عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .
مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ، 1419ق . = -1377.
مشخصات ظاهری : ج.
فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.
شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال : ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال : ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال : ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال : ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال : ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال : ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال : ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :
يادداشت : عربی .
يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.
يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.
يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.
يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...
يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).
يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).
يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).
يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).
يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).
يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).
يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).
يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).
يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).
يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.
يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).
يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).
يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).
مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س
موضوع : قرآن -- واژه نامه ها
Qur'an -- Dictionaries
موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها
Qur'an -- Encyclopedias
شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، 1385-1304.
شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، 1308 -
شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar
شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، 1322 -
شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا
شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن
شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی
رده بندی کنگره : BP66/4 /م57 1377
رده بندی دیویی : 297/13
شماره کتابشناسی ملی : 582410
اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا
ص: 1
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الموسوعة القرآنيّة الكبرى
المعجم فى فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته
المجلّد الثالث عشر
تأليف و تحقيق
قسم القرآن بمجمع البحوث الاسلاميّة
بإشراف مدير القسم الاستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانىّ
ص: 2
المؤلّفون
الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ
ناصر النّجفيّ
قاسم النّوريّ
محمّد حسن مؤمن زاده
حسين خاك شور
السيّد عبد الحميد عظيمي
السيّد جواد سيّدي
السيّد حسين رضويان
علي رضا غفراني
محمّد رضا نوري
السيّد علي صبّاغ دارابي
أبو القاسم حسن پور
و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص
إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين
ص: 3
كتاب نخبة:
مؤتمر تكريم خدمة القرآن الكريم في ميدان الأدب المصنّف.1421 ق
الكتاب النّخبة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.1422 ق
مؤتمر الكتاب المنتخب الثّالث للحوزة العلميّة في قم.1422 ق
الدّورة الثّانية لانتخاب و عرض الكتب و المقالات الممتازة في حقل القرآن.1426 ق
الملتقى الثّاني للكتاب النّخبة الّذي يعقد كلّ سنتين في محافظة خراسان الرّضويّة.1426 ق
ص: 4
تصدير 7
ح ق ق 9
ح ك م 225
ح ل ف 521
ح ل ق 537
ح ل ق و م 559
ح ل ل 563
ح ل م 657
ح ل ي 703
ح م أ 725
ح م د 739
ح م ر 869
ح م ل 897
الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 971
الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 979
ص: 5
ص: 6
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
نحمد اللّه تبارك و تعالى ربّ العالمين،و نصلّي و نسلّم على رسوله المصطفى،سيّد الأنبياء و المرسلين،و على آله الطّيّبين الطّاهرين و صحبه المنتجبين،و التّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.
ثمّ نشكره تعالى على أن وفّقنا لتأليف المجلّد الثّالث عشر من موسوعتنا القرآنيّة الكبرى:
«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و تقديمه إلى روّاد العلوم القرآنيّة،و النّاشدين فقه لغته،و أسرار بلاغته،و رموز إعجازه،و طرائف تفسيره،الّذين يتابعون بشوق مجلّدا بعد مجلّد، و يستعجلون إلى الوقوف عليه دوما،كتابة و شفاها،مشكورين.
و اشتمل هذا الجزء على اثنتي عشرة مفردة قرآنيّة من حرف الحاء،ابتداء من«ح ق ق»، و انتهاء ب«ح م ل».و أوسع الموادّ فيه نصّا و بحثا و تنقيبا مادّتا«ح ك م»،ثمّ«ح ق ق»،فقد تجاوز كلّ منهما مائتي صفحة من الكتاب.و ليس هذا كثيرا في حقل«الحكم و الحقّ»فإنّهما -بلا ريب-لبّ القرآن الحكيم،و جوهر الإسلام العظيم،و روح الدّين القويم.
نسأله تعالى السّداد،و دوام التّوفيق،فإنّه خير ظهير،و بالإجابة جدير.
محمّد واعظزاده الخراسانيّ
مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة بالآستانة المقدّسة الرّضويّة
10 صفر عام 1429 ه.ق
ص: 7
ص: 8
14 لفظا،287 مرّة:176 مكّيّة،111 مدنيّة
في 59 سورة:42 مكّيّة،17 مدنيّة
حقّ 12:11-1 الحقّ 194:122-72
حقّت 5:4-1 حقّا 17:8-9
حقّت 2:2 حقّه 3:1-2
يحقّ 1:1 يحقّ 4:1-3
أحقّ 10:2-8 استحقّ 1:-1
حقيق 1:1 استحقّا 1:-1
حقّ 33:20-13 الحاقّة 3:3
الخليل :الحقّ:نقيض الباطل،حقّ الشّيء يحقّ حقّا،أي وجب وجوبا.
و تقول:يحقّ عليك أن تفعل كذا،و أنت حقيق على أن تفعله.و حقيق«فعيل»في موضع«مفعول».
و قول اللّه عزّ و جلّ: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ الأعراف:105،معناه:محقوق،كما تقول:واجب.
و كلّ«مفعول»ردّ إلى«فعيل»فمذكّره و مؤنّثه بغير الهاء،و تقول للمرأة:أنت حقيقة لذلك،و أنت محقوقة أن تفعلي ذلك.
و الحقّة:من الحقّ،كأنّها أوجب و أخصّ.تقول:
هذه حقّتي،أي حقّي.
و الحقيقة:ما يصير إليه حقّ الأمر و وجوبه.و بلغت حقيقة هذا،أي يقين شأنه.
و في الحديث:«لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتّى لا يعيب على مسلم بعيب هو فيه».و حقيقة الرّجل:ما لزمه الدّفاع عنه من أهل بيته؛و الجميع:حقائق.
و تقول:أحقّ الرّجل،إذا قال حقّا و ادّعى حقّا، فوجب له و حقّق،كقولك:صدّق و قال:هذا هو الحقّ.
و تقول:ما كان يحقّك أن تفعل كذا،أي ما حقّ لك.
و الحاقّة:النّازلة الّتي حقّت فلا كاذبة لها.
و تقول للرّجل إذا خاصم في صغار الأشياء:إنّه
ص: 9
لنزق الحقاق.
و في الحديث:«متى ما يغلوا يحتقّوا»أي يدّعي كلّ واحد أنّ الحقّ في يديه،و يغلوا،أي يسرفوا في دينهم و يختصموا و يتجادلوا.
و الحقّ:دون الجذع من الإبل بسنة؛و ذلك حين يستحقّ للرّكوب؛و الأنثى:حقّة:إذا استحقّت الفحل؛ و جمعه:حقاق و حقائق.
و الحقحقة:سير أوّل اللّيل،و قد نهي عنه.و يقال:
هو إتعاب ساعة.و في الحديث:«إيّاكم و الحقحقة في الأعمال،فإنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه ما داوم عليه العبد و إن قلّ».
و بنات الحقيق:ضرب من التّمر،و هو الشّيص.
[و استشهد بالشّعر أربع مرّات](3:6)
اللّيث: الحقّة من خشب؛و الجميع:الحقّ و الحقق.
(الأزهريّ: 3:381)
سيبويه :و قالوا:هذا العالم حقّ العالم.يريدون بذلك التّناهي،و أنّه بلغ الغاية فيما يصفه به من الخصال.
و قالوا:هذا عبد اللّه الحقّ لا الباطل.دخلت فيه اللاّم كدخولها في قولهم:أرسلها العراك،إلاّ أنّه قد تسقط منه،فتقول:حقّا لا باطلا.(ابن سيده 2:474).
أبو مالك: أحقّت البكرة،إذا استوفت ثلاث سنين،فإذا لقحت حين تحقّ،قيل:لقحت على بسرها.
و يقال:استحقّت النّاقة سمنا،و حقّت و أحقّت،إذا سمنت.
و أحقّ القوم إحقاقا،إذا سمن مالهم.
و احتقّ المال احتقاقا،إذا سمن،و انتهى سمنه.
(الأزهريّ 3:380)
الكسائيّ: حققت الرّجل و أحققته،إذا غلبته على الحقّ و أثبتّه عليه.(الأزهريّ 3:377).
يقال:حقّ لك أن تفعل هذا،و حققت أن تفعل هذا، بمعنى.(الجوهريّ 4:1461).
يقول العرب:«إنّك لتعرف الحقّة عليك،و تعفي بما لديك».و يقولون:«لمّا عرف الحقّة منّي انكسر».
(ابن فارس 2:15).
حققت حذر الرّجل و أحققته:فعلت ما كان يحذر.
(ابن فارس 2:19)
حققت ظنّه،مثل حقّقته.(أساس البلاغة:90)
الشّافعيّ: في حديث ابن عمر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:
«ما حقّ امرئ يبيت ليلتين إلاّ وصيّته عنده»ما الحزم لامرئ و ما المعروف في الأخلاق لامرئ إلاّ هذا،لا أنّه واجب.(الأزهريّ 3:378)
أبو عمرو الشّيبانيّ: قال أبو زياد:حقّك أن تضرب،و حقّك تضرب،و حقّ لها أن تضرب،و حقّ لها أن تضرب.(1:147)
و قد أحقّت الإبل،إذا استربعت.(1:148)
و قال أبو السّمح:الحقّة:حليلة الفحل،فإن لم تلقح فهي آبية،و إن لقحت فهي خلفة.(1:158)
و قال أبو الخوقاء:و قد أحقّت صنعة هذا الشّيء،إذا أجيدت صنعته.(1:183)
يقال:استلاط القوم،و استحقّوا،و استوجبوا،
ص: 10
و أوجبوا،و أسفوا،و أوفوا و أطلّوا،و دنوا،و عذروا و أعذروا و عذّروا،إذا أذنبوا ذنوبا يكون لمن يعاقبهم عذر في ذلك،لاستحقاقهم.
و يقال:استحقّت إبلنا ربيعا،و أحقّت ربيعا،إذا كان الرّبيع تامّا فرعته.
و قد أحقّ القوم إحقاقا،إذا أسمنوا،أي سمن مالهم.
و استحقّت النّاقة سمنا و أحقّت و حقّت،إذا سمنت.
و استحقّت النّاقة لقاحا،إذا لقحت،و استحقّ لقاحها.
يجعل الفعل مرّة للنّاقة،و مرّة للّقاح.
و الحقّ و الحقّة في حديث صدقات الإبل و الدّيات.
(الأزهريّ 3:379)
عمرو بن العاص أنّه قال لمعاوية:«أتيتك من العراق و إنّ أمرك كحقّ الكهول و كالحجاة في الضّعف،فما زلت أرمّه حتّى استحكم»حقّ الكهول:بيت العنكبوت.
(الأزهريّ 3:381)
الأحقّ من الخيل:الّذي لا يعرق.
الحقّة:الدّاهية.(الأزهريّ 3:382)
استحقّ لفحها،إذا وجب.و أحقّت:دخلت في ثلاث سنين.و قد بلغت حقّتها،إذا صارت حقّة.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 2:19)
الفرّاء: حقّ لك أن تفعل كذا،و حقّ عليك أن تفعل كذا،فإذا قلت:حقّ قلت:لك،و إذا قلت:حقّ قلت:
عليك.
و تقول:يحقّ عليك أن تفعل كذا و حقّ لك،و لم يقولوا:حققت أن تفعل.
و معنى قول من قال حقّ عليك أن تفعل:وجب عليك.
و تقول:إنّك لحقيق أن تفعل كذا.
و«حقيق»في حقّ و حقّ،في معنى مفعول.و قال اللّه تعالى: (حقيق علىّ ان لا اقول على اللّه) [و هذه قراءة غير مشهورة]الأعراف:105،و قال: فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا الصّافّات:31،[ثمّ استشهد بشعر]
و تقول:ما كان بحقّك أن تفعل ذاك،في معنى:ما حقّ لك.و قد حقّ حذرك،و لا تقل:حقّ حذرك.
و حققت حذرك و أحققته،أي فعلت ما كان يحذر.
و العرب تقول:حققت عليه القضاء أحقّه حقّا، و أحققته أحقّه إحقاقا،أي أوجبته.
(الأزهريّ 3:374)
أبو عبيدة :الحقحقة:المتعب من السّير.
(الأزهريّ 3:383)
أبو زيد: حققت حذر الرّجل و أحققته:فعلت ما كان يحذر.(الأزهريّ:3:377)
حقّ اللّه الأمر حقّا:أثبته و أوجبه.و حقّ الأمر بنفسه حقّا و حقوقا.(أساس البلاغة:90)
الأصمعيّ: الحقّ من الإبل،إذا استحقّت أمّه الحمل من العام المقبل و هو الثّالث،سمّي الذّكر حقّا و الأنثى حقّة،و هو حينئذ ابن ثلاث سنين.
(ابن دريد 1:62)
يقال:أتت النّاقة على حقّها،أي على وقتها الّذي ضربها الفحل فيه من قابل،و هو تمام حمل النّاقة حتّى
ص: 11
يستوفي الجنين السّنة.(الأزهريّ 3:380)
حقّ عليه القول و أحققته أنا،و حققته الخبر أحقّه حقّا.
يقال:ما لي فيه حقّ و لا حقاق،أي خصومة.
و الحقّ:حقّ الورك،و حقّ الوابلة في العضد،و ما أشبههما.
و يقال:أصبت حاقّ عينيه.
و سمعت أعرابيّا يقول لنقبة من الجرب ظهرت ببعير فشكّوا فيها،فقال:هذا حاقّ صمادح الجرب.
(الأزهريّ 3:382)
إذا جازت النّاقة السّنة و لم تلد،قيل:قد جازت الحقّ.
و أتت النّاقة على حقّها،أي الوقت الّذي ضربت فيه عام أوّل.(الجوهريّ 4:1460)
أبو عبيد: فإذا مضت[ابن لبون]الثّالثة و دخلت الرّابعة،فهو حينئذ حقّ و الأنثى حقّة،و هي الّتي تؤخذ في الصّدقة إذا جاوزت الإبل خمسا و أربعين.
و يقال:إنّه إنّما سمّي حقّا لأنّه قد استحقّ أن يحمل عليه و يركب.و يقال:هو حقّ بيّن الحقّة،و كذلك الأنثى حقّة.
و يدخل في السّنة الخامسة فهو حينئذ جذع،و الأنثى جذعة.(1:409)
في حديث عليّ رضى اللّه عنه:«إذا بلغ النّساء نصّ الحقائق -و رواه بعضهم:نصّ الحقاق-فالعصبة أولى».
أراد بنصّ الحقاق:الإدراك،لأنّ وقت الصّغر ينتهي،فتخرج الجارية من حدّ الصّغر إلى الكبر.يقول:
فإذا بلغت الجارية ذلك فالعصبة أولى بها من أمّها، و بتزويجها و حضانتها إذا كانوا محرما لها،مثل الآباء و الإخوة و الأعمام.
و الحقاق:المحاقّة،و هو أن تحاقّ الأمّ العصبة في الجارية،فتقول:أنا أحقّ بها،و يقولون:بل نحن أحقّ.
و بلغني عن ابن المبارك أنّه قال:نصّ الحقاق:بلوغ العقل،و هو مثل الإدراك،لأنّه إنّما أراد ينتهي الأمر الّذي تجب به الحقوق و الأحكام،فهو العقل و الإدراك.
و من رواه نصّ الحقائق،فإنّه أراد جمع حقيقة و حقائق (1).(الأزهريّ 3:378)
حققت الرّجل،و أحققته،إذا أثبتّه.
و حقت الأمر و أحققته أيضا،إذا تحقّقته،و صرت منه على يقين.(الجوهريّ 4:1461)
ابن الأعرابيّ: الحقيقة:الرّاية،و الحقيقة:الحرمة، و الحقيقة:الفناء.(الأزهريّ 3:377)
الحقّ:صدق الحديث،و الحقّ:الملك،و الحقّ:
اليقين بعد الشّكّ.(الأزهريّ 3:381)
الأحقّ:الّذي يضع رجله في موضع يده.[ثمّ استشهد بشعر]
الحقق:القريبو العهد بالأمور،خيرها و شرّها.
و الحقق:المحقّقون لما ادّعوا أيضا.
(الأزهريّ 3:382)3.
ص: 12
الحقحقة:أن يجهد الضّعيف شدّة السّير.
(الأزهريّ 3:383)
ابن السّكّيت: عن أبي عطاء أنّه قال:أتيت أبا صفوان فقال لي:ممّن أنت؟-و كان أعرابيّا،فأراد أن يمتحنه-فقلت:من بني تميم.قال:من أيّ بني تميم؟قلت:
ربابيّ.قال:و ما صنيعتك؟قلت:الإبل.
قال:فأخبرني عن حقّة حقّت على ثلاث حقاق.
فقلت:سألت خبيرا.هذه بكرة كان معها بكرتان في ربيع واحد،فارتبعن فسمنت قبل أن تسمنا،فقد حقّت عليهنّ واحدة،ثمّ ضبعت و لم تضبعا،فقد حقّت عليهنّ حقّة أخرى،ثمّ لقحت و لم تلقحا،فهذه ثلاث حقاق.
فقال لي:لعمري أنت منهم.(الأزهريّ 3:381)
شمر:تقول العرب:حقّ عليّ أن أفعل ذلك و حقّ، و إنّي لمحقوق أن أفعل خيرا.(الأزهريّ 3:374)
حققت الأمر و أحققته،إذا كنت على يقين منه.
و أحققت عليه القضاء،إذا أوجبته.و لا أعرف ما قال الكسائيّ في:حققت الرّجل و أحققته،إذا غلبته على الحقّ.(الأزهريّ 3:377)
يقال:عذر الرّجل و أعذر،و استحقّ و استوجب، إذا أذنب ذنبا استوجب به عقوبة.(الأزهريّ 3:379)
الحقحقة:السّير الشّديد.يقال:حقحق القوم،إذا اشتدّوا في السّير.(الأزهريّ 3:383)
المبرّد: قول الشّاعر:[إنّ لنا قلائصا حقائقا]إنّما بنى الحقّة من الإبل-و هي الّتي قد استحقّت أن يحمل عليها-على«فعيلة»مثل حقيقة،و لذلك جمعها على حقائق.(2:164)
الزّجّاج: و حقّقت الحديث و أحققته،إذا تبيّنته.(فعلت و أفعلت:10)
ابن دريد :الحقّ:ضدّ الباطل[و نقل قول الأصمعيّ ثمّ قال:]
و قال آخرون:إذ استحقّ أن يحمل عليه...و يقال:
أتت النّاقة على حقّها،إذا جاوزت وقت أيّام نتاجها.
و حقّ الأمر يحقّ،و قال قوم:يحقّ حقّا،إذا وضح فلم يكن فيه شكّ،و أحققته إحقاقا.
و الحقاق:مصدر المحاقّة،حاققت فلانا في كذا و كذا محاقّة و حقاقا.
و حقّقت الشّيء تحقيقا،إذا صدّقت قائله.حققت أنا الشّيء أحقّه حقّا.
و الحقّ الّذي يسمّيه النّاس:الحقّة،عربيّ معروف.
و الحقّ:رأس العضد الّذي فيه الوابلة،و الحقّ:أصل الورك الّذي فيه عظم رأس الفخذ.
و الأحقّ من الخيل:الّذي يضع حافر رجله في موضع حافر يده،و ذلك عيب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:63)
الحقق:و هو أن يضع الفرس حافر رجله على موضع حافر يده في المشي؛و ذلك عيب.و يقال:فرس أحقّ بيّن الحقق.(3:188)
و حققت الأمر و أحققته،أي قلت:هو حقّ.
(3:438)
الأزهريّ: و قيل:حقيقة الرّجل:ما يلزمه حفظه
ص: 13
و منعه.
و العرب تقول:فلان يسوق الوسيقة،و ينسل الوديقة،و يحمي الحقيقة.
فالوسيقة:الطّريدة من الإبل،سمّيت و سيقة،لأنّ طاردها يسقها إذا ساقها،أي يقبضها.و الوديقة:شدّة الحرّ،و الحقيقة:ما يحقّ عليه أن يحميه.(3:376)
[و نقل قول شمر اعتراضا على الكسائيّ ثمّ قال:]
قلت:هو عندي من قولك:حاققته فحققته،أي غلبته على الحقّ.(3:377)
و قال ابن عبّاس في قرّاء القرآن:«متى ما يغلوا يحتقّوا»يعني المراء في القرآن.و معنى يحتقّوا:يختصموا، فيقول كلّ واحد منهم:الحقّ معي فيما قرأت.
يقال:تحاقّ القوم و احتقّوا،إذا تخاصموا،و قال كلّ واحد منهم:الحقّ بيدي و معي.
و المحتقّ من الطّعن:النّافذ إلى الجوف.(3783)
[و نقل قول أبي عبيد ثمّ قال:]
قلت:و يقال:بعير حقّ بيّن الحقّ،بغير(هاء).
و قال بعضهم:سمّيت الحقّة حقّة،لأنّها استحقّت أن يطرقها الفحل؛و تجمع الحقّة:حقاقا و حقائق.
(3:380)
يقال:لا يحقّ ما في هذا الوعاء رطلا،معناه:أنّه لا يزن رطلا.[و نقل قول اللّيث ثمّ قال:]و قد تسوّى الحقّة من العاج و غيره.
[و حكى قول أبي عمرو الشّيبانيّ في معنى قول عمرو بن العاص لمعاوية ثمّ قال:]
و هذا صحيح،و قد روى ابن قتيبة هذا الحرف بعينه فصحّفه،و قال:مثل حقّ الكهدل،و خبط في تفسيره خبط العشواء.
و الصّواب ما رواه أبو العبّاس عن أبي عمرو:مثل حقّ الكهول،و الكهول:العنكبوت،و حقّه:بيته.
(3:381)
[و نقل القول الثّاني لابن الأعرابيّ ثمّ قال:]
و يقال:أحققت الأمر إحقاقا،إذا أحكمته و صحّحته.
و ثوب محقّق:عليه وشي على صورة الحقق،كما يقال:برد مرحّل.
و يقال:حققت الشّيء و حقّقته و أحققته،بمعنى واحد.
[و نقل قول اللّيث ثمّ قال:]
قلت:صحّف اللّيث هذه الكلمة[الحقيق]و أخطأ في التّفسير أيضا،و الصّواب:لون الحبيق:ضرب من التّمر رديء.و نبات الحبيق:في صفة التّمر تغيير.
و لون الحبيق معروف،و قد روينا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم أنّه نهى عن لونين في الصّدقة:أحدهما الجعرور،و الآخر لون الحبيق.و يقال:لنخلته عذق ابن حبيق،و ليس بشيص،و لكنّه رديء من الدّقل.(3:382)
[و نقل قول اللّيث ثمّ قال:]
قلت:فسّر اللّيث«الحقحقة»تفسيرين مختلفين،لم يصب الصّواب في واحد منهما.و الحقحقة عند العرب:
أن يسار البعير و يحمل على ما يتعبه و لا يطيقه حتّى
ص: 14
يبدع براكبه.
و يقال:قرب حقحاق و هقهاق و قهقاه و مقهقه و مهقهق،إذا كان السّير فيه شديدا متعبا.
و أمّا قول اللّيث:إنّ الحقحقة سير أوّل اللّيل،فهو باطل،ما قاله أحد.و لكن يقال:قحّموا عن أوّل اللّيل، أي لا تسيروا فيه.(3:383)
الصّاحب:الحقّ:نقيض الباطل،و الحقّة:مثله، هذه حقّتي،أي حقّي.
و حقّ الشّيء:وجب،يحقّ و يحقّ،و هو حقيق و محقوق.
و بلغت حقيقة الأمر،أي يقين شأنه.
و الحقيقة:الرّاية،و الحرمة أيضا،من قولهم:حامي الحقيقة.
و أحقّ الرّجل:قال حقّا،أو ادّعى حقّا فوجب له، من قوله عزّ و جلّ: لِيُحِقَّ الْحَقَّ الأنفال:8.
و الحاقّة:النّازلة الّتي حقّت،فلا كاذبة لها.
و الحقاق:المحاقّة.
و حاققت الرّجل:ادّعيت أنّك أولى بالحقّ منه.
و حققته:غلبته على الحقّ،و أحققته:مثله.[ثمّ استشهد بشعر]
و في حديث عليّ رضي عنه اللّه:«إذا بلغ النّساء نصّ الحقاق فالعصبة أولى بها»يعني الإدراك،و هو أن تقول:أنا أحقّ،و يقولون:نحن أحقّ.
و حققت ظنّه:مخفّف بمعنى التّشديد.
و يقولون:لحقّ لا آتيك،رفع بلا تنوين.
و إنّه لحقّ عالم و حاقّ عالم،لا يثنّى و لا يجمع.
و الرّجل إذا خاصم في صغار الأشياء قيل:«هو نزر (1)الحقاق».
و ما كان يحقّك أن تفعل كذا،أي ما يحقّ لك.
و حققت العقدة فانحقّت،أي شددتها فانشدّت.
و حققت الأمر و أحققته،إذا كنت منه على يقين.
و حقّ اللّه الأمر.
و حقّ الأمر نفسه.
و حققت الرّجل و أحققته:فعلت به ما كان يحذره.
و أحققت الرّميّة:قتلتها على المكان.
و أحقّ القوم من الرّبيع:سمنوا.و أحقّت النّاقة و استحقّت:مثله.
و المحاقّ من المال:اللاّتي لم ينتجن في العام الماضي،و لم يحلبن.
و الحقّ:الجذع من الإبل بسنة يستحقّ الرّكوب؛ و الأنثى:حقّة،لأنّها تستحقّ الفحل.
و أحقّت البكرة من الإبل إحقاقا:صارت حقّة.
و بلغت النّافة حقّتها.
و ما حقّت السّحابة القلّة حتّى الآن،أي ما بلغت.
و استحقّ الرّجل مكان كذا:أعجبه.
و الحقّة من خشب:معروفة.
و الحقحقة:سير اللّيل في أوّله.
و الأحقّ من الخيل:الّذي لا يعرق.و إذا طبّق حافرق.
ص: 15
رجليه موضع حافر يديه،فهو أحقّ أيضا؛و الاسم:
الحقق،و هو عيب.
و يقال للمتقى كلّ عظمين من الفرس:حقّ،إلاّ الظّهر.
و يقال لضرب من التّمر:بنات الحقيق.
و قرب حقحاق:زاد على مرحلة.
و كان هذا عند حقّ لقاحها،أي عند وجوبه.
(2:286)
الخطّابيّ: حاقّ الجوع:[في حديث أبي بكر] يروى بالتّخفيف و التّثقيل؛فمن ثقّل،فمعناه:كلب الجوع و شدّته...و من رواه بالتّخفيف جعله مصدرا يقوم مقام الاسم،من قولك:حاق به البلاء يحيق حيقا و حاقا،كما قيل:عابه عيبا و عابا.(2:10)
الوتر حقّ،أي واجب.يقال:حقّ الأمر يحقّ و يحقّ حقّا،إذا وجب.و قد حققت الشّيء أحقّه،و أحققته أيضا أحقّه.(2:302)
الجوهري:الحقّ:خلاف الباطل.
و الحقّ واحد الحقوق،و الحقّة أخصّ منه.يقال:
هذه حقّتي،أي حقّي.
و الحقّة أيضا:حقيقة الأمر.يقال:لمّا عرف الحقّة منّي هرب.
و قولهم:«لحقّ لا آتيك»هو يمين للعرب يرفعونها بغير تنوين إذا جاءت بعد اللاّم،و إذا أزالوا عنها اللاّم قالوا:حقّا لا آتيك.
و قولهم:كان ذاك عند حقّ لقاحها و حقّ لقاحها أيضا بالكسر،أي حين ثبت ذلك فيها.
و الحقّة بالضّمّ:معروفة؛و الجمع:حقّ و حقق و حقاق.
و الحقّ بالكسر:ما كان من الإبل ابن ثلاث سنين و قد دخل في الرّابعة؛و الأنثى:حقّة و حقّ أيضا،سمّي بذلك لاستحقاقه أن يحمل عليه و أن ينتفع به.تقول:هو حقّ بيّن الحقّة.و هو مصدر.
و جمع الحقاق:حقق،مثال كتاب و كتب.و ربّما جمع على حقائق،مثل إفال و أفائل.
و سقط فلان على حاقّ رأسه،أي وسط رأسه.
و جئته في حاقّ الشّتاء،أي في وسطه.
و الحاقّة:القيامة،سمّيت بذلك لأنّ فيها حواقّ الأمور.
و حاقّه،أي خاصمه و ادّعى كلّ واحد منهما الحقّ، فإذا غلبه قيل:حقّه.
و يقال للرّجل إذا خاصم في صغار الأشياء:«إنّه لنزق الحقاق».
و يقال:ما له فيه حقّ و لا حقاق،أي خصومة.
و التّحاقّ:التّخاصم.
و الاحتقاق:الاختصام.
و تقول:احتقّ فلان و فلان،و لا يقال للواحد،كما لا يقال:اختصم للواحد دون الآخر.
و احتقّ الفرس،أي ضمر.
و طعنة محتقّة،أي لا زيغ فيها،و قد نفذت.
و يقال:رمى فلان الصّيد فاحتقّ بعضا و شرّم بعضا،
ص: 16
أي قتل بعضا و أفلت بعض جريحا.
و حققت حذره أحقّه حقّا،و أحققته أيضا،إذا فعلت ما كان يحذره.
و حقّ له أن يفعل كذا،و هو حقيق أن يفعل كذا، و هو حقيق به،و محقوق به،أي خليق له؛و الجمع:
أحقّاء،و محقوقون.
و حقّ الشّيء يحقّ بالكسر،أي وجب.
و أحققت الشّيء،أي أوجبته،و استحققته،أي استوجبته.
و تحقّق عنده الخبر،أي صحّ.
و حقّقت قوله و ظنّه تحقيقا،أي صدّقت.
و كلام محقّق،أي رصين.
و ثوب محقّق،إذا كان محكم النّسج.
و الحقيقة:خلاف المجاز.
و الحقيقة:ما يحقّ على الرّجل أن يحميه،و فلان حامي الحقيقة.
و يقال:الحقيقة:الرّاية.
و الأحقّ من الخيل:الّذي لا يعرق.
و الحقحقة:أرفع السّير و أتعبه للظّهر.
و في الحديث:إنّ مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير قال لابنه لمّا اجتهد في العبادة:«خير الأمور أوساطها، و الحسنة بين السّيّئتين،و شرّ السّير الحقحقة».و يقال:
هو السّير في أوّل اللّيل،و نهي عن ذلك.
[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](4:1460)
ابن فارس: الحاء و القاف أصل واحد،و هو يدلّ على إحكام الشّيء و صحّته.فالحقّ:نقيض الباطل،ثمّ يرجع كلّ فرع إليه بجودة الاستخراج و حسن التّلفيق.
و يقال:حقّ الشّيء:وجب.
و يقال:حاقّ فلان فلانا،إذا ادّعى كلّ واحد منهما، فإذا غلبه على الحقّ قيل:حقّه و أحقّه.
و احتقّ النّاس في الدّين،إذا ادّعى كلّ واحد الحقّ.
و يقال:طعنة محتقّة،إذا وصلت إلى الجوف لشدّتها، و يقال:هي الّتي تطعن في حقّ الورك.
و يقال:ثوب محقّق،إذا كان محكم النّسج.
و الحقّة من أولاد الإبل:ما استحقّ أن يحمل عليه؛ و الجمع:الحقاق.
و فلان حامي الحقيقة،إذا حمى ما يحقّ عليه أن يحميه.و يقال:الحقيقة:الرّاية.
و الأحقّ من الخيل:الّذي لا يعرق،و هو من الباب، لأنّ ذلك يكون لصلابته و قوّته و إحكامه.و مصدره:
الحقق.
و الحاقّة:القيامة،لأنّها تحقّ بكلّ شيء.قال اللّه تعالى: وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:71.
و الحقحقة:أرفع السّير و أتعبه للظّهر.
و الحقّ:ملتقى كلّ عظمين إلاّ الظّهر،و لا يكون ذلك إلاّ صلبا قويّا.و من هذا:الحقّ من الخشب،كأنّه ملتقى الشّيء و طبقه.و هي مؤنّثة؛و الجمع:حقق.
و يقال:فلان حقيق بكذا و محقوق به.
و تقول:حقّا لا أفعل ذلك،في اليمين.
ص: 17
و يقال:حققت الأمر و أحققته،أي كنت على يقين منه.
و يقال:أحقّت النّاقة من الرّبيع،أي سمنت.
قال رجل لتميميّ: ما حقّة حقّت على ثلاث حقاق؟ قال:هي بكرة معها بكرتان،في ربيع واحد،سمنت قبل أن تسمنا،ثمّ ضبعت و لم تضبعا،ثمّ لقحت و لم تلقحا.
[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](2:15)
أبو هلال :الفرق بين الحقيقة و الذّات:أنّه من لم يعرف الشّيء لم يعرف ذاته،و قد يعرف ذاته من لم يعرف حقيقته.
و الحقيقة أيضا من قبيل القول على ما ذكرنا، و ليست الذّات كذلك.
و الحقيقة عند العرب:ما يجب على الإنسان حفظه، يقولون:هو حامي الحقيقة،و فلان لا يحمي حقيقته.
الفرق بين الحقيقة و الحقّ:أنّ الحقيقة:ما وضع من القول موضعه في أصل اللّغة حسنا كان أو قبيحا،و الحقّ.ما وضع موضعه من الحكمة،فلا يكون إلاّ حسنا،و إنّما شملها اسم التّحقيق لاشتراكهما في وضع الشّيء منهما موضعه،من اللّغة و الحكمة.(21)
الفرق بين الحقيقة و المعنى:أنّ المعنى هو القصد الّذي يقع به القول،على وجه دون وجه،و قد يكون معنى الكلام في اللّغة:ما تعلّق به القصد.
و الحقيقة:ما وضع من القول موضعه منها-على ما ذكرنا-يقال:عنيته أعنيه معنى.و«المفعل»يكون مصدرا و مكانا،و هو هاهنا مصدر،و مثله قولك:دخلت مدخلا حسنا،أي دخولا حسنا.
و لهذا قال أبو عليّ رحمة اللّه عليه:إنّ المعنى هو القصد إلى ما يقصد إليه من القول،فجعل المعنى القصد، لأنّه مصدر.
قال:و لا يوصف اللّه تعالى بأنّه معنى،لأنّ المعنى هو قصد قلوبنا إلى ما نقصد إليه من القول،و المقصود هو المعنيّ،و اللّه تعالى هو المعنيّ و ليس بمعنى.
و حقيقة هذا الكلام أن يكون ذكر اللّه هو المعنيّ، و القصد إليه هو المعنى إذا كان المقصود في الحقيقة حادث.
و قولهم:عنيت بكلامي زيدا،كقولك:أردته بكلامي.و لا يجوز أن يكون«زيد»في الحقيقة مرادا مع وجوده،فدلّ ذلك على أنّه عنى ذكره و أريد الخبر عنه دون نفسه.
و المعنى مقصور على القول دون ما يقصد.أ لا ترى أنّك تقول:معنى قولك كذا،و لا تقول:معنى حركتك كذا،ثمّ توسّع فيه فقيل:ليس لدخولك إلى فلان معنى، و المراد أنّه ليس له فائدة تقصد ذكرها بالقول.
و توسّع في الحقيقة ما لم يتوسّع في المعنى،فقيل:
لا شيء إلاّ و له حقيقة،و لا يقال:لا شيء إلاّ و له معنى.
و يقولون:حقيقة الحركة كذا،و لا يقولون:معنى الحركة كذا.
هذا على أنّهم سمّوا الأجسام و الأعراض معاني،إلاّ أنّ ذلك توسّع و التّوسّع يلزم موضعه المستعمل فيه،و لا يتعدّاه.(22)
ص: 18
الفرق بين الصّدق و الحقّ:أنّ الحقّ أعمّ،لأنّه وقوع الشّيء في موقعه الّذي هو أولى به،و الصّدق:الإخبار عن الشّيء على ما هو به،و الحقّ يكون إخبارا و غير إخبار.(34)
الفرق بين العالم و المتحقّق:أنّ المتحقّق هو المتطلّب حقّ المعنى حتّى يدركه،كقولك:تعلّم،أي أطلب العلم،و لهذا لا يقال:إنّ اللّه متحقّق.
و قيل:التّحقّق لا يكون إلاّ بعد شكّ،تقول:تحقّقت ما قلته،فيفيد ذلك أنّك عرفته بعد شكّ فيه.(65)
الفرق بين قولنا:يحقّ له العبادة،و قولنا:يستحقّ العبادة:أنّ قولنا:يحقّ له العبادة،يفيد أنّه على صفة يصحّ أنّه منعم،و قولنا:يستحقّ،يفيد أنّه قد أنعم و استحقّ؛و ذلك أنّ الاستحقاق مضمّن بما يستحقّ لأجله.(153)
الهرويّ: [نحو أبي عبيد في حديث علي عليه السّلام و أضاف:]
و من رواه«نصّ الحقائق»فهو جمع الحقيقة.يقال:
فلان جاء من الحقيقة،إذا حمى ما يجب عليه أن يحميه.
و في الحديث:«لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتّى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه»يعني خالص الإيمان و محضه.
و الحقّة،الّتي توجد في الصّدقة:هو البعير الّذي استكمل السّنة الثّالثة سمّي بذلك،لأنّه استحقّ الرّكوب و الحمل.
و في حديث عمر«من وراء حقاق العرفط»يعني صغارها و شوابّها تشبيها بحقائق الإبل.
و في الحديث،و قال ابن الأنباريّ: روى العنزيّ بإسناده عن سمّاك،قال:«بعث إلى يوسف بن عمر عامل من عمّاله يذكر أنّه زرع كلّ حقّ و لقّ».فالحقّ:
الأرض المطمئنّة،و اللّقّ:الأرض المرتفعة.
و قال أبو عبيد:الحقحقة:المتعب من السّير،و قال غيره:هو أن يحمل الدّابّة على ما لا تطيقه حتّى يبلغ براكبه.
و في الحديث:«ليس للنّساء أن يحققن الطّريق»أي يركبنه.
و في الحديث:«ما أخرجني إلاّ ما أجد من حاقّ الجوع»يعني شدّته و صادقه.(2:473)
ابن سيده: الحقّ:نقيض الباطل؛و جمعه:حقوق و حقاق،و ليس له بناء أدنى عدد.
و حكى سيبويه:«لحقّ أنّه ذاهب»بإضافة«حقّ» إلى«أنّه»،كأنّه:ليقين ذاك أمرك،و ليست في كلام كلّ العرب،فأمرك هو خبر يقين،لأنّه قد أضافه إلى ذاك، و إذا أضافه إليه لم يجز أن يكون خبرا عنه.قال سيبويه:
سمعنا فصحاء العرب يقولونه.
و قال الأخفش:لم أسمع هذا من العرب،إنّما وجدته في«الكتاب»،و وجه جوازه على قلّته طول الكلام بما أضيف هذا المبتدأ إليه،و إذا طال الكلام جاز فيه من الحذف ما لا يجوز فيه إذا قصر،أ لا ترى إلى ما حكاه الخليل عنهم:ما أنا بالّذي قائل لك شيئا.و لو قلت:ما أنا بالّذي قائم،لقبح.
ص: 19
و حقّ الأمر يحقّ و يحقّ حقّا و حقوقا:صار حقّا و ثبت.و في التّنزيل: قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ القصص:63،أي ثبت.و قوله تعالى: وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:71،أي وجبت و ثبتت،و كذلك: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ يس:
7.
و حقّه يحقّه حقّا و أحقّه:كلاهما أثبته،و صار عنده حقّا لا يشكّ فيه.
و أحقّه:صيّره حقّا.
و حقّه و حقّقه:صدّقه.
و حقّ الأمر يحقّه حقّا و أحقّه:كان منه على يقين.
و حقّ حذر الرّجل يحقّه حقّا،و أحقّه:فعل ما كان يحذره.
و حقّه على الحقّ و أحقّه:غلبه عليه.
و استحقّه:طلب منه حقّه.
و احتقّ القوم:قال كلّ واحد منهم:الحقّ في يدي.
و في الحديث:«متى ما تغلوا تحتقّوا».
و الحقّ:من أسماء اللّه عزّ و جلّ،و قيل:من صفاته.
و في التّنزيل: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ الأنعام:
62،و قوله: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ المؤمنون:
71.
و قول حقّ:وصف به،كما تقول:قول باطل.
و يحقّ عليك أن تفعل كذا:يجب،و الكسر لغة.
و يحقّ لك أن تفعل،و يحقّ لك تفعل.
و حقّ أن تفعل و حقيق أن تفعل.و في التّنزيل:
حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ الأعراف:
105.
و حقيق«فعيل»في معنى«مفعول»كقولك:أنت حقيق أن تفعله،أي محقوق أن تفعله،و يقال للمرأة:
أنت حقيقة لذلك،يجعلونه كالاسم،و محقوقة لذلك.
و الحقّة و الحقّة في معنى الحقّ.
و حقّ لك أن تفعل،و حققت أن تفعل.و ما كان يحقّك أن تفعله،في معنى:ما حقّ لك.
و أحقّ عليك القضاء فحقّ،أي أثبت فثبت.
و الحقيقة:ما يصير إليه حقّ الأمر و وجوبه.
و بلغ حقيقة الأمر،أي يقين شأنه.و في الحديث:
«لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتّى لا يعيب على مسلم بعيب هو فيه».
و حقيقة الرّجل:ما يلزمه الدّفاع عنه من أهل بيته.
و الحقيقة في اللّغة:ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه،و المجاز:ما كان بضدّ ذلك.
و إنّما يقع المجاز و يعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة:
و هي الاتّساع،و التّوكيد،و التّشبيه،فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتّة.
و حقّ الشّيء يحقّ حقّا:وجب،و في التّنزيل وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي السّجدة:13.
و أحقّ الرّجل:ادّعى شيئا فوجب له.
و استحقّ الشّيء:استوجبه،و في التنزيل: فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً المائدة:107،أي استوجباه بالخيانة.
ص: 20
و حاقّه في الأمر محاقّة و حقاقا:ادّعى أنّه أولى بالحقّ منه.و أكثر ما استعملوا هذا في قولهم:حاقّني،أي أكثر ما يستعملونه في فعل الغائب.
و حاقّه فحقّه يحقّه:غلبه،و ذلك في الخصومة، و استيجاب الحقّ.
و رجل نزق الحقاق،إذا خاصم في صغار الأشياء.
و الحاقّة:النّازلة،و هي الدّاهية أيضا.
و الحاقّة:القيامة،و قد حقّت تحقّ.
و من أيمانهم:لحقّ لأفعلنّ،مبنيّة على الضّمّ.
و الحقّ من أولاد الإبل:الّذي بلغ أن يركب و يحمل عليه و يضرب-يعني أن يضرب النّاقة-بيّن الإحقاق و الاستحقاق.
و قيل:إذا بلغت أمّه أوان الحمل من العام المقبل فهو حقّ،و بيّن الحقّة.و قيل:إذا بلغ هو و أخته أن يحمل عليهما فهو حقّ.
و قيل:الحقّ:الّذي استكمل ثلاث سنين،و دخل في الرّابعة؛و الجمع:أحقّ و حقاق،و الأنثى من كلّ ذلك:
حقّة بيّنة الحقّة.
و إنّما حكمه:بيّنة الحقاقة و الحقوقة أو غير ذلك من الأبنية المخالفة للصّفة،لأنّ المصدر في مثل هذا يخالف الصّفة.و نظيره في موافقته هذا الضّرب من المصادر للاسم في البناء قولهم:أسد بيّن الأسد.
و الحقّة أيضا:النّاقة الّتي تؤخذ في الصّدقة إذا جازت عدّتها خمسا و أربعين؛و الجمع من ذلك:حقق و حقاق و حقائق.الأخيرة نادرة.
و الحقّة:نبز أمّ جرير بن الخطفى،و ذلك لأنّ سويد بن كراع خطبها إلى أبيها،فقال له:إنّها لصغيرة ضرعة.
قال سويد:لقد رأيتها و هي حقّة،أي كالحقّة من الإبل في عظمها.
و حقّت الحقّة تحقّ حقّة،و أحقّت كلاهما:صارت حقّة.
و أتت النّاقة على حقّها:تمّ حملها و زادت على السّنة أيّاما،من اليوم الّذي ضربت فيه عاما أوّل.
و قيل:حقّ النّاقة و استحقاقها:تمام حملها.
و صبغت الثّوب صبغا تحقيقا،أي مشبعا.
و الحقّ و الحقّة:هذا المنحوت من الخشب و العاج و غير ذلك،ممّا يصلح أن ينحت منه،عربيّ معروف، قد جاء في الشّعر الفصيح.
و جمع الحقّ:أحقاق و حقاق،و جمع الحقّة:حقق.
و قد قالوا في جمع حقّة:حقّ،يجعلونه من باب سدرة و سدر،و هذا أكثره إنّما هو في المخلوق دون المصنوع.
و نظيره من المصنوع:دواة و دوى و سفينة و سفين.
و الحقّ من الورك:مغرز رأس الفخذ،فيها عصبة إلى رأس الفخذ،إذا انقطعت حرق الرّجل.
و قيل:الحقّ:أصل الورك الّذي به عظم رأس الفخذ.
و الحقّ أيضا:النّقرة الّتي في رأس الكتف.
و حاقّ وسط الرّأس:حلاوة القفا.
و أحقّ القوم من الرّبيع:أسمنوا.عن أبي حنيفة، يريد:سمنت مواشيهم.
ص: 21
و حقّت النّاقة و أحقّت و استحقّت:سمنت.
و الأحقّ من الخيل:الّذي لا يعرق.و هو أيضا:الّذي يضع حافر رجله موضع حافر يديه،و هما عيب.
و بنات الحقيق:ضرب من رديء التّمر،و قيل:
هو الشّيص.
و الحقحقة:شدّة السّير.
و قرب محقحق:جادّ منه.
و سير حقحاق:شديد،و قد حقحق و هقهق على البدل،و قهقه على القلب بعد البدل.[و استشهد بالشّعر 10 مرّات](2:472)
الحقّ:الحزم و الصّدق.و رجل حاقّ الرّجل و حقّ الشّجاع و حاقّتهما:كامل فيهما.(الإفصاح 1:140)
الحقّ:خلاف الباطل،و هو الثّابت بلا شكّ، و النّصيب الواجب للفرد أو الجماعة؛الجمع:حقوق و حقاق.
و حقّ الشّيء يحقّ حقّا:وجب و ثبت،و وقع بلا شكّ.
و حققت الأمر:تيقّنته،أو جعلته لازما.
و حقّ فلانا يحقّه و أحقّه:غلبه على الحقّ في الخصومة.(الإفصاح 1:248)
الحقّ:الّذي يدور فيه الباب من أعلى و أسفل.
(الإفصاح 1:572)
الحقّ:الّذي فصل أخوه؛و ذلك لاستكمال ثلاث و دخول الرّابعة.و قيل:هو الّذي استحقّ أن يركب و يحمل عليه،أو استحقّ الضّراب؛الجمع:أحقّ و حقاق.و الأنثى:حقّ و حقّة؛الجمع:حقق و حقاق؛ و جمع الجمع:حقق.
حقّت الصّغيرة من الإبل تحقّ حقّا و حقّة و أحقّت:
دخلت في الرّابعة و صارت حقّة.(الإفصاح 2:720)
الطّوسيّ: و الحقّ:وضع الشّيء موضعه على وجه تقتضيه الحكمة.و قد استعمل مصدرا على هذا المعنى و صفة،كما جرى ذلك في العدل.قال اللّه تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الحجّ:6،فجرى على طريق الوصف.(4:380)
و الحقّ:وقوع الشّيء في موضعه الّذي هو له،فإذا اعتقد شيء بضرورة أو حجّة فهو حقّ،لأنّه وقع موقعه الّذي هو له،و عكسه الباطل.(5:97)
و الحقّ:هو وضع الشّيء في موضعه على ما تقتضيه الحكمة،و إذا جرى المعنى على ما هو له من الأشياء فهو حقّ،و إذا أجري على ما ليس هو له من الشّيء،فذلك باطل.(6:286)
و الحقّ:قد يكون بمعنى حكم و معنى أمر أو نهي، و معنى وعد أو وعيد و معنى دليل.(9:154)
الرّاغب: أصل الحقّ:المطابقة و الموافقة،كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه على استقامة.[إلى أن قال:]
و الحقيقة:تستعمل تارة في الشّيء الّذي له ثبات و وجود،كقوله صلّى اللّه عليه و سلّم لحارثة:«لكلّ حقّ حقيقة،فما حقيقة إيمانك»؟أي ما الّذي ينبئ عن كون ما تدّعيه حقّا؟
ص: 22
و فلان يحمي حقيقته،أي ما يحقّ عليه أن يحمى.
و تارة تستعمل في الاعتقاد كما تقدّم،و تارة في العمل و في القول،فيقال:فلان لفعله حقيقة،إذا لم يكن مرائيا فيه،و لقوله حقيقة،إذا لم يكن فيه مترخّصا و مستزيدا.و يستعمل في ضدّه المتجوّز و المتوسّع و المتفسّح.
و قيل:الدنيا باطل،و الآخرة حقيقة،تنبيها على زوال هذه و بقاء تلك (1).
و أمّا في تعارف الفقهاء و المتكلّمين،فهي اللّفظ المستعمل فيما وضع له في أصل اللّغة.
و الحقّ من الإبل:ما استحقّ أن يحمل عليه؛ و الأنثى:حقّة،و الجمع:حقاق.
و أتت النّاقة على حقّها،أي على الوقت الّذي ضربت فيه من العام الماضي.(125)
الزّمخشريّ: حقّقت الأمر و أحققته:كنت على يقين منه.
و حقّقت الخبر فأنا أحقّه:وقفت على حقيقته.
و يقول الرّجل لأصحابه إذا بلغهم خبر فلم يستيقنوه:أنا أحقّ لكم هذا الخبر،أي أعلمه لكم و أعرف حقيقته.
فإن قلت:فما وجه قولهم:أنت حقيق بأن تفعل، و أنت محقوق به،و إنّك لمحقوقة بأن تفعلي،و حقيقة به، و حققت بأن تفعل،و حقّ لك أن تفعل؟
قلت:أمّا حقيق،فهو من حقق في التّقدير،كما قال سيبويه في«فقير»:إنّه من فقر مقدّرا،و في«شديد»من شدد.و نظيره:خليق و جدير،من خلق بكذا،و جدر به،و لا يكون«فعيلا»بمعنى«مفعول»،و هو محقوق، لقولهم:أنت حقيقة بكذا،و هذه امرأة حقيقة بالحضانة.
و أمّا حققت بأن تفعل،و أنت محقوق به،فبمعنى جعلت حقيقا به،و هو من باب:فعلته ففعل،كقولك:
قبح و قبحه اللّه و برد الماء و بردته،و حقر و حقرته،و رفع صوته و رفعه.
و يجوز أن يكون من حققت الخبر،أي عرفت بذلك.و تحقّق منك أنّك تفعله لشهادة أحوالك به.
و أمّا حقّ لك أن تفعل،من:حقّ اللّه الأمر،أي جعل حقّا لك أن تفعل،و أثبت لك ذلك.و هذا قول حقّ،و اللّه هو الحقّ.
و حقّا لا آتيك،و لحقّ لأفعل،و هو مشبّه بالغايات، و أصله:لحقّ اللّه،فحذف المضاف إليه و قدّر،و جعل كالغاية.
و أ حقّا أن أظلم،و أ في الحقّ أن أغصب حقّي.
و لمّا رأيت الحاقّة منّي هربت،و روي الحقّة.
و يوم القيامة تكون حواقّ الأمور.
و أحقّ الرّجل،إذا قال حقّا و ادّعاه،و هو محقّ غير مبطل.
و أحقّ اللّه الحقّ:أظهره و أثبته وَ يُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ. الأنفال:7.ه.
ص: 23
و حقّق قوله.و تحقّقت الأمر،و عرفت حقيقته، و وقفت على حقائق الأمور.
و أحققت عليه القضاء:أوجبته،و أحققت حذره و حقّقته،إذا فعلت ما كان يحذر.
و إنّه لحقّ عالم.
و حاققت صاحبي فحققته أحقّه:خاصمته،و ادّعى كلّ منّا الحقّ فغلبته.و كانت بينهما محاقّة و مداقّة.
و احتقّوا في الدّين:اختصموا فيه.
و فلان يسبا الزّقّ بالحقّ،و الزّقاق بالحقاق.
و من المجاز:طعنة محتقّة:لا زيغ فيها،و قد احتقّت طعنتك،أي لم تخطئ المقتل.
و ثوب محقّق النّسج:محكمه.
و كلام محقّق:محكم النّظم.
و رمى فأحقّ الرّميّة،إذا قتله على المكان.و حققت العقدة أحقّها،إذا أحكمت شدّها.
و كان ذلك عند حقّ لقاحها،أي حين ثبت أنّها لاقح.
و أتت النّاقة على حقّها،أي على وقت ضرابها، و معناه دارت السّنة و تمّت مدّة حملها.
و حقّتني الشّمس:بلغتني.و لقيته عند حاقّ باب المسجد،و عند حقّ بابه،أي بقربه.
و سقط على حاقّ القفا،و هو وسطه.
و فلان حامي الحقيقة،و هو من حماة الحقائق،أي يحمي ما لزمه الدّفاع عنه من أهل بيته.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:90)
قال للنّساء:«ليس لكنّ أن تحققن الطّريق،عليكنّ بحافّات الطّريق»هو أن يركبن حقّها و هو وسطها.يقال:
سقط على حاقّ القفا و حقّه.(الفائق 1:299)
الطّبرسيّ: الحقّ:وضع الشّيء في موضعه إذا لم يكن فيه وجه من وجوه القبح.(1:226)
و الحقّ:هو الفعل الّذي لا يجوز إنكاره.و قيل:هو ما علم صحّته سواء كان قولا أو فعلا أو اعتقادا،أو هو مصدر حقّ يحقّ حقّا.(1:266)
و الاستحقاق و الاستيجاب قريبان،و استحقّ عليه كأنّه ملك عليه حقّا،و حققت عليه القضاء حقّا و أحققته،إذا أوجبته.و يكون«حقّ»بمعنى استحقّ.
(2:259)
الفرق بين الأحقّ و الأصلح:أنّ الأحقّ قد يكون من غير صفات الفعل،كقولك:زيد أحقّ بالمال، و الأصلح لا يقع هذا الموقع،لأنّه من صفات الفعل، و تقول:اللّه أحقّ بأن يطاع،و لا تقول:أصلح.
(3:43)
المدينيّ: [نقل حديث ابن عمر و قول الشّافعيّ فيه و أضاف:]
و حكى الطّحاويّ أنّه قال:و يحتمل،ما المعروف في الأخلاق إلاّ هذا من جهة الفرض.
و قال الطّحاويّ ما معناه:أنّ فيه معنى آخر أولى به عنده،و هو أنّ اللّه تعالى حكم على عباده بقوله تعالى:
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ... البقرة:
180،ثمّ نسخ الوصيّة للوارث على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:
ص: 24
«إنّ اللّه أعطى كلّ ذي حقّ حقّه فلا وصيّة لوارث».
و إن كان لم يرد إلاّ من جهة واحدة،في حديث شرحبيل عن أبي أمامة،غير أنّهم قبلوا ذلك و احتجّوا به،فبقي من سوى الوارث من الأقرباء مأمورا بالوصيّة له.
في حديث المقدام أبي كريمة:«ليلة الضّيف حقّ،فمن أصبح بفنائه ضيف فهو عليه دين».
قال الخطّابيّ: رآها حقّا من طريق المعروف و العادة المحمودة،و لم يزل قرى الضّيف من شيم الكرام،و منع القرى مذموم،و صاحبه ملوم،و قد قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليكرم ضيفه».
و في رواية:«أيّما رجل ضاف قوما فأصبح محروما، فإنّ نصره حقّ على كلّ مسلم حتّى يأخذ قرى ليلته من زرعه و ماله».
و يشبه أن يكون هذا في المفطر الّذي لا يجد ما يطعمه و يخاف التّلف على نفسه،كان له أن يتناول من مال أخيه ما يقيم به نفسه...في كتابه صلّى اللّه عليه و سلّم لحصين«أنّ له كذا و كذا،لا يحاقّه فيها أحد».
قال أحمد:حاقّ فلان فلانا،إذا خاصمه و ادّعى كلّ واحد منهما أنّه حقّه،فإذا حقّه غلبه.
و حقّ الشّيء:وجب.
و في الحديث:«متى يغلوا في القرآن يحتقّوا»أي يختصموا.
و في حديث زيد:«لبّيك حقّا حقّا،تعبّدا و رقّا».
قوله:«حقّا»مصدر مؤكّد لغيره،المعنى أنّه الدّين،يعني:
ألزم طاعتك الّذي دلّ عليه«لبّيك»كما تقول:هذا عبد اللّه حقّا،توكيد مضمون ب«لبّيك»،و تكريره لزيادة التّأكيد.و قوله:«تعبّدا»مفعول له.(1:471)
ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الحقّ»هو الموجود حقيقة المتحقّق وجوده و إلهيّته.
و الحقّ:ضدّ الباطل.
و منه الحديث:«من رآني فقد رأى الحقّ»أي رؤيا صادقة ليست من أضغاث الأحلام.و قيل:فقد رآني حقيقة غير مشبّه.
و منه الحديث:«أمينا حقّ أمين»أي صدقا.و قيل:
واجبا ثابتا له الأمانة.
و منه الحديث:«أ تدري ما حقّ العباد على اللّه؟»أي ثوابهم الّذي وعدهم به،فهو واجب الإنجاز،ثابت بوعده الحقّ.
و منه حديث عمر:«أنّه لمّا طعن أوقظ للصّلاة، فقال:الصّلاة و اللّه إذا،و لا حقّ»أي لا حظّ في الإسلام لمن تركها.
و قيل:أراد الصّلاة مقضيّة إذا،و لا حقّ مقضيّ غيرها،يعني في عنقه حقوقا جمّة يجب عليه الخروج من عهدتها،و هو غير قادر عليه.فهب أنّه قضى حقّ الصّلاة فما بال الحقوق الأخر؟
و في حديث الحضانة:«فجاء رجلان يحتقّان في ولد»أي يختصمان،و يطلب كلّ واحد منهما حقّه.
و منه الحديث:«من يحاقّني في ولدي».
و حديث وهب:«كان فيما كلّم اللّه أيّوب عليه السّلام:
ص: 25
أ تحاقّني بخطئك؟».
[ذكر نحو أبي عبيد في حديث عليّ عليه السّلام و أضاف:]
و قيل:أراد بنصّ الحقاق:بلوغ العقل و الإدراك، لأنّه إنّما أراد منتهى الأمر الّذي تجب فيه الحقوق.
و قيل:المراد بلوغ المرأة إلى الحدّ الّذي يجوز فيه تزويجها و تصرّفها في أمرها،تشبيها بالحقاق من الإبل؛ جمع حقّ و حقّة،و هو الّذي دخل في السّنة الرّابعة،و عند ذلك يتمكّن من ركوبه و تحميله.
و يروى«نصّ الحقائق»جمع الحقيقة:و هو ما يصير إليه حقّ الأمر و وجوبه،أو جمع الحقّة من الإبل.
و منه قولهم:«فلان حامي الحقيقة»إذا حمى ما يجب عليه حمايته.
و فيه:«لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتّى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه»،يعني خالص الإيمان و محضه و كنهه.
و في حديث الزّكاة ذكر«الحقّ و الحقّة»و هو من الإبل ما دخل في السّنة الرّابعة إلى آخرها.و سمّي بذلك لأنّه استحقّ الرّكوب و التّحميل؛و يجمع على:حقاق و حقائق.
و منه حديث عمر:«من وراء حقاق العرفط»أي صغارها و شوابّها،تشبيها بحقاق الإبل.
و في حديث أبي بكر:«أنّه خرج في الهاجرة إلى المسجد،فقيل له:ما أخرجك؟قال:ما أخرجني إلاّ ما أجد من حاقّ الجوع»أي صادقه و شدّته.
و يروى بالتّخفيف،من حاق به يحيق حيقا و حاقّا، إذا أحدق به،يريد:من اشتمال الجوع عليه.فهو مصدر أقامه مقام الاسم،و هو مع التّشديد اسم فاعل من حقّ يحقّ.
و في حديث تأخير الصّلاة:«و تحتقّونها إلى شرق الموتى»أي تضيّقون وقتها إلى ذلك الوقت.يقال:هو في حاقّ من كذا،أي في ضيق،هكذا رواه بعض المتأخّرين و شرحه.
و فيه:«ليس للنّساء أن يحققن الطّريق»هو أن يركبن حقّها،و هو وسطها.يقال:سقط على حاقّ القفا و حقّه.
و في حديث حذيفة:«ما حقّ القول على بني إسرائيل حتّى استغنى الرّجال بالرّجال و النّساء بالنّساء» أي وجب و لزم.
و في حديث يوسف بن عمر:«إنّ عاملا من عمّالي يذكر أنّه زرع كلّ حقّ و لقّ»الحقّ:الأرض المطمئنّة، و اللّقّ:المرتفعة.(1:413)
الفيّوميّ: الحقّ:خلاف الباطل،و هو مصدر:حقّ الشّيء،من بابي:ضرب و قتل،إذا وجب و ثبت.و لهذا يقال لمرافق الدّار:حقوقها.و حقّت القيامة تحقّ،من باب«قتل»:أحاطت بالخلائق فهي حاقّة.و من هنا قيل:حقّت الحاجة،إذا نزلت و اشتدّت،فهي حاقّة أيضا.
و حققت الأمر أحقّه،إذا تيقّنته أو جعلته ثابتا لازما.و في لغة بني تميم:أحققته بالألف.و حقّقته بالتّثقيل مبالغة.
ص: 26
و حقيقة الشّيء:منتهاه،و أصله المشتمل عليه.
و فلان حقيق بكذا،بمعنى خليق،و هو مأخوذ من الحقّ الثّابت.
و قولهم:هو أحقّ بكذا،يستعمل بمعنيين:
أحدهما:اختصاصه بذلك من غير مشاركة،نحو:
زيد أحقّ بماله،أي لا حقّ لغيره فيه.
و الثّاني:أن يكون أفعل التّفضيل،فيقتضي اشتراكه مع غيره و ترجيحه على غيره،كقولهم:زيد أحسن وجها من فلان،و معناه ثبوت الحسن لهما و ترجيحه للأوّل،قاله الأزهريّ و غيره.
و من هذا الباب:«الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها»فهما مشتركان،و لكن حقّها آكد.
و استحقّ فلان الأمر:استوجبه-قاله الفارابيّ و جماعة-فالأمر مستحقّ بالفتح اسم مفعول،و منه قولهم:خرج المبيع مستحقّا.
و أحقّ الرّجل بالألف:قال حقّا أو أظهره أو ادّعاه، فوجب له،فهو محقّ.
و الحقّ بالكسر من الإبل:ما طعن في السّنة الرّابعة؛ و الجمع:حقاق،و الأنثى:حقّة؛و جمعها:حقق،مثل سدرة و سدر.
و أحقّ البعير إحقاقا:صار حقّا.قيل:سمّي بذلك لأنّه استحقّ أن يحمل عليه.
و حقّة بيّنة الحقّة بكسرهما؛فالأولى النّاقة،و الثّانية مصدر،و لا يكاد يعرف لها نظير.
و في الدّعاء:«حقّ ما قال العبد»هو مرفوع خبر مقدّم،و«ما قال العبد»:مبتدأ،و قوله:«كلّنا لك عبد» جملة بدل من هذه الجملة.
و في رواية:«أحقّ»،و«كلّنا»بزيادة ألف و واو.
فأحقّ:خبر مبتدإ محذوف،و ما قال العبد:مضاف اليه، و التّقدير:هذا القول أحقّ ما قال العبد،و«كلّنا لك عبد» جملة ابتدائيّة.
و حاققته:خاصمته لإظهار الحقّ،فإذا ظهرت دعواك قيل:أحققته بالألف.(1:144)
الجرجانيّ: الحقّ:اسم من أسمائه تعالى،و الشّيء الحقّ،أي الثّابت حقيقة.و يستعمل في الصّدق و الصّواب أيضا،يقال:قول حقّ و صواب.
الحقّ في اللّغة:هو الثّابت الّذي لا يسوغ إنكاره،و في اصطلاح أهل المعاني:هو الحكم المطابق للواقع،يطلق على الأقوال و العقائد و الأديان و المذاهب،باعتبار اشتمالها على ذلك،و يقابله الباطل.
و أمّا الصّدق فقد شاع في الأقوال خاصّة،و يقابله الكذب.و قد يفرّق بينهما بأنّ المطابقة تعتبر في الحقّ من جانب الواقع و في الصّدق من جانب الحكم،فمعنى صدق الحكم مطابقته للواقع،و معنى حقّيّته مطابقة الواقع إيّاه.
الحقيقة:اسم لما أريد به ما وضع له«فعيلة»من حقّ الشّيء إذا ثبت،بمعنى«فاعلة»أي حقيق.و التّاء فيه للنّقل من الوصفيّة إلى الاسميّة،كما في العلاّمة، لا للتّأنيث.
و في الاصطلاح:هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح به التّخاطب،احترز به عن المجاز الّذي
ص: 27
استعمل فيما وضع له في اصطلاح آخر غير اصطلاح به التّخاطب،كالصّلاة إذا استعملها المخاطب بعرف الشّرع في الدّعاء،فإنّها تكون مجازا لكون الدّعاء غير ما وضعت هي له في اصطلاح الشّرع،لأنّها في اصطلاح الشّرع وضعت للأركان و الأذكار المخصوصة،مع أنّها موضوعة للدّعاء في اصطلاح اللّغة.
الحقيقة:كلّ لفظ يبقى على موضوعه.و قيل:ما اصطلح النّاس على التّخاطب به.
الحقيقة:هو الشّيء الثّابت قطعا و يقينا.يقال:حقّ الشّيء،إذا ثبت،و هو اسم للشّيء المستقرّ في محلّه،فإذا أطلق يراد به ذات الشّيء الّذي وضعه واضع اللّغة في الأصل،كاسم الأسد للبهيمة،و هو ما كان قارّا في محلّه، و المجاز ما كان قارّا في غير محلّه.
حقيقة الشّيء:ما به الشّيء هو هو،كالحيوان النّاطق للإنسان،بخلاف مثل الضّاحك و الكاتب،ممّا يمكن تصوّر الإنسان بدونه.و قد يقال:إنّ ما به الشّيء هو هو باعتبار تحقّقه حقيقة،و باعتبار تشخّصه هويّة، و مع قطع النّظر عن ذلك ماهيّة.
الحقيقة العقليّة:جملة أسند فيها الفعل إلى ما هو الفاعل عند المتكلّم،كقول المؤمن:أنبت اللّه البقل، بخلاف:«نهاره صائم»فإنّ الصّوم ليس للنّهار.
حقّ اليقين:عبارة عن فناء العبد في الحقّ و البقاء به علما و شهودا و حالا،لا علما فقط.فعلم كلّ عاقل علم اليقين،فإذا عاين الملائكة فهو عين اليقين،فإذا ذاق الموت فهو حقّ اليقين.
و قيل:علم اليقين:ظاهر الشّريعة،و عين اليقين:
الإخلاص،و حقّ اليقين:المشاهدة فيها.
حقيقة الحقائق:هي المرتبة الأحديّة الجامعة بجميع الحقائق،و تسمّى حضرة الجمع و حضرة الوجود.
حقائق الأسماء:هي تعيّنات الذّات و نسبها،إلاّ أنّها صفات يتميّز بها الإنسان بعضها عن بعض.
الحقيقة المحمّديّة:هي الذّات مع التّعيّن الأوّل،و هو الاسم الأعظم.(40)
الفيروزآباديّ: الحقّ:من أسماء اللّه تعالى أو من صفاته،و القرآن،و ضدّ الباطل،و الأمر المقضيّ، و العدل،و الإسلام،و المال،و الملك،و الموجود الثّابت.
و الصّدق،و الموت،و الحزم،و واحد الحقوق.و الحقّة:
أخصّ منه،و حقيقة الأمر.
و قولهم:عند حقّ لقاحها و يكسر،أي حين ثبت ذلك فيها.
و سقط على حقّ رأسه و حاقّه:وسطه.
و حاقّ الجوع:صادقه.
و رجل حاقّ الرّجل و حاقّ الشّجاع و حاقّتهما:
كامل فيهما.
و الحاقّة:النّازلة الثّابتة كالحقّة،و القيامة تحقّ،لأنّ فيها حواقّ الأمور،أو تحقّ لكلّ قوم عملهم.
و حقّه كمدّه:غلبه على الحقّ كأحقّه،و الشّيء:
أوجبه كأحقّه و حقّقه،و الطّريق:ركب حاقّه،و فلانا:
ضربه في حاقّ رأسه أو في حقّ كتفه للنّقرة الّتي على رأس الكتف.
ص: 28
و الأمر يحقّ و يحقّ حقّة بالفتح:وجب،و وقع بلا شكّ،لازم و متعدّ.
و حققت حذره حقّا:فعلت ما كان يحذره،و الأمر:
تحقّقته و تيقّنته،و فلانا:أتيته.
و حقّ لك أن تفعل ذا بالضّمّ،و حققت أن تفعله بمعنى،و هو حقيق به،و حقّ جدير.
و الحقيقة:ضدّ المجاز،و ما يحقّ عليك أن تحميه، و الرّاية.
و بنات الحقيق كزبير:تمر.
و قرب حقحاق:جادّ.
و الحقّة بالضّمّ:وعاء من خشب؛الجمع:حقّ و حقوق و حقق و أحقاق و حقاق،و الدّاهية و يفتح، و المرأة،و بلا هاء:بيت العنكبوت،و رأس الورك الّذي فيه عظم الفخذ،و رأس العضد الّذي فيه الوابلة، و الأرض المستديرة أو المطمئنّة،و الجحر في الأرض.
و الحقّيّ: تمر.
و الحقّ بالكسر:من الإبل الدّاخل في الرّابعة،و قد حقّت تحقّ حقّة و حقّا بكسر هما و أحقّت،و هي حقّ و حقّة بيّنة الحقّة بالكسر أيضا،و لا نظير لها.الجمع:
حقق كعنب و حقاق؛و جمع الجمع:حقق بضمّتين،سمّي لأنّه استحقّ أن يركب،أو استحقّ الضّراب.
و الحقّ أيضا أن تزيد النّاقة على الأيّام الّتي ضربت فيها،و النّاقة الّتي سقطت أسنانها هرما.
و الحقّة بالكسر:الحقّ الواجب،هذه حقّتي و هذا حقّي،يكسر مع التّاء،و يفتح دونها.
و أمّ حقّة:اسم امرأة،و الحقّة:لقب أمّ جرير الشّاعر.
و حقاق العرفط:صغاره،و إذا بلغن،أي النّساء:
نصّ الحقاق أو الحقائق،فالعصبة أولى،أي إذا بلغن الغاية الّتي عقلن فيها و عرفن فيها حقائق الأمور،أو قدرن فيها على الحقاق أي الخصام،أو حوق فيهنّ أي خوصم،فقال كلّ من الأولياء:أنا أحقّ بها،أو المعنى:
إذا بلغن نهاية الصّغار،أي الوقت الّذي ينتهي فيه صغرهنّ.
و إنّه لنزق الحقاق،أي مخاصم في صغار الأشياء.
و الأحقّ:الفرس يضع حافر رجله موضع يده عيب،و الّذي لا يعرق؛و مصدرهما:الحقق محرّكة.
و أحققته:أوجبته،و البكرة:استوفت ثلاث سنين و صارت حقّة،و الرّميّة:قتلها.
و المحقّ:ضدّ المبطل.
و المحاقّ من المال:الّتي لم تنتجن في العام الماضي و لم يحلبن.
و حقّقه تحقيقا:صدّقه.
و المحقّق من الكلام:الرّصين،و من الثّياب:المحكم النّسج.
و الاحتقاق:الاختصام.و طعنة محتقّة:لا زيغ فيها و قد نفذت،و احتقّا:اختصما،و المال:سمن،و به الطّعنة:
قتلته أو أصابت حقّ وركه،و الفرس:ضمر.
و انحقّت العقدة:انشدّت.
و استحقّه:استوجبه.
ص: 29
و تحقّق الخبر:صحّ.
و الحقحقة:أرفع السّير و أتعبه للظّهر،أو اللّجاج في السّير،أو السّير أوّل اللّيل،أو أن يلجّ في السّير حتّى تعطب راحلته أو تنقطع.
و التّحاقّ:التّخاصم،و حاقّه:خاصمه.(3:228)
الطّريحيّ: و الحقّ:من أسمائه تعالى،و هو الموجود المتحقّق وجوده و إلهيّته.
و الحقّ:ضدّ الباطل.
و حقائق الشّيء:ما حقّ و ثبت.
و في حديث وصفه تعالى:«لا تدركه العقول بمشاهدة العيان،و لكن تدركه العقول بحقائق الإيمان».
قال بعض الشّارحين:حقائق الإيمان:أركانه،و هو التّصديق بوجوده تعالى و وحدانيّته،و اعتبار أسمائه الحسنى،و محصّله الحقائق الّتي ثبت بها الإيمان.
و أعط كلّ ذي حقّ حقّه،أي حظّه و نصيبه الّذي فرض له.
و فلان حامي الحقيقة،إذا حمى ما يجب عليه حمايته.
و حقيقة الشّيء:كنهه.
و كلام محقّق،أي رصين.
و الحقّ:أصله المطابقة و الموافقة،و يأتي فيما ذكر على وجوه متعدّدة،يستعمل استعمال الواجب و اللاّزم و الجدير.
و أمّا حقّ اللّه،فهو بمعنى الواجب و اللاّزم.
و أمّا حقّ العباد،فهو على معنى الجدير،من حيث إنّ الإحسان إلى من لم يتّخذ ربّا سواه مطابق للحكمة.
و يجوز أن يكون سمّاه حقّا،لأنّه في مقابلة حقّ اللّه من جهة الثّواب.
و الحقيقة في مصطلح العلماء:ما قابل المجاز،و هي «فعيلة»من الحقّ الثّابت المقابل للباطل،أو المثبّت،لأنّ «فعيلا»تارة يكون بمعنى«فاعل»ك«عليم»و«قدير»، و تارة بمعنى«مفعول»ك«جريح»و«قتيل».
قيل:و التّاء فيه للنّقل من الوصفيّة إلى الاسميّة الصّرفة،فلذا لا يقال:شاة أكيلة و لا نطيحة.
و الحقيقة لغويّة و عرفيّة،و في ثبوت الشّرعيّة خلاف.
و في حديث الأخذ بالكتاب و السّنّة«إنّ على كلّ حقّ حقيقة و على كلّ صواب نورا».
قيل في معناه:إنّ كلّ واقعة ورد فيها حكم من اللّه، نصب عليها دليلا يدلّ عليها.
و حققت الأمر أحقّه،إذا تيقّنته و جعلته ثابتا لازما.
و في لغة:أحققته،و حقّقته مشدّدا مبالغة.
و حاقّه:خاصمه و ادّعى كلّ واحد منهما الحقّ،فإذا غلبه قيل:حقّه.
و منه حديث الحضانة«فجاء رجلان يتحاقّان في ولد»أي يختصمان و يطلب كلّ واحد منهما حقّه.
و ما له فيه حقّ،أي خصومة.
و التّحاقّ:التّخاصم.
و في الدّعاء:«حقّ ما قال العبد»قيل:هو مرفوع على أنّه خبر مقدّم.
ص: 30
و استحقّ فلان الأمر،أي استوجبه.
و منه:«إذا استحققت ولاية اللّه و السّعادة-إن كنت مستحقّهما و مستوجبهما بعمل صالح-جاء الأجل بين العينين و ذهب الأمل،و إذا استحققت ولاية الشّيطان و الشّقاوة-إن كنت مستحقّا لهما بعمل فاسد غير صالح- جاء الأمل بين العينين،و ذهب الأجل وراء الظّهر».
و استحقّ المبيع على المشتري،أي ملكه.
و فيه:«لا تتعرّضوا للحقوق»أي لا تشغلوا ذممكم بحقوق النّاس،و لا بحقوق اللّه،و لكن إذا شغلتم ذممكم فاصبروا لها،و تحمّلوا مشاقّها.
و المراد بحقوق النّاس:الضّمان و الكفالات و غير ذلك،و حقوق اللّه كنذر و نحوه.(5:148)
محمّد إسماعيل إبراهيم:حقّ الأمر:ثبت و وجب و صحّ.
و حقّ عليه أن يفعل كذا:وجب عليه،و حقّ لك أن تفعل كذا:كان حقيقا بك أن تفعله.
حقّت الحاجة:نزلت و اشتدّت.
و استحقّ الثّناء:استوجبه.
و الحقّ:ضدّ الباطل،أو أحد الحقوق الواجبة.
و القصص الحقّ:الّذي لا شكّ في صحّته.
و حقيق بكذا:جدير به،و حقيق عليّ:جدير بي.
و يحقّ الحقّ:يثبته و يؤيّده.
فحقّ عليها القول:وجب عليها أن تستحقّ العذاب.
و استحقّ الإثم:فعل ما يوجب جزاء الذّنب.
وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ الانشقاق:2،أي حقّ لها أن تسمع و تطيع و تمتثل.
