المادّيّ،و هو انعدام الحياة في الجسد،بل هو فراغ الإنسان من حركة الفكر و الشّعور و الإيمان؛و ذلك عند ما يعيش بدون فكرة أو قضيّة،و لا يعرف ما يريد،و لا ما ذا يراد به،فلا مجال لأيّة حركة للحياة في أعماقه و لا من حوله،لأنّ قضيّة الحياة و الموت في الجانب الرّوحيّ و الفكريّ في الإنسان تتمثّل في ما ينطلق به من آفاق و أوضاع و أفكار و مشاريع

ص: 614

و علاقات،فإذا كان الإنسان مؤمنا،بالمعنى الواسع للإيمان،فإنّه ينفتح على اللّه،و على كلّ المعاني الخيّرة، و القيم الكبيرة،و الآفاق الرّوحيّة،في حركة الامتداد و العمق،أمّا إذا كان كافرا،فإنّه ينغلق على ذاته،و لا ينفتح على أيّ شيء آخر،إلاّ من خلال المادّة،فهي ساحة الحركة الضّيّقة عنده،لأنّه لا يملك الفكرة الكبيرة الّتي تربطه بتلك الآفاق،فالمادّة هي كلّ طموحاته،و كلّ شيء في الحياة يخضع للحسابات المادّيّة،حتّى العواطف و المشاعر و العلاقات،فلا يعطي إلاّ بمقدار ما يأخذ.إنّه يستمرّ في الدّوران حول نفسه،فيختنق في النّهاية داخل ذاته.

ثمّ إنّ الإيمان-في شخصيّة المؤمن-يوحي له بأنّه لا يمثّل-كما لا يمثّل أيّ شيء في الحياة-كيانا مستقلاّ منفصلا عن اللّه،بل يعتبر كلّ شيء موصولا به،و منطلقا منه.و بذلك كانت الحياة ساحة خاضعة للّه و مشدودة في علاقاتها إليه.فإذا فكّر الإنسان،فإنّ الفكر يتحرّك من حيث يريد اللّه له أن يتحرّك،ليكون الفكر المسئول،كما أنّ العمل يتحرّك في خطّ المسئوليّة العامّة في حياة النّاس،كلّ شيء عنده بحساب،و لكنّها ليست حسابات التّبادل المادّيّ التّجاريّ مع النّاس،بل هي حسابات الإنسان مع اللّه،و بذلك لا تكون التّضحية حركة ضائعة في الفراغ،بل هي انطلاقة في علاقة الدّنيا بالآخرة،في حسابات اللّه.

و في ضوء ذلك،كانت الحياة عنده تعني الرّسالة الّتي هي الهدف الكبير،فلا ضياع و لا فراغ،و لا قلق،لأنّ الإنسان المؤمن يعتقد أنّ بداية الحياة من اللّه،و نهايتها إليه،و بين البداية و النّهاية هناك خطّ واضح للمسئوليّة، و برنامج عمليّ للإنسان،ينير له الطّريق،و يخطّ له حدود المستقبل على الصّراط المستقيم؛و ذلك ما تعنيه الكلمة القرآنيّة: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فصّلت:30،الّتي تسير فيها نقطة البداية إلى خطّ السّير، و ذلك هو ما تعنيه كلمة«النّور»الّذي يمشي به بين النّاس،فهو الّذي يحقّق له الوضوح في كلّ أوضاعه، و علاقاته العامّة و الخاصّة،فلا ظلام و لا ضباب،بل هي الإشراقة الدّائمة في روحه و قلبه و خطاه.

أمّا الإنسان الكافر،فمثله مثل الإنسان الّذي يعيش في الظّلمات،فلا يخرج من ظلمة إلاّ إلى أخرى.ليس هناك نافذة واحدة يطلّ منها على النّور،فقد أغلق جميع نوافذ النّور على نفسه،و بقي يتخبّط في متاهات الظّلام.

فليس عنده أيّ تصوّر يحدّد له نقطة الانطلاق،و نقطة الانتهاء،فهو لا يدري كيف نشأت الحياة؟و لا يدري كيف ستنتهي؟و ما بعد ذلك؟و لا يعرف الأساس الّذي يحدّد من خلاله برنامجه،لأنّ خطة الحياة تخضع للأهواء و للشّهوات الّتي تتغيّر و تتبدّل تبعا للظّروف،من العدم انطلق،و إلى العدم يعود،و يتحرّك الوجود معه في أجواء العدم.

و في كلّ يوم شهوة جديدة،و هوى جديد،فإذا أقبلت الأزمات و المشاكل في ظلمات بعضها فوق بعض، فإنّه يعيش معها التّخبّط و القلق و العقد النّفسيّة،لأنّه لا يملك نورا يملأ قلبه و يضيء طريقه،و هكذا تنطبق عليه الآية: كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها.

و لكن مشكلته أنّه لا يعي معنى النّور ليفهم معنى

ص: 615

وجوده في الظّلام،فهو يملك صورة خاطئة عن النّور و الظّلام،فقد يحسب النّور ظلاما،كما يحسب الظّلام نورا، لأنّ القضيّة ليست قضيّة الوجود المادّيّ لهما،ليستطيع أن يحدّد طبيعة ما هو فيه،على أساس إشراقة النّور في عينيه،و إحساسه به في وجوده.و لكنّ القضيّة قضيّة الوجود المعنويّ،الّذي قد يختلط فيه الأمر،على أساس المفاهيم الّتي يحملها،كما نلاحظ في ما نواجهه في عصرنا هذا،من التّسمية المعروفة عنه بأنّه عصر النّور،على أساس انطلاق الرّؤية فيه من اتّجاه واحد دون بقيّة الاتّجاهات،ممّا قد يختلط فيه ميزان العقل بميزان الشّهوة،فيخيّل للإنسان أنّه يتحرّك بعقله و فكره،بينما هو يتحرّك بشهوته و مزاجه،و بذلك يختلط لديه عنصر الظّلمة بعنصر النّور.(9:310)

احييناها

وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ. يس:33

الزّجّاج: أي و علامة تدلّهم على التّوحيد،و أنّ اللّه يبعث الموتى:إحياء الأرض الميتة.(4:287)

القشيريّ: لمّا كان أمر البعث أعظم شبههم،و كثر فيه إنكارهم،كان تكرار اللّه سبحانه لحديث البعث،و قد ضرب سبحانه المثل له بإحياء الأرض بالنّبات في الكثير من الآيات.(5:215)

الواحديّ: أي يدلّهم على قدرتنا على البعث إحياء الأرض بالنّبات بعد أن كانت ميتة لا تنبت شيئا،و هو قوله: أَحْيَيْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ.

(3:513)

نحوه القرطبيّ(15:25)،و ابن كثير(5:612).

أبو حيّان: و موت الأرض:جدبها،و إحياؤها:

بالغيث.و الضّمير في(لهم)عائد على كفّار قريش،و من يجري مجراهم في إنكار الحشر.و(احييناها)استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية،و كذلك(نسلخ)يس:37.

و قيل:(احييناها)في موضع الحال،و العامل فيها (آية)بما فيها من معنى الإعلام،و يكون(آية)خبرا مقدّما،و اَلْأَرْضُ الْمَيْتَةُ مبتدأ،فالنّيّة ب(آية) التّأخير،و التّقدير:و الأرض الميتة آية لهم محياة،كقولك:

قائم زيد مسرعا،أي زيد قائم مسرعا،و(لهم)متعلّق ب(آية)لا صفة.(7:334)

أبو السّعود: (احييناها)استئناف مبيّن لكيفيّة كونها آية،و قيل:(آية)مبتدأ،و(لهم)خبر،و اَلْأَرْضُ الْمَيْتَةُ مبتدأ موصوف و(احييناها)خبره،و الجملة مفسّرة ل(آية).

و قيل:(الارض)مبتدأ و(احييناها)خبره،و الجملة خبر ل(آية).و قيل:الخبر لها هو(الارض)و(احييناها) صفتها،لأنّ المراد بها الجنس لا المعيّنة.

و الأوّل هو الأولى،لأنّ مصبّ الفائدة هو كون الأرض آية لهم،لا كون الآية هي الأرض.(5:298)

نحوه الآلوسيّ.(23:6)

البروسويّ: استئناف مبيّن لكيفيّة كون الأرض الميتة آية،كأنّ قائلا قال:كيف تكون آية؟فقال:

(احييناها)،و الإحياء في الحقيقة:إعطاء الحياة،و هي صفة تقتضي الحسّ و الحركة،و المعنى هاهنا:هيّجنا

ص: 616

القوى التّامّة فيها،و أحدثنا نضارتها بأنواع النّباتات في وقت الرّبيع،بإنزال الماء من بحر الحياة.و كذلك النّشور فإنّا نحيي الأبدان البالية المتلاشية في الأجداث،بإنزال رشحات من بحر الجود،فنعيدهم أحياء،كما أبدعناهم أوّلا من العدم.(7:392)

ابن عاشور: و جملة: أَحْيَيْناها في موضع الحال من(الارض)و هي حال مقيّدة،لأنّ إحياء الأرض هو مناط الدّلالة على إمكان البعث بعد الموت،أو يكون جملة:(احييناها)بيانا لجملة: آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ، لبيان موقع الآية فيها،أو بدل اشتمال من جملة: آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ، أو استئنافا بيانيّا،كأنّ سائلا سأل:كيف كانت الأرض الميتة؟

و موت الأرض:جفافها و جرازتها،لخلوّها من حياة النّبات فيها،و إحياؤها:خروج النّبات منها من العشب و الكلإ و الزّرع.(22:224)

مكارم الشّيرازيّ: قضيّة الحياة و البقاء من أهمّ دلائل التّوحيد،و هي قضيّة في واقعها معقّدة و مليئة بالألغاز،و باعثة على الدّهشة؛إذ إنّها حيّرت عقول العلماء جميعا،فبرغم التّطوّر و التّقدّم الحاصل في وسائل الدّراسة و في العلوم بشكل عامّ،لا زال الكثير من الأسرار تنتظر الحلّ،و حتّى الآن لم يعلم تحت تأثير أيّ العوامل تتحوّل موجودات ميّتة إلى خلايا حيّة؟

حتّى الآن،لم يعرف كيف تتكوّن طبقات خلايا البذور؟و ما هي القوانين المعقّدة الّتي تحكمها؟بحيث إنّها بمجرّد توفّر الشّرائط المساعدة تبدأ بالتّحرّك و النّموّ و الرّشد،و تستلّ من ذرّات التّراب الميّتة وجودها،و بهذا الطّريق تتحوّل الموجودات الميّتة إلى أنسجة موجودات حيّة،حتّى تعكس في كلّ يوم مظهرا مختلفا من مظاهر حياتها و نموّها.

قضيّة الحياة في عالم النّباتات و الحيوانات،و إحياء الأرض الميتة تعتبر من جانب دليلا على وجود معلومات و قوانين دقيقة،سخّرت في خلق ذلك العالم، و من جانب آخر تعتبر دليلا على البعث بعد الموت.

(14:162)

[تقدّم بعض النّصوص في أرض:«الارض الميتة» فلاحظ أرض]

يحيى

1- فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. البقرة:73

الفرّاء: اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِها فيحيا كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى، أي اعتبروا و لا تجحدوا بالبعث،و أضمر «فيحيا».(1:48)

الطّبريّ: مخاطبة من اللّه عباده المؤمنين،و احتجاج منه على المشركين المكذّبين بالبعث،و أمرهم بالاعتبار بما كان منه جلّ ثناؤه من إحياء قتيل بني إسرائيل بعد مماته في الدّنيا،فقال لهم تعالى ذكره:أيّها المكذّبون بالبعث بعد الممات،اعتبروا بإحيائي هذا القتيل بعد مماته، فإنّي كما أحييته في الدّنيا،فكذلك أحيي الموتى بعد مماتهم،فأبعثهم يوم البعث.

فإنّما احتجّ جلّ ذكره بذلك على مشركي العرب، و هم قوم أمّيّون لا كتاب لهم؛لأنّ الّذين كانوا يعلمون

ص: 617

علم ذلك من بني إسرائيل كانوا بين أظهرهم،و فيهم نزلت هذه الآيات،فأخبرهم جلّ ذكره بذلك ليتعرّفوا علم من قبلهم.(1:361)

الماورديّ:يعني أنّه لمّا ضرب القتيل ببعض البقرة،أحياه اللّه،و كان اسمه«عاميل»،فقال:قتلني ابن أخي،ثمّ قبض،فقال بنو أخيه:و اللّه ما قتلناه،فكذّبوا بالحقّ بعد معاينته.

قال الفرّاء: و في الكلام حذف،و تقديره،فقلنا:

اضربوه ببعضها،ليحيا فضربوه فحيي،كذلك يحيي اللّه الموتى،فدلّ بذلك على البعث و النّشور،و جعل سبب إحيائه الضّرب بميّت،لا حياة فيه،لئلاّ يلتبس على ذي شبهة،أنّ الحياة إنّما انتقلت إليه ممّا ضرب به لتزول الشّبهة،و تتأكّد الحجّة.

و في قوله تعالى: كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى وجهان:أحدهما:أنّه حكاية عن قول موسى لقومه.

و الثّاني:أنّه خطاب من اللّه لمشركي قريش.

(1:143)

نحوه الطّوسيّ.(1:305)

القشيريّ: أراد اللّه سبحانه أن يحيي ميّتهم ليفضح بالشّهادة على قاتله،فأمر بقتل حيوان لهم،فجعل سبب حياة مقتولهم قتل حيوان لهم،صارت الإشارة منه:أنّ من أراد حياة قلبه لا يصل إليه إلاّ بذبح نفسه،فمن ذبح نفسه بالمجاهدات حيي قلبه بأنوار المشاهدات،و كذلك من أراد اللّه حياة ذكره في الأبدال،أمات في الدّنيا ذكره بالخمول.(1:111)

الواحديّ: فإن قيل:ما معنى ضرب القتيل ببعض البقرة،و اللّه قادر على إحيائه بغير ذلك؟

فالجواب:أنّ في ذلك تأكيدا لقدرة اللّه على إحياء الميّت؛إذ جعل الأمر في إحيائه إليهم،و جعل ذلك عند الضّرب بموات لا إشكال في أنّه علامة لهم،و آية للوقت الّذي يحيا فيه عند ما يكون منهم،فبان أنّه من فعل اللّه عزّ و جلّ.(1:157)

نحوه البروسويّ.(1:163)

الميبديّ: هذه الآية حجّة على مشركي العرب الّذين ينكرون أصل البعث،و هي حجّة أيضا على قوم من الفلاسفة ينكرون بعث الأجساد و الأعيان،فإنّ هذا القتيل أحيي بعينه يشخب دما.(1:233)

الزّمخشريّ: و المعنى:فضربوه فحيي،فحذف ذلك لدلالة قوله: كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى.

روي أنّهم لمّا ضربوه قام بإذن اللّه و أوداجه تشخب دما،و قال:قتلني فلان و فلان لا بني عمّه،ثمّ سقط ميّتا، فأخذا و قتلا،و لم يورّث قاتل بعد ذلك.

كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى إمّا أن يكون خطابا للّذين حضروا حياة القتيل بمعنى:و قلنا لهم:كذلك يحيي اللّه الموتى يوم القيامة. يُرِيكُمْ آياتِهِ و دلائله على أنّه قادر على كلّ شيء. لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ تعملون على قضيّة عقولكم،و أنّ من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء الأنفس كلّها،لعدم الاختصاص حتّى لا تنكروا البعث.و إمّا أن يكون خطابا للمنكرين في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

فإن قلت:هلاّ أحياه ابتداء و لم شرط في إحيائه ذبح البقرة و ضربه ببعضها؟

ص: 618

قلت:في الأسباب و الشّروط حكم و فوائد،و إنّما شرط ذلك لما في ذبح البقرة من التّقرّب و أداء التّكاليف و اكتساب الثّواب،و الإشعار بحسن تقديم القربة على الطّلب...(1:289)

نحوه النّسفيّ(1:56)،و النّيسابوريّ(1:344)، و البيضاويّ(1:63).

ابن عطيّة: الإشارة ب(كذلك)إلى الإحياء الّذي تضمّنه قصص الآية؛إذ في الكلام حذف،تقديره:

فضربوه فحيي.و في هذه الآية حضّ على العبرة،و دلالة على البعث في الآخرة،و ظاهرها أنّها خطاب لبني إسرائيل،حينئذ حكي لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم ليعتبر به إلى يوم القيامة.

و ذهب الطّبريّ إلى أنّها خطاب لمعاصري محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و أنّها مقطوعة من قوله تعالى: اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِها. (1:165)

الطّبرسيّ: إنّ اللّه سبحانه و تعالى أمر أن يضرب القتيل ببعض البقرة،ليحيا القتيل إذا فعلوا ذلك،فيقول:

«فلان قتلني»ليزول الخلف و التّدارؤ بين القوم.و الصّانع عزّ اسمه و إن كان قادرا على إحيائه من دون ذلك،فإنّما أمرهم بذلك،لأنّهم على إحيائه من دون ذلك،فإنّما أمرهم بذلك،لأنّهم سألوا موسى أن يبيّن لهم حال القتيل،و هم كانوا يعدّون القربان من أعظم القربات، و كانوا جعلوا له بيتا على حدة لا يدخله إلاّ خيارهم، فأمرهم اللّه بتقديم هذه القربة تعليما منه لكلّ من اعتاص عليه أمر من الأمور،أن يقدّم نوعا من القرب قبل أن يسأل اللّه تعالى:كشف ذلك عنه،ليكون أقرب إلى الإجابة.

و إنّما أمرهم بضرب القتيل ببعضها بعد أن جعل اختيار وقت الإحياء إليهم،ليعلموا أنّ اللّه سبحانه و تعالى قادر على إحياء الأموات في كلّ وقت من الأوقات.و التّقدير في الآية:فقلنا:اضربوه ببعضها فضربوه فحيي،كما قال سبحانه: اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ الشّعراء:63.تقديره فضرب فانفلق.

و قوله: كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى يحتمل أن يكون حكاية عن قول موسى عليه السّلام لقومه،أي اعلموا بما عاينتموه أنّ اللّه تعالى قادر على إحياء الموتى للجزاء.

و يحتمل أن يكون خطابا من اللّه تعالى لمشركي قريش، و الإشارة وقعت إلى قيام المقتول عند ضربه ببعض أعضاء البقرة.[إلى أن قال:]

احتجّ اللّه تعالى بهذه الآيات على مشركي العرب فيما استبعدوه من البعث و قيام الأموات،بقولهم: أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً الإسراء:

49،فأخبرهم سبحانه بأنّ الّذي أنكروه و استبعدوه لا يتعذّر في اتّساع قدرته،و نبّههم على ذلك بذكر المقتول و إحيائه بعد خروجه من الحياة،و أبطنوا خبر قتله، و كيفيّته و قيامه بعد القتل حيّا،مخاطبا باسم قتلته،مؤذنا لهم أنّ إحياء جميع الأموات بعد أن صاروا عظاما باليات لا يصعب عليه،و لا يتعذّر،بل يهون عنده و يتيسّر.

و فيها دلالة على صدق نبوّة نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله؛حيث أخبرهم بغوامض أخبارهم الّتي لا يجوز أن يعلمها إلاّ من قرأ كتب الأوّلين،أو أوحي إليه من عند ربّ العالمين، و قد صدّقه مخالفوه من اليهود فيما أخبر به من هذه الأقاصيص،و قد علموا أنّه أمّيّ لم يقرأ كتابا،و لم يرتابوا

ص: 619

في ذلك.و هذه آية صادقة و حجّة ساطعة في تثبيت نبوّته صلّى اللّه عليه و آله.(1:137)

الفخر الرّازيّ: ففيه مسألتان.

المسألة الأولى:في هذه الآية وجهان:أحدهما:أن يكون إشارة إلى نفس ذلك الميّت.و الثّاني:أنّه احتجاج في صحّة الإعادة.

ثمّ هذا الاحتجاج أ هو على المشركين أو على غيرهم؟فيه وجهان:

الأوّل:قال الأصمّ:إنّه على المشركين،لأنّه إن ظهر لهم بالتّواتر أنّ هذا الإحياء قد كان على هذا الوجه، علموا صحّة الإعادة،و إن لم يظهر ذلك بالتّواتر،فإنّه يكون داعية لهم إلى التّفكّر.

قال القاضي: و هذا هو الأقرب،لأنّه تقدّم منه تعالى ذكر الأمر بالضّرب،و أنّه سبب إحياء ذلك الميّت،ثمّ قال: كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى، فجمع(الموتى)و لو كان المراد ذلك القتيل لما جمع في القول،فكأنّه قال:دلّ بذلك على أنّ الإعادة كالابتداء في قدرته.

الثّاني:قال القفّال:ظاهر الكلام يدلّ على أنّ اللّه تعالى قال لبني إسرائيل:إحياء اللّه تعالى لسائر الموتى يكون مثل هذا الإحياء الّذي شاهدتم،لأنّهم و إن كانوا مؤمنين بذلك إلاّ أنّهم لم يؤمنوا به إلاّ من طريق الاستدلال،و لم يشاهدوا شيئا منه،فإذا شاهدوه اطمأنّت قلوبهم و انتفت عنهم الشّبهة الّتي لا يخلو منها المستدلّ،و قد قال إبراهيم عليه السّلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى إلى قوله: لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي البقرة:260، فأحيا اللّه تعالى لبني إسرائيل القتيل عيانا،ثمّ قال لهم:

كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى، أي كالّذي أحياه في الدّنيا يحيا في الآخرة من غير احتياج في ذلك الإيجاد إلى مادّة و مدّة و مثال و آلة.

المسألة الثّانية:من النّاس من استدلّ بقوله تعالى:

كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى على أنّ المقتول ميّت،و هو ضعيف،لأنّه تعالى قاس على إحياء ذلك القتيل إحياء الموتى،فلا يلزم من هذا كون القتيل ميّتا.(3:125)

القرطبيّ:أي كما أحيا هذا بعد موته،كذلك يحيي اللّه كلّ من مات،ف(الكاف)في موضع نصب،لأنّه نعت لمصدر محذوف.(1:462)

أبو حيّان: إن كان هذا خطابا للّذين حضروا إحياء القتيل،كان ثمّ إضمار قول،أي و قلنا لهم:كذلك يحيي اللّه الموتى يوم القيامة.و قدّره الماورديّ خطابا من موسى على نبيّنا عليه الصّلاة و السّلام.و إن كان لمنكري البعث في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيكون من تلوين الخطاب،و المعنى كما أحيا قتيل بني إسرائيل في الدّنيا كذلك يحيي اللّه الموتى يوم القيامة،و إلى هذا ذهب الطّبريّ.

و الظّاهر هو الأوّل لانتظام الآي في نسق واحد، و لئلاّ يختلف خطاب لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ و خطاب ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ البقرة:74،لأنّ ظاهر(قلوبكم)أنّه خطاب لبني إسرائيل،و(الكاف)من(كذلك)صفة لمصدر محذوف منصوب بقوله: يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى، أي إحياء مثل ذلك الإحياء يحيي اللّه الموتى.و المماثلة إنّما هي في مطلق الإحياء لا في كيفيّة الإحياء،فيكون ذلك إشارة إلى إحياء القتيل.

و جعل صاحب«المنتخب»(ذلك)إشارة إلى نفس

ص: 620

القتيل،و يحتاج في تصحيح ذلك إلى حذف مضاف،أي مثل إحياء ذلك القتيل يحيي اللّه الموتى،فجعله إشارة إلى المصدر أولى و أقلّ تكلّفا.

و إذا كان ذلك خطابا لبني إسرائيل الحاضرين إحياء القتيل،فحكمة مشاهدة ذلك،و إن كانوا مؤمنين بالبعث اطمئنان قلوبهم،و انتفاء الشّبهة عنهم،إذ الّذي كانوا مؤمنين به بالاستدلال آمنوا به مشاهدة.

(1:260)

ابن كثير: أي فضربوه فحيي.و نبّه تعالى على قدرته و إحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل،جعل تبارك و تعالى ذلك الصّنيع حجّة لهم على المعاد،و فاصلا ما كان بينهم من الخصومة و العناد.

و اللّه تعالى قد ذكر في هذه السّورة ممّا خلقه من إحياء الموتى في خمسة مواضع:

ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ البقرة:56،و هذه القصّة،و قصّة الّذين خرجوا من ديارهم و هم ألوف حذر الموت،و قصّة الّذي مرّ على قرية و هي خاوية على عروشها،و قصّة إبراهيم عليه السّلام و الطّيور الأربعة.

و نبّه تعالى بإحياء الأرض بعد موتها على إعادة الأجسام بعد صيرورتها رميما.(1:196)

أبو السّعود: على إرادة قول معطوف على مقدّر ينسحب عليه الكلام،أي فضربوه فحيي،و قلنا:كذلك يحيي إلخ،فحذفت الفاء الفصيحة في(فحيي)مع ما عطف بها،و ما عطف هو عليه لدلالة(كذلك)على ذلك، فالخطاب في(كذلك)حينئذ للحاضرين عند حياة القتيل.

و يجوز أن يكون ذلك للحاضرين عند نزول الآية الكريمة،فلا حاجة حينئذ إلى تقدير القول،بل تنتهي الحكاية عند قوله تعالى:(ببعضها)مع ما قدّر بعده، فالجملة معترضة،أي مثل ذلك الإحياء العجيب يحيي اللّه الموتى يوم القيامة.(1:148)

الآلوسيّ: كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى جملة اعتراضيّة تفيد تحقّق المشبّه و تيقّنه بتشبيه الموعود بالموجود،و المماثلة في مطلق الإحياء.و في الكلام حذف دلّت عليه الجملة،أي فضربوه فحيي.و التّكلّم من اللّه تعالى مع من حضر وقت الحياة،و(الكاف)خطاب لكلّ من يصحّ أن يخاطب و يسمع هذا الكلام،لأنّ أمر الإحياء عظيم،يقتضي الاعتناء بشأنه أن يخاطب به كلّ من يصحّ منه الاستماع،فيدخل فيه أولئك دخولا أوّليّا.

و يدلّ على ذلك قوله تعالى: وَ يُرِيكُمْ. و لا بدّ على هذا من تقدير القول،أي قلنا أو و قلنا لهم:كذلك، ليرتبط الكلام بما قبله.

و قيل:حرف الخطاب مصروف إليهم،و كان الظّاهر كذلكم على وفق ما بعده،إلاّ أنّه أفرده بإرادة كلّ واحد، أو بتأويل فريق و نحوه قصدا للتّخفيف.

و يحتمل أن يكون التّكلّم مع من حضر نزول الآية، و عليه لا تقدير؛إذ ينتظم بدونه،بل ربّما يخرج معه من الانتظام.و أبعد الماورديّ فجعله خطابا من موسى نفسه عليه السّلام...(1:294)

ابن عاشور: كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى الإشارة إلى محذوف للإيجاز،أي فضربوه فحيي فأخبر بمن قتله، أي كذلك الإحياء يحيي اللّه الموتى،فالتّشبيه في التّحقّق

ص: 621

و إن كانت كيفيّة المشبّه أقوى و أعظم،لأنّها حياة عن عدم بخلاف هاته،فالمقصد من التّشبيه بيان إمكان المشبّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله: كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى من بقيّة المقول لبني إسرائيل،فيتعيّن أن يقدّر:(و قلنا لهم كذلك يحيى اللّه الموتى)لأنّ الإشارة لشيء مشاهد لهم،و ليس هو اعتراضا أريد به مخاطبة الأمّة الإسلاميّة،لأنّهم لم يشاهدوا ذلك الإحياء حتّى يشبّه به إحياء اللّه الموتى.

(1:543)

مغنيّة: أي إنّ إحياءنا لهذا القتيل شاهد عيان، و برهان حسّيّ على البعث بعد الموت،لأنّ من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء الأنفس كلّها،لعدم الاختصاص،فهل بعد هذا الشّاهد الحسّيّ العيانيّ تنكرون و تشكّكون و تعصون؟(1:126)

الطّباطبائيّ: قيل:إنّ المراد بالقصّة بيان أصل تشريع الحكم حتّى ينطبق على الحكم المذكور في التّوراة الّذي نقلناه.و المراد بإحياء الموتى العثور بوسيلة تشريع هذا الحكم على دم المقتول،نظير ما ذكره تعالى بقوله:

وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ البقرة:179،من دون أن يكون هناك إحياء بنحو الإعجاز هذا.و أنت خبير بأنّ سياق الكلام و خاصّة قوله تعالى: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى يأبى ذلك.

(1:202)

2- ...إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ...

البقرة:258

ابن عبّاس: يحيي البعث و يميت الدّنيا، قالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ له ائتني ببيان ذلك،قال:فأتى برجلين من السّجن،فقتل واحدا و ترك واحدا،و قال:

هذا بيان ذلك.(37)

نحوه قتادة،و السّدّيّ،و مجاهد،و الرّبيع،و ابن إسحاق.(الطّبريّ3:25-27)

الطّبريّ: يعني بذلك:ربّي الّذي بيده الحياة و الموت،يحيي من يشاء،و يميت من أراد بعد الإحياء.

قال:أنا أفعل ذلك فأحيي و أميت،أستحيي من أردت قتله،فلا أقتله فيكون ذلك منّي إحياء له-و ذلك عند العرب يسمّى إحياء،كما قال تعالى ذكره: وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً المائدة:32-و أقتل آخر فيكون ذلك منّي إماتة له.(3:24)

الماورديّ: يريد أنّه يحيي من وجب عليه القتل بالتّخلية و الاستبقاء،و يميت بأن يقتل من غير سبب يوجب القتل،فعارض اللّفظ بمثله،و عدل عن اختلاف الفعلين في علّتهما.(1:330)

نحوه الواحديّ.(1:371)

الطّوسيّ: معناه يحيي الميّت و يميت الحيّ،فقال الكافر عند ذلك:أنا أحيي و أميت،يعنى أحييه بالتّخلية من الحبس ممّن وجب عليه القتل،و أميت بالقتل من شئت ممّن هو حيّ.و هذا جهل منه،لأنّه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى،عادلا عن وجه الحجّة بفعل الحياة للميّت،أو الموت للحيّ على سبيل الاختراع،كما يفعله اللّه تعالى من إحياء من قتل أو مات و دفن،و ذلك معجز لا يقدر عليه سواه.(2:317)

ص: 622

ابن عطيّة: [نقل قول الرّبيع و السّدّيّ و قال:]

و ذكر الأصوليّون في هذه الآية:أنّ إبراهيم عليه السّلام وصف ربّه تعالى بما هو صفة له من الإحياء و الإماتة، لكنّه أمر له حقيقة و مجاز،قصد إبراهيم عليه السّلام الحقيقة، ففزع نمرود إلى المجاز و موّه به على قومه،فسلّم له إبراهيم تسليم الجدل،و انتقل معه من المثال،و جاءه بأمر لا مجاز فيه.(1:346)

الطّبرسيّ: في الكلام حذف،و هو إذ قال له نمرود:

من ربّك؟فقال:ربّي الّذي يحيي و يميت.بدأ بذكر الحياة، لأنّها أوّل نعمة ينعم اللّه بها على خلقه ثمّ يميتهم،و هذا أيضا لا يقدر عليه إلاّ اللّه تعالى،لأنّ الإماتة هي أن يخرج الرّوح من بدن الحيّ من غير جرح و لا نقض بنية،و لا إحداث فعل يتّصل بالبدن من جهة،و هذا خارج عن قدرة البشر.[ثمّ قال نحو الطّوسيّ](1:367)

الفخر الرّازيّ: ففيه مسائل:

المسألة الأولى:الظّاهر أنّ هذا جواب سؤال سابق غير مذكور؛و ذلك لأنّ من المعلوم أنّ الانبياء عليهم السّلام بعثوا للدّعوة،و الظّاهر أنّه متى ادّعي الرّسالة فإنّ المنكر يطالبه بإثبات أنّ للعالم إلها،أ لا ترى أنّ موسى عليه السّلام لمّا قال: إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ الزّخرف:46، قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ الشّعراء:23،فاحتجّ موسى عليه السّلام على إثبات الإلهيّة بقوله: رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الشّعراء:24،فكذا هاهنا.الظّاهر أنّ إبراهيم ادّعى الرّسالة،فقال نمرود:من ربّك؟فقال إبراهيم:

رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ البقرة:258،إلاّ أنّ تلك المقدّمة حذفت؛لأنّ الواقعة تدلّ عليها.

المسألة الثّانية:دليل إبراهيم عليه السّلام كان في غاية الصّحّة؛و ذلك لأنّه لا سبيل إلى معرفة اللّه تعالى إلاّ بواسطة أفعاله الّتي لا يشاركه فيها أحد من القادرين، و الإحياء و الإماتة كذلك،لأنّ الخلق عاجزون عنهما، و العلم بعد الاختيار ضروريّ،فلا بدّ من مؤثّر آخر غير هؤلاء القادرين الّذين تراهم؛و ذلك المؤثّر إمّا أن يكون موجبا أو مختارا.و الأوّل باطل،لأنّه يلزم من دوامه دوام الأثر،فكان يجب أن لا يتبدّل الإحياء بالإماتة،و أن لا تتبدّل الإماتة بالإحياء.

و الثّاني و هو أنّا نرى في الحيوان أعضاء مختلفة في الشّكل و الصّفة و الطّبيعة و الخاصيّة،و تأثير المؤثّر الموجب بالذّات لا يكون كذلك،فعلمنا أنّه لا بدّ في الإحياء و الإماتة من موجود آخر يؤثّر على سبيل القدرة،و الاختيار في إحياء هذه الحيوانات و في إماتتها، و ذلك هو اللّه سبحانه و تعالى.

و هو دليل متين قويّ ذكره اللّه سبحانه و تعالى في مواضع في كتابه،كقوله: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ المؤمنون:12 إلى آخره،و قوله: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ التّين:4،و قال تعالى: اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ الملك:2.

المسألة الثّالثة:لقائل أن يقول:إنّه تعالى قدّم الموت على الحياة في آيات،منها قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ البقرة:28،و قال: اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ الملك:2،و حكى عن إبراهيم أنّه قال في ثنائه على اللّه تعالى: وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ

ص: 623

يُحْيِينِ الشّعراء:81،فلأيّ سبب قدّم في هذه الآية ذكر الحياة على الموت؛حيث قال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ البقرة:258؟

و الجواب:لأنّ المقصود من ذكر الدّليل إذا كان هو الدّعوة إلى اللّه تعالى وجب أن يكون الدّليل في غاية الوضوح،و لا شكّ أنّ عجائب الخلقة حال الحياة أكثر، و اطّلاع الإنسان عليها أتمّ،فلا جرم وجب تقديم الحياة هاهنا في الذّكر.

أمّا قوله تعالى: قالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ ففيه مسائل:

المسألة الأولى:يروى أنّ إبراهيم عليه السّلام لمّا احتجّ بتلك الحجّة،دعا ذلك الملك الكافر شخصين،و قتل أحدهما، و استبقى الآخر،و قال:أنا أيضا أحيي و أميت،هذا هو المنقول في التّفسير.و عندي أنّه بعيد؛و ذلك لأنّ الظّاهر من حال إبراهيم أنّه شرح حقيقة الإحياء و حقيقة الإماتة،على الوجه الّذي لخّصناه في الاستدلال،و متى شرحه على ذلك الوجه امتنع أن يشتبه على العاقل الإماتة و الإحياء على ذلك الوجه،بالإماتة و الإحياء بمعنى القتل و تركه.و يبعد في الجمع العظيم أن يكونوا في الحماقة بحيث لا يعرفون هذا القدر من الفرق.

و المراد من الآية-و اللّه أعلم-شيء آخر،و هو أنّ إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا احتجّ بالإحياء و الإماتة من اللّه،قال المنكر:تدّعي الإحياء و الإماتة من اللّه ابتداء من غير واسطة الأسباب الأرضيّة و الأسباب السّماويّة،أو تدّعي صدور الإحياء و الإماتة من اللّه تعالى بواسطة الأسباب الأرضيّة و الأسباب السّماويّة.أمّا الأوّل فلا سبيل إليه، و أمّا الثّاني فلا يدلّ على المقصود،لأنّ الواحد منّا يقدر على الإحياء و الإماتة بواسطة سائر الأسباب،فإنّ الجماع قد يفضي إلى الولد الحيّ بواسطة الأسباب الأرضيّة و السّماويّة،و تناول السّمّ قد يفضي إلى الموت، فلمّا ذكر نمرود هذا السّؤال على هذا الوجه أجاب إبراهيم عليه السّلام بأن قال:هب أنّ الإحياء و الإماتة حصلا من اللّه تعالى بواسطة الاتّصالات الفلكيّة،إلاّ أنّه لا بدّ لتلك الاتّصالات و الحركات الفلكيّة من فاعل مدبّر، فإذا كان المدبّر لتلك الحركات الفلكيّة هو اللّه تعالى،كان الإحياء و الإماتة الحاصلان بواسطة تلك الحركات الفلكيّة أيضا من اللّه تعالى.و أمّا الإحياء و الإماتة الصّادران على البشر بواسطة الأسباب الفلكيّة و العنصريّة فليست كذلك،لأنّه لا قدرة للبشر على الاتصالات الفلكيّة،فظهر الفرق.

و إذا عرفت هذا فقوله: فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ البقرة:258 ليس دليلا آخر،بل تمام الدّليل الأوّل،و معناه:أنّه و إن كان الإحياء و الإماتة من اللّه بواسطة حركات الأفلاك،إلاّ أنّ حركات الأفلاك من اللّه،فكان الإحياء و الإماتة أيضا من اللّه تعالى.و أمّا البشر فإنّه و إن صدر منه الإحياء و الإماتة بواسطة الاستعانة بالأسباب السّماويّة و الأرضيّة،إلاّ أنّ تلك الأسباب ليست واقعة بقدرته،فثبت أنّ الإحياء و الإماتة الصّادرين عن البشر ليست على ذلك الوجه، و أنّه لا يصلح نقضا عليه،فهذا هو الّذي اعتقده في كيفيّة جريان هذه المناظرة،لا ما هو المشهور عند الكلّ،و اللّه أعلم بحقيقة الحال.

ص: 624

المسألة الثّانية:أجمع القرّاء على إسقاط ألف(انا)في الوصل في جميع القرآن،إلاّ ما روي عن نافع من إثباته عند استقبال الهمزة.و الصّحيح ما عليه الجمهور،لأنّ ضمير المتكلّم هو«أن»و هو الهمزة و النّون،فأمّا الألف فإنّما تلحقها في الوقف،كما تلحق الهاء في سكوته للوقف، و كما أنّ هذه الهاء تسقط عند الوصل،فكذا هذه الألف تسقط عند الوصل،لأنّ ما يتّصل به يقوم مقامه،أ لا ترى أنّ همزة الوصل إذا اتّصلت الكلمة الّتي هي فيها بشيء سقطت و لم تثبت،لأنّ ما يتّصل به يتوصّل به إلى النّطق بما بعد الهمزة فلا تثبت الهمزة،فكذا الألف في(انا)، و الهاء الّتي في الوقف يجب سقوطها عند الوصل،كما يجب سقوط الهمزة عند الوصل.(7:24)

البيضاويّ: (يحيى و يميت)يخلق الحياة و الموت في الأجساد. قالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ بالعفو عن القتل و القتل.(1:135)

نحوه أبو السّعود(1:300)،و الشّربينيّ(1:171).

أبو حيّان :هذا من إبراهيم عن سؤال سبق من الكافر،و هو أن قال:من ربّك؟و قد تقدّم في قصّته شيء من هذا،و إلاّ فلا يبتدأ كلام بهذا.و اختصّ إبراهيم من آيات اللّه بالإحياء و الإماتة،لأنّهما أبدع آيات اللّه و أشهرها،و أدلّها على تمكّن القدرة،و العامل في اَلَّذِي حَاجَّ.

و أجاز الزّمخشريّ أن يكون بدلا من(ان آتاه)إذا جعل بمعنى الوقت،و قد ذكرنا ضعف ذلك،و أيضا فالظّرفان مختلفان إذ وقت إيتاء الملك ليس وقت قوله:

رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ.

و في قول إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ تقوية لقول من قال:إنّ الضّمير في قوله: فِي رَبِّهِ عائد على إبراهيم،و: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ مبتدأ و خبر،و فيه إشارة إلى أنّه هو الّذي أوجد الكافر، و يحييه و يميته،كأنّه قال:ربّي الّذي يحيي و يميت،هو متصرّف فيك و في أشباهك بما لا تقدر عليه أنت،و لا أشباهك من هذين الوصفين العظيمين المشاهدين للعالم، اللّذين لا ينفع فيهما حيل الحكماء،و لا طبّ الأطبّاء.

و فيه إشارة أيضا إلى المبدإ و المعاد.

و في قوله: اَلَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ دليل على الاختصاص؛لأنّهم قد ذكروا أنّ الخبر إذا كان بمثل هذا دلّ على الاختصاص،فتقول:زيد الّذي يصنع كذا،أي المختصّ بالصّنع.

قالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ لمّا ذكر إبراهيم أنّ ربّه الّذي يحيي و يميت،عارضه الكافر بأنّه يحيي و يميت،و لم يقل:أنا الّذي يحيي و يميت؛لأنّه كان يدلّ على الاختصاص،و كان الحسّ يكذّبه؛إذ قد حيي ناس قبل وجوده و ماتوا،و إنّما أراد أنّ هذا الوصف الّذي ادّعيت فيه الاختصاص لربّك ليس كذلك،بل أنا مشاركه في ذلك.

قيل:أحضر رجلين قتل أحدهما و أرسل الآخر:

و قيل:أدخل أربعة نفر بيتا حتّى جاعوا فأطعم اثنين فحييا و ترك اثنين فماتا.و قيل:أحيا بالمباشرة و إلقاء النّطفة و أمات بالقتل.(2:288)

الشّربينيّ: أي يخلق الموت و الحياة في الأجساد.

و هذا جواب سؤال غير مذكور تقديره،قال له نمروذ:من

ص: 625

ربّك؟فقال له إبراهيم ذلك.

و اختلفوا في وقت هذه المناظرة،فقال مقاتل:لمّا كسّر إبراهيم الأصنام سجنه نمروذ،ثمّ أخرجه ليحرقه بالنّار،فقال له:من ربّك الّذي تدعونا إليه،و قال آخرون:كان هذا بعد إلقائه في النّار؛و ذلك أنّ النّاس قحطوا على عهد نمروذ،و كان النّاس يمتارون من عنده، فكان إذا أتاه الرّجل في طلب الطّعام سأله من ربّك؟فإن قال:أنت،باع منه الطّعام.فأتاه إبراهيم فقال له:من ربّك؟فقال له ذلك.

قالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ. قرأ نافع بمدّ الألف من (انا)فيصير مدّا منفصلا،و الباقون بالقصر.

قال أكثر المفسّرين:دعا نمروذ برجلين فقتل أحدهما و استحيا الآخر،فجعل ترك القتل إحياء،فانتقل إبراهيم إلى حجّة أخرى،لا عجزا،بل لما رآه من غباوته، فإنّ حجّته لازمة،لأنّه أراد بالإحياء إحياء الميّت،فكان له أن يقول:فأحي من أمتّ إن كنت صادقا،لكنّه انتقل إلى حجّة أوضح من الأولى.(1:171)

البروسويّ: أي يخلق الحياة و الممات في الأجساد.

و جواب إبراهيم في غاية الصّحّة،لأنّه لا سبيل إلى معرفة اللّه إلاّ بمعرفة صفاته و أفعاله الّتي لا يشاركه فيها أحد من القادرين،و الإحياء و الإماتة من هذا القبيل.

(قال):كأنّه قيل:كيف حاجّه في هذه المقالة القويّة الحقّة؟فقيل:قال: أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ روي أنّه دعا برجلين قد حبسهما فقتل أحدهما و أطلق الآخر،فقال:

قد أحييت هذا و أمتّ هذا،فجعل ترك القتل إحياء، و كان هذا تلبيسا منه.(1:410)

نحوه الآلوسيّ.(3:17)

ابن عاشور :و قد دلّ هذا على أنّ إبراهيم هو الّذي بدأ بالدّعوة إلى التّوحيد،و احتجّ بحجّة واضحة يدركها كلّ عاقل،و هي أنّ الرّبّ الحقّ هو الّذي يحيي و يميت؛ فإنّ كلّ أحد يعلم بالضّرورة أنّه لا يستطيع إحياء ميّت، فلذلك ابتدأ إبراهيم الحجّة بدلالة عجز النّاس عن إحياء الأموات،و أراد بأنّ اللّه يحيي أنّه يخلق الأجسام الحيّة من الإنسان و الحيوان،و هذا معلوم بالضّرورة.

و في تقديم الاستدلال بخلق الحياة إدماج لإثبات البعث،لأنّ الّذي حاجّ إبراهيم كان من عبدة الأصنام، و هم ينكرون البعث،و ذلك موضع العبرة من سياق الآية في القرآن على مسامع أهل الشّرك،ثمّ أعقبه بدلالة الإماتة،فإنّه لا يستطيع تنهية حياة الحيّ،ففي الإحياء و الإماتة دلالة على أنّهما من فعل فاعل غير البشر،فاللّه هو الّذي يحيي و يميت،فاللّه هو الباقي دون غيره الّذين لا حياة لهم أصلا كالأصنام؛إذ لا يعطون الحياة غيرهم و هم فاقدوها،و دون من لا يدفع الموت على نفسه مثل هذا الّذي حاجّ إبراهيم.

و جملة: قالَ أَنَا أُحْيِي بيان ل حَاجَّ و التّقدير:حاجّ إبراهيم قال:أنا أحيي و أميت،حين قال له إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ. و قد جاء بمغالطة عن جهل أو غرور في الإحياء و الإماتة؛إذ زعم أنّه يعمد إلى من حكم عليه بالموت فيعفو عنه،و إلى بريء فيقتله،كذا نقلوه.و يجوز أن يكون مراده أنّ الإحياء و الإماتة من فعله هو؛لأنّ أمرهما خفيّ لا يقوم عليه برهان محسوس.

ص: 626

و قرأ الجمهور ألف ضمير(انا)بقصر الألف؛بحيث يكون كفتحة غير مشبعة؛و ذلك استعمال خاصّ بألف (انا)في العربيّة،و قرأه نافع و أبو جعفر مثلهم إلاّ إذا وقع بعد الألف همزة قطع مضمومة أو مفتوحة كما هنا،و كما في قوله تعالى: وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ الأنعام:163،فيقرأه بألف ممدودة.و في همزة القطع المكسورة روايتان لقالون عن نافع،نحو قوله تعالى: إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ الأعراف:

188،و هذه لغة فصيحة.(2:506)

الطّباطبائيّ: الحياة و الموت و إن كانا يوجدان في غير جنس الحيوان أيضا كالنّبات،و قد صدّقه القرآن- كما مرّ بيانه في تفسير آية الكرسيّ-لكن مراده عليه السّلام منهما إمّا خصوص الحياة و الممات الحيوانيّين،أو الأعمّ الشّامل له لإطلاق اللّفظ،و الدّليل على ذلك قول نمرود:

أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ فإنّ هذا الّذي ادّعاه لنفسه لم يكن من قبيل إحياء النّبات بالحرث و الغرس مثلا،و لا إحياء الحيوان بالسّفاد و التّوليد مثلا،فإنّ ذلك و أشباهه كان لا يختصّ به بل يوجد في غيره من أفراد الإنسان.و هذا يؤيّد ما وردت به الرّوايات:أنّه أمر بإحضار رجلين ممّن كان في سجنه،فأطلق أحدهما و قتل الآخر،و قال عند ذلك: أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ.

و إنّما أخذ عليه السّلام في حجّته الإحياء و الإماتة،لأنّهما أمران ليس للطّبيعة الفاقدة للحياة فيهما صنع،و خاصّة الحياة الّتي في الحيوان؛حيث تستتبع الشّعور و الإرادة، و هما أمران غير مادّيّين قطعا،و كذا الموت المقابل لها، و الحجّة على ما فيها من السّطوع و الوضوح لم تنجح في حقّهم؛لأنّ انحطاطهم في الفكر و خبطهم في التّعقّل كان فوق ما كان يظنّه عليه السّلام في حقّهم،فلم يفهموا من الإحياء و الإماتة إلاّ المعنى المجازيّ الشّامل لمثل الإطلاق و القتل، فقال نمرود: أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ و صدّقه من حضره.

و من سياق هذه المحاجّة يمكن أن يحدس المتأمّل ما بلغ إليه الانحطاط الفكريّ يومئذ في المعارف و المعنويّات، و لا ينافي ذلك الارتقاء الحضاريّ و التّقدّم المدنيّ الّذي يدلّ عليه الآثار و الرّسوم الباقية من بابل كلدة و مصر الفراعنة و غيرهما،فإنّ المدنيّة المادّيّة أمر،و التّقدّم في معنويّات المعارف أمر آخر.و في ارتقاء الدّنيا الحاضرة في مدنيّتها و انحطاطها في الأخلاق و المعارف المعنويّة ما تسقط به هذه الشّبهة.

و من هنا يظهر وجه عدم أخذه عليه السّلام في حجّته مسألة احتياج العالم بأسره إلى الصّانع الفاطر للسّماوات و الأرض،كما أخذ به في استبصار نفسه في بادئ أمره، على ما يحكيه اللّه عنه بقوله: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ الأنعام:79،فإنّ القوم على اعترافهم بذلك بفطرتهم إجمالا،كانوا أنزل سطحا من أن يعقلوه على ما ينبغي أن يعقل عليه؛بحيث ينجح احتجاجه و يتّضح مراده عليه السّلام.و ناهيك في ذلك ما فهموه من قوله:

رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ. (2:353)

مكارم الشّيرازيّ: تعقيبا على الآية السّابقة الّتي تناولت هداية المؤمنين في نور الولاية و هداية اللّه، و ضلال الكافرين لاتّباعهم الطّاغوت،يذكر اللّه في هذه الآية شاهدا حيّا على ذلك من حياة إبراهيم عليه و على نبيّنا أفضل الصّلاة و السّلام،و هو حوار دار بين

ص: 627

إبراهيم عليه السّلام و أحد الجبّارين في زمانه ممّن كان غرور السّلطان قد أثمله؛إذ سأل هذا الجبّار إبراهيم عن ربّه، فقال إبراهيم:إنّه الّذي يحيي و يميت،و هو بهذا قد عرض -في الحقيقة-أعظم دليل على عظمة الخلق،قانون الحياة و الموت،باعتباره معلما من معالم قدرة بارئ الخلائق و عالم الوجود،و برهانا على سعة علمه،إلاّ أنّ الجبّار المغرور توسّل بالسّفسطة و التّزوير لكي يخدع النّاس و من حوله،فقال:أنا أيضا أحيي و أميت،و أنّ قانون الحياة و الموت بيدي.

على الرّغم من أنّ القرآن لا يذكر ما تلا ذلك من كيفيّة قيام الجبّار بإثبات سفسطته إثباتا عمليّا،و لكن الأحاديث و التّواريخ تقول:إنّه أمر بإحضار سجينين أطلق سراح أحدهما و أمر بقتل الآخر،ثمّ قال لإبراهيم:

أ رأيت كيف أنّ الحياة و الموت بيدي؟

من الجدير بالملاحظة أنّ الدّليل الّذي جاء به إبراهيم بشأن الحياة و الموت كان دليلا قويّا،و لكن قدرة العدوّ على التّوسّل بالمغالطة أمام السّذّج من النّاس دعت إبراهيم لأن يقدّم دليلا آخر فقال:

إنّ اللّه يخرج الشّمس من الأفق الشّرقيّ،فإذا كنت أنت الحاكم على عالم الوجود،فأت بها أنت من المغرب.

عندئذ أسقط في يد العدوّ و بهت و لم يستطع أن يحير جوابا أمام هذا المنطق الحيّ.و هذا أفضل طريق لإسكات كلّ عدوّ عنيد.

إنّ قضيّة الحياة و الموت أهمّ من قضيّة السّماء و حركة الشّمس و القمر من حيث كونها برهانا على علم اللّه و قدرته،لهذا السّبب أورده إبراهيم دليلا أوّل،و لو كان في ذلك المجلس أناس يعقلون و يتفكّرون لاكتفوا بهذا الدّليل و اقتنعوا به؛إذ إنّ كلّ امرئ يعرف أنّ مسألة إطلاق سراح سجين و قتل آخر لا علاقة لها بقضيّة الإحياء و الإماتة الطّبيعيّين أبدا،أمّا البسطاء السّذّج- البعيدون عن التّفكير العميق السّليم و الّذين يتأثّرون عادة بتضليل هذا المتجبّر و سفسطته-فيحتاجون إلى دليل آخر،من هنا قدّم إبراهيم عليه السّلام دليله بشأن شروق الشّمس و غروبها،لكي يتّضح الحقّ للجميع.(2:187)

فضل اللّه:ثلاث آيات تتلاحق الواحدة تلو الأخرى،نلتقي فيها بالحديث عن فكرة إحياء اللّه للأشياء الّتي تدبّ فيها الحياة،و لكن بطريقة لا تعتمد الاستدلال بالبراهين العقليّة،بل بطريقة إيحائيّة،توحي بالفكرة من خلال القصّة الخاطفة،من خلال حوار يدور بين إبراهيم عليه السّلام و بين طاغية زمانه،فيصوّر لنا الفكرة كحقيقة لا تحتمل الرّيب،في تمثّلها في العقيدة باللّه الواحد، فلا يملك الطّاغية مجالا للهروب منها إلاّ بالتّلاعب بالألفاظ و الضّحك على قول السّذّج من البسطاء.

و نتمثّلها في قصّة الإنسان الّذي وقف مدهوشا أمام القرية الّتي يغمرها الموت بكلّ أفكارها،فيتساءل، فيموت،ثمّ يبعث في الدّنيا و تتمثّل الفكرة أمامه في كيانه الّذي دبّت الحياة فيه من جديد،و في حماره الّذي شاهده تتجمّع أعضاؤه أمامه في عمليّة الحياة.

ثمّ يعود إبراهيم من جديد ليتساءل كيف يحيي اللّه الموتى؟و تعيش التّجربة في نطاق عمليّة خارقة للعادة، يستجيب اللّه فيها لرغبته.

إنّ كلّ هذه القصص الثّلاث الّتي تتّصل بالجانب

ص: 628

الغيبيّ من التّفكير الدّينيّ،توحي لنا بالفكرة في أسلوب تقريريّ يجعل الفكرة و الشّعور يحملانها في جوّ من التّفكير،تضجّ فيه غرابة لا تبتعد عن جانب الإيمان في الإنسان الّذي يخشع إيمانه أمام الحقّ الّذي ينزله الوحي في القرآن،و أمام القدرة الّتي لا يعجزها شيء في الإيمان باللّه،و أمام الإيمان بالغيب الّذي هو من أركان العقيدة في ما تقرّره من الانطلاق مع حقائق الوجود الّذي يهيمن عليه اللّه خالقه في عالم الشّهود و في عالم الغيب؛و ذلك هو أحد إثارات القرآن أمام الإنسان،بغية إرشاده و تربيته روحيّا و فكريّا.(5:63)

3- أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها...

البقرة:259

ابن عبّاس: يقول:كيف يحيي اللّه أهل هذه القرية بعد موتهم؟(37)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:يعمرها بعد خرابها،و الثّاني:يعيد أهلها بعد هلاكهم.(1:331)

الواحديّ: أي أنّى يعمرها بعد خرابها؟استبعد أن يفعل اللّه ذلك،على معنى أنّه لا يفعله،فأحبّ اللّه تعالى أن يريه آية في نفسه و في إحياء القرية.(1:372)

الزّمخشريّ: اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة الإحياء،و استعظام لقدرة المحيي.(1:389)

ابن عطيّة: معناه من أيّ طريق و بأيّ سبب؟ و ظاهر اللّفظ السّؤال عن إحياء القرية بعمارة و سكّان، كما يقال:الآن في المدن الخربة الّتي يبعد أن تعمر و تسكن، فكأنّ هذا تلهّف من الواقف المعتبر على مدينته الّتي عهد فيها أهله و أحبّته،و ضرب له المثل في نفسه بما هو أعظم ممّا سأل عنه.و المثال الّذي ضرب له في نفسه يحتمل أن يكون على أنّ سؤاله،إنّما كان عن إحياء الموتى من بني آدم،أي أنّى يحيي اللّه موتاها؟

و قد حكى الطّبريّ عن بعضهم أنّه قال:كان هذا القول شكّا في قدرة اللّه على الإحياء،فلذلك ضرب له المثل في نفسه.

و ليس يدخل شكّ في قدرة اللّه على إحياء قرية بجلب العمرة إليها،و إنّما يتصوّر الشّكّ من جاهل في الوجه الآخر،و الصّواب أن لا يتأوّل في الآية شكّ.

(1:348)

مثله القرطبيّ.(3:290)

الطّبرسيّ: أي كيف يعمر اللّه هذه القرية بعد خرابها؟و قيل:كيف يحيي اللّه أهلها بعد ما ماتوا؟و أطلق لفظ القرية و أراد به أهلها،كقوله: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82،و لم يقل ذلك إنكارا و لا تعجّبا و لا ارتيابا، و لكنّه أحبّ أن يريه اللّه إحياءها مشاهدة،كما يقول الواحد منّا:كيف يكون حال النّاس يوم القيامة؟و كيف يكون حال أهل الجنّة في الجنّة؟و كيف يكون حال أهل النّار في النّار؟و كقول إبراهيم: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى البقرة:260،أحبّ أن يريه اللّه إحياء الموتى مشاهدة،ليحصل له العلم به ضرورة،كما حصل العلم دلالة لأنّ العلم الاستدلاليّ ربّما اعتورته الشّبهة.

(1:370)

ابن الجوزيّ:أي كيف يحييها؟فإن قلنا:إنّ هذا

ص: 629

الرّجل نبيّ،فهو كلام من يؤثر أن يرى كيفيّة الإعادة،أو يستهولها،فيعظّم قدرة اللّه،و إن قلنا:إنّه كان رجلا كافرا، فهو كلام شاكّ،و الأوّل أصحّ.(1:309)

الخازن: فمن قال:إنّ ذلك المارّ كان كافرا-و هو ضعيف-إنّما حمله على الشّكّ في قدرة اللّه تعالى،أو كان المقصود منه طلب زيادة الدّلائل لأجل التّأكيد،كما قال إبراهيم عليه السّلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى و معنى أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ من أين يحيي؟(1:231)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فقد ذكرنا أنّ من قال:المارّ كان كافرا حمله على الشّكّ في قدرة اللّه تعالى.و من قال:كان نبيّا،حمله على الاستبعاد بحسب مجاري العرف و العادة،أو كان المقصود منه طلب زيادة الدّلائل لأجل التّأكيد،كما قال إبراهيم عليه السّلام: أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى، و قوله:(انّى) أي من أين؟كقوله: أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37.

و المراد بإحياء هذه القرية:عمارتها،أي متى يفعل اللّه تعالى ذلك؟على معنى أنّه لا يفعله،فأحبّ اللّه تعالى أن يريه في نفسه،و في إحياء القرية آية فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ البقرة:259،و قد ذكرنا القصّة.

فإنّ قيل:ما الفائدة في إماتة اللّه له مائة عام،مع أنّ الاستدلال بالإحياء بعد يوم أو بعد بعض يوم حاصل؟

قلنا:لأنّ الإحياء بعد تراخي المدّة أبعد في العقول من الإحياء بعد قرب المدّة،و أيضا فلأنّ بعد تراخي المدّة ما يشاهد منه،و يشاهد هو من غيره أعجب.(7:34)

نحوه الخازن.(1:231)

البيضاويّ: اعترافا بالقصور عن معرفة طريق الإحياء،و استعظاما لقدرة المحيي إن كان القائل مؤمنا، و استبعادا إن كان كافرا.و(انّى)في موضع نصب على الظّرف بمعنى«متى»،أو على الحال بمعنى«كيف».

(1:135)

نحوه النّسفيّ.(1:131)

أبو السّعود: و هي على ما يرى من الحالة العجيبة المباينة للحياة،و تقديمها على الفاعل للاعتناء بها،من حيث إنّ الاستبعاد ناشئ من جهتها،لا من جهة الفاعل.

و(انّى)نصب على الظّرفيّة إن كانت بمعنى«متى»،و على الحاليّة من هذه إن كانت بمعنى«كيف».و العامل(يحيى).

و أيّا ما كان فالمراد استبعاد عمارتها بالبناء و السّكّان من بقايا أهلها الّذين تفرّقوا أيدي سبأ و من غيرهم.

و إنّما عبّر عنها بالإحياء الّذي هو (1)علم في البعد عن الوقوع عادة،تهويلا للخطب،و تأكيدا للاستبعاد، كما أنّه لأجله عبّر عن خرابها بالموت؛حيث قيل: بَعْدَ مَوْتِها. و حيث كان هذا التّعبير معربا عن استبعاد الإحياء بعد الموت على أبلغ وجه و آكده،أراه اللّه عزّ و جلّ آثر ذي أثير أبعد الأمرين في نفسه ثمّ في غيره،ثمّ أراه ما استبعده صريحا مبالغة في إزاحة ما عسى يختلج في خلده.

و أمّا حمل إحيائها على إحياء أهلها،فيأباه التّعرّض لحال القرية دون حالهم،و الاقتصار على ذكر موتهم دون كونهم ترابا و عظاما،مع كونه أدخل في الاستبعاد، لشدّة مباينته للحياة،و غاية بعده عن قبولها.على أنّه لم تتعلّق إرادته تعالى بإحيائهم كما تعلّقت بعمارتها و معاينةا.

ص: 630


1- في الأصل(هم علم)،و هو سهو ظاهرا.

المارّ لها،كما ستحيط به خبرا.(1:301)

البروسويّ: أي يعمر اللّه تعالى هذه القرية بعد خرابها على هذا الوجه؛إذ ليس المراد بالقرية أهلها بل نفسها،بدليل قوله: وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها البقرة:259،لم يقله على سبيل الشّكّ في القدرة،بل على سبيل الاستبعاد بحسب العادة.(1:412)

الآلوسيّ: المشار إليه إمّا نفس القرية بدون تقدير كما هو الظّاهر،فالإحياء و الإماتة مجازان عن العمارة و الخراب،أو بتقدير مضاف،أي أصحاب هذه القرية، فالإحياء و الإماتة على حقيقتها.و إمّا عظام القرية البالية و جثثهم المتفرّقة،و السّياق دالّ على ذلك،و الإحياء و الإماتة على حالهما أيضا.

فعلى القول بالمجاز يكون هذا القول على سبيل التّلهّف و التّشوّق إلى عمارة تلك القرية،لكن مع استشعار اليأس عنها على أبلغ وجه و أوكده،و لذا أراه اللّه تعالى أبعد الأمرين في نفسه،ثمّ في غيره،ثمّ أراه ما استبعده صريحا مبالغة في إزاحة ما عسى يختلج في خلده.

و على القول الثّاني يكون اعترافا بالعجز عن معرفة طريق الإحياء،و استعظاما لقدرة المحيي إذا قلنا:إنّ القائل كان مؤمنا،و إنكارا للقدرة على ذلك إن كان كافرا.

و رجّح أوّل الاحتمالات الثّلاثة في المشار إليه بأنّ إرادة إحياء-لأهل،أو عظامهم-يأباه التّعرّض لحال القرية دون حال من ذكر.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود]

(3:21)

القاسميّ: أي كيف يعمر اللّه هذه القرية بعد خرابها؟فكان منه كالوقوع في الظّلمات.فأراه الدّليل على الإحياء الحقيقيّ في نفسه مبالغة في قلع الشّبهة، إخراجا له منها إلى النّور.(3:669)

الطّباطبائيّ: أي أنّى يحيي اللّه أهل هذه القرية؟ ففيه مجاز،كما في قوله تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:

82.

و إنّما قال هذا القول،استعظاما للأمر،و لقدرة اللّه سبحانه،من غير استبعاد يؤدّي إلى الإنكار أو ينشأ منه.

و الدّليل على ذلك قوله على ما حكى اللّه تعالى عنه في آخر القصّة: أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ و لم يقل:

الآن،كما في ما يماثله من قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: اَلْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ يوسف:51.(2:361)

4- ...وَ اللّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

آل عمران:156

ابن عبّاس: وَ اللّهُ يُحْيِي في السّفر وَ يُمِيتُ في الحضر.(59)

الطّبريّ: و اللّه المعجّل الموت لمن يشاء من حيث يشاء،و المميت من يشاء كلّما شاء،دون غيره من سائر خلقه.

و هذا من اللّه عزّ و جلّ ترغيب لعباده المؤمنين على جهاد عدوّه،و الصّبر على قتالهم،و إخراج هيبتهم من صدورهم،و إن قلّ عددهم،و كثر عدد أعدائهم و أعداء اللّه.

و إعلام منه لهم أنّ الإماتة و الإحياء بيده،و أنّه لن يموت أحد و لا يقتل،إلاّ بعد فناء أجله الّذي كتب له،

ص: 631

و نهيّ منه لهم؛إذ كان كذلك أن يجزعوا لموت من مات منهم،أو قتل من قتل منهم،في حرب المشركين.

(4:148)

الزّجّاج: أي ليس الإنسان يمنعه تحرّزه من إتيان أجله على ما سبق في علم اللّه.(1:482)

نحوه الواحديّ(1:511)،و ابن الجوزيّ(1:484).

الطّوسيّ: معناه هاهنا:الاحتجاج على من خالف أمر اللّه في الجهاد،طلبا للحياة،و هربا من الموت،لأنّ اللّه تعالى إذ كان هو الّذي يحيي و يميت لم ينفع (1)الهرب من أمره بذلك خوف الموت،و طلب الحياة.(3:28)

الزّمخشريّ: ردّ لقولهم:أي الأمر بيده،قد يحيي المسافر و الغازي،و يميت المقيم و القاعد كما يشاء.

(1:474)

ابن عطيّة: يُحْيِي وَ يُمِيتُ بقضاء حتم،لا كما يعتقد هؤلاء.(1:532)

الطّبرسيّ: أي هو الّذي يحيي و يميت في السّفر و الحضر عند حضور الأجل،لا مقدّم لما أخّر،و لا مؤخّر لما قدّم،و لا رادّ لما قضى،و لا محيص عمّا قدّر.و هذا يتضمّن منع النّاس عن التّخلّف في الجهاد خشية القتل، فإنّ الإحياء و الإماتة بيد اللّه سبحانه،فلا حياة لمن قدّر اللّه موته،و لا موت لمن قدّر اللّه حياته.(1:525)

الفخر الرّازيّ:فيه وجهان:

الأوّل:أنّ المقصود منه بيان الجواب عن هذه الشّبهة،و تقريره:أنّ المحيي و المميت هو اللّه،و لا تأثير لشيء آخر في الحياة و الموت،و أنّ علم اللّه لا يتغيّر،و أنّ حكمه لا ينقلب،و أنّ قضاءه لا يتبدّل،فكيف ينفع الجلوس في البيت من الموت؟

فإن قيل:إن كان القول:بأنّ قضاء اللّه لا يتبدّل،يمنع من كون الجدّ و الاجتهاد مفيدا في الحذر عن القتل و الموت،فكذا القول:بأنّ قضاء اللّه لا يتبدّل،وجب أن يمنع من كون العمل مفيدا في الاحتراز عن عقاب الآخرة،و هذا يمنع من لزوم التّكليف،و المقصود من هذه الآيات تقرير الأمر بالجهاد و التّكليف،و إذا كان الجواب يقضي بالآخرة إلى سقوط التّكليف،كان هذا الكلام يقضي ثبوته إلى نفيه،فيكون باطلا.

الجواب:أنّ حسن التّكليف عندنا غير معلّل بعلّة و رعاية مصلحة،بل عندنا أنّه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد.

و الوجه الثّاني:في تأويل الآية أنّه ليس الغرض من هذا الكلام الجواب عن تلك الشّبهة،بل المقصود أنّه تعالى لمّا نهى المؤمنين عن أن يقولوا مثل قول المنافقين، قال: وَ اللّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ يريد:يحيي قلوب أوليائه و أهل طاعته بالنّور و الفرقان،و يميت قلوب أعدائه من المنافقين.(9:56)

نحوه النّيسابوريّ ملخّصا.(4:104)

القرطبيّ: أي يقدر على أن يحيي من يخرج إلى القتال،و يميت من أقام في أهله.(4:247)

البيضاويّ: ردّ لقولهم:أي هو المؤثّر في الحياة و الممات،لا الإقامة و السّفر،فإنّه تعالى قد يحيي المسافر و الغازي،و يميت المقيم و القاعد.(1:189)

نحوه النّسفيّ(1:190)،و الخازن(1:367)،ش.

ص: 632


1- في المخطوطة:لم يمنع،كذا في الهامش.

و أبو حيّان(3:95)،و الشّربينيّ(1:258)،و الكاشانيّ (1:363).

ابن كثير :أي بيده الخلق و إليه يرجع الأمر،و لا يحيا أحد،و لا يموت أحد إلاّ بمشيئته و قدره،و لا يزاد في عمر أحد و لا ينقص منه شيء إلاّ بقضائه و قدره.

(2:140)

أبو السّعود :ردّ لباطلهم إثر بيان غائلته،أي هو المؤثّر في الحياة و الممات وحده،من غير أن يكون للإقامة أو للسّفر مدخل في ذلك،فإنّه تعالى قد يحيي المسافر و الغازي مع اقتحامهما لموارد الحتوف،و يميت المقيم و القاعد مع حيازتهما لأسباب السّلامة.(2:54)

نحوه البروسويّ.(2:114)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و قال:]

و ليس المراد أنّه تعالى يوجد الحياة و الممات و إن كان هو الظّاهر،لأنّ الكلام ليس فيه و لا يحصل به الرّدّ، و إنّما الكلام في إحداث ما يؤثرهما.(4:102)

رشيد رضا :أي و الحقيقة أنّ اللّه تعالى يحيي من يشاء بمقتضى سننه في بقاء أسباب الحياة،و إن طوى بالأسفار بساط كلّ برّ،و نشر شراع كلّ بحر،و خاض معامع الحروب،و صارع الأهوال و الخطوب،و يميت من يشاء بمقتضى سننه في أسباب الموت،و إن اعتصم في الحصون المشيّدة،و حرس بالجنود المجنّدة.(4:196)

فضل اللّه :فهو الّذي يملك أمر الحياة و الموت من خلال سنّته المتحرّكة من مواقع إرادته،في خطّ حكمته و قدرته،فقد يموت الإنسان في داره في حالة الأمن و الدّعة،و قد يعيش الإنسان المتحرّك في مواقع الخطر في السّفر الشّاقّ و الحرب الخطرة.(6:335)

5- إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ. التّوبة:116

مثل ما تقدّم في الآية السّابقة.

6- قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ... الأعراف:158

الطّوسيّ: و إنّما وصفه بأنّه يحيي و يميت،لأنّه لا يقدر على الإحياء إلاّ اللّه،و لا على الإماتة أيضا سواه، لأنّه لو قدر أحد على الإماتة لقدر على الإحياء،لأنّ من شأن القادر على الشّيء أن يكون قادرا على ضدّه.و إنّما استعمل بمعنى لتهتدوا على الرّجاء و الطّمع في الفوز به من العذاب.(5:5)

نحوه الطّبرسيّ.(2:489)

الزّمخشريّ: يُحيِي وَ يُمِيتُ بيان لاختصاصه بالإلهيّة؛لأنّه لا يقدر على الإحياء و الإماتة غيره.

(2:123)

الفخر الرّازيّ: [ذكر أصولا لإثبات كون النّبيّ عليه السّلام رسولا إلى أن قال:]

الثّالث:إثبات أنّه تعالى قادر على الحشر و النّشر و البعث و القيامة،لأنّ بتقدير أن لا يثبت ذلك،كان الاشتغال بالطّاعة و الاحتراز عن المعصية عبثا و لغوا.

و إلى تقدير هذا الأصل الإشارة بقوله: يُحيِي وَ يُمِيتُ، لأنّه لمّا أحيا أوّلا،ثبت كونه قادرا على الإحياء ثانيا،

ص: 633

فيكون قادرا على الإعادة و الحشر و النّشر.

و على هذا التّقدير يكون الإحياء الأوّل إنعاما عظيما،فلا يبعد منه تعالى أن يطالبه بالعبوديّة،ليكون قيامه بتلك الطّاعة قائما مقام الشّكر عن الإحياء الأوّل.

و أيضا لمّا دلّ الإحياء الأوّل على قدرته على الإحياء الثّاني،فحينئذ يكون قادرا على إيصال الجزاء إليه.

(15:28)

أبو حيّان:و ذكر الإحياء و الإماتة،إذ هما وصفان لا يقدر عليهما إلاّ اللّه،و هما إشارة إلى الإيجاد لكلّ شيء يريده و الإعدام.و الأحسن أن تكون هذه جملا مستقلّة من حيث الإعراب،و إن كانت متعلّقا بعضها ببعض من حيث المعنى...و قال الحوفيّ: يُحيِي وَ يُمِيتُ في موضع الخبر،لأنّ(لا اله)في موضع رفع بالابتداء،و(إلاّ هو) بدل على الموضع.قال:و الجملة أيضا في موضع الحال من اسم اللّه تعالى،انتهى.يعني من ضمير اسم اللّه،و هذا إعراب متكلّف.(4:405)

ابن عاشور :...إنّ اللّه يحيي و يميت،فكذلك هو يميت شريعة و يحيي شريعة أخرى.و إحياء الشّريعة إيجادها بعد أن لم تكن،لأنّ الإحياء حقيقته إيجاد الحياة في الموجود،ثمّ يحصل من هذه الصّفات إبطال عقيدة المشركين بتعدّد الآلهة،و بإنكار الحشر.(8:320)

الطّباطبائيّ: هو الّذي له الإحياء و الإماتة،فله أن يحيي قوما أو النّاس جميعا بحياة طيّبة سعيدة، و السّعادة و الهدى من الحياة،كما أنّ الشّقاوة و الضّلالة موت،قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ الأنفال:24،و قال:

أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ الأنعام:122،و قال: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ الأنعام:36.(8:284)

7- وَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ لَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ. المؤمنون:80

الطّبريّ: يجعلهم أحياء بعد أن كانوا نطفا أمواتا، بنفخ الرّوح فيها بعد التّارات الّتي تأتي عليها،و يميت:

يقول:و يميتهم بعد أن أحياهم.(18:46)

نحوه القاسميّ.(12:4413)

القشيريّ: يحيي النّفوس و يميتها،و المعنى في ذلك معلوم،و كذلك يحيي القلوب و يميتها،فموت القلب بالكفر و الجحد،و حياة القلب بالإيمان و التّوحيد.و كما أنّ للقلوب حياة و موتا،فكذلك للأوقات موت و حياة، فحياة الأوقات بيمن إقباله،و موت الأوقات بمحنة إعراضه،و في معناه أنشدوا:

أموت إذا ذكرتك ثمّ أحيا

فكم أحيا عليك و كم أموت

(4:256)

الواحديّ: يحيي الولد في الرّحم فيولد حيّا ثمّ يميته.

(3:296)

الطّبرسيّ: أي يحييكم في أرحام أمّهاتكم و يميتكم عند انقضاء آجالكم.(4:114)

الفخر الرّازيّ: أي نعمة الحياة،و إن كانت من أعظم النّعم فهي منقطعة،و أنّه سبحانه و إن أنعم بها فالمقصود منها الانتقال إلى دار الثّواب.(23:114)

ص: 634

نحوه النّيسابوريّ.(18:33)

النّسفيّ: أي يحيي النّسم بالإنشاء و يميتها بالإفناء.

(3:125)

ابن كثير :أي يحيي الرّميم و يميت الأمم.(5:32)

البروسويّ: من غير أن يشاركه في ذلك شيء من الأشياء،أي يعطي الحياة النّطف و التّراب و البيض و الموتى يوم القيامة،و يأخذ الحياة من الأحياء،و لم يقل:

(احيا)و(امات)كما قال:(انشاكم)و(ذراكم)و لكن جاء على لفظ المضارع،ليدلّ على أنّ الإحياء و الإماتة عادته.(6:99)

المراغيّ: أي و هو الّذي جعل الخلق أحياء بنفخ الرّوح فيهم بعد أن لم يكونوا شيئا،ثمّ يميتهم بعد أن أحياهم،ثمّ يعيدهم تارة أخرى للثّواب و الجزاء.

(18:45)

ابن عاشور :هو من أسلوب وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ المؤمنون:78،أعقب ذكر الحشر بذكر الإحياء،لأنّ البعث إحياء إدماجا للاستدلال على إمكان البعث في الاستدلال على عموم التّصرّف في العالم.و أمّا ذكر الإماتة فلمناسبة التّضادّ،و لأنّ فيها دلالة على عظيم القدرة و القهر.و لمّا كان من الإحياء خلق الإيقاظ، و من الإماتة خلق النّوم،كما قال تعالى: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها الزّمر:42 الآية،عطف على ذلك أنّ بقدرته اختلاف اللّيل و النّهار لتلك المناسبة،و لأنّ في تصريف اللّيل و النّهار دلالة على عظيم القدرة، و العلم (1)دلالة على الانفراد بصفات الإلهيّة و على وقوع البعث،كما قال تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ الأعراف:

22.(18:86)

الطّباطبائيّ: وَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ مترتّب بحسب المعنى على الجملة الّتي قبله،- وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ* وَ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ -أي لمّا جعلكم ذوي علم،و أظهر وجودكم في الأرض إلى حين حتّى تحشروا إليه،لزمت ذلك سنّة الإحياء و الإماتة؛إذ العلم متوقّف على الحياة،و الحشر متوقّف على الموت.(15:54)

مكارم الشّيرازيّ: القول المبارك استعرض مسيرة الإنسان منذ الولادة حتّى الموت و العودة إلى اللّه تعالى،الّتي تتمّ مراحلها جميعا بإرادة اللّه العزيز الحكيم.

و ممّا يلفت النّظر جعل اللّه الموت و الحياة إلى جانب اختلاف اللّيل و النّهار؛و ذلك لكون النّور و الظّلام في عالم الوجود كالموت و الحياة للكائنات،فمثلما يجد الخلق حركته و نشاطه بين أفواج النّور و يستخفي بين أستار الظّلام،كذلك تبدأ الأحياء حركتها و نشاطها في نور الحياة و تستخفي في ظلمة الموت،و لكليهما صفة التّدرّج.

(10:434)

8- ...يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ. الرّوم:19

الطّبريّ: فينبتها،و يخرج زرعها بعد خرابها و جدوبها، وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ يقول:كما يحيي الأرض بعد موتها،فيخرج نباتها و زرعها،كذلك يحييكم من بعد!!

ص: 635


1- كذا في الأصل!!

مماتكم،فيخرجكم أحياء من قبوركم إلى موقف الحساب.(21:30)

نحوه الميبديّ.(7:435)

الزّجّاج: أي يجعلها تنبت،و إحياء الأرض:إخراج النّبات منها.(4:181)

نحوه الواحديّ(3:431)،و الزّمخشريّ(3:218).

الماورديّ: يعني بالنّبات،لأنّه حياة أهلها فصار حياة لها.

و يحتمل ثانيا:أنّه كثرة أهلها،لأنّهم يحيون مواتها و يعمّرون خرابها، وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ أي كما أحيا الأرض بإخراج النّبات و أحيا الموتى،كذلك يحييكم بالبعث.و في هذا دليل على صحّة القياس.(4:305)

الطّوسيّ: أي يحييها بالنّبات بعد جدوبها.و لا يجوز أن يكون المراد إحياء الأرض حقيقة،كما لا يكون الإنسان أسدا حقيقة إذا قيل:فلان أسد،لأنّه يراد بذلك التّشبيه و الاستعارة،فكذلك إحياء الأرض بعد موتها، كأنّها تحيا بالنّبات الّذي فيها.(8:238)

القشيريّ: يحييها بالمطر،و يأتي بالرّبيع بعد وحشة الشّتاء،كذلك يوم النّشور يحيي الخلق بعد الموت.

(5:112)

الفخر الرّازيّ: و في هذا معنى لطيف،و هو أنّ الإنسان بالموت تبطل حيوانيّته،و أمّا نفسه النّاطقة فتفارقه و تبقى بعده،كما قال تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً آل عمران:169،لكن الحيوان نام متحرّك حسّاس،لكن النّائم لا يتحرّك و لا يحسّ،و الأرض الميتة لا يكون فيها نماء،ثمّ إنّ النّائم بالانتباه يتحرّك و يحسّ،و الأرض الميتة بعد موتها تنمو بنباتها،فكما أنّ تحريك ذلك السّاكن،و إنماء هذا الواقف سهل على اللّه تعالى،كذلك إحياء الميّت سهل عليه، و إلى هذا أشار بقوله: وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ.

(25:107)

الطّباطبائيّ: و أمّا إحياء الأرض بعد موتها،فهو انتعاش الأرض و ابتهاجها بالنّبات في الرّبيع و الصّيف، بعد خمودها في الخريف و الشّتاء،و قوله: وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ أي تبعثون و تخرجون من قبوركم بإحياء جديد،كإحياء الأرض بعد موتها.(16:162)

فضل اللّه :عند ما تهتزّ بالخضرة الطّافرة،و النّباتات المتنوّعة،و الألوان الزّاهية،فتشعر بالحياة الّتي تتحرّك في كلّ ذرّة من ذرّاتها،و في كلّ مساحة من مساحاتها،ممّا يوحي للإنسان بحركة الحياة و الموت،في عمليّة الخلق و الإعادة،ليوحي له ذلك بفكرة البعث بعد الموت، ليجدها في حركة الحياة في الأرض و في كلّ الأشياء الحيّة،قبل أن يفكّر بها في دائرة العقل، وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ فلا غرابة في ذلك لأنّ طبيعة قانون الحياة يفرض ذلك.(18:112)

9- فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

الرّوم:50

عكرمة :ما أنزل اللّه من السّماء قطرة إلاّ أنبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة.(الماورديّ 4:321)

الإمام الكاظم عليه السّلام:ليس يحييها بالقطر،و لكن

ص: 636

يبعث اللّه رجالا فيحيون العدل،فتحيا الأرض لإحياء العدل.و لإقامة العدل فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا.(العروسيّ4:173)

الطّبريّ: فانظر يا محمّد إلى آثار الغيث الّذي ينزّل اللّه من السّحاب كيف يحيي بها الأرض الميتة فينبتها و يعشبها،من بعد موتها و دثورها، إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى.

يقول جلّ ذكره:إنّ الّذي يحيي هذه الأرض بعد موتها بهذا الغيث،لمحيي الموتى من بعد موتهم،و هو على كلّ شيء مع قدرته على إحياء الموتى قدير،لا يعزّ عليه شيء أراده،و لا يمتنع عليه فعل شيء شاءه سبحانه.

(21:55)

الماورديّ: يعني بالماء حتّى أنبتت شجرا و مرعى، بعد أن كانت بالجدب مواتا. إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى لأنّ القادر على إحياء الأرض الموات قادر على إحياء الأموات،استدلالا بالشّاهد على الغائب.

و تأوّل من تعمّق في غوامض المعاني آثار رحمة اللّه، أنّه مواعظ القرآن و حججه،تحيي القلوب الغافلة.

(4:321)

القشيريّ: يحيي الأرض بأزهارها و أنوارها عند مجيء الأمطار،ليخرج زرعها و ثمارها،و يحيي النّفوس بعد نفرتها،و يوفّقها للخيرات بعد فترتها،فتعمر أوطان الرّفاق بصادق إقدامهم،و تندفع البلايا عن الأنام ببركات أيّامهم،و يحيي القلوب بعد غفلتها بأنوار المحاضرات،فتعود إلى استدامة الذّكر بحسن المراعاة، و يهتدي بأنوار أهلها أهل العسر من أصحاب الإرادات، و يحيي الأرواح بعد حجبتها بأنوار المشاهدات،فتطلع شموسها عن برج السّعادة،و يتّصل بمشامّ أسرار الكافّة نسيم ما يفيض عليهم من الزّيادات،فلا يبقى صاحب نفس إلاّ حظي منه بنصيب،و يحيي الأسرار-و قد تكون لها وقفة في بعض الحالات-فتنتفي بالكلّيّة آثار الغيريّة، و لا يبقى في الدّار ديّار،و لا من سكّانها آثار،فسطوات الحقائق لا تثبت لها ذرّة من صفات الخلائق،هنالك الولاية للّه...سقط الماء و القطرة،و طاحت الرّسوم و الجملة.(5:124)

الواحديّ: أي كيف يجعلها تنبت بعد أن لم تكن فيها نبت؟ إِنَّ ذلِكَ الّذي فعل ما ترون و هو اللّه تعالى لَمُحْيِ الْمَوْتى في الآخرة.(3:437)

الزّمخشريّ: يعني أنّ ذلك القادر الّذي يحيي الأرض بعد موتها هو الّذي يحيي النّاس بعد موتهم.

(3:226)

نحوه الخازن(5:175)،و أبو حيّان(7:179)، و الشّربينيّ(3:175).

ابن عطيّة: يحتمل أن يكون الضّمير الّذي في الفعل للأثر،و يحتمل أن يكون للّه تعالى و هو أظهر.و قرأت فرقة (كيف تحيى) بالتّاء المفتوحة(الارض)بالرّفع،و قرأ الجحدريّ و ابن السّميقع و أبو حيوة(تحيى)بتاء مضمومة:على أنّ إسناد الفعل إلى ضمير الرّحمة، (الارض)نصبا.

قال أبو الفتح:قوله: كَيْفَ تُحْيِ جملة منصوبة الموضع على الحال حملا على المعنى،كأنّه قال:محيية، و هذه الحياة و الموت استعارة في القحط و الإعشاب.ثمّ

ص: 637

أخبر تعالى على جهة القياس و التّنبيه عليه بالبعث و النّشور.(4:342)

نحوه القرطبيّ.(14:45)

البيضاويّ: يعني إنّ الّذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها لَمُحْيِ الْمَوْتى لقادر على إحيائهم،فإنّه إحداث لمثل ما كان في موادّ أبدانهم من القوى،كما أنّ إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النّباتيّة.هذا،و من المحتمل أن يكون من الكائنات الرّاهنة ما تكوّن من موادّ ما تفتّتت و تبدّدت من جنسها في بعض الأعوام السّالفة.(2:224)

نحوه الآلوسيّ.(21:54)

أبو السّعود :فالمراد بالأمر بالنّظر التّنبيه على عظم قدرته تعالى وسعة رحمته،مع ما فيه من التّمهيد،لما يعقبه من أمر البعث.و قرئ (تحيى) بالتّأنيث على الإسناد إلى ضمير«الرّحمة» إِنَّ ذلِكَ العظيم الشّأن الّذي ذكر بعض شئونه لَمُحْيِ الْمَوْتى لقادر على إحيائهم،فإنّه إحداث لمثل ما كان في موادّ أبدانهم من القوى الحيوانيّة،كما أنّ إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النّباتيّة،أو لمحييهم البتّة.

(5:180)

نحوه البروسويّ.(7:52)

ابن عاشور :أي انظر هيئة إحياء اللّه الأرض بعد موتها،تلك الحالة الّتي هي أثر من آثار رحمته النّاس على حدّ قوله: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ الغاشية:17...

و أطلق على إنبات الأرض:إحياء،و على قحولتها:

الموت،على سبيل الاستعارة.

و جملة: إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى استئناف و هو إدماج،أدمج دليل البعث عقب الاعتبار بإحياء الأرض بعد موتها.و حرف التّوكيد يفيد-مع تقرير الخبر-زيادة معنى(فاء)التّسبّب.[ثمّ استشهد بشعر]

و اسم الإشارة عائد إلى اسم اللّه تعالى بما أجري عليه من الإخبار بإحياء الأرض بعد موتها،ليفيد اسم الإشارة معنى أنّه جدير بما يرد بعده من الخبر عن المشار إليه.فالمعني:أنّ اللّه الّذي يحيي الأرض بعد موتها لمحيي الموتى تقريبا لتصوّر البعث.

و عدّل عن الموصول إلى الإشارة للإيجاز،و لما في الإشارة من التّعظيم.و ذيّل ذلك بقوله: وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فإنّه يعمّ جميع الأشياء،و البعث من جملتها؛ إذ ليس هو إلاّ إيجاد خلق و هو مقدور اللّه تعالى،كما أنشأ الخلق أوّل مرّة،و الشّبه تامّ،لأنّ إحياء الأرض:إيجاد أمثال ما كان عليها من النّبات،فكذلك إحياء الموتى إيجاد أمثالهم.(21:75)

الطّباطبائيّ: فجعل آثار الرّحمة الّتي هي المطر، كيفيّة إحياء الأرض بعد موتها،فحياة الأرض بعد موتها من آثار الرّحمة،و النّبات و الأشجار و الأثمار من آثار حياتها،و هي أيضا من آثار الرّحمة،و التّدبير تدبير إلهيّ يتفرّع على خلقه الرّياح و السّحاب و المطر.

و قوله: إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى الإشارة بذلك إليه تعالى بما له من الرّحمة الّتي من آثارها إحياء الأرض بعد موتها.و في الإشارة البعيدة تعظيم.

و المراد ب(الموتى)موتى الإنسان أو الإنسان و غيره

ص: 638

من ذوي الحياة.و المراد بقوله: إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى الدّلالة على المماثلة بين إحياء الأرض الميتة و إحياء الموتى،إذ في كلّ منهما موت،هو سقوط آثار الحياة من شيء محفوظ،و حياة،هي تجدّد تلك الآثار بعد سقوطها.

و قد تحقّق الإحياء في الأرض و النّبات،و حياة الإنسان و غيره من ذوي الحياة مثلها،و حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد،فإذا جاز الإحياء في بعض هذه الأمثال-و هو الأرض و النّبات-فليجز في البعض الآخر.(16:202)

مكارم الشّيرازيّ: و التّعبير ب(محيى)بصيغه اسم الفاعل مكان الفعل المضارع،و خاصّة مع كونه مسبوقا بلام التّوكيد،دليل على منتهى التّأكيد.

و لقد رأينا مرارا في آيات القرآن الكريم،أنّ هذا الكتاب السّماويّ-من أجل إثبات مسألة المعاد-ينتخب نزول الغيث و إحياء الأرض بعد موتها شاهدا على ذلك.

ففي سورة«ق»الآية:11،يعقّب القرآن بعد التّعبير بحياة الأرض بعد موتها قائلا: كَذلِكَ الْخُرُوجُ. و يشبه هذا التّعبير في الآية:9،من سورة فاطر: كَذلِكَ النُّشُورُ.

و الواقع أنّ قانون الحياة و الموت في كلّ مكان متشابه،فالّذي يحيي الأرض الميتة بقطرات السّماء، و يهبها الحركة و البهجة،و يتكرّر هذا العمل على طول السّنة،و أحيانا في كلّ يوم،فإنّ له هذه القدرة على إحياء النّاس بعد الموت،فالموت بيده في كلّ مكان،كما أنّ الحياة بأمره أيضا.

صحيح أنّ الظّاهر أنّ الأرض الميتة لا تحيا،بل تنمو البذور الّتي في قلب الأرض،و لكنّنا نعلم أنّ هذه البذور الصّغيرة تجذب مقدارا عظيما من أجزاء الأرض إلى نفسها،و تحوّل الموجودات الميتة إلى موجودات حيّة، و حتّى ذرّات هذه النّباتات المتلاشية-أيضا-تمنح القدرة و القوّة لكي تحيا الأرض.

و في الحقيقة لم يكن لمنكري المعاد أيّ دليل على مدّعاهم سوى الاستبعاد،و القرآن المجيد إنّما يستشهد بهذه الأمثال لإحباط هذا الاستبعاد منهم أيضا.

(12:513)

فضل اللّه :و لا يقتصر التّوجيه القرآنيّ في استلهام العمق العقيديّ بالإيمان باللّه و الشّعور برحمته،على ما يثيره في نفس الإنسان من مشاعر الامتنان بالنّعمة و الرّحمة،بل يمتدّ إلى أن يحرّك الفكر في اتّجاه استشفاف عقلانيّة الإيمان باليوم الآخر،في مواجهته للفكرة المضادّة الّتي تنكر البعث على أساس استبعاده؛و ذلك من خلال المقارنة بين موت الأرض و حياتها بقدرة اللّه،و بين موت الإنسان و إحيائه بعد ذلك بقدرة اللّه،فإنّ محيي الأرض هو محيي الإنسان إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فإذا كان اللّه يملك القدرة المطلقة فلا يعجزه شيء في ما يخلق،و لا في تدبيره،و لا في تغييره بما يشاء.(18:157)

10- وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. يس:78،79

ص: 639

الفارابيّ: وددت لو أنّ أرسطو وقف على القياس الجليّ في قوله تعالى: قُلْ يُحْيِيهَا إلخ،و هو اللّه تعالى أنشأ العظام و أحياها أوّل مرّة،و كلّ من أنشأ شيئا أوّلا قادر على إنشائه و إحيائه ثانيا،فيلزم أنّ اللّه عزّ و جلّ قادر على إنشائها و إحيائها بقواها ثانيا.

(الآلوسيّ 23:54)

الماورديّ: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ استبعادا أن يعود خلقا جديدا،فأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يجيبه بما فيه دليل لأولي الألباب.

قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ، أي من قدر على إنشائها أوّل مرّة من غير شيء فهو قادر على إعادتها في النّشأة الثّانية من شيء.(5:33)

الطّوسيّ: (قل)يا محمّد لهذا المتعجّب من الإعادة:

يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ؛ لأنّ من قدر على الاختراع لما يبقى من غير تغيير عن صفة القادر،فهو على إعادته قادر لا محالة.(8:478)

نحوه الطّبرسيّ.(4:434)

القشيريّ: مهّد لهم سبيل الاستدلال،و قال:إنّ الإعادة في معنى الإبداء،فأيّ إشكال بقي في جواز الإعادة في الانتهاء؟و إنّ الّذي قدر على خلق النّار في الأغصان الرّطبة من المرخ و العفار،قادر على خلق الحياة في الرّمّة البالية.

ثمّ زاد في البيان بأن قال:إنّ القدرة على مثل الشّيء كالقدرة عليه،لاستوائهما بكلّ وجه،و إنّه يحيي النّفوس بعد موتها في العرصة،كما يحيي الإنسان من النّطفة و الطّير من البيضة،و يحيي القلوب بالعرفان لأهل الإيمان،كما يميت نفوس أهل الكفر بالهوى و الطّغيان.(5:225)

الواحديّ: قاس قدرة اللّه بقدرة الخلق،فأنكر إحياء العظم البالي لما لم يكن ذلك في مقدور الخلق.

(3:520)

الزّمخشريّ: فإن قلت:لم سمّي قوله: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ مثلا؟

قلت:لما دلّ عليه من قصّة عجيبة شبيهة بالمثل، و هي إنكار قدرة اللّه تعالى على إحياء الموتى،أو لما فيه من التّشبيه،لأنّ ما أنكر من قبيل ما يوصف اللّه بالقدرة عليه بدليل النّشأة الأولى،فإذا قيل:من يحيي العظام؟ على طريق الإنكار؛لأنّ يكون ذلك ممّا يوصف اللّه تعالى بكونه قادرا عليه،كان تعجيزا للّه و تشبيها له بخلقه،في أنّهم غير موصوفين بالقدرة عليه.(3:331)

الفخر الرّازيّ: المنكرون للحشر منهم من لم يذكر فيه دليلا و لا شبهة،و اكتفى بالاستبعاد،و ادّعى الضّرورة و هم الأكثرون،و يدلّ عليه قوله تعالى حكاية عنهم في كثير من المواضع بلفظ الاستبعاد،كما قال:

وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ السّجدة:10.[إلى أن قال:]

ثمّ إنّ استبعادهم كان من جهة ما في المعاد من التّفتّت و التّفرّق؛حيث قالوا: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ اختاروا العظم للذّكر،لأنّه أبعد عن الحياة لعدم الإحساس فيه،و وصفوه بما يقوّي جانب الاستبعاد من البلى و التّفتّت،و اللّه تعالى دفع استبعادهم من جهة ما في المعيد من القدرة و العلم،فقال: وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً أي جعل قدرتنا كقدرتهم،و نسي خلقه العجيب و بدأه

ص: 640

الغريب.

و منهم من ذكر شبهة و إن كانت في آخرها تعود إلى مجرّد الاستبعاد،و هي على وجهين:

أحدهما:أنّه بعد العدم لم يبق شيئا،فكيف يصحّ على العدم الحكم بالوجود؟و أجاب عن هذه الشّبهة بقوله تعالى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني كما خلق الإنسان و لم يكن شيئا مذكورا،كذلك يعيده و إن لم يبق شيئا مذكورا.

و ثانيها:أنّ من تفرّقت أجزاؤه في مشارق العالم و مغاربه،و صار بعضه في أبدان السّباع،و بعضه في جدران الرّباع كيف يجمع؟و أبعد من هذا هو أنّ إنسانا إذا أكل إنسانا و صار أجزاء المأكول في أجزاء الآكل،فإن أعيد،فأجزاء المأكول:إمّا أن تعاد إلى بدن الآكل،فلا يبقى للمأكول أجزاء تخلق منها أعضاؤه،و إمّا أن تعاد إلى بدن المأكول منه،فلا يبقى للآكل أجزاء.

فقال تعالى في إبطال هذه الشّبهة: وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ و وجهه هو أنّ في الآكل أجزاء أصليّة و أجزاء فضليّة،و في المأكول كذلك،فإذا أكل إنسان إنسانا صار الأصليّ من أجزاء المأكول فضليّا من أجزاء الآكل، و الأجزاء الأصليّة للآكل هي ما كان له قبل الأكل.و اللّه بكلّ خلق عليم يعلم الأصليّ من الفضليّ فيجمع الأجزاء الأصليّة للآكل و ينفخ فيها روحه،و يجمع الأجزاء الأصليّة للمأكول و ينفخ فيها روحه،و كذلك يجمع الأجزاء المتفرّقة في البقاء،المبدّدة في الأصقاع بحكمته الشّاملة و قدرته الكاملة.(26:109)

نحوه الشّربينيّ(3:366)،و النّيسابوريّ(23:33).

البيضاويّ: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ منكرا إيّاه مستبعدا له...

قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ فإنّ قدرته كما كانت،لامتناع التّغيّر فيه،و المادّة على حالها في القابليّة اللاّزمة لذاتها.(2:286)

النّسفيّ: من يثبت الحياة في العظام،و يقول:إنّ عظام الميتة نجسة؛لأنّ الموت يؤثّر فيها من قبل أنّ الحياة تحلّها،يتشبّث بهذه الآية،و هي عندنا طاهرة،و كذا الشّعر و العصب؛لأنّ الحياة لا تحلّها فلا يؤثّر فيها الموت.

و المراد بإحياء العظام في الآية:ردّها إلى ما كانت عليه غضّة رطبة في بدن حيّ حسّاس.(4:14)

نحوه أبو حيّان.(7:348)

أبو السّعود : وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً معطوف حينئذ على الجملة المنفيّة داخل في حيّز الإنكار و التّقبيح.و أمّا على التّقدير (1)الأوّل فهو عطف على الجملة الفجائيّة، و المعنى ففاجأ خصومتنا و ضرب لنا مثلا،أي أورد في شأننا قصّة عجيبة في نفس الأمر،هي في الغرابة و البعد عن العقول كالمثل،و هي إنكار إحيائنا العظام،أو قصّة عجيبة في زعمه،و استبعدها و عدّها من قبيل المثل، و أنكرها أشدّ الإنكار،و هي إحياؤنا إيّاها،و جعل لنا مثلا و نظيرا من الخلق،و قاس قدرتنا على قدرتهم،و نفى الكلّ على العموم.

وَ نَسِيَ خَلْقَهُ أي خلقنا إيّاه على الوجه المذكور الدّالّ على بطلان ما ضربه،إمّا عطف على(ضرب) داخل في حيّز الإنكار و التّعجيب،أو حال من فاعلهت.

ص: 641


1- ذكر تقديرات قد سبقت.

بإضمار«قد»أو بدونه. قالَ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل،كأنّه قيل:أيّ مثل ضرب،أو ما ذا قال،فقيل:قال: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ منكرا له أشدّ النّكير،مؤكّدا له بقوله تعالى: وَ هِيَ رَمِيمٌ أي بالية أشدّ البلى بعيدة من الحياة غاية البعد.

فالمثل على الأوّل هو إنكار إحيائه تعالى للعظام، فإنّه أمر عجيب في نفس الأمر،حقيق لغرابته و بعده من العقول بأن يعدّ مثلا،ضرورة جزم العقول ببطلان الإنكار و وقوع المنكر لكونه كالإنشاء،بل أهون منه في قياس العقل.

و على الثّاني هو إحياؤه تعالى لها،فإنّه أمر عجيب في زعمه قد استبعده و عدّه من قبيل المثل و أنكره أشدّ الإنكار،مع أنّه في نفس الأمر أقرب شيء من الوقوع،لما سبق من كونه مثل الإنشاء أو أهون منه.

و أمّا على الثّالث فلا فرق بين أن يكون المثل هو الإنكار أو المنكر.[ثمّ أدام نحو النّسفيّ](5:314)

الآلوسيّ: أي أوجدها و ربّاها أَوَّلَ مَرَّةٍ، أي في أوّل مرّة؛إذ لم يسبق لها إيجاد.و لا شكّ أنّ الإحياء بعد أهون من الإنشاء قبل،فمن قدر على الإنشاء كان على الإحياء أقدر و أقدر،و لا احتمال لعروض العجز،فإنّ قدرته عزّ و جلّ ذاتيّة أزليّة لا تقبل الزّوال و لا التّغيّر بوجه من الوجوه.(23:54)

ابن عاشور :و الاستفهام في قوله: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ إنكاريّ و(من)عامّة في كلّ من يسند إليه الخبر،فالمعنى:لا أحد يحيي العظام و هي رميم.فشمل عمومه إنكارهم أن يكون اللّه تعالى محييا للعظام و هي رميم،أي في حال كونها رميما.[إلى أن قال:]

أمر بجواب على طريقة الأسلوب الحكيم،بحمل استفهام القائل على خلاف مراده؛لأنّه لمّا قال: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ لم يكن قاصدا تطلّب تعيين المحيي،و إنّما أراد الاستحالة،فأجيب جواب من هو متطلّب علما،فقيل له: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ فلذلك بني الجواب على فعل الإحياء مسندا للمحيي.على أنّ الجواب صالح لأن يكون إبطالا للنّفي المراد من الاستفهام الإنكاريّ،كأنّه قيل:بل يحييها الّذي أنشأها أوّل مرّة،و لم يبن الجواب على بيان إمكان الإحياء،و إنّما جعل بيان الإمكان في جعل المسند إليه موصولا،لتدلّ الصّلة على الإمكان فيحصل الغرضان، فالموصول هنا إيماء إلى وجه بناء الخبر-و هو(يحييها)- أي يحييها،لأنّه أنشأها أوّل مرّة،فهو قادر على إنشائها ثاني مرّة،كما أنشأها أوّل مرّة.قال تعالى: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ الواقعة:62،و قال:

وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الرّوم:27.(22:278)

الطّباطبائيّ: و الآية مسوقة لرفع استبعاد جعل الشّيء الموات شيئا ذا حياة،و الحياة و الموت متنافيان.

و الجواب أنّه لا استبعاد فيه،فإنّه هو الّذي جعل لكم من الشّجر الأخضر الّذي يقطر ماء نارا،فإذا أنتم منه توقدون و تشعلون النّار.

و المراد به على المشهور بين المفسّرين:شجر المرخ و العفار،كانوا يأخذون منهما على خضرتهما،فيجعل العفار زندا أسفل،و يجعل المرخ زندا أعلى،فيسحق

ص: 642

الأعلى على الأسفل،فتنقدح النّار بإذن اللّه.فحصول الحيّ من الميّت ليس بأعجب من انقداح النّار من الشّجرة الخضراء،و هما متضادّان.[إلى أن قال:]

و المتحصّل من كلامه تعالى أنّ النّفس لا تموت بموت البدن،و أنّها محفوظة حتّى ترجع إلى اللّه سبحانه،كما تقدّم استفادته من قوله تعالى: وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ* قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ السّجدة:10،11 فالبدن اللاّحق من الإنسان إذا اعتبر بالقياس إلى البدن السّابق منه كان مثله لا عينه،لكنّ الإنسان ذا البدن اللاّحق إذا قيس إلى الإنسان ذي البدن السّابق كان عينه لا مثله؛لأنّ الشّخصيّة بالنّفس و هي واحدة بعينها.