و الحاقّة:القيامة،لأنّها محقّقة الوقوع.
و أحقّ بكذا:أكثر استحقاقا.
و الحقّ من أسماء اللّه الحسنى،بمعنى الثّابت الوجود سرمدا.
اِتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ آل عمران:102،أي اتّقاء حقّا،أي ثابتا واجبا؛و ذلك بأداء ما كلّفتم به،و ما قدروا اللّه حقّ قدره،أي ما عظّموا اللّه حقّ تعظيمه.
(1:141)
مجمع اللّغة :1-حقّ الأمر يحقّ،بكسر الحاء و ضمّها في المضارع حقّا:ثبت و وجب.
2-حقّ الأمر يحقّه:أثبته.و حقّ له،بفتح الحاء و ضمّها:ثبت له،أو أثبت له.
3-و أحقّ اللّه الحقّ:أظهره و أثبته للنّاس.
4-استحقّ الشّيء يستحقّه:استوجبه.
و استحقّ عليه:وقع عليه.
5-الحقّ هو الثّابت الصّحيح،و هو ضدّ الباطل.
و الحقّ:لفظ كثير الورود في الكتاب الكريم،و المراد منه على سبيل التّعيين يختلف باختلاف المقام الّذي وردت فيه الآيات،و معناه العامّ لا يخلو من معنى الثّبوت و المطابقة للواقع.
فالحقّ:هو اللّه،لأنّه هو الموجود الثّابت لذاته.
و الحقّ:كتب اللّه و ما فيها من العقائد و الشّرائع و الحقائق.
و الحقّ:الواقع لا محالة الّذي لا يتخلّف.
ص: 31
و الحقّ:أحد حقوق العباد،و هو ما وجب للغير و يتقاضاه.
و الحقّ:العلم الصّحيح.
و الحقّ:العدل.
و الحقّ:الصّدق.
و الحقّ:البيّن الواضح.
و الحقّ:الواجب الّذي ينبغي أن يطلب.
و الحقّ:الحكمة الّتي فعل الفعل لها.
و الحقّ:قد يراد به البعث.
و الحقّ:المسوّغ بحسب الواقع.
و الحقّ:التّامّ الكامل.
و إذا أضيف الحقّ إلى المصدر كان معناه أنّه على أكمل وجه.(1:276)
العدنانيّ: و يقولون:حقّ لك أن تفعل كذا،أي وجب عليك،و الصّواب:حقّ لك أن تفعل كذا،و قد جاء في الآيتين:2 و 5 من سورة الانشقاق: وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ أي حقّ لها أن تفعل ذلك.
و يجوز أن نقول أيضا:حقّ عليك أن تفعل كذا و حققت أن تفعل كذا.
و جاء في«اللّسان»:حققت أن تفعل كذا.
و حقّ الشّيء يحقّ حقّا:وجب.
و جاء في«الصّحاح»:حقّ له أن يفعل كذا،و هو حقيق أن يفعل كذا،و هو حقيق به و محقوق به،أي خليق له؛و الجمع:أحقّاء و محقوقون.
(معجم الأخطاء الشّائعة:68)
1-فريقا هدى و فريقا حقّ عليهم الضّلالة.
الأعراف:30
ابن عبّاس: وجب.(126)
مثله البغويّ(2:188)،و الميبديّ(3:594)، و الطّبرسيّ(2:411)،و كثير من التّفاسير.لاحظ:
«هدي»،و«ض ل ل».
الزّجّاج: معناه إنّه أضلّ فريقا حقّ عليهم الضّلالة...(2:331)
أبو السّعود :بمقتضى القضاء السّابق التّابع للمشيئة،المبنيّة على الحكم البالغة.(2:489)
البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]
إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللّهِ الأعراف:30.تعليل لما قبله،أي حقّت عليهم الضّلالة لاتّخاذهم الشّياطين أولياء،و قبولهم ما دعوا إليه بدون التّأمّل في التّمييز بين الحقّ و الباطل،و كلّ واحد من الهدى و الضّلال و إن كان يحصل بخلق اللّه تعالى إيّاه ابتداء،إلاّ أنّه يخلق ذلك حسبما اكتسبه العبد،و سعى في حصوله فيه.(3:153)
رشيد رضا :و معنى حقّت عليهم الضّلالة:ثبتت بثبوت أسبابها الكسبيّة،لا أنّها جعلت غريزة لهم فكانوا مجبورين عليها.يدلّ على هذا تعليلها على طريق الاستئناف البيانيّ،بقوله تعالى: إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ
ص: 32
الأعراف:30(8:376)
ابن عاشور :و معنى: حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ ثبتت لهم الضّلالة و لزموها،و لم يقلعوا عنها،و ذلك أنّ المخاطبين كانوا مشركين كلّهم،فلمّا أمروا بأن يعبدوا اللّه مخلصين،افترقوا فريقين:فريقا هداه اللّه إلى التّوحيد، و فريقا لازم الشّرك و الضّلالة،فلم يطرأ عليهم حال جديد.و بذلك يظهر حسن موقع لفظ(حقّ)هنا دون أن يقال:أضلّه اللّه،لأنّ ضلالهم قديم مستمرّ اكتسبوه لأنفسهم،كما قال في نظيره: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ. ثمّ قال: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ النّحل:36 و 37، فليس تغيير الأسلوب بين فَرِيقاً هَدى و بين «و فريقا حقت عليهم الضلالة»تحاشيا عن إسناد الإضلال إلى اللّه،كما توهّمه صاحب«الكشّاف»لأنّه قد أسند الإضلال إلى اللّه في نظير هذه الآية كما علمت و في آيات كثيرة،و لكنّ اختلاف الأسلوب لاختلاف الأحوال.
و جرّد فعل(حقّ)عن علامة التّأنيث،لأنّ فاعله غير حقيقيّ التّأنيث،و قد أظهرت علامة التّأنيث في نظيره: وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ. (8:70)
مكارم الشّيرازيّ: ما خلاصته:يصف فيها ردود الفعل من النّاس قبال هذه الدّعوة«إلى التّوحيد و الخير»و علّلها ب إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ...
أي هم الباعث على هذه الضّلالة دون اللّه.(5:20)
راجع ض ل ل:«الضّلالة»و ف ر ق:«فريقا».
2- أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً. الإسراء:16
ابن عبّاس: وجب القول عليها بالعذاب.(234)
مثله زيد بن عليّ(248)،و البغويّ(3:125)، و الطّبرسيّ(3:406).
الطّبريّ: فوجب عليهم بمعصيتهم اللّه و فسوقهم فيها،وعيد اللّه الّذي أوعد من كفر،و خالف رسله من الهلاك بعد الإعذار و الإنذار،بالرّسل و الحجج.
(15:57)
الميبديّ: أي ظهر صدق خبر اللّه عنهم أنّهم لا يؤمنون.و قيل:وجب عليها ما وعد على الفسق بقول سابق لا يقع فيه خلف.(5:531)
الفخر الرّازيّ: يريد:استوجبت العذاب،و هذا كالتّفسير لقوله تعالى: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15،و قوله: وَ ما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً القصص:59، و قوله: ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها غافِلُونَ الأنعام:131،فلمّا حكم تعالى في هذه الآيات أنّه تعالى لا يهلك قرية حتّى يخالفوا أمر اللّه،فلا جرم ذكر هاهنا أنّه يأمرهم فإذا خالفوا الأمر،فعند ذلك استوجبوا الإهلاك المعبّر عنه بقوله: فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ. (20:175)
أبو السّعود :أي ثبت و تحقّق موجبه بحلول العذاب،إثر ما ظهر منهم من الفسق و الطّغيان.
(3:118)
ص: 33
البروسويّ: أي فوجبت لها الشّقاوة بمخالفة الشّريعة.(5:144)
الآلوسيّ: أي كلمة العذاب السّابق بحلوله أو بظهور معاصيهم،أو بانهماكهم فيها.(15:44)
فضل اللّه : فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ الإلهيّ الّذي تفرضه سننه الكونيّة.(14:71)
3- ...وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَ مَنْ يُهِنِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ... الحجّ:18
ابن عبّاس: وجب عليهم عذاب النّار و هم الكافرون.(278)
و كثير من النّاس يوحّده،و كثير حقّ عليه العذاب ممّن لا يوحّده.(الفخر الرّازيّ 23:20)
أبو حيّان :و قرئ (و كثير حقّا) أي حقّ عليهم العذاب حقّا،و قرئ (حقّ) بضمّ الحاء من مفعول مقدّم ب(يهن).(6:359)
نحوه أبو السّعود.(4:374)
البروسويّ: ثبت عَلَيْهِ الْعَذابُ بسبب كفره و إبائه عن الطّاعة.(6:17)
الآلوسيّ: أي ثبت و تقرّر.(17:132)
عبد الكريم الخطيب :هو استئناف،أي و كثير من النّاس لا يسجدون للّه،فحقّ عليهم العذاب،أي وجب و لزم.(9:1007)
4- قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا... القصص:63
ابن عبّاس: وجب عليهم القول.(329)
مثله الطّبريّ(20:98)،و البغويّ(3:541)، و الزّمخشريّ(3:187)،و أبو حيّان(7:128)، و الشّربينيّ(3:112).
النّسفيّ: وجب عليه مقتضاه و ثبت،و هو قوله:
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ السّجدة:
13.(3:242)
نحوه أبو السّعود(5:132)،و البروسويّ(6:
421)،و الآلوسيّ(20:100).
الطّباطبائيّ: [بعد أن أشار إلى تقسيم النّاس إلى صنفين:عباد اللّه المكرمين،و المشركين قال:]و الّذين يشير إليهم قوله: قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ هم من الصّنف الثّاني،بدليل ذكرهم إغواءهم،و تبرّيهم من عبادتهم.و هؤلاء المشركون و إن كانوا أنفسهم أيضا ممّن حقّ عليهم القول،كما يشير إليه قوله: حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ السّجدة:13، و لكنّ المراد بهم في الآية المبحوث عنها:المتبوعون منهم ينتهي إليهم الشّرك و الضّلال.(16:64)
5- وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ. السّجدة:13 جاءت بمعنى الآية السّابقة
ص: 34
كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. يونس:33
ابن عبّاس: وجبت.(173)
مثله الثّعلبيّ(5:131)،و البغويّ(3:419)، و الميبديّ(4:287).
الطّبريّ: وجب عليهم قضاؤه و حكمه في السّابق من علمه.(11:114)
الزّجّاج: الكاف في موضع نصب،أي مثل أفعالهم جازاهم ربّك.(3:18)
الطّوسيّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]و قيل:في المشبّه به كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ قولان:
أحدهما:المعنى في أنّه ليس بعد الحقّ إلاّ الضّلال، فشبّه به كلمة الحقّ بأنّهم لا يؤمنون في الصّحّة.
الثّاني:ما تقدّم من العصيان،شبّه به الجزاء بكلمة العذاب في الوقوع على المقدار،و إنّما أطلق في الّذين فسقوا أنّهم لا يؤمنون،لأنّه أريد به الّذين تمرّدوا في كفرهم.(5:429)
نحوه الفخر الرّازيّ.(17:88)
القشيريّ: سبق لهم الحكم،و صدق فيهم القول، فلا لحكمه تحويل و لا لقوله تبديل،فإنّ العلل لا تغيّر الأزل.(3:94)
الزّمخشريّ: أي كما حقّ و ثبت أنّ الحقّ بعده الضّلال أو كان حقّ أنّهم مصروفون عن الحقّ،فكذلك حقّت كلمة ربّك.(2:236)
ابن الجوزيّ: [نقل قول الزّجّاج ثمّ قال:]
و المعنى:حقّ عليهم أنّهم لا يؤمنون.(4:29)
لاحظ:ك ل م:«كلمة».
1- إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ* وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ.
الانشقاق:1،2
ابن عبّاس: حقّ لها أن تفعل.(505)
نحوه سعيد بن حبير(الطّبريّ 30:113)،و قتادة (الماورديّ 6:234)،و الفرّاء(3:249)،و الزّجّاج(5:
303).
حقّقت لطاعة ربّها.(الطّبريّ 30:113)
الضّحّاك: أطاعت.(الماورديّ 6:234)
و حقّ لها أن تطيع ربّها،لأنّه خلقها.
(القرطبيّ 19:367)
الطّبريّ: و حقّق اللّه عليها الاستماع بالانشقاق، و الانتهاء إلى طاعته في ذلك.(30:113)
الماورديّ: فيه وجهان:
أحدهما:[قول الضّحّاك]
الثّاني:[قول قتادة]
و يحتمل وجها ثالثا:أنّها جمعت،مأخوذ من اجتماع الحقّ على نافيه.
و حكى ابن الأنباريّ أنّ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ جواب القسم،و الواو زائدة.(6:234)
ص: 35
الطّوسيّ: [ذكر قول ابن عبّاس و غيره و أضاف:] و قيل:إنّ معنى(و حقّت)حقّ لها أن تأذن بالانقياد لأمر ربّها.يقال:حقّ له أن يكون على هذا الأمر،بمعنى جعل ذلك حقّا.(10:308)
نحوه الطّبرسيّ.(5:460)
القشيريّ: أي قابلت أمر ربّها بالسّمع و الطّاعة...
و حقّ لها أن تفعل ذلك.(6:273)
البغويّ: و حقّ لها أن تطيع ربّها.(5:228)
الميبديّ: أي حقّ للسّماء أن تستمع للّه و تطيع.
(10:427)
الزّمخشريّ: من قولك:هو محقوق بكذا و حقيق به،يعني و هي حقيقة بأن تنقاد و لا تمتنع،و معناه:
الإيذان بأنّ القادر بالذّات يجب أن يتأتّى له كلّ مقدور، و يحقّ ذلك.(4:234)
ابن عطيّة: قال ابن عبّاس و ابن جبير:معناه:
و حقّ لها أن تسمع و تطيع،و يحتمل أن يريد:و حقّ لها أن تنشقّ لشدّة الهول و خوف اللّه تعالى.(5:456)
الفخر الرّازي:و أمّا قوله: وَ حُقَّتْ فهو من قولك:هو محقوق بكذا،و حقيق به،يعني و هي حقيقة بأن تنقاد،و ذلك لأنّه جسم،و كلّ جسم فهو ممكن لذاته،و كلّ ممكن لذاته فإنّ الوجود و العدم بالنّسبة إليه على السّويّة.
و كلّ ما كان كذلك،كان ترجيح وجوده على عدمه أو ترجيح عدمه على وجوده،لا بدّ و أن يكون بتأثير واجب الوجود و ترجيحه،فيكون تأثير قدرته في إيجاده و إعدامه،نافذا ساريا من غير ممانعة أصلا.
و أمّا الممكن فليس له إلاّ القبول و الاستعداد،و مثل هذا الشّيء حقيق به أن يكون قابلا للوجود تارة و للعدم أخرى من واجب الوجود.(31:103)
القرطبيّ: المعنى و حقّق اللّه عليها الاستماع لأمره بالانشقاق.[ثمّ نقل قول الضّحّاك و قال:]
يقال:فلان محقوق بكذا،و طاعة السّماء بمعنى أنّها لا تمتنع ممّا أراد اللّه بها.و لا يبعد خلق الحياة فيها حتّى تطيع و تجيب.(19:367)
النّيسابوريّ: (و حقّت)بذلك لأنّ الممكن لا بدّ له أن يقع تحت قدرة الواجب لذاته.(30:56)
أبو حيّان :[نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]
و هذا الفعل مبنيّ للمفعول،و الفاعل هو اللّه تعالى، أي و حقّ اللّه تعالى عليها الاستماع،و يقال:فلان محقوق بكذا و حقيق بكذا.
و المعنى أنّه لم يكن في جرم السّماء ما يمنع من تأثير القدرة في انشقاقه،و تفريق أجزائه و إعدامه.
(8:445)
الشّربينيّ: أي حقّ لها أن تسمع و تطيع،بأن تنقاد و لا تمتنع.(4:506)
أبو السّعود :أي جعلت حقيقة بالاستماع و الانقياد،و لكن لا بعد أن لم تكن كذلك،بل في نفسها وحدّ ذاتها،من قولهم:هو محقوق بكذا و حقيق به.
و المعنى انقادت لربّها و هي حقيقة بذلك،لكن لا على أنّ المراد خصوصيّة ذاتها من بين سائر
ص: 36
المقدورات،بل خصوصيّة المقدّرة القاهرة الرّبّانيّة الّتي يتأتّى لها كلّ مقدور،و لا يتخلّف عنها أمر من الأمور.
فحقّ الجملة أن تكون اعتراضا مقرّرا لما قبلها،لا معطوفة عليه.(6:400)
نحوه البروسويّ.(10:375)
الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]
و الجملة على ما اختاره بعض الأجلّة اعتراض مقرّر لما قبلها و قيل:معطوفة عليه،و ليس بذلك.(30:79)
القاسميّ: (و حقّت)أي:حقّ لها و وجب أن تنقاد لأمر القادر و لا تمتنع،و هي حقيقة بالانقياد،لأنّها مخلوقة له في قبضة تصرّفه.قال المعرّب:الأصل:حقّ اللّه طاعتها،و لمّا كان الإسناد في الآية إلى السّماء نفسها، و التّقدير:و حقّت هي،كان أصل الكلام على تقدير مضاف في الضّمير المستكنّ في الفعل،أي و حقّ سماعها و طاعتها.فحذف المضاف،ثمّ أسند الفعل إلى ضميره، ثمّ استتر فيه.(17:6107)
سيّد قطب :أي وقع عليها الحقّ.و اعترفت بأنّها محقوقة لربّها،و هو مظهر من مظاهر الخضوع،لأنّ هذا حقّ عليها مسلّم به منها.(6:3865)
الطّباطبائيّ: أي جعلت حقيقة و جديرة بأن تسمع،و المعنى و أطاعت و انقادت لربّها،و كانت حقيقة و جديرة بأن تستمع و تطيع.(20:242)
عبد الكريم الخطيب :أي لزمتها الطّاعة،و حقّ عليها الولاء و الخضوع لأمر اللّه،و هل تملك غير هذا؟ فإن لم تستجب لذلك طوعا أجابت كرها فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فصّلت:11.(15:1502)
مكارم الشّيرازيّ: (حقّت):من الحقّ،أي:
و حقّ لها أن تنقاد لأمر ربّها.
و كيف لها لا تسلّم لأمره عزّ و جلّ،و كلّ وجودها و في كلّ لحظة من فيض لطفه،و لو انقطع عنها بأقلّ من رمشة عين لتلاشت.
نعم،فالسّماء و الأرض مطيعتان لأمر ربّهما منذ أوّل خلقهما حتّى نهاية أجلهما،كما تشير الآية:11،من سورة فصّلت،عن قولهما في ذلك: قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ.
و قيل:يراد ب(حقّت)أنّ الخوف من القيامة سيجعل السّماء تنشقّ.و لكنّ التّفسير الأوّل أنسب.
(20:51)
فضل اللّه :فليس انشقاقها و انشطارها بطريقة قسريّة خارجة عن إرادتها،بل هو الانصياع و الاستسلام لأمر اللّه تعالى الّذي له أن يفعل بها ما يشاء،و يحرّكها كما يريد،فلا مشيئة لها من دون مشيئته،و لا إرادة لها أمام إرادته،فاعترفت بأنّها محقوقة لربّها،و أنّها في موقع الانقياد للحقّ الّذي يملكه اللّه تعالى على كلّ خلقه.
إنّه التّعبير الكنائيّ الحيّ المتحرّك الّذي يوحي بأنّ للسّماء عقلا و إرادة و وعيا لمقام ربّها،و لموقعها منه، فتتصرّف من خلال ذلك،في ما يقع فيها من أحداث تسبق لحظة القيامة،كما تصرّفت من قبل،و بالخضوع
ص: 37
لطاعة اللّه تعالى،وفق القوانين و السّنن الطّبيعيّة الّتي أودعها اللّه فيها و في الأرض،كما أودعه في الظّواهر الكونيّة الأخرى.(24:149)
1- ...وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً... البقرة:228
الزّمخشريّ: إن قلت:كيف جعلوا أحقّ بالرّجعة، كأنّ للنّساء حقّا فيها؟
قلت:المعنى أنّ الرّجل إن أراد الرّجعة و أبتها المرأة، وجب إيثار قوله على قولها،و كان هو أحقّ منها،لا أنّ لها حقّا في الرّجعة.(1:366)
نحوه أبو السّعود.(1:271)
الفخر الرّازيّ: ما فائدة قوله:(احقّ)مع أنّه لا حقّ لغير الزّوج في ذلك؟
الجواب من وجهين:
الأوّل:أنّه تعالى قال قبل هذه الآية: وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ كان تقدير الكلام:
فإنّهنّ إن كتمن لأجل أن يتزوّج بهنّ زوج آخر،فإذا فعلن ذلك كان الزّوج الأوّل أحقّ بردّهنّ؛و ذلك لأنّه ثبت للزّوج الثّاني حقّ في الظّاهر،فبيّن أنّ الزّوج الأوّل أحقّ منه،و كذا إذا ادّعت انقضاء أقرائها ثمّ علم خلافه، فالزّوج الأوّل أحقّ من الزّوج الآخر في العدّة.
الثّاني:إذا كانت معتدّة فلها في مضيّ العدّة حقّ انقطاع النّكاح،فلمّا كان لهنّ هذا الحقّ الّذي يتضمّن إبطال حقّ الزّوج،جاز أن يقول: وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ من حيث أنّ لهم أن يبطلوا بسبب الرّجعة ما هنّ عليه من العدّة.(6:99)
أبو حيّان :و(احقّ)هنا ليست على بابها،لأنّ غير الزّوج لا حقّ له،و لا تسليط على الزّوجة في مدّة العدّة إنّما ذلك للزّوج،و لا حقّ لها أيضا في ذلك بل لو أبت كان له ردّها،فكأنّه قيل:و بعولتهنّ حقيقون بردّهنّ.
(2:188)
الشّربينيّ: إن قيل:كيف جعلوا أحقّ بالرّجعة، فكأنّ للنّساء حقّا فيها؟
أجيب:بأنّ«أفعل»هاهنا بمعنى الفاعل،فإنّ غير البعل لا حقّ له في الرّدّ،فكأنّه قيل:و بعولتهنّ حقيقون بردّهنّ.
و قيل:إنّه على بابه للتّفضيل،أي أحقّ منهنّ بأنفسهنّ لو أبين الرّدّ،أو من آبائهنّ.(1:147)
نحوه البروسويّ.(1:354)
الآلوسيّ: (احقّ)هاهنا بمعنى حقيق،عبّر عنه بصيغة التّفضيل للمبالغة،كأنّه قيل:للبعولة حقّ الرّجعة،أي حقّ محبوب عند اللّه تعالى،بخلاف الطّلاق فإنّه مبغوض،و لذا ورد للتّنفير عنه«أبغض الحلال إلى اللّه الطّلاق»إنّما لم يبق على معناه من المشاركة و الزّيادة؛ إذ لا حقّ للزّوجة في الرّجعة،كما لا يخفى.(2:134)
الطّباطبائيّ: و لفظ(احقّ)اسم تفضيل،حقّه أن.
يتحقّق معناه دائما مع مفضّل عليه،كأن يكون للزّوج
ص: 38
الأوّل حقّ في المطلّقة و لسائر الخطّاب حقّ،و الزّوج الأوّل أحقّ بها لسبق الزّوجيّة،غير أنّ الرّدّ المذكور لا يتحقّق معناه إلاّ مع الزّوج الأوّل.
و من هنا يظهر:أنّ في الآية تقديرا لطيفا بحسب المعنى،و المعنى:و بعولتهنّ أحقّ بهنّ من غيرهم، و يحصل ذلك بالرّدّ و الرّجوع في أيّام العدّة.و هذه الأحقّيّة إنّما تتحقّق في الرّجعيّات دون البائنات الّتي لا رجوع فيها،و هذه هي القرينة على أنّ الحكم مخصوص بالرّجعيّات،لا أنّ ضمير بعولتهنّ راجع إلى بعض المطلّقات بنحو الاستخدام أو ما أشبه ذلك،و الآية خاصّة بحكم المدخول بهنّ من ذوات الحيض غير الحوامل.و أمّا غير المدخول بها و الصّغيرة و اليائسة و الحامل.فلحكمها آيات أخر.(2:231)
مكارم الشّيرازيّ: حين تكون المرأة في عدّة الطّلاق الرّجعيّ،فحقّ الرّجوع للزّوج،يستطيع أن يواصل حياته الزّوجيّة دون حاجة إلى أيّة تشريفات.
و شرط إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً يقيّد العودة بالإصلاح، فلا يحقّ للرّجل أن يعود ليواصل أذاه للمرأة و ضغطه عليها،كما كان الوضع في الجاهليّة.
فهذا الحقّ يمارسه الرّجل إن كان نادما حقيقة على وضعه،و هادفا أن يستأنف بجدّ حياته الزّوجيّة.
و بعبارة أخرى يحقّ له الرّجوع إن لم يكن قصده التّضييق على الزّوجة.(2:97)
2- ...فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما... المائدة:107
و سيجيء بحثها في(استحقّ).
3- ...فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
الأنعام:81
راجع:ف ر ق:«الفريقين».
4- ...لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ... التّوبة:108
ابن عبّاس: (احقّ)أصوب.(166)
الطّبريّ: أولى أن تقوم فيه مصلّيا.(11:26)
راجع:ق و م:«تقوم».
حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ.
الأعراف:105
ابن عبّاس: جدير...(الاّ الحقّ)الصّدق.
(134)
الفرّاء: و يقرأ: (حقيق علىّ ان لا اقول) ،و في قراءة عبد اللّه (حقيق بان لا اقول على اللّه) ،فهذه حجّة من قرأ (على)و لم يضف.و العرب تجعل الباء في موضع«على» رميت على القوس،و بالقوس،و جئت على حال حسنة و بحال حسنة.(1:386)
أبو عبيدة : (حقيق علىّ...) مجازه:حقّ عليّ أن
ص: 39
لا أقول إلاّ الحقّ،و من قرأها (حقيق على ان لا اقول) و لم يضف(على)إليه فإنّه يجعل مجازه مجاز:حريص على أن لا أقول،أو فحقّ أن لا أقول.(1:224)
الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ فقرأه جماعة من قرّاء المكّيّين و المدنيّين و البصرة و الكوفة:(حقيق على ان لا اقول)،بإرسال الياء من(على)و ترك تشديدها، بمعنى:أنا حقيق بأن لا أقول على اللّه إلاّ الحقّ،فوجّهوا معنى(على)إلى معنى(الباء).كما يقال:رميت بالقوس و على القوس،و جئت على حال حسنة،و بحال حسنة.
و كان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول:إذا قرئ ذلك كذلك،فمعناه:حريص على ألاّ أقول إلاّ بحقّ.
و قرأ ذلك جماعة من أهل المدينة (حقيق علىّ ان لا اقول) بمعنى واجب عليّ أن لا أقول،و حقّ عليّ أن لا أقول.
و الصّواب من القول في ذلك:أنّهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى،قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمّة من القرّاء،فبأيّتهما قرأ القارئ،فمصيب في قراءته الصّواب.(9:13)
الزّجّاج: و تقرأ (حقيق علىّ ان لا اقول) ،و من قرأ (حقيق علىّ ان لا اقول) ،فالمعنى واجب عليّ ترك القول على اللّه إلاّ بالحقّ.(2:362)
الفارسيّ: اختلفوا في تشديد الياء و تخفيفها،من قوله جلّ و عزّ: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ فقرأ نافع وحده: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ بتشديد الياء و نصبها.
و قرأ الباقون بتخفيف الياء،و هي مرسلة.
حجّة نافع في قوله عزّ و جلّ: (حقيق علىّ) و إيصاله ب(علىّ)أنّه يسوغ من وجهين:
أحدهما:أنّ«حقّ»الّذي هو«فعل»،قد تعدّى ب(على)،قال: فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا الصّافّات:31، و قال: فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ الإسراء:16،ف(حقيق) يتّصل ب(على)من هذا الوجه.
و الوجه الآخر:أنّ(حقيق)بمعنى واجب،فكما أنّ «وجب»يتعدّى ب(على)،كذلك تعدّى(حقيق)به،إذا أريد به ما أريد ب«واجب».
و أمّا من قرأ (حقيق على) فجاز تعدّيه ب(على)من الوجهين اللّذين ذكرنا.
و قد قالوا:هو حقيق بكذا،فيجوز على هذا أن يكون(على)بمنزلة الباء تقول:«حقيق على أن».فتضع «على»موضع«الباء».
قال أبو الحسن:قال: وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ الأعراف:86،فكما وقعت الباء في قوله:
بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ موقع«على»كذلك وقعت «على»موقع الباء في قوله: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا.
و الأوّل أحسنهما عندنا،يعني حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا بالألف غير مضاف إلى المتكلّم،لأنّ حَقِيقٌ عَلى معناها الباء،أي حقيق بذا.و ليس ذلك بالمقيس لو قلت:ذهبت على زيد،و أنت تريد بزيد،لم يجز،و جاز في(علىّ)لأنّ القراءة قد وردت به.(2:255)
الماورديّ: واجب،مأخوذ من وجوب الحقّ.
ص: 40
و في قوله: إِلاَّ الْحَقَّ وجهان:أحدهما:إلاّ الصّدق،و الثّاني:إلاّ ما فرضه اللّه عليّ من الرّسالة.
(2:245)
الطّوسيّ: [نقل كلام الفارسيّ و الفرّاء ثمّ قال:] قوله:(الاّ الحقّ)نصب بأنّه مفعول القول على غير الحكاية،بل على معنى التّرجمة عن المعنيّ دون حكاية اللّفظ.(4:521)
الزّمخشريّ: فيه أربع (1)قراءات،المشهورة:
(و حقيق علىّ ان لا اقول)و هي قراءة نافع، (و حقيق ان لا اقول) و هي قراءة عبد اللّه، (و حقيق بان لا اقول) و هي قراءة أبيّ.
و في المشهورة إشكال و لا تخلو من وجوه:
أحدها:أن تكون ممّا يقلب من الكلام لأمن الإلباس،كقوله:
*و تشقى الرّماح بالضّياطرة الحمر*
و معناه:و تشقى الضّياطرة بالرّماح،و (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) و هي قراءة نافع.
و الثّاني:أنّ ما لزمك فقد لزمته،فلمّا كان قول الحقّ حقيقا عليه كان هو حقيقا على قول الحقّ،أي لازما له.
و الثّالث:أن يضمّن(حقيق)معنى حريص،كما ضمّن«هيّجني»معنى ذكّرني في بيت الكتاب.
و الرّابع:و هو الأوجه الأدخل في نكت القرآن أن يغرق موسى في وصف نفسه بالصّدق في ذلك المقام، لا سيّما و قد روي أنّ عدوّ اللّه فرعون،قال له لمّا قال:
إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ: كذبت،فيقول:أنا حقيق على قول الحقّ،أي واجب عليّ قول الحقّ أن أكون أنا قائله و القائم به،و لا يرضى إلاّ بمثلي ناطقا به.
(2:100)
نحوه أبو السّعود.(3:14)
ابن عطيّة: [نقل قول الفارسيّ و أضاف:]
هذا معناه جدير و خليق و...و قال قوم:(حقيق) صفة ل«رسول»تمّ عندها الكلام.[إلى أن قال:]
و هذه المخاطبة إذا تأمّلت غاية في التّلطّف و نهاية في القول اللّيّن الّذي أمر عليه السّلام به.(2:435)
الفخر الرّازيّ: [ذكر حجّة نافع في القراءة و أضاف:]
و أمّا قراءة العامّة (حقيق على...) بسكون الياء، ففيه وجوه:
الأوّل:[نحو الطّبريّ و الفارسيّ]
الثّاني:أنّ(الحقّ)هو الثّابت الدّائم،و«الحقيق» مبالغة فيه،و كان المعنى:أنا ثابت مستمرّ على أن لا أقول إلاّ الحقّ.
الثّالث:«الحقيق»هاهنا بمعنى المحقوق،و هو من قولك:حققت الرّجل،إذا ما تحقّقته و عرفته على يقين، و لفظة(على)هاهنا هي الّتي تقرن بالأوصاف اللاّزمة الأصليّة،كقوله تعالى: فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها الرّوم:30،و تقول:جاءني فلان على هيئته و عادته،و عرفته و تحقّقته على كذا و كذا من الصّفات،ل)
ص: 41
فمعنى الآية:أنّي لم أعرف و لم أتحقّق إلاّ على قول الحقّ.
و اللّه أعلم.(14:191)
نحوه القرطبيّ.(7:256)
البيضاويّ: لعلّه جواب لتكذيبه إيّاه في دعوى الرّسالة،و إنّما لم يذكره لدلالة قوله: فَظَلَمُوا بِها الأعراف:103،عليه...[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ]
(1:361)
نحوه الشّربينيّ.(1:498)
و في هذه الآية خلاف كثير حول كلمة(على) فراجع.
1- ...قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ... المائدة:116
ابن عبّاس: بجائز.(104)
الماورديّ: أي أدّعي لنفسي ما ليس من شأنها، يعني أنّني مربوب و لست بربّ،و عابد و لست بمعبود.
(2:87)
القشيريّ: أي إنّي إن كنت مخصوصا من قبلك بالرّسالة-و شرط النّبوّة العصمة-فكيف يجوز أن أفعل ما لا يجوز لي؟.(2:152)
الواحديّ: أي لست أستحقّ العبادة فأدعو النّاس إليها.(2:247)
الزّمخشريّ: ما ينبغي أن أقول قولا لا يحقّ لي أن أقوله.(1:655)
نحوه النّسفيّ(1:310)،و النّيسابوريّ(7:56)، و البروسويّ(2:466).
الطّبرسيّ: أي لا يجوز لي أن أقول لنفسي ما لا يحقّ لي فآمر النّاس بعبادتي و أنا عبد مثلهم،و إنّما تحقّ العبادة لك لقدرتك على أصول النّعم.(2:269)
أبو حيّان :و(حقّ)بمعنى مستحقّ،أي ما ليس مستحقّا.و أجاز بعضهم أن يكون الكلام قد تمّ عند قوله: ما لَيْسَ لِي و جعل(بحقّ)متعلّقا ب(علمته) الّذي هو جواب الشّرط،و ردّ ذلك بادّعاء التّقديم و التّأخير فيما ظاهره خلاف ذلك،و لا يصار إلى التّقديم و التّأخير إلاّ لمعنى يقتضي ذلك أو بتوقيف،أو فيما لا يمكن فيه إلاّ ذلك.
انتهى ذلك القول و ردّه،و يمتنع أن يتعلّق ب(علمته)،لأنّه لا يتقدّم على الشّرط شيء من معمولات فعل الشّرط،و لا من معمولات جوابه، و وقف نافع و غيره من القرّاء على قوله:(بحقّ)،و روي ذلك عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(4:59)
أبو السّعود :استئناف مقرّر للتّنزيه و مبيّن للمنزّه منه،و(ما)عبارة عن القول المذكور،أي ما يستقيم و ما ينبغي لي أن أقول قولا لا يحقّ لي أن أقوله.و إيثار(ليس) على الفعل المنفيّ،لظهور دلالته على استمرار انتفاء الحقّيّة،و إفادة التّأكيد بما في حيّزه من الباء،فإنّ اسمه ضميره العائد إلى(ما)،و خبره(بحقّ)،و الجارّ و المجرور فيما بينهما للتّبيين،كما في:«سقيا لك»أو نحوه.(2:344)
نحوه الآلوسيّ.(7:66)
ص: 42
ابن عاشور: و الباء في قوله:(بحقّ)زائدة في خبر (ليس)لتأكيد النّفي الّذي دلّت عليه(ليس)،و اللاّم في قوله: لَيْسَ لِي بِحَقٍّ متعلّقة بلفظ(حقّ)على رأي المحقّقين من النّحاة،أنّه يجوز تقديم المتعلّق على متعلّقه المجرور بحرف الجرّ.و قدّم الجارّ و المجرور للتّنصيص على أنّه ظرف لغو متعلّق ب(حقّ)لئلاّ يتوهّم أنّه ظرف مستقرّ صفة ل(حقّ)حتّى يفهم منه أنّه نفى كون ذلك حقّا له،و لكنّه حقّ لغيره الّذين قالوه و كفروا به، و للمبادرة بما يدلّ على تنصّله من ذلك بأنّه ليس له.
و قد أفاد الكلام تأكيد كون ذلك ليس حقّا له بطريق المذهب الكلاميّ،لأنّه نفى أن يباح له أن يقول:
ما لا يحقّ له،فعلم أنّ ذلك ليس حقّا له،و أنّه لم يقله لأجل كونه كذلك.فهذا تأكيد في غاية البلاغة و التّفنّن.(5:271)
الطّباطبائيّ: بدأ بتسبيحه تعالى...[جوابا لما سئل عنه في الآية]
ثمّ عاد إلى نفي ما استفهم عن انتسابه إليه،و هو أن يكون قد قال للنّاس: اِتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ، و لم ينفه بنفسه بل بنفي سببه مبالغة في التّنزيه.
فلو قال:«لم أقل ذلك أو لم أفعل»لكان فيه إيماء إلى إمكان وقوعه منه لكنّه لم يفعل،لكن إذا نفاه بنفي سببه، فقال: ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ كان ذلك نفيا لما يتوقّف عليه ذلك القول،و هو أن يكون له أن يقول ذلك حقّا،فنفي هذا الحقّ نفي ما يتفرّع عليه بنحو أبلغ.
نظير ما إذا قال المولى لعبده:لم فعلت ما لم آمرك أن تفعله؟فإن أجاب العبد بقوله:«لم أفعل»كان نفيا لما هو في مظنّة الوقوع،و إن قال:«أنا أعجز من ذلك»كان نفيا بنفي السّبب و هو القدرة،و إنكارا لأصل إمكانه،فضلا عن الوقوع.
و قوله: ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إن كان لفظ يَكُونُ ناقصة فاسمها قوله: أَنْ أَقُولَ، و خبرها قوله:(لى)و اللاّم للملك،و المعنى:ما أملك ما لم أملكه،و ليس من حقّي القول بغير حقّ.و إن كانت تامّة فلفظ(لى)متعلّق بها،و قوله: أَنْ أَقُولَ، إلخ فاعلها، و المعنى:ما يقع لي القول بغير حقّ.و الأوّل من الوجهين أقرب،و على أيّ حال يفيد الكلام نفي الفعل بنفي سببه.
(6:246)
المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو الثّبوت مع مطابقة الواقع،فهذا القيد مأخوذ في مفهومها في جميع المصاديق.[ثمّ ذكر بعض الآيات و قال:]
فاستعمل«الحقّ»في هذه الآيات الكريمة في مقابل الباطل و الضّلال،و الباطل ما ليس له ثبوت،و الضّلال ما خرج و انحرف عن ما هو عليه.
و الحقّ قد يتّصف بأمور: (1)
نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ البقرة:176، إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ آل عمران:62، ...وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ آل عمران:86، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِر:
ص: 43
مَوْلاهُمُ الْحَقِّ الأنعام:62، وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ الأنعام:73، وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ الأعراف:8، وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ التّوبة:29، فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ يونس:32، أَلا إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ يونس:55، لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ يونس:94، فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا يونس:76، وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ هود:
120، لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ الرّعد:14، اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ الفرقان:26، وَ اللّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ المؤمن:20، وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ محمّد:3، وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ المعارج:24، وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ الإسراء:26.
فإذا كان اللّه تعالى حقّا و كذلك قوله:و ما آتيه،و ما من عنده،و ما يقضي به،و يحكم،و ما يدعو إليه،و ما أنزله،و ما أرسله،فكيف يجوز للفرد العاقل أن يميل عنها و يسلك مسالك غيرها،مع العلم بضلالها و بطلانها و بعدها عن الحقيقة و الواقعيّة.
ثمّ إنّ الاستعمال بحرف الباء في: إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ البقرة:119، نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ البقرة:176، تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ البقرة:252، يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ النّساء:170، وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ الأنعام:151، وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ الأنعام:73، رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ الأعراف:89، وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ الأعراف:181،إشارة إلى أنّ الإرسال و التّنزيل و التّلاوة و الخلق و الفتح و الهداية كلّها من قبيل الفعل و التّأثير،و الفعل من الأعراض لا تحقّق و لا ثبوت له إلاّ في موضوع،و المعنى إنّا أرسلناك على منهاج و برنامج صحيح حقّ،و كذلك سائر الآيات.
و أمّا التّعبير بالباء دون«على»،فإنّ الإرسال ليس على طبق الحقّ و صورته بل بالحقّ و بمنهاج حقّ،و هذا أبلغ.(2:283)
مكارم الشّيرازيّ: أي ما لا يحقّ لي قوله و لا يليق بي أن أقوله.
فهو في الحقيقة لا ينفي هذا القول عن نفسه فحسب، بل ينفي أن يكون له حقّ في مثل هذا القول الّذي لا ينسجم مع مقامه و مركزه.(4:183)
فضل اللّه :إنّ الإنسان الّذي يحترم نفسه هو الّذي يقف في حديثه عنها عند حدودها الذّاتيّة في ما تملكه من طاقات،و في ما تتّصف به من صفات،و لا يتعدّى ذلك إلى الدّرجات الّتي لم يبلغها،أو المواقع الّتي لا يملكها،كما يفعل الإنسان الجاهل الّذي لا يعرف قدر نفسه،أو الّذي يقول عن نفسه ما ليس له بحقّ في ما يعرفه من حدود نفسه،و لست-يا ربّ-في هذا الموقع،فإنّي عبدك و رسولك الّذي يعرف كيف يعيش العبوديّة لك،و كيف يحسّ بالانسحاق أمام ألوهيّتك،في كلّ مالك من الحقّ، و في ما عليّ من الحقّ.
و ما ذا بعد ذلك؟لما ذا أقف يا ربّ موقف الدّفاع عن نفسي؟إنّه موقف الّذي يحتاج في إثبات براءته إلى بيّنة،
ص: 44
و ليس موقفي هو هذا،لأنّني أقف أمامك أنت اللّه الّذي إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ. (8:404)
2- وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. يونس:53
ابن عبّاس: أَ حَقٌّ هُوَ يعني العذاب و القرآن.
إِنَّهُ لَحَقٌّ صدق كائن،يعني العذاب.(175)
الكلبيّ: أَ حَقٌّ هُوَ البعث.
(الماورديّ 3:438)
مقاتل:يعني العذاب الّذي تعدنا به.و يقال:
القرآن الّذي أنزل إليك أحقّ هو؟(لحقّ)يعني لكائن.
(2:241)
الطّبريّ: و يستخبرك هؤلاء المشركون من قومك يا محمّد،فيقولون لك:أحقّ ما تقول،و ما تعدنا به من عذاب اللّه في الدّار الآخرة،جزاء على ما كنّا نكسب من معاصي اللّه في الدّنيا؟قل لهم يا محمّد:إي و ربّي إنّه لحقّ، لا شكّ فيه.(11:122)
نحوه الثّعلبيّ.(5:134)
الجبّائيّ: (احقّ)ما تعدنا من البعث و القيامة و العذاب.(الطّبرسيّ 3:116)
الماورديّ: أَ حَقٌّ هُوَ، فيه وجهان:
أحدهما:[قول الكلبيّ و قد تقدّم]
الثّاني:العذاب في الآخرة.
قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ فأقسم مع إخباره أنّه حقّ،تأكيدا.(2:438)
نحوه ابن الجوزيّ.(4:38)
الطّوسيّ: يعني هذا الوعيد الّذي ذكره اللّه في هذه الآية الأولى،فقال اللّه لنبيّه:(قل اى و ربّى)أي نعم و حقّ اللّه(انّه لحقّ).و الحقّ في الدّين ما شهدت به الأدلّة الموجبة للعلم،أو اقتضاه غالب الظّنّ فيما طريقه الظّنّ.
(5:450)
الميبديّ: (احقّ)ما أخبرتنا به من العذاب و البعث.
و قال مقاتل:لمّا جاء حيي ابن أخطب إلى مكّة، قال:يا محمّد أحقّ ما تقول أم باطل؟أبا لجدّ منك هذا أم أنت هازل؟و هذا جوابه(قل)يا محمّد: (إِي وَ رَبِّي) .
و قال في موضع آخر: قُلْ بَلى وَ رَبِّي سبأ:3،و قال في موضع آخر: قُلْ نَعَمْ الصّافّات:18،و معنى هذه الألفاظ الثّلاثة(انه لحق)أي إنّ ذلك لحقّ كائن لا محالة.
(4:299)
الزّمخشريّ: و هو استفهام على جهة الإنكار و الاستهزاء.
و قرأ الأعمش) (آلحقّ هو) و هو أدخل في الاستهزاء لتضمّنه معنى التّعريض بأنّه باطل؛و ذلك أنّ اللاّم للجنس،فكأنّه قيل:أ هو الحقّ لا الباطل،أو هو الّذي سمّيتموه الحقّ،و الضّمير للعذاب الموعود.(2:241)
ابن عطيّة: قيل:الإشارة إلى الشّرع و القرآن، و قيل:إلى الوعيد،و هو الأظهر.(3:125)
الطّبرسيّ: أي أحقّ ما جئت به من القرآن و النّبوّة و الشّريعة؟...(قل)يا محمد (إِي وَ رَبِّي) أي نعم و حقّ
ص: 45
اللّه(انه لحق)لا شكّ فيه.(3:116)
الفخر الرّازيّ: و اختلفوا في الضّمير في قوله:
أَ حَقٌّ هُوَ؛ قيل:أحقّ ما جئتنا به من القرآن و النّبوّة و الشّرائع.
و قيل:ما تعدنا من البعث و القيامة.
و قيل:ما تعدنا من نزول العذاب علينا في الدّنيا.
ثمّ إنّه تعالى أمره أن يجيبهم بقوله: قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ و الفائدة فيه أمور:
أحدها:أن يستميلهم و يتكلّم معهم بالكلام المعتاد، و من الظّاهر أنّ من أخبر عن شيء،و أكّده بالقسم فقد أخرجه عن الهزل،و أدخله في باب الجدّ.
و ثانيها:أنّ النّاس طبقات،فمنهم من لا يقرّ بالشّيء إلاّ بالبرهان الحقيقيّ،و منهم من لا ينتفع بالبرهان الحقيقيّ،بل ينتفع بالأشياء الإقناعيّة،نحو القسم،فإنّ الأعرابيّ الّذي جاء الرّسول عليه السّلام،و سأل عن نبوّته و رسالته اكتفى في تحقيق تلك الدّعوى بالقسم،فكذا هاهنا.(17:111)
نحوه الشّربينيّ.(2:24)
البيضاويّ: [ذكر سؤال حيي بن أخطب للنّبيّ و أضاف:]
قُلْ إِي وَ رَبِّي... إنّ العذاب لكائن أو ما أدّعيه لثابت.و قيل:كلا الضّميرين للقرآن.(1:450)
القرطبيّ: (احقّ)ابتداء(هو)سدّ مسدّ الخبر، و هذا قول سيبويه.و يجوز أن يكون(هو)مبتدأ، و(احقّ)خبره.
قُلْ إِي (إي)كلمة تحقيق و إيجاب و تأكيد بمعنى:نعم.
(و ربّى)قسم إِنَّهُ لَحَقٌّ جوابه،أي كائن لا شكّ فيه.(8:351)
أبو حيّان :و ارتفع(هو)على أنّه مبتدأ و(حقّ) خبره.و أجاز الحوفيّ و أبو البقاء أن يكون(حقّ)مبتدأ و(هو)فاعل به سدّ مسدّ الخبر،و(حقّ)ليس اسم فاعل و لا مفعول و إنّما هو مصدر في الأصل،و لا يبعد أن يرفع لأنّه بمعنى ثابت.(5:168)
أبو السّعود :(احقّ)خبر قدّم على المبتدإ الّذي هو الضّمير للاهتمام به،و يؤيّده قوله تعالى: إِنَّهُ لَحَقٌّ، أو مبتدأ و الضّمير مرتفع به سادّ مسدّ الخبر،و الجملة في موقع النّصب ب يَسْتَنْبِئُونَكَ.
و قرئ (أ الحقّ هو) تعريضا بأنّه باطل،كأنّه قيل:
أ هو الحقّ لا الباطل؟أو أ هو الّذي سمّيتموه الحقّ؟...
(لحقّ)لثابت البتّة،أكّد الجواب بأتمّ وجوه التّأكيد حسب شدّة إنكارهم و قوّته،و قد زيد تقريرا و تحقيقا بقوله عزّ اسمه: وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. (3:250)
نحوه ملخّصا البروسويّ.(4:52)
القاسميّ: أي الوعد بعذاب الخلد،أو إدّعاء النّبوّة أو القرآن.(9:3359)
الطّباطبائيّ: يَسْتَنْبِئُونَكَ أي يستخبرونك، و قوله: أَ حَقٌّ هُوَ بيان له،و الضّمير على ما يفيده السّياق راجع إلى القضاء أو العذاب،و المآل واحد،و قد أمر سبحانه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يؤكّد القول في إثباته من جميع
ص: 46
جهاته،و بعبارة أخرى أن يجيبهم بوجود المقتضي و عدم المانع. قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ إثبات لتحقّقه و قد أكّد الكلام بالقسم و الجملة الاسميّة و(انّ)و اللاّم.(10:75)
مكارم الشّيرازيّ: لقد كان البحث في الآيات السّابقة عن جزاء و عقاب و عذاب المجرمين في هذه الدّنيا و العالم الآخر،و تكمّل هذه الآيات هذا البحث أيضا.
فالآية الأولى تقول:إنّ هؤلاء يسألونك بتعجّب و استفهام عن حقيقة هذا الوعيد بالعذاب الإلهيّ،في هذا العالم و العالم الآخر وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ. و من الطّبيعيّ أنّ الحقّ هنا ليس في مقابل الباطل،بل المراد منه هو هل إنّ لهذه العقوبة حقيقة و واقعا و أنّها ستتحقّق؟ لأنّ الحقّ و التّحقّق مشتقّان من مادّة واحدة،و من البديهيّ أنّ الحقّ في مقابل الباطل إذا ما فسّر بمعناه الواسع،فإنّه سيشمل كلّ واقع موجود،و سيكون نقطة كلّ ما قابلها معدوم و باطل.
و يأمر اللّه سبحانه نبيّه أن يجيبهم على هذا السّؤال بما أوتي من التّأكيد قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ و إذا ظننتم أنّكم تستطيعون أن تفلتوا من قبضة العقاب الإلهيّ فقد وقعتم في اشتباه كبير: وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.
(6:349)
3- قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ. هود:79
ابن عبّاس: من حاجة.(189)
نحوه الشّربينيّ(2:71)،و الكلبيّ(الماورديّ 2:
489).
ابن إسحاق :ليس لنا بأزواج.
(الماورديّ 2:489)
نحوه الطّبريّ(12:86)،و الجبّائيّ(الطّوسيّ 6:
41).
الطّوسيّ: و قيل في معناه قولان:
الأوّل:[قول ابن إسحاق و قد تقدّم آنفا]
و الآخر:إنّنا ليس لنا في بناتك من حاجة،فجعلوا تناول ما ليس لهم فيه حاجة بمنزلة من لا حقّ لهم فيه.
فمن قال بالأوّل ردّه على ظاهر اللّفظ،و من قال بالثّاني حمله على المعنى.(6:41)
البغويّ: أي لسن أزواجا لنا فنستحقّهنّ بالنّكاح.
و قيل:معناه ما لنا فيهنّ من حاجة و شهوة.(2:459)
الزّمخشريّ: لأنّك لا ترى مناكحتنا،و ما هو إلاّ عرض سابريّ. (1)
و قيل:لمّا اتّخذوا إتيان الذّكران مذهبا و دينا لتواطئهم عليه،كان عندهم أنّه هو الحقّ،و أنّ نكاح الإناث من الباطل،فلذلك قالوا:ما لنا في بناتك من حقّ قطّ،لأنّ نكاح الإناث أمر خارج من مذهبنا الّذي نحن عليه.و يجوز أن يقولوه على وجه الخلاعة،و الغرض نفي الشّهوة.(2:283)ه.
ص: 47
ابن عطيّة:روي أنّ قوم لوط كانوا قد خطبوا بنات لوط فردّهم،و كانت سنّتهم أنّ من ردّ في خطبة امرأة لم تحلّ له أبدا،فلذلك قالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ.
و بعد أن تكون هذه المخاطبة،فوجه الكلام:إنّا ليس لنا إلى بناتك تعلّق،و لا هنّ قصدنا،و لا لنا عادة نطلبها في ذلك.(3:195)
نحوه القرطبيّ.(9:79)
الطّبرسيّ: هذا جواب قوم لوط حين عرض عليهم بناته و دعاهم إلى النّكاح المباح،أي ما لنا في بناتك من حاجة،لأنّ ما لا يكون للإنسان فيه حاجة فإنّه يرغب عنه،كما يرغب عمّا لا حقّ له فيه،فلذلك قالوا: مِنْ حَقٍّ.
و قيل:معناه ما لنا فيهنّ من حقّ،لأنّا لا نتزوّجهنّ.
و كانوا يقرّون بأنّ من لم يتزوّج بامرأة فإنّه لا حقّ له فيها،عن الجبّائيّ و ابن إسحاق.فالقول الأوّل محمول على المعنى،و القول الثّاني على ظاهر اللّفظ.(3:184)
الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:
الأوّل:ما لنا في بناتك من حاجة و لا شهوة، و التّقدير:أنّ من احتاج إلى شيء فكأنّه حصل له فيه نوع حقّ،فلهذا السّبب جعل نفي الحقّ كناية عن نفي الحاجة.
الثّاني:أن نجري اللّفظ على ظاهره،فنقول:معناه إنّهنّ لسن لنا بأزواج،و لا حقّ لنا فيهنّ البتّة،و لا يميل أيضا طبعنا إليهنّ،فكيف قيامهنّ مقام العمل الّذي نريده،و هو إشارة إلى العمل الخبيث.
الثّالث: ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ لأنّك دعوتنا إلى نكاحهنّ بشرط الإيمان،و نحن لا نجيبك إلى ذلك،فلا يكون لنا فيهنّ حقّ.(18:34)
نحوه النّيسابوريّ.(12:48)
أبو حيّان :و الظّاهر أنّ معنى مِنْ حَقٍّ: من نصيب،و لا من غرض و لا من شهوة.قالوا له ذلك على وجه الخلاعة.
و قيل:لمّا اتّخذوا إتيان الذّكران مذهبا،كان عندهم أنّه هو الحقّ و إنّ نكاح الإناث من الباطل.
و قيل:لأنّ عادتهم كانت أن لا يتزوّج الرّجل منهم إلاّ واحدة،و كانوا كلّهم متزوّجين.(5:247)
البروسويّ: من حاجة،أي لا رغبة لنا فيهنّ،فلا ننكحهنّ.و مقصودهم أنّ نكاح الإناث ليس من عادتنا و مذهبنا،و لذا قالوا:(علمت)فإنّ لوطا كان يعلم ذلك و لا يعلم عدم رغبتهم في بناته بخصوصهنّ.(4:168)
الآلوسيّ: أي حقّ،و هو واحد الحقوق،و عنوا به قضاء الشّهوة،أي ما لنا حاجة في بناتك.و قد يفسّر بما يخالف الباطل،أي ما لنا في بناتك نكاح حقّ،لأنّك لا ترى جواز نكاحنا للمسلمات،و ما هو إلاّ عرض سابريّ،كذا قيل.و هو ظاهر في أنّه كان من شريعته عليه السّلام عدم حلّ الكافر المسلمة.[ثمّ أدام نحو ابن عطيّة و أبي حيّان].(12:107)
الطّباطبائيّ: هذا جواب القوم عمّا دعاهم إليه لوط من النّكاح المباح،أجابوا بنفي أن يكون لهم في بناته
ص: 48
من حقّ،و أنّه يعلم ذلك،و يعلم ما هو بغيتهم في هذا الهجوم،و ما ذا يريدون.
و قد قيل في معنى نفيهم الحقّ:إنّ معناه ما لنا في بناتك من حاجة و ما ليس للإنسان فيه حاجة،فكأنّه لا حقّ له فيه،ففي الكلام نوع استعارة.
و قيل:إنّ المراد ليس لنا في بناتك من حقّ لأنّا لا نتزوّجهنّ،و من لم يتزوّج بامرأة فلا حقّ له فيها، فالمراد بنفي الحقّ نفي سببه،و هو الازدواج.
و قيل:المراد ب«الحقّ»هو الحظّ و النّصيب دون الحقّ الشّرعيّ أو العرفيّ،أي لا رغبة لنا فيهنّ لأنّهنّ نساء،و لا ميل لنا إليهنّ.
و الّذي يجب الالتفات إليه أنّهم لم يقولوا:«ما لنا فى بناتك من حقّ»بل قالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ فلم يجيبوا عنه بذلك بل بعلمه بذلك.و بين القولين فرق،فالظّاهر أنّهم ذكّروه بما كان يعلم من السّنّة القوميّة الجارية بينهم،و هو المنع من التّعرّض لنساء النّاس،و خاصّة بالقهر و الغلبة،أو ترك إتيان النّساء بالمرّة،و استباحة التّعرّض للغلمان و قضاء الوطر منهم.
و قد كان لوط يردعهم عن سنّتهم ذلك؛إذ يقول لهم: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ الأعراف:81، أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ... الشّعراء:166، أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ... العنكبوت:29،و لا شكّ أنّ السّنّة القوميّة الجارية على فعل شيء يثبت حقّا فيه، و الجارية على تركه ينفي الحقّ.
و بالجملة هم يلفتون نظره عليه السّلام إلى ما يعلم من انتفاء حقّهم عن بناته بما هنّ نساء بحسب السّنّة القوميّة،و ما يعلم من إرادتهم في الهجوم على داره هذا.و لعلّ هذا أحسن الوجوه.(10:340)
عبد الكريم الخطيب :أي إنّك لم تعرض علينا أمرا جديدا لتصرفنا عمّا نطلب،فأنت تعلم ما لنا في بناتك،و أنّنا نملك التّزوّج بهنّ من غير اعتراض، فالتّزوّج بالنّساء أمر متّفق عليه بيننا و بينك،كما هو متّفق عليه بين النّاس جميعا.و لكن ما ذا عندك لنا في هذا الّذي نطلبه من الضّيوف؟ وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ فهل في بناتك أو بنات غيرك ما يحقّق لنا هذا الّذي نريده؟
(6:1180)
فضل اللّه :لأنّنا لا نرى لنا فيهنّ حقّا،و نظرا لعدم رغبتنا بالنّساء،كما لغيرنا من النّاس الّذين يجدون فيهنّ موضوعا لإشباع حاجاتهم،و يلتمسون الوسائل المشروعة للحصول عليه،لأنّ ما يجعل من الشّيء حقّا لأحد لدى نفسه،رغبته الذّاتيّة فيه،و رغبة المجتمع في تحقيق وصوله،و هذا ما لا يتيسّر في مجتمع قوم لوط الّذين كانوا يأتون الرّجال شهوة،من دون النّساء.
(12:104)
4- إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ. ص:64
ابن عبّاس: صدق.(384)
الطّبريّ: إنّ هذا الّذي أخبرتكم أيّها النّاس،من الخبر عن تراجع أهل النّار،و لعن بعضهم بعضا،و دعاء بعضهم على بعض في النّار،لحقّ يقين،فلا تشكّوا في
ص: 49
ذلك،و لكن استيقنوه تخاصم أهل النّار.و قوله:
(تخاصم)ردّ على قوله:(لحقّ).و معنى الكلام:إنّ تخاصم أهل النّار الّذي أخبرتكم به لحقّ.(23:182)
الزّجّاج: أي إنّ وصفنا الّذي وصفناه عنهم لحقّ، ثمّ بيّن ما هو فقال:هو تخاصم أهل النّار،و هذا كلّه على معنى إذا كان يوم القيامة قال أهل النّار كذا،و كذلك كلّ شيء في القرآن ممّا يحكي عن أهل الجنّة و النّار.
(4:340)
الثّعلبيّ: مجاز الآية:إنّ تخاصم أهل النّار في النّار لحقّ.(8:215)
نحوه القشيريّ(5:261)،و البغويّ(4:76)، و الميبديّ(8:359)،و القرطبيّ(15:225).
الطّوسيّ: أي كائن لا محالة.(8:578)
مثله الطّبرسيّ.(4:484)
الزّمخشريّ: أي الّذي حكينا عنهم(لحقّ)لا بدّ أن يتكلّموا به،ثمّ بيّن ما هو،فقال هو: تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ. (3:380)
مثله الفخر الرّازيّ(26:223)،و البيضاوي(2:
314)،و نحوه الآلوسيّ(23:219).
أبو حيّان :أي ثابت واقع لا بدّ أن يجري بينهم.
(7:407)
نحوه القاسميّ.(14:5117)
الشّربينيّ: أي واجب وقوعه،فلا بدّ أن يتكلّموا به.(3:425)
أبو السّعود :لا بدّ من وقوعه البتّة.(5:369)
مثله البروسويّ.(8:54)
الطّباطبائيّ: إشارة إلى ما حكي من تخاصمهم، و بيان أنّ تخاصم أهل النّار ثابت واقع لا ريب فيه،و هو ظهور ما استقرّ في نفوسهم في الدّنيا من ملكة التّنازع و التّشاجر.(17:220)
عبد الكريم الخطيب :أي إنّ هذا التّخاصم و التّلاحي بين أهل النّار،هو حقّ واقع،فمن كذّب فلينتظر،و سيرى.(12:1106)
5- إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ. الواقعة:95
ابن عبّاس: حقّا يقينا كائنا.(456)
مجاهد :الخبر اليقين.(الطّبريّ 27:214)
قتادة :إنّ اللّه تعالى ليس تاركا أحدا من خلقه حتّى يوقفه على اليقين من هذا القرآن،فأمّا المؤمن فأيقن في الدّنيا،فنفعه ذلك يوم القيامة،و أمّا الكافر،فأيقن يوم القيامة،حين لا ينفعه.(الطّبريّ 27:214)
الطّبريّ: و اختلف أهل العربيّة في وجه إضافة الحقّ إلى اليقين،و الحقّ يقين،فقال بعض نحويّي البصرة،قال: حَقُّ الْيَقِينِ، فأضاف الحقّ إلى اليقين، كما قال: ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ البيّنة:5،أي ذلك دين الملّة القيّمة؛و ذلك حقّ الأمر اليقين.قال:و أمّا هذا رجل السّوء،فلا يكون فيه هذا الرّجل السّوء،كما يكون في الحقّ اليقين،لأنّ السّوء ليس بالرّجل،و اليقين هو الحقّ.
و قال بعض أهل الكوفة:اليقين نعت للحقّ،كأنّه
ص: 50
قال:الحقّ اليقين،و الدّين القيّم،فقد جاء مثله في كثير من الكلام و القرآن وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109، وَ الدّارُ الْآخِرَةُ الأعراف:169،فإذا أضيف توهّم به غير الأوّل.(27:214)
الزّجّاج: أي إنّ هذا الّذي قصصنا عليك في هذه السّورة من الأقاصيص،و ما أعدّ اللّه لأوليائه و أعدائه، و ما ذكر،ممّا يدلّ على وحدانيّته ليقين حقّ اليقين،كما تقول:«إنّ زيدا لعالم حقّ عالم،و إنّه للعالم حقّ العالم»إذا بالغت في التّوكيد.(5:118)
الطّوسيّ: أي هذا الّذي أخبرتك به هو الحقّ الّذي لا شكّ فيه،بل هو اليقين الّذي لا شبهة فيه.و حَقُّ الْيَقِينِ إنّما جاز إضافته إلى نفسه،لأنّها إضافة لفظيّة جعلت بدلا من الصّفة،لأنّ المعنى إنّ هذا لهو حقّ اليقين،كما قيل:هذا نفس الحائط،بمعنى النّفس الحائط، و جاز ذلك للإيجاز مع مناسبة الإضافة للصّفة.و أمّا قولهم:«رجل سوء»فكقولك:«رجل سوء و فساد».
و قيل:معنى حَقُّ الْيَقِينِ: حقّ الأمر اليقين.
(9:515)
القشيريّ: هذا هو الحقّ اليقين الّذي لا محالة حاصل.(6:97)
البغويّ: أي الحقّ اليقين،أضافه إلى نفسه.
(5:23)
الميبديّ: أي هو يقين حقّ اليقين،أي الخبر الّذي لا شكّ فيه،أضاف إلى نفسه كيوم القيامة و مسجد الجامع.
و قيل:التّقدير:حقّ الأمر اليقين،و اليقين علم يحصل به ثلج الصّدر،و يسمّى برد اليقين.و قيل:هو علم يحصل بالدّليل.(9:468)
ابن عطيّة: أكّد تعالى الإخبار بأن قال لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم مخاطبة تدخل معه أمّته فيها:إنّ هذا الّذي أخبرنا به لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ.
و إضافة(الحقّ)إلى(اليقين)عبارة فيها مبالغة، لأنّهما بمعنى واحد،فذهب بعض النّاس إلى أنّه من باب:
دار الآخرة،و مسجد الجامع.و ذهبت فرقة من الحذّاق إلى أنّه كما تقول في أمر تؤكّده:هذا يقين اليقين أو صواب الصّواب،بمعنى أنّه نهاية الصّواب.
و هذا أحسن ما قيل فيه،و ذلك لأنّ دار الآخرة و ما أشبهها يحتمل أن تقدّر شيئا أضفت الدّار إليه و وصفته بالآخرة،ثمّ حذفت و أقمت الصّفة مقامه،كأنّك قلت:
دار الرّجعة أو النّشأة أو الخلقة،و هنا لا يتّجه هذا،و إنّما هي عبارة مبالغة و تأكيد،معناه أنّ هذا الخبر هو نفس اليقين و حقيقته.(5:254)
نحوه ابن عاشور.(27:319)
الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:
الأولى:(هذا)إشارة إلى ما ذا؟نقول فيه وجوه:
أحدها:القرآن.
ثانيها:ما ذكره في السّورة.
ثالثها:جزاء الأزواج الثّلاثة.
الثّانية:كيف أضاف(الحقّ)إلى(اليقين)مع أنّهما بمعنى واحد؟نقول:فيه وجوه:
ص: 51
أحدها:هذه الإضافة،كما أضاف الجانب إلى الغربيّ في قوله: وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ القصص:44، و أضاف الدّار إلى الآخرة في قوله: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109،غير أنّ المقدّر هنا غير ظاهر،فإنّ شرط ذلك أن يكون بحيث يوصف باليقين،و يضاف إليه الحقّ،و ما يوصف باليقين بعد إضافة الحقّ إليه.
و ثانيها:أنّه من الإضافة الّتي بمعنى«من»كما يقال:
باب من ساج و باب ساج.و خاتم من فضّة و خاتم فضّة، فكأنّه قال:لهو الحقّ من اليقين.
ثالثها:و هو أقرب منها ما ذكره ابن عطيّة:أنّ ذلك نوع تأكيد،يقال:هذا من حقّ الحقّ،و صواب الصّواب، أي غايته و نهايته الّتي لا وصول فوقه.و الّذي وقع في تقرير هذا أنّ الإنسان أظهر ما عنده الأنوار المدركة بالحسّ،و تلك الأنوار أكثرها مشوبة بغيرها،فإذا وصل الطّالب إلى أوّله يقول:وجدت أمر كذا،ثمّ إنّه مع صحّة إطلاق اللّفظ عليه لا يتميّز عن غيره،فيتوسّط الطّالب و يأخذ مطلوبه من وسطه.
مثاله:من يطلب الماء،ثمّ يصل إلى بركة عظيمة، فإذا أخذ من طرفه شيئا يقول:هو ماء،و ربّما يقول قائل آخر:هذا ليس بماء،و إنّما هو طين،و أمّا الماء ما أخذته من وسط البركة،فالّذي في طرف البركة ماء بالنّسبة إلى أجسام أخرى،ثمّ إذا نسب إلى الماء الصّافي ربّما يقال له:
شيء آخر،فإذا قال:هذا هو الماء حقّا،يكون قد أكّد، و له أن يقول:حقّ الماء،أي الماء حقّا هذا؛بحيث لا يقول أحد:فيه شيء،فكذلك هاهنا،كأنّه قال:هذا هو اليقين حقّا لا اليقين الّذي يقول بعض:إنّه ليس بيقين.
و يحتمل وجها آخر،و هو أن يقال:الإضافة على حقيقتها،و معناه أنّ هذا القول لك با محمّد و للمؤمنين، و حقّ اليقين أن تقول كذا،و يقرب من هذا ما يقال:حقّ الكمال أن يصلّي المؤمن،و هذا كما قيل في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:
«أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا:لا إله إلاّ اللّه،فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها»أنّ الضّمير راجع إلى الكلمة أي إلاّ بحقّ الكلمة،من حقّ الكلمة أداء الزّكاة و الصّلاة،فكذلك حَقُّ الْيَقِينِ أن يعرف ما قاله اللّه تعالى في الواقعة في حقّ الأزواج الثّلاثة.
و على هذا معناه:أنّ اليقين لا يحقّ و لا يكون إلاّ إذا صدق فيما قاله بحقّ،فالتّصديق حقّ اليقين الّذي يستحقّه.(29:203)
القرطبيّ: أي هذا الّذي قصصناه محض اليقين و خالصه،و جاز إضافة(الحقّ)إلى(اليقين)و هما واحد، لاختلاف لفظهما.قال المبرّد:هو كقولك:عين اليقين و محض اليقين،فهو من باب إضافة الشّيء إلى نفسه عند الكوفيّين.و عند البصريّين:حقّ الأمر اليقين أو الخبر اليقين.
و قيل:هو توكيد،و قيل:أصل اليقين أن يكون نعتا للحقّ،فأضيف المنعوت إلى النّعت على الاتّساع و المجاز، كقوله: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109.(17:234)
النّيسابوريّ: أي الحقّ الثّابت من اليقين،و هو علم يحصل به ثلج الصّدر،و يسمّى ببرد اليقين،و قد
ص: 52
يسمّى العلم الحاصل بالبرهان.فالإضافة بمعنى من كقولك:خاتم فضّة،و هذا في الحقيقة لا يفيد سوى التّأكيد،كقولك:حقّ الحقّ و صواب الصّواب،أي غايته و نهايته الّتي لا وصول فوقه،أو المراد:هذا هو اليقين حقّا لا اليقين الّذي يظنّ أنّه يقين و لا يكون كذلك في نفس الأمر،هذا ما قاله أكثر المفسّرين.[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]
قال أهل اليقين:للعلم ثلاث مراتب:
أوّلها:علم اليقين،و هو مرتبة البرهان.
و ثانيها:عين اليقين،و هو أن يرى المعلوم عيانا، فليس الخبر كالمعاينة.
ثالثها:حقّ اليقين،و هو أن يصير العالم و المعلوم و العلم واحدا.و لعلّه لا يعرف حقّ هذه المرتبة إلاّ من وصل إليها،كما أنّ طعم العسل لا يعرفه إلاّ من ذاقه، بشرط أن لا يكون مزاجه و مذاقه فاسدين.(27:85)
أبو حيّان :أي إنّ هذا الخبر المذكور في هذه السّورة هو حقّ اليقين.فقيل:هو من إضافة المترادفين على سبيل المبالغة،كما تقول:هذا يقين اليقين و صواب الصّواب،بمعنى أنّها نهاية في ذلك،فهما بمعنى واحد أضيف على سبيل المبالغة.و قيل:هو من إضافة الموصوف إلى صفته،جعل الحقّ مباينا لليقين،أي الثّابت المتيقّن.(8:216)
البروسويّ: [قال مثل السّابقين و أضاف:]
و المراد هنا المعلوم المتيقّن به،لأنّ المبتدأ عبارة عن المعلوم،فيجب أن يكون الخبر أيضا كذلك،التّقدير:إنّ هذا لهو ثابت الخبر المتيقّن به،أي الثّابت منه،على أنّ الإضافة بمعنى«من».
و في«فتح الرّحمن»:هذه عبارة فيها مبالغة لأنّها بمعنى واحد،كما تقول في أمر تؤكّده:هذا يقين اليقين و صواب الصّواب،بمعنى أنّه نهاية الصّواب،فهي عبارة مبالغة و تأكيد،معناه إنّ هذا الخبر هو نفس اليقين و حقيقته،انتهى.
قال ابن الملك:إضافة العلم إلى اليقين إضافة الشّيء إلى مرادفه،كما فعلوا مثل ذلك في العطف.(9:342)
الآلوسيّ: الاضافة بمعنى اللاّم،و المعنى:لهو عين اليقين،فهو على نحو عين الشّيء و نفسه.و لا يخفى أنّ الإضافة من إضافة العامّ إلى الخاصّ،و كونها بمعنى اللاّم قول لبعضهم.
و قال بعض آخر:إنّها بيانيّة على معنى«من».و قدّر بعضهم هنا موصوفا،أي لهو حقّ الخبر اليقين،و كونه لا يناسب المقام غير متوجّه.
و في«البحر»قيل:إنّ الإضافة من إضافة المترادفين على سبيل المبالغة،كما تقول:هذا يقين اليقين و صواب الصّواب،بمعنى أنّه نهاية في ذلك،فهما بمعنى أضيف أحدهما إلى الآخر للمبالغة،و فيه نظر.(27:162)
القاسميّ: أي حقيقة الأمر،و جليّة الحال،لا لبس فيه و لا ارتياب.و الإضافة إمّا من إضافة الموصوف إلى الصّفة،أي الحقّ اليقين،كما يقال:دار الآخرة،و الدّار الآخرة،أو بالعكس،أي اليقين الحقّ.أو من إضافة العامّ للخاصّ،أي كعلم الأمر اليقين،فالإضافة حينئذ
ص: 53
لاميّة.أو بمعنى«من».(16:5669)
سيّد قطب :فتلتقي رجاحة اليقين و ثقله في ميزان الحقّ،بالواقعة الّتي بدأت بها السّورة.و تختم بما يوحيه هذا اليقين الثّابت الجازم من اتّجاه إلى اللّه بالتّسبيح و التّعظيم.(6:3473).
الطّباطبائيّ: الحقّ هو العلم من حيث إنّ الخارج الواقع يطابقه،و اليقين هو العلم الّذي لا لبس فيه و لا ريب.فإضافة الحقّ إلى اليقين نحو من الإضافة البيانيّة جيء بها للتّأكيد.
و المعنى:أنّ هذا الّذي ذكرناه من حال أزواج النّاس الثّلاثة هو الحقّ الّذي لا تردّد فيه،و العلم الّذي لا شكّ يعتريه.(19:140)
عبد الكريم الخطيب :و حقّ اليقين،أي الحقّ المطلق،الّذي لا يعلّق به شيء من دخان الباطل و سحبه،فهو الحقّ الّذي ينبغي أن ينزل من القلوب و العقول منزلة اليقين،فتطمئنّ به القلوب،و تسكن إليه العقول.
و اليقين المشار إليه،هو اليقين الوارد من تلك الآيات،الّتي تحدّث عن قدرة اللّه،و عن البعث، و الحساب و الجزاء،فهذا الحديث هو حديث حقّ مستيقن،لا شكّ فيه.
و في إضافة الحقّ إلى اليقين،إشارة إلى أنّ هذا الحقّ، هو الحقّ الّذي يقيم اليقين في النّفوس،لأنّه حقّ خالص من كلّ شائبة،أمّا غيره فقد يكون حقّا،و لكنّه قد يتلبّس به ما يحجبه عن الأبصار،فيثير حوله سحبا من ضباب الشّكّ و الارتياب.أمّا هذا الحقّ فهو حقّ صراح، و نور مبين لا يحجبه شيء.(14:743)
مكارم الشّيرازيّ: و المعروف بين المفسّرين أنّ حَقُّ الْيَقِينِ من قبيل الإضافة البيانيّة،يعني أنّ الّذي تقدّم ذكره حول الأقسام الثّلاثة،و هم المقرّبون و أصحاب اليمين و المكذّبون،فإنّها هي الحقيقة و الحقّ و اليقين.
و هنا يوجد احتمال أيضا،و هو:بما أنّ لليقين درجات متعدّدة،فإنّ أعلى مرحلة له هي«حقّ اليقين» أي يقين واقعيّ كامل و خال من كلّ شكّ و شبهة و ريب.
و ممّا قلنا يتّضح أنّ(هذا)في هذه الآية إشارة إلى أحوال الأقسام الثّلاثة الآنفة الذّكر،كما احتمل البعض أيضا أنّها إشارة إلى كلّ محتويات سورة الواقعة أو القرآن أجمع،إلاّ أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب.(17:476)
فضل اللّه :الّذي لا مجال فيه للشّكّ،لأنّه يمثّل عمق الحقّ الّذي يشرق في داخل النّفس،لتعيش اليقين الّذي لا تهتزّ فيه القناعات،و لا تزحف إليه الاحتمالات.
(21:347)
6- وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ. الحاقّة:51
ابن عبّاس: وَ إِنَّهُ يعني القرآن لَحَقُّ الْيَقِينِ حقّا يقينا إنّه كلامي نزل به جبريل على رسول كريم.
(484)
الكلبيّ: أي حقّا و يقينا ليكوننّ الكفر حسرة على الكافرين يوم القيامة.(الماورديّ 6:88)
ص: 54
الطّبريّ: يقول:و إنّه للحقّ اليقين الّذي لا شكّ فيه أنّه من عند اللّه،لم يتقوّله محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(29:68)
الزّجّاج: المعنى أنّ القرآن لليقين حقّ اليقين.
(5:218)
الماورديّ: فيه وجهان:
أحدهما:[قول الكلبيّ]
الثّاني:يعني القرآن عند جميع الخلق أنّه حقّ،قال قتادة:إلاّ أنّ المؤمن أيقن به في الدّنيا فنفعه،و الكافر أيقن به في الآخرة فلم ينفعه.(6:88)
الطّوسيّ: و معناه الحقّ اليقين،و إنّما أضافه إلى نفسه،و الحقّ هو اليقين،كما قيل:مسجد الجامع و دار الآخرة و بارحة الأولى و يوم الخميس و ما أشبه ذلك، فيضاف الشّيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه،كما اختلف الحقّ و اليقين،و الحقّ هو الّذي معتقده على ما اعتقده، و اليقين هو الّذي لا شبهة فيه.(10:111)
مثله الطّبرسيّ.(5:350)
القشيريّ: حقّ اليقين هو اليقين،فالإضافة هكذا إلى نفس الشّيء.
و علوم النّاس تختلف في الطّرق إلى اليقين خفاء و جلاء،فما يقال عن الفرق بين علم اليقين و عين اليقين و حقّ اليقين،يرجع إلى كثرة البراهين،و خفاء الطّريق و جلائه،ثمّ إلى كون بعضه ضروريّا و إلى بعضه كسبيّا، ثمّ ما يكون مع الإدراكات.(6:195)
الميبديّ: مضاف إلى النّعت،تأويله:و إنّه للحقّ اليقين.و قيل:معناه إنّه لليقين حقّ اليقين،كما تقول:
هو الجواد عين الجواد.
و قيل:إنّه لحقّ الأمر اليقين أيقن به المؤمن في الدّنيا فينفعه،و أيقن به الكافر في الآخرة فلم ينفعه.
(10:216)
الزّمخشريّ: إنّ القرآن لليقين حقّ اليقين، كقولك:هو العالم حقّ العالم و جدّ العالم،و المعنى:لعين اليقين و محض اليقين.(4:155)
ابن عطيّة: ذهب الكوفيّون إلى أنّها إضافة الشّيء إلى نفسه كدار الآخرة و مسجد الجامع.و ذهب البصريّون و الحذّاق إلى أنّ«الحقّ»مضاف إلى الأبلغ من وجوهه.و قال المبرّد:إنّما هو كقولك:عين اليقين و محض اليقين.(5:363)
الفخر الرّازيّ: معناه أنّه حقّ يقين،أي حقّ لا بطلان فيه،و يقين لا ريب فيه،ثمّ أضيف أحد الوصفين إلى الآخر للتّأكيد.(30:120)
نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(29:43)
الشّربينيّ: أي الأمر الثّابت الّذي لا يقبل الشّكّ، فهو يقين مؤكّد بالحقّ،من إضافة الصّفة إلى الموصوف، و هو فوق علم اليقين.(4:380)
أبو السّعود :الّذي لا يحوم حوله ريب ما.(6:298)
البروسويّ: أي لليقين الّذي لا ريب فيه،فالحقّ و اليقين صفتان بمعنى واحد،أضيف أحدهما إلى الآخر إضافة الشّيء إلى نفسه،كحبّ الحصيد للتّأكيد،فإنّ الحقّ هو الثّابت الّذي لا يتطرّق إليه الرّيب،و كذا اليقين.
(10:152)
ص: 55
الآلوسيّ: أي لليقين حقّ اليقين،و المعنى لعين اليقين،فهو على نحو عين الشّيء و نفسه.و الإضافة بمعنى «اللاّم»على ما صرّح به في«الكشف»و جوّز أن تكون الإضافة فيه على معنى:«من»أي:الحقّ الثّابت من اليقين،و قد تقدّم في«الواقعة»ما ينفعك هنا فتذكّره.
و ذكر بعض الصّوفيّة قدّست أسرارهم:أنّ أعلى مراتب العلم:حقّ اليقين،و دونه:عين اليقين،و دونه:
علم اليقين،فالأوّل:كعلم العاقل بالموت إذا ذاقه، و الثّاني:كعلمه به عند معاينة ملائكته عليهم السّلام،و الثّالث:
كعلمه به في سائر أوقاته.و تمام الكلام في ذلك يطلب من كتبهم.(29:55)
الطّباطبائيّ: قد تقدّم كلام في نظيرتي الآيتين في آخر سورة الواقعة،و السّورتان متّحدتان في الغرض، و هو وصف يوم القيامة،و متّحدتان في سياق خاتمتهما و هي الإقسام على حقيقة القرآن المنبئ عن يوم القيامة، و قد ختمت السّورتان بكون القرآن و ما أنبأ به عن وقوع الواقعة حقّ اليقين،ثمّ الأمر بتسبيح اسم الرّبّ العظيم المنزّه عن خلق العالم باطلا لا معاد فيه،و عن أن يبطل المعارف الحقّة الّتي يعطيها القرآن في أمر المبدإ و المعاد.(19:405)
عبد الكريم الخطيب :أي هذا القرآن هو حقّ من حقّ و أنّه الحقّ المستيقن،الّذي لا يأتيه باطل من بين يديه و لا من خلفه.و في إضافة الحقّ إلى(اليقين)إشارة إلى أنّه من موارد اليقين،و أنّه حقّ هذا اليقين، و خلاصة ما فيه فهو حقّ مصفّى من حقّ،إن كان الحقّ في حاجة إلى تصفية.(15:1153)
مكارم الشّيرازيّ: التّعبير ب حَقُّ الْيَقِينِ في اعتقاد بعض المفسّرين،هو من قبيل إضافة شيء إلى نفسه،لأنّ«الحقّ»هو اليقين نفسه،و«اليقين»هو عين الحقّ و ذاته،و ذلك كما يقال:المسجد الجامع،أو يوم الخميس،يقال له باصطلاح النّحاة:إضافة بيانيّة.إلاّ أنّ الأفضل أن يقال في مثل هذه الإضافة:إضافة الموصوف إلى الصّفة.
يعني أنّ القرآن الكريم هو يقين خالص،أو بتعبير آخر أنّ لليقين مراحل مختلفة؛حيث يحصل أحيانا بالدّليل العقليّ،كما في حالة مشاهدة دخان من بعيد؛ حيث يحصل اليقين من خلاله بوجود النّار،في الوقت الّذي لم نر فيه النّار،لذا يقال لمثل هذا الأمر:علم اليقين.
و حينما نقترب أكثر و نلاحظ اشتعال النّار بأمّ أعيننا، فعند ذلك يصبح اليقين أقوى،و يسمّى عندئذ ب«عين اليقين».
و عند ما يكون اقترابنا أكثر فأكثر،و نصبح في محاذاة النّار أو في داخلها،و نلمس حرارتها بأيدينا،فإنّ من المسلّم أنّ هذه أعلى مرحلة من مراحل اليقين؛حيث يسمّونها ب«حقّ اليقين».
و الآية أعلاه تقول:إنّ القرآن الكريم في مثل هذه المرحلة من اليقين،و مع هذا فإنّ عديمي البصيرة ينكرونه و يشكّكون فيه.(18:554)
فضل اللّه : وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ الّذي يتمثّل عمق
ص: 56
الحقّ الّذي يوحي باليقين،فلا يعتريه الرّيب من أيّ جانب كان،بل يشرق بالنّور في قلب الإنسان و عقله، ليمتدّ بالطّمأنينة في حسّه و شعوره.(23:83)
7- وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ... المعارج:24
ابن عبّاس: يرون في أموالهم حقّا معلوما غير الزّكاة.(485)
هو سوى الصّدقة يصل بها رحما،أو يقري بها ضيفا،أو يحمل بها كلاّ،أو يعين بها محروما.
(الطبريّ 29:80)
إنّه الزّكاة المفروضة مثله الحسن و ابن سيرين.
(الفخر الرّازيّ 30:130)
مثله قتادة(الطّبريّ 29:80)،و الطّبرسيّ(5:
356).
الشّعبيّ: إنّ في المال حقّا سوى الزّكاة.
نحوه مجاهد و النّخعيّ.(الطّبريّ 29:81)
الإمام السّجّاد عليه السّلام:[في سؤال رجل:ما هذا الحقّ المعلوم؟فقال له:]
«الحقّ المعلوم:الشّيء يخرجه من ماله ليس من الزّكاة و لا من الصّدقة المفروضتين»،فقال:و إذا لم يكن من الزّكاة و لا من الصّدقة فما هو؟فقال:«هو الشّيء يخرجه من ماله إن شاء أكثر و إن شاء أقلّ على قدر ما يملك»،فقال له الرّجل:فما يصنع؟قال:«يصل به رحما و يقوّي به ضعيفا،و يحمل به كلاّ أو يصل به أخا له في اللّه،أو لنائبة تنوبه».فقال الرّجل:اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته.(العروسيّ 5:417)
الإمام الصّادق عليه السّلام:«الحقّ المعلوم:ليس من الزّكاة،و هو الشّيء الّذي تخرجه من مالك إن شئت كلّ جمعة،و إن شئت كلّ يوم،و لكلّ ذي فضل فضله».
[و في رواية أخرى]«هو أن تصل القرابة،و تعطي من حرمك و تصدّق على من عاداك».
(الطّبرسيّ 5:356)
الفرّاء: الزّكاة،و قال بعضهم:لا،بل سوى الزّكاة.
(3:185)
الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في المعنيّ ب«الحقّ المعلوم»الّذي ذكره اللّه في هذا الموضع،فقال بعضهم:
هو الزّكاة،و قال آخرون:بل ذلك حقّ سوى الزّكاة.
إنّ ابن عمر سئل عن قوله: فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ أ هي الزّكاة؟فقال:إنّ عليك حقوقا سوى الزّكاة.(29:80)
الميبديّ: معيّن،يعني الزّكاة،و قيل:سائر أبواب البرّ من صلة الرّحم و تعهّد المساكين و غير ذلك.
(10:228)
الزّمخشريّ: هو الزّكاة،لأنّها مقدّرة معلومة،أو صدقة يوظّفها الرّجل على نفسه،يؤدّيها في أوقات معلومة.(4:159)
ابن عطيّة: قال قتادة و الضّحّاك:«الحقّ المعلوم» هي الزّكاة المفروضة،و قال الحسن و مجاهد و ابن عبّاس:
هذه الآية في الحقوق الّتي في المال سوى الزّكاة،و هي ما ندبت الشّريعة إليه من المواساة،و قد قال ابن عمر
ص: 57
و مجاهد و الشّعبيّ و كثير من أهل العلم:إنّ في المال حقّا سوى الزّكاة،و هذا هو الأصحّ في هذه الآية،لأنّ السّورة مكّيّة،و فرض الزّكاة و بيانها إنّما كان بالمدينة.(5:368)
الفخر الرّازيّ: اختلفوا في«الحقّ المعلوم»،فقال ابن عبّاس و الحسن و ابن سيرين:إنّه الزّكاة المفروضة.
و قال ابن عبّاس:من أدّى زكاة ماله فلا جناح عليه أن لا يتصدّق.
قالوا:و الدّليل على أنّ المراد به الزّكاة المفروضة وجهان:
الأوّل:أنّ الحقّ المعلوم المقدّر هو الزّكاة،أمّا الصّدقة فهي غير مقدّرة.
الثّاني:و هو أنّه تعالى ذكر هذا على سبيل الاستثناء ممّن ذمّه،فدلّ على أنّ الّذي لا يعطي هذا الحقّ يكون مذموما،و لا حقّ على هذه الصّفة إلاّ الزّكاة.
قال آخرون:هذا الحقّ سوى الزّكاة،و هو يكون على طريق النّدب و الاستحباب،و هذا قول مجاهد و عطاء و النّخعيّ.(30:130)
القرطبيّ: يريد الزّكاة المفروضة.قاله قتادة و ابن سيرين.[ثمّ نقل أقوالا أخرى لمجاهد و ابن عبّاس و قال:]
و الأوّل أصحّ،لأنّه وصف الحقّ بأنّه معلوم، و سوى الزّكاة ليس بمعلوم،إنّما هو على قدر الحاجة، و ذلك يقلّ و يكثر.(18:291)
البيضاويّ: كالزّكوات و الصّدقات الموظّفة.
(2:504)
نحوه الشّربينيّ.(4:384)
النّيسابوريّ: قال ابن عبّاس و الحسن و ابن سيرين:هو الزّكاة المفروضة.
قلت:الدّليل عليه وصفه بأنّه معلوم،و اقترانه بإدامة الصّلاة.
و قال مجاهد و عطاء و النّخعيّ: هو ما سوى الزّكاة، و إنّه على طريق النّدب و الاستحباب.
قلت:هذا التّفسير بما في«الذّاريات»أشبه،لأنّه لم يصف الحقّ هناك بأنّه معلوم،و لأنّه مدح هناك قوما بالتزام ما لا يلزمهم،كقلّة الهجوع و الاستغفار بالأسحار.(29:51)
أبو السّعود :أي نصيب معيّن يستوجبونه على أنفسهم تقرّبا إلى اللّه تعالى،و إشفاقا على النّاس،من الزّكاة المفروضة و الصّدقات الموظّفة.(6:302)
مثله البروسويّ(10:164)،و نحوه الآلوسيّ(29:
63).
سيّد قطب :و هي الزّكاة على وجه التّخصيص و الصّدقات المعلومة القدر،و هي حقّ في أموال المؤمنين.
أو لعلّ المعنى أشمل من هذا و أكبر،و هو أنّهم يجعلون في أموالهم نصيبا معلوما يشعرون أنّه حقّ للسّائل و المحروم.
و في هذا تخلّص من الشّحّ و استعلاء على الحرص،كما أنّ فيه شعورا بواجب الواجد تجاه المحروم،في هذه الأمّة المتضامنة المتكافلة.(6:3700)
الطّباطبائيّ: فسّره بعضهم بالزّكاة المفروضة،
ص: 58
و في الحديث عن الصّادق عليه السّلام:أنّ الحقّ المعلوم ليس من الزّكاة و إنّما هو مقدار معلوم ينفقونه للفقراء.(20:15)
عبد الكريم الخطيب :و الحقّ المعلوم في أموال المؤمنين،هو الزّكاة المفروضة عليهم.(15:1177)
مكارم الشّيرازيّ: يعتقد بعض المفسّرين أنّ المراد هنا من حَقٌّ مَعْلُومٌ هو الزّكاة المفروضة الّتي فيها المقدار المعيّن،و موارد صرف ذلك المقدار هو السّائل و المحروم.و نحن نعلم أنّ هذه السّورة مكّيّة و حكم الزّكاة لم يكن قد نزل في مكّة،و إذا كان الحكم نازلا لم يكن هناك تعيّن للمقدار،و لذا يعتقد البعض أنّ المراد من«الحقّ المعلوم»:هو شيء غير الزّكاة و الّذي يجب على الإنسان منحه للمحتاجين،و الشّاهد على هذا المعنى هو ما نقل عن الإمام الصّادق عليه السّلام.[ثمّ ذكر الحديث](19:27)
1- ...فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ... البقرة:26
البغويّ: الصّدق.(1:100)
الزّمخشريّ: و(الحقّ)الثّابت الّذي لا يسوغ إنكاره،يقال:حقّ الأمر،إذا ثبت و وجب،و حقّت كلمة ربّك،و ثوب محقّق:محكم النّسج.(1:266)
مثله الفخر الرّازيّ(2:136)،و نحوه البروسويّ(1:
87).البيضاويّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]
يعمّ الأعيان الثّابتة و الأفعال الصّائبة و الأقوال الصّادقة.[ثمّ أدام الكلام نحوه](1:41)
الشّربينيّ: أي الواقع موقعه.[ثمّ أدام مثل البيضاويّ](1:40)
أبو السّعود :و(الحقّ)هو الثّابت الّذي يحقّ ثبوته لا محالة؛بحيث لا سبيل للعقل إلى إنكاره لا الثّابت مطلقا، و اللاّم للدّلالة على أنّه مشهور له بالحقيقة،و أنّ له حكما و مصالح.(1:99)
الآلوسيّ: [ذكر تعريف«الحقّ»عند اللّغويّين ثمّ قال:]
و تعريفه هنا إمّا للقصر الادّعائيّ كما يقال:هذا هو الحقّ،أو لدعوى الاتّحاد،و يكون المحكوم عليه مسلّم الاتّصاف.(1:208)
ابن عاشور :و(الحقّ):ترجع معانيه إلى موافقة الشّيء لما يحقّ أن يقع،و هو هنا الموافق لإصابة الكلام و بلاغته.و مِنْ رَبِّهِمْ حال من(الحقّ)،و(من) ابتدائيّة،أي وارد من اللّه،لا كما زعم الّذين كفروا أنّه مخالف للصّواب،فهو مؤذن بأنّه من كلام من يقع منه الخطأ.(1:359)
2- وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. البقرة:42
ابن عبّاس: لا تخلطوا الباطل بالحقّ،صفة الدّجّال بصفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(8)
لا تخلطوا الصّدق بالكذب.(الطّوسيّ 1:191)
(الحقّ)هاهنا:التّوراة،و الباطل:ما أوقعوا فيه من التّحريف و التّبديل.(الميبديّ 1:169)
ص: 59
لا تخلطوا ما عندكم من(الحقّ)في الكتاب(بالباطل) و هو التّغيير و التّبديل.(القرطبيّ 1:342) أبو العالية :قالت اليهود:محمّد نبيّ مبعوث، و لكن إلى غيرنا،فإقرارهم ببعثه حقّ،و جحدهم أنّه بعث إليهم باطل.(ابن عطيّة 1:135)
الحسن :كتموا صفة محمّد و دينه،و هو الحقّ.
(الطّوسيّ 1:191)
قتادة :(الحقّ)هو الإسلام،و(الباطل):دين اليهود و النّصارى.(الميبديّ 1:169)
مقاتل:أي و لا تكتموا أمر محمد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:102)
ابن زيد :المراد ب(الحقّ):التّوراة،و(الباطل):
ما بدّلوا فيها من ذكر محمّد عليه السّلام.(ابن عطيّة 1:135)
الطّبريّ: إنّه كان فيهم منافقون منهم يظهرون التّصديق بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و يستبطنون الكفر به،و كان أعظمهم يقول:محمّد نبيّ مبعوث،إلاّ أنّه مبعوث إلى غيرنا.(الطّبريّ 1:254)
الزّجّاج: و(الحقّ)هاهنا:أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و ما أتى به من كتاب اللّه عزّ و جلّ،و قوله:(بالباطل)أي بما يحرّفون.(1:124)
الثّعلبيّ: الحقّ الّذي تقرّون به و تبيّنونه بالباطل، يعني بما تكتمونه،ف(الحقّ)بيانهم،و(الباطل)كتمانهم.
و قيل:معناه و لا تلبسوا الحقّ...من الباطل صفة أو حال،(و تكتموا الحقّ)يعني و لا تكتموا الحقّ،كقوله تعالى: لا تَخُونُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ الأنفال:27.(1:188)
الماورديّ: فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها:الصّدق،و هو قول ابن عبّاس.
و الثّاني:اليهوديّة و النّصرانيّة بالإسلام،و هو قول مجاهد.
و الثّالث:(الحقّ):التّوراة الّتي أنزلت على موسى، و(الباطل):الّذي كتبوه بأيديهم.(1:112)
الطّوسيّ: و قال بعضهم:(الحقّ):إقرارهم بأنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله مبعوث إلى غيرهم،و(الباطل):إنكارهم أن يكون بعث إليهم.و هذا ضعيف،لأنّه إن جاز ذلك على نفر يسير،لم يجز على الخلق الكثير،مع إظهار النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تكذيبهم فيه،و إقامة الحجّة.(1:191)
البغويّ: لا تخلطوا(الحقّ)الّذي أنزلت عليكم من صفة محمّد صلّى اللّه عليه و آله ب(الباطل)الّذي تكتبونه بأيديكم من تغيير صفته،و الأكثرون على أنّه أراد لا تلبسوا الإسلام باليهوديّة و النّصرانيّة...
وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ الّذي تقرّون به بِالْباطِلِ يعني:بما تكتمونه،فالحقّ بيانهم و الباطل كتمانهم، (و تكتموا الحقّ)أي لا تكتموه،يعني:نعت محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.
(1:110)
الميبديّ: قالوا:(الحقّ)هاهنا:تصديق التّوراة، و(الباطل):تكذيب القرآن،أي لا تصدّقوا التّوراة بتكذيب القرآن.
هذا خطاب للمنافقين الّذين يقولون بظاهر كلمة الشّهادة،و هو(الحقّ)و يكفرون بها في ضمائرهم،و هو (الباطل)،فقال لهم ربّ العالمين:لا تخلطوا شهادة
ص: 60
الظّاهر بكفر الباطن.
و قيل:هذا خطاب لليهود الّذين يقولون:إنّ محمّدا بعث بالحقّ و هو صادق،غير أنّه بعث إلى قوم آخرين و ليس إلينا،و لا يجب علينا أن نؤمن به،فقال اللّه تعالى:
إنّ قولكم أوّله حقّ و آخره باطل.
فلا تخلطوا الحقّ بالباطل،لأنّه بعث إلى الخلق كافّة، من أيّ لون كان،و لهذا قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«بعثت إلى الأحمر و الأسود و الأبيض».
و قيل:(الحقّ)الصّدق،و(الباطل):الكذب.
(1:168)
ابن عطيّة: اختلف أهل التّأويل في المراد بقوله:
اَلْحَقَّ بِالْباطِلِ [فذكر أقوالا و أضاف:]
و قال الكوفيّون:(تكتموا)نصب بواو الصّرف، و(الحقّ)يعني به أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:135)
الطّبرسيّ: أي لا تكتموا صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في التّوراة و أنتم تعلمون أنّه حقّ،و الخطاب إلى رؤساء أهل الكتاب.(1:96)
الشّربينيّ: (الحقّ)الّذي أنزلت عليكم من صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،(بالباطل)الّذي تخترعونه و تكتبونه بأيديكم من تغيير صفته. تَكْتُمُوا الْحَقَّ أي لا تكتموا نعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:54)
أبو السّعود :و المعنى لا تخلطوا الحقّ المنزل بالباطل الّذي تخترعونه و تكتبونه حتّى يشتبه أحدهما بالآخر، أو لا تجعلوا الحقّ ملتبسا بسبب الباطل الّذي تكتبونه في تضاعيفه،أو تذكرونه في تأويله.[إلى أن قال:]
و تكرير(الحقّ)إمّا لأنّ المراد بالأخير ليس عين الأوّل بل هو نعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي كتموه و كتبوا مكانه غيره،كما سيجيء في قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ البقرة:79،و إمّا لزيادة تقبيح المنهيّ عنه؛إذ في التّصريح باسم الحقّ ما ليس في ضميره.(1:128)
نحوه البروسويّ.(1:119)
الآلوسيّ: و اللاّم في(الحقّ)و(الباطل)للعهد،أي لا تخلطوا الحقّ المنزل في التّوراة بالباطل الّذي اخترعتموه و كتبتموه،أو لا تجعلوا ذلك ملتبسا مشتبها غير واضح،لا يدركه النّاس بسبب الباطل و ذكره.
و لعلّ الأوّل أرجح،لأنّه أظهر و أكثر،لا لأنّ جعل وجود الباطل سببا لالتباس الحقّ ليس أولى من العكس،لما أنّه لمّا كان المذموم هو التباس الحقّ بالباطل و إن لزمه العكس،و كان هذا طارئا على ذلك،استحقّ الأولويّة الّتي نفيت.(1:246)
3- ..وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ... البقرة:61
ابن عبّاس: بغير حقّ و لا جرم.(10)
الطّبريّ: أنّهم كانوا يقتلون رسل اللّه بغير إذن اللّه لهم بقتلهم،منكرين رسالتهم جاحدين نبوّتهم.
(1:317)
الطّوسيّ: لا يدلّ على أنّه قد يصحّ أن يقتلوهم بحقّ،لأنّ هذا خرج مخرج الصّفة لقتلهم،و إنّه لا يكون إلاّ ظلما بغير حقّ،كما قال: وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ
ص: 61
لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ المؤمنون:117،و كما قال: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ الأنبياء:112،و كما قال الشّاعر:
*على لا حب لا يهتدي بمناره*
و معناه ليس هناك منار يهتدي به،و مثله كثير.
(1:279)
نحوه الطّبرسيّ.(1:125)
البغويّ: أي بلا جرم.فإن قيل:فلم قال: بِغَيْرِ الْحَقِّ، و قتل النّبيّين لا يكون إلاّ بغير الحقّ؟
قيل:ذكره وصفا للقتل،و القتل تارة يوصف بالحقّ،و تارة يوصف بغير الحقّ،و هو مثل قوله تعالى:
قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ الأنبياء:112،ذكر الحقّ وصف للحكم لا أنّ حكمه تعالى ينقسم إلى الجور و الحقّ،و يروى أنّ اليهود قتلت سبعين نبيّا في أوّل النّهار،و قامت إلى سوق بقلها في آخر النّهار.
(1:123)
نحوه الشّربينيّ.(1:65)
الزّمخشريّ: فإن قلت:قتل الأنبياء لا يكون إلاّ بغير الحقّ فما فائدة ذكره؟.
قلت:معناه أنّهم قتلوهم بغير الحقّ عندهم،لأنّهم لم يقتلوا و لا أفسدوا في الأرض فيقتلوا،و إنّما نصحوهم و دعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم،فلو سئلوا و أنصفوا من أنفسهم،لم يذكروا وجها يستحقّون به القتل عندهم.
(1:285)
ابن عطيّة: و قوله تعالى: بِغَيْرِ الْحَقِّ تعظيم للشّنعة و الذّنب الّذي أتوه،و معلوم أنّه لا يقتل نبيّ بحقّ، و لكن من حيث قد يتخيّل متخيّل لذلك وجها،فصرّح قوله: بِغَيْرِ الْحَقِّ عن شنعة الذّنب و وضوحه،و لم يجترم قطّ نبيّ ما يوجب قتله،و إنّما أتاح اللّه تعالى من أتاح منهم.و سلّط عليه،كرامة لهم،و زيادة في منازلهم، كمثل من يقتل في سبيل اللّه من المؤمنين.(1:156)
نحوه القرطبيّ.(1:432)
الفخر الرّازيّ: لم قال: بِغَيْرِ الْحَقِّ و قتل الأنبياء لا يكون إلاّ على هذا الوجه؟الجواب من وجهين:
الأوّل:أنّ الإتيان بالباطل قد يكون حقّا،لأنّ الآتي به اعتقده حقّا لشبهة وقعت في قلبه،و قد يأتي به مع علمه بكونه باطلا،و لا شكّ أنّ الثّاني أقبح فقوله:
وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي أنّهم قتلوهم من غير أن كان ذلك القتل حقّا في اعتقادهم و خيالهم،بل كانوا عالمين بقبحه،و مع ذلك فقد فعلوه.
و ثانيها:أنّ هذا التّكرير لأجل التّأكيد،كقوله تعالى: وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ المؤمنون:117،و يستحيل أن يكون لمدّعي الإله الثّاني برهان.
و ثالثها:أنّ اللّه تعالى لو ذمّهم على مجرّد القتل لقالوا:
أ ليس أنّ اللّه يقتلهم،و لكنّه تعالى قال:القتل الصّادر من اللّه قتل بحقّ،و من غير اللّه قتل بغير حقّ.
فإن قيل:قال هاهنا: وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذكر(الحقّ)بالألف و اللاّم معرفة،و قال في آل عمران:21، كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ يَقْتُلُونَ
ص: 62
اَلْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ نكرة و كذلك في هذه السّورة[آل عمران:112] وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ* لَيْسُوا سَواءً فما الفرق؟
الجواب:الحقّ المعلوم فيما بين المسلمين الّذي يوجب القتل،قال عليه السّلام:«لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى معان ثلاث:كفر بعد إيمان،و زنى بعد إحصان،و قتل نفس بغير حقّ»فالحقّ المذكور بحرف التّعريف إشارة إلى هذا.و أمّا الحقّ المنكّر فالمراد به:تأكيد العموم،أي لم يكن هناك حقّ لا هذا الّذي يعرفه المسلمون و لا غيره البتّة.(3:103)
نحوه النّيسابوريّ.(1:330)
أبو حيّان : بِغَيْرِ الْحَقِّ متعلّق بقوله:
يَقْتُلُونَ و هو في موضع نصب على الحال من الضّمير في يَقْتُلُونَ أي تقتلونهم مبطلين.قيل:و يجوز أن تكون منعة لمصدر محذوف،أي قتلا بغير حقّ،و على كلا الوجهين هو توكيد.
و لم يرد هذا على أنّ قتل النّبيّين ينقسم إلى قتل بحقّ و قتل بغير حقّ،بل ما وقع من قتلهم إنّما وقع بغير حقّ، لأنّ النّبيّ معصوم من أن يأتي أمرا يستحقّ عليه فيه القتل.و إنّما جاء هذا القيد على سبيل التّشنيع لقتلهم و التّقبيح لفعلهم مع أنبيائهم،أي بغير الحقّ عندهم،أي لم يدّعوا في قتلهم وجها يستحقّون به القتل عندهم.
و قيل:جاء ذلك على سبيل التّأكيد،كقوله:
وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحجّ:46،إذ لا يقع قتل نبيّ إلاّ بغير الحقّ،و لم يأت نبيّ قطّ بما يوجب قتله،و إنّما قتل منهم من قتل كراهة له و زيادة في منزلته.[و أدام نحو الفخر الرّازيّ](1:237)
أبو السّعود :و فائدة التّقييد-مع أنّ قتل الأنبياء يستحيل أن يكون بحقّ-الإيذان بأنّ ذلك عندهم أيضا بغير الحقّ؛إذ لم يكن أحد معتقدا بحقّيّة قتل أحد منهم عليهم السّلام و إنّما حملهم على ذلك حبّ الدّنيا و اتّباع الهوى و الغلوّ في العصيان و الاعتداء،كما يفصح عنه قوله تعالى: ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ (1:141)
نحوه البروسويّ.(1:151)
الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف]ف«اللاّم»في (الحقّ)على هذا للعهد.
و قيل:الأظهر أنّها للجنس،و المراد بغير حقّ أصلا؛ إذ لام الجنس المبهم كالنّكرة،و يؤيّده ما في آل عمران بِغَيْرِ حَقٍّ فيفيد أنّه لم يكن حقّا باعتقادهم أيضا.
و يمكن أن يكون فائدة التّقييد إظهار معايب صنيعهم،فإنّه قتل النّبيّ ثمّ جماعة منهم ثمّ كونه بغير الحقّ،و هذا أوفق بما هو الظّاهر من كون المنهيّ القتل بغير الحقّ في نفس الأمر،سواء كان حقّا عند القاتل أو لا،إلاّ أنّ الاقتصار على القتل بغير الحقّ عندهم أنسب للتّعريض بما هم فيه على ما قيل.
و القول:بأنّه يمكن أن يقال:لو لم يقيّد بِغَيْرِ الْحَقِّ لأفاد أنّ من خواصّ النّبوّة أنّه لو قتل أحدا بغير حقّ لا يقتصّ،ففائدة التّقييد أن يكون النّظم مفيدا لما هو الحكم الشّرعيّ،بعيد كما لا يخفى.
قال بعض المتأخّرين:هذا كلّه إذا كان«الغير»بمعنى
ص: 63
النّفي،أي بلا حقّ،أمّا إذا كان بمعناه،أي بسبب أمر مغاير للحقّ،أي الباطل فالتّقييد مفيد،لأنّ قتلهم النّبيّين بسبب الباطل و حمايته.
و قريب من هذا ما قاله القفّال:من أنّهم كانوا يقولون:إنّهم كاذبون و إنّ معجزاتهم تمويهات و يقتلونهم بهذا السّبب،و بأنّهم يريدون إبطال ما هم عليه من الحقّ بزعمهم،و لعلّ ذلك غالب أحوالهم.(1:276)
ابن عاشور :أي بدون وجه معتبر في شريعتهم، فإنّ فيها أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً المائدة:32،فهذا القيد من الاحتجاج على اليهود بأصول دينهم لتخليد مذمّتهم،و إلاّ فإنّ قتل الأنبياء لا يكون بحقّ في حال من الأحوال.
و إنّما قال:(الانبياء)لأنّ الرّسل لا تسلّط عليهم أعداؤهم،لأنّه مناف لحكمة الرّسالة الّتي هي التّبليغ.
قال تعالى: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا المؤمن:51،و قال:
وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ المائدة:67،و من ثمّ كان ادّعاء النّصارى أنّ عيسى قتله اليهود ادّعاء منافيا لحكمة الإرسال،و لكن اللّه أنهى مدّة رسالته بحصول المقصد ممّا أرسل إليه.(1:513)
4- ..قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ. البقرة:71
ابن عبّاس: الآن تبيّن لنا الصّفة فطلبوها و اشتروها بملء مسكها ذهبا.(11)
الثّعلبيّ: أي بالوصف التّامّ البيّن.(1:219)
الطّوسيّ: يحتمل أمرين:أحدهما:الآن بيّنت الحقّ،و هو قول قتادة.و هذا يدلّ على أنّه كان فيهم من يشكّ في أنّ موسى عليه السّلام ما بيّن الحقّ.
و قال عبد الرّحمن:يريد أنّه حين بيّنها لهم،قالوا:
هذه بقرة فلان. اَلْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ و هو قول من جوّز أنّه قبل ذلك لم يجئ بالحقّ على التّفصيل،و إن أتى به على وجه الجملة.(1:301)
نحوه الطّبرسيّ.(1:136)
البغويّ: أي:بالبيان التّامّ الشّافي الّذي لا إشكال فيه،و طلبوها فلم يجدوا بكمال وصفها إلاّ مع الفتى، فاشتروها بملء مسكها ذهبا.(1:129)
نحوه الميبديّ(1:227)،و الشّربينيّ(1:70).
الزّمخشريّ: أي بحقيقة وصف البقرة،و ما بقي إشكال في أمرها.(1:288)
مثله النّيسابوريّ(1:343)،و النّسفيّ(1:55)، و البروسويّ(1:16).
ابن عطيّة: معناه عند من جعلهم عصاة:بيّنت لنا غاية البيان،و جِئْتَ بِالْحَقِّ الّذي طلبناه،لا أنّه كان يجيء قبل ذلك بغير حقّ،و معناه عند ابن زيد- الّذي حمل محاورتهم على الكفر-الآن صدقت.و أذعنوا في هذه الحال حين بيّن لهم أنّها سائمة،و قيل:إنّهم عيّنوها مع هذه الأوصاف،قالوا:هذه بقرة فلان.
(1:165)
الفخر الرّازيّ: أي الآن بانت هذه البقرة عن
ص: 64
غيرها،لأنّها بقرة عوان صفراء غير مذلّلة بالعمل.
قال القاضي:قوله تعالى: اَلْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ كفر من قبلهم لا محالة،لأنّه يدلّ على أنّهم اعتقدوا فيما تقدّم من الأوامر أنّها ما كانت حقّة.و هذا ضعيف، لاحتمال أن يكون المراد:الآن ظهرت حقيقة ما أمرنا به حتّى تميّزت من غيرها،فلا يكون كفرا.(3:121)
أبو حيّان :و لا يراد ب(جئت)أنّه كان غائبا فجاء، و إنّما مجازه:نطقت بالحقّ،ف(بالحقّ)متعلّق ب(جئت) على هذا المعنى،أو تكون الباء للتّعدية،فكأنّه قال:
أجأت الحقّ،أي إنّ الحقّ كان لم يجئنا فأجئته،و هنا وصف محذوف تقديره:بالحقّ المبين،أي الواضح الّذي لم يبق معه إشكال،و احتيج إلى تقدير هذا الوصف،لأنّه في كلّ محاورة حاورها معهم جاء بالحقّ،فلو لم يقدّر هذا الوصف لما كان لتقييدهم مجيئه بالحقّ بهذا الطّرف الخاصّ فائدة.
و قد ذهب قتادة إلى أنّه لا وصف محذوف هنا، و قال:كفروا بهذا القول،لأنّ نبيّ اللّه-صلّى اللّه عليه و سلّم و على نبيّنا أفضل الصّلاة و السّلام-كان لا يأتيهم إلاّ بالحقّ في كلّ وقت.و قالوا:و معنى(بالحقّ)بحقيقة نعت البقرة،و ما بقي فيها إشكال.(1:257)
أبو السّعود :أي بحقيقة وصف البقرة؛بحيث ميّزتها عن جميع ما عداها.و لم يبق لنا في شأنها اشتباه أصلا،بخلاف المرّتين الأوليين،فإنّ ما جئت به فيهما لم يكن في التّعيين بهذه المرتبة.
و لعلّهم كانوا قبل ذلك قد رأوها و وجدوها جامعة لجميع ما فصّل من الأوصاف المشروحة في المرّات الثّلاث،من غير مشارك لها فيما عدّ في المرّة الأخيرة، و إلاّ فمن أين عرفوا اختصاص النّعوت الأخيرة بها دون غيرها.(1:146)
الآلوسيّ: أي أظهرت حقيقة ما أمرنا به.
ف(الحقّ)هنا بمعنى الحقيقة،و قيل:بمعنى الأمر المقضيّ أو اللاّزم،و قيل:بمعنى القول المطابق للواقع.و لم يريدوا أنّ ما سبق لم يكن حقّا بل أرادوا أنّه لم يظهر الحقّ به كمال الظّهور.فلم يجئ بالحقّ،بل ما أومأ إليه،فعلى هذه الأقوال لم يكفروا بهذا القول.
و أجراه قتادة على ظاهره،و جعله متضمّنا أنّ ما جئت به من قبل كان باطلا،فقال:إنّهم كفروا بهذا القول،و الأولى عدم الإكفار.(1:291)
ابن عاشور :أرادوا ب(الحقّ)الأمر الثّابت الّذي لا احتمال فيه،كما تقول جاء بالأمر على وجهه،و لم يريدوا من الحقّ ضدّ الباطل،لأنّهم ما كانوا يكذّبون نبيّهم.
فإن قلت:لما ذا ذكر هنا بلفظ(الحقّ)؟و هلاّ قيل قالوا: اَلْآنَ جِئْتَ بالبيان أو بالثّبت؟
قلت:لعلّ الآية حكت معنى ما عبّر عنه اليهود لموسى بلفظ هو في لغتهم محتمل للوجهين،فحكى بما يرادفه من العربيّة،تنبيها على قلّة اهتمامهم بانتفاء الألفاظ النّزيهة،في مخاطبة أنبيائهم و كبرائهم،كما كانوا يقولون للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:(راعنا)فنهينا نحن عن أن نقوله بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا
ص: 65
اُنْظُرْنا البقرة:104،و هم لقلّة جدارتهم بفهم الشّرائع قد توهّموا أنّ في الأمر بذبح بقرة دون بيان صفاتها تقصيرا،كأنّهم ظنّوا الأمر بالذبح كالأمر بالشّراء،فجعلوا يستوصفونها بجميع الصّفات، و استكملوا موسى لمّا بيّن لهم الصّفات الّتي تختلف بها أغراض النّاس في الكسب للبقر،ظنّا منهم أنّ في علم النّبيّ بهذه الأغراض الدنيويّة كمالا فيه،فلذا مدحوه بعد البيان بقولهم: اَلْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ كما يقول الممتحن للتّلميذ بعد جمع صور السّؤال:الآن أصبت الجواب.
و لعلّهم كانوا لا يفرّقون بين الوصف الطّرديّ و غيره في التّشريع،فليحذر المسلمون أن يقعوا في فهم الدّين على شيء ممّا وقع فيه أولئك،و ذمّوا لأجله.
(1:538)
فضل اللّه :فإنّ هذه الأوصاف المتعدّدة تضعنا في موقع الوضوح الّذي لا مجال فيه للحيرة و الاشتباه،و لم يملكوا سؤالا جديدا.(2:87)
5- وَ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ. البقرة:91
ابن عبّاس: يعني القرآن.(14)
مثله الثّعلبيّ(1:236)،و الماورديّ(1:159)، و الطّوسيّ(1:351)،و البغويّ(1:143)،و ابن عطيّة (1:179)،و الطّبرسيّ(1:161).
الطّبريّ: أي ما وراء الكتاب الّذي أنزل عليهم من الكتب الّتي أنزلها اللّه إلى أنبيائه الحقّ،و إنّما يعني بذلك تعالى ذكره القرآن الّذي أنزله إلى محمد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:419)
الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ فهو كالإشارة إلى ما يدلّ على وجوب الإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و بيانه من وجهين:
الأوّل:ما دلّ عليه قوله تعالى: وَ هُوَ الْحَقُّ أنّه لمّا ثبتت نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بالمعجزات الّتي ظهرت عليه،ثمّ إنّه عليه الصّلاة و السّلام أخبر أنّ هذا القرآن منزّل من عند اللّه تعالى و أنّه أمر المكلّفين بالإيمان به،و كان الإيمان به واجبا لا محالة،و عند هذا يظهر أنّ الإيمان ببعض الأنبياء و بعض الكتب مع الكفر ببعض الأنبياء و بعض الكتب محال.
الثّاني:ما دلّ عليه قوله: مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ و تقريره من وجهين:
الأوّل:أنّ محمّدا صلوات اللّه و سلامه عليه لم يتعلّم علما و لا استفاد من أستاذ،فلمّا أتى بالحكايات و القصص موافقة لما في التّوراة من غير تفاوت أصلا، علمنا أنّه عليه الصّلاة و السّلام إنّما استفادها من الوحي و التّنزيل.
الثّاني:أنّ القرآن يدلّ على نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فلمّا أخبر اللّه تعالى عنه أنّه مصدّق للتّوراة،وجب اشتمال التّوراة على الإخبار عن نبوّته،و إلاّ لم يكن القرآن مصدّقا للتّوراة بل مكذّبا لها،و إذا كانت التّوراة مشتملة على نبوّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام و هم قد اعترفوا بوجوب الإيمان بالتّوراة،لزمهم من هذه الجهة وجوب الإيمان بالقرآن و بنبوّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام.(3:185)
ص: 66
القرطبيّ: وَ هُوَ الْحَقُّ ابتداء و خبر.
(2:29)
أبو حيّان :(هو)عائد على القرآن أو على القرآن و الإنجيل،لأنّ كتب اللّه يصدّق بعضها بعضا.
(1:307)
أبو السّعود :أي المعروف بالحقيقة بأن يخصّ به اسم الحقّ على الإطلاق،حال من فاعل(يكفرون).
(1:165)
مثله البروسويّ.(1:182)
الآلوسيّ: الضّمير عائد لما وراءه حال منه،و قيل:
من فاعل يَكْفُرُونَ، و الجملة الحاليّة المقترنة بالواو لا يلزم أن يعود منها ضمير إلى ذي الحال،كجاء زيد و الشّمس طالعة.و على فرض اللّزوم ينزل وجود الضّمير فيما هو من تتمّتها منزلة وجوده فيها،و المعنى و هم مقارنون لحقّيّته،أي عالمون بها،و هو أبلغ في الذّمّ من كفرهم بما هو حقّ في نفسه،و الأوّل أولى لظهوره.
و لا تفوت تلك الأبلغيّة عليه أيضا؛إذ تعريف الحقّ للإشارة إلى أنّ المحكوم عليه مسلّم الاتّصاف به،معروفه من قبيل:والدك العبد،فيفيد أنّ كفرهم به كان لمجرّد العناد.
و قيل:التّعريف لزيادة التّوبيخ و التّجهيل،بمعنى أنّه خاصّة الحقّ الّذي يقارن تصديق كتابهم.و لو لا الحال أعني مُصَدِّقاً لم يستقم الحصر،لأنّه في مقابلة كتابهم،و هو حقّ أيضا.
و فيه أنّه لا يستقيم و لو لوحظ الحال بناء على تخصيص ذي الضّمير بالقرآن،لأنّ الإنجيل حقّ مصدّق للتّوراة أيضا،نعم لو أريد ب(الحقّ)الثابت المقابل للمنسوخ،لاستقام الحصر مطلقا إلاّ أنّه بعيد.
(1:324)
ابن عاشور :و جملة وَ هُوَ الْحَقُّ حاليّة، و اللاّم في(الحقّ)للجنس،و المقصود اشتهار المسند إليه بهذا الجنس،أي و هو المشتهر بالحقّيّة المسلّم ذلك له.
فليست اللاّم هنا مفيدة للحصر،لأنّ تعريف المسند باللاّم لا تطّرد إفادته الحصر على ما في«دلائل الإعجاز».
و قيل:يفيد الحصر باعتبار القيد،أعني قوله:
مُصَدِّقاً أي هو المنحصر في كونه حقّا مع كونه مصدّقا،فإنّ غيره من الكتب السّماويّة حقّ لكنّه ليس مصدّقا لما معهم.
و لعلّ صاحب هذا التّفسير يعتبر الإنجيل غير متعرّض لتصديق التّوراة بل مقتصرا على تحليل بعض المحرّمات؛و ذلك يشبه عدم التّصديق،ففي الآية صدّ لبني إسرائيل عن مقابلة القرآن بمثل ما قابلوا به الإنجيل، و زيادة في توبيخهم.(1:590)
6- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ. البقرة:109
ابن عبّاس: في كتابهم أنّ محمّدا و دينه و نعته و صفته هو الحقّ.(16)
ص: 67
قتادة:من بعد ما تبيّن لهم أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و الإسلام دين اللّه.(الطّبريّ 1:489)
نحوه أبو العالية و ابن زيد(الطّبريّ 1:489)، و الطّبري(1:185).
السّدّيّ: الحقّ:هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فتبيّن لهم أنّه هو الرّسول.(الطّبريّ 1:489)
الطّبريّ: أي من بعد ما تبيّن لهؤلاء الكثير من أهل الكتاب الّذين يودّون أنّهم يردّونكم كفّارا من بعد إيمانكم الحقّ،في أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و ما جاء به من عند ربّه، و الملّة الّتي دعا إليها،فأضاء لهم أنّ ذلك الحقّ الّذي لا يمترون فيه.(1:489)
الثّعلبيّ: في التّوراة:أنّ محمّدا صادق و دينه حقّ.
(1:258)
الماورديّ: يعني من بعد ما تبيّن لليهود،أنّ محمّدا نبيّ صادق،و أنّ الإسلام دين حقّ.(1:173)
البغويّ: في التّوراة:أنّ قول محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم صدق و دينه حقّ.(1:155)
ابن عطيّة: (الحقّ)المراد به في هذه الآية:نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و صحّة ما المسلمون عليه.(1:196)
القرطبيّ: أي من بعد ما تبيّن الحقّ لهم و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و القرآن الّذي جاء به.(2:71)
البروسويّ: أي من بعد ما ظهر لهم أنّ محمّدا رسول اللّه،و قوله حقّ و دينه حقّ بالمعجزات و النّعوت المذكورة في التّوراة.(1:204)
نحوه الآلوسيّ.(1:375)
7- اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.
آل عمران:60
ابن عبّاس: هو الخبر الحقّ.(48)
الفرّاء: أي هو الحقّ،أو ذلك الحقّ فلا تمتر.
(1:220)
أبو عبيدة :انقضى الكلام الأوّل،و استأنف فقال:
اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ. (1:95)
الطّبريّ: هو الخبر الّذي هو من عند ربّك.
(3:297)
الزّجّاج: مرفوع على أنّه خبر ابتداء محذوف، المعنى الّذي أنبأناك به في قصّة عيسى عليه السّلام هو الحقّ من ربّك.(1:422)
الثّعلبيّ: [نقل قولي الفرّاء و أبي عبيدة ثمّ قال:]
و قيل:بإضمار فعل،أي حال الحقّ،و إن شئت رفعته بالضّمّة و نويت تقديما و تأخيرا،تقديره:من ربّك الحقّ،كقولهم:منك يدك،و إن كان مثلا.(3:84)
الطّوسيّ: و إنّما قال: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ و لم يقتصر على قوله:«ذلك الحقّ» فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ لأنّ في هذه الآية دلالة على أنّه الحقّ،لأنّه من ربّك.و لو قال:«ذلك الحقّ فلا تكن من الممترين»لم يفد هذه الفائدة.(2:483)
البغويّ: أي هو الحقّ.و قيل:جاءك الحقّ من ربّك.(1:449)
الميبديّ: ما قلت لك من قصّة عيسى هي صادقة و نبأ من اللّه عزّ و جلّ،و الحقّ ما قال اللّه تعالى،لا الّذي
ص: 68
يقول النّصارى في قصّة عيسى.و جائز أن يكون (الحقّ)ابتداء و مِنْ رَبِّكَ خبر ابتداء.و المعنى:
الحقّ في ذلك بل في الأمور كلّها ما يكون مصدره من اللّه عزّ و جلّ.(2:146)
نحوه النّيسابوريّ(3:208)،و البروسويّ(2:
44).
الزّمخشريّ: الحقّ من ربّك خبر مبتدإ محذوف، أي هو الحقّ،كقول أهل خيبر:محمّد و الخميس.
(1:433)
ابن عطيّة: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ رفع على الابتداء، و خبره فيما يتعلّق به قوله: مِنْ رَبِّكَ أو الحقّ ذلك أو ما قلناه لك،و يجوز أن يكون خبر ابتداء،تقديره:هذا الحقّ.(1:446)
الطّبرسيّ: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أي هذا هو الحقّ من ربّك،أضاف إلى نفسه تأكيدا و تعليلا،أي هو الحقّ لأنّه من ربّك.(1:452)
الفخر الرّازيّ: [نقل أقوال الفرّاء و أبي عبيدة و الزّجّاج ثمّ قال:]
و قال آخرون:(الحقّ)رفع بإضمار فعل،أي جاءك الحقّ.
و قيل أيضا:إنّه مرفوع بالصّفة،و فيه تقديم و تأخير،تقديره:من ربّك الحقّ فلا تكن.[إلى أن قال:] في الحقّ تأويلان:
الأوّل:قال أبو مسلم[و ذكر نحو الميبديّ في خبر عيسى]
و القول الثّاني:أنّ المراد أنّ الحقّ في بيان هذه المسألة ما ذكرناه من المثل،و هو قصّة آدم عليه السّلام فإنّه لا بيان لهذه المسألة،و لا برهان أقوى من التّمسّك بهذه الواقعة، و اللّه أعلم.(8:81)
أبو حيّان :جملة من مبتدإ و خبر أخبر تعالى أنّ الحقّ-و هو الشّيء الثّابت الّذي لا شكّ فيه-هو وارد إليك من ربّك،فجميع ما أنبأك به حقّ،فيدخل فيه قصّة عيسى و آدم و جميع أنبائه تعالى.
و يجوز أن يكون(الحقّ)خبر مبتدإ محذوف،أي «هو»أي خبر عيسى في كونه خلق من أمّ فقط هو الحقّ،و مِنْ رَبِّكَ حال أو خبر ثان أخبر عن قصّة عيسى بأنّها حقّ،و مع كونها حقّا فهي إخبار صادر عن اللّه.(2:478)
أبو السّعود :خبر مبتدإ محذوف،أي هو الحقّ،أي ما قصصنا عليك من نبإ عيسى عليه الصّلاة و السّلام و أمّه،و الظّرف إمّا حال،أي كائنا من ربّك،أو خبر ثان، أي كائن منه تعالى.
و قيل:هما مبتدأ و خبر،أي الحقّ المذكور من اللّه تعالى،و التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة مع الإضافة إلى ضمير المخاطب لتشريفه عليه الصّلاة و السّلام،و الإيذان بأنّ تنزيل هذه الآيات الحقّة،النّاطقة بكنه الأمر،تربية له عليه الصّلاة و السّلام،و لطف به.(1:378)
الآلوسيّ: خبر لمحذوف،أي هو الحقّ،و هو راجع إلى البيان،و القصص المذكور سابقا،و الجارّ و المجرور حال من الضّمير في الخبر.
ص: 69
و جوّز أن يكون(الحقّ)مبتدأ و مِنْ رَبِّكَ خبره،و رجّح الأوّل بأنّ المقصود الدّلالة على كون عيسى مخلوقا كآدم عليهما السّلام هو الحقّ،لا ما يزعمه النّصارى.
و تطبيق كونهما مبتدأ و خبرا على هذا المعنى لا يتأتّى إلاّ بتكلّف إرادة أنّ كلّ حقّ،أو جنسه من اللّه تعالى، و من جملته هذا الشّأن،أو حمل اللاّم على العهد بإرادة الحقّ المذكور.
و لا يخفى ما في التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة مع الإضافة إلى ضميره صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم من اللّطافة الظّاهرة.(3:187)
الطّباطبائيّ: تأكيد لمضمون الآية السّابقة بعد تأكيده ب(انّ)و نحوه،نظير تأكيد تفصيل القصّة بقوله:
ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ آل عمران:58،و فيه تطييب لنفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأنّه على الحقّ،و تشجيع له في المحاجّة.
و هذا أعني قوله: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ من أبدع البيانات القرآنيّة؛حيث قيّد(الحقّ)ب(من)الدّالّة على الابتداء دون غيره،بأن يقال:الحقّ مع ربّك،لما فيه من شائبة الشّرك و نسبة العجز إليه تعالى بحسب الحقيقة.
و ذلك أنّ هذه الأقاويل الحقّة و قضايا النّفس الأمريّة الثّابتة كائنة ما كانت-و إن كانت ضروريّة- غير ممكنة التّغيّر عمّا هي عليه،كقولنا:الأربعة زوج، و الواحد نصف الاثنين،و نحو ذلك،إلاّ أنّ الإنسان إنّما يقتنصها من الخارج الواقع في الوجود،و الوجود كلّه منه تعالى،فالحقّ كلّه منه تعالى،كما أنّ الخير كلّه منه، و لذلك كان تعالى لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون.فإنّ فعل غيره إنّما يصاحب الحقّ إذا كان حقّا،و أمّا فعله تعالى فهو الوجود الّذي ليس الحقّ إلاّ صورته العلميّة.
(3:213)
مكارم الشّيرازيّ: في اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ للمفسّرين رأيان:
الأوّل:أنّ الجملة مبتدأ و خبر،و بذلك يكون المعنى:
الحقّ دائما من ربّك؛و ذلك لأنّ الحقّ هو الحقيقة، و الحقيقة هو الوجود،و كلّ وجود ناشئ من وجوده.
لذلك فكلّ باطل عدم،و العدم غريب على ذاته.
الثّاني:أنّ الجملة خبر لمبتدإ محذوف،تقديره:تلك الأخبار،أي تلك الأخبار الّتي أنزلناها عليك حقائق من اللّه.و كلّ من التّفسيرين ينسجم مع الآية.(2:390)
فضل اللّه :أي:هذا هو الحقّ من ربّك،فهو مصدر الحقّ في كلّ مفرداته،لأنّه مصدر الخلق كلّه و الوجود كلّه،فكلّ شيء مربوب له،و كلّ شيء مكشوف عنده.
(6:59)
8- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ...
آل عمران:108
ابن عبّاس: لبيان الحقّ و الباطل.(53)
الطّبريّ: بالصّدق و اليقين.(4:41)
الطّوسيّ: إنّما قال: آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فقيّده ب(الحقّ)لأنّه لمّا حقّق الوعيد بأنّه واقع لا محالة،نفى عنه حال الظّلم كعادة أهل الخير،
ص: 70
ليكون الإنسان على بصيرة في سلوك الضّلالة مع الهلاك أو الهدى مع النّجاة،و معنى نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ أي معاملتي حقّ.
و يحتمل أن يكون المراد:(نتلوها)المعنى الحقّ،لأنّ معنى التّلاوة حقّ؛من حيث يتعلّق معتقدها بالشّيء على ما هو به.(2:554)
الواحديّ: بأنّها حقّ.(1:476)
الزّمخشريّ: بالحقّ و العدل من جزاء المحسن و المسيء،بما يستوجبانه.(1:454)
نحوه النّسفيّ.(1:175)
ابن عطيّة: معناه بالإخبار الحقّ،و يحتمل أن يكون المعنى: نَتْلُوها عَلَيْكَ مضمّنة الأفاعيل الّتي هي«حقّ»في أنفسها،من كرامة قوم،و تعذيب آخرين.
(1:488)
الطّبرسيّ: بالحكمة و الصّواب.(1:485)
الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:
الأوّل:أي ملتبسة بالحقّ و العدل من إجزاء المحسن و المسيء بما يستوجبانه.
الثّاني:(بالحقّ)،أي بالمعنى الحقّ،لأنّ معنى التّلو حقّ.(8:185)
نحوه الشّربينيّ(1:239)،و النّيسابوريّ(4:33).
أبو السّعود :حال مؤكّدة من فاعل نَتْلُوها أو من مفعوله،أي ملتبسين،أو التّلاوة ملتبسة بالحقّ و العدل،ليس في حكمها شائبة جور،بنقص ثواب المحسن أو بزيادة عقاب المسيء،أو بالعقاب من غير جرم،بل كلّ ذلك موفّى لهم حسب استحقاقهم بأعمالهم، بموجب الوعد و الوعيد.(2:16)
نحوه البروسويّ.(2:77)
الآلوسيّ: أي متلبّسة أو متلبّسين بالصّدق أو بالعدل في جميع ما دلّت عليه تلك الآيات و نطقت به، فالظّرف في موضع الحال المؤكّدة من الفاعل أو المفعول.
(4:26)
ابن عاشور :الباء في قوله:(بالحقّ)للملابسة، و هي ملابسة الإخبار للمخبر عنه،أي لما في نفس الأمر و الواقع،فهذه الآيات بيّنت عقائد أهل الكتاب و فصّلت أحوالهم في الدّنيا و الآخرة.(3:187)
الطّباطبائيّ: الظّرف متعلّق بقوله: نَتْلُوها و المراد:كون التّلاوة تلاوة حقّ،من غير أن يكون باطلا شيطانيّا،أو متعلّق ب«الآيات»باستشمام معنى الوصف فيه،أو مستقرّ متعلّق بمقدّر،و المعنى:أنّ هذه الآيات -الكاشفة عن ما يصنع اللّه بالطّائفتين:الكافرين و الشّاكرين-مصاحبة للحقّ من غير أن تجري على نحو الباطل و الظّلم.و هذا الوجه أوفق لما يتعقّبه من قوله:
وَ مَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً. (3:375)
9- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً...
المائدة:27
ابن عبّاس: بالقرآن.(92)
الزّمخشريّ: تلاوة متلبّسة بالحقّ و الصّحّة،أو اتله نبأ متلبّسا بالصّدق،موافقا لما في كتب الأوّلين أو
ص: 71
بالغرض الصّحيح،و هو تقبيح الحسد،لأنّ المشركين و أهل الكتاب كلّهم كانوا يحسدون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و يبغون عليه،أو اتل عليهم و أنت محقّ صادق.
(1:606)
نحوه النّسفيّ(1:280)،و الشّربينيّ(1:369)، و البروسويّ(2:379).
الطّبرسيّ: أي بالصّدق.(2:182)
نحوه القاسميّ.(6:1942)
الفخر الرّازيّ: قوله:(بالحقّ)فيه وجوه:
الأوّل:(بالحقّ)أي تلاوة متلبّسة بالحقّ و الصّحّة من عند اللّه تعالى.
الثّاني:أي تلاوة متلبّسة بالصّدق و الحقّ،موافقة لما في التّوراة و الإنجيل.
الثّالث:(بالحقّ)أي بالغرض الصّحيح،و هو تقبيح الحسد،لأنّ المشركين و أهل الكتاب كانوا يحسدون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و يبغون عليه.
الرّابع:(بالحقّ)أي ليعتبروا به لا ليحملوه على اللّعب و الباطل،مثل كثير من الأقاصيص الّتي لا فائدة فيها،و إنّما هي لهو الحديث.و هذا يدلّ على أنّ المقصود بالذّكر من الأقاصيص و القصص في القرآن:العبرة لا مجرّد الحكاية،و نظيره قوله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ يوسف:111.
(11:204)
نحوه النّيسابوريّ.(6:80)
أبو حيّان :يحتمل قوله:(بالحقّ)أن يكون حالا من الضّمير في(و اتل)أي مصحوبا بالحقّ،و هو الصّدق الّذي لا شكّ في صحّته.أو في موضع الصّفة لمصدر محذوف،أي تلاوة ملتبسة بالحقّ،و العامل في(اذ)(نبا) أي حديثهما و قصّتهما في ذلك الوقت.(3:461)
أبو السّعود :(بالحقّ)متعلّق بمحذوف وقع صفة لمصدر محذوف،أي تلاوة ملتبسة بالحقّ و الصّحّة،أو حالا من فاعل(اتل)أو من مفعوله،أي ملتبسا أنت،أو اتل نبأهما بالحقّ و الصّدق حسبما تقرّر في كتب الأوّلين.
(2:259)
نحوه الآلوسيّ.(6:111)
ابن عاشور :الباء في قوله:(بالحقّ)للملابسة متعلّقا ب(اتل).و المراد بالحقّ هنا:الصّدق من حقّ الشّيء إذا ثبت،و الصّدق هو الثّابت،و الكذب لا ثبوت له في الواقع،كما قال: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ الكهف:13.
و يصحّ أن يكون(الحقّ)ضدّ الباطل،و هو الجدّ غير الهزل،أي اتل هذا النّبأ متلبّسا بالحقّ،أي بالغرض الصّحيح لا لمجرّد التّفكّه و اللّهو.
و يحتمل أن يكون قوله:(بالحقّ)مشيرا إلى ما خفّ بالقصّة من زيادات زادها أهل القصص من بني إسرائيل،في أسباب قتل أحد الأخوين أخاه.(5:82)
مكارم الشّيرازيّ: و لعلّ استخدام كلمة (بالحقّ)في هذه الآية جاء للإشارة إلى أنّ القصّة المذكورة قد أضيفت لها خرافات مختلفة،و لبيان أنّ القرآن الكريم جاء بالقصّة الحقيقيّة الّتي حصلت بين
ص: 72
ولدي آدم عليه السّلام.(3:599)
10- وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَ رَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. الأنعام:30
ابن عبّاس: أ ليس هذا العذاب و البعث بعد الموت حقّ.(108)
نحوه البغويّ(2:119)،و الميبديّ(3:333)، و الشّربينيّ(1:416)،و البروسويّ(3:21).
الطّبريّ: أ ليس هذا البعث و النّشر بعد الممات الّذي كنتم تنكرونه في الدّنيا حقّا؟فأجابوا ف قالُوا بَلى و اللّه إنّه لحقّ.(7:178)
الطّوسيّ: يعني ما وعدهم به،فيقولون:(بلى) لأنّهم شاهدوا العقاب و الثّواب،و لم يشكّوا فيهما.
(4:121)
القشيريّ: و حين يقول لهم:أ ليس هذا بالحقّ؟ يقرّون كارهين،و يصرخون بالتّبرّي عن كلّ غير.
(2:163)
الزّمخشريّ: و هذا تعيير من اللّه تعالى لهم على التّكذيب،و قولهم لما كانوا يسمعون من حديث البعث و الجزاء:ما هو بحقّ و ما هو إلاّ باطل.(2:13)
نحوه النّسفيّ.(2:9)
الفخر الرّازيّ: المقصود من هذه الآية أنّه تعالى حكى عنهم في الآية الأولى:أنّهم ينكرون القيامة و البعث في الدّنيا،ثمّ بيّن أنّهم في الآخرة يقرّون به، فيكون المعنى أنّ حالهم في هذا الإنكار سيئول إلى الإقرار؛و ذلك لأنّهم شاهدوا القيامة و الثّواب و العقاب، قال اللّه تعالى: أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ.
فإن قيل:هذا الكلام يدلّ على أنّه تعالى يقول لهم:
أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ و هو كالمناقض لقوله تعالى:
وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ آل عمران:77.
و الجواب:أن يحمل قوله: وَ لا يُكَلِّمُهُمُ أي لا يكلّمهم بالكلام الطّيّب النّافع،و على هذا التّقدير يزول التّناقض.ثمّ إنّه تعالى بيّن أنّه إذا قال لهم: أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ؟ قالوا: بَلى وَ رَبِّنا المقصود أنّهم يعترفون بكونه حقّا مع القسم و اليمين.(12:196)
القرطبيّ: تقرير و توبيخ،أي أ ليس هذا البعث كائنا موجودا؟ قالُوا بَلى. و يؤكّدون اعترافهم بالقسم بقولهم: وَ رَبِّنا.
و قيل:إنّ الملائكة تقول لهم بأمر اللّه:أ ليس هذا البعث و هذا العذاب حقّا؟فيقولون: بَلى وَ رَبِّنا إنّه حقّ.(6:411)
النّيسابوريّ: لسائل أن يقول:ما ذا قال لهم ربّهم إذ وقفوا عليه؟فأجيب قالَ أَ لَيْسَ هذا الّذي عاينتموه من حديث البعث و الجزاء(بالحقّ)الّذي حدّثتموه قالُوا بَلى وَ رَبِّنا، و فيه دليل على أنّ حالهم في الإنكار سيئول إلى الإقرار.(7:93)
أبو حيّان :[نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]
و يحتمل عندي أن تكون الجملة حاليّة،التّقدير:إذ وقفوا على ربّهم قائلا لهم: أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ
ص: 73
و الإشارة ب(هذا)إلى البعث و متعلّقاته.(4:106)
أبو السّعود :تقريعا لهم على تكذيبهم لذلك، و قولهم عند سماع ما يتعلّق به:ما هو بحقّ و ما هو إلاّ باطل.(2:371)
الآلوسيّ: أَ لَيْسَ هذا أي البعث و ما يتبعه (بالحقّ)أي حقّا لا باطلا كما زعمتم.
و قيل:الإشارة إلى العقاب وحده،و ليس بشيء، و لا دلالة في(فذوقوا)عند أرباب الذّوق على ذلك، و الهمزة للتّقريع على التّكذيب.(7:131)
القاسميّ: قالَ أَ لَيْسَ هذا أي المعاد(بالحقّ) تقريعا لهم،و ردّا لما يتوهّمون عند الرّدّ قالُوا بَلى وَ رَبِّنا أي إنّه لحقّ و ليس بباطل،كما كنّا نظنّ.أكّدوا اعترافهم باليمين إظهارا لكمال يقينهم بحقّيّته،و إيذانا بصدور ذلك عنهم بالرّغبة و النّشاط،طمعا في نفعه.
(6:2282)
رشيد رضا :إدخال الباء على(الحقّ)يفيد تأكيد المعنى،أي قال لهم ربّهم:أ ليس هذا الّذي أنتم فيه من البعث هو الحقّ الّذي لا ريب فيه.[ثمّ أدام نحو القاسميّ](7:358)
سيّد قطب :أ ليس هذا بالحقّ؟و هو سؤال يخزي و يذيب.(2:1071)
ابن عاشور :و جملة: قالَ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ استئناف بيانيّ،لأنّ قوله: وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا قد آذن بمشهد عظيم مهول،فكان من حقّ السّامع أن يسأل:ما ذا لقوا من ربّهم؟فيجاب: قالَ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ....
و الإشارة إلى البعث الّذي عاينوه و شاهدوه، و الاستفهام تقريريّ دخل على نفي الأمر المقرّر به، لاختبار مقدار إقرار المسئول،فلذلك يسأل عن نفي ما هو واقع،لأنّه إن كان له مطمع في الإنكار تذرّع إليه بالنّفي الواقع في سؤال المقرّر،و المقصود:أ هذا حقّ، فإنّهم كانوا يزعمونه باطلا،و لذلك أجابوا بالحرف الموضوع لإبطال ما قبله و هو(بلى)فهو يبطل النّفي،فهو إقرار بوقوع المنى،أي بلى هو حقّ.
و أكّدوا ذلك بالقسم تحقيقا لاعترافهم للمعترف به، لأنّه معلوم للّه تعالى،أي نقرّ و لا نشكّ فيه،فلذلك نقسم عليه.و هذا من استعمال القسم لتأكيد لازم فائدة الخبر.
(6:64)
11- ...إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ. الأنعام:57
راجع:ق ص ص:«يقصّ».
12- ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ. الأنعام:62
ابن عبّاس: وليّهم بالثّواب و العقاب بالحقّ و العدل.و يقال:مولاهم الحقّ معبودهم بالحقّ،و لكن لم يعبدوه بالحقّ غاية عبادته،و كلّ معبود غير اللّه باطل.
(111)
الماورديّ: و(الحقّ)هنا يحتمل ثلاثة أوجه:
ص: 74
أحدها:أنّ الحقّ هو من أسمائه تعالى.
و الثّاني:لأنّه مستحقّ الرّدّ عليه.
و الثّالث:لحكمه فيهم بالرّدّ.(2:125)
البلخيّ: (الحقّ):اسم من أسماء اللّه.
(الطّوسيّ(4:171)
الطّوسيّ: و هو خفض،لأنّه نعت للّه،و يجوز الرّفع على معنى:اللّه مولاهم الحقّ،و يجوز أن ينصب على معنى:يعني مولاهم،و القراءة بالخفض.(4:171)
الزّمخشريّ: (الحقّ):العدل الّذي لا يحكم إلاّ بالحقّ.و قرئ(الحقّ)بالنّصب على المدح،كقولك:
الحمد للّه الحقّ.(2:25)
ابن عطيّة: و قوله:(الحقّ)نعت ل(موليهم) و معناه الّذي ليس بباطل و لا مجاز.و قرأ الحسن بن أبي الحسن و الأعمش(الحقّ)بالنّصب،و هو على المدح، و يصحّ على المصدر.(2:301)
الطّبرسيّ: و(الحقّ):اسم من أسماء اللّه تعالى.
و اختلف في معناه،فقيل:المعنى إنّ أمره كلّه حقّ لا يشوبه باطل،و جدّ لا يجاوره هزل،فيكون مصدرا وصف به،نحو قولهم:رجل عدل.[ثمّ استشهد بشعر]
و قيل:إنّ(الحقّ)بمعنى المحقّ،كما قيل:غياث بمعنى مغيث.و قيل:إنّ معناه الثّابت الباقي الّذي لا فناء له.
و قيل:معناه ذو الحقّ،يريد أنّ أفعاله و أقواله حقّ.
(2:313)
نحوه ابن عاشور.(6:143)
القرطبيّ: أي خالقهم و رازقهم و باعثهم و مالكهم.
(الحقّ)بالخفض قراءة الجمهور،على النّعت و الصّفة لاسم اللّه تعالى.و قرأ الحسن(الحقّ)بالنّصب على إضمار أعني،أو على المصدر،أي حقّا.(7:7)
الشّربينيّ: أي الثّابت الولاية،و كلّ ولاية غير ولايته تعالى عدم.(1:426)
أبو السّعود :(الحقّ):الّذي لا يقضي إلاّ بالعدل.
و قرئ بالنّصب على المدح.(2:395)
نحوه البروسويّ(3:46)،و القاسميّ(6:2350).
الآلوسيّ: أي العدل أو مظهر الحقّ أو الصّادق الوعد.ذكر حجّة الإسلام قدّس سرّه:أنّ الحقّ مقابل الباطل.و كلّ ما يخبر عنه فإمّا باطل مطلقا،و إمّا حقّ مطلقا،و إمّا حقّ من وجه باطل من وجه؛فالممتنع بذاته هو الباطل مطلقا،و الواجب بذاته هو الحقّ مطلقا، و الممكن بذاته الواجب بغيره حقّ من وجه باطل من وجه،فمن حيث ذاته لا وجود له فهو باطل،و من جهة غيره مستفيد للوجود فهو حقّ من الوجه الّذي يلي مفيد الوجود،فمعنى الحقّ المطلق هو الموجود الحقيقيّ بذاته الّذي منه يؤخذ كلّ حقيقة،و ليس ذلك إلاّ اللّه تعالى، و هذا هو مراد القائل:إنّ الحقّ هو الثّابت الباقي الّذي لا فناء له.(7:177)
رشيد رضا :إنّ وصف الاسم الكريم ب مَوْلاهُمُ الْحَقِّ يدلّ على أنّ ردّهم إليه حتم،لأنّه هو سيّدهم الحقّ،الّذي يتولّى أمورهم و يحكم بينهم بالحقّ.و الحقّ في اللّغة هو الثّابت المتحقّق،و هذا الوصف لا يتحلّى به أحد من الخلق إلاّ على سبيل العارية الموقّتة،فما كان من
ص: 75
تولّي بعض العباد أمور بعض بملك الرّقبة،أو ملك التّصرّف و السّياسة،فمنه ما هو باطل من كلّ وجه،و منه ما هو باطل من حيث إنّه موقوت لا ثبات و لا بقاء له، و حقّ من حيث إنّ مولاهم الحقّ أقرّه في سننه الاجتماعيّة أو شرائعه المنزلة لمصلحة العباد العارضة مدّة حياتهم الدّنيا.
فثبت بذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ هو مولاهم الحقّ وحده،و ما كان من ولاية غيره الباطلة من كلّ وجه،أو الباطلة في ذاتها دون صورتها الموقّتة،فقد زال كلّ ذلك بزوال عالم الدّنيا،و بقي المولى الحقّ وحده،كما زال كلّ ملك و ملك صوريّين كانا للخلق في العالم،و صاروا إلى يوم لا تملك فيه نفس لنفس شيئا،و ظهر يومئذ أنّ الملك الصّوريّ و الحقيقيّ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ المؤمن:16.
(7:486)
الطّباطبائيّ: و إذ كان له تعالى حقيقة الملك، و كان هو المتصرّف بالإيجاد و التّدبير و الإرجاع،فهو المولى الحقّ الّذي يثبت له معنى المولويّة ثبوتا،لا زوال له بوجه البتّة.
و(الحقّ):من أسماء اللّه الحسنى لثبوته تعالى بذاته و صفاته،و ثبوتا لا يقبل الزّوال،و يمتنع عن التّغيير و الانتقال.(7:132)
فضل اللّه :إنّ التّعبير ب(الحقّ)كصفة من صفات اللّه،كان من جهة أنّ الكلمة تمثّل الثّبوت،و اللّه وحده هو الّذي يملك في ذاته و صفاته الثّبوت كلّه،فلا مجال لعروض الزّوال عليه في ذلك كلّه،و لا لطروء التّغيّر و الانتقال في وجوده،بينما لا يملك أيّ مخلوق هذه الخصوصيّة.(9:140)
13- وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ. الأنعام:66
ابن عبّاس: يعني القرآن.(111)
السّدّيّ: كذّبت قريش بالقرآن،و هو الحقّ.
(الطّبريّ 7:227)
الطّبريّ: يقول:و الوعيد الّذي أوعدناهم على مقامهم على شركهم،من بعث العذاب من فوقهم،أو من تحت أرجلهم،أو لبسهم شيعا،و إذاقة بعضهم بأس بعض،الحقّ الّذي لا شكّ فيه أنّه واقع،إن هم لم يتوبوا و ينيبوا ممّا هم عليه مقيمون،من معصية اللّه و الشّرك به،إلى طاعة اللّه و الإيمان به.(7:227)
الماورديّ: يعني ما كذّبوا به.و الفرق بين الحقّ و الصّواب:أنّ الحقّ قد يدرك بغير طلب،و الصّواب لا يدرك إلاّ بطلب.(2:128)
الميبديّ: يعني بالقرآن قومك،يعني قريشا،و هو الحقّ،جاء من عند اللّه.(3:384)
الزّمخشريّ: و الضّمير في قوله: وَ كَذَّبَ بِهِ راجع إلى العذاب وَ هُوَ الْحَقُّ أي لا بدّ أن ينزل بهم.
(2:26)
الطّبرسيّ: أي القرآن أو تصريف الآيات حقّ، بمعنى أنّه يدلّ على الحقّ،أو أنّ ما فيه حقّ.ثمّ بيّن سبحانه أنّ عاقبة تكذيبهم يعود عليهم.(2:316)
ص: 76
الفخر الرّازيّ: الضّمير في قوله: وَ كَذَّبَ بِهِ إلى ما ذا يرجع؟فيه أقوال:
الأوّل:أنّه راجع إلى العذاب المذكور في الآية السّابقة. وَ هُوَ الْحَقُّ أي لا بدّ و أن ينزل بهم.
الثّاني:الضّمير في(به)للقرآن وَ هُوَ الْحَقُّ أي في كونه كتابا منزّلا من عند اللّه.
الثّالث:يعود إلى تصريف الآيات و هو الحقّ،لأنّهم كذّبوا كون هذه الأشياء دلالات.(13:24)
نحوه النّيسابوريّ.(7:130)
القرطبيّ: أي القصص الحقّ.(7:11)
أبو حيّان :[نقل أقوال المتقدّمين ثمّ قال:]
و الظّاهر أنّ قوله: وَ هُوَ الْحَقُّ جملة استئناف لا حال.(4:152)
الشّربينيّ: أي الثّابت الّذي لا يضرّه التّكذيب به، و لا يمكن زواله.(1:427)
أبو السّعود : وَ هُوَ الْحَقُّ حال من الضّمير المجرور،أي كذّبوا به،و الحال أنّه الواقع لا محالة،أو أنّه الكتاب الصّادق في كلّ ما نطق به.و قيل:هو استئناف، و أيّا ما كان ففيه دلالة على عظم جنايتهم و نهاية قبحها.
(2:397)
نحوه البروسويّ(3:48)،و الآلوسيّ(7:182)، و القاسميّ(6:2356).
14- وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَ لَهُ الْمُلْكُ...
الأنعام:73
ابن عبّاس: لتبيان الحقّ و الباطل.الفناء و الزّوال.
...(قوله)أي البعث(الحقّ):الصّدق.(113)
الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:
(بالحقّ)فقال بعضهم:معنى ذلك:و هو الّذي خلق السّماوات و الأرض حقّا و صوابا،لا باطلا و خطأ،كما قال تعالى ذكره: وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً ص:27.
قالوا:و أدخلت فيه الباء و الألف و اللاّم،كما تفعل العرب في نظائر ذلك،فتقول:فلان يقول بالحقّ،بمعنى أنّه يقول الحقّ.
قالوا:و لا شيء في قوله:(بالحقّ)غير إصابته الصّواب فيه،لا أنّ(الحقّ)معنى غير القول،و إنّما هو صفة للقول إذا كان بها القول،كان القائل موصوفا بالقول بالحقّ،و بقول الحقّ.
قالوا:فكذلك خلق السّماوات و الأرض حكمة من حكم اللّه،فاللّه موصوف بالحكمة في خلقهما،و خلق ما سواهما من سائر خلقه،لا أنّ ذلك حقّ سوى خلقهما به.
و قال آخرون:معنى ذلك:خلق السّماوات و الأرض بكلامه،و قوله لهما: اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فصّلت:11،قالوا:ف(الحقّ)في هذا الموضع معنيّ به كلامه،و استشهدوا لقيلهم ذلك بقوله: وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ الحقّ:هو قوله و كلامه.
قالوا:و اللّه خلق الأشياء بكلامه و قيله،كما خلق به الأشياء غير المخلوقة،قالوا:فإذا كان ذلك كذلك،وجب
ص: 77
أن يكون كلام اللّه الّذي خلق به الخلق غير مخلوق.[إلى أن قال:]
ثمّ ابتدأ الخبر عن القول،فقال: قَوْلُهُ الْحَقُّ بمعنى:وعده هذا الّذي وعد تعالى ذكره من تبديله السّماوات و الأرض،غير الأرض و السّماوات،الحقّ الّذي لا شكّ فيه، وَ لَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فيكون قوله: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ من صلة(الملك) و يكون معنى الكلام:و للّه الملك يومئذ،لأنّ النّفخة الثّانية في الصّور حال تبديل اللّه السّماوات و الأرض غيرهما.
و جائز أن يكون القول،أعني قَوْلُهُ الْحَقُّ مرفوعا بقوله: وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ و يكون قوله:
كُنْ فَيَكُونُ محلاّ للقول مرافعا،فيكون تأويل الكلام:و هو الّذي خلق السّماوات و الأرض بالحقّ، و يوم يبدّلها غير السّماوات و الأرض،فيقول لذلك:كن فيكون،قوله الحقّ.(7:239)
نحوه الطّوسيّ(4:185)،و الميبديّ(3:369).
الزّجّاج: و(الحقّ)من نعت(قوله)كما تقول:قد قلت فكان قولك،فالمعنى ليس أنّك قلت فكان الكلام، إنّما المعنى أنّه كان ما دلّ عليه القول.و على القول الأوّل قد رفع(قوله)بالابتداء و(الحقّ)خبر الابتداء.
(2:264)
الماورديّ: في(الحقّ)الّذي خلق به السّماوات و الأرض أربعة أقاويل:
أحدها:أنّه الحكمة.
و الثّاني:الإحسان إلى العباد.
و الثّالث:نفس خلقها فإنّه حقّ.
و الرّابع:يعني بكلمة الحقّ.(2:132)
البغويّ: قيل:الباء بمعنى اللاّم،أي إظهارا للحقّ، لأنّه جعل صنعه دليلا على وحدانيّته.[إلى أن قال:]
قَوْلُهُ الْحَقُّ أي الصّدق الواقع لا محالة،يريد أنّ ما وعده حقّ كائن.(2:134)
الزّمخشريّ: قَوْلُهُ الْحَقُّ مبتدأ وَ يَوْمَ يَقُولُ خبره مقدّما عليه،و انتصابه بمعنى الاستقرار، كقولك:يوم الجمعة القتال،و«اليوم»بمعنى الحين.
و المعنى:أنّه خلق السّماوات و الأرض قائما بالحقّ و الحكمة،و حين يقول لشيء من الأشياء:كن فيكون ذلك الشّيء،قوله الحقّ و الحكمة،أي لا يكون شيئا من السّماوات و الأرض و سائر المكنونات إلاّ عن حكمة و صواب...
و يجوز أن يكون قَوْلُهُ الْحَقُّ فاعل(يكون)، على معنى:و حين يقول لقوله الحقّ-أي لقضائه الحقّ-:
كن فيكون قوله الحقّ.و انتصاب اليوم المحذوف دلّ عليه قوله:(بالحقّ)كأنّه قيل:و حين يكوّن و يقدّر يقوم بالحقّ.(2:29)
نحوه النّسفيّ.(2:19)
ابن عطيّة: (بالحقّ)أي لم يخلقها باطلا بغير معنى بل لمعان مفيدة و لحقائق بيّنة،منها ما يحسّه البشر من الاستدلال بها على الصّانع،و نزول الأرزاق و غير ذلك.
و قيل:المعنى بأن حقّ له أن يفعل ذلك.
ص: 78
و قيل:(بالحقّ)معناه بكلامه في قوله للمخلوقات (كن)و في قوله: اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فصّلت:11.
[إلى أن قال:]
و يجيء قَوْلُهُ الْحَقُّ ابتداء و خبرا،و يحتمل أن يتمّ الكلام في(كن)و يبتدأ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ، و تكون(يكون)تامّة بمعنى يظهر،و(الحقّ):صفة للقول،و(قوله)فاعل.(2:308)
الطّبرسيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]
قَوْلُهُ الْحَقُّ أي يأمر فيقع أمره،أي ما وعدوا به من الثّواب و حذّروا به من العقاب.و(الحقّ)من صفة (قوله)،و(قوله)فاعل(يكون)كما تقول:قد قلت فكان قولك.و ليس المعنى إنّك قلت فكان الكلام،إنّما المعنى أنّه كان ما دلّ القول.(2:320)
الفخر الرّازيّ: في تأويل هذه الآية قولان:
الأوّل:التّقدير و هو الّذي خلق السّماوات و الأرض و خلق كلّ يوم يقول:كن،فيكون.و المراد من هذا اليوم يوم القيامة،و المعنى أنّه تعالى هو الخالق للدّنيا و لكلّ ما فيها من الأفلاك و العناصر،و الخالق ليوم القيامة و البعث و لردّ الأرواح إلى الأجساد على سبيل (كُنْ فَيَكُونُ) .
و الوجه الثّاني في التأويل:أن نقول: قَوْلُهُ الْحَقُّ مبتدأ و وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ظرف دالّ على الخبر،و التّقدير:قوله الحقّ واقع يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ، كقولك:يوم الجمعة القتال،و معناه:القتال واقع يوم الجمعة،و المراد من كون قوله حقّا في ذلك أنّه سبحانه لا يقضي إلاّ بالحقّ و الصّدق،لأنّ أقضيته منزّهة عن الجور و العبث.(13:32)
القرطبيّ: و معنى(بالحقّ)أي بكلمة الحقّ يعني قوله:(كن).[إلى أن قال:]
و على هذين التّأويلين يكون قَوْلُهُ الْحَقُّ ابتداء و خبرا.
و قيل:إنّ قوله تعالى:(قوله)رفع ب(يكون)أي فيكون ما يأمر به.و(الحقّ)من نعته،و يكون التّمام على هذا فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ. (7:19)
أبو حيّان :لمّا ذكر تعالى أنّه إلى جزائه يحشر العالم، و هو منتهى ما يؤول إليه أمرهم،ذكر مبتدأ وجود العالم و اختراعه له بالحقّ،أي بما هو حقّ لا عبث فيه و لا هو باطل،أي لم يخلقهما باطلا و لا عبثا بل صدرا عن حكمة و صواب،و ليستدلّ بهما على وجود الصّانع؛إذ هذه المخلوقات العظيمة الظّاهر عليها سمات الحدوث لا بدّ لها من محدث واحد عالم قادر مريد سبحانه جلّ و علا.
و قيل:معنى(بالحقّ)بكلامه في قوله للمخلوقات (كن)،و في قوله: اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فصّلت:11، و المراد في هذا و نحوه إنّما هو إظهار انفعال ما يريد تعالى أن يفعله،و إبرازه للوجود بسرعة و تنزيله منزلة ما يؤمر فيمتثل.[إلى أن قال:]
فيكون قَوْلُهُ الْحَقُّ أي يظهر ما يظهر،و فاعل (يكون)(قوله)،و(الحقّ)صفة،و(يكون)تامّة،و هذه الأعاريب كلّها بعيدة ينبو عنها التّركيب.و أقرب ما قيل:ما قاله الزّمخشريّ و هو أنّ قَوْلُهُ الْحَقُّ مبتدأ، و(الحقّ)صفة له.[ثمّ ذكر ما جوّزه الزّمخشريّ
ص: 79
و أضاف:]
و هذا إعراب متكلّف.(4:160)
الشّربينيّ: أي بسبب إقامة الحقّ.و قيل:خلقهما بكلامه الحقّ الّذي هو قوله تعالى:(كن)و هو دليل على أنّ كلام اللّه تعالى ليس بمخلوق،لأنّه لا يخلق مخلوق بمخلوق.
(الحقّ)أي الصّدق الواقع لا محالة.(1:428)
أبو السّعود :(بالحقّ)متعلّق بمحذوف هو حال من فاعل(خلق)أو من مفعوله،أو صفة لمصدره المؤكّد له،أي قائما بالحقّ أو متلبّسا بالحقّ أو متلبّسة به.
و قوله تعالى: وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ... (الحقّ)أي المشهود له بالحقّيّة المعروف بها.هذا و قد قيل:(قوله)مبتدأ و(الحقّ)صفته، و وَ يَوْمَ يَقُولُ خبره مقدّما عليه،كقولك:يوم الجمعة القتال،و انتصابه بمعنى الاستقرار.(2:401)
نحوه ملخّصا البروسويّ(3:52)،و الآلوسيّ(7:
190).رشيد رضا:أي خلقهما بالأمر الثّابت المتحقّق،و هو آياته القائمة بالسّنن المطّردة،المشتملة على الحكمة البالغة،الدّالّة على وجوده و صفاته الكاملة، فلم يخلقهما باطلا و لا عبثا،فإذا لا يترك النّاس سدى، بل يجزي كلّ نفس بما تسعى.
وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ أي و قوله هو الحقّ يوم يقول للشّيء:كن فيكون،و هو وقت الإيجاد و التّكوين،فلا مردّ لأمره التّكوينيّ و لا تخلّف، فكذلك يجبّ الإسلام لأمره التّكليفيّ بلا حرج في النّفس و لا تكلّف،لأنّ الأمر حقّ و الخلق حقّ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ الأعراف:54.(7:530)
سيّد قطب :فالحقّ قوام هذا الخلق،و فضلا عمّا يقرّره هذا النّصّ من نفي الأوهام الّتي عرفتها الفلسفة عن هذا الكون-و بخاصّة الأفلاطونيّة و المثاليّة-من أنّ هذا العالم المحسوس وهم لا وجود له على الحقيقة، فضلا على تصحيح مثل هذه التّصوّرات،فإنّ النّصّ يوحي بأنّ الحقّ أصيل في بنية هذا الكون،و في مآلاته كذلك.
فالحقّ الّذي يلوذ به النّاس يستند إلى الحقّ الكامن في فطرة الوجود و طبيعته،فيؤلّف قوّة هائلة لا يقف لها الباطل،الّذي لا جذور له في بنية الكون،و إنّما هو كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار، و كالزّبد يذهب جفاء؛إذ لا أصالة له في بناء الكون كالحقّ،و هذه حقيقة ضخمة،و مؤثّر كذلك عميق.
إنّ المؤمن الّذي يشعر أنّ الحقّ الّذي معه-هو شخصيّا و في حدود ذاته-إنّما يتّصل بالحقّ الكبير في كيان هذا الوجود،و في الآية الأخرى: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ فيتّصل الحقّ الكبير الّذي في الوجود بالحقّ المطلق في اللّه سبحانه،إنّ المؤمن الّذي يشعر بهذه الحقيقة على هذا النّحو الهائل،لا يرى في الباطل-مهما تضخم و انتفخ و طغى و تجبّر و قدر على الأذى المقدّر- إلاّ فقاعة طارئة على هذا الوجود،لا جذور لها و لا مدد، تنفثئ من قريب،و تذهب كأن لم تكن في هذا الوجود.
كما أنّ غير المؤمن يرتجف حسّه أمام تصوّر هذه
ص: 80
الحقيقة،و قد يستسلم و يثوب.
وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ فهو السّلطان القادر، و هي المشيئة الطّليقة في الخلق و الإبداع و التّغيير و التّبديل و عرض هذه الحقيقة،فضلا على أنّه من عمليّات البناء للعقيدة في قلوب المؤمنين،هو كذلك مؤثّر موح في نفوس الّذين يدعون إلى الاستسلام للّه ربّ العالمين،الخالق بالحقّ الّذي يقول: كُنْ فَيَكُونُ.
قَوْلُهُ الْحَقُّ سواء في القول الّذي يكون به الخلق: كُنْ فَيَكُونُ، أو في القول الّذي يأمر به بالاستسلام له وحده،أو في القول الّذي يشرع به للنّاس حين يستسلمون،أو في القول الّذي يخبر به عن الماضي و الحاضر و المستقبل،و عن الخلق و النّشأة و الحشر و الجزاء.
و قَوْلُهُ الْحَقُّ في هذا كلّه،فأولى أن يستسلم له وحده من يشركون به ما لا ينفع و لا يضرّ من خلقه، و من يتّبعون قول غيره كذلك و تفسيره للوجود و تشريعه للحياة،في أيّ اتّجاه.(2:1134)
الطّباطبائيّ: قَوْلُهُ الْحَقُّ تعليل علّلت به الجملة الّتي قبله،و الدّليل عليه فصل الجملة،و(الحقّ) هو الثّابت بحقيقة معنى الثّبوت،و هو الوجود الخارجيّ و الكون العينيّ؛و إذ كان قوله هو فعله و إيجاده كما يدلّ عليه قوله: وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ فقوله تعالى هو نفس الحقّ،فلا مردّ له و لا مبدّل لكلماته،قال تعالى:
وَ الْحَقَّ أَقُولُ ص:84.(7:146)
ابن عاشور :و الباء من قوله:(بالحقّ)للملابسة، و المجرور متعلّق ب(خلق)أو في موضع الحال من الضّمير.
و(الحقّ)في الأصل مصدر«حقّ»إذا ثبت،ثمّ صار اسما للأمر الثّابت الّذي لا ينكر،من إطلاق المصدر و إرادة اسم الفاعل،مثل:فلان عدل.
و الحقّ:ضدّ الباطل،فالباطل اسم لضدّ ما يسمّى به الحقّ،فيطلق الحقّ إطلاقا شائعا على الفعل أو القول الّذي هو عدل،و إعطاء المستحقّ ما يستحقّه،و هو حينئذ مرادف العدل،و يقابله الباطل فيرادف الجور و الظّلم.
و يطلق الحقّ على الفعل أو القول السّديد الصّالح البالغ حدّ الإتقان و الصّواب،و يرادف الحكمة و الحقيقة، و يقابله الباطل فيرادف العبث و اللّعب.
و(الحقّ)في هذه الآية بالمعنى الثّاني،كما في قوله تعالى: ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالْحَقِّ الدّخان:39،بعد قوله: وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ الدّخان:38 و كقوله: وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً آل عمران:191،فاللّه تعالى أخرج السّماوات و الأرض و ما فيهنّ من العدم إلى الوجود لحكم عظيمة،و أودع في جميع المخلوقات قوى و خصائص تصدر بسببها الآثار المخلوقة هي لها،و رتّبها على نظم عجيبة،تحفظ أنواعها و تبرز ما خلقت لأجله،و أعظمها خلق الإنسان و خلق العقل فيه و العلم.
و في هذا تمهيد لإثبات الجزاء؛إذ لو أهملت أعمال المكلّفين لكان ذلك نقصانا من الحقّ الّذي خلقت
ص: 81
السّماوات و الأرض ملابسة له،فعقّب بقوله: وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ. [إلى أن قال:]
و المعنى أنّه أنشأ خلق السّماوات و الأرض بالحقّ، و أنّه يعيد الخلق الّذي بدأه بقول حقّ،فلا يخلو شيء من تكوينه الأوّل و لا من تكوينه الثّاني عن الحقّ،و يتضمّن أنّه قول مستقبل،و هو الخلق الثّاني المقابل للخلق الأوّل،و لذلك أتى بكلمة(يوم)للإشارة إلى أنّه تكوين خاصّ مقدّر له يوم معيّن.
و في قوله: قَوْلُهُ الْحَقُّ صيغة قصر للمبالغة، أي هو الحقّ الكامل،لأنّ أقوال غيره و إن كان فيها كثير من الخطإ و ما كان فيها غير معرض للخطإ،فهو من وحي اللّه أو من نعمته بالعقل و الإصابة،فلذلك اعتداد بأنّه راجع إلى فضل اللّه.و نظير هذا قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في دعائه:
«قولك الحقّ و وعدك الحقّ».(6:166)
مغنيّة:(الحقّ)هنا إشارة إلى أنّ للكون قوانين تحكمه،و سننا يسير عليها باطّراد،تحول دون الفوضى الّتي لا يستقيم معها شيء على الإطلاق.و في هذا دلالة بالغة على وجود من يدبّر الأمر،و يجزي كلّ نفس بما كسبت.
وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ في الكلام حذف و تقديم و تأخير،و أصله هكذا:و قوله الحقّ يوم يقول للشّيء كن فيكون،و معناه أنّ قول اللّه واقع لا محالة،و يظهر ذلك جليّا واضحا للعيان يوم يقول للشّيء كن فيكون،سواء أ قال هذا القول يوم بدأ الخلق، أم يوم يعيده،و بكلمة:أنّ قول اللّه عين فعله في إيجاد الشّيء من لا شيء،و في إعادته إلى ما كان عليه بعد انحلاله و تفرّق أجزائه.(3:210)
مكارم الشّيرازيّ: المقصود من(الحقّ)في الآية هو الأهداف و النّتائج و المنافع و الحكم،أي أنّ كلّ مخلوق قد خلق لهدف و غاية و مصلحة،هذه الآية تشبه الموضوع الّذي نتناوله في الآية:27،من سورة ص الّتي جاء فيها: وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً...
ثمّ يضيف:إنّ ما يقوله اللّه هو الحقّ،أي أنّه مثلما كان مبدأ الخلق ذا أهداف و نتائج و مصالح،كذلك سيكون يوم القيامة: قَوْلُهُ الْحَقُّ. (4:318)
فضل اللّه :فليس فيها أيّ عبث في التّكوين،فكلّ شيء خاضع لحكمة،و كلّ ظاهرة منطلقة من قانون،فلا ينحرف أيّ شيء فيهما عن مداره،و لا يخرج عن مواقعه،و بذلك يحقّق الوجود غايته الّتي جعلها اللّه له، فلا بدّ من أن تخضع الأشياء كلّها،بما فيها الإنسان، للحقّ.
وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ في ما يمثّله ذلك من خضوع الوجود لإرادته،سواء في ذلك يوم التّكوين،أو يوم القيامة و هذا هو قَوْلُهُ الْحَقُّ. (9:161)
15- أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ... الأنعام:93
أبو حيّان :القول على اللّه غير الحقّ يشمل كلّ نوع من الكفر،و يدخل فيه دخولا أولويّا من تقدّم ذكره من
ص: 82
المفترين على اللّه الكذب.(4:181)
الشّربينيّ: أي كادّعاء الولد و الشّريك له تعالى، و دعوى النّبوّة و الإيحاء كذبا.(1:437)
نحوه أبو السّعود(2:417)،و البروسويّ(3:68).
الآلوسيّ: من نفي إنزاله على بشر شيئا و إدّعاء الوحي،أو من نسبة الشّرك إليه،و دعوى النّبوّة كذبا و نفيها عمّن اتّصف بها حقيقة،أو نحو ذلك.و في التّعبير ب غَيْرَ الْحَقِّ عن الباطل ما لا يخفى،و هو مفعول تَقُولُونَ. و جوّز أن يكون صفة لمصدر محذوف،أي قولا غير الحق.(7:224)
القاسميّ: كالتّحريف و دعوة النّبوّة الكاذبة،و هو جراءة على اللّه متضمّنة للاستهانة به،قاله المهايميّ.
(6:2417)
رشيد رضا :كقول بعضكم:ما أنزل اللّه على بشر من شيء،و زعم بعض آخر:أنّه أوحي إليه و لم يوح إليه شيء،و جحد طائفة منكم لما وصف اللّه تعالى به نفسه من الصّفات،و اتّخاذ أقوام له البنين و البنات،و استكبار آخرين عمّا نصبه و ما أنزله من الآيات البيّنات، احتقارا من بعضهم لمن كرّمه اللّه بإظهارها على يده و لسانه،و خشية بعض آخر من تعيير عشرائه و أقرانه.
(7:627)
فضل اللّه :و قد نتوقّف عند كلمة بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ فنرى أنّ إعطاء الشّرك هذا العنوان،و هو القول على اللّه بغير الحقّ،يدلّ على أنّ اللّه يريد من الإنسان أن يكون صادقا معه،في ما يعتقده من عقائد،و في ما يثيره من أفكار،أو يقفه من مواقف.
فلا بدّ له من التّأمّل و التّركيز على العمق،في سبيل الحصول على القناعات الإيمانيّة و الفكريّة و العمليّة، لأنّ أيّ فكر حقّ،هو قول على اللّه بالحقّ،بينما يكون الفكر الباطل قولا عليه بغير الحقّ،في ما يمثّله الحقّ من ارتباط باللّه،الأمر الّذي يبعد القناعة بالحقّ و الباطل أن تكون حالة ذاتيّة شخصيّة مرتبطة بالشّخص.
فيجعلها حديثا مرتبطا باللّه و منسوبا إليه،فتكون النّسبة إليه صدقا في حالة،و افتراء في حالة أخرى.
(9:228)
16- ...وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.
الأنعام:114
ابن عبّاس: بالأمر و النّهي.(117)
راجع:ع ل م:«يعلمون».
17- وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ.
ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. الأنعام:151
ابن عبّاس: بالعدل.(122)
مثله القاسميّ.(6:2565)
الطّبريّ: يعني:بما أباح قتلها به،من أن تقتل نفسا،فتقتل قودا بها،أو تزني و هي محصنة فترجم،أو ترتدّ عن دينها الحقّ فتقتل،فذلك الحقّ الّذي أباح اللّه جلّ ثناؤه قتل النّفس الّتي حرّم على المؤمنين قتلها به.
(8:84)
ص: 83
الماورديّ: و الحقّ:الّذي تقتل به النّفس ما بيّنه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:«لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث:كفر بعد إيمان،أو زنى بعد إحصان،أو قتل نفس بغير نفس».(2:186)
الطّوسيّ: و الحقّ:الّذي يستباح به قتل النّفس المحرّمة ثلاثة أشياء:قود بالنّفس الحرام،و الزّنى بعد إحصان،و الكفر بعد الإيمان.(4:341)
نحوه الطّبرسيّ.(2:383)
البغويّ: إلاّ بما أبيح قتله من ردّة أو قصاص،أو زنى يوجب الرّجم.(2:170)
نحوه الزّمخشريّ(2:61)،و الشّربينيّ(1:458).
ابن عطيّة: الّذي يوجب قتلها و قد بيّنته الشّريعة،و هو الكفر باللّه و قتل النّفس،و الزّنى بعد الإحصان و الحرابة و ما تشعب من هذه.(2:362)
نحوه أبو حيّان.(4:252)
الفخر الرّازيّ: قوله: إِلاّ بِالْحَقِّ أي قتل النّفس المحرّمة قد يكون حقّا لجرم يصدر منها،و الحديث أيضا موافق له.[و ذكر الحديث النّبويّ ثمّ قال:]
و القرآن دلّ على سبب رابع،و هو قوله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا المائدة:33.
و الحاصل:أنّ الأصل في قتل النّفس هو الحرمة، و حلّه لا يثبت إلاّ بدليل منفصل.(13:233)
نحوه النّيسابوريّ.(8:56)
القرطبيّ: و هذا(الحقّ)أمور:
منها:منع الزّكاة و ترك الصّلاة،و قد قاتل الصّدّيق مانعي الزّكاة،و في التّنزيل فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ التّوبة:5.و هذا بيّن.
و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث:الثّيّب الزّاني،و النّفس بالنّفس،و التّارك لدينه المفارق للجماعة».
و قال عليه السّلام:«إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»،أخرجه مسلم.
و روى أبو داود عن ابن عبّاس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به»،و سيأتي بيان هذا في الأعراف.
و في التّنزيل إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ... المائدة:33،و قال: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الحجرات:9.
و كذلك من شقّ عصا المسلمين و خالف إمام جماعتهم،و فرّق كلمتهم،و سعى في الأرض فسادا بانتهاب الأهل و المال،و البغي على السّلطان و الامتناع من حكمه،يقتل،فهذا معنى قوله: إِلاّ بِالْحَقِّ.
(7:133)
أبو السّعود :استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال،أي لا تقتلوها في حال من الأحوال إلاّ حال ملابستكم بالحقّ الّذي هو أمر الشّرع بقتلها،و ذلك بالكفر بعد الإيمان، و الزّنى بعد الإحصان،و قتل النّفس المعصومة.
أو من أعمّ الأسباب،أي لا تقتلوها بسبب من
ص: 84
الأسباب إلاّ بسبب الحقّ و هو ما ذكر.
أو من أعمّ المصادر،أي لا تقتلوها قتلا ما إلاّ قتلا كائنا بالحقّ،و هو القتل بأحد الأمور المذكورة.
(2:460)
نحوه البروسويّ(3:118)،و الآلوسيّ(8:55).
رشيد رضا :و قوله: إِلاّ بِالْحَقِّ هو ما يبيح القتل شرعا،كقتل القاتل عمدا بشرطه.(8:188)
سيّد قطب :و الحقّ الّذي تؤخذ به النّفس بيّنه اللّه في شريعته،و لم يتركه للتّقدير و التّأويل.و لكنّه لم يبيّنه ليصبح شريعة إلاّ بعد أن قامت الدّولة المسلمة،و أصبح لها من السّلطان ما يكفل لها تنفيذ الشّريعة.
و هذه اللّفتة لها قيمتها في تعريفنا،بطبيعة منهج هذا الدّين في النّشأة و الحركة.فحتّى هذه القواعد الأساسيّة في حياة المجتمع،لم يفصّلها القرآن إلاّ في مناسبتها العمليّة.(3:1232)
مغنيّة:الأصل في قتل النّفس التّحريم،و لا يحلّ إلاّ بسبب موجب،و هو واحد من أربعة نصّت السّنّة النّبويّة على ثلاثة منها.[ذكر حديث النّبويّ و قال:]
و نصّ الكتاب على السّبب الرّابع في الآية إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ... المائدة:33.(3:283)
18- وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ... الأعراف:8
راجع وزن:«و الوزن».
19- ...رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ...
الأعراف:89
راجع:ف ت ح:«افتح».
20- وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ. الأعراف:159
راجع:أم م:«أمّة».
21- فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
الأعراف:118
راجع:و ق ع:«فوقع»و ب ط ل:«الباطل».
22- كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ. الأنفال:5
ابن عبّاس: بالقرآن.(145)
الماورديّ: في قوله:(بالحقّ) وجهان:
أحدهما:أنّك خرجت و معك الحقّ.
الثّاني:أنّه أخرجك بالحقّ الّذي وجب عليك.
(2:295)
الميبديّ: أي بالوحي الّذي أتاك به جبرئيل.
(4:7)
مثله الطّبرسيّ.(2:521)
الزّمخشريّ: أي إخراجا متلبّسا بالحكمة، و الصّواب الّذي لا محيد عنه.(2:143)
نحوه الفخر الرّازيّ.(15:126)
الطّبرسيّ: أي بالوحي؛و ذلك أنّ جبرائيل عليه السّلام أتاه و أمره بالخروج.و قيل:معناه أخرجك و معك الحقّ،
ص: 85
و قيل:معناه أخرجك بالحقّ الّذي وجب عليك و هو الجهاد.(2:521)
أبو حيّان :أي بسبب إظهار دين اللّه و إعزاز شريعته.(4:463)
البروسويّ: حال من مفعول(اخرجك)أي أخرجك ملتبسا بالحقّ،و هو إظهار دين اللّه و قهر أعداء اللّه.(3:314)
الآلوسيّ: أي إخراجا متلبّسا به،فالباء للملابسة.
و قيل:هي سببيّة،أي بسبب الحقّ الّذي وجب عليك، و هو الجهاد.(9:169)
الطّباطبائيّ: و المراد(بالحقّ)ما يقابل الباطل، و هو الأمر الثّابت الّذي يترتّب عليه آثاره الواقعيّة المطلوبة،و كون الفعل-و هو الإخراج-بالحقّ هو أن يكون هو المتعيّن الواجب بحسب الواقع.
و قيل:المراد به الوحي،و قيل:المراد به الجهاد، و قيل:غير ذلك،و هي معان بعيدة.(9:13)
عبد الكريم الخطيب :و خروجه-صلوات اللّه و سلامه عليه-بالحقّ،أي للحقّ،و من أجل الدّفاع عن قضيّة الحقّ،و ليست قضيّة الحقّ هي هذا المتاع الّذي كانت تحمله العير،و لا هذه الأنفال الّتي خلصت لأيدي المسلمين،و إنّما قضيّة الحقّ هي إعلاء كلمة اللّه،و إزاحة العقبات الّتي تقف في وجه الدّعوة إلى اللّه،بمحاربة أولئك الّذين يحاربون اللّه،و يصدّون النّاس عن سبيله.
و الحقّ دائما ثقيل الوطأة على النّاس،إلاّ من رزقهم اللّه الإيمان الوثيق،و العزم القويّ،و أمدّهم بأمداد لا تنفد من الصّبر على المكاره،و القدرة على احتمال الشّدائد؛إذ الحقّ-في حقيقته-مغالبة لأهواء النّفس،و تصدّ لنزعاتها،و إيثار للآخرة على الدّنيا؛و ذلك من شأنه أن يجعل الإنسان في حرب متّصلة مع نفسه،حتّى إذا أقامها على الحقّ،و أسلم زمامها له،كان عليه أن يواجه النّاس،و أن يجاهد في سبيل الحقّ الّذي عرفه،و آمن به، فيكون حربا على المنكر بقلبه و لسانه و يده.
و من هنا كان الصّبر قرين الحقّ في كلّ دعوة يدعو إليها الإسلام،في مجال الخير و الإحسان،و في كلّ ما من شأنه أن يقيم الإنسان و الإنسانيّة،على صراط مستقيم.
[ثمّ أدام الكلام في الصّبر](5:567)
مكارم الشّيرازيّ: و التّعبير(بالحقّ)إشارة إلى أنّ أمر الخروج كان طبقا لوحي إلهيّ و دستور سماويّ، و كانت نتيجته الوصول نحو الحقّ و استقرار المجتمع الإسلاميّ.(5:334)
فضل اللّه :...أمّا كلمة(بالحقّ)فقد توحي لنا بالهدف الّذي كان يحكم التّحرّك النّبويّ في اتّجاه القافلة القرشيّة،فقد كان بأمر اللّه لا برأي شخصيّ للنّبيّ،و إذا كانت المسألة كذلك،فإنّ اللّه لا يأمر إلاّ بالحركة المرتكزة على أساس الحقّ،في ما تمثّله الكلمة من الارتباط بالهدف الكبير،من قوّة الإسلام و انتشار أمره،و ثبات مواقعه.(10:333)
23- يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ. الأنفال:6
ص: 86
ابن عبّاس: في الحرب.(145)
يجادلونك في القتال يوم بدر بعد ما تبيّن صوابه، و أنّه مأمور به.(الطّبرسيّ 2:521)
مجاهد :القتال.(الطّبريّ 9:181)
مثله البغويّ(2:269)،و الميبديّ(4:7)، و الطّبرسيّ(2:521)،و القرطبيّ(7:369)، و الشّربينيّ(1:558).
الطّبرسيّ: و قيل:بعد ما تبيّن أنّك يا محمّد لا تصنع إلاّ ما أمرك اللّه به.(2:521)
ابن عطيّة: و الضّمير في قوله: يُجادِلُونَكَ قيل:هو للمؤمنين،و قيل:للمشركين.فمن قال:
للمؤمنين،جعل(الحقّ)قتال مشركي قريش،و من قال:للمشركين،جعل(الحقّ)شريعة الإسلام.
(2:502)
النّيسابوريّ: أي في تلقّي النّفير.(9:125)
نحوه البروسويّ(3:316)،و القاسميّ(8:2955).
أبو حيّان :و(الحقّ)هنا نصرة دين الإسلام، و قيل:الضّمير يعود على المشركين،و جدالهم في الحقّ هو في شريعة الإسلام.(4:463)
أبو السّعود :الّذي هو تلقّي النّفير لإيثارهم عليه تلقّي العير،و الجملة استئناف أو حال ثانية،أي أخرجك في حال مجادلتهم إيّاك.و يجوز أن يكون حالا من الضّمير في لَكارِهُونَ. (3:79)
الآلوسيّ: الّذي هو تلقّي النّفير المعلى للدّين لإيثارهم عليه تلقّي العير،و الجملة إمّا مستأنفة أو حال ثانية.و جوّز أن تكون حالا من الضّمير في لَكارِهُونَ. (9:171)
24- وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ. الأنفال:32
ابن عبّاس: أن ليس لك ولد و لا شريك.(148)
الفرّاء: في(الحقّ)النّصب و الرّفع،إن جعلت(هو) اسما رفعت(الحقّ)ب(هو)،و إن جعلتها عمادا بمنزلة الصّلة نصبت(الحقّ).و كذلك فافعل في أخوات«كان»، و«ظنّ»و أخواتها،كما قال اللّه تبارك و تعالى: وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ سبأ:6،تنصب(الحقّ)لأنّ«رأيت»من أخوات «ظننت».و كلّ موضع صلحت فيه يفعل،أو فعل مكان الفعل المنصوب ففيه العماد و نصب الفعل.و فيه رفعه ب«هو»على أن تجعلها اسما،و لا بدّ من الألف و اللاّم إذا وجدت إليهما السّبيل.
فإذا قلت:وجدت عبد اللّه هو خيرا منك و شرّا منك أو أفضل منك،ففيما أشبه هذا الفعل النّصب و الرّفع:
النّصب على أن ينوى الألف و اللاّم،و إن لم يمكن إدخالهما،و الرّفع على أن تجعل«هو»اسما،فتقول:
ظننت أخاك هو أصغر منك و هو أصغر منك.
و إذا جئت إلى الأسماء الموضوعة مثل عمرو، و محمّد،أو المضافة مثل أبيك،و أخيك رفعتها،فقلت:
أظنّ زيدا هو أخوك،و أظنّ أخاك هو زيد،فرفعت؛إذ لم
ص: 87
تأت بعلامة المردود،و أتيت ب«هو»الّتي هي علامة الاسم،و علامة المردود أن يرجع كلّ فعل لم تكن فيه ألف و لام بألف و لام و يرجع على الاسم،فيكون هو عمادا للاسم،و الألف و اللاّم عماد للفعل.فلمّا لم يقدر على الألف و اللاّم و لم يصلح أن تنويا في«زيد»لأنّه فلان،و لا في«الأخ»لأنّه مضاف،آثروا الرّفع.
و صلح في«أفضل منك»لأنّك تلقي«من»فتقول:
رأيتك أنت الأفضل،و لا يصلح ذلك في«زيد»و لا في «الأخ»أن تنوي فيهما ألفا و لاما.و كان الكسائيّ يجيز ذلك فيقول:رأيت أخاك و هو زيدا،و رأيت زيدا هو أخاك.و هو جائز كما جاز في«أفضل»للنّيّة نيّة الألف و اللاّم،و كذلك جاز في زيد،و أخيك.
و إذا أمكنتك الألف و اللاّم ثمّ لم تأت بهما فارفع، فتقول:رأيت زيدا هو قائم و رأيت عمرا هو جالس.[ثمّ استشهد بشعر](1:409)
نحوه الطّبريّ.(9:233)
الزّجّاج: القراءة على نصب (الحقّ) على خبر (كان)و دخلت(هو)للفصل،و قد شرحنا هذا فيما سلف من الكتاب.
و اعلم أنّ(هو)لا موضع لها في قولنا،و أنّها بمنزلة «ما»المؤكّدة،و دخلت ليعلم أنّ(الحقّ)ليس بصفة لهذا أو أنّه خبر،و يجوز (هو الحقّ من عندك) و لا أعلم أحدا قرأ بها،و لا اختلاف بين النّحويّين في إجازتها.
و لكنّ القراءة سنّة لا يقرأ فيها إلاّ بقراءة مرويّة.
(2:411)
الطّوسيّ: إن قالوا:كيف طلبوا بالحقّ من اللّه العذاب،و إنّما يطلب به الخير و الثّواب؟
قلنا:لأنّهم قالوا ذلك على أنّه ليس بحقّ من اللّه عندهم،و إذا لم يكن حقّا من اللّه لم يصبهم البلاء الّذي طلبوه.(5:131)
البغويّ: (الحقّ)نصب بخبر(كان)،و هو عماد وصلة.(2:289)
الزّمخشريّ: و هذا أسلوب من الجحود بليغ،يعني إن كان القرآن هو الحقّ فعاقبنا على إنكاره بالسّجّيل،كما فعلت بأصحاب الفيل أو بعذاب آخر،و مراده نفي كونه حقّا.
و إذا انتفى كونه حقّا لم يستوجب منكره عذابا،فكان تعليق العذاب بكونه حقّا مع اعتقاد أنّه ليس بحقّ، كتعليقه بالمحال في قولك:إن كان الباطل حقّا فأمطر علينا حجارة.و قوله:و هُوَ الْحَقَّ تهكّم بمن يقول على سبيل التّخصيص و التّعيين:هذا هو الحقّ.
و قرأ الأعمش (هو الحقّ) بالرّفع على أنّ(هو) مبتدأ غير فصل،و هو في القراءة الأولى فصل.
(2:155)
ابن عطيّة: و يجوز في العربيّة رفع(الحقّ)على أنّه خبر(هو)و الجملة خبر(كان).قال الزّجّاج:و لا أعلم أحدا قرأ بهذا الجائز،و قراءة النّاس إنّما هي بنصب (الحقّ)على أن يكون خبر(كان)و يكون(هو)فصلا، فهو حينئذ اسم،و فيه معنى الإعلام بأنّ الّذي بعده خبر، ليس بصفة.(2:521)
ص: 88
الفخر الرّازيّ: إن قيل:هذا الكلام يوجب الإشكال من وجهين:
الأوّل:أنّ قوله: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ حكاه اللّه عن الكفّار،و كان هذا كلام الكفّار،و هو من جنس نظم القرآن،فقد حصلت المعارضة في هذا القدر.و أيضا حكى عنهم أنّهم قالوا في سورة بني إسرائيل: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً الإسراء:90،و ذلك أيضا كلام الكفّار فقد حصل من كلامهم ما يشبه نظم القرآن و معارضته؛ و ذلك يدلّ على حصول المعارضة.
الثّاني:أنّ كفّار قريش كانوا معترفين بوجود الإله و قدرته و حكمته،و كانوا قد سمعوا التّهديد الكثير من محمّد عليه الصّلاة و السّلام في نزول العذاب،فلو كان نزول القرآن معجزا لعرفوا كونه معجزا،لأنّهم أرباب الفصاحة و البلاغة،و لو عرفوا ذلك لكان أقلّ الأحوال أن يصيروا شاكّين في نبوّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام، و لو كانوا كذلك لما أقدموا على قولهم: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ لأنّ المتوقّف الشّاكّ لا يتجاسر على مثل هذه المبالغة؛و حيث أتوا بهذه المبالغة،علمنا أنّه ما لاح لهم في القرآن وجه من الوجوه المعجزة.
و الجواب عن الأوّل:أنّ الإتيان بهذا القدر من الكلام لا يكفي في حصول المعارضة،لأنّ هذا المقدار كلام قليل لا يظهر فيه وجوه الفصاحة و البلاغة،و هذا الجواب لا يتمشّى إلاّ إذا قلنا:التّحدّي ما وقع بجميع السّور،و إنّما وقع بالسّورة الطّويلة الّتي يظهر فيها قوّة الكلام.
و الجواب عن الثّاني:هب أنّه لم يظهر لهم الوجه في كون القرآن معجزا إلاّ أنّه لمّا كان معجزا في نفسه،فسواء عرفوا ذلك الوجه أو لم يعرفوا،فإنّه لا يتفاوت الحال فيه.(15:157)
البيضاويّ: و المعنى إن كان هذا القرآن حقّا منزلا فأمطر الحجارة علينا،عقوبة على إنكاره،أو ائتنا بعذاب أليم سواه،و المراد منه:التّهكّم و إظهار اليقين و الجزم التّامّ على كونه باطلا.و قرئ(الحقّ)بالرّفع على أنّ(هو) مبتدأ غير فصل.
و فائدة التّعريف فيه الدّلالة على أنّ المعلّق به كونه حقّا بالوجه الّذي يدّعيه النّبيّ و هو تنزيله،لا الحقّ مطلقا بتجويزهم أن يكون مطابقا للواقع غير منزل، كأساطير الأوّلين.(1:392)
نحوه أبو السّعود(3:94)،و البروسويّ(3:341)، و القاسميّ(8:2985).
النّيسابوريّ: و هذا أسلوب من العناد بليغ،لأنّ قوله:(هو الحقّ)بالفصل و تعريف الخبر تهكّم بمن يقول على سبيل التّخصيص و التّعيين:هذا هو الحقّ.
(9:149)
أبو حيّان :و الإشارة في قوله: إِنْ كانَ هذا إلى القرآن أو ما جاء به الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم من التّوحيد و غيره،أو نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من بين سائر قريش،أقوال.
ص: 89
و قرأ الجمهور هُوَ الْحَقَّ بالنّصب جعلوا(هو) فصلا،و قرأ الأعمش و زيد بن عليّ بالرّفع،و هي جائزة في العربيّة،فالجملة خبر كان و هي لغة تميم يرفعون بعد (هو)الّتي هي فصل في لغة غيرهم.[ثمّ استشهد بشعر]
و تقدّم الكلام على الفصل و فائدته في أوّل البقرة.
(4:488)
الآلوسيّ: و اللاّم في(الحقّ)قيل:للعهد،و معنى العهد فيه أنّه الحقّ الّذي ادّعاه النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و هو أنّه كلام اللّه المنزل عليه عليه الصّلاة و السّلام،على النّمط المخصوص و مِنْ عِنْدِكَ إن سلّم دلالته عليه فهو للتّأكيد،و حينئذ فالمعلّق به كونه حقّا بالوجه الّذي يدّعيه النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،لا الحقّ مطلقا لتجويزهم أن يكون مطابقا للواقع غير منزل كأساطير الأوّلين.[و بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]
و زعم بعضهم أنّ هذا قول بأنّ اللاّم للجنس،و أشار إلى أنّ الأولى حملها على العهد الخارجيّ،على معنى الحقّ المعهود المنزل من عند اللّه تعالى(هذا)لا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ فالتّركيب مفيد لتخصيص المسند إليه بالمسند على آكد وجه.
و حمل كلام البيضاويّ على ذلك!و طعن في مسلك «الكشّاف»بعدم ثبوت قائل،أو لا على وجه التّخصيص يتهكّم به.و لا يخفى ما فيه من المنع و التّعسّف.(9:199)
ابن عاشور :معنى كلامهم:أنّ هذا القرآن ليس حقّا من عندك،فإن كان حقّا فأصبنا بالعذاب.و هذا يقتضي أنّهم قد جزموا بأنّه ليس بحقّ و ليس الشّرط على ظاهره حتّى يفيد تردّدهم في كونه حقّا،و لكنّه كناية عن اليمين.
و قد كانوا لجهلهم و ضلالهم يحسبون أنّ اللّه يتصدّى لمخاطرتهم،فإذا سألوه أن يمطر عليهم حجارة-إن كان القرآن حقّا منه-أمطر عليهم الحجارة،و أرادوا أن يظهروا لقومهم صحّة جزمهم بعدم حقّيّة القرآن، فأعلنوا الدّعاء على أنفسهم،بأن يصيبهم عذاب عاجل إن كان القرآن حقّا من اللّه،ليستدلّوا بعدم نزول العذاب،على أنّ القرآن ليس من عند اللّه،و ذلك في معنى القسم كما علمت.
و تعليق الشّرط بحرف(ان)لأنّ الأصل فيها عدم اليقين بوقوع الشّرط،فهم غير جازمين بأنّ القرآن حقّ و منزل من اللّه،بل هم موقنون بأنّه غير حقّ،و اليقين بأنّه غير حقّ أخصّ من عدم اليقين بأنّه حقّ.
و ضمير(هو)ضمير فصل،فهو يقتضي تقوّي الخبر،أي إن كان هذا حقّا و من عندك بلا شكّ.
و تعريف المسند بلام الجنس يقتضي الحصر، فاجتمع في التّركيب تقوّ و حصر؛و ذلك تعبيرهم يحكون به أقوال القرآن المنوّهة بصدقه،كقوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ آل عمران:62.
و هم إنّما أرادوا إن كان القرآن حقّا و لا داعي لهم إلى نفي قوّة حقّيّته و لا نفي انحصار الحقّيّة فيه،و إن كان ذلك لازما لكونه حقّا،لأنّه إذا كان حقّا كان ما هم عليه
ص: 90
باطلا،فصحّ اعتبار انحصار الحقّيّة فيه انحصارا إضافيّا، إلاّ أنّه لا داعي إليه،لو لا أنّهم أرادوا حكاية الكلام الّذي يبطلونه.
و هذا الدّعاء كناية منهم عن كون القرآن ليس كما يوصف به،للتّلازم بين الدّعاء على أنفسهم و بين الجزم بانتفاء ما جعلوه سبب الدّعاء،بحسب عرف كلامهم و اعتقادهم.
و مِنْ عِنْدِكَ حال من(الحقّ)،أي منزلا من عندك،فهم يطعنون في كونه حقّا و في كونه منزلا من عند اللّه.(9:85)
الطّباطبائيّ: قوله: إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ يدلّ بلفظه على أنّ الّذي سمعوه من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بلسان القال أو الحال بدعوته،هو قوله:«هذا هو الحقّ من عند اللّه»و فيه شيء من معنى الحصر،و هذا غير ما كان يقوله لهم:هذا حقّ من عند اللّه.
فإنّ القول الثّاني يواجه به الّذي لا يرى دينا سماويّا و نبوّة إلهيّة،كما كان يقوله المشركون و هم الوثنيّة: ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ الأنعام:91.
و أمّا القول الأوّل فإنّما يواجه به من يرى أنّ هناك دينا حقّا من عند اللّه و رسالة إلهيّة يبلغ الحقّ من عنده، ثمّ ينكر كون ما أتى به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو بعض ما أتى به هو الحقّ من عند اللّه تعالى،فيواجه بأنّه هو الحقّ من عند اللّه لا غيره،ثمّ يردّ بالاشتراط في مثل قوله: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ.
فالأشبه أن لا يكون هذا حكاية عن بعض المشركين بنسبته إلى جميعهم،لاتّفاقهم في الرّأي أو رضا جميعهم بما قاله هذا القائل،بل كأنّه حكاية عن بعض أهل الرّدّة ممّن أسلم ثمّ ارتدّ،أو عن بعض أهل الكتاب المعتقدين بدين سماويّ حقّ،فافهم ذلك.(9:67)
مكارم الشّيرازيّ: و الآية تتحدّث عن منطق عجيب آخر،فتقول: وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ... لقد كانوا يقولون ذلك لشدّة تعصّبهم و عنادهم،و كانوا يتصوّرون أنّ الدّين الإسلاميّ لا أساس له أبدا،و إلاّ فإنّ أحدا يحتمل حقّانيّة الإسلام كيف يمكنه أن يدعو على نفسه بمثل هذا الدّعاء!
كما يرد هذا الاحتمال،و هو أنّ شيوخ المشركين و سادتهم كانوا يقولون ذلك الكلام لتضليل النّاس، و ليثبتوا لبسطائهم أنّ رسالة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله باطلة تماما،مع أنّهم في الوقت ذاته لم تكن قلوبهم معتقدة بهذا الاعتقاد الجاري على ألسنتهم.
و كأنّهم-أي المشركين-يريدون أن يقولوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّك تتكلّم عن الأنبياء السّابقين،و إنّ اللّه قد أهلك أعداءهم بحجارة أمطرها عليهم،كما هي الحال في شأن قوم لوط،فإن كنت صادقا فيما تقول فامطر علينا حجارة من السّماء.
و قد ورد عن الإمام الصّادق عليه السّلام في«مجمع البيان» أنّه لمّا نصب رسول اللّه عليّا عليه السّلام يوم غدير خمّ،و قال:
من كنت مولاه فعليّ مولاه،طار ذلك في البلاد،فقدم على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله النّعمان بن الحارث الفهريّ،فقال:أمرتنا
ص: 91
عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّك رسول اللّه، و أمرتنا بالجهاد و الحجّ و الصّوم و الصّلاة و الزّكاة فقبلناها،ثمّ لم ترض حتّى نصبت هذا الغلام،فقلت:من كنت مولاه فعليّ مولاه،فهذا شيء منك أو أمر من عند اللّه؟
فقال صلّى اللّه عليه و آله:«و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو،إنّ هذا من اللّه»فولّى النّعمان بن الحارث و هو يقول:اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء، فرماه اللّه بحجر على رأسه فقتله.
و هذا الحديث لا ينافي نزول الآية في قصّة الغدير، لأنّ سبب النّزول لم يكن موضوع النّعمان،بل إنّه اقتبس من الآية في الدّعاء على نفسه،و هذا يشبه قولنا في الدّعاء مقتبسين ذلك من القرآن رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً البقرة:201.
سيأتي تفصيل هذا الموضوع و ما ذكرته كتب أهل السّنّة-من أسانيد كثيرة له في ذيل الآية الأولى من سورة المعارج سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ المعارج:
1-بإذن اللّه.(5:379)
25- ...وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ... التّوبة:29
راجع:د ي ن:«يدينون».
26- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ... التّوبة:33
ابن عبّاس: دين الإسلام و شهادة أن لا إله إلاّ اللّه.
(157)
نحوه الطّبريّ(10:116)،و الميبديّ(3:119)، و البغويّ(2:340)،و ابن الجوزيّ(3:427)،و أبو حيّان(5:33)،و الشّربينيّ(1:606).
الضّحّاك: إنّ(الهدى):البيان و(دين الحقّ):
الإسلام.(الماورديّ 2:355)
الماورديّ: فيها أربعة تأويلات:
أحدها:[قول الضّحّاك و قد تقدّم]
و الثّاني:أنّ الهدى الدّليل،و دين الحقّ المدلول عليه.
و الثّالث:معناه بالهدى إلى دين الحقّ.
و الرّابع:أنّ معناهما واحد،و إنّما جمع بينهما تأكيدا لتغاير اللّفظين.(2:355)
الطّوسيّ: دِينَ الْحَقِّ هو الإسلام و ما تضمّنه من الشّرائع،لأنّه الّذي يستحقّ عليه الجزاء بالثّواب، و كلّ دين سواه باطل،لأنّه يستحقّ به العقاب.
(5:244)
نحوه الطّبرسيّ.(3:24)
ابن عطيّة: قوله: دِينَ الْحَقِّ إشارة إلى الإسلام و الملّة بجمعها،و هي الحنيفيّة.(3:26)
أبو السّعود :الثّابت و دين الإسلام.(3:143)
نحوه الآلوسيّ.(10:86)
القاسميّ: أي التّوحيد الثّابت الّذي لا يزول.
(8:3129)
الطّباطبائيّ: دِينَ الْحَقِّ هو الإسلام بما يشتمل عليه من العقائد و الأحكام المنطبقة على الواقع
ص: 92
الحقّ.
و المعنى أنّ اللّه هو الّذي أرسل رسوله و هو محمّد صلّى اللّه عليه و آله مع الهداية-أو الآيات و البيّنات-و دين فطريّ ليظهر و ينصر دينه الّذي هو دين الحقّ على كلّ الأديان،و لو كره المشركون ذلك.(9:247)
مكارم الشّيرازيّ: ما المراد من بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ؟
هذا التّعبير الوارد في الآية كأنّه إشارة إلى دليل انتصار الإسلام و ظهوره على جميع الأديان،لأنّه لمّا كان محتوى دعوة النّبيّ الهداية،و العقل يدلّ على ذلك في كلّ موطن،و لمّا كانت أصوله و فروعه موافقة للحقّ،و مع الحقّ،و تسير في مسير الحقّ،و لأجل الحقّ.فهذا الدّين سينتصر على جميع الأديان طبعا.
و قد جاء عن أحد علماء الهند أنّه سبر فكره في مطالعة مختلف الأديان فترة من الزّمن،و انتهى أمره إلى اختيار الدّين الإسلاميّ من بين جميع أديان العالم،ثمّ نشر كتابا بالإنجليزيّة اسمه«لم أسلمت»؟و بيّن فيه مزايا الدّين الإسلاميّ على غيره من الأديان.
من أهمّ المسائل الّتي أثارت انتباهه-كما يقول-أنّ الإسلام الدّين الوحيد الّذي له تأريخ ثابت محفوظ.
و هو يتعجّب كيف اختارت«أو ربا»لها دينا ترى أنّ من جاء به أجلّ من الإنسان و تعدّه ربّها،مع أنّ هذا الدّين ليس له تأريخ دقيق.
إنّ مطالعة آراء الّذين انتحلوا الإسلام دينا جديدا و عزفوا عن دينهم السّابق،تكشف أنّهم كانوا في منتهى البساطة و الغفلة و التّضليل،إلاّ أنّ أصول الإسلام و فروعه ذات الأدلّة الحكمة،ساقتهم إلى الإسلام البعيد عن الخرافات كلّها،و الّذي يتجلّى فيه نور الحقّ و الهداية.(6:15)
فضل اللّه :الشّامل الكامل الّذي يتميّز بالسّعة و العمق و الامتداد في الحياة،و الانطلاق بالإنسان إلى كلّ سماوات الإبداع الرّوحيّ و الكمال الإنسانيّ،و الانطلاق الفكريّ و التّركيز العمليّ الواعي.(11:92)
27- لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتّى جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ. التّوبة:48
الثّعلبيّ: أي النّصر و الظّفر.(5:52)
نحوه الماورديّ(2:370)،و البغويّ(2:355)، و الزّمخشريّ(2:194)،و الطّبرسيّ(3:36)،و ابن الجوزيّ(3:448)،و أبو السّعود(3:157)، و البروسويّ(3:443)،و الآلوسيّ(10:113)، و القاسميّ(8:3170).
الميبديّ: أي غلب الإسلام الشّرك و ظهر أمر اللّه و علا دين اللّه و هو الإسلام.و قيل:حتّى أخزاهم اللّه بإظهار الحقّ و إعزاز الدّين على كره منهم.(4:143)
الفخر الرّازيّ: المراد منه:القرآن و دعوة محمّد.
(16:83)
نحوه أبو حيّان.(5:50)
النّيسابوريّ: و التّأويل هو العقل القابل لأوامر الشّرع.(10:102)
ص: 93
الطّباطبائيّ: و هو الحقّ يجب أن يتّبع.
(9:291)
فضل اللّه :بقوّة الضّاربة المتحدّية.(11:129)
28- فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ. يونس:32
ابن عبّاس: (الحقّ)هو الحقّ و عبادته الحقّ، فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فما ذا عبادتكم بعد عبادة اللّه إلاّ عبادة الشّيطان.(173)
الطّبريّ: اَللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ لا شكّ فيه فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ يقول:فأيّ شيء سوى الحقّ إلاّ الضّلال،و هو الجور عن قصد السّبيل.يقول:فإذا كان الحقّ هو ذا،فادّعاؤكم غيره إلها و ربّا هو الضّلال، و الذّهاب عن الحقّ،لا شكّ فيه.(11:114)
الطّوسيّ: و إنّما وصفه بأنّه(الحقّ)لأنّ له معنى الإلهيّة دون غيره من الأوثان و الأصنام،و هو الرّبّ تعالى وحده.و قوله: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ صورته صورة الاستفهام،و المراد به:التّقرير على موضع الحجّة،لأنّه لا يجد المجيب محيدا عن الإقرار به إلاّ بذكر ما لا يلتفت إليه،و كلّما تدعو إليه الحكمة على اختلافه فهو حقّ،و المراد أنّه ليس بعد الإقرار بالحقّ،و الانقياد له إلاّ الضّلال و العدول عنه.(5:427)
نحوه الطّبرسيّ.(3:107)
القشيريّ: ما يكون من موضوعات الحقّ، و متعلّقات الإرادة،و متناولات المشيئة،و مجنّسات التّقدير،و مصرّفات القدرة،فهي أشباح خاوية، و أحكام التّقدير عليها جارية.(3:94)
الميبديّ: أي الّذي هذا كلّه فعله هو الحقّ،ليس هؤلاء الّذين جعلتم معه شركاء فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ أي إذا كان الحقّ عبادة اللّه فعبادة غيره ضلال باطل.(4:287)
الزّمخشريّ: الثّابت ربوبيّته ثباتا لا ريب فيه لمن حقّق النّظر، فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ يعني أنّ الحقّ و الضّلال لا واسطة بينهما،فمن تخطّى الحقّ وقع في الضّلال.(2:236)
نحوه القاسميّ.(9:2345)
ابن عطيّة: فهذا الّذي هذه صفاته رَبُّكُمُ الْحَقُّ أي المستوجب للعبادة و الألوهيّة،و إذا كان ذلك فتشريك غيره ضلال و غير حقّ.و عبارة القرآن في سوق هذه المعاني تفوق كلّ تفسير براعة و إيجازا و إيضاحا.و حكمت هذه الآية بأنّه ليس بين الحقّ و الضّلال منزلة ثالثة في هذه المسألة الّتي هي توحيد اللّه، و كذلك هو الأمر في نظائرها،و هي مسائل الأصول الّتي الحقّ فيها في طرف واحد،لأنّ الكلام فيها إنّما هو في تقرير وجود ذات كيف و هي،و ذلك بخلاف مسائل الفروع الّتي قال اللّه تعالى فيها: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً المائدة:48،و قال النّبيّ:«الحلال بيّن و الحرام بيّن و بينهما أمور متشابهات».
و(الحقّ)في هذه في الطّرفين،لأنّ المتعبّدين إنّما طلبوا بالاجتهاد لا بعين في كلّ نازلة،و يدلّك على أنّ
ص: 94
الحقّ في الطّرفين اختلاف الشّرائع بتحليل و تحريم في شيء واحد،و الكلام في مسائل الفروع إنّما هو في أحكام طارئة على وجود ذات متقرّرة لا يختلف فيها و إنّما يختلف في الأحكام المتعلّقة بالمشترع.(3:118)
الفخر الرّازيّ: الثّابت ربوبيّته ثباتا لا ريب فيه، و إذا ثبت أنّ هذا هو الحقّ،وجب أن يكون ما سواه ضلالا،لأنّ النّقيضين يمتنع أن يكونا حقّين و أن يكونا باطلين،فإذا كان أحدهما حقّا،وجب أن يكون ما سواه باطلا.(17:87)
مثله الشّربينيّ.(2:18)
القرطبيّ: فيه ثمان مسائل:
الأولى:قوله تعالى: فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ أي هذا الّذي يفعل هذه الأشياء هو ربّكم الحقّ،لا ما أشركتم معه. فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ. (ذا)صلة أي ما بعد عبادة الإله الحقّ إذا تركت عبادته إلاّ الضّلال.
قال بعض المتقدّمين:ظاهر هذه الآية يدلّ على أنّ ما بعد اللّه هو الضّلال،لأنّ أوّلها فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ و آخرها فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فهذا في الإيمان و الكفر،ليس في الأعمال.
و قال بعضهم:إنّ الكفر تغطية الحقّ،و كلّ ما كان غير الحقّ جرى هذا المجرى،فالحرام ضلال و المباح هدى،فإنّ اللّه هو المبيح و المحرّم.
و الصّحيح الأوّل،لأنّ قبل قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ ثمّ قال: فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ أي هذا الّذي رزقكم،و هذا كلّه فعله هو رَبُّكُمُ الْحَقُّ أي الّذي تحقّ له الألوهيّة و يستوجب العبادة،و إذا كان ذلك فتشريك غيره ضلال و غير حقّ.
الثّانية-قال علماؤنا:حكمت هذه الآية بأنّه ليس بين الحقّ و الباطل منزلة ثالثة في هذه المسألة الّتي هي توحيد اللّه تعالى،و كذلك هو الأمر في نظائرها،و هي مسائل الأصول الّتي الحقّ فيها في طرف واحد؛لأنّ الكلام فيها إنّما هو في تعديد وجود ذات كيف هي، و ذلك بخلاف مسائل الفروع الّتي قال اللّه تعالى فيها:
لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً المائدة:48، و قوله عليه السّلام:«الحلال بيّن و الحرام بيّن و بينهما أمور متشابهات».و الكلام في الفروع إنّما هو في أحكام طارئة على وجود ذات متقرّرة لا يختلف فيها و إنّما يختلف في الأحكام المتعلّقة بها.
الثّالثة:ثبت عن عائشة رضي اللّه عنها أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا قام إلى الصّلاة في جوف اللّيل قال:«اللّهمّ لك الحمد»الحديث.
و فيه:«أنت الحقّ و وعدك الحقّ و قولك الحقّ و لقاؤك الحقّ و الجنّة حقّ و النّار حق و السّاعة حقّ و النّبيّون حقّ و محمّد حقّ»الحديث.فقوله:«أنت الحقّ» أي الواجب الوجود،و أصله من حقّ الشّيء،أي ثبت و وجب.
و هذا الوصف للّه تعالى بالحقيقة؛إذ وجوده لنفسه لم يسبقه عدم و لا يلحقه عدم،و ما عداه ممّا يقال عليه هذا الاسم مسبوق بعدم،و يجوز عليه لحاق العدم،
ص: 95
و وجوده من موجده لا من نفسه.و باعتبار هذا المعنى كان أصدق كلمة قالها الشّاعر،كلمة لبيد:
*ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطل*
و إليه الإشارة بقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ القصص:88.
الرّابعة:مقابلة الحقّ بالضّلال عرف لغة و شرعا،كما في هذه الآية و كذلك أيضا مقابلة الحقّ بالباطل عرف لغة و شرعا،قال اللّه تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ الحجّ:62،و الضّلال حقيقته الذّهاب عن الحقّ،أخذ من ضلال الطّريق و هو العدول عن سمته...(8:335)
البيضاويّ: أي المتولّي لهذه الأمور المستحقّ للعبادة هو ربّكم الثّابت ربوبيّته،لأنّه الّذي أنشأكم و أحياكم و رزقكم و دبّر أموركم. فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ استفهام إنكاريّ أي ليس بعد الحقّ إلاّ الضّلال،فمن تخطّى الحقّ الّذي هو عبادة الله تعالى وقع في الضّلال.(1:446)
النّيسابوريّ: الثّابت ربوبيّته بالوجدان و البرهان.و المراد أنّه لمّا ثبت وجود الواجب الحقّ كان ما سواه ممكنا لذاته،باطلا دعوى الإلهيّة فيه،لأنّ واجب الوجود يجب أن يكون واحدا في ذاته و في صفاته و في جميع اعتباراته،و إلاّ لزم افتقاره إلى ما انقسم إليه، فلا يكون واجبا غير محال،و لذا ختم الآية بقوله: فَأَنّى تُصْرَفُونَ. (11:80)
أبو السّعود :و قوله تعالى:(الحقّ)صفة له،أي ربّكم الثّابت ربوبيّته و المتحقّق ألوهيّته تحقّقا لا ريب فيه... بَعْدَ الْحَقِّ أي غيره بطريق الاستعارة.
و إظهار الحقّ إمّا لأنّ المراد به غير الأوّل،و إمّا لزيادة التّقرير و مراعاة كمال المقابلة بينه و بين الضّلال، و الاستفهام إنكاريّ بمعنى الوقوع و نفيه،أي ليس غير الحقّ إلاّ الضّلال الّذي لا يختاره أحد؛فحيث ثبت أنّ عبادة من هو منعوت-بما ذكر من النّعوت الجميلة-حقّ، ظهر أنّ ما عداها من عبادة الأصنام ضلال محض؛إذ لا واسطة بينهما.و إنّما سمّيت ضلالا مع كونها من أعمال الجوارح،باعتبار ابتنائها على ما هو ضلال من الاعتقاد و الرّأي.
هذا على تقدير كون(الحقّ)عبارة عن التّوحيد، و أمّا على تقدير كونه عبارة عن الأوّل،فالمراد بالضّلال:
هو الأصنام لا عبادتها،و المعنى فما ذا بعد الرّبّ الحقّ الثّابت ربوبيّته إلاّ الضّلال،أي الباطل الضّائع المضمحلّ،و إنّما سمّي بالمصدر مبالغة كأنّه نفس الضّلال و الضّياع.و هذا أنسب بقوله تعالى: وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يونس:30،على التّفسير الثّاني.
(3:236)
نحوه ملخّصا البروسويّ.(4:43)
الآلوسيّ: فذلكة لما تقرّر،و الإشارة إلى المتّصف بالصّفات السّابقة حسبما اعترفوا به.و هي مبتدأ و الاسم الجليل صفة له،و(ربكم)خبر،و(الحقّ)خبر بعد خبر أو صفة،أو خبر مبتدإ محذوف.
و يجوز أن يكون الاسم الجليل هو الخبر،و
ص: 96
(ربكم)بدل منه أو بيان له،و(الحقّ)صفة الرّبّ، أي مالككم و متولّي أموركم الثّابت ربوبيّته و المتحقّق ألوهيّته تحقّقا لا ريب فيه.
فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ أي لا يوجد غير الحقّ شيء يتّبع إلاّ الضّلال،فمن تخطّى الحقّ و هو عبادة اللّه تعالى وحده،لا بدّ و أن يقع في الضّلال و هو عبادة غيره سبحانه على الانفراد أو الاشتراك،لأنّ عبادته جلّ شأنه مع الاشتراك لا يعتدّ بها.
(فما)اسم استفهام و(ذا)موصول.و يجوز أن يكون الكلّ اسما واحدا قد غلب فيه الاستفهام على اسم الإشارة،و هو مبتدأ خبره بَعْدَ الْحَقِّ على ما في «النّهر»،و الاستفهام إنكاريّ بمعنى إنكار الوقوع و نفيه، و(بعد)بمعنى(غير)مجاز،و الحقّ ما علمت،و هو غير الأوّل و لذا أظهر.و إطلاق(الحقّ)على عبادته،و كذا إطلاق(الضّلال)على عبادة غيره تعالى،لما أنّ المدار في العبادة الاعتقاد.
و جوّز أن يكون(الحقّ)عبارة عن الأوّل و الإظهار لزيادة التّقرير و مراعاة كمال المقابلة بينه و بين الضّلال،و المراد به هو الأصنام.و المعنى:فما ذا بعد الرّبّ الحقّ الثّابت ربوبيّته إلاّ الضّلال،أي الباطل الضّائع المضمحلّ،و إنّما سمّي بالمصدر مبالغة كأنّه نفس الضّلال و الضّياع.
و قيل:المراد بالحقّ و الضّلال:ما يعمّ التّوحيد و عبادة غيره سبحانه و غير ذلك،و يدخل ما يقتضيه المقام هنا دخولا أوّليّا.(11:111)
سيّد قطب:و الحقّ واحد لا يتعدّد،و من تجاوزه فقد وقع على الباطل،و قد ضلّ التّقدير فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ و كيف توجّهون بعيدا عن الحقّ و هو واضح بيّن تراه العيون؟
(3:1782)
الطّباطبائيّ: الجملة الأولى نتيجة الحجّة السّابقة،و قد وصف«الرّبّ»ب«الحقّ»ليكون توضيحا لمفاد الحجّة،و توطئة و تمهيدا لقوله بعده: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ، و قوله: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ أخذ بلازم الحجّة السّابقة لاستنتاج أنّهم ضالّون في عبادة الأصنام،فإنّه إذا كانت ربوبيّته تعالى حقّة فإنّ الهدى في اتّباعه و عبادته،فإنّ الهدى مع الحقّ لا غير فلا يبقى عند غيره الّذي هو الباطل إلاّ الضّلال.
فتقدير الكلام:فما ذا بعد الحقّ الّذي معه الهدى إلاّ الباطل الّذي معه الضّلال،فحذف من كلّ من الطّرفين شيء و أقيم الباقي مقامه إيجازا،و قيل: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ و لذا قال بعضهم:إنّ في الآية احتباكا-و هو من المحسّنات البديعيّة-و هو أن يكون هناك متقابلان فيحذف من كلّ منهما شيء يدلّ عليه الآخر،فإنّ تقدير الكلام:فما ذا بعد الحقّ إلاّ الباطل؟ و ما ذا بعد الهدى إلاّ الضّلال؟فحذف الباطل من الأوّل و الهدى من الثّاني،و بقي قوله: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ؟ و الوجه هو الّذي قدّمناه.(10:53)
عبد الكريم الخطيب :الإشارة هنا فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ إلى النّاس جميعا،مؤمنهم و كافرهم و مشركهم
ص: 97
تلفتهم إلى الإله الحقّ الّذي خلق فسوّى،ثمّ تخلص الإشارة بعد هذا إلى الكافرين و المشركين الّذين ضلّ سعيهم،و تنكّبوا عن طريق الحقّ،و ركبوا طرق الضّلال، فتنخسهم نخسة موجعة بهذا الاستفهام الإنكاريّ فما ذا بعد الانصراف عن الإيمان باللّه،و التّعبّد له،ما ذا بعد هذا إلاّ ركوب الضّلال،و الضّرب في المتاهات و التّعبّد لكلّ باطل و بهتان.(6:1006)
مكارم الشّيرازيّ: بعد أن عرضت الآية السّابقة نماذج من آثار عظمة و تدبير اللّه في السّماء و الأرض، و أيقظت وجدان و عقل المخالفين و دعتهم للحكم في أمر الخالق،و اعترف هؤلاء بذلك،خاطبتهم الآية التّالية بلهجة قاطعة و قالت: فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ لا الأصنام،و لا سائر الموجودات الّتي جعلتموها شريكة للباري عزّ و جلّ،و الّتي تسجدون أمامها و تعظّمونها.
كيف يمكن أن يكون هؤلاء أهلا للعبوديّة في حين أنّهم ليسوا مستطيعين أن يشاركوا في خلق العالم و تدبيره فحسب،بل هم محتاجون من الرّأس حتّى أخمص القدم.
ثمّ تنتهي إلى ذلك النّتيجة فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ و أنّى تولّوا وجوهكم عن عبادة اللّه،و أنتم تعلمون ألاّ خالق و لا معبود حقّا سواه؟
إنّ هذه الآية في الواقع تطرح طريقا منطقيّا واضحا لمعرفة الباطل و تركه،و هو أن يخطو الإنسان أوّلا في سبيل معرفة الحقّ عن طريق الوجدان و العقل،فإذا عرف الحقّ فإنّ كلّ ما خالفه باطل و ضلال،و يجب أن يضرب عرض الحائط.(6:323)
فضل اللّه :الّذي يوحي بالقدرة المطلقة المتمثّلة في خلق السّماوات و الأرض و إنزال الرّزق منهما،و خلق السّمع و الأبصار و إخراج الميّت من الحيّ،و الحيّ من الميّت،فذلك هو الّذي يؤكّد خصائص الرّبوبيّة الحقيقة فيه و يبعّدها عن غيره،لأنّ غيره لا يملك شيئا من ذلك بل هو العجز المطلق عن كلّ شيء،إلاّ من خلال إرادة اللّه.
فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ لأنّه يمثّل الخطّ الواحد الّذي لا التواء فيه و لا انحراف،فلا بديل عنه إلاّ الضّلال،و التّخبّط في متاهات الضّياع الّتي تتشابه فيها المسالك و الدّروب و الآفاق،دون أن تترك أيّة علامة تدلّ على الغاية المبتغاة.و ليس معنى ذلك أنّ الإنسان لا يملك صورة تخيّل له أنّها الحقّ،بل إنّه لا يرتكز على قاعدة ثابتة في ما يفرّق فيه بين الحقّ و الباطل.
(11:305)
29- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.
يونس:35
راجع:ه د ي:«يهدى».
30- فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ. يونس:76
ص: 98
ابن عبّاس: الكتاب و الرّسول و الآيات.(177)
الطّبريّ: فلمّا جاءهم بيان ما دعاهم إليه موسى و هارون؛و ذلك الحجج الّتي جاءهم بها،و هي الحقّ الّذي جاءهم من عند اللّه.(11:145)
الطّوسيّ: و الحقّ:معنى معتقده على ما هو به، و هو ما أتت به الرّسل من البيان و البرهان عن اللّه تعالى.
(5:474)
الميبديّ: أتاهم بالرّسالة.(4:322)
الزّمخشريّ: فلمّا عرفوا أنّه هو الحقّ و أنّه من عند اللّه لا من قبل موسى و هارون(قالوا)لحبّهم الشّهوات إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ. (2:246)
ابن عطيّة: يريد ب(الحقّ)آيتي العصا و اليد، و يدلّ على ذلك قولهم عندهما: هذا لَسِحْرٌ و لم يقولوا:«ذلك»إلاّ عندهما،و لا تعاطوا إلاّ مقاومة العصا،فهي معجزة موسى عليه السّلام الّتي وقع فيها عجز المعارض.(3:134)
الطّبرسيّ: يعني ما أتى به موسى من المعجزات و البراهين.(3:125)
نحوه ابن الجوزيّ.(4:50)
أبو حيّان :و(الحقّ)هو العصا و اليد،قالوا لحبّهم الشّهوات: إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ و هم يعلمون أنّ الحقّ أبعد شيء من السّحر الّذي ليس إلاّ تمويها و باطلا، و لم يقولوا:إنّ هذا لسحر مبين إلاّ عند معاينة العصا و انقلابها،و اليد و خروجها بيضاء،و لم يتعاطوا إلاّ مقاومة العصا،و هي معجزة موسى الّذي وقع فيها عجز المعارض.(5:181)
الشّربينيّ: أي الّذي جاء به موسى من عند ربّه، و عرفوا أنّه ليس من عند موسى و هارون،لتظاهر المعجزات الظّاهرات المزيحة للشّكّ.(2:31)
أبو السّعود :صريح في أنّ المراد باستكبارهم ما وقع منهم قبل مجيء الحقّ الّذي سمّوه سحرا،أعني العصا و اليد البيضاء،كما ينبئ عنه سياق النّظم الكريم؛و ذلك أوّل ما أظهر عليه السّلام من الآيات العظام.(3:265)
البروسويّ: المراد ب(الحقّ)الآيات التّسع الّتي هي حقّ ظاهر من عند اللّه بخلقه و إيجاده،لا تخييل و تمويه كصنعتهم.(4:69)
القاسميّ: يعني الآيات المزيحة للشّكّ.
(9:3383)
رشيد رضا :و هو آياتنا الدّالّة على الرّبوبيّة و الألوهيّة.(11:466)
الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ المراد ب(الحقّ)هو الآية الحقّة كالثّعبان و اليد البيضاء،و قد جعلهما اللّه آية لرسالته بالحقّ،فلمّا جاءهم الحقّ قالوا و أكّدوا القول:
(انّ هذا)-يشيرون إلى الحقّ من الآية- لَسِحْرٌ مُبِينٌ، واضح كونه سحرا،و إنّما سمّى الآية حقّا قبال تسميتهم إيّاها سحرا.(10:108)
عبد الكريم الخطيب :هذا هو القول الّذي استقبل به فرعون و حاشيته آيات اللّه حين طلعت عليهم: إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ قالوا ذلك في تأكيد قاطع،حتّى لكأنّهم قد اختبروا هذه الآيات اختبارا
ص: 99
علميّا محقّقا،ثمّ كشف لهم العلم عن تلك الحقيقة و ملئوا أيديهم بها،و نزلت من عقولهم منزل اليقين،الّذي لا شكّ فيه: إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ.
و هكذا شأن من يكابر في الحقّ،و يعانده إنّه و قد زلزلت الأرض به،من قوّة الحقّ و صدمته،يحاول جاهدا أن يقوّي نفسه،و يمسك وجوده بهذه الكلمات الكاذبة المفضوحة المموّهة،بهذا التّوكيد القاطع،و هو في دخيلة نفسه يرجف خوفا،و يضطرب فزعا.
(6:1056)
31- قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ... يونس:108
ابن عبّاس: الكتاب و الرّسول.(180)
نحوه الميبديّ(4:343)،و القرطبيّ(8:388).
الطّبريّ: يعني كتاب اللّه،فيه بيان كلّ ما بالنّاس إليه حاجة من أمر دينهم.(11:178)
نحوه الثّعلبيّ.(5:154)
الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:القرآن،الثّاني:
الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.(2:454)
مثله ابن الجوزيّ(4:71)، و نحوه البيضاويّ(1:460)،و الشّربينيّ(2:41).