و لمّا كان استبعاد المشركين في قولهم: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ راجعا إلى خلق البدن الجديد دون النّفس،أجاب سبحانه بإثبات إمكان خلق مثلهم،و أمّا عودهم بأعيانهم فهو إنّما يتمّ بتعلّق النّفوس و الأرواح المحفوظة عند اللّه بالأبدان المخلوقة جديدا،فتكوّن الأشخاص الموجودين في الدّنيا من النّاس بأعيانهم،كما قال تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى الأحقاف:33،فعلّق الإحياء على الموتى بأعيانهم،فقال:

عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى. و لم يقل:على أن يحيي أمثال الموتى.(17:112-114)

مكارم الشّيرازيّ: نقلت أغلب التّفاسير عن أبي عبد اللّه الصّادق عليه السّلام أنّه قال:«جاء أبيّ بن خلف فأخذ عظما باليا من حائط ففتّه،ثمّ قال:إذا كنّا عظاما و رفاتا إنّا لمبعوثون خلقا؟»فأنزل اللّه: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ.

قلنا:إنّ البحوث المختلفة حول المبدإ و المعاد و النّبوّة في سورة«يس»الّتي هي قلب القرآن،وردت بشكل مقاطع مختلفة،فهذه السّورة ابتدأت بمسألة النّبوّة، و اختتمت بسبع آيات تمثّل أقوى البيانات حول المعاد.

في البدء تأخذ بيد الإنسان و تشير له إلى بدء حياته في ذلك اليوم؛حيث كان نطفة مهينة لا غير،و تدعوه إلى التّأمّل و التّفكّر،فتقول: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. يا له من تعبير حيويّ؟ فالآية تؤكّد أوّلا مخاطبة الإنسان،أيّا كان و أيّ اعتقاد كان يعتقد،و على أيّ مستوى كان من العلم،فهو يستطيع إدراك هذه الحقيقة.

ثمّ تتحدّث عن«النّطفة»و الّتي هي لغويّا بمعنى«الماء المهين»لكي يعلم هذا الإنسان المغرور المتكبّر-بقليل من التّأمل-ما ذا كان في البدء؟كما أنّ هذا الماء المهين لم يكن هو السّبب في نشوئه و ظهوره،بل خليّة حيّة متناهية في الصّغر،لا ترى بالعين المجرّدة،من ضمن آلاف،بل ملايين الخلايا الأخرى الّتي كانت تسبح في ذلك الماء المهين،و باتّحادها مع خليّة صغيرة أخرى مستقرّة في رحم المرأة تكوّنت الخليّة البشريّة الأولى، و دخل الإنسان إلى عالم الوجود.

و تتواصل مراحل التّكامل الجنينيّ الواحدة بعد الأخرى،و الّتي هي ستّة مراحل كما نقلها القرآن الكريم

ص: 643

في بداية سورة«المؤمنون»:النّطفة،العلقة،المضغة، العظام،اكتساء العظام باللّحم،و تمثّل الخلق السّويّ.ثمّ إنّ الإنسان بعد الولادة كائن ضعيف جدّا،لا يملك القدرة على شيء،ثمّ يقطع مراحل نموّه بسرعة حتّى بلوغ الرّشد الجسمانيّ و العقليّ.

نعم،فهذا الموجود الضّعيف العاجز،يصبح قويّا إلى درجة أن يجيز لنفسه النّهوض لمحاربة الدّعوات الإلهيّة، و ينسى ماضيه و مستقبله،ليكون مصداقا حيّا لقوله تعالى: فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. و اللّطيف أنّ هذا التّعبير يتضمّن جنبتين:إحداهما تمثّل جانب القوّة،و الأخرى جانب الضّعف،و يظهر أنّ القرآن الكريم أشار إليهما جميعا.

إنّ هذا العمل لا يكون إلاّ من إنسان يملك عقلا و فكرا و شعورا و استقلالا و إرادة،و نحن نعلم بأنّ أهمّ مسألة في حياة الإنسان هي التّكلّم و الحديث الّذي يهيّأ محتواه مسبقا في الذّهن،ثمّ يصبّ في قالب من العبارات، و يطلق باتّجاه الهدف كالرّصاص المنطلق من فوهة البندقيّة،و هذا العمل لا يمكن حدوثه في أيّ كائن حيّ عدا الإنسان.

و بذلك فإنّ اللّه سبحانه و تعالى يجسّد قدرته في إعطاء هذا الماء المهين هذه القوّة العظيمة،هذا من جانب.

و من جانب آخر فإنّ الإنسان مخلوق مغرور و كثير النّسيان،فهو يستغلّ كلّ هذه النّعم-الّتي أولاها إيّاه وليّ نعمته-ضدّه في المجادلة و المخاصمة،فيا له من مغفّل أحمق!

يكفي لمعرفة مدى غفلته و حمقه أنّه: وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ.

المقصود من ضرب المثل هنا:نفس المعنى بدون التّشبيه و الكناية.فالمقصود هو الاستدلال و ذكر مصداق لإثبات مطلب معيّن.نعم فإنّ أبيّ بن خلف أو أميّة بن خلف.أو العاص بن وائل،كان قد وجد قطعة متفسّخة من عظم لم يكن معلوما لمن؟و هل مات موتا طبيعيّا؟أو في واحدة من حروب العصر الجاهليّ المهولة؟أو مات جوعا؟و بأيّ شكل فكّر حتّى وجد فيه دليلا قويّا لنفي المعاد!فحمل تلك القطعة من العظم،و ذهب حانقا و فرحا في نفس الوقت،و هو يقول:لأخصمنّ محمّدا.

فذهب إلى الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله،و هو في عجلة من أمره،ليقول له:قل لي:من ذا الّذي يستطيع أن يلبس هذا العظم البالي لباس الحياة من جديد؟و فتّ بيده قسما من العظم و ذرّه على الأرض،و اعتقد بأنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله سيتحيّر في الجواب و لا يملك ردّا.

و الجميل أنّ القرآن الكريم أجابه بجملة وجيزة مقتضبة،و هي قوله تعالى: وَ نَسِيَ خَلْقَهُ. و إن كان قد أردف مضيفا توضيحا أكثر و دلائل أكثر.فكأنّه يقول:

لو لم تنس بدء خلقك لما استدللت بهذا الاستدلال الواهي الفارغ أبدا.

أيّها الإنسان الكثير النّسيان،عد قليلا إلى الوراء و انظر في خلقك،كيف كنت نطفة تافهة و كلّ يوم أنت في لبس جديد من مراحل الحياة،فأنت في حال موت و بعث مستمرّين،فمن جماد أصبحت رجلا بالغا،و بكمّيّة من عالم النّبات الجامد،و من عالم الحيوان الميّت أيضا أصبحت إنسانا،و لكنّك نسيت كلّ ذلك،و صرت تسأل:

ص: 644

من يحيي العظام و هي رميم؟أ لم تكن أنت في البدء ترابا، كما هو حال هذه العظام بعد تفسّخها؟!

لذا فإنّ اللّه سبحانه و تعالى يأمر الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بأن يقول لهذا المغرور الأحمق النّاسي: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ.

فإذا كان بين يديك اليوم بقيّة من العظام المتفسّخة تذكّرك به،فقد مرّ يوم لم تكن فيه شيئا و لا حتّى ترابا، نعم،أ فليس سهلا على من خلقك من العدم أن يعيد الحياة إلى العظام المهترئة؟!

و إذا كنت تعتقد بأنّ هذه العظام بعد تفسّخها تصبح ترابا و تنتشر في الأصقاع،و من يستطيع عند ذلك أن يجمع تلك الأجزاء المبعثرة من نقاط انتشارها؟فإنّ الجواب على ذلك أيضا واضح: وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ.

فمن كان له مثل هذا«العلم»و هذه«القدرة»فإنّ مسألة المعاد و إحياء الموتى لا تشكّل بالنّسبة إليه أيّة مشكلة.فنحن نستطيع بقطعة من«المغناطيس»جمع برادة الحديد المبثوثة في كمّيّة من التّراب و في لحظات، و اللّه العالم القادر يستطيع كذلك بأمر واحد أن يجمع ذرّات بدن الإنسان من كلّ موضع كانت فيه من الكرة الأرضيّة،فهو العالم و ليس العالم بخلق الإنسان فقط،بل هو العالم بنواياه و أعماله أيضا،المحيط بكلّ شيء علما، و هو على كلّ شيء قدير.

و عليه فإنّ الحساب على الأعمال و النّوايا و الاعتقادات المضمرة لا يشكّل له تعالى أدنى مشكلة أيضا،فكما ورد في الآية:284،من سورة البقرة: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ، و كذلك حينما أظهر فرعون شكّا في قدرة اللّه على المعاد و إحياء القرون السّابقة،أجابه موسى عليه السّلام: قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى طه:55.

(14:220)

[لاحظ في خ ل ق:ذيل هذه الآية تحقيقا لطيفا لخلق الجسد و النّفس للطّباطبائيّ،و فضل اللّه]

11- لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الحديد:2

الطّبريّ: يحيي ما يشاء من الخلق،بأن يوجده كيف يشاء؛و ذلك بأن يحدث من النّطفة الميّتة حيوانا بنفخ الرّوح فيها،من بعد تارات يقلّبها فيها،و نحو ذلك من الأشياء،و يميت ما يشاء من الأحياء بعد الحياة،بعد بلوغه أجله فيفنيه.(27:215)

نحوه المراغيّ: (27:159)،و القاسميّ(16:5671).

الزّجّاج: أي يحيي الموتى يوم القيامة،و يميت الأحياء في الدّنيا،و يكون يُحْيِي وَ يُمِيتُ: يحيي النّطف الّتي إنّما هي موات،و يميت الأحياء.و يكون موضع يُحْيِي وَ يُمِيتُ رفعا على معنى:هو يحيي و يميت،و يجوز أن يكون نصبا على معنى:له ملك السّماوات و الأرض محييا و مميتا قادرا.(5:121)

الطّوسيّ: معناه يحيي الموات،لأنّه يجعل النّطفة- و هي جماد-حيوانا،و يحييها بعد موتها يوم القيامة، و يميت الأحياء إذا بلغوا آجالهم الّتي قدّرها لهم.

(9:518)

الطّبرسيّ: أي يحيي الأموات للبعث،و يميت

ص: 645

الأحياء في الدّنيا.[ثمّ نقل كلام الطّوسيّ](5:230)

مثله الخازن(7:25)،و نحوه القرطبيّ(17:236).

الفخر الرّازيّ: ذكر المفسّرون فيه وجهين:

أحدهما:يحيي الأموات للبعث،و يميت الأحياء في الدّنيا.

و الثّاني:قال الزّجّاج:يحيى النّطف فيجعلها أشخاصا عقلاء فاهمين ناطقين و يميت.

و عندي فيه وجه ثالث،و هو:أنّه ليس المراد من تخصيص الإحياء و الإماتة بزمان معيّن و بأشخاص معيّنين،بل معناه أنّه هو القادر على خلق الحياة و الموت، كما قال في سورة الملك:2: اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ و المقصود منه كونه سبحانه هو المنفرد بإيجاد هاتين الماهيّتين على الإطلاق،لا يمنعه عنهما مانع،و لا يردّه عنهما رادّ.و حينئذ يدخل فيه الوجهان اللّذان ذكرهما المفسّرون.(29:208)

البيضاويّ: يُحْيِي وَ يُمِيتُ استئناف،أو خبر لمحذوف،أو حال من المجرور في(له).(2:451)

نحوه النّسفيّ.(4:222)

أبو حيّان : يُحْيِي وَ يُمِيتُ جملة مستقلّة لا موضع لها من الإعراب،لقوله: لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ. لمّا أخبر بأنّه له الملك أخبر عن ذاته بهذين الوصفين العظيمين اللّذين بهما تمام التّصرّف في الملك، و هو إيجاد ما شاء،و إعدام ما شاء،و لذلك أعقب بالقدرة الّتي بها الإحياء و الإماتة.و جوّز أن يكون خبر مبتدإ، أي هو يحيي و يميت،و أن يكون حالا،و ذو الحال الضّمير في(له)،و العامل فيها العامل في الجارّ و المجرور.

(8:217)

الشّربينيّ: أي له صفة الإحياء،فيحيي ما شاء من الخلق،بأن يوجده على صفة الحياة كيف شاء،في أطوار يقلّبها كيف شاء و ممّا شاء،(و يميت)أي له هاتان الصّفتان على سبيل الاختيار و التّجدّد و الاستمرار،فهو قادر على البعث بدليل ما ثبت له من صفة الإحياء.

(4:201)

أبو السّعود :استئناف مبيّن لبعض أحكام الملك و التّصرّف،و جعله حالا من ضمير(له)ليس كما ينبغي.

(6:199)

البروسويّ: استئناف مبيّن لبعض أحكام الملك، أي يحيي الموتى و النّطف و البيض،و يميت الأحياء.و معنى الإحياء و الإماتة جعل الشّيء حيّا و جعله ميّتا.

و قد يستعاران للهداية و الإضلال،في نحو قوله: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ و هو يحيي القلوب بتجلّي اسم المحيي،و يميت النّفوس بتجلّي اسم المميت،أو يحيي النّفوس بموت القلوب،و يميت القلوب بحياة النّفوس، على طريق المغالبة.

و قال ابن عطاء رحمه اللّه:هو مالك الكلّ،و له الملك أجمع، يميت من يشاء بالاشتغال بالملك،و يحيي من يشاء بالإقبال على الملك.(9:346)

الآلوسيّ: أي يفعل الإحياء و الإماتة،استئناف مبيّن لبعض أحكام الملك،و إذا جعل خبر مبتدإ محذوف، أي هو يحيي و يميت،كانت تلك الجملة كذلك.و جعله حالا من ضمير(له)يوهم تقييد اختصاص الملك بهذه الحال.(27:165)

ص: 646

سيّد قطب:و الحياة ما تزال سرّا في طبيعتها،و سرّا في مصدرها،و لا يملك أحد أن يقول:من أين جاءت،و لا كيف جاءت؟فضلا على أنّ أحدا لا يدري ما هي على وجه الحقيقة.

و النّصّ القرآنيّ يقول:إنّ اللّه هو الّذي يحيي،الّذي يعطي الحياة للأحياء،و ما يملك أحد أن ينكر هذا،و لا أن يثبت غيره.و الموت كالحياة سرّ مغلّف؛و لا يعرف أحد طبيعته،و لا يملك أحد أن يحدثه،لأنّ أحدا غير واهب الحياة لا يملك سلبها...و هذا و ذلك من مظاهر الملكيّة المطلقة للّه في السّماوات و الأرض يحيي و يميت.

(6:3478)

الطّباطبائيّ: و قوله: يُحْيِي وَ يُمِيتُ إشارة إلى اسميه:المحيي و المميت،و إطلاق يُحْيِي وَ يُمِيتُ يفيد شمولهما لكلّ إحياء و إماتة،كإيجاده الملائكة أحياء من غير سبق موت،و إحيائه الجنين في بطن أمّه،و إحيائه الموتى في البعث،و إيجاده الجماد ميّتا من غير سبق حياة، و إماتته الإنسان في الدّنيا،و إماتته ثانيا في البرزخ،على ما يشير إليه قوله: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ المؤمن:11،و في يُحْيِي وَ يُمِيتُ دلالة على الاستمرار.

(19:144)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ مسألة الإحياء و الإماتة قد ذكرت في آيات عديدة في القرآن الكريم،و هما موضوعان لم تتوضّح أسرارهما المعقّدة لأيّ شخص،كما لا يوجد شخص يعلم بوضوح حقيقة الحياة و لا حقيقة الموت،إلاّ أنّ الّذي نعلمه عنهما هو آثارهما.و العجيب أنّ الحياة أقرب شيء لنا،و لكنّنا لا نعرف أيّ شيء عن حقيقتها و أسرارها.

و النّقطة الجديرة بالملاحظة هنا أنّ جملة يُحْيِي وَ يُمِيتُ جاءت بصورة فعل مضارع ممّا يدلّل على استمرار مسألة الحياة و الموت على طول الأزمنة، و إطلاق هذين المعنيين لا يشمل حياة و موت الإنسان في هذا العالم فقط،بل يشمل كلّ حياة و ممات بدء من الملائكة و انتهاء بكلّ موجود حيّ من الحيوانات و النّباتات المختلفة،كما أنّها لا تقتصر على الحياة الدّنيا فقط،بل تشمل حياة البرزخ و القيامة أيضا.

نعم إنّ الموت و الحياة بكلّ أشكالها بيد القدرة الإلهيّة المتعالية.(18:14)

12- اِعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها.

الحديد:18

الطّبريّ: كما نحيي هذه الأرض الميتة بعد دروسها، كذلك نهدي الإنسان الضّالّ عن الحقّ إلى الحقّ،فنوفّقه و نسدّده للإيمان،حتّى يصير مؤمنا من بعد كفره،و مهتديا من بعد ضلاله...(27:229)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:يلين القلوب بعد قسوتها،قاله صالح المريّ.

الثّاني:يحتمل أنّه يصلح الفساد.

الثّالث:أنّه مثل ضربه لإحياء الموتى.(5:478)

القشيريّ: يحيي الأرض بعد موتها:بإنزال المطر عليها و إخراج النّبت منها.و يحيي القلوب الميّتة-بعد إعراض الحقّ عنها-بحسن إقباله عليها.(6:107)

ابن عطيّة: الآية مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الّذين

ص: 647

ندبوا إلى الخشوع،و هذا ضرب مثل و استدعاء إلى الخير،رقيق و تقريب بليغ،أي لا يبعد عنكم أيّها التّاركون للخشوع رجوعكم إليه و تلبّسكم به، أَنَّ اللّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فكذلك يفعل بالقلوب، يردّها إلى الخشوع بعد بعدها عنه،و ترجع هي إليه إذا وقعت الإنابة و التّكسّب من العبد بعد نفورها منه،كما تحيا الأرض بعد أن كانت ميتة غبراء.(5:264)

البيضاويّ: تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذّكر و التّلاوة،أو لإحياء الأموات ترغيبا في الخشوع،و زجرا عن القساوة.(2:454)

نحوه النّسفيّ.(4:226)

أبو حيّان :يظهر أنّه تمثيل لتليين القلوب بعد قسوتها،و لتأثير ذكر اللّه فيها،كما يؤثّر الغيث في الأرض فتعود بعد إجدابها مخصبة،كذلك تعود القلوب النّافرة مقبلة يظهر فيها أثر الطّاعات و الخشوع.(8:223)

نحوه ابن كثير.(6:560)

أبو السّعود :تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذّكر و التّلاوة بإحياء الأرض الميتة بالغيث،للتّرغيب في الخشوع،و التّحذير عن القساوة.(6:205)

مثله البروسويّ(9:365)،و الآلوسيّ(27:181)، و مكارم الشّيرازيّ(18:46).

سيّد قطب :و في هذا القرآن ما يحيي القلوب،كما تحيا الأرض،و ما يمدّها بالغذاء و الرّيّ و الدّفء.

(6:3489)

مغنيّة:قال كثير من المفسّرين:إنّ هذا تشبيه للقلوب القاسية بالأرض الميتة،و أنّه تعالى كما يحيي هذه بالمطر،كذلك يهدي القلوب القاسية بالموعظة.

و في رأينا أنّه تهديد للّذين ينقلبون على أعقابهم بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و أنّه تعالى سيحييهم تماما كما يحيي الأرض، و يجزيهم على ارتدادهم بعد نبيّهم،و يؤيّد إرادة هذا المعنى قوله تعالى بلا فاصل: قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، إنّكم مسئولون يوم القيامة عمّا أحدثتم بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.(7:248)

و تقدّم بعض النّصوص في أرض:«يحيى الارض» فلاحظ.

نحى

1- وَ إِنّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ.

الحجر:23

القشيريّ: نحيي قلوبهم بالمشاهدة،و نميت نفوسهم بالمجاهدة.

و يقال:نحييهم بأن نفنيهم بالمشاهدة،و نميتهم بأن نأخذهم عن شواهدهم.

و يقال:يحيي المريدين بذكره،و يميت الغافلين بهجره.

و يقال:يحيي قوما بموافقة الأمر في الطّاعات،و يميت قوما بمتابعة الشّهوات.

و يقال:يحيي قوما بأن يلاطفهم بلطف جماله،و يميت قوما بأن يحجبهم عن أفضاله.(3:268)

الغزاليّ: معنى المحيي و المميت:الموجد،و لكنّ الوجود إذا كان هو الحياة سمّي فعله إحياء،و إذا كان هو الموت سمّي فعله إماتة،و لا خالق للموت و الحياة إلاّ اللّه،

ص: 648

فمرجع هذين الاسمين إلى صفات الفعل.

(البروسويّ 4:454)

ابن عطيّة: فمعنى هذه:و إنّا لنحن نحيي من نشاء بإخراجه من العدم إلى وجود الحياة،و بردّه عند البعث من مرقده ميّتا،و نميت بإزالة الحياة عمّن كان حيّا.

(3:357)

الفخر الرّازيّ: فيه قولان:منهم من حمله على القدر المشترك بين إحياء النّبات و الحيوان.و منهم من يقول:وصف النّبات بالإحياء مجاز،فوجب تخصيصه بإحياء الحيوان،و لمّا ثبت بالدّلائل العقليّة أنّه لا قدرة على خلق الحياة إلاّ للحقّ سبحانه،كان حصول الحياة للحيوان دليلا قاطعا على وجود الإله الفاعل المختار.

و قوله: وَ إِنّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ يفيد الحصر،أي لا قدرة على الإحياء و لا على الإماتة إلاّ لنا.(19:177)

نحوه النّيسابوريّ(14:16)،و الخازن(4:52).

البيضاويّ: وَ إِنّا لَنَحْنُ نُحْيِي بإيجاد الحياة في بعض الأجسام القابلة لها وَ نُمِيتُ بإزالتها،و قد أوّل الحياة بما يعمّ الحيوان و النّبات،و تكرير الضّمير للدّلالة على الحصر.(1:540)

النّسفيّ: أي نحيي بالإيجاد و نميت بالإفناء،أو نميت عند انقضاء الآجال و نحيي لجزاء الأعمال،على التّقديم و التّأخير؛إذ(الواو)للجمع المطلق.(2:271)

الشّربينيّ: أي لنا هذه الصّفة على وجه العظمة، فنحيي بها من نشاء من الحيوان بروح البدن،و من الرّوح بالمعارف،و من النّبات بالنّموّ،و إن كان أحدهما حقيقة و الآخر مجازا؛لأنّ الجمع جائز.(2:199)

أبو السّعود:[نحو البيضاويّ إلاّ أنّه قال:]و تقديم الضّمير للحصر،و هو إمّا تأكيد للأوّل أو مبتدأ خبره الفعل،و الجملة خبر ل(انّا)،و لا يجوز كونه ضمير الفصل،لا لأنّ اللاّم مانعة من ذلك كما قيل،فإنّ النّحاة جوّزوا دخول لام التّأكيد على ضمير الفصل،كما في قوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ آل عمران:62،بل لأنّه لم يقع بين اسمين.(4:15)

نحوه البروسويّ.(4:454)

الآلوسيّ: وَ إِنّا لَنَحْنُ نُحْيِي بإيجاد الحياة في بعض الأجسام القابلة لها،(و نميت)بإزالتها عنها.فالحياة صفة وجوديّة،و هي كما قيل:صفة تقتضي الحسّ و الحركة الإراديّة،و الموت زوال تلك الصّفة.و قال بعضهم:إنّه صفة وجوديّة تضادّ الحياة،لظاهر قوله تعالى: اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ الملك:2،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تحقيق ذلك.

و قد يعمّم الإحياء و الإماتة بحيث يشمل الحيوان و النّبات،مثل أن يقال:المراد إعطاء قوّة النّماء و سلبها، و تقديم الضّمير للحصر،و هو إمّا توكيد للأوّل أو مبتدأ خبره الجملة بعده،و المجموع خبر ل«انّا».

و جوّز كونه ضمير فصل،و ردّه أبو البقاء بوجهين:

أحدهما:أنّه لا يدخل على الخبر الفعليّ،و الثّاني:أنّ اللاّم لا تدخل عليه.

و تعقّب ذلك في«الدّرّ المصون»،بأنّ الثّاني غلط، فإنّه ورد دخول اللاّم عليه في قوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ آل عمران:62،و دخوله على المضارع ممّا ذهب إليه الجرجانيّ و بعض النّحاة،و جعلوا من ذلك

ص: 649

قوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ البروج:13،و لعلّ ذلك المجوّز ممّن يرى هذا الرّأي.

و العجب من أبي البقاء فإنّه ردّ ذلك هنا،و جوّزه في قوله تعالى: وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ فاطر:10،كما نقله في«المغني».(14:32)

الطّباطبائيّ: الكلام مسوق للحصر،يريد بيان رجوع كلّ التّدبير إليه،و قد كان ما عدّه من النّعم، كالسّماء ببروجها،و الأرض برواسيها،و إنبات كلّ شيء موزون،و جعل المعايش،و إرسال اللّواقح،و إنزال الماء من السّماء،إنّما يتمّ نظاما مبنيّا على الحكمة و العلم إذا انضمّ إليه الحياة و الموت و الحشر،و كان ممّا ربّما يظنّ أنّ بعض الحياة و الموت ليس إليه تعالى،و لذا أكّد الكلام و أتى بالحصر دفعا لذلك.(12:146)

مكارم الشّيرازيّ: يذكر مسألة الحياة و الموت الّتي تعتبر من أهمّ المقدّمات لبحث موضوع المعاد، إضافة لكون هذه المسألة من مكمّلات موضوع التّوحيد، باعتبار مسألة الحياة منذ بدايتها و حتّى انتهائها بالموت، تشكّل نظاما مترابطا في عالم الوجود،لا يمكن تصوّر تشكيله إلاّ بوجود علم و قدرة مطلقين،بالإضافة إلى أنّ وجود الحياة و الموت بحدّ ذاته دليل على أنّ موجودات هذا العالم لا تملك زمام أنفسها،ناهيك عمّا هو بأيديها.

(8:53)

2- لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَ نُسْقِيَهُ مِمّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَ أَناسِيَّ كَثِيراً. الفرقان:49

الماورديّ: و هي الّتي لا عمارة فيها و لا زرع، و إحياؤها يكون بنبات زرعها و شجرها،فكما أنّ الماء يطهّر الأبدان من الأحداث و الأنجاس،كذلك الماء يطهّر الأرض من القحط و الجدب.(4:148)

القشيريّ: أنزل من السّماء ماء المطر،فأحيا به الغياض و الرّياض،و أنبت به الأزهار و الأنوار،و أنزل من السّماء ماء الرّحمة فغسل العصاة ما تلطّخوا به من الأوضار،و ما تدنّسوا به من الأوزار.(4:312)

الزّمخشريّ: فإن قلت:لم قدّم إحياء الأرض و سقي الأنعام على سقي الأناسيّ؟

قلت:لأنّ حياة الأناسيّ بحياة أرضهم و حياة أنعامهم،فقدّم ما هو سبب حياتهم و تعيّشهم على سقيهم،و لأنّهم إذا ظفروا بما يكون سقيا أرضهم و مواشيهم لم يعدموا سقياهم.(3:95)

مثله الفخر الرّازيّ.(24:91)

3- إِنّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ. يس:12

الضّحّاك: نحييهم بالإيمان بعد الكفر.

(الماورديّ 5:9)

الحسن :إحياؤهم أن يخرجهم من الشّرك إلى الإيمان.(الزّمخشريّ 3:316)

يحيى بن سلاّم:بالبعث للجزاء.(الماورديّ 5:9)

القشيريّ: نحيي قلوبا ماتت بالقسوة بما نمطر عليها من صوب الإقبال و الزّلفة.(5:213)

الزّمخشريّ: نبعثهم بعد مماتهم.(3:316)

أبو حيّان :أي بعد مماتهم.و أبعد الحسن و الضّحّاك

ص: 650

في قوله:إحياؤهم:إخراجهم من الشّرك إلى الإيمان.

(7:325)

أبو السّعود :بيان لشأن عظيم ينطوي على الإنذار و التّبشير انطواء إجماليّا،أي نبعثهم بعد مماتهم.[ثم نقل كلام الحسن و قال:]

فهو حينئذ عدة كريمة بتحقيق المبشّر به.(5:292)

نحوه البروسويّ.(7:374)

الطّباطبائيّ: المراد بإحياء الموتى:إحياؤهم للجزاء.(17:66)

مكارم الشّيرازيّ: الاستناد إلى لفظة(نحن) إشارة إلى القدرة العظيمة الّتي تعرفونها في(نحن)، و كذلك قطع الطّريق أمام البحث و التّساؤل في كيف يحيي العظام و هي رميم،و يبعث الرّوح في الأبدان من جديد؟(14:131)

فلنحيينّه حيوة طيّبة

مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. النّحل:97

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّها القناعة و الرّضا بما قسّم اللّه.

مثله الحسن و وهب.(الطّبرسيّ 3:384)

نحوه الإمام عليّ عليه السّلام(الطّبريّ 14:171)،و الإمام الحسن عليه السّلام(ابن عطيّة 3:412)،و ابن عبّاس(230).

ابن عبّاس: في الجنّة.الرّزق الحلال.(230)

مثله سعيد بن جبير،و عطاء،و الضّحّاك.

(القرطبيّ 10:174)

الرّزق الحسن في الدّنيا.

الرّزق الطّيّب في الدّنيا.

السّعادة.(الطّبريّ 14:170)

حياة طيّبة في الدّنيا بالرّزق الحلال،و تيسير صالح الأعمال،و تصفية حياته من الهموم و الآفات.

(الميبديّ 5:445)

مجاهد :الآخرة،يحييهم حياة طيّبة في الآخرة.

(الطّبريّ 14:171)

هي الجنّة.(البغويّ 3:95)

مثله قتادة،و ابن زيد.(الطّبريّ 14:171)

عكرمة :أنّها الطّاعة.(ابن الجوزيّ 4:489)

الضّحّاك: الرّزق الطّيّب الحلال.

(الطّبريّ 14:170)

يأكل حلالا و يلبس حلالا.(الطّبريّ 14:171)

من عمل عملا صالحا و هو مؤمن في فاقة أو ميسرة، فحياته طيّبة،و من أعرض عن ذكر اللّه،فلم يؤمن و لم يعمل صالحا،عيشته ضنكة لا خير فيها.

(الطّبريّ 14:171)

أن يكون مؤمنا باللّه،عاملا بطاعته.

(الماورديّ 3:212)

الحسن :لا تطيب لأحد حياة دون الجنّة.

(الطّبريّ 14:171)

هي حياة الآخرة،و نعيم الجنّة.(ابن عطيّة 3:419)

قتادة :أنّها رزق يوم بيوم.(ابن الجوزيّ 4:489)

الإمام الصّادق عليه السّلام:هي المعرفة باللّه،و صدق المقام بين يدي اللّه.(القرطبيّ 10:174)

ص: 651

مقاتل:يعني العيش في الطّاعة.(البغويّ 3:95)

السّدّيّ: إنّ هذه الحياة الطّيّبة إنّما تحصل في القبر.

(الفخر الرّازيّ 20:113)

سهل التّستريّ: هي أن ينزع عن العبد تدبيره، و يردّ تدبيره إلى الحقّ.(القرطبيّ 10:174)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في الّذي عنى اللّه بالحياة الطّيّبة الّتي وعد هؤلاء القوم أن يحييهموها.

فقال بعضهم:عنى أنّه يحييهم في الدّنيا ما عاشوا فيها بالرّزق الحلال.

و قال آخرون:بأن نرزقه القناعة.

و قال آخرون:بل يعني بالحياة الطّيّبة:الحياة مؤمنا باللّه عاملا بطاعته.

و قال آخرون:الحياة الطّيّبة:السّعادة.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:الحياة في الجنّة.

و أولى الأقوال بالصّواب قول من قال:تأويل ذلك:

فلنحيينّه حياة طيّبة بالقناعة؛و ذلك أنّ من قنّعه اللّه بما قسم له من رزق لم يكثر للدّنيا تعبه،و لم يعظم فيها نصبه،و لم يتكدّر فيها عيشه،باتّباعه بغية ما فاته منها، و حرصه على ما لعلّه لا يدركه فيها.

و إنّما قلت:ذلك أولى التّأويلات في ذلك بالآية،لأنّ اللّه تعالى ذكره أوعد قوما قبلها على معصيتهم إيّاه،إن عصوه أذاقهم السّوء في الدّنيا،و العذاب في الآخرة،فقال تعالى: وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ*فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها*وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ النّحل:94،فهذا لهم في الدّنيا: وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ البقرة:114،فهذا لهم في الآخرة.

ثمّ أتبع ذلك ما لمن أوفى بعهد اللّه و أطاعه،فقال تعالى: ما عِنْدَكُمْ في الدّنيا يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ النّحل:96،فالّذي هذه السّيّئة بحكمته (1)أن يعقب ذلك الوعد لأهل طاعته بالإحسان في الدّنيا و الغفران في الآخرة،و كذلك فعل تعالى ذكره.

و أمّا القول الّذي روي عن ابن عبّاس أنّه الرّزق الحلال،فهو محتمل أن يكون معناه الّذي قلنا في ذلك:من أنّه تعالى يقنعه في الدّنيا بالّذي يرزقه من الحلال،و إن قلّ فلا تدعوه نفسه إلى الكثير منه من غير حلّه،لا أنّه يرزقه الكثير من الحلال؛و ذلك أنّ أكثر العاملين للّه تعالى بما يرضاه من الأعمال،لم نرهم رزقوا الرّزق الكثير من الحلال في الدّنيا،و وجدنا ضيق العيش عليهم أغلب من السّعة.(14:170)

القمّيّ: القنوع بما رزقه اللّه.(1:390)

الماورديّ: [نقل الأقوال المتقدّمة و قال:]

و يحتمل سادسا:أن تكون الحياة الطّيّبة:العافية و الكفاية.

و يحتمل سابعا:أنّها الرّضا بالقضاء.(3:212)

الطّوسيّ: [نقل الأقوال و قال:]

قال قوم:الأولى أن يكون المراد بها القناعة في الدّنيا، لأنّه عقيب ما توعّد غيرهم به من العقوبة فيها،مع أنّ أكثر المؤمنين ليسوا بمتّسعي الرّزق في الدّنيا.(6:424)

القشيريّ: ما تلك الحياة الطّيّبة فإنّه لا يعرفخ.

ص: 652


1- جاء في الهامش:هذه العبارة قد سقطت منها كلمات. و لعلّ الأصل:فالّذي أوعد أهل المعاصي بإذاقتهم هذه السّيّئة بحكمته،أراد أن يعقب إلخ.

بالنّطق،و إنّما يعرف ذلك بالذّوق؟فقوم قالوا:إنّه حلاوة الطّاعة،و قوم قالوا:إنّه القناعة،و قوم قالوا:إنّه الرّضا، و قوم قالوا:إنّه النّجوى،و قوم قالوا:إنّه نسيم القرب.

و الكلّ صحيح،و لكلّ واحد أهل.

و يقال:الحياة الطّيّبة ما يكون مع المحبوب،و في معناه قالوا:

نحن في أكمل السّرور و لكن

ليس إلاّ بكم يتمّ السّرور

عيب ما نحن فيه يا أهل ودّي

أنّكم غيّب و نحن حضور

و يقال:الحياة الطّيّبة للأولياء ألاّ تكون لهم حاجة و لا سؤال و لا أرب و لا مطالبة.و فرق بين من له إرادة فترفع،و بين من لا إرادة له فلا يريد شيئا،الأوّلون قائمون بشرط العبوديّة،و الآخرون معتقون بشرط الحرّيّة.(3:320)

أبو بكر الورّاق:هي حلاوة الطّاعة.

(البغويّ 3:95)

الميبديّ: روي[عن ابن عبّاس:هي]القناعة، يقال:عنى بذلك قوت يوم بيوم،و هو عيش الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و الصّالحين.(5:445)

الزّمخشريّ: يعني في الدّنيا،و هو الظّاهر لقوله:

وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ وعده اللّه ثواب الدّنيا و الآخرة،كقوله:

فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ آل عمران:148؛و ذلك أنّ المؤمن مع العمل الصّالح- موسرا كان أو معسرا-يعيش عيشا طيّبا،إن كان موسرا فلا مقال فيه،و إن كان معسرا فمعه ما يطيّب عيشه و هو القناعة و الرّضا بقسمة اللّه.و أمّا الفاجر فأمره على العكس،إن كان معسرا فلا إشكال في أمره،و إن كان موسرا فالحرص لا يدعه أن يتهنّأ بعيشه.(2:427)

نحوه الشّربينيّ(2:260)،و أبو السّعود(4:91).

ابن عطيّة: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و هناك هو الطّيّب على الإطلاق،و لكن ظاهر هذا الوعد أنّه في الدّنيا،و الّذي أقول:إنّ طيب الحياة اللاّزم للصّالحين إنّما هو بنشاط نفوسهم و نيلها و قوّة رجائهم، و الرّجاء للنّفس أمر ملذّ،فبهذا تطيب حياتهم،و أنّهم احتقروا الدّنيا فزالت همومها عنهم،فإن انضاف إلى هذا مال حلال و صحّة،أو قناعة فذلك كمال،و إلاّ فالطّيب فيما ذكرناه راتب.و جاء قوله: فَلَنُحْيِيَنَّهُ على لفظ (من)،و قوله: وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ على معناها،و هذا وعد بنعيم الجنّة.(3:419)

الطّبرسيّ: [اكتفى بنقل الأقوال المتقدّمة]

(3:384)

الفخر الرّازيّ: [فيه سؤالات ذكرها إلى أن قال:]

السّؤال الرّابع:هذه الحياة الطّيّبة تحصل في الدّنيا أو في القبر أو في الآخرة.

و الجواب فيه ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:قال القاضي:الأقرب أنّها تحصل في الدّنيا،بدليل أنّه تعالى أعقبه بقوله: وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ و لا شبهة في أنّ المراد منه ما يكون في الآخرة.

و لقائل أن يقول:لا يبعد أن يكون المراد من«الحياة الطّيّبة»ما يحصل في الآخرة،ثمّ إنّه مع ذلك وعدهم اللّه

ص: 653

على أنّه إنّما يجزيهم على ما هو أحسن أعمالهم،فهذا لا امتناع فيه.

فإن قيل:بتقدير أن تكون هذه الحياة الطّيّبة إنّما تحصل في الدّنيا فما هي؟

و الجواب:ذكروا فيه وجوها:قيل:هو الرّزق الحلال الطّيّب،و قيل:عبادة اللّه مع أكل الحلال،و قيل:القناعة، و قيل:رزق يوم بيوم،كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول في دعائه:

«قنّعني بما رزقتني».و عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه كان يدعو:«اللّهمّ اجعل رزق آل محمّد كفافا».قال الواحديّ: و قول من يقول:إنّه القناعة،حسن مختار،لأنّه لا يطيب عيش أحد في الدّنيا إلاّ عيش القانع،و أمّا الحريص فإنّه يكون أبدا في الكدّ و العناء.

و اعلم أنّ عيش المؤمن في الدّنيا أطيب من عيش الكافر لوجوه:

الأوّل:أنّه لمّا عرف أنّ رزقه إنّما حصل بتدبير اللّه تعالى،و عرف أنّه تعالى محسن كريم لا يفعل إلاّ الصّواب، كان راضيا بكلّ ما قضاه و قدّره،و علم أنّ مصلحته في ذلك،أمّا الجاهل فلا يعرف هذه الأصول،فكان أبدا في الحزن و الشّقاء.

و ثانيها:أنّ المؤمن أبدا يستحضر في عقله أنواع المصائب و المحن و يقدّر وقوعها،و على تقدير وقوعها يرضى بها،لأنّ الرّضا بقضاء اللّه تعالى واجب،فعند وقوعها لا يستعظمها،بخلاف الجاهل فإنّه يكون غافلا عن تلك المعارف،فعند وقوع المصائب يعظم تأثيرها في قلبه.

و ثالثها:أنّ قلب المؤمن منشرح بنور معرفة اللّه تعالى،القلب إذا كان مملوء من هذه المعارف لم يتّسع للأحزان الواقعة بسبب أحوال الدّنيا،أمّا قلب الجاهل فإنّه خال عن معرفة اللّه تعالى،فلا جرم يصير مملوء من الأحزان الواقعة بسبب مصائب الدّنيا.

و رابعها:أنّ المؤمن عارف بأنّ خيرات الحياة الجسمانيّة خسيسة،فلا يعظم فرحه بوجدانها و غمّه بفقدانها،أمّا الجاهل فإنّه لا يعرف سعادة أخرى تغايرها، فلا جرم يعظم فرحه بوجدانها و غمّه بفقدانها.

و خامسها:أنّ المؤمن يعلم أنّ خيرات الدّنيا واجبة التّغيّر،سريعة التّقلّب،فلو لا تغيّرها و انقلابها،لم تصل من غيره إليه.

و اعلم أنّ ما كان واجب التّغيّر فإنّه عند وصوله إليه لا تنقلب حقيقته و لا تتبدّل ماهيّته،فعند وصوله إليه يكون أيضا واجب التّغيّر،فعند ذلك لا يطبع العاقل قلبه عليه،و لا يقيم له في قلبه وزنا،بخلاف الجاهل،فإنّه يكون غافلا عن هذه المعارف،فيطبع قلبه عليها، و يعانقها معانقة العاشق لمعشوقه،فعند فوته و زواله يحترق قلبه و يعظم البلاء عنده.

فهذه وجوه كافية في بيان أنّ عيش المؤمن العارف أطيب من عيش الكافر،هذا كلّه إذا فسّرنا الحياة الطّيّبة بأنّها في الدّنيا.

و القول الثّاني:و هو قول السّدّيّ: إنّ هذه الحياة الطّيّبة إنّما تحصل في القبر.

و القول الثّالث:و هو قول الحسن و سعيد بن جبير:

إنّ هذه الحياة الطّيّبة لا تحصل إلاّ في الآخرة،و الدّليل عليه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ

ص: 654

كَدْحاً فَمُلاقِيهِ الانشقاق:6،فبيّن أنّ هذا الكدح باق إلى أن يصل إلى ربّه،و ذلك ما قلناه.و أمّا بيان أنّ الحياة الطّيّبة في الجنّة،فلأنّها حياة بلا موت،و غنى بلا فقر، و صحّة بلا مرض،و ملك بلا زوال،و سعادة بلا شقاء، فثبت أنّ الحياة الطّيّبة ليست إلاّ تلك الحياة.(20:112)

نحوه النّيسابوريّ(14:116)،و الخازن(4:93).

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً و قد رأينا كثيرا من الصّلحاء و الأتقياء قطعوا أعمارهم في المصائب و المحن و أنواع البلايا، باعتبار الأمثل فالأمثل إلى الأنبياء؟

قلنا:المراد بالحياة الطّيّبة:الحياة في القناعة.[و نقل الأقوال و أضاف:]

و الظّاهر أنّ المراد به الحياة في الدّنيا لقوله تعالى:

وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ وعدهم اللّه ثواب الدّنيا و الآخرة،كما قال تعالى: فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ آل عمران:148.(180)

القرطبيّ: [نقل الأقوال المتقدّمة و أضاف:]

قيل:الاستغناء عن الخلق و الافتقار إلى الحقّ.

(10:174)

أبو حيّان :و الظّاهر من قوله تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً أنّ ذلك في الدّنيا،و هو قول الجمهور،و يدلّ عليه قوله: وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ يعني في الآخرة.[ثمّ أدام الكلام بنقل الأقوال](5:534)

ابن كثير :و الحياة الطّيّبة تشمل وجوه الرّاحة من أيّ جهة كانت.[ثمّ نقل بعض الأقوال المتقدّمة و قال:]

و الصّحيح أنّ الحياة الطّيّبة تشمل هذا كلّه.

(4:224)

الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قال السّدّيّ: الحياة الطّيّبة إنّما تحصل في القبر،لأنّ المؤمن يستريح بالموت من كدّ الدّنيا و تعبها.و قال مجاهد و قتادة:هي الجنّة،لأنّها حياة بلا موت،و غنى بلا فقر، و صحّة بلا سقم،و ملك بلا هلك،و سعادة بلا شقاوة، فأثبت بهذا أنّ الحياة الطّيّبة لا تكون إلاّ في الجنّة.و لا مانع من أنّ المؤمن الكامل يحصّل جميع ذلك.(2:260)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و في«التّأويلات النّجميّة»يشير بالذّكر إلى القلب، و بالأنثى إلى النّفس،فالعمل الصّالح من النّفس:استعمال الشّريعة بتقوى اللّه،و صدقه على وفق الطّريقة،تزكية عن صفاتها الذّميمة و أفعالها الطّبيعيّة.و العمل الصّالح من القلب:حسن توجّهه إلى اللّه بالكلّيّة لطلب اللّه، و الإعراض عمّا سواه،تصفية للتّحلية بصفات اللّه و التّخلّق بأخلاقه.

و بقوله: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً يشير إلى إحياء كلّ واحد منهما بالحياة الطّيّبة على قدر صلاحيّة عمله و حسن استعداد في قبولها:

فإحياء النّفس بالحياة الطّيّبة أن تصير مزكّاة عن صفاتها،متحلّية بأخلاق القلب الرّوحانيّ،مطمئنّة بذكر اللّه،راجعة إلى ربّها راضية مرضيّة.

و إحياء القلب بالحياة الطّيّبة،أن يصير متخلّقا بأخلاق اللّه،و يكون فانيا عن أنانيّته بهويّته حيّا بحياته، طيّبا عن دنس الاثنينيّة و لوث الحدوث،فإنّ اللّه طيّب عن هذه الأوصاف،فلا يقبل إلاّ طيّبا.

ص: 655

ثمّ اعلم أنّ صلاحيّة أعمال العباد إنّما تكون على قدر صدقهم في المعاملات،و حسن استعدادهم في قبول الفيض الإلهيّ،فيكون طيب حياتهم بإحياء اللّه إيّاهم بحسب ذلك: وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ في الآخرة أجر كلّ طائفة منهم بأوفر ما كانوا يظنّون أن يجازيهم اللّه على أعمالهم، بيانه قوله: وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً النّساء:40.(5:78)

الآلوسيّ: و المراد بالحياة الطّيّبة:الحياة الّتي تكون في الجنّة؛إذ هناك حياة بلا موت،و غنى بلا فقر،و صحّة بلا سقم،و ملك بلا هلك،و سعادة بلا شقاوة.[ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة و قال:]

و أورد على التّفسير المختار أنّ بعض من عمل صالحا و هو مؤمن لم يرزق القناعة،بل قد ابتلي بالقنوع.

و أجيب بأنّ بالمراد بالمؤمن من كمل إيمانه،أو يقال:

المراد-بمن عمل صالحا-من كان جميع عمله صالحا.[ثمّ نقل كلام البيضاويّ و أضاف:]

و بحث بعضهم فيه أيضا بأنّ كمال الإيمان لا يكون بدون الرّضا،و كذا كون جميع الأعمال صالحة لا يوجد بدونه،لأنّ الأعمال تشمل القلبيّة و القالبيّة،و الرّضا من النّوع الأوّل.

و المراد من فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً لنعطينّه ما تطيب به حياته،فيؤول معنى الآية حينئذ على تقدير أن يراد القناعة و الرّضا،من رضي بالقسمة و فعل كذا و كذا و هو مؤمن،أو من عمل صالحا و هو راض بالقسمة، متّصف بكذا و كذا ممّا فيه كمال الإيمان،فلنعطينّه الرّضا بالقسمة الّذي تطيب به حياته،و يتضمّن من رضي بالقسمة فلنعطينّه الرّضا بالقسمة الّذي تطيب به حياته، و هو كما ترى،و فيه ما لا يخفى.

نعم تفسير الحياة الطّيّبة بما يكون في الجنّة سالم عن هذا القيل و القال،و يراد بها ما سلمت من توهّم الموت و الهرم،و حلول الألم و السّقم،فيكون قوله تعالى:

فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً إشارة إلى درء المفاسد.

(14:227)

القاسميّ: قال المهايميّ:أي فيتلذّذ بعمله في الدّنيا فوق تلذّذ صاحب المال و الجاه،و لا يبطل تلذّذه إعساره؛ إذ يرضيه اللّه بقسمته،فيقنعه،و يقلّ اهتمامه بحفظ المال و تنميته.و الكافر لا يهنّأ عيشه بالمال و الجاه؛إذ يزداد حرصا و خوف فوات.و يجزون بالأحسن في الآخرة،فلا يقال لهم:أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا.بل يكمل جزاء أعمالهم الأدنى؛بحيث يلحق بالأعلى،انتهى.

و عندي أنّ الحياة الطّيّبة هي الحياة الّتي فيها ثلج الصّدور بلذّة اليقين،و حلاوة الإيمان و الرّغبة في الموعود، و الرّضا بالقضاء،و عتق الرّوح ممّا كانوا يستعبدون له، و الاستكانة إلى معبود واحد،و التّنوّر بسرّ الوجود الّذي قام به،و غير ذلك من مزاياه المقرّرة في مواضعها.هذا في الدّنيا،و أمّا في الآخرة،فله الجزاء الأحسن و الثّواب الأوفى.(10:3856)

سيّد قطب :إنّ العمل الصّالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيّبة في هذه الأرض،لا يهمّ أن تكون ناعمة رغدة ثريّة بالمال،فقد تكون به،و قد لا يكون معها.و في الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية،فيها الاتّصال باللّه و الثّقة به،و الاطمئنان إلى

ص: 656

رعايته و ستره و رضاه،و فيها الصّحّة و الهدوء و الرّضى و البركة و سكن البيوت و مودّات القلوب،و فيها الفرح بالعمل الصّالح و آثاره في الضّمير،و آثاره في الحياة.

و ليس المال إلاّ عنصرا واحدا يكفي منه القليل،حين يتّصل القلب بما هو أعظم و أزكى،و أبقى عند اللّه.

و إنّ الحياة الطّيّبة في الدّنيا لا تنقص من الأجر الحسن في الآخرة.(4:2193)

ابن عاشور :و ذكر(لنحيينّه)ليبنى عليه بيان نوع الحياة،بقوله تعالى: حَياةً طَيِّبَةً و ذلك المصدر هو المقصود،أي لنجعلنّ له حياة طيّبة.و ابتدئ الوعد بإسناد الإحياء إلى ضمير الجلالة تشريفا له،كأنّه قيل:

فله حياة طيّبة منّا.و لمّا كانت حياة الذّات لها مدّة معيّنة كثر إطلاق الحياة على مدّتها،فوصفها بالطّيّب بهذا الاعتبار،أي طيّب ما يحصل فيها،فهذا الوصف مجاز عقليّ أي طيّبا ما فيها.و يقارنها من الأحوال العارضة للمرء في مدّة حياته.[إلى أن قال:]

و هذا وعد بخيرات الدّنيا،و أعظمها:الرّضى بما قسّم لهم و حسّن أملهم بالعاقبة و الصّحّة و العافية و عزّة الإسلام في نفوسهم.و هذا مقام دقيق تتفاوت فيه الأحوال على تفاوت سرائر النّفوس،يعطي اللّه فيه عباده المؤمنين على مراتب هممهم و آمالهم.و من راقب نفسه رأى شواهد هذا.(13:219)

مغنيّة:اختلفوا في الحياة الطّيّبة الّتي ذكرها سبحانه بقوله: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً اختلفوا:هل تحصل هذه الحياة في الدّنيا أو في الآخرة؟

و غريب أن يختلف المفسّرون في ذلك،و هم يشاهدون بالحسّ و العيان أنّ الدّنيا جنّة الكافر،و سجن المؤمن،و يتلون بل يشرحون قوله تعالى: وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ* وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ* وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ الزّخرف:33 -35،و من أجل هذا نرجّح أنّ المراد بالحياة الطّيّبة هنا:

الجنّة،و أنّ قوله: وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ... عطف تفسير على قوله: فَلَنُحْيِيَنَّهُ و تأكيد له،و مثله قوله تعالى:

إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ النّحل:105.(4:551)

الطّباطبائيّ: قوله: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً الإحياء:إلقاء الحياة في الشّيء و إفاضتها عليه،فالجملة بلفظها دالّة على أنّ اللّه سبحانه يكرم المؤمن الّذي يعمل صالحا بحياة جديدة،غير ما يشاركه سائر النّاس من الحياة العامّة.و ليس المراد به تغيير صفة الحياة فيه، و تبديل الخبيثة من الطّيّبة،مع بقاء أهل الحياة على ما كانت عليه،و لو كان كذلك لقيل:فلنطيّبنّ حياته.

فالآية نظيرة قوله: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ الأنعام:122،و تفيد ما يفيده من تكوين حياة ابتدائيّة جديدة.

و ليس من التّسمية المجازيّة،لأنّ الآيات المتعرّضة لهذا الشّأن ترتّب عليه آثار الحياة الحقيقيّة،كقوله تعالى:

أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ المجادلة:22،و كقوله في آية الأنعام المنقولة آنفا(122):

وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ فإنّ المراد بهذا

ص: 657

النّور العلم الّذي يهتدي به الإنسان إلى الحقّ في الاعتقاد و العمل قطعا.

و كما أنّ له من العلم و الإدراك ما ليس لغيره،كذلك له من موهبة القدرة على إحياء الحقّ و إماطة الباطل ما ليس لغيره،و قد قال سبحانه: وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ الرّوم:47،و قال: مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ المائدة:69.

و هذا العلم و القدرة الحديثان،يمهّدان له أن يرى الأشياء على ما هي عليها فيقسمها قسمين:حقّ باق و باطل فان،فيعرض بقلبه عن الباطل الفاني الّذي هو الحياة الدّنيا بزخارفها الغارّة الفتّانة.و يعتزّ بعزّة اللّه فلا يستذلّه الشّيطان بوساوسه،و لا النّفس بأهوائها و هوساتها،و لا الدّنيا بزهرتها،لما يشاهد من بطلان أمتعتها و فناء نعمتها.

و يتعلّق قلبه بربّه الحقّ الّذي هو يحقّ كلّ حقّ بكلماته،فلا يريد إلاّ وجهه،و لا يحبّ إلاّ قربه،و لا يخاف إلاّ سخطه و بعده،يرى لنفسه حياة طاهرة دائمة مخلّدة، لا يدبّر أمرها إلاّ ربّه الغفور الودود،و لا يواجهها في طول مسيرها إلاّ الحسن الجميل،فقد أحسن كلّ شيء خلقه، و لا قبيح إلاّ ما قبّحه اللّه من معصيته.

فهذا الإنسان يجد في نفسه من البهاء و الكمال و القوّة و العزّة و اللّذّة و السّرور ما لا يقدّر بقدر.و كيف لا؟و هو مستغرق في حياة دائمة لا زوال لها،و نعمة باقية لا نفاد لها، و لا ألم فيها،و لا كدورة تكدّرها،و خير و سعادة لا شقاء معها،هذا ما يؤيّده الاعتبار،و ينطق به آيات كثيرة من القرآن،لا حاجة إلى إيرادها على كثرتها.

فهذه آثار حيويّة لا تترتّب إلاّ على حياة حقيقيّة غير مجازيّة،و قد رتّبها اللّه سبحانه على هذه الحياة الّتي يذكرها و يخصّها بالّذين آمنوا و عملوا الصّالحات،فهي حياة حقيقيّة جديدة يفيضها اللّه سبحانه عليهم.

و ليست هذه الحياة الجديدة المختصّة،بمنفصلة عن الحياة القديمة المشتركة،و إن كانت غيرها،فإنّما الاختلاف بالمراتب لا بالعدد،فلا يتعدّد بها الانسان،كما أنّ الرّوح القدسيّة الّتي يذكرها اللّه سبحانه للأنبياء لا توجب لهم إلاّ ارتفاع الدّرجة،دون تعدّد الشّخصيّة.

هذا ما يعطيه التّدبّر في الآية الكريمة،و هو حقيقة قرآنيّة،و به يظهر وجه توصيفها بالطّيّب في قوله: حَياةً طَيِّبَةً كأنّها-كما اتّضح-حياة خالصة لا خبث فيها يفسدها في نفسها أو في أثرها.

و للمفسّرين في الآية وجوه من التّفسير:

منها:أنّ الحياة الطّيّبة هي الحياة الّتي تكون في الجنّة، فلا موت فيها و لا فقر و لا سقم و لا أيّ شقاء آخر.

و منها:أنّها الحياة الّتي تكون في البرزخ،و لعلّ التّخصيص من حمل ذيل الآية على جنّة الآخرة.

و منها:أنّها الحياة الدّنيويّة المقارنة للقناعة و الرّضا بما قسم اللّه سبحانه،فإنّها أطيب الحياة.

و منها:أنّها الرّزق الحلال؛إذ لا عقاب عليه.

و منها:أنّها رزق يوم بيوم.

و وجوه المناقشة فيها لا تكاد تخفى على الباحث المتدبّر،فلا نطيل بإيرادها.(12:341)

عبد الكريم الخطيب :المراد بالحياة،هي الحياة

ص: 658

الدّنيا،و طيب هذه الحياة يجيء من نفحات الإيمان باللّه، تلك النّفحات الّتي تثلج الصّدر بالطّمأنينة،و الرّضا، و تدفئ النّفس بالرّجاء و الأمل بتلك القوّة الّتي لا حدود لها،و الّتي منها مصادر الأمور،و إليها مصائرها؛و ذلك كلّه من عاجل الثّواب الجزيل الّذي أعدّه اللّه لعباده المؤمنين،كما يقول تبارك و تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ النّساء:134.

(7:358)

مكارم الشّيرازيّ: ما هي الحياة الطّيّبة؟

لقد ذكر المفسّرون في معنى الحياة الطّيّبة تفاسير عديدة.[فذكرها ثمّ قال:]

و لعلّه لا حاجة بنا للتّذكير بأنّ مفهوم الحياة الطّيّبة من السّعة،بحيث يشمل كلّ ما ذكروه و غيره،فالحياة الطّيّبة طيّبة بجميع جهاتها،و خالية من التّلوّثات و الظّلم و الخيانة و العداوة و الذّلّ و كلّ ألوان الآلام و الهموم، و فيها ما يجعل حياة الإنسان صافية كماء زلال.

و بملاحظة تعبير الآية عن الجزاء الإلهيّ وفق أحسن الأعمال،ليفهم من ذلك أنّ الحياة الطّيّبة ترتبط بعالم الدّنيا بينما يرتبط الجزاء بالأحسن بعالم الآخرة.

و عند ما سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن قوله تعالى:

فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً، قال:«هي القناعة».

و لا شكّ أنّ هذا التّفسير لا يعني حصر معنى الحياة الطّيّبة بالقناعة،بل هو بيان لأحد مصاديقها الواضحة جدّا؛حيث إنّ الإنسان لو أعطيت له الدّنيا بكاملها، و سلبت منه روح القناعة،فإنّه-و الحال هذه-سيعيش دائما في عذاب و ألم و حسرة،و بعكس ذلك فإذا امتلك الإنسان القناعة و ترك الحرص و الطّمع،فإنّه سيعيش مطمئنّا راضيا على الدّوام.

و قد ورد في روايات أخرى تفسير«الحياة الطّيّبة» بمعنى الرّضا بقسم اللّه،و هذا المعنى قريب الأفق مع القناعة.

و ينبغي أن لا نعطي لهذه المفاهيم صفة تحذيريّة أبدا، و إنّما الهدف الواقعيّ لبيان الرّضا و القناعة للقضاء على الحرص و الطّمع،و اتّباع الهوى في نفس الإنسان،الّتي تعتبر من العوامل المؤثّرة على إيجاد الاعتداءات و الاستغلال و الحروب و إراقة الدّماء،و المسبّبة للذّلّ و الأسر.(8:285)

فضل اللّه :[نقل كلام سيّد قطب و الطّباطبائيّ ثمّ قال:]

و هذا تفسير جميل،و تحليل جيّد للمعاني الرّوحيّة الّتي يختزنها الإيمان في نفس المؤمن العامل بالصّالحات، و يثيرها في مشاعره و أجوائه،و لكنّ المسألة هي التقاء هذا التّحليل مع سياق الآية الّتي وردت لبيان الجزاء الّذي يمنحه اللّه للإنسان-الّذي يعمل الصّالحات و هو مؤمن-ممّا يوحي بأنّ هذه الحياة الّتي يمنحها اللّه له مفصولة عن الواقع الّذي يعيشه الآن،و ليست حالة وجدانيّة أو عمليّة في دائرته.

و قد نلاحظ أنّ ما ذكره هذان المفسّران الجليلان و غيرهما،هو من آثار الإيمان،بينما تعتبر الآية أنّ الحياة الطّيّبة جزاء العمل الّذي ينطلق من الإنسان المؤمن،و اللّه العالم.و لعلّ الأقرب،هو أن يكون المراد منها:الدّار العالم.و لعلّ الأقرب،هو أن يكون المراد منها:الدّار الآخرة،أو الجنّة،أو ما أشبه ذلك.(13:296)

ص: 659

يحييكم

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ... الأنفال:24

ابن عبّاس: إلى ما يكرمكم و يعزّكم و يصلحكم من القتال و غيره.(147)

إنّ الّذي يحييكم:كلّ ما يدعو الرّسول إليه.

(ابن الجوزيّ 3:338)

مجاهد :الحقّ.(الطّبريّ 9:213)

الإيمان.

مثله السّدّيّ.(ابن الجوزيّ 3:338)

قتادة :هو هذا القران،فيه الحياة و العفّة و العصمة في الدّنيا و الآخرة.(الطّبريّ 9:214)

نحوه الخازن.(3:18)

إنّ معناه إذا دعاكم إلى القرآن و العلم في الدّين؛لأنّ الجهل موت،و العلم حياة،و القرآن سبب الحياة بالعلم، و فيه النّجاة و العصمة.(الطّبرسيّ 2:533)

اتّباع القرآن.

مثله ابن زيد.(ابن الجوزيّ 3:339)

السّدّيّ: فهو الإسلام،أحياهم بعد موتهم و بعد كفرهم.(280)

إذا دعاكم إلى الإيمان.(الماورديّ 2:307)

ابن إسحاق :أي للحرب الّذي أعزّكم اللّه بها بعد الذّلّ،و قوّاكم بعد الضّعف،و منعكم بها من عدوّكم بعد القهر منهم لكم.(الطّبريّ 9:214)

نحوه الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 3:553)

الفرّاء: استجيبوا للّه و للرّسول إذا دعاكم إلى إحياء أمركم.(1:407)

أبو عبيدة :مجازه:للّذي يهديكم و يصلحكم و ينجيكم من الكفر و العذاب.(1:245)

ابن قتيبة :أي إلى الجهاد الّذي يحيي دينكم و يعليكم.(تأويل مشكل القرآن:151)

هو الشّهادة،قال اللّه تعالى في الشّهداء: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران:169.

(البغويّ 2:282)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:

إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ فقال بعضهم:معناه استجيبوا للّه و للرّسول إذا دعاكم للإيمان.

و قال آخرون:للحقّ.

و قال آخرون:معناه:إذا دعاكم إلى ما في القرآن.

و قال آخرون:معناه:إذا دعاكم إلى الحرب،و جهاد العدوّ.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال:معناه استجيبوا للّه و للرّسول بالطّاعة إذا دعاكم الرّسول لما يحييكم من الحقّ،و ذلك أنّ ذلك إذا كان معناه كان داخلا فيه الأمر بإجابتهم،لقتال العدوّ و الجهاد،و الإجابة إذا دعاكم إلى حكم القرآن،و في الإجابة إلى كلّ ذلك حياة المجيب:أمّا في الدّنيا فيقال:الذّكر الجميل،و ذلك له فيه حياة،و أمّا في الآخرة،فحياة الأبد في الجنان و الخلود فيها.

و أمّا قول من قال:معناه الإسلام،فقول لا معنى له؛ لأنّ اللّه قد وصفهم بالإيمان بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا... الآية،فلا وجه لأن يقال للمؤمن:استجب للّه

ص: 660

و للرّسول إذا دعاك إلى الاسلام و الإيمان.(9:213)

الزّجّاج: أي لما يكون سببا للحياة و هو العلم، و جائز أن يكون لما يكون سببا للحياة الدّائمة،في نعيم الآخرة.(2:409)

البلخيّ: معناه لما يبقيكم و يصلحكم و يهديكم و يحيي أمركم.(الطّوسيّ 5:119)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّ معناه إذا دعاكم إلى الجنّة،لما فيها من الحياة الدّائمة و نعيم الأبد.

(الطّبرسيّ 2:533)

النّحّاس: أي لما تصيرون به إلى الحياة الدّائمة في الآخرة.(3:144)

الرّمّانيّ: إذا دعاكم إلى ما فيه دوام حياتكم في الآخرة.(الماورديّ 2:308)

الماورديّ: فيه سبعة أقاويل:[نقل الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

و السّابع:أنّه على عموم الدّعاء فيما أمرهم به.

(2:307)

الطّوسيّ: قيل:في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها:[قول ابن إسحاق]

الثّاني:معناه لما يورثكم الحياة الدّائمة في نعيم الآخرة،من اتّباع الحقّ:القرآن.

الثّالث:معناه لما يحييكم بالعلم الّذي تهتدون به من اتّباع الحقّ،و الاقتداء بما فيه.(5:119)

القشيريّ: إذ لمّا أفناهم أحياهم به.

و يقال:العابدون،أحياهم بطاعته بعد ما أفناهم عن مخالفته.

و أمّا العالمون،فأحياهم بدلائل ربوبيّته،بعد ما أفناهم عن الجهل و ظلمته.

و أمّا المؤمنون،فأحياهم بنور موافقته،بعد ما أفناهم بسيوف مجاهدتهم.

و أمّا الموحّدون،فأحياهم بنور توحيده،بعد ما أفناهم عن الإحساس بكلّ غير،و الملاحظة لكلّ حدثان.(2:310)

الزّمخشريّ: لِما يُحْيِيكُمْ من علوم الدّيانات و الشّرائع؛لأنّ العلم حياة كما أنّ الجهل موت،و لبعضهم:

لا تعجبنّ الجهول حلّته فذاك ميّت و ثوبه كفن

و قيل:لمجاهدة الكفّار،لأنّهم لو رفضوها لغلبوهم و قتلوهم،كقوله: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ البقرة:

179.

و قيل:للشّهادة لقوله: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ آل عمران:169.(2:152)

نحوه البيضاويّ(1:390)،و النّسفيّ(2:100)، و الشّربينيّ(1:564)،و أبو السّعود(3:90).

ابن عطيّة: قال مجاهد و الجمهور:المعنى للطّاعة، و ما تضمّنه القرآن من أوامر و نواه،و هذا إحياء مستعار، لأنّه من موت الكفر و الجهل.و قيل:الإسلام،و هذا نحو الأوّل،و يضعّف من جهة أنّ من آمن لا يقال له:ادخل في الإسلام.و قيل: لِما يُحْيِيكُمْ معناه للحرب و جهاد العدوّ،و هو يحيي بالعزّة و الغلبة و الظّفر،فسمّي ذلك حياة،كما تقول:حييت حال فلان،إذا ارتفعت،و يحيي أيضا كما يحيي الإسلام و الطّاعة و غير ذلك،بأنّه يؤدّي إلى الحياة الدّائمة في الآخرة.و قال النّقّاش:المراد إذا

ص: 661

دعاكم للشّهادة.(2:514)

ابن الجوزيّ: و فيه ستّة أقوال:[نقل الأقوال المتقدّمة]

و السّادس:أنّه إحياء أمورهم،قاله الفرّاء،فيخرّج في إحيائهم خمسة أقوال:

أحدها:أنّه إصلاح أمورهم في الدّنيا و الآخرة.

و الثّاني:بقاء الذّكر الجميل لهم في الدّنيا،و حياة الأبد في الآخرة.

و الثّالث:أنّه دوام نعيمهم في الآخرة.

و الرّابع:أنّه كونهم مؤمنين،لأنّ الكافر كالميّت.

و الخامس:أنّه يحييهم بعد موتهم،و هو على قول من قال:هو الجهاد،لأنّ الشّهداء أحياء،و لأنّ الجهاد يعزّهم بعد ذلّهم،فكأنّهم صاروا به أحياء.(3:339)

الفخر الرّازيّ: ذكروا فيها وجوها:

الأوّل:قال السّدّيّ: هو الإيمان و الإسلام،و فيه الحياة،لأنّ الإيمان حياة القلب،و الكفر موته،يدلّ عليه قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ الرّوم:19،قيل:

المؤمن من الكافر.

الثّاني:قال قتادة:يعني القرآن،أي أجيبوا إلى ما في القرآن،ففيه الحياة و النّجاة و العصمة،و إنّما سمّي القرآن بالحياة،لأنّ القرآن سبب العلم،و العلم حياة،فجاز أن يسمّى سبب الحياة بالحياة.

الثّالث:قال الأكثرون: لِما يُحْيِيكُمْ هو الجهاد،ثمّ في سبب تسمية الجهاد بالحياة وجوه:

أحدها:هو أنّ وهن أحد العدوّين حياة للعدوّ الثّاني،فأمر المسلمين إنّما يقوى و يعظم بسبب الجهاد مع الكفّار.

و ثانيها:أنّ الجهاد سبب لحصول الشّهادة و هي توجب الحياة الدّائمة،قال تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران:169.

و ثالثها:أنّ الجهاد قد يفضي إلى القتل،و القتل يوصل إلى الدّار الآخرة،و الدّار الآخرة معدن الحياة،قال تعالى: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:

64،أي الحياة الدّائمة.

و القول الرّابع: لِما يُحْيِيكُمْ، أي لكلّ حقّ و صواب،و على هذا التّقدير فيدخل فيه القرآن و الإيمان و الجهاد،و كلّ أعمال البرّ و الطّاعة.و المراد من قوله: لِما يُحْيِيكُمْ الحياة الطّيّبة الدّائمة،قال تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً النّحل:97.(15:147)

القرطبيّ: لِما يُحْيِيكُمْ متعلّق بقوله:

اِسْتَجِيبُوا، المعنى:استجيبوا لما يحييكم إذا دعاكم.

قيل:(اللاّم)بمعنى«إلى»،أي إلى ما يحييكم،أي يحيي دينكم و يعلّمكم.[ثمّ أدام الكلام في نقل الأقوال]

(7:389)

النّيسابوريّ: الإحياء لا يمكن أن يحمل على نفس الحياة،لأنّ إحياء الحيّ محال،فذكروا فيه وجوها.[ثمّ نقل ما تقدّم عن الفخر الرّازيّ](9:140)

أبو حيّان :قال مجاهد و الجمهور:المعنى استجيبوا للطّاعة،و ما تضمّنه القرآن من أوامر و نواهي،ففيه الحياة الأبديّة و النّعمة السّرمديّة.[ثمّ نقل الأقوال الأخرى و قال:]

ص: 662

و الّذي يظهر هو القول الأوّل،لأنّه في سياق قوله:

وَ لَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ الأنفال:23.فالّذي يحيا به من الجهل هو سماع ما ينفع ممّا أمر به و نهي عنه، فيمتثل المأمور به،و يجتنب المنهيّ عنه،فيؤول إلى الحياتين الطّيّبتين الدّنيويّة و الأخرويّة.(4:481)

الآلوسيّ: أي لما يورثكم الحياة الأبديّة في النّعيم الدّائم من العقائد و الأعمال،أو من الجهاد الّذي أعزّكم اللّه تعالى به بعد الذّلّ،و قوّاكم به بعد الضّعف،و منعكم به من عدوّكم بعد القهر.

و إطلاق ما ذكر على العقائد و الأعمال،و كذا على الجهاد:إمّا استعارة،أو مجاز مرسل بإطلاق السّبب على المسبّب.

و قال القتيبيّ: المراد به الشّهادة،و هو مجاز أيضا.

[إلى أن قال:]

و قال غير واحد:هو العلوم الدّينيّة الّتي هي مناط الحياة الأبديّة،كما أنّ الجهل مدار الموت الحقيقيّ،و هو استعارة مشهورة،ذكرها الأدباء و علماء المعاني.

(9:190)

رشيد رضا :و المراد بالحياة هنا:حياة العلم باللّه تعالى و سننه في خلقه،و أحكام شرعه،و الحكمة و الفضيلة،و الأعمال الصّالحة الّتي تكمل بها الفطرة الإنسانيّة في الدّنيا،و تستعدّ للحياة الأبديّة في الآخرة.

و قيل:المراد بالحياة هنا:الجهاد في سبيل اللّه،لأنّه سبب القوّة و العزّة و السّلطان.و الصّواب أنّ الجهاد يدخل فيما ذكرنا،و ليس هو الحياة المطلوبة،بل هو وسيلة لتحقّقها،و سياج لها بعد حصولها.

و قيل:هي الإيمان و الإسلام،و إنّما يصحّ باعتبار ما كان يتجدّد من الأحكام،و ثمرته في القلوب و الأعمال، و بما في الاستجابة من معنى المبالغة في الإجابة،و إلاّ فالخطاب للمؤمنين.

و قيل:هي القرآن،و لا شكّ أنّه ينبوعها الأعظم، الهادي إلى سبيلها الأقوم،مع بيانه من سنّة الرّسول، و هديه الّذي أمرنا بأن يكون لنا فيه أسوة حسنة،و يدلّ عليه اقتران طاعته بطاعة اللّه تعالى.(9:631)

مغنيّة:(اذا)في إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ليست للشّرط،و إنّما هي لبيان موضوع دعوة اللّه و الرّسول، و تقريرها و حصرها بالدّعوة إلى الحياة بأكمل معانيها.

و من أحاط بالإسلام علما يجد أنّ كلّ أصل من عقيدته،و كلّ فرع من شريعته يرتكز على الدّعوة- صراحة،أو ضمنا-إلى العمل من أجل الحياة.فالإيمان باللّه يستدعي الإيمان بالتّحرّر من العبوديّة إلاّ للّه وحده، و بأنّه لا سلطان للمال،و لا للجاه،و لا للجنس،و لا لشيء إلاّ الحقّ و العدل.و بديهة أنّ الحياة الطّيّبة القويّة لا توجد،و محال أن توجد إلاّ مع الالتزام بهذا المبدإ و تطبيقه.أمّا الإيمان برسالة محمّد صلّى اللّه عليه و آله فهو عين الإيمان بشريعة الإخاء و المساواة،و بحرّيّة الإنسان و حمايته، و بكلّ مبدإ يعود على الإنسانيّة بالخير و الصّلاح.ذلك بأنّ رسالة محمّد تهدف إلى هدي البشر و إسعاده،و بثّ العدل بين أفراده.أمّا الإيمان باليوم الآخر فهو الإيمان بأنّ الإنسان لا يترك سدى،و أنّه مسئول عن كلّ صغيرة و كبيرة من أعماله،يحاسب عليها و يكافأ،إن خيرا فخير،و إن شرّا فشرّ.و هذا الإيمان-كما ترى-أشبه

ص: 663

بالقوّة التّنفيذيّة،أو بالحافز على العمل،بما يوجبه الإيمان باللّه و الرّسول.

هذا فيما يعود إلى أصول العقيدة،أمّا الفروع،و أعني بها ما يجوز من الأفعال،و ما لا يجوز في الشّريعة الإسلاميّة،فإنّها تقوم على مبدإ إنسانيّ،أشار إليه الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام بقوله:كلّ ما فيه صلاح للنّاس بجهة من الجهات فهو جائز،و كلّ ما فيه فساد بجهة من الجهات فهو غير جائز.هذه هي دعوة اللّه و الرّسول الّتي نصّ عليها القرآن بصراحة و وضوح اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ. و إذا عطفنا على هذا النّصّ الآية:32،من آل عمران: قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ إذا عطفنا هذه الآية على تلك،و جمعنا بينهما تشكل معنا هذا القياس المنطقيّ:لقد دعا اللّه و الرّسول إلى العمل من أجل الحياة،و حكم سبحانه بكفر من أعرض و تولّى عن هذه الدّعوة.فالنّتيجة الحتميّة:أنّ الّذي لا يعمل من أجل الحياة فهو كافر.

و بهذا يتبيّن معنى:أنّ الإسلام يسير مع الحياة جنبا إلى جنب،و أنّ كلّ ما هو بعيد عن الحياة فما هو من الإسلام في شيء،و أنّ أيّ إنسان-كائنا من كان-يدعو إلى حياة لا استغلال فيها و لا ظلم و لا مشكلات،فإنّ دعوته هذه تلتقي مع دعوة اللّه و الرّسول،سواء أراد ذلك،أم لم يرد،و إنّ من يقف في طريق الحياة و تقدّمها فهو عدوّ للّه و للرّسول،و إن قام اللّيل،و صام النّهار.

(3:465)

الطّباطبائيّ: الحياة أنعم نعمة و أعلى سلعة يعتقدها الموجود الحيّ لنفسه،كيف لا؟و هو لا يرى وراءه إلاّ العدم و البطلان،و أثرها الّذي هو الشّعور و الإرادة،هو الّذي ترام لأجله الحياة،و يرتاح إليه الإنسان،و لا يزال يفرّ من الجهل،و افتقاد حرّيّة الإرادة و الاختيار،و قد جهّز الإنسان-و هو أحد الموجودات الحيّة-بما يحفظ به حياته الرّوحيّة الّتي هي حقيقة وجوده،كما جهّز كلّ نوع من أنواع الخليقة بما يحفظ به وجوده و بقاءه.و هذا الجهاز الإنسانيّ يشخّص له خيراته و منافعه،و يحذّره من مواطن الشّرّ و الضّرّ.

و إذ كان هذه الهداية الإلهيّة الّتي يسوق النّوع الإنسانيّ إلى نحو سعادته و خيره،و يندبه نحو منافع وجوده هداية بحسب التّكوين،و في طور الخلقة-و من المحال أن يقع خطأ في التّكوين-كان من الحتم الضّروريّ أن يدرك الإنسان سعادة وجوده إدراكا لا يقع فيه شكّ، كما أنّ سائر الأنواع المخلوقة تسير إلى ما فيه خير وجوده و منافع شخصه،من غير أن يسهو فيه من حيث فطرته، و إنّما يقع الخبط فيما يقع من جهة تأثير عوامل و أسباب أخر مضادّة تؤثّر فيه أثرا مخالفا،ينحرف فيه الشّيء عمّا هو خير له إلى ما هو شرّ،و عمّا فيه نفعه إلى ما فيه ضرر يعود إليه؛و ذلك كالجسم الثّقيل الأرضيّ الّذي يستقرّ بحسب الطّبيعة الأرضيّة على بسيط الأرض،ثمّ إنّه يبتعد عن الأرض بالحركة إلى جهة العلوّ بدفع دافع يجبره على خلاف الطّبع،فإذا بطل أثر الدّفع عاد إلى مستقرّه بالحركة نحو الأرض على الاستقامة،إلاّ أن يمنعه مانع فيخرجه عن السّير الاستقاميّ إلى انحراف و اعوجاج.

و هذا هو الّذي يصرّ عليه القرآن الكريم أنّ

ص: 664

الإنسان لا يخفى عليه ما فيه سعادته في الحياة من علم و عمل،و أنّه يدرك بفطرته ما هو حقّ الاعتقاد و العمل، قال تعالى: فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ الرّوم:30،و قال تعالى:

اَلَّذِي خَلَقَ فَسَوّى* وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى -إلى أن قال:

- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى* سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى* وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الأعلى:2-11،و قال تعالى:

وَ نَفْسٍ وَ ما سَوّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها* وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها الشّمس:7-10.

نعم.ربّما أخطأ الإنسان طريق الحقّ في اعتقاد أو عمل،و خبط في مشيّته،لكن لا،لأنّ الفطرة الإنسانيّة و الهداية الإلهيّة أوقعته في ضلالة و أوردته في تهلكة،بل لأنّه أغفل عقله و نسي رشده،و اتّبع هوى نفسه،و ما زيّنه جنود الشّياطين في عينه،قال تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ ما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى النّجم:23،و قال: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ الجاثية:23.

فهذه الأمور الّتي تدعو إليها الفطرة الإنسانيّة من حقّ العلم و العمل،لوازم الحياة السّعيدة الإنسانيّة،و هي الحياة الحقيقيّة الّتي بالحريّ أن تختصّ باسم الحياة، و الحياة السّعيدة تستتبعها،كما أنّها تستلزم الحياة و تستتبعها،و تعيدها إلى محلّها لو ضعفت الحياة في محلّها بورود ما يضادّها،و يبطل رشد فعلها.

فإذا انحرف الإنسان عن سويّ الصّراط الّذي تهديه إليه الفطرة الإنسانيّة و تسوقه إليه الهداية الإلهيّة،فقد فقد لوازم الحياة السّعيدة من العلم النّافع و العمل الصّالح، و لحق بحلول الجهل و فساد الإرادة الحرّة و العمل النّافع بالأموات،و لا يحييه إلاّ علم حقّ و عمل حقّ،و هما اللّذان تندب إليهما الفطرة،و هذا هو الّذي تشير إليه الآية الّتي نبحث عنها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ.

و«اللاّم»في قوله:«لما يحييكم»بمعنى«إلى»،و هو شائع في الاستعمال،و الّذي يدعو إليه الرّسول صلّى اللّه عليه و آله هو الدّين الحقّ،و هو الإسلام الّذي يفسّره القرآن الكريم باتّباع الفطرة فيما تندب إليه،من علم نافع و عمل صالح.

و للحياة بحسب ما يراه القرآن الكريم معنى آخر أدقّ ممّا تراه بحسب النّظر السّطحيّ السّاذج،فإنّا إنّما نعرف من الحياة في بادئ النّظر ما يعيش به الإنسان في نشأته الدّنيويّة إلى أن يحلّ به الموت،و هي الّتي تصاحب الشّعور و الفعل الإراديّ،و يوجد مثلها أو ما يقرب منها في غير الإنسان أيضا،من سائر الأنواع الحيوانيّة،لكن اللّه سبحانه يقول: وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت:64،و يفيد ذلك أنّ الإنسان متمتّع بهذه الحياة غير مشتغل إلاّ بالأوهام،و أنّه مشغول بها عمّا هو أهمّ و أوجب من غايات وجوده و أغراض روحه،فهو في حجاب مضروب عليه،يفصل بينه و بين حقيقة ما يطلبه و يبتغيه من الحياة.

و هذا هو الّذي يشير إليه قوله تعالى و هو من خطابات يوم القيامة: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:22.

فللإنسان حياة أخرى أعلى كعبا و أغلى قيمة من

ص: 665

هذه الحياة الدّنيويّة الّتي يعدّها اللّه سبحانه لعبا و لهوا، و هي الحياة الأخرويّة الّتي سينكشف عن وجهها الغطاء، و هي الحياة الّتي لا يشوبها اللّعب و اللّهو،و لا يدانيها اللّغو و التّأثيم،لا يسير فيها الإنسان إلاّ بنور الإيمان و روح العبوديّة،قال تعالى: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ المجادلة:22،و قال تعالى:

أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها الأنعام:122.

فهذه حياة أخرى أرفع قدرا و أعلى منزلة من الحياة الدّنيويّة العامّة الّتي ربّما شارك فيها الحيوان العجم الإنسان،و يظهر من أمثال قوله تعالى: وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ البقرة:253،و قوله: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا الشّورى:52،أنّ هناك حياة أخرى فوق هاتين الحياتين المذكورتين،سيوافيك البحث عنها فيما يناسبها من المورد إن شاء اللّه.

و بالجملة فللإنسان حياة حقيقيّة أشرف و أكمل من حياته الدّينيّة الدّنيويّة،يتلبّس بها إذا تمّ استعداده بالتّحليّ بحلية الدّين،و الدّخول في زمرة الأولياء الصّالحين،كما تلبّس بالحياة الدّنيويّة حين تمّ استعداده للتّلبّس بها،و هو جنين إنسانيّ.

و على ذلك ينطبق قوله تعالى في الآية المبحوث عنها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ فالتّلبّس بما تندب إليه الدّعوة الحقّة من الإسلام يجرّ إلى الإنسان هذه الحياة الحقيقيّة،كما أنّ هذه الحياة منبع ينبع منه الإسلام،و ينشأ منه العلم النّافع و العمل الصّالح،و في معنى هذه الآية قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ النّحل:97.

و الآية أعني قوله فيها: إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ مطلق لا يأبى الشّمول لجميع دعوته صلّى اللّه عليه و آله المحيية للقلوب،أو بعضها الّذي فيه طبيعة الإحياء،أو لنتائجها الّتي هي أنواع الحياة السّعيدة الحقيقيّة،كالحياة السّعيدة في جوار اللّه سبحانه في الآخرة.

و من هنا يظهر أن لا وجه لتقييد الآية بما قيّدها به أكثر المفسّرين،فقد قال بعضهم:إنّ المراد بقوله: إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ بالنّظر إلى مورد النّزول:إذا دعاكم إلى الجهاد،إذ فيه إحياء أمركم و إعزاز دينكم.[ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة و قال:]

و هذه الوجوه المذكورة يقبل كلّ واحد منها انطباق الآية عليه،غير أنّ الآية كما عرفت مطلقة لا موجب لصرفها،عمّالها من المعنى الوسيع.(9:43)

عبد الكريم الخطيب :و في قوله تعالى: إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ إشارة إلى أنّ ما يدعو به الرّسول هو حياة للنّاس،و استنقاذ لهم من الهلاك و الضّياع.

و السّؤال هنا هو:ما معنى(اذا)و هل هي شرطيّة، بمعنى أنّ المؤمنين لا يستجيبون للنّبيّ إلاّ على هذا الشّرط،و هو أن يدعوهم للّذي فيه حياة لهم؟و هل يدعو الرّسول بغير ما يحمل الحياة إلى النّاس من أمر اللّه؟ و هل للمؤمن أن يتوقّف عند أيّ أمر يدعوه الرّسول إليه حتّى يختبره و يصدر حكمه عليه،بعد أن يرى:إن كان

ص: 666

فيه حياة له،أو لم يكن؟و كيف و اللّه سبحانه و تعالى يقول: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ الأحزاب:36.فما تأويل هذا؟

و الجواب-و اللّه أعلم-:أنّ هذا القيد الوارد على دعوة الرّسول،و الأمر بالاستجابة لتلك الدّعوة على هذا الوصف،و هي أن تكون دعوة فيها حياة و خير،يصيب الإنسان في جانبيه الرّوحيّ و المادّيّ معا.نقول:إنّ هذا القيد يحقّق أمرين:

أوّلهما:الدّعوة إلى إيقاظ العقل،و حمله على النّظر في كلّ أمر يواجهه،أو يدعى إليه،ليزنه بميزان الحقّ و الخير، حتّى و لو كان هذا الأمر واردا من جهة لا يرد منها إلاّ الحقّ المشرق،و الخير الخالص.

فذلك لا يحول بين العقل و بين أن يتفحّص الأمر، و يقلّبه على وجوهه،ليعرف مدى الخير الّذي يحصّله،إذا هو أخذ بهذا الأمر،و جعله معتقدا له،يعمل في ظلّه، و يسير على هواه.فهذا من شأنه أن يجعل لهذا الأمر سلطانا متمكّنا في كيان الإنسان إذ أقامه بيده،و مكّن له بإرادته،و نزل على حكمه طائعا مختارا،يرجو منه الخير، و يتوقّع السّلامة و العافية.

و من أجل هذا كان الإيمان الّذي آمن عليه المسلمون الأوّلون،إيمانا راسخا متمكّنا،جعل منهم أوتاد هذا الدّين،و عمده،الّتي قام عليها صرحه، و امتدّت عليها ظلال دوحته.

و هذا يعني احترام العقل الإنسانيّ،و إعطاءه الحقّ في البحث و النّظر،حتّى فيما يصدر إليه من أحكم الحاكمين، ربّ العالمين.و ليس بعد هذا عذر لإنسان يمتهن إنسانيّته، و يبيع عقله،و يسلّم مقوده لكلّ داع يدعوه،من غير أن يعمل فيه نظره،و يوجّه إليه عقله،كما هو حال أولئك المشركين الّذين لا يبصرون إلى ما يدعوهم إليه شياطينهم،أو تمليه عليهم أهواؤهم،و إن كان فيه هلاكهم.

و ثاني هذين الأمرين:أنّ ما تحمله أوامر الشّريعة و أحكامها هو الخير المطلق الّذي لا يزداد على البحث و النّظر إلاّ وضوحا و ألقا.

فمن المطلوب إذن أن تتعلّق الأنظار بهذه الأوامر و تلك الأحكام،و أن تتحكّك بها العقول،و تتردّد عليها الأفهام،حتّى تتعرّف إلى أسرارها،و تنشق العبير الطّيّب من أريجها،و بهذا تعرف قدرها،فيشتدّ حرصها عليها، و تمسّكها بها،و هكذا كلّ شيء طيّب كريم،تتغذّى الأنظار من ترداد النّظر فيه،و تنتعش النّفوس من كثرة لقاء العقل له.(5:587)

مكارم الشّيرازيّ: فهذه الآية تقول بصراحة:إنّ دعوة الإسلام هي دعوة للعيش و الحياة:الحياة المعنويّة،الحياة المادّيّة،الحياة الثّقافيّة،الحياة الاقتصاديّة،الحياة السّياسيّة بالمعنى الصّحيح،الحياة الأخلاقيّة و الاجتماعيّة؛و في النّتيجة الحياة و العيش على جميع الأصعدة.و هذه أقصر و أجمع عبارة عن الإسلام و رسالته الخالدة،إذا سأل أحد عن أهداف الإسلام،و ما يمكن أن يقدّمه،فنقول جملة قصيرة:إنّ هدفه هو الحياة على جميع الأصعدة،و هذا ما يقدّمه لنا.ترى هل كان النّاس موتى قبل بزوغ الإسلام و نزول القرآن؟

ص: 667

ليدعوهم القرآن إلى الحياة؟

و جواب هذا التّساؤل:نعم،فقد كانوا موتى و فاقدي الحياة بمعناها القرآنيّ،لأنّ الحياة ذات مراحل مختلفة، أشار إلى جميعها القرآن الكريم.

فتارة تأتي بمعنى الحياة النّباتيّة،كما يقول القرآن:

اِعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الحديد:17.

و تارة تأتي بمعنى الحياة الحيوانيّة،مثل: إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى فصّلت:39.

و تارة بمعنى الحياة الفكريّة و العقليّة،مثل: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122.

و تارة بمعنى الحياة الخالدة في العالم الآخر،مثل: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي الفجر:24.

و تارة بمعنى العالم و القادر بلا حدّ و لا نهاية،كما نقول عن اللّه:«هو الحيّ الّذي لا يموت».

و بالنّظر إلى هذه الأقسام الّتي ذكرناها نعرف أنّ النّاس في الجاهليّة كانوا يعيشون الحياة الحيوانيّة و المادّيّة،و كانوا بعيدين عن الحياة الإنسانيّة و المعنويّة و العقليّة،فجاء القرآن ليدعوهم إلى الحياة.

و من هنا نعلم أنّ الّذين يضعون الدّين في قوالب جامدة لا روح فيها بعيدة عن إطارات الحياة،و يحجمونه عن القضايا الفكريّة و الاجتماعيّة،نعلم أنّ هؤلاء مخطئون،لأنّ الدّين الصّحيح هو الّذي يبعث الحركة في كلّ جوانب الحياة،و يحيي الفكر و الثّقافة و الإحساس بالمسئوليّة،و يوجد التّكامل و الرّقيّ و الوحدة و التّآلف، فهو إذا يبعث الحياة بكلّ معنى للكلمة.

و تتّضح هذه الحقيقة ضمنا،و هي أنّ الّذين فسّروا الآية بمعنى واحد هو الجهاد أو الإيمان أو القرآن،أو الجنّة، و اعتبروا هذه الأمور هي العوامل الوحيدة للحياة في الآية المباركة،هؤلاء في الحقيقة حدّدوا مفهوم الآية؛ لأنّه يشتمل على كلّ ذلك،و فوق ذلك،فإنّه يتدرّج- ضمن مفهوم الآية-كلّ شيء،و كلّ فكر،و كلّ قانون يبعث الرّوح في جانب من جوانب الحياة.(5:360)

فضل اللّه :لأنّ الإسلام هو دعوة إلى الحياة في ما أراده للإنسان،من حركة و وحي و نموّ و انطلاق،من خلال مفاهيمه الواسعة الشّاملة الّتي تفتح آفاقه على الكون كلّه،ليكون ساحة لفكره،و منطلقا لعمله،و تجربة لمسئوليّته ممّا يجعل منه طاقة حيّة متحرّكة في أكثر من اتّجاه،و من خلال شريعته الّتي تنظّم له حياته في ما يأكل و يشرب و يستمتع،و في ما يعيش من علاقات،فيتحقّق له التّوازن في ذلك كلّه،فلا تنحرف حياته إلى خط السّلبيّة الّتي تهمل كلّ شيء حولها،و لا تتطرّف في خطّ الإيجابيّة حتّى تغلق على نفسها كلّ باب للحرّيّة...

و هكذا يمتدّ التّوازن في ما بين النّزعة المادّيّة و النّزعة الرّوحيّة،إلى الانسجام بين الشّخصيّة الفرديّة و الشّخصيّة الاجتماعيّة،فيحسب لكلّ شيء حسابه، و يضع كلّ شيء في موضعه،على أساس الحكمة و الاتّزان؛و ذلك هو معنى الحياة في حركة الشّخصيّة،لأنّ الإخلال بالتّوازن يؤدّي إلى الانحراف في اتّجاه الهلاك،في ما يثيره من الارتباك في حركة المصير.

أمّا أهداف الإسلام في ما يريده للإنسان من أهداف وجوده،فإنّها أهداف الحياة في امتداد المعرفة و عمقها،في كلّ ما تختزنه من أسرار و تثيره من قضايا و تواجهه من

ص: 668

أحداث،و في ما تستوعبه من معلومات،حتّى لتدعوه إلى الإحاطة بكلّ شيء من حوله،فلا يغيب عنه شيء في ذلك كلّه،و في معنى الحرّيّة الّتي تجعل للإرادة حرّيّتها، بعيدا عن الضّغوط الدّاخليّة أو الخارجيّة،في انطلاقة شجاعة تتمرّد على كلّ نوازعها و تحدّياتها و أوضاعها، و في حركة الرّسالة في حياته،ليواجه الحياة من موقع الرّسالة الّتي تتطلّع إلى كلّ زاوية من زواياها،لتحرّك فيها القيم الرّوحيّة الّتي تبني للإنسان إنسانيّته،و تحقّق للحياة معناها،فلا تتجمّد حياته عند حدود حاجاته،بل تتحرّك إلى البعيد البعيد في نطاق القضايا الكبيرة من أهدافه...

و هكذا تكون التّضحية بالحياة لونا من ألوان حركة الحياة،لأنّ الرّوح تحيا في أهدافها،كما يحيا الجسد في حاجاته.و هذا ما أراد القرآن الكريم الإحياء به عند ما اعتبر العلم و الإيمان و الجهاد و الشّهادة مظهرا من مظاهر الحياة،و لذلك كانت الاستجابة إلى اللّه و إلى الرّسول استجابة للجانب الحيّ من حركة الرّسالة في الحياة.و هذا ما ينبغي لنا أن نستوحيه في ما نلتقي به من أحكام الشّريعة و أسرارها و قضاياها،لنكتشف-في ذلك كلّه- كيف تستوعب الشّريعة الحياة،و كيف تخضع الحياة لدعوة الشّريعة في ما تريد أن تحقّقه من أهداف،أو تواجهه من مشاكل و حلول.(10:355)

2- قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ...

الجاثية:26

الطّبريّ: أيّها المشركون يحييكم ما شاء أن يحييكم في الدّنيا،ثمّ يميتكم فيها إذا شاء.(25:153)

نحوه النّسفيّ(4:138)،و المراغيّ(25:160).

الطّوسيّ: (قل)لهم يا محمّد: اَللّهُ يُحْيِيكُمْ في دار الدّنيا،لأنّه لا يقدر على الإحياء أحد سواه تعالى،لأنّه قادر لنفسه.[إلى أن قال:]

و إنّما احتجّ بالإحياء في دار الدّنيا،لأنّ من قدر على فعل الحياة في وقت،قدر عليها في كلّ وقت.و من عجز عنها في وقت،و تعذّرت عليه مع كونه حيّا و مع ارتفاع الموانع،عجز عنها في كلّ وقت.(9:261)

نحوه الطّبرسيّ.(5:79)

الزّمخشريّ: فإن قلت:كيف وقع قوله: قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ جوابا لقولهم: اِئْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الجاثية:25؟

قلت:لمّا أنكروا البعث،و كذّبوا الرّسول،و حسبوا أنّ ما قالوه قول مبكّت،ألزموا ما هو مقرّون به،من أنّ اللّه عزّ و جلّ هو الّذي يحييهم ثمّ يميتهم.و ضمّ إلى إلزام ذلك، إلزام ما هو واجب الإقرار به إن أنصفوا و أصغوا إلى داعي الحقّ،و هو جمعهم إلى يوم القيامة،و من كان قادرا على ذلك كان قادرا على الإتيان بآبائهم،و كان أهون شيء عليه.(3:513)

نحوه مسائل الرّازيّ.(315)

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:هذا الكلام مذكور لأجل جواب من يقول: ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ الجاثية:24.فهذا القائل كان منكرا لوجود الإله و لوجود يوم القيامة،فكيف يجوز

ص: 669

إبطال كلامه بقوله: قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ و هل هذا إلاّ إثبات للشّيء بنفسه و هو باطل؟

قلنا:إنّه تعالى ذكر الاستدلال بحدوث الحيوان و الإنسان على وجود الفاعل الحكيم في القرآن مرارا و أطوارا،فقوله هاهنا: قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ إشارة إلى تلك الدّلائل الّتي بيّنها و أوضحها مرارا،و ليس المقصود من ذكر هذا الكلام إثبات الإله بقول الإله،بل المقصود منه التّنبيه على ما هو الدّليل الحقّ القاطع في نفس الأمر.

و لمّا ثبت أنّ الإحياء من اللّه تعالى،و ثبت أنّ الإعادة مثل الإحياء الأوّل،و ثبت أنّ القادر على الشّيء قادر على مثله،ثبت أنّه تعالى قادر على الإعادة،و ثبت أنّ الإعادة ممكنة في نفسها،و ثبت أنّ القادر الحكيم أخبر عن وقت وقوعها،فوجب القطع بكونها حقّة.

(27:270)

القرطبيّ: قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ يعني بعد كونكم نطفا أمواتا ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كما أحياكم في الدّنيا.(16:173)

البيضاويّ: قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ على ما دلّت عليه الحجج...فإنّ من قدر على الإبداء قدر على الإعادة.(2:382)

نحوه أبو السّعود(6:63)،و الكاشانيّ(5:8).

الشّربينيّ: قُلِ اللّهُ أي المحيط علما و قدرة يُحْيِيكُمْ أي حين كنتم نطفا ثُمَّ يُمِيتُكُمْ، أي بأن يخرج أرواحكم من أجسادكم،فتكونون كما كنتم قبل الإحياء كما تشاهدون.(3:600)

البروسويّ: و فيه إشارة إلى أنّ اللّه يحييكم بالحياة الإنسانيّة ثمّ يميتكم عن صفة الإنسانيّة الحيوانيّة،ثمّ يجمعكم بالحياة الرّبّانيّة إلى يوم القيامة،و هي النّشأة الأخرى،لا ريب في هذا عند أهل النّظر،و لكنّ أكثر النّاس لا يعلمون لأنّهم أهل النّسيان و الغفلة.

و في الجهل قبل الموت موت لأهله

و أجسامهم قبل القبور قبور

و إن امرأ لم يحيى بالعلم ميّت

و ليس له حين النّشور نشور

و في الحديث:«أنتم على بيّنة من ربّكم ما لم تظهر منكم سكرتان:سكرة الجهل،و سكرة حبّ الدّنيا».

فعلى العاقل أن يتنبّه،و يكون على يقين من ربّه، و يصدّق الكتاب فيما نطق به.و لصعوبة الإيمان بالغيب وقع أكثر النّاس في ورطة التّكذيب،و لانغلاق أبواب البرزخ و المعاد كثر الرّدّ و الإنكار.(8:451)

مغنيّة:إذا كان اللّه هو الّذي أحيا الإنسان من قبل و لم يكن شيئا مذكورا،و هو الّذي يميته،فما الّذي يمنعه من إحيائه ثانية؟(7:30)

عبد الكريم الخطيب :أي هو سبحانه الّذي أوجدكم في هذه الحياة،و أخرجكم من عالم الموات إلى عالم الحياة،و أمسك عليكم هذه الحياة الّتي ألبسكم إيّاها. ثُمَّ يُمِيتُكُمْ، و هو سبحانه الّذي يميتكم،و ينزع عنكم ثوب الحياة الّذي ألقاه عليكم.(13:251)

مكارم الشّيرازيّ: لم يكن هؤلاء يعتقدون باللّه و لا باليوم الآخر،و محتوى هذه الآية استدلال عليهما معا،حيث أكّدت على مسألة الحياة الأولى.و بتعبير آخر،فإنّ هؤلاء لا يستطيعون أن ينكروا أصل وجود

ص: 670

الحياة الأولى،و نشأة الموجودات الحيّة من موجودات ميّتة،و هذا يشكّل من جهة دليلا على وجود عقل و علم كلّيّ شامل؛إذ هل يمكن أن توجد مسألة الحياة على هذه الهيئة المدهشة،و التّنظيم الدّقيق،و الأسرار العجيبة المعقّدة،و الصّور المتعدّدة،و الّتي أذهلت عقول كلّ العلماء،من دون أن يكون لها خالق قادر عالم؟

و لهذا نرى آيات القرآن المختلفة تؤكّد مسألة الحياة كأحد آيات التّوحيد و أدلّته البيّنة.

و من جهة أخرى،تقول لهم:كيف يكون القادر على إنشاء الحياة الأولى عاجزا من إعادتها ثانيا؟

(16:209)

فضل اللّه :فهذه هي الحقيقة الإلهيّة في وجود الإنسان،فهو-وحده-القادر على إعادة الحياة،كما أنّه- وحده-القادر على إيجادها،فليس لأحد أن يطلب من أيّ مخلوق،حتّى إذا كان نبيّا،أن يعيد الحياة لأيّ شخص، لأنّ النّبيّ لا يملك أيّة قدرات إحيائيّة إلاّ بإذن اللّه،الّذي أعطى بعض هذه القدرة لبعض رسله،إذا ما كان دوره الرّساليّ يفرض ذلك،لا نزولا عند طلب التّحدّي المضادّ، لأنّ اللّه لا يستجيب للتّحدّي،كما يستجيب النّاس الّذين ينفعلون بالتّحديّ،أو يخافون السّقوط أمام مواقعه،فإنّ اللّه بالغ أمره في كلّ شيء.و لذلك فلا بدّ لهؤلاء من أن يفهموا سنّة اللّه الحتميّة الّتي تنطلق من حكمته في خلق الإنسان،لتكون حياته ساحة للمسئوليّة،و ليكون موته جسر عبور إلى يوم القيامة؛حيث يواجهون نتائج المسئوليّة،و تتأكّد حكمة اللّه من الخلق،و لكن مشكلة هؤلاء و غيرهم-ممّن يعيشون في السّطح الظّاهر من الأمور-أنّهم لا يفكّرون وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ، لأنّهم لا يأخذون بأسباب العلم،في ما أعدّه اللّه لهم من وسائله الذّاتيّة و الموضوعيّة،بفعل ابتعادهم عن الجدّيّة في حسابات المصير.(20:331)

الحيّ من صفات اللّه

1- اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ... البقرة:255

ابن عبّاس: الّذي لا يموت.(36)

السّدّيّ: أنّ المراد بالحيّ:الباقي.

(الماورديّ 1:323)

الرّبيع:حيّ: لا يموت.(الطّبريّ3:5)

الطّبريّ: يعني:الّذي له الحياة الدائمة،و البقاء الّذي لا أوّل له يحدّ،و لا آخر له يؤمد؛إذ كان كلّ ما سواه فإنّه و إن كان حيّا فلحياته أوّل محدود،و آخر مأمود،ينقطع بانقطاع أمدها،و ينقضي بانقضاء غايتها.

و قد اختلف أهل البحث في تأويل ذلك،فقال بعضهم:إنّما سمّي اللّه نفسه حيّا،لصرفه الأمور مصارفها، و تقديره الأشياء مقاديرها،فهو حيّ بالتّدبير لا بحياة.

و قال آخرون:بل هو حيّ بحياة هي له صفة.

و قال آخرون:بل ذلك اسم من الأسماء تسمّى به، فقلناه تسليما لأمره.(3:5)

نحوه الماورديّ.(1:323)

الزّجّاج: معنى(الحىّ):الدّائم البقاء.(1:336)

مثله الشّربينيّ.(1:168)

الثّعلبيّ: من له الحياة،و هي الصّفة الّتي يكون الموصوف بها حيّا مخالفا للجمادات و الأموات،و هو على

ص: 671

وزن«فعل»مثل الحدر و الطّمع،فسكّنت الياء و أدغمت.

(2:230)

الطّوسيّ: و الحيّ هو من كان على صفة لا يستحيل معها كونه عالما قادرا،و إن شئت قلت:هو من كان على صفة يجب لأجلها أن يدرك المدركات،إذا وجدت.

(2:307)

الواحديّ: [نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

معنى(الحىّ)في صفة اللّه:الدّائم البقاء.(1:367)

الغزاليّ: (الحىّ)هو الفعّال الدّرّاك،حتّى أنّ من لا فعل له أصلا و لا إدراك فهو ميّت.و أقلّ درجات الإدراك أن يشعر المدرك بنفسه،فما لا يشعر بنفسه فهو الجماد و الميّت،فالحيّ الكامل المطلق هو الّذي تندرج جميع المدركات تحت إدراكه،و جميع الموجودات تحت فعله،حتّى لا يشذّ عن علمه مدرك،و لا عن فعله مفعول، و ذلك هو اللّه تعالى،فهو الحيّ المطلق،و كلّ حيّ سواه فحياته بقدر إدراكه و فعله،و كلّ ذلك محصور في قوله:

اَلْقَيُّومُ. (البروسويّ 1:399)

البغويّ: الباقي الدّائم على الأبد،و هو من له الحياة، و الحياة صفة اللّه تعالى.(1:346)

الزّمخشريّ: (الحىّ):الباقي الّذي لا سبيل عليه للفناء،و هو على اصطلاح المتكلّمين الّذي يصحّ أن يعلم و يقدر.(1:384)

نحوه النّسفيّ(1:128)،و القاسميّ(3:658).

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله(الحيّ)ففيه مسائل:

المسألة الأولى:الحيّ أصله:حيي،كقولهم:حذر و طمع،فأدغمت الياء في الياء عند اجتماعهما.و قال ابن الأنباريّ: أصله:الحيو،فلمّا اجتمعت الياء و الواو،ثمّ كان السّابق ساكنا،فجعلتا ياء مشدّدة.

المسألة الثّانية:قال المتكلّمون:(الحيّ)كلّ ذات يصحّ أن يعلم و يقدر.و اختلفوا في أنّ هذا المفهوم صفة موجودة أم لا،فقال بعضهم:إنّه عبارة عن كون الشّيء بحيث لا يمتنع أنّه يعلم و يقدر.و عدم الامتناع لا يكون صفة موجودة.و قال المحقّقون:و لمّا كانت الحياة عبارة عن عدم الامتناع،و قد ثبت أنّ الامتناع أمر عدميّ؛إذ لو كان وصفا موجودا لكان الموصوف به موجودا،فيكون ممتنع الوجود موجودا و هو محال.و إذا ثبت أنّ الامتناع عدم،و ثبت أنّ الحياة عدم هذا الامتناع،و ثبت أنّ عدم العدم وجود،لزم أن يكون المفهوم من الحياة صفة موجودة،و هو المطلوب.

المسألة الثّالثة:لقائل أن يقول:لمّا كان معنى الحيّ هو أنّه الّذي يصحّ أن يعلم و يقدر،و هذا القدر حاصل لجميع الحيوانات،فكيف يحسن أن يمدح اللّه نفسه بصفة يشاركه فيها أخسّ الحيوانات؟!

و الّذي عندي في هذا الباب:أنّ الحيّ في أصل اللّغة ليس عبارة عن هذه الصّحّة،بل كلّ شيء كان كاملا في جنسه،فإنّه يسمّى حيّا.أ لا ترى أنّ عمارة الأرض الخربة تسمّى:إحياء الموات؟و قال تعالى: فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الرّوم:

50،و قال: إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ فاطر:9، و الصّفة المسمّاة في عرف المتكلّمين،إنّما سمّيت بالحياة، لأنّ كمال حال الجسم أن يكون موصوفا بتلك الصّفة،فلا جرم سمّيت تلك الصّفة حياة،و كمال حال الأشجار أن

ص: 672

تكون مورقة خضرة،فلا جرم سمّيت هذه الحالة حياة، و كمال الأرض أن تكون معمورة،فلا جرم سمّيت هذه الحالة حياة،فثبت أنّ المفهوم الأصليّ من لفظ الحيّ كونه واقعا على أكمل أحواله و صفاته.و إذا كان كذلك فقد زال الإشكال،لأنّ المفهوم من الحيّ هو الكامل،و لمّا لم يكن ذلك مقيّدا بأنّه كامل في هذا دون ذاك،دلّ على أنّه كامل على الإطلاق،فقوله:(الحىّ)يفيد كونه كاملا على الإطلاق،و الكامل هو أن لا يكون قابلا للعدم،لا في ذاته و لا في صفاته الحقيقة،و لا في صفاته النّسبيّة و الإضافيّة.

ثمّ عند هذا:إن خصّصنا(القيّوم)بكونه سببا لتقويم غيره فقد زال الإشكال،لأنّ كونه سببا لتقويم غيره يدلّ على كونه متقوّما بذاته،و كونه قيّوما يدلّ على كونه مقوّما لغيره.و إن جعلنا(القيّوم)اسما يدلّ على كونه يتناول المتقوّم بذاته،و المقوّم لغيره،كان لفظ(القيّوم) مفيدا فائدة لفظ(الحىّ)مع زيادة.فهذا ما عندي في هذا الباب،و اللّه أعلم (1).(7:7)

نحوه النّيسابوريّ.(3:15)

ابن عربيّ: (الحىّ):الّذي حياته عين ذاته،و كلّ ما هو حيّ لم يحيا إلاّ بحياته.(1:142)

البيضاويّ: (الحىّ):الّذي يصحّ أن يعلم و يقدر، و كلّ ما يصحّ له فهو واجب لا يزول،لامتناعه عن القوّة و الإمكان.(1:133)

الخازن :(الحىّ):بعني الباقي على الأبد،الدّائم بلا زوال.و الحيّ في صفة اللّه تعالى،و هو الّذي لم يزل موجودا،أو بالحياة موصوفا،لم تحدث له الحياة بعد موت،و لا يعتريه الموت بعد حياة،و سائر الأحياء يعتريهم الموت و العدم،فكلّ شيء هالك إلاّ وجهه سبحانه و تعالى.(1:226)

أبو حيّان :(الحىّ)وصف،و فعله«حيي».قيل:

و أصله«حيو»فقلبت«الواو»ياء لكسرة ما قبلها، و أدغمت في(الياء).و قيل:أصله«فيعل»فخفّف،كميت في ميّت،و لين في ليّن،و هو وصف لمن قامت به الحياة، و هو بالنّسبة إلى اللّه تعالى من صفات الذّات:حيّ بحياة لم تزل و لا تزول.

و فسّر هنا بالباقي.[ثمّ استشهد بشعر،و أدام الكلام بنقل أقوال المتقدّمين](2:277)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و هو إمّا خبر ثان،أو خبر مبتدإ محذوف،أو بدل من لا إِلهَ إِلاّ هُوَ، أو بدل من(اللّه)،أو صفة له،و يعضده القراءة بالنّصب على المدح لاختصاصه بالنّعت.

(1:295)

صدر المتألّهين:أمّا المفهوم من(الحىّ)فقيل:

الحيّ: هو الّذي يصحّ أن يعلم و يقدر.أو هو الدّرّاك الفعّال.فأورد عليه:أنّ هذا لا يقتضي المدح،لمشاركة أخسّ الحيوانات إيّاه في ذلك.

و يمكن الجواب بأنّ مفهوم«الإدراك»و«القدرة»ممّا يقبل الأشدّ و الأضعف،و المقول بالتّشكيك،ممّا يختلف صدقه على الأشياء بالكمال و النّقص،و الأولويّة و عدمها -و في كلّ بحسبه-و«العلم»في حقّ الحيوان يكون هو الإحساس،و في حقّ الحقّ التّعقّل.و كذا«الفعل»فيت.

ص: 673


1- سيأتي في نصّ صدر المتألّهين هذا الكلام نقلا عنه في مفاتيح الغيب بتفاوت.

الحيوان يكون من باب التّحريك،و في حقّه تعالى من باب الإبداع،فمعنى(الحىّ)و إن كان مفهوما عامّا،إلاّ أنّه ينصرف في الحيوان إلى الحسّاس المتحرّك،أي ما من شأنه أن يحسّ و يتحرّك،و في الواجب إلى ما يكون عالما بالفعل بجميع الأشياء،قادرا بالذّات على كلّ الموجودات،لتعاليه عن القوّة و الكلال،و ارتفاعه عن التّجدّد و الانتقال.و لا شكّ أنّ هذا ممّا يوجب المدح و الثّناء.

أقول:و على هذا التّحقيق لا يحتاج إلى ما عدل إليه الخطيب الرّازيّ و تبعه النّيسابوريّ: من أنّ(الحىّ)في اللّغة ليس عبارة عمّن يوجد فيه هذه الصّحّة من هذه الحيثيّة فقط،بل كلّ شيء يكون كاملا في جنسه فإنّه يسمّى حيّا،و من هاهنا صحّ أن يقال لعمارة الأرض الخربة:«إحياء الموات».و قال تعالى: فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الرّوم:50، و قال: إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا فاطر:9،فإنّ كمال حال الأرض أن تكون معمورة فسمّيت:حياة،و كمال حال الأشجار أن تكون مورقة نضرة فسمّيت:حياة.

و الصّفة المسمّاة بالحياة في عرف المتكلّمين كمال للجسم؛لأنّ كمال الجسم أن يكون حسّاسا متحرّكا،فلا جرم سمّيت هذه الحالة حياة،فثبت أنّ المفهوم من (الحىّ)هو«الكامل في جنسه»،و الكامل في الوجود هو الّذي يجب وجوده بذاته،فلا حيّ بالحقيقة إلاّ واجب الوجود لذاته-انتهى قوله (1).

و فيه من التّعسّف ما لا يخفى على الذّوق المستقيم:

أمّا أوّلا:فلأنّ دعوى كون الحياة في اللّغة بمعنى ذي الشّعور و الفعل الإراديّ بعيد عن الإنصاف،كما يظهر لمن تتبّع موارد استعمالات هذا اللّفظ.

و أمّا ثانيا:فلأنّ كمال كلّ شيء-في جنسه أو نوعه- لو كان حياته في عرف اللّغة،لجاز أن يقال في اللّغة لكلّ كامل في جنسه أنّه:حيوان،و ليس كذلك؛إذ لا يقال للذّهب الكامل العيار:إنّه حيوان،و للثّوب الكامل في نسجه:إنّه حيوان،و للدّرّ الصّافي:إنّه حيوان،و للسّواد الشّديد و الخطّ الطّويل و الدّائرة التّامّة إنّها:حيوانات.

و أمّا ثالثا:فلأنّ تبادر معنى من اللّفظ إلى الذّهن من غير قرينة دليل الحقيقة،و عدمه دليل المجاز،و نحن إذا سمعنا لفظ«الحيوان»لم يتبادر في ذهننا إلاّ ما له صلاحيّة الإدراك و الفعل الإراديّ،و إن كان ناقصا في جنسه أو نوعه.

ثمّ من العجب أنّ كثيرا من علماء العربيّة ينكرون كون الأفلاك حيّة مع أنّها كاملة في الجسميّة،لكونها كاملة البنيان،عظيمة المقدار،رفيعة المكان،بل هي مكرّمة الذّوات و الصّفات،مرفوعة عن أرجاس العنصريّات؛و ذلك لأنّ المعتبر عندهم في الحيوان هو التّفنّن في الإرادات و الحركات بلا نسق،أو الاختلاف في الدّواعي و الأغراض مع كلال و تعب،أو وجود رأس و ذنب و شهوة و غضب،لأنّهم ما عاهدوا من الحيوان إلاّ هذه الدّيدان الأرضيّة«كالأرضة»الّتي لا غذاء لها إلاّ من الأرضيّات،ظنّا منهم أن ليس للّه تعالى عالم غير هذه المدرة،و ليس لها خلائق حيّة ناطقة إلاّ هذه الحيوانات الحاصلة من العفونات صامتها و ناطقها،و لم يعلمواا.

ص: 674


1- مفاتيح الغيب للرّازيّ(1:466)ملخّصا.

بالطّمأنينة العرفانيّة أنّ له تعالى عالما آخر هي دار الحيوان بالحقيقة،لقوله تعالى: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت:64،و له سبحانه خلائق ملكوتيّون حياتهم بالعقل الكلّيّ و الشّوق الإلهيّ، و غذاؤهم التّسبيح و التّقديس،و اللّه يطعمهم و يسقيهم كقوله صلّى اللّه عليه و آله:«أبيت عند ربّي يطعمني و يسقيني».

و أمّا اشتقاقه:فالحيّ أصله«الحيي»كحذر و طمع، فأدغمت الياء في الياء عند اجتماعهما،و كلا الياءين أصل.

(4:79)

الكاشانيّ: العليم القدير.(1:259)

مثله شبّر.(1:259)

البروسويّ: (الحىّ)خبر ثان.و هو في اللّغة:من له الحياة،و هي صفة تخالف الموت و الجماديّة،و تقتضي الحسّ و الحركة الإراديّة،و أشرف ما يوصف به الإنسان الحياة الأبديّة في دار الكرامة،و إذا وصف الباري عزّ شأنه بها،و قيل:إنّه حيّ،كان معناه:الدّائم الباقي الّذي لا سبيل عليه للموت و الفناء،فهو الموصوف بالحياة الأزليّة الأبديّة.(1:399)

الآلوسيّ: في قوله تعالى:(الحىّ)سبعة أوجه من وجوه الإعراب:

الأوّل:أن يكون خبرا ثانيا للفظ الجلالة.

الثّاني:أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف،أي هو الحيّ.

الثّالث:أن يكون بدلا من قوله سبحانه: لا إِلهَ إِلاّ هُوَ.

الرّابع:أن يكون بدلا من(هو)وحده.

الخامس:أن يكون مبتدأ خبره لا تَأْخُذُهُ.

السّادس:أنّه بدل من(اللّه).

السّابع أنّه صفة له،و يعضده القراءة بالنّصب على المدح لاختصاصه بالنّعت.

و في أصله قولان:الأوّل:أنّ أصله:حيي،بياءين من حيّ يحيا.

و الثّاني أنّه«حيو»فقلبت الواو المتطرّفة المنكسر ما قبلها ياء،و لذلك كتبوا الحياة بواو في رسم المصحف، تنبيها على هذا الأصل،و يؤيّده الحيوان لظهور هذا الأصل فيه،و وزنه قيل:«فعل»،و قيل:«فيعل»فخفّف كميت في ميّت.

و الحياة عند الطّبيعيّ: القوّة التّابعة للاعتدال النّوعيّ الّتي تفيض عنها سائر القوى الحيوانيّة،أو قوّة التّغذية، أو قوّة الحسّ،أو قوّة تقتضي الحسّ و الحركة.و الكلّ ممّا يمتنع اتّصاف اللّه تعالى به،لأنّه من صفات الجسمانيّات، فهي فيه سبحانه صفة موجودة حقيقيّة قائمة بذاته، لا يكتنه كنهها و لا تعلم حقيقتها كسائر صفاته جلّ شأنه،زائدة على مجموع العلم و القدرة،و ليست نفس الذّات حقيقة و لا ثابتة،لا موجودة و لا معدومة،كما قيل بكلّ.فالحيّ ذات قامت به تلك الصّفة.

و فسّره بعض المتكلّمين بأنّه الّذي يصحّ أن يعلم و يقدر.و اعترضه الإمام بأنّ هذا القدر حاصل لجميع الحيوانات،فكيف يحسن أن يمدح اللّه تعالى نفسه بصفة يشاركه بها أخسّ الحيوانات؟[ثمّ نقل كلام الفخر الرّازيّ المتقدّم و قال:]

و لا يخفى أنّه صرح ممرّد من قوارير:

أمّا أوّلا:فلأنّ قوله:إنّ الحيّ،بمعنى الّذي يصحّ أن

ص: 675

يعلم و يقدر ممّا يشترك به سائر الحيوانات،فلا يحسن أن يمدح اللّه تعالى به نفسه،في غاية السّقوط،لأنّه إن أراد الاشتراك في إطلاق اللّفظ فليس الحيّ وحده كذلك،بل السّميع،و البصير أيضا مثله في الإطلاق على أخسّ الحيوانات،و قد مدح اللّه تعالى بهما نفسه،و لم يستشكل ذلك أهل السّنّة.و إن أراد الاشتراك في الحقيقة فمعاذ اللّه تعالى من ذلك؛إذ الاشتراك فيها مستحيل بين التّراب و ربّ الأرباب،و بين الأزليّ و الزّائل.و متى قلت:إنّ الاشتراك في إطلاق اللّفظ يوجب ذلك الاشتراك حقيقة،و لا مناص عنه إلاّ بالحمل على المجاز،لزمك مثل ذلك في سائر الصّفات،و لا قائل به من أهل السّنّة.

و أمّا ثانيا:فلأنّ كون الحياة في اللّغة بمعنى الكمال ممّا لم يثبت في شيء من كتب اللّغة أصلا،و إنّما الثّابت فيها غير ذلك،و وصف الجمادات بها إنّما هو على سبيل المجاز دون الحقيقة كما وهم.فإن قال:إنّها مجاز في اللّه تعالى أيضا بذلك المعنى،عاد الإشكال بحصول الاشتراك في الكمال مع الجمادات فضلا عن الحيوان.فإن قال:كمال كلّ شيء بالنّسبة إلى ما يليق به،قلنا:فحياة كلّ حيّ حقيقة بالنّسبة إلى ما يليق به،و ليس كمثل اللّه تعالى شيء،و كأنّي بك تفهم من كلامي الميل إلى مذهب السّلف في مثل هذه المواطن،فليكن ذلك فهم القوم كلّ القوم.

*و يا حبّذا هند و أرض بها هند*

و الزّمخشريّ فسّر(الحىّ)بالباقي الّذي لا سبيل عليه للموت و الفناء،و جعلوا ذلك منه تفسيرا بما هو المتعارف من كلام العرب،و أرى أنّ في القلب منه شيء، و لعلّي من وراء المنع لذلك،نعم روي عن قتادة:أنّه الّذي لا يموت،و هو ليس بنصّ في المدّعي.(3:6)

رشيد رضا :قال الأستاذ الإمام:و أمّا(الحىّ)فهو ذو الحياة،و هي مبدأ الشّعور و الإدراك و الحركة و النّموّ.

و مثّل لذلك بالنّبات و الحيوان،فإنّ كلاّ منهما حيّ و إن تفاوتت الحياة فيهما،فكانت في الحيوان أكمل منها في النّبات.قال:و الحياة بهذا المعنى ممّا ينزّه اللّه تعالى عنه، لأنّه محال عليه.و لذلك فسّر مفسّرنا(الحىّ)بالدّائم البقاء،و هو بعيد جدّا لا يفهم من اللّفظ مطلقا،و إنّما معنى الحياة بالنّسبة إليه سبحانه مبدأ العلم و القدرة،أي الوصف الّذي يعقل معه الاتّصاف بالعلم و الإرادة و القدرة.و هذا الوصف يبطل قول المادّيّين الّذين يزعمون:أنّ مبدأ الكون علّة تتحرّك بطبعها،و لا شعور لها بنفسها و لا بحركتها،و ما ينشأ عنها من الأفعال و الآثار،أي إنّ هذا النّظام و الإحكام.في الخلق من آثار المادّة الميّتة الّتي لا شعور لها و لا علم.

اختصر الأستاذ الإمام في الدّرس فلم يزد على نحو ما ذكرنا في حياة اللّه تعالى شيئا.و المتكلّمون يستدلّون على حياة اللّه تعالى بالعقل من وجهين:

أحدهما:أنّه تعالى عليم مريد قدير،و هذه الصّفات لا تعقل إلاّ للحيّ.و فيه أنّه من قياس الغائب على الشّاهد-كما يقولون-أو من قياس الواجب على الممكن.

و ثانيهما:أنّ الحياة كمال وجوديّ،و كلّ كمال لا يستلزم نقصا يستحيل على الواجب فهو واجب له.

و هذا ما قدّمه الأستاذ الإمام في رسالة التّوحيد،و قد قدّم

ص: 676

له بمقدّمة نفيسة في صفات الواجب.قال رحمه اللّه تعالى:

معنى الوجود و إن كان بديهيّا عند العقل،و لكنّه يتمثّل له بالظّهور،ثمّ الثّبات و الاستقرار و كمال الوجود،و قوّته بكمال هذا المعنى و قوّته بالبداهة.

كلّ مرتبة من مراتب الوجود تستتبع (1)بالضّرورة من الصّفات الوجوديّة ما هو كمال لتلك المرتبة في المعنى السّابق ذكره،و إلاّ كان الوجود لمرتبة سواها،و قد فرض لها ما يتجلّى للنّفس من مثل الوجود لا ينحصر.و أكمل مثال في أيّ مرتبة ما كان مقرونا بالنّظام و الكون،على وجه ليس فيه خلل و لا تشويش،فإن كان ذلك النّظام بحيث يستتبع وجودا مستمرّا و إن كان في النّوع،كان أدلّ على كمال المعنى الوجوديّ في صاحب المثال.

فإن تجلّت للنّفس مرتبة من مراتب الوجود على أن تكون مصدرا لكلّ نظام،كان ذلك عنوانا على أنّها أكمل المراتب و أعلاها و أرفعها و أقواها.

وجود الواجب هو مصدر كلّ وجود ممكن-كما قلنا و ظهر بالبرهان القاطع-فهو بحكم ذلك أقوى الوجودات و أعلاها،فهو يستتبع من الصّفات الوجوديّة ما يلائم تلك المرتبة العليّة،و كلّ ما تصوّره العقل كمالا في الوجود من حيث ما يحيط به من معنى الثّبات و الاستقرار و الظّهور،و أمكن أن يكون له،وجب أن يثبت له،و كونه مصدرا للنّظام و تصريف الأعمال على وجه لا اضطراب فيه يعدّ من كمال الوجود كما ذكرنا،فيجب أن يكون ذلك ثابتا له.فالوجود الواجب يستتبع من الصّفات الوجوديّة الّتي تقتضيها هذه المرتبة ما يمكن أن يكون له.

فما يجب أن يكون له صفة الحياة-و هي صفة تستتبع العلم و الإرادة-و ذلك أنّ الحياة ممّا يعتبر كمالا للوجود بداهة،فإنّ الحياة مع ما يتبعها مصدر النّظام و ناموس الحكمة،و هي في أيّ مراتبها مبدأ الظّهور و الاستقرار في تلك المرتبة.فهي كمال وجوديّ و يمكن أن يتّصف بها الواجب.و كلّ كمال وجوديّ يمكن أن يتّصف به وجب أن يثبت له،فواجب الوجود حيّ و إن باينت حياته حياة الممكنات،فإنّ ما هو كمال للوجود إنّما هو مبدأ العلم و الإرادة،و لو لم تثبت له هذه الصّفة لكان في الممكنات ما هو أكمل منه وجودا.و قد تقدّم أنّه أعلى الوجودات و أكملها فيه.

و الواجب هو واهب الوجود و ما يتبعه،فكيف لو كان فاقدا للحياة يعطيها؟فالحياة له كما أنّه مصدرها، انتهى.

أقول:و هذا تحقيق دقيق لا تجد مثله لغير هذا الإمام العارف و الحكيم المحقّق،و لا يعقله إلاّ أولو الألباب.و قد كنت كتبت في كتاب«العقائد»الّذي ألّفته باقتراحه رحمه اللّه تعالى،على وجه يليق بمعارف هذا العصر.

و يفيد طلاّب علومه كلاما في حياة اللّه تعالى قريبا من الأفهام،و اطّلع عليه فأعجبه.و إنّني أحبّ إيراده هنا، لأنّني لم أر في كتب التّفسير و لا في كتب الكلام كلاما ممتّعا في هذا المقام،و هو وارد بأسلوب السّؤال من تلميذ مبتدئ في المدارس،و الجواب من أخيه و هو عالم عصريّ طبيب نعبّر عنه بالشّابّ،و من أبيه و هو عالم صوفيّ نعبّر عنه بالشّيخ،و هذا نصّه باختصار ما:».

ص: 677


1- هذا هو الظّاهر،و في الأصل:تستبع!!و كذا في قوله الآتي:«و هي صفة تستتبع العلم و الإرادة».

قال التّلميذ:تنبت الشّجرة صغيرة ثمّ تنمو حتّى تكون في زمن قريب أضعاف ما كانت،فمن أين تجيء هذه الزّيادة،و كيف تدخل في بنيتها و تتفرّق،فتأخذ السّاق منها حظّا و الفروع حظّا،و كذلك الورق و الثّمر؟

الشّابّ:إنّ هذه الزّيادة الّتي تدخل بنية النّبات بعضها من الأرض و بعضها من الهواء.و النّبات جسم حيّ،فهو بصفة الحياة يأخذ من عناصر الأرض و الهواء ما يصلح لغذائه،فيتغذّى به كما يتغذّى الحيوان بما يأكله و يشربه،و ينمو بذلك كما ينمو الحيوان.

التّلميذ:إنّنا لا نرى في الأرض و لا في الهواء شيئا من مادّة النّبات و لا من صفاته كاللّون و الطّعم و الرّائحة.

الشّابّ:إنّه يأخذ منها العناصر البسيطة،فيأخذ من الهواء الأكسجين و النّيتروجين«الأزوت»،و كذلك الكربون و بعض الأملاح الّتي توجد في الهواء عادة و إن لم تكن جزء منه.و يأخذ من الأرض ما يناسبه من عناصرها الكثيرة كالبوتاسا و الفسفور و الحديد و الجير و الأملاح،و يكون ممّا يأخذه من ذلك غذاءه بعمل كيمياويّ منتظم،يعجز عن مثله أعلم علماء الكيمياء.و قد علمت أنّ جميع هذه الصّور المختلفة الأشكال و الصّفات إنّما اختلف بعضها عن بعض باختلاف التّركيب الكيماويّ و عمل الطّبيعة،حتّى إنّ مادّة السّكّر هي عين المادّة الّتي يتكوّن منها الحنظل،و الماس و الفحم الحجريّ من عنصر واحد.

الشّيخ:إنّ النّبات لا حياة فيه و لو كان يعمل عمله الّذي ذكرت في معنى النّموّ و كيفيّته بما تقتضيه صفة الحياة الّتي أثبتها له،لكان عالما بعمله و مختارا فيه،و لم يرد بهذا نقل،و لا أثبته عقل،فنموّ النّبات إنّما يكون بمحض قدرة اللّه تعالى.

الشّابّ:لا دليل على أنّ للنّبات علما و لا على أنّه لا علم له،فهو في عمله كأعضاء الإنسان و غيره من الحيوان الّتي تعمل أعمالا منتظمة لا شعور للإنسان بها، و لا هي صادرة عن علمه و تدبيره،كأعمال المعدة و الكبد في هضم الطّعام،فليس عندنا دليل على أنّ للمعدة علما خاصّا،و لا على أنّه لا علم لها،و لكنّنا نعلم أنّها عضو حيّ بحياة صاحبه،فإذا أبين منه ثمّ وضع فيه الطّعام فإنّه لا يعمل ذلك العمل.و كون كلّ شيء بقدرة اللّه لا يمنع أن يكون لكلّ شيء سبب.فاللّه تعالى حكيم لا يعمل شيئا إلاّ بنظام ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ الملك:3.

التّلميذ:من أين تكون هذه الحياة النّباتيّة للنّبات، و الحياة الحيوانيّة للحيوان،فهل المادّة الّتي يتغذّى بها النّبات حيّة فيأخذ منها حياته؟

الشّابّ:كلاّ إنّ موادّ التّغذية ليست حيّة بنفسها،أ لا ترى أنّ الإنسان لا يأكل شيئا من الحيوان إلاّ بعد إماتته بنحو الذّبح و الطّبخ،و لا يأكل نباتا إلاّ بعد إزالة حياته النّباتيّة و لو بالقطع و المضغ فقط؟و كذلك النّبات.و لكن في النّواة الّتي تتولّد منها الشّجرة و البيضة الّتي يتولّد منها الحيوان حياة كامنة مستعدّة للنّموّ بالتّغذية على ما نشاهد في الكون.و هذه الحياة مجهولة الكنه و المبدإ حتّى اليوم،و أمرها أخفى من أمر المادّة في كنهها و مبدئها.

الشّيخ:إذا كنتم في علمكم هذا أ رجعتم جميع العناصر الّتي تألّفت منها مادّة الكون إلى شيء واحد

ص: 678

عرف أثره و لم تعرف حقيقته-كما قلت في مبحث الوحدانيّة-فما بالكم تقفون في حياة بعض الموادّ كالنّبات و الحيوان،و تقولون:لا نعرف مبدأ حياته و حقيقتها و تقفون عند هذا الحدّ،و لا تقولون:إنّ الّذي صدرت عن ذاته جميع الذّوات هو الحيّ القيّوم الّذي صدرت عن حياته كلّ حياة؟

الشّابّ:لا شكّ أنّ الوجود الواجب القديم هو حيّ، كما أنّه قيّوم،فإذا كان معنى قيّوميّته أنّه قائم بنفسه،و كلّ شيء قائم به،فكذلك هو حيّ بذاته،و كلّ ما عداه من الأحياء فهو حيّ به،أي إنّه يستمدّ حياته منه،لأنّ هذه الأحياء كلّها من نبات و حيوان هي حادثة،و الحادث هو ما كان وجوده من غيره لا من ذاته.فالحياة أمر وجوديّ بل هي أعلى مراتب الوجود،فهل يقول عاقل:إنّ تلك الذّات الأزليّة قد صدرت عنها الأشياء كلّها بلا حياة.ثمّ إنّ بعضها أحدث لنفسه حياة؟هذه سخافة لا تخطر في بال عاقل،فالإنسان أرقى الأحياء على هذه الأرض،لأنّ من أثر حياته العلم بالكلّيّات و الإرادة و التّدبير و النّظام، و هو عاجز عن هبة الحياة لنفسه و لغيره،فغيره من الأحياء أحقّ بالعجز.

التّلميذ:إذا كانت الحياة الّتي أثرها العلم و الإرادة و التّدبير و النّظام هي أرقى مراتب الحياة و هي حياة الإنسان،ألا يلزم من ذلك مشابهة حياة الإنسان لحياة اللّه تعالى،لأنّ هذه الخصائص هي لحياة اللّه تعالى أيضا؟

الشّيخ:اعلم يا بنيّ أنّ ذات اللّه تعالى لا تشبه الذّوات،و صفاته لا تشبه الصّفات،فإذا طرأت عليك الشّبهة في أثر الحياة فقط لأنّ حقيقتها مجهولة،فتأمّل الفرق بين الحياتين:أنّ حياة اللّه تعالى ذاتيّة و حياة الإنسان من اللّه تعالى،إنّ حياة اللّه تعالى أزليّة و حياة الإنسان حادثة،أنّ حياة اللّه تعالى لا تفارقه و حياة الإنسان تفارقه حين يموت.أنّ حياة اللّه تعالى هي الّتي تفيض الحياة على كلّ حيّ و حياة الإنسان خاصّة به.

و كذلك العلم و التّدبير و الإرادة و النّظام كلّ ذلك ناقص في الإنسان،و اللّه تعالى منزّه عن النّقص،و إليه ينتهي الكمال المطلق في ذاته و صفاته،انتهى المراد نقله من تلك العقيدة.

و هذا الّذي قلناه في بيان معنى اَلْحَيُّ الْقَيُّومُ يجلّي لمن وعاه ما روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:

أنّ هذا هو اسم اللّه الأعظم،أو قال:«أعظم أسماء اللّه:

الحيّ القيّوم».و قد أخرج أحمد و أبو داود و التّرمذيّ و ابن ماجه عن أسماء بنت يزيد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«اسم اللّه الأعظم في هاتين الآيتين:البقرة:163 وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ و آل عمران:1 الم * اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فالآية الأولى تثبت له تعالى وحدانيّة الألوهيّة مع الرّحمة الشّاملة،و الثّانية تثبت له مع الوحدانيّة الحياة الّتي تشعر بكمال الوجود و كمال الإيجاد،بإفاضة الحياة على الإحياء.(3:24)

سيّد قطب :و الحياة الّتي يوصف بها الإله الواحد، هي الحياة الذّاتيّة الّتي لم تأت من مصدر آخر،كحياة الخلائق المكسوبة الموهوبة لها من الخالق،و من ثمّ يتفرّد اللّه سبحانه بالحياة على هذا المعنى.كما أنّها هي الحياة الأزليّة الأبديّة الّتي لا تبدأ من مبدإ و لا تنتهي إلى نهاية، فهي متجرّدة عن معنى الزّمان المصاحب لحياة الخلائق

ص: 679

المكتسبة المحدّدة البدء و النّهاية.و من ثمّ يتفرّد اللّه- سبحانه-كذلك بالحياة على هذا المعنى.

ثمّ إنّها هي الحياة المطلقة من الخصائص الّتي اعتاد النّاس أن يعرفوا بها الحياة،فاللّه سبحانه ليس كمثله شيء.و من ثمّ يرتفع كلّ شبه من الخصائص الّتي تتميّز بها حياة الأشياء،و تثبت للّه صفة الحياة مطلقة من كلّ خصيصة تحدّد معنى الحياة في مفهوم البشر،و تنتفي بهذا جميع المفهومات الأسطوريّة الّتي جالت في خيال البشر!

(1:287)

ابن عاشور :و الحيّ في كلام العرب من قامت به الحياة،و هي صفة بها الإدراك و التّصرّف،أعني كمال الوجود المتعارف،فهي في المخلوقات بانبثات الرّوح و استقامة جريان الدّم في الشّرايين،و بالنّسبة إلى الخالق ما يقارب أثر صفة الحياة فينا،أعني انتفاء الجماديّة مع التّنزيه عن عوارض المخلوقات.

و فسّرها المتكلّمون بأنّها صفة تصحّح لمن قامت به الإدراك و الفعل.و فسّر صاحب«الكشّاف»الحيّ بالباقي،أي الدّائم الحياة؛بحيث لا يعتريه العدم،فيكون مستعملا كناية في لازم معناه،لأنّ إثبات الحياة للّه تعالى بغير هذا المعنى لا يكون إلاّ مجازا أو كناية.

و قال الفخر:«الّذي عندي أنّ الحيّ-في أصل اللّغة- ليس عبارة عن صحّة العلم و القدرة.بل عبارة عن كمال الشّيء في جنسه».قال تعالى: فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الجاثية:5،و حياة الأشجار:إيراقها،فالصّفة المسمّاة-في عرف المتكلّمين-بالحياة سمّيت بذلك،لأنّ كمال حال الجسم أن يكون موصوفا بها،فالمفهوم الأصليّ من لفظ الحيّ كونه واقعا على أكمل أحواله و صفاته.

و المقصود بوصف اللّه هنا بالحيّ:إبطال عقيدة المشركين إلهيّة أصنامهم الّتي هي جمادات،و كيف يكون مدبّر أمور الخلق جمادا؟

و الحيّ: صفة مشبّهة من«حيي»أصله حيي كحذر أدغمت الياءان،و هو يائيّ باتّفاق أئمّة اللّغة.و أمّا كتابة السّلف في المصحف كلمة«حيوة»بواو بعد الياء فمخالفة للقياس.و قيل:كتبوها على لغة أهل اليمن،لأنّهم يقولون:حيوة،أي حياة.و قيل:كتبوها على لغة تفخيم الفتحة.(2:492)

مغنيّة:إذا نسبت«الحياة»إلى غير اللّه سبحانه يكون معناها:النّموّ و الحركة و الإحساس و الإدراك، و إذا نسبتها إليه جلّ جلاله فيراد بها:العلم و القدرة.

(1:392)

الطّباطبائيّ: و أمّا اسم«الحيّ»فمعناه:ذو الحياة الثّابتة على وزان سائر الصّفات المشبّهة،في دلالتها على الدّوام و الثّبات.

و النّاس في بادئ مطالعتهم لحال الموجودات وجدوها على قسمين:قسم منها لا يختلف حاله عند الحسّ ما دام وجوده ثابتا كالأحجار و سائر الجمادات، و قسم منها ربّما تغيّرت حاله و تعطّلت قواه و أفعاله مع بقاء وجودها على ما كان عليه عند الحسّ،و ذلك كالإنسان و سائر أقسام الحيوان و النّبات،فإنّا ربّما نجدها تعطّلت قواها و مشاعرها و أفعالها،ثمّ يطرأ عليها الفساد تدريجا،و بذلك أذعن الإنسان بأنّ هناك وراء الحواسّ أمرا آخر هو المبدأ للإحساسات و الإدراكات العلميّة،

ص: 680

و الأفعال المبتنية على العلم و الإرادة و هو المسمّى بالحياة،و يسمّى بطلانه بالموت،فالحياة نحو وجود يترشّح عنه العلم و القدرة.

و قد ذكر اللّه سبحانه هذه الحياة في كلامه ذكر تقرير لها،قال تعالى: اِعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الحديد:17،و قال تعالى: أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى فصّلت:39،و قال تعالى:

وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ فاطر:22،و قال تعالى: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ الأنبياء:

30،فهذه تشمل حياة أقسام الحيّ من الإنسان و الحيوان و النّبات.

و كذلك القول في أقسام الحياة،قال تعالى: وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها يونس:7،و قال تعالى:

رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ المؤمن:11، و الإحياءان المذكوران يشتملان على حياتين:إحداهما:

الحياة البرزخيّة،و الثّانية:الحياة الآخرة،فللحياة أقسام كما للحيّ أقسام.

و اللّه سبحانه مع ما يقرّر هذه الحياة الدّنيا يعدّها في مواضع كثيرة من كلامه شيئا رديئا هيّنا لا يعبأ بشأنه، كقوله تعالى: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ مَتاعٌ الرّعد:26،و قوله تعالى: تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا النّساء:94،و قوله تعالى: تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا الكهف:28،و قوله تعالى: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ الأنعام:32،و قوله تعالى: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ الحديد:20،فوصف الحياة الدّنيا بهذه الأوصاف فعدّها متاعا،و المتاع،ما يقصد لغيره،و عدّها عرضا،و العرض:ما يعترض ثمّ يزول، و عدّها زينة،و الزّينة:هو الجمال الّذي يضمّ على الشّيء ليقصد الشّيء لأجله،فيقع غير ما قصد،و يقصد غير ما وقع،و عدّها لهوا،و اللّهو:ما يلهيك و يشغلك بنفسه عمّا يهمّك،و عدّها لعبا،و اللّعب:هو الفعل الّذي يصدر لغاية خياليّة لا حقيقيّة،و عدّها متاع الغرور،و هو ما يغرّ به الإنسان.

و يفسّر جميع هذه الآيات و يوضّحها قوله تعالى:

وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت:64،يبيّن أنّ الحياة الدّنيا إنّما تسلب عنها حقيقة الحياة،أي كمالها في مقابل ما تثبت للحياة الآخرة حقيقة الحياة و كمالها،و هي الحياة الّتي لا موت بعدها،قال تعالى: آمِنِينَ* لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى الدّخان:

55،56،و قال تعالى: لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ ق:35،فلهم في حياتهم الآخرة أن لا يعتريهم الموت،و لا يعترضهم نقص في العيش و تنغّص،لكن الأوّل من الوصفين،أعني الأمن هو الخاصّة الحقيقيّة للحياة الضّروريّة له.

فالحياة الأخرويّة هي الحياة بحسب الحقيقة،لعدم إمكان طروّ الموت عليها،بخلاف الحياة الدّنيا،لكن اللّه سبحانه مع ذلك أفاد في آيات أخر كثيرة أنّه تعالى هو المفيض للحياة الحقيقيّة الأخرويّة و المحيي للإنسان في الآخرة،و بيده تعالى أزمّة الأمور،فأفاد ذلك أنّ الحياة الأخرويّة أيضا مملوكة لا مالكة و مسخّرة لا مطلقة،أعني

ص: 681

أنّها إنّما ملكت خاصّتها المذكورة باللّه لا بنفسها.

و من هنا يظهر أنّ الحياة الحقيقيّة يجب أن تكون بحيث يستحيل طروّ الموت عليها لذاتها،و لا يتصوّر ذلك إلاّ بكون الحياة عين ذات الحيّ غير عارضة لها،و لا طارئة عليها بتمليك الغير و إفاضته،قال تعالى:

وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ الفرقان:58،و على هذا فالحياة الحقيقيّة هي الحياة الواجبة،و هي كون وجوده بحيث يعلم و يقدر بالذّات.

و من هنا يعلم:أنّ القصر في قوله تعالى: هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ قصر حقيقيّ غير إضافيّ،و أنّ حقيقة الحياة الّتي لا يشوبها موت و لا يعتريها فناء و زوال،هي حياته تعالى.

فالأوفق فيما نحن فيه من قوله تعالى: اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الآية،البقرة:255،و كذا في قوله تعالى: الم* اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ آل عمران:

1،2،أن يكون لفظ«الحيّ»خبرا بعد خبر فيفيد الحصر،لأنّ التّقدير:اللّه الحيّ،فالآية تفيد أنّ الحياة للّه محضا إلاّ ما أفاضه لغيره.(2:328)

مكارم الشّيرازيّ: (الحىّ)من كانت فيه حياة، و هذه الصّفة المشبّهة،كمثيلاتها تدلّ على الدّوام و الاستمرار.و حياة اللّه حياة حقيقيّة،لأنّ حياته عين ذاته،و ليس عارضة عليه مأخوذة من غيره.في الآية:

58،من سورة الفرقان يقول: وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ.

هذا من جهة،و من جهة أخرى تكون الحياة الكاملة حياة لا يعتريها الموت،و عليه فإنّ الحياة الحقيقيّة هي حياته الباقية من الأزل إلى الأبد،أمّا حياة الإنسان الّتي يخالطها الموت في هذه الدّنيا فلا يمكن أن تكون حياة حقيقيّة،لذلك نقرأ في الآية:64،من سورة العنكبوت:

وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ و على ذلك فإنّ الحياة الحقيقيّة هي الّتي تختصّ باللّه.

ما مفهوم«اللّه حيّ»؟

في التّعبير السّائد نقول للكائن:إنّه حيّ،إذا كان يتّصف بالنّموّ و التّغذية و التّكاثر و الجذب و الدّفع،و قد يتّصف بالحسّ و الحركة.و لكن لا بدّ من الانتباه إلى أنّ بعضا من السّذّج قد يحسبون حياة اللّه شبيهة بهذه،مع علمنا بأنّه لا يتّصف بأيّة واحدة من هذه الصّفات.هذا هو القياس الّذي يوقع الإنسان في أخطاء في حقل معرفة اللّه،حين يقيس صفات اللّه بصفاته.

«الحياة»بمعناها الواسع الحقيقيّ هي العلم و القدرة، و عليه فإنّ من يملك العلم و القدرة اللاّمتناهيتين يملك الحياة الكاملة.

حياة اللّه هي مجموعة علمه و قدرته،و في الواقع بالعلم و القدرة يمكن التّمييز بين الحيّ و غير الحيّ.أمّا النّموّ و الحركة و التّغذية و التّكاثر فهي صفات كائنات ناقصة و محدودة،فهي تكمل نقصها بالتّغذية و التّكاثر و الحركة،أمّا الّذي لا نقص فيه فلا يمكن أن يتّصف بمثل هذه الصّفات.(2:171)

فضل اللّه :(الحىّ)الّذي لا يشوب حياته عدم من قبل و لا من بعد،لأنّها لا تخضع لفرضيّة القبل و البعد،فهو القديم الّذي لا أوّل له و لا آخر.

ص: 682

و في هذا الجوّ الممتدّ للحياة،يمكن للإنسان أن يعيش الشّعور بامتداد الارتباط باللّه ما امتدّت بالإنسان حياته، لأنّه يسبق حياة الإنسان،فيعطيها معنى الحياة و يمتدّ معه و يبقى بعد فنائه،بينما لا يشعر بهذا الارتباط مع غيره من أفراد الإنسان،ممّا يوحي له بعمق العلاقة الّتي ينبغي أن تشدّه إلى اللّه،من موقع الحاجة الفعليّة الدّائمة إليه.

(5:30)

2- وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ... الفرقان:58

الطّبريّ: و توكّل يا محمّد على الّذي له الحياة الدّائمة الّتي لا موت معها،فثق به في أمر ربّك و فوّضو استسلم إليه، و استلم له،و اصبر على ما نابك فيه.(19:27)

الزّمخشريّ: عرّفه أنّ الحيّ الّذي لا يموت حقيق بأن يتوكّل عليه وحده،و لا يتّكل على غيره من الأحياء الّذين يموتون.(3:97)

نحوه البيضاويّ(2:149)،و الخازن(5:87).

ابن عطيّة: إذ هذا المعنى يختصّ باللّه تعالى دون كلّ ما لدينا،ممّا يقع عليه اسم حيّ.(4:216)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة و قال:]

كما قال: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ القصص:88.

(6:508)

سيّد قطب :كلّ ما عدا اللّه ميّت،لأنّه صائر إلى موت،فلا يبقى إلاّ الحيّ الّذي لا يموت.و التّوكّل على ميّت تفارقه الحياة يوما،طال عمره أم قصر،هو ارتكان إلى ركن ينهار،و إلى ظلّ يزول،إنّما التّوكّل على الحيّ الدّائم الّذي لا يزول.(5:2575)

ابن عاشور :هو اللّه تعالى،و عدل عن اسم الجلالة إلى هذين الوصفين،لما يؤذن به من تعليل الأمر بالتّوكّل عليه،لأنّه الدّائم،فيفيد ذلك معنى حصر التّوكّل في الكون عليه،فالتّعريف في(الحىّ)للكامل،أي الكامل حياته،لأنّها واجبة باقية مستمرّة،و حياة غيره معرّضة للزّوال بالموت،و معرّضة لاختلال أثرها بالذّهول، كالنّوم و نحوه فإنّه من جنس الموت،فالتّوكّل على غيره معرّض للاختلال و للانخرام،و في ذكر الوصفين تعريض بالمشركين؛إذ ناطوا آمالهم بالأصنام،و هي أموات غير أحياء.

و في الآية إشارة إلى أنّ المرء الكامل لا يثقل إلاّ باللّه، لأنّ التّوكّل على الأحياء المعرّضين للموت،و إن كان قد يفيد أحيانا لكنّه لا يدوم.(19:80)

الطّباطبائيّ: قد عدل عن تعليق التّوكّل باللّه إلى تعليقه بالحيّ الّذي لا يموت،ليفيد التّعليل،فإنّ الحيّ الّذي لا يموت لا يفوته فائت،فهو المتعيّن لأن يكون وكيلا.(15:232)

3- هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ...

المؤمن:65

الطّبريّ: هو الحيّ الّذي لا يموت،الدّائم الحياة،و كلّ شيء سواه فمنقطع الحياة غير دائمها.(24:81)

مثله القاسميّ.(14:5179)

الطّوسيّ: معناه الحيّ على الإطلاق،هو الّذي يستحقّ الوصف بأنّه حيّ،لا إلى أجل.(9:92)

ص: 683

الطّبرسيّ: معناه أنّ الّذي أنعم عليكم بهذه النّعم هو الحيّ على الإطلاق،من غير علّة و لا فاعل و لا بنية.

(4:530)

الفخر الرّازيّ: هذا يفيد الحصر و أن لا حيّ إلاّ هو، فوجب أن يحمل ذلك على الحيّ الّذي يمتنع أن يموت امتناعا ذاتيّا،و حينئذ لا حيّ إلاّ هو،فكأنّه أجرى الشّيء الّذي يجوز زواله مجرى المعدوم.

و اعلم أنّ الحيّ عبارة عن الدّرّاك الفعّال،و الدّرّاك إشارة إلى العلم التّامّ،و الفعّال إشارة إلى القدرة الكاملة، و لمّا نبّه على هاتين الصّفتين من صفات الجلال،نبّه على الصّفة الثّالثة و هي الوحدانيّة بقوله: لا إِلهَ إِلاّ هُوَ.

(27:84)

نحوه الخازن.(6:85)

القرطبيّ: أي الباقي الّذي لا يموت.(15:329)

أبو السّعود :المتفرّد بالحياة الذّاتيّة الحقيقيّة.

(5:426)

نحوه الكاشانيّ(4:347)،و البروسويّ(8:206)، و الآلوسيّ(24:83).

ابن عاشور :استئناف ثالث للارتقاء في إثبات إلهيّته الحقّ بإثبات ما يناسبها،و هو الحياة الكاملة،فهذه الجملة مقدّمة لجملة: لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فإثبات الحياة الواجبة لذاته.فإنّ الّذي ربّ العالمين،و أوجدهم على أكمل الأحوال،و أمدّهم بما به قوامهم على ممرّ الأزمان، لا جرم أنّه موصوف بالحياة الحقّ،لأنّ مدبّر المخلوقات على طول العصور،يجب أن يكون موصوفا بالحياة؛إذ الحياة-مع ما عرض من عسر في تعريفها عند الحكماء و المتكلّمين-هي صفة وجوديّة تصحّح لمن قامت به الإدراك و الإرادة و الفعل،و تقدّم الكلام عليها عند قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ البقرة:28.

فإن كان اتّصاف موصوفها بها مسبوقا بعدم،فهي حياة ممكنة عارضة،مثل حياة الملائكة،و حياة الأرواح، و حياة الإنسان،و حياة الحيوان،و حياة الأساريع، فتكون متفاوتة في موصوفاتها بتفاوت قوّتها فيها، و متفاوتة في موصوفها الواحد بتفاوت أزمانها،مثل تفاوت حياة الشّخص الواحد في وقت شبابه،و حياته في وقت هرمه،و مثل حياة الشّخص وقت نشاطه و حياته وقت نومه،و بذلك التّفاوت تصير إلى الخفوت ثمّ إلى الزّوال،و يظهر أثر تفاوتها في تفاوت آثارها من الإدراك و الإرادة و الفعل.

و إن كان اتّصاف موصوفها بها أزليّا غير مسبوق بعدم،فهي حياة واجب الوجود سبحانه،و هي حياة واجبة ذاتيّة،و هي الحياة الحقيقيّة،لأنّها غير معرّضة للنّقص و لا للزّوال،فلذلك كان الحيّ حقيقة هو اللّه تعالى،كما أنبأت عنه صيغة الحصر في قوله: هُوَ الْحَيُّ، و هو قصر ادّعائيّ،لعدم الاعتداد بحياة ما سواه من الأحياء،لأنّها عارضة و معرّضة للفناء و الزّوال.

(24:236)

الطّباطبائيّ: هُوَ الْحَيُّ إطلاق لا مقيّد له، لا عقلا و لا نقلا،مضافا إلى إفادة الحصر،فمفادها أنّ له تعالى وحده حياة لا يداخلها موت،و لا يزيلها فناء،فهو تعالى حيّ بذاته،و غيره-كائنا ما كان-حيّ بإحياء غيره.

ص: 684

و إذا فرض هناك حيّ بذاته و حيّ بغيره،لم يستحقّ العبادة بذاته إلاّ من كان حيّا بذاته،و لذلك عقّب قوله:

هُوَ الْحَيُّ بقوله: لا إِلهَ إِلاّ هُوَ. (17:346)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ حياته عين ذاته،فهي لا تحتاج إلى الغير،حياته جلّ و تعالى أبديّة لا يبطلها الموت،بينما جميع الكائنات تنتهي بها الحياة إلى الموت و الفناء،عبر شوط من أشواط الحياة المحدّدة،بينما يبقى وجه اللّه وحده لا شريك له.لذلك ينبغي للإنسان الفاني المحدود المحتاج أن يرتبط بالحيّ المطلق.(15:285)

الحيّ صفة لغير اللّه

...وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ.

الأنبياء:30

ابن عبّاس: خلقنا من ماء الذّكر و الأنثى كلّ شيء يحتاج إلى الماء.(270)

قتادة :كلّ شيء حيّ خلق من الماء.

(الطّبريّ 17:20)

حفظ حياة كلّ شيء حيّ،بالماء.

(الماورديّ 3:444)

الفرّاء: و قوله: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ خفض،و لو كانت(حيّا)كان صوابا،أي جعلنا كلّ شيء حيّا من الماء.(2:201)

قطرب: و جعلنا من ماء الصّلب كلّ شيء حيّ.

(الماورديّ 3:444)

الطّبريّ: و أحيينا بالماء الّذي ننزله من السّماء كلّ شيء.

فإن قال قائل:و كيف خصّ كلّ شيء حيّ بأنّه جعل من الماء دون سائر الأشياء غيره،فقد علمت أنّه يحيا بالماء،الزّروع و النّبات و الأشجار،و غير ذلك ممّا لا حياة له،و لا يقال له:حيّ و لا ميّت؟

قيل:لأنّه لا شيء من ذلك إلاّ و له حياة و موت،و إن خالف معناه في ذلك معنى ذوات الأرواح،في أنّه لا أرواح فيهنّ،و أنّ في ذوات الأرواح أرواحا،فلذلك قيل: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ. (17:20)

القمّيّ: نسب كلّ شيء إلى الماء،و لم يجعل للماء نسبا إلى غيره.(2:70)

الطّوسيّ: و المعنى أنّ كلّ شيء صار حيّا،فهو مجعول من الماء،و يدخل فيه الشّجر و النّبات على التّبع.

قال بعضهم:أراد بالماء النّطف الّتي خلق اللّه منها الحيوان؛ و الأوّل أصحّ.(7:243)

نحوه الطّبرسيّ.(4:45)

القشيريّ: كلّ شيء مخلوق حيّ فمن الماء خلقه، فإنّ أصل الحيوان الّذي حصل بالتّناسل النّطفة،و هي من جملة الماء.

و حياة النّفوس بماء السّماء من حيث الغذاء،و حياة القلوب بماء الرّحمة،و حياة الأسرار بماء التّعظيم.و أقوام حياتهم بماء الحياء...و عزيزهم.(4:172)

الواحديّ: أي و أحيينا بالماء الّذي ننزله من السّماء كلّ شيء حيّ من الحيوان،و يدخل فيه النّبات و الشّجر، يعني أنّه سبب لحياة كلّ شيء.و المفسّرون يقولون:يعني أنّ كلّ شيء فهو مخلوق من الماء،كقوله: وَ اللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ النّور:45.

ص: 685

قال أبو العالية:يعني النّطفة.و على هذا لا يتعلّق هذا بما قبله،و هو احتجاج على المشركين بقدرة اللّه.

(3:237)

نحوه الخازن.(4:236)

البغويّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

فإن قيل:قد خلق اللّه بعض ما هو حيّ من غير الماء؟

قيل:هذا على وجه التّكثير،يعني أنّ أكثر الأحياء في الأرض مخلوق من الماء أو بقاؤه بالماء.(3:287)

الزّمخشريّ: وَ جَعَلْنا لا يخلو أن يتعدّى إلى واحد أو اثنين:فإن تعدّى إلى واحد،فالمعنى:خلقنا من الماء كلّ حيوان،كقوله: وَ اللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ النّور:45،أو كأنّما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه، و حبّه له،و قلّة صبره عنه،كقوله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ الأنبياء:37.

و إن تعدّى إلى اثنين،فالمعنى:صيّرنا كلّ شيء حيّ بسبب من الماء لا بدّ له منه.(2:570)

نحوه النّسفيّ(3:77)،و الكاشانيّ(3:338).

ابن عطيّة: بيّن أنّه ليس على عموم،فإنّ الملائكة و الجنّ قد خرجوا عن ذلك.و لكنّ الوجه أن يحمل على أعمّ ما يمكن،فالحيوان أجمع و النّبات-على أنّ الحياة فيه مستعارة-داخل في هذا.و قالت فرقة:المراد ب(الماء):

المنيّ في جميع الحيوان،ثمّ وقفهم (1)على ترك الإيمان توبيخا و تقريعا.(4:80)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:[نقل قول«الزّمخشريّ»]

المسألة الثّانية:لقائل أن يقول:كيف قال:و خلقنا من الماء كلّ حيوان،و قد قال: وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ الحجر:27،و جاء في الأخبار أنّ اللّه تعالى خلق الملائكة من النّور،و قال تعالى:في حقّ عيسى عليه السّلام: وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي المائدة:110،و قال في حقّ آدم: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ آل عمران:59؟

و الجواب:اللّفظ و إن كان عامّا إلاّ أنّ القرينة المخصّصة قائمة،فإنّ الدّليل لا بدّ و أن يكون مشاهدا محسوسا،ليكون أقرب إلى المقصود،و بهذا الطّريق تخرج عنه الملائكة و الجنّ و آدم و قصّة عيسى عليه السّلام،لأنّ الكفّار لم يروا شيئا من ذلك.

المسألة الثّالثة:اختلف المفسّرون،فقال بعضهم:

المراد من قوله: كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ الحيوان فقط،و قال آخرون:بل يدخل فيه النّبات و الشّجر،لأنّه من الماء صار ناميا،و صار فيه الرّطوبة و الخضرة و النّور و الثّمر.

و هذا القول أليق بالمعنى المقصود،كأنّه تعالى قال:ففتقنا السّماء لإنزال المطر،و جعلنا منه كلّ شيء في الأرض من النّبات و غيره حيّا.

حجّة القول الأوّل أنّ النّبات لا يسمّى حيّا.قلنا:

لا نسلّم،و الدّليل عليه قوله تعالى: كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الرّوم:50.(22:163)

نحوه الآلوسيّ.(17:36)

الرّازيّ: [ذكر نحو ما ذكره الفخر الرّازيّ في المسألة الثّانية و زاد:و ناقة صالح من الحجر ثمّ قال:م.

ص: 686


1- أي أطلعهم.

قلنا:المراد به البعض و هو الحيوان،كما في قوله تعالى:

وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ النّمل:23،و قوله تعالى:

وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ يونس:22،و نظائره كثيرة.

الثّاني (1):أنّ الكلّ مخلوقون من الماء،و لكنّ البعض بواسطة و البعض بغير واسطة،و لهذا قيل:إنّه تعالى خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء،و خلق الجنّ من نار خلقها من الماء،و خلق آدم من تراب خلقه من الماء.

(227)

البيضاويّ: و خلقنا من الماء كلّ حيوان،كقوله تعالى: وَ اللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ النّور:45؛و ذلك لأنّه من أعظم موادّه في التّركيب،أو لفرط احتياجه إليه، و انتفاعه به بعينه،أو صيّرنا كلّ شيء حيّ بسبب من الماء لا يحيا دونه.و قرئ (حيّا) على أنّه صفة(كلّ)أو مفعول ثان،و الظّرف لغو،و«الشّيء»مخصوص بالحيوان.

(2:71)

الشّربينيّ: كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ مجازا في النّبات، و حقيقة في الحيوان.

فإن قيل:قد خلق اللّه تعالى بعض ما هو حيّ من غير الماء كآدم و عيسى و الملائكة.

أجيب بأنّ هذا خرج مخرج الأغلب و الأكثر،أي إنّ أكثر ما خلق اللّه خلق من الماء،و بقاؤه بالماء.

و قيل:المراد بالماء ما نزل من السّماء أو نبع من الأرض.(2:503)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و تقديم المفعول الثّاني للاهتمام به،لا لمجرّد أنّ المفعولين في الأصل مبتدأ و خبر،و حقّ الخبر عند كونه ظرفا أن يتقدّم على المبتدإ،فإنّ ذلك مصحّح محض لا مرجّح.

و قرئ (حيّا) على أنّه صفة(كلّ)أو مفعول ثان، و الظّرف كما في الوجه الأوّل قدّم على المفعول،للاهتمام به و التّشويق إلى المؤخّر.(4:334)

البروسويّ: أي كلّ حيوان،عرّف(الماء)باللاّم قصدا إلى الجنس،أي جعلنا مبدأ كلّ شيء حيّ من هذا الجنس،أي جنس الماء،و هو النّطفة،كما في قوله تعالى:

وَ اللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ النّور:45،أي كلّ فرد من أفراد الدّوابّ من نطفة معيّنة،هي نطفة أبيه المختصّة به،أو كلّ نوع من أنواع الدّوابّ،من نوع من أنواع المياه، و هو نوع النّطفة الّتي تختصّ بذلك النّوع من الدّوابّ.

يقول الفقير:قد فرّقوا بين الحيّ و الحيوان بأنّ كلّ حيوان حيّ،و ليس كلّ حيّ حيوانا كالملك،فالظّاهر ما جاء في بعض الرّوايات من:«إنّ اللّه تعالى خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء،و آدم من تراب خلقه منه،و الجنّ من نار خلقها منه».و قال بعضهم:يدخل في الآية النّبات و الشّجر،لنمائهما بالماء.

و الحياة قد تطلق على القوّة النّامية الموجودة في النّبات و الحيوان،كما في«المفردات»،و يدلّ على حياتهما قوله تعالى: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها. (5:471)

سيّد قطب :فأمّا شطر الآية الثّاني وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فيقرّر كذلك حقيقة خطيرة،يعدّ العلماء كشفها و تقريرها أمرا عظيما،و يمجّدونل.

ص: 687


1- كذا،و كأنّه جعل ما قبله الأوّل.

«دارون»لاهتدائه إليها.و تقريره أنّ الماء هو مهد الحياة الأوّل.

و هي حقيقة تثير الانتباه حقّا،و إن كان ورودها في القرآن الكريم لا يثير العجب في نفوسنا،و لا يزيدنا يقينا بصدق هذا القرآن.فنحن نستمدّ الاعتقاد بصدقه المطلق في كلّ ما يقرّره من إيماننا بأنّه من عند اللّه،لا من موافقة النّظريّات أو الكشوف العلميّة له.و أقصى ما يقال هنا كذلك:إنّ نظريّة النّشوء و الارتقاء«لدارون»و جماعته لا تعارض مفهوم النّصّ القرآنيّ في هذه النّقطة بالذّات.

(4:2376)

مغنيّة:بيانه أنّ الماء مصدر الحياة لكلّ نام،إنسانا كان أو حيوانا أو نباتا و جاء في الآية:7،من سورة هود:

وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ... أنّ الآية تدلّ على أنّ الماء كان موجودا قبل خلق السّماوات و الأرض.

و في أقوال أهل البيت عليهم السّلام أنّ الماء أوّل ما خلق اللّه.

و إذا كان العلم لم يتوصّل بعد إلى هذه الحقيقة،فمن الجائز أن يتوصّل إليها في الغد القريب أو البعيد.

و نقل أبو حيّان الأندلسيّ في«البحر المحيط»أنّ حميدا قرأ (و جعلنا من الماء كلّ شىء حيّا) بنصب «حيّ»مفعولا ثانيا ل(جعلنا).و هذه القراءة تؤيّد القول:

إنّ اللّه سبحانه أوّل ما خلق الماء،و إنّه المصدر الأوّل الّذي تكوّنت منه الموجودات،و إنّ كلّ كائن هو حيّ في حقيقته و واقعه ناميا كان أو غير نام،و إن بدا جامدا في ظاهره.(5:273)

ابن عاشور :زيادة استدلال بما هو أظهر لرؤية الأبصار،و فيه عبرة للنّاس في أكثر أحواله،و هو عبرة للمتأمّلين في دقائقه في تكوين الحيوان من الرّطوبات، و هي تكوين التّناسل و تكوين جميع الحيوان،فإنّه لا يتكوّن إلاّ من الرّطوبة،و لا يعيش إلاّ ملابسا لها،فإذا انعدمت منه الرّطوبة فقد الحياة،و لذلك كان استمرار الحمّى مفضيا إلى الهزال ثمّ إلى الموت.(17:42)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّ الجعل بمعنى الخلق، كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ مفعوله،و المراد:أنّ للماء دخلا تامّا في وجود ذوي الحياة،كما قال: وَ اللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ النّور:45،و لعلّ ورود القول في سياق تعداد الآيات المحسوسة يوجب انصراف الحكم بغير الملائكة، و من يحذوا حذوهم.و قد اتّضح ارتباط الحياة بالماء بالأبحاث العلميّة الحديثة.(14:279)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى هذا العنصر العظيم من عناصر الحياة،و هو الماء،فهو أصل كلّ حيّ، و بذرة كلّ حياة في عالمنا هذا الّذي نعيش فيه،فالإنسان و الحيوان،و النّبات،قوامها جميعا الماء،الّذي به لبست ثوب الحياة،و منه تستمدّ بقاءها،و وجودها.فإذا افتقدت الماء عادت إلى عالم الموات.

و هذه حقيقة قد أصبحت من مقرّرات العلم الحديث،الّذي أثبت أنّ نشأة الحياة على هذه الأرض قد ظهرت أوّل ما ظهرت على شواطئ الأنهار،فكانت أوّل أمرها ظلالا باهتة للحياة،و إشارة خافتة إليها،ثمّ أخذت تنمو شيئا فشيئا في بوتقة الزّمن،على مدى ملايين السّنين،حتّى ملأت هذه الدّنيا في صورة متعدّدة، و أشكال مختلفة،لا تكاد تقع تحت حصر.(9:868)

ص: 688

مكارم الشّيرازيّ: و أمّا فيما يتعلّق بإيجاد كلّ الكائنات الحيّة من الماء الّذي أشير إليه في ذيل الآية، فهناك تفسيران مشهوران:

أحدهما:أنّ حياة كلّ الكائنات الحيّة-سواء كانت النّباتات أم الحيوانات-ترتبط بالماء،هذا الماء الّذي كان مبدؤه-في النّتيجة-المطر الّذي نزل من السّماء.

و الآخر:أنّ الماء هنا إشارة إلى النّطفة الّتي تتولّد منها الكائنات الحيّة عادة.

الّذي يلفت النّظر،أنّ علماء عصرنا الحديث، يعتقدون أنّ أوّل انبثاقة للحياة وجدت في أعماق البحار، و لذلك يرون أنّ بداية الحياة من الماء.و إذا كان القرآن يعتبر خلق الإنسان من التّراب،فيجب أن لا ننسى أنّ المراد من التّراب هو الطّين المركّب من الماء و التّراب.

و هذا الموضوع يستحقّ الانتباه أيضا،و هو أنّه طبقا لتحقيقات العلماء،فإنّ الماء يشكّل الجزء الأكبر من بدن الإنسان و كثير من الحيوانات،و هو في حدود 70%!

و ما يورده البعض من أنّ خلق الملائكة و الجنّ ليس من الماء،مع أنّها كائنات حيّة،فجوابه واضح،لأنّ الهدف هو الموجودات الحيّة الّتي تكون محسوسة بالنّسبة لنا.

و في حديث عن الإمام الصّادق عليه السّلام:أنّ رجلا سأله:

ما طعم الماء؟فقال الإمام أوّلا:«سل تفقّها و لا تسأل تعنّتا»ثمّ أضاف:«طعم الماء طعم الحياة!قال اللّه سبحانه:

وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ.

و خاصّة عند ما يصل الإنسان إلى الماء السّائغ بعد عطش طويل في الصّيف،و في ذلك الهواء المحرق،فإنّه حينما تدخل أوّل جرعة ماء إلى جوفه يشعر أنّ الرّوح قد دبّت في بدنه،و في الواقع أراد الإمام أن يجسّد الارتباط و العلاقة بين الحياة و الماء بهذا التّعبير الجميل.

(10:140)

فضل اللّه :فقد خلقه اللّه ليكون عنصرا حيويّا في ارتباط الحياة به،سواء في ذلك الإنسان و الحيوان و النّبات و غيرهم،ممّا أثبتته الأبحاث العلميّة الحديثة، سواء في أصل الوجود أو في استمراره.(15:219)

الحيّ و الميّت

1- ...وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ... آل عمران:27

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لمّا خلق اللّه تعالى آدم عليه السّلام أخرج ذرّيّته فقبض قبضة بيمينه،فقال:هؤلاء أهل الجنّة و لا أبالي،و قبض بالأخرى قبضة فجاء فيها كلّ رديء، فقال:هؤلاء أهل النّار و لا أبالي،فخلط بعضهم ببعض، فيخرج الكافر من المؤمن،و المؤمن من الكافر»،فذلك قوله تعالى: وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ.

(الآلوسيّ 3:118)

نحوه سلمان الفارسيّ.(الطّبريّ 3:225)

ابن مسعود:هي النّطفة تخرج من الرّجل و هي ميّتة و هو حيّ،و يخرج الرّجل منها حيّا و هي ميّتة.

(الطّبريّ 3:224)

نحوه قتادة،و سعيد بن جبير(الطّبريّ 3:225)، و السّدّيّ(171).

ابن عبّاس: تخرج النّسمة من النّطفة وَ تُخْرِجُ

ص: 689

اَلْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، النّطفة من الإنسان.(45)

مجاهد :النّاس الأحياء من النّطف،و النّطف ميّتة، من النّاس الأحياء،و من الأنعام و النّبت.

نحوه الضّحّاك،و ابن جريج.(الطّبريّ 3:225)

عكرمة :هي البيضة تخرج من الحيّ،و هي ميّتة،ثمّ يخرج منها الحيّ.[و في رواية]النّخلة من النّواة،و النّواة من النّخلة،و الحبّة من السّنبلة،و السّنبلة من الحبّة.

(الطّبريّ 3:225)

نحوه الكلبيّ(البغويّ 1:426)،و الزّجّاج(1:

395).

الحسن :يعني المؤمن من الكافر،و الكافر من المؤمن،و المؤمن عبد حيّ الفؤاد،و الكافر عبد ميّت الفؤاد.(الطّبريّ 3:225)

نحوه عطاء(البغويّ 1:426)،و الواحديّ(1:

427).

و هذا المعنى مرويّ عن الإمامين:الباقر و الصّادق عليهما السّلام.(الطّوسيّ 2:432)

ابن زيد :النّطفة ميّتة،فتخرج منها أحياء وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، تخرج النّطفة من هؤلاء الأحياء،و الحبّ ميّت تخرج منه حيّا وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، تخرج من هذا الحيّ حبّا ميّتا.

(الطّبريّ 3:225)

الفرّاء: يخرج الطّيّب من الخبيث و الخبيث من الطّيّب.(الثّعلبيّ 3:46)

أبو عبيدة :أي الطّيّب من الخبيث،و المسلم من الكافر.(1:90)

ابن قتيبة:يعني الحيوان من النّطفة و البيضة وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ يعني:النّطفة و البيضة- و هما ميتتان-من الحيّ.(103)

نحوه الميبديّ.(2:76)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:تأويل ذلك:أنّه يخرج الشّيء الحيّ من النّطفة الميّتة،و يخرج النّطفة الميّتة من الشّيء الحيّ.

و قال آخرون:معنى ذلك:أنّه يخرج النّخلة من النّواة،و النّواة من النّخلة،و السّنبل من الحبّ،و الحبّ من السّنبل،و البيض من الدّجاج،و الدّجاج من البيض.

و قال آخرون:معنى ذلك:أنّه يخرج المؤمن من الكافر،و الكافر من المؤمن.

و أولى التّأويلات الّتي ذكرناها في هذه الآية بالصّواب،تأويل من قال:يخرج الإنسان الحيّ و الأنعام و البهائم الأحياء من النّطف الميّتة؛و ذلك إخراج الحيّ من الميّت.و يخرج النّطفة الميّتة من الإنسان الحيّ،و الأنعام و البهائم الأحياء؛و ذلك إخراج الميّت من الحيّ؛و ذلك أنّ كلّ حيّ فارقه شيء من جسده،فذلك الّذي فارقه منه ميّت،فالنّطفة ميّتة لمفارقتها جسد من خرجت منه،ثمّ ينشئ اللّه منها إنسانا حيّا و بهائم و أنعاما أحياء،و كذلك حكم كلّ شيء حيّ زايله شيء منه،فالّذي زايله منه ميّت؛و ذلك هو نظير قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ البقرة:28.

و أمّا تأويل من تأوّله بمعنى الحبّة من السّنبلة، و السّنبلة من الحبّة،و البيضة من الدّجاجة،و الدّجاجة

ص: 690

من البيضة،و المؤمن من الكافر،و الكافر من المؤمن،فإنّ ذلك و إن كان له وجه مفهوم،فليس ذلك الأغلب الظّاهر في استعمال النّاس في الكلام،و توجيه معاني كتاب اللّه عزّ و جلّ إلى الظّاهر المستعمل في النّاس،أولى من توجيهما إلى الخفيّ القيل في الاستعمال.(3:224)

الثّعلبيّ: [قال]أبو مالك:يخرج النّخلة من النّواة، و يخرج النّواة من النّخلة،و يخرج السّنبلة من الحبّة و الحبّة من السّنبلة.

و قال أهل الإشارة:يخرج الحكمة من قلب الفاجر حتّى لا تستقرّ فيه،و السّقطة من لسان العارف.(3:46)

القشيريّ: و تخرج الحيّ من الميّت حتّى كأنّ الفترة لم تكن،و عهد الوصال رجع فتيّا،و عود القلوب صار غضّا طريّا.

و تخرج الميّت من الحيّ حتّى كأنّ شجرة البرم أورقت شوكا و أزهرت شوكا،و كأنّ اليائس لم يجد خيرا،و لم يشمّ ريحا،و تقلب أفئدتهم و أبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّة(1:244)

ابن عطيّة: [نقل قول الحسن و قال:]

فالمراد على هذا القول موت قلب الكافر و حياة قلب المؤمن،و الحياة و الموت مستعاران.و ذهب جمهور كثير من العلماء إلى أنّ الحياة و الموت في الآية إنّما هو الحياة حقيقة و الموت حقيقة لا باستعارة.(1:418)

الطّبرسيّ: أي من النّطفة و هي ميّتة،بدليل قوله:

وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ البقرة:28، وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ آل عمران:27،أي النّطفة من الحيّ.

(1:428)

الفخر الرّازيّ: ذكر المفسّرون فيه وجوها:يخرج المؤمن من الكافر كإبراهيم من آزر،و الكافر من المؤمن مثل كنعان من نوح عليه السّلام.

و الثّاني:يخرج الطّيّب من الخبيث و بالعكس.

و الثّالث:يخرج الحيوان من النّطفة،و الطّير من البيضة و بالعكس.

و الرّابع:يخرج السّنبلة من الحبّة و بالعكس، و النّخلة من النّواة و بالعكس.

قال القفّال رحمه اللّه:و الكلمة محتملة للكلّ:أمّا الكفر و الإيمان فقال تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122،يريد كان كافرا فهديناه،فجعل الموت كفرا و الحياة إيمانا.و سمّى إخراج النّبات من الأرض إحياء، و جعل قبل ذلك ميتة،فقال: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الرّوم:19،و قال: فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فاطر:9،و قال: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ البقرة:28.(8:10)

نحوه النّيسابوريّ.(3:165)

أبو السّعود،أي تنشئ الحيوانات من موادّها أو من النّطفة.و قيل:تخرج المؤمن من الكافر، وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ أي تخرج النّطفة من الحيوان.و قيل:تخرج الكافر من المؤمن.(1:353)

البروسويّ: أي تظهر الحيوان من النطفة،أو الطّير من البيضة،أو العالم من الجاهل،أو المؤمن من الكافر،أو النّبات من الأرض اليابسة.(2:18)

الآلوسيّ: [نقل قول الحسن ثمّ قال:]

ص: 691

فالحيّ و الميّت مجازيّان،و لطف هذه الجملة بعد الأولى لا يخفى،و القائلون بعموم المجاز قالوا:المراد تخرج الحيوانات من النّطف و النّطف من الحيوانات،و النّخلة من النّواة و النّواة من النّخلة،و الطّيّب من الخبيث و الخبيث من الطّيّب،و العالم من الجاهل و الجاهل من العالم، و الذّكيّ من البليد و البليد من الذّكيّ إلى غير ذلك.

و لا يلزم من الآية أن يكون إخراج كلّ حيّ من ميّت و كلّ ميّت من حيّ،ليلزم التّسلسل في جانب المبدئ؛إذ غاية ما تفهّمه الآية أنّ للّه تعالى هذه الصّفة، و أمّا أنّه لا يخلق شيئا إلاّ من شيء فلا،كما لا يخفى.

(3:118)

ابن عاشور :إخراج الحيّ من الميّت كخروج الحيوان من المضغة،و من مخّ البيضة،و إخراج الميّت من الحيّ في عكس ذلك كلّه.و سيجيء زيادة بيان لهذا عند قوله: وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يونس:31، و هذا رمز إلى ظهور الهدى و الملك في أمّة أمّيّة،و ظهور ضلال الكفر في أهل الكتابين،و زوال الملك من خلفهم بعد أن كان شعار أسلافهم،بقرينة افتتاح الكلام بقوله:

اَللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ آل عمران:26.(3:69)

الطّباطبائيّ: و ذلك إخراج المؤمن من صلب الكافر،و إخراج الكافر من صلب المؤمن،فإنّه تعالى سمّى الإيمان:حياة و نورا،و الكفر موتا و ظلمة،كما قال تعالى:

أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها الأنعام:122.

و يمكن أن يراد الأعمّ من ذلك و من خلق الأحياء، كالنّبات و الحيوان من الأرض العديمة الشّعور،و إعادة الأحياء إلى الأرض بإماتتها،فإنّ كلامه تعالى كالصّريح في أنّه يبدّل الميّت إلى الحيّ و الحيّ إلى الميّت،قال تعالى:

ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ المؤمنون:14،15،إلى غيرها من الآيات.

و أمّا ما ذهب إليه بعض علماء الطّبيعة:-أنّ الحياة الّتي تنتهي إلى جراثيمها تسلك فيها سلوكا من جرثومة حيّة إلى أخرى مثلها،من غير أن تنتهي إلى المادّة الفاقدة للشّعور،و ذلك لإنكاره الكون الحادث،فيبطله الموت المحسوس الّذي تثبته التّجربة في جراثيم الحياة،فتبدّل الحياة إلى الموت-يكشف عن الرّبط بينهما،و لبقيّة الكلام مقام آخر.(3:136)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ معنى خروج الحيّ من الميّت،هو ظهور الحياة من كائنات عديمة الحياة.فنحن نعلم أنّه في اليوم الّذي استعدّت فيه الأرض لاستقبال الحياة،ظهرت كائنات حيّة من كائنات عديمة الحياة.

أضف إلى ذلك أنّ موادّ لا حياة فيها تصبح باستمرار أجزاء من خلايانا الحيّة و خلايا جميع الكائنات الحيّة في العالم،و تتبدّل إلى موادّ حيّة.

أمّا خروج الميّت من الحيّ فهو دائم الحدوث أمام أنظارنا.

إنّ الآية-في الواقع-إشارة إلى قانون التّبادل الدّائم بين الحياة و الموت،و هو أعمّ القوانين الّتي تحكمنا و أعقدها،كما أنّه أروعها في الوقت نفسه.

لهذه الآية تفسير آخر أيضا-لا يتعارض مع

ص: 692

التّفسير السّابق-و هو مسألة الحياة و الموت المعنويّين، فنحن كثيرا ما نرى أنّ بعض المؤمنين-و هم الأحياء الحقيقيّون-يخرجون من بعض الكافرين-و هم الأموات الحقيقيّون-.و قد يحدث العكس،حين يخرج الكافر من المؤمن.

إنّ القرآن يعبّر عن الحياة و الموت المعنويّين بالإيمان و الكفر في كثير من آياته.

و بموجب هذا التّفسير يكون القرآن قد ألغى قانون الوراثة الّذي يعتبره بعض العلماء من قوانين الطّبيعة الثّابتة،فالإنسان يتميّز بحرّيّة الإرادة،و ليس مثل الكائنات غير الحيّة في الطّبيعة الّتي تقع تحت تأثير مختلف العوامل وقوعا إجباريّا.و هذا بذاته مظهر من مظاهر قدرة اللّه الّتي تغسل آثار الكفر في نفوس أبناء الكافرين-أولئك الّذين يريدون حقّا أن يكونوا مؤمنين -و يغسل آثار الإيمان من أبناء المؤمنين-الّذين يريدون حقّا أن يكونوا كافرين-و هذا الاستقلال في الإرادة، القادر على الانتصار،حتّى في ظروف غير مؤاتية،من مظاهر قدرة اللّه أيضا...(2:330)

2- إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللّهُ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ.

الأنعام:95

ابن عبّاس: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ النّسمة و الدّوابّ من النّطفة.

وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ النّطفة من النّسمة و الدّوابّ.(115)

يخرج النّطفة الميّتة من الحيّ،ثمّ يخرج من النّطفة بشرا حيّا.(الطّبريّ 7:282)

نحوه الحسن،و قتادة،و ابن زيد.

(الطّبرسيّ 2:338)

ذلك كلّه إشارة إلى إخراج الإنسان الحيّ من النّطفة الميّتة،و إخراج النّطفة الميّتة من الإنسان الحيّ،و كذلك سائر الحيوان و الطّير من البيض و الحوت و جميع الحيوان.

(ابن عطيّة 2:325)

الحسن :يخرج المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن.(ابن عطيّة 2:325)

مثله عطاء.(الواحديّ 2:302)

السّدّيّ: مخرج السّنبلة الحيّة من الحبّة الميّتة، و يخرج الحبّة الميّتة من السّنبلة الحيّة،و يخرج النّخلة الحيّة من النّواة الميّتة،و يخرج النّواة الميّتة من النّخلة الحيّة.

(248)

الجبّائيّ: يخرج الطّير من البيض و البيض من الطّير.(الطّبرسيّ 2:338)

الطّبريّ: يخرج السّنبل الحيّ من الحبّ الميّت، و مخرج الحبّ الميّت من السّنبل الحيّ،و الشّجر الحيّ من النّوى الميّت،و النّوى الميّت من الشّجر الحيّ،و الشّجر ما دام قائما على أصوله لم يجفّ،و النّبات على ساقه لم ييبس،فإنّ العرب تسمّيه حيّا،فإذا يبس و جفّ أو قطع من أصله،سمّوه ميّتا.

و إنّما اخترنا التّأويل الّذي اخترنا في ذلك،لأنّه عقيب قوله: إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى على أنّ قوله:

يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ.

ص: 693

و إن كان خبرا من اللّه عن إخراجه من الحبّ السّنبل، و من السّنبل الحبّ،فإنّه داخل في عمومه ما روي عن ابن عبّاس في تأويل ذلك،و كلّ ميّت أخرجه اللّه من جسم حيّ،و كلّ حيّ أخرجه اللّه من جسم ميّت.

(7:281)

الزّجّاج: أي يخرج النّبات الغضّ الطّريّ الخضر من الحبّ اليابس وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ، و يخرج الحبّ اليابس من النّبات الحيّ النّامي.احتجّ اللّه جلّ ثناؤه عليهم بما يشاهدون من خلقه،لأنّهم أنكروا البعث فأعلمهم أنّه الّذي خلق هذه الأشياء،و أنّه قادر على بعثهم.(2:273)

الطّوسيّ: لأنّ اللّه تعالى يخلق الحيّ من النّطفة و هي موات،و يخلق النّطفة و هي موات من الحيّ،و هو قول الحسن و قتادة و ابن زيد و غيرهم.

و قال قوم:أراد بإخراج الحيّ من الميّت:إخراج السّنبل،و هي حيّ من الحبّ و هو ميّت،و مخرج الحيّ الميّت من السّنبل الحيّ،و الشّجر الحيّ من النّوى الميّت، و النّوى الميّت من الشّجر الحيّ.و العرب تسمّى الشّجر ما دام غضّا قائما بأنّه حيّ،فإذا يبس أو قطع من أصله أو قلع سمّوه ميّتا،ذهب إليه السّدّيّ و الطّبريّ و الجبّائيّ.

و ما ذكرناه أوّلا قول ابن عبّاس و هو الأقوى،لأنّه الحقيقة،و ما ذكروه مجاز،و إن كان جائزا محتملا.

(4:225)

الزّمخشريّ: أي الحيوان و النّامي من النّطف و البيض و الحبّ و النّوى، وَ مُخْرِجُ هذه الأشياء الميّتة من الحيوان و النّامي.

فإن قلت:كيف قال: مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ بلفظ اسم«الفاعل»بعد قوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ؟

قلت:عطفه على فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى لا على الفعل،و يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ موقعه موقع الجملة المبيّنة لقوله: فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى؛ لأنّ فلق الحبّ و النّوى بالنّبات و الشّجر النّاميين من جنس إخراج الحيّ من الميّت؛لأنّ النّامي في حكم الحيوان،أ لا ترى إلى قوله:

يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الرّوم:19.(2:37)

ابن عطيّة: [نقل قول السّدّيّ و ابن عبّاس ثمّ قال:]

و هذا القول[قول بن عبّاس]أرجح،و إنّما تعلّق قائلو القول الأوّل بتناسب تأويلهم مع قوله: فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى، و هما على هذا التّأويل الرّاجح معنيان متباينان فيهما معتبر.(2:325)

الطّبرسيّ: [نقل كلام الزّجّاج ثمّ قال:]

و العرب تسمّي الشّجر ما دام غضّا قائما بأنّه حيّ، فإذا يبس أو قطع أو قلع سمّوه ميّتا.و قيل:معناه يخلق الحيّ من النّطفة و هي موات،و يخلق النّطفة و هي موات من الحيّ،عن الحسن و قتادة و ابن زيد و غيرهم،و هذا أصحّ.(2:338)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ففيه مباحث:

الأوّل:أنّ(الحىّ)اسم لما يكون موصوفا بالحياة، و(الميّت)اسم لما كان خاليا عن صفة الحياة فيه،و على هذا التّقدير:النّبات لا يكون حيّا.

ص: 694

إذا عرفت هذا فللنّاس في تفسير هذا(الحىّ) و(الميّت)قولان:

الأوّل:حمل هذين اللّفظين على الحقيقة.قال ابن عبّاس:يخرج من النّطفة بشرا حيّا،ثمّ يخرج من البشر الحيّ نطفة ميّتة،و كذلك يخرج من البيضة فرّوجة حيّة، ثمّ يخرج من الدّجاجة بيضة ميّتة،و المقصود منه أنّ الحيّ و الميّت متضادّان متنافيان،فحصول المثل عن المثل يوهم أن يكون بسبب الطّبيعة و الخاصّيّة.أمّا حصول الضّدّ من الضّدّ،فيمتنع أن يكون بسبب الطّبيعة و الخاصّيّة،بل لا بدّ و أن يكون بتقدير المقدّر الحكيم،و المدبّر العليم.

و القول الثّاني:أن يحمل(الحىّ)و(الميّت)على ما ذكرناه،و على الوجوه المجازيّة أيضا،و فيه وجوه:

الأوّل:قال الزّجّاج:يخرج النّبات الغضّ الطّريّ الخضر من الحبّ اليابس،و يخرج اليابس من النّبات الحيّ النّامي.

الثّاني:قال ابن عبّاس:يخرج المؤمن من الكافر،كما في حقّ إبراهيم،و الكافر من المؤمن كما في حقّ ولد نوح، و العاصي من المطيع،و بالعكس.

الثّالث:قد يصير بعض ما يقطع عليه بأنّه يوجب المضرّة سببا للنّفع العظيم،و بالعكس.ذكروا في الطّبّ أنّ إنسانا سقوه الأفيون الكثير في الشّراب لأجل أن يموت، فلمّا تناوله و ظنّ القوم أنّه سيموت في الحال،رفعوه من موضعه و وضعوه في بيت مظلم،فخرجت حيّة عظيمة فلدغته،فصارت تلك اللّدغة سببا لاندفاع ضرر ذلك الأفيون منه،فإنّ الأفيون يقتل بقوّة برده،و سمّ الأفعى يقتل بقوّة حرّه،فصارت تلك اللّدغة سببا لاندفاع ضرر الأفيون،فهاهنا تولّد عمّا يعتقد فيه كونه أعظم موجبات الشّرّ!أعظم الخيرات.و قد يكون بالعكس من ذلك،و كلّ هذه الأحوال المختلفة و الأفعال المتدافعة تدلّ على أنّ لهذا العالم مدبّرا حكيما،ما أهمل مصالح الخلق، و ما تركهم سدى،و تحت هذه المباحث مباحث عالية شريفة.[إلى أن قال:]

البحث الثّالث:أنّ لقائل أن يقول:إنّه قال أوّلا:

يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، ثمّ قال: وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ و عطف الاسم على الفعل قبيح،فما السّبب في اختيار ذلك؟

قلنا:قوله: وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ معطوف على قوله: فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى، و قوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ كالبيان و التّفسير لقوله: فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى، لأنّ فلق الحبّ و النّوى بالنّبات و الشّجر النّامي من جنس إخراج الحيّ من الميّت،لأنّ النّامي في حكم الحيوان.أ لا ترى إلى قوله: وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الرّوم:19.

و فيه وجه آخر،و هو أنّ لفظ الفعل يدلّ على أنّ ذلك الفاعل يعتني بذلك الفعل في كلّ حين و أوان.و أمّا لفظ الاسم فإنّه لا يفيد التّجدّد و الاعتناء به ساعة فساعة.و ضرب الشّيخ عبد القاهر الجرجانيّ لهذا مثلا في كتاب«دلائل الإعجاز»فقال:قوله: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ فاطر:3،إنّما ذكره بلفظ الفعل،و هو قوله: يَرْزُقُكُمْ؛ لأنّ صيغة الفعل تفيد أنّه تعالى يرزقهم حالا فحالا و ساعة فساعة.و أمّا الاسم فمثاله قوله تعالى: وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ

ص: 695

الكهف:18،فقوله: باسِطٌ يفيد البقاء على تلك الحالة الواحدة.

إذا ثبت هذا فنقول:الحيّ أشرف من الميّت،فوجب أن يكون الاعتناء بإخراج الحيّ من الميّت أكثر من الاعتناء بإخراج الميّت من الحيّ،فلهذا المعنى وقع التّعبير عن القسم الأوّل بصيغة الفعل،و عن الثّاني بصيغة الاسم،تنبيها على أنّ الاعتناء بإيجاد الحيّ من الميّت أكثر و أكمل من الاعتناء بإيجاد الميّت من الحيّ،و اللّه أعلم بمراده.(13:92)

أبو السّعود :أي يخرج ما ينمو من النّطفة و الحبّ، و الجملة مستأنفة مبيّنة لما قبلها.و قيل:خبر ثان،لأنّ قوله تعالى: وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ كالنّطفة و الحبّ مِنَ الْحَيِّ كالحيوان و النّبات،عطف على فالِقُ الْحَبِّ لا على(يخرج)على الوجه الأوّل،لأنّ إخراج الميّت من الحيّ ليس من قبيل فلق الحبّ و النّوى.(2:418)

البروسويّ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ بيان لما قبله،أي يخرج ما ينمو من الحيوان و النّبات ممّا لا ينمو من النّطفة و الحبّ، وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ كالنّطفة و الحبّ مِنَ الْحَيِّ كالحيوان و النّبات،و هو معطوف على فالِقُ الْحَبِّ، فالحيّ و الميّت مجاز عن النّامي و الجامد تشبيها للنّامي بالحيّ،و الحيّ حقيقة فيما يكون موصوفا بالحياة المستتبعة للحسّ و الحركة الإراديّة،و الميّت حقيقة فيما يكون خاليا عن صفة الحياة ممّن تكون الحياة من شأنه.

و منهم من حمل اللّفظ على الحقيقة،و قال:يخرج من النّطفة الميّتة بشرا حيّا،و من الدّجاجة بيضة ميّتة...

و الإشارة يخرج نخل الإيمان من نوى الحروف الميّتة في كلمة«لا إله إلاّ اللّه»،و مخرج ميّت النّفاق من الكلمة الحيّة،و هي«لا إله إلاّ اللّه».(3:70)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أدام:]

لأنّه كما علمت بيان لما قبله،و هذا لا يصلح للبيان، و إن صحّ عطف الاسم المشتقّ على الفعل و عكسه.

و اختار ابن المنير كونه معطوفا على(يخرج)قال:

و قد وردا جميعا بصيغة المضارع كثيرا،و هو دليل على أنّهما توأمان مقترنان،و هو يبعد القطع،فالوجه-و اللّه تعالى أعلم-أن يقال:كان الأصل أن يؤتى بصيغة اسم الفاعل أسوة أمثاله في الآية،إلاّ أنّه عدل عن ذلك إلى المضارع في هذا الوصف وحده،إرادة لتصوّر إخراج الحيّ من الميّت،و استحضاره في ذهن السّامع،و ذلك إنّما يتأتّى بالمضارع دون اسم الفاعل و الماضي،(أ لم تر) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً الحجّ:63 كيف عدل فيه عن الماضي المطابق ل(انزل)لذلك.[و استشهد بشعر ثمّ قال:]

و لا شكّ أنّ إخراج الحيّ من الميّت أظهر في القدرة من عكسه،و هو أيضا أوّل الحالين،و النّظر أوّل ما يبدأ فيه ثمّ القسم الآخر ثان عنه،فكان الأوّل جديرا بالتّصوير و التّأكيد في النفس،و لذلك هو مقدّم أبدا على القسم الآخر في الذّكر،حسب ترتّبهما في الواقع.و سهل عطف الاسم على الفعل و حسّنه أنّ اسم الفاعل في معنى المضارع،و كلّ منهما يقدّر بالآخر،فلا جناح في عطفه عليه.

و قال الإمام في وجه ذلك الاختلاف:إنّ لفظ الفعل

ص: 696

يدلّ على أنّ الفاعل معتن بالفعل في كلّ حين و أوان،و أمّا لفظ الاسم فإنّه لا يفيد التّجدّد و الاعتناء به ساعة فساعة.و يرشد إلى هذا ما ذكره الشّيخ عبد القاهر في «دلائل الإعجاز».[و ذكر ما حكاه عنه الفخر الرّازيّ ثمّ قال:]

و إذا ثبت ذلك يقال:لمّا كان الحيّ أشرف من الميّت وجب أن يكون الاعتناء بإخراج الحيّ من الميّت أكثر من الاعتناء بإخراج الميّت من الحيّ،فلذا وقع التّعبير عن القسم الأوّل بصيغة الفعل،و عن الثّاني بصيغة الاسم،تنبيها على أنّ الاعتناء بإيجاد الحيّ من الميّت أكثر و أكمل من الاعتناء بإيجاد الميّت من الحيّ.ثمّ العطف- لاشتمال الكلام به على زيادة-لا يضرّ بكون الجملة بيانا لما تقدّم،كما لا يضرّ شمول الحيّ و الميّت في الجملة المعطوف عليها للحيوان و النّبات فيه.

و أيّا ما كان فلا بدّ من القول بعموم المجاز،أو الجمع بين المجاز و الحقيقة على مذهب من يرى صحّته،إن قلنا:

إنّ الحيّ حقيقة فيمن يكون موصوفا بالحياة،و هي صفة توجب صحّة الإدراك و القدرة،و الميّت حقيقة فيمن فارقته تلك الصّفة أو نحو ذلك.و إنّ إطلاقه على نحو النّبات و الشّجر الغضّ و الحبّ و النّوى مجاز.و بهذا يشعر كلام الإمام،فإنّه جعل ما نقل عن الزّجّاج:أنّ المعنى يخرج النّبات الغضّ الطّريّ من الحبّ اليابس،و يخرج الحبّ اليابس من النّبات الحيّ النّامي من الوجوه المجازيّة، كالمرويّ عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما من أنّ المعنى:يخرج المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن.

(7:226)

ابن عاشور:و جملة: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ في محلّ خبر ثان عن اسم(انّ)تتنزّل منزلة بيان المقصود من الجملة قبلها،و هو الفلق الّذي يخرج منه نبتا،أو شجرا ناميا ذا حياة نباتيّة،بعد أن كانت الحبّة و النّواة جسما صلبا لا حياة فيه و لا نماء.فلذلك رجّح فصل هذه الجملة عن الّتي قبلها،إلاّ أنّها أعمّ منها،لدلالتها على إخراج الحيوان من ماء النّطفة أو من البيض،فهي خبر آخر،و لكنّه بعمومه يبيّن الخبر الأوّل،فلذلك يحسن فصل الجملة،أو عدم عطف أحد الأخبار.

و عطف على يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ قوله:

وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ؛ لأنّه إخبار بضدّ مضمون، يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ و صنع آخر عجيب دالّ على كمال القدرة و ناف تصرّف الطّبيعة بالخلق؛لأنّ الفعل الصّادر من العالم المختار يكون على أحوال متضادّة بخلاف الفعل المتولّد عن سبب طبعيّ.و في هذا الخبر تكملة بيان لما أجمله قوله: فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى، لأنّ فلق الحبّ عن النّبات،و النّوى عن الشّجر،يشمل أحوالا مجملة،منها حال إثمار النّبات و الشّجر حبّا ييبس -و هو في قصب نباته-فلا تكون فيه حياة،و نوى في باطن الثّمار يبسا لا حياة فيه كنوى الزّيتون و التّمر.

و يزيد على ذلك البيان بإخراج البيض و اللّبن و المسك و اللّؤلؤ و حجر«البازهر»من بواطن الحيوان الحيّ،فظهر صدور الضّدّين عن القدرة الإلهيّة تمام الظّهور.

و قد رجح عطف هذا الخبر؛لأنّه كالتّكملة لقوله:

يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، أي يفعل الأمرين معا كقوله بعده: فالِقُ الْإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً الأنعام:96.

ص: 697

و جعله في«الكشّاف»عطفا على فالِقُ الْحَبِّ، بناء على أنّ مضمون قوله: مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ليس فيه بيان لمضمون فالِقُ الْحَبِّ، لأنّ فلق الحبّ ينشأ عنه إخراج الحيّ من الميّت لا العكس،و هو خلاف الظّاهر،لأنّ علاقة وصف: مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ بخبر يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ أقوى من علاقته بخبر فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى.

و قد جيء بجملة: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ فعليّة،للدّلالة على أنّ هذا الفعل يتجدّد و يتكرّر في كلّ آن،فهو مراد معلوم،و ليس على سبيل المصادفة و الاتّفاق.

و جيء في قوله: وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ اسما للدّلالة على الدّوام و الثّبات.فحصل بمجموع ذلك أنّ كلا الفعلين متجدّد و ثابت،أي كثير و ذاتيّ؛و ذلك لأنّ أحد الإخراجين ليس أولى بالحكم من قرينه،فكان في الأسلوب شبه الاحتباك.(6:231)

مغنيّة:لا غرابة أن يتولّد من الكائن الحيّ حيّ مثله،و أن ينفصل من الجماد جماد،و إنّما العجب أن يتولّد الجماد من الحيّ،و بالعكس.و قال قائل:إنّ الحياة تتولّد من القوى الطّبيعيّة.

و نسأل هذا القائل،و من الّذي أوجد الطّبيعة و قواها و تفاعلها؟و إذا كان مجرّد التّفاعل كافيا وافيا لإيجاد الحياة،دون أن تتدخّل العناية الإلهيّة،فلما ذا عجز علماء الطّبيعة أن يصنعوا الحياة في معاملهم؟كما يصنعون أدوات المطبخ و ما إليها،مع أنّهم قد حاولوا و أوجدوا ألف تفاعل و تفاعل،و بعد اليأس أعلنوا أنّ صنع الحياة أصعب منالا من رجوع الشّيخ إلى صباه و طفولته.

و لنسلّم جدلا أنّهم ينجحون في خلق خليّة حيّة، فهل ينجحون في صنع حشرة تعمل بنظام،كما تعمل أتفه الحشرات؟و لندع الإنسان و دماغ الإنسان،و الحيوان و عجائبه في خلقه،و نضرب أمثلة من الحشرات الّتي ننفر منها،و نستعمل المبيدات لها.يقول المتخصّصون بدراسة الحشرات:

«إنّ بعضها يعيش في درجة 50 مئويّة تحت الصّفر، و بعضها يعيش هذه الدّرجة فوق الصّفر،و بعضها يعيش في الهواء السّامّ،و بعضها في آبار البترول،و لها نظم متقنة في حياتها و أعمالها،و إذا اخترع الإنسان الصّواريخ و الأقمار الصّناعيّة و العقول الإلكترونيّة،فمن المؤكّد أنّه لا يستطيع أن يصنع في المعمل جناح بعوضة،و لا خليّة من جناحها،فالعقل الإنسانيّ عظيم،و لكن عظمته تصبح عجزا مطلقا أمام القدرة الهائلة الّتي خلقت بعوضة أو نملة أو نحلة!!و كلّ هذه بديهيّات.و لكنّ المصيبة الكبرى أنّنا ننسى فلا ننظر إلى ما في أعماقنا،إلى مظهر من مظاهر القدرة الإلهيّة الحكيمة،فإذا نظرنا ازددنا إيمانا بما هو أكبر،و من هو أكبر،و كلّ ما نحتاج إليه هو الإيمان، و كلّ ما يحتاج إليه إيماننا هو العقل،لأنّ الإيمان بغير عقل كالوجه بلا عينين».

أجل،نحن بحاجة إلى الإيمان بقدرة اللّه لنفسّر بها ما تعجز عن تفسيره عقول العباقرة،و قد اعترفت هذه العقول بالعجز عن تفسير الحياة بالطّبيعة،و التجأ الكثيرون من أربابها إلى ما وراء الطّبيعة،إلى قدرة حكيمة عليمة يفسّرون بها أصل الحياة ذلِكُمُ اللّهُ فَأَنّى

ص: 698

تُؤْفَكُونَ. قال اينشتين:«إنّ بصيرتنا الدّينيّة هي المنبع الموجّه لبصيرتنا العلميّة».و علّق الأستاذ توفيق الحكيم على هذا في كتابه«فنّ الأدب»بقوله:«هذا الاعتراف- و لا شكّ-كسب للدّين،فما من أحد فيما مضى-أي منذ قرن من الزّمان-يتصوّر العلماء يقولون عن الدّين مثل هذا القول».

و نعلّق نحن على قول الحكيم:بأنّ السّرّ الوحيد لاعتراف علماء القرن العشرين من أمثال اينشتين بأنّ البصيرة الدّينيّة هي الأصل و المنبع للبصيرة العلميّة،أنّ السّرّ لهذا الاعتراف هو تقدّم العلم في هذا القرن، و تأخّره فيما مضى،و كلّما تقدّم العلم اكتسب الدّين أنصارا من أمثال اينشتين يعترفون بعظمته،و يؤمنون بأنّه الحقّ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.[ثمّ ذيّلها بأية بعدها و يربطها بهذه الآية]

(3:232)

عبد الكريم الخطيب :قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ هو خبر ثان ل(انّ)في إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى، وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ عرض لصورة أخرى من صور الإبداع في الخلق.و هو أنّه سبحانه إذ يخرج الحيّ من الميّت،فإنّه سبحانه يخرج الميّت من الحيّ، كهذا الحبّ و ذلك النّوى،فإنّهما من مواليد النّبات الحيّ النّامي.

و في هذا العرض للإحياء و الإماتة،و الإماتة و الإحياء،مثل ظاهر يرى فيه الإنسان العاقل صورة لحياته هو.و أنّه كان في عالم الموات،ثمّ إذا هو كائن حيّ عاقل،ثمّ إذا هو مردود إلى عالم الموات مرّة أخرى.فهل تعجز القدرة الإلهيّة عن ردّه مرّة ثانية إلى الحياة؟إنّ ذلك-في تقدير الإنسانيّة-أمر أهون ممّا سبقه من إيجاد الحياة من العدم!! كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. البقرة:

28.(4:244)

مكارم الشّيرازيّ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ، يتكرّر هذا التّعبير كثيرا في القرآن،مشيرا إلى نظام الموت و الحياة و تبديل هذا بذاك، فمرّة ترى الحياة تنبعث من موادّ جامدة لا روح فيها في أعماق المحيطات و مجاهل الغابات و الصّحاري،و تظهر الحياة من تركيب موادّ كلّ واحدة منها سمّ قاتل بذاته، و أحيانا ترى العكس،فبإجراء تغيير بسيط على كائنات حيّة قويّة مفعمة بالحياة تراها قد تحوّلت إلى كائن لا حياة فيه.

إنّ موضوع الحياة و الموت بالنّسبة للكائنات الحيّة من أعقد المسائل الّتي لم تستطع العلوم البشريّة الوصول إلى كنه حقيقتها،و رفع السّتار عن أسرارها،لتخطو إلى أعماق مجهولاتها،و لتعرف كيف يمكن لعناصر الطّبيعة و موادّها الجامدة أن تطفر طفرة عظيمة،فتتحوّل إلى كائنات حيّة.

قد يأتي ذلك اليوم الّذي يستطيع فيه الإنسان أن يصنع كائنا حيّا باستخدام التّركيبات الطّبيعيّة المختلفة، و تحت ظروف معقّدة خاصّة،و بطريقة تركيب أجزاء مصنّعة،كما يفعلون بالمكائن و الأجهزة.غير أنّ قدرة البشر المحتملة في المستقبل لا تستطيع أن تقلّل من أهمّيّة مسألة الحياة و تعقيداتها الّتي تبدأ من المبدع القادر.

ص: 699

لذلك نجد القرآن،في معرض إثبات وجود اللّه،كثيرا ما يكرّر هذا الموضوع،كما يستدلّ أنبياء عظام كإبراهيم و موسى-على وجود مبدأ قادر حكيم بمسألة الحياة و الموت،لإقناع جبابرة طغاة مثل نمرود و فرعون.

يقول إبراهيم لنمرود: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ البقرة:258،و يقول موسى لفرعون: وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى طه:53.