الطّوسيّ: أمر اللّه تعالى نبيّه في هذه الآية أن يقول للخلق:قد جاءكم الحقّ من اللّه،و هو الّذي من عمل به من العباد نجا،و ضدّه الباطل و هو الّذي من عمل به هلك،فمن عمل بالحقّ كان حكيما،و من عمل بالباطل كان سفيها.
و المراد ب(الحقّ)هاهنا:ما أتى به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من القرآن و الشّرائع و الأحكام،و غير ذلك من الآيات و الدّلالات.(5:508)
البغويّ: يعني:القرآن و الإسلام.(2:437)
ابن عطيّة: (الحقّ)هو القرآن،و الشّرع الّذي جاء به محمّد.(3:147)
الطّبرسيّ: و هو القرآن و دين الإسلام و الأدلّة الدّالّة على صحّته.
و قيل:يريد بالحقّ:النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و معجزاته الظّاهرة.
(3:140)
أبو السّعود :و هو القرآن العظيم المشتمل على محاسن الأحكام الّتي من جملتها ما مرّ آنفا من أصول الدّين،و اطّلعتم على ما في تضاعيفه من البيّنات و الهدى،و لم يبق عذر.(3:279)
نحوه البروسويّ.(4:88)
الآلوسيّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]
و قيل:المراد من(الحقّ)النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و فيه من المبالغة ما لا يخفى.
و أخرج أبو الشّيخ عن مجاهد أنّ(الحقّ)هو ما دلّ عليه قوله تعالى: وَ إِنْ يَمْسَسْكَ يونس:107،إلخ، و هو كما ترى!!(11:201)
الطّباطبائيّ: و هو القرآن،أو ما يشتمل عليه من الدّعوة الحقّة.(10:133)
مكارم الشّيرازيّ: إنّ هاتين الآيتين اللّتين
ص: 100
تضمّنت إحداهما موعظة و نصيحة لعامّة النّاس، و اختصّت الثّانية بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قد كمّلتا الأوامر و التّعليمات الّتي بيّنها اللّه سبحانه في هذين المجالين،على مدى هذه السّورة و مواضعها المختلفة،و بذلك تنتهي سورة يونس.
فتقول أوّلا:و كقانون عامّ: قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ هذه التّعليمات،و هذا الكتاب السّماويّ،و هذا الدّين،و هذا النّبيّ كلّها حقّ،و علامات كونها حقّا واضحة،و بملاحظة هذه الحقيقة فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ. (6:416)
فضل اللّه :فهو الكلمة الأخيرة الّتي لا كلمة بعدها، لأنّها كلمة اللّه الّتي يجب على النّاس الارتباط بها من موقع القناعة و الإيمان.(11:379)
32- وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ. هود:45
ابن عبّاس: الصّدق.(186)
مثله القرطبيّ(9:45)،و الشّربينيّ(2:60).
الطّبريّ: الّذي لا خلف له.(12:49)
نحوه البغويّ(2:451)،و الطّبرسيّ(3:167).
الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:الّذي يحقّ فلا يخلف.
الثّاني:الّذي يلزم كلزوم الحقّ.(2:475)
الزّمخشريّ: و إن كان وعد تعده فهو الحقّ الثّابت الّذي لا شكّ في إنجازه و الوفاء به،و قد وعدتني أن تنجّي أهلي فما بال ولدي.(2:272)
نحوه النّيسابوريّ(12:32)،و أبو حيّان(5:
229)،و البروسويّ(4:138).
أبو السّعود :أي وعدك ذلك،أو إنّ كلّ وعده حقّ لا يتطرّق إليه خلف،فيدخل فيه الوعد المعهود دخولا أوّليّا.(3:317)
نحوه الآلوسيّ.(12:68)
33- وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ. هود:120
ابن عبّاس: فِي هذِهِ السّورة(الحقّ)خبر الحقّ.(193)
مثله الحسن،و مجاهد،و سعيد بن جبير،و الرّبيع بن أنس،و قتادة،و أبو العالية.(الطّبريّ 12:146)
الحسن :في الدّنيا.(الطّبريّ 12:147)
قتادة :معناه في هذه الدّنيا.(الطّبريّ 12:147)
(الحقّ):النّبوّة.(أبو حيّان 5:274)
الجبّائيّ: يعني جاءك في هذه الأنباء.
(الطّوسيّ 6:87)
مثله الرّمّانيّ.(الماورديّ 2:512)
الطّبريّ: قوله: وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ إنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله،فقال بعضهم:معناه:
و جاءك في هذه السّورة الحقّ.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين
ص: 101
و قال:]
و أولى التّأويلين بالصّواب في تأويل ذلك قول من قال:و جاءك في هذه السّورة الحقّ،لإجماع الحجّة من أهل التّأويل،على أنّ ذلك تأويله.
فإن قال قائل:أو لم يجئ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الحقّ من سور القرآن إلاّ في هذه السّورة،فيقال:و جاءك في هذه السّورة الحقّ؟قيل له:بلى قد جاءه فيها كلّها.
فإن قال:فما وجه خصوصه إذن في هذه السّورة بقوله: وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ؟
قيل:إنّ معنى الكلام:و جاءك في هذه السّورة الحقّ،مع ما جاءك في سائر سور القرآن،أو إلى ما جاءك من الحقّ في سائر سور القرآن،لا أنّ معناه:
و جاءك في هذه السّورة الحقّ،دون سائر سور القرآن.
(12:147)
الزّجّاج: يجوز أن يكون:و جاءك في هذه السّورة، لأنّ فيها أقاصيص الأنبياء و مواعظ و ذكر ما في الجنّة و النّار.
و يجوز أن يكون قوله: وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ أي في ذكرى هذه الآيات الّتي ذكرت قبل هذا الموضع، أي جاءك الحقّ في أنّ الخلق يجازون بأنصبائهم في قوله:
وَ إِنّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ هود:109،و في قوله: وَ إِنَّ كُلاًّ لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ هود:111.
و قد جاءه في القرآن كلّه الحقّ،و لكنّه ذكر هاهنا توكيدا.و ليس إذا قيل:قد جاءك في هذه الحقّ،وجب أن يكون لم يأتك الحقّ إلاّ في هذه،و لكن بعض الحقّ أوكد من بعض في ظهوره عندنا و خفائه علينا،لا في عينه.
إذا قلت:فلان في الحقّ و أنت تريد أنّه يجود بنفسه، فليس هو في غير تلك الحال في باطل،و لكنّه ذكر الحقّ هاهنا أغنى عن ذكر الموت لعظمه،و أنّه يحصل عنده على الحقّ.(3:84)
الماورديّ: و في هذا(الحقّ) وجهان:
أحدهما:صدق القصص و صحّة الأنباء،و هذا تأويل من جعل المراد السّورة.
الثّاني:النّبوّة،و هذا تأويل من جعل المراد الدّنيا.
(2:512)
الطّوسيّ: [نقل أقوال ابن عبّاس و الحسن و الجبّائيّ و الزّجّاج و قتادة ثمّ قال:]
و الأوّل أصحّ،و التّقدير:و جاءك في هذه السّورة الحقّ مع ما جاءك في سائر السّور.
و معنى الآية:الاعتبار بقصص الرّسل،لما فيه من حسن صبرهم على أمّتهم،و اجتهادهم في دعائهم إلى عبادة اللّه،مع الحقّ الّذي من عمل عليه نجا،و مع الوعظ الّذي يليّن القلب لسلوك طريق الحقّ،و مع تذكّر الخير و الشّرّ،و ما يدعو إليه كلّ واحد منهما في عاقبة النّفع أو الضّرر.(6:87)
البغويّ: قال الحسن و قتادة:في هذه الدّنيا،و قال غيرهما:في هذه السّورة،و هو قول الأكثرين،خصّ هذه السّورة تشريفا،و إن كان قد جاءه الحقّ في جميع السّور.(2:472)
ص: 102
الزّمخشريّ: أي في هذه السّورة أو في هذه الأنباء المقتصّة فيها ما هو أحقّ.(2:299)
ابن عطيّة: و وجه تخصيص هذه السّورة بوصفها ب(الحقّ)-و القرآن كلّه حقّ-أنّ ذلك يتضمّن معنى الوعيد للكفرة و التّنبيه للنّاظر،أي جاءك في هذه السّورة الحقّ الّذي أصاب الأمم الظّالمة،و هذا كما يقال عند الشّدائد:جاء الحقّ و إن كان الحقّ يأتي في غير شديدة و غير ما وجه،و لا يستعمل في ذلك:جاء الحقّ، ثمّ وصف أيضا أنّ ما تضمّنته السّورة هي مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ، فهذا يؤيّد أنّ لفظة(الحقّ)إنّما تختصّ بما تضمّنت من وعيد للكفرة.(3:216)
الطّبرسيّ: و(الحقّ):الصّدق من الأنباء،و الوعد و الوعيد.[ثمّ نقل ما تقدّم عن الزّجّاج](3:204)
أبو البركات: أنّها الأقاصيص المذكورة.
[و في قول آخر]أنّها هذه الآية بعينها.
(ابن الجوزيّ 4:173)
ابن الجوزيّ: و في المراد ب(الحقّ)هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها:أنّها البيان.
و الثّاني:صدق القصص و الأنباء.
و الثّالث:النّبوّة.
فإن قيل:أ ليس قد جاءه الحقّ في كلّ القرآن،فلم خصّ هذه السّورة؟
فالجواب:أنّا إن قلنا:إنّ الحقّ النّبوّة،فالإشارة ب(هذه)إلى الدّنيا،فيكون المعنى:و جاءك في هذه الدّنيا النّبوّة،فيرتفع الإشكال.
و إن قلنا:إنّها السّورة،فعنه أربعة أجوبة:
أحدها:أنّ المراد ب(الحقّ):البيان،و هذه السّورة جمعت من تبيين إهلاك الأمم،و شرح مآلهم،ما لم يجمع غيرها،فبان أثر التّخصيص،و هذا مذهب بعض المفسّرين.
و الثّاني:أنّ بعض الحقّ أوكد من بعض،في ظهوره عندنا و خفائه علينا،و لهذا يقول النّاس:فلان في الحقّ، إذا كان في الموت،و إن لم يكن قبله في باطل،و لكن لتعظيم ما هو فيه،فكأنّ الحقّ المبين في هذه السّورة أجلى من غيره،و هذا مذهب الزّجّاج.
و الثّالث:أنّه خصّ هذه السّورة بذلك لبيان فضلها و إن كان في غيرها حقّ أيضا،فهو كقوله: وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى البقرة:238،و قوله: وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ البقرة:98،و هذا مذهب ابن الأنباريّ.
و الرّابع:أنّ المعنى:و جاءك في هذه السّورة الحقّ مع ما جاءك من سائر السّور،قاله ابن جرير الطّبريّ.
(4:173)
الفخر الرّازيّ: و في قوله: فِي هذِهِ وجوه:
أحدها:في هذه السّورة،و ثانيها:في هذه الآية،و ثالثها:
في هذه الدّنيا.و هذا بعيد غير لائق بهذا الموضع.
و اعلم أنّه لا يلزم من تخصيص هذه السّورة بمجيء الحقّ فيها أن يكون حال سائر السّور بخلاف ذلك، لاحتمال أن يكون الحقّ المذكور في هذه السّورة أكمل حالا ممّا ذكر في سائر السّور،و لو لم يكن فيها إلاّ قوله:
ص: 103
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ هود:112،لكان الأمر كما ذكرنا.ثمّ إنّه تعالى بيّن أنّه جاء في هذه السّورة أمور ثلاثة:الحقّ و الموعظة و الذّكرى:
أمّا الحقّ:فهو إشارة إلى البراهين الدّالّة على التّوحيد و العدل و النّبوّة.
و أمّا الذّكرى:فهي إشارة إلى الإرشاد إلى الأعمال الباقية الصّالحة.
و أمّا الموعظة:فهي إشارة إلى التّنفير من الدّنيا و تقبيح أحوالها في الدّار الآخرة...[و هاهنا بحث طويل راجع:و ع ظ:«موعظة»](18:79)
القرطبيّ: خصّ هذه السّورة،لأنّ فيها أخبار الأنبياء و الجنّة و النّار.و قيل:خصّها بالذّكر تأكيدا و إن كان الحقّ في كلّ القرآن.(9:116)
النّيسابوريّ: (الحقّ):هو البراهين القاطعة الدّالّة على صحّة المبدإ و الوسط و المعاد.(12:73)
أبو حيّان :و الإشارة بقوله: فِي هذِهِ إلى أنباء الرّسل الّتي قصّها اللّه تعالى عليه،أي النّبأ الصّدق الحقّ الّذي هو مطابق بما جرى،ليس فيه تغيير و لا تحريف، كما ينقل شيئا من ذلك المؤرّخون.[ثمّ أدام مثل ابن عطيّة.](5:274)
الشّربينيّ: أي في السّورة،و عليه الأكثر،أو في هذه الأنباء المقتصّة فيها.و قال الحسن:في هذه الدّنيا، قال الرّازيّ:هذا بعيد غير لائق بهذا الموضع،لأنّه لم يجر للدّنيا ذكر حتّى يعود الضّمير لها.
فإن قيل:قد جاء الحقّ في غير هذه السّورة بل القرآن كلّه حقّ و صدق.
أجيب:بأنّه إنّما خصّها بالذّكر تشريفا لها.
(2:86)
أبو السّعود :في هذه السّورة أو الأنباء المقصوصة عليك(الحقّ)الّذي لا محيد عنه.(3:360)
البروسويّ: (الحقّ)ما هو حقّ و بيان صدق، و تخصيصها بالحكم بمجيء الحقّ فيها،مع أنّ ما جاءه في جميع السّور حقّ،يحقّ تدبّره و إذعانه و العمل بمقتضاه، تشريفا لها و رفعا لمنزلتها.(4:204)
الآلوسيّ: أي الأمر الثّابت المطابق للواقع، و الإشارة بهذه إلى السّورة،كما جاء ذلك من عدّة طرق عن ابن عبّاس و أبي موسى الأشعريّ.و قتادة و ابن جبير.
و قيل:الإشارة إليها مع نظائرها،و ليس بذاك ككونها إشارة إلى دار الدّنيا،و إن جاء في رواية عن الحسن.
و قيل:إلى الأنباء المقتصّة،و هو ممّا لا بأس به.
(12:167)
الطّباطبائيّ: ذكر تعالى من فائدة السّورة ما يعمّه صلّى اللّه عليه و آله،و قومه:مؤمنين و كافرين،فقال-فيما يرجع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من فائدة نزول السّورة-: وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ و الإشارة إلى السّورة أو إلى الآيات النّازلة فيها أو الأنباء على وجه،و مجيء(الحقّ)فيها هو ما بيّن اللّه تعالى في ضمن القصص و قبلها و بعدها من حقائق المعارف،في المبدإ و المعاد،و سنّته تعالى الجارية في
ص: 104
خلقه،بإرسال الرّسل و نشر الدّعوة،ثمّ إسعاد المؤمنين في الدّنيا بالنّجاة،و في الآخرة بالجنّة،و إشقاء الظّالمين بالأخذ في الدّنيا،و العذاب الخالد في الآخرة.
(11:71)
عبد الكريم الخطيب :الإشارة(هذه)إلى أنباء الرّسل،أي و جاءك في هذه الأنباء(الحقّ)أي الحقّ من أخبارها،فهي الصّدق الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.(6:1225)
فضل اللّه : وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الآيات(الحقّ) الّذي يحتوي كلّ المفاهيم المتعلّقة بقضايا الإنسان في الكون و الحياة،بالطّريقة الّتي تحتوي الخير كلّه،و تلتقي بالثّبات كلّه،فلا مجال للاهتزاز و لا للاختلاط بالباطل في أيّ اتّجاه.(12:154)
34- اَلْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ. يوسف:51
راجع:ح ص ح ص:«حصحص».
35- لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ... الرّعد:14
الإمام عليّ عليه السّلام:التّوحيد.(الطّبريّ 13:128)
ابن عبّاس: دين الحقّ.(206)
لا إله إلاّ اللّه.(الطّبريّ 13:128)
مثله قتادة(الطّبريّ 13:128)،و الفرّاء(2:61).
إنّها شهادة أن لا إله[الاّ اللّه]،على إخلاص التّوحيد.
مثله قتادة و ابن زيد.(الطّوسيّ 6:232)
الحسن :اللّه هو الحقّ فمن دعاه دعا الحقّ.
(الطّوسيّ 6:232)
الجبّائيّ: دَعْوَةُ الْحَقِّ هي الدّعوة الّتي يدعى اللّه بها على إخلاص التّوحيد.(الطّوسيّ 6:232)
الطّبريّ: للّه من خلقه الدّعوة الحقّ،و الدّعوة الحقّ هي الحقّ،كما أضيفت الدّار إلى الآخرة في قوله:
وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109،و قد بيّنّا ذلك فيما مضى،و إنّما عنى بالدّعوة الحقّ:توحيد اللّه،و شهادة أن لا إله إلاّ اللّه.(13:128)
الزّجّاج: جاء في التّفسير: دَعْوَةُ الْحَقِّ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و جائز-و اللّه أعلم-أن تكون دَعْوَةُ الْحَقِّ أنّه من دعا اللّه موحّدا أستجيب له دعاؤه.(3:143)
الثّعلبيّ: لَهُ للّه عزّ و جلّ دَعْوَةُ الْحَقِّ الصّدق،و أضيفت الدّعوة إلى الحقّ لاختلاف الاسمين، و قد مضت هذه المسألة.(5:281)
الماورديّ: فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها:أنّ دَعْوَةُ الْحَقِّ لا إله إلاّ اللّه،قاله ابن عبّاس.
الثّاني:أنّه اللّه تعالى هو الحقّ،فدعاؤه دعوة الحقّ.
الثّالث:أنّ الإخلاص في الدّعاء هي دعوة الحقّ، قاله بعض المتأخّرين.
و يحتمل قولا رابعا:أنّ دعوة الحقّ دعاؤه عند الخوف،لأنّه لا يدعى فيه إلاّ إيّاه،كما قال تعالى: ضَلَّ
ص: 105
مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ الإسراء:67،هو أشبه بسياق الآية،لأنّه قال: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يعني الأصنام و الأوثان.(3:103)
نحوه البغويّ(3:12)،و القرطبيّ(9:300)، و الشّربينيّ(2:152).
الطّوسيّ: قيل:في معناه ثلاثة أقوال:
أحدها:[قول ابن عبّاس و قتادة و ابن زيد]
الثّاني:[قول الحسن،و قد تقدّما]
و قال قوم:كلّ دعوة هي حقّ جاز أن تضاف إلى اللّه،[ثمّ نقل قول الجبّائيّ و قال:]
و الدّعوة:طلب فعل الشّيء،فالإنسان يدعو ربّه أن يدخله في رحمته،و هو أهل المغفرة و الرّحمة،و كلّ ما لابسه الإنسان،فقد دخل فيه.و المعنى للّه من خلقه الدّعوة الحقّ.(6:232)
القشيريّ: دواعي الحقّ تصير لائحة في القلوب من حيث البرهان،فمن استمع إليها بسمع الفهم، استجاب لبيان العلم.و في مقابلتها دواعي الشّيطان الّتي تهتف بالعبد بتزيين المعاصي،فمن أصغى إليها بسمع الغفلة استجاب لصوت الغيّ،و معها دواعي النّفس و هي قائدة للعبد بزمام الحظوظ،فمن ركن إليها و لاحظها وقع في هوان الحجاب.
و دواعي الحقّ تكون بلا واسطة ملك،و لا بدلالة عقل،و لا بإشارة علم،فمن أسمعه الحقّ ذلك استجاب لا محالة للّه باللّه.(3:221)
الواحديّ: المراد ب دَعْوَةُ الْحَقِّ هاهنا:كلمة التّوحيد و الإخلاص،و المعنى:للّه من خلقه الدّعوة الحقّ،و أضيفت الدّعوة إلى الحقّ لاختلاف اللّفظين.
(3:10)
نحوه ابن الجوزيّ.(4:317)
الميبديّ: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ أي كلمة التّوحيد لا إله إلاّ اللّه،أي لا يحقّ أن يدعى إلها إلاّ هو،و هو الّذي يحقّ أن يدعوه و غيره لا يحقّ.
و معنى آخر لدعوة الحقّ:هو الّذي يحقّ أن يدعو الخلق لعبادته.
و معنى آخر:هو الّذي يحقّ أن يدعو الخلق غدا حتّى يخرج من الأرض.
و قيل له:دعوة الطّلب الحقّ،أي مرجوّ الإجابة، و دعاء غير اللّه لإيجاب.(5:175)
الزّمخشريّ: فيه وجهان:
أحدهما:أن تضاف الدّعوة إلى الحقّ الّذي هو نقيض الباطل،كما تضاف الكلمة إليه،في قولك:كلمة الحقّ،للدّلالة على أنّ الدّعوة ملابسة للحقّ مختصّة به، و أنّها بمعزل من الباطل.
و المعنى أنّ اللّه سبحانه يدعى فيستجيب الدّعوة و يعطي الدّاعي سؤاله إن كان مصلحة له،فكانت دعوة ملابسة للحقّ،لكونه حقيقا بأن يوجّه إليه الدّعاء،لما في دعوته من الجدوى و النّفع،بخلاف ما لا ينفع و لا يجدي دعاؤه.
و الثّاني:أن تضاف إلى(الحقّ)الّذي هو اللّه عزّ و علا،على معنى دعوة المدعوّ الحقّ الّذي يسمع
ص: 106
فيجيب.
فإن قلت:ما وجه اتّصال هذين الوصفين بما قبله؟
قلت:أمّا على قصّة(أربد)فظاهرة،لأنّ إصابته بالصّاعقة محال من اللّه و مكر به من حيث لم يشعر،و قد دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عليه و على صاحبه بقوله:«اللّهم اخسفهما بما شئت»فأجيب فيهما،فكانت الدّعوة دعوة حقّ.
و أمّا على الأوّل فوعيد للكفرة على مجادلتهم رسول اللّه،بحلول محاله بهم،و إجابة دعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إن دعا عليهم فيهم.(2:354)
ابن عطيّة: دَعْوَةُ الْحَقِّ لا إله إلاّ اللّه،و ما كان من الشّريعة في معناها،و قال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:التّوحيد.
و يصحّ أن يكون معناها له دعوة العباد بالحقّ، و دعاء غيره من الأوثان باطل.(3:305)
الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]
و المعنى أنّ من دعاه على جهة الإخلاص فهو يجيبه، فله سبحانه من خلقه دعوة الحقّ.(3:283)
الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ أي للّه دعوة الحقّ،و فيه بحثان:
البحث الأوّل:في أقوال المفسّرين و هي أمور:
[ذكر أقوال ابن عبّاس و الحسن و أضاف:]
و ثالثها:أنّ عبادته هي الحقّ و الصّدق.
و اعلم أنّ الحقّ هو الموجود،و الموجود قسمان:قسم يقبل العدم و هو حقّ،يمكن أن يصير باطلا،و قسم لا يقبل العدم،فلا يمكن أن يصير باطلا،و ذلك هو الحقّ الحقيقيّ.
و إذا كان واجب الوجود لذاته موجودا لا يقبل العدم،كان أحقّ الموجودات بأن يكون حقّا هو هو، و كان أحقّ الاعتقادات و أحقّ الأذكار بأن يكون حقّا هو اعتقاد ثبوته و ذكر وجوده،فثبت بهذا أنّ وجوده هو الحقّ في الموجودات،و اعتقاد وجوده هو الحقّ في الاعتقادات،و ذكره بالثّناء و الإلهيّة و الكمال هو الحقّ في الأذكار،فلهذا قال: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ.
و البحث الثّاني:[و ذكر قول الزّمخشريّ]
(19:29)
البيضاويّ: الدّعاء الحقّ فإنّه الّذي يحقّ أن يعبد و يدعى إلى عبادته دون غيره،أوله الدّعوة المجابة فإنّ من دعاه أجابه،و يؤيّده ما بعده.و(الحقّ)على الوجهين ما يناقض الباطل،و إضافة الدّعوة إليه لما بينهما من الملابسة،أو على تأويل دعوة المدعوّ الحقّ.
و قيل:(الحقّ)هو اللّه،و كلّ دعاء إليه دعوة الحقّ.
و المراد بالجملتين:إن كانت الآية في(أربد و عامر)أنّ إهلاكهما من حيث لم يشعرا به محال من اللّه،و إجابة لدعوة رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،أو دلالة على أنّه على الحقّ.
و إن كانت عامّة فالمراد:وعيد الكفرة على مجادلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بحلول محاله بهم،و تهديدهم بإجابة دعاء الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم عليهم،أو بيان ضلالهم و فساد رأيهم.
(1:516)
النّيسابوريّ: أي دعوته حقّ لمن دعاه
ص: 107
فيستجيبه،كما قالت السّماوات و الأرض أَتَيْنا طائِعِينَ فصّلت:11،و أيضا له دعاة يدعون الخلق بالحقّ إلى الحقّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ أي بغير الحقّ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إذ لا يؤثّر في الخلق نصحهم كمن يبسط يده إلى الماء إراءة إلى الحقّ أنّه يريد شربه.(13:85)
أبو حيّان :و قيل: دَعْوَةُ الْحَقِّ دعاؤه عند الخوف،فإنّه لا يدعى فيه إلاّ هو،كما قال: ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ الإسراء:67،و قيل:دعوة الطّلب الحقّ،أي مرجوّ الإجابة،و دعاء غير اللّه لا يجاب.
[و نقل قولين للزّمخشريّ و قال:]
و هذا الوجه الثّاني الّذي ذكره الزّمخشريّ لا يظهر، لأنّ مآله إلى تقدير:للّه دعوة اللّه،كما تقول:لزيد دعوة زيد،و هذا التّركيب لا يصحّ.و الّذي يظهر أنّ هذه الإضافة من باب إضافة الموصوف إلى الصّفة،كقوله:
وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109،على أحد الوجهين، و التّقدير:للّه الدّعوة الحقّ بخلاف غيره،فإنّ دعوتهم باطلة،و المعنى:أنّ اللّه تعالى الدّعوة له هي الدّعوة الحقّ.
و لمّا ذكر تعالى جدال الكفّار في اللّه تعالى،و كان جدالهم في إثبات آلهة معه،ذكر تعالى أنّه له الدّعوة الحقّ،أي من يدعو له فدعوته هي الحقّ،بخلاف أصنامهم الّتي جادلوا في اللّه لأجلها،فإنّ دعاءها باطل لا يتحصّل منه شيء،فقال: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ. (5:376)
أبو السّعود :أي الدّعوة الثّابتة الواقعة في محلّها، المجابة عند وقوعها.و الإضافة للإيذان بملابستها للحقّ و اختصاصها به،و كونه بمعزل من شائبة البطلان و الضّياع و الضّلال،كما يقال:كلمة الحقّ.
و قيل:له دعوة اللّه سبحانه،أي الدّعوة اللاّئقة بحضرته،كما في قوله عليه الصّلاة و السّلام:«فمن كانت هجرته إلى اللّه و رسوله،فهجرته إلى اللّه و رسوله».
و التّعرّض لوصف الحقّيّة لتربية معنى الاستجابة.
و الأولى هو الأوّل،لقوله تعالى: وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ الرّعد:14.و تعلّق الجملتين بما قبلهما من حيث إنّ إهلاك(أربد و عامر)محال من اللّه تعالى،و إجابة لدعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عليهما،إن كانت الآية نزلت في شأنهما،أو من حيث إنّه وعيد للكفرة على مجادلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بحلول محاله بهم و تحذير لهم، بإجابة دعوته عليهم.(3:445)
البروسويّ: أي الدّعاء الحقّ،على أن يكون من باب إضافة الموصوف إلى الصّفة.و الدّعوة بمعنى العبادة، و الحقّ بمعنى الحقيق اللاّئق الغير الباطل.و المعنى:أنّ الدّعوة الّتي هي التّضرّع،و العبادة قسمان:ما يكون حقّا و صوابا،و ما يكون باطلا و خطأ،فالّتي تكون حقّا منها مختصّة به تعالى لا يشاركه فيها غيره،أو له الدّعوة المجابة،على أن يكون الحقّ بمعنى الثّابت الغير الضّائع الباطل،فإنّه الّذي يجيب لمن دعاه دون غيره.
قال في«المدارك»:المعنى أنّ اللّه يدعى فيستجيب الدّعوة و يعطي السّائل الدّاعي سؤاله،فكانت دعوة ملابسة لكونه حقيقا بأن يوجّه إليه الدّعاء،بخلاف ما
ص: 108
لا ينفع دعاؤه.(4:355)
نحوه ابن عاشور.(12:158)
الآلوسيّ: أي الدّعاء و التّضرّع الثّابت الواقع في محلّه المجاب عند وقوعه.و الإضافة للإيذان بملابسة الدّعوة للحقّ و اختصاصها به،و كونها بمعزل من شائبة البطلان و الضّلال و الضّياع،كما يقال:كلمة الحقّ، و المراد:أنّ إجابة ذلك له تعالى دون غيره،و يؤيّده ما بعد كما لا يخفى.
و قيل:المراد بدعوة الحقّ:الدّعاء عند الخوف،فإنّه لا يدعى فيه إلاّ اللّه تعالى،كما قال سبحانه: ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ الإسراء:67،و زعم الماورديّ:أنّ هذا أشبه بسياق الآية.
و قيل:الدّعوة بمعنى الدّعاء،أي طلب الإقبال، و المراد به:العبادة للاشتمال،و الإضافة على طرز ما تقدّم.و بعضهم يقول:إنّ هذه الإضافة من إضافة الموصوف إلى الصّفة،و الكلام فيها شهير.و حاصل المعنى:أنّ الّذي يحقّ أن يعبد هو اللّه تعالى دون غيره.
و يفهم من كلام البعض-على ما قيل-أنّ الدّعوة بمعنى الدّعاء و متعلّقها محذوف،أي للعبادة،و المعنى:أنّه الّذي يحقّ أن يدعى إلى عبادته دون غيره.و لا يخفى ما بين المعنيين من التّلازم،فإنّه إذا كانت الدّعوة إلى عبادته سبحانه حقّا،كانت عبادته جلّ شأنه حقّا و بالعكس.
و عن الحسن:أنّ المراد من(الحقّ):هو اللّه تعالى، و هو-كما في«البحر»-ثاني الوجهين اللّذين ذكرهما الزمخشريّ،و المعنى عليه كما قال:له دعوة المدعوّ الحقّ الّذي يسمع فيجيب،و الأوّل ما أشرنا إليه أوّلا،و جعل الحقّ فيه مقابل الباطل.
و بيّن صاحب«الكشف»حاصل الوجهين بأنّ الكلام مسوق لاختصاصه سبحانه،بأن يدعى و يعبد، ردّا لمن يجادل في اللّه تعالى و يشرك به سبحانه الأنداد.
و لا بدّ من أن يكون في الإضافة إشعار بهذا الاختصاص، فإن جعل الحقّ في مقابل الباطل فهو ظاهر،و إن جعل اسما من أسمائه تعالى،كان الأصل للّه دعوته،تأكيدا للاختصاص من اللاّم و الإضافة،ثمّ زيد ذلك بإقامة الظّاهر مقام المضمر معادا بوصف،ينبئ عن اختصاصها به أشدّ الاختصاص،فقيل:له دعوة المدعوّ الحقّ، و الحقّ من أسمائه سبحانه يدلّ على أنّه الثّابت بالحقيقة، و ما سواه باطل من حيث هو،و حقّ بتحقيقه تعالى إيّاه، فيتقيّد بحسب كلّ مقام للدّلالة على أنّ مقابله لا حقيقة له،و إذا كان المدعوّ من دونه بطلانه لعدم الاستجابة، فهو الحقّ الّذي يسمع فيجيب،انتهى.
و بهذا سقط ما قاله أبو حيّان في الاعتراض على الوجه الثّاني من أنّ مآله إلى اللّه دعوة اللّه،و هو نظير قولك لزيد:دعوة زيد،و لا يصحّ ذلك،و استغنى عمّا قال العلاّمة الطّيّبيّ في تأويله:من أنّ المعنى و للّه تعالى الدّعوة الّتي تليق أن تنسب و تضاف إلى حضرته جلّ شأنه،لكونه تعالى سميعا بصيرا كريما لا يخيب سائله، فيجيب الدّعاء،فإنّ ذلك كما ترى قليل الجدوى.
و يعلم ممّا في«الكشف»وجه تعلّق هذه الجملة بما تقدّم.و قال بعضهم:وجه تعلّق هذه و الجملة الّتي قبلها،
ص: 109
أعني قوله تعالى: وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ الرّعد:13، إن كان سبب النّزول قصّة(أربد و عامر)أنّ إهلاكهما من حيث لم يشعرا به محال من اللّه تعالى،و إجابة لدعوة رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،فقد روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام قال:
«اللّهمّ احبسهما عنّي بما شئت»،أو دلالة على رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم على الحقّ.
و إن لم يكن سبب النّزول ذلك فالوجه أنّ ذلك وعيد للكفرة على مجادلتهم الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،بحلول محاله بهم،و تهديدهم بإجابة دعائه عليه الصّلاة و السّلام أن دعا عليهم،أو بيان ضلالتهم و فساد رأيهم في عبادة غير اللّه تعالى،و يعلم ممّا ذكر وجه التّعلّق على بعض التّفاسير إذا قلنا:إنّ سبب النّزول قصّة اليهوديّ أو الحبّار،فتأمّل.(13:123)
القاسميّ: أي الدّعاء الحقّ بالعبادة و التّضرّع و الإنابة،و توجيه الوجه ثابت له تعالى لا لغيره،لأنّه الّذي يجيب المضطرّ و يكشف السّوء،فهو الحقيق بأن يعبد وحده بالدّعاء و الالتجاء.فإضافة الدّعوة للحقّ من إضافة الموصوف للصّفة.
و فيها إيذان بملابستها للحقّ،و اختصاصها به، و كونها بمعزل من شائبة البطلان و الضّياع و الضّلال،كما يقال:كلمة الحقّ.(9:3662)
الطّباطبائيّ: قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ الآية.الدّعاء و الدّعوة:توجيه نظر المدعوّ إلى الدّاعي، و يتأتّى غالبا بلفظ أو إشارة،و الاستجابة و الإجابة:
إقبال المدعوّ على الدّاعي عن دعائه.و أمّا اشتمال الدّعاء على سؤال الحاجة و اشتمال الاستجابة على قضائها، فذلك غاية متمّمة لمعنى الدّعاء،و الاستجابة غير داخلة في مفهوميهما.
نعم؛الدّعاء إنّما يكون دعاء حقيقة إذا كان المدعوّ ذا نظر يمكن أن يوجّه إلى الدّاعي،و ذا جدة و قدرة يمكنه بهما استجابة الدّعاء.و أمّا دعاء من لا يفقه أو يفقه و لا يملك ما ترفع به الحاجة،فليس بحقّ الدّعاء و إن كان في صورته.
و لمّا كانت الآية الكريمة قرّر فيها التّقابل بين قوله:
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ و بين قوله: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلخ-الّذي يذكر أنّ دعاء غيره خال عن الاستجابة،ثمّ يصف دعاء الكافرين بأنّه في ضلال- علمنا بذلك أنّ المراد بقوله: دَعْوَةُ الْحَقِّ الدّعوة الحقّة غير الباطلة،و هي الدّعوة الّتي يسمعها المدعوّ ثمّ يستجيبها البتّة،و هذا من صفاته تعالى و تقدّس،فإنّه سميع الدّعاء قريب مجيب،و هو الغنيّ ذو الرّحمة.و قد قال: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:186، و قال: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60،فأطلق و لم يشترط في الاستجابة،إلاّ أن تتحقّق هناك حقيقة الدّعاء،و أن يتعلّق ذلك الدّعاء به تعالى،لا غير.
فلفظة دَعْوَةُ الْحَقِّ من إضافة الموصوف إلى الصّفة،أو من الإضافة الحقيقيّة بعناية أنّ الحقّ و الباطل كأنّهما يقتسمان الدّعاء،فقسم منه للحقّ،و هو الّذي لا يتخلّف عن الاستجابة،و قسم منه للباطل،و هو الّذي
ص: 110
لا يهتدي إلى هدف الإجابة،كدعاء من لا يسمع أو لا يقدر على الاستجابة.
فهو تعالى لما ذكر في الآيات السّابقة أنّه عليم بكلّ شيء و أنّ له القدرة العجيبة،ذكر في هذه الآية أنّ له حقيقة الدّعاء و الاستجابة،فهو مجيب الدّعاء،كما أنّه عليم قدير،و قد ذكر ذلك في الآية بطريقي الإثبات و النّفي،أعني إثبات حقّ الدّعاء لنفسه و نفيه عن غيره.
أمّا الأوّل فقوله: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ و تقديم الظّرف يفيد الحصر،و يؤيّده ما بعده من نفيه عن غيره.
و أمّا الثّاني فقوله: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ و قد أخبر فيه أنّ الّذين يدعوهم المشركون من دون اللّه لا يستجيبون لهم بشيء،و قد بيّن ذلك في مواضع من كلامه.
فإنّ هؤلاء المدعوّين إمّا أصنام يدعوهم عامّتهم، و هي أجسام ميّتة لا شعور فيها و لا إرادة،و إمّا أرباب الأصنام من الملائكة أو الجنّ و روحانيّات الكواكب و البشر،كما ربّما يتنبّه له خاصّتهم،فهم لا يملكون لأنفسهم ضرّا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا، فكيف بغيرهم و للّه الملك كلّه،و له القوّة كلّها،فلا مطمع عنده غيره تعالى.
ثمّ استثنى من عموم نفي الاستجابة صورة واحدة فقط،و هي ما يشبه مورد المثل المضروب بقوله:
كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ.
فإنّ الإنسان العطشان إذا أراد شرب الماء،كان عليه أن يدنو من الماء،ثمّ يبسط كفّيه،فيغترفه و يتناوله،و يبلغ فاه و يرويه،و هذا هو حقّ الطّلب يبلغ بصاحبه بغيته في هدى و رشاد.و أمّا الظّمآن البعيد من الماء يريد الرّيّ،لكن لا يأتي من أسبابه بشيء،غير أنّه يبسط إليه كفّيه يبلغ فاه،فليس يبلغ البتّة فاه،و ليس له من طلبه إلاّ صورته فقط.
و مثل من يدعو غير اللّه سبحانه مثل هذا الباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه،و ليس له من الدّعاء إلاّ صورته الخالية من المعنى،و اسمه من غير مسمّى،فهؤلاء المدعوّون من دون اللّه لا يستجيبون للّذين يدعونهم بشيء،و لا يقضون حاجتهم إلاّ كما يستجاب لباسط كفّيه إلى الماء،ليبلغ فاه و يقضي حاجته،أي لا يحصل لهم إلاّ صورة الدّعاء،كما لا يحصل لذلك الباسط إلاّ صورة الطّلب بسط الكفّين.
و من هنا يعلم أنّ هذا الاستثناء إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إلخ،لا ينتقض به عموم النّفي في المستثنى منه،و لا يتضمّن إلاّ صورة الاستثناء،فهو يفيد تقوية الحكم في جانب المستثنى منه،فإنّ مفاده أنّ الّذين يدعون من دون اللّه لا يستجاب لهم إلاّ كما يستجاب لباسط كفّيه إلى الماء و لن يستجاب له،و بعبارة أخرى لن ينالوا بدعائهم إلاّ أن لا ينالوا شيئا،أي لن ينالوا شيئا البتّة.
و هذا من لطيف كلامه تعالى،و يناظر من وجه قوله تعالى الآتي: قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا الرّعد:16،و آكد منه كما سيجيء إن شاء اللّه.
ص: 111
و قد تبيّن بما تقدّم:
أوّلا:أنّ قوله: دَعْوَةُ الْحَقِّ المراد به:حقّ الدّعاء،و هو الّذي يستجاب و لا يردّ البتّة،و أمّا قول بعضهم:إنّ المراد كلمة الإخلاص شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،فلا شاهد عليه من جهة السّياق.
و ثانيا:أنّ تقدير قوله: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ إلخ، بإظهار الضّمائر:الّذين يدعوهم المشركون من دون اللّه لا يستجيب أولئك المدعوّون للمشركين بشيء.
(11:316)
عبد الكريم الخطيب :في هذا تسفيه لهؤلاء السّفهاء الّذين يصرفون وجوههم عن اللّه،فلا يدعونه، و لا يلجئون إليه،و هو الحقّ الّذي إذا دعي سمع،و إذا سئل أجاب و أعطى.و لكنّهم يدعون من دونه من لا يسمع و لا يجيب، وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ الأحقاف:5.
(7:85)
مكارم الشّيرازيّ: قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ فهو يستجيب لدعواتنا،و هو عالم بدعاء العباد و قادر على قضاء حوائجهم،و لهذا السّبب يكون دعاؤنا إيّاه و طلبنا منه حقّا،و ليس باطلا.(7:322)
فضل اللّه : لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ بما يوحيه إلى رسله من فكر يلتزم به النّاس،و عمل يقومون به،و منهج يتّبعونه،و مفاهيم يحملونها،و شريعة يسيرون عليها على أساس الحقّ،دون أن يترك أيّة ثغرة تحدث فراغا في أفكارهم و مشاعرهم و خطواتهم العمليّة في الحياة.
و هكذا تكون الاستجابة للّه استجابة للحقّ في كلّ شيء، و انطلاقة في الصّراط المستقيم الّذي لا يقترب إليه الانحراف،لأنّ الباطل إنّما يكون نتيجة فقدان الوضوح في الرّؤية،أو نتيجة عقدة ضعف تحرّكها حالة رغبة،أو رهبة تستغلّ الباطل في الوصول و الهروب.(13:32)
36- قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ.
الحجر:55
ابن عبّاس: بالولد.(219)
يريد بما قضاه اللّه تعالى.(الفخر الرّازيّ 19:197)
الطّبريّ: بشّرناك بحقّ يقين،و علم منّا بأنّ اللّه قد وهب لك غلاما عليما.(14:40)
الماورديّ: أي بالصّدق،إشارة منهم إلى أنّه عن اللّه تعالى.(3:164)
نحوه البغويّ.(3:61)
الميبديّ: أي بالصّدق،و قيل:بأمر اللّه.
(5:322)
الزّمخشريّ: يحتمل أن تكون الباء فيه صلة،أي بشّرناك باليقين الّذي لا لبس فيه،أو بشّرناك بطريقة هي حقّ،و هي قول اللّه و وعده،و أنّه قادر على أن يوجد ولدا من غير أبوين،فكيف من شيخ فان و عجوز عاقر؟.(2:393)
نحوه النّيسابوريّ(14:28)،و الآلوسيّ(14:
62).
الطّبرسيّ: إنّا بشّرناك بذلك على وجه الحقيقة
ص: 112
بأمر اللّه.(3:340)
ابن الجوزيّ: أي بما قضى اللّه أنّه كائن.
(4:406)
الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّ اللّه تعالى قضى أن يخرج من صلب إبراهيم إسحاق عليه السّلام،و يخرج من صلب إسحاق مثل ما أخرج من صلب آدم،فإنّه تعالى بشّر بأنّه يخرج من صلب إسحاق أكثر الأنبياء،فقوله:
(بالحقّ)إشارة إلى هذا المعنى.(19:197)
القرطبيّ: أي بما لا خلف فيه،و أنّ الولد لا بدّ منه.
(10:34)
البيضاويّ: بما يكون لا محالة،أو باليقين الّذي لا لبس فيه،أو بطريقة هي حقّ،و هو قول اللّه تعالى و أمره.(1:543)
مثله أبو السّعود(4:25)،و نحوه البروسويّ(4:
474).
الطّباطبائيّ: الباء في(بالحقّ)للمصاحبة،أي إنّ بشارتنا ملازمة للحقّ غير منفكّة منه،فلا تدفعها بالاستبعاد،فتكون من القانطين من رحمة اللّه.
(12:181)
عبد الكريم الخطيب :و كان هذا الجواب تصحيحا لمشاعر إبراهيم نحو الولد،و أنّه إذا لم يكن هو الّذي يطلب الولد بعد هذا العمر الّذي بلغه،فإنّ إرادة اللّه هي الّتي جاءت بهذا الولد في هذا الوقت و في هذه المرحلة من العمر،و ذلك هو الحقّ الّذي لا بدّ أن يقع، و من ثمّ كان وقوعه في هذا الوقت هو أنسب الأوقات، حسب تقدير اللّه،و كان تأخيره إلى هذا الوقت لحكمة يعلمها اللّه،و إن خفيت على إبراهيم،و غاب عنه ما وراءها من خير.(7:243)
مكارم الشّيرازيّ: فهي بشارة من اللّه و بأمره، فهي حقّ مسلّم به.(8:80)
فضل اللّه :الّذي انطلق من وحي اللّه و إرادته، و قدرته الّتي يتّسع لها كلّ شيء.(13:168)
37- وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً. الإسراء:81
ابن عبّاس: محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بالقرآن.(240)
إنّ الحقّ:الإسلام،و الباطل:الشّرك.
(ابن الجوزيّ 5:78)
مثله السّدّيّ.(الثّعلبيّ 6:128)
قتادة :الحقّ:القرآن.(الطّبريّ 15:152)
مثله مجاهد.(القرطبيّ 10:315)
مقاتل:إنّ الحقّ:عبادة اللّه،و الباطل:عبادة الأصنام.(الماورديّ 3:267)
ابن جريج:دنا القتال.(الطّبريّ 15:152)
الطّبريّ: [تقدّم كلامه في:ب ط ل:«الباطل» فلاحظ.](15:152)
إنّ الحقّ:الجهاد،و الباطل:الشّرك.
(الماورديّ 3:267)
الثّعلبيّ: و قيل:الحقّ دين الرّحمن،و الباطل الأوثان.(6:128)
ص: 113
مثله البغويّ.(3:157)
الطّوسيّ: يعني التّوحيد،و خلع الأنداد،و العبادة للّه وحده لا شريك له.(6:512)
الميبديّ: أي الإسلام و الدّين.(5:611)
نحوه الزّمخشريّ(2:463)،و الطّبرسيّ(3:
435)،و النّيسابوريّ(15:71)،و البيضاويّ(1:
595).
ابن عطيّة: قالت فرقة:الحقّ:الإيمان.و الباطل:
الكفر.(3:480)
الفخر الرّازيّ: و هو دينه و شرعه.(21:33)
الشّربينيّ: و هو ما أمرني به ربّي،و أنزله إليّ.
(2:330)
أبو السّعود :أي الإسلام و الوحي الثّابت الرّاسخ.
(4:153)
البروسويّ: الإسلام و القرآن.(5:194)
الآلوسيّ: الإسلام و الدّين الثّابت الرّاسخ.
و الجملة عطف على جملة(قل)أوّلا،و احتمال أنّها من مقول القول الأوّل،لما فيها من الدّلالة على الاستجابة في غاية البعد.(15:144)
القاسميّ: و هو الوعد بالسّلطان النّصير و الإسلام و دولته.(10:3975)
ابن عاشور :و مجيء الحقّ مستعمل مجازا في إدراك النّاس إيّاه و علمهم به،و انتصار القائم به على معاضديه، تشبيها للشّيء الظّاهر بالشّيء الّذي كان غائبا فورد جائيا.(14:148)
مكارم الشّيرازيّ: نواجه في الآيات قبلها أصلا تامّا،و أساسا آخر،و سنّة إلهيّة خالدة؛حيث تزرع الأمل في قلوب أنصار الحقّ.هذا الأصل هو أنّ عاقبة الحقّ الانتصار و عاقبة الباطل الاندحار،و أنّ للباطل صولة و دولة،و برق و رعد،و له كرّ و فرّ،إلاّ أنّ عمره قصير،و في النّهاية يكون مآله السّقوط و الزّوال الباطل، كما يقول القرآن: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ الرّعد:17.
و الدّليل على هذا الموضوع كامن في باطن كلمة الباطل؛حيث إنّه لا يتّفق مع القوانين العامّة للوجود، و ليس له من رصيد من الواقعيّة و الحقيقة.
إنّ الباطل شيء مصنوع و مزوّر،و ليس له جذور أجوف،و الأشياء الّتي لها صفات كهذه-عادة-لا يمكنها البقاء طويلا.أمّا الحقّ فله أبعاد و جذور متناسقة مع قوانين الخلق و الوجود،و مثله ينبغي أن يبقى.
أنصار الحقّ يعتمدون سلاح الإيمان،منطقهم الوفاء بالعهد،و صدق الكلام،و التّضحية،و هم مستعدّون أن يفدوا أنفسهم حتّى الاستشهاد في سبيله،قلوبهم منوّرة بنور المعرفة،لا يخافون أحدا سوى اللّه،و لا يعتمدون إلاّ عليه،و هذا هو سرّ انتصارهم.
في بعض الرّوايات تمّ تفسير قوله: جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ بقيام دولة المهديّ عليه السّلام،فالإمام الباقر يبيّن أنّ مفهوم الكلام الإلهيّ هو:«إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل».
و في رواية أخرى نقرأ أنّه حينما ولد المهديّ عليه السّلام كان
ص: 114
مكتوبا على عضده قوله تعالى: جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.
إنّ مفهوم هذه الأحاديث لا يحصر المعنى الواسع للآية بهذا المصداق،بل إنّ ثورة المهديّ عليه السّلام و نهضته هي من أوضح المصاديق؛حيث تكون نتيجتها الانتصار النّهائيّ للحقّ على الباطل في كلّ العالم.
و بالنّسبة للرّسول صلّى اللّه عليه و آله نقرأ أنّه صلّى اللّه عليه و آله دخل في يوم فتح مكّة،المسجد الحرام،و حطّم(360)صنما كانت لقبائل العرب،و كانت موضوعة حول فناء الكعبة، و كان صلّى اللّه عليه و آله يحطّمها الواحد تلو الآخر بعصاه،و هو يقول:
جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.
و خلاصة القول:أنّ حقيقة انتصار الحقّ و انهزام الباطل هي تعبير عن قانون عامّ لا يمكن لأيّ عصر التّخلّف عنه،و انتصار الرّسول صلّى اللّه عليه و آله على الشّرك و الأصنام،و نهضة المهديّ عليه السّلام الموعودة و انتصاره على الظّالمين في العالم،هما من أوضح المصاديق على القانون العامّ هذا.
و هذا القانون العامّ يبعث الأمل في نفوس أهل الحقّ، و يعطيهم القوّة على مواجهة مشاكل الطّريق في عملهم و مسيرهم الإسلاميّ.(9:87)
فضل اللّه :أي إعلان الحقيقة على النّاس دون خوف،لأنّ مسألة إثارة الحقّ في وعي النّاس لا يمكن أن تخضع لعوامل الإخفاء،بل لا بدّ من التّأكيد على الموقف في ساحة التّحدّي،ليعرف النّاس كيف يواجهون الحياة من مواقعه،لئلاّ يضيعوا في غمار الضّلال،و هذا ما جعل الأنبياء ينطلقون في دعوتهم للإيمان باللّه و السّير في طريقه،بكلّ قوّة و إصرار و معاناة،و يتحمّلون في سبيل ذلك كلّ الصّعوبات،و يقدّمون أعلى التّضحيات حتّى فقد الكثيرون حياتهم من أجله.
إنّه الإعلان المتحدّي،لقد جاء الحقّ،و دخل السّاحة،و سيفرض نفسه عليها،و سيواجه كلّ الأعداء، و سيهجم على كلّ المواقع،بكلّ أدواته و أساليبه و خطواته العمليّة،و زهق الباطل و هلك،لأنّ الحقّ سوف يفضح كلّ نقاط ضعفه،و سيكشف عن كلّ الزّيف الّذي يختبئ داخله،و عن كلّ السّحر الزّائف الّذي يبرز ملامحه بطريقة خادعة،و سيواجه كلّ قواه،و سيسقطه و ينتصر عليه،مهما امتدّ الزّمن،و مهما ارتكبت المواقف و اهتزّت المواقع،فإنّ الحقيقة ستفرض نفسها،و لو بطريقة متحرّكة،تتقدّم حينا و تتأخّر حينا آخر.
(14:208)
تقدّم بعض النّصوص في ب ط ل:«الباطل» فلاحظ.
38- بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً. الإسراء:105
ابن عبّاس: بالقرآن أنزلنا جبريل على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، بِالْحَقِّ نَزَلَ بالقرآن نزل.(242)
أبو سليمان الدّمشقيّ: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ أي بالتّوحيد، وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يعني بالوعد و الوعيد و الأمر و النّهي.(ابن الجوزيّ 5:96)
ص: 115
الطّبريّ: و بالحقّ أنزلنا هذا القرآن،يقول:أنزلناه نأمر فيه بالعدل و الإنصاف و الأخلاق الجميلة،و الأمور المستحسنة الحميدة،و ننهى فيه عن الظّلم و الأمور القبيحة و الأخلاق الرّديئة،و الأفعال الذّميمة.
وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يقول:و بذلك نزل من عند اللّه، على نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(15:177)
نحوه الطّوسيّ.(6:530)
الماورديّ: قوله عزّ و جلّ: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ يحتمل وجهين:أحدهما:أنّ إنزاله حقّ،الثّاني:أنّ ما تضمّنه من الأوامر و النّواهي و الوعد و الوعيد حقّ.
وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يحتمل وجهين:أحدهما:
و بوحينا نزل،الثّاني:على رسولنا نزل.(3:279)
البغويّ: يعني القرآن.(3:167)
الميبديّ: أي أنزلنا القرآن بالحقّ غير الباطل.
و قيل:ما يتضمّنه حقّ،أي صدق و عدل،يعني أنزلناه بالدّين القائم و الأمر الثّابت.
وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يعني و بمحمّد نزل القرآن،أي عليه نزل،كما تقول:نزلت بزيد يعني على زيد.
و قيل:الحقّ الأوّل:الحقيقة،و الثّاني:المستحقّ، أي أتاكم بما تستحقّونه.(5:631)
الزّمخشريّ: و ما أنزلنا القرآن إلاّ بالحكمة المقتضية لإنزاله،و ما نزل إلاّ ملتبسا بالحقّ و الحكمة، لاشتماله على الهداية إلى كلّ خير،أو ما أنزلناه من السّماء إلاّ بالحقّ محفوظا بالرّصد من الملائكة.و ما نزل على الرّسول إلاّ محفوظا بهم من تخليط الشّياطين.(2:469)
ابن عطيّة:قال الزّهراويّ: معناه بالواجب الّذي هو المصلحة و السّداد للنّاس.(بالحقّ)في نفسه، و قوله: وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يريد بالحقّ في أوامره و نواهيه و أخباره،فبهذا التّأويل يكون تكرار اللّفظ لمعنى غير الأوّل.
و ذهب الطّبريّ إلى أنّهما بمعنى واحد،أي بأخباره و أوامره و بذلك نزل.(3:490)
الطّبرسيّ: معناه:و بالحقّ أنزلنا القرآن عليك.
وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ القرآن،و تأويله:أردنا بإنزال القرآن:القرآن الحقّ،و الصّواب و هو أن يؤمن به و يعمل بما فيه،و نزل بالحقّ لأنّه يتضمّن الحقّ و يدعو إلى الحقّ.(3:444)
ابن الجوزيّ: الهاء كناية عن القرآن،و المعنى:
أنزلنا القرآن بالأمر الثّابت و الدّين المستقيم،فهو حقّ، و نزوله حقّ،و ما تضمّنه حقّ.(5:96)
الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّه ما أردنا بإنزاله إلاّ تقرير الحقّ و الصّدق،و كما أردنا هذا المعنى،فكذلك وقع هذا المعنى و حصل.
و في هذه الآية فوائد:
الفائدة الأولى:أنّ الحقّ هو الثّابت الّذي لا يزول، كما أنّ الباطل هو الزّائل الذّاهب،و هذا الكتاب الكريم مشتمل على أشياء لا تزول؛و ذلك لأنّه مشتمل على دلائل التّوحيد و صفات الجلال و الإكرام،و على تعظيم الملائكة و تقرير نبوّة الأنبياء،و إثبات الحشر و النّشر و القيامة،و كلّ ذلك ممّا لا يقبل الزّوال،و مشتمل أيضا
ص: 116
على شريعة باقية لا يتطرّق إليها النّسخ و النّقض و التّحريف.
و أيضا فهذا الكتاب كتاب تكفّل اللّه بحفظه عن تحريف الزّائغين و تبديل الجاهلين،كما قال: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،فكان هذا الكتاب حقّا من كلّ الوجوه.
الفائدة الثّانية:أنّ قوله: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ يفيد الحصر،و معناه أنّه ما أنزل لمقصود آخر سوى إظهار الحقّ.و قالت المعتزلة:و هذا يدلّ على أنّه ما قصد بإنزاله إضلال أحد من الخلق،و لا إغراؤه و لا منعه عن دين اللّه.
الفائدة الثّالثة قوله: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يدلّ على أنّ الإنزال غير النّزول،فوجب أن يكون الخلق غير المخلوق،و أن يكون التّكوين غير المكوّن،على ما ذهب إليه قوم.
الفائدة الرّابعة:قال أبو عليّ الفارسيّ: الباء في قوله:
وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ بمعنى«مع»كما تقول:نزل بعدّته و خرج بسلاحه،و المعنى أنزلنا القرآن مع الحقّ.
و قوله: وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ فيه احتمالان:
أحدهما:أن يكون التّقدير:نزل بالحقّ،كما تقول:
نزلت بزيد،و على هذا التّقدير:الحقّ محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّ القرآن نزل به،أي عليه.
الثّاني:أن تكون بمعنى«مع»كما قلنا في قوله:
وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ. (21:68)
القرطبيّ: هذا متّصل بما سبق من ذكر المعجزات و القرآن،و الكناية ترجع إلى القرآن.و وجه التّكرير في قوله: وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يجوز أن يكون معنى الأوّل:
أوجبنا إنزاله بالحقّ.و معنى الثّاني:و نزل و فيه الحقّ، كقوله:خرج بثيابه،أي و عليه ثيابه.
و قيل:الباء في(و بالحقّ)الأوّل،بمعنى«مع»أي مع الحقّ،كقولك:ركب الأمير بسيفه،أي مع سيفه.
وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ أي بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،أي نزل عليه،كما تقول:نزلت بزيد.
و قيل:يجوز أن يكون المعنى:و بالحقّ قدّرنا أن ينزل،و كذلك نزل.(10:339)
النّيسابوريّ: و لمّا بيّن إعجاز القرآن و أجاب عن شبهات القوم،أراد أن يعظّم شأن القرآن و يذكر جلالة قدره،فقال: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ التّقديم للتّخصيص، أي ما أردنا بإنزاله إلاّ تقرير الحقّ في مركزه،و تمكين الصّواب في نصابه.[و نقل قول الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ و قال بعد صفحات:]
وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ لأنّ الأرواح المتعلّقة بالعالم السّفليّ احتاجت في الرّجوع إلى عالم العلوّ إلى حبل متين هو القرآن،كقوله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ آل عمران:
103، وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ التّميّز بين أهل السّعادة و الشّقاوة بالاتّباع و عدمه.(15:91-95)
أبو حيّان :و بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ هو مردود على قوله: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ... الإسراء:88، و هكذا طريقة كلام العرب و أسلوبها تأخذ في شيء و تستطرد منه إلى شيء آخر،ثمّ إلى آخر،ثمّ تعود إلى ما
ص: 117
ذكرته أوّلا.
و أبعد من ذهب إلى أنّ الضّمير في أنزلناه عائد على موسى عليه السّلام،و جعل منزلا،كما قال: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ الحديد:25،أو عائد على الوعد المذكور قبله[و نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]
و قد يكون وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ توكيدا من حيث المعنى لما كان،يقال:أنزلته فنزل و أنزلته فلم ينزل،إذا عرض له مانع من نزوله،جاء وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ مزيلا لهذا الاحتمال و مؤكّدا حقيقة، وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ و إلى معنى التأكيد نحا الطّبريّ.(6:87)
الشّربينيّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]
(و بالحقّ)لا بغيره(نزل)هو و وصل إليهم على لسانك بعد إنزاله عليك،كما أنزلناه سواء غضّا طريّا محفوظا لم يطرأ عليه طارئ،فليس فيه من تحريف و لا تبديل،كما وقع في كتاب اليهود الّذين سألهم قومك.
(2:343)
أبو السّعود :أي و ما أنزلنا القرآن إلاّ ملتبسا بالحقّ المقتضي لإنزاله،و ما نزل إلاّ ملتبسا بالحقّ الّذي اشتمل عليه،أو ما أنزلناه من السّماء إلاّ محفوظا،و ما نزل على الرّسول إلاّ محفوظا من تخليط الشّياطين،و لعلّ المراد بيان عدم اعتراء البطلان له أوّل الأمر و آخره.(4:162)
البروسويّ: أي و ما أنزلنا القرآن إلاّ ملتبسا بالحقّ المقتضي لإنزاله،و ما نزل إلاّ ملتبسا بالحقّ الّذي اشتمل عليه.فالمراد(بالحقّ)في كلّ من الموضعين معنى يغاير الآخر،فلا يرد أنّ الثّاني تأكيد للأوّل.[إلى أن قال:]
و في«التّأويلات النّجميّة»:إنزال القرآن كان بالحقّ لا بالباطل،و ذلك لأنّه تعالى لمّا خلق الأرواح المقدّسة في أحسن تقويم،ثمّ بالنّفخة ردّه إلى أسفل سافلين و هو القالب الإنسانيّ،احتاجت الأرواح في الرّجوع إلى أعلى علّيّين،قرب الحقّ و جواره إلى حبل تعتصم به في الرّجوع،فأنزل اللّه القرآن و هو حبله المتين،و قال:
وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً آل عمران:103.
وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ ليضلّ به أهل الشّقاوة،و بالرّدّ و الجحود و الامتناع عن الاعتصام به،و يبقى في الأسفل حكمة بالغة منه،و يهدي به أهل السّعادة بالقبول و الإيمان و الاعتصام به،و التّخلّق بخلقه،إلى أن يصل به إلى كمال قربه فيعتصموا،كما قال: وَ اعْتَصِمُوا بِاللّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ الحجّ:78.(5:209)
الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان و أضاف:]
و الظّاهر أنّ الباء في الموضعين للملابسة،و الجارّ و المجرور في موضع الحال من ضمير القرآن،و احتمال أن يكون أوّلا حالا من ضميره تعالى خلاف الظّاهر، و المراد(بالحقّ)الأوّل على ما قيل:الحكمة الإلهيّة المقتضية لإنزاله،و بالثّاني:ما اشتمل عليه من العقائد و الأحكام و نحوها،أي ما أنزلناه إلاّ ملتبسا بالحقّ المقتضي لإنزاله،و ما نزل إلاّ ملتبسا بالحقّ الّذي اشتمل عليه.
و قيل:الباء الأولى للسّببيّة متعلّقة بالفعل«بعد» و الثّانية للملابسة،و قيل:هما للسّببيّة فيتعلّقان بالفعل.
ص: 118
[ثمّ نقل قول أبي سليمان الدّمشقيّ و قول أبي السّعود و قال:]
و حاصله أنّه محفوظ حال الإنزال و حال النّزول، و ما بعده لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.
و أبعد من جوّز كون المراد(بالحقّ)الثّاني:النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و معنى نزوله به نزوله عليه و حلوله عنده،من قولهم:
نزل بفلان ضيف.و على سائر الأوجه لا تخفى فائدة ذكر الجملة الثّانية بعد الأولى،و ما يتوهّم من التّكرار مندفع.
و نحا الطّبريّ إلى أنّ الجملة الثّانية توكيد للأولى من حيث المعنى،لأنّه يقال:أنزلته فنزل،و أنزلته فلم ينزل،إذا عرض له مانع من النّزول،فجاءت الجملة الثّانية مزيلة لهذا الاحتمال.
و تحاشى بعضهم من إطلاق التّوكيد لما بين الإنزال و النّزول من المغايرة،و ادّعى أنّه لو كانت الثّانية توكيدا للأولى،لما جاز العطف لكمال الاتّصال.(15:187)
القاسميّ: أي بالحقيقة أنزلناه كتابا من لدنّا فأين تذهبون؟كما قال تعالى: لكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ النّساء:166.
وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ أي متلبّسا بالحقّ الّذي هو ثبات نظام العالم على أكمل الوجوه،و هو ما اشتمل عليه من العقائد و الأحكام و محاسن الأخلاق،و كلّ ما خالف الباطل،كقوله تعالى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ فصّلت:42.(10:4009)
الطّباطبائيّ: لمّا فرغ من التّنظير رجع إلى ما كان عليه من بيان حال القرآن و ذكر أوصافه،فذكر أنّه أنزله إنزالا مصاحبا للحقّ،و قد نزل هو من عنده نزولا مصاحبا للحقّ،فهو مصون من الباطل من جهة من أنزله،فليس من لغو القول و هذره،و لا داخله شيء يمكن أن يفسده يوما،و لا شاركه فيه أحد حتّى ينسخه في وقت من الأوقات.
و ليس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلاّ رسولا منه تعالى يبشّر به و ينذر،و ليس له أن يتصرّف فيه بزيادة أو نقيصة،أو يتركه كلاّ أو بعضا باقتراح من النّاس،أو هوى من نفسه،أو يعرض عنه فيسأل اللّه آية أخرى فيها هواه أو هوى النّاس،أو يداهنهم فيه أو يسامحهم في شيء من معارفه و أحكامه،كلّ ذلك لأنّه حقّ صادر عن مصدر حقّ،و ما ذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال.(13:220)
مكارم الشّيرازيّ: عشّاق الحقّ.
مرّة أخرى يشير القرآن العظيم إلى أهمّيّة و عظمة هذا الكتاب السّماويّ،و يجيب على بعض ذرائع المعارضين،في البداية تقول الآيات: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ثمّ تضيف بلا أدنى فاصلة وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ، ثمّ تقول: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً إذ ليس لك الحقّ في تغيير محتوى القرآن.
لقد ذكر المفسّرون آراء مختلفة في الفرق بين الجملة الأولى وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ و الجملة الثّانية وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ منها:
1-تقدير الجملة الأولى:إنّنا قدّرنا أن ينزل القرآن الآن بالحقّ.بينما تضيف الجملة الثّانية أنّ هذا الأمر أو التّقدير قد تحقّق،لذا فإنّ التّعبير الأوّل يشير إلى التّقدير
ص: 119
بينما يشير الثّاني إلى مرحلة الفعل و التّحقيق.
2-الجملة الأولى تشير إلى أنّ مادّة القرآن و محتواه هو الحقّ،أمّا التّعبير الثّاني فإنّه يبيّن أنّ نتيجته و ثمرته هي الحقّ أيضا.
3-الرّأي الثّالث:يرى أنّ الجملة الأولى تقول:إنّنا نزّلنا هذا القرآن بالحقّ بينما الثّانية تقول:لأنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله لم يتدخّل في الحقّ و لم يتصرّف به،لذا فقد نزل بالحقّ.
و ثمّة احتمال آخر قد يكون أوضح من هذه التّفاسير،و هو أنّ الإنسان قد يبدأ في بعض الأحيان بعمل ما،و لكنّه لا يستطيع إتمامه بشكل صحيح؛و ذلك بسبب من ضعفه،أمّا بالنّسبة للشّخص الّذي يعلم بكلّ شيء و يقدر على كلّ شيء،فإنّه يبدأ بداية صحيحة، و ينهي العمل نهاية صحيحة.
و كمثال على ذلك:نرى أنّ الإنسان قد يرى ماء صافيا ينبع من عين،و لكن خلال مسير هذا الماء لا يستطيع الإنسان أن يحافظ على صفاء هذا الماء و نظافته،أو أن يمنعه من التّلوّث لذلك،فإنّ هذا الماء يصل في هذه الحالة إلى الآخرين و هو ملوّث،إلاّ أنّ الشّخص المحيط بالأمور،يبقي الماء صافيا و يبقيه بعيدا عن عوامل التّلوّث،حتّى يصل إلى العطاشى و المحتاجين له.
القرآن كتاب نزل بالحقّ من قبل الخالق،و هو محفوظ في جميع مراحله،سواء في المرحلة الّتي كان الوسيط فيها جبرائيل الأمين،أو المرحلة كان الرّسول فيها هو المتلقّي،و بمرور الزّمن لم تستطع يد التّحريف و التّزوير أن تمتدّ إليه بمقتضى قوله تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،فاللّه هو الّذي يتكفّل حمايته و حراسته.
لذا فإنّ هذا الماء النّقيّ الصّافي و الوحي الإلهيّ القويم لم يغيّر أو يحرّف منذ عصر الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و حتّى نهاية العالم.(9:151)
فضل اللّه : وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ فقد أراده اللّه أن يكون مصدرا للحقيقة في حياة الإنسان،من خلال ما يمثّله من فكر و منهج و تشريع ليركز الوعي على أساس ثابت قويّ لا يهتزّ و لا يزول،فليس هناك عبث و لا لغو و لا باطل في أيّ موقع من مواقعه،لأنّ اللّه هو الحقّ،و لا يمكن أن يصدر منه إلاّ الحقّ الّذي تلتقي فيه الوسيلة بالهدف،و النّظريّة بالتّطبيق في انسجام كامل.
وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ و ذلك من خلال ما يبلّغه الرّسول من آياته بكلّ صدق و أمانة،فلا يضيف إليه منه أيّة كلمة مهما كانت،لأنّ دوره هو دور المبلّغ الّذي لا يملك الحقّ في أي تغيير بالنّصّ الموحى به من اللّه سبحانه، و هكذا نزل بالحقّ في ما كان يريد أن يؤكّده من مبادئ و أفكار،أو يحقّقه من مواقف و مواقع و أوضاع.و قد أراد اللّه للقرآن أن يثبّت الحقّ في الحياة و في الإنسان،و كان اللّه ما أراد في حركة القرآن في خطّ التّبليغ و الحركة و الواقع.
و إذا كان القرآن قد أكّد الحقّ،كأساس للخطّ الّذي يتحرّك فيه الإنسان من خلال المضمون الفكريّ
ص: 120
و التّشريعيّ و العمليّ،فلا بدّ لنا من أن نستوحي ذلك في كلّ أوضاعنا العامّة و الخاصّة،على مستوى الكلمات و المشاريع و العلاقات و الخلقيّات النّفسيّة لذلك كلّه،فلا مجال للباطل في شخصيّة الإنسان المسلم الّذي يعتبر القرآن دستورا له،و عنوانا لحركته في الحياة،ممّا يفرض العمل على التّوازن في التّخطيط التّربويّ،على صعيد صنع الشّخصيّة الإنسانيّة.(14:248)
39- هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً. الكهف:44
ابن عبّاس: (الحقّ):العدل.(248)
الفرّاء: رفع من نعت اَلْوَلايَةُ. و في قراءة أبيّ هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ و إن شئت خفضت تجعله من نعت(اللّه)،و اَلْوَلايَةُ: الملك،و لو نصبت (الحقّ)على معنى حقّا كان صوابا.(2:145)
الطّبريّ: و اختلفوا في قراءة قوله:(الحقّ)،فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة و العراق خفضا،على توجيهه إلى أنّه من نعت اللّه،و إلى أنّ معنى الكلام:هنالك الولاية للّه الحقّ ألوهيّته،لا الباطل بطول ألوهيّته الّتي يدعونها المشركون باللّه آلهة.و قرأ ذلك بعض أهل البصرة و بعض متأخّري الكوفيّين (للّه الحقّ) برفع الحقّ، توجيها منهما إلى أنّه من نعت اَلْوَلايَةُ و معناه:هنالك الولاية الحقّ،لا الباطل،للّه وحده لا شريك له.
و أولى القراءتين عندي في ذلك بالصّواب،قراءة من قرأه خفضا،على أنّه من نعت اللّه،و أنّ معناه ما و صفت،على قراءة من قرأه كذلك.(15:251)
الزّجّاج: و تقرأ (الولاية) -بكسر الواو و فتحها- لِلّهِ الْحَقِّ، و تقرأ (الحقّ) .المعنى في مثل تلك الحال بيان الولاية للّه،أي عند ذلك يتبيّن نصره-وليّ اللّه- يتولّى اللّه إيّاه.
فمن قرأ (الحقّ) بالرّفع فهو نعت ل(الولاية)،و من قرأ (الحقّ) بالجرّ فهو نعت(للّه)جلّ و عزّ.و يجوز (الحقّ)و لا أعلم أحدا قرأ بها،و نصبه على المصدر في التّوكيد،كما تقول:هنالك الحقّ،أي أحقّ الحقّ.
(3:289)
العكبريّ: و(الحقّ)بالرّفع:صفة(الولاية)،أو خبر مبتدإ محذوف،أي هي الحقّ،أو هو الحقّ.
و يجوز أن يكون مبتدأ،و هُوَ خَيْرٌ خبره،و يقرأ بالجرّ نعتا للّه تعالى.(2:849)
الطّوسيّ: قوله:(الحقّ)من خفض قال:(الحقّ) هو اللّه،فخفضه نعتا(للّه).و احتجّ بقراءة ابن مسعود (هنالك الولاية للّه و هو الحقّ) و في قراءة أبيّ (هنالك الولاية الحقّ للّه) .
و من رفع جعله نعتا ل(الولاية)،و أجاز الكوفيّون و البصريّون النّصب بمعنى أحقّ ذلك حقّا.و(الحقّ):
اليقين بعد الشّكّ.(7:49)
القشيريّ: هو الحقّ المتفرّد بنعت ملكوته، لا يشرك في جلال سلطانه من الحدثان أحدا،و إذا بدا من سلطان الحقيقة شظية فلا دعوى و لا معنى لبشر،و لا وزن فيما هنالك لحدثان و لا خطر،كلاّ بل هو اللّه الخلاّق
ص: 121
الواحد القهّار.(4:69)
الميبديّ: (الحقّ) بالرّفع قراءة أبي عمرو و الكسائيّ،على أنّه صفة ل(الولاية)يعني ولاية اللّه حقّ،و الباقون قرءوا بخفض،على أنّه صفة اللّه تعالى، أي الولاية للّه الحقّ، لِلّهِ الْحَقِّ أي للّه ذي الحقّ،كما قالوا:رجل عدل و رضى أي ذو عدل و ذو رضى.
(5:694)
نحوه ابن عطيّة(3:519)،و القرطبيّ(10:411).
الزّمخشريّ: و قرئ (الحقّ) بالرّفع و الجرّ صفة ل(الولاية)و(للّه).و قرأ عمرو بن عبيد بالنّصب على التّأكيد،كقولك:هذا عبد اللّه الحقّ لا الباطل،و هي قراءة حسنة فصيحة،و كان عمرو بن عبيد من أفصح النّاس و أنصحهم.(2:486)
أبو حيّان :و قرأ النّحويّان و حميد و الأعمش و ابن أبي ليلى و ابن مناذر و اليزيديّ و ابن عيسى الأصبهانيّ (الحقّ)برفع القاف صفة ل(الولاية)،و قرأ باقي السّبعة بخفضها وصفا(للّه)تعالى،و قرأ أبيّ (هنالك الولاية الحقّ للّه)برفع(الحقّ) صفة ل(الولاية)و تقديمها على قوله:
(للّه)،و قرأ أبو حيوة و زيد بن عليّ و عمرو بن عبيد و ابن أبي عبلة و أبو السّمال و يعقوب عن عصمة عن أبي عمرو (للّه الحقّ)بنصب القاف.(6:131)
نحوه الآلوسيّ.(15:285)
الشّربينيّ: قرأه أبو عمرو و الكسائيّ برفع القاف على الاستئناف و القطع تعليلا،تنبيها على أنّ فزعهم في مثل هذه الأزمان إليه تعالى دون غيره برهان قاطع، على أنّه الحقّ و ما سواه باطل،و أنّ الفخر بالعرض الزّائل من أجهل الجهل،و أنّ المؤمنين لا يصيبهم فقر و لا يسوغ طردهم لأجله،و أنّه يوشك أن يعود فقرهم غنى و ضعفهم قوّة.
و قرأه الباقون بخفضها على الوصف،أي الثّابت الّذي لا يحول يوما و لا يزول،و لا يغفل ساعة و لا ينام، و لا ولاية لغيره بوجه.(2:379)
ابن عاشور :[ذكر القراءات و أضاف:]
قال حجّة الإسلام:و الواجب بذاته هو الحقّ مطلقا؛ إذ هو الّذي يستبين بالعقل أنّه موجود حقّا،فهو من حيث ذاته يسمّى موجودا و من حيث إضافته إلى العقل الّذي أدركه على ما هو عليه يسمّى حقّا.
و بهذا يظهر وجه وصفه هنا بالحقّ دون وصف آخر،لأنّه قد ظهر في مثل تلك الحال،أنّ غير اللّه لا حقيقة له أو لا دوام له.(15:74)
فضل اللّه :فهو المالك لكلّ شيء من الأرض و الإنسان و الحياة،فهو الّذي يملك الأمر كلّه و التّدبير كلّه،و هو الحقّ الثّابت الّذي لا ثبوت و لا وجود إلاّ له.
(14:333)
و تمام الكلام سيأتي في و ل ي:«الولاية».
40- ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. مريم:34
ابن عبّاس: خبر الحقّ.(255)
الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:
ص: 122
أحدها:أنّ الحقّ هو اللّه تعالى.