ينبغي ألاّ ننسى أنّ ظهور الحيّ من الميّت لم يكن في مبدإ ظهور الحياة على الأرض فقط،ففي كلّ وقت يحدث هذا بانجذاب الماء و الموادّ الأخرى إلى خلايا الكائنات الحيّة،فتكتسي كائنات غير حيّة بلباس الحياة.و عليه فإنّ القانون الطّبيعيّ السّائد اليوم،و القائل:بأنّه لا يمكن في الظّروف الحاليّة الّتي تسود الأرض لأيّ كائن غير حيّ فيها أن يتحوّل إلى كائن حيّ،و حيثما وجد كائن حيّ فثمّة بذرة حيّة وجد منها،إنّما هو قانون لا يتعارض مع هذا الّذي قلناه،فتأمّل بدقّة.

يستفاد من روايات أئمّة أهل البيت عليهم السّلام في تفسير هذه الآية و الآيات المشابهة لها،أنّ ذلك يشمل الحياة و الموت المادّيّين كما يشمل الحياة و الموت المعنويّين أيضا، فثمّة مؤمنون ولدوا لآباء غير مؤمنين،و آخرون مفسدون و أشرار ولدا لآباء من المتّقين الأخيار، ناقضين قانون الوراثة بإرادتهم و اختيارهم.

و هذا بذاته دليل آخر على عظمة الخلاّق الّذي أعطى الإنسان هذه القدرة و الإرادة.

النّقطة الأخرى الّتي ينبغي الالتفات إليها هي أنّ (يخرج)الفعل المضارع و(مخرج)اسم الفاعل،يدلاّن على الاستمرار،أي أنّ نظام ظهور الحيّ من الميّت، و ظهور الميّت من الحيّ نظام دائم و عامّ في عالم الخلق.

(4:363)

فضل اللّه :إنّها القدرة الإلهيّة العظيمة المبدعة،الّتي لا تتجمّد في حدود الحياة و الموت،بل تحرّك في إبداعها الحياة من قلب الموت،و تزرع الموت في قلب الحياة، فتخرج الميّت من الحيّ،و تخرج الحيّ من الميّت.و هكذا تريد هذه الآية أن توحي بالخطّ العامّ الّذي تتمثّل فيه القدرة في هذا التّفاعل بين الحياة و الموت،في الوقت الّذي يوحي التّقابل بينهما بالتّضادّ.[ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة و قال:]

و ربّما كانت الكلمة شاملة للجميع،لأنّ الفكرة تتحرّك من خلال المبدإ الّذي يوحي بعظمة القدرة،بعيدا عن التّفاصيل الّتي يريد اللّه للإنسان أن يبحث عنها في حركة الوجود المتنوّعة على الأرض.(9:235)

3- ...وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ... يونس:31

4- يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ... الرّوم:19

هاتان مثل ما قبلهما من الآيات تفسيرا.

حيّا

1- وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ

ص: 700

حَيًّا. مريم:15

الطّبرسيّ: و أمن له يوم ولد.[إلى أن قال:]

و يوم يبعث حيّا من هول المطّلع و عذاب النّار.و إنّما قال:(حيّا)تأكيدا لقوله:(يبعث).

و قيل:يعني أنّه يبعث مع الشّهداء؛لأنّهم وصفوا بأنّهم أحياء.(3:506)

نحوه أبو السّعود.(4:234)

الفخر الرّازيّ: و إنّما قال:(حيّا)تنبيها على كونه من الشّهداء،لقوله تعالى: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران:169.(21:194)

الآلوسيّ: من هول القيامة و عذاب النّار.و جيء بالحال للتّأكيد،و قيل:للإشارة إلى أنّ البعث جسمانيّ لا روحانيّ،و قيل:للتّنبيه على أنّه عليه السّلام من الشّهداء.(16:73)

الطّباطبائيّ: و سلام عليه يوم يبعث حيّا،فيحيا فيها بحقيقة الحياة و لا نصب و لا تعب.

و قيل:إنّ تقييد البعث بقوله:(حيّا)للدّلالة على أنّه سيقتل شهيدا،لقوله تعالى في الشّهداء: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران:169.

و اختلاف التّعبير في قوله:(ولد)(يموت)(يبعث) لتمثيل أنّ التّسليم في حال حياته عليه السّلام.(14:20)

و في هذه السّورة آيات رقم:31 و 33 و 66 لا نصّ لها يذكر.

2- لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ.

يس:70

ابن عبّاس: من كان له عقل.(373)

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 23:27)

قتادة :حيّ القلب حيّ البصر.(الطّبريّ 23:28)

السّدّيّ: من كان مهتديا.(الماورديّ 5:31)

يحيى بن سلاّم:من كان مؤمنا.

(الماورديّ 5:30)

نحوه ابن قتيبة.(368)

ابن عطاء:من كان في علم اللّه حيّا أحياه اللّه بالنّظر إليه و الفهم عنه و السّماع منه و السّلام عليه.

(البروسويّ 7:432)

الجنيد البغداديّ: الحيّ من كان حياته بحياة خالقه،لا من تكون حياته ببقاء نفسه.و من كان بقاؤه ببقاء نفسه،فإنّه ميّت في وقت حياته،و من كان حياته بربّه كان حقيقة حياته عند وفاته،لأنّه يصل بذلك إلى رتبة الحياة الأصليّة.(البروسويّ 7:432)

الطّبريّ: إن محمّد إلاّ ذكر لكم لينذر منكم،أيّها النّاس من كان حيّ القلب،يعقل ما يقال له،و يفهم ما يبيّن له،غير ميّت الفؤاد بليد.(23:26)

الزّجّاج: أي من كان يعقل ما يخاطب به،فإنّ الكافر كالميّت في أنّه لم يتدبّر،فيعلم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و ما جاء به حقّ.(4:294)

نحوه الواحديّ(3:519)،و البغويّ(4:22)، و الميبديّ(8:245)،و الخازن(6:13).

القمّيّ: يعني مؤمنا حيّ القلب.(2:217)

الشّريف الرّضيّ: و هذه استعارة،و المراد بالحيّ

ص: 701

هاهنا:الغافل الّذي يستيقظ إذا أوقظ،و يتّعظ إذا وعظ، فسمّى سبحانه المؤمن الّذي ينتفع بالإنذار حيّا لنجاته، و سمّى الكافر الّذي لا يصغي إلى الزّواجر ميّتا لهلكه.

(158)

الزّمخشريّ: أي عاقلا متأمّلا،لأنّ الغافل كالميّت، أو معلوما منه أنّه يؤمن فيحيا بالإيمان.(3:330)

نحوه النّسفيّ.(4:13)

ابن عطيّة: أي حيّ القلب و البصيرة،و لم يكن ميّتا لكفره،و هذه استعارة.(4:462)

الطّبرسيّ: أي أنزلناه لتخوّف به من معاصي اللّه من كان مؤمنا؛لأنّ الكافر كالميّت بل أقلّ من الميّت،لأنّ الميّت و إن كان لا ينتفع و لا يتضرّر،و الكافر لا ينتفع بدينه و يتضرّر به.(4:432)

الفخر الرّازيّ: أي من كان حيّ القلب،و يحتمل وجهين:

أحدهما:أن يكون المراد من كان حيّا في علم اللّه فينذره به فيؤمن.

الثّاني:أن يكون المراد لينذر به من كان حيّا في نفس الأمر،أي من آمن،فينذره بما على المعاصي من العقاب، و بما على الطّاعة من الثّواب.(26:106)

البيضاويّ: مَنْ كانَ حَيًّا عاقلا فهما،فإنّ الغافل كالميّت،أو مؤمنا في علم اللّه تعالى،فإنّ الحياة الأبديّة بالإيمان،و تخصيص الإنذار به لأنّه المنتفع به.

(2:285)

نحوه أبو السّعود.(5:311)

الشّربينيّ: اختلف في قوله تعالى: مَنْ كانَ حَيًّا على قولين:

أحدهما:أنّ المراد به المؤمن،لأنّه حيّ القلب، و الكافر كالميّت في أنّه لا يتدبّر و لا يتفكّر.قال تعالى:

أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122.

و الثّاني:المراد به العاقل فهما،فيعقل ما يخاطب به، فإنّ الغافل كالميّت.(3:363)

البروسويّ: أي عاقلا فهيما يميّز المصلحة من المفسدة،و يستخدم قلبه فيما خلق له،و لا يضيّعه فيما لا يعنيه،فإنّ الغافل بمنزلة الميّت.و جعل العقل و الفهم للقلب بمنزلة الحياة للبدن؛من حيث أنّ منافع القلب منوطة بالعقل،كما أنّ منافع البدن منوطة بالحياة.

و فيه إشارة إلى أنّ كلّ قلب تكون حياته بنور اللّه و روح منه،يفيده الإنذار،و يتأثّر به.و أمارة تأثّره الإعراض عن الدّنيا،و الإقبال على الآخرة و المولى.

و قال بعضهم:من كان حيّا،أي مؤمنا في علم اللّه، فإنّ الحياة الأبديّة بالإيمان يعني أنّ إيمان من كان مؤمنا في علم اللّه بمنزلة الحياة للبدن،لكونه سببا للحياة الأبديّة.

[إلى أن قال:]

و تخصيص الإنذار بمن كان حيّ القلب مع أنّه عامّ له،و لمن كان ميّت القلب،لأنّه المنتفع به.(7:432)

الآلوسيّ: أي عاقلا...و فيه استعارة مصرّحة بتشبيه العقل بالحياة،أو مؤمنا بقرينة مقابلته بالكافرين.

و فيه أيضا استعارة مصرّحة لتشبيه الإيمان بالحياة.

و يجوز كونه مجازا مرسلا،لأنّه سبب للحياة الحقيقيّة الأبديّة.(23:49)

ابن عاشور:و الحيّ: مستعار لكامل العقل و صائب

ص: 702

الإدراك،و هذا تشبيه بليغ،أي من كان مثل الحيّ في الفهم.

و المقصود منه:التّعريض بالمعرضين عن دلائل القرآن بأنّهم كالأموات،لا انتفاع لهم بعقولهم،كقوله تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ النّمل:80.(22:270)

مغنيّة:المراد بالحيّ هنا من أحيا عقله بالتّدبّر و التّأمّل،و تفتّح قلبه للحقّ و الخير.(6:323)

الطّباطبائيّ: هو كناية عن كونه يعقل الحقّ و يسمعه.(17:109)

مكارم الشّيرازيّ: مرّة أخرى نرى القرآن الكريم يجعل«الإيمان»هو«الحياة»،و«المؤمنين»هم «الأحياء»،و«الكفّار»هم«الموتى»،ففي جانب«حيّ»، و في الجانب الآخر«الكافرون»،فهذه هي الحياة و الموت المعنويّ اللّذان هما أعلى بمراتب من الموت و الحياة الظّاهريّين،و آثارهما أوسع و أشمل،فإذا كانت الحياة و المعيشة بمعنى التّنفّس و أكل الطّعام و الحركة،فإنّ هذه الأعمال كلّها تقوم بها الحيوانات،فهذه ليست حياة إنسانيّة.الحياة الإنسانيّة هي تفتّح أزهار العقل و الفهم و الملكات الرّقيقة في روح الإنسان،و كذلك التّقوى و الإيثار و التّضحية و التّحكّم بالنّفس،و التّحلّي بالفضيلة و الأخلاق.و القرآن ينمّي هذه الحياة في وجود الإنسان.

و الخلاصة:أنّ النّاس ينقسمون حيال دعوة القرآن الكريم إلى مجموعتين:مجموعة حيّة يقظة تلبّي تلك الدّعوة،و تلتفت إلى إنذاراتها،و مجموعة من الكفّار ذوي القلوب الميّتة،الّذين لا تؤمّل منهم أيّة استجابة أبدا، و لكن هذه الإنذارات سبب في إتمام الحجّة عليهم، و تحقّق أمر العذاب بحقّهم.

بحث

حياة و موت القلوب

في الإنسان أنواع من الحياة و الموت:

الأوّل:الحياة و الموت النّباتيّ الّذي مظهره النّموّ و الرّشد و التّغذية و التّوالد،و هو في هذا الشّأن يشابه جميع النّباتات.

الثّاني:الحياة و الموت الحيوانيّ.و أبرز مظاهرها الإحساس و الحركة،و هو مشترك في هاتين الصّفتين مع جميع الحيوانات.

أما النّوع الثّالث من الحياة الخاصّ بالإنسان فقط، فهو الحياة الإنسانيّة و الرّوحيّة،و هو ما قصدته الرّوايات بقولها«حياة القلوب».حيث إنّ المقصود بالقلب هنا:

الرّوح و العقل و العواطف الإنسانيّة.

ففي حديث أمير المؤمنين عليه أفضل الصّلاة و السّلام و حول القرآن يقول:«و تعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحديث،و تفقّهوا فيه فإنّه ربيع القلوب».

و في حديث آخر له عليه أفضل الصّلاة و السّلام يقول عن الحكمة و التّعلم:«و اعلموا أنّه ليس من شيء إلاّ و يكاد صاحبه يشبع منه و يملّه إلاّ الحياة،فإنّه لا يجد في الموت راحة،و إنّما ذلك بمنزلة الحكمة الّتي هي حياة للقلب الميّت و بصر للعين العمياء».

و قال عليه الصّلاة و السّلام:«ألا و إنّ من البلاء الفاقة،و أشدّ من الفاقة مرض البدن،و أشدّ من مرض البدن مرض القلب،ألا و إنّ من صحّة البدن تقوى

ص: 703

القلوب».

و يقول عليه الصّلاة و السّلام:«و من كثر كلامه كثر خطؤه،و من كثر خطؤه قلّ حياؤه،و من قلّ حياؤه قلّ ورعه،و من قلّ ورعه مات قلبه».

و من جهة أخرى فإنّ القرآن الكريم يشخّص للإنسان نوعا خاصّا من الإبصار و السّماع و الإدراك و الشّعور،غير النّظر و السّماع و الشّعور الظّاهريّ،ففي الآية:171،سورة البقرة نقرأ: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ.

و في موضع آخر يقول تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً البقرة:10.

كذلك يقول سبحانه: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً البقرة:74.

و حول مجموعة من الكافرين يعبّر تعبيرا خاصّا فيقول تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ المائدة:41.

و في موضع آخر يقول تعالى: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ الأنعام:36.

من مجموع هذه التّعبيرات و تعبيرات كثيرة أخرى شبيهة لها يظهر بوضوح أنّ القرآن يعدّ محور الحياة و الموت،هو ذلك المحور الإنسانيّ و العقلانيّ؛إذ أنّ قيمة الإنسان تكمن في هذا المحور.

و في الحقيقة فإنّ الحياة و الإدراك و الإبصار و السّماع و أمثالها،تتلخّص في هذا القسم من وجود الإنسان،و إن اعتبر بعض المفسّرين هذه التّعبيرات مجازيّة؛إذ أنّ ذلك لا ينسجم مع روح القرآن هنا،لأنّ الحقيقة في نظر القرآن هي هذه الّتي يذكرها،و الحياة و الموت الحيوانيّان هما المجازيّان لا غير.

إنّ أسباب الموت و الحياة الرّوحيّة كثيرة جدّا و لكن القدر المسلّم به هو أنّ النّفاق و الكبر و الغرور و العصبيّة و الجهل و الكبائر،كلّها تميت القلب،ففي مناجاة التّائبين الّتي تروى عن الإمام السّجّاد عليه السّلام في الصّحيفة السّجاديّة ورد«و أمات قلبي عظيم جنايتي».

و هذه الآيات تأكيد على هذه الحقيقة.فهل أنّ من يرضى من حياته فقط بأن يعيش غير عالم بشيء في هذه الدّنيا،و يجري دائما مدار العيش الرّغيد الرّتيب، لا يعبأ بظلامة المظلوم،و لا يلبّي نداء الحقّ،و لا يتأثّر من ظلم الظّالم،و لا تهزّه محروميّة المظلومين،يفكّر في نفسه فقط،و يعتبر نفسه غريبا حتّى عن أقرب الأقرباء،هل يعتبر مثل هذا إنسانا حيّا؟

و هل هي حياة تلك الّتي تكون حصيلتها كمّيّة من الغذاء المصروف،و إبلاء بعض الألبسة،و النّوم و الاستيقاظ المكرّر؟و إذا كانت تلك هي الحياة فما هو فرقها عن حياة الحيوان؟

إذا يجب أن نقرّ و نعترف بأنّ وراء هذه الحياة الظّاهريّة يكمن عقل و حقيقة،أكّد عليها القرآن و تحدّث عنها.

الجميل أنّ القرآن يعتبر الموتى الّذين كانوا في موتهم أثر على الحياة الإنسانيّة أحياء،و لكن الحياة الّتي يتجسّد فيها،أي من آثار الحياة الإنسانيّة،فإنّها تمثّل في منطق القرآن الكريم موتا ذليلا خانعا.(14:211)

ص: 704

حياة الشّهداء
احياء
اشارة

1- وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ. البقرة:154

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«الشّهداء على بارق نهر بباب الجنّة، في قبّة خضراء»أو قال:«في روضة خضراء،يخرج عليهم رزقهم من الجنّة بكرة و عشيّا».

(الطّبريّ 2:40)

إنّ أرواح الشّهداء في أجواف طير خضر تسرح في ثمار الجنّة،و تشرب من أنهارها،و تأوي باللّيل إلى قناديل من نور معلّقة تحت العرش.

[و في حديث آخر:]يعطى الشّهيد ستّ خصال عند أوّل قطرة من دمه:يكفّر عنه كلّ خطيئة،و يرى مقعده من الجنّة،و يزوّج من الحور العين،و يؤمن من الفزع الأكبر،و من عذاب القبر،و يحلّى بحلية الإيمان.

(الثّعلبيّ 2:21)

ابن عبّاس: إنّهم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم السّاعة.

مثله مجاهد،و قتادة.و نحوه الحسن،و عمرو بن عبيد،و واصل بن عطاء،و الجبّائيّ،و الرّمّانيّ.

(الطّبرسيّ 1:236)

الحسن :إنّ الشّهداء أحياء عند اللّه تعرض أرزاقهم على أرواحهم.فيصل إليهم الرّوح و الفرح،كما تعرض النّار على أرواح آل فرعون غدوة و عشيّا،فيصل إليهم الوجع.(الزّمخشريّ 1:323)

مجاهد:[يرزقون]من ثمر الجنّة و يجدون ريحها و ليسوا فيها.(الطّبريّ 2:39)

عكرمة :أرواح الشّهداء في طير خضر في الجنّة.

(الطّبريّ 2:39)

قتادة :أرواح الشّهداء تعارف في طير بيض يأكلن من ثمار الجنّة،و إنّ مساكنهم سدرة المنتهى،و إنّ للمجاهد في سبيل اللّه ثلاث خصال من الخير:من قتل في سبيل اللّه منهم صار حيّا مرزوقا،و من غلب آتاه اللّه أجرا عظيما، و من مات رزقه اللّه رزقا حسنا.(الطّبريّ 2:39)

الرّبيع:في صور طير خضر،يطيرون في الجنّة حيث شاءوا منها،يأكلون من حيث شاءوا.

(الطّبريّ 2:39)

الطّبريّ: فإن قال لنا قائل:و ما في[هذه الآية]من خصوصيّة الخبر عن المقتول في سبيل اللّه الّذي لم يعمّ به غيره؟و قد علمت تظاهر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه وصف حال المؤمنين و الكافرين بعد وفاتهم،فأخبر عن المؤمنين أنّهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى الجنّة يشمّون منها روحها،و يستعجلون اللّه قيام السّاعة، ليصيروا إلى مساكنهم منها،و يجمع بينهم و بين أهاليهم و أولادهم فيها،و عن الكافرين أنّهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى النّار ينظرون إليها،و يصيبهم من نتنها و مكروهها،و يسلّط عليهم فيها إلى قيام السّاعة من يقمعهم فيها،و يسألون اللّه فيها تأخير قيام السّاعة، حذارا من المصير إلى ما أعدّ اللّه لهم فيها،مع أشباه ذلك من الأخبار.و إذا كانت الأخبار بذلك متظاهرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فما الّذي خصّ به القتيل في سبيل اللّه،ممّا

ص: 705

لم يعمّ به سائر البشر غيره من الحياة،و سائر الكفّار و المؤمنين غيره أحياء في البرزخ،أمّا الكفّار فمعذّبون فيه بالمعيشة الضّنك،و أمّا المؤمنون فمنعّمون بالرّوح و الرّيحان و نسيم الجنان؟

قيل:إنّ الّذي خصّ اللّه به الشّهداء في ذلك،و أفاد المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره إعلامه إيّاهم أنّهم مرزوقون من مآكل الجنّة و مطاعمها في برزخهم قبل بعثهم،و منعّمون بالّذي ينعّم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر،من لذيذ مطاعمها الّذي لم يطعمها اللّه أحدا غيرهم في برزخه قبل بعثه.فذلك هو الفضيلة الّتي فضّلهم بها و خصّهم بها من غيرهم،و الفائدة الّتي أفاد المؤمنين بالخبر عنهم،فقال تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:

وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ آل عمران:169،170،و بمثل الّذي قلنا جاء الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.[ثمّ ذكر الرّواية المتقدّمة عن النّبيّ و قال:]

فإن قال قائل:فإنّ الخبر عمّا ذكرت أنّ اللّه تعالى ذكره أفاد المؤمنين بخبره عن الشّهداء من النّعمة الّتي خصّهم بها في البرزخ،غير موجود في قوله: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ، و إنّما فيه الخبر عن حالهم،أموات هم أم أحياء.

قيل:إنّ المقصود بذكر الخبر عن حياتهم،إنّما هو الخبر عمّا هم فيه من النّعمة،و لكنّه تعالى ذكره لمّا كان قد أنبأ عباده عمّا قد خصّ به الشّهداء في قوله: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ...، و علموا حالهم بخبره ذلك،ثمّ كان المراد من اللّه تعالى ذكره في قوله: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ نهي خلقه عن أن يقولوا للشّهداء:إنّهم موتى،ترك إعادة ذكر ما قد بيّن لهم من خبرهم.

و أمّا قوله: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ، فإنّه يعني به:

و لكنّكم لا ترونهم فتعلموا أنّهم أحياء،و إنّما تعلمون ذلك بخبري إيّاكم به.(2:39)

الزّجّاج: فأعلمنا أنّ من قتل في سبيل اللّه حيّ.

فإن قال قائل:فما بالنا نرى جثّة غير متصرّفة؟

فإنّ دليل ذلك مثل ما يراه الإنسان في منامه،و جثّته غير متصرّفة،على قدر ما يرى،و اللّه عزّ و جلّ قد توفّى نفسه في نومه،فقال تعالى: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها الزّمر:42،و ينتبه المنتبه من نومه فيدركه الانتباه و هو في بقيّة من ذلك،فهذا دليل أنّ أرواح الشّهداء جائز أن تفارق أجسامهم،و هم عند اللّه أحياء،فالأمر فيمن قتل في سبيل اللّه لا يجب أن يقال له:ميّت،لكن يقال له:شهيد،و هو عند اللّه حيّ.

و قد قيل فيها قول غير هذا-و هذا القول الّذي ذكرته آنفا هو الّذي أختاره-قالوا معنى الأموات:أي لا تقولوا:هم أموات في دينهم،بل قولوا:إنّهم أحياء في دينهم.و قال أصحاب هذا القول:دليلنا-و اللّه أعلم- قوله: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها الأنعام:122،فجعل المهتدي حيّا،و أنّه حين كان على الضّلالة كان ميّتا.و القول الأوّل أشبه بالدّين و ألصق بالتّفسير.(1:229)

الماورديّ: و سبب ذلك أنّهم كانوا يقولون لقتلى

ص: 706

بدر و أحد:مات فلان،و مات فلان،فنزلت الآية،و فيها تأويلان:

أحدهما:أنّهم ليسوا أمواتا و إن كانت أجسامهم أجسام الموتى،بل هم عند اللّه أحياء النّفوس منعّمو الأجسام.

و الثّاني:أنّهم ليسوا بالضّلال أمواتا،بل هم بالطّاعة و الهدى أحياء،كما قال تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ... الأنعام:

122،فجعل الضّالّ ميّتا،و المهتدي حيّا.

و يحتمل تأويلا ثالثا:أنّهم ليسوا أمواتا بانقطاع الذّكر عند اللّه و ثبوت الأجر.(1:209)

الطّوسيّ: فإن قيل:هل الشّهداء أحياء على الحقيقة،أم معناه أنّهم سيحيون و ليسوا أحياء؟

قلنا:الصّحيح أنّهم أحياء إلى أن تقوم السّاعة،ثمّ يحييهم اللّه في الجنّة،لا خلاف بين أهل العلم فيه إلاّ قولا شاذّا من بعض المتأخّرين.

و الأوّل قول الحسن و مجاهد،و قتادة،و الجبّائيّ، و ابن الأحشاد،و الرّمّانيّ،و جميع المفسّرين.و القول الثّاني حكاه البلخيّ.

يقال:إنّ المشركين كانوا يقولون:إنّ أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله يقتلون نفوسهم في الحرب لا لمعنى،فأنزل اللّه تعالى الآية،و أعلمهم أنّه ليس الأمر على ما قالوه، و أنّهم سيحيون يوم القيامة،و يثابون،و لم يذكر ذلك غيره.

و قيل:ليس هم أمواتا بالضّلالة،بل هم أحياء بالطّاعة،و الهدى،كما قال: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122،فجعل الضّلالة موتا و الهداية حياة.

و قيل:معناه ليس هم أمواتا بانقطاع الذّكر،بل هم أحياء ببقاء الذّكر عند اللّه،و ثبوت الأجر عنده.

و استدلّ أبو عليّ الجبّائيّ على أنّهم أحياء في الحقيقة بقوله: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ فقال:لو كان المعنى سيحيون في الآخرة لم يقل للمؤمنين المقرّين بالبعث، و النّشور: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ؛ لأنّهم يعلمون ذلك، و يشعرون به.

فإن قيل:و لم خصّ الشّهداء بأنّهم أحياء، و المؤمنون كلّهم في البرزخ أحياء؟

قيل:يجوز أن يكونوا ذكروا اختصاصا،تشريفا لهم.

و قد يكون على جهة التّقديم للبشارة بذكر حالهم في البيان،لما يختصّون به من أنّهم يرزقون،كما قال تعالى:

بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران:169،و إنّما قيل للجهاد: سَبِيلِ اللّهِ؛ لأنّه طريق إلى ثواب اللّه تعالى.(2:34)

نحوه الطّبرسيّ.(1:236)

القشيريّ: فاتتهم الحياة في الدّنيا،و لكن وصلوا إلى الحياة الأبديّة في العقبى،فهم في الحقيقة أحياء يجدون من اللّه فنون الكرامات.

و يقال:هم أحياء،لأنّ الخلف عنهم اللّه،و من كان الخلف عنه اللّه لا يكون ميّتا،قال قائلهم في مخلوق:

إن يكن عنّا مضى بسبيله فما

مات من يبقى له مثل خالد

و يقال:هم أحياء بذكر اللّه لهم،و الّذي هو مذكور الحقّ بالجميل بذكره السّرمديّ؛ليس بميّت.

و يقال:إنّ أشباحهم و إن كانت متفرّقة،فإنّ

ص: 707

أرواحهم-بالحقّ سبحانه-متحقّقة.و لئن فنيت باللّه أشباحهم فلقد بقيت باللّه أرواحهم،لأنّ من كان فناؤه باللّه كان بقاؤه باللّه.

و يقال:هم أحياء بشواهد التّعظيم،عليهم رداء الهيبة و هم في ظلال الأنس،يبسطهم جماله مرّة، و يستغرقهم جلاله أخرى.(1:151)

الزّمخشريّ: [ذكر بعض أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

قالوا:يجوز أن يجمع اللّه من أجزاء الشّهيد جملة فيحييها،و يوصل إليها النّعم،و إن كانت في حجم الذّرّة.

(1:323)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ هذه الآية نظير قوله في آل عمران: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. و وجه تعلّق الآية بما قبلها كأنّه قيل:استعينوا بالصّبر و الصّلاة في إقامة ديني،فإن احتجتم في تلك الإقامة إلى مجاهدة عدوّي بأموالكم و أبدانكم ففعلتم ذلك،فتلفت نفوسكم، فلا تحسبوا أنّكم ضيّعتم أنفسكم،بل اعلموا أنّ قتلاكم أحياء عندي.[إلى أن قال:]

في الآية أقوال:

الأوّل:أنّهم في الوقت أحياء،كأنّ اللّه تعالى أحياهم لإيصال الثّواب إليهم،و هذا قول أكثر المفسّرين،و هذا دليل على أنّ المطيعين يصل ثوابهم إليهم و هم في القبور.

فإن قيل:نحن نشاهد أجسادهم ميّتة في القبور، فكيف يصحّ ما ذهبتم إليه؟

قلنا:أمّا عندنا فالبنية ليست شرطا في الحياة،و لا امتناع في أن يعيد اللّه الحياة إلى كلّ واحد من تلك الذّرّات و الأجزاء الصّغيرة،من غير حاجة إلى التّركيب و التّأليف،و أمّا عند المعتزلة فلا يبعد أن يعيد اللّه الحياة إلى الأجزاء الّتي لا بدّ منها في ماهية الحيّ،و لا يعتبر بالأطراف،و يحتمل أيضا أن يحييهم إذا لم يشاهدوا.

القول الثّاني:قال الأصمّ:يعني لا تسمّوهم بالموتى، و قولوا لهم:الشّهداء الأحياء.و يحتمل أنّ المشركين قالوا:هم أموات في الدّين،كما قال اللّه تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122،فقال:و لا تقولوا للشّهداء:ما قاله المشركون،و لكن قولوا:هم أحياء في الدّين و لكن لا يشعرون،يعني:المشركون لا يعلمون أنّ من قتل على دين محمّد عليه الصّلاة و السّلام حيّ في الدّين،و على هدى من ربّه و نور،كما روي في بعض الحكايات أنّ رجلا قال لرجل:ما مات رجل خلف مثلك.و حكي عن بقراط أنّه كان يقول لتلامذته:موتوا بالإرادة.تحيوا بالطّبيعة،أي بالرّوح.

القول الثّالث:أنّ المشركين كانوا يقولون:إنّ أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم يقتلون أنفسهم،و يخسرون حياتهم، فيخرجون من الدّنيا بلا فائدة،و يضيّعون أعمارهم إلى غير شيء.و هؤلاء الّذين قالوا ذلك،يحتمل أنّهم كانوا دهريّة ينكرون المعاد.و يحتمل أنّهم كانوا مؤمنين بالمعاد إلاّ أنّهم كانوا منكرين لنبوّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام، فلذلك قالوا هذا الكلام،فقال اللّه تعالى:و لا تقولوا كما قال المشركون:إنّهم أموات لا ينشرون،و لا ينتفعون بما تحمّلوا من الشّدائد في الدّنيا،و لكن اعلموا أنّهم أحياء، أي سيحيون فيثابون و ينعّمون في الجنّة.و تفسير قوله:

(احياء)بأنّهم سيحيون غير بعيد.قال اللّه تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار:13،

ص: 708

14،و قال: أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها الكهف:29،و قال:

إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ النّساء:

145،و قال: فَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ الحجّ:56 على معنى أنّهم سيصيرون كذلك.و هذا القول اختيار الكعبيّ و أبي مسلم الأصفهانيّ.

و اعلم أنّ أكثر العلماء على ترجيح القول الأوّل، و الّذي يدلّ عليه وجوه:

أحدها:الآيات الدّالّة على عذاب القبر،كقوله تعالى: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ المؤمن:

11،و الموتتان لا تحصل إلاّ عند حصول الحياة في القبر، و قال اللّه تعالى: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً نوح:25، و الفاء للتّعقيب،و قال: اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46.و إذا ثبت عذاب القبر،وجب القول بثواب القبر أيضا؛لأنّ العذاب حقّ اللّه تعالى على العبد،و الثّواب حقّ للعبد على اللّه تعالى،فإسقاط العقاب أحسن من إسقاط الثّواب،فحيثما أسقط العقاب إلى يوم القيامة بل حقّقه في القبر،كان ذلك في الثّواب أولى.

و ثانيها:أنّ المعنى لو كان على ما قيل في القول الثّاني و الثّالث لم يكن لقوله: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ معنى،لأنّ الخطاب للمؤمنين،و قد كانوا لا يعلمون أنّهم سيحيون يوم القيامة،و أنّهم ماتوا على هدى و نور،فعلم أنّ الأمر على ما قلنا:من أنّ اللّه تعالى أحياهم في قبورهم.

و ثالثها:أنّ قوله: وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ آل عمران:170 دليل على حصول الحياة في البرزخ قبل البعث.

و رابعها:قوله عليه الصّلاة و السّلام:«القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّيران»،و الأخبار في ثواب القبر و عذابه كالمتواترة،و كان عليه الصّلاة و السّلام يقول في آخر صلاته:«و أعوذ بك من عذاب القبر».

و خامسها:أنّه لو كان المراد من قوله:إنّهم أحياء:

أنّهم سيحيون،فحينئذ لا يبقى لتخصيصهم بهذا فائدة؟ أجاب عنه أبو مسلم:بأنّه تعالى إنّما خصّهم بالذّكر،لأنّ درجتهم في الجنّة أرفع،و منزلتهم أعلى و أشرف،لقوله تعالى: وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ النّساء:69.فأفردهم بالذّكر تعظيما.

و اعلم أنّ هذا الجواب ضعيف،و ذلك لأنّ منزلة النّبيّين و الصّدّيقين أعظم،مع أنّ اللّه تعالى ما خصّهم بالذّكر.

و سادسها:أنّ النّاس يزورون قبور الشّهداء و يعظّمونها؛و ذلك يدلّ من بعض الوجوه على ما ذكرناه.

و احتجّ أبو مسلم على ترجيح قوله بأنّه تعالى ذكر هذه الآية في آل عمران فقال: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، و هذه العنديّة ليست بالمكان بل بالكون في الجنّة،و معلوم أنّ أهل الثّواب لا يدخلون الجنّة إلاّ بعد القيامة.

و الجواب:لا نسلّم أنّ هذه العنديّة ليست إلاّ بالكون في الجنّة،بل بإعلاء الدّرجات،و إيصال البشارات إليه، و هو في القبر أو في موضع آخر.

و اعلم أنّ في الآية قولا آخر:و هو أنّ ثواب القبر و عذابه للرّوح لا للقالب،و هذا القول بناء على معرفة

ص: 709

الرّوح.[ثمّ بحث في حقيقة الإنسان تفصيلا فلاحظ]

(4:163)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(2:32)

البيضاويّ: بل هم أحياء وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ ما حالهم،و هو تنبيه على أنّ حياتهم ليست بالجسد،و لا من جنس ما يحسّ به من الحيوانات،و إنّما هي أمر لا يدرك بالعقل بل بالوحي.

و فيها دلالة على أنّ الأرواح جواهر قائمة بأنفسها، مغايرة لما يحسّ به من البدن،تبقى بعد الموت درّاكة.

و عليه جمهور الصّحابة و التّابعين،و به نطقت الآيات و السّنن.و على هذا فتخصيص الشّهداء لاختصاصهم بالقرب من اللّه و مزيد البهجة و الكرامة.(1:91)

نحوه أبو السّعود.(1:320)

الخازن :إنّما أحياهم اللّه عزّ و جلّ في الوقت لإيصال الثّواب إليهم.ففيه دليل على أنّ المطيعين للّه يصل إليهم ثوابهم و هم في قبورهم في البرزخ،و كذا العصاة يعذّبون في قبورهم.

فإن قلت:نحن نراهم موتى فما معنى قوله:بل أحياء، و ما وجه النّهي في قوله: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ؟

قلت:معناه لا تقولوا:أموات بمنزلة غيرهم من الأموات،بل هم أحياء تصل أرواحهم إلى الجنان،كما روي أنّ أرواح الشّهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنّة،فهم أحياء من هذه الجهة،و إن كانوا أمواتا من جهة خروج الرّوح من أجسادهم.

و جواب آخر:و هو أنّهم أحياء عند اللّه تعالى في عالم الغيب؛لأنّهم صاروا إلى الآخرة،فنحن لا نشاهدهم كذلك.و يدلّ على ذلك قوله تعالى: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ، ،أي لا تروهم أحياء فتعلموا ذلك حقيقة، و إنّما تعلموا ذلك بإخباري إيّاكم به.

فإن قلت:أ ليس سائر المطيعين من المسلمين للّه يصل إليهم من نعيم الجنّة في قبورهم،فلم خصّص الشّهداء بالذّكر؟

قلت:إنّما خصّهم،لأنّ الشّهداء فضّلوا على غيرهم بمزيد النّعيم،و هو أنّهم يرزقون من مطاعم الجنّة و مآكلها،و غيرهم ينعّمون بما دون ذلك.

و جواب آخر:و هو أنّه ردّ لقول من قال:إنّ من قتل في سبيل اللّه قد مات،و ذهب عنه نعيم الدّنيا و لذّاتها، فأخبر اللّه تعالى بقوله: بَلْ أَحْياءٌ بأنّهم في نعيم دائم.

(1:109)

أبو حيّان :قيل:سبب نزول هذه الآية أنّه قيل لمن قتل في سبيل اللّه:مات فلان و ذهب عنه نعيم الدّنيا و لذّتها،فأنزلت،نهوا عن قولهم عن الشّهداء:أموات، و أخبر تعالى أنّهم أحياء.

و ارتفاع أموات و أحياء على أنّه خبر مبتدإ محذوف، أي هم أموات بل هم أحياء.و يحتمل أن يكون بل أحياء مندرجا تحت قول مضمر،أي بل قولوا:هم:أحياء.لكن يرجّح الوجه الأوّل،و هو أنّه إخبار من اللّه تعالى قوله:

وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ؛ لأنّ معناه أنّ حياتهم لا شعور لكم بها،و الظّاهر أنّ المراد حقيقة الموت و الحياة.و قيل:

ذلك مجاز و اختلفوا فقيل:أموات بانقطاع الذّكر،بل أحياء ببقائه و ثبوت الأجر.و كانت العرب تسمّي من

ص: 710

لا يبقى له ذكر بعد موته كالولد و غيره ميّتا.

و قيل:أموات بالضّلال بل أحياء بالطّاعة و الهدى، كما قال: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ.

و إذا حمل الموت و الحياة على الحقيقة،فاختلفوا فقال قوم:معناه النّهي عن قول الجاهليّة أنّهم لا يبعثون، فالمعنى أنّهم سيحيون بالبعث،فيثابون ثواب الشّهداء الّذين قتلوا في سبيل اللّه.

و أكثر أهل العلم على أنّهم أحياء في الوقت،و معنى هذه الحياة بقاء أرواحهم دون أجسادهم؛إذ أجسادهم نشاهد فسادها و فناءها.و استدلّوا على بقاء الأرواح بعذاب القبر،و بقوله: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ معناه لا تشعرون بكيفيّة حياتهم،و لو كان المعنيّ ب(أحياء) أنّهم سيحيون يوم القيامة،أو أنّهم على هدى و نور،لم يظهر لنفي الشّعور معنى،إذ هو خطاب للمؤمنين-و هم قد علموا بالبعث،و بأنّهم كانوا على هدى-فلا يقال فيه:

وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ، لأنّهم قد شعروا به و بقوله:

وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ.

و قد ذهب بعض النّاس إلى أنّ الشّهيد حيّ الجسد و الرّوح،و لا يقدح في ذلك عدم الشّعور به من الحيّ غيره،فنحن نراهم على صفة الأموات و هم أحياء،كما قال تعالى: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88،و كما ترى النّائم على هيئة،و هو يرى في منامه ما ينعّم به أو يتألّم به...

فاختلف في مستقرّها،فقيل:قبورهم،يرزقون فيها، و قيل:في قباب بيض في الجنة،يرزقون فيها.[ثمّ نقل الأقوال و قال:]

و الجمهور على أنّهم في الجنّة،و يؤيّده قوله صلّى اللّه عليه و سلّم لأمّ حارثة:إنّهم في الفردوس.و مذهب أهل السّنّة أنّ الأرواح لا تفنى،و أنّها باقية بعد خروجها من البدن، فأرواح أهل السّعادة منعّمة إلى يوم الدّين،و أرواح أهل الشّقاوة معذّبة إلى يوم الدّين.و الفرق بين الشّهيد و غيره من المؤمنين إنّما هو الرّزق فضّلهم اللّه بذلك،و قال تعالى في حقّ الكفّار: اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا المؤمن:46...

و قالوا يجوز أن يجمع اللّه من أجزاء الشّهيد جملة فيحييها و يوصل إليها النّعيم،و إن كانت في حجم الذّرّة.

و لم تتعرّض الآية الكريمة لرزق أرواح الشّهداء،و لا لمستقرّها،و إنّما جرى ذكر ذلك على سبيل الاستطراد اتّباعا للمفسّرين؛حيث تكلّموا في ذلك في هذه الآية، و إلاّ فمظنّة الكلام على ذلك في قول: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ حيث ذكر العنديّة و الرّزق.و ظاهر قوله: لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ العموم.

و قيل:نزلت في شهداء بدر كانوا أربعة عشر،و لا يخصّص هذا العموم بهذا السّبب،بل العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.و في هذه الآية تسلية لأقرباء الشّهداء و إخوانهم من المؤمنين،بذكر أنّهم أحياء فهم مغبوطون لا محزون عليهم.(1:448)

الشّربينيّ: [نقل كلام البيضاويّ و قال:]

و هذا ما عليه أكثر المفسّرين.و قال ابن عادل:

و يحتمل أنّ حياتهم بالجسد و إن لم تشاهد،و أيّد بأنّ حياة الرّوح ثابتة لجميع الأموات بالاتّفاق،فلو لم تكن حياة الشّهيد بالجسد لاستوى هو و غيره،و لم تكن له

ص: 711

مزيّة،انتهى.

و قد يردّ بأنّ الشّهداء فضّلوا على غيرهم بأنّهم يرزقون من مطاعهم الجنّة و مآكلها،و غيرهم من المؤمنين منعّمون بما دون ذلك.

و في الحديث:أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في أنهار الجنّة حيث شاءت،ثمّ تأوى إلى قناديل تحت العرش.[ثمّ نقل كلام الحسن و قال:]

و على هذا فتخصيص الشّهداء لاختصاصهم بالقرب من اللّه،و مزيد السّرور و الكرامة.و الأرواح جواهر قائمة بأنفسها تبقى بعد الموت درّاكة،كما عليه جمهور الصّحابة و التّابعين،و نطقت به الآيات و السّنن.

(1:105)

البروسويّ: وَ لا تَقُولُوا نزلت في شهداء بدر و كانوا أربعة عشر رجلا:ستّة من المهاجرين،و ثمانية من الأنصار،و كان النّاس يقولون لمن يقتل في سبيل اللّه:

مات فلان و ذهب عنه نعيم الدّنيا و لذّتها،فأنزل اللّه تعالى: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ القتل:نقض البنية الحيوانيّة، فِي سَبِيلِ اللّهِ و هو الجهاد؛لأنّه طريق إلى ثواب اللّه و رحمته. أَمْواتٌ أي هم أموات، بَلْ أَحْياءٌ أي كالأحياء في الحكم،لا ينقطع ثواب أعمالهم، لأنّهم قتلوا لنصرة دين اللّه،فما دام الدّين ظاهرا في الدّنيا و أحد يقاتل في سبيل اللّه،فلهم ثواب ذلك؛لأنّهم سنّوا هذه السّنّة، وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ كيف حالهم في حياتهم.و فيه رمز إلى أنّها ليست ممّا يشعر به بالمشاعر الظّاهرة من الحياة الجسمانيّة،و إنّما هي أمر روحانيّ لا يدرك بالعقل بل بالوحي.

و في الآية دلالة على أنّ الأرواح جواهر قائمة بأنفسها،مغايرة لما يحسّ به من البدن،تبقى بعد الموت درّاكة،و عليه الجمهور.

فإن قلت:الحياة الرّوحانيّة المستتبعة لإدراك اللّذّة و الألم مشتركة في الجميع،فما وجه تخصيص الشّهداء بها؟

قلت:لاختصاصهم بالقرب من اللّه تعالى،و مزيد البهجة و الكرامة،و من لم يبلغ منزلتهم لا تكون حياته معتدّا بها،فكأنّه ليس بحيّ.قال تعالى في حقّ أهل النّار:

لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى. [ثمّ بحث في حقيقة النّفس الإنسانيّة فلاحظ](1:258)

الآلوسيّ: بَلْ أَحْياءٌ أي بل هم أحياء،و الجملة معطوفة على لا تَقُولُوا إضراب عنه،و ليس من عطف المفرد على المفرد ليكون في حيّز القول،و يصير المعنى بل قولوا:أحياء،لأنّ المقصود إثبات الحياة لهم، لا أمرهم بأن يقولوا في شأنهم:إنّهم أحياء،و إن كان ذلك أيضا صحيحا وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ، أي لا تحسّون و لا تدركون ما حالهم بالمشاعر،لأنّها من أحوال البرزخ الّتي لا يطّلع عليها،و لا طريق للعلم بها إلاّ بالوحي.

و اختلف في هذه الحياة،فذهب كثير من السّلف:إلى أنّها حقيقيّة بالرّوح و الجسد،و لكنّا لا ندركها في هذه النّشأة،و استدلّوا بسياق قوله تعالى: عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ و بأنّ الحياة الرّوحانيّة الّتي ليست بالجسد ليست من خواصّهم،فلا يكون لهم امتياز بذلك على من عداهم.

و ذهب البعض:إلى أنّها روحانيّة،و كونهم يرزقون

ص: 712

لا ينافي ذلك،فقد روي عن الحسن:أنّ الشّهداء أحياء عند اللّه تعالى تعرض أرزاقهم على أرواحهم،فيصل إليهم الرّوح و الفرح كما تعرض النّار على أرواح آل فرعون غدوّا و عشيّا،فيصل إليهم الوجع.فوصول هذا الرّوح إلى الرّوح هو الرّزق،و الامتياز ليس بمجرّد الحياة،بل مع ما ينضمّ إليها من اختصاصهم بمزيد القرب من اللّه عزّ شأنه،و مزيد البهجة و الكرامة.

و ذهب البلخيّ إلى نفي الحياة بالفعل عنهم مطلقا، و أخرج الجملة الاسميّة-الدّالّة على الاستمرار المستوعب للأزمنة من وقت القتل إلى ما لا آخر له-عن ظاهرها و قال:معنى بَلْ أَحْياءٌ أنّهم يحيون يوم القيامة،فيجزون أحسن الجزاء،فالآية على حدّ: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار:13، 14،و فائدة الإخبار بذلك الرّدّ على المشركين؛حيث قالوا:إنّ أصحاب محمّد:يقتلون أنفسهم و يخرجون من الدّنيا بلا فائدة،و يضيّعون أعمارهم،فكأنّه قيل:ليس الأمر كما زعمتم بل يحيون و يخرجون.

و ذهب بعضهم إلى إثبات الحياة الحكميّة لهم بما نالوا من الذّكر الجميل و الثّناء الجليل،كما روي عن عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه:«هلك خزّان الأموال و العلماء باقون ما بقي الدّهر،أعيانهم مفقودة،و آثارهم في القلوب موجودة».

و حكي عن الأصمّ:أنّ المراد بالموت و الحياة الضّلال و الهدى،أي لا تقولوا:هم أموات في الدّين،ضالّون عن الصّراط المستقيم،بل هم أحياء بالطّاعة،قائمون بأعبائها.

و لا يخفى أنّ هذه الأقوال-ما عدا الأوّلين-في غاية الضّعف بل نهاية البطلان.و المشهور ترجيح القول الأوّل،و نسب إلى ابن عبّاس و قتادة و مجاهد و الحسن و عمرو بن عبيد و واصل بن عطاء و الجبّائىّ و الرّمّانيّ و جماعة من المفسّرين،لكنّهم اختلفوا في المراد بالجسد.

فقيل:هو هذا الجسد الّذي هدمت بنيته بالقتل،و لا يعجز اللّه تعالى أن يحلّ به حياة تكون سبب الحسّ و الإدراك،و إن كنّا نراه رمّة مطروحة على الأرض، لا يتصرّف،و لا يرى فيه شيء من علامات الإحياء.

فقد جاء في الحديث:«إنّ المؤمن يفسح له مدّ بصره، و يقال له:نم نومة العروس»مع أنّا لا نشاهد ذلك؛إذ البرزخ برزخ آخر بمعزل عن أذهاننا و إدراك قوانا.

و قيل:جسد آخر على صورة الطّير تتعلّق الرّوح فيه.و استدلّ بما أخرجه عبد الرّزّاق عن عبد اللّه بن كعب ابن مالك قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ أرواح الشّهداء في صور طير خضر معلّقة في قناديل الجنّة حتّى يرجعها اللّه تعالى يوم القيامة».

و لا يعارض هذا ما أخرجه مالك و أحمد و التّرمذيّ -و صحّحه-و النّسائيّ و ابن ماجه،عن كعب بن مالك:

إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«إنّ أرواح الشّهداء في أجواف طير خضر تعلّق من ثمر الجنّة-أو-شجر الجنّة»،و لا ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود مرفوعا:«إنّ أرواح الشّهداء عند اللّه في حواصل طيور خضر،تسرح في أنهار الجنّة حيث شاءت،ثمّ تأوي إلى قناديل تحت العرش»؛لأنّ كونها في الأجواف أو في الحواصل يجامع كونها في تلك الصّور؛إذ الرّائي لا يرى سواها.

ص: 713

و قيل:جسد آخر على صور أبدانهم في الدّنيا بحيث لو رأى الرّائي أحدهم لقال:رأيت فلانا-و إلى ذلك ذهب بعض الإماميّة-و استدلّوا بما أخرجه أبو جعفر مسندا إلى يونس بن ظبيان قال:«كنت عند أبي عبد اللّه جالسا فقال:ما تقول النّاس في أرواح المؤمنين؟قلت:

يقولون:في حواصل طير خضر في قناديل تحت العرش، فقال أبو عبد اللّه:سبحان اللّه!المؤمن أكرم على اللّه تعالى من أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر يؤنس المؤمن،إذا قبضه اللّه تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدّنيا،فيأكلون و يشربون،فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصّورة الّتي كانت في الدّنيا».

و وجه الاستدلال-إذا كان المراد بالمؤمنين الشّهداء -ظاهر.و أمّا إذا كان المراد بهم سائر من آمن فيعلم منه حال الشّهداء،و أنّ أرواحهم ليست في الحواصل بطريق الأولى.

و عندي أنّ الحياة في البرزخ ثابتة لكلّ من يموت من شهيد و غيره،و أنّ الأرواح-و إن كانت جواهر قائمة بأنفسها-مغايرة لما يحسّ به من البدن،لكن لا مانع من تعلّقها ببدن برزخيّ مغاير لهذا البدن الكثيف.

و ليس ذلك من التّناسخ الّذي ذهب إليه أهل الضّلال،و إنّما يكون منه لو لم تعد إلى جسم نفسها الّذي كانت فيه-و العود حاصل في النّشأة الجنانيّة-بل لو قلنا:

بعدم عودها إليه،و التزمنا العود إلى جسم مشابه لما كان في الدّنيا،مشتمل على الأجزاء النّطقيّة الأصليّة أو غير مشتمل،لا يلزم ذلك التّناسخ أيضا،لأنّهم قالوه على وجه نفوا به الحشر و المعاد،و أثبتوا فيه سرمديّة عالم الكون و الفساد.

و أنّ أرواح الشّهداء ثبت لها هذا التّعلّق على وجه يمتازون به عمّن عداهم:إمّا في أصل التّعلّق أو في نفس الحياة بناء على أنّها من المشكّك لا المتواطئ،أو في نفس المتعلّق به مع ما ينضمّ إلى ذلك من البهجة و السّرور و النّعيم اللاّئق بهم.

و الّذي يميل القلب إليه أنّ لهاتيك الأبدان شبها تامّا صوريّا بهذه الأبدان،و أنّ الموادّ مختلفة و الأجزاء متفاوتة؛إذ فرق بين العالمين،و شتّان ما بين البرزخين.

و يمكن حمل أحاديث الطّير على تشبيه هذه الأبدان الغضّة الطّريّة بسرعة حركتها و ذهابها حيث شاءت بالطّير الخضر،و تحمل الصّورة على الصّفة،كما حملت على ذلك في حديث:«خلق آدم على صورة الرّحمن».

و استبعاد أبي عبد اللّه رضي اللّه تعالى عنه ما تقدّم محمول على ما يفهمه العامّة من ظاهر اللّفظ،و لمزيد الإيضاح اللاّئق بعوامّ وقته عدل عنه إلى عبارة لا يتراءى منها شائبة استبعاد،كما يتراءى من ظاهر الحديث.حتّى أنّ بعض العلماء لذلك حملوا(في)فيه على (على)و هو إمّا تجاهل أو جهل بأنّ صغر المتعلّق أو ضيقه لو كان موجودا فيما نحن فيه لا يضرّ الرّوح شيئا،و لا ينافي نعيمها،أو ظنّ بأن لتلك الصّورة روحا غير روح الشّهيد،فلا يمكن أن تتعلّق بها روحان،و الأمر على خلاف ما يظنّون.

و إن شئت قلت بتمثّل الرّوح نفسها صورة،لأنّ الأرواح في غاية اللّطافة،و فيها قوّة التّجسّد،كما يشعر به ظهور الرّوح الأمين عليه السّلام بصورة دحية الكلبيّ رضي اللّه

ص: 714

تعالى عنه.

و أمّا القول بحياة هذا الجسد الرّميم مع هدم بنيته و تفرّق أجزائه و ذهاب هيئته-و إن لم يكن ذلك بعيدا عن قدرة من يبدأ الخلق ثمّ يعيده-لكن ليس إليه كثير حاجة،و لا فيه مزيد فضل،و لا عظيم منّة،بل ليس فيه سوى إيقاع ضعفة المؤمنين بالشّكوك و الأوهام، و تكليفهم من غير حاجة بالإيمان بما يعدّون قائله من سفهة الأحلام.

و ما يحكى من مشاهدة بعض الشّهداء الّذين قتلوا منذ مئات السّنين،و أنّهم إلى اليوم تشخب جروحهم دما إذا رفعت العصابة عنها،فذلك ممّا رواه-هيان بن بيان- و ما هو إلاّ حديث خرافة،و كلام يشهد على مصدّقيه تقديم السّخافة.

هذا،ثمّ إنّ نهي المؤمنين عن أن يقولوا في شأن الشّهداء:أموات،إمّا أن يكون دفعا لإيهام مساواتهم لغيرهم في ذلك البرزخ-و تلك خصوصيّة لهم و إن شاركهم في النّعيم-بل و زاد عليهم بعض عباد اللّه تعالى المقرّبين ممّن يقال في حقّهم ذلك،و إمّا أن يكون صيانة لهم عن النّطق بكلمة قالها أعداء الدّين و المنافقون في شأن أولئك الكرام،قاصدين بها أنّهم حرموا من النّعيم و لم يروه أبدا.

و ليس في الآية نهي عن نسبة الموت إليهم بالكلّيّة؛ بحيث إنّهم ما ذاقوه أصلا و لا طرفة عين،و إلاّ لقال تعالى: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ ماتوا،فحيث عدل عنه إلى ما ترى علم أنّهم امتازوا بعد أن قتلوا بحياة لائقة بهم،مانعة عن أن يقال في شأنهم:(اموات).

(2:20)

رشيد رضا :(بل)هم(احياء)في عالم غير عالمكم وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ بحياتهم؛إذ ليست في عالم الحسّ الّذي يدرك بالمشاعر.

ثمّ لا بدّ أن تكون هذه الحياة حياة خاصّة،غير الّتي يعتقدها جميع الملّيّين في جميع الموتى من بقاء أرواحهم بعد مفارقة أشباحهم،و لذلك ذهب بعض النّاس إلى أنّ حياة الشّهداء تتعلّق بهذه الاجساد-و إن فنيت أو احترقت أو أكلتها السّباع أو الحيتان-و قالوا:إنّها حياة لا نعرفها.و نحن نقول:مثلهم إنّنا لا نعرفها،و نزيد إنّنا لا نثبت ما لا نعرف.

و قال بعضهم:إنّها حياة يجعل اللّه بها الرّوح في جسم آخر يتمتّع به و يرزق،و رووا في هذا روايات منها الحديث الّذي أشار إليه المفسّر«الجلال»و هو:«إنّ أرواح الشّهداء عند اللّه في حواصل طيور خضر تسرح في الجنّة».

و قيل:إنّها حياة الذّكر الحسن و الثّناء بعد الموت.

و قيل:إنّ المراد بالموت و الحياة:الضّلال و الهدى.روي هذا عن الأصمّ،أي لا تقولوا:إنّ باذل روحه في سبيل اللّه ضالّ بل هو مهتد.و قيل:إنّها حياة روحانيّة محضة.

و قيل:إنّ المراد أنّهم سيحيون في الآخرة،و أنّ الموت ليس عدما محضا،كما يزعم بعض المشركين،فالآية عند هؤلاء على حدّ: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار:13،14،أي أنّ مصيرهم إلى ذلك.

قال الأستاذ الإمام بعد ذكر الخلاف:و قال بعض العلماء الباحثين في الرّوح:إنّ الرّوح إنّما تقوم بجسم

ص: 715

لطيف«أثيريّ»في صورة هذا الجسم المركّب الّذي يكون عليه الإنسان في الدّنيا،و بواسطة ذلك الجسم الأثيريّ تجول الرّوح في هذا الجسم المادّيّ،فإذا مات المرء و خرجت روحه فإنّما تخرج بالجسم الأثيريّ، و تبقى معه و هو جسم لا يتغيّر و لا يتبدّل و لا يتحلّل.

و أمّا هذا الجسم المحسوس فإنّه يتحلّل و يتبدّل في كلّ بضع سنين.قال:و يقرب هذا القول من مذهب المالكيّة، فقد روي عن مالك رحمه اللّه تعالى أنّه قال:«إنّ الرّوح صورة كالجسد»أي لها صورة و ما الصّورة إلاّ عرض، و جوهر هذا العرض هو الّذي سمّاه العلماء بالأثير.

و إذا كان من خواصّ الأثير النّفوذ في الأجسام اللّطيفة و الكثيفة-كما يقولون-حتّى أنّه هو الّذي ينقل النّور من الشّمس إلى طبقة الهواء،فلا مانع أن تتعلّق به الرّوح المطلقة في الآخرة،ثمّ هو يحلّ بها جسما آخر تنعم به و ترزق،سواء كان جسم طير أو غيره.و قد قال تعالى في آية أخرى: أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ و هذا القول يقرّب معنى الآية من العلم.

و المعتمد عند الأستاذ الإمام في هذه الحياة هو أنّها حياة غيبيّة تمتاز بها أرواح الشّهداء على سائر أرواح النّاس،بها يرزقون و ينعّمون،و لكنّنا لا نعرف حقيقتها و لا حقيقة الرّزق الّذي يكون بها،و لا نبحث عن ذلك، لأنّه من عالم الغيب الّذي نؤمن به و نفوّض الأمر فيه إلى اللّه تعالى.

ذكر اللّه تعالى فضل الشّهادة الّتي استهدف لها المؤمنون في سبيل الدّعوة إلى الحقّ و الدّفاع عنه.

(2:38)

سيّد قطب: وَ لا تَقُولُوا... إنّ هنالك قتلى سيخرّون شهداء في معركة الحقّ،شهداء في سبيل اللّه، قتلى أعزّاء أحبّاء،قتلى كراما أزكياء-فالّذين يخرجون في سبيل اللّه،و الّذين يضحّون بأرواحهم في معركة الحقّ، هم عادة أكرم القلوب و أزكى الأرواح و أطهر النّفوس- هؤلاء الّذين يقتلون في سبيل اللّه ليسوا أمواتا،إنّهم أحياء.فلا يجوز أن يقال عنهم:أموات،لا يجوز أن يعتبروا أمواتا في الحسّ و الشّعور.و لا أن يقال عنهم:

أموات بالشّفة و اللّسان،إنّهم أحياء بشهادة اللّه سبحانه، فهم لا بدّ أحياء.

إنّهم قتلوا في ظاهر الأمر،و حسبما ترى العين.و لكن حقيقة الموت و حقيقة الحياة لا تقرّرهما هذه النّظرة السّطحيّة الظّاهرة،إنّ سمة الحياة الأولى هي الفاعليّة و النّموّ و الامتداد،و سمة الموت الأولى هي السّلبيّة و الخمود و الانقطاع،و هؤلاء الّذين يقتلون في سبيل اللّه فاعليّتهم في نصرة الحقّ الّذي قتلوا من أجله فاعليّة مؤثّرة،و الفكرة الّتي من أجلها قتلوا ترتوي بدمائهم و تمتدّ،و تأثّر الباقين وراءهم باستشهادهم يقوّى و يمتدّ، فهم ما يزالون عنصرا فعّالا دافعا مؤثّرا في تكييف الحياة و توجيهها.و هذه هي صفة الحياة الأولى،فهم أحياء أوّلا بهذا الاعتبار الواقعيّ في دنيا النّاس.

ثمّ هم أحياء عند ربّهم،إمّا بهذا الاعتبار،و إمّا باعتبار آخر لا ندري نحن كنهه،و حسبنا إخبار اللّه تعالى به: أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ، لأنّ كنه هذه الحياة فوق إدراكنا البشريّ القاصر المحدود،و لكنّهم أحياء.

أحياء،و من ثمّ لا يغسّلون كما يغسّل الموتى،

ص: 716

و يكفّنون في ثيابهم الّتي استشهدوا فيها،فالغسل تطهير للجسد الميّت،و هم أطهار بما فيهم من حياة،و ثيابهم في الأرض ثيابهم في القبر،لأنّهم بعد أحياء.

أحياء،فلا يشقّ قتلهم على الأهل و الأحبّاء و الأصدقاء.أحياء يشاركون في حياة الأهل و الأحبّاء و الأصدقاء،أحياء،فلا يصعب فراقهم على القلوب الباقية خلفهم،و لا يتعاظمها الأمر،و لا يهولنّها عظم الفداء.

ثمّ هم بعد كونهم أحياء مكرّمون عند اللّه،مأجورون أكرم الأجر و أوفاه.(1:143)

ابن عاشور :و بَلْ للإضراب الإبطاليّ،إبطالا لمضمون المنهيّ عن قوله،و التّقدير:بل هم أحياء،و ليس المعنى بل قولوا:هم أحياء،لأنّ المراد إخبار المخاطبين هذا الخبر العظيم،فقوله:(احياء)هو خبر مبتدإ محذوف،و هو كلام مستأنف بعد(بل)الإضرابيّة.

و إنّما قال: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ للإشارة إلى أنّها حياة غير جسميّة و لا مادّيّة بل حياة روحيّة،لكنّها زائدة على مطلق حياة الأرواح،فإنّ للأرواح كلّها حياة و هي عدم الاضمحلال و قبول التّجسّد في الحشر،مع إحساس ما بكونها آئلة إلى نعيم أو جحيم.و أمّا حياة الّذين قتلوا في سبيل اللّه فهي حياة مشتملة على إدراكات التّنعّم بلذّات الجنّة،و العوالم العلويّة، و الانكشافات الكاملة،و لذلك ورد في الحديث:«إنّ أرواح الشّهداء تجعل في حواصل طيور خضر،ترعى من ثمر الجنّة و تشرب من مائها».

و الحكمة في ذلك أنّ اتّصال اللّذّات بالأرواح متوقّف على توسّط الحواسّ الجسمانيّة،فلمّا انفصلت الرّوح عن الجسد عوّضت جسدا مناسبا للجنّة،ليكون وسيلة لنعيمها.(2:52)

مغنيّة:و نظير هذه الآية وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ...

آل عمران:169.و معلوم أنّ كلّ من يفارق هذه الحياة يرجع إلى ربّه لا محالة،صالحا كان أو طالحا،شهيدا أو غير شهيد،سوى أنّ الصّالح ينتقل من حياة أدنى إلى حياة أعلى،و الطّالح بالعكس.

و خصّ الشّهيد بالذّكر إمّا للتّنبيه على مكانته عند اللّه ترغيبا في الاستشهاد،و إمّا لما نقل عن ابن عبّاس من أنّ الآية نزلت فيمن قتلوا يوم بدر،و هم 14 (1)من المهاجرين،و 8،من الأنصار،فقيل:مات فلان و فلان فنزلت الآية: وَ لا تَقُولُوا إلخ-و هذا غير بعيد،لأنّ «لا تقولوا اموات»تشعر بذلك.

و مهما يكن،فإنّ الّذي يجب أن نؤمن به هو أنّ من استشهد دفاعا عن الإسلام أو عن أيّ شيء ينطبق عليه الحقّ و العدل و الإنسانيّة،فإنّه ينتقل من عالم الشّهادة إلى عالم الغيب،و يحيا هناك حياة طيّبة،و أنّه يمتاز عند اللّه عمّن مات حتف أنفه.قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

«و الّذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسّيف أهون عليّ من ميتة على فراش».

أمّا حقيقة حياة الشّهيد بعد الموت،و ما هو الرّزق الّذي يتنعّم به فأمر لا نعرفه،و لا نبحث عنه،لأنّنا غير مكلّفين بمعرفته.(1:241)ا.

ص: 717


1- هكذا،و في كتب السّيرة و التّفاسير ستّة من المهاجرين و ثمانية من الأنصار،فكلّهم 14 رجلا.

الطّباطبائيّ: ربّما يقال:إنّ الخطاب مع المؤمنين الّذين آمنوا باللّه و رسوله و اليوم الآخر و أذعنوا بالحياة الآخرة،و لا يتصوّر منهم القول ببطلان الإنسان بالموت، بعد ما أجابوا دعوة الحقّ،و سمعوا شيئا كثيرا من الآيات النّاطقة بالمعاد،مضافا إلى أنّ الآية إنّما تثبت الحياة بعد الموت في جماعة مخصوصين،و هم الشّهداء المقتولون في سبيل اللّه،في مقابل غيرهم من المؤمنين و جميع الكفّار، مع أنّ حكم الحياة بعد الموت عامّ شامل للجميع،فالمراد بالحياة:بقاء الاسم،و الذّكر الجميل على مرّ الدّهور، و بذلك فسّره جمع من المفسّرين.

و يردّه أوّلا:أنّ كون هذه حياة إنّما هو في الوهم فقط دون الخارج،فهي حياة تخيّليّة ليس لها في الحقيقة إلاّ الاسم،و مثل هذا الموضوع الوهميّ لا يليق بكلامه،و هو تعالى يدعوا إلى الحقّ،و يقول: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ يونس:32،و أمّا الّذي سأله إبراهيم في قوله:

وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ الشّعراء:84، فإنّما يريد به بقاء دعوته الحقّة،و لسانه الصّادق بعده، لا حسن ثنائه و جميل ذكره بعده فحسب.

نعم هذا القول الباطل،و الوهم الكاذب إنّما يليق بحال المادّيّين،و أصحاب الطّبيعة،فإنّهم اعتقدوا:مادّيّة النّفوس و بطلانها بالموت،و نفوا الحياة الآخرة،ثمّ أحسّوا باحتياج الإنسان بالفطرة إلى القول ببقاء النّفوس و تأثّرها بالسّعادة و الشّقاء،بعد موتها في معالي أمور، لا تخلو في الارتقاء إليها من التّفدية و التّضحية،لا سيّما في عظائم العزائم الّتي يموت و يقتل فيها أقوام ليحيا و يعيش آخرون،و لو كان كلّ من مات فقد فات لم يكن داع للإنسان-و خاصّة إذا اعتقد بالموت و الفوات-أن يبطل ذاته ليبقى ذات آخرين،و لا باعث له أن يحرّم على نفسه لذّة الاستمتاع من جميع ما يقدر عليه بالجور ليتمتّع آخرون بالعدل،فالعاقل لا يعطي شيئا إلاّ و يأخذ بدله.

و أمّا الإعطاء من غير بدل،و التّرك من غير أخذ، كالموت في سبيل حياة الغير،و الحرمان في طريق تمتّع الغير فالفطرة الانسانيّة تأباه.

فلمّا استشعروا بذلك دعاهم جبر هذا النّقص إلى وضع هذه الأوهام الكاذبة،الّتي ليس لها موطن الاّ عرصة الخيال و حظيرة الوهم.قالوا:إنّ الإنسان الحرّ من رقّ الأوهام و الخرافات يجب عليه أن يفدي بنفسه وطنه،أو كلّ ما فيه شرفه،لينال الحياة الدّائمة بحسن الذّكر و جميل الثّناء،و يجب عليه أن يحرّم على نفسه بعض تمتّعاته في الاجتماع ليناله الآخرون،ليستقيم أمر الاجتماع و الحضارة،و يتمّ العدل الاجتماعيّ،فينال بذلك حياة الشّرف و العلاء.

و ليت شعري إذا لم يكن إنسان،و بطل هذا التّركيب المادّيّ،و بطل بذلك جميع خواصّه،و من جملتها الحياة و الشّعور،فمن هو الّذي ينال هذه الحياة و هذا الشّرف؟ و من الّذي يدركه و يلتذّ به؟فهل هذا إلاّ خرافة؟

و ثانيا:أنّ ذيل الآية،و هو قوله تعالى: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ لا يناسب هذا المعنى،بل كان المناسب له أن يقال:بل أحياء ببقاء ذكرهم الجميل،و ثناء النّاس عليهم بعدهم،لأنّه المناسب لمقام التّسلية و تطييب النّفس.

و ثالثا:أنّ نظيرة هذه الآية-و هي تفسّرها-وصف حياتهم بعد القتل بما ينافي هذا المعنى،قال تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً... إلى آخر الآيات و معلوم أنّ هذه الحياة حياة خارجيّة حقيقيّه ليست بتقديريّة.

ص: 718

و ثالثا:أنّ نظيرة هذه الآية-و هي تفسّرها-وصف حياتهم بعد القتل بما ينافي هذا المعنى،قال تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً... إلى آخر الآيات و معلوم أنّ هذه الحياة حياة خارجيّة حقيقيّه ليست بتقديريّة.

و رابعا:أنّ الجهل بهذه الحياة الّتي بعد الموت ليس بكلّ البعيد من بعض المسلمين في أواسط عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّ الّذي هو نصّ غير قابل للتّأويل إنّما هو البعث للقيامة،و أمّا ما بين الموت إلى الحشر-و هي الحياة البرزخيّة-فهي و إن كانت من جملة ما بيّنة القرآن من المعارف الحقّة،لكنّها ليست من ضروريّات القرآن، و المسلمون غير مجمعين عليه،بل ينكره بعضهم حتّى اليوم من يعتقد كون النّفس غير مجرّدة عن المادّة،و أنّ الإنسان يبطل وجوده بالموت و انحلال التّركيب،ثمّ يبعثه اللّه إلى القضاء يوم القيامة،فيمكن أن يكون المراد بيان حياة الشّهداء في البرزخ،لمكان جهل بعض المؤمنين بذلك،و إن علم به آخرون.

و بالجملة المراد بالحياة في الآية:الحياة الحقيقيّة دون التّقديريّة،و قد عدّ اللّه سبحانه حياة الكافر بعد موته هلاكا و بوارا في مواضع من كلامه،كقوله تعالى:

وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ إبراهيم:28،إلى غير ذلك من الآيات،فالحياة حياة السّعادة،و الأحياء بهذه الحياة المؤمنون خاصّة،كما قال: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت:64.و إنّما لم يعلموا؛لأنّ حواسّهم مقصورة على إدراك خواصّ الحياة في المادّة الدّنيويّة،و أمّا ما وراءها فإذا لم يدركوه لم يفرّقوا بينه و بين الفناء فتوهّموه فناء،و ما توهّمه الوهم مشترك بين المؤمن و الكافر في الدّنيا،فلذلك قال في هذه الآية:

بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ أي بحواسّكم،كما قال في الآية الاخرى: لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أي باليقين،كما قال تعالى: كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ التّكاثر:5،6.

فمعنى الآية-و اللّه أعلم-و لا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه:أموات،و لا تعتقدوا فيهم الفناء و البطلان كما يفيده لفظ الموت عندكم،و مقابلته مع الحياة،و كما يعين على هذا القول حواسّكم،فليسوا بأموات بمعنى البطلان، بل أحياء و لكن حواسّكم لا تنال ذلك و لا تشعر به، و إلقاء هذا القول على المؤمنين-مع أنّهم جميعا أو أكثر هم عالمون ببقاء حياة الإنسان بعد الموت،و عدم بطلان ذاته-إنّما هو لإيقاظهم و تنبيههم بما هو معلوم عندهم، يرتفع بالالتفات إليه الحرج عن صدورهم،و الاضطراب و القلق عن قلوبهم إذا أصابتهم مصيبة القتل،فإنّه لا يبقى مع ذلك من آثار القتل عند أولياء القتيل إلاّ مفارقة في أيّام قلائل في الدّنيا،و هو هيّن في قبال مرضاة اللّه سبحانه،و ما ناله القتيل من الحياة الطّيّبة،و النّعمة المقيمة،و رضوان من اللّه أكبر،و هذا نظير خطاب النّبيّ بمثل قوله تعالى: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ البقرة:147،مع أنه صلّى اللّه عليه و آله أوّل الموقنين بآيات ربّه،و لكنّه كلام كنّي به عن وضوح المطلب، و ظهوره؛بحيث لا يقبل أيّ خطور نفسانيّ لخلافه.

نشأة البرزخ

فالآية تدلّ دلالة واضحة على حياة الإنسان البرزخيّة،كالآية النّظيرة لها و هي قوله: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا... و الآيات في ذلك كثيرة.

ص: 719

و من أعجب الأمر ما ذكره بعض النّاس في الآية:

أنّها نزلت في شهداء بدر،فهي مخصوصة بهم فقط، لا تتعدّاهم إلى غيرهم هذا،و لقد أحسن بعض المحقّقين:

من المفسّرين في تفسير قوله: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ البقرة:45؛إذ سأل اللّه تعالى الصّبر على تحمّل أمثال هذه الأقاويل.

و ليت شعري ما ذا يقصده هؤلاء بقولهم هذا؟و على أيّ صفة يتصوّرون حياة شهداء بدر بعد قتلهم مع قولهم:بانعدام الإنسان بعد الموت و القتل،و انحلال تركيبه و بطلانه؟أ هو على سبيل الإعجاز:باختصاصهم من اللّه بكرامة لم يكرم بها النّبيّ الأكرم و سائر الأنبياء و المرسلين و الأولياء المقرّبين؛إذ خصّهم اللّه ببقاء وجودهم بعد الانعدام،فليس ذلك بإعجاز بل إيجاد محال ضروريّ الاستحالة،و لا إعجاز في محال،و لو جاز عند العقل إبطال هذا الحكم على بداهتها لم يستقم حكم ضروريّ فما دونه؟أم هو على نحو الاستثناء في حكم الحسّ بأن يكون الحسّ مخطئا في أمر هؤلاء الشّهداء؟ فهم أحياء يرزقون بالأكل و الشّرب و سائر التّمتّعات- و هم غائبون عن الحسّ-و ما قاله الحسّ من أمرهم بالقتل و قطع الأعضاء و سقوط الحسّ و انحلال التّركيب، فقد أخطأ في ذلك من رأس،فلو جاز على الحسّ أمثال هذه الأغلاط فيصيب في شيء،و يغلط في آخر من غير مخصّص،بطل الوثوق به على الإطلاق،و لو كان المخصّص هو الإرادة الإلهيّة احتاج تعلّقها إلى مخصّص آخر.و الإشكال-و هو عدم الوثوق بالإدراك-على حاله،فكان من الجائز أن نجد ما ليس بواقع واقعا، و الواقع ليس بواقع،و كيف يرضى عاقل أن يتفوّه بمثل ذلك؟و هل هو إلاّ سفسطة؟

و قد سلك هؤلاء في قولهم هذا مسلك العامّة من المحدّثين،حيث يرون أنّ الأمور الغائبة عن حواسّنا ممّا يدلّ عليه الظّواهر الدّينيّة من الكتاب و السّنّة،كالملائكة و أرواح المؤمنين و سائر ما هو من هذا القبيل موجودات مادّيّة طبيعيّة،و أجسام لطيفة تقبل الحلول و النّفوذ في الأجسام الكثيفة،على صورة الإنسان و نحوه،يفعل جميع الأفعال الإنسانيّة مثلا،و لها أمثال القوى الّتي لنا،غير أنّها ليست محكومة بأحكام الطّبيعة:من التّغيّر و التّبدّل و التّركيب و انحلاله،و الحياة و الموت الطّبيعيّتين،فإذا شاء اللّه تعالى ظهورها ظهرت لحواسّنا،و إذا لم يشأ أو شاء أن لا تظهر لم تظهر،مشيئة خالصة من غير مخصّص في ناحية الحواسّ،أو تلك الأشياء.

و هذا القول منهم مبنيّ على إنكار العلّيّة و المعلوليّة بين الأشياء،و لو صحّت هذه الأمنيّة الكاذبة بطلت جميع الحقائق العقليّة،و الأحكام العلميّة،فضلا عن المعارف الدّينيّة،و لم تصل النّوبة إلى أجسامهم اللّطيفة المكرّمة الّتي لا تصل إليها يد التّأثير و التّأثّر المادّيّ الطّبيعيّ،و هو ظاهر.

فقد تبيّن بما مرّ أنّ الآية دالّة على الحياة البرزخيّة، و هي المسمّاة بعالم القبر،عالم متوسّط بين الموت و القيامة ينعّم فيه الميّت أو يعذّب حتّى تقوم القيامة.

و من الآيات الدّالّة عليه-و هي نظيرة لهذه الآية الشّريفة-قوله تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ

ص: 720

بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ آل عمران:169-171،و قد مرّ تقريب دلالة الآية على المطلوب،و لو تدبّر القائل باختصاص هذه الآيات بشهداء بدر في متن الآيات،لوجد أنّ سياقها يفيد اشتراك سائر المؤمنين معهم في الحياة، و التّنعّم بعد الموت.

و من الآيات قوله تعالى: حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ المؤمنون:99،100،و الآية ظاهرة الدّلالة على أنّ هناك حياة متوسّطة بين حياتهم الدّنيويّة و حياتهم بعد البعث،و سيجيء تمام الكلام في الآية إنشاء اللّه تعالى.

و من الآيات قوله تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً* يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ و من المعلوم أنّ المراد به أوّل ما يرونهم و هو يوم الموت،كما تدلّ عليه آيات أخر لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً* وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً* أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً* وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ -و هو يوم القيامة - وَ نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً* اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَ كانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً الفرقان:21-26،و دلالتها ظاهرة.

و سيأتي تفصيل القول فيها في محلّة إنشاء اللّه تعالى.

و من الآيات قوله تعالى: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ المؤمن:11،هاهنا إلى يوم البعث-و هو يوم قولهم هذا-إماتتان و إحياءان،و لن يستقم المعنى إلاّ بإثبات البرزخ،فيكون إماتة و إحياء في البرزخ و إحياء في يوم القيامة،و لو كان أحد الإحياءين في الدّنيا و الآخر في الآخرة لم يكن هناك إلاّ إماتة واحدة من غير ثانية.

و قد مرّ كلام يتعلّق بالمقام في قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ البقرة:28، فارجع.

و من الآيات قوله تعالى: وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ* اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:45، 46؛إذ من المعلوم أنّ يوم القيامة لا بكرة فيه و لا عشيّ، فهو يوم غير اليوم.

و الآيات الّتي تستفاد منها هذه الحقيقة القرآنيّة،أو تومئ إليها كثيرة،كقوله تعالى: تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ النّحل:63،إلى غير ذلك.[لاحظ بحث تجرّد النّفس(1:350)،و البحث الرّوائيّ(1:

362)](1:345)

مكارم الشّيرازيّ: تقول الآية: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ ثمّ تؤكّد هذا المفهوم ثانية بالاستدراك: بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ.

في كلّ حركة-أساسا-تنزوي مجموعة محبّة

ص: 721

للعافية،و تبتعد عن الأمّة الثّائرة،و لا تكتفي هي بالتّقاعس و التّكاسل،بل تسعى إلى تثبيط عزائم الآخرين،و بثّ الرّخوة و التّماهل في المجتمع.ما أن تظهر حادثة مؤلمة حتّى يعربون عن أسفهم،و ينقمون على الحركة الّتي أدّت إلى هذه الحادثة،غافلين أنّ كلّ هدف مقدّس يحتاج إلى تضحيات،و تلك سنّة كونيّة.

القرآن الكريم يتحدّث عن مثل هذه الفئة كرارا و يؤنّبهم بشدّة.ثمّة أفراد من هؤلاء كانوا يتظاهرون بالتّأسّف و التّألّم على موت شهيد من شهداء الإسلام في المعركة،و يبعثون بذلك القلق و الاضطراب في النّفوس.

و اللّه سبحانه يردّ على هذه الأقاويل السّامّة بالكشف عن حقيقة كبرى هي إنّ الّذين يضحّون بأنفسهم في سبيل اللّه ليسوا بأموات.هؤلاء أحياء، و يتمتّعون بنعم اللّه و رضوانه،لكن البشر المحدودين في عالم الحسّ لا يدركون هذه الحقائق.

بحوث
1-خلود الشّهداء

للمفسّرين آراء مختلفة في معنى حياة الشّهداء و خلودهم.ظاهر الآية يشير دون شكّ إلى أنّهم يتمتّعون بنوع من الحياة البرزخيّة الرّوحيّة،لأنّ أجسامهم قد تلاشت،فهم يعيشون تلك الحياة بجسم مثاليّ،كما يقول الإمام الصّادق عليه السّلام.

من المفسّرين من قال:إنّها«حياة غيبيّة»خاصّة بالشّهداء،لا تتوفّر لدينا تفاصيلها و خصائصها.

و قيل:إنّ الحياة المذكورة في الآية تعني الهداية، و الموت يعني الضّلال،فتكون الآية قد نهت عن وصف الشّهداء بالضّلالة،بل هم مهتدون.و قيل:إنّ الشّهداء أحياء،لأنّ هدفهم حيّ و رسالتهم حيّة.

لكن التّفسير الأوّل للحياة أقرب إلى ظاهر الآية، و لا حاجة لأن نتكلّف التّفسيرين التّاليين.فهم يحيون حياة برزخيّة روحانيّة،يتنعّمون فيها بالقرب من رحمة اللّه و بأنواع نعمه.

2-الشّهادة سعادة في الإسلام

قرّر الإسلام مسألة الشّهادة و بيّن منزلتها العظيمة، في الآية أعلاه و آيات أخرى،لتكون عاملا فعّالا هامّا على ساحة المواجهة بين الحقّ و الباطل.و هذا العامل أمضى من أيّ سلاح و أقوى من كلّ المؤثّرات،و هو قادر على أن يجابه أخطر الأسلحة و أفتكها في عصرنا الرّاهن، و تجربة الثّورة الإسلاميّة في إيران أثبتت ذلك بوضوح.

و قد شاهدنا بأمّ أعيننا انتصار المندفعين نحو الشّهادة- بالرّغم من ضعف إمكاناتهم المادّيّة-على أعتى القوى المتجبّرة.

و لو ألقينا نظرة على تاريخ الإسلام،و الملاحم الّتي سطّرها المسلمون في جهادهم الدّاميّ،و التّضحيات الّتي قدّمها المجاهدون على طريق الرّسالة،لألفينا أنّ الدّافع الأساس لكلّ هذه التّضحيات هو درس الشّهادة الّذي لقّنه الإسلام لأبنائه،و بموجبه آمنوا أنّ الشّهادة على طريق اللّه،و طريق الحقّ و العدالة،لا تعني الفناء،بل السّعادة و الحياة الخالدة.

المقاتلون الّذين تلقّوا مثل هذا الدّرس في مثل هذه المدرسة الكبرى،لا يقاسون بالمقاتلين العاديّين الّذين

ص: 722

يحاربون لصيانة أرواحهم.أولئك يحاربون من أجل الرّسالة،و يندفعون بشوق عظيم نحو كسب و سام الشّهادة.

3-الحياة البرزخيّة و بقاء الرّوح

هذه الآية تثبت بوضوح بقاء الرّوح و الحياة البرزخيّة للبشر-الحياة بعد الموت و قبل البعث-،و تردّ بصراحة على أولئك الّذين ينكرون تعرّض القرآن للحياة البرزخيّة و بقاء الرّوح.

سنفصّل الحديث في هذا الموضوع،و في موضوع خلود الشّهداء و منزلتهم العظيمة،في المجلّد الثّاني من هذا التّفسير عند تناولنا الآية:169،من سورة آل عمران.

(1:383)

فضل اللّه :الشّهادة امتداد للحياة

وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ من خلال الصّورة الظّاهريّة الّتي تتطلّع إلى الجانب المادّيّ في الجسد من حيث دوران الحياة مدار حركته و حيويّته، فإذا فقدهما فقد الحياة،فإنّ ذلك شأن المادّيّين الّذين لا يتصوّرون وجود حياة خارج نطاق هذا العالم في غيب اللّه،الّذي أكّد في كتابه أنّ الإنسان لا يموت موتا أبديّا عند ما تنطفئ الحياة في الجسد،و لكنّه يحيا بعد ذلك ليعيش حياة جديدة في عالم الآخرة الّذي يقوم النّاس فيه لربّ العالمين،لينالوا جزاء أعمالهم من خير أو شرّ.أمّا المؤمنون الّذين يؤمنون بالغيب و بالآخرة،فإنّهم يواجهون الموت و في وجدانهم التّطلّع إلى ما بعده من الحياة،و لذلك فلا ينبغي لهم أن يطلقوا كلمة«الأموات» على الشّهداء الّذين يقتلون في سبيل اللّه،بما يوحي بالفناء المطلق،و يؤدّي إلى الإحساس بالمرارة في شعور المجاهدين أو أهلهم و إخوانهم، بَلْ أَحْياءٌ تضجّ الحياة في وجودهم الجديد في عالم الغيب الّذي لا يعلمه إلاّ اللّه، لأنّه غريب عن عالم الشّعور.و لذلك فإنّكم لا تملكون القدرة على إثباته من ناحية التّجربة الّذي لا يعلمه إلاّ اللّه، لأنّه غريب عن عالم الشّعور.و لذلك فإنّكم لا تملكون القدرة عل إثباته من ناحية التّجربة الذّاتيّة؛لافتقادكم وسائل الإحساس بهذا النّوع من الحياة، وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ من خلال هذا العالم الّذي ينطلق فيه الشّعور من موقع الحسّ،لا من موقع الغيب في علم اللّه.

و قد تكون هذه الآية واردة في نطاق تفريغ النّفس من المشاعر الإنسانيّة السّاذجة بالوحشة القادسية،أمام حالة الموت الّتي تمثّل فقدان الحياة،ممّا يؤدّي إلى الموقف السّلبيّ إزاء الدّعوة إلى الجهاد في سبيل اللّه،في مجالات الصّراع مع الكفر و الطّغيان و الانحراف،لأنّ النّفوس مجبولة على حبّ الحياة و الامتداد فيها و الرّغبة في كلّ ما يتّصل بها،و البعد عن كلّ ما يسبّب فقدانها.

و هكذا كانت هذه الآية للإيحاء بامتداد الحياة للشّهداء الّذين يقتلون في سبيل اللّه،و لكنّها تتحرّك في أجواء غير الأجواء الّتي يعيشها النّاس في هذه الحياة، و لذلك فإنّهم لا يشعرون بها و لا يتحسّسونها؛لأنّ الإنسان لا يملك الوسائل الحسّيّة الّتي يمكنه من خلالها أن يدرك طبيعة الحياة الأخرى.و تلتقي هذه الآية بسياق آيات أخرى واردة في موردها،و هي قوله تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ... آل عمران:169.

فقد نلاحظ أنّ الاتّجاه في هذه الآيات هو إثارة الرّغبة في الجهاد في سبيل اللّه،و ذلك من خلال إثارة الإحساس بامتداد الحياة في السّير في هذا الطّريق بشكل

ص: 723

أفضل و أوسع ممّا في هذه الحياة الدّنيا.و قد يلاحظ الاختلاف بين آية سورة البقرة و بين آية سورة آل عمران،من حيث التّركيز هناك على أصل المبدإ و هو الحياة هنا،بينما كان التّركيز هناك على طبيعة الحياة عند اللّه،و ما فيها من نعيم و فرح و فضل و استبشار.و ربّما كان السّبب في ذلك أنّ الآية هنا واردة في سياق الآيات الّتي تدعو إلى التّماسك و الصّبر،ممّا يقتضي مواجهة الحالة النّفسيّة الّتي ينقلها الشّعور بالموت،بالحالة الّتي تنفتح أمامها نوافذ الحياة،تماما كما هي القضيّة في تبديل صورة قائمة بصورة مضيئة،من دون حاجة إلى الدّخول في التّفاصيل،لأنّ الموضوع الّذي يلحّ على النّفس هو قضيّة الظّلمة و الضّياء...

أمّا الآية الأخرى،فقد انطلقت في سياق آيات الجهاد الّتي كانت تواجه المنافقين الّذين كانوا يثيرون نوازع القلق و الحيرة و الخوف في نفوس المؤمنين المندفعين إلى الجهاد،و يحشدون أمامهم صورة القاعدين الّذين يستمتعون بالحياة في مواجهة صورة المجاهدين، الّذين استسلموا لظلام العدم و وحشته عند ما اندفعوا للموت و القتال،فكانت المناسبة أن يفيض القرآن الحديث حول تفاصيل الحياة الّتي تنتظر المجاهدين لدى اللّه.

ما معنى الحياة للشّهداء؟

و قد حاول بعض المفسّرين أن يدخل في تفاصيل هذه الحياة،و قد برز في هذا المجال اتّجاهان:

الاتّجاه الأوّل:الذّكر الجميل:

باعتبار أنّه يمثّل امتداد الحياة في الدّنيا في وعي النّاس و تفكيرهم،على الطّريقة الّتي يفكّر بها بعض الشّعراء،حيث يقول:

دقات قلب المرء قائلة له

إنّ الحياة دقائق و ثواني

فاحفظ لنفسك بعد موتك

ذكرها فالذّكر للإنسان عمر ثاني

و يفلسفون هذا الرّأي بأنّ الخطاب في هذه الآية للمؤمنين الّذين يعتقدون بالحياة الآخرة،فلا معنى لإثارة ذلك في وجدانهم في أسلوب الرّدّ على فكرة انتهاء الحياة بالموت،لأنّ ذلك لا يتناسب مع حقيقة الإيمان.

و يضيفون إلى ذلك أنّ الآية مختصّة بالشّهداء مع أنّ الحياة في الآخرة حقيقة شاملة للجميع،فلا بدّ من أن تكون الحياة متناسبة مع طبيعة الإيمان و موضوع الاختصاص،و ليس هناك إلاّ الذّكر الجميل الخالد على مرّ العصور و الأزمان.

الاتّجاه الثّاني:الحياة البرزخيّة:

و هناك فريق آخر يراها إشارة إلى الحياة البرزخيّة، و هي ما بين الموت و الحشر،لأنّها ممّا يمكن أن يغفل عنها المسلمون؛لأنّها ليست من ضروريّات الدّين،كأصل عقيدة البعث في الحياة الأخرى،فهناك من ينكرها من المسلمين حتّى اليوم،ممّن يعتقد كون النّفس غير مجرّدة عن المادّة،و أنّ الإنسان يبطل وجوده بالموت و انحلال التّركيب،ثمّ يبعثه اللّه إلى القضاء يوم القيامة.

مناقشة الاتّجاهين

و لكنّنا نرى أنّ الآية ليست في سياق التّركيز على طبيعة الحياة لننطلق في الاتّجاه الّذي ذهب إليه هؤلاء

ص: 724

المفسّرون،بل هي واردة في سياق تفريغ النّفس من الشّعور بالوحشة القاتلة أمام ظلام الموت،ليملأها الشّعور بالحياة الّذي يحشد الوجدان بالفرح و الرّضى و الاطمئنان،في أسلوب قرآنيّ يجدّد للإنسان طاقته على الصّبر و الامتداد.

و قد نجد من المناسب أن نناقش التّفسير الأوّل للحياة،بأنّ اعتبار الذّكر حياة لا يتناسب مع طبيعة معنى الحياة الّذي يقهر الشّعور بالموت في نفس الإنسان،بل هو نوع من أنواع الخيال الرّوحيّ الّذي يتّخذ صفة الإيحاء للنّفس،بامتداد الاسم الّذي يحمله الإنسان في قافلة الأسماء الّتي يتداولها النّاس،ممّا قد يدفع الإنسان إلى بعض الأعمال الّتي تشارك في ذلك،و لكنّه لا يستطيع أن يزيل مرارة الموت من النّفس و وحشة الإحساس بالعدم،بل كلّ ما هناك أنّه يمثّل أسلوبا من أساليب الهروب من قسوة هذه الحقيقة،لدى الغافلين عن الإيمان باللّه و اليوم الآخر في عمليّة تعويضيّة.

و إنّنا لا نجد في التّراث التّشريعيّ الإسلاميّ مثل هذا التّأكيد على الاهتمام بامتداد الذّكر للإنسان في ما بعد الموت،إلاّ بالمقدار الّذي يكون العمل الّذي يمتدّ به الإنسان مفيدا و نافعا للبشريّة،بالمستوى الّذي يمتدّ به الإنسان مفيدا و نافعا للبشريّة،بالمستوى الّذي يعتبر امتدادا لحياته العمليّة بعد الموت،فيستحقّ عليه الثّواب الكبير من اللّه،كما في الحديث المأثور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا يتبع الرّجل بعد موته إلاّ ثلاث خصال:صدقة أجراها للّه في حياته فهي تجري له بعد موته،و سنّة هدى سنّها فهي يعمل بها بعد وفاته،و ولد صالح يدعو له».

فليست القضيّة قضيّة ذكر صالح خالد،بل القضيّة هي العمل الصّالح الّذي يمتدّ في حياة النّاس كامتداد عمليّ لحياتهم.

و إذا كان البعض يرتكز في قيمة الذّكر الخالد على بعض الآيات القرآنيّة،فإنّنا لا نجد فيها دلالة على ذلك، فقد أشير إلى قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ الشّعراء:84،و يذكر في تفسيرها أنّ إبراهيم يدعو اللّه أن يخلّد له ذكره من ناحية الطّموح الذّاتيّ للخلود في الحياة،و لكنّنا نلاحظ أنّه كان يتحدّث عن لسان الصّدق الّذي يتضمّن رسالته و دعوته الشّاملة إلى الإسلام للّه،فليست القضيّة لديه قضيّة رغبة في خلود الذّكر،بل في خلود الرّسالة الّتي تمثّل كلّ اهتماماته حتّى بعد الموت،ممّا يجعله يوصي أولاده بذلك.

و من هذه الآيات قوله تعالى: وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ الانشراح:4،فقد يستدلّ بها على الاهتمام بالذّكر الخالد بعد الموت،و لكن الظّاهر أنّها واردة في الحديث عن نعمة اللّه على نبيّه في رفع ذكره و انتشار رسالته،و علوّ موقعه في الحياة،بعد أن كان إنسانا عاديّا في مجتمعه،فلا تعرّض فيها لما بعد الموت،و منها: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ الصّافّات:79،أو سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ الصّافّات:

109،و هما لا يدلاّن إلاّ على أنّ اللّه ترك السّلام عليهما في الحياة،لتبقى الرّوح الإيمانيّة الرّائعة و الصّبر العظيم عنوانين كبيرين،لكلّ من أراد الاقتداء بهما و السّير على منهاجهما.

و قد لا يتناسب هذا التّفسير مع كلمة: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ، لأنّ قضيّة الذّكر الجميل هي ممّا يلتفت

ص: 725

إليه النّاس و يعرفونه،و يحسبون حسابه في كثير من أعمالهم كما أشرنا إليه،كما أنّه لا يتناسب مع آية سورة آل عمران،الّتي تتحدّث عن الحياة الحقيقيّة في ما بعد الموت.

أمّا التّفسير الآخر الّذي يربط الحياة بالحياة البرزخيّة،فقد لا نجده منسجما مع سياق الآية الّتي في سورة آل عمران،لأنّها تتحدّث عن نوع الحياة الّتي وعد اللّه بها عباده المؤمنين في الجنّة في الدّار الآخرة،في مقابل الحياة الدّنيا الّتي يعيشون فيها الآن.و إذا فرضنا أنّ القضيّة ليست بهذه المثابة،فلا نتصوّر ظهورا للآية في ما ذكره،لأنّه انطلق في ذلك من استبعاد إرادة الحياة الآخرة من كلمة«الحياة»لأنّ الخطاب للمؤمنين الّذين يؤمنون بها و لا يتصوّر فيهم غفلتهم عنها.و قد ذكرنا أنّ القضيّة ليست قضيّة عقيدة مضادّة،بل القضيّة هي الشّعور الدّاخليّ المضادّ الّذي يراد تحويله إلى شعور آخر منفتح،و اللّه العالم.

الآية و تجرّد النّفس

و قد ذكر صاحب تفسير«الميزان»:أنّ الآية تدلّ على«تجرّد النّفس،بمعنى كونها أمرا وراء البدن،و حكمها غير حكم البدن و سائر التّركيبات الجسميّة،لها نحو اتّحاد بالبدن تدبّرها بالشّعور و الإرادة و سائر الصّفات الإدراكيّة» (1).

و لكنّنا لا نتّفق معه في هذا الاستدلال؛لأنّ الآية لا تزيد على تقرير مبدإ الحياة للشّهداء في ما بعد الموت، و لكنّها لا تدلّ على أنّ الحياة هل تبقى للنّفس فلا تموت بموت البدن،أم أنّها تبعث من جديد في بدن مماثل أو مغاير للبدن السّابق في ما بعد الموت،بل ليس هناك إلاّ الإشارة البعيدة الّتي لا تثبت حقيقة العقيدة و أصالتها،فلا بدّ لنا من البحث عن ذلك في آيات أخرى،أو براهين عقليّة في ما ليس مجال بحثه الآن،فليطلب في مظانّه من التّفسير في مواضع أخرى من القرآن أو من كتب علم الكلام و الفلسفة،لأنّنا لسنا في مقام البحث في تجرّد النّفس من النّاحية الفكريّة،بل في مقام بيان عدم دلالة الآية على ذلك،من خلال المفردات التّعبيريّة الخاصّة.

(3:110)

2- وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. آل عمران:169

الزّجّاج: القراءة بالرّفع بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ و لو قرئت(بل أحياء عند ربّهم)لجاز المعنى:أحسبهم أحياء.

و قيل في هذا غير قول:قال بعضهم:لا تحسبهم أمواتا في دينهم بل هم أحياء في دينهم،كما قال اللّه تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ الأنعام:122.

و قال بعضهم:لا تحسبهم كما يقول الكفّار:إنّهم لا يبعثون،بل يبعثون. بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ آل عمران:169، 170.

و قيل:إنّ أرواحهم تسرح في الجنّة و تلذّ بنعيمها، فهم أحياء عند ربّهم،قال بعضهم:أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنّة ثمّ تصير إلى قناديل تحت3.

ص: 726


1- «الكافي»ج:7،ص:56،رواية:3.

العرش.(1:488)

الماورديّ: يعني أنّهم في الحال و بعد القتل بهذه الصّفة.فأمّا في الجنّة فحالهم في ذلك معلومة عند كافّة المؤمنين،و ليس يمتنع إحياؤهم في الحكمة...

و في أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ تأويلان:

أحدهما:أنّهم بحيث لا يملك لهم أحد نفعا و لا ضرّا إلاّ ربّهم.

و الثّاني:أنّهم أحياء عند ربّهم من حيث يعلم أنّهم أحياء دون النّاس.(1:437)

الطّوسيّ: ذكر ابن عبّاس،و ابن مسعود،و جابر بن عبد اللّه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:لمّا أصيب إخوانكم بأحد جعل اللّه أرواحهم في حواصل طير خضر ترد أنهار الجنّة و تأكل من ثمارها.قال البلخيّ:و هذا ضعيف،لأنّ الأرواح جماد لا حياة فيها.

و لو كانت حيّة لاحتاجت إلى أرواح أخر و أدّى إلى ما لا يتناهى،فضعف الخبر من هذا الوجه.

و في النّاس من قال:إنّ تأويل الآية إخبار عن صفة حال الشّهداء في الجنّة،من حيث فسد القول بالرّجعة.

و هذا ليس بشيء،لأنّه خلاف الظّاهر،و لأنّ أحدا من المؤمنين لا يحسب أنّ الشّهداء في الجنّة أموات،و أيضا، فقد وصفهم اللّه بأنّهم أحياء فرحون في الحال؛لأنّ نصب (فرحين)هو على الحال.و قوله: لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ يؤكّد ذلك،لأنّهم في الآخرة قد لحقوا بهم، و معنى الآية النّهي عن أن يظنّ أحد أنّ المقتولين في سبيل اللّه أموات.و الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و المراد به جميع المكلّفين،كما قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ الطّلاق:1،و أنّه ينبغي أن يعتقد أنّهم أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ و بهذا قال الحسن، و عمرو بن عبيد،و واصل بن عطاء و اختاره الجبّائيّ، و الرّمّانيّ،و أكثر المفسّرين.

و قال بعضهم و ذكره الزّجّاج:المعنى و لا تحسبنّهم أمواتا في دينهم بل هم أحياء في دينهم،كما قال: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الآية الأنعام:122.و قال البلخيّ معناه:لا تحسبنّهم كما يقول الكفّار:أنّهم لا يبعثون،بل يبعثون،و هم أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ.

و قال قوم:إنّ أرواحهم تسرح في الجنّة و تلتذّ بنعيمها، فهم أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ.

و قوله: عِنْدَ رَبِّهِمْ قيل:في معناه قولان:

أحدهما:أنّهم بحيث لا يملك لهم أحد نفعا و لا ضرّا إلاّ ربّهم،و ليس المراد بذلك قرب المسافة،لأنّ ذلك من صفة الأجسام،و ذلك مستحيل عليه تعالى.

و الوجه الآخر:عند ربّهم أحياء من حيث يعلمهم كذلك دون النّاس،ذكره أبو عليّ.

و قوله: بَلْ أَحْياءٌ رفع على أنّه خبر الابتداء، و تقديره:بل هم أحياء،و لا يجوز فيه النّصب بحال؛لأنّه كان يصير المعنى:بل أحسبنّهم أحياء،و المراد بل أعلمهم أحياء:

فإن قيل:لم لا يجوز أن يكون المعنى بل أحياء على معنى أنّهم بمنزلة الأحياء،كما يقال لمن خلّف خلفا صالحا أو ثناء جميلا:ما مات فلان بل هو حيّ؟

قلنا:لا يجوز ذلك،لأنّه انّما جاز هذا بقرينة دلّت عليه من حصول العلم بأنّه ميّت،فانصرف الكلام إلى

ص: 727

أنّه بمنزلة الحيّ.و ليس كذلك الآية،لأنّ إحياء اللّه لهم في البرزخ جائز مقدور،و الحكمة تجيزه.

فإن قيل:أ ليس في النّاس من أنكر الحديث من حيث إنّ الرّوح عرض لا يجوز أن يتنعّم؟

قيل:هذا ليس بصحيح،لأنّ الرّوح جسم رقيق هوائيّ مأخوذ من الرّيح.و الدّليل على ذلك أنّ الرّوح تخرج من البدن و تردّ إليه،و هي الحسّاسة الفعّالة دون البدن،و ليست من الحياة في شيء،لأنّ ضدّ الحياة الموت، و ليس كذلك الرّوح-هذا قول الرّمّانيّ سؤاله و جوابه- و في الآية دليل على أنّ الرّجعة إلى دار الدّنيا جائزة لأقوام مخصوصين؛لأنّه تعالى أخبر أنّ قوما ممّن قتلوا في سبيل اللّه ردّهم اللّه أحياء كما كانوا.فأمّا الرّجعة الّتي يذهب إليها أهل التّناسخ،ففاسدة،و القول بها باطل،لما بيّنّاه في غير موضع،و ذكرنا جملة منه في شرح جمل العلم،فمن أراده وقف عليه من هناك إن شاء اللّه.

و قال أكثر المفسّرين:الآية مختصّة بقتلى أحد.و قال أبو جعفر،و كثير من المفسّرين:إنّها تتناول قتلى بدر و أحد معا.(3:45)

نحوه الطّبرسيّ.(1:535-537)

القشيريّ: الحياة بذكر الحقّ بعد ما تتلف النّفوس في رضاء الحقّ أتمّ من البقاء بنعمة الخلق مع الحجبة عن الحقّ.

و يقال:إنّ الّذي وارثه الحيّ الّذي لم يزل فليس بميّت و إن قتل.

و إن كانت الأبدان للموت أنشئت

فقتل امرئ في اللّه لا شكّ أفضل

(1:308)

البغويّ: قيل:أحياء في الدّين،و قيل:في الذّكر، و قيل:لأنّهم يرزقون و يأكلون و يتمتّعون كالأحياء، و قيل:لأنّهم يرزقون و يأكلون و يتمتّعون كالأحياء، و قيل:لأنّ أرواحهم تركع و تسجد كلّ ليلة تحت العرش إلى يوم القيامة،و قيل:لأنّ الشّهيد لا يبلى في القبر،و لا تأكله الأرض.(1:537)

ابن عطيّة: أخبر اللّه تعالى في هذه الآية عن الشّهداء:أنّهم في الجنّة يرزقون.هذا موضع الفائدة،و لا محالة أنّهم ماتوا و أنّ أجسادهم في التّراب،و أرواحهم حيّة كأرواح سائر المؤمنين،و فضّلوا بالرّزق في الجنّة من وقت القتل،حتّى كأنّ حياة الدّنيا دائمة لهم.قال الحسن ابن أبي الحسن:ما زال ابن آدم يتحمّد حتّى صار حيّا لا يموت بالشّهادة في سبيل اللّه،فقوله: بَلْ أَحْياءٌ مقدّمة لقوله: يُرْزَقُونَ؛ إذ لا يرزق إلاّ حيّ،و هذا كما تقول لمن ذمّ رجلا:بل هو رجل فاضل،فتجيء باسم الجنس الّذي تركّب عليه الوصف بالفضل.

و قرأ جمهور النّاس: بَلْ أَحْياءٌ بالرّفع على خبر ابتداء مضمر،أي هم أحياء،و قرأ ابن أبي عبلة (بل احياء) بالنّصب،قال الزّجّاج:و يجوز النّصب على معنى:

بل أحسبهم أحياء.قال أبو عليّ في الإغفال:ذلك لا يجوز، لأنّ الأمر يقين،فلا يجوز أن يؤمر فيه بمحسبة،و لا يصحّ أن يضمر له إلاّ فعل المحسبة.

فوجه قراءة ابن أبي عبلة أن تضمر فعلا غير المحسبة؛«أعتقدهم»أو«أجعلهم»و ذلك ضعيف؛إذ لا دلالة في الكلام على ما يضمر.[ثمّ ذكر الرّوايات في فضائل الشّهداء](1:540)

ص: 728

الفخر الرّازيّ: [فيها مسائل:]

المسألة الأولى:هذه الآية واردة في شهداء بدر و أحد،لأنّ في وقت نزول هذه الآية لم يكن أحد من الشّهداء إلاّ من قتل في هذين اليومين المشهورين، و المنافقون إنّما ينفّرون المجاهدين عن الجهاد لئلاّ يصيروا مقتولين مثل من قتل في هذين اليومين من المسلمين.

و اللّه تعالى بيّن فضائل من قتل في هذين اليومين،ليصير ذلك داعيا للمسلمين إلى التّشبّه بمن جاهد في هذين اليومين و قتل.

و تحقيق الكلام:أنّ من ترك الجهاد فربّما وصل إلى نعيم الدّنيا،و ربّما لم يصل.و بتقدير أن يصل إليه فهو حقير و قليل،و من أقبل على الجهاد فاز بنعيم الآخرة قطعا،و هو نعيم عظيم،و مع كونه عظيما فهو دائم مقيم.

و إذا كان الأمر كذلك ظهر أنّ الإقبال على الجهاد أفضل من تركه.

المسألة الثّانية:اعلم أنّ ظاهر الآية يدلّ على كون هؤلاء المقتولين أحياء،فأمّا أن يكون المراد منه حقيقة أو مجازا،فإن كان المراد منه هو الحقيقة،فإمّا أن يكون المراد أنّهم سيصيرون في الآخرة أحياء،أو المراد أنّهم أحياء في الحال.و بتقدير أن يكون هذا هو المراد،فإمّا أن يكون المراد إثبات الحياة الرّوحانيّة أو إثبات الحياة الجسمانيّة،فهذا ضبط الوجوه الّتي يمكن ذكرها في هذه الآية.

الاحتمال الأوّل:أنّ تفسير الآية بأنّهم سيصيرون في الآخرة أحياء،قد ذهب إليه جماعة من متكلّمي المعتزلة، منهم أبو القاسم الكعبيّ،قال:و ذلك لأنّ المنافقين الّذين حكى اللّه عنهم ما حكى كانوا يقولون:أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:يعرّضون أنفسهم للقتل،فيقتلون و يخسرون الحياة و لا يصلون إلى خير،و إنّما كانوا يقولون ذلك لجحدهم البعث و الميعاد،فكذّبهم اللّه تعالى،و بيّن بهذه الآية أنّهم يبعثون و يرزقون و يوصل إليهم أنواع الفرح و السّرور و البشارة.

و اعلم أنّ هذا القول عندنا باطل،و يدلّ عليه وجوه:

الحجّة الأولى:أنّ قوله: بَلْ أَحْياءٌ ظاهره يدلّ على كونهم أحياء عند نزول الآية،فحمله على أنّهم سيصيرون أحياء بعد ذلك عدول عن الظّاهر.

الحجّة الثّانية:أنّه لا شكّ أنّ جانب الرّحمة و الفضل و الإحسان أرجح من جانب العذاب و العقوبة،ثمّ إنّه تعالى ذكر في أهل العذاب أنّه أحياهم قبل القيامة لأجل التّعذيب،فإنّه تعالى قال: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً نوح:

25،و الفاء للتّعقيب،و التّعذيب مشروط بالحياة.و أيضا قال تعالى: اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا المؤمن:46،و إذا جعل اللّه أهل العذاب أحياء قبل قيام القيامة لأجل التّعذيب،فلأن يجعل أهل الثّواب أحياء قبل القيامة،لأجل الإحسان و الإثابة كان ذلك أولى.

الحجّة الثّالثة:أنّه لو أراد أنّه سيجعلهم أحياء عند البعث في الجنّة،لما قال للرّسول عليه الصّلاة و السّلام:

وَ لا تَحْسَبَنَّ، مع علمه بأنّ جميع المؤمنين كذلك.أمّا إذا حملناه على ثواب القبر حسن قوله: وَ لا تَحْسَبَنَّ، لأنّه عليه الصّلاة و السّلام لعلّه ما كان يعلم أنّه تعالى يشرّف المطيعين و المخلصين بهذا التّشريف،و هو أنّه يحييهم قبل قيام القيامة،لأجل إيصال الثّواب إليهم.

ص: 729

فإن قيل:إنّه عليه الصّلاة و السّلام و إن كان عالما بأنّهم سيصيرون أحياء عند ربّهم عند البعث،و لكنّه غير عالم بأنّهم من أهل الجنّة،فجاز أن يبشّره اللّه بأنّهم سيصيرون أحياء،و يصلون إلى الثّواب و السّرور.

قلنا:قوله: وَ لا تَحْسَبَنَّ إنّما يتناول الموت،لأنّه قال: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً فالّذي يزيل هذا الحسبان هو كونهم أحياء في الحال، لأنّه لا حسبان هناك في صيرورتهم أحياء يوم القيامة، و قوله: يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ فهو خبر مبتدإ،و لا تعلّق له بذلك الحسبان،فزال هذا السّؤال.

الحجّة الرّابعة:قوله تعالى: وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ و القوم الّذين لم يلحقوا بهم لا بدّ و أن يكونوا في الدّنيا،فاستبشارهم بمن يكون في الدّنيا لا بدّ و أن يكون قبل قيام القيامة،و الاستبشار لا بدّ و أن يكون مع الحياة،فدلّ هذا على كونهم أحياء قبل يوم القيامة،و في هذا الاستدلال بحث سيأتي ذكره.

الحجّة الخامسة:ما روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال في صفة الشّهداء:«أنّ أرواحهم في أجواف طير خضر،و أنّها ترد أنهار الجنّة،و تأكل من ثمارها،و تسرح حيث شاءت،و تأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش،فلمّا رأوا طيب مسكنهم و مطعمهم و مشربهم قالوا:يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النّعيم،و ما صنع اللّه تعالى بنا،كي يرغبوا في الجهاد،فقال اللّه تعالى:أنا مخبر عنكم و مبلّغ إخوانكم،ففرحوا بذلك و استبشروا،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

و سئل ابن مسعود رضى اللّه عنه عن هذه الآية،فقال:سألنا عنها،فقيل لنا:إنّ الشّهداء على نهر بباب الجنّة في قبّة خضراء.و في رواية في روضة خضراء،و عن جابر بن عبد اللّه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أ لا أبشّرك أنّ أباك حيث أصيب بأحد أحياه اللّه،ثمّ قال:ما تريد يا عبد اللّه ابن عمرو أن أفعل بك،فقال:يا ربّ أحبّ أن تردّني إلى الدّنيا فأقتل فيك مرّة أخرى».و الرّوايات في هذا الباب كأنّها بلغت حدّ التّواتر،فكيف يمكن إنكارها؟

طعن الكعبيّ في هذه الرّوايات،و قال:إنّها غير جائزة؛لأنّ الأرواح لا تتنعّم،و إنّما يتنعّم الجسم إذا كان فيه روح لا الرّوح،و منزلة الرّوح من البدن منزلة القوّة.

و أيضا:الخبر المرويّ ظاهره يقتضي أنّ هذه الأرواح في حواصل الطّير،و أيضا ظاهره يقتضي أنّها ترد أنهار الجنّة،و تأكل من ثمارها و تسرح،و هذا يناقض كونها في حواصل الطّير.

و الجواب:أمّا الطّعن الأوّل:فهو مبنيّ على أنّ الرّوح عرض قائم بالجسم،و سنبيّن أنّ الأمر ليس كذلك.و أمّا الطّعن الثّاني:فهو مدفوع،لأنّ القصد من أمثال هذه الكلمات الكنايات عن حصول الرّاحات و المسرّات و زوال المخافات و الآفات،فهذا جملة الكلام في هذا الاحتمال.

و أمّا الوجه الثّاني من الوجوه المحتملة في هذه الآية:

هو أنّ المراد أنّ الشّهداء أحياء في الحال،و القائلون بهذا القول منهم من أثبت هذه الحياة للرّوح،و منهم من أثبتها للبدن.

و قبل الخوض في هذا الباب يجب تقديم مقدّمة، و هي أنّ الإنسان ليس عبارة عن مجموع هذه البنية،

ص: 730

و يدلّ عليه أمران:

أحدهما:أنّ أجزاء هذه البنية في الذّوبان و الانحلال، و التّبدّل،و الإنسان المخصوص شيء باق من أوّل عمره إلى آخره،و الباقي مغاير للمتبدّل،و الّذي يؤكّد ما قلناه:

أنّه تارة يصير سمينا و أخرى هزيلا،و أنّه يكون في أوّل الأمر صغير الجثّة،ثمّ إنّه يكبر و ينمو،و لا شكّ أنّ كلّ إنسان يجد من نفسه أنّه شيء واحد من أوّل عمره إلى آخره،فصحّ ما قلناه.

الثّاني:أنّ الإنسان قد يكون عالما بنفسه حال ما يكون غافلا عن جميع أعضائه و أجزائه،و المعلوم مغاير لما ليس بمعلوم،فثبت بهذين الوجهين أنّه شيء مغاير لهذا البدن المحسوس،ثمّ بعد ذلك يحتمل أن يكون جسما مخصوصا ساريا في هذه الجثّة سريان النّار في الفحم، و الدّهن في السّمسم،و ماء الورد في الورد.و يحتمل أن يكون جوهرا قائما بنفسه،ليس بجسم و لا حالّ في الجسم،و على كلا المذهبين فإنّه لا يبعد أنّه لمّا مات البدن انفصل ذلك الشّيء حيّا،و إن قلنا إنّه أماته اللّه،إلاّ أنّه تعالى يعيد الحياة إليه.و على هذا التّقدير تزول الشّبهات بالكلّيّة عن ثواب القبر،كما في هذه الآية،و عن عذاب القبر،كما في قوله: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً نوح:25، فثبت بما ذكرناه أنّه لا امتناع في ذلك،فظاهر الآية دالّ عليه،فوجب المصير إليه.

و الّذي يؤكّد ما ذكرناه القرآن و الحديث و العقل.

أمّا القرآن فآيات:إحداها: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَ ادْخُلِي جَنَّتِي الفجر:27-30،و لا شكّ أنّ المراد من قوله: اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ الموت.ثمّ قال:

فَادْخُلِي فِي عِبادِي و فاء التّعقيب تدلّ على أنّ حصول هذه الحالة يكون عقيب الموت،و هذا يدلّ على ما ذكرناه.

و ثانيها: حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ الأنعام:61،و هذا عبارة عن موت البدن.

ثمّ قال: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ فقوله:

(ردّوا)ضمير عنه،و إنّما هو بحياته و ذاته المخصوصة،فدلّ على أنّ ذلك باق بعد موت البدن.

و ثالثها:قوله: فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ الواقعة:88،89،و فاء التّعقيب تدلّ على أنّ هذا الرّوح و الرّيحان و الجنّة حاصل عقيب الموت.

و أمّا الخبر فقوله عليه الصّلاة و السّلام:«من مات فقد قامت قيامته»و الفاء فاء التّعقيب تدلّ على أنّ قيامة كلّ أحد حاصلة بعد موته،و أمّا القيامة الكبرى فهي حاصلة في الوقت المعلوم عند اللّه.و أيضا قوله عليه الصّلاة و السّلام:«القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار»،و أيضا روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام يوم بدر كان ينادي المقتولين و يقول:«هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا»،فقيل له:يا رسول اللّه إنّهم أموات، فكيف تناديهم،فقال عليه الصّلاة و السّلام:«إنّهم أسمع منكم»أو لفظا هذا معناه.و أيضا قال عليه الصّلاة و السّلام:«أولياء اللّه لا يموتون،و لكن ينقلون من دار إلى دار»،و كلّ ذلك يدلّ على أنّ النّفوس باقية بعد موت

ص: 731

الجسد.

و أمّا المعقول فمن وجوه:

الأوّل:و هو أنّ وقت النّوم يضعف البدن،و ضعفه لا يقتضي ضعف النّفس،بل النّفس تقوى وقت النّوم، فتشاهد الأحوال و تطّلع على المغيبات،فإذا كان ضعف البدن لا يوجب ضعف النّفس،فهذا يقوّي الظّنّ في أنّ موت البدن لا يستعقب موت النّفس.

الثّاني:و هو أنّ كثرة الأفكار سبب لجفاف الدّماغ، و جفافه يؤدّي إلى الموت،و هذه الأفكار سبب لاستكمال النّفس بالمعارف الإلهيّة،و هو غاية كمال النّفس،فما هو سبب في كمال النّفس فهو سبب لنقصان البدن.و هذا يقوّي الظّنّ في أنّ النّفس لا تموت بموت البدن.

الثّالث:أنّ أحوال النّفس على ضدّ أحوال البدن؛ و ذلك لأنّ النّفس إنّما تفرح و تبتهج بالمعارف الإلهيّة، و الدّليل عليه قوله تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرّعد:28،و قال عليه الصّلاة و السّلام:

«أبيت عند ربّي يطعمني و يسقيني».و لا شكّ أنّ ذلك الطّعام و الشّراب ليس إلاّ عبارة عن المعرفة و المحبّة و الاستنارة بأنوار عالم الغيب.

و أيضا،فإنّا نرى أنّ الانسان إذا غلب عليه الاستبشار بخدمة سلطان،أو بالفوز بمنصب،أو بالوصول إلى معشوقه،قد ينسى الطّعام و الشّراب،بل يصير بحيث لو دعي إلى الأكل و الشّرب لوجد من قلبه نفرة شديدة منه،و العارفون المتوغّلون في معرفة اللّه تعالى قد يجدون من أنفسهم أنّهم إذا لاح لهم شيء من تلك الأنوار، و انكشف لهم شيء من تلك الأسرار،لم يحسّوا البتّة بالجوع و العطش،و بالجملة فالسّعادة النّفسانيّة كالمضادّة للسّعادة الجسمانيّة،و كلّ ذلك يغلب على الظّنّ أنّ النّفس مستقلّة بذاتها و لا تعلّق لها بالبدن،و إذا كان كذلك وجب أن لا تموت النّفس بموت البدن،و لتكن هذه الاقناعيّات كافية في هذا المقام.

و اعلم أنّه متى تقرّرت هذه القاعدة زالت الإشكالات و الشّبهات عن كلّ ما ورد في القرآن من ثواب القبر و عذابه،و إذا عرفت هذه القاعدة،فنقول:

قال بعض المفسّرين:أرواح الشّهداء أحياء و هي تركع و تسجد كلّ ليلة تحت العرش إلى يوم القيامة،و الدّليل عليه ما روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«إذا نام العبد في سجوده باهى اللّه تعالى به ملائكته،و يقول:انظروا إلى عبدي، روحه عندي و جسده في خدمتي».

و اعلم أنّ الآية دالّة على ذلك،و هي قوله: أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، و لفظ(عند)فكما أنّه مذكور هاهنا فكذا في صفة الملائكة مذكور،و هو قوله: وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ الأنبياء:19.فإذا فهمت السّعادة الحاصلة للملائكة بكونهم عند اللّه،فهمت السّعادة الحاصلة للشّهداء بكونهم عند اللّه،و هذه كلمات تفتح على العقل أبواب معارف الآخرة.

الوجه الثّالث:في تفسير هذه الآية عند من يثبت هذه الحياة للأجساد،و القائلون بهذا القول اختلفوا،فقال بعضهم:إنّه تعالى يصعد أجساد هؤلاء الشّهداء إلى السّماوات و إلى قناديل تحت العرش،و يوصل أنواع السّعادة و الكرامات إليها،و منهم من قال:يتركها في

ص: 732

الأرض و يحييها و يوصل هذه السّعادات إليها،و من النّاس من طعن فيه،و قال:إنّا نرى أجساد هؤلاء الشّهداء قد تأكلها السّباع،فإمّا أن يقال:إنّ اللّه تعالى يحييها حال كونها في بطون هذه السّباع و يوصل الثّواب إليها،أو يقال:إنّ تلك الأجزاء بعد انفصالها من بطون السّباع يركّبها اللّه تعالى،و يؤلّفها و يردّ الحياة إليها و يوصل الثّواب إليها.و كلّ ذلك مستبعد،و لأنّا قد نرى الميّت المقتول باقيا أيّاما إلى أن تنفسخ أعضاؤه و ينفصل القيح و الصّديد،فإن جوّزنا كونها حيّة متنعّمة عاقلة عارفة لزم القول بالسّفسطة.

الوجه الرّابع:في تفسير هذه الآية أن نقول:ليس المراد من كونهم أحياء حصول الحياة فيهم،بل المراد بعض المجازات،و بيانه من وجوه:

الأوّل:قال الأصمّ البلخيّ: إنّ الميّت إذا كان عظيم المنزلة في الدّين،و كانت عاقبته يوم القيامة البهجة و السّعادة و الكرامة،صحّ أن يقال:إنّه حيّ و ليس بميّت، كما يقال في الجاهل الّذي لا ينفع نفسه و لا ينتفع به أحد:

إنّه ميّت و ليس بحيّ،و كما يقال للبليد:إنّه حمار، و للمؤذي:إنّه سبع.و روي أنّ عبد الملك بن مروان لمّا رأى الزّهريّ و علم فقهه و تحقيقه قال له:ما مات من خلف مثلك.و بالجملة فلا شكّ أنّ الإنسان إذا مات و خلف ثناء جميلا و ذكرا حسنا،فإنّه يقال على سبيل المجاز:إنّه ما مات بل هو حيّ.

الثّاني:قال بعضهم:مجاز هذه الحياة أنّ أجسادهم باقية في قبورهم،و إنّها لا تبلى تحت الأرض البتّة.و احتجّ هؤلاء بما روي أنّه لمّا أراد معاوية أن يجري العين على قبور الشّهداء،أمر بأن ينادى:من كان له قتيل فليخرجه من هذا الموضع،قال جابر:فخرجنا إليهم فأخرجناهم رطاب الأبدان،فأصابت المسحاة إصبع رجل منهم فقطرت دما.

و الثّالث:أنّ المراد بكونهم أحياء أنّهم لا يغسلون كما تغسل الأموات،فهذا مجموع ما قيل في هذه الآية،و اللّه أعلم بأسرار المخلوقات.

المسألة الثّالثة:قال صاحب«الكشّاف»: وَ لا تَحْسَبَنَّ الخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أو لكلّ أحد،و قرئ بالياء،و فيه وجوه:أحدها:و لا يحسبنّ رسول اللّه.

و الثّاني:و لا يحسبنّ حاسب.و الثّالث:و لا يحسبنّ الّذين قتلوا أنفسهم أمواتا.قال:و قرئ (تحسبنّ) بفتح السّين، و قرأ ابن عامر (قتّلوا) بالتّشديد،و الباقون بالتّخفيف.

المسألة الرّابعة:قوله: بَلْ أَحْياءٌ، قال الواحديّ:

التّقدير:بل هم أحياء.قال صاحب«الكشّاف»:قرئ (احياء)بالنّصب على معنى:بل أحسبهم أحياء.و أقول:

إنّ الزّجّاج قال:و لو قرئ (احياء) بالنّصب لجاز على معنى بل أحسبهم أحياء،و طعن أبو عليّ الفارسيّ فيه فقال:لا يجوز ذلك،لأنّه أمر بالشّكّ،و الأمر بالشّكّ غير جائز على اللّه،و لا يجوز تفسير الحسبان بالعلم،لأنّ ذلك لم يذهب إليه أحد من علماء أهل اللّغة،و للزّجّاج أن يجيب فيقول:الحسبان ظنّ لا شكّ،فلم قلتم:إنّه لا يجوز أن يأمر اللّه بالظّنّ،أ ليس أنّ تكليفه في جميع المجتهدات ليس إلاّ بالظّنّ؟

و أقول:هذه المناظرة من الزّجّاج و أبي عليّ الفارسيّ تدلّ على أنّه ما قرئ (أحياء) بالنّصب،بل الزّجّاج كان

ص: 733

يدّعي أنّ لها وجها في اللّغة،و الفارسيّ نازعه فيه،و ليس كلّ ما له وجه في الإعراب جازت القراءة به.(9:89)

نحوه النّيسابوريّ(4:124)،و البروسويّ(2:

124).

النّسفيّ: بل هم أحياء...(يرزقون)مثل ما يرزقون سائر الأحياء يأكلون و يشربون،و هو تأكيد لكونهم أحياء،و وصف لحالهم الّتي هم عليها من التّنعّم برزق اللّه.

(1:194)

رشيد رضا :إنّ المختار فيها أنّها حياة غيبيّة، لا نبحث عن حقيقتها،و لا نزيد فيها على ما جاء به خبر الوحي شيئا،فلا نقول كما قال بعض متكلّمي المعتزلة:إنّ المراد بقوله: بَلْ أَحْياءٌ أنّهم سيكونون أحياء في الآخرة،فإنّ ظاهر الآية أنّهم أحياء مذ قتلوا؛و لا تخصيص في قولهم للشّهداء و لا يتّفق مع ما يأتي،و لا بقول من قال:إنّهم أحياء بحسن الذّكر و طيب الثّناء،كما يقال:«من خلّف مثلك ما مات»و قال الشّاعر:

يقولون إنّ المرء يحيا بنسله

و ليس له ذكر إذا لم يكن نسل

فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي

فإن لم يكن نسل فإنّا بها نسلو

و لا بقول من قال:إنّهم أحياء بأجسادهم كحياتنا الدّنيا يأكلون و يشربون و ينكحون في قبورهم كسائر أهل الدّنيا،و لا بقول من يقول:إنّ أجسادهم ترفع إلى السّماء.[ثمّ ذكر الوجه الثّالث من قول الفخر الرّازيّ و قال:]

قال الأستاذ الإمام:و تطرّف جماعة فزعموا:أنّ حياة الشّهداء كحياتنا هذه في الدّنيا،يأكلون أكلنا و يشربون شربنا و يتمتّعون تمتّعنا.و هو قول لا يصدر عن عاقل،لأنّ من الشّهداء من يحرق بالنّار و من تأكله السّباع أو الأسماك.و قال بعضهم:المراد أنّ أجسادهم لا تبلى و لم يزد على ذلك،و لكن هذا لم يثبت على أنّ الجسد لا ثمرة له إذا خرجت منه الرّوح.

و جملة القول:أنّ بعضهم يقول:إنّ هذه الحياة مجازيّة،و بعضهم يقول:إنّها حقيقيّة،و من هؤلاء من يقول:إنّها دنيويّة،و منهم من يقول:إنّها أخرويّة،و لكن لها ميزة خاصّة،و منهم من يقول:إنّها واسطة بين الحياتين.و قد تقدّم أنّ المختار عندنا عدم البحث في كيفيّة هذه الحياة،و ذكرنا في آية البقرة بحث ما ورد من كون أرواحهم تكون في حواصل طير خضر،فراجعه«ج 2 ص:39».(4:233)

ابن عاشور :و قد أثبت القرآن للمجاهدين موتا ظاهرا بقوله: قُتِلُوا، و نفى عنهم الموت الحقيقيّ بقوله:

بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فعلمنا أنّهم و إن كانوا أموات الأجسام فهم أحياء الأرواح،حياة زائدة على حقيقة بقاء الأرواح،غير مضمحلّة،بل هي حياة بمعنى تحقّق آثار الحياة لأرواحهم من حصول اللّذّات و المدركات السّارّة لأنفسهم،و مسرّتهم بإخوانهم، و لذلك كان قوله: عِنْدَ رَبِّهِمْ دليلا على أنّ حياتهم حياة خاصّة بهم،ليست هي الحياة المتعارفة في هذا العالم،أعني حياة الأجسام و جريان الدّم في العروق، و نبضات القلب،و لا هي حياة الأرواح الثّابتة لأرواح جميع النّاس،و كذلك الرّزق يجب أن يكون ملائما لحياة

ص: 734

الأرواح،و هو رزق النّعيم في الجنّة.فإن علّقنا عِنْدَ رَبِّهِمْ بقوله:(احياء)كما هو الظّاهر،فالأمر ظاهر،و إن علّقناه بقوله: يُرْزَقُونَ فكذلك،لأنّ هذه الحياة لمّا كان الرّزق النّاشئ عنها كائنا عند اللّه،كانت حياة غير مادّيّة و لا دنيويّة،و حينئذ فتقديم الظّرف للاهتمام بكينونة هذا الرّزق.(3:282)

مغنيّة:ظاهر الآية أنّ الشّهداء أحياء في الحال، لا أنّ اللّه سوف يحييهم مع غيرهم يوم البعث و النّشر، و أنّهم أحياء حقيقة،لا مجازا كالذّكر الطّيّب و ما إليه.هذا هو ظاهر الآية،و يجب الاعتماد عليه؛إذ لا موجب للعدول عنه من نقل أو عقل،ما دامت الحياة بيده تعالى، يهبها لمن يشاء متى شاء.

و الآية ردّ صريح على المنافقين الّذين قالوا:إنّ أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله يقتلون أنفسهم،و لا يصلون إلى خير.[ثمّ أدام الكلام في فضائل الشّهداء و قال:]

و في هذه الآية دلالة صريحة على أنّ الشّهداء أحياء قبل يوم القيامة،لأنّ استبشارهم بمصير إخوانهم الأحياء إنّما حصل في الحال،لا أنّه سوف يحصل في غد.

(2:203)

مكارم الشّيرازيّ: و المقصود من«الحياة»في الآية هي الحياة البرزخيّة في عالم ما بعد الموت،لا الحياة الجسمانيّة و المادّيّة،و إن لم تختصّ الحياة البرزخيّة بالشّهداء فللكثير من النّاس حياة برزخيّة أيضا،و لكن حيث إنّ حياة الشّهداء من النّمط الرّفيع جدّا،و من النّحو المقرون بأنواع النّعم المعنويّة،هذا مضافا إلى أنّها هي محطّ البحث و الحديث في هذا السّياق القرآنيّ،لذلك خصّوا بالذّكر و خصّت حياتهم بالإشارة في هذه الآية، دون سواهم و دون غيرها أيضا.

إنّ حياتهم البرزخيّة محفوفة بالنّعم و المواهب المعنويّة العظيمة،و كأنّ حياة الآخرين من البرزخيّين بما فيها،لا تكاد تكون شيئا يذكر بالنّسبة إليها.

شهادة على بقاء الرّوح

تعدّ الآيات الحاضرة:من جملة الآيات القرآنيّة ذات الدّلالة الصّريحة على بقاء الرّوح.

فهذه الآيات تتحدّث عن حياة الشّهداء بعد الموت و القتل.و ما يحتمله البعض من أنّ المراد بهذه الحياة هو معنى مجازيّ،و أنّ المقصود هو بقاء اسمهم،و خلود آثارهم و أعمالهم و جهودهم بعيد جدّا عن معنى الآية، و غير منسجم بالمرّة مع أيّ واحد من العبارات الواردة في الآيات الحاضرة،سواء تلك الّتي تصرّح بأنّ الشّهداء يرزقون،أو الّتي تتحدّث عن سرورهم من نواح مختلفة.

هذا مضافا إلى أنّ الآيات الحاضرة دليل بيّن و برهان واضح على مسألة«البرزخ»و النّعم البرزخيّة،الّتي سيأتي الحديث عنها و شرحها عند تفسير قوله سبحانه:

وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ المؤمنون:100، إن شاء اللّه.

أجر الشّهداء

لقد قيل عن الشّهداء و مكانتهم و أهمّيّة مقامهم الكثير الكثير،فكلّ الأمم،و كلّ الشّعوب تحترم شهداءها و تقيم لهم وزنا خاصّا،و لكن ما يوليه الإسلام للشّهداء في سبيل اللّه من الاحترام و ما يعطيهم من المقام لا مثيل له أصلا،و هذه حقيقة لا مبالغة فيها،فإنّ الحديث

ص: 735

التّالي نموذج واضح من هذا الاحترام العظيم،الّذي يوليه الإسلام الحنيف للّذين استشهدوا في سبيل اللّه،و في ظلّ هذه التّعاليم استطاعت تلك الجماعة المحدودة المتخلّفة، أن تكتسب تلكم القوّة العظيمة الهائلة الّتي استطاعت بها أن تركع أمامها أعظم الامبراطوريّات،بل و تدحر أعظم العروش.

و إليك هذا الحديث:

عن الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام عن الحسين ابن عليّ عليهما السّلام،قال:بينما أمير المؤمنين يخطب و يحضّهم على الجهاد،إذ قام إليه شابّ فقال:يا أمير المؤمنين أخبرني عن فضل الغزاة في سبيل اللّه،فقال:كنت رديف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على ناقته العضباء،و نحن منقلبون عن غزوة ذات السّلاسل،فسألته عمّا سألتني عنه فقال:

الغزاة إذا همّوا بالغزو كتب اللّه لهم براءة من النّار، فإذا تجهّزوا لغزوهم باهى اللّه بهم الملائكة،فإذا ودّعهم أهلوهم بكت عليهم الحيطان و البيوت،و يخرجون من الذّنوب،و يكتب له«أي لكلّ شهيد و غاز»كلّ يوم عبادة ألف رجل يعبدون اللّه،و إذا صاروا بحضرة عدوّهم انقطع علم أهل الدّنيا عن ثواب اللّه إيّاهم،فإذا برزوا لعدوّهم و أشرعت الأسنّة و فوّقت السّهام،و تقدّم الرّجل إلى الرّجل حفّتهم الملائكة بأجنحتها،يدعون اللّه بالنّصرة و التّثبيت،فينادي مناد:«الجنّة تحت ظلال السّيوف»،فتكون الطّعنة و الضّربة على الشّهيد أهون من شرب الماء البارد في اليوم الصّائف.

و إذا زال الشّهيد من فرسه بطعنة أو ضربة لم يصل إلى الأرض حتّى يبعث اللّه إليه زوجته من الحور العين فتبشّره بما أعدّ اللّه له من الكرامة،فإذا وصل إلى الأرض تقول له الأرض:مرحبا بالرّوح الطّيّب الّذي خرج من البدن الطّيّب،أبشر،فإنّ لك ما لا عين رأت،و لا أذن سمعت،و لا خطر على قلب بشر.و يقول اللّه:أنا خليفته في أهله،من أرضاهم فقد أرضاني و من أسخطهم فقد أسخطني.(2:606)

الشّهداء أحياء:

في القرآن آيتان بشأن الّذين قتلوا في سبيل اللّه أضيف فيهما إلى كلّ تلك الأجور و الخصال-أي المذكورات في صدور المقال-بأنّ الشّهداء أحياء،و هما حسب ترتيب النّزول كما يأتي:

1- وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ البقرة:154.

2- وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ آل عمران:

169-171.

النّزول:

نزلت الآية الأولى في قتلى غزوة بدر الكبرى،أوّل مصاف بين جنود الحقّ و الباطل في الإسلام،و الّتي كانت الغلبة و النّصر للمسلمين-مع قلّتهم-على أعدائهم و هم كثيرون مسلّحون.و قد أهلك اللّه منهم سبعين و أسر منهم سبعون،و قد قتل يومئذ من المسلمين أربعة عشر رجلا:ستّة من المهاجرين،و ثمانية من الأنصار.و كانوا

ص: 736

يقولون مات فلان،فأنزل اللّه تعالى الآية،الطّبرسيّ 1:

236.

أمّا الآية الثّانية و ما بعدها فقد قيل:إنّها نزلت في شهداء بدر،و قيل:في شهداء أحد،تلك الغزوة الكبرى بعد بدر،الّتي كانت الهزيمة فيها على المسلمين و النّصر لأعدائهم،فقتل منهم سبعون رجلا:أربعة من المهاجرين، حمزة و مصعب بن عمير و عثمان بن شماس و عبد اللّه بن جحش،و سائرهم من الأنصار.عن ابن مسعود و الرّبيع و قتادة،و قال الإمام الباقر عليه السّلام و كثير من المفسّرين:إنّها تتناول قتلى بدر و أحد معا.و قيل:نزلت في شهداء بئر معونة...الطّبرسيّ 1:535،و الصّواب كما يقتضيه السّياق نزولها بشأن غزوة أحد.

و مهما كان الأمر،فلا ريب أنّ أسباب النّزول لا تحدّد الآيات بمواضعها،بل هي عامّة لكلّ ما يشمله السّياق- كما ثبت في محلّه،و هو معلوم عند أهله-فالآيتان تعمّان جميع المستشهدين في معارك الحقّ و الباطل،مع ما فيهما من رعاية الظّروف و حالة الموقف كما يأتي.

و قد ذهب الفيض الكاشانيّ عند تفسيره للآية الأولى في شمولها،لكلّ من يقتل في سبيل اللّه،سواء كان قتله بالجهاد الأصغر و بذل النّفس طلبا لمرضاة اللّه،أو بالجهاد الأكبر و كسر النّفس و قمع الهوى بالرّياضة، الكاشانيّ 1:368.

و يبدو ممّا جاءت قبلها في سورة آل عمران،أنّ الكفّار و المنافقين و ضعفاء الإيمان من المسلمين كانوا يحسبون الشّهداء أمواتا،و أنّهم لو لم يشتركوا في الجهاد ما ماتوا،مثل قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ* وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ آل عمران:156-158،و قوله: اَلَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ آل عمران:

168.فهذه الآيات بشأن الشّهداء تعدّ إجابة على تلك المزاعم الباطلة في شأنهم.

دراسة في سياق الآيتين:

و مهما كانت أسباب نزولهما،فلا شكّ أنّ آية البقرة نزلت قبل آية آل عمران.و الّذي يلفت النّظر،هو التّفاوت البيّن بين الآيتين،على الرّغم من تنصيصهما على أنّ الشّهداء الّذين قتلوا في سبيل اللّه أحياء،و ليسوا أمواتا.

فآية البقرة تقول: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ. و آية آل عمران تقول: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً فالأولى تمنع عن القول لهم أنّهم أموات،و الثّانية تمنع عن حسبانهم أمواتا،و شتّان ما بين التّعبيرين،فالثّانية آكد و أبلغ في إفادة المقصود،فإنّ القول متأخّر عن الحسبان طبعا،فالقرآن يبدو أنّه في أوّل الشّوط منع المسلمين عن التّقوّل و التّلفّظ في شأن هؤلاء الّذين قتلوا في سبيل اللّه بأنّهم أموات،ثمّ ترقّى و تجاوز عن ذلك إلى نهيهم عن حسبانهم أمواتا،فقد تدخّل في أعمال قلوبهم بعد أن تدخّل في أقوالهم،أي

ص: 737

لا ينبغي بأن يخطر ببال أحد من المؤمنين أنّ الشّهداء أموات،فالقرآن راعى حال النّاس في التّدريج شيئا فشيئا إلى تقدير قدر الشّهداء حقّ قدرهم،جريا على ما هو دأب القرآن من التّدرّج في التّشريع عموما.

و هناك فرق آخر بين الآيتين:فرغم التّصريح فيها بأنّهم أحياء بعد نفي الموت عنهم.قال في الأولى: بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ و في الثّانية: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فالقرآن في أوّل الشّوط اكتفى بأنّهم أحياء مبهما حالهم،بأن عامّة النّاس لا يشعرون ذلك:أي -و اللّه أعلم-ليسوا أهلا لذلك،بل هناك أشخاص مؤهّلين لهذا الشّعور،أمّا في الشّوط الثّاني فبيّن حالهم بأشياء:

أوّلا:بأنّهم عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. و فيه تلميح بأنّ حياة الشّهداء هذه حياة ربّانيّة معنويّة،و ليست مادّيّة جسديّة،حياة متزوّدة برزق من عند ربّهم،لأنّهم جالسون على مائدة ربّهم،و في يُرْزَقُونَ بالبناء للمفعول إبهام،تكريما و تعظيما لهذا الرّزق الّذي لا شكّ أنّ اللّه هو رازقهم،ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن بشأن هذا الرّزق الكريم.

ثمّ التّعبير ب عِنْدَ رَبِّهِمْ دون عند اللّه أو لفظ آخر،توثيق لعلاقتهم و اتّصالهم بربّهم الّذي ربّاهم في الحياة الدّنيا،بحيث استحقّوا لفيض الشّهادة في سبيل اللّه،-و هو فوز عظيم-فربّهم بعد الارتحال عن هذه الحياة هو ربّهم في تلك الحياة،لا يتركهم سدى،بل يتصدّى لرزقهم و لرشدهم و تقريبهم إلى نفسه حاضرين عنده.فائزين بلقائه،و بضيافته بنفسه-دون ملائكته-إيّاهم مباشرة.كما هو مقتضى تقديم الظّرف في الآية عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ قال في المنار 4:233،:

«فهذه العنديّة عنديّة شرف و كرامة،لا مكان و مسافة، و قيل:عنديّة علم و حكم».

و قد تحدث القرآن مرّة أخرى عن هذا الرّزق للّذين قتلوا أو ماتوا في سبيل اللّه في سورة الحجّ:58،-المردّدة بين كونها مكّيّة أو مدنيّة-بقوله وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللّهُ رِزْقاً حَسَناً وَ إِنَّ اللّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ* لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَ إِنَّ اللّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ مصرّحا بأنّه رزق حسن من عند اللّه و هو خير الرّازقين،و مشعرا بأنّه رزقهم بعد الشّهادة و قبل دخول الجنّة،حيث قال بعده: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ و هو الجنّة.

ثانيا:بأنّهم فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ آل عمران:170،هذه ثلاث كلمات،و في كلّ منها مزيّة للشّهداء: فَرِحِينَ حال لهم تحكي سرورهم و فيه روح و راحة و سكينة.بما آتاهم اللّه أي سرورهم من أجل ما آتاهم اللّه و(ما آتاهم الله)مبهم لا يفسّره شيء إلاّ فضل اللّه.ثمّ التّصريح بأنّ اللّه آتاهم شيئا،تكريم لهم أيّ تكريم.و مِنْ فَضْلِهِ توضيح بعد إبهام،و هو أوقع في النّفوس من البيان الواضح ابتداء.و فضل اللّه فيه تكريم لهم و تعظيم لما آتاهم اللّه،فقد جمعت فيها الفرح و ما آتاهم اللّه و فضله،و هي جماع السّعادة و الفضيلة لهؤلاء الشّهداء أنفسهم دون أصدقاءهم في المعركة.

ثالثا:بأنّهم يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ هذه جملة

ص: 738

واحدة مركّبة من كلمات،في كلّ منها تعاطف مع إخوانهم المشاركين لهم في المعركة،بعد بيان حالهم أنفسهم في ما تقدّم،و هذا بيانها:

1-قال في المنار 4:235،«الاستبشار:السّرور الحاصل بالبشارة،و أصل الاستفعال طلب الفعل، فالمستبشرون بمنزلة من طلب السّرور فوجده بالبشارة،كذا قالوا،و العبارة للرّازي.و يصحّ أن يكون معنى الطّلب فيه على حاله...و المعنى على الأوّل:

و يطلبون البشرى بالّذين لم يلحقوا بهم من إخوانهم،أي يتوقّعون أن يبشّروا في وقت قريب بقدومهم عليهم مقتولين في سبيل اللّه كما قتلوا،مستحقّين من الرّزق و الفضل الإلهيّ مثل ما أتوا.و المعنى على الثّاني:أي يسرّون بذلك عند حصوله».

2-هناك توجد العلاقة بين الشّهداء و بين أصدقاءهم و إخوانهم المجاهدين في سبيل اللّه الّذين لم يلحقوا بهم،و لم ينالوا فيض الشّهادة،و لكنّهم شائقين مستعدّين لها و للالتحاق بهم من خلفهم،و هذا يكشف:

أوّلا:عن وجود المسانخة الرّوحيّة بين الفريقين،أي لا فرق بينهما سوى أنّ أحدهما فاز بالشّهادة،و الآخر مستعدّ لها مشرف عليها.

و ثانيا:عن وفاءهم و سخائهم لإخوانهم حيث يحبّون لهم ما رزقوا هم عند ربّهم،و لا يضيق و يبخل قلوبهم عن إعطاء هذه الموهبة للّذين كانوا معهم في ساحة المعركة،باذلين أنفسهم في سبيل اللّه،و هم الآن على نفس الخطّ،و لم ينصرفوا و لم يستهانوا في نيّاتهم و جهادهم و تفانيهم في اللّه،بل يغبطون حال إخوانهم، و يرجون لهم أيضا من اللّه ما أفاض عليهم من فضله و رحمته.

و ثالثا:أنّ إخوانهم أيضا متّصلون بهم روحا،ماشون خلفهم،ملتزمون موضع أقدامهم،فالعلاقة الودّيّة ثابتة بين الفريقين من الطّرفين،لا من طرف واحد،كما كانت قبل أن يفرّق الاستشهاد بينهما.و هذه مظهر من مظاهر الحياة الطّيّبة لهم جميعا،حياة الأخوّة و المودّة و الوفاء و السّخاء و الاتّباع و الاقتداء و الثّبات.

في المنار 4:235،قال الأستاذ الإمام:«إنّما قال:

مِنْ خَلْفِهِمْ للدّلالة على أنّهم وراءهم يقتفون أثرهم و يحذون حذوهم قدما بقدم،فهو قيد فيه الخبر و الحثّ و التّرغيب و المدح و البشارة،و هو من البلاغة بالمكان الّذي لا يطاول».

و رابعا:تظهر هذه العلاقة بينهما باستبشارهم بعاقبة أمرهم من قبل الفريق الأوّل،و تلقّي هذه البشارة من قبل الفريق الثّاني بالقبول،فبينهما اتّصال روحيّ بهذه البشارة-كما كانت في المعركة-حيث كانوا يستبشرون جميعا،و يبشّر أحدهما الآخر بالنّصر و الفتح القريب، فهذه الحالة باقية مستحكمة بينهم سوى أنّ موضع البشارة كان حين ذاك النّصر و الفتح،فتبدّل إلى نفي الخوف و الحزن عنهم كما يأتي:

3- أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ قال في المنار 4:235،:«بدل اشتمال من(الذين لم يلحقوا بهم) أي يستبشرون بهم من حيث إنّه لا خوف عليهم، فالخوف و الحزن على هذا منفيّان عن الّذين لم يلحقوا بهم.أو الباء للسّببيّة و المعنى:بسبب أنّه لا خوف عليهم...

ص: 739

و حينئذ يحتمل أن يكونا منفيّين عنهم أنفسهم:أي إنّ الفرح و الاستبشار يكونان شاملين لهم بحالهم و بحال من خلفهم من إخوانهم،بسبب انتفاء الخوف و الحزن عنهم، هم حيث هم،كما يحتمل أن يكون المراد نفيهما عن الّذين لم يلحقوا بهم أيضا.

و المختار عندي أنّ المراد بنفي الخوف و الحزن،نفيهما عن الّذين لم يلحقوا بهم ممّن قاتل معهم و لم يقتل،و أنّ الآية الآتية مفسّرة لذلك.

و الخوف:تألّم من مكروه يتوقّع.و الحزن:تألّم من مكروه وقع.و قد قيل:إنّ المراد بالخوف و الحزن ما يكون في الدّنيا.و قيل:بل المراد ما يكون في الآخرة.و يجوز أن يكون المعنى أنّه لا خوف عليهم في الدّنيا من استئصال المشركين لهم،أو ظفرهم بهم ثانية،و لا هم يحزنون في المستقبل البعيد عند ما يقدمون على ربّهم في الآخرة...».

و نقول:لا وجه لهذا التّرديد بعد ملاحظة سياق الآيات الّتي جاءت بهذا النّصّ مع تفاوت يسير،و قد كرّرت 13 مرّة،منها:5 مرّات في سورة البقرة،و في جملة منها: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة:262 و 277،و في آية: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الأعراف:

49،و هذا صريح في أنّها حالتهم في الآخرة،نعم هناك آيات تعمّ بظاهرها الدّنيا و الآخرة مثل: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الأنعام:48،و فَمَنِ اتَّقى وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الأعراف:35.

و أمّا الآية الّتي نحن بصدد بيانها فالظّاهر:

أوّلا:أنّها استبشار بحال إخوانهم دون أنفسهم،و إن استلزمه،حيث إنّهم ذاقوا هذه البشرى و لمسوها و جرّبوها،فحاكوها لإخوانهم و طلبوا مشاركتهم فيها مستبشرين.

و ثانيا:أنّها بشارة لإخوانهم بحالهم في الآخرة بعد الاستشهاد،و فيه تلميح بأنّهم سوف يستشهدون و ينالون ما نالوه من فيض الشّهادة،و ما يتلوها من الكرامة.

و ثالثا:تحريض لهم على الصّبر و الثّبات و المقاومة و الصّعود أمام الاعداء،فهؤلاء الشّهداء و إن خرجوا عن ساحة المعركة بأجسادهم،لكنّهم باقون فيها بأرواحهم و بعواطفهم،بل بجهادهم في المعركة،حيث شاركوا إخوانهم فيها بالاستبشار و الاستبصار.

و رابعا:هؤلاء الإخوة يشعرون و يلمسون هذه البشرى في قلوبهم،فيتقوّون بها في عزائمهم و نيّاتهم للمقاومة حتّى الشّهادة.

و في المنار 1:285،قال الأستاذ الإمام ما مثاله:

«الخوف:عبارة عن تألّم الإنسان من توقّع مكروه يصيبه،أو توقع حرمان من محبوب يتمتّع به أو يطلبه.

و الحزن:أ لم يلمّ بالإنسان إذا فقد ما يحبّ...فالمهتدون بهداية اللّه تعالى لا يخافون ممّا هو آت،و لا يحزنون على ما فات،لأنّ اتّباع الهدى يسهّل عليهم طريق اكتساب الخيرات،و يعدّهم لسعادة الدّنيا و الآخرة،و من كانت هذه وجهته،يسهل عليهم كلّ ما يستقبله،و يهون عليه كلّ ما أصابه أو فقده،لأنّه موقن بأنّ اللّه يخلفه،فيكون كالتّعب في الكسب لا يلبث أن يزول بلذّة الرّبح الّذي

ص: 740

يقع أو يتوقّع».

و في الميزان 4:61،«و هذه الجملة أعني قوله:

لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ كلمة عجيبة،كلّما أمعنت في تدبّرها زاد في اتّساع معناها على لطف و رقّة و سهولة بيان.و أوّل ما يلوح من معناها أنّ الخوف و الحزن مرفوعان عنهم،و الخوف إنّما يكون على أمر ممكن محتمل يوجب انتفاء شيء من سعادة الإنسان الّتي يقدّر نفسه واجدة لها.و كذا الحزن إنّما يكون من جهة أمر واقع يوجب ذلك،فالبليّة أو كلّ محذور إنّما يخاف منها إذا لم يقع بعد،فإذا وقعت زال الخوف و عرض الحزن،فلا خوف بعد الوقوع و لا حزن قبله.

فارتفاع مطلق الخوف عن الإنسان إنّما يكون،إذا لم يكن ما عنده من وجوه النّعم في معرض الزّوال،و ارتفاع مطلق الحزن إنّما يتيسّر له،إذا لم يفقد شيئا من أنواع سعادته لا ابتداء و لا بعد الوجدان،فرفعه تعالى مطلق الخوف و الحزن عن الإنسان معناه،أن يفيض عليه كلّ ما يمكنه أن يتنعّم به و يستلذّه،و أن لا يكون ذلك في معرض الزّوال،و هذا هو خلود السّعادة للإنسان و خلوده فيها.

و من هنا يتّضح أنّ نفي الخوف و الحزن هو بعينه ارتزاق الإنسان عند اللّه،فهو سبحانه يقول: وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ آل عمران:198،و يقول: وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ النّحل:96،فالآيتان تدلاّن على أنّ ما عند اللّه نعمة باقية لا يشوبها نقمة و لا يعرضها فناء.

و يتّضح أيضا أنّ نفيهما هو بعينه إثبات النّعمة و الفضل،و هو العطيّة...».

رابعا: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ آل عمران:171،جملتان في كلّ منهما كلمات تحتاج إلى بيان:

1-كرّر يَسْتَبْشِرُونَ بدون العاطف كبيان للأوّل،تسجيلا و تأكيدا على تلك البشارة الكريمة الّتي سمحت بها نفوس الشّهداء لإخوانهم،و مزيدا في بيان حقيقتها.قال في الكشّاف 1:48:«كرّر ليتعلّق به ما هو بيان لقوله: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ من ذكر النّعمة و الفضل:و أنّ ذلك أجر لهم على إيمانهم».و قال في المنار 2:236:«ضمير يَسْتَبْشِرُونَ إمّا للشّهداء، و إمّا للّذين لم يلحقوا بهم،فإن كان للشّهداء،فهو عبارة عمّا يتجدّد لهم من نعمة و فضل،أو المراد بقوله:

بِنِعْمَةٍ ما ذكره في الآية السّابقة من كونهم أحياء يرزقون.و فَضْلٍ هو عين ما ذكره في الآية السّابقة من كونهم فرحين.و إن كان للّذين لم يلحقوا بهم،فالمعنى أنّهم يستبشرون بمثل ما فرح به الشّهداء».

قلنا:إذا كانت هذه بيانا للسّابقة،فلا وجه لهذا التّرديد فيها-كما سبق فيما تقدّمها-فالمراد أنّ الشّهداء يستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم بنعمة و فضل،فهي بشارة و إمداد روحيّ لهم،و وفاء من الشّهداء إيّاهم:

و تثبيت لهم على الاستمرار في الجهاد حتّى الشّهادة، و ستأتيهم.

2-و الاستبشار متعلّق بنعمة و فضل منكّرين لا يعلمهما إلاّ اللّه،و يكفي في عظمتهما أنّها من اللّه، فتقديرهما بحسبه و من عنده.قال في الميزان 4:61:

«و من ذلك يظهر:

أوّلا:أنّ هؤلاء المقتولين في سبيل اللّه تأتيهم و تتّصل

ص: 741

بهم أخبار خيار المؤمنين الباقين بعدهم في الدّنيا»لا بل المشاركين لهم في المعركة الّذين يقتفون أعمالهم.

و ثانيا:أنّ هذه البشرة هي ثواب أعمال المؤمنين، و هو أن لا خوف عليهم و لا هم يحزنون،و ليس ذلك إلاّ بمشاهدتهم هذا الثّواب في دارهم الّتي هم فيها مقيمون، فإنّما شأنهم المشاهدة دون الاستدلال.و قال ذيل الاستبشار الثّاني:«و هذا الاستبشار أعمّ من الاستبشار بحال غيرهم و بحال أنفسهم،و الدّليل عليه قوله: وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، فإنّه بإطلاقه شامل للجميع،و لعلّ هذه هي النّكتة في تكرار الاستبشار، و كذا تكرار الفضل.و قد نكّر اللّه الفضل و النّعمة،و أبهم الرّزق في الآيات،ليذهب ذهن السّامع فيها إلى كلّ مذهب ممكن،و لذا أبهم الخوف و الحزن ليدلّ في سياق النّفي على العموم.

و التّدبّر في الآيات يعطي أنّها في صدد بيان أجر المؤمنين أوّلا،و أنّ هذا الأجر رزق لهم عند اللّه ثانيا،و أنّ هذا الرّزق نعمة من اللّه و فضل ثالثا،و أنّ الّذي يشخّص هذه النّعمة و الفضل هو أنّهم لا خوف عليهم و لا هم يحزنون رابعا».

3- وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ هذه تعميم و تخصيص،فالكلام كان خاصّا بشأن الشّهداء و أصدقائهم في المعركة،ثمّ أدرجه اللّه تحت قاعدة كلّيّة تعمّ المؤمنين جميعا،كما هو الحال في ذيل كثير من الآيات،حيث توجد فيها تغيير في الأسلوب و في التّعميم و في التّأكيد،فكثير منها أتت بجملة مؤكّدة ب«أنّ» فلاحظ.

و هي جملة واحدة عناصرها«اللّه»و«نفي الإضاعة» و«أجر المؤمنين»،و هي خاتمة المطاف بشأن الشّهداء تدلّ على أنّ ما سبق كلّه أجر لهم باعتبارهم من أصدق المؤمنين.

ما هي حياة الشّهداء؟

قال الطّبرسيّ 236:قيل:فيه أقوال:

أحدها-و هو الصّحيح-:أنّهم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم السّاعة...

و الثّاني:أنّ المشركين كانوا يقولون:إنّ أصحاب محمّد يقتلون أنفسهم في الحرب بغير سبب،ثمّ يموتون فيذهبون،فأعلمهم اللّه أنّه ليس الأمر على ما قالوه و أنّهم سيحيون يوم القيامة و يثابون...

و الثّالث:معناه لا تقولوا هم أموات في الدّين بل هم أحياء بالطّاعة و الهدى،و مثله قوله سبحانه: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122،فجعل الضّلال موتا و الهداية حياة...

و الرّابع:أنّ المراد أنّهم أحياء لما نالوا من جميل الذّكر و الثّناء...

و المعتمد هو القول الأوّل،لأنّ عليه إجماع المفسّرين،و لأنّ الخطاب للمؤمنين و كانوا يعلمون أنّ الشّهداء على الحقّ،و أنّهم ينشرون و يحيون يوم القيامة،فلا يجوز أن يقال لهم: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ...

و لأنّ حمله على ذلك يبطل فائدة تخصيصهم بالذّكر،و لو كانوا أيضا أحياء بما جعل لهم من جميل الثّناء لما قيل أيضا: لكِنْ لا تَشْعُرُونَ... و وجه تخصيص الشّهداء بكونهم أحياء-و إن كان غيرهم من المؤمنين قد يكونوا

ص: 742

أحياء في البرزخ-أنّه على جهة التّقديم للبشارة بذكر حالهم...».

و قال في الكشّاف 1:323،ذيل آية البقرة:«يجوز أن يجمع اللّه أجزاء الشّهداء جملة،فيحييها و يوصل إليها النّعم و إن كانت في حجم الذّرّة».و قال 1:479 ذيل آية آل عمران: عِنْدَ رَبِّهِمْ، مقرّبون عنده ذوو زلفى كقوله: فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ فصّلت:38.

يُرْزَقُونَ مثل ما يرزق سائر الأحياء يأكلون و يشربون،و هو تأكيد لكونهم أحياء،و وصف بحالهم الّتي هم عليها من التّنعّم برزق اللّه بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ و هو التّوفيق في الشّهادة و ما ساق عليهم من الكرامة و التّفضيل على غيرهم،و هو كونهم أحياء مقرّبين معجّلا لهم رزق الجنّة و نصيبها».

و قال القرطبيّ 2:173،:«و الشّهداء أحياء كما قال تعالى،و ليس معناه أنّهم سيحيون.إذ لو كان كذلك لم يكن بين الشّهداء و بين غيرهم فرق،إذ كلّ أحد سيحيا.

و يدلّ على هذا قوله تعالى: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ و المؤمنون يشعرون أنّهم سيحيون».

و قال الفخر الرّازي 2:145،:في الآية أقوال:

1-أنّهم أحياء،كأنّ اللّه تعالى أحياهم لإيصال الثّواب إليهم،و هذا قول أكثر المفسّرين.

2-قال الأصمّ:لا تسمّوهم بالموتى،و قولوا لهم:

الشّهداء الأحياء.

3-ما حكاه الطّبرسيّ عن المشركين...أي سيحيون فيثابون،و أنّهم سيحيون غير بعيد مثل: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار:13،14،ثمّ قال:اعلم أنّ أكثر العلماء على ترجيح القول الأوّل، فالّذي يدلّ عليه وجوه ذكرها.

و قال في الميزان 4:60،بعد تفنيد الأقوال:

«و بالجملة:المراد بالحياة في الآية الحياة الحقيقيّة دون التّقديريّة-يريد الثّناء الجميل،فإنّه عنده حياة تقديريّة -فالحياة حياة السّعادة،و الأحياء بهذه الحياة المؤمنون خاصّة»ثمّ فسّرها بالحياة البرزخيّة و أطال القول في إثباتها،و لم يتحصّل لنا منها سوى الحياة البرزخيّة الّتي لا تختصّ بالشّهداء.

و قال في المنار 2:38،: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ بحياتهم،إذ ليست في عالم الحسّ الّذي يدرك بالمشاعر.

ثمّ لا بدّ أن تكون هذه الحياة حياة خاصّة،غير الّتي يعتقدها جميع المتديّنين في جميع الموتى من بقاء أرواحهم بعد مفارقتهم أشباحهم،و لذلك ذهب بعض النّاس إلى أنّ حياة الشّهداء تتعلّق بهذه الأجسام،و إن فنيت أو احترقت أو أكلتها السّباع أو الحيتان،و قالوا:إنّها حياة لا نعرفها.و نحن نقول:مثل قولهم إنّنا لا نعرفها،و نزيد أنّنا لا نثبت ما لا نعرف.ثمّ ذكر ما يثبت أنّها حياة جسميّة أو روحانيّة محضة إلى أن قال:و المعتمد عند الأستاذ الإمام أنّها حياة غيبيّة تمتاز بها أرواح الشّهداء على سائر أرواح النّاس بها يرزقون و ينعّمون،و لكنّنا لا نعرف حقيقتها،و لا حقيقة الرّزق الّذي يكون بها،و لا نبحث عن ذلك،لأنّه من عالم الغيب الّذي نؤمن به،و نفوّض الأمر فيه إلى اللّه تعالى».و ذكر مثل ذلك ذيل آية آل عمران فلاحظ.

رأينا في حياة الشّهداء:

ص: 743

بعد الوقوف على الآراء نقول-وفاقا للأكثر-:إنّها حياة حقيقيّة متّصلة بحياتهم في الدّنيا،لا بمعنى أنّهم ماتوا ثمّ أحياهم اللّه،بل بمعنى أنّ حياتهم استمرّت في صورة أعلى و أشرف من حياتهم في الدّنيا لا يعلمها إلاّ اللّه، و هي خاصّة بالشّهداء،و ليست حياة برزخيّة تعمّ المؤمنين-كما هو ظاهر الميزان و غيره-نعم نحن لا نعرف حقيقتها،كما قال تعالى: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ في آية البقرة،و لكن القرآن بيّن خصائصها في آية آل عمران كما يأتي:

1-أنّها حياة ربّانيّة،أي ليست حياة مادّيّة جسديّة،بل حياة معنويّة روحانيّة.

2-أنّهم في تلك الحياة يرزقون عند اللّه،أي ليست أرزاقهم من جنس أرزاقنا،و لا من جنس أرزاق أهل الجنّة.

3-أنّهم محشورون مع اللّه،حضور عنده،جلوس على مائدته،ضيوف يعيشون مع كرامته.

4-أنّهم يزدادون معرفة و قربا باللّه.

5-أنّهم في نفس الوقت الّذي يعيشون مع اللّه، يعيشون المعركة و أصحابها،فيحيطون بحالهم و بنيّاتهم، فهم إذ خرجوا من المعركة بأبدانهم،حضور فيها بأرواحهم و بعواطفهم،فلا يزالون يشهدون ساحتها و يهتمّون بانتصار إخوانهم،و يتعاطفون معهم،فلم ينقطعوا عنها مشتغلين بتلك الزّلفى الّتي نالوها،و هذه شهادة من اللّه على صدقهم في الحرب مع الأعداء، و وفاءهم للأصدقاء في الصّفّ.

6-أنّهم يلقون إليهم الفرح و السّرور و الصّبر و الاطمينان بالفتح و النّصر.

7-أنّهم وافون مخلصون لإخوانهم،يحبّون لهم ما نالوه من الكرامة و الفضل و النّعمة.

8-أنّ إخوانهم يشعرون في ساحة المعركة ما يلقيه إخوانهم إليهم،و هذا ما يحسّه المجاهدون كثيرا-كما نقل -.و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين و سلام على المرسلين.(دراسات و بحوث 1:109-124)

الاحياء

وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ... فاطر:22

ابن عبّاس: يعني المؤمنين و الكافرين في الطّاعة و الكرامة.(366)

هو مثل ضربه اللّه لأهل الطّاعة و أهل المعصية، يقول:و ما يستوي الأعمى (1)و الظّلمات و الحرور،و لا الأموات،فهو مثل أهل المعصية،و لا يستوي البصير و لا النّور،و لا الظّلّ و الأحياء فهو مثل أهل الطّاعة.

(الطّبريّ 22:129)

قتادة :أنّه مثل ضربه اللّه تعالى للمؤمن و الكافر، كما أنّه لا يستوي الأحياء و الأموات،فكذلك لا يستوي المؤمن و الكافر.(الماورديّ 4:469)

نحوه السّدّيّ(394)،و الفرّاء(2:369).

ابن زيد :هذا مثل ضربه اللّه لهذا المؤمن الّذي يبصر دينه،و هذا الكافر الأعمى،فجعل المؤمن حيّا، و جعل الكافر ميّتا ميّت القلب أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122،هديناه إلى الإسلام كمن مثله

ص: 744


1- كذا،و الظّاهر:الأعمى و البصير.

في الظّلمات أعمى القلب،و هو في الظّلمات،أ هذا و هذا سواء.(الطّبري 22:129)

ابن قتيبة :مثل للعقلاء و الجهّال.(361)

الطّبريّ: و ما يستوي الأحياء القلوب بالإيمان باللّه و رسوله و معرفة تنزيل اللّه،و الأموات القلوب لغلبة الكفر عليها،حتّى صارت لا تعقل عن اللّه أمره و نهيه، و لا تعرف الهدى من الضّلال.و كلّ هذه أمثال ضربها اللّه للمؤمن و الإيمان و الكافر و الكفر.(22:128)

نحوه القاسميّ(14:4981)،و المراغيّ(22:122).

الزّجّاج: الأحياء:هم المؤمنون،و الأموات:

الكافرون،و دليل ذلك قوله: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ النّحل:21.(4:268)

الماورديّ: إنّ الأحياء:المؤمنون الّذين أحياهم الإيمان،و الأموات:الكفّار الّذين أماتهم الكفر.

(4:469)

الزّمخشريّ: و الأحياء و الأموات مثل للّذين دخلوا في الإسلام،و الّذين لم يدخلوا فيه و أصرّوا على الكفر.(3:306)

نحوه الآلوسيّ.(22:186)

ابن عطيّة: شبّه المؤمنين ب(الاحياء)و الكفرة ب(الاموات)من حيث لا يفهمون الذّكر و لا يقبلون عليه.(4:436)

الطّبرسيّ: يعني المؤمنين و الكافرين،و قيل:يعني العلماء و الجهّال.(4:405)

الفخر الرّازيّ: لمّا بيّن الهدى و الضّلالة و لم يهتد الكافر،و هدى اللّه المؤمن،ضرب لهم مثلا بالبصير و الأعمى،فالمؤمن بصير حيث أبصر الطّريق الواضح، و الكافر أعمى،و في تفسير الآية مسائل:

المسألة الأولى:ما الفائدة في تكثير الأمثلة هاهنا حيث ذكر الأعمى و البصير،و الظّلمة و النّور،و الظّلّ و الحرور،و الأحياء و الأموات؟فنقول:

الأوّل:مثل المؤمن و الكافر،فالمؤمن بصير و الكافر أعمى،ثمّ إنّ البصير و إن كان حديد البصر و لكن لا يبصر شيئا،إن لم يكن في ضوء،فذكر للإيمان و الكفر مثلا،و قال:الإيمان نور،و المؤمن بصير،و البصير لا يخفى عليه النّور.و الكفر ظلمة،و الكافر أعمى،فله صادّ فوق صادّ ثمّ ذكر لمآلهما و مرجعهما مثلا و هو الظّلّ و الحرور.فالمؤمن بإيمانه في ظلّ و راحة،و الكافر بكفره في حرّ و تعب.

ثمّ قال تعالى: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ مثلا آخر في حقّ المؤمن و الكافر،كأنّه قال تعالى:حال المؤمن و الكافر فوق حال الأعمى و البصير،فإنّ الأعمى يشارك البصير في إدراك ما،و الكافر غير مدرك إدراكا نافعا فهو كالميّت.و يدلّ على ما ذكرنا أنّه تعالى أعاد الفعل،حيث قال أوّلا: وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ فاطر:19،و عطف الظّلمات و النّور و الظّلّ و الحرور،ثمّ أعاد الفعل،و قال: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ، كأنّه جعل هذا مقابلا لذلك.

المسألة الثّانية:كرّر كلمة النّفي بين الظّلمات و النّور، و الظّلّ و الحرور،و الأحياء الأموات،و لم يكرّر بين الأعمى و البصير،و ذلك لأنّ التّكرير للتّأكيد،و المنافاة بين الظّلمة و النّور،و الظّلّ و الحرور مضادّة،فالظّلمة تنافي

ص: 745

النّور و تضادّه،و العمى و البصر كذلك.أمّا الأعمى و البصير ليس كذلك،بل الشّخص الواحد قد يكون بصيرا و هو بعينه يصير أعمى،فالأعمى و البصير لا منافاة بينهما إلاّ من حيث الوصف،و الظّلّ و الحرور و المنافاة بينهما ذاتيّة،لأنّ المراد من الظّلّ:عدم الحرّ و البرد،فلمّا كانت المنافاة هناك أتمّ أكّد بالتّكرار.و أمّا الأحياء و الأموات،و إن كانوا كالأعمى و البصير من حيث إنّ الجسم الواحد يكون حيّا محلاّ للحياة فيصير ميّتا محلاّ للموت،و لكن المنافاة بين الحيّ و الميّت أتمّ من المنافاة بين الأعمى و البصير،كما بيّنّا أنّ الأعمى و البصير يشتركان في إدراك أشياء،و لا كذلك الحيّ و الميّت،كيف و الميّت يخالف الحيّ في الحقيقة لا في الوصف؛على ما تبيّن في الحكمة الإلهيّة.

المسألة الثّالثة:قدّم الأشرف في مثلين و هو الظّلّ و الحرور (1)،و أخّره في مثلين و هو البصر و النّور،و في مثل هذا يقول المفسّرون:إنّه لتواخي أواخر الآي،و هو ضعيف،لأنّ تواخى الأواخر راجع إلى السّجع،و معجزة القرآن في المعنى لا في مجرّد اللّفظ،فالشّاعر يقدّم و يؤخّر للسّجع،فيكون اللّفظ حاملا له على تغيير المعنى.أمّا القرآن فحكمة بالغة،و المعنى فيه صحيح و اللّفظ فصيح، فلا يقدّم و لا يؤخّر اللّفظ بلا معنى.

فنقول:الكفّار قبل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كانوا في ضلالة فكانوا كالعمى و طريقهم كالظّلمة،ثمّ لمّا جاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و بيّن الحقّ،و اهتدى به منهم قوم فصاروا بصيرين و طريقتهم كالنّور،فقال:و ما يستوي من كان قبل البعث على الكفر و من اهتدى بعده إلى الإيمان،فلمّا كان الكفر قبل الإيمان في زمان محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و الكافر قبل المؤمن قدّم المقدّم.ثمّ لمّا ذكر المآل و المرجع قدّم ما يتعلّق بالرّحمة على ما يتعلّق بالغضب،لقوله في الإلهيّات:سبقت رحمتي غضبي.

ثمّ إنّ الكافر المصرّ بعد البعثة صار أضلّ من الأعمى،و شابه الأموات في عدم إدراك الحقّ من جميع الوجوه،فقال: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ أي المؤمنون الّذين آمنوا بما أنزل اللّه،و الأموات الّذين تليت عليهم الآيات البيّنات،و لم ينتفعوا بها،و هؤلاء كانوا بعد إيمان من آمن،فأخّرهم عن المؤمنين لوجود حياة المؤمنين قبل ممات الكافرين المعاندين،و قدّم الأعمى على البصير لوجود الكفّار الضّالّين قبل البعثة على المؤمنين المهتدين بعدها.

المسألة الرّابعة:فإن قلت:قابل الأعمى بالبصير بلفظ المفرد،و كذلك الظّلّ بالحرور،و قابل الأحياء بالأموات بلفظ الجمع،و قابل الظّلمات بالنّور بلفظ الجمع في أحدهما و الواحد في الآخر،فهل تعرف فيه حكمة؟

قلت:نعم بفضل اللّه و هدايته،أمّا في الأعمى و البصير و الظّلّ و الحرور،فلأنّه قابل الجنس بالجنس، و لم يذكر الأفراد؛لأنّ في العميان و أولي الأبصار قد يوجد فرد من أحد الجنسين يساوي فردا من الجنس الآخر،كالبصير الغريب في موضع و الأعمى الّذي هو تربية ذلك المكان،و قد يقدر الأعمى على الوصول إلى مقصد و لا يقدر البصير عليه،أو يكون الأعمى عنده من الذّكاء ما يساوي به البليد البصير،فالتّفاوت بينهما في الجنسين مقطوع به،فإنّ جنس البصير خير من جنسء.

ص: 746


1- كذا و الصّحيح:الأحياء.

الأعمى.و أمّا الأحياء و الأموات فالتّفاوت بينهما أكثر؛ إذ ما من ميّت يساوي في الإدراك حيّا من الأحياء،فذكر أنّ الأحياء لا يساوون الأموات،سواء قابلت الجنس بالجنس أو قابلت الفرد بالفرد،و أمّا الظّلمات و النّور فالحقّ واحد و هو التّوحيد،و الباطل كثير و هو طرق الإشراك على ما بيّنّا:أنّ بعضهم يعبدون الكواكب، و بعضهم النّار،و بعضهم الأصنام الّتي هي على صورة الملائكة،و إلى غير ذلك.و التّفاوت بين كلّ فرد من تلك الأفراد و بين هذا الواحد بيّن،فقال:الظّلمات كلّها إذا اعتبرتها لا تجد فيها ما يساوي النّور،و قد ذكرنا في تفسير قوله: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1، السّبب في توحيد النّور و جمع الظّلمات،و من جملة ذلك أنّ النّور لا يكون إلاّ بوجود منوّر،و محلّ قابل للاستنارة، و عدم الحائل بين النّور و المستنير،مثاله الشّمس.إذا طلعت،و كان هناك موضع قابل للاستنارة،و هو الّذي يمسك الشّعاع.(26:16)

نحوه النّيسابوريّ(22:74)،و أبو حيّان(7:308)، و الشّربينيّ(3:322).

البيضاويّ: تمثيل آخر للمؤمنين و الكافرين أبلغ من الأوّل.و لذلك كرّر الفعل.و قيل:للعلماء و الجهّال.

(2:271)

النّسفيّ: مثل للّذين دخلوا في الإسلام و الّذين لم يدخلوا فيه،و زيادة(لا)لتأكيد معنى النّفي،و الفرق بين هذه الواوات أنّ بعضها ضمّت شفعا إلى شفع،و بعضها وترا إلى وتر.(3:339)

ابن كثير :هذا مثل ضربه اللّه تعالى للمؤمنين و هم الأحياء،و للكافرين و هم الأموات،كقوله تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها الأنعام:

122.(5:578)

أبو السّعود :[مثل البيضاويّ و أضاف:]

و أوثر صيغة الجمع في الطّرفين تحقيقا للتّباين بين أفراد الفريقين.(5:279)

البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و الحيّ: ما به القوّة الحسّاسة،و الميّت:ما زال عنه ذلك.وجه التّمثيل أنّ المؤمن منتفع بحياته؛إذ ظاهره ذكر و باطنه فكر دون الكافر؛إذ ظاهره عاطل و باطنه باطل.

و قال بعض العلماء:هو تمثيل للعلماء و الجهّال، و تشبيه الجهلة بالأموات شائع،و منه قوله:

لا تعجبنّ الجهول خلّته فإنّه الميت ثوبه كفن

لأنّ الحياة المعتبرة هي حياة الأرواح و القلوب؛ و ذلك بالحكم و المعارف،و لا عبرة بحياة الأجساد بدونها،لاشتراك البهائم فيها.(7:338)

ابن عاشور :و جملة: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ أظهر في هذه الجملة الفعل الّذي قدّر في الجملتين اللّتين قبلها،و هو فعل يَسْتَوِي لأنّ التّمثيل هنا عاد إلى تشبيه حال المسلمين و الكافرين؛ إذ شبّه حال المسلم بحال الأحياء،و حال الكافرين بحال الأموات،فهذا ارتقاء في تشبيه الحالين من تشبيه المؤمن بالبصير و الكافر بالأعمى،إلى تشبيه المؤمن بالحيّ و الكافر بالميّت.و نظيره في إعادة فعل الاستواء قوله

ص: 747

تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَ النُّورُ الرّعد:16.

فلمّا كانت الحياة هي مبعث المدارك و المساعي كلّها، و كان الموت قاطعا للمدارك و المساعي،شبّه الإيمان بالحياة في انبعاث خير الدّنيا و الآخرة منه،و في تلقّي ذلك و فهمه،و شبّه الكفر بالموت في الانقطاع عن الأعمال و المدركات النّافعة كلّها،و في عدم تلقّي ما يلقى إلى صاحبه،فصار المؤمن شبيها بالحيّ مشابهة كاملة،لمّا خرج من الكفر إلى الإيمان،فكأنّه بالإيمان نفخت فيه الحياة بعد الموت،كما أشار إليه قوله تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122،و كان الكافر شبيها بالميّت ما دام على كفره.

و اكتفى بتشبيه الكافر و المؤمن في موضعين عن تشبيه الكفر و الإيمان و بالعكس لتلازمهما،و أوتي تشبيه الكافر و المؤمن في موضعين لكون وجه الشّبه في الكافر و المؤمن أوضح،و عكس ذلك في موضعين،لأنّ وجه الشّبه أوضح في الموضعين الآخرين.[إلى أن قال:]

و جيء بصيغة الجمع اَلْأَحْياءُ و اَلْأَمْواتُ تفنّنا في الكلام بعد أن أورد الأعمى و البصير بالإفراد، لأنّ المفرد و الجمع في المعرّف بلام الجنس سواء،إذا كان اسما له أفراد،بخلاف النّور و الظّلّ و الحرور.

(22:149)

مغنيّة:أمّا الأحياء فهم أصحاب القلوب الحيّة، الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه،و ضدّهم الأموات،و المعنى:ليس سواء عند اللّه.و في الواقع من آمن و أصلح،و من كفر و أفسد،بل إنّ الفرق بينهما تماما كالفرق بين العمى و البصر،و النّور و الظّلام،و الجحيم و النّعيم،و الموت و الحياة.(6:286)

الطّباطبائيّ: عطف على: وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ و إنّما كرّر قوله: ما يَسْتَوِي و لم يعطف اَلْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ على:«الاعمى و البصير» كرابعته لطول الفصل،فأعيد(ما يستوى)لئلاّ يغيب المعنى عن ذهن السّامع،فهو كقوله: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إلى أن قال: كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ التّوبة:7،8.

و الجمل المتوالية المترتّبة،أعني قوله: وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ إلى قوله: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ تمثيلات للمؤمن و الكافر و تبعات أعمالهما.

(17:37)

مكارم الشّيرازيّ: المؤمنون حيويّون،سعاة متحرّكون،لهم رشد و نموّ،لهم فروع و أوراق،و ورود و ثمر،أمّا الكافر فمثل الخشبة اليابسة،لا فيها طراوة و لا ورق،و لا ورد و لا ظلّ لها،و لا تصلح إلاّ حطبا للنّار.

و في الآية:122،سورة الأنعام نقرأ: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها. (14:58)

فضل اللّه :(الاحياء)الّذين تتحرّك الحياة في كلّ عروقهم،فتحرّك فيهم الحسّ و الشّعور، وَ لاَ الْأَمْواتُ الّذين تحوّلوا إلى جماد لا أثر للحياة فيه،فلا يحسّون بشيء و لا يعقلون شيئا.

و هكذا توحي هذه الكلمات المتقابلة و الموجودات المختلفة،بما يماثلها في الوجود الإنسانيّ و بما حوله.[إلى أن

ص: 748

قال:]

و الأحياء هم المؤمنون المسلمون الّذين فتحوا عقولهم و أسماعهم و أبصارهم على كلام اللّه،و تحرّكوا في الاتّجاه السّليم الّذي ينطلق منه و يرجع إليه،و الأموات هم الّذين تجمّدت عقولهم،و تحجّرت مشاعرهم،فلم يلتقوا بالرّوح الإيمانيّة الّتي تتحرّك في آفاق الوحي، لأنّهم لا يعيشون نبض الحياة الشّاعرة في أعماق ذواتهم؛ لذا لا بدّ للإنسان أن يستوحي المعنى من الكلمة،و الرّوح من المادّة،و الفكرة من حركة الحياة.(19:101)

حيوة

1- وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ...

البقرة:96

راجع ح ر ص:«احرص».

2- وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. البقرة:179

راجع ق ص ص:«القصاص».

الحياة

1- إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً. الإسراء:75

راجع ض ع ف:«ضعف».

2- قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ... طه:97

راجع م س س:«مساس».

3- اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. الملك:2

راجع ب ل و:«ليبلوكم».

الحياة الدّنيا

1- ...فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... البقرة:85

لاحظ خ ز ي:«خزى».

2- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ...

البقرة:86

لاحظ ش ري:«اشتروا».

3- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... البقرة:204

الطّوسيّ: أي وقت الحياة الدّنيا،فالحيّ:هو من لا يستحيل،و هو على ما هو عليه أن يكون عالما قادرا.

(2:178)

الزّمخشريّ: فإن قلت:بم يتعلّق قوله: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا؟

قلت:بالقول،أي يعجبك ما يقوله في معنى الدّنيا، لأنّ ادّعاء المحبّة بالباطل يطلب به حظّا من حظوظ الدّنيا، و لا يريد به الآخرة،كما تراد بالإيمان الحقيقيّ و المحبّة الصّادقة للرّسول،فكلامه إذن في الدّنيا لا في الآخرة.

و يجوز أن يتعلّق ب(يعجبك)،أي قوله حلو فصيح في الدّنيا فهو يعجبك،و لا يعجبك في الآخرة لما يرهقه في

ص: 749

الموقف من الحبسة و اللّكنة،أو لأنّه لا يؤذن له في الكلام،فلا يتكلّم حتّى يعجبك كلامه.(1:352)

نحوه الفخر الرّازيّ(5:217)،و البيضاويّ(1:

111)،و النّسفيّ(1:104)،و أبو السّعود(1:254)، و البروسويّ(1:322).

النّيسابوريّ: إمّا أن يتعلّق ب(قوله)،أي يعجبك ما يقوله في باب الدّنيا طلبا للمصالح العاجلة فقط، كالأمان من القتل و الأخذ من المغانم.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](2:199)

الآلوسيّ: أي في أمور الدّنيا و أسباب المعاش- سواء كانت عائدة إليه أم لا-فالمراد من(الحياة)ما به الحياة و التّعيّش،أو في معنى(الدّنيا)فإنّها مرادة من ادّعاء المحبّة و إظهار الإيمان،«فالحياة الدنيا»على معناها.و جعله ظرفا للقول من قبيل قولهم في عنوان المباحث:الفصل الأوّل في كذا،و الكلام في كذا،أي المقصود منه ذلك.و لا حذف في شيء من التّقديرين- على ما وهم-و تكون الظّرفيّة حينئذ تقديريّة.[ثمّ أدام الكلام نحو الزّمخشريّ](2:94)

ابن عاشور :يجوز أن يتعلّق ب(يعجبك)فيراد بهذا الفريق من النّاس المنافقون الّذين يظهرون كلمة الإسلام و الرّغبة فيه على حدّ قوله تعالى: وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا البقرة:14،أي إعجابك بقولهم لا يتجاوز الحصول في الحياة الدّنيا،فإنّك في الآخرة تجدهم بحالة لا تعجبك،فهو تمهيد لقوله في آخر الآية:

فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ، و الظّرفيّة المستفاد من(فى)ظرفيّة حقيقيّة.

و يجوز أن يتعلّق بكلمة«قوله»،أي كلامه عن شئون الدّنيا،من محامد الوفاء في الحلف مع المسلمين، و الودّ للنّبيّ،و لا يقول شيئا في أمور الدّين،فهذا تنبيه على أنّه لا يتظاهر بالإسلام،فيراد بهذا الأخنس بن شريق.

و حرف(فى)على هذا الوجه للظّرفيّة المجازيّة بمعنى «عن»و التّقدير:قوله عن الحياة الدّنيا.(2:250)

الطّباطبائيّ: و قوله: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلّق بقوله:(يعجبك)،أي أنّ الإعجاب في الدّنيا من جهة أنّ هذه الحياة نوع حياة لا تحكم إلاّ على الظّاهر،و أمّا الباطن و السّريرة فتحت السّتر و وراء الحجاب، لا يشاهد الإنسان،و هو متعلّق الحياة بالدّنيا (1)،إلاّ أن يستكشف شيئا من أمر الباطن من طريق الآثار، و يناسبه ما يتلوه:من قوله تعالى: وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ. و المعنى أنّه يتكلّم بما يعجبك كلامه،ممّا يشير به إلى رعاية جانب الحقّ،و العناية بصلاح الخلق.

(2:96)

4- زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا... البقرة:212

راجع ز ي ن:«زيّن».

5- زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ... ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا... آل عمران:14

6- وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ.

آل عمران:185ا.

ص: 750


1- كذا،و الظّاهر:بالحياة الدّنيا.

راجع م ت ع:«متاع».

7- مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ... آل عمران:117

راجع ن ف ق:«ينفقون».

8- فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ... النّساء:74

راجع ش ري:«يشرون».

9- ...وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ...

النّساء:94

راجع ع ر ض:«عرض».

10- وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ. الأنعام:32

ابن عبّاس: يريد حياة أهل الشّرك و النّفاق.

(الفخر الرّازيّ 12:200)

الحسن :و ما أهل الحياة الدّنيا إلاّ أهل لعب و لهو، لاشتغالهم بها عمّا هو أولى منها.(الماورديّ 2:107)

الطّبريّ: و هذا تكذيب من اللّه تعالى ذكره هؤلاء الكفّار المنكرين البعث بعد الممات في قولهم: إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ الأنعام:29.

يقول تعالى ذكره مكذّبا لهم في قيلهم ذلك: مَا الْحَياةُ الدُّنْيا أيّها النّاس إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ، يقول:ما باغي لذّات الحياة الّتي أدنيت لكم،و قرّبت منكم في داركم هذه،و نعيمها و سرورها فيها،و المتلذّذ بها، و المنافس عليها،إلاّ في لعب و لهو؛لأنّها عمّا قليل تزول عن المستمع بها،و المتلذّذ فيها بملاذّها،أو تأتيه الأيّام بفجائعها و صروفها فتمرّ عليه،و تكدر كاللاّعب اللاّهي الّذي يسرع اضمحلال لهوه و لعبه عنه،ثمّ يعقبه منه ندما،و يورثه منه ترحا.(7:180)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:و ما أمر الدّنيا و العمل لها إلاّ لعب و لهو،فأمّا عمل الصّالحات فيها فهو من عمل الآخرة،فخرج من أن يكون لعبا و لهوا.

و الثّاني:[قول الحسن المتقدّم]

و الثّالث:أنّهم كأهل اللّعب و اللّهو،لانقطاع لذاتهم و قصور مدّتهم،و أهل الآخرة بخلافهم لبقاء مدّتهم و اتّصال لذّتهم،هو معنى قوله تعالى: وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ؛ لأنّه قد دام لها فيها ما كان منقطعا في غيرها.(2:106)

الطّوسيّ: بيّن اللّه تعالى في هذه الآية أنّ ما يمتّع به في الدّنيا بمنزلة اللّعب و اللّهو،اللّذين لا عاقبة لهما في المنفعة،و يقتضي زوالهما عن أهلها في أدنى مدّة و أسرع زمان،لأنّه لا ثبات لهما و لا بقاء،فأمّا الأعمال الصّالحات فهي من أعمال الآخرة،و ليس بلهو و بلعب.(4:125)

ابن عطيّة: هذا ابتداء خبر عن حال الدّنيا، و المعنى:أنّها إذا كانت فانية منقضية لا طائل لها،أشبهت اللّعب و اللّهو الّذي لا طائل له إذا انقضى.[إلى أن قال:]

و هذه الآية تتضمّن الرّدّ على قولهم: إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا الأنعام:29،و هو المقصود بها.(2:284)

ص: 751

و هذه الآية تتضمّن الرّدّ على قولهم: إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا الأنعام:29،و هو المقصود بها.(2:284)

الطّبرسيّ: أي باطل و غرور،إذا لم يجعل ذلك طريقا إلى الآخرة،و إنّما عنى بالحياة الدّنيا:أعمال الدّنيا، لأنّ نفس الدّنيا لا توصف باللّعب،و ما فيه رضا اللّه من عمل الآخرة لا يوصف به أيضا،لأنّ اللّعب ما لا يعقب نفعا،و اللّهو ما يصرف من الجدّ إلى الهزل،و هذا إنّما يتصوّر في المعاصي.

و قيل:المراد باللّعب و اللّهو أنّ الحياة تنقضي و تفنى، و لا تبقى،فتكون لذّة فانية عن قريب كاللّعب و اللّهو.

(2:293)

ابن الجوزيّ: فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا في سرعة انقطاعها و قصر عمرها،إلاّ كالشّيء يلعب به.

و الثّاني:[نحو ما تقدّم عن الماورديّ]

و الثّالث:[قول الحسن](3:27)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أنّ المنكرين للبعث و القيامة تعظم رغبتهم في الدّنيا و تحصيل لذّاتها،فذكر اللّه تعالى هذه الآية تنبيها على خساستها و ركاكتها.

و اعلم أنّ نفس هذه الحياة لا يمكن ذمّها،لأنّ هذه الحياة العاجلة لا يصحّ اكتساب السّعادات الأخرويّة إلاّ فيها،فلهذا السّبب حصل في تفسير هذه الآية قولان:

القول الأوّل:أنّ المراد منه حياة الكافر.قال ابن عبّاس:يريد حياة أهل الشّرك و النّفاق،و السّبب في وصف حياة هؤلاء بهذه الصّفة أنّ حياة المؤمن يحصل فيها أعمال صالحة،فلا تكون لعبا و لهوا.

و القول الثّاني:أنّ هذا عامّ في حياة المؤمن و الكافر، و المراد منه اللّذّات الحاصلة في هذه الحياة و الطّيّبات المطلوبة في هذه الحياة،و إنّما سمّاها باللّعب و اللّهو،لأنّ الإنسان حال اشتغاله باللّعب و اللّهو يلتذّ به،ثمّ عند انقراضه و انقضائه لا يبقى منه إلاّ النّدامة،فكذلك هذه الحياة لا يبقى عند انقراضها إلاّ الحسرة و النّدامة.

و اعلم أنّ تسمية هذه الحياة باللّعب و اللّهو فيه وجوه:

الأوّل:أنّ مدّة اللّهو و اللّعب قليلة سريعة الانقضاء و الزّوال،و مدّة هذه الحياة كذلك.

الثّاني:أنّ اللّعب و اللّهو لا بدّ و أن ينساقا في أكثر الأمر إلى شيء من المكاره،و لذّات الدّنيا كذلك.

الثّالث:أنّ اللّعب و اللّهو،إنّما يحصل عند الاغترار بظواهر الأمور،و أمّا عند التّأمّل التّامّ و الكشف عن حقائق الأمور،لا يبقى اللّعب و اللّهو أصلا،و كذلك اللّهو و اللّعب،فإنّهما لا يصلحان إلاّ للصّبيان و الجهّال المغفّلين، أمّا العقلاء و الحصفاء،فقلّما يحصل لهم خوض في اللّعب و اللّهو،فكذلك الالتذاذ بطيّبات الدّنيا و الانتفاع بخيراتها لا يحصل إلاّ للمغفّلين الجاهلين بحقائق الأمور،و أمّا الحكماء المحقّقون،فإنّهم يعلمون أنّ كلّ هذه الخيرات غرور،و ليس لها في نفس الأمر حقيقة معتبرة.

الرّابع:أنّ اللّعب و اللّهو ليس لهما عاقبة محمودة.

فثبت بمجموع هذه الوجوه أنّ اللّذّات و الأحوال الدّنيويّة لعب و لهو،و ليس لهما حقيقة معتبرة.و لمّا بيّن تعالى ذلك قال بعده: وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وصف الآخرة بكونها خيرا،و يدلّ على أنّ الأمر كذلك حصول

ص: 752

التّفاوت بين أحوال الدّنيا و أحوال الآخرة في أمور:

أحدها:أنّ خيرات الدّنيا خسيسة و خيرات الآخرة شريفة،بيان أنّ الأمر كذلك وجوه:

الأوّل:أنّ خيرات الدّنيا ليست إلاّ قضاء الشّهوتين، و هو في نهاية الخساسة،بدليل أنّ الحيوانات الخسيسة تشارك الإنسان فيه،بل ربّما كان أمر تلك الحيوانات فيها أكمل من أمر الإنسان،فإنّ الجمل أكثر أكلا،و الدّيك و العصفور أكثر وقاعا،و الذّئب أقوى على الفساد و التّمزيق،و العقرب أقوى على الإيلام.

و ممّا يدلّ على خساستها أنّها لو كانت شريفة لكان الإكثار منها يوجب زيادة الشّرف،فكان يجب أن يكون الإنسان الّذي وقف كلّ عمره على الأكل و الوقاع أشرف النّاس،و أعلاهم درجة.و معلوم بالبديهة أنّه ليس الأمر كذلك بل مثل هذا الإنسان يكون ممقوتا مستقذرا مستحقرا،يوصف بأنّه بهيمة أو كلب أو أخسّ.

و ممّا يدلّ على ذلك إنّ النّاس لا يفتخرون بهذه الأحوال بل يخفونها،و لذلك كان العقلاء عند الاشتغال بالوقاع يختفون و لا يقدمون على هذه الأفعال بمحضر من النّاس؛و ذلك يدلّ على أنّ هذه الأفعال لا توجب الشّرف بل النّقص.

و ممّا يدلّ على ذلك أيضا أنّ النّاس إذا شتم بعضهم بعضا لا يذكرون فيه إلاّ الألفاظ الدّالّة على الوقاع،و لو لا أنّ تلك اللّذّة من جنس النّقصانات،و إلاّ لما كان الأمر كذلك.

و ممّا يدلّ عليه أنّ هذه اللّذّات ترجع حقيقتها إلى دفع الآلام؛و لذلك فإنّ كلّ من كان أشدّ جوعا و أقوى حاجة كان التذاذه بهذه الأشياء أكمل له و أقوى،و إذا كان الأمر كذلك ظهر أنّه لا حقيقة لهذه اللّذّات في نفس الأمر.و ممّا يدلّ عليه أيضا أنّ هذه اللّذّات سريعة الاستحالة،سريعة الزّوال،سريعة الانقضاء.فثبت بهذه الوجوه الكثيرة خساسة هذه اللّذّات.

و أمّا السّعادات الرّوحانيّة فإنّها سعادات شريفة عالية باقية مقدّسة،و لذلك فإنّ جميع الخلق إذا تخيّلوا في الإنسان كثرة العلم و شدّة الانقباض عن اللّذّات الجسمانيّة،فإنّهم بالطّبع يعظّمونه و يخدمونه و يعدّون أنفسهم عبيدا لذلك الإنسان و أشقياء بالنّسبة إليه؛ و ذلك يدلّ على شهادة الفطرة الأصليّة بخساسة اللّذّات الجسمانيّة،و كمال مرتبة اللّذّات الرّوحانيّة.

الوجه الثّاني:في بيان أنّ خيرات الآخرة أفضل من خيرات الدّنيا،هو أن نقول:هب أنّ هذين النّوعين تشاركا في الفضل و المنقبة،إلاّ أنّ الوصول إلى الخيرات الموعودة في غد القيامة معلوم قطعا.و أمّا الوصول إلى الخيرات الموعودة في غد الدّنيا فغير معلوم،بل و لا مظنون،فكم من سلطان قاهر في بكرة اليوم صار تحت التّراب في آخر ذلك اليوم،و كم من أمير كبير أصبح في الملك و الإمارة،ثمّ أمسى أسيرا حقيرا،و هذا التّفاوت أيضا يوجب المباينة بين النّوعين.

الوجه الثّالث:هب أنّه وجد الإنسان بعد هذا اليوم يوما آخر في الدّنيا،إلاّ أنّه لا يدري هل يمكنه الانتفاع بما جمعه من الأموال و الطّيّبات و اللّذّات أم لا؟أمّا كلّ ما جمعه من موجبات السّعادات،فإنّه يعلم قطعا أنّه ينتفع

ص: 753

به في الدّار الآخرة.

الوجه الرّابع:هب أنّه ينتفع بها إلاّ أنّ انتفاعه بخيرات الدّنيا لا يكون خاليا عن شوائب المكروهات، و ممازجة المحرّمات المخوّفات.و لذلك قيل:من طلب ما لم يخلق أتعب نفسه و لم يرزق.فقيل:و ما هو يا رسول اللّه؟ قال:«سرور يوم بتمامه».

الوجه الخامس:هب أنّه ينتفع بتلك الأموال و الطّيّبات في الغد،إلاّ أنّ تلك المنافع منقرضة ذاهبة باطلة،و كلّما كانت تلك المنافع أقوى و ألذّ و أكمل و أفضل،كانت الأحزان الحاصلة عند انقراضها و انقضائها أقوى و أكمل،كما قال الشّاعر المتنبّي:

أشدّ الغمّ عندي في سرور

تيقّن عنه صاحبه انتقالا

فثبت بما ذكرنا أنّ سعادات الدّنيا و خيراتها موصوفة بهذه العيوب العظيمة،و النّقصانات الكاملة و سعادات الآخرة مبرّأة عنها،فوجب القطع بأنّ الآخرة أكمل و أفضل و أبقى و أتقى و أحرى و أولى.(12:200)

البيضاويّ: أي و ما أعمالها إلاّ لعب و لهو،تلهي النّاس و تشغلهم عمّا يعقب منفعة دائمة و لذّة حقيقيّة، و هو جواب لقولهم: إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا الأنعام:

29.(1:308)

نحوه الشّربينيّ(1:417)،و الكاشانيّ(2:116).

النّسفيّ: قيل:ما أهل الحياة الدّنيا إلاّ أهل لعب و لهو.

و قيل:ما أعمال الحياة الدّنيا إلاّ لعب و لهو،لأنّها لا تعقب منفعة كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة.

(2:9)

الخازن :هل المراد بهذه الحياة حياة المؤمن أو الكافر؟قولان:

أحدهما:أنّ المراد بها حياة الكافر،لأنّ المؤمن لا يزداد بحياته في الدّنيا إلاّ خيرا؛لأنّه يحصل في أيّام حياته من الأعمال الصّالحة و الطّاعة ما يكون سببا لحصول السّعادة في الآخرة،و أمّا الكافر فإنّ كلّ حياته في الدّنيا و بال عليه.

و القول الثّاني:أنّ هذا عامّ في حياة المؤمن و الكافر، لأنّ الإنسان يلتذّ باللّعب و اللّهو،ثمّ عند انقضائه تحصل له الحسرة و النّدامة،لأنّ الّذي كان فيه من اللّعب و اللّهو سريع الزّوال لا بقاء له،فبان بهذا التّقرير أنّ المراد بهذه الحياة حياة المؤمن و الكافر،و أنّه عامّ فيهما،و إنّما شبّه الحياة الدّنيا باللّعب و اللّهو لسرعة زوالها و قصر عمرها، كالشّيء الّذي يلعب به.(2:107)

أبو السّعود :و المعنى إمّا على حذف المضاف،أو على جعل الحياة الدّنيا نفس اللّعب و اللّهو مبالغة.[ثمّ استشهد بشعر]

أي و ما أعمال الدّنيا،أي الأعمال المتعلّقة بها من حيث هي هي،أو ما هي من حيث إنّها محلّ لكسب تلك الأعمال إلاّ لعب يشغل النّاس و يلهيهم،بما فيه من منفعة سريعة الزّوال و لذّة و شيكة الاضمحلال،عمّا يعقبهم من منفعة جليلة باقية،و لذّة حقيقيّة غير متناهية من الإيمان و العمل الصّالح.(2:373)

نحوه البروسويّ.(3:23)

الآلوسيّ: لمّا حقّق سبحانه و تعالى فيما سبق أنّ

ص: 754

وراء الحياة الدّنيا حياة أخرى يلقون فيها من الخطوب ما يلقون،بيّن جلّ شأنه حال تينك الحياتين في أنفسهما، و جعله بعضهم جوابا لقولهم: إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا، و فيه بعد،و كيفما كان فالمراد:و ما أعمال الحياة الدّنيا المختصّة بها إلاّ كاللّعب و اللّهو في عدم النّفع و الثّبات.

و بهذا التّقدير خرج-كما قال غير واحد-ما فيها من الأعمال الصّالحة كالعبادة و ما كان لضرورة المعاش، و الكلام من التّشبيه البليغ و لو لم يقدّر مضاف،و جعلت الدّنيا نفسها لعبا و لهوا مبالغة.(7:133)

ابن عاشور :لمّا جرى ذكر السّاعة و ما يلحق المشركين فيها من الحسرة على ما فرّطوا،ناسب أن يذكّر النّاس بأنّ الحياة الدّنيا زائلة،و أنّ عليهم أن يستعدّوا للحياة الآخرة.فيحتمل أن يكون جوابا لقول المشركين: إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ الأنعام:29،فتكون الواو للحال،أي تقولون:إن هي إلاّ حياتنا الدّنيا،و لو نظرتم حقّ النّظر لوجدتم الحياة الدّنيا لعبا و لهوا،و ليس فيها شيء باق،فلعلمتم أنّ وراءها حياة أخرى فيها من الخيرات ما هو أعظم ممّا في الدّنيا، و إنّما يناله المتّقون،أي المؤمنون،فتكون الآية إعادة لدعوتهم إلى الإيمان و التّقوى،و يكون الخطاب في قوله:

أَ فَلا تَعْقِلُونَ التفاتا من الحديث عنهم بالغيبة إلى خطابهم بالدّعوة.

و يحتمل أنّه اعتراض بالتّذييل لحكاية حالهم في الآخرة،فإنّه لمّا حكى قولهم: يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها الأنعام:31،علم السّامع أنّهم فرّطوا في الأمور النّافعة لهم في الآخرة بسبب الانهماك في زخارف الدّنيا، فذيّل ذلك بخطاب المؤمنين تعريفا بقيمة زخارف الدّنيا، و تبشيرا لهم بأنّ الآخرة هي دار الخير للمؤمنين،فتكون (الواو)عطفت جملة البشارة على حكاية النّذارة، و المناسبة هي التّضادّ.و أيضا في هذا نداء على سخافة عقولهم إذ غرّتهم في الدّنيا فسوّل لهم الاستخفاف بدعوة اللّه إلى الحقّ.فيجعل قوله: أَ فَلا تَعْقِلُونَ خطابا مستأنفا للمؤمنين،تحذيرا لهم من أن تغرّهم زخارف الدّنيا،فتلهيهم عن العمل للآخرة.

و هذا الحكم عامّ على جنس الحياة الدّنيا،فالتّعريف في الحياة تعريف الجنس،أي الحياة الّتي يحياها كلّ أحد المعروفة بالدّنيا،أي الأولى و القريبة من النّاس،و أطلقت الحياة الدّنيا على أحوالها،أو على مدّتها.[إلى أن قال:]

و قد أفادت صيغة: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ قصر الحياة على اللّعب و اللّهو،و هو قصر موصوف على صفة.و المراد بالحياة:الأعمال الّتي يحبّ الإنسان الحياة لأجلها؛لأنّ الحياة مدّة و زمن لا يقبل الوصف بغير أوصاف الأزمان من طول أو قصر،و تحديد أو ضدّه،فتعيّن أنّ المراد بالحياة:الأعمال المظروفة فيها، و اللّعب و اللّهو في قوة الوصف،لأنّهما مصدران أريد بهما الوصف للمبالغة،كقول الخنساء:

*فإنّما هي إقبال و إدبار*

و هذا القصر ادّعائيّ يقصد به المبالغة،لأنّ الأعمال الحاصلة في الحياة كثيرة،منها اللّهو و اللّعب.و منها غيرهما.قال تعالى: أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ الحديد:

ص: 755

20،فالحياة تشتمل على أحوال كثيرة منها الملائم كالأكل و اللّذّات،و منها المؤلم كالأمراض و الأحزان.فأمّا المؤلمات فلا اعتداد بها هنا و لا التفات إليها،لأنّها ليست ممّا يرغب فيه الرّاغبون،لأنّ المقصود من ذكر الحياة هنا ما يحصل فيها ممّا يحبّها النّاس لأجله،و هو الملائمات.

و أمّا الملائمات فهي كثيرة،و منها ما ليس بلعب و لهو، كالطّعام و الشّراب و التّدفّؤ في الشّتاء و التّبرّد في الصّيف، و جمع المال عند المولع به،و قرى الضّيف.و نكاية العدوّ، و بذل الخير للمحتاج،إلاّ أنّ هذه لمّا كان معظمها يستدعي صرف همّة و عمل،كانت مشتملة على شيء من التّعب و هو منافر.فكان معظم ما يحبّ النّاس الحياة لأجله هو اللّهو و اللّعب،لأنّه الأغلب على أعمال النّاس في أوّل العمر،و الغالب عليهم فيما بعد ذلك.فمن اللّعب:

المزاح و مغازلة النّساء،و من اللّهو:الخمر و الميسر و المغاني و الأسمار و ركوب الخيل و الصّيد.

فأمّا أعمالهم في القربات كالحجّ و العمرة و النّذر و الطّواف بالأصنام و العتيرة و نحوها؛فلأنّها لمّا كانت لا اعتداد بها بدون الإيمان كانت ملحقة باللّعب،كما قال تعالى: وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً وَ تَصْدِيَةً الأنفال:35،و قال: اَلَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا الأعراف:51.

فلا جرم كان الأغلب على المشركين و الغالب على النّاس اللّعب و اللّهو،إلاّ من آمن و عمل صالحا.فلذلك وقع القصر الادّعائيّ في قوله: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ. (6:68)

الطّباطبائيّ: فيه بيان حال الحياتين:الدّنيا و الآخرة.و المقايسة بينهما،فالحياة الدّنيا لعب و لهو ليس إلاّ،فإنّها تدور مدار سلسلة من العقائد الاعتباريّة و المقاصد الوهميّة،كما يدور عليه اللّعب،فهي لعب،ثمّ هي شاغلة للإنسان عمّا يهمّه من الحياة الأخرى الحقيقيّة الدّائمة،فهي لهو،و الحياة الآخرة لكونها حقيقيّة ثابتة فهي خير،و لا ينالها إلاّ المتّقون،فهي خير لهم.

(7:57)

عبد الكريم الخطيب :هو تعقيب على هذا الحكم الّذي حكم به سبحانه على أهل الضّلال و الكفر،فقد غرّتهم الحياة الدّنيا،و ألهتهم عن الآخرة،فلم يعملوا لها و لم يقدّموا ليومها زادا ينفعهم في هذا الموقف العصيب.

و هكذا هي الدّنيا لعب و لهو،إذا وقف الإنسان نفسه عليها،و حبس وجوده على مظاهرها،دون أن يلتفت إلى ما بعدها من لقاء اللّه،و موقف الحساب بين يديه.

و لكنّه إن التفت إلى الآخرة الّتي وراء هذه الحياة الدّنيا،لم تكن هذه الحياة الدّنيا لعبا و لهوا،و إنّما تكون حياة جادّة عاملة،تجمع الدّنيا و الآخرة معا،و بهذا تتفتّح أمام الإنسان آفاق فسيحة للعمل الطّيّب المثمر،الّذي إن فاته حظّه منه في الدّنيا،فلن يفوته ثوابه العظيم منه في الآخرة.