الثّاني:عيسى و سمّاه حقّا،لأنّه جاء بالحقّ.
الثّالث:هو القول الّذي قاله عيسى من قبل.
(3:372)
و تمام الكلام سيأتي في ق و ل:«قول الحقّ».
41- فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. المؤمنون:41
ابن عبّاس: يعني صوت جبريل بالعذاب.(287)
الطّبريّ: فانتقمنا منهم،فأرسلنا عليهم الصّيحة، فأخذتهم بالحقّ؛و ذلك أنّ اللّه عاقبهم باستحقاقهم العقاب منه بكفرهم به،و تكذيبهم رسوله.(18:22)
نحوه الطّبرسيّ.(4:107)
الطّوسيّ: و قوله:(بالحقّ)معناه على وجه الحقّ، و هو أخذهم بالعذاب من أجل ظلمهم،بإذن ربّهم،و هو وجه الحقّ.و لو أخذوا بغير هذا،لكان أخذا بالباطل، و هو كأخذ كلّ واحد بذنب غيره.(7:369)
الميبديّ: أي بالأمر الحقّ من اللّه.(6:436)
الزّمخشريّ: (بالحقّ)بالوجوب لأنّهم قد استوجبوا الهلاك،أو بالعدل من اللّه،من قولك:فلان يقضي بالحقّ،إذا كان عادلا في قضاياه.(3:32)
ابن عطيّة: معناه:بما استحقّوا من أفعالهم و بما حقّ منّا في عقوبتهم.(4:144)
الفخر الرّازيّ: قوله:(بالحقّ)معناه أنّه دمّرهم بالعدل من قولك:فلان يقضي بالحقّ،إذا كان عادلا في قضاياه.
و قال المفضّل:بالحقّ،أي بما لا يدفع،كقوله:
وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ق:19
(23:99)
النّيسابوريّ: بالعدل،كقولك:فلان يقضي بالحقّ،و على أصول الاعتزال بالوجوب،لأنّهم قد استوجبوا الهلاك.(18:21)
الشّربينيّ: أي الأمر الثّابت من العذاب الّذي لا يمكن مدافعته لهم و لا لغيرهم غير اللّه تعالى،فماتوا.
(2:579)
أبو السّعود :(بالحقّ)متعلّق بالأخذ،أي بالأمر الثّابت الّذي لا دفاع له،أو بالعدل من اللّه تعالى،أو بالوعد الصّدق.(4:415)
نحوه البروسويّ.(6:83)
الآلوسيّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أبي السّعود]
(18:33)
الطّباطبائيّ: الباء في(بالحقّ)للمصاحبة،و هو متعلّق بقوله: فَأَخَذَتْهُمُ أي أخذتهم الصّيحة أخذا مصاحبا للحقّ،أو للسّببيّة،و(الحقّ)وصف أقيم مقام موصوفه المحذوف،و التّقدير:فأخذتهم الصّيحة بسبب الأمر الحقّ أو القضاء الحقّ،كما قال: فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ المؤمن:78.(15:33)
فضل اللّه :فأهلكهم اللّه بالصّيحة الّتي هزّتهم من الأعماق و صرعتهم،بما يستحقّونه من ذلك.
(16:154)
ص: 123
42- وَ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها وَ لَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ. المؤمنون:62
ابن عبّاس: يشهد عليهم بالصّدق و العدل.
(288)
الطّبريّ: يقول:يبيّن بالصّدق عمّا عملوا من عمل في الدّنيا،لا زيادة عليه و لا نقصان،و نحن موفو جميعهم أجورهم،المحسن بإحسانه،و المسيء بإساءته.
(18:35)
نحوه الثّعلبيّ(7:51)،و الميبديّ(6:451).
الزّمخشريّ: ناطق بالحقّ لا يقرءون منه يوم القيامة إلاّ ما هو صدق و عدل،لا زيادة فيه و لا نقصان.
(3:35)
أبو السّعود :قوله تعالى: يَنْطِقُ بِالْحَقِّ كقوله تعالى: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الجاثية:29،أي عندنا كتاب قد أثبت فيه أعمال كلّ أحد على ما هي عليه،أو أعمال السّابقين و المقتصدين جميعا،لا أنّه أثبت فيه أعمال الأوّلين و أهمل أعمال الآخرين،ففيه قطع معذرتهم أيضا.
و قوله:(بالحقّ)متعلّق ب(ينطق)أي يظهر الحقّ المطابق للواقع على ما هو عليه ذاتا و وصفا،و يبيّنه للنّاظر كما يبيّنه النّطق،و يظهره للسّامع فيظهر هنالك جلائل أعمالهم و دقائقها،و يرتّب عليها أجزيتها إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ.(4:422)
البروسويّ: بالصّدق لا يوجد فيه ما يخالف الواقع،أي يظهر الحقّ.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود]
(6:92)
الآلوسيّ: و(الحقّ)المطابق للواقع و النّطق به مجاز عن إظهاره.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود](18:46)
الطّباطبائيّ: ترغيب لهم بتطييب نفوسهم،بأنّ عملهم لا يضيع،و أجرهم لا يتخلّف.و المراد بنطق الكتاب:إعرابه عمّا أثبت فيه إعرابا لا لبس فيه؛و ذلك لأنّ أعمالهم مثبتة في كتاب لا ينطق إلاّ بما هو حقّ،فهو مصون عن الزّيادة و النّقيصة و التّحريف.
و الحساب مبنيّ على ما أثبت فيه،كما يشير إليه قوله:(ينطق)و الجزاء مبنيّ على ما يستنتج من الحساب،كما يشير إليه قوله: وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ.
(15:42)
مكارم الشّيرازيّ: و قد يسأل:كيف تمكن محاسبة كلّ البشر عن أعمالهم كلّها؟
فتجيب الآية وَ لَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ فهناك صحيفة أعمال الإنسان المحفوظة لدى اللّه العليّ القدير،و هي تنطق بالحقّ عمّا اقترفه الإنسان من ذنوب،فلا يمكنه إنكارها،و تحفظ عليه ما قام به من أعمال صالحة فيستبشر بها.و ربّما كان القصد من الكتاب الّذي لدى اللّه هو اللّوح المحفوظ،و لفظ(لدينا) يؤكّد هذا التّفسير.
و الخلاصة أنّ الآية تؤكّد حفظ الأعمال على أهلها من خير أو شرّ،فهي مسجّلة بدقّة،و الإيمان بهذه الحقيقة يشجّع الصّالحين على القيام بأعمال الخير،
ص: 124
و اجتناب الأعمال السّيّئة.
و تعبير يَنْطِقُ بِالْحَقِّ الّذي وصف صحيفة أعمال البشر تشبه القول:إنّ الرّسالة الفلانيّة ذات تعبير واضح،أي لا يحتاج إلى شرح،و كأنّها ناطقة بذاتها، فهي تجلّي الحقيقة.(10:421)
فضل اللّه :يسجّل لعامل الخير كلّ دقائقه و خفاياه.
(16:167)
و تمام الكلام سيأتي إن شاء اللّه في ك ت ب:
«كتاب».
43- أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ. المؤمنون:70
ابن عبّاس: جاءهم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بالقرآن و التّوحيد و الرّسالة، وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ للقرآن كارِهُونَ.
(288)
الطّبريّ: فإن يقولوا ذلك فكذبهم في قيلهم ذلك واضح بيّن؛و ذلك أنّ المجنون يهذي،فيأتي من الكلام بما لا معنى له،و لا يعقل،و لا يفهم،و الّذي جاءهم به محمّد هو الحكمة الّتي لا أحكم منها،و الحقّ الّذي لا تخفى صحّته على ذي فطرة صحيحة،فكيف يجوز أن يقال:هو كلام مجنون؟!(18:42)
الثّعلبيّ: جاءَهُمْ بِالْحَقِّ بالقول الّذي لا يخفى صحّته و حسنه على عاقل.(7:52)
نحوه البغويّ.(3:370)
الطّوسيّ: أخبر تعالى أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله جاءَهُمْ بِالْحَقِّ من عند اللّه.(7:382)
نحوه الميبديّ.(6:454)
الواحديّ: بالتّنزيل الّذي هو الحقّ،يعني القرآن.
(3:294)
الطّبرسيّ: المعنى بل جاءهم بالقرآن و الدّين الحقّ،و ليس به جنّة.(4:112)
نحوه أبو حيّان.(6:414)
الشّربينيّ: أي القرآن المشتمل على التّوحيد و شرائع الإسلام.و قال الجلال المحلّي:الاستفهام فيه للتقرير بالحقّ من صدق النّبيّ و مجيء الرّسول للأمم الماضية،و معرفة رسولهم بالصّدق و الأمانة،و أن لا جنون به و(بل)للانتقال.(2:585)
أبو السّعود :إضراب عمّا يدلّ عليه ما سبق،أي ليس الأمر كما زعموا في حقّ القرآن و الرّسول عليه الصّلاة و السّلام بل جاءهم عليه الصّلاة و السّلام بالحقّ، أي الصّدق الثّابت الّذي لا محيد عنه أصلا،و لا مدخل فيه للباطل بوجه من الوجوه.
وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ من حيث هو حقّ،أيّ حقّ كان لا لهذا الحقّ فقط،كما ينبئ عنه الإظهار في موقع الإضمار.
(4:425)
نحوه البروسويّ(6:94)،و الآلوسيّ(18:51).
ابن عاشور :و(الحقّ):الثّابت في الواقع و نفس الأمر،يكون في الذّوات و أوصافها و في الأجناس،و في المعاني،و في الأخبار،فهو ضدّ الكذب و ضدّ السّحر و ضدّ الشّعر،فما جاءهم به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من الأخبار
ص: 125
و الأوامر و النّواهي كلّه ملابس للحقّ،فبطل بهذا ما قالوه في القرآن،و في الرّسول عليه الصّلاة و السّلام، مقالة من لم يتدبّروا القرآن،و من لم يراعوا إلاّ موافقة ما كان عليه آباؤهم الأوّلون،و من لم يعرفوا حال رسولهم الّذي هو من أنفسهم،و مقالة من يرمي بالبهتان،فنسبوا الصّادق إلى التّلبيس و التّغليظ.
فالحقّ الّذي جاءهم به النّبيّ أوّله إثبات الوحدانيّة للّه تعالى و إثبات البعث،و ما يتبع ذلك من الشّرائع النّازلة بمكّة،كالأمر بالصّلاة و الزّكاة وصلة الرّحم، و الاعتراف للفاضل بفضله،و زجر الخبيث عن خبثه، و أخوّة المسلمين بعضهم لبعض،و المساواة بينهم في الحقّ.
و منع الفواحش من الزّنى و قتل الأنفس و وأد البنات،و الاعتداء و أكل الأموال بالباطل،و إهانة اليتيم و المسكين،و نحو ذلك من إبطال ما كان عليه أمر الجاهليّة من العدوان،و الخلافة الّتي نشئوا عليها من عهد قديم.فكلّ ما جاء به الرّسول يومئذ هو الموافق لمقتضى نظام العمران الّذي خلق اللّه عليه العالم فهو الحقّ،كما قال: ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالْحَقِّ الدّخان:
39.
و لمّا كان قول الكاذب و قول المجنون المختصّ بهذا الّذي لا يشاركهما فيه العقلاء و الصّادقون،غير جاريين على هذا الحقّ،كان إثبات أنّ ما جاء به الرّسول حقّ نقضا لإنكارهم صدقه،و لقولهم:هو مجنون،كان ما بعد (بل)نقضا لقولهم.
و ظاهر تناسق الضّمائر يقتضي أنّ ضمير أَكْثَرُهُمْ يعود إلى القوم المتحدّث عنهم في قوله: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ المؤمنون:54،فيكون المعنى:أكثر المشركين من قريش كارهون للحقّ.و هذا تسجيل عليهم بأنّ طباعهم تأنف الحقّ الّذي يخالف هواهم،لما تخلّقوا به من الشّرك و إتيان الفواحش و الظّلم و الكبر و الغصب و أفانين الفساد،بله ما هم عليه من فساد الاعتقاد بالإشراك و ما يتبعه من الأعمال،كما قال تعالى: وَ لَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ المؤمنون:63.
فلا جرم كانوا بذلك يكرهون الحقّ،لأنّ جنس الحقّ يجافي هذه الطّباع.و من هؤلاء أبو جهل،قال تعالى: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ إلى قوله: لِيَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا الأنعام:52،53.
و إنّما أسندت كراهيّة الحقّ إلى أكثرهم دون جميعهم، إنصافا لمن كان منهم من أهل الأحلام الرّاجحة الّذين علموا بطلان الشّرك،و كانوا يجنحون إلى الحقّ،و لكنّهم يشايعون طغاة قومهم مصانعة لهم،و استبقاء على حرمة أنفسهم بعلمهم،أنّهم إن صدعوا بالحقّ لقوا من طغاتهم الأذى و الانتقاض،و كان من هؤلاء أبو طالب و العبّاس و الوليد بن المغيرة.فكان المعنى:بل جاءهم بالحقّ فكفروا به كلّهم،فأمّا أكثرهم فكراهيّة للحقّ،و أمّا قليل منهم مصانعة لسائرهم،و قد شمل الكفر جميعهم.
و تقدّم المعمول في قوله: لِلْحَقِّ كارِهُونَ اهتمام بذكر الحقّ حتّى يستوعي السّامع ما بعده،فيقع من نفسه
ص: 126
حسن سماعه موقع العجب من كارهيه،و لمّا ضعف العامل فيه بالتّأخير قرن المعمول بلام التّقوية.
(18:73)
الطّباطبائيّ: إضراب عن جملة محذوفة، و التّقدير:إنّهم كاذبون في قولهم: بِهِ جِنَّةٌ و اعتذارهم عن عدم إيمانهم به بذلك بل إنّما كرهوا الإيمان به،لأنّه جاء بالحقّ و أكثرهم للحقّ كارهون.
و لازمه ردّ قولهم-بحجّة يلوح إليها هذا الإضراب- و هي أنّ قولهم: بِهِ جِنَّةٌ لو كان حقّا كان كلامه مختلّ النّظم غير مستقيم المعنى،مدخولا فيه كما هو مدخول في عقله،غير رام إلى مرميّ صحيح،لكن كلامه ليس كذلك فلا يدعو إلاّ إلى حقّ،و لا يأتي إلاّ بحقّ،و أين ذلك من كلام مجنون لا يدري ما يريد،و لا يشعر بما يقول.(15:45)
44- وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ. المؤمنون:71
ابن عبّاس: لو كان الإله بهواهم،في السّماء إله و في الأرض إله، لَفَسَدَتِ... (289)
قتادة :إنّ(الحقّ)هو اللّه.(الزّمخشريّ 3:37)
مثله ابن جريج(الطّبريّ 18:43)،و السّدّيّ و مقاتل(الميبديّ 6:454)،و نحوه الثّعلبيّ(7:52)
الفرّاء: يقال:إنّ(الحقّ)هو اللّه،و يقال:إنّه التّنزيل،لو نزل بما يريدون لَفَسَدَتِ.... (2:239)
الجبّائيّ: المعنى لو اتّبع الحقّ الّذي هو التّوحيد...
(الطّوسيّ 7:383)
الطّبريّ: و لو عمل الرّبّ تعالى ذكره بما يهوى هؤلاء المشركون و أجرى التّدبير على مشيئتهم و إرادتهم،و ترك الحقّ الّذي هم له كارهون،لفسدت السّماوات و الأرض.(18:42)
الزّجّاج: جاء في التّفسير أنّ(الحقّ)هو اللّه عزّ و جلّ.و يجوز أن يكون الحقّ الأوّل في قوله: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ المؤمنون:70،التّنزيل،أي بالتنزيل الّذي هو الحقّ،و يكون تأويل: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ أي لو كان التّنزيل بما يحبّون لفسدت السّماوات و الأرض.(4:19)
النّحّاس: و قيل:المعنى بل جاءهم بالقرآن،و لو اتّبع القرآن أهواءهم،أي لو نزل بما يحبّون،لفسدت السّماوات و الأرض و من فيهنّ.(4:478)
الماورديّ: في الحقّ هنا قولان:
أحدهما:أنّه اللّه،قاله الأكثرون.
الثّاني:أنّه التّنزيل،أي لو نزل بما يريدون لفسدت السّماوات و الأرض.(4:62)
الطّوسيّ: معنى قوله: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ إنّ الحقّ لمّا كان يدعو إلى الأفعال الحسنة، و الأهواء تدعو إلى الأفعال القبيحة،فلو اتّبع الحقّ داعي الهوى لدعاه إلى قبيح الأعمال،و إلى ما فيه الفساد و الاختلاط،و لو جرى الأمر على ذلك لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ...
ص: 127
و قال قوم من المفسّرين:إنّ(الحقّ)في الآية هو اللّه، و التّقدير:و لو اتّبع الحقّ،أعني اللّه أهواء هؤلاء الكفّار، و فعل ما يريدونه لفسدت السّماوات و الأرض.
(7:382)
نحوه الطّبرسيّ.(4:112)
الميبديّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]
و قيل:المراد ب(الحقّ):القرآن،يعني لو نزل القرآن بما يحبّون من جعل الشّريك و الولد.على ما يعتقدونه لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ و ذلك أنّها خلقت، دالّة على توحيد اللّه عزّ و جلّ،و لو كان القرآن على مرادهم لكان يدعو إلى الشّرك؛و ذلك يؤدّي إلى فساد أدلّة التّوحيد.(6:454)
الزّمخشريّ: دلّ بهذا على عظم شأن الحقّ،و أن السّماوات و الأرض ما قامت،و لا من فيهنّ إلاّ به،فلو اتّبع أهواءهم لانقلب باطلا،و لذهب ما يقوم به العالم، فلا يبقى له بعده قوام.
أو أراد أنّ الحقّ الّذي جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و هو الإسلام،لو اتّبع أهواءهم و انقلب شركا لجاء اللّه بالقيامة،و لأهلك العالم و لم يؤخّر.
و عن قتادة:أنّ(الحقّ)هو اللّه،و معناه:و لو كان اللّه إلها يتّبع أهواءهم و يأمر بالشّرك و المعاصي لما كان إلها، و لكان شيطانا،و لما قدر أن يمسك السّماوات و الأرض.
(3:37)
ابن عطيّة: قال ابن جريج و أبو صالح:(الحقّ) اللّه تعالى،و هذا ليس من نمط الآية.
و قال غيرهما:(الحقّ)هنا الصّواب و المستقيم، و هذا هو الأجرى على أن يكون المذكور قبل الّذي جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و يستقيم على هذا فساد السّماوات و الأرض و من فيهنّ لو كان بحكم هوى هؤلاء؛و ذلك أنّهم جعلوا للّه شركاء و أولادا.و لو كان هذا حقّا لم تكن للّه الصّفات العالية،و لو لم تكن له لم تكن الصّنعة و القدرة كما هي،و كان فساد السّماوات و الأرض و من فيهنّ.
و من قال:إنّ(الحقّ)في الآية اللّه تعالى بشعت له لفظة(اتّبع)و صعب عليه ترتيب الفساد المذكور في الآية،لأنّ لفظة«الاتّباع»على كلا الوجهين إنّما هي استعارة،بمعنى أن تكون أهواؤهم يصوبها الحقّ و يقرّرها،فنحن نجد اللّه تعالى قد قرّر كفر أمم و أهواءهم،فليس في ذلك فساد سماوات.و أمّا الحقّ نفسه الّذي هو الصّواب فلو كان طبق أهوائهم لفسد كلّ شيء،فتأمّله.(4:151)
الفخر الرّازيّ: و في تفسيره وجوه:
الأوّل:أنّ القوم كانوا يرون أنّ الحقّ في اتّخاذ آلهة مع اللّه تعالى،لكن لو صحّ ذلك لوقع الفساد في السّماوات و الأرض على ما قرّرناه في دليل التّمانع،في قوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا الأنبياء:22.
و الثّاني:أنّ أهواءهم في عبادة الأوثان و تكذيب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و هما منشأ المفسدة،و(الحقّ)هو الإسلام،فلو اتّبع الإسلام قولهم لعلم اللّه حصول المفاسد عند بقاء هذا العالم،و ذلك يقتضي تخريب العالم و إفناءه.
و الثّالث:أنّ آراءهم كانت متناقضة،فلو اتّبع الحقّ
ص: 128
أهواءهم لوقع التّناقض،و لاختلّ نظام العالم،عن القفّال.(23:112)
القرطبيّ: (الحقّ)هنا هو اللّه سبحانه و تعالى،قاله الأكثرون،منهم مجاهد و ابن جريج و أبو صالح و غيرهم.
و تقديره في العربيّة:و لو اتّبع صاحب الحقّ،قاله النّحّاس.
و قد قيل:هو مجاز،أي لو وافق الحقّ أهواءهم، فجعل موافقته اتّباعا مجازا،أي لو كانوا يكفرون بالرّسل و يعصون اللّه عزّ و جلّ،ثمّ لا يعاقبون و لا يجازون على ذلك،إمّا عجزا و إمّا جهلا،لفسدت السّماوات و الأرض.
و قيل:المعنى و لو كان الحقّ ما يقولون من اتّخاذ آلهة مع اللّه تعالى لتنافت الآلهة،و أراد بعضهم ما لا يريده بعض،فاضطرب التّدبير و فسدت السّماوات و الأرض، و إذا فسدتا فسد من فيهما.
و قيل: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ أي بما يهواه النّاس و يشتهونه،لبطل نظام العالم،لأنّ شهوات النّاس تختلف و تتضادّ،و سبيل الحقّ أن يكون متبوعا،و سبيل النّاس الانقياد للحقّ.
و قيل:(الحقّ):القرآن،أي لو نزل القرآن بما يحبّون لفسدت السّماوات و الأرض.(12:140)
النّيسابوريّ: بيّن أنّ الإلهيّة تقتضي الاستقلال في الأوامر و النّواهي،و أنّ الحقّ و الصّواب ينحصر فيما دبّره إله العالمين و قدّره،فقال: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ نظيره ما مرّ في قوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا الأنبياء:22،و قيل:الحقّ:الإسلام،و المراد:
لو انقلب الإسلام شركا كما تقتضيه أهواؤهم لجاء بالقيامة،و لأهلك العالم و لم يؤخّر.
و عن قتادة:(الحقّ)هو اللّه،و المعنى لو كان اللّه آمرا بالشّرك و المعاصي على وفق آرائهم لما كان إلها و لكان شيطانا،فلا يقدر على إمساك السّماوات و الأرض، و حينئذ يختلّ نظام العالم.(18:31)
أبو حيّان :و الظّاهر أنّه الحقّ الّذي ذكر قبل في قولهم: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ المؤمنون:70،أي لو كان ما جاء به الرّسول من الإسلام و التّوحيد متّبعا أهواءهم لانقلب شركا،و جاء اللّه بالقيامة و أهلك العالم و لم يؤخّر.
[و نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]
و قيل:لو كان ما جاء به الرّسول بحكم هوى هؤلاء، من اتّخاذ شريك للّه و ولد و كان ذلك حقّا،لم يكن للّه الصّفات العليّة و لم تكن له القدرة كما هي،و كان في ذلك فساد السّماوات و الأرض.[ثمّ ذكر قسما من أقوال الفخر الرّازيّ و ابن عطيّة](6:414)
الشّربينيّ: أي القرآن.(2:586)
أبو السّعود :استئناف مسوق لبيان أنّ أهواءهم الزّائغة الّتي ما كرهوا الحقّ إلاّ لعدم موافقته إيّاها مقتضية للطّامّة،أي لو كان ما كرهوه من الحقّ الّذي من جملته ما جاء به عليه السّلام موافقا لأهوائهم الباطلة، لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ و خرجت عن الصّلاح و الانتظام بالكلّيّة،لأنّ مناط النّظام ليس إلاّ ذلك.و فيه من تنويه شأن الحقّ،و التّنبيه على سموّ مكانه ما لا يخفى.
ص: 129
و أمّا ما قيل:لو اتّبع الحقّ الّذي جاء به عليه السّلام أهواءهم و انقلب شركا،لجاء اللّه تعالى بالقيامة، و لأهلك العالم و لم يؤخّر.ففيه أنّه لا يلائم فرض مجيئه عليه السّلام به،و كذا ما قيل:لو كان في الواقع إلاهان لا يناسب المقام.
و أمّا ما قيل:لو اتّبع الحقّ أهواءهم،لخرج عن الإلهيّة،فممّا لا احتمال له أصلا.(4:426)
البروسويّ: الّذي كرهوه،و من جملته ما جاء به عليه السّلام من القرآن.(6:95)
الآلوسيّ: الحقّ الّذي جاء به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و جعل الاتّباع حقيقيّا،و الإسناد مجازيّا.
و قيل:مآل المعنى لو اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أهواءهم فجاءهم بالشّرك بدل ما أرسل به لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ أي لخرّب اللّه تعالى العالم، و قامت القيامة لفرط غضبه سبحانه،و هو فرض محال من تبديله عليه الصّلاة و السّلام ما أرسل به من عنده.
و جوّز أن يكون المراد ب(الحقّ):الأمر المطابق للواقع في شأن الألوهيّة،و الاتّباع مجازا عن الموافقة،أي لو وافق الأمر المطابق للواقع أهواءهم بأن كان الشّرك حقّا،لفسدت السّماوات و الأرض حسبما قرّر في قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا الأنبياء:
22،و لعلّ الكلام عليه اعتراض للإشارة إلى أنّهم كرهوا شيئا لا يمكن خلافه أصلا،فلا فائدة لهم في هذه الكراهة.
و اعترض بأنّه لا يناسب المقام،و فيه بحث،و كذا ما قيل:إنّ ما يوافق أهواءهم هو الشّرك في الألوهيّة،لأن قريشا كانوا و ثنيّة و هو لا يستلزم الفساد،و الّذي يستلزمه إنّما هو الشّرك في الرّبوبيّة كما تزعمه الثّنويّة، و هم لم يكونوا كذلك،كما ينبئ عنه قوله تعالى: لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ.
لقمان:25.
و جوّز أن يكون المعنى:لو وافق الحقّ مطلقا أهواءهم،لخرجت السّماوات و الأرض عن الصّلاح و الانتظام بالكلّيّة،و الكلّ استطراد لتعظيم شأن(الحقّ) مطلقا،بأنّ السّماوات و الأرض ما قامت و لا من فيهنّ إلاّ به،و لا يخلو عن حسن.و قيل:المراد ب(الحقّ):هو اللّه تعالى.(18:52)
القاسميّ: أي و لو كان ما كرهوه من الحقّ الّذي هو التّوحيد و العدل،المبعوث بهما الرّسول صلوات اللّه عليه،موافقا لأهوائهم المتفرّقة في الباطل،النّاشئة من نفوسهم الظّالمة المظلمة،لفسد نظام الكون،لانعدام العدل الّذي قامت به السّماوات و الأرض،و التّوحيد الّذي به قوامهما،فلزم فساد الكون،لأنّ مناط النّظام ليس إلاّ ذلك.و فيه من تنويه شأن الحقّ،و التّنبيه على سموّ مكانه،ما لا يخفى.(12:4409)
ابن عاشور :و(الحقّ):هنا هو الحقّ المتقدّم في قوله: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ المؤمنون:70،و هو الشّيء الموافق للوجود الواقعيّ و لحقائق الأشياء.و علم من قوله: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ أنّ كراهة أكثرهم للحقّ ناشئة عن كون الحقّ
ص: 130
مخالفا أهواءهم،فسجّل عليهم أنّهم أهل هوى،و الهوى شهوة و محبّة لما يلائم غرض صاحبه،و هو مصدر بمعنى المفعول.
و إنّما يجري الهوى على شهوة دواعي النّفوس،أعني شهوات الأفعال،غير الّتي تقتضيها الجبلّة،فشهوة الطّعام و الشّراب و نحوهما ممّا تدعو إليه الجبلّة ليست من الهوى،و إنّما الهوى شهوة ما لا تقتضيه الفطرة، كشهوة الظّلم و إهانة النّاس،أو شهوة ما تقتضيه الجبلّة، لكن يشتهي على كيفيّة و حالة لا تقتضيها الجبلّة،لما يترتّب على تلك الحالة من فساد و ضرّ،مثل شهوة الطّعام المغصوب و شهوة الزّنى،فمرجع معنى الهوى إلى المشتهي الّذي لا تقتضيه الجبلّة.
و الاتّباع:مجاز شائع في الموافقة،أي لو وافق الحقّ ما يشتهونه.
و معنى موافقة الحقّ الأهواء:أن تكون ماهيّة الحقّ موافقة لأهواء النّفوس.فإنّ حقائق الأشياء لها تقرّر في الخارج سواء كانت موافقة لما يشتهيه النّاس أم لم تكن موافقة له،فمنها الحقائق الوجوديّة و هي الأصل،فهي متقرّرة في نفس الأمر،مثل كون الإله واحدا،و كونه لا يلد،و كون البعث واقعا للجزاء،فكونها حقّا هو عين تقرّرها في الخارج.
و منها الحقائق المعنويّة و هي الموجودة في الاعتبار، فهي متقرّرة في الاعتبارات،و كونها حقّا هو كونها جارية على ما يقتضيه نظام العالم،مثل كون الوأد ظلما، و كون القتل عدوانا،و كون القمار أخذ مال بلا حقّ لآخذه في أخذه.فلو فرض أن يكون(الحقّ)في أضداد هذه المذكورات،لفسدت السّماوات و الأرض،و فسد من فيهنّ،أي من في السّماوات و الأرض من النّاس.
(18:75)
الطّباطبائيّ: لما ذكر أنّ أكثرهم للحقّ كارهون، و إنّما يكرهون الحقّ لمخالفته هواهم،فهم يريدون من (الحقّ)أي الدّعوة الحقّة أن يتّبع أهواءهم و هذا ممّا لا يكون البتّة.
إذ لو اتّبع الحقّ أهواءهم،فتركوا و ما يهوونه من الاعتقاد و العمل،فعبدوا الأصنام و اتّخذوا الأرباب، و نفوا الرّسالة و المعاد،و اقترفوا ما أرادوه من الفحشاء و المنكر و الفساد،جاز أن يتّبعهم(الحقّ)في غير ذلك من الخليقة،و النّظام الّذي يجري فيها بالحقّ؛إذ ليس بين الحقّ و الحقّ فرق،فأعطي كلّ منهم ما يشتهيه من جريان النّظام،و فيه فساد السّماوات و الأرض و من فيهنّ،و اختلال النّظام،و انتقاض القوانين الكلّيّة الجارية في الكون،فمن البيّن أنّ الهوى لا يقف على حدّ، و لا يستقرّ على قرار.(15:46)
مكارم الشّيرازيّ: التّمسّك بالحقّ أو بالأهواء النّفسيّة.
أشارت الآيات السّابقة-بشكل عابر-إلى التّناقض بين التّمسّك بالحقّ و بين الأهواء النّفسيّة،و هي إشارة ذات مدلول كبير؛حيث تقول: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ... و تفسير هذه المسألة ليس صعبا للأسباب الآتية:
ص: 131
1-لا شكّ في أنّ أهواء النّاس متفاوتة،و قد ينقض بعضها بعضا،حتّى بالنّسبة لشخص واحد،فقد تتناقض أهواؤه.
و لو استسلم(الحقّ)لهذه الأهواء لنتج عن ذلك الفساد و عمّت الفوضى.لما ذا يقع ذلك؟يقع ذلك لتعدّد الأوثان و الأهواء المتعارضة في الدّعوة لتلك الأوثان، و ما ينجم عن ذلك من صراع من أجل أن تسود عبادة هذا الوثن أو ذاك،في هذا الوجود المترامي الأطراف، فيظهر الفساد و تعمّ الفوضى من جرّاء ذلك،و هذا لا يخفى على أحد.[إلى أن قال:]
و بديهيّ أنّ(الحقّ)كالصّراط المستقيم واحد لا نظير له،بينما الأهواء النّفسيّة متعدّدة كأوثان المشركين.فأيّما نتّبع الحقّ أم الهوى؟أ نتّبع الهوى الّذي هو مصدر الفساد في السّماء و الأرض،و في جميع الموجودات،أم الحقّ الّذي هو رمز الوحدة و التّوحيد و النّظام و الانسجام؟إنّ جواب هذا لفي غاية الوضوح و الإشراق.(10:427)
45- فَتَعالَى اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ. المؤمنون:116
الطّوسيّ: هو الّذي يحقّ له الملك،بأنّه ملك غير مملّك،و كلّ ملك غيره،فملكه مستعار له،و إنّما يملك ما ملّكه اللّه،فكأنّه لا يعتدّ بملكه في ملك ربّه.و(الحقّ)هو الشّيء الّذي من اعتقده كان على ما اعتقده،فاللّه الحقّ، لأنّه من اعتقد أنّه لا إله إلاّ هو،فقد اعتقد الشّيء على ما هو به.(7:402)
نحوه الطّبرسي.(4:121)
الميبديّ: الّذي لا يزول ملكه،و لا يفنى سلطانه الحقّ،بنعوت جلاله متوحّد،في عزّ آزاله و علوّ أوصافه متفرّد،فذاته حقّ،و صفاته حقّ،و قوله صدق،و لا يتوجّه لمخلوق عليه حقّ.(6:473)
الزّمخشريّ: (الحقّ)الّذي يحقّ له الملك،لأنّ كلّ شيء منه و إليه،أو الثّابت الّذي لا يزول،و لا يزول ملكه.(3:45)
مثله الفخر الرّازيّ(23:128)،و النّسفيّ(3:
130).
الشّربينيّ: أي الّذي لا يتطرّق الباطل إليه في شيء في ذاته و لا في صفاته،فلا زوال له و لا لملكه.
(2:594)
أبو السّعود :الّذي يحقّ له الملك على الإطلاق إيجادا و إعداما،بدء و إعادة،إحياء و إماتة،عقابا و إثابة، و كلّ ما سواه مملوك له،مقهور تحت ملكوته.(4:434)
مثله البروسويّ.(6:112)
الآلوسيّ: [ذكر مثل أبي السّعود،و نقل قول الزّمخشريّ و قال:]
و هذا و إن كان أشهر إلاّ أنّ الأوّل أوفق بالمقام.
(18:71)
ابن عاشور :و(الحقّ):ما قابل الباطل،و مفهوم الصّفة يقتضي أنّ ملك غيره باطل،أي فيه شائبة الباطل،لا من جهة الجور و الظّلم،لأنّه قد يوجد ملك لا جور فيه و لا ظلم،كملك الأنبياء و الخلفاء الرّاشدين،
ص: 132
و أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من الخلفاء و الأمراء،بل من جهة أنّه ملك غير مستكمل حقيقة المالكيّة،فإنّ كلّ من ينسب إليه الملك عدا اللّه تعالى هو مالك من جهة و مملوك من جهة لما فيه من نقص و احتياج،فهو مملوك لما يتطلّبه من تسديد نقصه بقدر الحاجة،و من استعانة بالغير لجبر احتياجه،فذلك ملك باطل،لأنّه ملك غير تامّ.
(18:110)
الطّباطبائيّ: إنّه تعالى وصف نفسه في كلمة التّنزيه بالأوصاف الأربعة:أنّه ملك،و أنّه حقّ،و أنّه لا إله إلاّ هو،و أنّه ربّ العرش الكريم.
فله أن يحكم بما شاء من بدء و عود و حياة و موت و رزق،نافذا حكمه ماضيا أمره لملكه،و ما يصدر عنه من حكم فإنّه لا يكون إلاّ حقّا فإنّه حقّ،و لا يصدر عن الحقّ بما هو حقّ إلاّ حقّ،دون أن يكون عبثا باطلا.
(15:73)
فضل اللّه :الّذي يحقّ الحقّ بكلماته و يزهق الباطل،و إذا كان اللّه هو الحقّ،فلا بدّ من أن يقيم الحياة على أساس الحقّ الّذي ينطلق من خطّة،و يتحرّك نحو هدف،فكيف يمكن أن يكون خلق الإنسان بعيدا عن أهداف الآخرة،في حسابها و ثوابها و عقابها.(16:208)
46- يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ. النّور:25
ابن عبّاس: يوفّيهم اللّه جزاء أعمالهم بالعدل.(294)
الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة قوله:(الحقّ) فقرأته عامّة قرّاء الأمصار دِينَهُمُ الْحَقَّ نصبا على النّعت للدّين،كأنّه قال:يوفّيهم اللّه ثواب أعمالهم حقّا، ثمّ أدخل في(الحقّ)الألف و اللاّم،فنصبه بما نصب به الدّين.
و ذكر عن مجاهد أنّه قرأ ذلك (يوفّيهم اللّه دينهم الحقّ) برفع(الحقّ)على أنّه من نعت(اللّه)...
قال جرير:و قرأتها في مصحف أبيّ بن كعب (يوفّيهم اللّه الحقّ دينهم) .
و الصّواب من القراءة في ذلك عندنا:ما عليه قرّاء الأمصار،و هو نصب(الحقّ)على اتّباعه إعراب الدّين، لإجماع الحجّة.(18:106)
نحوه ابن عطيّة.(4:174)
الزّجّاج: و يقرأ(الحقّ)،فمن قرأ(الحقّ)فالحقّ من صفة(اللّه)عزّ و جلّ،فالمعنى يومئذ يوفّيهم اللّه الحقّ دينهم،و من قرأ دِينَهُمُ الْحَقَّ، ف(الحقّ)من صفة «الدّين»و الدّين هاهنا:الجزاء،المعنى يومئذ يوفّيهم اللّه جزاءهم الحقّ،أي جزاءهم الواجب.(4:37)
الطّوسيّ: وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ أي يعلمون اللّه ضرورة في ذلك اليوم،و يقرّون أنّه الحقّ،الّذي أبان الحجج و الآيات في دار التّكليف،و هو قول مجاهد.
و قرئ (الحقّ) بالرّفع و النّصب،فمن رفعه جعله من صفة(اللّه)و من نصبه جعله صفة«الدّين».
(7:423)
ص: 133
البغويّ: جزاءهم الواجب،و قيل:حسابهم العدل.(3:396)
الميبديّ: [نحو البغويّ و أضاف:]
هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ يقضي بحقّ،و يأخذ بحقّ، و يعطي بحقّ.(6:508)
نحوه الطّبرسيّ.(4:134)
الزّمخشريّ: إن قلت:ما معنى قوله: هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ؟
قلت:معناه ذو الحقّ المبين،أي العادل الظّاهر العدل،الّذي لا ظلم في حكمه،و المحقّ الّذي لا يوصف بباطل،و من هذه صفته لم تسقط عنده إساءة مسيء و لا إحسان محسن،فحقّ مثله أن يتّقى و يتجنّب محارمه.
(3:57)
الفخر الرّازيّ: و معنى قوله:(الحقّ)أي إنّ الّذي نوفّيهم من الجزاء هو القدر المستحقّ،لأنّه الحقّ،و ما زاد عليه هو الباطل و قرئ (الحقّ) بالنّصب صفة «للدّين»و هو الجزاء،و بالرّفع صفة(للّه).
و أمّا قوله: وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ فمن النّاس من قال:إنّه سبحانه إنّما سمّي ب(الحقّ)لأنّ عبادته هي الحقّ دون عبادة غيره،أو لأنّه الحقّ فيما يأمر به دون غيره.
و منهم من قال:(الحقّ)من أسماء اللّه تعالى و معناه الموجود،لأنّ نقيضه الباطل و هو المعدوم،و معنى (المبين)المظهر و معناه أنّ بقدرته ظهر وجود الممكنات، فمعنى كونه حقّا أنّه الموجود لذاته،و معنى كونه مبينا أنّه المعطي وجود غيره.(23:194)
القرطبيّ: قرأ مجاهد: (يومئذ يوفّيهم اللّه دينهم الحقّ) برفع(الحقّ)على أنّه نعت(للّه)عزّ و جلّ.
قال أبو عبيد:و لو لا كراهة خلاف النّاس لكان الوجه الرّفع،ليكون نعتا(للّه)عزّ و جلّ،و تكون موافقة لقراءة أبيّ،و ذلك أنّ جرير بن حازم قال:رأيت في مصحف أبيّ (يوفّيهم اللّه الحقّ دينهم) .
قال النّحّاس:و هذا الكلام من أبي عبيد غير مرضيّ،لأنّه احتجّ بما هو مخالف للسّواد الأعظم،و لا حجّة أيضا فيه،لأنّه لو صحّ هذا أنّه في مصحف أبيّ كذا،جاز أن تكون القراءة: «يومئذ يوفّيهم اللّه الحقّ دينهم» يكون(دينهم)بدلا من(الحقّ).
و على قراءة العامّة دِينَهُمُ الْحَقَّ يكون (الحقّ)نعتا ل(دينهم)،و المعنى حسن،لأنّ اللّه عزّ و جلّ ذكر المسيئين و أعلم أنّه يجازيهم بالحقّ،كما قال اللّه عزّ و جلّ: وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ سبأ:17، لأنّ مجازاة اللّه عزّ و جلّ للكافر و المسيء بالحقّ و العدل، و مجازاته للمحسن بالإحسان و الفضل هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ اسمان من أسمائه سبحانه و تعالى و قد ذكرناهما في غير موضع،و خاصّة في الكتاب«الأسنى».
(12:211)
نحوه الآلوسيّ.(18:130)
النّيسابوريّ: و معنى دِينَهُمُ الْحَقَّ: الجزاء المستحقّ.و قال في«الكشّاف»:معنى قوله: هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ العادل الظّاهر العدل.
ص: 134
و قال غيره:سمّي حقّا،لأنّه تحقّ عبادته،أو لأنّه الموجود بالحقيقة،و ما سواه فوجوده مستعار زائل.
(18:82)
أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ لا شيء في الوجود غيره،لا في الدّنيا و لا في الآخرة.(18:84)
الشّربينيّ: أي جزاءهم الواجب الّذين هم أهله (و يعلمون)عند ذلك أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ حيث حقّق لهم جزاء الّذي كانوا يشكّون فيه،فأوجز في ذلك و أشبع،و فصّل و أجمل و أكّد و كرّر،و جاء بما لم يقع في وعيد المشركين و عبدة الأوثان،إلاّ ما هو دونه في الفظاعة،و ما ذاك إلاّ لأمر عظيم.(2:611)
أبو السّعود :أي يوم إذ تشهد جوارحهم بأعمالهم القبيحة،يعطيهم اللّه تعالى جزاءهم الثّابت الّذي يحقّق أن يثبت لهم لا محالة،وافيا كاملا.كلام مبتدأ مسوق لبيان ترتيب حكم الشّهادة عليها،متضمّن لبيان ذلك المهمّ المحذوف على وجه الإجمال.
أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الثّابت الّذي يحقّ أن يثبت لا محالة،في ذاته و صفاته و أفعاله،الّتي من جملتها كلماته التّامّات،المنبئة عن الشّئون الّتي يشاهدونها منطقة عليها.(4:449)
نحوه البروسويّ.(6:134)
ابن عاشور :و(الحقّ)نعت«للدّين»،أي الجزاء العادل الّذي لا ظلم فيه،فوصف بالمصدر للمبالغة.
و قوله: وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ أي ينكشف للنّاس أنّ اللّه الحقّ،و وصف اللّه بأنّه(الحقّ) وصف بالمصدر،لإفادة تحقّق اتّصافه بالحقّ.[ثمّ استشهد بشعر]
و صفة اللّه بأنّه(الحقّ)بمعنيين:
أوّلهما:بمعنى الثّابت الحاقّ؛و ذلك لأنّ وجوده واجب،فذاته حقّ متحقّقة،لم يسبق عليها عدم و لا انتفاء،فلا يقبل إمكان العدم.و على هذا المعنى في اسمه تعالى:(الحقّ)اقتصر الغزّاليّ في«شرح الأسماء الحسنى».
و ثانيهما:معنى أنّه ذو الحقّ،أي العدل،و هو الّذي يناسب وقوع الوصف بعد قوله: دِينَهُمُ الْحَقَّ، و به فسّر صاحب«الكشّاف».فيحتمل أنّه أراد تفسير معنى (الحقّ)هنا،أي وصف اللّه بالمصدر،و ليس مراده تفسير الاسم.و يحتمل إرادة الإخبار عن اللّه بأنّه صاحب هذا الاسم،و هذا الّذي درج عليه ابن برّجان الإشبيليّ،في كتابه«شرح الأسماء الحسنى»و القرطبيّ في التّفسير.
و(الحقّ)من أسماء اللّه الحسنى.و لمّا وصف بالمصدر زيد وصف المصدر ب(المبين).و المبين:اسم فاعل من «أبان»الّذي يستعمل متعدّيا بمعنى أظهر،على أصل معنى إفادة الهمزة التّعدية،و يستعمل بمعنى«بان»،أي ظهر على اعتبار الهمزة زائدة،فلك أن تجعله وصفا ل(الحقّ)بمعنى العدل،كما صرّح به في«الكشّاف»أي الحقّ الواضح.و لك أن تجعله وصفا(للّه)تعالى بمعنى أنّ اللّه مبيّن و هاد.و إلى هذا نحا القرطبيّ و ابن برّجان،فقد أثبتا في عداد أسمائه تعالى اسم(المبين).
فإن كان وصف اللّه ب(الحقّ)بالمعنى المصدريّ،
ص: 135
فالحصر المستفاد من ضمير الفصل ادّعائيّ،لعدم الإعداد ب(الحقّ)الّذي يصدر من غيره من الحاكمين، لأنّه و إن يصادق المحزّ،فهو مع ذلك معرّض للزّوال و للتّقصير و للخطإ،فكأنّه ليس بحقّ أو ليس بمبين.
و إن كان الخبر عن اللّه بأنّه(الحقّ)بالمعنى الاسميّ للّه تعالى فالحصر حقيقيّ؛إذ ليس اسم الحقّ مسمّى به غير ذات اللّه تعالى،فالمعنى:أنّ اللّه هو صاحب هذا الاسم،كقوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا مريم:65، و على هذين الوجهين يجري الكلام في وصفه تعالى ب(المبين).(18:154)
الطّباطبائيّ: و الآية من غرر الآيات القرآنيّة تفسّر معنى معرفة اللّه،فإنّ قوله: وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ينبئ أنّه تعالى هو الحقّ لا سترة عليه بوجه من الوجوه،و لا على تقدير من التّقادير،فهو من أبده البديهيّات الّتي لا يتعلّق بها جهل.لكنّ البديهيّ ربّما يغفل عنه،فالعلم به تعالى هو ارتفاع الغفلة عنه،الّذي ربّما يعبّر عنه بالعلم،و هذا هو الّذي يبدو لهم يوم القيامة،فيعلمون أنّ اللّه هو الحقّ المبين.(15:95)
فضل اللّه :و المراد ب«الدّين»:الجزاء العادل الثّابت الّذي يتطابق مع طبيعة الجريمة الّتي اقترفوها ضدّ النّاس الأبرياء،أو الّذي يتطابق مع طبيعة الطّاعة الّتي أطاعوها دون نقصان أو زيادة. وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ فهو الحقيقة المشرقة الثّابتة الواضحة، الّتي لا مجال للشّكّ فيها،فضلا عن إنكارها،و هو الّذي يؤكّد الحقّ في حسابه للنّاس،كما يؤكّده في ما يقرّره من حقائق التّشريع و مفاهيم العقيدة.و هناك يعرف الجميع الحقّ في ذات اللّه و الحقّ في طبيعة الموقف،على مستوى الحساب و المصير.(16:276)
47- وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ.
النّور:49
راجع:ذ ع ن:«مذعنين».
48- اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَ كانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً. الفرقان:26
ابن عبّاس: العدل.(302)
الطّبريّ: الملك الحقّ يومئذ خالص للرّحمن دون كلّ من سواه،و بطلت الممالك يومئذ سوى ملكه.و قد كان في الدّنيا ملوك،فبطل الملك يومئذ سوى ملك الجبّار.(19:7)
الزّجّاج: (الحقّ):صفة ل(الملك)،و معناه أنّ الملك الّذي هو الملك حقّا هو ملك الرّحمن يوم القيامة،كما قال عزّ و جلّ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ المؤمن:16،لأنّ الملك الزّائل كأنّه ليس بملك.و يجوز(الملك يومئذ الحقّ للرّحمن)و لم يقرأ بها،فلا تقرأنّ بها،و يكون النّصب على وجهين:أحدهما على معنى الملك يومئذ للرّحمن أحقّ ذلك الحقّ،و على أعني الحقّ.(4:65)
الطّوسيّ: و الحقّ:هو ما كان معتقده على ما هو به،معظم في نفسه،و لذلك وصفه تعالى بأنّه الحقّ و وصف ملكه أيضا بأنّه الحقّ لما ذكرناه.(7:486)
ص: 136
الميبديّ: أي الملك الّذي هو الملك حقّا،ملك اللّه جلّ و عزّ في يوم القيامة،كما قال تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ المؤمن:16،لأنّ الملك الزّائل كأنّه ليس بملك.
(7:27)
الزّمخشريّ: (الحقّ):الثّابت،لأنّ كلّ ملك يزول يومئذ و يبطل،و لا يبقى إلاّ ملكه.(3:89)
الطّبرسيّ: أي الملك الّذي هو الملك حقّا،ملك الرّحمن يوم القيامة،و يزول ملك سائر الملوك فيه.
(4:167)
الشّربينيّ: (الحقّ)أي الثّابت ثباتا،لا يمكن زواله.(2:657)
أبو السّعود :أي السّلطنة القاهرة،و الاستيلاء الكلّيّ العامّ الثّابت،صورة و معنى ظاهرا و باطنا؛بحيث لا زوال له أصلا،ثابت للرّحمن يومئذ،ف(الملك) مبتدأ،و(الحقّ)صفته،و(للرّحمن)خبره.(5:6)
نحوه البروسويّ.(6:203)
الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]و فائدة التّقييد أنّ ثبوت الملك له تعالى خاصّة يومئذ،و أمّا فيما عداه من أيّام الدّنيا فيكون لغيره عزّ و جلّ أيضا.
تصرّف صوريّ في الجملة،و اختار هذا بعض المحقّقين، و لعلّ أمر الفصل بين الصّفة و الموصوف بالظّرف المذكور سهل.
و قيل:(الملك)مبتدأ،و(يومئذ)متعلّق به،و هو بمعنى المالكيّة،و(الحقّ)خبره،و(للرّحمن)متعلّق ب(الحقّ).و تعقّب بأنّه لا يظهر حينئذ نكتة إيراد المسند معرّفا،فإنّ الظّاهر عليه أن يقال:الملك يومئذ حقّ للرّحمن.و أجيب بأنّ في تعلّقه بما ذكر تأكيدا لما يفيده تعريف الطّرفين.
و قيل:هو متعلّق بمحذوف على التّبيين،كما في سقيا لك،و المبيّن من له الملك.
و قيل:متعلّق بمحذوف وقع صفة ل(الحقّ)و هو كما ترى.
و قيل:(يومئذ)هو الخبر،و(الحقّ)نعت(للملك)، و(للرّحمن)متعلّق به،و فيه الفصل بين الصّفة و الموصوف بالخبر،فلا تغفل.(19:10)
ابن عاشور :و(الحقّ):الخالص،كقولك:هذا ذهب حقّا،و هو الملك الظّاهر أنّه لا يماثله ملك،لأنّ حالة الملك في الدّنيا متفاوتة،و الملك الكامل إنّما هو للّه، و لكن العقول قد لا تلتفت إلى ما في الملوك من نقص و عجز و تبهرجهم،بهرجة تصرّفاتهم و عطاياهم، فينسون الحقائق،فأمّا في ذلك اليوم فالحقائق منكشفة و ليس ثمّة من يدّعي شيئا من التّصرّف.و في الحديث:«ثمّ يقول اللّه:أنا الملك أين ملوك الأرض»؟
(19:37)
الطّباطبائيّ: أي الملك المطلق يومئذ حقّ ثابت للرّحمن،و ذلك لبطلان الأسباب،و زوال ما بينها و بين مسبّباتها من الرّوابط المتنوّعة.و قد تقدّم غير مرّة:أنّ المراد بذلك في يوم القيامة هو ظهور أنّ الملك و الحكم للّه،و الأمر إليه وحده،و أن لا استقلال في شيء من الأسباب،على خلاف ما كان يتراءى من ظاهر حالها في
ص: 137
نشأة الدّنيا قبل قيام السّاعة،و رجوع كلّ شيء إليه تعالى.(15:203)
فضل اللّه :فلا ملك لغيره،و هو الملك الحقّ الثّابت المهيمن على الأمر كلّه من خلال حكمه و سيطرته على كلّ شيء.(17:34)
49- وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً. الفرقان:33
ابن عبّاس: بصفة و بيان و حجّة،و من (1)فيها نقض حجّتهم.(303)
الثّعلبيّ: (بالحقّ)أي بما تردّ به ما جاءوا به من المثل،و تبطله.(7:132)
الطّوسيّ: الّذي يبطله.(7:489)
البغويّ: يعني بما تردّ به ما جاءوا به من المثل و تبطله عليهم،فسمّي ما يردون من الشّبه مثلا،و سمّي ما يدفع به الشّبه،حقّا.(3:445)
الزّمخشريّ: وَ لا يَأْتُونَكَ بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة،كأنّه مثل في البطلان،إلاّ أتيناك نحن بالجواب الحقّ الّذي لا محيد عنه،بما هو أحسن معنى و مؤدّى من سؤالهم.(3:91)
الفخر الرّازيّ: إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ الّذي يدفع قولهم،كما قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ الأنبياء:18.(24:79)
نحوه القاسميّ.(12:4576)
أبو حيّان :و لا يأتونك بمثل يضربونه على جهة المعارضة منهم،كتمثيلهم في هذه بالتّوراة و الإنجيل،إلاّ جاء القرآن بالحقّ في ذلك،ثمّ هو أوضح بيانا و تفصيلا.
[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ و قال:]
و قيل:و لا يأتونك بشبهة في إبطال أمرك إلاّ جئناك بالحقّ الّذي يدحض شبهة أهل الجهل،و يبطل كلام أهل الزّيغ.(6:497)
الشّربينيّ: (بالحقّ)أي الّذي لا محيد عنه، فيزهق ما أتوا به لبطلانه.[و أدام نحو البغويّ]
(2:660)
أبو السّعود :أي بالجواب الحقّ الثّابت،الّذي ينحي عليه بالإبطال و يحسم مادّة القيل و القال،كما مرّ من الأجوبة الحقّة القالعة،لعروق أسئلتهم الشّنيعة، الدّامغة لها بالكلّيّة.(5:10)
مثله الآلوسيّ.(19:16)
البروسويّ: الباء في قوله:(بالحقّ)للتّعدية أيضا،أي بالجواب الحقّ الثّابت المبطل لما جاءوا به، القاطع لمادّة القيل و القال.(6:209)
ابن عاشور : جِئْناكَ بِالْحَقِّ مقابل قوله:
لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ و هو مجيء مجازيّ،و مقابلة جِئْناكَ بِالْحَقِّ لقوله: وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إشارة إلى أنّ ما يأتون به باطل،مثال ذلك أنّ قولهم: ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ الفرقان:
7،أبطله وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْا.
ص: 138
لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ الفرقان:20.
(19:47)
50- وَ نَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّهِ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ.
القصص:75
ابن عبّاس: أنّ عبادة اللّه و دين اللّه الحقّ،و أنّ القضاء فيهم للّه.(330)
سعيد بن جبير: أنّ العدل للّه.
(الماورديّ 4:264)
السّدّيّ: التّوحيد للّه.(الماورديّ 4:264)
الطّبريّ: فعلموا حينئذ أنّ الحجّة البالغة للّه عليهم، و أنّ الحقّ للّه،و الصّدق خبره،فأيقنوا بعذاب من اللّه لهم دائم.(20:105)
الزّجّاج: أي فعلموا أنّ(الحقّ)توحيد اللّه و ما جاء به أنبياؤه.(4:153)
الثّعلبيّ: يعني التّوحيد و الصّدق و الحجّة البالغة.
(7:259)
نحوه البغويّ.(3:543)
الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:
أحدها:[قول ابن جبير]
الثّاني:[قول السّدّيّ]
الثّالث:الحجّة للّه.(4:264)
الطّوسيّ: أي أنّ التّوحيد للّه،و الإخلاص في العبادة له دون غيره،لأنّ معارفهم ضرورة.(8:174)
الميبديّ: يعني فبهتوا و تحيّروا و علموا يقينا أنّ الحجّة البالغة للّه عليهم،و أنّه لا حجّة لأحد منهم على اللّه.
و قيل:فعلموا أنّ الحقّ ما أتاه الرّسل به.(7:333)
نحوه الطّبرسيّ.(4:264)
القرطبيّ: أي علموا صدق ما جاءت به الأنبياء.
(13:309)
الشّربينيّ: أَنَّ الْحَقَّ في الإلهيّة(للّه)أي الملك الّذي له الأمر كلّه،لا يشاركه فيه أحد.(3:116)
نحوه أبو السّعود(5:134)،و البروسويّ(6:
428)،و الآلوسيّ(20:109)،و القاسميّ(13:
4725).
ابن عاشور :و الأمر مستعمل في التّعجيز،فهو يقتضي أنّهم على الباطل،فيما زعموه من الشّركاء،و لمّا علموا عجزهم من إظهار برهان لهم في جعل الشّركاء للّه،أيقنوا أنّ(الحقّ)مستحقّ للّه تعالى،أي علموا علم اليقين أنّهم لا حقّ لهم في إثبات الشّركاء،و أنّ الحقّ للّه؛ إذ كان ينهاهم عن الشّرك على لسان الرّسول في الدّنيا، و أنّ الحقّ للّه إذ ناداهم بأمر التّعجيز في قوله: هاتُوا بُرْهانَكُمْ. (20:103)
فضل اللّه :في ما جاءت به رسله،و نزلت به كتبه، و أنّ ما يزعمونه الباطل ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ فقد تبخّر كلّ شيء في الفراغ أمام حقائق التّوحيد الّتي تصدم كلّ أضاليل الباطل،فلا يبقى منه شيء.
و قد يثير البعض سؤالا،و هو أنّ وحدانيّة اللّه
ص: 139
لا تحتاج إلى دليل في يوم القيامة،لأنّ الوضوح الّذي يهيمن على الموقف كلّه،لا يترك مجالا لأيّة شبهة من أيّ نوع كان،فكيف يطلب البرهان على شركهم،لتكون النّتيجة-بعد ذلك-الوصول إلى حالة العلم،بأنّ اللّه هو الحقّ؟
و الجواب عن ذلك:أنّ التّعبير هنا وارد على سبيل تصوير طبيعة المسألة من خلال توفّر العناصر اليقينيّة في تأكيد الحقيقة،في انطلاقهم من حالة غير برهانيّة.أمّا التّعبير بكلمة فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّهِ فالظّاهر أنّ المراد بها:ظهور هذه المسألة في ذلك الموقف،و كثيرا ما يعبّر في القرآن عن ظهور ما يعلمه اللّه بحصول العلم فيه،من جهة إرادة ظهوره،و اللّه العالم.(17:331)
51- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ. الرّوم:60
راجع و ع د:«وعد اللّه».
52- قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ.
سبأ:49
ابن مسعود:الجهاد بالسّيف.
(الماورديّ 4:457)
و هذا هو المرويّ عن الباقر عليه السّلام.(الثّعلبيّ 8:94)
ابن عبّاس: ظهر الإسلام و كثر المسلمون.(363).
قتادة :القرآن.(الطّبريّ 22:106)
ابن زيد:بعثة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.
(الماورديّ: 4:457)
الطّبريّ: قل لهم يا محمّد:جاء القرآن و وحي اللّه.
(22:105)
الزّجّاج: أي قل جاء أمر اللّه الّذي هو الحقّ.
(4:258)
النّحّاس: و التّقدير:جاء صاحب الحقّ.
(القرطبيّ 14:313)
الثّعلبيّ: القرآن و الإسلام.(8:94)
مثله البغويّ(3:685)،و الميبديّ(8:151).
الطّوسيّ: يعني أمر اللّه بالإسلام و التّوحيد.
(8:407)
مثله الطّبرسيّ(4:396)،و نحوه أبو السّعود(5:
266)،و البروسويّ(7:308).
الزّمخشريّ: و(الحقّ):القرآن،و قيل:الإسلام و قيل:السّيف.(3:295)
ابن عطيّة: يريد الشّرع و أمر اللّه و نهيه.و قال قوم:يعني السّيف.(4:425)
الفخر الرّازيّ: لمّا ذكر اللّه أنّه يقذف بالحقّ و كان ذلك بصيغة الاستقبال،ذكر أنّ ذلك الحقّ قد جاء،و فيه وجوه:
أحدها:أنّه القرآن.
الثّاني:أنّه بيان التّوحيد و الحشر،و كلّ ما ظهر على لسان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.
الثّالث:المعجزات الدّالّة على نبوّة محمّد عليه السّلام.
ص: 140
و يحتمل أن يكون المراد من جاءَ الْحَقُّ: ظهر الحقّ،لأنّ كلّ ما جاء فقد ظهر،و الباطل:خلاف الحقّ، و قد بيّنّا أنّ الحقّ هو الموجود.و لمّا كان ما جاء به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يمكن انتفاؤه كالتّوحيد و الرّسالة و الحشر، كان حقّا لا ينتفي،و لمّا كان ما يأتون به من الإشراك و التّكذيب لا يمكن وجوده،كان باطلا لا يثبت،و هذا المعنى يفهم من قوله: وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ.
(25:270)
نحوه ملخّصا الشّربينيّ.(3:307)
القرطبيّ: النّحّاس:و التّقدير:جاء صاحب الحقّ،أي الكتاب الّذي فيه البراهين و الحجج.
(14:313)
البيضاويّ: أي الإسلام.(2:265)
الآلوسيّ: أي الإسلام و التّوحيد أو القرآن، و قيل:السّيف،لأنّ ظهور الحقّ به،و هو كما ترى.(22:156)
ابن عاشور :و جملة قُلْ جاءَ الْحَقُّ تأكيد لجملة قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ سبأ:48،فإنّ (الحقّ)قد جاء بنزول القرآن و دعوة الإسلام.و عطف وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ على جاءَ الْحَقُّ لأنّه إذا جاء الحقّ انقشع الباطل من الموضع الّذي حلّ فيه الحقّ.(22:99)
الطّباطبائيّ: المراد بمجيء الحقّ-على ما تهدي إليه الآية السّابقة-:نزول القرآن المبطل بحججه القاطعة و براهينه السّاطعة لكلّ باطل من أصله.(16:389)
مكارم الشّيرازيّ: بالالتفات إلى ما قيل حول حقّانيّة دعوة الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله،تضيف الآية الّتي بعدها قائلة أنّ القرآن واقع غير قابل للإنكار،لأنّه ملقى من اللّه سبحانه و تعالى على قلب الرّسول صلّى اللّه عليه و آله: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاّمُ الْغُيُوبِ. [ثمّ نقل معنى القذف و علاّم الغيوب و قال:]
و بذا تكون الآية تعبيرا مشابها لما ورد في الآية:
18،من سورة الأنبياء بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ...
و بعدئذ و لزيادة التّأكيد يضيف سبحانه و تعالى:
قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ و عليه فلن يكون للباطل أيّ دور مقابل الحقّ،لا خطّة أولى جديدة و لا خطّة معادة؛إذ خطط الباطل نقش على الماء، و لهذا السّبب فلم يتمكّن الباطل من طمس نور الحقّ، و محو أثره من القلوب.
مع أنّ بعض المفسّرين أرادوا حصر مصاديق (الحقّ)و(الباطل)في هذه الآية في حدود معيّنة،لكنّ الواضح أنّ مفهوم الاثنين واسع و شامل جدّا،القرآن، و الوحي الإلهيّ،تعليمات الإسلام،جميعها مصاديق لمفهوم(الحقّ)،و الشّرك و الكفر،و الضّلال،و الظّلم و الذّنوب،و وساوس الشّيطان،و البدع الطّاغوتيّة كلّها تندرج تحت معنى(الباطل).و في الحقيقة فإنّ هذه الآية شبيهة بالآية:81،من سورة الإسراء، وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.
يثار هنا سؤال،و هو أنّ هذه الآية أعلاه تقول:إنّه
ص: 141
بظهور الحقّ،يمحق الباطل،و يفقد كلّ خلاّقيّته،و الحال أنّنا نرى أنّ الباطل له جولات وصيت إلى الآن، و يسيطر على مناطق كثيرة؟.
و للإجابة على هذا السّؤال،يجب الالتفات إلى ما يلي:
أوّلا:إنّه بظهور الحقّ و إشراقه،فإنّ الباطل- و الّذي هو الشّرك و النّفاق و الكفر و كلّ ما ينبع عنها- يفقد بريقه،و إذا استمرّ وجوده فبالقوّة و الظّلم و الضّغط،و إلاّ فإنّ النّقاب قد أزيل عن وجهه،و ظهرت صورته القبيحة لمن يطلب الحقّ،و هذا هو المقصود من:
مجيء الحقّ و محو الباطل.
ثانيا:لأجل تحقّق حكومة الحقّ و زوال حكومة الباطل في العالم،فإضافة إلى الإمكانيّات الّتي يضعها اللّه في خدمة عباده،هناك شرائط أخرى مرتبطة بالعباد أنفسهم،و الّتي أهمّها«القيام بترتيب المقدّمات للاستفادة من تلك الإمكانيّات الإلهيّة»و بتعبير آخر فإنّ انتصار الحقّ على الباطل ليس فقط في المناحي العقائديّة و المنطقيّة و في الأهداف،بل في المناحي الإجرائيّة على أساسين،«فاعليّة الفاعل»و«قابليّة القابل»و إذا لم يصل الحقّ إلى النّصر على الباطل في المرحلة العمليّة نتيجة عدم تحقّق القابليّة،فليس ذلك دليلا على عدم انتصاره.
و لنضرب لذلك مثلا قرآنيّا،فالآية الكريمة تقول:
اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60،و لكن المعلوم لدينا بأنّ استجابة الدّعاء ليست بدون قيد أو شرط، فإن تحقّقت شرائط الدّعاء فهو مستجاب قطعا،و في غير هذه الحالة ينبغي عدم انتظار الاستجابة.
و ذلك بالضّبط،كما لو أنّنا أتينا بطبيب حاذق لمريض ممدّد على فراشه،و عندها نقول له:زادت فرصة النّجاة لك،و في أيّ وقت أحضرنا له دواء نذكره بأنّنا قد حلّلنا له مشكلا آخر،في حين أنّ كلّ هذه الأمور هي مقتضيات الشّفاء ليست علّة عامّة،فيجب أن يكون الدّواء مؤثّرا في المريض،و أن تراعى توصيات الطّبيب، كما أنّه يجب أن لا ننسى الحمية و أثرها،لكي يتحقّق الشّفاء العينيّ و الواقعيّ،تأمّل.(13:446)
فضل اللّه :في هذا القرآن الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه،ليتحدّى الآخرين،في ما يطلق من عقائد و مفاهيم و تشريعات للحياة و يحرّك من ساحات الصّراع القائم على الحجّة الواضحة و البيّنة القاطعة،على أساس الخطّ الّذي يتحرّك فيه العقل ليدلّ على اللّه،و ليكشف العمق الخفيّ من آياته،و ليوضّح مشكلات الأفكار،و يواجه تحدّيات الفكر الآخر المضادّ،لقد جاء ليفتح العقول على الإسلام،لتفهمه و لتتأمّل فيه،و لتناقشه و لتقتنع به و لتدعو له،و لتلزم به ليكون الدّين كلّه للّه.(19:71)
53- إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ. فاطر:24
ابن عبّاس: (بالحقّ)بالقرآن.(366)
نحوه الماورديّ.(4:470)
ص: 142
الطّبريّ: و هو الإيمان باللّه،و شرائع الدّين الّتي افترضها على عباده.(22:130)
الطّوسيّ: أي بالدّين الصّحيح.(8:425)
مثله الطّبرسيّ.(4:405)
الميبديّ: أي بالدّين الحقّ،و قيل:بالقرآن.
(8:175)
الزّمخشريّ: (بالحقّ)حال من أحد الضّميرين، يعني محقّا أو محقّين،أو صفة للمصدر،أي إرسالا مصحوبا بالحقّ،أو صلة ل(بشير و نذير)،على-معنى- بشيرا بالوعد الحقّ،و نذيرا بالوعيد الحقّ.(3:306)
نحوه أبو السّعود.(5:279)
أبو حيّان :و(بالحقّ)حال من الفاعل،أي محقّ، أو من المفعول،أي محقّا،أو صفة لمصدر محذوف،أي إرسالا بالحقّ،أي مصحوبا.[و نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]
و لا يمكن أن يتعلّق(بالحقّ)هذا بشير و نذير معا، بل ينبغي أن يتأوّل كلامه على أنّه أراد أنّ ثمّ محذوفا، و التّقدير:بالوعد الحقّ بشيرا،و بالوعيد الحقّ نذيرا، فحذف المقابل لدلالة مقابله عليه.(7:309)
الشّربينيّ: (بالحقّ)أي الأمر الكامل في الثّبات الّذي يطابقه الواقع،فإنّ من نظر إلى كثرة ما أوتيه من الدّلائل،علم مطابقة الواقع لما يأمر به.
تنبيه:يجوز في قوله تعالى(بالحقّ)أوجه:
أحدها:أنّه حال من الفاعل،أي أرسلناك محقّين، أو من المفعول،أي محقّا،أو نعت لمصدر محذوف،أي إرسالا متلبّسا بالحقّ.و يجوز أن يكون صلة لقوله تعالى:
(بشيرا)أي لمن أطاع(و نذيرا)أي لمن عصى.
(3:323)
ابن عاشور :استئناف ثناء على النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم،و تنويه به و بالإسلام،و فيه دفع توهّم أن يكون قصره على النّذارة قصرا حقيقا،لتبيّن أنّ قصره على النّذارة بالنّسبة للمشركين الّذين شابه حالهم حال أصحاب القبور،أي أنّ رسالتك تجمع بشارة و نذارة،فالبشارة لمن قبل الهدى،و النّذارة لمن أعرض عنه،و كلّ ذلك حقّ،لأنّ الجزاء على حسب القبول،فهي رسالة ملابسة للحقّ،و وضع الأشياء مواضعها.
فقوله:(بالحقّ)إمّا حال من ضمير المتكلّم في (ارسلناك)أي محقّين غير لاعبين،أو من كاف الخطاب، أي محقّا أنت غير كاذب،أو صفة لمصدر محذوف،أي إرسالا ملابسا بالحقّ،لا يشوبه شيء من الباطل.
(22:151)
54- يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ... ص:26
ابن عبّاس: بالعدل.(382)
مثله البغويّ(4:66)،و الميبديّ(8:339)،و ابن الجوزيّ(7:124)،و القرطبيّ(15:189).
الطّبريّ: بالعدل و الإنصاف.(23:151)
الزّجّاج: أي بحكم اللّه إذ كنت خليفته.(4:329)
مثله الزّمخشريّ(3:372)،و نحوه البيضاويّ(2:308).
ص: 143
الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:بالعدل،الثّاني:
بالحقّ الّذي لزمك لنا.(5:90)
الطوسيّ: بوضع الأشياء مواضعها على ما أمرك اللّه.(8:556)
نحوه الطّبرسيّ.(4:473)
الشّربينيّ: أي بالعدل،لأنّ الأحكام إذا كانت مطابقة للشّريعة الحقّة الإلهيّة انتظمت مصالح العالم و اتّسعت أبواب الخيرات،و إذا كانت الأحكام على وفق الأهوية و تحصيل مقاصد الأنفس،أفضى ذلك إلى تخريب العالم،و وقوع الهرج فيه و المرج في الخلق،و ذلك يفضي إلى هلاك ذلك الحاكم.(3:410)
أبو السّعود :بحكم اللّه تعالى،فإنّ الخلافة بكلا معنييه مقتضية له حتما.(5:358)
البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]
و حكم اللّه بين خلقه هو العدل المحض،و به يكون الحاكم عادلا لا جائرا.(8:22)
الآلوسيّ: الّذي شرعه اللّه تعالى لك،ف(الحقّ) خلاف الباطل و«أل»فيه للعهد.و جوّز أن يراد به ما هو من أسمائه تعالى،أي بحكم الحقّ،أي اللّه عزّ و جلّ، للعلم بأنّ الذّوات لا يكون محكوما بها.
و تعقّب بأنّ مقابلته بالهوى تأبى ذلك،و لعلّ من يقول به يجعل المقابل المضاف المحذوف،و المقابلة باعتبار أنّ حكم اللّه تعالى لا يكون إلاّ بالحقّ.و فرّع الأمر بالحكم بالحقّ على ما تقدّم،لأنّ الاستخلاف بكلا المعنيين مقتض للحكم العدل،لا سيّما على المعنى الأوّل، لظهور اقتضاء كونه عليه السّلام خليفة له تعالى أن لا يخالف حكمه حكم من استخلفه،بل يكون على وفق إرادته و رضاه.
و قيل:المترتّب مطلق الحكم،لظهور ترتّبه على كونه خليفة،و ذكر(الحقّ)لأنّ به سداده.و قيل:ترتّب ذلك، لأنّ الخلافة نعمة عظيمة شكرها العدل.(23:187)
مكارم الشّيرازيّ: هذه الآية تضمّ خمس جمل، كلّ واحدة منها تتابع الحديث عن حقيقة معيّنة...
الجملة الثّانية:تأمر داود قائلة:بعد أن منحك اللّه سبحانه و تعالى هذه النّعمة الكبيرة،أي الخلافة،فإنّك مكلّف بأن تحكم بين النّاس بالحقّ.و في واقع الأمر فإنّ إحدى ثمار خلافة اللّه هي ظهور حكومة تحكم بالحقّ، و من هذه الجملة يمكن القول إنّ حكومة الحقّ تنشأ فقط عن خلافة اللّه،و إنّها النّتيجة المباشرة لها.(14:445)
فضل اللّه :لأنّ موقعك هو موقع إقامة الحقّ في الفكر و الواقع على مستوى الدّعوة،و على مستوى الحكم في الخلافات الّتي تحدث بين النّاس،و على صعيد ما يمارسونه من سلوكهم العامّ و الخاصّ.(19:253)
55- قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ. ص:84،85
ابن عبّاس: (فالحقّ)يقول:أنا الحقّ(و الحقّ) يقول:و بالحقّ.(385)
مجاهد :يقول اللّه:أنا الحقّ،و الحقّ أقول.
(الطّبريّ 23:187)
ص: 144
الحسن:معناه حقّا حقّا لأملأنّ جهنّم منك و ممّن تبعك منهم أجمعين.(الماورديّ 5:112)
السّدّيّ: قسم أقسم اللّه به.(الطّبريّ 23:188)
الفرّاء: قرأ الحسن و أهل الحجاز بالنّصب فيهما.
و قرأ الأعمش و عاصم،و أكبر منهم ابن عبّاس و مجاهد بالرّفع في الأولى،و النّصب في الثّانية.
[و]عن أبان بن تغلب عن مجاهد أنّه قرأ (فالحقّ منّى و الحقّ اقول): و أقول الحقّ،و هو وجه،و يكون رفعه على إضمار:فهو الحقّ.
و ذكر عن ابن عبّاس أنّه قال:فأنا الحقّ و أقول الحقّ.و قد يكون رفعه بتأويل جوابه،لأنّ العرب تقول:
الحقّ لأقومنّ،و يقولون:عزمة صادقة لآتينّك،لأنّ فيه تأويل:عزمة صادقة أن آتيك.[إلى أن قال:]
و من نصب(الحقّ و الحقّ)فعلى معنى قولك:حقّا لآتينّك،و الألف و اللاّم و طرحهما سواء،و هو بمنزلة قولك:حمدا للّه و الحمد للّه،و لو خفض الحقّ الأوّل خافض يجعله اللّه تعالى،يعني في الإعراب،فيقسم به، كان صوابا.
و العرب تلقي الواو من القسم و يخفضونه،سمعناهم يقولون:اللّه لتفعلنّ،فيقول المجيب:اللّه لأفعلنّ،لأنّ المعنى مستعمل و المستعمل يجوز فيه الحذف،كما يقول القائل للرّجل:كيف أصبحت؟فيقول:خير،يريد بخير،فلمّا كثرت في الكلام حذفت.(2:412)
الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ فقرأ بعض أهل الحجاز و عامّة الكوفيّين برفع الحقّ الأوّل،و نصب الثّاني.
و في رفع الحقّ الأوّل إذا قرئ كذلك وجهان:
أحدهما:رفعه بضمير:للّه الحقّ،أو أنا الحقّ و أقول الحقّ.
و الثّاني:أن يكون مرفوعا بتأويل قوله:
لَأَمْلَأَنَّ، فيكون معنى الكلام حينئذ:فالحقّ أن أملأ جهنّم منك،كما يقول:عزمة صادقة لآتينّك،فرفع «عزمة»بتأويل:لآتينّك،لأنّ تأويله أن آتيك،كما قال: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ يوسف:35،فلا بدّ لقوله: بَدا لَهُمْ من مرفوع،و هو مضمر في المعنى.
و قرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة و البصرة و بعض المكّيّين و الكوفيّين،بنصب الحقّ الأوّل و الثّاني كليهما، بمعنى:حقّا لأملأنّ جهنّم،و الحقّ أقول،ثمّ أدخلت الألف و اللاّم عليه،و هو منصوب،لأنّ دخولهما-إذا كان كذلك معنى الكلام-و خروجهما منه سواء،كما سواء قولهم:
حمدا للّه،و الحمد للّه،عندهم إذا نصب.