و من هنا كانت حياة المؤمنين باللّه و اليوم الآخر، حياة عامرة بالعمل و الكفاح و الجهاد؛إذ كان على المؤمن أن يملأ بوجوده و كفاحه دنياه و آخرته جميعا...أمّا الّذين لا يؤمنون باللّه و لا باليوم الآخر،فإنّ حياتهم فراغ في فراغ،يدورون فيه حول أنفسهم.كما يدور الأطفال في لهوهم و لعبهم.(4:157)

ص: 756

مكارم الشّيرازيّ: هؤلاء الّذين اكتفوا بهذه الحياة،و لا يطلبون غيرها،هم أشبه بالأطفال الّذين يودّون أن لو يقضوا العمر كلّه في اللّعب و اللّهو،غافلين عن كلّ شيء.

إنّ تشبيه الحياة الدّنيا باللّهو و اللّعب يستند إلى كون اللّهو و اللّعب من الممارسات الفارغة السّطحيّة الّتي لا ترتبط بأصل الحياة الحقيقيّة،سواء فاز اللاّعب أم خسر؛إذ كلّ شيء يعود إلى حالته الطّبيعيّة بعد اللّعب.

و كثيرا ما نلاحظ أنّ الأطفال يتحلّقون و يشرعون باللّعب،فهذا يكون أميرا،و ذاك يكون وزيرا،و آخر لصّا،و رابع يكون قافلة،ثمّ لا تمضي ساعة حتّى ينتهي اللّعب،و لا يكون هناك أمير و لا وزير و لا لصّ و لا قافلة،أو كما يحدث في المسرحيّات أو التّمثيليّات، فنشاهد مناظر للحرب أو الحبّ أو العداء تتجسّد على المسرح،ثمّ بعد ساعة يتبدّد كلّ شيء.

و الدّنيا أشبه بالتّمثيليّة الّتي يقوم فيها النّاس بتمثيل أدوار الممثّلين،و قد تجتذب هذه التّمثيليّة الصّبيانيّة حتّى عقلاءنا و مفكّرينا،و لكن سرعان ما تسدل السّتارة و ينتهي التّمثيل.(4:242)

فضل اللّه : وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ إنّها حقيقة الحياة العارية،بعيدا عن كلّ الزّخارف الّتي تلوّنها؛إذ ما ذا يوجد خلف الصّراعات و الخلافات و الشّهوات و الأطماع و الحركات الخاصّة و العامّة،إذ جرّد الإنسان نفسه من الأهداف الّتي تربطه بالدّار الآخرة؟ما ذا يبقى منها؟لا شيء سوى اللّهو الّذي يشغلكم و يملأ فراغ أنفسكم و أوقاتكم،ثمّ لا يبقى منه شيء بعد انقضاء الوقت و الاستسلام للنّوم،و لا شيء بعد ذلك،سوى اللّعب الّذي يمارس فيه الإنسان بعضا من الحركات و الأوضاع المثيرة المعجبة الّتي تحرّك الأعضاء و الأفكار و المشاعر،ثمّ ينتهي كلّ شيء عند ما تهدأ السّاحة و ينتهي اللاّعبون.

إنّ الشّيء الّذي يجعل لحركة الإنسان معنى،إنّما هو السّعي باتّجاه الهدف الّذي يحكم حياته و يربط مصيره.

أمّا إذا فرّغها من ذلك كلّه كما يفعل المادّيّون،و لم يلتق فيها باللّه،و لم يستهدف الدّار الآخرة كغاية،فإنّه لا يزيد عن أن يكون لاهيا لاعبا،في ما يعنيه اللّهو و اللّعب من البعد عن ربط العمل بقضيّة المصير.(9:75)

11- وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ...

العنكبوت:64

مثل ما قبلها.

12- وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا... الأنعام:70

13- ...وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ. الأنعام:130

14- اَلَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا... الأعراف:51

راجع غ ر ر:«غرّتهم».

15- قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً.

الأعراف:33

ص: 757

لاحظ خ ل ص:«خالصة».

16- إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ.

الأعراف:152

راجع ذ ل ل:«ذلّة».

17- ...أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ. التّوبة:38

راجع ر ض و:«رضيتم»و م ت ع:«متاع»و أ خ ر:

«الآخرة».

18- فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ. التّوبة:55

راجع ع ذ ب:«ليعذّبهم».

19- إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ. يونس:7

راجع ر ض و:«رضوا».

20- ...يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا... يونس:23

راجع م ت ع:«متاع».

21- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَ الْأَنْعامُ... يونس:24

راجع م ث ل:«مثل».

22- لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

يونس:64

راجع ب ش ر:«بشرى».

23- إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. يونس:88

لاحظ«فرعون».

24- كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.

يونس:98

لاحظ خ ز ي:«الخزي».

25- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. هود:15

راجع رود:«يريد».

26- ...وَ فَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا... الرّعد:26

راجع ف ر ح:«فرحوا».

27- ...وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ مَتاعٌ.

الرّعد:26

راجع م ت ع:«متاع».

ص: 758

28- لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَ ما لَهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ واقٍ. الرّعد:34

راجع ع ذ ب:«عذاب».

29- اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ...

إبراهيم:3

ابن عبّاس: ما تجعل لهم من الدّنيا يأخذونه تهاونا بأمر الآخرة،و استبعادا لها.(الواحديّ 3:23)

الطّبريّ: الّذين يختارون الحياة الدّنيا و متاعها و معاصي اللّه فيها،على طاعة اللّه و ما يقرّبهم إلى رضاه، من الأعمال النّافعة في الآخرة.(13:180)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:يختارونها على الآخرة،قاله أبو مالك.

الثّاني:يستبدلونها من الآخرة،ذكره ابن عيسى.

و الاستحباب هو التّعرّض للمحبّة.

و يحتمل ما يستحبّونه من الحياة الدّنيا على الآخرة وجهين:

أحدهما:يستحبّون البقاء في الحياة الدّنيا على البقاء في الآخرة.

الثّاني:يستحبّون النّعيم فيها على النّعيم في الآخرة.

(3:121)

الطّوسيّ: و الاستحباب:طلب محبّة الشّيء بالتّعرّض لها،و المحبّة:إرادة منافع المحبوب.و قد تكون المحبّة:ميل الطّباع.و الحياة الدّنيا هو المقام في هذه الدّنيا العاجلة على الكون في الآخرة،ذمّهم اللّه بذلك،لأنّ الدّنيا دار انتقال،و الآخرة دار مقام.(6:272)

نحوه الطّبرسيّ.(3:303)

القشيريّ: هم الّذين يؤثرون اليسير من حطام الدّنيا على الخطير من نعم الآخرة؛و ذلك من شدّة جحدهم.(3:239)

الميبديّ: أي يختارون و يؤثرون الدّنيا على العقبى،و يتركون العمل لها.(5:225)

نحوه الخازن.(4:27)

الزّمخشريّ: اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ مبتدأ،خبره أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. و يجوز أن يكون مجرورا صفة (للكافرين)،و منصوبا على الذّمّ،أو مرفوعا على أعني:

الّذين يستحبّون،أو هم الّذين يستحبّون.و الاستحباب:

الإيثار و الاختيار و هو«استفعال»من المحبّة،لأنّ المؤثر للشّيء على غيره كأنّه يطلب من نفسه أن يكون أحبّ إليها و أفضل عندها من الآخرة.(2:366)

نحوه البيضاويّ(1:524)،و أبو حيّان(5:404)، و أبو السّعود(3:469)،و البروسويّ(4:394).

ابن عطيّة: و قوله: يَسْتَحِبُّونَ من صفة الكافرين الّذين توعّدهم قبل،و المعنى:يؤثرون دنياهم و كفرهم،و ترك الإذعان للشّرع على رحمة اللّه و سكنى جنّته.(3:322)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:إن شئت جعلت(الّذين)صفة «الكافرين»في الآية المتقدّمة،و إن شئت جعلته مبتدأ، و جعلت الخبر قوله:(اولئك)،و إن شئت نصبته على الذمّ.

المسألة الثّانية:الاستحباب:طلب محبّة الشّيء،

ص: 759

و أقول:إنّ الإنسان قد يحبّ الشّيء،و لكنّه لا يحبّ كونه محبّا لذلك الشّيء،مثل من يميل طبعه إلى الفسق و الفجور،و لكنّه يكره كونه محبّا لهما،أمّا إذا أحبّ الشّيء و طلب كونه محبّا له،و أحبّ تلك المحبّة،فهذا هو نهاية المحبّة،فقوله: اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يدلّ على كونهم في نهاية المحبّة للحياة الدّنيويّة.و لا يكون الإنسان كذلك إلاّ إذا كان غافلا عن الحياة الأخرويّة، و عن معايب هذه الحياة العاجلة،و من كان كذلك كان في نهاية الصّفات المذمومة؛و ذلك لأنّ هذه الحياة موصوفة بأنواع كثيرة من العيوب:

فأحدها:أنّ بسبب هذه الحياة انفتحت أبواب الآلام و الأسقام و الغموم و الهموم و المخاوف و الأحزان.

و ثانيها:أنّ هذه اللّذّات في الحقيقة لا حاصل لها إلاّ دفع الآلام،بخلاف اللّذّات الرّوحانيّة فإنّها في أنفسها لذّات و سعادات.

و ثالثها:أنّ سعادات هذه الحياة منغّصة بسبب الانقطاع و الانقراض و الانقضاء.

و رابعها:أنّها حقيرة قليلة،و بالجملة فلا يحبّ هذه الحياة إلاّ من كان غافلا عن معايبها،و كان غافلا عن فضائل الحياة الرّوحانيّة الأخرويّة،و لذلك قال تعالى:

وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى الأعلى:17،فهذه الكلمة جامعة لكلّ ما ذكرناه.

المسألة الثّالثة:إنّما قال: يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ؛ لأنّ فيه إضمارا،و التّقدير:يستحبّون الحياة الدّنيا و يؤثرونها على الآخرة،فجمع تعالى بين هذين الوصفين ليتبيّن بذلك أنّ الاستحباب للدّنيا وحده لا يكون مذموما،إلاّ بعد أن يضاف إليه إيثارها على الآخرة.فأمّا من أحبّها ليصل بها إلى منافع النّفس و إلى خيرات الآخرة فإنّ ذلك لا يكون مذموما،حتّى إذا آثرها على آخرته بأن اختار منها ما يضرّه في آخرته، فهذه المحبّة هي المحبّة المذمومة.(19:78)

نحوه النّيسابوريّ ملخّصا.(13:102)

ابن كثير :أي يقدّمونها و يؤثرونها عليها و يعملون للدّنيا،و نسوا الآخرة،و تركوها وراء ظهورهم.

(4:108)

الآلوسيّ: أي يختارونها عليها،فإنّ المختار للشّيء يطلب من نفسه أن يكون أحبّ إليه من غيره،«فالسّين» للطّلب،و«المحبّة»مجاز مرسل عن الاختيار و الإيثار بعلاقة اللّزوم في الجملة،فلا يضرّ وجود أحدهما بدون الآخر كاختيار المريض الدّواء المرّ لنفعه،و ترك ما يحبّه و يشتهيه من الأطعمة اللّذيذة لضرره،و لاعتبار التّجوّز عدّي الفعل ب(على).و يجوز أن يكون«استفعل»بمعنى «أفعل»،كاستجاب بمعنى أجاب،و الفعل مضمّن معنى الاختيار و التّعدية ب(على)لذلك.(13:183)

مغنيّة:هذا أوّل وصف الكافرين؛و هو أنّهم يؤثرون الباطل على الحقّ،و الظّلم على العدل،و الفساد على الصّلاح.و كلّ من كان كذلك فهو كافر،أو يلتقي مع الكافرين في عمله،و عليه ما عليهم من اللّعنة و العذاب، و إن صلّى و صام،و حجّ إلى بيت اللّه الحرام.(4:423)

الطّباطبائيّ: و معنى استحباب الدّنيا على الآخرة:

اختيار الدّنيا و ترك الآخرة رأسا،و يقابله اختيار الآخرة على الدّنيا بمعنى أخذ الآخرة غاية للسّعي،و جعل الدّنيا

ص: 760

مقدّمة لها يتوسّل بها إليها.و أمّا اختيار الآخرة و ترك الدّنيا من أصلها،فإنّه-مضاف إلى عدم إمكانه بحقيقة معنى الكلمة-يوجب اختلال أمر الآخرة،و ينجرّ إلى تركها بالآخرة.فالحياة الدّنيا حياة منقطعة و الحياة الآخرة حياة دائمة،يتوسّل إلى سعادتها من طريق الدّنيا بالاكتساب،فمن اختار الآخرة و أثبتها لزمه إثبات الدّنيا لمكان مقدّميّتها،و من اختار الدّنيا و جعلها غاية لزمه نفي الآخرة من أصلها؛لأنّها لو ثبتت ثبتت غاية،و إذ لم يجعل غاية انتفت،فليس بين يدي الإنسان إلاّ خصلتان:

اختيار الآخرة على الدّنيا بجعل الآخرة غاية و إثبات الدّنيا معها للمقدّميّة،و اختيار الدّنيا على الآخرة بجعل الدّنيا غاية و نفي الآخرة من أصلها.

و إيضاح المقام أنّ الإنسان لا بغية له إلاّ سعادة حياته و حبّه لها فطريّ،و قد أوضحنا ذلك في مواضع متفرّقة فيما تقدّم،و الّذي يثبته كتاب اللّه من أمر الحياة أنّها دائمة غير منقطعة بالموت،فلا محالة تنقسم بالنّظر إلى تخلّل الموت إلى حياتين:الحياة الدّنيا المؤجّلة بالموت، و الحياة الآخرة بعد الموت،و هي تتفرّع في سعادتها و شقائها على الحياة الدّنيا،و ما يكتسبه الإنسان في الدّنيا من ناحية الأعمال الحيويّة من حسنة أو سيّئة،و لا مفرّ للإنسان من هذه الأعمال،لما عنده من حبّ الحياة الفطريّ.

و هذه الأعمال،أعني السّنّة الّتي يستنّ بها الإنسان في حياته الدّنيا الكاسبة له التّقوى أو الفجور و الحسنة أو السّيّئة،هي الّتي تسمّى في كتاب اللّه دينا و سبيلا،فلا مفرّ للإنسان من سنّة حسنة أو سيّئة و دين حقّ أو باطل.

و لمّا كان من سنّة اللّه سبحانه الجارية أن يهدي كلّ نوع من الأنواع إلى سعادته و كماله،و من كمال الإنسان و سعادته أن يعيش عيشة اجتماعيّة و يستنّ بسنّة حيويّة، شرع اللّه سبحانه له دينا مبنيّا على فطرته الّتي فطر عليها،و هو سبيل اللّه الّذي يسلكه و دينه الّذي يتديّن به،فإن جرى على ما شرعته له الرّبوبيّة و هدته إليه الفطرة،فقد سلك سبيل اللّه و ابتغاه مستقيما،و إن اتّبع الهوى و صدّ نفسه عن سبيل اللّه و اشتغل بما يزيّنه له الشّيطان،فقد ابتغى سبيل اللّه عوجا منحرفا.

امّا أنّه يبتغي سبيل اللّه،فإنّ اللّه هو الّذي فطره على طلب السّبيل و ابتغاء الصّراط،و لا يهدي البتّة إلاّ إلى ما يرتضيه و هو سبيل نفسه،و أمّا أنّه منحرف ذو عوج فلأنّه لا يهدي إلى الحقّ،و ما ذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال؟ و الآيات القرآنيّة الدّالّة على هذا الّذي قدّمناه متكاثرة، لا حاجة إلى إيرادها.

إذا عرفت هذا لاح لك أنّ قوله في تفسير الكافرين:

اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ مفاده أنّهم يتعلّقون تمام التّعلّق بالحياة الدّنيا،و يعرضون عن الآخرة بنفيها،و هو الكفر بالمعاد المستلزم للكفر بالتّوحيد و النّبوّة.(12:13)

فضل اللّه :بما تمثّله الحياة الدّنيا من القيم المادّيّة الّتي يخلد بها الإنسان إلى الأرض،فلا يرتفع إلى الآفاق الرّوحيّة،و لا يسمو إلى آفاق اللّه،بل يظلّ في حالة انحطاط،مع غرائزه و انفعالاته،مقابل الآخرة الّتي تمثّل القيم الرّوحيّة و الإنسانيّة الّتي تدعو الإنسان للتّجرّد من جانبه الغريزيّ،و توجّهه نحو السّموّ بآفاق فكره و روحه

ص: 761

و حياته،و تدفعه إلى التّخلّق بأخلاق اللّه،و الالتزام بشريعته؛حيث يمكن أن يلتقي بالخير من أقرب طريق.(13:79)

30- ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ... النّحل:107

لاحظ ح ب ب:«استحبّوا».

31- يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ... إبراهيم:27

راجع ث ب ت:«يثبّت».

32- ...وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا... الكهف:28

33- اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا...

الكهف:46

راجع ز ي ن:«زينة».

34- وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ... الكهف:45

راجع م ث ل:«مثل».

35- قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً* اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً. الكهف:104

راجع خ س ر:«الاخسرين».

36- ...وَ الَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا. طه:72

راجع ق ض ي:«تقضى».

37- وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ... طه:131

راجع ز ه ر:«زهرة».

38- وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَ أَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... المؤمنون:33

راجع ت ر ف:«اترفناهم».

39- ...وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا... النّور:33

راجع ك ر ه:«تكرهوا».

40- وَ ما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ زِينَتُها... القصص:60

41- أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا... القصص:61

راجع م ت ع:«متّعناه».

42- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ

ص: 762

اَلْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. القصص:79

راجع ر و د:«يريدون».

43- وَ قالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... العنكبوت:25

راجع و د د:«مودّة».

44- وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ...

العنكبوت:64

هذه مثل الآية:12.

45- يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ. الرّوم:7

ابن عبّاس: من معاملة الدّنيا من الكسب و التّجارة و الشّراء و البيع و الحساب من واحد إلى ألف،و ما يحتاجون في الشّتاء و الصّيف.(339)

يعني معايشهم،متى يحصدون و متى يغرسون.

يعني الكفّار،يعرفون عمران الدّنيا،و هم في أمر الدّين جهّال.(الطّبريّ 21:22،23) أبو العالية :صرفها في معيشتها.(الطّبريّ 21:23)

ابن جبير:يعلمون ما ألقته الشّياطين لهم من أمور الدّنيا،عند استراقهم السّمع من سماء الدّنيا.

(الماورديّ 4:300)

عكرمة :معايشهم،و ما يصلحهم.

(الطّبريّ 21:23)

نحوه الواحديّ.(3:428)

الضّحّاك: هو بنيان قصورها و تشقيق أنهارها و غرس أشجارها،فهذا ظاهر الحياة الدّنيا.

(الماورديّ 4:299)

الحسن :يعلمون متى زرعهم و متى حصادهم.

(الطّبريّ 21:23)

بلغ-و اللّه-من علم أحدهم بالدّنيا أنّه ينقد الدّرهم بيده فيخبرك بوزنه،و لا يحسن أن يصلّي.

(الواحديّ 3:428)

قتادة :قوله: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا من حرفتها و تصرّفها و بغيتها.(الطّبريّ 21:23)

الفرّاء: يعني أهل مكّة يقول:يعلمون التّجارات و المعاش،فجعل ذلك علمهم،و أمّا بأمر الآخرة فعمون.

(2:322)

الطّبريّ: يعلم هؤلاء المكذّبون بحقيقة خبر اللّه،أنّ الرّوم ستغلب فارس(ظاهرا)من حياتهم الدّنيا،و تدبير معايشهم فيها و ما يصلحهم،و هم عن أمر آخرتهم،و ما لهم فيه النّجاة من عقاب اللّه هنالك(غافلون)، لا يفكّرون فيه.(21:22)

الزّجّاج: هذا في مشركي أهل مكّة،المعنى يعلمون من معايش الحياة الدّنيا،لأنّهم كانوا يعالجون التّجارات، فأعلم اللّه-عزّ و جلّ-لما نفى أنّهم لا يعلمون ما الّذي يجهلون،و مقدار ما يعلمون.(4:178)

القمّيّ: يرون حاضر الدّنيا و يتغافلون عن الآخرة.

(2:153)

الرّمّانيّ: كلّ ما يعلم بأوائل العقول فهو الظّاهر،

ص: 763

و ما يعلم بدليل العقل فهو الباطن.(4:329)

الماورديّ: إنّ ظاهر الحياة الدّنيا العمل لها، و باطنها عمل الآخرة.(4:300)

الطّوسيّ: أي عمّروا الدّنيا و أخربوا الآخرة.

و الظّاهر هو الّذي يصحّ أن يدرك من غير كشف عنه،فاللّه تعالى ظاهر بالأدلّة،باطن عن حواسّ خلقه.

و الأمور كلّها ظاهرة له؛لأنّه يعلمها من غير كشف عنها و لا دلالة تؤدّيه إليها.(8:231)

القشيريّ: استغراقهم في الاشتغال بالدّنيا، و انهماكهم في تعليق القلب بها،منعهم عن العلم بالآخرة.

و قيمة كلّ امرئ:علمه باللّه.(5:109)

البغويّ: يعني أمر معايشهم كيف يكتسبون و يتّجرون،و متى يغرسون و يزرعون و يحصدون،و كيف يبنون و يعيشون.(3:571)

الزّمخشريّ: يفيد أنّ للدّنيا ظاهرا و باطنا، فظاهرها ما يعرفه الجهّال من التّمتّع بزخارفها و التّنعّم بملاذّها،و باطنها و حقيقتها أنّها مجاز إلى الآخرة يتزوّد منها إليها بالطّاعة و الأعمال الصّالحة،و في تنكير «الظّاهر»أنّهم لا يعلمون إلاّ ظاهرا واحدا من جملة الظّواهر.(3:215)

نحوه النّسفيّ(3:266)،و أبو حيّان(7:163)، و الشّربينيّ(3:157).

الفخر الرّازيّ: يعني علمهم منحصر في الدّنيا، و أيضا لا يعلمون الدّنيا كما هي،و إنّما يعلمون ظاهرها و هي ملاذّها و ملاعبها،و لا يعلمون باطنها و هي مضارّها و متاعبها،و يعلمون وجودها الظّاهر و لا يعلمون فناءها.(25:97)

ابن كثير :أي أكثر النّاس ليس لهم علم إلاّ بالدّنيا و أكسابها و شئونها و ما فيها،فهم حذّاق أذكياء في تحصيلها و وجوه مكاسبها،و هم غافلون في أمور الدّين و ما ينفعهم في الدّار الآخرة،كأنّ أحدهم مغفّل لا ذهن له و لا فكرة.(5:349)

أبو السّعود :و هو ما يشاهدونه من زخارفها و ملاذّها و سائر أحوالها،الموافقة لشهواتهم الملائمة لأهوائهم،المستدعية لانهماكهم فيها و عكوفهم عليها، لا تمتّعهم بزخارفها و تنعّمهم بملاذّها كما قيل،فإنّهما ليسا ممّا علموه منها،بل من أفعالهم المترتّبة على علومهم، و تنكير(ظاهرا)للتّحقير و التّخسيس دون الوحدة كما توهّم،أي يعلمون ظاهرا حقيرا خسيسا من الدّنيا.

(5:165)

نحوه الآلوسيّ.(21:21)

المراغيّ: كتدبير معايشهم،و إحسان مساكنهم، و تنمية متاجرهم،و تصرّفهم في مزارعهم على النّحو الّذي يجعلها تزدهر و تفي بحاجة المجتمع.(21:29)

مغنيّة:الدّنيا و أحوالها من عالم الشّهادة،و الآخرة و أهوالها من عالم الغيب،و بداهة أنّ عالم الشّهادة يدرك بالحواسّ،أمّا عالم الغيب فلا يدرك إلاّ بطريق الوحي و هم لا يؤمنون به،فمن أين يأتيهم العلم بالآخرة.

(6:130)

الطّباطبائيّ: و تنكير(ظاهرا)للتّحقير،و ظاهر الحياة الدّنيا ما يقابل باطنها،و هو الّذي يناله حواسّهم الظّاهرة من زينة الحياة،فيرشدهم إلى اقتنائها و العكوف

ص: 764

عليها و الإخلاد إليها،و نسيان ما وراءها من الحياة الآخرة و المعارف المتعلّقة بها،و الغفلة عمّا فيه خيرهم و نفعهم بحقيقة معنى الكلمة.(16:157)

مكارم الشّيرازيّ: إنّهم لا يعلمون إلاّ الحياة الدّنيا فحسب،و أيّ شيء يعلمون منها؟إنّما يعلمون الظّاهر منها و يقنعون به،فكلّ ما تمثّله نظراتهم و نصيبهم من هذه الحياة،هو اللّهو و اللّذّة العابرة و النّوم و الخيال،و هذا النّصيب أو الحظّ الّذي ينطوي على الغفلة و الغرور،غير خاف على أحد.

و لو كانوا يعلمون باطن الحياة و واقعها في هذه الدّنيا،لكان ذلك كافيا لمعرفة الآخرة،لأنّ التّدقيق الكافي في هذه الحياة العابرة يكشف أنّها حلقة من سلسلة طويلة،و مرحلة من مسير مديد كبير،كما أنّ التّدقيق في مرحلة تكوين الجنين يكشف عن أنّ الهدف النّهائيّ ليس هو هذه المرحلة من حياة الجنين فحسب، بل هي مقدّمة لحياة أوسع.(12:429)

46- ...فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ. لقمان:33

47- يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ. فاطر:5

48- ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللّهِ هُزُواً وَ غَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا... الجاثية:35

راجع غ ر ر:«غرّتكم».

49- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً.

الأحزاب:28

راجع ر و د:«تردن».

50- فَأَذاقَهُمُ اللّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الزّمر:26

راجع ذ و ق:«اذاقهم»و خ ز ي:«الخزى».

51- يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ...

المؤمن:39

52- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى... الشّورى:36

53- وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ. الزّخرف:35

راجع م ت ع.

54- ...لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ. فصّلت:16

راجع خ ز ي:«الخزي».

55- نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ...

فصّلت:31

راجع و ل ي:«اولياء».

ص: 765

56- إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... المؤمن:51

راجع ن ص ر:«لننصر».

57- أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... الزّخرف:32

راجع ع ي ش:«معيشتهم».

58- إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ... محمّد:36

راجع ل ع ب:«لعب».

59- فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا. النّجم:29

ابن عبّاس: ما في الحياة الدّنيا،يعني أبا جهل و أصحابه.(447)

الطّبريّ: و لم يطلب ما عند اللّه في الدّار الآخرة، و لكنّه طلب زينة الحياة الدّنيا،و التمس البقاء فيها.

(27:63)

الطّوسيّ: و التّمتّع فيها،أي لا تقابلهم على أفعالهم و احتملهم،و لم ينهه عن تذكيرهم و وعظهم.(9:431)

نحوه الطّبرسيّ.(5:177)

ابن عطيّة: معناه لا يصدّق بغيرها،فسعيه كلّه و عمله إنّما هو لدنياه.(5:203)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى إنكارهم الحشر،كما قالوا: إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا الأنعام:29.و قال تعالى: أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا التّوبة:38،يعني لم يثبتوا وراءها شيئا آخر يعملون له.(28:312)

النّسفيّ: أي اختيارهم الدّنيا و الرّضا بها.

(4:197)

الخازن :يعني أنّهم لا يؤمنون بالآخرة حتّى يردوها و يعملوا لها،و فيه إشارة إلى إنكارهم الحشر.(6:219)

أبو حيّان :ذكر سبب التّولّي عن الذّكر و هو حصر إرادته في الحياة الدّنيا،فالتّولّي عن الذّكر سبب للإعراض عنهم،و إيثار الدّنيا سبب التّولّي عن الذّكر، و ذلك إشارة إلى تعلّقهم بالدّنيا و تحصيلها مبلغهم غايتهم و منتهاهم من العلم،و هو ما تعلّقت به علومهم من مكاسب الدّنيا كالفلاحة و الصّنائع،لقوله تعالى:

يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا الرّوم:7.

(8:164)

ابن كثير :أي و إنّما أكثر همّه و مبلغ علمه الدّنيا، فذاك هو غاية ما لا خير فيه،و لهذا قال تعالى: ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ النّجم:30،أي طلب الدّنيا و السّعي لها هو غاية ما وصلوا إليه.(6:457)

الشّربينيّ: أي في وقت من الأوقات، إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا أي الحاضرة لتقيّده بالمحسوسات كالبهائم مع العمى عن دناءتها و حقارتها.(4:131)

أبو السّعود :راضيا بها،قاصرا نظره عليها،و المراد:

النّهي عن دعوته و الاعتناء بشأنه،فإنّ من أعرض عمّا ذكر و انهمك في الدّنيا بحيث كانت هي منتهى همّته و قصارى سعيه،لا تزيده الدّعوة إلى خلافها إلاّ عنادا و إصرارا على الباطل.(6:158)

ص: 766

نحوه الكاشانيّ(5:93)،و البروسويّ(9:238)، و الآلوسيّ(27:60).

القاسميّ: أي من هؤلاء الكفرة الّذين يرون غاية سعادتهم التّنعّم بلذائذها،لقصر نظرهم على المحسوسات.(15:5579)

ابن عاشور :كناية عن عدم الإيمان بالحياة الآخرة، كما دلّ عليه قوله: ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ النّجم:30، لأنّهم لو آمنوا بها على حقيقتها لأرادوها و لو ببعض أعمالهم.(27:121)

مكارم الشّيرازيّ: يستفاد من هذه الآية-ضمنا -أنّ هناك علاقة بين الغفلة عن ذكر اللّه و الإقبال على المادّيّات،و بين زخرف الدّنيا و زبرجها،و ممّا ينبغي التّنبّه عليه أنّ بينهما تأثيرا متلازما.

فالغفلة عن ذكر اللّه تسوق الإنسان نحو عبادة الدّنيا، كما أنّ عبادة الدّنيا تصرف الإنسان عن ذكر اللّه فيكون غافلا عنه،و هما جميعا يصطحبان ما تهوى النّفس، و بالطّبع فإنّ الخرافات الّتي تنسجم مع هوى النّفس تتزيّن في نظر الإنسان،و تتبدّل تدريجا إلى اعتقاد راسخ.

(17:228)

60- اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ.. .

وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ. الحديد:20

راجع ل ع ب:«لعب».

61- فَأَمّا مَنْ طَغى* وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا.

النّازعات:37،38

62- بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا. الأعلى:16

راجع أ ث ر:«اثر»و«تؤثرون».

حياتكم

وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها...

الأحقاف:20

راجع ذ ه ب:«اذهبتم».

حياتنا

وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ.

الأنعام:29

ابن عبّاس: أي ما حياتنا إلاّ حياتنا الدّنيا.(108)

ابن زيد :هذا خبر من اللّه تعالى عن هؤلاء الكفرة الّذين وقفوا على النّار،أنّهم لو ردّوا إلى الدّنيا لقالوا:

إِنْ هِيَ إِلاّ... الآية.(الطّبريّ 7:177)

الطّبريّ: يخبر عنهم أنّهم ينكرون أنّ اللّه يحيي خلقه بعد أن يميتهم،و يقولون:لا حياة بعد الممات،و لا بعث و لا نشور بعد الفناء،فهم بجحودهم ذلك،و إنكارهم ثواب اللّه و عقابه في الدّار الآخرة،لا يبالون ما أتوا،و ما ركبوا من إثم و معصية،لأنّهم لا يرجون ثوابا على إيمان باللّه،و تصديق برسوله،و عمل صالح بعد موت،و لا يخافون عقابا على كفرهم باللّه و رسوله،و شيء من عمل يعملونه.(7:177)

نحوه الخازن.(2:105)

الطّوسيّ: عنوا أنّه لا حياة لنا في الآخرة على ما ذكرت،و إنّما هي هذه حياتنا بها الّتي حيينا بها في الدّنيا، و إنّا لسنا بمبعوثين إلى الآخرة بعد الموت.(4:120)

ص: 767

نحوه الطّبرسي.(2:290)

الواحديّ: ما الحياة إلاّ هذه الحياة الّتي نحن فيها و لا حياة بعدها.(2:263)

الزّمخشريّ: وَ قالُوا عطف على لَعادُوا الأنعام:28،أي و لو ردّوا لكفروا و لقالوا: إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا، كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة.

و يجوز أن يعطف على قوله: وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ على معنى:و إنّهم لقوم كاذبون في كلّ شيء،و هم الّذين قالوا:

إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا، و كفى به دليلا على كذبهم.

(2:13)

نحوه النّسفيّ.(2:8)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه حصل في الآية قولان:

الأوّل:أنّه تعالى ذكر في الآية الأولى أنّه بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل.فبيّن في هذه الآية إنّ ذلك الّذي يخفونه هو أمر المعاد و الحشر و النّشر؛و ذلك لأنّهم كانوا ينكرونه و يخفون صحّته.و يقولون:ما لنا إلاّ هذه الحياة الدّنيويّة،و ليس بعد هذه الحياة لا ثواب و لا عقاب.

و الثّاني:أنّ تقدير الآية: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ و لأنكروا الحشر و النّشر، وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ. (12:195)

نحوه النّيسابوريّ.(7:92)

القرطبيّ: ابتداء و خبر،و(ان)نافية، وَ ما نَحْنُ «نحن»اسم«ما»،و بِمَبْعُوثِينَ خبرها،و هذا ابتداء إخبار عنهم عمّا قالوه في الدّنيا.(6:411)

أبو السّعود :و المعنى:لو ردّوا إلى الدّنيا لعادوا لما نهوا عنه،و قالوا: إِنْ هِيَ أي ما الحياة إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، بعد ما فارقنا هذه الحياة،كأن لم يروا ما رأوا من الأحوال الّتي أوّلها البعث و النّشور.

(2:371)

البروسويّ: وَ قالُوا عطف على(عادوا)داخل في حيّز الجواب إِنْ هِيَ، أي ما الحياة،فالضّمير للحياة،فإنّ من الضّمائر ما يذكر مبهما،و لا يعلم ما يرجع إليه إلاّ بذكر ما بعده.[ثمّ ذكر نحو أبي السّعود]

(3:21)

نحوه القاسميّ.(6:2282)

الآلوسيّ: إِنْ هِيَ أي ما هي إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا، و الضّمير للحياة المذكورة بعده،كما في قول المتنبّيّ:

هو الجدّ حتّى تفضل العين أختها

و حتّى يكون اليوم لليوم سيّدا

و قد نصّوا على صحّة عود الضّمير على متأخّر لفظا و رتبة في مواضع:

منها ما إذا كان خبر الضّمير مفسّرا له كما هنا، و جعله بعضهم ضمير الشّأن.و لا يتأتّى على مذهب الجمهور،لأنّهم اشترطوا في خبره أن يكون جملة.

و خالفهم في ذلك الكوفيّون فقد حكى عنهم جواز كون خبره مفردا،إمّا مطلقا أو بشرط كون المفرد عاملا عمل الفعل كاسم الفاعل،نحو:إنّه قائم زيد،بناء على أنّه حينئذ يسدّ مسدّ الجملة.

و قيل:-و فيه بعد-يحتمل أن يكون الضّمير المذكور عبارة عمّا في الذّهن و هو الحياة،و المعنى:إن الحياة إلاّ حياتنا الّتي نحن فيها.و هو المراد بقولهم:الدّنيا لا القريبة

ص: 768

الزّوال أو الدّنيئة أو المتقدّمة على الآخرة،كما يقول المؤمنون؛إذ كلّ ذلك خلاف الظّاهر لا سيّما الأخيرة.

(7:130)

ابن عاشور :يجوز أن يكون عطفا على قوله:

لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ الأنعام:28،فيكون جواب(لو)، أي لو ردّوا لكذّبوا بالقرآن أيضا،و لكذّبوا بالبعث كما كانوا مدّة الحياة الأولى.و يجوز أن تكون الجملة عطفت على جملة: يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الأنعام:25،و يكون ما بين الجملتين اعتراضا يتعلّق بالتّكذيب للقرآن.

و قوله: إِنْ هِيَ (ان)نافية للجنس،و الضّمير بعدها مبهم يفسّره ما بعد الاستثناء المفرّغ،قصد من إبهامه الإيجاز اعتمادا على مفسّره.و الضّمير لمّا كان مفسّرا بنكرة فهو في حكم النّكرة،و ليس هو ضمير قصّة و شأن،لأنّه لا يستقيم معه معنى الاستثناء،و المعنى إن الحياة لنا إلاّ حياتنا الدّنيا،أي انحصر جنس حياتنا في حياتنا الدّنيا فلا حياة لنا غيرها،فبطلت حياة بعد الموت،فالاسم الواقع بعد(الاّ)في حكم البدل من الضّمير.(6:63)

مغنيّة:أي لو ردّوا إلى حياتهم الأولى لقالوا ما قالوه من قبل:لا بعث و لا حساب و لا جزاء.

و تسأل:كيف ينكرون و قد شاهدوا الهول الأكبر، و عرضوا عليه و توسّلوا للخلاص منه،و قطعوا عهدا على أنفسهم أن لا يعودوا إلى ما كانوا عليه؟

الجواب:إنّهم يعرفون جيّدا أنّ الحساب و العذاب واقع لا محالة،و لكنّهم يعرفون أيضا أنّهم لو أعلنوا الحقّ و خضعوا له لفاتتهم المغانم و المكاسب،قال تعالى:

وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا النّمل:14.(3:179)

الطّباطبائيّ: حكاية لإنكارهم،أي ما الحياة إلاّ حياتنا الدّنيا لا حياة بعدها،و ما نحن بمبعوثين بعد الممات.

(7:55)

مكارم الشّيرازيّ: في تفسير الآية الأولى احتمالان:

الأوّل:أنّها استئناف لأقوال المشركين المعاندين المتصلّبين الّذين يتمنّون-عند ما يشاهدون أهوال يوم القيامة-أن يعودوا إلى دار الدّنيا ليتلافوا ما فاتهم، و لكنّ القرآن يقول:إنّهم إذا رجعوا لا يتّجهون إلى جبران ما فاتهم،بل يستمرّون على ما كانوا عليه،و أكثر من ذلك فإنّهم يعودون إلى إنكار يوم القيامة، وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ.

الاحتمال الثّاني:أنّ الآية تشرع بكلام جديد على نفر من المشركين الّذين كفروا بالمعاد كلّيّا،فقد كان بين مشركي العرب فريق لم يؤمنوا بالمعاد،بينما كان فريق آخر يؤمنون بنوع من المعاد.(4:240)

فضل اللّه :قالوا-و هم في الدّنيا-:إنّ الحياة ليست إلاّ صدفة ضائعة في الفراغ تماما،كالفقاقيع الّتي تنتفخ في نطاق الظّرف الّتي توحي بالانتفاخ،و تستمرّ باستمرارها،ثمّ لا تلبث أن تنفجر و تتلاشى،كما لو كانت شيئا لم يكن من دون أن تخلّف وراءها أيّ شيء،أو تستقبل أمامها أيّ واقع جديد.

هذه هي فكرة مادّيّة الحياة و الإنسان،حيث

ص: 769

الوجود يتحرّك بين عدمين،فلا وجود بعدها،كما لا وجود قبلها...و بذلك لم تعدّ الرّسالات تمثّل لديهم شيئا في ما تفرضه المسئوليّة على الإنسان من أعمال و مواقف، بل كلّ ما هناك أنّ للحياة حاجات لا بدّ من استكمالها و الحصول عليها بأيّ ثمن،بعيدا عن أيّة قيمة روحيّة،أو أيّ تفكير غيبيّ،و لهذا لم يكلّفوا أنفسهم عناء التّفكير بالغيب الّذي حدّثهم الأنبياء عن آفاقه الرّحبة،في ما يمثّله اليوم الآخر،و تمثّله الجنّة و النّار،و ما يعيشه الإنسان من رضوان اللّه و رحمته و عفوه و غفرانه.فالحياة باعتقادهم لا تحمل أيّ معنى،و هي في كلّ مظاهرها و أوضاعها لا تجسّد أو تعكس أيّة حقيقة أخرى،فهي تبدأ هنا و تنتهي هنا،و ليس وراءها أيّ شيء إطلاقا.

و اعتقادهم هذا يعبّر عن أمنيّاتهم،و ليس عن الواقع كما هو في الحقيقة.(9:72)

2- إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ. المؤمنون:37

3- وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ... الجاثية:24

راجع النّصوص المتقدّمة.«نحيى».

حياتى

يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي. الفجر:24

ابن عبّاس: الباقية من حياتي الفانية،يقول:يا ليتني عملت في حياتي الفانية لحياتي الباقية.(511)

نحوه النّسفيّ.(4:356)

مجاهد:الآخرة.(الطّبريّ 30:189)

الضّحّاك: قدّمت من دنياي لحياتي في الآخرة.

(الماورديّ 6:271)

الحسن :علم اللّه أنّه صادق،هناك حياة طويلة لا موت فيها آخر ما عليه.(الطّبريّ 30:189)

قتادة :هناكم و اللّه الحياة الطّويلة.

(الطّبريّ 30:189)

الفرّاء: لآخرتي الّتي فيها الحياة و الخلود.

(3:262)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره مخبرا عن تلهّف ابن آدم يوم القيامة،و تندّمه على تفريطه في الصّالحات من الأعمال في الدّنيا الّتي تورثه بقاء الأبد،في نعيم لا انقطاع له:يا ليتني قدّمت لحياتي في الدّنيا من صالح الأعمال لحياتي هذه،الّتي لا موت بعدها،ما ينجّيني من غضب اللّه و يوجب لي رضوانه.(30:188)

الزّجّاج: أي لدار الآخرة الّتي لا موت فيها.

(5:324)

نحوه الواحديّ(4:486)،و البغويّ(5:252).

الطّوسيّ: أي يتمنّى أنّه كان عمل الصّالحات لحياته بعد موته،أو عمل للحياة الّتي تدوم له،فكان أولى بي من التّمسّك بحياة زائلة.(10:347)

نحوه الطّبرسيّ.(5:489)

الزّمخشريّ: هذه و هي حياة الآخرة أو وقت حياتي في الدّنيا،كقولك:جئته لعشر ليال خلون من رجب.و هذا أبين دليل على أنّ الاختيار كان في أيديهم و معلّقا بقصدهم و إرادتهم،و أنّهم لم يكونوا محجوبين عن

ص: 770

الطّاعات مجبرين على المعاصي،كمذهب أهل الأهواء و البدع،و إلاّ فما معنى التّحسّر.(4:253)

نحوه الشّربينيّ.(4:535)

ابن عطيّة: و اختلف في معنى قوله: لِحَياتِي، فقال جمهور المتأوّلين معناه:لحياتي الباقية،يريد في الآخرة.

و قال قوم من المتأوّلين:المعنى لحياتي في قبري عند بعثي الّذي كنت أكذّب به،و أعتقد أنّي لن أعود حيّا.

و قال آخرون: لِحَياتِي هنا مجاز،أي لَيْتَنِي قَدَّمْتُ عملا صالحا لأنعم به اليوم،و أحيا حياة طيّبة، فهذا كما يقول الإنسان:أحييني في هذا الأمر.

و قال بعض المتأوّلين:لوقت أو لمدّة حياتي الماضية في الدّنيا،و هذا كما تقول:جئت لطلوع الشّمس و لتاريخ كذا،و نحوه.(5:481)

الفخر الرّازيّ: للآية تأويلات:

أحدها: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ في الدّنيا الّتي كانت حياتي فيها منقطعة، لِحَياتِي هذه الّتي هي دائمة غير منقطعة،و إنّما قال: لِحَياتِي و لم يقل:لهذه الحياة،على معنى أنّ الحياة كأنّها ليست إلاّ الحياة في الدّار الآخرة، قال تعالى: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:

64،أي لهي الحياة.

و ثانيها:أنّه تعالى قال في حقّ الكافر: وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ إبراهيم:17، و قال: فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى طه:74، و قال: وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى* اَلَّذِي يَصْلَى النّارَ الْكُبْرى* ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى الأعلى:11-13،فهذه الآية دلّت على أنّ أهل النّار في الآخرة كأنّه لا حياة لهم، و المعنى:فيا ليتني قدّمت عملا يوجب نجاتي من النّار حتّى أكون من الأحياء.

و ثالثها:أن يكون المعنى:فيا ليتني قدّمت وقت حياتي في الدّنيا،كقولك:جئته لعشر ليال خلون من رجب.(31:176)

القرطبيّ: أي في حياتي ف(اللاّم)بمعنى(في).[ثمّ ذكر بعض الأقوال المتقدّمة](20:56)

البيضاويّ: أي لحياتي هذه أو وقت حياتي في الدّنيا أعمالا صالحة،و ليس في هذا التّمنّي دلالة على استقلال العبد بفعله،فإنّ المحجور عن الشّيء قد يتمنّى إن كان ممكنا منه.(2:558)

النّيسابوريّ: هذه و هي الحياة الأخيرة،أو(اللاّم) بمعنى«الوقت»أي وقت حياتي في الدّنيا.

و قد يرجّح هذا الوجه،لأنّ أهل النّار لا حياة لهم في الحقيقة،كما قال: لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى طه:74، و يمكن أن يجاب بأنّ الحياة المضاهية للموت،أو الّتي هي أشدّ من الموت حياة أيضا،و بأنّ حياة الآخرة يراد بها البقاء المستمرّ الدّائم،و هذا المعنى شامل لأهل النّار و لأهل الجنّة جميعا.(30:95)

ابن كثير :يعني يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصيا،و يودّ لو كان ازداد من الطّاعات إن كان طائعا.(7:289)

أبو السّعود :و هو بدل اشتمال من(يتذكّر)أو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ منه،كأنّه قيل:ما ذا يقول عند تذكّره؟فقيل:يقول:يا ليتني عملت لأجل

ص: 771

حياتي هذه،أو وقت حياتي في الدّنيا أعمالا صالحة أنتفع بها اليوم.

و ليس في هذا التّمنّي شائبة دلالة على استقلال العبد بفعل،و إنّما الّذي يدلّ عليه ذلك اعتقاد كونه متمكّنا من تقديم الأعمال الصّالحة.و أمّا أنّ ذلك بمحض قدرته أو بخلق اللّه تعالى عند صرف قدرته الكاسبة إليه فكلاّ.

و أمّا ما قيل:من أنّ المحجور قد يتمنّى إن كان ممكنا منه،فربّما يوهم أنّ من صرف قدرته إلى أحد طرفي الفعل،يعتقد أنّه محجور من الطّرف الآخر و ليس كذلك، بل كلّ أحد جازم بأنّه لو صرف قدرته إلى أيّ طرف كان من أفعاله الاختياريّة لحصل،و على هذا يدور فلك التّكليف و إلزام الحجّة.(6:428)

نحوه البروسويّ(10:431)،و الآلوسيّ(30:

129).

سيّد قطب :يا ليتني قدّمت شيئا لحياتي هنا،فهي الحياة الحقيقيّة الّتي تستحقّ اسم الحياة،و هي الّتي تستأهل الاستعداد و التّقدمة و الادّخار لها.(6:3906)

ابن عاشور :و(اللاّم)في قوله: لِحَياتِي تحتمل معنى التّوقيت،أي قدّمت عند أزمان حياتي،فيكون المراد:الحياة الأولي الّتي قبل الموت.

و تحتمل أن يكون(اللاّم)للعلّة،أي قدّمت الأعمال الصّالحة لأجل أن أحيا في هذه الدّار.و المراد:الحياة الكاملة السّالمة من العذاب،لأنّ حياتهم في العذاب حياة غشاوة و غياب،قال تعالى: ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى الأعلى:13.(30:299)

الطّباطبائيّ: أي لحياتي هذه و هي الحياة الآخرة، أو المراد:الحياة الحقيقيّة و هي الحياة الآخرة،على ما نبّه تعالى عليه بقوله: وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت:64،و المراد بالتّقديم للحياة تقديم العمل الصّالح للحياة الآخرة،و ما في الآية تمنّ يتمنّاه الإنسان عند ما يتذكّر يوم القيامة و يشاهد أنّه لا ينفعه.

(20:284)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(20:181)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّ هذه الحياة- حياة الآخرة-هي حياة الإنسان حقّا،و أنّ الحياة الدّنيا ليست إلاّ معبرا إلى هذه الحياة.(15:1561)

فضل اللّه :هذه الّتي أعيش فيها،هذا الجوّ الجديد الّذي لن يرتفع بالإنسان إلاّ من خلال ما قدّمه من أعمال الخير الّتي تمثّل رأس ماله في الآخرة،الّتي هي الحياة الحقيقيّة،لأنّها الحياة الخالدة،بينما لا تمثّل الدّنيا إلاّ اللّهو و اللّعب،كما قال اللّه تعالى في آية أخرى: وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت:64.

و تلك هي الحسرة الّتي يشعر بها الإنسان الّذي ضيّع كلّ فرص الخير في الدّنيا،فتحوّلت إلى حسرات يوم القيامة.(24:253)

تحيّة-حيّيتم-حيّوا

1- وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها... النّساء:86

ص: 772

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:السّلام تطوّع،و الرّدّ فريضة.

(البحرانيّ 3:185)

سلمان الفارسيّ: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:

السّلام عليك يا رسول اللّه،فقال:و عليك و رحمة اللّه،ثمّ جاء آخر فقال:السّلام عليك يا رسول اللّه و رحمة اللّه، فقال له رسول اللّه:و عليك و رحمة اللّه و بركاته،ثمّ جاء آخر فقال:السّلام عليك يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته،فقال له:و عليك؛فقال له الرّجل:يا نبيّ اللّه، بأبي أنت و أمّي،أتاك فلان و فلان فسلّما عليك،فرددت عليهما أكثر ممّا رددت عليّ؟فقال:إنّك لم تدع لنا شيئا، قال اللّه: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها، فرددناها عليك.(الطّبريّ 5:190)

ابن عبّاس: إذا سلّم عليكم بسلام فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها، فردّوها بأفضل منها في الزّيادة على أهل دينكم و ملّتكم.(76)

من سلّم عليك من خلق اللّه،فاردد عليه و إن كان مجوسيّا،فإنّ اللّه يقول: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ....

(الطّبريّ 5:189)

يريد السّلام فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها، و هو الزّيادة على التّحيّة إذا كان المسلّم من أهل الإسلام،يريد:

و رحمة اللّه و بركاته،و إذا كان من غير أهل دين الإسلام يقول:و عليكم،لا يزيد على ذلك.(الواحديّ 2:90)

الضّحّاك: إذا قال:السّلام عليكم،فقلت:و عليكم السّلام و رحمة اللّه،و إذا قال:السّلام عليكم و رحمة اللّه، فقلت:و عليكم السّلام و رحمة اللّه و بركاته،فقد حيّيته بأحسن منها،و هنا منتهى السّلام.(الواحديّ 2:90)

الحسن:إنّ السّلام تطوّع،و الرّدّ فرض،لقوله:

وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها، و ذلك أمر يقتضي الإيجاب.(الطّوسيّ 3:278)

الإمام الصّادق عليه السّلام:من بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تجيبوه.[و قال:]

ابدءوا بالسّلام قبل الكلام،فمن بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تجيبوه.

[و في حديث]إنّ اللّه عزّ و جلّ قال:إنّ البخيل من يبخل بالسّلام.

[و في حديث آخر]إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه، و لا يقول:سلّمت فلم يردّوا عليّ،و لعلّه يكون قد سلّم و لم يسمعهم،فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردّه،و لا يقول المسلّم:سلّمت فلم يردّوا عليّ.(البحرانيّ 3:185)

قتادة :حيّوا أحسن منها،أي على المسلمين، أَوْ رُدُّوها أي على أهل الكتاب.(الطّبريّ 5:189)

السّدّيّ: إذا سلّم عليك أحد،فقل أنت:و عليك السّلام و رحمة اللّه،أو تقطع إلى السّلام عليكم كما قال لك.(210)

زيد بن أسلم:قال أبي:حقّ على كلّ مسلم حيّا بتحيّة أن يحيّي بأحسن منها،و إذا حيّاه غير أهل الإسلام،أن يردّ عليه مثل ما قال.(الطّبريّ 5:190)

الفرّاء: أي زيدوا عليها،كقول القائل:السّلام عليكم،فيقول:و عليكم و رحمة اللّه،فهذه الزّيادة.(او ردّوها)قيل:هذا للمسلمين،و أمّا أهل الكتاب فلا يزادون على:و عليكم.(1:280)

الطّبريّ: إذا دعي لكم بطول الحياة و البقاء

ص: 773

و السّلامة: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها فادعوا لمن دعا لكم بذلك بأحسن ممّا دعا لكم،أو ردّوها،يقول:أو ردّوا التّحيّة.

ثمّ اختلف أهل التّأويل في صفة التّحيّة الّتي هي أحسن ممّا حيّا به المحيي،و الّتي هي مثلها،فقال بعضهم:

الّتي هي أحسن منها أن يقول المسلّم عليه-إذا قيل:

السّلام عليكم-و عليكم السّلام و رحمة اللّه،و يزيد على دعاء الدّاعي له،و الرّدّ أن يقول:السّلام عليكم مثلها،كما قيل له،أو يقول:و عليكم السّلام،فيدعو الدّاعي له مثل الّذي دعا له.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:فحيّوا بأحسن منها أهل الإسلام،أو ردّوها على أهل الكفر.

و أولى التّأويلين بتأويل الآية،قول من قال:ذلك في أهل الإسلام.و وجّه معناه إلى أنّه يردّ السّلام على المسلم إذا حيّاه تحيّة أحسن من تحيّته أو مثلها؛و ذلك أنّ الصّحاح من الآثار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه واجب على كلّ مسلم ردّ تحيّة كلّ كافر أحسن من تحيّته (1)،و قد أمر اللّه بردّ الأحسن و المثل في هذه الآية،من غير تمييز منه بين المستوجب ردّ الأحسن من تحيّته عليه،و المردود عليه مثلها،بدلالة يعلم بها صحّة قول من قال:عنى بردّ الأحسن:المسلم،و بردّ المثل:أهل الكفر.

و الصّواب إذا لم يكن في الآية دلالة على صحّة ذلك، و لا بصحّته أثر لازم عن الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،أن يكون الخيار في ذلك إلى المسلّم عليه بين ردّ الأحسن،أو المثل،إلاّ في الموضع الّذي خصّ شيئا من ذلك سنّة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فيكون مسلّما لها.

و قد خصّت السّنّة أهل الكفر بالنّهي عن ردّ الأحسن من تحيّتهم عليهم أو مثلها،إلاّ بأن يقال:

و عليكم،فلا ينبغي لأحد أن يتعدّى ما حدّ في ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

فأمّا أهل الإسلام،فإنّ لمن سلّم عليه منهم في الرّدّ من الخيار،ما جعل اللّه له من ذلك.و قد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في تأويل ذلك بنحو الّذي قلنا،خبر.

فإن قال قائل:أ فواجب ردّ التّحيّة على ما أمر اللّه به في كتابه؟قيل:نعم،و به كان يقول جماعة من المتقدّمين.(5:188)

الزّجّاج: قال النّحويّون:(احسن)هاهنا صفة لا تنصرف؛لأنّه على وزن«أفعل»و هو صفة.

و المعنى فحيّوا بتحيّة أحسن منها،و قيل في التّفسير:

التّحيّة هاهنا السّلام،و هي«تفعلة»من حيّيت،و معنى فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها إذا قيل لكم:السّلام عليكم، فقولوا:و عليكم السّلام و رحمة اللّه،فالتّحيّة الّتي هي أحسن منها هي:و عليكم السّلام و رحمة اللّه و بركاته.

و يقال:لكلّ شيء منتهى،و منتهى السّلام كلمة:و بركاته.

[ثمّ نقل رواية سلمان عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و قال:]

و هذا دليل أنّ آخر ما في السّنّة من السّلام كلمة:

بركاته.(2:86)

نحوه البغويّ.(1:669)

الماورديّ: في المراد بالتّحيّة هاهنا قولان:

أحدهما:أنّه الدّعاء بطول الحياة.

و الثّاني:السّلام تطوّع مستحبّ،و ردّه فرض.

(1:513)ح.

ص: 774


1- كذا!!و لا بدّ من ذكر المصدر عن الصّحاح.

الطّوسيّ: هذا خطاب من اللّه تعالى لجميع المكلّفين،يأمرهم إذا دعا لهم إنسان بطول الحياة،و البقاء و السّلامة،أن يحيّوهم بأحسن من ذلك،أو يردّوا عليهم مثله.

و قال النّحويّون:(احسن)هاهنا صفة لا ينصرف؛ لأنّه على وزن«أفعل»و هو صفة لا تنصرف،و المعنى حيّوا بتحيّة أحسن منها.و التّحيّة:«مفعلة»من حيّيت، و معناها هاهنا:السّلام.(3:278)

القشيريّ: تعليم لهم حسن العشرة و آداب الصّحبة.و إنّ من حمّلك فضلا صار ذلك-في ذمّتك-له قرضا،فإمّا زدت على فعله و إلاّ فلا تنقص عن مثله.

(2:47)

الواحديّ: التّحيّة:السّلام،يقال:حيّا يحيّي تحيّة، إذا سلّم.[ثمّ نقل بعض الأقوال المتقدّمة](2:90)

الزّمخشريّ: الأحسن منها أن تقول:و عليكم السّلام و رحمة اللّه،إذا قال:السّلام عليكم،و أن تزيد:

و بركاته،إذا قال:و رحمة اللّه.[ثمّ نقل رواية النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال:]

أَوْ رُدُّوها أو أجيبوها بمثلها.و ردّ السّلام و رجعه:جوابه بمثله،لأنّ المجيب يردّ قول المسلّم و يكرّره.و جواب التّسليمة واجب،و التّخيير إنّما وقع بين الزّيادة و تركها.(1:549)

ابن عطيّة: و اختلف المتأوّلون،فقالت فرقة:

التّحيّة أن يقول الرّجل:سلام عليك،فيجب على الآخر أن يقول:عليك السّلام و رحمة اللّه،فإن قال البادئ:

السّلام عليك و رحمة اللّه،قال الرّادّ:عليك السّلام و رحمة اللّه و بركاته.فإن قال البادئ:السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته،فقد انتهى و لم يبق للرّادّ أن يحيّي بأحسن منها، فها هنا يقع الرّدّ المذكور في الآية.فالمعنى عند أهل هذه القالة: إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فإن نقص المسلّم من النّهاية فحيّوا بأحسن،و إن انتهى فردّوا.

و قالت فرقة:إنّما معنى الآية تخيير الرّادّ،فإذا قال البادئ:السّلام عليك،فللرّادّ أن يقول؛و عليك السّلام فقط،و هذا هو الرّدّ،و له أن يقول:و عليك السّلام و رحمة اللّه،و هذا هو التّحيّة بأحسن منها.

و قال ابن عبّاس و غيره:المراد بالآية، إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فإن كانت من مؤمن فحيّوا بأحسن منها،و إن كانت من كافر فردّوا على ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أن يقال لهم:و عليكم.

و روي عن ابن عمرو و ابن عبّاس و غيرهما:انتهى السّلام إلى البركة،و جمهور أهل العلم على أن لا يبدأ أهل الكتاب بسلام،فإن سلّم أحد ساهيا أو جاهلا فينبغي أن يستقيله سلامه،و شذّ قوم في إباحته ابتدائهم،و الأوّل أصوب؛لأنّ به يتصوّر إذلالهم.

و قال ابن عبّاس:كلّ من سلّم عليك من خلق اللّه فردّ عليه،و إن كان مجوسيّا.و قال عطاء:الآية في المؤمنين خاصّة،و من سلّم من غيرهم قيل له:عليك،كما في الحديث.

و أكثر أهل العلم:على أنّ الابتداء بالسّلام سنّة مؤكّدة،و ردّه فريضة؛لأنّه حقّ من الحقوق،قاله الحسن ابن أبي الحسن و غيره.(2:87)

الطّبرسيّ: أمر اللّه المسلمين بردّ السّلام على المسلم

ص: 775

بأحسن ممّا سلّم،إن كان مؤمنا،و إلاّ فليقل:و عليكم، لا يزيد على ذلك،فقوله: بِأَحْسَنَ مِنْها للمسلمين خاصّة.[ثمّ أدام الكلام بنقل الأقوال و الرّوايات]

(2:85)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:

المسألة الأولى:التّحيّة«تفعلة»من حيّيت،و كان في الأصل تحيية،مثل التّوصية و التّسمية،و العرب تؤثر «التّفعلة»على«التّفعيل»في ذوات الأربعة.نحو قوله:

وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ الواقعة:94،فثبت أنّ التّحيّة أصلها التّحيية،ثمّ أدغموا الياء في الياء.

المسألة الثّانية:اعلم أنّ عادة العرب قبل الإسلام أنّه إذا لقي بعضهم بعضا قالوا:حيّاك اللّه،و اشتقاقه من «الحياة»كأنّه يدعو له بالحياة،فكانت التّحيّة عندهم عبارة عن قول بعضهم لبعض:حيّاك اللّه.فلمّا جاء الإسلام أبدل ذلك بالسّلام،فجعلوا التّحيّة اسما للسّلام.

قال تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الأحزاب:44، و منه قول المصلّي:التّحيّات للّه،أي السّلام من الآفات للّه.و الأشعار ناطقة بذلك،قال عنترة:

*حيّيت من طلل تقادم عهده*

و قال آخر:

*إنّا محيّوك يا سلمى فحيّينا*

و اعلم أنّ قول القائل لغيره:السّلام عليك،أتمّ و أكمل من قوله:حيّاك اللّه،و بيانه من وجوه:

الأوّل:أنّ الحيّ إذا كان سليما كان حيّا لا محالة، و ليس إذا كان حيّا كان سليما،فقد تكون حياته مقرونة بالآفات و البليّات.فثبت أنّ قوله:السّلام عليك، أتمّ و أكمل من قوله:حيّاك اللّه.

الثّاني:أنّ السّلام اسم من أسماء اللّه تعالى،فالابتداء بذكر اللّه أو بصفة من صفاته الدّالّة على أنّه يريد إبقاء السّلامة على عباده أكمل من قوله:حيّاك اللّه.

الثّالث:أنّ قول الإنسان لغيره:السّلام عليك،فيه بشارة بالسّلامة،و قوله:حيّاك اللّه لا يفيد ذلك،فكان هذا أكمل.

و ممّا يدلّ على فضيلة السّلام القرآن و الأحاديث و المعقول؛أمّا القرآن فمن وجوه:

الأوّل:اعلم أنّ اللّه تعالى سلّم على المؤمن في اثني عشر موضعا:أوّلها:أنّه تعالى كأنّه سلّم عليك في الأزل، أ لا ترى أنّه قال في وصف ذاته: اَلْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الحشر:24.

و ثانيها:أنّه سلّم على نوح و جعل لك من ذلك السّلام نصيبا،فقال: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَ عَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ هود:48،و المراد منه أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و ثالثها:سلّم عليك على لسان جبريل،فقال:

تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ القدر:4،5،قال المفسّرون:إنّه عليه الصّلاة و السّلام خاف على أمّته أن يصيروا مثل أمّة موسى و عيسى عليهما الصّلاة و السّلام، فقال اللّه:لا تهتمّ لذلك،فإنّي و إن أخرجتك من الدّنيا،إلاّ أنّي جعلت جبريل خليفة لك،ينزل إلى أمّتك كلّ ليلة قدر،و يبلّغهم السّلام منّي.

و رابعها:سلّم عليك على لسان موسى عليه السّلام؛حيث

ص: 776

قال: وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى طه:47،فإذا كنت متّبع الهدى وصل سلام موسى إليك.

و خامسها:سلّم عليك على لسان محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال اَلْحَمْدُ لِلّهِ وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى النّمل:

59،و كلّ من هدى اللّه إلى الإيمان فقد اصطفاه،كما قال:

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فاطر:32.

و سادسها:أمر محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم بالسّلام على سبيل المشافهة،فقال: وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ الأنعام:54.

و سابعها:أمر أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بالتّسليم عليك،قال:

وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها النّساء:86.

و ثامنها:سلّم عليك على لسان ملك الموت،فقال:

اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ النّحل:32.قيل:إنّ ملك الموت يقول في أذن المسلم:السّلام يقرئك السّلام،و يقول:أجبني فإنّي مشتاق إليك،و اشتاقت الجنّات و الحور العين إليك،فإذا سمع المؤمن البشارة،يقول لملك الموت:للبشير منّي هديّة،و لا هديّة أعزّ من روحي،فاقبض روحي هديّة لك.

و تاسعها:السّلام من الأرواح الطّاهرة المطهّرة،قال تعالى: وَ أَمّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ* فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ الواقعة:90،91.

و عاشرها:سلّم اللّه عليك على لسان رضوان خازن الجنّة فقال تعالى: وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً إلى قوله: وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ الزّمر:73.

و الحادي عشر:إذا دخلوا الجنّة فالملائكة يزورونهم و يسلّمون عليهم،قال تعالى: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:23.

و الثّاني عشر:السّلام من اللّه من غير واسطة،و هو قوله: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الأحزاب:44، و قوله: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يس:58،و عند ذلك يتلاشى سلام الكلّ،لأنّ المخلوق لا يبقى على تجلّي نور الخالق.

الوجه الثّاني:من الدّلائل القرآنيّة الدّالّة على فضيلة السّلام:أنّ أشدّ الأوقات حاجة إلى السّلامة و الكرامة ثلاثة أوقات:وقت الابتداء،و وقت الموت،و وقت البعث.و اللّه تعالى لمّا أكرم يحيى عليه السّلام فإنّما أكرمه بأن وعده السّلام في هذه الأوقات الثّلاثة،فقال: وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا مريم:15، و عيسى عليه السّلام ذكر أيضا ذلك فقال: وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا مريم:33.

الوجه الثّالث:أنّه تعالى لمّا ذكر تعظيم محمّد عليه الصّلاة و السّلام قال: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً يروى في التّفسير:أنّ اليهود كانوا إذا دخلوا قالوا:السّام عليك، فحزن الرّسول عليه الصّلاة و السّلام لهذا المعنى،فبعث اللّه جبريل عليه السّلام و قال:إن كان اليهود يقولون السّام عليك،فأنا أقول من سرادقات الجلال:السّلام عليك، و أنزل قوله: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ إلى قوله: وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً الأحزاب:56.

ص: 777

و أمّا ما يدلّ من الأخبار على فضيلة السّلام فما روي أنّ عبد اللّه بن سلاّم قال:لمّا سمعت بقدوم الرّسول عليه الصّلاة و السّلام دخلت في غمار النّاس،فأوّل ما سمعت منه:«يا أيّها النّاس أفشوا السّلام،و أطعموا الطّعام، و صلوا الأرحام،و صلّوا باللّيل و النّاس نيام،تدخلوا الجنّة بسلام».

و أمّا ما يدلّ على فضل السّلام من جهة المعقول فوجوه:

الأوّل:قالوا:تحيّة النّصارى:وضع اليد على الفم، و تحيّة اليهود بعضهم لبعض:الإشارة بالأصابع،و تحيّة المجوس:الانحناء،و تحيّة العرب بعضهم لبعض أن يقولوا:

حيّاك اللّه،و للملوك أن يقولوا:أنعم صباحا،و تحيّة المسلمين بعضهم لبعض أن يقولوا:السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.و لا شكّ أنّ هذه التّحيّة أشرف التّحيّات و أكرمها.

الثّاني:أنّ السّلام مشعر بالسّلامة من الآفات و البليّات.و لا شكّ أنّ السّعي في تحصيل الصّون عن الضّرر أولى من السّعي في تحصيل النّفع.

الثّالث:أنّ الوعد بالنّفع يقدر الإنسان على الوفاء به و قد لا يقدر،أمّا الوعد بترك الضّرر فإنّه يكون قادرا عليه لا محالة،و السّلام يدلّ عليه؛فثبت أنّ السّلام أفضل أنواع التّحيّة.

المسألة الثّالثة:من النّاس من قال:من دخل دارا وجب عليه أن يسلّم على الحاضرين،و احتجّ عليه بوجوه:

الأوّل:قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها النّور:27،و قال عليه الصّلاة و السّلام:«أفشوا السّلام»، و الأمر للوجوب.

الثّاني:أنّ من دخل على إنسان كان كالطّالب له،ثمّ المدخول عليه لا يعلم أنّه يطلبه لخير أو لشرّ،فإذا قال:

(السّلام عليك)فقد بشّره بالسّلامة و آمنه من الخوف.

و إزالة الضّرر عن المسلم واجبة،قال عليه الصّلاة و السّلام:«المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه»، فوجب أن يكون السّلام واجبا.

الثّالث:أنّ السّلام من شعائر أهل الإسلام،و إظهار شعائر الإسلام واجب،و أمّا المشهور فهو أنّ السّلام سنّة، و هو قول ابن عبّاس و النّخعيّ.

و أمّا الجواب على السّلام فقد أجمعوا على وجوبه، و يدلّ عليه وجوه (1):

الأوّل:قوله تعالى: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها.

الثّاني:أنّ ترك الجواب إهانة،و الإهانة ضرر و الضّرر حرام.

المسألة الرّابعة:منتهى الأمر في السّلام أن يقال:

السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته،بدليل أنّ هذا القدر هو الوارد في التّشهّد.

و اعلم أنّه تعالى قال: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها، فقال العلماء:الأحسن هو أنّ المسلم إذا قال السّلام عليك،زيد في جوابه:الرّحمة،و إن ذكر السّلام و الرّحمة في الابتداء زيد في جوابه:البركة،و إن ذكرط.

ص: 778


1- ذكر وجهين فقط.

الثّلاثة في الابتداء أعادها في الجواب.روي (1)أنّ رجلا قال للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.[و ذكر نحو ما مرّ عن سلمان الفارسيّ، و قال في آخره:]فقال عليه الصّلاة و السّلام:و عليك السّلام و رحمة اللّه و بركاته،فقال الرّجل:نقصتني،فأين قول اللّه: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها؟ فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّك ما تركت لي فضلا،فرددت عليك ما ذكرت.

المسألة الخامسة:المبتدئ يقول:السّلام عليك، و المجيب يقول:و عليكم السّلام،هذا هو التّرتيب الحسن، و الّذي خطر ببالي فيه:أنّه إذا قال:السّلام عليكم،كان الابتداء واقعا بذكر اللّه،فإذا قال المجيب:و عليكم السّلام، كان الاختتام واقعا بذكر اللّه،و هذا يطابق قوله: هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ الحديد:3،و أيضا لمّا وقع الابتداء و الاختتام بذكر اللّه فإنّه يرجى أن يكون ما وقع بينهما يصير مقبولا ببركته،كما في قوله: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ هود:114.فلو خالف المبتدئ فقال:و عليكم السّلام فقد خالف السّنّة،فالأولى للمجيب أن يقول:و عليكم السّلام؛لأنّ الأوّل لمّا ترك الافتتاح بذكر اللّه،فهذا لا ينبغي أن يترك الاختتام بذكر اللّه.

المسألة السّادسة:إن شاء قال:سلام عليكم،و إن شاء قال:السّلام عليكم،قال تعالى في حقّ نوح: يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا هود:48،و قال عن الخليل :

قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي مريم:48،و قال في قصّة لوط: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ، و قال عن يحيى: وَ سَلامٌ عَلَيْهِ مريم:15،و قال عن محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:

قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ النّمل:59،و قال عن الملائكة: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ الرّعد:23،24،و قال عن ربّ العزّة: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يس:58،و قال:

فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ الأنعام:54.

و أمّا بالألف و اللاّم فقوله من موسى عليه السّلام: فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى طه:47،و قال عن عيسى عليه السّلام: وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ مريم:33،فثبت أنّ الكلّ جائز.و أمّا في التّحليل من الصّلاة فلا بدّ من الألف و اللاّم بالاتّفاق.

و اختلفوا في سائر المواضع أنّ التّنكير أفضل أم التّعريف؟فقيل:التّنكير أفضل،و يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:أنّ لفظ السّلام على سبيل التّنكير كثير في القرآن،فكان أفضل.

الثّاني:أنّ كلّ ما ورد من اللّه و الملائكة و المؤمنين فقد ورد بلفظ التّنكير على ما عدّدناه في الآيات.و أمّا بالألف و اللاّم فإنّما ورد في تسليم الإنسان على نفسه،قال موسى صلّى اللّه عليه و سلّم: وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى طه:47، و قال عيسى عليه الصّلاة و السّلام: وَ السَّلامُ عَلَيَّ.

و الثّالث:و هو المعنى المعقول أنّ لفظ السّلام بالألف و اللاّم يدلّ على أصل الماهيّة،و التّنكير يدلّ على أصل الماهيّة مع وصف الكمال،فكان هذا أولى.

المسألة السّابعة:قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«السّنّة أن يسلّم الرّاكب على الماشي،و راكب الفرس على راكب الحمار،و الصّغير على الكبير،و الأقلّ على الأكثر،و القائم على القاعد».ّ.

ص: 779


1- ذكر الرّواية قبلا سلمان الفارسيّ.

و أقول:أمّا الأوّل فلوجهين:

أحدهما:أنّ الرّاكب أكثر هيبة فسلامه يفيد زوال الخوف.

و الثّاني:أنّ التّكبّر به أليق،فأمر بالابتداء بالتّسليم كسرّا لذلك التّكبّر،و أمّا أنّ القائم يسلّم على القاعد فلأنّه هو الّذي وصل إليه.فلا بدّ و أن يفتتح هذا الواصل الموصول بالخير.

المسألة الثّامنة:السّنّة في السّلام الجهر،لأنّه أقوى في إدخال السّرور في القلب.

المسألة التّاسعة:السّنّة في السّلام الإفشاء و التّعميم، لأنّ في التّخصيص إيحاشا.

المسألة العاشرة:المصافحة عند السّلام عادة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،قال عليه الصّلاة و السّلام:«إذا تصافح المسلمان تحاتّت ذنوبهما كما يتحاتّ ورق الشّجر».

المسألة الحادية عشرة:قال أبو يوسف:من قال لآخر:اقرئ فلانا عنّي السّلام،وجب عليه أن يفعل.

المسألة الثّانية عشرة:إذا استقبلك رجل واحد فقل:

سلام عليكم،و اقصد الرّجل و الملكين،فإنّك إذا سلّمت عليهما ردّا السّلام عليك،و من سلّم الملك عليه فقد سلم من عذاب اللّه.

المسألة الثّالثة عشرة:إذا دخلت بيتا خاليا فسلّم، و فيه وجوه:الأوّل:أنّك تسلّم من اللّه على نفسك.

و الثّاني:أنّك تسلّم على من فيه من مؤمني الجنّ.

و الثّالث:أنّك تطلب السّلامة ببركة السّلام ممّن في البيت من الشّياطين و المؤذيات.

المسألة الرّابعة عشرة:السّنّة أن يكون المبتدئ بالسّلام على الطّهارة،و كذا المجيب.روي أنّ واحدا سلّم على الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و هو كان في قضاء الحاجة،فقام و تيمّم ثمّ ردّ السّلام.

المسألة الخامسة عشرة:السّنّة إذا التقى إنسانان أن يبتدرا بالسّلام إظهارا للتّواضع.

المسألة السّادسة عشرة:لنذكر المواضع الّتي لا يسلّم فيها،و هي ثمانية:

الأوّل:روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:لا يبدأ اليهوديّ بالسّلام،و عن أبي حنيفة أنّه قال:لا يبدأ بالسّلام في كتاب و لا في غيره،و عن أبى يوسف:لا تسلّم عليهم و لا تصافحهم،و إذا دخلت فقل:السّلام على من اتّبع الهدى.

و رخّص بعض العلماء في ابتداء السّلام عليهم إذا دعت إلى ذلك حاجة،و أمّا إذا سلّموا علينا فقال أكثر العلماء:

ينبغي أن يقال:و عليك.و الأصل فيه أنّهم كانوا يقولون عند الدّخول على الرّسول:السّام عليك،فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:و عليكم،فجرت السّنّة بذلك.

ثمّ هاهنا تفريع و هو أنّا إذا قلنا لهم:و عليكم السّلام،فهل يجوز ذكر الرّحمة فيه؟قال الحسن:يجوز أن يقال للكافر:و عليكم السّلام،لكن لا يقال:و رحمة اللّه، لأنّها استغفار.و عن الشّعبيّ أنّه قال لنصرانيّ: و عليكم السّلام و رحمة اللّه،فقيل له فيه،فقال:أ ليس في رحمة اللّه يعيش.

الثّاني:إذا دخل يوم الجمعة و الإمام يخطب،فلا ينبغي أن يسلّم لاشتغال النّاس بالاجتماع،فإن سلّم فردّ بعضهم فلا بأس،و لو اقتصروا على الإشارة كان أحسن.

ص: 780

الثّالث:إذا دخل الحمّام فرأى النّاس متّزرين يسلّم عليهم،و إن لم يكونوا متّزرين لم يسلّم عليهم.

الرّابع:الأولى ترك السّلام على القارئ؛لأنّه إذا اشتغل بالجواب يقطع عليه التّلاوة،و كذلك القول فيمن كان مشتغلا برواية الحديث و مذاكرة العلم.

الخامس:لا يسلّم على المشتغل بالأذان و الإقامة، للعلّة الّتي ذكرناها.

السّادس:قال أبو يوسف:لا يسلّم على لاعب النّرد، و لا على المغنيّ،و مطيّر الحمام،و في معناه كلّ من كان مشتغلا بنوع معصية.

السّابع:لا يسلّم على من كان مشتغلا بقضاء الحاجة، مرّ على الرّسول عليه الصّلاة و السّلام رجل و هو يقضي حاجته،فسلّم عليه،فقام الرّسول عليه الصّلاة و السّلام إلى الجدار فتيمّم ثمّ ردّ الجواب.و قال:«لو لا أنّي خشيت أن تقول سلّمت عليه فلم يردّ الجواب لما أجبتك،إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلّم عليّ،فإنّك إن سلّمت عليّ لم أردّ عليك».

الثّامن:إذا دخل الرّجل بيته سلّم على امرأته،فإن حضرت أجنبيّة هناك لم يسلّم عليهما.

المسألة السّابعة عشرة:في أحكام الجواب و هي ثمانية:

الأوّل:ردّ الجواب واجب،لقوله تعالى: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها و لأنّ ترك الجواب إهانة و ضرر و حرام.و عن ابن عبّاس:ما من رجل يمرّ على قوم مسلمين فيسلّم عليهم و لا يردّون عليه إلاّ نزع عنهم روح القدس و ردّت عليه الملائكة.

الثّاني:ردّ الجواب فرض على الكفاية،إذا قام به البعض سقط عن الباقين،و الأولى للكلّ أن يذكروا الجواب إظهارا للإكرام و مبالغة فيه.

الثّالث:أنّه واجب على الفور،فإن أخّر حتّى انقضى الوقت،فإن أجاب بعد فوت الوقت كان ذلك ابتداء سلام و لا يكون جوابا.

الرّابع:إذا ورد عليه سلام في كتاب فجوابه بالكتبة أيضا واجب،لقوله تعالى: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها.

الخامس:إذا قال:السّلام عليكم،فالواجب أن يقول:و عليكم السّلام،إلاّ أنّ السّنّة أن يزيد فيه:الرّحمة و البركة،ليدخل تحت قوله: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها. أمّا إذا قال:السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته،فظاهر الآية يقتضي أنّه لا يجوز الاقتصار على قوله:و عليكم السّلام.

السّادس:روي عن أبي حنيفة رضى اللّه عنه أنّه قال:لا يجهر بالرّدّ،يعني الجهر الكثير.

السّابع:إن سلّمت المرأة الأجنبيّة عليه و كان يخاف في ردّ الجواب عليها تهمة أو فتنة لم يجب الرّدّ،بل الأولى أن لا يفعل.

الثّامن:حيث قلنا:إنّه لا يسلّم،فلو سلّم لم يجب عليها الرّدّ،لأنّه أتى بفعل منهيّ عنه،فكان وجوده كعدمه.

المسألة الثّامنة عشرة:اعلم أنّ لفظ«التّحيّة»على ما بيّنّاه صار كناية عن الإكرام،فجميع أنواع الإكرام يدخل تحت لفظ التّحيّة.(10:209)

نحوه النّيسابوريّ.(995-103)

ص: 781

القرطبيّ: التّحيّة«تفعلة»من حيّيت،الأصل تحيية مثل ترضية و تسمية،فأدغموا الياء في الياء.

و التّحيّة:السّلام،و أصل التّحيّة الدّعاء بالحياة.

و التّحيّات للّه،أي السّلام من الآفات.و قيل:الملك.[ثمّ نقل أقوال بعض اللّغويّين في معنى«التّحيّات للّه» و اختلاف المتأوّلين في تأويلها،على أنّ التّحيّة بمعنى السّلام،أو التّحيّة هنا الهديّة،ثمّ ذكر ما ملخّصه:

1-أجمع العلماء أنّ الابتداء بالسّلام سنّة مرغّب فيها،و ردّه فريضة.

2-ردّ الأحسن أن يزيد في جواب السّلام.

3-الاختيار في التّسليم،و الأدب فيه تقديم اسم اللّه تعالى على اسم المخلوقين.

4-فإن ردّ فقدّم اسم المسلّم عليه لم يأت محرّما و لا مكروها.

5-من السّنّة تسليم الرّاكب على الماشي،و القائم على القاعد،و القليل على الكثير.

6-السّنّة في السّلام،و الجواب:الجهر.

7-حكم الرّدّ على الكافر أن يقال له:و عليكم.

8-في ردّ السّلام على أهل الذّمّة هل هو واجب أم لا.

9-و لا يسلّم على المصلّي،فإن سلّم فهو بالخيار في ردّ السّلام](5:297-304)

البيضاويّ: و التّحيّة في الأصل مصدر:حيّاك اللّه، على الإخبار من الحياة،ثمّ استعمل للحكم و الدّعاء بذلك،ثمّ قيل لكلّ دعاء،فغلب في السّلام.

و قيل:المراد بالتّحيّة:العطيّة.(1:234)

النّسفيّ: وَ إِذا حُيِّيتُمْ أي سلّم عليكم،فإنّ التّحيّة في ديننا بالسّلام في الدّارين،فسلّموا على أنفسكم تحيّة من عند اللّه. تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الأحزاب:44.و كانت العرب تقول عند اللّقاء:حيّاك اللّه،أي أطال اللّه حياتك،فأبدل ذلك بعد الإسلام بالسّلام بِتَحِيَّةٍ، هي«تفعلة»من حيّا يحيّي تحيّة.

فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها، أي قولوا:و عليكم السّلام و رحمة اللّه إذا قال:السّلام عليكم،و زيدوا:و بركاته،إذا قال:و رحمة اللّه.و يقال:لكلّ شيء منتهى،و منتهى السّلام:و بركاته، أَوْ رُدُّوها أي أجيبوها بمثلها.و ردّ السّلام:جوابه بمثله،لأنّ المجيب يردّ قول المسلّم،و فيه حذف مضاف،أي ردّوا مثلها.

و التّسليم سنّة،و الرّدّ فريضة،و الأحسن فضل.و ما من رجل يمرّ على قوم مسلمين فيسلّم عليهم،و لا يردّون عليه إلاّ نزع عنهم روح القدس،و ردّت عليه الملائكة.(1:240)

الخازن :التّحيّة«تفعلة»من حيّا،و أصلها من الحياة،ثمّ جعل السّلام تحيّة لكونه خارجا عن حصول الحيا،و سبب الحياة في الدّنيا أو في الآخرة.و التّحيّة أن يقال:حيّاك اللّه،أي جعل لك حياة،و ذلك إخبار،ثم يجعل دعاء.و هذه اللّفظة كانت العرب تقولها،فلمّا جاء الإسلام بدّل ذلك بالسّلام،و هو المراد به في الآية،يعني إذا سلّم عليكم المسلم فأجيبوه بأحسن ممّا سلّم عليكم به.و إنّما اختير لفظ السّلام على لفظة:حيّاك اللّه؛لأنّه أتمّ و أحسن و أكمل؛لأنّ معنى السّلام السّلامة من الآفات، فإذا دعا الإنسان بطول الحياة بغير سلامة،كانت حياته مذمومة منغّصة.و إذا كان في حياته سليما،كان أتمّ

ص: 782

و أكمل،فلهذا السّبب اختير لفظ السّلام.

أَوْ رُدُّوها يعني أو ردّوا عليه كما سلّم عليكم، إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً يعني محاسبا و مجازيا،و المعنى أنّه تعالى على كلّ شيء من ردّ السّلام بمثله و بأحسن منه مجاز.

فصل في فضل السّلام و الحثّ عليه:عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنّ رجلا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أيّ الإسلام خير؟قال:تطعم الطّعام،و تقرأ السّلام على من عرفت و من لم تعرف.قوله:أيّ الإسلام خير؟معناه أي خصال الإسلام خير؟عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا،و لا تؤمنوا حتّى تحابّوا،أو لا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟أفشوا السّلام بينكم».عن عبد اللّه بن سلاّم قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:«أيّها النّاس أفشوا السّلام،و أطعموا الطّعام،و صلوا الأرحام،و صلّوا باللّيل و النّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام»أخرجه التّرمذيّ،و قال:حديث صحيح.عن أبي أمامة قال:أمرنا نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم أن نفشي السّلام،أخرجه ابن ماجه.

فصل في أحكام تتعلّق بالسّلام و فيه مسائل:

المسألة الأولى:في كيفيّة السّلام:عن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«لمّا خلق اللّه تعالى آدم عليه السّلام قال:اذهب فسلّم على أولئك نفر من الملائكة جلوس،فاستمع ما يحيّونك به،فإنّها تحيّتك و تحيّة ذرّيّتك،فقال:السّلام عليكم،فقالوا:عليك السّلام و رحمة اللّه»،فزادوه:

و رحمة اللّه.قال العلماء:يستحبّ لمن يبتدئ بالسّلام أن يقول:السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته،فيأتي بضمير الجمع و إن كان المسلّم عليه واحدا،و يقول المجيب:

و عليكم السّلام و رحمة اللّه و بركاته،فيأتي بواو العطف في قوله:و عليكم.عن عمران بن حصين قال:جاء رجل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:السّلام عليكم فردّ عليه ثم جلس فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عشر.ثمّ جاء آخر فقال:السّلام عليكم و رحمة اللّه فردّ عليه فجلس فقال:عشرون.

فجاء آخر فقال السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته،فردّ عليه فجلس،فقال ثلاثون.أخرجه التّرمذيّ و أبو داود و قال التّرمذيّ:حديث حسن.

و قيل:إذا قال المسلم:السّلام عليكم فيقول المجيب:

و عليكم السّلام و رحمة اللّه،فيزيده:و رحمة اللّه.و إذا قال:السّلام عليكم و رحمة اللّه،فيقول:و عليكم السّلام و رحمة اللّه و بركاته.و إذا قال:السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته،فيردّ عليه السّلام بمثله و لا يزيد عليه.و روي أن رجلا سلّم على ابن عبّاس فقال:السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته،ثمّ زاد شيئا فقال ابن عبّاس:إنّ السّلام انتهى إلى البركة.

و يستحبّ للمسلّم أن يرفع صوته بالسّلام ليسمع المسلّم عليه فيجيبه،و يشترط أن يكون الرّدّ على الفور، فإن أخّره ثم ردّ لم يعدّ جوابا،و كان آثما بترك الرّدّ.

المسألة الثّانية:حكم السّلام،الابتداء بالسّلام سنّة مستحبّة ليس بواجب،و هو سنّة على الكفاية،فإن كانوا جماعة فسلّم واحد منهم كفى عن جميعهم،و لو سلّم كلّهم كان أفضل و أكمل.قال القاضي حسين من أصحاب الشّافعي:ليس لنا سنّة على الكفاية إلاّ هذا،و فيه نظر لأنّ تشميت العاطس سنّة على الكفاية أيضا كالسّلام،

ص: 783

و لو دخل على جماعة في بيت أو مجلس أو مسجد وجب عليه أن يسلّم على الحاضرين لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:أفشوا السّلام، و الأمر للوجوب،أو يكون ذلك سنّة متأكّدة؛لأنّ السّلام من شعار أهل الإسلام فيجب إظهاره أو يتأكّد استحبابه.

أمّا الرّدّ على المسلّم فقد أجمع العلماء على وجوبه.

و يدلّ عليه قوله تعالى: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها و الأمر للوجوب؛لأنّ في ترك الرّدّ إهانة للمسلّم،فيجب ترك الإهانة.فإن كان المسلّم عليه واحدا وجب عليه الرّدّ،و إذا كانوا جماعة كان ردّ السّلام في حقّهم فرض كفاية،فلو ردّ واحد منهم سقط فرض الرّدّ عن الباقين،و إن تركوه كلّهم أثموا.

عن عليّ بن أبي طالب رضى اللّه عنه عن النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال:

يجزي عن الجماعة إذا مرّوا أن يسلّم أحدهم،و يجزي عن الجلوس أنّ يردّ أحدهم،أخرجه أبو داود.

المسألة الثّالثة:في آداب السّلام،السّنّة أن يسلّم الرّاكب على الماشي،و الماشي على القاعد،و القليل على الكثير،و الصّغير على الكبير.عن أبى هريرة:«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:يسلّم الرّاكب على الماشي،و الماشي على القاعد و القليل على الكثير».و إذا تلاقى رجلان فالمبتدئ بالسّلام هو الأفضل،لما روي عن أبي أمامة الباهليّ قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ أولى النّاس باللّه عزّ و جلّ من بدأهم بالسّلام»أخرجه أبو داود و التّرمذيّ.و لفظه قال:

قيل يا رسول اللّه:الرّجلان يلتقيان أيّهما يبدأ بالسّلام؟ قال:«أولاهما باللّه».قال التّرمذيّ: حديث حسن.

و يستحبّ أن يبدأ بالسّلام قبل الكلام و الحاجة.

و السّنّة إذا مرّ بجماعة صبيان صغار أن يسلّم عليهم، لما روي عن أنس أنّه مرّ على صبيان فسلّم عليهم.

و قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يفعله،أخرجاه في الصّحيحين.

و في رواية لأبي داود:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مرّ على غلمان يلعبون فسلّم عليهم.

و أمّا السّلام على النّساء؛فإن كنّ جمعا جالسات في مسجد أو موضع فيستحبّ أن يسلّم عليهنّ،إذا لم يخف على نفسه أو عليهنّ فتنة،لما روي عن أسماء بنت يزيد قالت:مرّ علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في نسوة فسلّم علينا، أخرجه أبو داود و في رواية التّرمذيّ:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مرّ في المسجد يوما و عصبة من النّساء قعود،فألوى بيده للتّسليم،قال التّرمذيّ:حديث حسن.و إذا مرّ على امرأة مفردة أجنبيّة،فإن كانت جميلة فلا يسلّم عليها، و لو سلّم فلا تردّ هي عليه؛لأنّه لم يستحقّ الرّدّ.و إن كانت عجوزا لا يخاف عليه و لا عليها الفتنة سلّم عليها و تردّ هي عليه.و حكم النّساء مع النّساء كحكم الرّجال مع الرّجال في السّلام،فيسلّم بعضهنّ على بعض.

المسألة الرّابعة:في الأحوال الّتي يكره السّلام فيها، فمن ذلك الّذي يبول أو يتغوّط أو يجامع و نحو ذلك لا يسلّم عليه،فلو سلّم فلا يستحقّ المسلّم جوابا،لما روي عن ابن عمر:أنّ رجلا مرّ و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يبول فسلّم عليه فلم يردّ عليه.أخرجه مسلم.قال التّرمذيّ:

إنّما يكره إذا كان على الغائط أو البول،و يكره التّسليم على من في الحمّام،و قيل:إن كانوا متّزرين بالمآزر سلّم عليهم و إلاّ فلا.

و يكره التّسليم على النّائم و النّاعس و المصلّي و المؤذّن و التّالي في حال الصّلاة و الأذان و التّلاوة.

ص: 784

و يكره الابتداء بالسّلام في حال الخطبة؛لأنّ الجالسين مأمورون بالإنصات للخطبة.و يكره أن يبدأ المبتدع بالتّسليم عليه،و كذلك المعلن بفسق،و كذلك الظّلمة و نحوهم،فلا يسلّم على هؤلاء.

المسألة الخامسة:في حكم السّلام على أهل الذّمّة و اليهود و النّصارى:اختلف العلماء فيه؛فذهب أكثرهم إلى أنّه لا يجوز ابتداؤهم بالسّلام،و قال بعضهم:إنّه ليس بحرام بل هو مكروه كراهة تنزيه،و يدلّ على ذلك ما روي عن أبي هريرة:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«لا تبدءوا اليهود و لا النّصارى بالسّلام،و إذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطرّوه إلى أضيقه».أخرجه مسلم.

و إذا سلّم يهوديّ أو نصرانيّ على مسلم فيردّ عليه و يقول:عليك،بغير واو العطف،لما روي عن أنس:أنّ يهوديّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه فقال:السّام عليكم، فردّ عليه القول،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«هل تدرون ما قال؟قالوا:اللّه و رسوله أعلم،سلّم يا نبيّ اللّه،قال:لا، و لكنّه قال:كذا و كذا،ردّوه عليّ»فردّوه،فقال:«قلت:

السّام عليكم؟»قال:نعم يا نبيّ اللّه،فقال صلّى اللّه عليه و سلّم عند ذلك:

«إذا سلّم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا:عليك،أي عليك ما قلت»أخرجه التّرمذيّ.فلو أتى بواو العطف و ميم الجمع فقال:و عليكم،جاز لأنّا نجاب عليهم في الدّعاء و لا يجابون علينا،و يدلّ على ذلك ما روي عن جابر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مرّ عليه ناس من اليهود،فقالوا:

[و ذكر الرّواية و قد مرّت](1:472)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ التّحيّة هنا السّلام،و أنّ المسلّم عليه مخيّر بين أن يردّ أحسن منها أو أن يردّها،يعني مثلها،ف(او)هنا للتّخيير.[ثمّ أطال الكلام بنقل الأقوال فلاحظ](3:310)

أبو السّعود :ترغيب في فرد شائع من أفراد الشّفاعة الحسنة،إثر ما رغّب فيها على الإطلاق،و حذّر عمّا يقابلها من الشّفاعة السّيّئة،و إرشاد إلى توفية حقّ الشّفيع،و كيفيّة أدائه،فإنّ تحيّة الإسلام من المسلم شفاعة منه لأخيه إلى اللّه تعالى.و التّحيّة مصدر حيّا أصلها تحيية،كتسمية من سمّى،و أصل الأصل تحيّي بثلاث ياءات،فحذفت الأخيرة و عوّض عنها تاء التّأنيث،و أدغمت الأولى في الثّانية بعد نقل حركتها إلى الحاء.[ثمّ نقل كلام الرّاغب و الخازن ملخّصا فلاحظ](2:173)

نحوه الآلوسيّ.(5:98)

البروسويّ: و أصل التّحيّة:الدّعاء بالحياة و طولها، ثمّ استعملت في كلّ دعاء؛لأنّ الدّعاء بالخير لا يخلو شيء منه عن الدّعاء بنفس الحياة،أو بما هو السّبب المؤدّي إلى قوّتها و كمالها،أو بما هو الغاية المطلوبة منها.و كانت العرب إذا لقي بعضهم بعضا يقول:حيّاك اللّه،أي جعل اللّه لك حياة و أطال حياتك.و يقول بعضهم:عش ألف سنة،ثمّ استعملها الشّرع في السّلام و هي تحيّة الإسلام،قال تعالى:

فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ النّور:61.

قيل:تحيّة النّصارى:وضع اليد على الفم،و تحيّة اليهود:الإشارة بالأصابع،و تحيّة المجوس:الانحناء.و في السّلام مزيّة على تحيّة العرب،و هي:حيّاك اللّه،لما أنّه دعاء بالسّلامة من الآفات الدّينيّة و الدّنيويّة،فإنّه إذا قال الإنسان لغيره:السّلام عليك،فقد دعا في حقّه

ص: 785

بالسّلامة منها،و يتضمّن الوعد بسلامة ذلك الغير و أمانه منه،كأنّه قال:أنت سليم منّي فاجعلني سليما منك، و السّلامة مستلزمة لطول الحياة،و ليس في الدّعاء بطول الحياة ذلك؛و لأنّ السّلام من أسمائه تعالى،فالبداية بذكره ممّا لا ريب في فضله و مزيّته.

و معنى الآية إذا سلّم عليكم من جهة المؤمنين، فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها، أي بتحيّة أحسن منها،بأن تقولوا:و عليكم السّلام و رحمة اللّه،إن اقتصر المسلّم على الأوّل،و بأن تزيدوا:و بركاته،إن جمعهما المسلّم، و هو أن يقال:السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته؛منتهى الأمر في السّلام لكونه مستجمعا لجميع فنون المطالب الّتي هي السّلامة من المضارّ و نيل المنافع و دوامها و نمائها، و لهذا اقتصر على هذا القدر في التّشهّد.[ثمّ نقل بعض الرّوايات فلاحظ](2:251)

رشيد رضا :قال الأستاذ الإمام بعد أن علّم اللّه المؤمنين طريقة الشّفاعة الحسنة و السّيّئة و هي من أسباب التّواصل بين النّاس علّمهم سنّة التّحيّة بينهم و بين و إخوانهم الضّعفاء و الأقوياء في الإيمان،و حسن الأدب بينهم و بين ما يلقونهم في أسفارهم،فقال: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ... و هذا ما يراه الأستاذ في وجه الاتّصال و المناسبة بين الآية و الّتي قبلها.و ذكر الرّازيّ في النّظم وجهين:

الأوّل:أنّه لمّا أمر المؤمنين بالجهاد أمرهم أيضا بأن يرضوا بالمسالمة،إذا رضي الأعداء بها،فهذه الآية عنده كقوله تعالى: وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها الأنفال:61.

و الثّاني:أنّ الرّجل كان يلقى الرّجل في دار الحرب أو ما يقاربها فيسلّم عليه،فقد لا يلتفت إلى سلامه و يقتله، فمنع اللّه المؤمنين من ذلك و أمرهم بأن يقابلوا كلّ من يسلّم عليهم،أو يكرمهم بنوع من الإكرام بمثل ما قابلهم به أو بأحسن منه.

هذا ملخّص قوله،و في الأوّل أنّه جعل التّحيّة بمعنى السّلام و السّلم،و في الثّاني من التّوسّع في التّحيّة ما فيه، و سيأتي في هذه السّورة وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً النّساء:94،و قد ذكر هنا أدب التّحيّة كما ذكر ما ينبغي و ما لا ينبغي في الشّفاعة،لأنّ لكلّ من التّحيّة و الشّفاعة شأنا عظيما في حال القتال، يكون به نفعهما أو ضررهما أقوى منه في سائر الأحوال، و يدلّ على ذلك في التّحيّة اشتقاقها من الحياة.

التّحيّة مصدر حيّاه،إذا قال له:حيّاك اللّه،هذا هو الأصل.ثمّ صارت التّحيّة اسما لكلّ ما يقوله المرء لمن يلاقيه أو يقبل هو عليه من نحو دعاء أو ثناء،كقولهم:

أنعم صباحا و أنعم مساء،و قالوا:عم صباحا و مساء، و جعلت تحيّة المسلمين السّلام للإشعار بأنّ دينهم دين السّلام و الأمان،و أنّهم أهل السّلم و محبّو السّلامة.و من التّحيّات الشّائعة في بلادنا إلى هذا اليوم:أسعد اللّه صباحكم،أسعد اللّه مساءكم-و هذا بمعنى قول العرب القدماء:أنعم صباحا و مساء-و نهارك سعيد،و ليلتك سعيدة،و هذا مترجم عن الإفرنجيّة.

و قد أوجب اللّه تعالى علينا في هذه الآية أن نجيب من حيّانا بأحسن من تحيّته أو بمثلها أو عينها،كأن نقول له الكلمة الّتي يقولها و هذا هو ردّها،و فسّروه بأن تقول لمن قال:السّلام عليكم،بقولك:و عليكم السّلام.

ص: 786

و الأحسن؛أي تقول:و عليكم السّلام و رحمة اللّه،فإذا قال هذا في تحيّته فالأحسن أن تقول:و عليكم السّلام و رحمة اللّه و بركاته.و هكذا يزيد المجيب على المبتدئ كلمة أو أكثر.

و أقول:قد يكون أحسن الجواب بمعناه أو كيفيّة أدائه،و إن كان بمثل لفظ المبتدئ بالتّحيّة أو مساويه في الألفاظ أو ما هو أخصر منه،فمن قال لك:أسعد اللّه صباحكم و مساءكم،فقلت له:أسعد اللّه جميع أوقاتكم، كانت تحيّتك أحسن من تحيّته.و من قال لك:السّلام عليكم بصوت خافت يشعر بقلّة العناية،فقلت له:

و عليكم السّلام بصوت أرفع و إقبال يشعر بالعناية و زيادة الإقبال و التّكريم،كنت قد حيّيته بتحيّة أحسن من تحيّته في صفتها،و إن كانت مثلها في لفظها.و النّاس يفرّقون في القيام للزّائرين بين من يقوم بحركة خفيفة و همّة تشعر بزيادة العناية و من يقوم متثاقلا،و من أهل دمشق من يشترطون في العناية بالقيام إظهار الاندهاش،فيقولون:قام له باندهاش أو قام بغير اندهاش.

علم من الآية أنّ الجواب عن التّحيّة له مرتبتان:

أدناهما ردّها بعينها،و أعلاهما الجواب عنها بأحسن منها.فالمجيب مخيّر،و له أن يجعل الأحسن لكرام النّاس كالعلماء و الفضلاء،و ردّ عين التّحيّة لمن دونهم.و روي عن قتادة و ابن زيد:أنّ جواب التّحيّة بأحسن منها للمسلمين،و ردّها بعينها لأهل الكتاب،و قيل:للكفّار عامّة.و لا دليل على هذه التّفرقة من لفظ الآية و لا من السّنّة.و قد روى ابن جرير عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّه قال:من سلّم عليك من خلق اللّه فاردد عليه و إن كان مجوسيّا،فإنّ اللّه يقول: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها. أقول:و قد نزلت هذه الآية في سياق أحكام الحرب و معاملة المحاربين و المنافقين.

و من قال لخصمه:السّلام عليكم فقد أمنه على نفسه.و كانت العرب تقصد هذا المعنى و الوقاء من أخلاقهم الرّاسخة،و لذلك عدّ الأستاذ الإمام ذكر التّحيّة مناسبا للسّياق بكونها من وسائل السّلام،و لمّا صار لفظ السّلام تحيّة المسلمين صارت التّحيّة به عنوانا على الإسلام،كما يأتي في قوله تعالى من هذه السّورة: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً.

و ممّا ينبغي بيانه هنا أنّ بعض المسلمين يكرهون أن يحيّيهم غيرهم بلفظ السّلام،و يرون أنّه لا ينبغي ردّ السّلام على غير المسلم،أي يرون أنّه لا ينبغي لغير المسلم أن يتأدّب بشيء من آداب الإسلام،وفاتهم أنّ الآداب الإسلاميّة إذا سرت في قوم يألفون المسلمين و يعرفون فضل دينهم،و ربّما كان ذلك أجذب لهم إلى الإسلام،و من صفات المؤمن أنّه يألف و يؤلف،و قد سئلت عن هذه الآية و آية النّور يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها هل السّلام فيهما على إطلاقه و عمومه فيشمل المسلمين أم هو خاصّ بالمسلمين؟فأجبت في المجلّد الخامس من«المنار»ص:585-853،بما نصّه:

إنّ الإسلام دين عامّ،و من مقاصده نشر آدابه و فضائله في النّاس و لو بالتّدريج،و جذب بعضهم إلى

ص: 787

بعض ليكون البشر كلّهم إخوة.و من آداب الإسلام الّتي كانت فاشية في عهد النّبوّة إفشاء السّلام إلاّ مع المحاربين، لأنّ من سلّم على أحد فقد أمّنه،فإذا فتك به بعد ذلك كان خائنا ناكثا للعهد.و كان اليهود يسلّمون على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيردّ عليهم السّلام،حتّى كان من بعض سفهائهم تحريف السّلام بلفظ«السّام»أي الموت،فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يجيبهم بقوله:«و عليكم».و سمعت عائشة واحدا منهم يقول له:السّام عليك.فقالت له:و عليك السّام و اللّعنة.فانتهزها عليه الصّلاة و السّلام مبيّنا لها أنّ المسلم لا يكون فاحشا و لا سبّابا،و أنّ الموت علينا و عليهم.