و قد يحتمل أن يكون نصبه على وجه الإغراء، بمعنى:الزموا الحقّ،و اتّبعوا الحقّ.و الأوّل أشبه،لأنّه خطاب من اللّه لإبليس،بما هو فاعل به و بتباعه.
و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب أن يقال:
إنّهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب،لصحّة معنييهما.
و أمّا الحقّ الثّاني،فلا اختلاف في نصبه بين قرّاء الأمصار كلّهم،بمعنى:و أقول الحقّ.(23:187)
ص: 145
الزّجّاج:و قرئت:(قال فالحقّ و الحقّ اقول) بنصبهما جميعا،فمن رفع فعلى ضربين:على معنى فأنا الحقّ و الحقّ أقول،و يجوز رفعه على معنى فالحقّ منّي.
و من نصب فعلى معنى:فالحقّ أقول،و الحقّ لأملأنّ جهنّم حقّا.(4:342)
أبو زرعة:قرأ عاصم و حمزة قالَ فَالْحَقُّ بالضّمّ،(و الحقّ)بالنّصب.و قرأ الباقون:بالنّصب فيهما.
من نصب(الحقّ)الأوّل كان منصوبا بفعل مضمر؛ و ذلك الفعل هو ما ظهر في نحو قوله: وَ يُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ يونس:82،و قوله: لِيُحِقَّ الْحَقَّ الأنفال:
8،و هذا هو الوجه.
و يجوز أن تنصب على التّشبيه بالقسم،فيكون النّاصب ل(الحقّ)ما ينصب القسم في نحو(اللّه لأفعلنّ)،فيكون التّقدير:(و الحقّ لأملأنّ).
فإن قلت:فقد اعترض بين القسم و جوابه قوله:
وَ الْحَقَّ أَقُولُ. فإنّ اعتراض هذه الجملة لا يمنع أن يفصل بين القسم و المقسم عليه،لأنّ ذلك ممّا يؤكّد القصّة.و قد يجوز أن يكون(الحقّ)الثّاني الأوّل،و كرّر على وجه التّوكيد.
و من رفع كان(الحقّ)محتملا لوجهين:
أحدهما:يكون خبر مبتدإ محذوف،تقديره:(أنا الحقّ و الحقّ أقول)،و يدلّ على ذلك قوله جلّ و عزّ:
رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ يونس:30،فكما جاز وصفه سبحانه بالحقّ،كذلك يجوز أن يكون خبرا في قوله:(أنا الحقّ).
و الوجه الثّاني:أن يكون(الحقّ)مبتدأ و خبره محذوفا،و تقديره:فالحقّ منّى كما قال: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ البقرة:147.(618)
نحوه الطّوسيّ(8:583)،و الطّبرسيّ(3:486)، و ابن عطيّة(4:516)،و أبو البركات(2:319)،و ابن الجوزيّ(7:158).
القيسيّ: انتصب(الحقّ)الأوّل على الإغراء،أي اتّبعوا الحقّ،و اسمعوا الحقّ،أو الزموا الحقّ.[و نقل قول الفرّاء و غيره في وجه الرّفع و النّصب ثمّ قال:]
و انتصب(الحقّ)الثّاني ب(اقول)تقول:قلت الحقّ،فتعمل القول.(2:255)
الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما:[قول مجاهد و قد تقدّم عن الطّبريّ]
الثّاني:الحقّ منّي و الحقّ قولي،رواه الحكم.
الثّالث:[قول الحسن و قد تقدّم](5:111)
البغويّ: قرأ عاصم و حمزة و يعقوب(فالحقّ) برفع القاف على الابتداء و خبره محذوف،تقديره:الحقّ منّي،و نصب الثّانية،أي و أنا أقول الحقّ،قاله مجاهد.
و قرأ الآخرون بنصبهما،و اختلفوا في وجههما،قيل:
نصب الأوّل على الإغراء كأنّه قال:الزم الحقّ،و الثّاني:
بإيقاع القول عليه،أي أقول الحقّ.
و قيل:الأوّل قسم،أي فبالحقّ و هو اللّه عزّ و جلّ، فانتصب بنزع الخافض،و هو حرف الصّفة.و انتصاب الثّاني بإيقاع القول عليه،و قيل:الثّاني تكرار القسم،
ص: 146
أقسم اللّه بنفسه.(4:78)
نحوه الميبديّ.(8:370)
الزّمخشريّ: قرئ (فالحقّ و الحقّ) منصوبين، على أنّ الأوّل مقسم به ك(اللّه)في:إنّ عليك اللّه أن تبايعا،و جوابه لَأَمْلَأَنَّ. وَ الْحَقَّ أَقُولُ اعتراض بين المقسم به و المقسم عليه،و معناه:و لا أقول إلاّ الحقّ.
و المراد ب(الحقّ)إمّا اسمه عزّ و علا الّذي في قوله:
أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ النّور:25،أو الحقّ الّذي هو نقيض الباطل،عظّمه اللّه بإقسامه به.
و مرفوعين على أنّ الأوّل مبتدأ محذوف الخبر، كقوله لعمرك،أي فالحقّ قسمي لأملأنّ،و الحقّ أقول، أي أقوله،كقوله:«كلّه لم أصنع».
و مجرورين على أنّ الأوّل مقسم به قد أضمر حرف قسمه،كقولك:اللّه لأفعلنّ،و الحقّ أقول،أي و لا أقول إلاّ الحقّ،على حكاية لفظ المقسم به،و معناه التّوكيد و التّشديد.و هذا الوجه جائز في المنصوب و المرفوع أيضا،و هو وجه دقيق حسن.
و قرئ برفع الأوّل و جرّه مع نصب الثّاني،و تخريجه على ما ذكرنا.(3:384)
نحوه البيضاويّ(2:315)،و النّسفيّ(4:48)،و أبو السّعود(5:375)،و البروسويّ(8:66)،و الآلوسيّ (23:229).
القرطبيّ: (قال فالحقّ و الحقّ اقول) هذه قراءة أهل الحرمين و أهل البصرة و الكسائيّ.و قرأ ابن عبّاس و مجاهد و عاصم و الأعمش و حمزة برفع الأوّل،و أجاز الفرّاء فيه الخفض.
و لا اختلاف في الثّاني في أنّه منصوب ب(اقول)، و نصب الأوّل على الإغراء،أي فاتّبعوا الحقّ و استمعوا الحقّ،و الثّاني بإيقاع القول عليه.و قيل:هو بمعنى أحقّ الحقّ أي أفعله.
قال أبو عليّ: الحقّ الأوّل منصوب بفعل مضمر،أي يحقّ اللّه الحقّ،أو على القسم و حذف حرف الجرّ،كما تقول:اللّه لأفعلنّ،و مجازه:قال:فبالحقّ و هو اللّه تعالى أقسم بنفسه.(و الحقّ اقول)جملة اعترضت بين القسم و المقسم عليه،و هو توكيد القصّة،و إذا جعل(الحقّ) منصوبا بإضمار فعل كان لَأَمْلَأَنَّ على إرادة القسم.
و قد أجاز الفرّاء و أبو عبيد أن يكون(الحقّ)منصوبا بمعنى حقّا لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ، و ذلك عند جماعة من النّحويّين خطأ،لا يجوز زيدا لأضربنّ،لأنّ ما بعد اللاّم مقطوع ممّا قبلها،فلا يعمل فيه،و التّقدير:على قولهما:
لأملأنّ جهنّم حقّا.
و من رفع(الحقّ)رفعه بالابتداء،أي فأنا الحقّ أو الحقّ منّي،رويا جميعا عن مجاهد.و يجوز أن يكون التّقدير:هذا الحقّ.
و قول ثالث على مذهب سيبويه و الفرّاء أنّ معنى:
فالحقّ لأملأنّ جهنّم بمعنى فالحقّ أن أملأ جهنّم.
و في الخفض قولان؛و هي قراءة ابن السّميقع و طلحة بن مصرّف:
أحدهما:أنّه على حذف حرف القسم.هذا قول
ص: 147
الفرّاء قال:كما يقول اللّه عزّ و جلّ:(لافعلنّ).و قد أجاز مثل هذا سيبويه،و غلّطه فيه أبو العبّاس و لم يجز الخفض لأنّ حروف الخفض لا تضمر.
و القول الآخر:أن تكون الفاء بدلا من واو القسم.
[ثمّ استشهد بشعر](15:229)
الشّربينيّ: أي بسبب إغوائك و غوايتهم أقول الحقّ،أي لا أقول إلاّ الحقّ،فإنّ كلّ شيء قلته ثبت،فلم يقدر أحد على نقضه و لا نقصه.(3:429)
ابن عاشور :و قوبل تأكيد عزمه الّذي دلّ عليه قوله: فَبِعِزَّتِكَ ص:82،بتأكيد مثله،و هو لفظ (الحقّ)الدّالّ على أنّ ما بعده حقّ ثابت لا يتخلّف،و لم يزد في تأكيد الخبر على لفظ(الحقّ)تذكيرا،بأنّ وعد اللّه تعالى حقّ لا يحتاج إلى قسم عليه،ترفّعا من جلال اللّه عن أن يقابل كلام الشّيطان بقسم مثله،و لذلك زاد هذا المعنى تقريرا بالجملة المعترضة،و هي(و الحقّ اقول)الّذي هو بمعنى:لا أقول إلاّ الحقّ،و لا حاجة إلى القسم.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن القرطبيّ](23:194)
الطّباطبائيّ: (فالحقّ)مبتدأ محذوف الخبر،أو خبر محذوف المبتدإ،و الفاء لترتيب ما بعده على ما قبله، و المراد بالحقّ ما يقابل الباطل،على ما يؤيّده إعادة الحقّ ثانيا باللاّم،و المراد به ما يقابل الباطل قطعا،و التّقدير:
فالحقّ أقسم به لأملأنّ جهنّم منك و ممّن تبعك منهم،أو فقولي الحقّ لأملأنّ إلخ.
و قوله: وَ الْحَقَّ أَقُولُ جملة معترضة تشير إلى حتميّة القضاء،و تردّ على إبليس ما يلوح إليه قوله:
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ص:76،إلخ،من كون قوله تعالى و هو أمره بالسّجود غير حقّ،و تقديم الحقّ في وَ الْحَقَّ أَقُولُ و تحليته باللاّم،لإفادة الحصر.(17:227)
مكارم الشّيرازيّ: في البداية ردّا على تهديد إبليس في إغواء كلّ بني آدم،عدا المخلصين منهم.يجيبه البارئ عزّ و جلّ بالقول: قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ، الّذي ورد في بداية السّورة إلى هنا حقّ،و الّذي ورد بشأن أحوال الأنبياء الكبار في هذه السّورة بسبب حروبهم و جهادهم حقّ،و الحديث في هذه السّورة عن القيامة و العذاب الأليم الّذي سينزل بالطّغاة،و النّعم الّتي سيغدقها البارئ عزّ و جلّ على أهل الجنّة حقّ،و نهاية السّورة حقّ،و اللّه سبحانه يقسم بالحقّ و يقول الحقّ، بأنّه سيملأ جهنّم بالشّيطان و أتباعه،و ذلك جواب قاطع على كلام إبليس بشأن إغوائه بني الإنسان،و بهذا وضّح البارئ عزّ و جلّ تكليف الجميع.
على أيّة حال،فإنّ هاتين الجملتين تشتملان على الكثير من التّأكيد،فتؤكّدان مرّتين على مسألة(الحقّ) و تقسمان بها،و عبارة لَأَمْلَأَنَّ رافقتها نون التّأكيد الثّقيلة،و أَجْمَعِينَ تأكيد مجدّد على كلّ ذلك،لكي لا يبقى لأحد أدنى شكّ و ترديد بهذا الشّأن؛إذ لا سبيل لنجاة الشّيطان و أتباعه،و الاستمرار بالسّير على خطاه يؤدّي إلى جهنّم.(14:513)
فضل اللّه :فهذا هو القضاء الّذي لا مردّ له،و الحقّ الّذي يفرض نفسه على الموقف كلّه،في مواجهة هذا التّحدّي المتمرّد على أوامر اللّه و نواهيه.(19:288)
ص: 148
56- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ. محمّد:2
ابن عبّاس: بما نزّل اللّه به جبريل على محمّد عليه الصّلاة و السّلام وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ يعني القرآن.
(427)
الطّوسيّ: من القرآن و العبادات و غيرها وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ الّذي لا مرية فيه...
و قوله: وَ هُوَ الْحَقُّ يعني القرآن-على ما قاله قوم-و قال آخرون:إيمانهم باللّه و بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ أي بلطفه لهم فيه و حثّه عليه و أمره به.(9:290)
الزّمخشريّ: اختصاص بالإيمان بالمنزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من بين ما يجب به الإيمان تعظيما لشأنه، و تعليما لأنّه لا يصحّ الإيمان و لا يتمّ إلاّ به،و أكّد ذلك بالجملة الاعتراضيّة الّتي هي قوله: وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ.
و قيل:معناها أنّ دين محمّد هو الحقّ؛إذ لا يرد عليه النّسخ و هو ناسخ لغيره.(3:530)
ابن عطيّة: و(الحقّ)هنا هو الشّرع و محمّد عليه السّلام.
(5:110)
الطّبرسيّ: أي و ما نزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله هو الحقّ من ربّهم،لأنّه ناسخ للشرائع،و النّاسخ هو الحقّ.
و قيل:معناه و محمّد الحقّ من ربّهم دون ما يزعمون من أنّه سيخرج في آخر الزّمان نبيّ من العرب،فليس هذا هو،فردّ اللّه ذلك عليهم.(5:96)
القرطبيّ: يريد أنّ إيمانهم هو الحقّ من ربّهم.
و قيل:أي إنّ القرآن هو الحقّ من ربّهم،نسخ به ما قبله.
(16:224)
الشّربينيّ: أي هذا الّذي نزل عليه صلّى اللّه عليه و سلّم موصوف بأنّه(الحقّ)أي الكامل في الحقيقة ينسخ و لا ينسخ.
(4:22)
أبو السّعود :بطريق حصر الحقّيّة فيه،و قيل:
حقّيّته بكونه ناسخا غير منسوخ،ف(الحقّ)على هذا مقابل الزّائل،و على الأوّل مقابل الباطل،و أيّا ما كان فقوله تعالى: مِنْ رَبِّهِمْ حال من ضمير(الحقّ).
(6:83)
نحوه البروسويّ.(8:497)
الآلوسيّ: و هو جملة معترضة بين المبتدإ و الخبر مفيدة لحصر الحقّيّة فيه،على طريقة الحصر في قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ و قولك:حاتم الجواد،فيراد ب(الحقّ)ضدّ الباطل.
و جوّز أن يكون الحصر على ظاهره،و(الحقّ) الثّابت،و حقّيّة ما نزل عليه الصّلاة و السّلام لكونه ناسخا لا ينسخ،و هذا يقتضي الاعتناء به،و منه جاء التّأكيد،و أيّا ما كان فقوله تعالى: مِنْ رَبِّهِمْ حال من ضمير(الحقّ).(26:37)
ابن عاشور :و زيد في جانب المؤمنين التّنويه بشأن القرآن بالجملة المعترضة قوله: وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ و هو نظير لوصفه:ب سَبِيلِ اللّهِ في قوله:
ص: 149
وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ محمّد:1.(26:63)
الطّباطبائيّ: جملة معترضة،و الضّمير راجع إلى ما نزل.(18:223)
عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّ المؤمنين الّذين آمنوا باللّه،إنّما يؤمنون-إذ يؤمنون بما أنزل على محمّد-بالحقّ المنزل من ربّهم،فمن أنكر هذا الحقّ المنزل من عند اللّه،فليعلم أنّ ما عنده من إيمان ليس من الحقّ؛ إذ لو كان حقّا لالتقى مع هذا الحقّ،فالحقّ لا يصادم الحقّ،و لا تختلف طريقه معه.(13:307)
57- وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. ق:19
ابن عبّاس: بالشّقاء و السّعادة.(439)
مقاتل:يعني أنّه حقّ كائن.(4:112)
الفرّاء: و في قراءة عبد اللّه: (سكرة الحقّ بالموت) فإن شئت أردت(بالحقّ)أنّه اللّه عزّ و جلّ،و إن شئت جعلت«السّكرة»هي الموت،أضفتها إلى نفسها،كأنّك قلت:جاءت السّكرة الحقّ بالموت،و قوله: سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ يقول:بالحقّ الّذي قد كان غير متبيّن لهم من أمر الآخرة،و يكون(الحقّ)هو الموت،أي جاءت سكرة الموت بحقيقة الموت.(3:78)
الطّبريّ: [و فيها] وجهان من التّأويل:
أحدهما:و جاءت سكرة الموت،و هي شدّته و غلبته على فهم الإنسان،كالسّكرة من النّوم أو الشّراب،(بالحقّ)من أمر الآخرة،فتبيّنه الإنسان حتّى تثبّته و عرفه.
و الثّاني:و جاءت سكرة الموت بحقيقة الموت.
(26:160)
الزّجّاج: (بالحقّ)أي بالموت الّذي خلق له.
و قال بعضهم:(و جاءت سكرة الحقّ بالموت) و رويت عن أبي بكر رحمه اللّه و المعنى واحد،و قيل:
(الحقّ)هاهنا اللّه عزّ و جلّ.(5:45)
الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:
أحدهما:جاءت السّكرة بالحقّ من أمر الآخرة، حتّى عرفه صاحبه،و اضطرّ إليه.
و الآخر:و جاءت سكرة الموت بالحقّ الّذي هو الموت.و روي أنّ أبا بكر و ابن مسعود كانا يقرءان (و جاءت سكرة الحقّ بالموت) و هي قراءة أهل البيت عليهم السّلام.(9:365)
البغويّ: أي بحقيقة الموت،و قيل:بالحقّ من أمر الآخرة حتّى يتبيّنه الإنسان و يراه بالعيان.
و قيل:بما يؤول إليه أمر الإنسان من السّعادة و الشّقاوة.(4:273)
الميبديّ: (بالحقّ)ببيان ما يصير إليه الإنسان بعد موته،من جنّة أو نار.
و قيل:(بالحقّ)أي بأمر اللّه و حكمه الّذي عمّ به جميع الأحياء.
و قيل:بما يؤول إليه الأمر من السّعادة و الشّقاوة.
(9:288)
الزّمخشريّ: و الباء في(بالحقّ)للتّعدية،يعني
ص: 150
و أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر الّذي أنطق اللّه به كتبه و بعث به رسله،أو حقيقة الأمر و جليّة الحال من سعادة الميّت و شقاوته.
و قيل:الحقّ الّذي خلق له الإنسان أنّ كلّ نفس ذائقة الموت.
و يجوز أن تكون الباء مثلها في قوله تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ المؤمنون:20،أي و جاءت ملتبسة بالحقّ، أي بحقيقة الأمر،أو بالحكمة و الغرض الصّحيح،كقوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ الأنعام:
73.(4:7)
نحوه أبو حيّان(8:124)،و أبو السّعود(6:126)
الفخر الرّازيّ: و قوله:(بالحقّ)يحتمل وجوها:
أحدها:أن يكون المراد منه:الموت،فإنّه حقّ،كأنّ شدّة الموت تحضر الموت،و الباء حينئذ للتّعدية.يقال:
جاء فلان بكذا،أي أحضره.
و ثانيها:أن يكون المراد من(الحقّ)ما أتى به من الدّين،لأنّه حقّ،و هو يظهر عند شدّة الموت.و ما من أحد إلاّ و هو في تلك الحالة يظهر الإيمان،لكنّه لا يقبل إلاّ ممّن سبق منه ذلك،و آمن بالغيب.و معنى المجيء به،هو أنّه يظهره،كما يقال:الدّين الّذي جاء به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أي أظهره.و لمّا كانت شدّة الموت مظهرة له قيل فيه:جاء به،و الباء حينئذ يحتمل أن يكون المراد منها ملبسة.
يقال:جئتك بأمل فسيح و قلب خاشع.(28:164)
القرطبيّ: الإنسان ما دام حيّا تكتب عليه أقواله و أفعاله ليحاسب عليها،ثمّ يجيئه الموت و هو ما يراه عند المعاينة من ظهور الحقّ،فيما كان اللّه تعالى وعده و أوعده.
و قيل:(الحقّ)هو الموت سمّي حقّا إمّا لاستحقاقه و إمّا لانتقاله إلى دار الحقّ،فعلى هذا يكون في الكلام تقديم و تأخير،و تقديره:«جاءت سكرة الحقّ بالموت» و كذلك في قراءة أبي بكر و ابن مسعود رضي اللّه عنهما، لأنّ«السّكرة»هي الحقّ،فأضيفت إلى نفسها لاختلاف اللّفظين.
و قيل:يجوز أن يكون(الحقّ)على هذه القراءة هو اللّه تعالى،أي جاءت سكرة أمر اللّه تعالى بالموت.
و قيل:(الحقّ)هو الموت،و المعنى:و جاءت سكرة الموت بالموت،ذكره المهدويّ.(17:12)
الشّربينيّ: أي الأمر الثّابت الّذي يطابقه الواقع، فلا حيلة في الاحتراس منه.و قيل:للميّت بلسان الحال إن لم يكن بلسان المقال.(4:84)
القاسميّ: أي بالموعود الحقّ،و الأمر المحقّق،و هو الموت،فالباء للملابسة،أو بالموعود الحقّ من أمر الآخرة،و الثّواب و العقاب الّذي غفل عنه،فالباء للتّعدية،أي أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر،و هي أحوالها الباطنة،و أظهرتها عليه.(15:5500)
الطّباطبائيّ: و في تقييد مجيء سَكْرَةُ الْمَوْتِ ب(الحقّ)إشارة إلى أنّ الموت داخل في القضاء الإلهيّ،مراد في نفسه في نظام الكون،كما يستفاد من قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ الأنبياء:35،و قد
ص: 151
مرّ تفسيره،فالموت-و هو الانتقال من هذه الدّار إلى دار بعدها-حقّ كما أنّ البعث حقّ و الجنّة حقّ و النّار حقّ.
و في معنى كون الموت بالحقّ أقوال أخر لا جدوى في نقلها و التّعرّض لها.(18:348)
عبد الكريم الخطيب :و قوله تعالى:(بالحقّ) متعلّق بالفعل(جاء)أي جاءت سكرة الموت محملّة بالحقّ،الّذي غاب عن هذا الإنسان الّذي لا يؤمن باليوم الآخر؛حيث يرى عند الاحتضار،ما لم يكن يراه من قبل،و حيث يبدو له في تلك السّاعة كثير من شواهد الحياة الآخرة،الّتي هو آخذ طريقه إليها.(13:480)
58- ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً.
النّبأ:39
ابن عبّاس: الكائن يكون فيه ما وصفت.(499)
نحوه البغويّ(5:202)،و ابن الجوزيّ(9:13)، و القرطبيّ(19:186)،و البيضاويّ(2:535).
الطّبريّ: يقول:إنّه حقّ كائن،لا شكّ فيه.
(30:25)
نحوه الطّوسيّ(10:249)،و الطّبرسيّ(5:427)، و الشّربينيّ(4:474).
الماورديّ: و في تسميته(الحقّ) وجهان:
أحدهما:لأنّ مجيئه حقّ،و قد كانوا على شكّ.
الثّاني:أنّ اللّه تعالى يحكم فيه بالحقّ بالثّواب و العقاب.(6:190)
القشيريّ: هم بمشهد الحقّ،و الحكم عليهم الحقّ، حكم عليهم بالحقّ،و هم مجذوبون بالحقّ للحقّ.
(6:248)
الميبديّ: لا باطل فيه و لا ظلم،بل ينتصف الضّعيف من القويّ،و مجيئه حقّ كائن يوجد لا محالة، و قد كانوا فيه على شكّ.(10:359)
نحوه النّيسابوريّ.(30:12)
ابن عطيّة: أي الحقّ كونه و وجوده.(5:429)
نحوه أبو حيّان.(8:416)
الفخر الرّازيّ: و في وصف(اليوم)بأنّه حقّ وجوه:
أحدها:أنّه يحصل فيه كلّ حقّ،و يندمغ كلّ باطل، فلمّا كان كاملا في هذا المعنى قيل:إنّه حقّ،كما يقال:
فلان خير كلّه،إذا وصف بأنّ فيه خيرا كثيرا،و قوله:
ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ يفيد أنّه هو اليوم الحقّ و ما عداه باطل،لأنّ أيّام الدّنيا باطلها أكثر من حقّها.
و ثانيها:أنّ(الحقّ)هو الثّابت الكائن،و بهذا المعنى يقال:إنّ اللّه حقّ،أي هو ثابت لا يجوز عليه الفناء، و يوم القيامة كذلك فيكون حقّا.
و ثالثها:أنّ ذلك اليوم هو اليوم الّذي يستحقّ أن يقال له:يوم،لأنّ فيه تبلى السّرائر و تنكشف الضّمائر.
و أمّا أيّام الدّنيا فأحوال الخلق فيها مكتومة،و الأحوال فيها غير معلومة.(31:25)
أبو السّعود :أي الثّابت المتحقّق،لا محالة،من غير صارف يلويه،و لا عاطف يثنيه.(6:362)
نحوه الآلوسيّ.(30:21)
ص: 152
البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]
و ذلك لأنّه متحقّق علما،فلا بدّ أن يكون متحقّقا وقوعا كالصّباح بعد مضيّ اللّيل.و فيه إشارة إلى أنّه واقع ثابت في جميع الأوقات و الأحايين،و لكن لا يبصرون به لاشتغالهم بالنّفس الملهية و هواها الشّاغل.(10:311)
القاسميّ: أي الواقع الّذي لا يمكن إنكاره، و(الحقّ)صفة أو خبر.(17:6041)
سيّد قطب :فلا مجال للتّساؤل و الاختلاف، و الفرصة ما تزال سانحة.(6:3809)
الطّباطبائيّ: إشارة إلى يوم الفصل المذكور في السّورة،الموصوف بما مرّ من الأوصاف،و هو في الحقيقة خاتمة الكلام المنعطفة إلى فاتحة السّورة و ما بعده،أعني قوله: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً إلخ فضل تفريع على البيان السّابق.
و الإشارة إليه بالإشارة البعيدة للدّلالة على فخامة أمره،و المراد بكونه حقّا ثبوته حتما مقضيّا،لا يتخلّف عن الوقوع.(20:175)
الطّالقانيّ: (الحقّ):الواقع الثّابت مقابل الباطل.
(5:68)
مكارم الشّيرازيّ: (الحقّ):هو الأمر الثّابت واقعا،و الّذي تحقّقه قاطع.و هذا المعنى ينطبق تماما على يوم القيامة،لأنّه سيعطي كلّ إنسان حقّه،بإرجاع حقوق المظلومين من الظّالمين.و تتكشّف كلّ الحقائق الّتي كانت مخفيّة على الآخرين،فإنّه بحقّ:يوم الحقّ، و بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى.
و إذا ما التفت الإنسان إلى هذه الحقيقة:حقيقة يوم القيامة،فسيتحرّك بدافع قويّ نحو اللّه عزّ و جلّ، للحصول على رضوانه سبحانه،بامتثال أوامره تعالى، و لهذا يقول القرآن مباشرة: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً. (19:318)
فضل اللّه :الّذي لا محال للرّيب فيه،كما لا مجال للباطل أن يتحرّك فيه،إذا اعتبرنا المسألة على سبيل المبالغة،بأن يراد به اليوم الّذي يمثّل التّجسيد للحقّ في المضمون الّذي يحتويه في الحساب و نحوه،ممّا يجعل الّذين عملوا له في الدّنيا هم أصحاب هذا اليوم، فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً ليحصل على النّتائج الإيجابيّة من خلال سعيه في الدّنيا،ليرجع إلى اللّه في رحمته و رضوانه.(24:23)
59- إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ. العصر:3
ابن عبّاس: تحاثوا بالتّوحيد.(518)
نحوه مقاتل(4:523)،و يحيى بن سلاّم(الماورديّ 6:
334).الحسن:(الحقّ)كتاب اللّه.
(الطّبريّ 30:290)
مثله قتادة.(الطّبريّ 3:290)
السّدّيّ: أنّه اللّه.(الماورديّ 6:334)
الطّبريّ: يقول:و أوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنزل اللّه في كتابه من أمره،و اجتناب ما نهى
ص: 153
عنه فيه.(30:290)
الماورديّ: في(الحقّ)ثلاثة تأويلات:
أحدها:[قول يحيى بن سلاّم]
الثّاني:[قول قتادة]
الثّالث:[قول السّدّيّ]
و يحتمل رابعا:أن يوصي مخلّفيه عند حضور المنيّة ألاّ يموتنّ إلاّ و هم مسلمون.(6:334)
نحوه ابن الجوزيّ.(9:225)
الطّوسيّ: أي تواصى بعضهم بعضا باتّباع الحقّ و اجتناب الباطل.(10:405)
نحوه الطّبرسيّ.(5:536)
القشيريّ: و تواصوا بما هو حقّ،و تواصوا بما هو حسن و جميل...
وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ و هو الإيثار مع الخلق، و الصّدق مع الحقّ.(6:333)
الميبديّ: أي أوصى بعضهم بعضا بالإقامة على الحقّ قولا و فعلا.
و قيل:بطاعة اللّه و اجتناب معاصيه.
و قيل:(الحقّ)هو اللّه،و المعنى بتوحيد اللّه و القيام بما يحبّ له.
و قيل:(بالحقّ)يعني بالقرآن و الدّين.(10:605)
الزّمخشريّ: بالأمر الثّابت الّذي لا يسوغ إنكاره، و هو الخير كلّه،من توحيد اللّه و طاعته،و اتّباع كتبه و رسله،و الزّهد في الدّنيا،و الرّغبة في الآخرة.
(4:282)
نحوه الشّربينيّ(4:584)،و أبو السّعود(6:468)، و البروسويّ(10:507)،و الآلوسيّ(30:229).
النّيسابوريّ: و(الحقّ):خلاف الباطل،و يشتمل جميع الخيرات و ما يحقّ فعله.(30:174)
أبو حيّان :أي بالأمر الثّابت من الّذين عملوا به.
(8:509)
مكارم الشّيرازيّ: و(الحقّ)في الأصل:الموافقة و المطابقة للواقع.و ذكر للكلمة معان قرآنيّة متعدّدة، من ذلك:اللّه،و القرآن،و الإسلام،و التّوحيد،و العدل، و الصّدق و الوضوح،و الوجوب،و أمثالها من المعاني الّتي ترجع إلى نفس المعنى الأصليّ الّذي ذكرناه.
تَواصَوْا بِالْحَقِّ تحمل-على أيّ حال-معنى واسعا،يشمل الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، و يشمل أيضا تعليم الجاهل و إرشاده،و تنبيه الغافل، و الدّعوة إلى الإيمان و العمل الصّالح.(20:398)
1- كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. البقرة:180
الطّبريّ: يعني بذلك:فرض عليكم هذا و أوجبه، و جعله حقّا واجبا على من اتّقى اللّه،فأطاعه أن يعمل به.
فإن قال قائل:أو فرض على الرّجل ذي المال أن يوصي لوالديه و أقربيه الّذين لا يرثونه؟قيل:نعم.
فإن قال:فإن هو فرّط في ذلك فلم يوص لهم،
ص: 154
أ يكون مضيّعا فرضا يحرج بتضييعه؟قيل:نعم.
فإن قال:و ما الدّلالة على ذلك؟قيل:قول اللّه تعالى ذكره: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ إلخ.
فأعلم أنّه قد كتبه علينا و فرضه،كما قال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ البقرة:183،و لا خلاف بين الجميع أنّ تارك الصّيام و هو عليه قادر مضيّع بتركه فرضا للّه عليه،فكذلك هو بترك الوصيّة لوالديه و أقربيه و له ما يوصي لهم فيه،مضيّع فرض اللّه عزّ و جلّ.(2:115)
الزّجّاج: نصب على:حقّ ذلك عليكم حقّا،و لو كان في غير القرآن فرفع كان جائزا،على معنى ذلك حقّ على المتّقين.(1:251)
الثّعلبيّ: واجبا،و هو نصب على المصدر،أي حقّ ذلك حقّا.و قيل:على المفعول،أي جعل الوصيّة حقّا، و قيل:على القطع من الوصيّة.(2:57)
نحوه البغويّ.(1:212)
الطّوسيّ: و الحقّ:هو الفعل الّذي لا يجوز إنكاره.
و قيل:ما علم صحّته،سواء كان قولا أو فعلا أو اعتقادا.
و هو مصدر:حقّ يحقّ حقّا،و انتصب في الآية على المصدر،و تقديره:أحقّ حقّا.و قد استعمل على وجه الصّفة،بمعنى ذي الحقّ،كما وصف بالعدل.(2:110)
القشيريّ: من ترك مالا فالوصيّة له في ماله مستحبّة،و من لم يترك شيئا فأنّى بالوصيّة!في حالة الأغنياء يوصون في آخر أعمارهم بالثّلث،أمّا الأولياء فيخرجون في حياتهم عن الكلّ،فلا تبقى منهم إلاّ همّة انفصلت عنهم و لم تتّصل بشيء،لأنّ الحقّ لا سبيل للهمّة إليه،و الهمّة لا تعلّق لها بمخلوق،فبقيت وحيدة منفصلة غير متّصلة.و أنشدوا:
أحبّكم ما دمت فإن أمت
يحبّكم عظمي في التّراب رميم
(1:163)
الميبديّ: أي كتبت الوصيّة حقّا،كتبت الوصيّة عليكم كتابة بالحقّ و الصّدق،و هكذا ينبغي،و هكذا يكون.(1:478)
الزّمخشريّ: (حقّا)مصدر مؤكّد،أي حقّ ذلك حقّا.(1:334)
مثله البيضاويّ(1:100)،و النّيسابوريّ(2:94)، و أبو السّعود(1:240)،و نحوه ابن عطيّة(1:248).
الطّبرسيّ: أي حقّا واجبا على من آثر التّقوى، و هذا تأكيد في الوجوب.[ثم أدام البحث في نسخ الآية و عدمه](1:267)
الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فزيادة في توكيد وجوبه،فقوله:(حقّا) مصدر مؤكّد،أي حقّ ذلك حقّا.
فإن قيل:ظاهر هذا الكلام يقتضي تخصيص هذا التّكليف بالمتّقين دون غيرهم.
فالجواب من وجهين:
الأوّل:أنّ المراد بقوله: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ أنّه لازم لمن آثر التّقوى،و تحرّى و جعله طريقة له و مذهبا فيدخل الكلّ فيه.
الثّاني:أنّ هذه الآية تقتضي وجوب هذا المعنى على
ص: 155
المتّقين،و الإجماع دلّ على أنّ الواجبات و التّكاليف عامّة في حقّ المتّقين و غيرهم،فبهذا الطّريق يدخل الكلّ تحت هذا التّكليف،فهذا جملة ما يتعلّق بتفسير هذه الآية.
و اعلم أنّ النّاس اختلفوا في هذه الوصيّة،منهم من قال:كانت واجبة و منهم من قال:كانت ندبا،و احتجّ الأوّلون بقوله:(كتب)و بقوله:(عليكم)و كلا اللّفظين ينبئ عن الوجوب،ثمّ إنّه تعالى أكّد ذلك الإيجاب بقوله:
حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [ثمّ بسط الكلام في نسخ هذه الآية هل هي منسوخة أم لا؟و نقل الأقوال مع الدّلائل مبسوطا إن شئت راجع](5:67)
القرطبيّ: قوله تعالى:(حقّا)يعني ثابتا ثبوت نظر و تحصين،لا ثبوت فرض و وجوب،بدليل قوله: عَلَى الْمُتَّقِينَ.
و هذا يدلّ على كونه ندبا،لأنّه لو كان فرضا لكان على جميع المسلمين،فلمّا خصّ اللّه من يتّقي،أي يخاف تقصيرا،دلّ على أنّه غير لازم إلاّ فيما يتوقّع تلفه إن مات،فيلزمه فرضا المبادرة بكتبه و الوصيّة به،لأنّه إن سكت عنه كان تضييعا له و تقصيرا منه،و قد تقدّم هذا المعنى.
و انتصب(حقّا)على المصدر المؤكّد،و يجوز في غير القرآن(حقّ)بمعنى ذلك حقّ.(2:267)
أبو حيّان :انتصب(حقّا)على أنّه مصدر مؤكّد لمضمون الجملة،أي حقّ ذلك حقّا،قاله ابن عطيّة و الزّمخشريّ.
و هذا تأباه القواعد النّحويّة،لأنّ ظاهر قوله: عَلَى الْمُتَّقِينَ إذن يتعلّق(على)ب(حقّا)،أو يكون في موضع الصّفة له،و كلا التّقديرين يخرجه عن التّأكيد.
أمّا تعلّقه به فلأنّ المصدر المؤكّد لا يعمل إنّما يعمل المصدر الّذي ينحلّ بحرف مصدريّ،و الفعل أو المصدر الّذي هو بدل من اللّفظ بالفعل؛و ذلك مطّرد في الأمر و الاستفهام،على خلاف في هذا الأخير،على ما تقرّر في علم النّحو.
و أمّا جعله صفة ل(حقّا)أي حقّا كائنا على المتّقين، فذلك يخرجه عن التّأكيد،لأنّه إذ ذاك يتخصّص بالصّفة.
و جوّز المعربون أن يكون نعتا لمصدر محذوف:إمّا لمصدر من كُتِبَ عَلَيْكُمْ أي كتبا حقّا،و إمّا لمصدر من الوصيّة،أي إيصاء حقّا.
و أبعد من ذهب إلى أنّه منصوب ب(المتّقين)و إنّ التّقدير:على المتّقين حقّا،كقوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا الأنفال:4،لأنّه غير المتبادر إلى الذّهن،و لتقدّمه على عامله الموصول.
و الأولى عندي أن يكون مصدرا من معنى(كتب) لأنّ معنى:كتبت الوصيّة،أي وجبت و حقّت،فانتصابه على أنّه مصدر على غير الصّدر،كقولهم:قعدت جلوسا.و ظاهر قوله:(كتب)(حقّا)الوجوب؛إذ معنى ذلك الإلزام على المتّقين.(2:21)
نحوه الشّربينيّ.(1:117)
البروسويّ: أي أحقّ هذه الوصيّة حقّا.
(1:287)
ص: 156
الآلوسيّ: مصدر مؤكّد للحدث الّذي دلّ عليه (كتب)و عامله إمّا(كتب)أو(حقّ)محذوفا،أي حقّ ذلك حقّا،فهو على طرز:قعدت جلوسا.
و يحتمل أن يكون مؤكّدا لمضمون جملة كُتِبَ عَلَيْكُمْ، و إن اعتبر إنشاء،فيكون على طرز:له عليّ ألف عرفا.و جعله صفة لمصدر محذوف،أي إيصاء حقّا، ليس بشيء،و على التّقديرين عَلَى الْمُتَّقِينَ صفة له أو متعلّق بالفعل المحذوف على المختار.
و يجوز أن يتعلّق بالمصدر،لأنّ المفعول المطلق يعمل نيابة عن الفعل.(2:55)
القاسميّ: ثمّ أكّد تعالى الوجوب بقوله:(حقّا)، و كذا قوله: عَلَى الْمُتَّقِينَ، فهو إلهاب و تهييج و تذكير بما أمامه من القدوم،على من يسأله عن النّقير و القطمير.(3:410)
الطّباطبائيّ: لسان الآية لسان الوجوب،فإنّ الكتابة يستعمل في القرآن في مورد القطع و اللّزوم.
و يؤيّده ما في آخر الآية من قوله:(حقّا)،فإنّ«الحقّ» أيضا كالكتابة يقتضي معنى اللّزوم،لكن تقييد الحقّ بقوله: عَلَى الْمُتَّقِينَ، ممّا يوهن الدّلالة على الوجوب و العزيمة،فإنّ الأنسب بالوجوب أن يقال:حقّا على المؤمنين.
و كيف كان فقد قيل:إنّ الآية منسوخة بآية الإرث،و لو كان كذلك فالمنسوخ هو الفرض دون النّدب و أصل المحبوبيّة،و لعلّ تقييد الحقّ بالمتّقين في الآية،لإفادة هذا الغرض.(1:439)
عبد الكريم الخطيب:و في بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ حراسة مؤكّدة على هذا الاستثناء من أن يجور على الحكم العامّ أو يعطّله،و بهذه الحراسة المؤكّدة تكون الوصيّة دعامة قويّة يقوم عليها الميراث، و تكمل بها جوانب النّقص الّذي قد يكون فيه،في أحوال و ظروف خاصّة،يترك تقديرها للمورث،و لما في قلبه من تقوى،خاصّة،و هو على مشارف الطّريق إلى اللّه.
(1:197)
مكارم الشّيرازيّ: ذكرنا أنّ تعبير كُتِبَ عَلَيْكُمْ يدلّ على الوجوب...،و لهم فيها أقوال مختلفة:
1-جاء فيها بشأن كتابة الوصيّة،كونها حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. من هنا فإنّها مستحبّة استحبابا مؤكّدا، و لو كانت واجبة لقالت الآية:«حقّا على المؤمنين».
2-قيل أيضا:إنّ هذه الآية نزلت قبل نزول أحكام الإرث،و كانت الوصيّة آنئذ واجبة،كي لا يقع نزاع بين الورثة،ثمّ نسخ هذا الوجوب بعد نزول آيات الإرث، و أصبح حكما استحبابيّا.و في تفسير«العيّاشيّ»حديث يؤيّد هذا الاتّجاه.
3-يحتمل أيضا أن يكون حديث الآية عن موارد الضّرورة و الحاجة،أي حين يكون الإنسان مدينا،أو في ذمّته حقّ،و الوصيّة واجبة في هذه الحالات.
يبدو أنّ التّفسير الأوّل أقرب من بقيّة التّفاسير.
(1:446)
2- ...وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى
ص: 157
اَلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ.
البقرة:236
ابن عبّاس: واجبا على الموحّدين.(33)
نحوه ابن الجوزيّ.(1:280)
الفرّاء: (حقّا)فإنّه نصب من نيّة (1)الخبر،لا أنّه من نعت«المتاع»،و هو كقولك في الكلام:عبد اللّه في الدّار حقّا،إنّما نصب الحقّ من نيّة كلام المخبر،كأنّه قال:أخبركم خبرا حقّا،و بذلك حقّا.
و قبيح أن تجعله تابعا للمعرفات أو للنّكرات،لأنّ الحقّ و الباطل لا يكونان في أنفس الأسماء،إنّما يأتي بالأخبار؛من ذلك أن تقول:لي عليك المال حقّا.و قبيح أن تقول:لي عليك المال الحقّ،أو:لي عليك مال حقّ، إلاّ أن تذهب به إلى أنّه:حقّ لي عليك،فتخرجه مخرج المال،لا على مذهب الخبر.
و كلّ ما كان في القرآن ممّا فيه من نكرات الحقّ أو معرفته،أو ما كان في معنى الحقّ،فوجه الكلام فيه النّصب،مثل قوله: وَعْدَ الْحَقِّ إبراهيم:22، و وَعْدَ الصِّدْقِ الأحقاف:16،و مثل قوله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا يونس:4،هذا على تفسير الأوّل.
و أمّا قوله: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ الكهف:
44،فالنّصب في«الحقّ»جائز،يريد حقّا،أي أخبركم أنّ ذلك حقّ.و إن شئت خفضت«الحقّ»،تجعله من صفة اللّه تبارك و تعالى،و إن شئت رفعته فتجعله من صفة الولاية،و كذلك قوله: وَ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ اَلْحَقِّ يونس:30،تجعله من صفة اللّه عزّ و جلّ.
و لو نصبت كان صوابا،و لو رفع على نيّة الاستئناف كان صوابا،كما قال: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ البقرة:147،و أنت قائل إذا سمعت رجلا يحدّث:حقّا،أي قلت:حقّا،و الحقّ،أي ذلك الحقّ.
و أمّا قوله في قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ ص:
88،فإنّ القرّاء:قد رفعت الأوّل و نصبته.و روي عن مجاهد و ابن عبّاس:أنّهما رفعا الأوّل،و قالا تفسيره:
الحقّ منّى،و أقول الحقّ،فينصبان الثّاني ب(أقول)، و نصبهما جميعا كثير منهم،فجعلوا الأوّل على معنى:
و الحقّ لأملأنّ جهنّم،و ينصب الثّاني بوقوع القول عليه.
و قوله: ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ رفعه حمزة و الكسائيّ،و جعلا(الحقّ)هو اللّه تبارك و تعالى، لأنّها في حرف عبد اللّه:(ذلك عيسى بن مريم قال اللّه)، كقولك:كلمة اللّه،فيجعلون«قال»بمنزلة القول،كما قالوا:العاب و العيب،و قد نصبه قوم يريدون:ذلك عيسى بن مريم قولا حقّا.(1:154)
الطّبريّ: و يعني بقوله: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ متاعا بالمعروف الحقّ على المحسنين،فلمّا دلّ إدخال الألف و اللاّم على(الحقّ)و هو نعت(المعروف)، و(المعروف)معرفة،و(الحقّ)نكرة،نصب على القطع منه،كما يقال:أتاني الرّجل راكبا.
و جائز أن يكون نصب على المصدر،من جملةة.
ص: 158
الكلام الّذي قبله،كقول القائل:عبد اللّه عالم حقّا، فالحقّ منصوب من نيّة كلام المخبر،كأنّه قال:أخبركم بذلك حقّا.
و التّأويل الأوّل هو وجه الكلام،لأنّ معنى الكلام:
فمتّعوهنّ متاعا بمعروف حقّ على كلّ من كان منكم محسنا.
و قد زعم بعضهم أنّ ذلك منصوب بمعنى:أحقّ ذلك حقّا،و الّذي قاله من ذلك بخلاف ما دلّ عليه ظاهر التّلاوة،لأنّ اللّه تعالى ذكره جعل المتاع للمطلّقات حقّا لهنّ على أزواجهنّ،فزعم قائل هذا القول أنّ معنى ذلك:
أنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن نفسه،أنّه يحقّ أنّ ذلك على المحسنين.
فتأويل الكلام إذن؛إذ كان الأمر كذلك:و متّعوهنّ على الموسع قدره،و على المقتر قدره،متاعا بالمعروف الواجب على المحسنين.(2:538)
الزّجّاج: منصوب على:حقّ ذلك عليهم حقّا،كما يقال:حققت عليه القضاء و أحققته،أي أوجبته.
(1:319)
الماورديّ: و اختلفوا في وجوبها على أربعة أقاويل:
أحدها:أنّها واجبة لكلّ مطلّقة،و هو قول الحسن و أبي العالية.
و الثّاني:أنّها واجبة لكلّ مطلّقة إلاّ غير المدخول بها،فلا متعة لها،و هو قول ابن عمر،و سعيد بن المسيّب.
و الثّالث:أنّها واجبة لغير المدخول بها إذا لم يسمّ لها صداق،و هو قول الشّافعيّ.
و الرّابع:أنّها غير واجبة،و إنّما الأمر بها ندب و إرشاد،و هو قول شريح،و الحكم.(1:305)
الطّوسيّ: و يحتمل نصب(حقّا)وجهين:
أحدهما:أن يكون حالا من بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا و العامل فيه معنى:عرف حقّا.
الثّاني:على التّأكيد،لجملة الخبر،كأنّه قيل:
أخبركم به حقّا،كأنّه قيل:إيجابا.(2:270)
نحوه الطّبرسيّ.(1:340)
الزّمخشريّ: صفة ل(متاعا)،أي متاعا واجبا عليهم،أو حقّ ذلك حقّا.(1:374)
نحوه الشّربينيّ(1:155)،و أبو السّعود(1:280)، و الآلوسيّ(2:154)،و البيضاويّ(1:126).
ابن عطيّة: و(حقّا)صفة لقوله(متاعا)أو نصب على المصدر،و ذلك أدخل في التأكيد للأمر.(1:32)
الفخر الرّازيّ: و(حقّا)صفة ل(متاعا)أي:متاعا واجبا عليهم،أو حقّ ذلك حقّا على المحسنين.و قيل:
نصب على الحال من(قدره)لأنّه معرفة،و العامل فيه الظّرف و قيل:نصب على القطع.(6:149)
القرطبيّ: أي يحقّ ذلك عليهم حقّا،يقال:حققت عليه القضاء و أحققت،أي أوجبت.و في هذا دليل على وجوب المتعة مع الأمر بها،فقوله:(حقّا)تأكيد للوجوب.(3:203)
أبو حيّان :و انتصاب(حقّا)على أنّه صفة
ص: 159
ل(متاعا)أي متاعا بالمعروف واجبا على المحسنين،أو بإضمار فعل،تقديره:حقّ ذلك حقّا،أو حالا ممّا كان حالا منه(متاعا)،أو من قوله:(بالمعروف)أي بالّذي عرف في حال كونه على المحسنين.(2:234)
القاسميّ: أي ثبت ذلك ثبوتا مستقرّا.(3:618)
الطّباطبائيّ: أي حقّ الحكم حقّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ. و ظاهر الجملة و إن كان كون الوصف، أعني الإحسان دخيلا في الحكم؛و حيث ليس الإحسان واجبا،استلزم كون الحكم استحبابيّا غير وجوبيّ،إلاّ أنّ النّصوص من طرق أهل البيت تفسّر الحكم بالوجوب،و لعلّ الوجه فيه ما مرّ من قوله تعالى:
اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ... البقرة:229،فأوجب الإحسان على المسرّحين،و هم المطلّقون،فهم المحسنون،و قد حقّ الحكم في هذه الآية عَلَى الْمُحْسِنِينَ و هم المطلّقون،و اللّه أعلم.(2:245)
3- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً. النّساء:122
ابن عبّاس: كائنا صدقا.(81)
الطّبريّ: يعني:يقينا صادقا،لا كعدة الشّيطان الكاذبة،الّتي هي غرور من وعدها من أوليائه،و لكن عدة ممّن لا يكذب،و لا يكون منه الكذب،و لا يخلف وعده.
و إنّما وصف جلّ ثناؤه وعده بالصّدق و الحقّ في هذه،لما سبق من خبره جلّ ثناؤه،عن قول الشّيطان الّذي قصّه في قوله،و قال: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً... النّساء:118،ثمّ قال جلّ ثناؤه: يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً النّساء:
120،و لكن اللّه يعد الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات،أنّه سيدخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا،وعدا منه حقّا،لا كوعد الشّيطان الّذي وصف صفته.
فوصف جلّ ثناؤه الوعدين و الواعدين،و أخبر بحكم أهل كلّ منهما،تنبيها منه جلّ ثناؤه خلقه على ما فيه مصلحتهم،و خلاصهم من الهلكة و العطب، و لينزجروا عن معصيته،و يعملوا بطاعته،فيفوزوا بما أعدّ لهم في جنانه من ثوابه.(5:287)
الطّوسيّ: إنّ ذلك وعد حقّ من اللّه لهم.
(3:336)
القشيريّ: الّذين أسعدناهم حكما و قولا، أنجدناهم حين أوجدناهم كرما و طولا،ثمّ إنّا نحقّق لهم الموعود من الثّواب،بما نكرمهم به من حسن المآب.
(2:61)
الزّمخشريّ: وَعْدَ اللّهِ حَقًّا مصدران:الأوّل مؤكّد لنفسه،و الثّاني:مؤكّد لغيره. وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً توكيد ثالث بليغ.
فإن قلت:ما فائدة هذه التّوكيدات؟
قلت:معارضة مواعيد الشّيطان الكاذبة و أمانيه
ص: 160
الباطلة لقرنائه،بوعد اللّه الصّادق لأوليائه،ترغيبا للعباد في إيثار ما يستحقّون به،تنجّز وعد اللّه على ما يتجرّعون في عاقبته غصص إخلاف مواعيد الشّيطان.
(1:565)
نحوه أبو السّعود(2:199)،و البروسويّ(2:
290).
أبو حيّان :لمّا ذكر أنّ وعد الشّيطان هو غرور باطل،ذكر أنّ هذا الوعد منه تعالى هو الحقّ الّذي لا ارتياب فيه،و لا شكّ في إنجازه...
و انتصب وَعْدَ اللّهِ حَقًّا على أنّه مصدر مؤكّد لغيره،فوعد اللّه مؤكّد لقوله: سَنُدْخِلُهُمْ، و(حقّا) مؤكّد ل وَعْدَ اللّهِ. (3:355)
الآلوسيّ: أي وعدهم وعدا و أحقّه حقّا،فالأوّل مؤكّد لنفسه ك(له عليّ ألف عرفا)،فإنّ مضمون الجملة السّابقة لا تحتمل غيره؛إذ ليس الوعد إلاّ الإخبار عن إيصال المنافع قبل وقوعه.
و الثّاني مؤكّد لغيره كزيد قائم حقّا،فإنّ الجملة الخبريّة بالنّظر إلى نفسها و قطع النّظر عن قائلها تحتمل الصّدق و الكذب و الحقّ و الباطل.
و جوّز أن ينتصب(وعد)على أنّه مصدر ل سَنُدْخِلُهُمْ -على ما قال أبو البقاء-من غير لفظه، لأنّه في معنى نعدهم إدخال جنّات،و يكون(حقّا)حالا منه.(5:151)
القاسميّ: صدقا واقعا لا محالة.و كيف لا يكون وعد اللّه حقّا؟![إلى أن قال:]
و المبالغة في توكيده،ترغيبا للعباد في تحصيله.
(5:1573)
الطّباطبائيّ: فيه مقابلة لما ذكر في وعد الشّيطان أنّه ليس إلاّ غرورا،فكان وعد اللّه حقّا،و قوله صدقا.
(5:86)
مكارم الشّيرازيّ: و إنّ هذا الوعد وعد صادق، و ليس كوعود الشّيطان الزّائفة؛حيث تقول الآية:
وَعْدَ اللّهِ حَقًّا. (3:407)
فضل اللّه :و ذلك هو الوعد الّذي يجب على الإنسان أن يتحمّس له و ينطلق معه،لأنّه الحقّ الّذي لا مرية فيه.(7:471)
4- أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً. النّساء:151
ابن عبّاس: البتّة.(84)
الطّبريّ: أيّها النّاس هؤلاء الّذين و صفت لكم صفتهم،هم أهل الكفر بي،المستحقّون عذابي و الخلود في ناري حقّا،فاستيقنوا ذلك،و لا يشكّكنّكم في أمرهم انتحالهم الكذب،و دعواهم أنّهم يقرّون بما زعموا أنّهم به مقرّون من الكتب و الرّسل،فإنّهم في دعواهم ما ادّعوا من ذلك كذبة؛و ذلك أنّ المؤمن بالكتب و الرّسل، هو المصدّق بجميع ما في الكتاب الّذي يزعم أنّه به مصدّق،و بما جاء به الرّسول،الّذي يزعم أنّه به مؤمن.
فأمّا من صدّق ببعض ذلك،و كذّب ببعض،فهو لنبوّة من كذّب ببعض ما جاء به جاحد،و من جحد نبوّة
ص: 161
نبيّ فهو به مكذّب،و هؤلاء الّذين جحدوا نبوّة بعض الأنبياء،و زعموا أنّهم مصدّقون ببعض،مكذّبون من زعموا أنّهم به مؤمنون-لتكذيبهم ببعض ما جاءهم به من عند ربّهم-فهم باللّه و برسله-الّذين يزعمون أنّهم بهم مصدّقون،و الّذين يزعمون أنّهم بهم مكذّبون- كافرون،فهم الجاحدون وحدانيّة اللّه و نبوّة أنبيائه،حقّ الجحود،المكذّبون بذلك حقّ التّكذيب،فاحذروا أن تغترّوا بهم و ببدعتهم،فإنّا قد أعتدنا لهم عذابا مهينا.
(6:5)
نحوه الطّوسيّ.(3:374)
الزّمخشريّ: أي هم الكاملون في الكفر،و(حقّا) تأكيد لمضمون الجملة،كقولك:هو عبد اللّه حقّا،أي حقّ ذلك حقّا،و هو كونهم كاملين في الكفر،أو هو صفة لمصدر الكافرين،أي هم الّذين كفروا كفرا حقّا ثابتا، يقينا لا شكّ فيه.(1:576)
نحوه ملخّصا الشّربينيّ(1:341)،و أبو السّعود(2:
215)،و البروسويّ(2:314).
الفخر الرّازيّ: في قوله:(حقّا) وجهان:
الأوّل:أنّه انتصب على مثل قولك:زيد أخوك حقّا،و التّقدير:أخبرتك بهذا المعنى إخبارا حقّا.
و الثّاني:أن يكون التّقدير:أولئك هم الكافرون كفرا حقّا.طعن الواحديّ فيه و قال:الكفر لا يكون حقّا بوجه من الوجوه.
و الجواب:أنّ المراد بهذا الحقّ الكامل،و المعنى أولئك هم الكافرون كفرا كاملا ثابتا حقّا يقينا.(11:93)
نحوه النّيسابوريّ.(6:9)
العكبريّ: (حقّا):مصدر،أي حقّ ذلك حقّا.
و يجوز أن يكون حالا،أي أولئك هم الكافرون غير شكّ.(1:402)
أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
أو منصوب على الحال،على مذهب سيبويه،و قد تقدّم لذلك نظائر.(3:385)
الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
و(حقّا)بمعنى اسم المفعول،و ليس بمعنى مقابل الباطل،و لهذا صحّ وقوعه صفة صناعة و معنى،و احتمال الحاليّة-كما زعم أبو البقاء-بعيد،و الآية على ما زعمه البعض متعلّقة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا إلخ النّساء:136.على أنّها كالتّعليل له،و ما توسّط بين العلّة و المعلول من الجمل و الآيات إمّا معترض أو مستطرد،عند إمعان النّظر.(6:5)
القاسميّ: أي الّذين كفروا كفرا ثابتا لا ريب فيه، فلا عبرة بمن ادّعوا الإيمان به،لأنّه ليس شرعيّا؛إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول اللّه،لآمنوا بنظيره،و بمن هو أوضح دليلا و أقوى برهانا منه.(5:1632)
5- ...وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ. الأنفال:74
ابن عبّاس: صدقا يقينا.(152)
الجبّائيّ: معناه:أنّهم المؤمنون حقّا،لأنّ اللّه حقّق إيمانهم بالبشارة الّتي بشّرهم بها،و لو لم يهاجروا و لم
ص: 162
ينصروا لم يكن مثل هذا.(الطّوسيّ 5:191)
الطّوسيّ: و قيل في معناه قولان:
أحدهما:أنّهم المؤمنون الّذين حقّقوا إيمانهم لما يقتضيه من الهجرة و النّصرة بخلاف من أقام بدار الشّرك.
الثّاني:[قول الجبّائيّ و قد تقدّم](5:191)
نحوه الطّبرسيّ.(2:562)
البغويّ: لا مرية و لا ريب في إيمانهم.(2:313)
الميبديّ: صدقا حقّقوا إيمانهم و الهجرة و الجهاد، و بذل المال في دين اللّه.(4:84)
الزّمخشريّ: لأنّهم صدّقوا إيمانهم و حقّقوه بتحصيل مقتضياته،من هجرة الوطن،و مفارقة الأهل، و الانسلاخ من المال لأجل الدّين،و ليس بتكرار،لأنّ هذه الآية واردة للثّناء عليهم و الشّهادة لهم مع الموعد الكريم،و الأولى للأمر بالتّواصل.(2:170)
الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ هذا ليس بتكرار؛و ذلك لأنّه تعالى ذكرهم أوّلا ليبيّن حكمهم،و هو ولاية بعضهم بعضا،ثمّ إنّه تعالى ذكرهم هاهنا لبيان تعظيم شأنهم و علوّ درجتهم،و بيانه من وجهين:
الأوّل:أنّ الإعادة تدلّ على مزيد الاهتمام بحالهم؛ و ذلك يدلّ على الشّرف و التّعظيم.
و الثّاني:و هو أنّه تعالى أثنى عليهم هاهنا من ثلاثة أوجه:أوّلها:قوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا، فقوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يفيد الحصر،و قوله:
(حقّا)يفيد المبالغة في وصفهم بكونهم محقّين محقّقين في طريق الدّين.و الأمر في الحقيقة كذلك،لأنّ من لم يكن محقّا في دينه لم يتحمّل ترك الأديان السّالفة،و لم يفارق الأهل و الوطن،و لم يبذل النّفس و المال،و لم يكن في هذه الأحوال من المتسارعين المتسابقين.[ذكر ثانيها و ثالثها لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ ثمّ قال:]
و الحاصل:أنّه تعالى شرح حالهم في الدّنيا و في الآخرة:أمّا في الدّنيا فقد وصفهم بقوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا، و أمّا في الآخرة فالمقصود:إمّا دفع العقاب،و إمّا جلب الثّواب.و أمّا دفع العقاب فهو المراد بقوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ، و أمّا جلب الثّواب فهو المراد بقوله: رِزْقٌ كَرِيمٌ.
و هذه السّعادات العالية إنّما حصلت،لأنّهم أعرضوا عن اللّذّات الجسمانيّة،فتركوا الأهل و الوطن،و بذلوا النّفس و المال؛و ذلك تنبيه على أنّه لا طريق إلى تحصيل السّعادات إلاّ بالإعراض عن هذه الجسمانيّات.
(15:212)
نحوه ملخّصا القاسميّ.(8:3050)
القرطبيّ: (حقّا)مصدر،أي حقّقوا إيمانهم بالهجرة و النّصرة،و حقّق اللّه بالبشارة في قوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ أي ثواب عظيم في الجنّة.(8:58)
البيضاويّ: لما قسّم المؤمنين ثلاثة أقسام،بيّن أنّ الكاملين في الإيمان منهم هم الّذين حقّقوا إيمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة و الجهاد،و بذل المال و نصرة الحقّ،و وعد لهم الموعد الكريم.(1:403)
نحوه الشّربينيّ.(1:585)
ص: 163
أبو السّعود:كلام مسوق للثّناء عليهم و الشّهادة لهم،بفوزهم بالقدح المعلّى من الإيمان،مع الوعد الكريم.
(3:116)
نحوه الآلوسيّ.(1:39)
البروسويّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]
فالآية الأولى مذكورة لبيان حكمهم،و هو أنّهم يتوارثون و يتولّى بعضهم بعضا في الميراث،و هذه الآية مذكورة لبيان أنّ الكاملين في الإيمان منهم هم المهاجرون الأوّلون و الأنصار لا غيرهم،فلا تكرار.(3:379)
رشيد رضا :هذا تفضيل للصّنفين الأوّلين من المؤمنين على غيرهم،و شهادة من اللّه تعالى للمهاجرين الأوّلين و الأنصار بأنّهم هم المؤمنون حقّ الإيمان و أكمله،دون من لم يهاجر من المؤمنين،و أقام بدار الشّرك مع حاجة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين إلى هجرته إليهم،و أعاد وصفهم الأوّل،لأنّهم به كانوا أهلا لهذه الشّهادة و ما يليها من الجزاء.(10:113)
سيّد قطب :فهذه هي الصّورة الحقيقيّة الّتي يتمثّل فيها الإيمان،هذه هي صورة النّشأة الحقيقيّة و الوجود الحقيقيّ لهذا الدّين،إنّه لا يوجد حقيقة بمجرّد إعلان القاعدة النّظريّة،و لا بمجرّد اعتناقها،و لا حتّى بمجرّد القيام بالشّعائر التّعبّديّة فيها،إنّ هذا الدّين منهج حياة لا يتمثّل في وجود فعليّ،إلاّ إذا تمثّل في تجمّع حركيّ.أمّا وجوده في صورة عقيدة فهو وجود حكميّ،لا يصبح حقّا إلاّ حين يتمثّل في تلك الصّورة الحركيّة الواقعيّة.
(3:1560)
الطّباطبائيّ: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا...
إثبات لحقّ الإيمان على من اتّصف بآثاره اتّصافا حقّا، و وعد لهم بالمغفرة و الرّزق الكريم.(9:142)
عبد الكريم الخطيب :أي المؤمنون إيمانا كاملا، لم تشبه شائبة من ضعف،و لم تعلق به خاطرة من شكّ أو ريب،فهو الإيمان الخالص،و هو الحقّ حقّا.(5:687)
مكارم الشّيرازيّ: في الآية التّالية نجد تأكيدا لمقام المهاجرين و الأنصار مرّة أخرى،و ما لهما من موقع و أثر في تحقّق أهداف المجتمع الإسلاميّ،فتثني عليهم الآية بمثل هذا الثّناء،فتقول: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا... أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنّهم هبّوا لنصرة الإسلام في الأيّام الصّعبة الشّديدة،و في الغربة و المحنة،و في وحدة الإسلام،فكان لهم كلّ نوع من النّصرة للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله.(5:459)
فضل اللّه :لأنّهم هم الّذين جسّدوا الإيمان، و حوّلوه إلى حركة حياة،و فعل عطاء،و خطّ تضحية و شهادة.(10:432)
6- إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ.... التّوبة:111
ابن عبّاس: واجبا أن يوفّيهم.(167)
الفرّاء: و قوله: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا خارج من قوله: بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ و هو كقولك:عليّ ألف درهم
ص: 164
عدّة صحيحة،و يجوز الرّفع لو قيل.(1:453)
الطّبريّ: وعدا عليه حقّا أن يوفّي لهم به في كتبه المنزّلة:التّوراة و الإنجيل و القرآن،إذا هم وفّوا بما عاهدوا اللّه،فقاتلوا في سبيله و نصرة دينه أعداءه، فقتلوا و قتلوا.(11:35)
الزّجّاج: وعدهم الجنّة وعدا عليه حقّا.
و لو كانت في غير القرآن جاز الرّفع على معنى ذلك:
وعد عليه حقّ.(2:471)
الطّوسيّ: (حقّا)معناه يتبيّن الوعد بالحقّ الواجب من الوعد بما لم يكن واجبا،فالوعد بالثّواب دلّ على وجوبه من وجهين:
أحدهما:من حيث إنّه جزاء على الطّاعة.
و الثّاني:أنّه إيجاز (1)الوعد.(5:353)
الميبديّ: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا نصب على المصدر، أي وعد وعدا حقّا ثابتا لا خلف فيه.(4:219)
الزّمخشريّ: أخبر بأنّ هذا الوعد الّذي وعده للمجاهدين في سبيله وعد ثابت،قد أثبته في التّوراة و الإنجيل،كما أثبته في القرآن.(2:216)
مثله الفخر الرّازيّ.(16:201)
الطّبرسيّ: معناه أنّ إيجاب الجنّة لهم وعد على اللّه حقّ لا شكّ فيه،و تقديره:وعدهم اللّه الجنّة على نفسه وعدا حقّا،أي صدقا واجبا،لا خلف فيه.(3:75)
الشّربينيّ: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا مصدران منصوبان بفعليهما المحذوفين،ثمّ أخبر اللّه تعالى بأنّ هذا الوعد الّذي وعده للمجاهدين في سبيله وعد ثابت.(1:652)
أبو السّعود:نعت ل(وعدا)و الظّرف حال منه، لأنّه لو تأخّر لكان صفة له.(3:196)
رشيد رضا :أي وعدهم بذلك وعدا أوجبه لهم على نفسه،و جعله(حقّا)عليه،أثبته في الكتب الثّلاثة المنزّلة على أشهر رسله،و لا تتوقّف صحّة هذا الوعد على وجوده في التّوراة و الإنجيل اللّذين في أيدي أهل الكتاب بنصّه،لما أثبتناه من ضياع كثير منهما،و تحريف بعض ما بقي لفظا و معنى،بل يكفي إثبات القرآن لذلك، و هو مهيمن عليهما.(11:49)
فضل اللّه :ثابتا لا يمكن التّراجع عنه،أو التّردّد فيه.(11:217)
7- ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ. يونس:103
ابن عبّاس: واجبا.(180)
مثله البغويّ(2:437)،و الطّبرسيّ(3:138).
الطّبريّ: حَقًّا عَلَيْنا غير شكّ.(11:176)
الطّوسيّ: حَقًّا عَلَيْنا يحتمل أمرين:
أحدهما:أن يكون معناه واجبا ننجي المؤمنين من عقاب الكفّار،ذكره الجبّائيّ.
الثّاني:أن يكون على وجه التّأكيد،كقولك:مررت بزيد حقّا.إلاّ أنّ(علينا)يقتضي الوجه الأوّل.
(5:504)د.
ص: 165
الزّمخشريّ: اعتراض،يعني حقّ ذلك علينا حقّا.
(2:255)
نحوه البيضاويّ.(1:459)
الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:
المسألة الأولى:[ما تقدّم عن الزّمخشريّ]
المسألة الثّانية:قال القاضي:قوله: حَقًّا عَلَيْنا المراد به:الوجوب،لأنّ تخليص الرّسول و المؤمنين من العذاب إلى الثّواب واجب،و لولاه لما حسن من اللّه تعالى أن يلزمهم الأفعال الشّاقّة،و إذا ثبت وجوبه لهذا السّبب جرى مجرى قضاء الدّين للسّبب المتقدّم.
و الجواب:أنّا نقول:إنّه حقّ بسبب الوعد و الحكم، و لا نقول:إنّه حقّ بسبب الاستحقاق،لما ثبت أنّ العبد لا يستحقّ على خالقه شيئا.(17:171)
العكبريّ: كَذلِكَ حَقًّا فيه ثلاثة أوجه:
أحدها:أنّ(كذلك)في موضع نصب صفة لمصدر محذوف،أي إنجاء كذلك،و(حقّا)بدل منه.
و الثّاني:أن يكونا منصوبين ب(ننج)الّتي بعدهما.
و الثّالث:أن يكون(كذلك)للأولى،و(حقّا) للثّانية (1).
و يجوز أن يكون(كذلك)خبر المبتدإ،أي الأمر كذلك،و(حقّا)منصوب بما بعدها.(1:686)
القرطبيّ: أي واجبا علينا،لأنّه أخبر و لا خلف في خبره.(8:387)
النّيسابوريّ: قالت المعتزلة: حَقًّا عَلَيْنا المراد به:الوجوب و الاستحقاق؛إذ لا يحسن تعذيب الرّسول و المؤمنين.
و قالت الأشاعرة:إنّه حقّ بحسب الوعد و الحكم، فإنّ العبد لا يستحقّ على خالقه شيئا.(11:121)
أبو حيّان :و الظّاهر أنّ(كذلك)في موضع نصب، تقديره:مثل ذلك الإنجاء الّذي نجّينا الرّسل و مؤمنيهم ننجّي من آمن بك يا محمّد،و يكون(حقّا)على تقدير:
حقّ ذلك حقّا.(5:194)
الشّربينيّ: إن قيل:قوله تعالى:(حقّا)يقتضي الوجوب،و اللّه تعالى لا يجب عليه شيء.
أجيب:بأنّ ذلك حقّ بحسب الوعد و الحكم،لا أنّه حقّ بحسب الاستحقاق،لما ثبت أنّ العبد لا يستحقّ على خالقه،و هو اعتراض بين المشبّه و المشبّه به،و نصب بفعله المقدّر.و قيل:بدل من(ذلك).(2:40)
أبو السّعود :اعتراض بين العامل و المعمول،أي حقّ ذلك حقّا.و قيل:بدل من المحذوف الّذي ناب عنه (كذلك)أي إنجاء مثل ذلك حقّا.(3:276)
نحوه البروسويّ.(4:85)
الآلوسيّ: و(حقّا)نصب بفعله المقدّر،أي حقّ ذلك حقّا،و الجملة اعتراض بين العامل و المعمول،على تقدير أن يكون(كذلك)معمولا للفعل المذكور بعد، و فائدتها الاهتمام بالإنجاء،و بيان أنّه كائن لا محالة،و هو المراد بالحقّ،و يجوز أن يراد به الواجب.و معنى كون الإنجاء واجبا أنّه كالأمر الواجب عليه تعالى،و إلاّ فلاة.
ص: 166
وجوب حقيقة عليه سبحانه.
و قد صرّح بأنّ الجملة اعتراضيّة غير واحد من المعربين،و يستفاد منه أنّه لا بأس بالجملة الاعتراضيّة إذا بقي شيء من متعلّقاتها.و جوّز أن يكون بدلا من الكاف الّتي هي بمعنى مثل،أو من المحذوف الّذي نابت عنه.
و قيل:إنّ(كذلك)منصوب ب(ننجّى)الأوّل، و(حقّا)منصوب بالثّاني،و هو خلاف الظّاهر.
(11:196)
الطّباطبائيّ: معناه كما كنّا ننجّي الرّسل و الّذين آمنوا في الأمم السّابقة عند نزول العذاب،كذلك ننجّي المؤمنين بك من هذه الأمّة حقّ علينا ذلك حقّا،فقوله:
حَقًّا عَلَيْنا مفعول مطلق قام مقام فعله المحذوف.
(10:128)
عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّ هذا الوعد الّذي وعده اللّه رسله و المؤمنين،هو وعد حقّ لا شكّ فيه،قد أوجبه اللّه على نفسه،فضلا و كرما،كما يقول سبحانه و تعالى: وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ الرّوم:47،و كما يقول سبحانه: كَتَبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ المجادلة:21.(6:1091)
8- ...وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ.... يوسف:100
ابن عبّاس: صدقا.(203)
نحوه الطّبرسيّ(3:265)،و أبو السّعود(3:429).
الطّبريّ: قد حقّقها ربّي لمجيء تأويلها على الصّحّة.(13:69)
الميبديّ: أي جعل اللّه رؤياي صادقة.
(5:138)
العكبريّ: (حقّا)صفة مصدر،أي جعلا حقّا.
و يجوز أن يكون مفعولا ثانيا،و«جعل»بمعنى صيّر.
و يجوز أن يكون حالا،أي وضعها صحيحة.(2:745)
أبو حيّان :أي صادقة،رأيت ما يقع لي في المنام يقظة،لا باطل فيها و لا لغو.(5:348)
الشّربينيّ: أي مطابقة للواقع لتأويلها و تأويل ما أخبرتني به أنت.(2:137)
البروسويّ: صدقا في اليقظة واقعا بعينها.و قال حضرة الشّيخ الأكبر قدّس سرّه الأطهر:أي أظهرها في الحسّ بعد ما كانت في صورة الخيال.[إلى أن قال:]
معناه ثابتا حسّا،أي محسوسا،و ما كان إلاّ محسوسا، فإنّ الخيال لا يعطي أبدا إلاّ المحسوسات،ليس له غير ذلك،فالنّبيّ عليه السّلام جعل الصّورة الحسّيّة أيضا كالصّورة الخياليّة الّتي تجلّي الحقّ و المعاني الغيبيّة فيها،و جعل يوسف الصّور الحسّيّة حقّا ثابتا و الصّور الخياليّة غير ذلك،فصار الحسّ عنده مجالي للحقّ و المعاني الغيبيّة دون الخيال،فانظر ما أشرف علم ورثة سيّد الأنبياء و الرّسل صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم أجمعين،و هم -أي الورثة الأولياء-الكاملون المطّلعون على هذه الأسرار.(4:321)
الآلوسيّ: أي صدقا.[و نقل قول العكبريّ ثمّ
ص: 167
قال:]
و أن يكون مصدرا من غير لفظ الفعل بل من معناه، لأنّ(جعلها)في معنى حقّقها،و(حقّا)في معنى تحقيق، و الجملة على-ما قال أبو البقاء-حال مقدّرة أو مقارنة.
(13:59)
القاسميّ: أي صدقا مطابقا للواقع في الحسّ.
(9:3596)
1- كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ.
الأنعام:141
عبّاس بن عبد المطّلب:الزّكاة.
(الطّبريّ 8:53)
مثله الحسن،و جابر بن زيد،و قتادة و طاوس.
(الطّبريّ 8:54).
ابن عبّاس: العشر و نصف العشر.
(الطّبريّ 8:53)
نحوه محمّد بن الحنفيّة.(الطّبريّ 8:54)
يعني ب(حقّه):زكاته المفروضة،يوم يكال،أو يعلم كيله.(الطّبريّ 8:54)
و ذلك أنّ الرّجل كان إذا زرع فكان يوم حصاده، و هو أن يعلم ما كيله و حقّه،فيخرج من كلّ عشرة واحدا،و ما يلتقط النّاس من سنبله.(الطّبريّ 8:54)
أنس بن مالك:الزّكاة المفروضة.(الطّبريّ 8:53)
الإمام السّجّاد عليه السّلام:شيئا سوى الحقّ الواجب.
(الطّبريّ 8:55)
سعيد بن جبير:الضّغث و ما يقع من السّنبل.
[و في رواية]كان هذا قبل الزّكاة للمساكين،القبضة و الضّغث لعلف دابّته.(الطّبريّ 8:57)
هذا قبل الزّكاة،فلمّا نزلت الزّكاة نسختها،فكانوا يعطون الضّغث.(الطّبريّ 8:58)
النّخعيّ: كانوا يفعلون ذلك حتّى سنّ العشر و نصف العشر،فلمّا سنّ العشر و نصف العشر،ترك.