و روي عن بعض الصّحابة كابن عبّاس أنّهم كانوا يقولون للذّمّيّ: السّلام عليك.و عن الشّعبيّ من أئمّة السّلف أنّه قال لنصرانيّ سلّم عليه:و عليك السّلام و رحمة اللّه تعالى،فقيل له في ذلك فقال:أ ليس في رحمة اللّه يعيش.و في حديث البخاريّ:الأمر بالسّلام على من تعرف و من لا تعرف.و روى ابن المنذر عن الحسن أنّه قال: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها للمسلمين، أَوْ رُدُّوها لأهل الكتاب،و عليه يقال للكتابيّ في ردّ السّلام عين ما يقوله،و إن كان فيه ذكر الرّحمة.

هذه لمعة ممّا روي عن السّلف،ثمّ جاء الخلف فاختلفوا في«السّلام»على غير المسلم،فقال كثيرون:

إنّهم لا يبدءون بالسّلام،لحديث ورد في ذلك،و حملوا ما روي عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما على الحاجة، أي لا يسلّم عليهم ابتداء إلاّ لحاجة.و أمّا الرّدّ فقال بعض الفقهاء:إنّه واجب كردّ سلام المسلم،و قال بعضهم:إنّه سنّة.و في«الخانية»من كتب الحنفيّة:و لو سلّم يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ فلا بأس بالرّدّ.و هذا يدلّ على أنّه مباح عند هذا القائل لا واجب و لا مسنون،مع أنّ السّنّة وردت به في الصّحيح.

أمّا ما ورد من حقّ المسلم على المسلم فلا ينافي حقّ غيره،فالسّلام حقّ عامّ و يراد به أمران:مطلق التّحيّة، و تأمين من تسلّم عليه من الغدر و الإيذاء و كلّ ما يسيء.و قد روى الطّبرانيّ و البيهقيّ من حديث أبي أمامة:«إنّ اللّه تعالى جعل السّلام تحيّة لأمّتنا و أمانا لأهل ذمّتنا».و أكثر الأحاديث الّتي وردت في السّلام عامّة، و ذكر في بعضها المسلم كما ذكر في بعضها غيره،كحديث الطّبرانيّ المذكور آنفا.

أما جعل تحيّة الإسلام عامّة،فعندي:«أنّ ذلك مطلوب،و قد ورد في الأحاديث الصّحيحة أنّ اليهود كانوا يسلّمون على المسلمين فيردّون عليهم،فكان من تحريفهم ما كان سببا لأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بأمر المسلمين،أن يردّوا عليهم بلفظ«و عليكم»حتّى لا يكونوا مخدوعين للمحرّفين.و من مقتضى القواعد أنّ الشّيء يزول بزوال سببه.و لم يرد أنّ أحدا من الصّحابة نهي اليهود عن السّلام؛لأنّهم لم يكونوا ليحظروا على النّاس آداب الإسلام.و لكن خلف من بعدهم خلف أرادوا أن يمنعوا غير المسلم من كلّ شيء يعمله المسلم حتّى من النّظر في القرآن،و قراءة الكتب المشتملة على آياته،و ظنّوا أنّ هذا تعظيم للدّين،و صون له عن المخالفين،و كلّما زادوا بعدا عن حقيقة الإسلام زادوا إيغالا في هذا الضّرب من التّعظيم،و إنّهم ليشاهدون النّصارى في هذا العصر

ص: 788

يجتهدون بنشر دينهم،و يوزّعون كثيرا من كتبه على النّاس مجّانا،و يعلّمون أولاد المخالفين لهم في مدارسهم ليقرّبوهم من دينهم،و يجتهدون في تحويل النّاس إلى عاداتهم و شعائرهم ليقربوا من دينهم،حتّى أنّ الأوربيّين فرحوا فرحا شديدا عند ما وافقهم خديو مصر«إسماعيل باشا»على استبدال التّاريخ المسيحيّ بالتّاريخ الهجريّ،و عدّوا هذا من آيات الفتح.و نرى القوم الآن يسعون في جعل يوم الأحد عيدا أسبوعيّا للمسلمين،يشاركون فيه النّصارى بالبطالة.و مع هذا كلّه نرى المسلمين لا يزالون يحبّون منع غيرهم من الأخذ بآدابهم و عاداتهم،و يزعمون أنّ هذا تعظيم للدّين،و كأنّ هذا التّعظيم لا نهاية له إلاّ حجب هذا الدّين عن العالمين،إنّ هذا لهو البلاء المبين،و سيرجعون عنه بعد حين»،انتهى.[ثمّ أدام البحث في جواز السّلام على غير المسلم و عدمه،فلاحظ](5:311)

عزّة دروزة :و لم يرو المفسّرون فيما اطّلعنا عليه رواية خاصّة في مناسبة نزول الآية.و كلام المفسّرين فيها كلام عن آية مستقلّة فيها تأديب و تعليم للمسلمين في صدد السّلام.و الّذي يتبادر لنا أنّها هي الأخرى متّصلة بالآيات السّابقة كسابقتها،اتّصال تعقيب و عظة و تأديب و تمثيل،فالمسلمون قد دعوا إلى الجهاد و هي دعوة إلى الخير.

و المنافقون يقفون من هذه الدّعوة موقف المعارضة و التّثبيط.و واجب المسلمين الإجابة على الدّعوة و أن لا يقصّروا في ذلك أو يثبطوا عنها،كما هو الأمر في حالة ما إذا حيّوا بتحيّة،حيث يجب عليهم أن يقابلوها بما هو أحسن منها أو بمثلها.

و الآية بحدّ ذاتها فصل تامّ المعنى،تحتوي تلقينا تأديبيّا رفيعا للمسلمين في كلّ ظرف،بوجوب مقابلة التّحيّة بأحسن منها أو بمثلها على الأقلّ.و روحها تلهم أنّ التّلقين التّأديبيّ شامل للتّحيّة أو الكلمة الطّيّبة أو الدّعوة الطّيّبة العمل (1)الطّيّب على السّواء.و توجب على المسلم حسن المقابلة على أيّ قول و عمل فيه خير و أدب و عطف و برّ و نفع.

و إطلاق الجملة القرآنيّة،و صيغة المجهول في جملة:

وَ إِذا حُيِّيتُمْ تسوّغان القول:إنّ الأمر فيها عامّ، يشمل كلّ فئة من النّاس،بقطع النّظر عن الجنس و الدّين و العمر.[ثمّ نقل الأحاديث](9:127)

مغنيّة:اتّخذ الإسلام كلمة التّوحيد شعارا لعقيدته، و جعل السّلام تحيّته المختصّة به،للإشارة إلى أنّ منهاجه في الحياة هو نشر السّلام و مقاومة العدوان،بالإضافة إلى أنّ معنى الإسلام:التّسليم للعدل و الإحسان و الخير و الأمان،و فوق ذلك كلّه،فإنّ السّلام من أسماء اللّه تعالى:

هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ الحشر:23.(2:395)

الطّباطبائيّ: أمر بالتّحيّة قبال التّحيّة بما يزيد عليها أو يماثلها،و هو حكم عامّ لكلّ تحيّة حيّي بها،غير أنّ مورد الآيات هو تحيّة السّلم و الصّلح الّتي تلقى إلى المسلمين،على ما يظهر من الآيات التّالية.[إلى أن قال:]ل.

ص: 789


1- كذا،و الظّاهر:و العمل.
كلام في معنى التّحيّة

الأمم و الأقوام على اختلافها في الحضارة و التّوحّش و التّقدّم و التّأخّر،لا تخلو في مجتمعاتهم من تحيّة يتعارفونها عند الملاقاة؛ملاقات البعض البعض على أقسامها و أنواعها من الإشارة بالرّأس و اليد و رفع القلانس و غير ذلك،و هي مختلفة باختلاف العوامل المختلفة العاملة في مجتمعاتهم.

و أنت إذا تأمّلت هذه التّحيّات الدّائرة بين الأمم على اختلافها و على اختلافهم،وجدتها حاكية مشيرة إلى نوع من الخضوع و الهوان و التّذلّل يبديه الدّاني للعالي،و الوضيع للشّريف،و المطيع لمطاعه،و العبد لمولاه.و بالجملة تكشف عن رسم الاستبعاد الّذي لم يزل رائجا بين الأمم في أعصار الهمجيّة فما دونها،و إن اختلفت ألوانه،و لذلك ما نرى أنّ هذه التّحيّة تبدأ من المطيع و تنتهي إلى المطاع،و تشرع من الدّاني الوضيع و تختتم في العالي الشّريف،فهي من ثمرات الوثنيّة الّتي ترتضع من ثدي الاستعباد.

و الإسلام-كما تعلم-أكبر همّه إمحاء الوثنيّة و كلّ رسم من الرّسوم ينتهي إليها،و يتولّد منها،و لذلك أخذ لهذا الشّأن طريقة سويّة و سنّة مقابلة لسنّة الوثنيّة و رسم الاستعباد،و هو إلقاء السّلام الّذي هو بنحو أمن المسلّم عليه من التّعدّي عليه،و دحض حرّيّته الفطريّة الإنسانيّة الموهوبة له،فإنّ أوّل ما يحتاج إليه الاجتماع التّعاونيّ بين الأفراد هو أن يأمن بعضهم بعضا في نفسه و عرضه و ماله،و كلّ أمر يؤول إلى أحد هذه الثّلاثة.

و هذا هو السّلام الّذي سنّ اللّه تعالى إلقائه عند كلّ تلاق من متلاقيين،قال تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً النّور:61،و قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النّور:27،و قد أدّب اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و آله بالتّسليم للمؤمنين و هو سيّدهم،فقال:

وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ الأنعام:54،و أمره بالتّسليم لغيرهم في قوله: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ الزّخرف:89.

و التّحيّة بإلقاء السّلام كانت معمولا بها عند عرب الجاهليّة على ما يشهد به المأثور عنهم من شعر و نحوه.

و في«لسان العرب»:و كانت العرب في الجاهليّة يحيون بأن يقول أحدهم لصاحبه:أنعم صباحا،و أبيت اللّعن، و يقولون:سلام عليكم،فكأنّه علامة المسالمة،و أنّه لا حرب هنالك.ثمّ جاء اللّه بالإسلام فقصروا على السّلام،و أمروا بإفشائه،انتهى.

إلاّ أنّ اللّه سبحانه يحكيه في قصص إبراهيم عنه عليه السّلام كثيرا؛و لا يخلو ذلك من شهادة على أنّه كان من بقايا دين إبراهيم الحنيف عند العرب كالحجّ و نحوه،قال تعالى:حكاية عنه فيما يحاور أباه: قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي مريم:47،و قال تعالى: وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ هود:69،و القصّة واقعة في غير مورد من القرآن الكريم.

و لقد أخذه اللّه سبحانه تحيّة لنفسه،و استعمله في موارد من كلامه،قال تعالى: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ الصّافّات:79،و قال: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ

ص: 790

الصّافّات:109،و قال: سَلامٌ عَلى مُوسى وَ هارُونَ الصّافّات:120،و قال: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ الصّافّات:130،و قال: وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ الصّافّات:181.

و ذكر تعالى أنّه تحيّة ملائكته المكرّمين قال:

اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ النّحل:32،و قال: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ الرّعد:23،24، و ذكر أيضا أنّه تحيّة أهل الجنّة قال: وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ يونس:10،و قال تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً* إِلاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً الواقعة:25،26.

[ثمّ ذكر الرّوايات و قال:]

أقول:و الرّوايات في معنى ما تقدّم كثيرة،و الإحاطة بما تقدّم من البيان توضّح معنى الرّوايات،فالسّلام تحيّة مؤذنة ببسط السّلم،و نشر الأمن بين المتلاقين على أساس المساواة و التّعادل من استعلاء و إدحاض،و ما في الرّوايات من ابتداء الصّغير بالتّسليم للكبير،و القليل للكثير،و الواحد للجمع لا ينافي مسألة المساواة،و إنّما هو مبنيّ على وجوب رعاية الحقوق،فإنّ الإسلام لم يأمر أهله بإلغاء الحقوق،و إهمال أمر الفضائل و المزايا،بل أمر غير صاحب الفضل أن يراعي فضل ذي الفضل،و حقّ صاحب الحقّ،و إنّما نهى صاحب الفضل أن يعجب بفضله،و يتكبّر على غيره،فيبغي على النّاس بغير حقّ، فيبطل بذلك التّوازن بين أطراف المجتمع الإنسانيّ.

و أمّا النّهي الوارد عن التّسليم على بعض الأفراد، فإنّما هو متفرّع على النّهي عن تولّيهم و الرّكون إليهم،كما قال تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ المائدة:51،و قال: لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ الممتحنة:1،و قال: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هود:113 إلى غير ذلك من الآيات.

نعم ربّما اقتضت مصلحة التّقرّب من الظّالمين- لتبليغ الدّين،أو إسماعهم كلمة الحقّ-التّسليم عليهم، ليحصل به تمام الأنس و تمتزج النّفوس،كما أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بذلك في قوله: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ الزّخرف:

89،و كما في قوله يصف المؤمنين: وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً الفرقان:63.(5:29-35)

عبد الكريم الخطيب :التّحيّة الّتي يتبادلها النّاس فيما بينهم،هي مفتاح يفتح مغالق القلوب فيهم،و أشعّة دافئة تذيب الثّلج و تدفع الضّباب الّذي بينهم،و لهذا كانت عرفا ملتزما في مختلف الأمم و الشّعوب على مدى الأزمان.

و هي في الإسلام خير يتهاداه النّاس،و برّ يلقى به بعضهم بعضا.من قبض يده عن بذله،أو كفّها عن أخذه، فقد فاته حظّه من هذا الخير،و حرم نصيبه من هذا البرّ.

و قد أخذ الإسلام المسلمين بهذا الأدب الإنسانيّ، و جعله شعيرة من شعائر الإسلام،و أوجب على من بدأه أحد بتحيّة أن يتقبّلها بقبول حسن،و أن يردّها بتحيّة مثلها أو خير منها؛إذ كان الّذي بدأ بالتّحيّة قد بدأ بفضل و إحسان،و ردّ التّحيّة بمثلها قضاء لقرض حسن،فلا حمد لمن أدّى ما اقترض.و الحقّ يقتضيه أن يشكر لمقرضه و يثني عليه.و من حقّ البادئ بالتّحيّة أن يردّ عليه بأحسن ممّا بدأ به.

ص: 791

و اللّه سبحانه و تعالى يقول: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن:60،و مقابلة الإحسان بالإحسان ليست جزاء له،و إنّما هي وقاء له،و الجزاء يكون بمقابلة الإحسان بما هو أحسن من هذا الإحسان.

و التّحيّة الطّيّبة بين المسلمين هي من الشّفاعة الحسنة الّتي أشارت إليها الآية السّابقة.و هي وجه من وجوه تلك الشّفاعة.

و تحيّة الإسلام،هي كلمة:«السّلام»مشتقّة من الإسلام،يلقى بها الإنسان أخاه قائلا:«السّلام عليكم»، فيلقاه أخوه بها قائلا:«و عليكم السّلام و رحمة اللّه».و في هذا الجوّ الّذي تتردّد في جنباته كلمات السّلام،تفيء النّفوس إلى السّلم،و تهفو إلى العافية،و تستروح روح المودّة و الإخاء.

و إذ يأخذ المسلمون أنفسهم بهذا الأدب الإسلاميّ؛ و إذ تشيع بينهم هذه الكلمة الطّيّبة الرّائعة؛و إذ ينطق بها من نطق عن وعي و يقظة؛و إذا يتلقّاها من تلقّى عن إدراك و فهم،فإنّك لن تجد في مجتمع يتّخذ هذه الكلمة شعارا و دثارا؛قلبا يحمل بغضة،أو صدرا ينطوي على عداوة،و إنّه لا شيء إلاّ المودّة و الحبّ و السّلام.

و إذا كان الإسلام قد آثر كلمة«السّلام»لما يشعّ منها من المعاني الكريمة الطّيّبة،الّتي تقتل جراثيم العداوة و البغضة،فإنّه-مع هذا-يتقبّل أيّة تحيّة طيّبة يتبادلها النّاس،و يتوسّمون فيها سمات الخير و الإحسان.و لهذا جاء قوله تعالى: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها غير مقيّد التّحيّة بقيد مخصوص،و لا واقف بها على صورة خاصّة،ليتيح للنّاس من التّحايا ما يغذّي عواطف الأخوّة و المودّة بينهم،سواء أ كانت تلك التّحيّة لفظة ملفوظة،أو حركة معبّرة،أو إشارة دالّة،أو إيماءة موحية؛إذ لا يعني الإسلام من هذا إلاّ الأثر المترتّب عليه،و لا يعينه شيء ممّا يظهر فيه من صور و أشكال.

و إن كانت كلمة السّلام هي تحيّة الإسلام و شارة المسلمين.(3:852)

مكارم الشّيرازيّ: رغم أنّ بعض المفسّرين يرون أنّ العلاقة بين هذه الآية و الآيات السّابقة ناشئة عن كون الآيات تلك تناولت موضوع الجهاد و الحرب، و الآية الأخيرة تدعو المسلمين إلى أن يواجهوا كلّ بادرة سلميّة من قبل العدوّ بموقف يناسبها،و لكن هذه الصّلة لا تمنع أن تكون الآية الأخيرة حكما عامّا يشمل كلّ أقسام تبادل المشاعر الخيّرة النّبيلة بين مختلف الأطراف و الأفراد.و هذه الآية تأمر المسلمين بمقابلة مشاعر الحبّ بما هو أحسن منها،أو على الأقلّ بما يساويها أو يكون مثلها،فتقول الآية: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها.

و التّحيّة مشتقّة من«الحياة»و تعني الدّعاء لدوام حياة الآخرين،سواء كانت التّحيّة بصيغة«السّلام عليكم»أو«حيّاك اللّه»،أو ما شاكلهما من صيغ التّحيّة و السّلام.و مهما تنوّعت صيغ التّحيّة بين مختلف الأقوام تكون صيغة«السّلام»المصداق الأوضح من كلّ تلك الأنواع،و لكن بعض الرّوايات و التّفاسير تفيد أنّ مفهوم التّحيّة يشمل-أيضا-التّعامل الوديّ العمليّ بين النّاس.

في تفسير عليّ بن إبراهيم عن الباقر و الصّادق عليهما السّلام أنّ:«المراد بالتّحيّة في الآية:السّلام و غيره من البرّ».

ص: 792

و في«المناقب»أنّ جارية أهدت إلى الإمام الحسن عليه السّلام باقة من الورد فأعتقها،و حين سئل عن ذلك استشهد بقوله تعالى: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها.

و هكذا يتّضح لنا أنّ الآية هي حكم عامّ يشمل الرّدّ على كلّ أنواع مشاعر الودّ و المحبّة،سواء كانت بالقول أو بالعمل.و تبيّن الآية في آخرها أنّ اللّه يعلم كلّ شيء، حتّى أنواع التّحيّة و السّلام و الرّدّ المناسب لها،و أنّه لا يخفى عليه شيء أبدا،حيث تقول: إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً.

السّلام،تحيّة الإسلام الكبرى:

لا يخفى أنّ لكلّ جماعة إنسانيّة تقاليد خاصّة في التّحيّة لدى التّلاقي فيما بينهم،بها يتبادلون مشاعر الحبّ و الصّفاء و المودّة،و التّحيّة كما هي صيغة لفظيّة يمكن أن تكون-أيضا-حركة عمليّة يستدلّ منها على مشاعر الحبّ و الودّ المتبادلة.

و قد جاء الإسلام بكلمة«السّلام»مصطلحا للتّحيّة بين المسلمين،و الآية موضوع البحث مع كونها عامّة شاملة لأنواع التّحيّة،لكنّ المصداق الأوضح و الأظهر لها يتجسّد في كلمة«السّلام».

و بناء على ذلك فإنّ المسلمين مكلّفون بردّ السّلام بأحسن منه أو على الأقلّ بما يماثله.

و في آية أخرى إشارة واضحة إلى أنّ السّلام هو التّحيّة؛حيث تقول: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ النّور:61،و يمكن الاستدلال من هذه الآية على أنّ عبارة«السّلام عليكم» هي في الأصل سلام اللّه عليكم،أي ليهبك اللّه السّلامة و الأمن.و هكذا يتّضح لنا أنّ السّلام يعتبر دلالة على الحبّ و الودّ المتبادل،كما هو دلالة على نبذ الحرب و النّزاع و الخصام.

و قد دلّت آيات قرآنيّة أخرى على أنّ السّلام هو تحيّة أهل الجنّة؛حيث يقول سبحانه: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً الفرقان:

75،و يقول تعالى: تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ... إبراهيم:23.

كما أنّ آيات قرآنيّة أخرى دلّت على أنّ السّلام أو أيّ صيغة أخرى تعادله،كان سائدا بين الأقوام الّتي سبقت الإسلام،و هذا هو ما تشير إليه الآية:25 من سورة الذّاريات،في قصّة إبراهيم مع الملائكة،حيث تقول: إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ.

و الشّعر الجاهليّ فيه دلائل تثبت أنّ السّلام كان أيضا تحيّة أهل الجاهليّة.

إنّ تحيّة الإسلام تبرز أهمّيّتها و قيمتها العظيمة،لدى مقارنتها بما لها من نظائر،لدى الأمم و الأقوام الأخرى.

النّصوص الإسلاميّة تؤكّد كثيرا على السّلام و التّحيّة؛حيث يروى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تجيبوه».كما يروى عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنّ اللّه يقول:«البخيل من يبخل بالسّلام»، و عن الإمام الباقر عليه السّلام:«إنّ اللّه يحبّ إفشاء السّلام».

و قد ورد في الرّوايات و الأحاديث آداب كثيرة للتّحيّة و السّلام،منها:أنّ السّلام يجب أن يشيع بين جميع أبناء المجتمع،و أن لا ينحصر في إطار الأصدقاء

ص: 793

و الأقارب.فقد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه سئل:أيّ العمل خير؟:فأجاب صلّى اللّه عليه و آله:«تطعم الطّعام و تقرأ السّلام على من عرفت و من لم تعرف».

كما ورد في الأحاديث:أنّ من آداب التّحيّة أن يسلّم الرّاكب على الرّاجل،و الرّاكب على دابّة غالية الثّمن يسلّم على من يركب دابّة أقلّ ثمنا.و قد يكون الأمر حثّا على التزام التّواضع،و نهيا عن التّكبّر أو محاربة له، فالتّكبّر غالبا ما يستولي على أهل المال و الجاه،و هذا عكس ما نشاهده في عصرنا؛حيث يتحتّم على الطّبقات الدّنيا من المجتمع أنّ تبادر الطّبقات العليا بالسّلام،و بذلك يضفون على هذا الأمر طابعا استعباديّا و ثنيّا،بينما كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله هو أوّل من يبادر الآخرين بالسّلام، و كان صلّى اللّه عليه و آله يبتدئ بالسّلام حتّى على الصّبية الصّغار.

و بديهيّ أنّ هذا الأمر لا ينافي ما ورد في الرّوايات من حثّ صغار السّنّ على مبادرة كبارهم بالسّلام و التّحيّة و الاحترام،لأنّ هذا السّلوك يعتبر نوعا من الآداب الإنسانيّة الحميدة،و لا ارتباط له بالتّمييز الطّبقيّ.

هذا من جانب،و من ناحية أخرى نجد روايات تأمر بعدم السّلام على المرابين و الفاسقين و أمثالهم،و يعتبر هذا الأمر سلاحا لمحاربة الفساد و الرّبا،أمّا إذا كان السّلام يؤدّي إلى التّأثير على المفسد و المنحرف،و يجعله يرتدّ عن غيّه و يترك الفساد و الانحراف،فلا مانع منه و لا بأس به.

و لا يفوتنا هنا أن نوضّح أنّ المراد من ردّ التّحيّة بالأحسن هو أن نعقّب السّلام بعبارات مثل«و رحمة اللّه» أو«رحمة اللّه و بركاته».(3:319)

2- أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً. الفرقان:75

ابن عبّاس: يلقونهم بذلك الملائكة بالتّحيّة و السّلام من اللّه،إذا دخلوا في الجنّة.(306)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:يعني بقاء دائما، الثّاني:ملكا عظيما.(4:161)

نحوه البغويّ.(3:460)

الكلبيّ: يحيّي بعضهم بعضا بالسّلام،و يرسل الرّبّ إليهم بالسّلام.(البغويّ 3:460)

نحوه الواحديّ.(3:349)

الزّمخشريّ: و التّحيّة:دعاء بالتّعمير،و السّلام:

دعاء بالسّلامة،يعني أنّ الملائكة يحيّونهم و يسلّمون عليهم،أو يحيّي بعضهم بعضا و يسلّم عليه،أو يعطون التّبقية و التّخليد مع السّلامة عن كلّ آفة.(3:102)

نحوه البيضاويّ(2:152)،و النّسفيّ(3:177)، و أبو السّعود(5:28)،و البروسويّ(6:255)، و الآلوسيّ(19:54).

الفخر الرّازيّ: و التّحيّة:الدّعاء بالتّعمير،و السّلام:

الدّعاء بالسّلامة،فيرجع حاصل التّحيّة إلى كون نعيم الجنّة باقيا غير منقطع،و يرجع السّلام إلى كون ذلك النّعيم خالصا عن شوائب الضّرر.ثمّ هذه التّحيّة و السّلام يمكن أن يكون من اللّه تعالى،لقوله: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يس:58،و يمكن أن يكون من الملائكة، لقوله: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ الرّعد:23،24،و يمكن أن يكون من بعضهم على بعض.(24:116)

ص: 794

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً و هما بمعنى واحد،و يؤيّده قوله تعالى:

تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الأحزاب:44،و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:

«تحيّة أهل الجنّة في الجنّة سلام»؟

قلنا:قال مقاتل:المراد بالتّحيّة:سلام بعضهم على بعض أو سلام الملائكة عليهم،و المراد بالسّلام:أنّ اللّه تعالى سلّمهم ممّا يخافون و سلّم إليهم أمرهم.

و قيل:التّحيّة من الملائكة أو من أهل الجنّة،و السّلام من اللّه تعالى عليهم،لقوله تعالى: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يس:58.

و قيل:التّحيّة من اللّه تعالى لهم بالهدايا و التّحف، و السّلام بالقول.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ].(247)

القرطبيّ: و التّحيّة من اللّه،و السّلام من الملائكة.

و قيل:التّحيّة:البقاء الدّائم و الملك العظيم.و الأظهر أنّهما بمعنى واحد،و أنّهما من قبل اللّه تعالى،دليله قوله تعالى:

تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الأحزاب:44.(13:84)

ابن كثير :أي يبتدرون فيها بالتّحيّة و الإكرام، و يلقون التّوقير و الاحترام،فلهم السّلام و عليهم السّلام.

فإنّ الملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ. (5:173)

مكارم الشّيرازيّ: أهل الجنّة يحيّي بعضهم بعضا، و تسلّم الملائكة عليهم،و أعلى من كلّ ذلك أنّ اللّه يحيّيهم و يسلّم عليهم،كما نقرأ في الآية:58،سورة يس:

سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ. و نقرأ في الآية:23،24، سورة الرّعد: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ....

ترى هل ل«التّحيّة»و«السّلام»هنا معنيان أم معنى واحد!؟

ثمّة أقوال بين المفسّرين،لكن مع الالتفات إلى أنّ «التّحيّة»في الأصل بمعنى الدّعاء لحياة أخرى،و«سلام» من مادّة السّلامة و بمعنى الدّعاء للغير؛على هذا نستنتج:

أنّ الكلمة الأولى بعنوان طلب الحياة،و الكلمة الثّانية طلب اقتران هذه الحياة مع السّلامة،و لو أنّ هاتين الكلمتين تأتيان بمعنى واحد أحيانا.

«التّحيّة»في العرف لها معنى أوسع،فهي كلّ ما يقولونه في بيان اللّقاء مع الآخرين،فيكون سببا في سرورهم و احترامهم و إظهار المحبّة لهم.(11:287)

تحيّتهم

1- دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ... يونس:10

ابن عبّاس: يحيّي بعضهم بعضا بالسّلام.(170)

الطّبريّ: و تحيّة بعضهم بعضا فِيها سَلامٌ، أي سلّمت و آمنت ممّا ابتلي به أهل النّار،و العرب تسمّي الملك:التّحيّة.[ثمّ استشهد بشعر](11:90)

الزّجّاج: جائز أن يكون ما يحيّي به بعضهم بعضا سلام،و جائز أن يكون اللّه يحيّيهم منها بالسّلام.(3:8)

نحوه النّحّاس(3:279)،و البغويّ(2:412).

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:معناه:و ملكهم فيها سالم.و التّحيّة:الملك.

الثّاني:[قول الطّبريّ].(2:424)

الطّوسيّ: و التّحيّة:التّكرمة بالحال الجليلة،و لذلك

ص: 795

يسمّون الملك:التّحيّة.[ثمّ قال نحو الطّبريّ](5:396)

الواحديّ: يحيّي بعضهم بعضا للسّلام و تحيّة الملائكة إيّاهم،و تحيّة اللّه:سلام.(2:539)

نحوه الطّبرسيّ(3:93)،و القرطبيّ(8:313)، و البيضاويّ(1:441)،و أبو السّعود(3:216).

الزّمخشريّ: أنّ بعضهم يحيّي بعضا بالسّلام، و قيل:هي تحيّة الملائكة إيّاهم،إضافة للمصدر إلى المفعول،و قيل:تحيّة اللّه لهم.(2:227)

نحوه النّسفيّ(2:154)،و النّيسابوريّ(11:59).

ابن عطيّة: [نحو ابن عبّاس و قال:]

و التّحيّة مأخوذ من تمنّي الحياة للإنسان و الدّعاء بها، يقال:حيّاه يحيّيه،و منه قول زهير بن جناب:

من كلّ ما نال الفتى قد نلته إلاّ التّحيّة

يريد دعاء النّاس للملوك بالحياة،و قد سمّي الملك:

تحيّة بهذا التّدريج.[ثمّ استشهد بشعر](3:107)

الفخر الرّازيّ: قال المفسّرون:تحيّة بعضهم لبعض تكون بالسّلام،و تحيّة الملائكة لهم بالسّلام،كما قال تعالى: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ... الرّعد:23،24،و تحيّة اللّه تعالى لهم أيضا بالسّلام،كما قال تعالى: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يس:58.قال الواحديّ:و على هذا التّقدير يكون هذا من إضافة المصدر إلى المفعول.

و عندي فيه وجه آخر:و هو أنّ مواظبتهم على ذكر هذه الكلمة،مشعرة بأنّهم كانوا في الدّنيا في منزل الآفات و في معرض المخافات،فإذا أخرجوا من الدّنيا و وصلوا إلى كرامة اللّه تعالى،فقد صاروا سالمين من الآفات،آمنين من المخافات و النّقصانات.و قد أخبر اللّه تعالى عنهم بأنّهم يذكرون هذا المعنى في قوله: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ* اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ فاطر:34،35.(17:45)

و هكذا جاء في أكثر التّفاسير.

2- تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ إبراهيم:23

3- تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَ أَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً الأحزاب:44

مثل ما قبلهما.

محياهم

سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ الجاثية:21

راجع س و ي:«سواء».

محياى

قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الأنعام:162

ابن عبّاس: في الدّنيا في طاعة اللّه و رضاه.(123)

الطّبريّ: (و محياى):و حياتي(و مماتى):و وفاتي.

(8:112)

الزّجّاج: «الياء»ياء الإضافة،فتحت لأنّ أصلها الفتح،و يجوز إسكانها إذا كان ما قبلها متحرّكا.يجوز (مماتى)و إن شئت قرأت (مماتى اللّه) بفتح الياء،و إن شئت أسكنت.فأمّا ياء(محياى)فلا بدّ من فتحها،لأنّ قبلها ساكن.(2:311)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

ص: 796

أحدهما:أنّ حياته و مماته بيد اللّه تعالى،لا يملك غيره له حياة و لا موتا،فلذلك كان له مصلّيا و ناسكا.

و الثّاني:أنّ حياته للّه في اختصاصها بطاعته،و مماته له في رجوعه إلى مجازاته.

و وجدت فيها وجها ثالثا:أنّ عملي في حياتي و وصيّتي عند وفاتي للّه.(2:195)

نحوه البغويّ.(2:178)

الطّوسيّ: يقولون:حيا يحيا حياة و محيا،و مات يموت موتا و مماتا.و إنّما جعل للفعل الواحد مصادر في الثّلاثيّ لقوّته،و لأنّه الأكثر الأغلب.و إنّما جمع بين صلاته و حياته،و أحدهما من فعله و الآخر من فعل اللّه، لأنّهما جميعا بتدبير اللّه تعالى،و إن كان أحدهما من حيث إيجاده و إعدامه لما فيه من الصّلاح.و وجه ضمّ الموت إلى أصل الواجب الرّغبة إلى من يقدر على كشفه إلى الحياة، في النّعيم الدّائم بطاعته في أداء الواجبات.(4:362)

الواحديّ: أي:حياتي و موتي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، أي هو يحييني و يميتني.و قرأ نافع: (و محياى) ساكنة الياء، و هو شاذّ غير مستعمل،لأنّ فيه جمعا بين السّاكنين، لا يلتقيان على هذا الوجه.(2:344)

الزّمخشريّ: و ما آتيه في حياتي،و ما أموت عليه من الإيمان و العمل الصّالح.(2:64)

نحوه النّسفيّ.(2:42)

ابن عطيّة: قرأ السّبعة سوى نافع: وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي بفتح الياء من(محياى)و سكونها من(مماتى)، و قرأ نافع وحده: (و محياى) بسكون الياء من (محياى) .

قال أبو عليّ الفارسيّ:و هي شاذّة في القياس،لأنّها جمعت بين ساكنين،و شاذّة في الاستعمال.و وجهها أنّه قد سمع من العرب:التقت حلقتا البطان،و لفلان ثلثا المال.

و روى أبو خليد عن نافع و(محياى)بكسر الياء.و قرأ ابن أبي إسحاق و عيسى و الجحدريّ و(محيي)،و هذه لغة هذيل،و منه قول أبي ذو عيب:

سبقوا هويّ و أعتقوا لهواهم

فتصرّعوا و لكلّ جنب مصرع

و قرأ عيسى بن عمر (صلاتى و نسكى و محياى و مماتى) بفتح الياء فيهنّ،و روي ذلك عن عاصم.

(2:369)

الطّبرسيّ: [نقل بعض الأقوال و أضاف:]

و قيل:معنى قوله: وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ أنّ الأعمال الصّالحة الّتي تتعلّق بالحياة في فنون الطّاعات، و ما يتعلّق بالممات من الوصيّة و الختم بالخيرات للّه.و فيه تنبيه على أنّه لا ينبغي أن يجعل الإنسان حياته لشهوته و مماته لورثته.(2:392)

الفخر الرّازيّ: و قوله: وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي أي حياتي و موتي للّه.و اعلم أنّه تعالى قال: إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ... فأثبت كون الكلّ للّه،و المحيا و الممات ليسا للّه،بمعنى أنّه يؤتى بهما لطاعة اللّه تعالى،فإنّ ذلك محال،بل معنى كونهما للّه أنّهما حاصلان بخلق اللّه تعالى، فكذلك أن يكون كون الصّلاة و النّسك للّه مفسّرا بكونهما واقعين بخلق اللّه؛و ذلك من أدلّ الدّلائل على أنّ طاعات العبد مخلوقة للّه تعالى.[إلى أن قال:]

و حاصل الكلام:أنّه تعالى أمر رسوله أن يبيّن أنّ صلاته و سائر عباداته و حياته و مماته كلّها واقعة بخلق

ص: 797

اللّه تعالى،و تقديره و قضائه و حكمه.(14:11)

القرطبيّ: أي ما أعمله في حياتي، وَ مَماتِي أي ما أوصي به بعد وفاتي.(7:152)

البيضاويّ: و ما أنا عليه في حياتي،و أموت عليه من الإيمان و الطّاعة،أو طاعات الحياة و الخيرات المضافة إلى الممات كالوصيّة و التّدبير،أو الحياة و الممات أنفسهما.

(1:340)

نحوه الشّربينيّ(1:461)،و أبو السّعود(2:469)، و القاسميّ(6:2592).

البروسويّ: أي و ما أنا عليه في حياتي،و أكون عليه عند موتي من الإيمان و الطّاعة،فالتّقدير:ذا محياي و ذا مماتي،فجعل ما يأتي به في حياته و عند موته ذا حياته و ذا موته،كقولك،ذا أناؤك،تريد الطّعام،فإضافته بأدنى ملابسة.(3:129)

الآلوسيّ: أي ما يقارن حياتي و موتي من الإيمان و العمل الصّالح.

و قيل:يحتمل أن يكون المراد بالمحيا و الممات ظاهرهما،و الأوّل هو المناسب لقوله تعالى: لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. (8:70)

مغنيّة:و المحيا و الممات هنا كناية عن الثّبات و الاستمرار،و المعنى أنّ عبادة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و جميع ما هو عليه في حياته عقيدة و نيّة و عملا يتّجه به إلى اللّه وحده، و لا يحيد عنه حتّى الممات.(3:293)

الطّباطبائيّ: وَ مَحْيايَ بجميع ماله من الشّئون الرّاجعة إليّ من أعمال و أوصاف و أفعال و تروك، وَ مَماتِي بجميع ما يعود إليّ من أموره،و هي الجهات الّتي ترجع منه إلى الحياة-كما قال:كما تعيشون تموتون- جعلتها كلّها للّه ربّ العالمين،من غير أن أشرك به فيها أحدا،فأنا عبد في جميع شئوني،في حياتي و مماتي للّه وحده وجّهت وجهي إليه،لا أقصد شيئا و لا أتركه إلاّ له، و لا أسير في مسير حياتي،و لا أرد مماتي،إلاّ له،فإنّه ربّ العالمين،يملك الكلّ و يدبّر أمرهم.(7:394)

نحوه فضل اللّه.(9:394)

حيّوك-لم يحيّك

...وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّهُ وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ. المجادلة:8

عائشة:كان اليهود يأتون النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيقولون:السّام عليكم،فيقول:و عليكم.قالت عائشة:السّام عليكم و غضب اللّه،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه لا يحبّ الفاحش المتفحّش»،قالت:إنّهم يقولون:السّام عليكم،قال:«إنّي أقول:و عليكم»،فنزلت وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّهُ قال:فإنّ اليهود يأتون النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيقولون:السّام عليكم.(الطّبريّ 28:14)

ابن عبّاس: وَ إِذا جاؤُكَ يعني اليهود حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّهُ: سلّموا عليك سلاما لم يسلّمه اللّه عليك و لم يأمرك به،و كانوا يجيئون إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم وَ يَقُولُونَ: السّام عليك،فيردّ عليهم النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام:عليكم السّام،و كان السّام بلغتهم:

الصّلاة و السّلام:عليكم السّام،و كان السّام بلغتهم:

الموت.(461)

أنس بن مالك:أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بينما هو جالس مع

ص: 798

أصحابه إذ أتى عليهم يهوديّ فسلّم عليهم فردّوا عليه، فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:هل تدرون ما قال؟قالوا:سلّم يا رسول اللّه،قال:بل قال:سأم عليكم،أي تسأمون دينكم،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أقلت:سأم عليكم؟قال:نعم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:إذا سلّم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا:و عليك،أي عليك ما قلت.

نحوه مجاهد و قتادة و ابن زيد.(الطّبريّ 28:15)

الحسن :كان اليهوديّ يقول:السّام عليك،أي إنّكم ستسأمون دينكم هذا،و تملّونه فتدعونه،و من قال:

السّام:الموت؛و هو سام الحياة بذهابها.

(الطّبرسيّ 5:250)

الفرّاء: كانت اليهود تأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيقولون:السّام عليك،فيقول لهم:و عليكم.(3:141)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:و إذا جاءك يا محمّد هؤلاء الّذين نهوا عن النّجوى،الّذين وصف اللّه جلّ ثناؤه صفتهم،حيّوك بغير التّحيّة الّتي جعلها اللّه لك تحيّة،و كانت تحيّتهم الّتي كانوا يحيّونه بها الّتي أخبر اللّه أنّه لم يحيّه بها-فيما جاءت به الأخبار- أنّهم كانوا يقولون:السّام عليك.(28:13)

نحوه الماورديّ.(5:491)

القمّيّ: و قولهم له إذا أتوه:أنعم صباحا و أنعم مساء، و هي تحيّة أهل الجاهليّة،فأنزل اللّه: وَ إِذا جاؤُكَ...

فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:و قد أبدلنا اللّه بخير من ذلك تحيّة أهل الجنّة:«السّلام عليكم».(2:355)

الواحديّ: و ذلك أنّ اليهود كانوا يأتون النّبيّ، فيقولون:السّام عليك.و السّام:الموت،و هم يوهمونه أنّهم يقولون:السّلام عليك.(4:264)

نحوه البغويّ(5:43)،و الخازن(7:40)، و البروسويّ(9:400)،و الطّباطبائيّ(19:186).

الزّمخشريّ: يعني أنّهم يقولون في تحيّتك:السّام عليك يا محمّد،و السّام:الموت،و اللّه تعالى يقول:

وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى النّمل:59، و يا أَيُّهَا الرَّسُولُ المائدة:41 و 67،و يا أَيُّهَا النَّبِيُّ الأنفال:64.(4:74)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:266)،و البيضاويّ(2:

460)،و أبو السّعود(6:217).

الطّبرسيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يردّ على من قال ذلك فيقول:

و عليك.(5:250)

ابن عاشور :بعد أن ذكر حالهم في اختلاء بعضهم ببعض،ذكر حال نيّاتهم الخبيثة عند الحضور في مجلس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّهم يتتبّعون سوء نيّاتهم من كلمات يتبادر منها للسّامعين أنّها صالحة،فكانوا إذا دخلوا على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يخفتون لفظ«السّلام عليكم»؛لأنّه شعار الإسلام،و لما فيه من جمع معنى السّلامة،يعدلون عن ذلك و يقولون:أنعم صباحا،و هي تحيّة العرب في الجاهليّة،لأنّهم لا يحبّون أن يتركوا عوائد الجاهليّة.

فمعنى: بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّهُ بغير لفظ السّلام،فإنّ اللّه حيّاه بذلك بخصوصه في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً الأحزاب:56، و حيّاه به في عموم الأنبياء بقوله: قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى النّمل:59،و تحيّة اللّه هي

ص: 799

التّحيّة الكاملة.

و ليس المراد من هذه الآية ما ورد في حديث:أنّ اليهود كانوا إذا حيّوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قالوا:السّام عليك،و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يردّ عليهم بقوله:«و عليكم»،فإنّ ذلك وارد في قوم معروف أنّهم من اليهود.و ما ذكر أوّل هذه الآية لا يليق حمله على أحوال اليهود كما علمت آنفا،و لو حمل ضمير(جاءوك)على اليهود لزم عليه تشتيت الضّمائر.

أمّا هذه الآية ففي أحوال المنافقين،و هذا مثل ما كان بعضهم يقول للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: راعِنا البقرة:104،تعلّموها من اليهود و هم يريدون التّوجيه بالرّعونة،فأنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا وَ اسْمَعُوا وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ البقرة:104، و لم يرد منه نهي اليهود.(28:28)

عبد الكريم الخطيب :هو فضح لأسلوب من أساليبهم الخبيثة الّتي دبّروها فيما بينهم،و هو أنّهم إذا جاءوا إلى الرّسول حيّوه بتحيّة منافقة،يبدو ظاهرها سليما مقبولا،و لكنّها تلفّ في باطنها إثما غليظا،و منكرا شنيعا؛حيث يقولون-قاتلهم اللّه-:«السّام عليكم»، يقولون ذلك بألسنة معوجّة تدغم فيها حروف الكلمة، فلا يستبين وجهها،فلا هي«السّام»و لا هي«السّلام».

إنّها كلمة منافقة لا وجه لها،من أفواه منافقة مداهنة، لا يعرف وجه أصحابها.و السّام:الموت و الهلاك.

فهذه تحيّة المنافقين للنّبيّ،تحيّة بالدّعاء عليه لا بالدّعاء له،و هي غير ما حيّاه اللّه به في قوله تعالى:

إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ الأحزاب:56، و هي غير ما أمر اللّه المؤمنين أن يحيّوا النّبيّ به،في قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً الأحزاب:56.

و في قوله تعالى: بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّهُ تنويه بقدر النّبيّ الكريم و منزلته عند ربّه،و أنّه سبحانه إذ يحيّيه تلك التّحيّة المباركة الطّيّبة،فلا عليه إذا حيّاه المنافقون تلك التّحيّة الآثمة المنكرة.(14:825)

مكارم الشّيرازيّ: حَيَّوْكَ من مادّة«تحيّة» مأخوذة في الأصل من الحياة،بمعنى الدّعاء بالسّلام و الحياة الأخرى،و المقصود بالتّحيّة الإلهيّة في هذه الآية هو:السّلام عليكم أو سلام اللّه عليك،و الّتي جاء شبيهها مرارا في الآيات القرآنيّة حول الأنبياء و أصحاب الجنّة، و من جملتها قوله تعالى: سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ الصّافّات:181.

و أمّا التّحيّة الّتي لم يحيّ بها اللّه،و لم يكن قد سمح بها هي جملة:أسأم عليك.و يحتمل أيضا أن تكون هذه التّحيّة هي المقصودة بالآية الكريمة،و هي تحيّة الجاهليّة؛ حيث كانوا يقولون:أنعم صباحا و أنعم مساء،و ذلك بدون أن يتوجّهوا بكلامهم إلى اللّه سبحانه،و يطلبون منه السّلامة و الخير للطّرف الآخر.

هذا الأمر بالرّغم من أنّه كان طبيعيّا،إلاّ أنّ تحريمه لم يثبت،و تفسير الآية أعلاه له بعيد.(18:116)

استحيوا

...قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَ اسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ... المؤمن:25

ص: 800

ابن عبّاس: استخدموا نساءهم،و لا تقتلوهنّ.

(395)

قتادة :كان هذا الأمر بقتل الأبناء و الاستحياء للنّساء أمرا من فرعون بعد الأمر الأوّل.

الطّوسيّ(9:68)

الطّبريّ: و استبقوا نساءهم للخدمة.(24:56)

الطّوسيّ: أي استبقوهم،و قيل:استحياء نسائهم للمهنة،و قيل:معناه استحيوا نساءهم و قتلوا الأبناء، ليصدّوهم بذلك عن اتّباعه،و يقطعوا عنه من يعاونه.(9:68)

نحوه الطّبرسيّ.(4:520)

الشّربينيّ: أي اطلبوا حياتهنّ بأن لا تقتلوهنّ.قال قتادة:هذا غير القتل الأوّل،لأنّ فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان،فلمّا بعث موسى عليه السّلام أعاد القتل عليهم، فمعناه أعيدوا عليهم القتل،لئلاّ ينشئوا على دين موسى فيقوى بهم،و هذه العلّة مختصّة بالبنين،فلهذا أمر بقتل الأبناء و استحياء نسائهم.(3:478)

البروسويّ: أي أبقوا بناتهم أحياء،فلا تقتلوهنّ.

و المعنى أعيدوا عليهم القتل،و ذلك أنّه قد أمر بالقتل قبيل ولادة موسى عليه السّلام بإخبار المنجّمين بقرب ولادته، ففعله زمانا طويلا ثمّ كفّ عنه،مخافة أن تفنى بنو إسرائيل و تقع الأعمال الشّاقّة على القبط،فلمّا بعث موسى و أحسّ فرعون بنبوّته أعاد القتل غيظا و حنقا.

(8:174)

فضل اللّه :لإبقائهنّ للخدمة،و لغير ذلك من الأغراض الفاسدة.و قد نلاحظ-في هذا الموضوع-أنّ هؤلاء الطّغاة لم يأمروا بقتل المؤمنين أنفسهم،بل بقتل أولادهم في سبيل الضّغط عليهم،ممّا قد يوحي أنّ هناك مانعا يمنع إجراء كهذا،و هو الإجراء الطّبيعيّ في مثل هذه الحالات.(20:31)

يستحيى

...فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ... الأحزاب:53

ابن عبّاس: فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ أن يأمركم بالخروج و ينهاكم عن الدّخول، وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ من أن يأمركم بالخروج و ينهاكم عن الدّخول.

(356)

الطّبريّ: إنّ دخولكم بيوت النّبيّ من غير أن يؤذن لكم،و جلوسكم فيها مستأنسين للحديث،بعد فراغكم من أكل الطّعام الّذي دعيتم له،كان يؤذي النّبيّ، فيستحيي منكم أن يخرجكم منها،إذا قعدتم فيها للحديث بعد الفراغ من الطّعام،أو يمنعكم من الدّخول إذا دخلتم بغير إذن،مع كراهيته لذلك منكم. وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أن يتبيّن لكم،و إن استحيا نبيّكم، فلم يبيّن لكم كراهية ذلك حياء منكم.(22:39)

الزّجّاج: و يجوز(فيستحي منكم)بياء واحدة، و كذلك قوله: وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ و(يستحي) بالتّخفيف على استحييت و استحيت،و الحذف لثقل الياءين.

و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يحتمل إطالتهم كرما منه،فيصبر على الأذى في ذلك،فعلّم اللّه من يحضره الأدب،فصار أدبا

ص: 801

لهم و لمن بعدهم.(4:235)

الماورديّ: فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يخبركم. وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أن يأمركم به.

(4:418)

البغويّ: أي لا يترك تأديبكم و بيان الحقّ حياء.

(3:657)

الزّمخشريّ: لا بدّ في قوله: فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ من تقدير المضاف؛أي من إخراجكم،بدليل قوله:

وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ يعني أنّ إخراجكم حقّ ما ينبغي أن يستحيا منه.و لمّا كان الحياء ممّا يمنع الحييّ من بعض الأفعال قيل: لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ بمعنى لا يمتنع منه،و لا يتركه ترك الحييّ منكم،و هذا أدب أدّب اللّه به الثّقلاء.(3:271)

نحوه البيضاويّ(2:251)،و النّسفيّ(3:311)، و الخازن(5:224).

ابن عطيّة: و قرأت فرقة فيستحيى بإظهار الياء المكسورة قبل السّاكنة.و قرأت فرقة (فيستحي) بسكون الياء دون ياء مكسورة قبلها.و قوله: وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي معناه لا يقع منه ترك قوله:(الحقّ).و لمّا كان ذلك يقع من البشر لعلّة الاستحياء نفى عن اللّه تعالى العلّة الموجبة لذلك في البشر.(4:396)

الطّبرسيّ: أي طول مقامكم في منزل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يؤذيه،لضيق منزله،فيمنعه الحياء أن يأمركم بالخروج من المنزل. وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، أي لا يترك إبانة الحقّ فيأمركم بتعظيم رسوله،و ترك دخول بيته من غير إذن،و الامتناع عمّا يؤدّي إلى أذاه و كراهيته.

(4:368)

الشّربينيّ: أي بأن يأمركم بالانصراف،(و اللّه)أي الّذي له جميع الأمر لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، أي لا يفعل فعل المستحيي فيؤدّيه ذلك إلى ترك الأمر به.(3:265)

أبو السّعود :أي من إخراجكم،لقوله تعالى: وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فإنّه يستدعي أن يكون المستحى منه أمرا حقّا متعلّقا بهم لا أنفسهم،و ما ذلك إلاّ إخراجهم،فينبغي أن لا يترك حياء،و لذلك لم يتركه تعالى و أمركم بالخروج،و التّعبير عنه بعدم الاستحياء للمشاكلة.

و قرئ (لا يستحى) بحذف الياء الأولى،و إلقاء حركتها إلى ما قبلها.(5:236)

نحوه البروسويّ(7:214)،و القاسميّ(13:

4893).

الآلوسيّ: أي من إخراجكم بأن يقول لكم:

أخرجوا،أو من منعكم عمّا يؤذيه على ما قيل،فالكلام على تقدير المضاف،لقوله تعالى: وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فإنّه يدلّ على أنّ المستحيا منه معنى من المعاني لا ذواتهم،ليتوارد النّفي و الإثبات على شيء واحد،كما يقتضيه نظام الكلام.فلو كان المراد الاستحياء من ذواتهم،لقال سبحانه:و اللّه لا يستحي منكم.فالمراد ب(الحقّ)إخراجهم أو المنع عن ذلك،و وضع الحقّ موضعه لتعظيم جانبه.

و حاصل الكلام:أنّه تعالى لم يترك الحقّ و أمركم بالخروج.و التّعبير بعدم الاستحياء للمشاكلة.و جوّز أن يكون الكلام على الاستعارة أو المجاز المرسل،و اعتبار

ص: 802

تقدير المضاف ممّا ذهب إليه الزّمخشريّ و كثير؛و هو الّذي ينبغي أن يعوّل عليه.

و في«الكشف»:فإن قلت:الاستحياء:من زيد للإخراج مثلا هو الحقيقة،و الاستحياء:من استخراجه توسّع بجعل ما نشأ منه الفعل كالصّلة،و كلتا العبارتين صحيحة،يصحّ إيقاع إحداهما موقع الأخرى.

قلت:أريد أنّه لا بدّ من ملاحظة معنى الإخراج؛فإمّا أن يقدّر الإخراج و يوقع عليه فيكثر الإضمار،و لا يطابق اللّفظ نفيا و إثباتا،و إمّا أن يقدّر المضاف فيقلّ و يطابق.

و مع وجود المرجّح و فقد المانع لا وجه للعدول،فلا بدّ ممّا ذكر.

و قال العلاّمة ابن كمال:إنّ قوله تعالى: فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ تعليل لمحذوف دلّ عليه السّياق،أي و لا يخرجكم فيستحيي منكم،و لذلك صدّر بأداة التّعليل.

و لو كان المعنى يستحيي من إخراجكم لكان حقّه أن يصدّر بالواو.و فيه أنّ الكلام بعد تسليم ما ذكر على تقدير المضاف.

و زعم بعضهم:أنّ الأصل فيستحيي منكم من الحقّ، و اللّه لا يستحيي منكم من الحقّ،و المراد ب(الحقّ):

إخراجهم،على أنّ ذلك من الاحتباك،و كلا حرفي الجرّ ليس بمعنى واحد،بل الأوّل للابتداء و الثّاني للتّعليل.

و قال:إنّ الحمل على ذلك هو الأنسب للإعجاز التّنزيليّ و الاختصار القرآنيّ،و لا يخفى ما فيه.[ثمّ نقل القراءات عن الزّمخشريّ و ابن عطيّة ثمّ قال:]

و الظّاهر حرمة اللّبث على المدعوّ إلى طعام بعد أن يطعم.إذا كان في ذلك أذى لربّ البيت،و ليس ما ذكر مختصّا بما إذا كان اللّبث في بيت النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،و من هنا كان الثّقيل مذموما عند النّاس،قبيح الفعل عند الأكياس.(22:71)

ابن عاشور :و جملة إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ استئناف ابتدائيّ للتّحذير،و دفع الاغترار بسكوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يحسبوه رضى بما فعلوا.

فمناط التّحذير قوله: ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ، فإنّ أذى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مقرّر في نفوسهم أنّه عمل مذموم،لأنّ النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام أعزّ خلق في نفوس المؤمنين؛ و ذلك يقتضي التّحرّز ممّا يؤذيه أدنى أذى.و مناط دفع الاغترار قوله: فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ فإنّ السّكوت قد يظنّه النّاس رضى و إذنا،و ربّما تطرّق إلى أذهان بعضهم أنّ جلوسهم لو كان محظورا لما سكت عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، فأرشدهم اللّه إلى أنّ السّكوت النّاشئ عن سبب هو سكوت لا دلالة له على الرّضى،و أنّه إنّما سكت حياء من مباشرتهم بالإخراج،فهو استحياء خاصّ من عمل خاصّ.

و إنّما كان ذلك مؤذيا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم؛لأنّ فيه ما يحول بينه و بين التّفرّغ لشئون النّبوّة من تلقّي الوحي أو العبادة،أو تدبير أمر الأمّة،أو التّأخّر عن الجلوس في مجلسه لنفع المسلمين،و لشئون ذاته و بيته و أهله.و اقتران الخبر بحرف(انّ)للاهتمام به.

و لك أن تجعله من تنزيل غير المتردّد منزلة المتردّد، لأنّ حال النّفر الّذين أطالوا الجلوس و الحديث في بيت النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،و عدم شعورهم بكراهيته ذلك منهم حين دخل البيت،فلمّا وجدهم خرج،فغفلوا

ص: 803

عمّا في خروج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من البيت من إشارة إلى كراهيته بقاءهم.تلك حالة من يظنّ ذلك مأذونا فيه،فخوطبوا بهذا الخطاب تشديدا في التّحذير و استفاقة من التّغرير.

و إقحام فعل(كان)لإفادة تحقيق الخبر.و صيغ يُؤْذِي بصيغة المضارع دون اسم الفاعل،لقصد إفادة أذى متكرّر،و التّكرير كناية عن الشّدّة.و الأذى:

ما يكدر مفعوله و يسيء من قول أو فعل.و تقدّم في قوله تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاّ أَذىً في آل عمران:111، و هو مراتب متفاوتة في أنواعه.

و التّفريع في قوله: فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ تفريع على مقدّر دلّت عليه القصّة،و التّقدير:فيهمّ بإخراجكم فيستحيي منكم؛إذ ليس الاستحياء مفرّعا على الإيذاء، و لا هو من لوازمه.

و دخول(من)المتعلّقة ب(يستحيى)على ضمير المخاطبين،على تقدير مضاف،أي يستحيي من إعلامكم بأنّه يؤذيه.

و تعدية المشتقّات من مادّة الحياء إلى الذّوات شائع يساوي الحقيقة،لأنّ الاستحياء يختلف باختلاف الذّوات،فقولك:أردت أن أفعل كذا فاستحيت من فلان.

يجوز أن تكون الحقيقة هي التّعليق بذات فلان،و أن تكون هي التّعليق بالأحوال الملابسة له الّتي هي سبب الاستحياء،لأجل ملابستها له.و لك أن تقول:استحييت من أن أفعل كذا بمرأى من فلان.و على التّقدير الأوّل تكون(من)للتّعليل،و على التّقدير الثّاني تكون(من) للابتداء.و ظاهر كلام«الكشّاف»يقتضي أنّ:استحييت من فلان مجاز أو توسّع،و أنّ:استحييت من فعل كذا لأجل فلان هو الحقيقة.و ظاهر كلام صاحب«الكشف» عكس ذلك،و الأمر هيّن.

و صيغ فعل(يستحيى)بصيغة المضارع لأنّه مفرّع على يُؤْذِي النَّبِيَّ ليدلّ على ما دلّ عليه المفرّع هو عليه.

و في هذه الآية دليل على أنّ سكوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على الفعل الواقع بحضرته،إذا كان تعدّيا على حقّ لذاته، لا يدلّ سكوته فيه على جواز الفعل،لأنّ له أن يسامح في حقّه،و لكن يؤخذ الحظر أو الإباحة في مثله من أدلّة أخرى،مثل قوله تعالى هنا: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ. و لذلك جزم علماؤنا بأنّ من آذى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالصّراحة أو الالتزام يعزّر على ذلك،بحسب مرتبة الأذى و القصد إليه بعد توقيفه على الخفيّ منه،و عدم التّوبة ممّا تقبل في مثله التّوبة منه.

و لم يجعلوا في إعراض النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام عن مؤاخذة من آذاه في حياته دليلا على مشروعيّة تسامح الأمّة في ذلك،لأنّه كان له أن يعفو عن حقّه،لقوله تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ المائدة:13،و قوله: وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ آل عمران:

159،فهذا ملاك الجمع بين الإيذاء و الاستحياء و الحقّ في هذه الآية،فقد تولّى اللّه تعالى الذّبّ عن حقّ رسوله و كفاه مئونة المضض الدّاعي إليه حياؤه.و قد حقّق هذا المعنى،و ما يحفّ به القاضي أبو الفضل عياض،في تضاعيف القسم الرّابع من كتابه«الشّفاء».

فإن قلت:ورد في الحديث عن أنس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم خرج من البيت ليقوم الثّلاثة الّذين قعدوا يتحدّثون،

ص: 804

فلما ذا لم يأمرهم بالخروج بدلا من خروجه هو؟

قلت:لأنّ خروجه غير صريح في كراهية جلوسهم، لأنّه يحتمل أن يكون لغرض آخر،و يحتمل أن يكون لقصد انفضاض المجلس،فكان من واجب الألمعيّة أن يخطر ببالهم أحد الاحتمالين فيتحفّزوا للخروج،فليس خروجه عنهم بمناف لوصف حيائه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و جملة: وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ معطوفة على جملة: فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ و المعنى:أنّ ذلك سوء أدب مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فإذا كان يستحيي منكم فلا يباشركم بالإنكار،ترجيحا منه للعفو عن حقّه على المؤاخذة به.

فإنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ،لأنّ أسباب الحياء بين الخلق منتفية عن الخالق سبحانه وَ اللّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ الأحزاب:4.

و صيغت الجملة المعطوفة على بناء الجملة الاسميّة مخالفة للمعطوفة هي عليها،فلم يقل:و لا يستحيي اللّه من الحقّ،للدّلالة على أنّ هذا الوصف ثابت دائم للّه تعالى،لأنّ الحقّ من صفاته،فانتفاء ما يمنع تبليغه هو أيضا من صفاته،لأنّ كلّ صفة يجب اتّصاف اللّه بها،فإنّ ضدّها يستحيل عليه تعالى.

و التّعريف في(الحقّ)تعريف الجنس المراد منه الاستغراق مثل التّعريف في اَلْحَمْدُ لِلّهِ الفاتحة:2.

و المعنى:و اللّه لا يستحيي من جميع أفراد جنس الحقّ.

و(الحقّ):ضدّ الباطل.فمنه حقّ اللّه و حقّ الإسلام، و حقّ الأمّة جمعاء في مصالحها و إقامة آدابها،و حقّ كلّ فرد من أفراد الأمّة فيما هو من منافعه و دفع الضّرّ عنه.

و يشتمل حقّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في بيته و أوقاته،و بهذا العموم في الحقّ صارت الجملة بمنزلة التّذييل.

و(من)في قوله: مِنَ الْحَقِّ ليست مثل(من)الّتي في قوله: فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ، لأنّ(من)هذه متعيّنة لكونها للتّعليل،إذ الحقّ لا يستحيى من ذاته،فمعنى إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ،أنّه لا يستحيي لبيانه و إعلانه.

و قد أفاد قوله: وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أنّ من واجبات دين اللّه على الأمّة أن لا يستحيي أحد من الحقّ الإسلاميّ في إقامته.و في معرفته إذا حلّ به ما يقتضي معرفته،و في إبلاغه و هو تعليمه،و في الأخذ به،إلاّ فيما يرجع إلى الحقوق الخاصّة الّتي يرغب أصحابها في إسقاطها،أو التّسامح فيها ممّا لا يغمص حقّا راجعا إلى غيره،لأنّ النّاس مأمورون بالتّخلّق بصفات اللّه تعالى اللاّئقة بأمثالهم بقدر الإمكان.

و هذا المعنى فهمته أمّ سليم و أقرّها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على فهمها،فقد جاء في الحديث الصّحيح:«عن أمّ سلمة قالت:جاءت أمّ سليم إلى النّبيّ فقالت:يا رسول اللّه إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟فقال رسول اللّه:نعم،إذا رأت الماء».فهي لم تستح في السّؤال عن الحقّ المتعلّق بها،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يستح في إخبارها بذلك...(21:310)

مغنيّة:المراد ب(الحقّ)الّذي استحيا منه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حقّه الشّخصيّ؛و هو إخراج الثّقلاء و المتطفّلين من بيته،سكت النّبيّ عنه حياء منهم،فنبّه سبحانه إلى أنّ بقاءهم بعد الطّعام يؤذي النّبيّ،و كذلك دخولهم على بيته من غير إذن.(6:235)

الطّباطبائيّ: تعليل للنّهي،أي لا تمكثوا كذلك،

ص: 805

لأنّ مكثكم ذلك كان يتأذّى منه النّبيّ،فيستحيي منكم أن يسألكم الخروج.و قوله: وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، أي من بيان الحقّ لكم؛و هو ذكر تأذّيه، و التّأديب بالأدب اللاّئق.(16:337)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى ما كان يجده النّبيّ-صلوات اللّه و سلامه عليه-من أذى،و تضرّر في تزاحم المسلمين على بيته،و طول مكثهم فيه و هو صلوات اللّه و سلامه عليه يحتمل هذا صابرا،و يمنعه الحياء النّبويّ أن يظهر ضيقا أو ضجرا.

و في قوله تعالى: وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ إعلام من اللّه سبحانه و تعالى بما لم يصرّح به النّبيّ،و إن كان حقّا،فالنّبيّ كإنسان طبع على الحياء تمنعه إنسانيّته من أن يصارح النّاس بما يسوؤهم،ما دام ذلك لا يجور على حقّ من حقوق اللّه،و إن كان فيه جور على نفسه،و لهذا فقد دافع اللّه عن النّبيّ الكريم،و تولّى سبحانه حمايته،و دفع هذا الأذى عنه.(11:746)

مكارم الشّيرازيّ: من المسلّم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يكن يتردّد لحظة،و لا يخشى شيئا،أو يستحيي من شيء،في بيان الحقّ في الموارد الّتي لم يكن لها بعد شخصيّ و خاصّ،إلاّ أنّ تبيان حقّ الأشخاص من قبلهم أنفسهم ليس بالأمر الجميل الحسن،أمّا تبيانه من قبل الآخرين فإنّه رائع و مستحسن،و مورد الآية من هذا القبيل أيضا، فإنّ أصول الأخلاق و الأدب كانت توجب على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن لا يدافع عن نفسه،بل يدافع اللّه سبحانه عنه.(13:302)

فضل اللّه : وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي... الّذي يتّصل بالعلاقات الإنسانيّة في ما يريده لها من مراعاة النّاس شعور بعضهم البعض،أو للظّروف الخاصّة الّتي يختلفون في التّأثّر بها و في مواجهة الأوضاع الّتي تفرضها على الواقع كلّه،فيؤدّبكم اللّه بالحقّ الّذي يربطكم بالحياة الثّابتة العميقة الجذور في التّوازن الاجتماعيّ لتقفوا عند الحدود الخاصّة الّتي يضعها اللّه لكم في صلتكم ببيت النّبيّ و أهله.(18:339)

يستحيون

وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ. البقرة:49

ابن عبّاس: يستخدمون.(8)

قالت الكهنة لفرعون:إنّه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكك،قال:فجعل فرعون على كلّ ألف امرأة مائة رجل،و على كلّ مائة عشرة،و على كلّ عشرة رجلا،فقال:انظروا كلّ امرأة حامل في المدينة،فإذا وضعت حملها فانظروا إليه،فإن كان ذكرا فاذبحوه،و إن كان أنثى فخلّوا عنها؛و ذلك قوله: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ.

نحوه أبو العالية،و الرّبيع.(الطّبريّ 1:272)

مجاهد :لقد ذكر أنّه كان ليأمر بالقصب فيشقّ حتّى يجعل أمثال الشّفار،ثمّ يصفّ بعضه إلى بعض،ثمّ يؤتى بالحبالى من بني إسرائيل فيوقفن عليه،فيحزّ أقدامهنّ،حتّى أنّ المرأة منهنّ لتمصع بولدها فيقع من بين رجليها،فتظلّ تطؤه تتّقي به حدّ القصب عن رجلها لما

ص: 806

بلغ من جهدها،حتّى أسرف في ذلك و كاد يفنيهم،فقيل له:أفنيت النّاس و قطعت النّسل،و إنّهم حولك و عمّا لك.

فأمر أن يقتل الغلمان عاما و يستحيوا عاما،فولد هارون في السّنة الّتي يستحيا فيها الغلمان،و ولد موسى في السّنة الّتي فيها يقتلون.

نحوه ابن إسحاق.(الطّبريّ 1:273)

و نحوه السّدّيّ.(108)

الطّبريّ: و الّذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العلم:

كان ذبح آل فرعون أبناء بني إسرائيل و استحياؤهم نساءهم،فتأويل قوله إذا على ما تأوّله الّذين ذكرنا قولهم و يستحيون نساءهم:يستبقونهنّ فلا يقتلونهنّ.

و قد يجب على تأويل من قال بالقول الّذي ذكرنا عن ابن عبّاس و أبي العالية،و الرّبيع بن أنس و السّدّيّ في تأويل قوله: وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ أنّ (1)تركهم الإناث من القتل عند ولادتهنّ إيّاهنّ،أن يكون جائزا أن تسمّى الطّفلة من الإناث في حال صباها و بعد ولادها:

امرأة،و الصّبايا الصّغار-و هنّ أطفال-:نساء،لأنّهم تأوّلوا قول اللّه جلّ و عزّ: وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ:

يستبقون الإناث من الولدان عند الولادة فلا يقتلونهنّ.

(1:273)

الماورديّ: أي يستبقون،و هو«استفعال»من الحياة،لأنّهم كانوا يذبّحون الذّكور،و يستبقون الإناث.

و أمّا اسم النّساء فقد قيل:إنّه ينطلق على الصّغار و الكبار،و قيل:بل ينطلق على الكبار،و إنّما سمّي الصّغار نساء،على معنى أنّهنّ يبقين حتّى يصرن نساء.

و إنّما كان استبقاء النّساء من سوء العذاب؛لأنّهم كانوا يستبقونهنّ للاسترقاق و الخدمة،فصار ذلك هو سوء العذاب،لا الاستبقاء.(1:118)

الطّوسيّ: و إنّما كان في استحياء النّساء محنة عليهم، و بلوى لهم،لأنّهم كثيرا[ما]يستعبدون،و ينكحن على الاسترقاق.فهو على رجالهنّ أعظم من قتلهنّ.و قيل:

إنّهنّ كنّ يستبقين للإذلال،و الاستبقاء محنة،كما أنّ من أحيي للتّعذيب فحياته نقمة.و من أحيي للتّلذيذ فحياته نعمة.(1:223)

نحوه الطّبرسيّ.(1:105)

الواحديّ: (يستحيون)«يستفعلون»من الحياة، و المعنى يستبقونهنّ أحياء،و لا يقتلونهنّ.(1:135)

ابن الجوزيّ: أي:يستبقون نساءكم،أي بناتكم.

و إنّما استبقوا نساءهم للاستذلال و الخدمة.(1:78)

نحوه البروسويّ(1:129)،و الآلوسيّ(1:254).

الفخر الرّازيّ: أي يفتّشون حياء المرأة،أي فرجها هل بها حمل أم لا؟و أبطل ذلك بأنّ ما في بطونهنّ إذا لم يكن للعيون ظاهرا لم يعلم بالتّفتيش،و لم يوصل إلى استخراجه باليد.(3:69)

نحوه النّيسابوريّ.(1:311)

النّسفيّ: يتركون بناتكم أحياء للخدمة،و إنّما فعلوا بهم ذلك؛لأنّ الكهنة أنذروا فرعون بأنّه يولد مولود يزول ملكه بسببه،كما أنذروا نمرود فلم يغن عنهما اجتهادهما في التّحفّظ،و كان ما شاء اللّه.(1:47)

أبو حيّان :فسّر«الاستحياء»بالوجهين اللّذين ذكرناهما عند كلامنا على المفردات،و هو أن يكون المعنى!!

ص: 807


1- و في الأصل:إنّه!!

يتركون بناتكم أحياء للخدمة أو يفتّشون أرحام نسائكم؛فعلى هذا القول ظاهره أنّ آل فرعون هم المباشرون لذلك.ذكر أنّه:و كلّ بكلّ عشر نساء رجلا يحفظ من تحمل منهنّ.و قيل:وكّل بذلك القوابل.

و قد قيل:إنّ الاستحياء هنا من«الحياء»الّذي هو ضدّ القحة،و معناه أنّهم يأتون النّساء من الأعمال بما يلحقهم منه الحياء،و قدّم الذّبح على الاستحياء لأنّه أصعب الأمور و أشقّها،و هو أن يذبح ولد الرّجل و المرأة اللّذين كانا يرجوان النّسل منه،و الذّبح أشقّ الآلام.

و استحياء النّساء على القول الأوّل ليس بعذاب، لكنّه يقع العذاب بسببه من جهة إبقائهنّ خدما،و إذاقتهنّ حسرة ذبح الأبناء إن أريد النّساء الكبار،أو ذبح الإخوة إن أريد الأطفال،و تعلّق العار بهنّ إذ يبقين نساء بلا رجال،فيصرن مفترشات لأعدائهنّ.(1:194)

الشّربينيّ: أي يتركونهنّ أحياء،هذا بيان ل يَسُومُونَكُمْ. (1:57)

نحوه أبو السّعود.(1:133)

الكاشانيّ: يبقونهنّ و يتّخذونهنّ إماء.(1:113)

ابن عاشور :و الاستحياء«استفعال»يدلّ على الطّلب للحياة،أي يبقونهنّ أحياء،أو يطلبون حياتهنّ.

و وجه ذكره هنا في معرض التّذكير بما نالهم من المصائب، أنّ هذا الاستحياء للإناث كان المقصد منه خبيثا،و هو أن يعتدوا على أعراضهنّ و لا يجدن بدّا من الإجابة بحكم الأسر و الاسترقاق،فيكون قوله: وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ كناية عن استحياء خاصّ،و لذلك أدخل في الإشارة في قوله: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ.

و لو كان المراد من الاستحياء ظاهره،لما كان وجه لعطفه على تلك المصيبة.

و قيل:إنّ الاستحياء من الحياء و هو الفرج،أي يفتّشون النّساء في أرحامهنّ ليعرفوا هل بهنّ حمل.و هذا بعيد جدّا،و أحسن منه أن لو قال:إنّه كناية-كما ذكرنا آنفا-و قد حكت التّوراة أنّ فرعون أوصى القوابل بقتل كلّ مولود ذكر.(1:476)

الطّباطبائيّ: أي يتركونهنّ أحياء للخدمة من غير أن يقتلوهنّ كالأبناء،فالاستحياء:طلب الحياة.

و يمكن أن يكون المعنى:و يفعلون ما يوجب زوال حيائهنّ من المنكرات.(1:188)

عبد الكريم الخطيب :و يستحيي نساءهم بما يدخل عليهم من جنده من استخفاف بحرماتهنّ،و هتك لأستارهنّ،ممّا يجرح حياء المرأة،و يغرق وجه الحرّة بماء الخجل.(1:84)

و جاءت بهذا المعنى الآيات:الأعراف:127 و 141 و إبراهيم:6،و القصص:4.

استحياء

فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا... القصص:25

ابن عبّاس: معترضة رافعة كمّها على وجهها، كمشي العذارى واضعة يدها على وجهها.(325)

نوف:سترت وجهها بيديها.(الطّبريّ 20:60)

الحسن :بعيدة من البذاء.(الطّبريّ 20:60)

السّدّيّ: أتته إحداهما تمشي على استحياء منه.

ص: 808

(374)

ابن إسحاق :واضعة يدها على جبينها.

(الطّبريّ 20:61)

الطّبريّ: فجاءت موسى إحدى المرأتين اللّتين سقى لهما،تمشي على استحياء من موسى،قد سترت وجهها بثوبها.(20:60)

الزّجّاج: جاء في التّفسير:أنّها ليست بخرّاجة من النّساء و لا ولاّجة،أي تمشي مشي من لم تعتد الدّخول و الخروج،متخفّرة مستحيية.(4:140)

الميبديّ: أي جاءته ماشية مستحيية مستترة بكمّ درعها.(7:295)

الزّمخشريّ: في موضع الحال،أي مستحيية متخفّرة.و قيل:استترت بكمّ درعها.(3:171)

نحوه ابن عطيّة(4:284)،و الفخر الرّازيّ(24:

240)،و البيضاويّ(2:191).

الطّبرسيّ: أي مستحيية معرضة عن عادة النّساء الخفرات.(4:248)

النّسفيّ: عَلَى اسْتِحْياءٍ في موضع الحال،أي مستحية.و هذا دليل كمال إيمانها و شرف عنصرها،لأنّها كانت تدعوه إلى ضيافتها و لم تعلم أ يجيبها أم لا،فأتته مستحية قد استترت بكمّ درعها.(3:232)

أبو السّعود :و قوله تعالى: عَلَى اسْتِحْياءٍ متعلّق بمحذوف هو حال من ضمير(تمشى)أي جاءته تمشي كائنة على استحياء،فمعناه أنّها كانت على حالتي المشي و المجيء معا لا عند المجيء فقط.و تنكير(استحياء) للتّفخيم.(5:119)

نحوه الآلوسيّ.(20:64)

ابن عاشور:(على)للاستعلاء المجازيّ مستعارة للتّمكّن من الوصف.و المعنى:أنّها مستحيية في مشيها، أي تمشي غير متبخترة و لا متثنّية و لا مظهرة زينة.

(20:42)

الطّباطبائيّ: و تنكير«الاستحياء»للتّفخيم، و المراد بكون مشيها على استحياء:ظهور التّعفّف من مشيتها.(16:26)

الحيوان

...وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.

العنكبوت:64

ابن عبّاس: الحياة،لا يموت أهلها.(338)

باقية.(الطّبريّ 21:13)

مجاهد :لا موت فيها.(الطّبريّ 21:13)

نحوه قتادة(الطّبريّ 21:12)،و الفرّاء(2:318).

أبو عبيدة :مجازه:الدّار الآخرة هي الحيوان، و(اللاّم)تزاد للتّوكيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و مجاز الحيوان و الحياة واحد،و منه قولهم:نهر الحيوان،أي نهر الحياة.و يقال:حييت حيّا على تقدير:

عييت عيّا،فهو مصدر،و الحيوان و الحياة اسمان منه،فيما تقول العرب.[ثمّ استشهد بشعر](2:117)

ابن قتيبة :يعني الجنّة هي دار الحياة،أي لا موت فيها.(339)

الطّبريّ: و إنّ الدّار الآخرة لفيها الحياة الدّائمة،الّتي لا زوال لها و لا انقطاع،و لا موت معها.(21:12)

نحوه القرطبيّ.(13:362)

الزّجّاج: معناه هي دار الحياة الدّائمة.(4:173)

ص: 809

القمّيّ: أي لا يموتون فيها.(2:151)

السّجستانيّ: أي الحياة و الحيوان أيضا:كلّ ذي روح.(146)

الطّوسيّ: أي الحياة على الحقيقة،لكونها دائمة باقية.(8:225)

الواحديّ: قال أبو عبيدة و ابن قتيبة:الحيوان:

الحياة،و هو قول المفسّرين،ذهبوا إلى أنّ معنى(الحيوان) هاهنا الحياة،و أنّه مصدر بمنزلة الحياة،و يكون كالثوران و الغليان،و يكون التّقدير:و إنّ الدّار الآخرة لهي دار الحيوان أو ذات الحيوان.

و المعنى:إنّ حياة الدّار الآخرة هي الحياة،لأنّه لا تنغيص فيها و لا نفاد لها،و لا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدّار،و هذا معنى قول جماعة المفسّرين.

(3:425)

نحوه الطّبرسيّ(4:293)،و ابن الجوزيّ(6:283).

البغويّ: أي الحياة الدّائمة الباقية،و(الحيوان)بمعنى الحياة،أي فيها الحياة الدّائمة.(3:567)

الزّمخشريّ: أي ليس فيها إلاّ حياة مستمرّة دائمة خالدة لا موت فيها،فكأنّها في ذاتها حياة.و(الحيوان):

مصدر حيي،و قياسه:حييان،فقلبت الياء الثّانية واوا، كما قالوا:«حيوة»في اسم رجل،و به سمّي ما فيه حياة:

حيوانا،قالوا:اشتر من الموتان و لا تشتر من الحيوان.

و في بناء الحيوان زيادة معنى ليس في بناء الحياة، و هي ما في بناء«فعلان».من معنى الحركة و الاضطراب كالنّزوان و النّغضان و اللّهبان و ما أشبه ذلك.و الحياة:

حركة،كما أنّ الموت:سكون،فمجيئه على بناء دالّ على معنى الحركة مبالغة في معنى الحياة،و لذلك اختيرت على الحياة في هذا الموضع المقتضي للمبالغة.(3:211)

نحوه النّسفيّ.(3:263)

الفخر الرّازيّ: كيف أطلق(الحيوان)على الدّار الآخرة مع أنّ الحيوان نام مدرك؟

فنقول:(الحيوان)مصدر«حيّ»كالحياة،لكن فيها مبالغة ليست في الحياة.و المراد ب اَلدّارَ الْآخِرَةَ هي الحياة الثّانية،فكأنّه قال:الحياة الثّانية هي الحياة المعتبرة.أو نقول:لمّا كانت الآخرة فيها الزّيادة و النّموّ كما قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ يونس:26،و كانت هي محلّ الإدراك التّامّ الحقّ كما قال تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9،أطلق عليها الاسم المستعمل في النّامي المدرك.(25:92)

العكبريّ: أي إنّ حياة الدّار،لأنّه أخبر عنها بالحيوان،و هي الحياة،و لام(الحيوان)ياء،و الأصل:

حييان،فقلبت الياء واوا،لئلاّ يلتبس بالتّثنية،و لم تقلب ألفا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها،لئلاّ تحذف إحدى الألفين.

(2:1035)

البيضاويّ: لهي دار الحياة الحقيقيّة،لامتناع طريان الموت عليها،أو هي في ذاتها حياة للمبالغة.

و(الحيوان):مصدر حيي،سمّي به ذو الحياة،و أصله:

حييان،فقلبت الياء الثّانية واوا،و هو أبلغ من الحياة لما في بناء«فعلان»من الحركة و الاضطراب اللاّزم للحياة، و لذلك اختير عليها هاهنا.(2:214)

نحوه النّيسابوريّ(21:19)،و أبو السّعود(5:

160)،و الكاشانيّ(4:122)،و البروسويّ(6:491)،

ص: 810

و الآلوسيّ(21:12).

أبو حيّان :و المعنى لهي دار الحياة،أي المستمرّة الّتي لا تنقطع.قال مجاهد:لا موت فيها.و قيل:(الحيوان):

الحيّ،و كأنّه أطلق على الحيّ اسم المصدر،و جعلت اَلدّارَ الْآخِرَةَ حيّا على المبالغة بالوصف.

و ظهور الواو في«الحيوان»و في«حيوة»علم لرجل، استدلّ به من ذهب إلى أنّ الواو في مثل هذا التّركيب تبدّل ياء لكسر ما قبلها،نحو شقيّ من الشّقوة.و من ذهب إلى أنّ لام الكلمة لامها ياء زعم أنّ ظهور الواو في حيوان و حيوة بدل من ياء شذوذا.(8:158)

ابن كثير :أي الحياة الدّائمة الحقّ الّذي لا زوال له و لا انقضاء،بل هي مستمرّة أبد الآباد.(5:338)

الشّربينيّ: أي الحياة التّامّة الباقية.فإن قيل:ما الحكمة في قوله تعالى هناك: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ يوسف:109،و قال هاهنا: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ؟

أجيب:بأنّه لمّا كان الحاصل هناك حال إظهار الحسرة ما كان المكلّف يحتاج إلى وازع قويّ،فقال:

الآخرة خير،و لمّا كان الحال هنا حال الاشتغال بالدّنيا احتاج إلى وازع قويّ،فقال:لا حياة إلاّ حياة الآخرة.

و الحيوان:مصدر«حيي»و قياسه:حييان،فقلبت الياء الثّانية واوا،و به سمّي ما فيه حياة حيوانا،و هو أبلغ من الحياة لما في بناء«فعلان»من الحركة و الاضطراب اللاّزم للحياة،و لذلك اختير عليها هاهنا.و لمّا كانوا قد غلطوا في الدّارين كليهما فنزّلوا كلّ واحدة منهما غير منزلتها؛ فعدّوا الدّنيا وجودا دائما على هذه الحالة،و عدّوا الآخرة عدما لا وجود لها بوجه.(3:153)

الطّباطبائيّ: و أمّا الحياة الآخرة الّتي يعيش فيها الإنسان بكماله الواقعيّ الّذي اكتسبه بإيمانه و عمله الصّالح،فهي المهمّة الّتي لا لهو في الاشتغال بها،و الجدّ:

الّذي لا لعب فيها و لا لغو و لا تأثيم،و البقاء الّذي لا فناء معه،و اللّذّة الّتي لا ألم عندها،و السّعادة الّتي لا شقاء دونها،فهي الحياة بحقيقة معنى الكلمة.

و هذا معنى قوله سبحانه: وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ.

و في الآية-كما ترى-قصر الحياة الدّنيا في اللّهو و اللّعب،و الإشارة إليها بهذه المفيدة للتّحقير،و قصر الحياة الآخرة في الحيوان و هو الحياة،و تأكيده بأدوات التّأكيد:ك«إن و اللاّم»و ضمير الفصل و الجملة الاسميّة.

(16:149)

عبد الكريم الخطيب :هو عرض للجانب الآخر من حياة الإنسان،و هو الجانب الحقّ،الجدير بأن يلتفت الإنسان إليه و يعمل له،إنّه المستقبل الّذي ينتظره، و الّذي يأخذ فيه مكانه بين النّاس و ينزل منه منزلته، حسب ما قدّم لهذا المستقبل من جهد،و ما بذل من عمل، تماما كما هو الشّأن في حياة الإنسان في هذه الدّنيا،فإنّ مكانه في الرّجال و منزلته في النّاس إنّما تتحدّد بما كان منه من سعي و عمل في دور الصّبا و الشّباب،فإذا لها المرء في صباه،و عبث في شبابه،أسلمه ذلك إلى حياة ضائعة، و إلى مستقبل أسود كئيب.

و في قوله تعالى: لَهِيَ الْحَيَوانُ بدلا من«لهي الحياة»إشارة إلى أنّ الحياة الآخرة هي الحياة،بل هي

ص: 811

أصل الحياة،و ما سواها من حيوات،ظلّ لها،أو فرع منها.(11:466)

مكارم الشّيرازيّ: ينبغي الالتفات إلى أنّ المراد من(الحيوان)على زنة«خفقان و ضربان»هو الحياة، فهذه الكلمة تحمل معنى مصدريّا،و هذا التّعبير وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ إشارة إلى أنّ الحياة الحقيقيّة هي في الأخرى لا في هذه الدّار الدّنيا،فكأنّ الحياة في الأخرى تفور من جميع أبعادها،و لا شيء هناك إلاّ الحياة.(12:409)

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير الحياة على ستّة وجوه:

فوجه منها:الحياة بعد الخلق الأوّل و نفخ الرّوح، فذلك قوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ البقرة:28،يعني كنتم نطفا فخلقكم و جعل فيكم الأرواح،فذلك قوله:

وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ المؤمن:11،الحياة الأولى حين صوّرتنا في الأرحام و نفخت فينا الأرواح،و قال:

وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ آل عمران:27،يعني تخرج الحيوان من النّطف،و قال: وَ هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ الحجّ:66 يعني خلقكم و جعل فيكم الأرواح،و قال:

قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ الجاثية:26،أي قل:اللّه خلقكم، يعني بدأ الخلق.

و الوجه الثّاني:الحيّ: يعني المؤمن،فذلك قوله لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا يس:70،يعني مهتديا مؤمنا في علم اللّه،و قال: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:

122،يعني هديناه للإيمان،و قال: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ فاطر:22،يعني المؤمنين. وَ لاَ الْأَمْواتُ يعني الكفّار.

و الوجه الثّالث:الحياة يعني بقاء،فذلك قوله:

وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ البقرة:179،يعني بقاء يا أُولِي الْأَلْبابِ، و قال: وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً المائدة:32،و قال: وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ البقرة:49،يعني يبقون نساءكم،نظيرها في الأعراف:141،و في إبراهيم:6.

و الوجه الرّابع:الحياة:يعني حياة الأرضين بالنّبات، فذلك قوله: فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ ليس فيها نبات. فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ فاطر:9،فتنبت ألوانا متعدّدة.و حياتها:نباتها،نظيرها في يس و غيرها.

و الوجه الخامس:الحياة:حياة عبرة قبل يوم القيامة من غير رزق و لا أثر في الدّنيا،فذلك قول عيسى:

وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:49،فكان عيسى يحيي الموتى بإذن اللّه عبرة لبنى إسرائيل،لكي يصدّقوا به،و أحيا سام بن نوح و كلّم النّاس ثمّ وقع ميّتا، كما كان نظيرها في المائدة.

و الوجه السّادس:الحياة:يعني حياة يوم القيامة و لا موت بعدها،فذلك قوله في مريم عن يحيى: وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا مريم:15، بعد الموت و هو يوم القيامة.و قال عيسى: وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا مريم:

33،بعد الموت يوم القيامة،و قال: أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى القيامة:40،يعني بعد يوم القيامة،و نحوه كثير.(228)

ص: 812

نحوه هارون الأعور(237)،و الدّامغانيّ(273).

القمّيّ: و الحياة في كتاب اللّه على وجوه كثيرة:

فمن الحياة ابتداء خلق الإنسان في قوله: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فهي الرّوح المخلوق، خلقه اللّه،و أجري في الإنسان فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ الحجر:29،ص:72.

و الوجه الثّاني من الحياة يعني به إنبات الأرض،و هو قوله: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الرّوم:19،و الأرض الميتة:الّتي لا نبات لها،فإحياؤها بنباتها.

و وجه آخر من الحياة و هو دخول الجنّة،و هو قوله:

اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ الأنفال:

24،يعني الخلود في الجنّة،و الدّليل على ذلك قوله: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64.(1:35)

الحيريّ: الحياة على تسعة أوجه:

أحدها:الحياة في الدّنيا،كقوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ البقرة:28،و قوله: فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ الأعراف:25،و قوله: قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ الجاثية:26.

و الثّاني:الحياة في الآخرة،كقوله: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ الحجّ:66،و غيرها في سور أخرى.

و الثّالث:البقاء،كقوله: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ البقرة:179،و قوله: وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً المائدة:32.

و الرّابع:الهداية،كقوله: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122.

و الخامس:إحياء الأرض بالنّبات،كقوله: فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:164،و قوله: وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها يس:33.

و السّادس:الحياة في القبر و الإحياء في البعث، كقوله: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ المؤمن:11،أحد في القبر،و الآخر في البعث.

و السّابع:العيش في الطّاعة،كقوله: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً النّحل:97.قال سعيد بن جبير:العيش في الطّاعة،و يقال:حياة في الجنّة.و يقال:كسب الحلال، و يقال:القناعة،و يقال:حلاوة الطّاعة.

و الثّامن:حياة بالكرامة،كقوله: إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ الأنفال:24.

و التّاسع:حياة بالرّزق،كقوله: كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ البقرة:73،و قوله: وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:49.(221)

الرّاغب: الحياة تستعمل على أوجه:

الأوّل:للقوّة النّامية الموجودة في النّبات و الحيوان، و منه قيل:نبات حيّ،قال عزّ و جلّ: اِعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الحديد:17،و قال تعالى:

وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ق:11، وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ الأنبياء:30.

الثّانية:للقوّة الحسّاسة،و به سمّي الحيوان حيوانا، قال عزّ و جلّ: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ فاطر:22،و قوله تعالى: أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً* أَحْياءً وَ أَمْواتاً المرسلات:25،26،و قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

ص: 813

فصّلت:39،فقوله: إِنَّ الَّذِي أَحْياها إشارة إلى القوّة النّامية،و قوله: لَمُحْيِ الْمَوْتى إشارة إلى القوّة الحسّاسة.

الثّالثة:للقوّة العاملة العاقلة،كقوله تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122،و قول الشّاعر:

و قد ناديت لو أسمعت حيّا

و لكن لا حياة لمن تنادي

و الرّابعة:عبارة عن ارتفاع الغمّ،و بهذا النّظر قال الشّاعر:

ليس من مات فاستراح بميت

إنّما الميت ميّت الأحياء

و على هذا قوله عزّ و جلّ: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ آل عمران:

169،أي هم متلذّذون،لما روي في الأخبار الكثيرة في أرواح الشّهداء.

و الخامسة:الحياد الأخرويّة الأبديّة،و ذلك يتوصّل إليه بالحياة الّتي هي العقل و العلم،قال اللّه تعالى:

اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ الأنفال:

24،و قوله: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي الفجر:24،يعني بها الحياة الأخرويّة الدّائمة.

و السّادسة:الحياة الّتي يوصف بها البارئ،فإنّه إذا قيل فيه تعالى:«هو حيّ»،فمعناه لا يصحّ عليه الموت، و ليس ذلك إلاّ للّه عزّ و جلّ.(138)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:512)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحياة:نقيض الموت.يقال:

حيي يحيا،و حيّ يحيّ حياة،فهو حيّ؛و الجمع:أحياء، و أحياه اللّه:جعله حيّا،و الحيّ من النّبات:ما كان طريّا يهتزّ،و المحيا:«مفعل»من الحياة؛و الجمع:محايي؛يقع على المصدر و الزّمان و المكان.

و ضرب فلان ضربة ليس بحاي منها،أي ليس يحيا منها،و استحياه:استبقاه و لم يقتله،و ليس لفلان حياة:

ليس عنده نفع و لا خير،على المجاز من القول،و مثله قولهم:لا حيّ عنه،أي لا منع منه.

و أتيت فلانا و حيّ فلان شاهد،و حيّ فلانة شاهدة، أي فلان و فلانة إذ ذاك حيّ،و أتانا حيّ فلان:أتانا في حياته،و سمعت حيّ فلان يقول:كذا،أي سمعته يقول في حياته.

و أحيت النّاقة:حيي ولدها،فهي محي و محيية، لا يكاد يموت لها ولد.

و المحاياة:الغذاء للصّبيّ بما به حياته.

و أرض حيّة:مخصبة.يقال:أحيينا الأرض،أي وجدناها حيّة النّبات غضّة،و أتيت الأرض فأحييتها:

وجدتها خصبة،و أحييت الأرض:استخرجت،و أحيا اللّه الأرض،أخرج فيها النّبات،و قيل:إنّما أحياها من الحياة،كأنّها كانت ميّتة بالمحل فأحياها بالغيث.

و الحيّا:الخصب و المطر؛و الجمع:أحياء،و قد جاءنا الحيا،أي المطر؛لأنّه يحيي الأرض،و حيا الرّبيع:ما تحيا به الأرض من الغيث،و حيّاهم اللّه بحيا:أغاثهم،و أحيا القوم:صاروا في الحيا،و هو الخصب.

و أحيا القوم:مطروا فأصابت دوابّهم العشب حتّى سمنت،و إن أرادوا أنفسهم،قالوا:حيوا بعد الهزال،

ص: 814

و حيي القوم في أنفسهم،و أحيوا في دوابّهم و مواشيهم.

و الحيوان:اسم يقع على كلّ ذي روح،و هو في الأصل مصدر،كالحياة و الحيّ،و قيل:الحيّ: جمع الحياة.

و حاييت النّار بالنّفخ:أحييتها،و حيّت النّار تحيّ حياة،فهي حيّة.

و طريق حيّ: بيّن؛و الجمع:أحياء.يقال:حيي الطّريق،أي استبان،و إذا حيي لك الطّريق فخذ يمنة.

و المحيّا:حرّ الوجه،و هو الظّاهر منه؛إذ به يعرف أثر الحياة.

و الحيّ:محلّة القوم؛و الجمع:أحياء،لأنّهم ينزلون في الخصب من الأرض،أو يحلّو الماء عادة.و هما أمارتا الحياة.و الحيّ:بطن من بطون العرب،أطلق عليهم ذلك لأنّهم يسكنون الحيّ.

و التّحيّة:السّلام،«تفعلة»من الحياة.يقال:حيّاك اللّه و بيّاك،أي أبقاك،و هو محيّي،و هي محيّية.

وحيّ: اسم لفعل أمر،يستحثّ به،و كأنّ الحثّ على الشّيء و الدّعاء إليه حياة.يقال:حيّ على الغداء،و حيّ على الثّريد،أي ائتوه،و حيّ على الصّلاة:ائتوها.

و يستعمل مع«هل»في هذا المعنى أيضا.يقال:حيّ هل و حيّ هلا و حيّ هلا،و حيّ هل بفلان،و حيّ هل بفلان،و حيّ هلا بفلان،أي اعجل.

2-و الحياء:الحشمة،و قد حيي منه حياء،فهو حييّ، و هي حييّة،و حييت من فعل كذا و كذا أحيا حياء:

استحييت،و استحيا و استحى.يقال:استحيا منك و استحياك،و استحى منك و استحاك؛التّخفيف:لغة تميم، و التّثقيل:لغة أهل الحجاز.

و الحياء:رحم النّاقة،و الجمع:أحيية؛لأنّه يستر من الآدميّ،و يكنى عنه من الحيوان.و يقال لفرج المرأة:

الحيّ.

و هذا الحرف قريب من الباب لفظا،بعيد عنه معنى، و لعلّه من«ح و ي»-الّذي يفيد التّقبّض و التّجمّع،كما تقدّم-فقلبت الواو ياء.و قد تردّد فيه ابن الأثير،فقال:

«في حديث البراق:فتحيّا منّي،أي انقبض و انزوى،و لا يخلو إمّا أن يكون مأخوذا من«الحياء»على طريق التّمثيل،لأنّ من شأن الحييّ أن ينقبض،أو يكون أصله:

تحوّى،أي تجمّع،فقلب واوه ياء،أو يكون«تفيعل»من الحيّ،و هو الجمع،كتحيّز من الحوز».

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء من المجرّد الماضي مرّة،و المضارع 6 مرّات، و الصّفة(الحيّ)مفردا 19 مرّة،و جمعا(أحياء)5 مرّات، و(المحيا)مرّتين،و المصدر و اسم المصدر(الحياة)76 مرّة،و اسما(يحيى)5 مرّات،و(حيّة)مرّة.

و مزيدا من(الإفعال)الماضي 16 مرّة و المضارع 35 مرّة،و اسم الفاعل مرّتين.و من(التّفعيل)الماضي معلوما و مجهولا،و المضارع،و الأمر كلّ منهما مرّة،و المصدر 6 مرّات.و من الاستفعال المضارع 8 مرّات.و الأمر و المصدر كلّ منهما مرّة،في 167 آية:

1-الحياة و الموت

1- قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ الأعراف:25

2- إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما نَحْنُ

ص: 815

بِمَبْعُوثِينَ المؤمنون:37

3- وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا... الجاثية:24

4- وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى* وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا النّجم:43،44

5- كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ... البقرة:28

6- وَ هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ...

الحجّ:66

7- قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا... المؤمن:11

8- وَ إِنّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ

الحجر:23

9- إِنّا نَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ إِلَيْنَا الْمَصِيرُ

ق:43

10- ...وَ اللّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ آل عمران:156

11- ...لا إِلهَ إِلاّ هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ... الأعراف:158

12- إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ... التّوبة:116

13- هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

يونس:56

14- وَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ لَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ... المؤمنون:80

15- هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ المؤمن:68

16- لا إِلهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِي وَ يُمِيتُ رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ الدّخان:8

17- لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ... الحديد:2

18- ...وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ البقرة:28

19- اَللّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ... الرّوم:40

20- قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ... الجاثية:26

21- وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ الشّعراء:81

22- تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ...

آل عمران:27

23- إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ... الأنعام:95

24- ...أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ...

يونس:31

25- يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها... الرّوم:19

26- أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ... النّحل:21

27- وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ...

ص: 816

فاطر:22

28- ...وَ لا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَ لا حَياةً وَ لا نُشُوراً

الفرقان:3

29- اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً... الملك:2

30- وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً* إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً الإسراء:74،75

31- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى طه:74

32- اَلَّذِي يَصْلَى النّارَ الْكُبْرى* ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى الأعلى:12،13

33- ...إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ... البقرة:258

34- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً...

المائدة:32

35- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ...

البقرة:243

36- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى... البقرة:260

37- ...وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ... آل عمران:49

38- أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ...

الأنعام:122

39- وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا مريم:31

2-محياهم و مماتهم

40- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ الجاثية:21

41- قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الأنعام:162

3-إحياء الموتى

42- ...إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فصّلت:39

43- إِنّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ... يس:12

44- ...كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ البقرة:73

45- ...قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها...

البقرة:259

46- ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى... الحجّ:6

47- ...فَاللّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَ هُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الشّورى:9

48- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى... الأحقاف:33

ص: 817

49- أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى

القيمة:40

50 و 51- وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ يس:78،79

52- ...إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الرّوم:50

53- وَ يَقُولُ الْإِنْسانُ أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا مريم:66

54- وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا مريم:33

55- وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا مريم:15

56- يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي الفجر:24

57- قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ... طه:97

4-حياة الشهيد

58- وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ البقرة:154

59- وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ آل عمران:169،170

5-الاستحياء

60- ...قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ... الأعراف:127

61- ...يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ... البقرة:49

62- ...يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ

الأعراف:141

63- ...يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ... إبراهيم:6

64- ...يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَ يَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ

القصص:4

65- قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَ اسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ... المؤمن:25

6-اللّه الحيّ

66- اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ... البقرة:255

67- الم* اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ

آل عمران:1،2

68- وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً طه:111

69- وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ... الفرقان:58

70- هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ... المؤمن:65

7-إحياء الأرض

71- ...وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ

ص: 818

اَلرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ...

البقرة:164

72- وَ اللّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ النّحل:65

73- وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ العنكبوت:63

74- ...وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الجاثية:5

75- ...فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ فاطر:9

76- رِزْقاً لِلْعِبادِ وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ ق:11

77- وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا... يس:33

78- لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَ نُسْقِيَهُ مِمّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَ أَناسِيَّ كَثِيراً الفرقان:49

79- ...وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

الرّوم:24

80- فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى... الرّوم:50

81- ...وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ الأنبياء:30

82- اِعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ الحديد:17

83- أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً* أَحْياءً وَ أَمْواتاً

المرسلات:25،26

8-الحياة الدّنيا

84- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ... البقرة:204

85- زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَ يَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا... البقرة:212

86- مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ... آل عمران:117

87- ...تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ... النّساء:94

88- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... النّساء:109

89- إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها... يونس:7

90- ...إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... يونس:88

91- ...فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا طه:72

92- ...وَ أَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ... المؤمنون:33

93- ...قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ... القصص:79

94- وَ قالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... العنكبوت:25

ص: 819

95- يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ الرّوم:7

96- نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ... فصّلت:31

97- ...نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... الزّخرف:32

98- فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا... النّجم:29

99- بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا الأعلى:16

100- ...أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها... الأحقاف:20

101- وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ الأنعام:29

102- ...قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ... الأعراف:32

103- لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ

يونس:64

104- إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... المؤمن:51

105- وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ... الكهف:45

106- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ... يونس:24

107- ...فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا البقرة:85

108- إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... الأعراف:152

109- ...إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ... التّوبة:55

110- ...إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ

يونس:98

111- لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ... الرّعد:34

112- اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ... أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ إبراهيم:3

113- ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ... النّحل:107

114- اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف:104

115- فَأَذاقَهُمُ اللّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الزّمر:26

116- ...لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ فصّلت:16

117- فَأَمّا مَنْ طَغى* وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:36-38

118- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ... البقرة:86

119- فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ... النّساء:74

120- ...ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ

ص: 820

اَلْمَآبِ آل عمران:14

121- ...وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ

آل عمران:185

122- أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ التّوبة:38

123- ...يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا... يونس:23

124- وَ فَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ مَتاعٌ الرّعد:26

125- وَ ما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ زِينَتُها... القصص:60

126- أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا القصص:61

127- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا... الشّورى:36

128- وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ الزّخرف:35

129- يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَ إِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ المؤمن:39

130- وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا... الأنعام:70

131- ...قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا... الأنعام:130

132- اَلَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا... الأعراف:51

133- يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ اَلْحَياةُ الدُّنْيا... فاطر:5

134- ...فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ لقمان:33

135- ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللّهِ هُزُواً وَ غَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا... الجاثية:35

136- وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ الأنعام:32

137- وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ

العنكبوت:64

138- إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ...

محمّد:36

139- اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ... وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ

الحديد:20

140- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها... هود:15

141- ...وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا... الكهف:28

142- اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا...

الكهف:46

143- وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا... طه:131

144- ...وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا النّور:33

145- ...إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها

ص: 821

فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ... الأحزاب:28

9-الحياة و الحياة الطّيّبة

146- وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ... البقرة:96

147- وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة:179

148- مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ النّحل:97

149- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ... الأنفال:24

150- ...لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ... الأنفال:42

151- لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ يس:70

10-يحيى

152- فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً... آل عمران:39

153- وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ الأنعام:85

154- يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا مريم:7

155- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:12

156- فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ... الأنبياء:90

11-الحياء

157- فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ...

القصص:25

158- ...إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ... الأحزاب:53

159- إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها... البقرة:26

12-التّحيّة

160- ...وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّهُ... المجادلة:8

161- وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها... النّساء:86

162- ...فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ... النّور:61

163- أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً الفرقان:75

164- دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ... يونس:10

165- خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ إبراهيم:23

166- تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَ أَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً الأحزاب:44

ص: 822

13-حيّة

167- قالَ أَلْقِها يا مُوسى* فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى طه:19،20

و يلاحظ أوّلا أنّ فيها أربعة محاور:الحياة ضدّ الموت -و هي أكثرها-،و الحياء أي الحجب و انقباض النّفس، و التّحيّة،و الاسم:

المحور الأوّل:جاء-الحياة-حقيقة و مجازا:

فالحقيقة-و هي أكثرها-كلّ آيات الحياة و الموت، و المحيا و الممات،و إحياء الموتى،و الاستحياء،و حياة الشّهيد،و توصيف اللّه بالحيّ،و الحياة الدّنيا على تفصيل، يأتي في هذه الثّلاثة الأخيرة.

و أمّا المجاز فإحياء الأرض و نحوها بالنّبات،و إحياء النّفوس بالإيمان و غيرها،على تفصيل يأتي:

فالحياة الحقيقيّة في القرآن على صنوف:

الأوّل:ما قابل الموت و كلاهما في الدّنيا،و المراد بالموت:ما يحدث بعد تلك الحياة،و هي أكثرها،مثل(1) و ما بعدها: فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ. و مثلها(30) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ.

الصّنف الثّاني:ما كانت كذلك،و المراد بالموت فيها:

ما كان قبل الحياة مثل(5) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ، و(18) ...وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ، و(38) أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ، و هاهنا بحثان:

1-و بهذا فسّر أحد الموتتين في(7): قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ، أي إنّ اللّه أماتهم ثمّ أحياهم،ثمّ أماتهم في الدّنيا ثمّ أحياهم في الآخرة،فهذان حياتان و موتتان.و هذا أحد الوجوه الّتي ذكرها الطّبرسيّ(4:516)،و هو أظهرها عندنا.

و الوجه الثّاني فيها:أنّ الإماتة الأولى كانت في الدّنيا بعد الحياة،و الثّانية في القبر قبل البعث،و الحياة الأولى في القبر للمساءلة و الثّانية في الحشر.

و الوجه الثّالث:أنّ الحياة الأولى في الدّنيا و الثّانية في القبر،و لم يرد الحياة يوم القيامة،و الموتة الأولى في الدّنيا و الثّانية في القبر.

و قد طرح الفخر الرّازيّ(27:39)أسئلة حول دلالة هذه الآية على سؤال القبر و عدمه،و أجاب عنها تفصيلا فلاحظ.لكنّه اختار في معنى الآية ما اخترناه من أنّ الميتة الأولى هي ما كانت قبل الحياة في الدّنيا حين كان نطفة و علقة.و احتجّ له بآية كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ، شارحا«أنّ الإماتة تأتي بمعنيين:أحدهما:

إيجاد الشّيء ميّتا.و الثّاني:تصيير الشّيء ميّتا بعد أن كان حيّا،كقولك:«وسّع الخيّاط ثوبي»،يحتمل أنّه خاطه واسعا،و يحتمل أنّه صيّره واسعا بعد أن كان ضيّقا،فلم لا يجوز أن يكون المراد بالإماتة خلقها ميتة،دون تصييرها ميتة بعد أن كانت حيّة؟».

2-و يجدر بالذّكر أنّه قد جاء الموت قبل الحياة في آيات،و المراد بها الموت بعد الحياة مثل(2 و 3) إِنْ هِيَ -ما هى - إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا، و(4) وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا، و إنّما قدّم فيها الموت رعاية للرّويّ.

و مثلها(28) وَ لا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَ لا حَياةً وَ لا نُشُوراً، و(29) اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ.

الصّنف الثّالث:إخراج الحيّ من الميّت،و إخراج

ص: 823

الميّت من الحيّ في(22-25)،و المراد بها-كما جاء في النّصوص-إخراج الإنسان و الحيوان الحيّ من النّطفة الميّتة،و هذا ما اختاره الطّبريّ حملا للقرآن على الظّاهر، فلاحظ.أو إخراج الفرخة و الطّير من البيضة،و البيضة من الطّير.و الحياة في هذين الوجهين بمعناه الحقيقيّ الخاصّ بالحيوان.أو إخراج الحبّة من السّنبلة،و إخراج السّنبلة من الحبّة،و إخراج النّخلة من النّواة،و النّواة من النّخلة.و في هذا توسيع للحياة من الحيوان إلى النّبات مجازا-و سنبحثه-أو إخراج الكافر من المؤمن،و المؤمن من الكافر،و إخراج الطّيّب من الخبيث و الخبيث من الطّيّب،و هذا تأويل مجازيّ سنبحثه.

الصّنف الرّابع:الحياة في الدّنيا بعد الموت فيها في (35): أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ، و(36) نقلا عن إبراهيم عليه السّلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى، و(37)نقلا عن عيسى عليه السّلام: وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ، و مثلها(33)نقلا عن فرعون: أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ.

الصّنف الخامس:إحياء الأموات في الآخرة-و هي كثيرة أيضا-من(42-57)،و مثلها ذيل(1) وَ مِنْها تُخْرَجُونَ، و(6 و 17 إلى 20) ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ، و(21) وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ.

و المراد بها عند المسلمين عامّة إحياء الأموات بإرجاع الأرواح إلى أجسادها.و للفلاسفة كلام في ذلك، لأنّهم يعتقدون أنّها حياة روحيّة دون جسميّة،و قد أراد صدر المتألّهين توجيه العقيدة الإسلاميّة حسب مبناه الفلسفيّ في الحركة الجوهريّة،و هي لا تنطبق على العقيدة الإسلاميّة العامّة،فإنّ الآيات صريحة في الحياة الجسديّة،منها الآية(36): وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى، و غيرها.

الصّنف السّادس:سلب الموت و الحياة جميعا عن الكافر في جهنّم في(30 و 31): لا يَمُوتُ فِيها -أي في جهنم - وَ لا يَحْيى، و المراد بها-كما جاء في النّصوص- لا يموت فيها فيستريح،و لا يحيا حياة تنفعه،و هذا كناية عن شدّة العذاب و دوامه،كما قال الفخر الرّازيّ:«يكون في جهنّم بأسوء حال،لا يموت ميتة مريحة،و لا يحيا حياة ممتّعة»،و قال مكارم:«يتقلّب دائما بين الموت و الحياة، تلك الحياة الّتي هي أمرّ من الموت،و أكثر مشقّة منه».

الصّنف السّابع:حياة الشّهيد في(58 و 59):

و الآية الأولى جاءت في البقرة: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ، و قبلها و بعدها آيات تتحدّث عن الصّبر عند البلايا،و لا تتحدّث عمّن قتل في سبيل اللّه.

و الآية الثّانية جاءت في آل عمران: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، و قبلها: اَلَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، و بعدها: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، و فيهما بحوث:

ص: 824

1-الآية الأولى لا مساس لها بما قبلها و ما بعدها من الآيات،سوى أنّ الصّبر على البلايا و منها القتل في سبيل اللّه فيه تسلية لمن ابتلي بها،و تحضير لمن سيبتلى بها فيما بعد.قال الفخر الرّازيّ: «وجه تعلّق الآية بما قبلها،كأنّه قيل:استعينوا بالصّبر و الصّلاة في إقامة ديني،فإن احتججتم في تلك الإقامة إلى مجاهدة عدوّي بأموالكم و أبدانكم ذلك فتلفت نفوسكم،فلا تحسبوا أنّكم ضيّعتم أنفسكم،بل اعلموا أنّ قتلاكم أحياء عندي».

أمّا الآية الثّانية فلها مساس مباشر بما قبلها،فهي جواب لمن قعد عن القتال،و قال فيمن قتل استرحاما له و أسفا منه: لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا، فيبدو أنّهم كانوا يوصون هؤلاء الّذين قتلوا بأن لا يشاركوا في القتال، و لكنّهم لم يسمعوا إليهم،و شاركوا في القتال،و جاهدوا فيه حتّى قتلوا في سبيل اللّه.

كما أنّ ما بعدها تتمّة لجزاء الّذين قتلوا في سبيل اللّه، فتصفهم بأوصاف إضافة إلى ما ذكره في الآية من أنّهم أحياء يرزقون عند ربّهم.

2-الأولى جاءت في البقرة الّتي نزلت قبل آل عمران،بل إنّها-على المشهور-أوّل ما نزلت من السّور بالمدينة،و نزلت بعدها مباشرة سورة الأنفال النّازلة بعد غزوة بدر،أولى غزوات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و حينئذ يطرح هذا السّؤال نفسه:المقتول في سبيل اللّه في هذه الآية متى و أين قتل؟و هل كانت هناك معركة بين المؤمنين و أعدائهم قبل غزوة بدر؟

و ليس لدينا جواب قاطع إلاّ أن يقال:نزلت فيمن قتل منهم قبل بدر لا في معركة،أو نزلت بعد نزول البقرة فيمن قتل في بعض المعارك،و ألحقت بالبقرة،فإنّ البقرة- كما تشهد به آياتها-لم تنزل دفعة،بل نزلت تدريجا حسب المناسبات في المدينة،و عدّت أوّل السّور المدنيّة اعتبارا بأوّلها و أكثرها.

و يشهد بنزولها في بعض المعارك ما عن الماورديّ:

«و سبب ذلك أنّهم كانوا يقولون لقتلى بدر و أحد:مات فلان،و مات فلان،فنزلت الآية»،و ما عن الطّوسيّ:

«يقال:إنّ المشركين كانوا يقولون:إنّ أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله يقتلون نفوسهم في الحرب لا لمعنى!!فأنزل اللّه تعالى الآية»،و نحوه عن أبي حيّان و غيره.و قال البروسويّ:«إنّها نزلت في شهداء بدر،و كانوا أربعة عشر رجلا:ستّة من المهاجرين،و ثمانية من الأنصار، و كان النّاس يقولون لمن يقتل:مات فلان،و ذهب عنه نعيم الدّنيا و لذّاتها».و يلزم على قولهم نزول هذه الآية أيضا مثل آية آل عمران بعد غزوتى بدر و أحد!!

و أمّا الآية الثّانية فجاءت في آل عمران:121، النّازلة بعد غزوة أحد،و جملة منها-ابتداء من: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ - نزلت بشأن هذه الغزوة،و فيها إشارات إلى غزوة بدر الّتي نصر اللّه المؤمنين فيها بالملائكة.فالثّانية نزلت بعد الأولى-على الأقوى-في غزوة أحد.

3-و بين الآيتين اشتراك و افتراق كما يأتي:

أمّا الاشتراك فابتداؤهما بالنّهي،و ذكر القتل في سبيل اللّه،و مقابلة أمواتا و أحياء،كلاهما نكرة إضرابا عن الأولى إلى الثّانية.

و أمّا الافتراق فبوجوه:

ص: 825

منها:أنّه قال في الأولى: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ، و في الثّانية: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً، و الخطاب في الأولى إلى المؤمنين،و في الثّانية إلى النّبيّ عليه السّلام اهتماما به،أو إلى كلّ مخاطب للقرآن.

و النّهي في الأولى عن القول،و في الثّانية عن الحسبان،و هذا آكد من القول،ففيهما تعال من الأدنى إلى الأعلى.

و منها أنّه قال في الأولى: بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ، و في الثّانية: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فأبهم حياتهم في الأولى بقوله: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ، و لم يبيّنها،أمّا في الثّانية فبيّنها بأوصاف ابتداء ب عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، و إدامة بما جاء بعدها في الآيات.فكأنّ اللّه أجمل حياة الشّهداء أوّلا،ثمّ فصّلها، و في التّفصيل اهتمام أكبر من الإجمال،ففي الإجمال إعظام و إكبار ليس في التّفصيل،فيهيّئ النّفوس لينتظروا أو يتمنّوا،بل يشتاقوا ليعرفوا ما هذه الحياة الّتي لا يشعرون بها،فجاء التّفصيل بأنّهم يرزقون عند ربّهم،فغيرهم من السّعداء يرزقون في الجنّة،أمّا هؤلاء فيرزقون عند ربّهم و يجلسون على مائدته،فهم أصحاب الحضور يعيشون مع اللّه-كما يأتي في وصف الحياة الطّيّبة-و الآخرون يعيشون في الجنّة مع أهل الجنّة محرومين عن الحضور، و شتّان ما بين الحالتين.

ثمّ إنّهم فرحين بهذه النّعمة العظمى،و هو الجلوس على مائدة اللّه.و هذا ما آتاهم اللّه من فضله.و مع ذلك فهم يتمنّون هذه النّعمة لأصدقائهم في صفّ الجهاد و النّضال،وفاء بما تعاهدوا عليه من المقاومة طول الحياة، فيستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم،و لم يستشهدوا معهم،بأنّه لا خوف عليهم و لا هم يحزنون،إذا استشهدوا و لحقوا بهم.

و منها:أنّه قال في الأولى: لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ، و في الثّانية: اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ. فيبدو أنّ الفعل جاء في الأولى بصيغة المضارع استقبالا لما سيقع،و الثّانية بصيغة الماضي اهتماما بما وقع،فهذا آكد من الأولى من هذه النّاحية أيضا.

و في كليهما تصريح بمن قتل في سبيل اللّه،و مثلهما كثير من آيات الجهاد،و أوجها آية الاشتراء: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ (59).

و هذه الخصال كلّها حاكية عن إخلاصهم في الجهاد و استعدادهم للقتل تقرّبا إلى اللّه تعالى،و انتقالا من حالة الغيبة إلى الحضور عند الحبيب و من الحرمان إلى الوصال.

لاحظ س ب ل:«سبيل اللّه»،و ق ت ل:«القتال».

4-تكلّموا كثيرا في حقيقة حياة الشّهداء و اختلفوا فيها،فأكثرهم على أنّها حياة حقيقيّة روحيّة،يعيشون بما وصفهم اللّه به في الآية الثّانية.و الفرق بينهم و بين غيرهم من السّعداء في عالم البرزخ-الّذي سنبحثه-عند الطّبريّ أنّهم مرزقون من مآكل الجنّة و مطاعمها في برزخهم قبل بعثهم،و أمّا غيرهم من السّعداء فيفتح لهم من قبورهم أبواب إلى الجنّة-كما جاء في الأخبار المتظافرة-فيشمّون ريحها و يستعجلون اللّه قيام السّاعة، لينالوا من نعيمها.و نحوه عن مجاهد و الماورديّ.

و قال الطّوسيّ: «الصّحيح أنّهم أحياء إلى أن تقوم

ص: 826

السّاعة،ثمّ يحييهم اللّه في الجنّة.لا خلاف بين أهل العلم فيه إلاّ قولا شاذّا من بعض المتأخّرين»-و هو أنّهم سيحيون و ليسوا أحياء الآن،و نسبه إلى ما حكاه البلخيّ،ثمّ قال:«و استدلّ أبو عليّ الجبّائيّ على أنّهم أحياء في الحقيقة ب وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ، و لو كانوا سيحيون في الآخرة لم يقل للمؤمنين المقرّين بالبعث و النّشور: وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ، لأنّهم يعلمون ذلك، و يشعرون به».ثمّ ذكر في وجه اختصاص الشّهداء بذلك -مع أنّ المؤمنين كلّهم أحياء في البرزخ-أنّه يجوز أن يكون تشريفا لهم.و قد يكون على جهة التّقديم للبشارة بذكر حالهم في البيان،لما يختصّون به من أنّهم يرزقون، كما قال: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.

و قد اعترف الزّمخشريّ بما قاله المفسّرون و أضاف:

«قالوا:يجوز أن يجمع اللّه من أجزاء الشّهيد جملة فيحييها،و يوصل إليها النّعم،و إن كانت في حجم الذّرّة».

و هذا في غاية البعد؛إذ لم يأت في الآيتين أنّهم أحياء بحياة جسميّة،لكي نكلّف أنفسنا بمثل هذه الكلفة.

و ظاهر جملة من الرّوايات و الأقوال:أنّ أرواحهم في حواصل طيور خضر،يطيرون في الجنّة حيث شاءوا.

و قد بحث الفخر الرّازيّ و غيره ممّن تأخّروا عنه حول حياة الشّهداء تفصيلا،مردّدين بين أنّها حياة حقيقيّة أو مجازيّة،و أكثرهم اختاروا أنّها حياة حقيقيّة فعليّة،و نسبه الفخر الرّازيّ إلى جميع المفسّرين.

و من أبدع ذلك ما اختاره رشيد رضا و قال:«إنّها حياة غيبيّة لا نبحث عن حقيقتها،و لا نزيد فيها على ما جاء به خبر الوحي شيئا».و لعلّه أقرب إلى الآية وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ.

و أمّا الطّباطبائيّ فاختار أيضا أنّها حياة حقيقيّة دون التّقديريّة،و شرحها و أبطل الأقوال الأخرى، و قال:«و لا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أموات،و لا تعتقدوا فيهم الفناء و البطلان-كما يفيده لفظ«الموت» عندكم و مقابلته مع الحياة،و كما يفيده لفظ«الموت» عندكم و مقابلته مع الحياة،و كما يعين على هذا القول حواسّكم-فليسوا بأموات بمعنى البطلان،بل أحياء و لكن حواسّكم لا تنال ذلك و لا تشعر به.و إلقاء هذا القول على المؤمنين-مع أنّهم جميعا أو أكثرهم عالمون ببقاء حياة الإنسان بعد الموت.و عدم بطلان ذاته-إنّما هو لإيقاظهم و تنبيههم بما هو معلوم عندهم،يرتفع بالالتفات إليه الحرج عن صدورهم،و الاضطراب و الغلق عن قلوبهم،إذا أصابتهم مصيبة القتل،فإنّه لا يبقى مع ذلك من آثار القتل عند أولياء القتيل إلاّ مفارقة في أيّام قلائل في الدّنيا،و هو هيّن في قبال مرضاة اللّه سبحانه،و ما ناله القتيل من الحياة الطّيّبة و النّعمة المقيمة،و رضوان من اللّه أكبر...».ثمّ ذكر أنّ هاتين الآيتين من أدلّة الحياة البرزخيّة،و سنبحثها.

هذه كلّها مبنيّة على القول بالحياة الحقيقيّة لمن قتل في سبيل اللّه،أمّا الحياة المجازيّة فذكروا فيها وجوها:

1-إنّ الشّهيد لمّا كان عظيم المنزلة عند اللّه صحّ أن يقال:إنّه حيّ،كما يقال للجاهل:إنّه ميّت.

2-إنّ الشّهيد ترك لنفسه ثناء جميلا حسنا،فهو حيّ عند النّاس.و قد رفضه الطّباطبائيّ رفضا باتّا بأنّه أمر خياليّ،فلاحظ.مع أنّ الآية تدلّ على أنّهم أحياء عند اللّه لا عند النّاس.

ص: 827

3-إنّ أجسادهم باقية في قبورهم،و إنّها لا تبلى تحت الأرض.و فيه أنّها ليست حياتا لهم لا جسميّة و لا روحيّة،و لا يرزقون عند ربّهم.

4-المشركون كانوا يقولون للشّهداء:هم أموات في الدّين،فقال تعالى:لا تقولوا ذلك،بل قولوا:إنّهم أحياء في الدّين،و لكن المشركين لا يشعرون أنّ من قتل على دين محمّد عليه السّلام حيّ في الدّين،و على هدى من ربّه.و هذا أيضا لا يوافق:«يرزقون عند ربهم.»

5-هم أحياء،لأنّ الخلف عنهم اللّه،و من كان الخلف عنه اللّه لا يكون ميّتا.

6-هم أحياء بذكر اللّه لهم،و الّذي هو مذكور الحقّ بالجميل بذكره السّرمديّ ليس بميّت.

7-إنّ أشباحهم و إن كانت متفرّقة،فإنّ أرواحهم بالحقّ متحقّقة،و لئن فنيت باللّه أشباحهم فلقد بقيت باللّه أرواحهم،لأنّ من كان فناؤه باللّه كان بقاؤه باللّه.

8-هم أحياء بشواهد التّعظيم،عليهم رداء الهيبة، و هم في ظلال الأنس،يبسطهم جماله مرّة،و يستغرقهم جلاله أخرى.و هذه الأربعة ذكرها القشيريّ.

9-إنّهم ليسوا بالضّلال أمواتا،بل هم بالطّاعة و الهدى أحياء،كما قال في(38): أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ.

10-ليسوا أمواتا بانقطاع الذّكر عند اللّه،و ثبوت الأجر إليهم.

و للبحث تتمّة في ش ه د:«شهيد»،و ش ري:

«اشترى»،و لنا مقال بعنوان«الشّهيد في القرآن»طبع خلال مقالاتنا:«دراسات و بحوث ج 1»،و قد أوردنا شطرا منها خلال النّصوص التّفسيريّة فلاحظ.

الصّنف الثّامن:الحياة البرزخيّة

نبّه كثير من المفسّرين ذيل هاتين الآيتين على أنّهما تدلاّن على الحياة البرزخيّة،و منهم الطّباطبائيّ،و رفض مؤكّدا قول من خصّهما بشهداء بدر لا تتعدّاهم إلى غيرهم،فلاحظ.و قال:«إنّ الحياة البرزخيّة هي المسمّاة بعالم القبر-عالم متوسّط بين الموت و الحياة و القيامة-ينعّم فيه الميّت،أو يعذّب حتّى تقوم القيامة»، ثمّ ذكر آيات أخرى منها:

حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ المؤمنون:99 و 100.

و منها: وَ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً* يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ.

قال:«من المعلوم أنّ المراد به أوّل ما يرونهم و هو يوم الموت،كما تدلّ عليه آيات أخرى»، لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ... الفرقان:21 إلى 26.

و منها(7): قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ. و قد سبق كلامنا فيها أنّ المراد بها الموتتين في الدّنيا قبل الحياة و بعدها،فلا علاقة لها بالبرزخ.

و منها: وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ* اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:45 و 46،قال:«إذ من المعلوم أنّ يوم القيامة لا بكرة فيه و لا عشيّ،فهو يوم غير اليوم».

ص: 828

و نزيد عليه أنّ قوله: وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ، دلّ على أنّ ما قبله: وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ...، يكون قبل يوم القيامة.

ثمّ قال:«و الآيات الّتي تستفاد منها هذه الحقيقة القرآنيّة،أو تومئ إليها كثيرة...».فلاحظ ب ر ز خ:

«البرزخ».

ثمّ إنّ كثيرا منهم كالطّباطبائيّ بحثوا هنا حول تجرّد النّفس.فلاحظ.و لعلّها أمسّ بكلمتي«روح و نفس».

الصّنف التّاسع:وصف اللّه تعالى بالحيّ في(66- 70)فجاء في ثلاث منها: اَلْحَيُّ الْقَيُّومُ، و في واحدة:

اَلْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ، و في أخرى هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ و فيها بحوث:

1-الحيّ أصله«حييّ»مثل«حذر»و«طمع»، فأدغمت الياءان،قاله الفخر الرّازيّ.و قال ابن الأنباريّ:

«أصله(الحيو)،فلمّا اجتمعت الياء و الواو ثمّ كان السّابق ساكنا فجعلتا ياء مشدّدة».

و قال أبو حيّان:«فعله:«حيى»و قيل:«حيو»، فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها،و أدغمت في الياء، و قيل:أصله«فيعل»فخفّف ك«ميت»في«ميّت»، و«لين»في«ليّن».

و قال ابن عاشور:«و هو يائيّ باتّفاق أئمّة اللّغة.و أمّا كتابة السّلف في المصحف كلمة(حيوة)بواو بعد الياء فمخالفة للقياس.و قيل:كتبوها على لغة أهل اليمن،لأنّهم يقولون:(حيوة)أي حياة.و قيل:كتبوها على لغة تفخيم الفتحة».لاحظ«الأصول اللّغويّة».

2-فسّروها بالباقي،أو الدّائم البقاء،أو الّذي له الحياة الدّائمة و البقاء الّذي لا أوّل له يحدّ،و لا آخر له يؤمد،الفعّال الدّرّاك،من كان على صفة يجب لأجلها أن يدرك المدركات إذا وجدت،الباقي الّذي لا سبيل عليه للفناء،كلّ ذات يصحّ أن يعلم و يقدر،الباقي على الأبد الدّائم بلا زوال،العليم القدير الّذي لا يموت،و نحوها.

و معلوم أنّها معنى(الحيّ)وصفا للّه لا في اللّغة،و قد صرّح به بعضهم كالواحديّ.و هذا ما فتح الباب إلى مسائل كلاميّة في وصف اللّه بالحيّ.

3-اختلفوا في هذه الصّفة كغيرها من الصّفات الذّاتيّة:أنّها عين ذاته تعالى،أو زائدة عليها.فعن الطّبريّ: «قال بعضهم:إنّما سمّى اللّه نفسه حيّا لصرفه الأمور مصارفها،و تقديره مقاديرها،فهو حيّ بالتّدبير لا بحياة.و قال آخرون:بل هو حيّ بحياة هي له صفة.

و قال آخرون:بل ذلك اسم من الأسماء تسمّى به،فقلناه تسليما لأمره».

و قال ابن عربيّ: «الحيّ الّذي حياته عين ذاته،و كلّ ما هو حيّ لم يحي إلاّ بحياته».

و قال أبو حيّان:«من صفات الذّات حيّ بحياة لم تزل و لا تزول»و محلّ هذا البحث علم الكلام،و لكلّ مذهب من المذاهب الكلاميّة رأيه،فراجع.

4-استشكلوا بأنّه:إذا كان معنى الحيّ الّذي يصحّ أن يعلم و يقدر،فهذا حاصل لجميع الحيوانات،فكيف يحسن أن يمدح اللّه نفسه بصفة يشاركه فيها أخسّ الحيوانات؟

و أجاب عنه الفخر الرّازيّ: بأنّ الحيّ في أصل اللّغة ليس عبارة عن هذه الصّحّة،بل كلّ شيء كان كاملا في

ص: 829

جنسه فإنّه يسمّى حيّا،فمثّل له بإحياء الموات في الآيات و غيرها،و أنّه إنّما سمّي الجسم حيّا لأنّه كماله-و ذكر له أمثلة-ثمّ قال:فثبت أنّ المفهوم الأصليّ من لفظ الحيّ كونه واقعا على أكمل أحواله و صفاته...و لمّا لم يكن مقيّدا بأنّه كامل في هذا دون ذاك،دلّ على أنّه كامل على الإطلاق،و الكامل على الإطلاق أن لا يكون قابلا للعدم لا في ذاته و لا صفاته...».

و عندنا أنّ الإشكال مرفوع من أصله،لأنّ الحيّ في الآيات قيّد ب(القيّوم)و ب اَلَّذِي لا يَمُوتُ. كما قال البيضاويّ:«و الحيّ في صفة اللّه تعالى و هو الّذي لم يزل موجودا،أو بالحياة موصوفا،لم تحدث له الحياة بعد موت،و لا يعتريه الموت بعد حياة،و سائر الأحياء يعتريهم الموت و العدم،فكلّ شيء هالك إلاّ وجهه سبحانه و تعالى».

و قد أجاب صدر المتألّهين عن هذا الإشكال بالتزام التّشكيك في مفهوم«الإدراك»،و«القدرة»بالكمال و النّقص،و أنّ الحيّ في كلّ شيء بحسبه.إلى أن قال:

«فمعنى الحيّ و إن كان مفهوما عامّا إلاّ أنّه ينصرف في الحيوان إلى الحسّاس،و في الواجب إلى ما يكون عالما بالفعل بجميع الأشياء،قادرا بالذّات على كلّ الموجودات...»ثمّ ردّ على الفخر الرّازيّ بما ذكره.و عندنا أنّ كلّ ذلك تكلّف خارج عن معنى الحيّ داخل في مفهوم (القيّوم)،و اَلَّذِي لا يَمُوتُ.

5-حكى رشيد رضا عن أستاذه عبده:أنّ المتكلّمين استدلّوا على حياة اللّه بالعقل من وجهين:

أحدهما:أنّه عليم مريد قدير،و هذه صفات لا تعقل إلاّ للحيّ.و فيه أنّه من قياس الغائب على الشّاهد-كما يقولون-أو من قياس الواجب على الممكن.

و ثانيهما:أنّ الحياة كمال وجوديّ،و كلّ كمال لا يستلزم نقصا يستحيل على الواجب فهو واجب له.ثمّ نقل عنه ما قدّم له في رسالة التّوحيد من ذكر مراتب الوجود،و أنّ وجود الواجب أعلى مراتبه فيستتبع جميع صفات الكمال،إلى آخر ما قاله رشيد رضا في وصف هذا الكلام.ثمّ ذكر ما ألّفه هو في باب العقائد على سبيل المكالمة بين تلميذ و شيخه في إثبات حياة اللّه.و لسيّد قطب أيضا كلام لطيف في حياة اللّه،فلاحظ.

أمّا الطّباطبائيّ فقال:«و إنّ اسم الحيّ فمعناه ذو الحياة الثّابتة على وزان سائر الصّفات المشبّهة في دلالتها على الدّوام و الثّبات.ثمّ أطال الكلام في أقسام الموجودات من الجماد و الحيوان،و ذكر أقسام الحياة في القرآن،و أنّ كلّها يعتريه الموت،و أمّا الحياة الأخرويّة فلا يعتريها الموت، فهي الحياة الحقيقيّة،و استنتج أنّ الحياة الحقيقيّة يجب أن تكون بحيث يستحيل طروّ الموت عليها لذاتها،و لا يتصوّر ذلك إلاّ بكون الحياة عين ذات الحيّ،غير عارضة و لا طارئة عليها بتمليك الغير و إفاضته،كما قال في(69): وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ، فالحياة الحقيقيّة هي الحياة الواجبة.و القصر في(70): هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ، قصر حقيقيّ غير إضافيّ...فلاحظ.

و يظهر من جميع ذلك أنّ إطلاق الحيّ على اللّه حقيقيّ،لأنّ حياته هي الحياة حقّا.و عندنا أنّه إذا وضع (الحيّ)لغة لذي الحياة من الحيوان و الإنسان،فإطلاقه على اللّه مجاز لغة،و كلّ ما ذكروه في حياته تعالى حقّ،

ص: 830

سوى أنّه وراء المعنى اللّغويّ.

هذه كلّها في الحياة الحقيقيّة،و أمّا الحياة المجازيّة فعلى صنوف أيضا:

الأوّل:حياة النّبات و إحياء الأرض بها في(71- 83)و فيها بحوث:

1-هل الحياة الحقيقيّة خاصّة بالحيوان أو تعمّ النّبات،فإطلاق الحيّ على النّبات مجاز على الأوّل و حقيقة على الثّاني.و يظهر من كثير من المفسّرين في آيات إحياء الأرض أنّها أطلقت الحياة على الأرض تشبيها بالحيوان.قال ابن عاشور في(42): إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى: «و المناسبة مشابهة الإحياءين...و شبّه إمداد الأرض بماء المطر...بإحياء الميّت فأطلق على ذلك(احياها)...سمّي إحياء لأنّه شبيه الإحياء...».

و قال الشّربينيّ في(81) وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ: «مجازا في النّبات و حقيقة في الحيوان».

و قال البروسويّ: «و الإحياء في الحقيقة إعطاء الحياة،و هي صفة تقتضي الحسّ و الحركة،فالمراد بإحياء الأرض تهييج القوى النّامية فيها،و إحداث نضارتها بأنواع النّباتات».

و قد فرّق الطّباطبائيّ بين إحياء الأرض فاعتبره مجازا،و بين إحياء النّبات فاعتبره حقيقة،فعمّم الحياة للحيوان و النّبات،و قال في(74) فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها: «و نسبة الإحياء إلى الأرض و إن كانت مجازيّة، لكن نسبته إلى النّبات حقيقيّة،و أعمال النّبات من التّغذية و النّموّ و توليد المثل و ما يتعلّق بذلك،أعمال حيويّة تنبعث من أصل الحياة».و الأمر في ذلك سهل.

2-اختلفوا في(83) وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ، هل تخصّ الحيوان الّذي خلق من النّطفة؟كما عن ابن عبّاس حيث قال:«خلقنا من ماء الذّكر و الأنثى،كلّ شيء يحتاج إلى الماء».و بعضهم قال:هي مثل وَ اللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ النّور:45.

أم تخصّ النّبات؟كما قال الطّبريّ: «و أحيينا بالماء الّذي ننزّله من السّماء كلّ شيء».

أم يعمّ كما قال الطّوسيّ-و نحوه الطّبرسيّ و الواحديّ-:«و المعنى أنّ كلّ شيء صار حيّا فهو مجعول من الماء،و يدخل فيه الشّجر و النّبات على التّبع.قال بعضهم:أراد بالماء النّطف الّتي خلق اللّه منها الحيوان، و الأوّل أصحّ».

و استشكل البغويّ: بأنّ اللّه خلق بعض ما هو حيّ من غير الماء كالفرخة من البيض.و أجاب بأنّه محمول على الغالب،لأنّ أكثر الأحياء مخلوق من الماء.

كما استشكل الفخر الرّازيّ بخلقة الجنّ و الملائكة من غير الماء-النّار و النّور-و قال في حقّ عيسى عليه السّلام: وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ المائدة:110،و قال في حقّ آدم: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ آل عمران:59؟و أجاب بأنّ اللّفظ و إن كان عامّا إلاّ أنّ القرينة المخصّصة قائمة؛ لأنّ اللّه استدلّ بما هو مشاهد محسوس.

و زاد عليه الرّازيّ: بأنّ المراد من(الكلّ)البعض،كما قال: وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ النّمل:23،و قال:

وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ يونس:22.

أو المراد أنّ الكلّ مخلوقون من الماء،و لكن البعض

ص: 831

بواسطة،و البعض بغير واسطة،و لهذا قيل:إنّه تعالى خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء،و خلق الجنّ من نار خلقها من الماء،و خلق آدم من تراب خلقه من الماء.

و الأوّل-أي الحمل على الغالب-هو الجواب عندنا.

3-استدلّ اللّه بإحياء الأرض بعد موتها لإحياء الموتى في كثير من تلك الآيات.و لعلّها دلّت على أنّ إطلاق الحياة على النّبات حقيقة،و ليست مجازا.

الصّنف الثّاني:من المجاز حياة المؤمن بالإيمان قبال موت الكافر بالكفر،و قد يعبّر عنه بحياة القلب و موته، و قد جاءت فيها آيات:

أ-(150) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ، و فيها بحوث:

1-و قد فسّروها بما يرجع إلى معنى واحد:من كان حيّ القلب حيّ البصر،من كان مهتديا،من كان مؤمنا، يعقل ما يقال له و يفهم ما يبيّن له،غير ميّت الفؤاد،من كان يعقل ما يخاطب به،فإنّ الكافر كالميّت في أنّه لم يتدبّر،فيعلم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و ما جاء به حقّ،عاقلا متأمّلا؛ لأنّ الغافل كالميّت،أو معلوما منه أنّه يؤمن فيحيا بالإيمان،حيّ القلب و البصيرة و لم يكن ميّتا لكفره، و هذه استعارة.

من كان مؤمنا،لأنّ الكافر كالميّت،بل أقلّ من الميّت،لأنّ الميّت و إن كان لا ينتفع و لا يتضرّر،و الكافر لا ينتفع بدينه و يتضرّر به،عاقلا فهما يميّز المصلحة من المفسدة،و يستخدم قلبه فيما خلق له،و لا يضيّعه فيما لا يغيبه،فإنّ الغافل بمنزلة الميّت.

و جعل العقل و الفهم للقلب بمنزلة الحياة للبدن؛من حيث إنّ منافع القلب منوطة بالعقل،كما أنّ منافع البدن منوطة بالحياة.

من أحيا عقله بالتّدبّر و التّأمّل،و تفتّح قلبه للحقّ و الخير.و نحوها فلاحظ النّصوص.

2-و لا ريب أنّها مجاز فهل هي استعارة أو كناية،أو غيرهما؟قال الشّريف الرّضيّ: «و هذه استعارة،و المراد بالحيّ هاهنا الغافل الّذي يستيقظ إذا أوقظ،و يتّعظ إذا أوعظ،فسمّى سبحانه المؤمن الّذي ينتفع بالإنذار«حيّا» لنجاته،و سمّى الكافر الّذي لا يصغي إلى الزّواجر«ميّتا» لهلكه.

و قال الآلوسيّ: «فيه استعارة مصرّحة بتشبيه العقل بالحياة،أو مؤمنا بقرينة مقابلته بالكافرين.و فيه أيضا استعارة مصرّحة لتشبيه الإيمان بالحياة،و يجوز كونه مجازا مرسلا،لأنّه سبب للحياة الحقيقيّة الأبديّة».

و قال ابن عاشور:«و الحيّ مستعار لكامل العقل و صائب الإدراك،و هذا تشبيه بليغ،أي من كان مثل الحيّ في الفهم».

و قال الطّباطبائيّ: «هو كناية عن كونه يعقل الحقّ و يسمعه».

فمن جعلها استعارة اعتبر فيها التّشبيه،و من جعلها كناية اعتبر فيها الملازمة،أو أراد مطلق المجاز.و لا ريب في اعتبار التّشبيه في إطلاق الحيّ على المؤمن،و الميّت على الكافر و المجرم،و كذا إطلاقهما على العالم و الجاهل.

3-احتمل الفخر الرّازيّ فيها وجهين:من كان حيّا في علم اللّه فينذره به فيؤمن،أو من كان حيّا في نفس الأمر أي من آمن...

ص: 832

4-ذهب الجنيد البغداديّ: إلى أنّ الحيّ من كان حياته بحياة خالقه،فتظهر حقيقة حياته عند وفاته؛ حيث يصل بذلك إلى رتبة الحياة الأصليّة-و هي حياة اللّه تعالى-دون من كان حياته بنفسه،فإنّه ميّت في حين حياته.

ب-و مثلها(27) وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ و فيها بحوث:

1-فالمراد بها أيضا المؤمن و الكافر بقرينة ما قبلها و ما بعدها،و هي: وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ* وَ لاَ الظُّلُماتُ وَ لاَ النُّورُ* وَ لاَ الظِّلُّ وَ لاَ الْحَرُورُ* وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ إِنَّ اللّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ* إِنْ أَنْتَ إِلاّ نَذِيرٌ فاطر:19 -23.

2-و هكذا فسّروها،فعن ابن عبّاس:«يعني المؤمنين و الكافرين في الطّاعة و الكرامة».

و عنه:«هي مثل ضربه اللّه لأهل الطّاعة و المعصية، ثمّ استشهد بما بعدها من الآيات.و كذلك عن قتادة و غيره ممّن جاء بعده،فلاحظ النّصوص.و منهم الطّبريّ إذ قال:«و كلّ هذه أمثال ضربها اللّه للمؤمن و الإيمان، و الكافر و الكفر».و الزّمخشريّ إذ قال:«الأحياء و الأموات مثل للّذين دخلوا الإسلام،و الّذين لم يدخلوا فيه،و أصرّوا على الكفر».

3-و الطّبرسيّ بعد أن فسّرها بالمؤمنين و الكافرين قال:«و قيل:يعني العلماء و الجهّال».و ذكره البروسويّ أيضا قائلا:«إنّ تشبيه الجهلة بالأموات شائع،و منه قوله:

لا تعجبنّ الجهول خلّته فإنّه الميّت ثوبه كفن

ثمّ علّله بأنّ الحياة المعتبرة هي حياة الأرواح و القلوب بالحكم و المعارف،و لا عبرة بحياة الأجساد بدونها،لاشتراك البهائم فيها.

4-و قد ربطها الفخر الرّازيّ بما قبلها من الآيات؛ حيث قال:«و لمّا بيّن الهدى و الضّلالة،و لم يهتد الكافر، و هدى اللّه المؤمن.ضرب لهم مثلا بالبصير و الأعمى، فالمؤمن بصير حيث أبصر الطّريق الواضح،و الكافر أعمى»ثمّ طرح في تفسير الآية مسائل:

الأولى:ما الفائدة في تكثير الأمثلة؟ثمّ شرحها بأنّ المؤمن بصير و الكافر أعمى،و أنّ البصير و إن كان حديد البصر لا يبصر شيئا،إن لم يكن في ضوء،و الإيمان نور و الكفر ظلمة.

و أنّ المؤمن بإيمانه في ظلّ و راحة،و الكافر بكفره في حرّ و تعب.

و أنّ حال المؤمن و الكافر فوق حال البصير و الأعمى،فالأعمى يشارك البصير في إدراك ما،و الكافر غير مدرك إدراكا نافعا،فهو كالميّت،و لهذا أعاد الفعل- لا يستوى-فيهما دون الظّلّ و الحرور؛حيث قال: ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ.

و قال الطّباطبائيّ: «الجمل المتوالية المترتّبة تمثيلات للمؤمن و الكافر و تبعات أعمالهما».

الثّانية:كرّر كلمة النّفي(لا)بين جميع المتضادّين سوى(الأعمى و البصير)،لأنّ التّكرير للتّأكيد في مضادّتها بحيث لا يجتمع المتضادّان منها.أمّا(البصير و الأعمى)قد يجتمعان فشخص واحد بصير و هو بعينه

ص: 833

أعمى-كأنّه أراد أنّ إحدى عينيه بصير و الأخرى أعمى-فلا منافاة بينهما إلاّ من حيث الوصف،و المنافاة في غيرهما ذاتيّة-و قد شرحها-.

و عندنا أنّ الوجه هو ذكر(الأعمى و البصير)في الأوّل و الباقي عطف عليها،و تكرار النّفي غالبا في المعطوف دون المعطوف عليه.

الثّالثة:«قدّم الأشرف في مثلين و هما(الظّلّ و الأحياء)،و أخّره في مثلين و هما(البصير و النّور)،فقال المفسّرون:«إنّه لتواخي أواخر الآي،و هو ضعيف،لأنّ تواخي الأواخر راجع إلى السّجع،و معجزة القرآن في المعنى لا في مجرّد اللّفظ».

و الأوّل هو الوجه عندنا،لأنّ رويّ السّورة الرّاء، و جاء في خلالها(الباء،و الميم،و النّون،و الرّاء)فلاحظ، و لأنّ الإعجاز البلاغيّ للقرآن الكريم له علاقة باللّفظ و المعنى معا،فلاحظ وجوه الإعجاز القرآنيّ.و هذا الكلام من المحقّق الرّازيّ عجيب.

الرّابعة:قابل الأعمى بالبصير،و الظّلّ بالحرور مفردا فيهما،و قابل الظّلمات جمعا بالنّور مفردا،و الأحياء بالأموات جمعا فيهما،لأنّه قابل الجنس بالجنس في الأوّلين و لم يذكر الأفراد،لأنّ في الجنسين من المثالين قد يوجد فرد يساوي فردا من الجنس الآخر كالبصير الغريب في مكان،و الأعمى من أهله،و قد يصل الأعمى إلى مقصد،و لا يصل البصير إليه،و لأنّ الأعمى عنده من الذّكاء ما يساوي به البليد البصير،فالتّفاوت بينهما في الجنس لا في الأفراد.

و أمّا(الأحياء و الأموات)فالتّفاوت بينهما أكثر؛إذ لا يساوي ميّت في الإدراك حيّا أبدا.سواء قابلت الجنس بالجنس أو الفرد بالفرد.

و أمّا الظّلمات و النّور فالحقّ واحد و هو التّوحيد، و الباطل كثير و هو طرق الإشراك،ففي الظّلمات كلّها لا تجد فيها ما يساوي النّور.ثمّ حوّل ذلك إلى قوله:

وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1،لاحظ:«ظ ل م و ن و ر».

و عندنا أنّ ما ذكره-متباهيا بهداية اللّه إيّاه-و إن كان دقيقا و لطيفا إلاّ أنّ فيه تكلّفا.و الظّاهر أنّ ذلك كلّه من التّفنّن في بيان المراد عند البلغاء،و له نظائر في القرآن الكريم.

و عند أبي السّعود:أوثر الجمع فيها تحقيقا للتّباين بين أفراد الفريقين.و عند ابن عاشور:هذا تفنّن في الكلام بعد إفراد ما قبلهما،لأنّ المفرد و الجمع سواء في المعرّف بلام الجنس.

5-وجه إظهار الفعل في وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ -بعد ما كان مقدّرا في جملتين قبلها عند الفخر الرّازيّ-كما سبق-التّأكيد على أنّ حال المؤمن و الكافر فوق حال البصير و الأعمى و ما بعدهما.

و عند ابن عاشور،لأنّ التّمثيل فيها عاد إلى تشبيه حال المسلمين و الكافرين-و هو المراد بهذه الأمثلة- فهذا ارتقاء في تشبيه المؤمن بالبصير،و الكافر بالأعمى إلى تشبيه المؤمن بالحيّ،و الكافر بالميّت.و نظيره: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَ النُّورُ الرّعد:16.

و عند الطّباطبائيّ: كرّر الفعل لطول الفصل لئلاّ يغيب

ص: 834

المعنى عن ذهن السّامع،و نظيره: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ -إلى أن قال - كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ التّوبة:8.

6-قال البروسويّ في وجه التّمثيل:إنّ المؤمن ينتفع بحياته؛إذ ظاهره ذكر و باطنه فكر،دون الكافر إذ ظاهره عاطل و باطنه باطل.

و قال ابن عاشور:«فلمّا كانت الحياة هي مبعث المدارك و المساعي كلّها،و كان الموت قاطعا للمدارك و المساعي شبّه الإيمان بالحياة في انبعاث خير الدّنيا و الآخرة منه،و في تلقّي ذلك و فهمه.و شبّه الكفر بالموت في الانقطاع عن الأعمال و المدركات النّافعة كلّها،و في عدم تلقّي ما يلقى إلى صاحبه،فصار المؤمن شبيها بالحيّ مشابهة كاملة،لمّا خرج من الكفر إلى الإيمان،فكأنّه بالإيمان نفخت فيه الحياة بعد الموت،كما أشار إليه في:

أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:121،و كان الكافر شبيها بالميّت ما دام على كفره.

7-نبّه ابن عاشور على نكتة لطيفة في الآية:و هي أنّه شبّه في موضعين-الأوّل و الأخير-المؤمن و الكافر، و اكتفى به عن تشبيه الكفر و الإيمان لتلازمهما،و عكس في موضعين-الثّاني و الثّالث-حيث شبّه فيهما الإيمان بالظّلّ و النّور،و الكفر بالحرور و الظّلمات،و ذلك لأنّ وجه الشّبه في كلّ من الموضعين أوضح،فتشبيه المؤمن و الكافر بالبصير و الأعمى،و بالأحياء و الأموات أظهر من تشبيه الإيمان و الكفر بالبصير و الأعمى،و بالحياة و الموت،و بالعكس تشبيه الإيمان بالظّلّ و النّور،و الكفر بالحرور و الظّلمات أظهر من تشبيه المؤمن و الكافر بمن هو في الحرور و الظّلمات.

8-و قد أكّد تشبيه الكافر فقط-دون المؤمن- بالميّت بقوله في ذيل الآيات: وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ* إِنْ أَنْتَ إِلاّ نَذِيرٌ، حيث شبّهه بالميّت المقبور الّذي مضى على موته زمن حتّى قبر،و لا يقدر النّبيّ على هدايته؛لأنّه منذر فحسب.أمّا في جانب المؤمن فاكتفى بقوله: إِنَّ اللّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ من دون تشبيه.

و الفرق بينهما أنّ سوق الآيات في إدانة الكافر،فالتّأكيد عليه أبلغ.

ج-و مثلها(149): إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ.

و(149)،و(151)، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا، فإنّ المراد بالحياة فيها جميعا الإيمان،و بالهلاك في(150)الكفر.

د-و قد سبق أنّ بعضهم عمّم الحياة و الموت في بعض الآيات مثل: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، و أوّلها بالكفر و الإيمان و الهداية و الضّلالة،و ليس بعيدا.

ه-الحياة الطّيّبة(148): مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً... و فيها بحوث:

1-هل هي في الدّنيا،أو في القبر،أو في الآخرة، و اختار أكثرهم الأوّل لقوله بعدها: لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ، فهي جزاء الآخرة،و الأولى جزاء الدّنيا، فجمع لهم جزاء الدّنيا و الآخرة.و نظيرها: فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ آل عمران:148.

2-ثمّ اختلفوا في تفسيرها بالقناعة،و الرّضا، و السّعادة،و العيشة الطّيّبة،و الرّزق الحسن،و الرّزق

ص: 835

الحلال،و رزق الكفاف،و رزق يوم بيوم،و تيسير صالح الأعمال،و تصفية حياته من الهموم و الآفات،و العيش في الطّاعة،و نشاط نفوسهم و نيلها،و قوّة رجائهم،و نحوها.

و كلّها راجع إلى المعيشة الحسنة في الدّنيا.

و اختار الطّبريّ-من بين الأقوال الّتي ذكرها- القناعة في الدّنيا،مستشهدا بأنّ اللّه أوعد قوما قبلها على معصيتهم إيّاه،بأنّه أذاقهم السّوء في الدّنيا و العذاب في الآخرة،فقال: وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. فينبغي أن يذكر لمن آمن و عمل صالحا جزاء الدّنيا و الآخرة أيضا.لكنّه لم يبيّن ربط القناعة في الدّنيا-الّتي اختارها-بجزاء الدّنيا و الآخرة فلاحظ.

و قد أشار الطّوسيّ إلى قول الطّبريّ-من دون أن يسمّيه-مرتضيا به.

و اختاره الزّمخشريّ و غيره أيضا موضّحين:أنّ مع القناعة و الرّضا بقسمة اللّه يطيب العيش،و إن كان معسرا،و الفاجر بالعكس،فإنّه و إن كان موسرا فالحرص لا يدعه أن يتهنّأ بعيشه.

و عن ابن عطيّة:أنّ طيب الحياة للصّالحين بنشاط نفوسهم و قوّة رجائهم.و الرّجاء للنّفس أمر ملذّ،و أنّهم احتقروا الدّنيا فزالت همومها عنهم.

3-و قد أعلن الفخر الرّازيّ: أنّ عيش المؤمن في الدّنيا أطيب من عيش الكافر بوجوه:

منها:أنّه لمّا عرف أنّ رزقه بيد اللّه و عرفه أنّه كريم لا يفعل إلاّ الصّواب كان راضيا كلّ الرّضا،بخلاف الجاهل فلا يعرف ذلك،فهو دائما في حزن و شقاء.

و منها:أنّ المؤمن راض بقضاء اللّه و يقدّر وقوع المصائب و لا يعظّمها فتسهل عليه،و الجاهل غافل عنها فيعظم تأثير المصائب في قلبه.

و نظيره ما حكاه القاسميّ عن البهائميّ: «أنّ المؤمن المعسر يتلذّذ بعمله في الدّنيا فوق تلذّذ صاحب المال و الجاه،و لا يبطل تلذّذه إعساره؛إذ يرضيه اللّه بقسمته فيقنعه،و يقلّ اهتمامه بحفظ المال و تنميته.و الكافر لا يتهنّأ عيشه بالمال و الجاه؛إذ يزداد حرصا و خوف فوات».ثمّ أطال القاسميّ نفسه الكلام في هذا المجال، فلاحظ.

و منها:أنّ قلب المؤمن منشرح بنور معرفة اللّه،فلا يتّسع للأحزان،و قلب الجاهل خال عن معرفة اللّه فيصير مملوء من الأحزان.

و منها:أنّ المؤمن يرى الحياة الجسمانيّة خسيسة،فلا يعظم فرحه بها و غمّه بفقدانها،و الجاهل لا يعرف سعادة سواها،فلا جرم يعظم فرحه بها و غمّه بفقدانها.

و منها:أنّ أمور الدّنيا واجب التّغيّر حتّى عند وصولها،فلا يقيم المؤمن لها وزنا،بخلاف الجاهل حيث يطبع قلبه عليها،و يعانقها معانقة العاشق لمعشوقه، فيحترق قلبه بزوالها.

4-كلّ ما ذكر راجع إلى حالات نفسانيّة عالية للمؤمنين.لكنّ العرفاء تجاوزوا عنها إلى القرب باللّه، فقال القشيريّ: «لا يعرف الحياة الطّيّبة بالنّطق،و إنّما يعرف بالذّوق.[ثمّ ذكر بعض تلك الوجوه،و أضاف:]

و قوم قالوا:إنّه نسيم القرب.و الكلّ صحيح،و لكلّ

ص: 836

واحد أهل.و يقال:الحياة الطّيّبة ما يكون مع المحبوب، و في معناه قالوا:

نحن في أكمل السّرور و لكن

ليس إلاّ بكم يتمّ السّرور

عيب ما نحن فيه يا أهل ودّي

أنّكم غيّب و نحن حضور

ثمّ ذكر أنّ الحياة الطّيّبة للأولياء أن لا تكون لهم حاجة،و لا سؤال،و لا أرب،و لا مطالبة.و فرق بين من له إرادة فترفع،و بين من لا إرادة له فلا يريد شيئا.

و الأوّلون قائمون بشرط العبوديّة،و الآخرون معتقون بشرط الحرّيّة».

و نظيره ما روي عن الإمام الصّادق عليه السّلام في الحياة الطّيّبة:«هي المعرفة باللّه،و صدق المقام بين يدي اللّه».

و نقول:الأوّلون يعيشون مع النّاس سعيدين،و هم أصحاب اليمين،و لهم حاجات من اللّه و من النّاس.

و الآخرون يعيشون مع اللّه،و هم المقرّبون السّابقون السّابقون،و لا حاجة لهم إلاّ إلى اللّه،و هي مزيد القرب و الوصل،و هم الّذين اطمأنّوا بذكر اللّه: أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرّعد:28.

نعم أصحاب اليمين قد يحبّون الارتقاء إلى درجة المقرّبين و العيش مع اللّه،و الخلاص من العيش مع النّاس و الحاجة إليهم،فهم المرجون لأمر اللّه،ينتظرون الإذن من اللّه للدّخول في صقع الرّبوبيّة و عالم القرب،و لهم حاجة واحدة،و هي إراءة الطّريق من اللّه،و قلوبهم تنبض لذلك و لسان حالهم:

دلّني أين الطّريق إلى المعالي يا صديق

و يدعون اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الفاتحة:

5،و يجابون: يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ النّور:35.

5-و في هذا المجال العرفانيّ جاء في«التّأويلات النّجميّة»في تأويل(148) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى: «أنّ الذّكر إشارة إلى القلب،و الأنثى إلى النّفس.

و العمل الصّالح من النّفس استعمال الشّريعة بتقوى اللّه، و صدقه على وفق الطّريقة،تزكية عن صفاتها الذّميمة و أفعالها الطّبيعيّة.و العمل الصّالح من القلب حسن توجّهه إلى اللّه بالكلّيّة،لطلب اللّه و الإعراض عمّا سواه،تصفية للتّحلية بصفات اللّه،و التّخلّق بأخلاقه.

و يشير بالحياة الطّيّبة إلى إحياء كلّ واحد من النّفس و القلب بالحياة الطّيّبة على قدر صلاحيّة عمله،و حسن استعداد في قبولها.

فإحياء النّفس بهذه الحياة:تزكيتها عن الذّمائم، و تحليتها بأخلاق القلب مطمئنّة بذكر اللّه،راجعة إلى ربّها راضية مرضيّة.و إحياء القلب بهذه الحياة:التّخلّق بأخلاق اللّه،و الفناء عن أنانيّته بهويّته حيّا بحياته،طيّبا عن دنس الاثنينيّة،و لوث الحدوث،فإن طيّب عن هذه الصّفات،فلا يقبل إلاّ طيّبا».

و أضاف:«إنّ صلاحيّة أعمال العباد على قدر صدقهم في العاملات،و حسن استعدادهم في قبول الفيض الإلهيّ،فيكون طيب حياتهم بإحياء اللّه إيّاهم بحسب ذلك».

و قد اختار سيّد قطب أيضا قريبا من ذلك فقال:«في الحياة الطّيّبة الاتّصال باللّه و الثّقة به،و الاطمئنان إلى رعايته و ستره و رضاه.و فيها الصّحّة و الهدوء و الرّضى

ص: 837

و البركة و سكن البيوت و مودّات القلوب،و فيها الفرح بالعمل الصّالح،و آثاره في الضّمير،و آثاره في الحياة...

و ليس المال إلاّ عنصرا واحدا يكفي منه القليل،حين يتّصل القلب بما هو أعظم و أزكى و أبقى عند اللّه».

6-أمّا الطّباطبائيّ فتقديره للحياة الطّيّبة مبنيّ أوّلا:

على أنّها حياة جديدة خاصّة بالمؤمن الّذي يعمل الصّالحات،غير ما يشاركه النّاس من الحياة العامّة، و ليس تغيير صفة الحياة،و تبديل الحياة الخبيثة بالحياة الطّيّبة،و لو كان كذلك لما قال: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً، بل قال:«فلنطيّبنّ حياته»فهي نظير(38) أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ، و تفيد ما يفيده من تكوين حياة جديدة.

و ثانيا:أنّها ليست حياة مجازيّة-كما اخترنا-بل حقيقيّة،لأنّ آثارها الحياة الحقيقيّة في: وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ، و في مثل: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ المجادلة:22.و أيضا له من العلم و الإدراك ما ليس لغيره،و كذلك له موهبة القدرة على إحياء الحقّ و إماتة الباطل ما ليس لغيره.

[و استشهد له بآيات و أضاف:]

و هذا العلم و القدرة الحديثان يمهّدان له أن يرى الأشياء كما هي،فيقسمها إلى حقّ و باطل،فيعرض عن الباطل الّذي هو الفاني،أي الحياة الدّنيا،و يعتزّ بعزّة اللّه، فلا يستذلّه الشّيطان بوساوسه،و لا النّفس بأهوائها،و لا الدّنيا بزخارفها،لما يشاهده من أمتعتها،و يتعلّق قلبه بربّه،فلا يريد إلاّ وجهه،و لا يحبّ إلاّ قربه،و لا يخاف إلاّ سخطه،فيرى لنفسه حياة طاهرة خالدة،لا يدبّر أمرها إلاّ ربّه الغفور.فيجد في قلبه من البهاء و الكمال و القوّة ما لا يقدّر بقدر.هذا ما ينطق به آيات كثيرة تحكي عن حياة جديدة حقيقيّة غير مجازيّة».

ثمّ حمل تفسيرها بالقناعة في الرّوايات على أنّها أحد مصاديقها.و تفسيرها بالرّضا بقسم اللّه قريبا بما ذكره،فلاحظ.

7-و أمّا مغنيّة و فضل اللّه فقد رجّحا أنّ الحياة الطّيّبة هي الحياة في الجنّة،فمغنيّة استغرب خلافهم فيها، و استشهد بآيات تذمّ الحياة الدّنيا مثل: وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ [إلى أن قال:] ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ الزّخرف:33-35.

و أيّده بأنّ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ في الآية عطف على فَلَنُحْيِيَنَّهُ، و تأكيد له مثل: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ النّحل:105.

و أمّا فضل اللّه فحكى كلام سيّد قطب و الطّباطبائيّ في حمل الآية على حياة الأولياء في الدّنيا،و قال:«إنّها تفسير جميل و تحليل جيّد للمعاني الرّوحيّة الّتي يختزنها الإيمان في نفس المؤمن العامل بالصّالحات،و يثيرها في مشاعره و أجوائه.و لكنّ العامل بالصّالحات،و يثيرها في مشاعره و أجوائه.و لكنّ المسألة هي التقاء هذا التّحليل مع سياق الآية الّتي وردت لبيان الجزاء الّذي يمنحه اللّه للإنسان الّذي يعمل الصّالحات و هو مؤمن،ممّا يوحي بأنّ هذه الحياة الّتي يمنحها اللّه له مفصولة عن الواقع الّذي يعيشه الآن،و ليست حالة وجدانيّة أو عمليّة في دائرته».

ص: 838

ثمّ ذكر أنّ ما ذكره المفسّران،هو من آثار الإيمان، بينما تعتبر الآية أنّ الحياة الطّيّبة جزاء العمل،و أنّ الأقرب أنّ المراد بها:الدّار الآخرة.

و قد طوّلنا الكلام في«الحياة الطّيّبة»و هي بعد تحتاج إلى بيان أوفى.و الحقّ أنّ لها مراتب و درجات و أشرفها قدرا و أعلاها رتبة:أن يعيش الإنسان مع اللّه،كما ذكرنا في حياة الشّهداء.

الصّنف الثّالث من المعاني المجازيّة للحياة:هي الحياة الدّنيا في(84-145)،و جميعها ذمّ للحياة الدّنيا إلاّ لمن آمن باللّه و عمل صالحا.و قد أراد بها هذه الدّار الفانية مجازا في قبال الدّار الآخرة-كما أنّ إطلاق الدّار عليهما مجاز أيضا-لأنّ معناها الحقيقىّ-كما سبق-هو حياة الحيوان.و قد جاءت الحياة الدّنيا في الآيات بأنحاء مختلفة:

الأولى:ما فيها البشرى للمؤمنين خاصّة،مثل:

(103) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ، و(102) قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ، و(104) إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، و(119) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ...، و(96) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ.

الثّانية:تمثيل الحياة الدّنيا بماء أنزله اللّه من السّماء، فاختلط به نبات الأرض في(105)و(106).وجه التّمثيل هو عدم بقاء الحياة الدّنيا،و أنّها معرضة للفناء فجأة،فالمشبّه به مجموع نزول المطر و إنبات النّباتات.

و كونها هشيما تذروه الرّياح.و ليس هو المطر أو النّبات أو غيرهما ممّا ذكره الطّبرسيّ،و الفخر الرّازيّ و غيرهما من الوجوه،فلاحظ.

الثّالثة:حصر الحياة في الدّنيا،و نفي الحياة الآخرة- نقلا عن المشركين-في(101): إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ.

الرّابعة:إيثار الدّنيا على الآخرة(112 و 113):

اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ، ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ، و(117) فَأَمّا مَنْ طَغى* وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا، و(118) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ، و(122) أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ، و(124) وَ فَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ مَتاعٌ.

الخامسة:من يريد زينة الحياة الدّنيا(140-145):

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها... و نحوها.

السّادسة:الحياة الدّنيا لعب و لهو:(136-139).

و قد قدّم اللّهو على اللّعب في واحدة منها(137) وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ، و أخّر عنه في ثلاث كما جاء مثلهما في(130 و 132)أيضا اِتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً، و اِتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً بالتّقديم و التّأخير.

السّابعة:الحياة الدّنيا متاع الغرور فلا يغرّنّكم:

(121) وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ، و(130- 135) وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا، و نحوها.

الثّامنة: وَ ما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا (125-127).

ص: 839

لاحظ:م ت ع:«المتاع»،و:ز ي ن:«الزّينة»،و:

غ ر ر:«الغرور»،و:ل ع ب:«لعب»،و:ل ه و:«لهو».

الصّنف الرّابع:الحياة في الدّار الآخرة:(137) وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ و فيها بحوث:

1-جاء فيها فقط«الحيوان»بدل«الحياة»و هو كالطّيران،و النّزوان،و الغليان،قال أبو عبيدة:«الحيوان و الحياة واحد،و هما مصدران:حيّ حياة و حيوانا»مجمع البيان(4:292).

2-و يبدو أنّ في«الحيوان»تأكيدا و مبالغة ليس في «الحياة»كما صرّح به الفخر الرّازيّ(25:92)،و أشار إليه الطّبرسيّ(2:297)،حيث قال:«أي الحياة على الحقيقة،لأنّها الدّائمة الباقية الّتي لا زوال لها و لا موت فيها».

3-و وجه كونه مجازا أنّ الحياة مصدر،و دار الآخرة عالم،و لهذا قال الطّبرسيّ: «و تقديره:إنّ الدّار الآخرة لهي دار الحيوان،أو ذات الحيوان،لأنّ الحيوان مصدر، فحذف المضاف،و أقيم المضاف إليه مقامه».

الصّنف الخامس:في القصاص حياة:(147) وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ و المراد أنّ القصاص و إن كان فيه موت الجانيّ و هو ضدّ الحياة،إلاّ أنّه موجب لسلامة المجتمع،فعبّر عن ذلك بالحياة.و في هذه الآية أسرار بلاغيّة و نكات أدبيّة،فلاحظ«ق ص ص:القصاص».

و نظيرها إبقاء حياة المجتمع بحفظ نفس محترمة،أو قتل المجتمع بقتلها في(34): مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها -أي منع من قتلها- فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً، لاحظ «ن ف س:نفس»،و«ق ت ل:قتل».

و نظيرها أيضا(146)في وصف اليهود:

وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ، فالمراد بالحياة فيها:البقاء في الدّنيا.

الصّنف السّادس:إبقاء حياة النّفوس(60-65)، و كلّها راجع إلى ما أمر فرعون قومه ليقتلوا أبناء بني إسرائيل و ذكورهم و يستحيوا نساءهم.و فيها بحوث:

1-قد فسّروها باستبقاء نساءهم،أي لا يقتلوهنّ، و باستخدام نساءهم،و إبقائهنّ للاسترقاق و للإذلال و للخدمة،و لغير ذلك من الأغراض الفاسدة،و اطلبوا حياتهنّ،و أبقوهنّ أحياء،و اتركوهنّ من القتل و نحوها.

و عن الفخر الرّازيّ و غيره:يفتّشوا حياء المرأة أي فرجها هل بها حمل أم لا؟و عليه فهو من الحياء لا الحياة، و قد أبطله الفخر بأنّ ما في بطونهنّ إذا لم يكن للعيون ظاهرا لم يعلم بالتّفتيش،و لم يوصل إلى استخراجه يد.

و قال ابن عاشور:«و هذا بعيد جدّا،و أحسن منه أن لو قال:إنّه كناية».

2-و وجه كونها مجازا أنّ الاستحياء بمعنى طلب الحياة،فكنّي به عن إبقائهنّ أحياء.

3-جاء في ثلاث منها(61-63) يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ. و جاء في ثلاث بعدها(61-63):

يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ، و في(62) يُقَتِّلُونَ بدل يُذَبِّحُونَ. و جاء في(64) يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ، بدل يَسُومُونَكُمْ سُوءَ

ص: 840

اَلْعَذابِ، و جاء يُذَبِّحُونَ و يَقْتُلُونَ كلاهما بالتّشديد تأكيدا و تفسيرا ل سُوءَ الْعَذابِ. و قد نسب ذلك في ثلاث منها(60)و(64)و(65)إلى فرعون أو إلى أمره،و في الباقي إلى قومه،و ذلك كلّه تفنّن في اللّفظ من دون تفاوت في المعنى،و نظيره كثير في القرآن،و لا سيّما طيّ القصص.

4-و قال ابن عاشور:«إنّ هذا الاستحياء للإناث كان المقصد منه خبيثا،و هو أن يعتدوا على أعراضهنّ، و لا يجدن بدّا من الإجابة بحكم الأسر و الاسترقاق، فيكون وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ، كناية عن استحياء خاصّ،و لذلك أدخل في الإشارة في قوله: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ. و لو كان المراد من الاستحياء ظاهره لما كان وجه لعطفه على تلك المصيبة».

و قال الطّوسيّ: «و إنّما كان في استحياء النّساء محنة عليهم و بلوى لهم،لأنّهم كثيرا ما يستعبدون و ينكحن على الاسترقاق،فهو على رجالهنّ أعظم من قتلهنّ.

و قيل:إنّهنّ كنّ يستبقين للإذلال،و الاستبقاء محنة،كما أنّ من أحيي للتّعذيب فحياته نقمة،و من أحيي للتّلذّذ فحياته نعمة».

5-و قال أبو حيّان:«و قدّم الذّبح على الاستحياء، لأنّه أصعب الأمور و أشقّها،و هو أن يذبّح ولد الرّجل و المرأة اللّذين كانا يرجوان النّسل،و الذّبح أشقّ الآلام.

و استحياء النّساء على القول الأوّل-و هو استبقاؤهنّ أحياء-ليس بعذاب،لكنّه يقع العذاب بسببه من جهة إبقائهنّ خدما،و إذاقتهنّ حسرة ذبح الأبناء،إن أريد بالنّساء الكبار،أو ذبح الإخوة إن أريد الأطفال،و تعلّق العار بهنّ إذ يبقين نساء بلا رجال،فيصرن مفترشات لأعدائهنّ».

6-و قال الطّبريّ: «و جائز أن تسمّى الطّفل من الإناث في حال صباها و بعد ولادتها امرأة،و الصّبايا الصّغار-و هنّ أطفال-نساء،لأنّهم تأوّلوا وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يستبقون الإناث من الولدان عند الولادة،فلا يقتلوهنّ».

7-و قال فضل اللّه:«و قد نلاحظ أنّ هؤلاء الطّغاة لم يأمروا بقتل المؤمنين أنفسهم،بل بقتل أولادهم في سبيل الضّغط عليهم،ممّا قد يوحي أنّ هناك مانعا يمنع إجراء كهذا،و هو الإجراء الطّبيعيّ في مثل هذه الحالات».

8-و قد جاء في النّصوص حديث قتل بني إسرائيل و تعذيبهم سوء العذاب تفصيلا،فلاحظها و لاحظ «إسرائيل».

المحور الثّاني من هذه المادّة:الحياء في ثلاث آيات:(157-159).و قد نفى اللّه في(159)الحياء عن اللّه، إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها، و كذا في ذيل(158)،و أثبتها في صدرها للنّبيّ عليه السّلام: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، و كذا أثبتها لابنة شعيب في (157): فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ.

و قد جاء«الحياء»في الآيات جميعا من «الاستفعال»كأنّ المستحيي حينما عرض له موجب الحياء يطلب الحياء،ليعينه على تحمّل مشقّة ما عرض له من حالة الانقباض،و فيه تأكيد ليس في مجرّده،و في كلّ منها بحوث:

ص: 841

أوّلا في(157):

1-فسّروا عَلَى اسْتِحْياءٍ فيها بأنّها وضعت كمّها،أو يدها على وجهها،أو على جبينها،أو سترت وجهها بثوبها،أو بكمّ درعها،أو معرضة عن عادة النّساء الخفرات،أو تمشي غير متبخترة و لا متثنّية،و لا مظهرة زينة.و ليست هذه القيود في الآية،و إنّما فسّروها حسب المأثور.

2-قالوا:جاء نكرة للتّفخيم،أي حياء بارزا يعرفه منها كلّ من نظر إليها.و المراد منها ظهور التّعفّف من مشيتها.

3-قالوا:(على)للاستعلاء المجازيّ مستعارة للتّمكّن من الوصف.

4-و هي متعلّقة بمحذوف هو حال من ضمير (تمشى)أي جاءته تمشي كائنة على استحياء،فمعناه أنّها كانت على حالتي المشي و المجيء معا،لا عند المجيء فقط.

5-قد سبقت منّا في تعيين المراد ب(إحداهما)نكتة لطيفة،فلاحظ«أ ح د».

ثانيا:جاء في(158)و(159): وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، و إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً، و فيهما بحوث:

1-الحياء:حالة عارضة منشأها ضعف النّفس،فاللّه تعالى بريء منها،و لا سيّما في بيان الحقّ،لأنّ هداية النّاس إلى الحقّ من جملة فضله و فيضه و رحمته،فلا يتحاشى عنها حياء من صغر بعوضة فما فوقها،أو من أن يأمر الصّحابة بالخروج من بيت النّبيّ إذا طعموا.

و أمّا النّبيّ فيعرضه الحياء من أن يخرجهم من بيته لا لضعف نفسه،بل لحرمة أصحابه،لأنّه إخراجهم من بيته تحقير لهم،و إن كان حقّا له عليه السّلام.أمّا أمر اللّه بالخروج فتأديب لهم كسائر تشريعاته تعالى،و ليس فيه تحقير لأحد،و إن كان سياق الآية إدانة لهم من إيذاء النّبيّ عليه السّلام، و عدم رعايتهم مقامه المنيع،و الحرمة اللاّئقة به،و الأدب المستحقّ له،مع أنّه عليه السّلام كان يرعى الأدب غير المستحقّ لهم.قال الزّجّاج:«و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يحتمل إطالتهم كرما منه،فيصبر على الأذى في ذلك،فعلّم اللّه من يحضره الأدب،فصار أدبا لهم و لمن بعدهم».و قال الزّمخشريّ:«و هذا أدب أدّب اللّه به الثّقلاء».

2-جاز(يستحيي)بيائين و(يستحي)بياء واحدة تخفيفا لثقل الياءين،كذا عن الزّجّاج و غيره،و بهما قرئت.

3-و قد تكلّف الزّمخشريّ و غيره في فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ تقدير مضاف،أي من إخراجكم،بدليل وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، أي إنّ إخراجكم حقّ ما ينبغي أن يستحيا منه.و نحن لا نلتزم بهذا التّقدير بل هو مفهوم من سياق الكلام.

4-و قال الطّبريّ: «طول مقامكم في منزله يؤذيه لضيق منزله...».و لا نرى وجها لتعليله بضيق منزله،بل هو رحمة له و إن توسّع منزله.

5-قال أبو السّعود و غيره:«و التّعبير عنه بعدم الاستحياء للمشاكلة»،و نقول:المشاكلة تقال فيما إذا أثبت الاستحياء له تعالى،لا إذا نفى عنه فإنّه حقّ لا مشاكلة فيه.

و أضاف الآلوسيّ:«و جوّز أن يكون الكلام على

ص: 842

الاستعارة أو المجاز المرسل،و اعتبار تقدير المضاف ممّا ذهب إليه الزّمخشريّ و كثير،و هو الّذي يعوّل عليه»، و هو مثل سابقه.و كذا ما جاء عن«الكشف»و ابن عاشور من المناقشة و جوابها،فلاحظ.

6-أشار ابن عاشور في: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ إلى نكات أدبيّة و تشريعيّة بعضها موضع نظر:

أ-إنّ حرمة أذى النّبيّ كانت مقرّرة في نفوسهم فلم ينه عنه،بل نبّه على أنّ سكوته عليه السّلام ليس عن رضى منه لمكثكم في بيته،بل ناشئ عن استحيائه.

ب-بدأت ب(إنّ)للاهتمام به،و بإقحام فعل(كان) لإفادة تحقيق الخبر.

ج-جاء(يؤذى)بصيغة المضارع دون اسم الفاعل لقصد إفادة أذى متكرّر،و التّكرير كناية عن الشّدّة.

و عندنا أنّه ليس تكريرا بل دواما،و هو مستفاد من كانَ يُؤْذِي.

د-التّفريع في فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ تفريع على مقدّر دلّت عليه القصّة،و التّقدير:فيهمّ بإخراجكم فيستحيي منكم؛إذ ليس الاستحياء مفرّعا على الإيذاء،و لا هو من لوازمه.

ه-(منكم)متعلّقة ب(يستحيى)على تقدير مضاف،أي يستحيي من إعلامكم بأنّه يؤذيه.و لا ضرورة في هذا التّقدير كما اعترف هو به تلوا.

و-و قد اعترف بأنّ تعدية المشتقّات من مادّة (الحياء)إلى الذّوات شائع يساوي الحقيقة،لأنّ الاستحياء يختلف باختلاف الذّوات،ففي«أردت أن أفعل كذا فاستحييت من فلان»يجوز التّعليق بذات فلان حقيقة،أو يجوز التّعليق بالأحوال الملابسة.و على الأوّل (من)للتّعليل،و على الثّاني للابتداء،و في«الكشّاف» مجاز أو توسّع،و في«الكشف»بالعكس.و عندنا-كما اعترف به-أن كليهما حقيقة.

ز-جاء(يستحيى)مضارعا مفرّعا على يُؤْذِي النَّبِيَّ، ليدلّ على ما دلّ عليه المفرّع عليه،و جاء وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي جملة اسميّة،و لم يقل:(و لا يستحيى اللّه من الحقّ)للدّلالة على أنّ هذا الوصف ثابت دائم للّه،لأنّ الحقّ من صفاته،فانتفاء ما يمنع تبليغه هو أيضا من صفاته،لأنّ كلّ صفة يجب اتّصاف اللّه بها،فإنّ ضدّها يستحيل عليه.

ح-(من)في مِنَ الْحَقِّ ليست مثل(من)في فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ، فالأولى للتّعليل،لأنّ الحقّ لا يستحيى منه.و لا فرق بينهما عندنا،لأنّ في كلّ منهما تقدير عند القوم،أي لا يستحيى من بيان الحقّ و إعلامه، و يستحيي من إخراجكم.و عندنا أنّ التّقدير في الأوّل لازم دون الثّاني،و هذا هو الفارق بينهما.

ط-التّعريف في(الحقّ)للجنس،و المراد منه الاستغراق مثل(الحمد للّه).

هذه نكات أدبيّة و لغويّة،أمّا التّشريعيّة فأمران:

الأوّل:أنّ سكوت النّبيّ عليه السّلام على الفعل الواقع بحضرته-إذا كان تعدّيا على حقّ لذاته-لا يدلّ على جوازه،لأنّ له أن يسامح في حقّه،و لكن يؤخذ الحظر أو الإباحة في مثله من أدلّة أخرى،كما دلّ على حرمة إيذاء النّبيّ الكتاب و السّنّة،و أجمعوا على تغرير من آذاه.

ص: 843

الثّاني:دلّت الآية على أنّ من واجبات دين اللّه على الأمّة أن لا يستحيي أحد من الحقّ الإسلاميّ في إقامته و في معرفته و في إبلاغه و تعليمه،سوى الحقوق الخاصّة الّتي يرغب أصحابها في إسقاطها أو التّسامح فيها.

المحور الثّالث:التّحيّة في 7 آيات(160-166) و هي قسمان:ثلاث منها في أدب التّحيّة في الإسلام، و أربع في التّحيّة بين أهل الجنّة.و قد سبق أنّ(التّحيّة) مأخوذة من قولهم:«حيّاك اللّه»فقد أخذ فيها معنى الحياة.

الآية الأولى من القسم الأوّل:جاءت في تحيّة المنافقين النّبيّ عليه السّلام خلاف تحيّة اللّه إيّاه،و قبلها و بعدها و صدرها تتحدّث عن النّجوى و إدانة المنافقين بها: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَ يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّهُ وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ، و فيها بحوث:

1-سياق الآيات يحدّثنا أنّ التّركيز فيها على النّجوى،و أنّ إدانتهم بأنّهم حيّوه بما لم يحيّه به اللّه، جاءت في خلال النّجوى المنهيّ عنه،كأنّه قال:نجواهم في غيابك معصية،و تحيّتهم إذا حضروك معصية أيضا.

2-لم يحك اللّه لنا كيف كانت تحيّتهم إلاّ بأنّها كانت خلاف ما يحيّيه به اللّه.و قد جاء في التّفسير المأثور أنّهم كانوا يقولون له:«السّام عليك»بدل«السّلام عليك» و كان يردّ عليهم:«و عليكم»،فلاحظ.نعم إِذا جاؤُكَ دلّت على أنّها كانت تحيّة القدوم و الحضور.

3-و أيضا لم يحك لنا كيف كان اللّه يحيّي النّبيّ عليه السّلام، و إنّما دلّت صيغة المضارع: لَمْ يُحَيِّكَ على دوام تحيّة اللّه إيّاه في الماضي،بما كان ينبغي للمؤمنين أن يتعلّموه، فيحيّوه بمثله،و لكنّهم تخلّفوا عنه إلى غيره.

4-ذكر الزّمخشريّ-و تبعه آخرون-تحيّة اللّه النّبيّ:

وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى النّمل:59، و يا أَيُّهَا الرَّسُولُ المائدة:41 و 67،و يا أَيُّهَا النَّبِيُّ الأنفال:64.و الأولى-كما قال-تحيّة،أمّا الأخيرتان فليستا تحيّة بل خطابا محترما.

و قال ابن عاشور:«إنّ اللّه حيّاه بالسّلام بخصوصه في يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً الأحزاب:56،و حيّاه به في عموم الأنبياء في قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى النّمل:59،و تحيّة اللّه هي التّحيّة الكاملة».

و نقول:لو دلّت بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّهُ أنّها-كما سبق-دلّت على تعليم اللّه المؤمنين كيف يحيّوا النّبيّ عليه السّلام، فآية الأحزاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً كانت تعليما لهم.

5-ذكر أكثرهم أنّها نزلت بشأن اليهود الّذين قالوا هذا للنّبيّ عليه السّلام،و هذا لا يوافق سياق الآيات-و هي خطاب للمؤمنين-بأنّها إدانة لمن ارتكب من المسلمين معصية اللّه في النّجوى و التّحيّة،و كانوا هم المنافقين دون اليهود.و قد نبّه عليه ابن عاشور؛إذ أنكر كونها بشأن اليهود،و أكّد أنّها في أحوال المنافقين.

فقال:«و ما ذكر أوّل هذه الآية لا يليق حمله على أحوال اليهود...و لو حمل ضمير«جاءوك»على اليهود

ص: 844

لزم عليه تشتيت الضّمائر»،و أدام الكلام بأنّ تحيّتهم محمولة إمّا على ما شاع بين العرب من قولهم:«أنعم صباحا»،أو ما قلّدوا فيه اليهود و قالوا:«السّام عليك»، كما قلّدوهم في قولهم له عليه السّلام:(راعنا)،فأنزل اللّه:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا...

البقرة:104.

فيبدو أنّه قد وقع خلط في تفسير الآية بين ما نزل بشأن اليهود،و بين ما نزل بشأن المنافقين التّابعين لليهود.

و كلام الطّبريّ ليس بعيدا عن ذلك أيضا؛حيث قال:«و إذا جاءك يا محمّد هؤلاء الّذين نهوا عن النّجوى -و كانوا معدودين من جملة المسلمين-الّذين وصف اللّه جلّ ثناؤه صفتهم،حيّوك بغير التّحيّة الّتي جعلها لك تحيّة.و كانت تحيّتهم الّتي كانوا يحيّونه بها-الّتي أخبر اللّه أنّه لم يحيّه بها فيها جاءت به الأخبار-أنّهم كانوا يقولون:

السّام عليك».فلم يذكر اليهود بل ذكر الّذين نهوا عن النّجوى،و هم المسلمون دون اليهود.

و يؤيّد ذلك ذيل الآية-و هي حكاية عن المنافقين قطعا-: وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللّهُ بِما نَقُولُ، لاحظ ن ج و:«النّجوى».

الثّانية: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً، و فيها بحوث أيضا:

1-جاء في التّفسير و الحديث أنّ المراد بها السّلام و جوابه،و أنّ السّلام تطوّع،و الجواب فريضة.

2-قد عمّموا الآية لغير المسلمين كالمجوس و أهل الكتاب إذا سلّموا على المسلم،إلاّ أنّه يجيبهم:(و عليك) و لا يزيد.

و عن ابن عبّاس و غيره أنّ الزّيادة بِأَحْسَنَ مِنْها للمسلمين و أَوْ رُدُّوها لأهل الكتاب.و لا دلالة في الآية على ذلك،بل ظاهرها،أنّ كلاّ منهما عامّ،و اختاره الطّبريّ،بل قال:«و ذلك أنّ الصّحاح من الآثار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه أوجب على كلّ مسلم ردّ تحيّة كلّ كافر بأحسن من تحيّته...».

3-في حديث الإمام الصّادق عليه السّلام:«من بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تجيبوه»و في آخر:«إنّ اللّه عزّ و جلّ قال:

إنّ البخيل من يبخل بالسّلام».و في آخر:«إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه،و لا يقول:سلّمت فلم يردّوا عليّ،و لعلّه يكون قد سلّم و لم يسمعهم...».

4-و جاء في الأحاديث:أدب الزّيادة،و أنّ منتهى السّلام الّذي لا يزاد عليه في الجواب هو«السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته».

5-و عن الزّجّاج و الطّوسيّ نقلا عن النّحويّين:«أنّ (الأحسن)هاهنا صفة لا تنصرف،لأنّه على وزن «أفعل»و هو صفة،و التّحيّة هاهنا:السّلام،و هي «تفعلة»من حييت.و زاد الفخر الرّازيّ: «و كان في الأصل تحيية مثل التّوصية و التّسمية،و العرب تؤثر «التّفعلة»على«التّفعيل»في ذوات الأربعة،نحو:

وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ الواقعة:94،فثبت أنّ التّحيّة أصلها التّحيية،ثمّ أدغموا الياء في الياء».

هل المراد بقولهم:إنّ(احسن)صفة أنّه ليس تفضيلا،فهذا خلاف الآية و الأحاديث؛إذ جاء(احسن)

ص: 845

مقابل أَوْ رُدُّوها؟

6-قال القشيريّ: «تعليم لهم حسن العشرة و آداب الصّحبة،و أنّ من حمّلك فضلا صار ذلك في ذمّتك له قرضا،فإمّا زدت على فعله،و إلاّ لا تنقص عن مثله».

7-قال الفخر الرّازيّ: «اعلم أنّ عادة العرب قبل الإسلام أنّه إذا لقي بعضهم بعضا،قالوا:«حيّاك اللّه»...

فلمّا جاء الإسلام أبدل ذلك بالسّلام،فجعلوا«التّحيّة» اسما للسّلام،قال تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الأحزاب:44،و منه قول المصلّي:(التّحيّات للّه)،أي السّلام من الآفات للّه»،ثمّ استشهد بالشّعر،و ذكر وجوها في أنّ السّلام أتمّ و أكمل من«حيّاك اللّه»،و أنّ القرآن و الأحاديث و المعقول قد دلّت على فضيلة السّلام،و أنّ اللّه تعالى سلّم على المؤمن في اثني عشر موضعا في القرآن،و أنّه سمّى نفسه(السّلام)في:

اَلْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الحشر:23،و قد ذكر في المسألة السّابعة عشرة أنّ أحكام الجواب ثمانية،إلى غير ذلك من الفوائد.

و كذلك في كلام رشيد رضا،و الطّباطبائيّ،و غيرهما فوائد كثيرة،منها الفرق بين تحيّة الإسلام و تحيّات سائر الأمم-عند الطّباطبائيّ-بأنّها كانت مشيرة إلى نوع من الخضوع و الهوان و التّذلّل،و تكشف عن رسم الاستعباد الّذي لم يزل رائجا بين الأمم في الأعصار الهمجيّة-و إن اختلفت ألوانها-و كانت تبدأ من المطيع و تنتهي إلى المطاع،و من الدّاني الوضيع إلى العاليّ الشّريف،فجاء الإسلام-و كان أكبر همّه إمحاء الوثنيّة-فاتّخذ سنّة مقابلة لسنّة الوثنيّة،و رسم الاستعباد،و هي طريقة سويّة، بإلقاء السّلام الّذي هو بنحو أمن المسلّم عليه من التّعدّي عليه،و دحض حرّيّته الفطريّة الإنسانيّة الموهوبة له؛إذ الأمن أوّل ما يحتاج إليه التّعاون بين الأفراد في المجتمع، و هذا هو السّلام الّذي سنّ اللّه تعالى.ثمّ ذكر آيات السّلام،فلاحظ كلامه،و كلام غيره.و لاحظ«س ل م:

السّلام».

الثّالثة: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، و فيها بحوث أيضا:

1-هذه ذيل آية طويلة بشأن الأكل من بيوت الأقرباء،و قد بحثنا حولها في«ب ي ت:بيوت»،و لا تتحدّث-كما قبلها-عن الأكل،و إنّما تتحدّث عن أدب الدّخول تفريعا على ما قبلها ب«فاءين»تأكيدا و تعجيلا:

فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ. و الأدب الّذي أمر برعايته أن يسلّموا-لدى الدّخول-على أنفسهم تسليما هو بمثابة تحيّة من عند اللّه مباركة طيّبة.

ثمّ أكّد في آخرها هذا الأدب مع ما قبله من أحكام الأكل من البيوت و الدّخول فيها،بقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، و فيه أطوار من التّأكيد و الاهتمام بها،كما لا يخفى.

2-قالوا في فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ: أنّه جعل أنفس المسلمين كالنّفس الواحدة مثل: وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ النّساء:29،و أريد بها السّلام على من كان فيها من أهلها.و جاء كذلك دلالة على أنّ بعضهم من بعض،فالجميع إنسان خلقهم من ذكر و أنثى،و أن يسلّم الدّاخل على أهل البيت و يردّوا السّلام عليه.و هو

ص: 846

مرويّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام،و هو أقرب.

و أمّا احتمال أن يسلّموا على أنفسهم و يقولوا:

«السّلام علينا»فبعيد،إلاّ إذا لم يكن في البيت أحد،و لم يقيّد به،كما قيّد بمثله في: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ النّور:29.فالآية نظير: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها النّور:27،و يشهد به ما بعدها:

تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ، فالتّحيّة بين اثنين لا من شخص على نفسه.

3-قال الطّبرسيّ(4:155):«(تحيّة)منصوب لأنّها مصدر(سلّموا)،لأنّ التّحيّة بمعنى التّسليم،و مِنْ عِنْدِ اللّهِ صفة(تحيّة)...أي هذه تحيّة حيّاكم اللّه بها».و هذا يؤيّد أنّ المراد بالتّحيّة في إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ السّلام أيضا،كما سبق.

4-قال الطّبرسيّ(4:157):«ثمّ وصف التّحيّة بأنّها مباركة طيّبة،أي إذا ألزمتموها كثر خيركم و طاب أجركم».و كيف لم تكن كذلك و هي تحيّة من عند اللّه؟.

و قال الضّحّاك:«معنى البركة فيه تضعيف الثّواب.

و الظّاهر أنّ في السّلام بركة في حياة النّاس،كما سبق عن الطّباطبائيّ.

هذا كلّه في القسم الأوّل من آيات التّحيّة،و أمّا القسم الثّاني منها-و هي أربعة(163-165)-فكلّها في أهل الجنّة،إلاّ أنّ التّحيّة في الأولى منها وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً، تلقين لأهل الجنّة من الملائكة أو من اللّه، فهي تحكي عن بدو التّحيّة،و هي في الباقي تحيّة بعضهم لبعض،كما قال في(164): وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ.

و فيها بحوث:

1-قال الزّمخشريّ-و نحوه الفخر الرّازيّ-:

«و التّحيّة دعاء بالتّعمير،و السّلام دعاء بالسّلامة،يعني أنّ الملائكة يحيّونهم و يسلّمون عليهم،أو يحيّي بعضهم بعضا،و يسلّم عليه،أو يعطون التّبقية و التّخليد مع السّلامة عن كلّ آفة».و عندنا أنّ ظاهر الآيات التّحيّة فيما بينهم،و أمّا التّحيّة من الملائكة،أو من اللّه عليهم فجاء في: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يس:58،و في:

وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ الرّعد:23 و 24.

2-و طرح الرّازيّ و غيره سؤالا،كيف قال: تَحِيَّةً وَ سَلاماً و هما واحد،كما قال في(166): تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ؟ ثمّ أجاب نقلا عن مقاتل بأنّ المراد بالتّحيّة:سلام بعضهم على بعض،أو سلام الملائكة عليهم،و المراد بالسّلام:أنّ اللّه سلّمهم ممّا يخافون.و سلّم إليهم أمرهم...».

و الحقّ في الجواب أنّ السّلام هو نفس التّحيّة كما هو صريح الآيات،و جاء تَحِيَّةً وَ سَلاماً رعاية للرّويّ في السّورة،فقبلها:(اماما)،و بعدها:(مقاما)،فالفرق بين التّحيّة و السّلام في النّصوص في غير محلّه،فلاحظ.

3-قيل في(تحيّتهم)في الثّلاث الأخيرة:إنّها من إضافة المصدر إلى المفعول،و هذا مبنيّ على إرادة تحيّة اللّه أو الملائكة لهم،و قد سبق أنّ ظاهرها تحيّة بعضهم لبعض،فهي من إضافة المصدر إلى الفاعل.

المحور الرّابع:فيما جاء اسما و هو نوعان:اسم علم و هو(يحيي)في خمس آيات:(152-156)،و يأتي

ص: 847

في حرف الياء،و اسم جنس و هو(حيّة):في آية:

(167)،و قد مضى بحثها في«ث ع ب:ثعبان»فلاحظ.

و يلاحظ ثانيا:أنّ اللّه تعالى قد خصّ هذا الحجم الكبير:مائة و سبع و ستّين آية بهذه المادّة الحيويّة للبشر -بمحاورها الأربعة،و بأنواعها الأربعة أيضا:حقيقيّة و مجازيّة،و دنيويّة و أخرويّة-اهتماما بها،و تكريما لأهلها، و إكبارا لخالقها.منها(46)آية مدنيّة،و آيتان في سورة الحجّ مختلف فيها،و أكثرها راجع إلى التّشريع و الآداب، و الباقي(119)آية،أي أكثر من ضعفي المدنيّة مكّيّ، راجع إلى العقيدة من التّوحيد و البعث و غيرهما.و حظّ البعث منها أكثر من غيره،فلاحظ.

و جاء في كتاب«الإعجاز العدديّ ج 1:29»،قد تكرّر لفظ الحياة و مشتقّاته في القرآن الكريم فيما يخصّ حياة الإنسان العاديّة(145)مرّة،و نفس هذا العدد قد تكرّر لفظ الموت و مشتقّاته.

و يبدو أنّه تكلّف واضح في سبيل إثبات تسوية أرقام الموت و الحياة في القرآن،ليتمّ به الإعجاز العدديّ في هذه المادّة،إذ لم يتحدّث عن ما وراء هذا العدد من ألفاظها،و هي 22 عددا،فإذا صحّ كلامه فخمسة من هذا العدد لفظ«الحيّ»وصفا للّه تعالى،و ثلاثة عشر منها راجع إلى إحياء الأرض(77-83)،و الأربعة الباقية جاءت بمعنى الحياء في ثلاث آيات(157-159) بتكراره في(158).

و ثالثا:ورد نظيران للحياة في القرآن،و هما:

العمر: بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَ آباءَهُمْ حَتّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ الأنبياء:44.

العيش: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ الحاقّة:21.

ص: 848

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم

الآلوسيّ: محمود(1270) (1)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد :عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان :يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير :مبارك(606)

النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير :عليّ(630)

الكامل:ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ: محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس،بيروت.

ابن باديس :عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

ابن جزيّ: محمّد(741)

التّسهيل،دار الكتاب العربيّ،بيروت.

ابن الجوزيّ: عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلاميّ،بيروت.

ابن خالويه :حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون :عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد :محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت :يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيده :عليّ(458)

المحكم،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن الشّجريّ: هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن شهرآشوب :محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن عاشور :محمّد طاهر(1393)

ص: 849


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

التّحرير و التّنوير،ط:مؤسّسة التّاريخ،بيروت.

ابن العربيّ: عبد اللّه(543)

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن عربيّ: محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة،بيروت.

ابن عطيّة :عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن فارس :أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

2-الصّاحبيّ،ط:مكتبة اللّغويّة،بيروت.

ابن قتيبة :عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة

2-تأويل مشكل القرآن،ط:المكتبة العلميّة، القاهرة.

ابن القيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنة التّراث العربيّ،لبنان.

ابن كثير :إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:المعارف،بيروت.

ابن منظور :محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر،بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمان،ط:المعارف،الاسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه

مغني اللّبيب،ط:المدنيّ،القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان :محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو رزق:...(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ،القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة،بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو زيد :سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود :محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ: محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(224)

غريب الحديث،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو عبيدة :معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر،مصر.

أبو عمرو الشّيبانيّ: إسحاق(206)

الجيم،ط:المطابع الأميريّة،القاهرة.

ابو الفتوح :حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة،بيروت.

أبو هلال :حسن(395)

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي،قم.

أحمد بدويّ(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

الأزهريّ: محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:دار المصر.

الإسكافيّ: محمّد(420)

ص: 850

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق،بيروت.

الأصمعيّ: عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو :توشيهيكو(1371)

خدا و انسان در قرآن،ط:انتشار،طهران.

البحرانيّ: هاشم(1107)

البرهان،ط:مؤسّسة البعثة،بيروت.

البروسويّ: إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ: بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة،بيروت.

البغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد،القاهرة.

البغويّ: حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:دار إحياء التراث العربي، بيروت.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ: محمّد(1031)

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم،بيروت.

البيضاويّ: عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ: محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:امير كبير، طهران.

التّفتازانيّ: مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ،قم.

الثّعالبيّ: عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب :أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الثّعلبيّ: أحمد

الكشف و البيان،ط:دار إحياء التّراث العربي، بيروت.

الجرجانيّ: عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو،طهران.

الجزائريّ: نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

الجصّاص :أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ: موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ: إسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم،بيروت.

الحائريّ: سيّد علي(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة،طهران.

الحجازيّ: محمّد محمود(معاصر)

التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب،مصر.

الحربيّ: إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ،جدّة.

الحريريّ: قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب،مصر.

حفنيّ: محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:الأهرام،مصر.

الحمويّ: ياقوت(626)

ص: 851

معجم البلدان،ط:دار صادر،بيروت.

الحيريّ: اسماعيل(431)

وجوه القرآن،ط:مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة المقدّسة،مشهد.

الخازن :عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة،مصر.

الخطّابيّ: حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر،دمشق.

الخليل :بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة،بيروت.

الدّامغانيّ: حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الرّازيّ: محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب،بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة،بيروت.

الرّاونديّ: سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا :محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ: محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج :ابراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-فعلت و أفعلت،ط:التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ: محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

الزّركليّ: خير الدّين(معاصر)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ: محمود(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة،بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة،بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر،بيروت.

السّجستانيّ: محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ: يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب،بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:إسرائيل.

السّمين:أحمد.(756)

الدّرّ المصون،ط:دار الكتب العلمية،بيروت.

السّهيليّ: عبد الرّحمن(581)

روض الأنف،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

سيبويه :عمرو(180)

الكتاب،ط:عالم الكتب،بيروت.

السّيوطيّ: عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت.

3-تفسير الجلالين،ط:مصطفى البالي،مصر(مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

شبّر:عبد اللّه(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين،الكويت.

الشّربينيّ: محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة،بيروت.

الشّريف الرّضيّ: محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي،قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة،طهران.

ص: 852

الشّريف العامليّ: محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الشّوكانيّ: محمّد(1250)

فتح القدير،دار المعرفة،بيروت.

الصّابونيّ: محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ: حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب،القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

صدر المتألهين :محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ،قم.

طه الدّرّة:محمّد علي

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار الحكمة،دمشق.

الطّباطبائيّ: محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ: فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة،طهران.

الطّبريّ: محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:المصطفى البابي،مصر.

2-أخبار الأمم و الملوك،ط:الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ: فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

طنطاوي:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

الطّوسيّ: محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة،بيروت.

2-متشابه القرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّحمن الهمدانيّ(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب،بيروت.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم،بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر،بيروت.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر)

التّفسير الفريد،ط:...بإذن مجمع البحوث الإسلامى،الأزهر.

العدنانيّ: محمّد(1360)

معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان،بيروت.

العروسيّ: عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة :محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ: عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي اصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:ادبيّات،شيراز.

ص: 853

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة،طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن،القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي،طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو،طهران.

فريد وجديّ:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب،بيروت.

فضل اللّه:محمّد حسين(معاصر)

من وحي القرآن،ط:دار الملاك،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث، بيروت.

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب،قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافيّ،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة،القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ-عربيّ،ط:الكاثوليكيّة، بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب،بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف،بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان،طهران.

محمّد إسماعيل(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمّد جواد مغنية(1400)

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين،بيروت.

محمود شيث خطّاب

المصطلحات العسكريّة،ط:دار الفتح،بيروت.

المدنيّ:عليّ(1120)

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المدينيّ:محمّد(581)

ص: 854

المجموع المغيث،ط:دار المدنيّ،جدّه.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

فرهنگ تطبيقى،ط:كاويان،طهران.

المشهديّ:محمّد(1125)

كنز الدّقائق،مؤسّسة النّشر الإسلاميّ،قم.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة،طهران.

معرفة:محمّد هادى(1427)

التّفسير و المفسّرون،ط:الجامعة الرّضوية، مشهد.

مقاتل:ابن سليمان(150)

1-تفسير مقاتل،ط:دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت.

2-الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

مكارم الشّيرازيّ:ناصر(معاصر)

الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل،ط:مؤسّسة البعثة،بيروت.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير،طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن،ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب،بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگى،علمى[طهران].

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحرّيّة،بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس،ط:مطبعة الإمريكيّ، بيروت.

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:جهان،طهران.

الواحديّ:عليّ.(468)

الوسيط،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 855

ص: 856

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

إبراهيم التّيميّ.(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.(؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ(456)

ابن حلزة:...(؟)

ابن خروف:عليّ.(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد.(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:...(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:...(؟)

ابن عادل.(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ(696)

ص: 857

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير:عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن كمال باشا:أحمد.(940)

ابن كمّونة:سعد.(683)

ابن كيسان:محمّد(299)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد.(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن ملك:عبد اللّطيف.(801)

ابن المنير:عبد الواحد.(733)

ابن النّحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:...(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

ابن يعيش:عليّ.(643)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد.(366)

أبو بكر الأصمّ:...(201)

أبو الجزال الأعرابيّ:(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو الحسن الصّائغ.(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:النعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:...(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد.(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

أبو سليمان الدمشقيّ:

عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

أبو شريح الخزاعيّ.(؟)

أبو صالح.(؟)

أبو الطّيّب اللّغويّ.(؟)أبو العالية:رفيع.(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

أبو عبد اللّه:محمّد.(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

ص: 858

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

أبو عمرو الجرميّ:صالح.(225)

أبو الفضل الرّازيّ.(؟)

أبو قلابة:...(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:محمّد.(322)

أبو منذر السّلاّم:...(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:...(276)

أبو يزيد المدنيّ:...(؟)

أبو يعلى:أحمد.(307)

أبو يوسف:يعقوب.(182)

أبيّ بن كعب.(21)

أحمد بن حنبل.(24)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

الأسديّ.(؟)

إسماعيل بن القاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

الأعمش:سليمان.(148)

إلياس:...(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن.(446)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.(؟)

البرجميّ:ضابئ.(؟)

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج إدوارد.(1327)

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

جمال الدّين الأفغانيّ.(1315)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد.(297)

جهرم بن صفوان.(128)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

الحدّاديّ:...(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن بن يسار.(110)

حسن بن حيّ.(؟)

حسن بن زياد.(204)

حسين بن فضل.(548)

حفص:بن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

ص: 859

حمزة القارئ.(156)

حميد:ابن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:...(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الخياليّ:أحمد.(862)

الدّقّاق.(؟)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوري:أحمد.(282)

الرّبيع بن أنس.(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الأستراباديّ.(686)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّناتيّ.(؟)

الزّبير:بن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتيّ.(؟)

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

سليمان التّيميّ.(؟)

سهل التّستريّ.(283)

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطبيّ(؟)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّبليّ:دلف.(334)

الشّعبيّ:عامر.(103)

شعيب الجبئيّ.(؟)

الشّقيق بن إبراهيم.(194)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر بن حمدويه.(255)

الشّمنّيّ:أحمد(872)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهاب الدّين القرافيّ.(684)

شهر بن حوشب.(100)

شيبان بن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

شيذلة:عزيزيّ.(494)

صالح المريّ.(؟)

الصّيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك بن مزاحم.(105)

طاوس بن كيسان.(106)

الطّبقجليّ:أحمد.(1213)

ص: 860

طلحة بن مصرّف.(112)

الطّيّبيّ:حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:...(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبد اللّه الهبطيّ.(؟)

عبد الوهّاب النّجار.(1360)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عبّاد.(181)

العدويّ:...(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة بن عروة.(؟)

العطاء بن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

عكرمة بن عبد اللّه.(105)

العلاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد.(؟)

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن عبيد(144)

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

العوفيّ:عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:...(582)

الفارابيّ:محمّد.(339)

الفاسيّ(؟)

الفضل الرّقاشي.(200)

قتادة بن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

القلانسي:محمّد.(521)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكعبيّ:عبد اللّه.(319)

الكفعميّ:إبراهيم(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

كلنبويّ.(؟)

الكيا الطّبريّ(؟)

اللّؤلؤيّ:حسن.(204)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث بن المظفّر.(185)

الماتريديّ:محمّد.(333)

المازنيّ:بكر.(249)

مالك بن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

المالكيّ(؟)

الملويّ.(؟)

مجاهد:جبر.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

ص: 861

محبوب:...(؟)

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.(1323)

محمّد الشّيشنيّ.(؟)

مروان بن الحكم.(65)

المسهر بن عبد الملك.(؟)

مصلح الدّين اللاّري:محمّد.(979)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول بن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

مؤرّج السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

ميمون بن مهران.(117)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

نصر بن عليّ.(؟)

نعّوم بك:بن بشّار.(1340)

نفطويه:إبراهيم.(323)

النّقّاش:محمّد.(351)

النّوويّ:يحيى.(676)

هارون بن حاتم.(728)

الهذليّ:قاسم.(175)

همّام بن حارث.(؟)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن جعدة.(؟)

يحيى بن سعيد.(؟)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يزيد بن قعقاع.(132)

يعقوب بن إسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 862

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.