نسختها العشر،و نصف العشر.(الطّبريّ 8:58)
نحوه العوفيّ.(الطّبريّ 8:59)
يعطي مثل الضّغث.(الطّبريّ 8:56)
مجاهد :إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه، و إذا أنقيته و أخذت في كيله حثوت لهم منه،و إذا علمت كيله عزلت زكاته،و إذا أخذت في جذاذ النّخل طرحت لهم من الثّفاريق،و إذا أخذت في كيله حثوت لهم منه، و إذا علمت كيله عزلت زكاته.(الطّبريّ 8:55)
سوى الفريضة.(الطّبريّ 8:56)
يلقى إلى السّؤال عند الحصاد من السّنبل،فإذا طبن، أو طيّن«الشّكّ من أبي جعفر»ألقى إليهم،فإذا حمله فأراد أن يجعله كدسا ألقى إليهم،و إذا داس أطعم منه،و إذا فرغ و علم كم كيله،عزل زكاته.
و في النّخل عند الجذاذ يطعم من الثّمرة و الشّماريخ، فإذا كان عند كيله أطعم من التّمر،فإذا فرغ عزل زكاته.
و إذا حصد الزّرع ألقى من السّنبل،و إذا جذّ النّخل ألقى من الشّماريخ،فإذا كاله زكّاه.(الطّبريّ 8:56)
عند الحصاد،و عند الدّياس،و عند الصّرام يقبض
ص: 168
لهم منه،فإذا كاله عزل زكاته.(الطّبريّ 8:56)
إذا حصد أطعم،و إذا أدخله البيدر،و إذا داسه أطعم منه.(الطّبريّ 8:56)
قبضة عند الحصاد،و قبضة عند الجذاذ.
(الطّبريّ 8:56)
نحوه العطاء.(الطّبريّ 8:55)
كانوا يعلّقون العذق في المسجد عند الصّرام،فيأكل منه الضّعيف.
نحوه ميمون بن مهران و يزيد بن الأصمّ.
(الطّبريّ 8:57)
يطعم الشّيء عند صرامه.(الطّبريّ 8:57)
الضّحّاك: يعني:يوم كيله ما كان من برّ أو تمر أو زبيب،و(حقّه):زكاته.(الطّبريّ 8:54)
الحسن :هي الصّدقة من الحبّ و الثّمار.
(الطّبريّ 8:53)
الزّكاة إذا كلته.(الطّبريّ 8:54)
نسختها الزّكاة.(الطّبريّ 8:58)
مثله السّدّيّ.(الطّبريّ 8:58)
الإمام الباقر عليه السّلام:هذا حقّ غير الصّدقة،يعطى منه المسكين و المسكين القبضة بعد القبضة،و من الجذاذ الحفنة بعد الحفنة،حتّى يفرغ و يترك للخارص أجرا معلوما و يترك من النّخل معافارة و أمّ جعرور لا يخرصان و يترك للحارس يكون في الحائط العذق و العذقان و الثّلاثة لنظره و حفظه له.(البحرانيّ 4:55)
ابن سيرين:كانوا يعطون من اعترّ بهم الشّيء.
(الطّبريّ 8:56)
عطاء:يعطي من حصاده يومئذ ما تيسّر،و ليس بالزّكاة.(الطّبريّ 8:55)
ليس بالزّكاة،و لكن يطعم من حضره ساعتئذ حصده.(الطّبريّ 8:55)
من النّخل و العنب و الحبّ كلّه.(الطّبريّ 8:55)
ابن كعب القرظيّ: ما قلّ منه أو كثر.
(الطّبريّ 8:58)
قتادة :و حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ: الصّدقة المفروضة.
هو الزّكاة.(الطّبريّ 8:54)
السّدّيّ: فكانوا إذا مرّ بهم أحد يوم الحصاد أو الجذاذ أطعموه منه،فنسخها اللّه عنهم بالزّكاة،و كان فيما أنبت الأرض العشر،و نصف العشر.(الطّبريّ 8:59)
ابن أبي نجيح:واجب حين يصرم.
(الطّبريّ 8:56)
عند الزّرع يعطي القبض،و عند الصّرام يعطي القبض،و يتركهم فيتتبّعون آثار الصّرام.
(الطّبريّ 8:58)
الرّبيع:لقط السّنبل.(الطّبريّ 8:57)
الإمام الصّادق عليه السّلام:في الزّرع حقّان:حقّ تؤخذ به،و حقّ تعطيه:فأمّا الّذي تؤخذ به فالعشر و نصف العشر،و أمّا الحقّ الّذي تعطيه فإنّه يقول: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ فالضّغث تعطيه،ثمّ الضّغث حتّى تفرغ.
(البحرانيّ 4:54)
حقّه يوم حصاده عليك واجب،و ليس من الزّكاة،
ص: 169
تقبض منه القبضة و الضّغث من السّنبل لمن يحضرك من السّؤّال،لا يحصد باللّيل و لا يجذّ باللّيل،إنّ اللّه يقول:
يَوْمَ حَصادِهِ فإذا أنت حصدته باللّيل لم يحضرك سؤّال و لا يضحّى باللّيل.(البحرانيّ 4:55)
تعطي منه المساكين الّذين يحضرونك،تأخذ بيدك القبضة و القبضة حتّى تفرغ.(البحرانيّ 4:56)
تعطي المسكين يوم حصادك الضّغث،ثمّ إذا وقع في البيدر،ثمّ إذا وقع في الصّاع،العشر و نصف العشر.
(البحرانيّ 4:52)
ابن جريج:قلت لعطاء:أ رأيت ما حصدت من الفواكه؟
قال:و منها أيضا تؤتي،و من كلّ شيء حصدت تؤتي منه حقّه يوم حصاده،من نخل أو عنب أو حبّ،أو فواكه،أو خضر،أو قصب،من كلّ شيء من ذلك.
قلت لعطاء:أ واجب على النّاس ذلك كلّه؟
قال:نعم،ثمّ تلا وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ.
قال:قلت لعطاء: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ هل في ذلك شيء مؤقّت معلوم؟
قال:لا.(الطّبريّ 8:55)
ابن زيد :حقّه:عشوره.(الطّبريّ 8:54)
الفرّاء: هذا لمن حضره من اليتامى و المساكين.
(1:359)
الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:هذا أمر من اللّه بإيتاء الصّدقة المفروضة من الثّمر و الحبّ.[و نقل قول قتادة ثمّ قال:]
ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سنّ فيما سقت السّماء،أو العين السّائحة،أو سقاه الطّلّ-و الطّلّ:النّدى-أو كان بعد العشر كاملا،و إن سقي برشاء:نصف العشر.
قال قتادة:و هذا فيما يكال من الثّمرة،و كان هذا إذا بلغت الثّمرة خمسة أوسق،و ذلك ثلاثمائة صاع،فقد حقّ فيها الزّكاة،و كانوا يستحبّون أن يعطوا ممّا لا يكال من الثّمرة على قدر ذلك.
و قال آخرون:بل ذلك حقّ أوجبه اللّه في أموال أهل الأموال غير الصّدقة المفروضة.
و قال آخرون:كان هذا شيئا أمر اللّه به المؤمنين قبل أن تفرض عليهم الصّدقة المؤقّتة،ثمّ نسخته الصّدقة المعلومة،فلا فرض في مال كائنا ما كان،زرعا كان أو غرسا،إلاّ الصّدقة الّتي فرضها اللّه فيه.
و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب،قول من قال:كان ذلك فرضا فرضه اللّه على المؤمنين في طعامهم و ثمارهم،الّتي تخرجها زروعهم و غروسهم،ثمّ نسخه اللّه بالصّدقة المفروضة،و الوظيفة المعلومة،من العشر، و نصف العشر؛و ذلك أنّ الجميع مجمعون لا خلاف بينهم:
أنّ صدقة الحرث لا تؤخذ إلاّ بعد الدّياس و التّنقية و التّذرية،و أنّ صدقة التّمر لا تؤخذ إلاّ بعد الجفاف.
فإذا كان ذلك كذلك،و كان قوله جلّ ثناؤه: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ينبئ عن أنّه أمر من اللّه جلّ ثناؤه بإيتاء حقّه يوم حصاده،و كان يوم حصاده هو يوم جذّه و قطعه،و الحبّ لا شكّ أنّه في ذلك اليوم في سنبله، و الثّمر و إن كان ثمر نخل أو كرم غير مستحكم جفوفه
ص: 170
و يبسه،و كانت الصّدقة من الحبّ إنّما تؤخذ بعد دياسه و تذريته و تنقيته كيلا،و التّمر إنّما تؤخذ صدقته بعد استحكام يبسه و جفوفه كيلا،علم أنّ ما يؤخذ صدقة بعد حين حصده غير الّذي يجب إيتاؤه المساكين يوم حصاده.
فإن قال قائل:و ما تنكر أن يكون ذلك إيجابا من اللّه في المال حقّا سوى الصّدقة المفروضة؟
قيل:لأنّه لا يخلو أن يكون ذلك فرضا واجبا،أو نفلا.فإن يكن فرضا واجبا،فقد وجب أن يكون سبيله سبيل الصّدقات المفروضات،الّتي من فرّط في أدائها إلى أهلها كان بربّه آثما،و لأمره مخالفا.و في قيام الحجّة بأن لا فرض للّه في المال بعد الزّكاة يجب وجوب الزّكاة، سوى ما يجب من النّفقة لمن يلزم المرء نفقته،ما ينبئ عن أنّ ذلك ليس كذلك،أو يكون ذلك نفلا.فإن يكن ذلك كذلك فقد وجب أن يكون الخيار في إعطاء ذلك إلى ربّ الحرث و الثّمر،و في إيجاب القائلين بوجوب ذلك،ما ينبئ عن أنّ ذلك ليس كذلك،و إذا خرّجت الآية من أن يكون مرادا بها النّدب،و كان غير جائز أن يكون لها مخرج في وجوب الفرض بها في هذا الوقت،علم أنّها منسوخة.
و ممّا يؤيّد ما قلنا في ذلك من القول دليلا على صحّته،أنّه جلّ ثناؤه أتبع قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ و معلوم أنّ من حكم اللّه في عباده مذ فرض في أموالهم الصّدقة المفروضة المؤقّتة القدر،أنّ القائم بأخذ ذلك ساستهم و رعاتهم و إذا كان ذلك كذلك،فما وجه نهي ربّ المال عن الإسراف في إيتاء ذلك،و الآخذ مجبر،و إنّما يأخذ الحقّ الّذي فرض اللّه فيه.
فإن ظنّ ظانّ أنّ ذلك إنّما هو نهي من اللّه القيّم بأخذ ذلك من الرّعاة،عن التّعدّي في مال ربّ المال، و التّجاوز إلى أخذ ما لم يبح له أخذه،فإنّ آخر الآية و هو قوله: وَ لا تُسْرِفُوا معطوف على أوّله،و هو قوله:
وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ فإن كان المنهيّ عن الإسراف القيّم بقبض ذلك،فقد يجب أن يكون المأمور بإتيانه،المنهيّ عن الإسراف فيه،و هو السّلطان؛و ذلك قول إن قاله قائل،كان خارجا من قول جميع أهل التّأويل،و مخالفا المعهود من الخطاب،و كفى بذلك شاهدا على خطئه.
فإن قال قائل:و ما تنكر أن يكون معنى قوله:
وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ: و آتوا حقّه يوم كيله،لا يوم فصله و قطعه،و لا يوم جذاذه و قطافه،فقد علمت من قال ذلك من أهل التّأويل.
عن محمّد بن الحنفيّة،في: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قال:يوم كيله يعطي العشر،و نصف العشر مع آخرين،قد ذكرت الرّواية فيما مضى عنهم بذلك، قيل:لأنّ يوم كيله،غير يوم حصاده.
و لن يخلو معنى قائلي هذا القول من أحد أمرين:
إمّا أن يكونوا وجّهوا معنى الحصاد إلى معنى الكيل، فذلك ما لا يعقل في كلام العرب،لأنّ الحصاد و الحصد في كلامهم الجذّ و القطع،لا الكيل.
ص: 171
أو يكونوا وجّهوا تأويل قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ إلى:و آتوا حقّه بعد يوم حصاده إذا كلتموه، فذلك خلاف ظاهر التّنزيل؛و ذلك أنّ الأمر في ظاهر التّنزيل بإيتاء الحقّ منه يوم حصاده،لا بعد يوم حصاده.
و لا فرق بين قائل:إنّما عنى اللّه بقوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ بعد يوم حصاده،و آخر قال:عنى بذلك قبل يوم حصاده،لأنّهما جميعا قائلان قولا،دليل ظاهر التّنزيل بخلافه.(8:53-60)
الزّجّاج: و اختلف النّاس في تأويل وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ فقيل:إنّ الآية مكّيّة.و روي أنّ ثابت بن قيس بن شماس صرم خمسمائة نخلة،ففرّق ثمارها كلّه و لم يدخل منه شيئا إلى منزله،فأنزل اللّه عزّ و جلّ:
وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا.
فيكون على هذا التّأويل أنّ الإنسان إذا أعطى كلّ ماله و لم يوصل إلى عياله و أهله منه شيئا فقد أسرف، لأنّه جاء في الخبر:«ابدأ بمن تعول».
و قال قوم:إنّها مدنيّة،و معنى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ أدّوا ما افترض عليكم في صدقته،و لا اختلاف بين المسلمين في أمر الزّكوات أنّ الثّمار إذا حصدت وجب إخراج ما يجب فيها من الصّدقة فيما فرض فيه الصّدقة،فعلى هذا التّأويل يكون وَ لا تُسْرِفُوا أي لا تنفقوا أموالكم و صدقاتكم على غير الجهة الّتي افترضت عليكم،كما قال المشركون:«هذا ليس كائنا»و حرّموا ما أحلّ اللّه،فلا يكون إسراف أبين من صرف الأموال فيما يسخط اللّه.(2:297)
الثّعلبيّ: [نحو الزّجّاج في قراءة(حصاده)،و اكتفى بنقل أقوال السّابقين في أنّ(حقّه)ما المراد منه؟.]
(4:198)
الماورديّ: و في قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ثلاثة أقاويل:
أحدهما:الصّدقة المفروضة فيه:العشر فيما سقي بغير آلة،و نصف العشر فيما سقي بآلة،و هذا قول الجمهور.
و الثّاني:أنّها صدقة غير الزّكاة،مفروضة يوم الحصاد و الصّرام،و هي إطعام من حضر و ترك ما تساقط من الزّرع و الثّمر،قاله عطاء و مجاهد.
و الثّالث:أنّ هذا كان مفروضا قبل الزّكاة،ثمّ نسخ بها.قاله ابن عبّاس،و سعيد بن جبير،و إبراهيم.
(2:178)
الطّوسيّ: و الحقّ الّذي يجب إخراجه يوم الحصاد فيه قولان:
أحدهما:قال ابن عبّاس و محمّد بن الحنفيّة و زيد بن أسلم و الحسن و سعيد بن المسيّب و طاوس و جابر بن عبد اللّه و بريد و قتادة و الضّحّاك:إنّه الزّكاة العشر،أو نصف العشر.
الثّاني:روي عن جعفر عن أبيه و عطاء و مجاهد و ابن عامر و سعيد بن جبير و الرّبيع بن أنس:أنّه ما ينثر ممّا يعطى المساكين.
و روى أصحابنا أنّه الضّغث بعد الضّغث و الحفنة بعد الحفنة.
ص: 172
و قال إبراهيم و السّدّيّ: الآية منسوخة بفرض العشر و نصف العشر،قالوا:لأنّ الزّكاة لا تخرج يوم الحصاد،و قالوا:لأنّ هذه الآية مكّيّة و فرض الزّكاة نزل بالمدينة،و لما روي بأنّ فرض الزّكاة نسخ كلّ صدقة.
قال الرّمّانيّ: و هذا غلط،لأنّ يَوْمَ حَصادِهِ ظرف ل(حقّه)،و ليس بظرف الإيتاء المأمور به.
(4:319)
نحوه الطّبرسيّ.(2:375)
القشيريّ: حقّ الواجب يوم الحصاد إقامة الشّكر، فأمّا إخراج البعض فبيانه على لسان العلم،و شهود المنعم في عين النّعمة أتمّ من الشّكر على وجود النّعمة.
(2:202)
الزّمخشريّ: الآية مكّيّة،و الزّكاة إنّما فرضت بالمدينة،فأريد ب«الحقّ»ما كان يتصدّق به على المساكين يوم الحصاد،و كان ذلك واجبا حتّى نسخه افتراض العشر و نصف العشر.
و قيل:مدنيّة،و«الحقّ»هو الزّكاة المفروضة، و معناه:و اعزموا على إيتاء الحقّ و اقصدوه و اهتمّوا به يوم الحصاد،حتّى لا تؤخّروه عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء.(2:56)
ابن عطيّة: فقالت طائفة من أهل العلم:هي في الزّكاة المفروضة،منهم ابن عبّاس،و أنس بن مالك، و الحسن بن أبي الحسن،و طاوس،و جابر بن زيد، و سعيد بن المسيّب،و قتادة،و محمّد بن الحنفيّة، و الضّحّاك،و زيد بن أسلم و ابنه،و قاله مالك بن أنس.
و هذا قول معترض بأنّ السّورة مكّيّة،و هذه الآية على قول الجمهور غير مستثناة.
و حكى الزّجّاج أنّ هذه الآية قيل فيها:إنّها نزلت بالمدينة،و معترض أيضا بأنّه لا زكاة فيما ذكر من الرّمّان، و جميع ما هو في معناه.
و قال ابن الحنفيّة أيضا و عطاء و مجاهد و غيرهم من أهل العلم:بل قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ ندب إلى إعطاء حقوق من المال غير الزّكاة،و السّنّة أن يعطي الرّجل من زرعه عند الحصاد و عند الذّرّ و عند تكديسه في البيدر، فإذا صفا و كال أخرج من ذلك الزّكاة.
و قال الرّبيع بن أنس:حقّه إباحة لقطة السّنبل.
و قالت طائفة:كان هذا حكم صدقات المسلمين حتّى نزلت الزّكاة المفروضة فنسختها.و روي هذا عن ابن عبّاس و ابن الحنفيّة و إبراهيم و الحسن.
و قال السّدّيّ في هذه السّورة:مكّيّة نسختها الزّكاة، فقال له سفيان عمّن قال عن العلماء.
و النّسخ غير مترتّب في هذه الآية،لأنّ هذه الآية و آية الزّكاة لا تتعارض،بل تنبني هذه على النّدب و تلك على الفرض.(2:353)
الفخر الرّازيّ: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ففيه أبحاث:
البحث الأوّل:[في إعراب كلمة(حصاد)و قد مضى في«ح ص د»]
البحث الثّاني:في تفسير قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ ثلاثة أقوال:
ص: 173
القول الأوّل:قال ابن عبّاس في رواية عطاء:يريد به العشر فيما سقت السّماء،و نصف العشر فيما سقي بالدّواليب،و هو قول سعيد بن المسيّب و الحسن و طاوس و الضّحّاك.
فإن قالوا:كيف يؤدّي الزّكاة يوم الحصاد و الحبّ في السّنبل؟و أيضا هذه السّورة مكّيّة،و إيجاب الزّكاة مدنيّ؟
قلنا:لمّا تعذّر إجراء قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ على ظاهره بالدّليل الّذي ذكرتم،لا جرم حملناه على تعلّق حقّ الزّكاة به في ذلك الوقت،و المعنى:اعزموا على إيتاء الحقّ يوم الحصاد،و لا تؤخّروه عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء.
و الجواب عن السّؤال الثّاني:لا نسلّم أنّ الزّكاة ما كانت واجبة في مكّة،بل لا نزاع أنّ الآية المدنيّة وردت بإيجابها،إلاّ أنّ ذلك لا يمنع أنّها كانت واجبة بمكّة.و قيل أيضا:هذه الآية مدنيّة.
و القول الثّاني:أنّ هذا حقّ في المال سوى الزّكاة.
و قال مجاهد:إذا حصدت فحضرت المساكين فاطرح لهم منه،و إذا درسته و ذرّيته فاطرح لهم منه،و إذا كربلته فاطرح لهم منه،و إذا عرفت كيله فاعزل زكاته.
و القول الثالث:أنّ هذا كان قبل وجوب الزّكاة،فلمّا فرضت الزّكاة نسخ هذا،و هذا قول سعيد بن جبير.
و الأصحّ هو القول الأوّل،و الدّليل عليه أنّ قوله تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ إنّما يحسن ذكره لو كان ذلك الحقّ معلوما قبل ورود هذه الآية،لئلاّ تبقى هذه الآية مجملة، و قد قال عليه الصّلاة و السّلام:«ليس في المال حقّ سوى الزّكاة»فوجب أن يكون المراد بهذا الحقّ:حقّ الزّكاة.
و البحث الثّالث: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ بعد ذكر الأنواع الخمسة،و هو العنب و النّخل،و الزّيتون و الرّمّان،يدلّ على وجوب الزّكاة في الكلّ،و هذا يقتضي وجوب الزّكاة في الثّمار،كما كان يقوله أبو حنيفة رحمه اللّه.
فإن قالوا:لفظ الحصاد مخصوص بالزّرع.
فنقول:لفظ الحصد في أصل اللّغة غير مخصوص بالزّرع،و الدّليل عليه أنّ الحصد في اللّغة عبارة عن القطع،و ذلك يتناول الكلّ.و أيضا الضّمير في قوله:
(حصاده)يجب عوده إلى أقرب المذكورات،و ذلك هو الزّيتون و الرّمّان،فوجب أن يكون الضّمير عائدا إليه.
البحث الرّابع:قال أبو حنيفة رحمه اللّه:العشر واجب في القليل و الكثير،و قال الأكثرون:إنّه لا يجب إلاّ إذا بلغ خمسة أوسق.و احتجّ أبو حنيفة رحمه اللّه بهذه الآية،فقال:قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ يقتضي ثبوت حقّ في القليل و الكثير،فإذا كان ذلك الحقّ هو الزّكاة وجب القول بوجوب الزّكاة في القليل و الكثير.
(13:213)
القرطبيّ: [ذكر أقوال المفسّرين ثمّ بسط الكلام في مقدار الحقّ،و ذكر أقوال الفقهاء في ما يتعلّق به الحقّ، إلى أن قال:]
و اختلف العلماء في وقت الوجوب على ثلاثة أقوال:
ص: 174
الأوّل:أنّه وقت الجذاذ،قاله محمّد بن مسلمة لقوله تعالى: يَوْمَ حَصادِهِ.
الثّاني:يوم الطّيب،لأنّ ما قبل الطّيب يكون علفا لا قوتا و لا طعاما،فإذا طاب و حان الأكل الّذي أنعم اللّه به،وجب الحقّ الّذي أمر اللّه به؛إذ بتمام النّعمة يجب شكر النّعمة،و يكون الإيتاء وقت الحصاد لما قد وجب يوم الطّيب.
الثّالث:أنّه يكون بعد تمام الخرص (1)،لأنّه حينئذ يتحقّق الواجب فيه من الزّكاة،فيكون شرطا لوجوبها.
أصله مجيء السّاعي في الغنم،و به قال المغيرة.
و الصّحيح الأوّل لنصّ التّنزيل.و المشهور من المذهب الثّاني،و به قال الشّافعيّ.[ثمّ أدام الكلام في صفة الخرص و حقّ الخارص،و له بحث مستوفى إن شئت راجع.](7:104)
أبو حيّان :و الّذي يظهر عود الضّمير على ما عاد عليه من ثمره،و هو جميع ما تقدّم ذكره ممّا يمكن أن يؤكل إذا أثمر.
و قيل:يعود على النّخل،لأنّه ليس في الآية ما يجب أن يؤتى حقّه عند جذاذه إلاّ النّخل.
و قيل:يعود على الزّيتون و الرّمّان لأنّهما أقرب مذكور،و أفرد الضّمير للوجوه الّتي ذكرناها في قوله:
مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ... وَ آتُوا أمر على الوجوب،و تقدّم الأمر بالأكل على الأمر بالصّدقة،لأنّ تقديم منفعة الإنسان بما يملكه في خاصّة نفسه مترجّحة على منفعة غيره،كما قال تعالى: وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ القصص:77،«و ابدأ بنفسك ثمّ بمن تعول»«إنّما الصّدقة عن ظهر غنى».و«الحقّ»هنا مجمل، و اختلف فيه أ هو الزّكاة أم غيرها؟[ثمّ أدام الكلام بأقوال الفقهاء و المفسّرين و في مقدار الحقّ و متعلّقها و قال:]
و الظّاهر أنّ يَوْمَ حَصادِهِ معمول لقوله:(و آتوا)، و المعنى:و اقصدوا الإيتاء و اهتمّوا به وقت الحصاد،فلا يؤخّر عن وقت إمكان الإيتاء فيه.
و يجوز أن يكون معمولا لقوله:(حقّه)و آتوا ما استحقّ يوم حصاده،فيكون الاستحقاق بإيتاء يوم الحصاد و الأداء بعد التّصفية؛و لذلك قال بعضهم:في الكلام محذوف،تقديره:و آتوا حقّه يوم حصاده إلى تصفيته.قال:فيكون الحصاد سببا للوجوب الموسّع، و التّصفية سبب للأداء.
و الظّاهر وجوب إخراج الحقّ منه كلّه ما أكل صاحبه و أهله منه و ما تركوه،و به قال أبو حنيفة و مالك.
و قال جماعة:لا يدخل ما أكل هو و أهله منه في الحقّ،و الظّاهر أنّه أمر بأن يؤتي حقّه يوم حصاده،فلا يخرص عليه.(4:237)
الشّربينيّ: الأمر فيه للوجوب،و الآية مدنيّة، و الحقّ هو الزّكاة المفروضة،و الأمر بإتيانها يوم الحصاد ليهتمّ به حينئذ حتّى لا يؤخّره عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء،و ليعلم أنّ الوجوب بالإدراك لا بالتّنقية.ن.
ص: 175
و قيل:الآية مكّيّة،و الزّكاة إنّما فرضت بالمدينة، فالحقّ ما كان يتصدّق به على المساكين يوم الحصاد، و كان ذلك واجبا حتّى نسخه افتراض العشر و نصف العشر.(1:453)
أبو السّعود :أريد به ما كان يتصدّق به يوم الحصاد بطريق الواجب من غير تعيين المقدار،لا الزّكاة المقدّرة فإنّها فرضت بالمدينة،و السّورة مكّيّة.و قيل:
الزّكاة و الآية مدنيّة.[ثمّ أدام مثل الشّربينيّ]
(2:452)
البروسويّ: أشهر الأقوال على أنّ المراد ما كان يتصدّق به على المساكين يوم الحصاد،أي يوم قطع العنب و النّخل و نحوهما بطريق الوجوب،من غير تعيين المقدار،حتّى نسخه افتراض العشر فيما يسقى بماء السّماء، و نصف العشر فيما يسقى بالدّلو و الدّالية أو نحوهما.
(3:112)
الآلوسيّ: الّذي أوجبه اللّه تعالى فيه يَوْمَ حَصادِهِ -و هو على ما في رواية عطاء عن ابن عبّاس- العشر و نصف العشر،و إليه ذهب الحسن و سعيد بن المسيّب و قتادة و طاوس و غيرهم،و الظّرف قيد لما دلّ عليه الأمر بهيئته من الوجوب،لا لما دلّ عليه بمادّته من الحدث؛إذ ليس الأداء وقت الحصاد و الحبّ في سنبله، كما يفهم من الظّاهر بل بعد التّنقية و التّصفية.و ادّعى عليّ بن عيسى أنّ الظّرف متعلّق بالحقّ فلا يحتاج إلى ما ذكر من التّأويل.
و في رواية أخرى عن الحبر أنّه ما كان يتصدّق به يوم الحصاد بطريق الوجوب من غير تعيين المقدار،ثمّ نسخ بالزّكاة،و إلى ذلك ذهب سعيد بن جبير،و الرّبيع ابن أنس و غيرهما.
قيل:و لا يمكن أن يراد به الزّكاة المفروضة،لأنّها فرضت بالمدينة و السّورة مكّيّة،و أجاب الإمام عن ذلك بأنّا لا نسلّم أنّ الزّكاة ما كانت واجبة في مكّة،و كون آيتها مدنيّة لا يدلّ على ذلك،على أنّه قد قيل:إنّ هذه الآية مدنيّة أيضا.
و عن الشّعبيّ: أنّ هذا حقّ في المال سوى الزّكاة.
و أخرج ابن منصور و ابن المنذر و غيرهما عن مجاهد أنّه قال:في الآية إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السّنبل،فإذا دسته فحضرك المساكين فاطرح لهم،فإذا ذريته و جمعته عرفت كيله فاعزل زكاته.
(8:38)
القاسميّ: و هذا أمر بإيتاء من حضر يومئذ ما تيسّر،و ليس بالزّكاة المفروضة-هكذا قال عطاء-أي لأنّ السّورة مكّيّة،و الزّكاة إنّما فرضت بالمدينة.و كذا قال مجاهد:إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه،و في رواية عنه:عند الحصاد يعطي القبضة،و عند الصّرام يعطي القبضة،و يتركهم يتبعون آثار الصّرام؛و هكذا روي عن نافع و إبراهيم النّخعيّ و غيرهم.
و عند هؤلاء أنّ هذا الحقّ باق لم ينسخ بالزّكاة، فيوجبون إطعام من يحضر الحصاد لهذه الآية.و ممّا يؤيّده أنّه تعالى ذمّ الّذي يصرمون و لا يتصدّقون؛حيث قصّ علينا سوء فعلهم و انتقامه منهم.قال تعالى: إِذْ
ص: 176
أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَ لا يَسْتَثْنُونَ* فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نائِمُونَ* فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ القلم:17-20،أي كاللّيل المدلهمّ،سوداء محترقة فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ* أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ* فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ* أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ القلم:21-24.
و ذهب بعضهم إلى أنّ هذا الحقّ نسخ بآية الزّكاة، حكاه ابن جرير عن ابن عبّاس و ثلّة من التّابعين.
قال ابن كثير:في تسمية هذا نسخا نظر،لأنّه قد كان شيئا واجبا،ثمّ إنّه فسّر بيانه و بيّن مقدار المخرج و كمّيّته،انتهى.
و لا نظر،لما عرفت في المقدّمة من تسمية مثل ذلك نسخا عند السّلف،و مرّ قريبا أيضا،فتذكّر.
و ذهب بعضهم إلى أنّ الآية مدنيّة،ضمّت إلى هذه السّورة في نظائر لها،بيّنّاها أوّل السّورة،و أنّ الحقّ هو الزّكاة المفروضة،روي عن أنس و ابن عبّاس و ابن المسيّب.
و الأمر بإيتائها يوم الحصاد،للمبالغة في العزم على المبادرة إليه.و المعنى:اعزموا على إيتاء الحقّ و اقصدوه و اهتمّوا به يوم الحصاد،حتّى لا تؤخّروه عن أوّل وقت يمكن فيه الايتاء.
قال الحاكم:و قيل:إنّما ذكر وقت الحصاد تخفيفا على الأرباب،فلا يحسب عليهم ما أكل قبله.
و قد روى العوفيّ عن ابن عبّاس،قال:كان الرّجل إذا زرع فكان يوم حصاده،لم يخرج ممّا حصد شيئا، فقال تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ و ذلك أن يعلم ما كيله و حقّه من كلّ عشرة واحد،و ما يلقط النّاس من سنبله.
و قد روى الإمام أحمد و أبو داود عن جابر بن عبد اللّه قال:أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من كلّ جادّ عشرة أوسق من التّمر،بقنو يعلّق في المسجد للمساكين.قال ابن كثير:
إسناده جيّد قويّ.
تنبيه:قال في«الإكليل»:استدلّ بالآية من أوجب الزّكاة في كلّ زرع و ثمر،خصوصا الزّيتون و الرّمّان المنصوص عليهما،و من خصّها بالحبوب،قال:إنّ الحصاد لا يطلق حقيقة إلاّ عليها.و فيها دليل على أنّ الزّكاة لا يجب أداؤها قبل الحصاد،و استدلّ بها أيضا على أنّ الاقتران لا يفيد التّسوية في الأحكام،لأنّه تعالى قرن الأكل،و هو ليس بواجب اتّفاقا،بالإيتاء و هو واجب اتّفاقا،انتهى.(6:2525)
رشيد رضا :أي و أعطوا الحقّ المعلوم فيما ذكر من الزّرع و غيره،لمستحقّيه من ذوى القربى و اليتامى و المساكين،زمن حصاده في جملته بحسب العرف،لا كلّ طائفة منه و لا بعد تنقيته.
و فيه تغليب الحصاد الخاصّ بالزّرع في الأصل، فيدخل فيه جني العنب و صرم النّخل،كتغليب الثّمر فيما قبله،لإدخال حبّ الحصيد فيه،و هو في الأصل خاصّ بالشّجر.
و هذه مقابلة تشبه الاحتباك،جديرة بأن تعدّ نوعا خاصّا من أنواع البديع.[ثمّ نقل قول سعيد بن جبير
ص: 177
و قال:]
يعني أنّ هذا الأمر في الصّدقة المطلقة غير المحدودة المعيّنة،و يؤيّده أنّ السّورة مكّيّة،و الزّكاة المحدودة فرضت بالمدينة في السّنة الثّانية من الهجرة.و قيل:إنّه في الزّكاة المفروضة المحدودة في الأقوات الّتي هي العشر و ربع العشر.
و قد روي عن أنس بن مالك،و هو إحدى الرّوايتين عن ابن عبّاس،و هو قول الحسن و طاوس و زيد بن أسلم و غيرهم،و يردّ عليه الإجماع على أنّ السّورة مكّيّة و لم يصحّ استثناء هذه الآية منها،إلاّ أن يقال:مرادهم إنّ الإطلاق فيها قيّد بعد الهجرة بالمقادير الّتي بيّنتها الزّكاة،كأمثالها من الآيات المكّيّة الّتي ورد فيها الأمر بالزّكاة.
و قد صرّح بعضهم بأنّ الزّكاة المقيّدة المعروفة نسخت فرضيّة الزّكاة المطلقة،و النّسخ عند السّلف أعمّ من النّسخ في عرف الأصوليّين،فيدخل فيه تخصيص العامّ.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين في النّسخ و قال:]
و هذا هو الصّواب،و معناه نسخ فرضيّتها المطلقة، فلم يبق بعد فرض الزّكاة المحدودة إلاّ صدقة التّطوّع،كما هو صريح قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم للأعرابيّ لمّا سأله بعد أن أخبره بالزّكاة المفروضة:هل عليّ غيرها؟قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا،إلاّ أن تطوّع»على أنّ الزّكاة المحدودة المعيّنة لا يمكن أداؤها يوم الحصاد،و ما تأوّلوه في ذلك فهو تكلّف.
فإن قلت:أ ليس إطعام المعدم المضطرّ واجبا على من علم بحاله؟
قلنا:الكلام في الحقّ الواجب على الأعيان في الأموال بشروطها المعروفة،و إغاثة المضطرّ من الواجبات الكفائيّة العارضة لا العينيّة الثّابتة.
و الحصاد بفتح الحاء و كسرها مصدر حصد الزّرع، إذا جزّه،أي قطعه،كما قال في«الأساس».قرأه ابن كثير و نافع و حمزة بالكسر،و الباقون بالفتح.[ثمّ نقل قول الفخر الرّازيّ في القول الثّالث من المبحث الثّاني و قال:]
و نقول:إنّ الحقّ المراد بها كان معلوما عندهم،و هو الصّدقة المطلقة المعتادة الّتي ذكرنا بعض الرّوايات عن السّلف فيها،و الحديث الّذي ذكره رواه ابن ماجة عن فاطمة بنت قيس بسند ضعيف لا يحتجّ به،على أنّه صريح في أنّه ورد بعد فرض الزّكاة بالمدينة،فلا يمكن تحكيمه في تفسير آية مكّيّة نزلت قبل فرض الزّكاة المذكورة.[ثمّ نقل قول الفخر الرّازيّ في المبحث الثّالث و قال:]
بعبارته السّقيمة،و خطأ المعنى فيها أشنع من خطأ العبارة،فليست الآية في الزّكاة.و الحصد في اللّغة:جزّ الزّرع لا مطلق القطع،و إنّما يطلق على غيره مجازا أو تغليبا،فجني الزّيتون ليس من الحصد و لا القطع،و ليس عود الضّمير إلى آخر ما ذكر في الآية واجبا.
و الآخر هو الرّمّان،فإن لم يعد الضّمير إليه وحده لاستحالة أن يكون هو الّذي ثبت الحقّ فيه وحده، فالظّاهر رجوعه إلى جملة المذكورات بتقدير اسم الإشارة كما مرّ قريبا،أو إلى ما يحصد منه حقيقة لا تغليبا و هو الزّرع،و الأوّل هو الّذي يؤيّده التّفسير المأثور.
ص: 178
ثمّ إنّ إيجابه رجوع الضّمير إلى الأخير يبطل أصل دعواه،و هو أنّ الآية تدلّ على وجوب الزّكاة في الأنواع الخمسة بالنّصّ لذكر الحقّ بعدها،فما أضعف دلائل هذا الإمام الشّهير،و لا سيّما في هذا التّفسير الملقّب بالكبير.
(8:136)
سيّد قطب :و الأمر بإيتاء حقّه يوم حصاده هو الّذي جعل بعض الرّوايات تقول عن هذه الآية:إنّها مدنيّة.و قد قلنا في التّقديم للسّورة:إنّ الآية مكّيّة،لأنّ السّياق في الجزء المكّيّ من السّورة لا يتصوّر تتابعه بدون هذه الآية،فإنّ ما بعدها ينقطع عمّا قبلها لو كانت قد تأخّرت حتّى نزلت في المدينة،و هذا الأمر بإيتاء حقّ الزّرع يوم حصاده،لا يتحتّم أن يكون المقصود به الزّكاة.
و هناك روايات في الآية أنّ المقصود هو الصّدقة غير المحدّدة.أمّا الزّكاة بأنصبتها المحدّدة،فقد حدّدها السّنّة بعد ذلك في السّنة الثّانية من الهجرة.(3:1223)
ابن عاشور :و الأمر في وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ خطاب خاصّ بالمؤمنين كما تقدّم،و هذا الأمر ظاهر في الوجوب بقرينة تسمية المأمور به حقّا.و أضيف «الحقّ»إلى ضمير المذكور لأدنى ملابسة،أي الحقّ الكائن فيه.
و قد أجمل الحقّ اعتمادا على ما يعرفونه،و هو:حقّ الفقير،و القربى،و الضّعفاء،و الجيرة.فقد كان العرب إذا جذّوا ثمارهم،أعطوا منها من يحضر من المساكين و القرابة.و قد أشار إلى ذلك فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ* أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ القلم:23 و 24،فلمّا جاء الإسلام أوجب على المسلمين هذا الحقّ و سمّاه حقّا،كما في وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ المعارج:24 و 25، و سمّاه اللّه زكاة في آيات كثيرة.و لكنّه أجمل مقداره و أجمل الأنواع الّتي فيها الحقّ و وكلهم في ذلك إلى حرصهم على الخير،و كان هذا قبل شرع نصبها و مقاديرها،ثمّ شرعت الزّكاة و بيّنت السّنّة نصبها و مقاديرها.[ثمّ ذكر معنى الحصاد و قراءته و قال:]
و قد فرضت الزّكاة في ابتداء الإسلام مع فرض الصّلاة،أو بعده بقليل،لأنّ افتراضها ضروريّ لإقامة أود الفقراء من المسلمين و هم كثيرون في صدر الإسلام، لأنّ الّذين أسلموا قد نبذهم أهلوهم و مواليهم،و جحدوا حقوقهم،و استباحوا أموالهم،فكان من الضّروريّ أن يسدّ أهل الجدّة و القوّة من المسلمين خلّتهم.و قد جاء ذكر الزّكاة في آيات كثيرة ممّا نزل بمكّة،مثل سورة المزّمّل و سورة البيّنة،و هي من أوائل سور القرآن، فالزّكاة قرينة الصّلاة.
و قول بعض المفسّرين:الزّكاة فرضت بالمدينة، يحمل على ضبط مقاديرها بآية: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ التّوبة:103،و هي مدنيّة، ثمّ تطرّقوا فمنعوا أن يكون المراد ب«الحقّ»هنا الزّكاة، لأنّ هذه السّورة مكّيّة بالاتّفاق،و إنّما تلك الآية مؤكّدة للوجوب بعد الحلول بالمدينة،و لأنّ المراد منها أخذها من المنافقين أيضا،و إنّما ضبطت الزّكاة ببيان الأنواع
ص: 179
المزكّاة و مقدار النّصب و المخرج منه بالمدينة،فلا ينافي ذلك أنّ أصل وجوبها في مكّة.
و قد حملها مالك على الزّكاة المعيّنة المضبوطة في رواية ابن القاسم و ابن وهب عنه،و هو قول ابن عبّاس، و أنس بن مالك و سعيد بن المسيّب،و جمع من التّابعين كثير.و لعلّهم يرون الزّكاة فرضت ابتداء بتعيين النّصب و المقادير.
و حملها ابن عمر و ابن الحنفيّة،و عليّ بن الحسين، و عطاء،و حمّاد،و ابن جبير،و مجاهد،على غير الزّكاة، و جعلوا الأمر للنّدب.و حملها السّدّيّ،و الحسن،و عطيّة العوفيّ و النّخعيّ،و سعيد بن جبير،في رواية عنه،على صدقة واجبة،ثمّ نسختها الزّكاة.
و إنّما أوجب اللّه الحقّ في الثّمار و الحبّ يوم الحصاد، لأنّ الحصاد إنّما يراد للادّخار،و إنّما يدّخر المرء ما يريده للقوت،فالادّخار هو مظنّة الغنى الموجبة لإعطاء الزّكاة، و الحصاد مبدأ تلك المظنّة،فالّذي ليست له إلاّ شجرة أو شجرتان فإنّما يأكل ثمرها مخضورا قبل أن ييبس،فلذلك رخّصت الشّريعة لصاحب الثّمرة أن يأكل من الثّمر إذا أثمر،و لم توجب عليه إعطاء حقّ الفقراء إلاّ عند الحصاد.
ثمّ إنّ حصاد الثّمار،و هو جذاذها،هو قطعها لادّخارها،و أمّا حصاد الزّرع فهو قطع السّنبل من جذور الزّرع،ثمّ يفرك الحبّ الّذي في السّنبل ليدّخر، فاعتبر ذلك الفرك بقيّة للحصاد.
و يظهر من هذا أنّ الحقّ إنّما وجب فيما يحصد من المذكورات مثل الزّبيب و التّمر و الزّرع و الزّيتون،من زيته أو من حبّه،بخلاف الرّمّان و الفواكه.
و على القول المختار:فهذه الآية غير منسوخة، و لكنّها مخصّصة و مبيّنة بآيات أخرى،و بما يبيّنه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فلا يتعلّق بإطلاقها.و عن السّدّيّ أنّها نسخت بآية الزّكاة،يعني خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً التّوبة:
103،و قد كان المتقدّمون يسمّون التّخصيص:نسخا.
(7:90)
الطّباطبائيّ: أي الحقّ الثّابت فيه المتعلّق به، فالضّمير راجع إلى الثّمر،و أضيف إليه الحقّ لتعلّقه به، كما يضاف الحقّ أيضا إلى الفقراء لارتباطه بهم.و ربّما احتمل رجوع الضّمير إلى اللّه كالضّمير الّذي بعده في قوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ و إضافته إليه تعالى لانتسابه إليه بجعله.
و هذا إشارة إلى جعل حقّ ما للفقراء في الثّمر من الحبوب و الفواكه يؤدّى إليهم يوم الحصاد يدلّ عليه العقل و يمضيه الشّرع،و ليس هو الزّكاة المشرّعة في الإسلام؛إذ ليست في بعض ما ذكر في الآية زكاة على أنّ الآية مكّيّة،و حكم الزّكاة مدنيّ.
نعم لا يبعد أن يكون أصلا لتشريعها،فإنّ أصول الشّرائع النّازلة في السّور المدنيّة نازلة على وجه الإجمال و الإبهام في السّور المكّيّة،كقوله تعالى بعد عدّة آيات، عند تعداد كلّيّات المحرّمات: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ إلى أن قال: وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الأنعام:151.(7:363)
ص: 180
عبد الكريم الخطيب:أمر بأداء الحقّ المفروض على هذه النّعم الّتي يعيش فيها أهلها،و حقّ هذه النّعم هو شكر اللّه عليها؛إذ هو المنعم بها،و من شكر اللّه عليها،مشاركة الفقراء و المحتاجين لهم فيها،و إعطاؤهم ما أوجب اللّه على الأغنياء للفقراء في أموالهم،في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ المعارج:24 و 25.
و في إضافة«الحقّ»إلى اللّه سبحانه و تعالى هكذا (حقّه)إشعار بأنّ هذا الحقّ هو للّه،صاحب هذه النّعم، و أنّه سبحانه قد جعل هذا الحقّ الّذي له،لهؤلاء الفقراء من عباده.
و إذن فليس لأحد من الأغنياء منّة على هؤلاء الفقراء،و لا فضل له عليهم؛إذا هو أعطاهم ممّا للّه عنده،فذلك من حقّ اللّه عليه،و اللّه سبحانه و تعالى يجزيه عمّا أعطى،فضلا منه سبحانه و كرما،لأنّه تعالى يأخذ ممّا له،و يجزي الثّواب الجزيل عليه،أضعافا مضاعفة،فسبحانه سبحانه،ما أعظم فضله،و ما أوسع رحمته،و أكثر مننه على عباده!(4:324)
مكارم الشّيرازيّ: ما هو المراد من«الحقّ»الّذي يجب إعطاؤه؟
يرى البعض أنّها هي الزّكاة الواجبة المفروضة،أي عشر أو نصف عشر المحصول البالغ حدّ النّصاب الشّرعيّ.
بيد أنّه مع الالتفات إلى أنّ هذه السّورة قد نزلت في مكّة،و أنّ حكم الزّكاة نزل في السّنة الثّانية من الهجرة أو بعد ذلك في المدينة المنوّرة،يبدو مثل هذا الاحتمال بعيدا.
كيف و قد عرّف هذا«الحقّ»في روايات عديدة وصلتنا من أهل البيت عليهم السّلام،و كذا في روايات عديدة وردت في مصادر أهل السّنّة،بغير الزّكاة.و جاء فيها أنّ المراد منه هو ما يعطى من المحصول إلى الفقير عند حضوره عمليّة الحصاد أو القطاف،و ليس له حدّ معيّن،و مقدار مقرّر ثابت.
و في هذه الحالة،هل هذا الحكم وجوبيّ أم استحبابيّ؟
يرى البعض أنّه حكم وجوبيّ،أي أنّ إعطاء هذا الحقّ كان واجبا على المسلمين قبل تشريع حكم الزّكاة و لكنّه نسخ بعد نزول آية الزّكاة،فحلّت الزّكاة بحدودها الخاصّة محلّ ذلك الحقّ.
و لكن يستفاد من أحاديث أهل البيت عليهم السّلام أنّ هذا الحكم لم ينسخ،بل هو باق في صورة الحكم الاستحبابيّ، و هذا يعني أنّه يستحبّ الآن إعطاء شيء من المحاصيل الزّراعيّة إلى من يحضر عند حصادها و قطافها من الفقراء.
يمكن أن يكون التّعبير بكلمة(يوم)إشارة إلى أنّه يحبّذ أن يوقع حصاد الزّرع،و قطاف الثّمر في النّهار، و أن يحضره الفقراء و يعطى إليهم شيء منها،لا في اللّيل كما يفعل بعض البخلاء لكيلا يعرف أحد بهم،فيضطرّوا إلى إعطائه شيئا من محاصيلهم.
و قد أكّدت الرّوايات الواصلة إلينا من أهل البيت عليهم السّلام على هذا الأمر أيضا.(4:450)
ص: 181
فضل اللّه:هناك حقّ مجعول للفقراء من قبل اللّه، يوم حصاده،و يوم قطعه و لعلّه اكتفى بالحصاد تغليبا، و ربّما كانت هذه الآية بداية لتشريع الضّريبة على الزّرع في الإسلام،على سبيل الإجمال،ثمّ جاء التّفصيل بعد ذلك عند ما قنّنت الشّريعة بشكل تفصيليّ الأحكام الشّرعيّة،و قد ذهب البعض إلى أنّها الزّكاة المشروعة، و لكن بعضهم اعترض على ذلك،بأنّ كثيرا ممّا ذكر في هذه الآية،كالزّيتون و الرّمّان و نحوهما ممّا ليس فيه زكاة،و إنّنا نتحفّظ في هذا اللّون من الاعتراضات،لأنّنا نعتبر أنّ القرآن هو الأساس في معرفة قضايا الشّريعة، فليس من المألوف أن نردّ ظاهر آية بوجود حكم على خلافها لدى الفقهاء،إلاّ أن تكون المسألة ناشئة من اعتراض على أصل دلالة الآية،أو وجود مخصّص لعمومها،أو مقيّد لإطلاقها من دليل آخر.
و قد جاء في«الدّرّ المنثور»عن ابن عبّاس في وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قال:نسختها العشر و نصف العشر.
و لكن يرد على ذلك،ما ذكره العلاّمة الطّباطبائيّ في تفسير«الميزان»بعد ذكره الرّواية،قال:أقول:ليست النّسبة بين الآية و آية الزّكاة نسبة النّسخ؛إذ لا تنافي يؤدّي إلى النّسخ،سواء قلنا بوجوب الصّدقة أو باستحبابها.
و قد ذكروا أنّ حكم الزّكاة نزل في المدينة بينما الآية مكّيّة،ممّا يبعد أن تكون الآية متعرّضة لحكم الزّكاة، و لكن لقائل أن يقول:إنّ هذه الآية قد تكون واردة للحديث عن بعض الأنواع الّتي تجب فيها الزّكاة بطريقة خاصّة،لتكون آية الزّكاة الآتية بعد ذلك واردة في بيان الحكم بشكل شموليّ،لا سيّما و أنّ ظاهر الآية الوجوب.
قد جاء في أحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السّلام ما يوحي بأنّ الحكم في هذه الآية وارد في الزّيادة عن الحقّ الواجب في الزّكاة؛بحيث كان ملحوظا حتّى في مورد تشريع الزّكاة.[و نقل الرّوايتين عن الصّادقين عليهما السّلام ثمّ قال:]
و في ضوء أمثال هذه الرّوايات،لا بدّ من رفع اليد عن ظهور الآية في الوجوب لصراحتها في أنّ موردها هو مورد الصّدقة بمعناها العامّ الاستحبابيّ،باعتبار أنّ الحقّ هنا هو الّذي يعطيه لا الّذي يؤخذ به.
و على كلّ فإنّ الآية توحي بأنّ على صاحب الزّرع أن يؤدّي هذا الحقّ للفقراء و المساكين عند حصاده،و قد جاء في تفسير العيّاشيّ عن الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام في الآية قال:أعط من حضرك من المسلمين،فإن لم يحضرك إلاّ مشرك فأعط.
و هذا دليل على روح السّماحة و العطاء الّتي يريد الإسلام للإنسان المسلم أن يعيشها مع كلّ النّاس المحرومين،سواء أ كانوا من المسلمين أم كانوا من المشركين،بروحيّة عطاء و إحساس بآلام الفقراء و المساكين،من أيّ دين كانوا.
و ربّما كان التّعبير بكلمة(حقّه)في ما يعطيه الإنسان من الثّمر،سواء أ كان واجبا أم كان مستحبّا،دلالة على أنّ قضيّة العطاء في الإسلام ليست منحة ذاتيّة تنطلق
ص: 182
من شعور بالفوقيّة،-كما يحسّ به المعطي تجاه الفقير- بل هي حقّ يؤدّيه لصاحبه،لأنّ المال للّه،فإذا أراد اللّه من الإنسان أن يعطيه لأحد،مستحبّا كان أو واجبا،فإنّه يعطيه من موقع الحقّ،لا من موقع التّفضّل،ممّا يحفظ به للفقير كرامته،و للمعطي روحيّته و إيمانه.
و هذا هو المعنى الّذي ينبغي للتّربية الإسلاميّة أن تؤكّده في ما تستهدفه من بناء الشّخصيّة المسلمة،فعلى المسلم أن يحسّ دائما بأنّ عليه حقّا للنّاس في ماله،و في كلّ ما رزقه اللّه من طاقة،على أساس ما للّه عليه من حقّ في ذلك كلّه،فهو عند ما يعطي،فإنّما يؤدّي حقّ اللّه للآخرين.(9:343)
2- وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. الإسراء:26
ابن عبّاس: أعط ذا القرابة حقّه.يقول:أمر بصلة القرابة.(235)
هو أن تصل ذا القرابة و المسكين و تحسن إلى ابن السّبيل.
(الطّبريّ 15:72)
الإمام عليّ بن الحسين عليهما السّلام:هم قرابة الرّسول.(الطّوسيّ 6:468)
[و هذا من قبيل تأويل العامّ بالخاصّ]
عكرمة :صلته الّتي تريد أن تصله بها،ما كنت تريد أن تفعله إليه.(الطّبريّ 15:71)
الحسن :سأل رجل الحسن قال:أعطي قرابتي زكاة مالي؟فقال:إنّ لهم في ذلك لحقّا سوى الزّكاة،ثمّ تلا هذه الآية وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ
(الطّبريّ 15:71)
السّدّيّ: قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام لرجل من أهل الشّام:أقرأت القرآن؟قال:نعم،قال:أ فما قرأت في بني إسرائيل وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ قال:و إنّكم للقرابة الّتي أمر اللّه جلّ ثناؤه أن يؤتى حقّه؟قال:نعم.
(الطّبريّ 15:72)
الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله:
وَ آتِ ذَا الْقُرْبى فقال بعضهم:عنى به:قرابة الميّت من قبل أبيه و أمّه،أمر اللّه جلّ ثناؤه عباده بصلتها.
و قال آخرون:بل عنى به قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.
و أولى التّأويلين عندي بالصّواب تأويل من تأوّل ذلك أنّها بمعنى وصيّة اللّه عباده بصلة قرابات أنفسهم و أرحامهم،من قبل آبائهم و أمّهاتهم؛و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ عقّب ذلك عقيب حضّه عباده على برّ الآباء و الأمّهات،فالواجب أن يكون ذلك حضّا على صلة أنسابهم،دون أنساب غيرهم الّتي لم يجر لها ذكر.
و إذا كان ذلك كذلك،فتأويل الكلام:و أعط يا محمّد ذا قرابتك حقّه من صلتك إيّاه،و برّك به،و العطف عليه،و خرج ذلك مخرج الخطاب لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و المراد بحكمه:جميع من لزمته فرائض اللّه،يدلّ على ذلك ابتداؤه الوصيّة بقوله جلّ ثناؤه: وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما الإسراء:23.
فوجّه الخطاب بقوله: وَ قَضى رَبُّكَ
ص: 183
إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،ثمّ قال: أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ فرجع بالخطاب به إلى الجميع،ثمّ صرف الخطاب بقوله: إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ إلى إفراده به.و المعنيّ بكلّ ذلك جميع من لزمته فرائض اللّه عزّ و جلّ،أفرد بالخطاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وحده،أو عمّ به هو و جميع أمّته.(15:71)
الثّعلبيّ: يعني صلة الرّحم.(6:95)
الطّوسيّ: و هو أمر من اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يعطي ذوي القربى حقوقهم الّتي جعلها اللّه لهم.
و روي أنّه لما نزلت هذه الآية استدعى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السّلام و أعطاها فدكا و سلّمه إليها،و كان و كلاؤها فيها طول حياة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فلمّا مضى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخذها أبو بكر،و دفعها عن النّحلة،و القصّة في ذلك مشهورة، فلمّا لم يقبل بيّنتها،و لا قبل دعواها طالبت بالميراث،لأنّ من له الحقّ إذا منع منه من وجه جاز له أن يتوصّل إليه بوجه آخر،فقال لها:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«نحن معاشر الأنبياء لا نورّث،ما تركناه صدقة»فمنعها الميراث أيضا و كلامهما في ذلك مشهور،لا نطول بذكره الكتاب.
(6:468)
القشيريّ: إيتاء الحقّ يكون من المال و من النّفس و من القول و من الفعل،و من نزل على اقتضاء حقّه، و بذل الكلّ لأجل ما طالبه به من حقوق،فهو القائم بما ألزمه الحقّ سبحانه بأمره.(4:16)
الزّمخشريّ: وصّى بغير الوالدين من الأقارب بعد التّوصية بهما و أن يؤتوا حقّهم،و حقّهم إذا كانوا محارم كالأبوين و الولد،و فقراء عاجزين عن الكسب،و كان الرّجل موسرا أن ينفق عليهم عند أبي حنيفة.و الشّافعيّ لا يرى النّفقة إلاّ على الولد و الوالدين فحسب.
و إن كانوا مياسير أو لم يكونوا محارم كأبناء العمّ، فحقّهم صلتهم بالموادّة و الزّيارة و حسن المعاشرة و المؤالفة على السّرّاء و الضّرّاء و المعاضدة،و نحو ذلك.
(2:446)
ابن عطيّة: اختلف المتأوّلون في«ذى القربى» فقال الجمهور:الآية وصيّة للنّاس كلّهم بصلة قرابتهم، خوطب بذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و المراد الأمّة،و ألحق في هذه الآية ما يتعيّن له من صلة الرّحم و سدّ الخلّة و المواساة عند الحاجة بالمال و المعونة بكلّ وجه،قال بنحو هذا الحسن و عكرمة و ابن عبّاس و غيرهم.
و قال عليّ بن الحسين في هذه:هم قرابة النّبيّ عليه السّلام، أمر النّبيّ عليه السّلام بإعطائهم حقوقهم من بيت المال.و القول الأوّل أبين،و يعضده العطف ب(المسكين).(3:449)
الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ إلاّ أنّه نقل حديث فدك سندا](3:411)
الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ قوله تعالى: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ مجمل،و ليس فيه بيان أنّ ذلك الحقّ ما هو؟و عند الشّافعيّ رحمه اللّه:أنّه لا يجب الإنفاق إلاّ على الولد و الوالدين.و قال قوم:يجب الإنفاق على المحارم بقدر الحاجة.و اتّفقوا على أنّ من لم يكن من المحارم كأبناء العمّ فلا حقّ لهم إلاّ الموادّة و الزيارة،و حسن المعاشرة و المؤالفة في السّرّاء و الضّرّاء.(20:193)
القرطبيّ: أي كما راعيت حقّ الوالدين فصل
ص: 184
الرّحم،ثمّ تصدّق على المسكين و ابن السّبيل.و قال عليّ ابن الحسين[عليهما السّلام]في قوله تعالى: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ:
هم قرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أمر صلّى اللّه عليه و سلّم بإعطائهم حقوقهم من بيت المال،أي من سهم ذوي القرب من الغزو و الغنيمة، و يكون خطابا للولاة أو من قام مقامهم.و ألحق في هذه الآية ما يتعيّن من صلة الرّحم،و سدّ الخلّة،و المواساة عند الحاجة بالمال،و المعونة بكلّ وجه.(10:247)
أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة و أضاف:]
و الظّاهر أنّ الحقّ هنا مجمل و أنّ ذا القربى عامّ في ذي القرابة،فيرجع في تعيين الحقّ و في تخصيص ذي القرابة إلى السّنّة.(6:29)
الشّربينيّ: و الخطاب لكلّ أحد أن يؤتي أقاربه حقوقهم من صلة الرّحم و المودّة و الزّيارة و حسن المعاشرة و المعاضدة و نحو ذلك.
و قيل:إن كانوا محتاجين و محاويج و هو موسر لزمه الإنفاق عليهم،عند الإمام أبي حنيفة.و قال الشّافعيّ:
لا يلزم إلاّ نفقة الوالد على ولده و الولد على والده فقط.
(2:299)
أبو السّعود :توصية بالأقارب إثر التّوصية ببرّ الوالدين.و لعلّ المراد بهم:المحارم و بحقّهم النّفقة،كما ينبئ عنه قوله تعالى: وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ فإنّ المأمور به في حقّهما المواساة الماليّة لا محالة،أي و آتهما حقّهما ممّا كان مفترضا بمكّة بمنزلة الزّكاة،و كذا النّهي عن التّبذير و عن الإفراط في القبض و البسط،فإنّ الكلّ من التّصرّفات الماليّة.(4:125)
البروسويّ: (حقّه)و هي النّفقة،أي إذا كانوا فقراء[ثمّ بسّط الكلام في من وجبت نفقته على الإنسان و قال:]
و في الآية إشارة إلى النّفس فإنّها من ذوي قربى القلب و لها حقّ،كما قال عليه الصّلاة و السّلام:«إنّ لنفسك عليك حقّا»المعنى لا تبالغ في رياضة النّفس و جهادها لئلاّ تسأم و تملّ و تضعف عن حمل أعباء الشّريعة.و حقّها:رعايتها عن السّرف في المأكول و الملبوس و الأثاث و المسكن،و حفظها عن طرفي الإفراط و التّفريط،كما في«التّأويلات النّجميّة».
(5:150)
الآلوسيّ: أي ذا القرابة منك(حقّه)الثّابت له، قيل:و لعلّ المراد بذي القربى:المحارم،و بحقّهم:النّفقة عليهم إذا كانوا فقراء عاجزين عن الكسب،عمّا ينبئ عنه قوله تعالى: وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ.
و استدلّ بعضهم بالآية على إيجاب نفقة المحارم المحتاجين و إن لم يكونوا أصلا كالوالدين،و لا فرعا كالولد.و الكلام من باب التّعميم بعد التّخصيص،فإنّ ذَا الْقُرْبى يتناول الوالدين لغة و إن لم يتناوله عرفا، فلذا قالوا في باب الوصيّة المبنيّة على العرف:لو أوصى لذوي قرابته لا يدخلان.
و في«الكشف»أنّ الحقّ:أنّ إيتاء الحقّ عامّ و المقام يقتضي الشّمول،فيتناول الحقّ المالي و غيره؛من الصّلة و حسن المعاشرة،فلا تنتهض الآية دليلا على إيجاب
ص: 185
نفقة المحارم.
و تعقّب أنّ قوله تعالى:(حقّه)يشعر باستحقاق ذلك لاحتياجه،مع أنّه إذا عمّ دخل فيه المالي و غيره،فكيف لا تنتهض الآية دليلا و أنا ممّن يقول بالعموم و عدم اختصاص ذي القربى بذي القرابة الولاديّة،و العطف، و كذا ما بعده لا يدلّ على تخصيص قطعا،فتدبّر.
و قيل:المراد بذي القربى:أقارب الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و روي ذلك عن السّدّيّ.و أخرج ابن جرير عن عليّ بن الحسين رضي اللّه تعالى عنهما أنّه قال لرجل من أهل الشّام:«أقرأت القرآن؟[و ذكر الحديث ثمّ قال:]
و رواه الشّيعة عن الصّادق رضى اللّه عنه.و حقّهم توقيرهم و إعطاءهم الخمس».
و ضعّف بأنّه لا قرينة على التّخصيص.
و أجيب بأنّ الخطاب قرينة و فيه نظر،و ما أخرجه البزّاز و أبو يعلى،و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريّ من أنّه لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فاطمة فأعطاها فدكا،لا يدلّ على تخصيص الخطاب به عليه الصّلاة و السّلام،على أنّ في القلب من صحّة الخبر شيئا بناء على أنّ السّورة مكّيّة، و ليست هذه الآية من المستثنيات،و فدك لم تكن إذ ذاك تحت تصرّف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،بل طلبها رضي اللّه تعالى عنها ذلك إرثا بعد وفاته عليه الصّلاة و السّلام،كما هو المشهور يأبى القول بالصّحّة،كما لا يخفى.(15:62)
سيد قطب:و القرآن يجعل لذي القربى و المسكين و ابن السّبيل حقّا في الأعناق يوفّى بالإنفاق،فليس هو تفضّلا من أحد على أحد،إنّما هو الحقّ الّذي فرضه اللّه، و وصله بعبادته و توحيده.الحقّ الّذي يؤدّيه المكلّف فيبرئ ذمّته،و يصل المودّة بينه و بين من يعطيه،و إن هو إلاّ مؤدّ ما عليه للّه.(4:2222)
عبد الكريم الخطيب :و في وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ إشارة إلى أنّ ما يبذله الإنسان لهؤلاء الجماعات هو حقّ لهم عنده،فإذا أدّاه لهم،فإنّما يؤدّي دينا عليه ثمّ هو مع أداء هذا الدّين مثاب عند اللّه، يضاعف له الأجر و يجزل له المثوبة.
و قد أطلق الحقّ،فلم يحدّد،و لم يبيّن،ليشمل كلّ ما هو مطلوب،حسب الحال الدّاعية له.(8:475)
فضل اللّه :في هذه الآيات حديث عن التّوازن في تحريك المال و توجيهه نحو المواقع الّتي أراد اللّه للإنسان أن ينفقه فيها،و تخطيط للأسلوب الأخلاقيّ الّذي يواجه به الإنسان الحالات الصّعبة لبعض النّاس المحتاجين للعون،من دون أن يستطيع القيام بأيّ شيء تجاهها، ليعيش المشاركة الشّعوريّة؛حيث لا يملك المشاركة بالمساعدة الماليّة.
وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ في ما فرضه اللّه له من الحقّ،أو ما تقتضيه طبيعة العلاقة الخاصّة من حقّ طبيعيّ.و المراد بذي القربى-على ما يبدو-:الّذي يرتبط بالإنسان برابطة القرابة الّتي تفرض حقوقا واجبة تجاه بعض الأقرباء كالأبوين و الأولاد،أو حقوقا مستحبّة كصلة الرّحم بين الأقرباء.
و هناك تفسير آخر ذهب إليه السّدّيّ،و هو أنّ
ص: 186
المراد به:قرابة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،و ذلك لما روي عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام،أنّه قال لرجل من أهل الشّام،[و ذكر نحو ما تقدّم ثمّ قال:]
و هو الّذي روي عن الإمامين الباقر و الصّادق عليهما السّلام، وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ من خلال ما فرضه اللّه لهما من الزّكاة و غيرها.
و هكذا تؤكّد هذه الفقرة العطاء الّذي يحقّق غايتين إنسانيّتين في شخصيّة المعطي،من حيث انفتاح روحه على مشاكل الآخرين،و تفاعله معهم،ممّا يساهم في تنمية المشاعر الرّوحيّة الطّاهرة،و امتداد مسئوليّته في حياة الإنسان المحروم،و في حياة هؤلاء الّذين يرزحون تحت ضغط الحاجات الحياتيّة؛إذ عند ما يعيشون روح المشاركة الإنسانيّة من إخوانهم،يشعرون بالثّقة في مواجهة مشاكل الحاجة،و يحسّون بالطّمأنينة النّفسيّة أمام كلّ حالات القلق و الخوف من المجهول.
و هكذا يركّز التّشريع الإسلاميّ قاعدة التّكافل الاجتماعيّ في المجتمع المسلم،من موقع المفهوم الإسلاميّ الّذي يفرض العطاء كمسئوليّة،و يؤكّد الإحسان كحالة روحيّة إنسانيّة في أجواء الآخرة،بعيدا عن الشّعور بالشّفقة المذلّة الّتي ترهق كرامة الإنسان.(14:91)
[و للمكارم الشّيرازيّ كلام يأتي في ق ر ب:«ذي القربى»و جاءت في ذلك روايات في«نور الثّقلين»3:
153 فلاحظ]
3- فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ...
الرّوم:38
راجع ق ر ب:«ذا القربى».
1-2- ...وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَ يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ* لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ. الأنفال:7،8
ابن عبّاس: أن يظهر دينه الإسلام بنصرته و تحقيقه...ليظهر دينه الإسلام بمكّة.(145)
نحوه الطّبرسيّ.(2:521)
الطّبريّ: و يريد اللّه أن يحقّ الإسلام و يعليه بكلماته،و يعزّ الإسلام؛و ذلك هو تحقيق الحقّ.
و قيل:إنّ الحقّ في هذا الموضع:اللّه عزّ و جلّ.
(9:188)
نحوه الثّعلبيّ.(4:331)
الطّوسيّ: معناه أنّ اللّه يريد أن يظهر محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و من معه على الحقّ.
و قال قوم:(الحقّ)في هذا الموضع:القرآن.
و(الباطل):إبليس.و قيل:(الحقّ):الإسلام و(الباطل):
الشّرك.(5:96)
البغويّ: أي يظهره و يعليه. لِيُحِقَّ الْحَقَّ ليثبت الإسلام.(2:272)
الميبديّ: يظهر الإسلام و ينصر أهله بكلماته،أي بأوامره و نواهيه.و قيل:بضمانه و مواعيده.
لِيُحِقَّ الْحَقَّ أي ليعلي الحقّ و يسفل الباطل.
ص: 187
و كرّر لأنّ الأوّل متّصل بقوله: وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ أي أنتم تريدون العير و اللّه يريد إهلاك النّفير،و الثّاني متّصل بالكلّ.(4:9)
الزّمخشريّ: أن يثبته و يعليه.(2:144)
فإن قلت:بم يتعلّق قوله: لِيُحِقَّ الْحَقَّ؟
قلت:بمحذوف تقديره:ليحقّ الحقّ و يبطل الباطل، فعل ذلك ما فعله إلاّ لهما،و هو إثبات الإسلام و إظهاره، و إبطال الكفر و محقه.
فإن قلت:أ ليس هذا تكريرا؟
قلت:لا لأنّ المعنيين متباينان؛و ذلك أنّ الأوّل تمييز بين الإرادتين،و هذا بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذاتِ الشَّوْكَةِ على غيرها لهم،و نصرتهم عليها، و أنّه ما نصرهم و لا خذل أولئك إلاّ لهذا الغرض الّذي هو سيّد الأغراض.و يجب أن يقدّر المحذوف متأخّرا حتّى يفيد معنى الاختصاص،فينطبق عليه المعنى.
و قيل:قد تعلّق ب(يقطع).(2:145)
نحوه البيضاويّ(1:386)،و البروسويّ(3:
317).
ابن عطيّة: أي ليظهر ما يجب إظهاره و هو الإسلام.(2:504)
الفخر الرّازيّ: فيه سؤالات:
السّؤال الأوّل:أ ليس أنّ قوله: يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ثمّ قوله بعد ذلك: لِيُحِقَّ الْحَقَّ تكرير محض؟
و الجواب:ليس هاهنا تكرير،لأنّ المراد بالأوّل سبب ما وعد به في هذه الواقعة من النّصر و الظّفر بالأعداء،و المراد بالثّاني تقوية القرآن و الدّين و نصرة هذه الشّريعة،لأنّ الّذي وقع من المؤمنين يوم بدر بالكافرين كان سببا لعزّة الدّين و قوّته،و لهذا السّبب قرنه بقوله: وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ الّذي هو الشّرك، و ذلك في مقابلة(الحقّ)الّذي هو الدّين و الإيمان.
السّؤال الثّاني:(الحقّ)حقّ لذاته،و(الباطل)باطل لذاته،و ما ثبت للشّيء لذاته فإنّه يمتنع تحصيله بجعل جاعل و فعل فاعل،فما المراد من تحقيق الحقّ و إبطال الباطل؟
و الجواب:المراد من تحقيق الحقّ و إبطال الباطل، بإظهار كون ذلك الحقّ حقّا،و إظهار كون ذلك الباطل باطلا؛و ذلك تارة يكون بإظهار الدّلائل و البيّنات، و تارة بتقوية رؤساء الحقّ و قهر رؤساء الباطل.
و اعلم أنّ أصحابنا تمسّكوا في مسألة خلق الأفعال بقوله تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَّ قالوا:وجب حمله على أنّه يوجد الحقّ و يكوّنه،و(الحقّ)ليس إلاّ الدّين و الاعتقاد،فدلّ هذا على أنّ الاعتقاد الحقّ لا يحصل إلاّ بتكوين اللّه تعالى.
قالوا:و لا يمكن حمل تحقيق الحقّ على إظهار آثاره، لأنّ ذلك الظّهور حصل بفعل العباد،فامتنع أيضا إضافة ذلك الإظهار إلى اللّه تعالى،و لا يمكن أن يقال:المراد من إظهاره:وضع الدّلائل عليها،لأنّ هذا المعنى حاصل بالنّسبة إلى الكافر و إلى المسلم.و قبل هذه الواقعة، و بعدها فلا يحصل لتخصيص هذه الواقعة بهذا المعنى
ص: 188
فائدة أصلا.
و اعلم أنّ المعتزلة أيضا تمسّكوا بعين هذه الآية على صحّة مذهبهم،فقالوا:هذه الآية تدلّ على أنّه لا يريد تحقيق الباطل و إبطال الحقّ البتّة،بل إنّه تعالى أبدا يريد تحقيق الحقّ و إبطال الباطل؛و ذلك يبطل قول من يقول:
إنّه لا باطل و لا كفر إلاّ و اللّه تعالى مريد له.
و أجاب أصحابنا بأنّه ثبت في أصول الفقه أنّ المفرد المحلّى بالألف و اللاّم ينصرف إلى المعهود السّابق،فهذه الآية دلّت على أنّه تعالى أراد تحقيق الحقّ و إبطال الباطل في هذه الصّورة،فلم قلتم:إنّ الأمر كذلك في جميع الصّور؟بل قد بيّنّا بالدّليل أنّ هذه الآية تدلّ على صحّة قولنا.(15:128)
الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ و كلاهما متعذّر،لأنّه تحصيل الحاصل؟
قلنا:المراد ب(الحقّ):الإيمان،و(الباطل):الشّرك، فاندفع السّؤال.
فإن قيل:ما فائدة التّكرار في قوله تعالى: وَ يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ؟
قلنا:إنّما ذكر أوّلا لبيان أنّ إرادتهم كانت متعلّقة باختيار الطّائفة الّتي كانت فيها الغنيمة،و إرادة اللّه تعالى باختيار الطّائفة الّتي في قهرها نصرة الدّين،فذكره أوّلا للتّمييز بين الإرادتين،ثمّ ذكره ثانيا لبيان الحكمة في قطع دابر الكافرين.(104)
القرطبيّ: أي أن يظهر الإسلام،و الحقّ حقّ أبدا، و لكن إظهاره تحقيق له من حيث إنّه إذا لم يظهر أشبه الباطل.
لِيُحِقَّ الْحَقَّ أي يظهر دين الإسلام و يعزّه.
(7:369)
النّيسابوريّ: فإن قيل:أ ليس في الكلام تكرار؟ [و لخصّ كلام الفخر الرّازيّ ثمّ قال:]
و الحاصل أنّ الأوّل جزئيّ،أي أنتم تريدون العير، و اللّه يريد إهلاك النّفير.
و الثّاني كلّيّ يشمل هذه القضيّة و غيرها من القضايا الّتي حصل في ضمنها إعلاء كلمة اللّه،و قمع كلمة الكفر.
(9:125)
أبو السّعود :جملة مستأنفة سيقت لبيان الحكمة الدّاعية إلى اختيار ذات الشّوكة و نصرهم عليها،مع إرادتهم لغيرها،و اللاّم متعلّقة بفعل مقدّر مؤخّر عنها، أي لهذه الغاية الجليلة فعل ما فعل لا لشيء آخر.و ليس فيه تكرار؛إذ الأوّل لبيان تفاوت ما بين الإرادتين، و هذا لبيان الحكمة الدّاعية إلى ما ذكر،و معنى إحقاق الحقّ:إظهار حقّيّته لا جعله حقّا بعد أن لم يكن كذلك، و كذا حال إبطال الباطل.(3:80)
نحوه الآلوسيّ.(9:172)
الكاشانيّ: فعل ما فعل و ليس بتكرير،لأنّ الأوّل لبيان مراد اللّه و تفاوت ما بينه و بين مرادهم،و الثّاني لبيان الدّاعي إلى حمل الرّسول على اختيار ذات الشّوكة و نصره عليها.(2:269)
مغنيّة:المراد ب(الحقّ)في الآية السّابقة،أي قوله
ص: 189
تعالى: أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ: انتصار المسلمين على قريش،و المراد ب(الحقّ)هنا:الإسلام،و المجرمون أعدائه،و المراد ب(الباطل):الشّرك.و إحقاق الحقّ يكون بإظهاره و إعلانه على الملأ،أو بانتصار أهله،أو بهما معا،و إبطال الباطل يكون بإعلانه أو خذلان المبطلين،أو بهما معا.و أوضح تفسير لهذه الآية قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ التّوبة:33.(3:455)
الطّباطبائيّ: و المراد بإحقاق الحقّ:إظهاره و إثباته بترتيب آثاره عليه.
ظاهر السّياق أنّ اللاّم للغاية،و قوله:(ليحقّ...) متعلّق بقوله: يَعِدُكُمُ اللّهُ أي إنّما وعدكم اللّه ذلك و هو لا يخلف الميعاد،ليحقّ بذلك الحقّ و يبطل الباطل، و لو كان المجرمون يكرهونه و لا يريدونه.
و بذلك يظهر أنّ قوله: لِيُحِقَّ الْحَقَّ... ليس تكرارا لقوله: وَ يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ و إن كان في معناه.(9:20)
مكارم الشّيرازيّ: قال بعض المفسّرين، كالفخر الرّازيّ و صاحب«المنار»:إنّ(الحقّ)في الأولى إشارة لانتصار المسلمين في معركة بدر،و إنّ(الحقّ)في الثّانية إشارة لانتصار الإسلام و القرآن الّذي كان نتيجة الانتصار العسكريّ في معركة بدر.و هكذا فإنّ الانتصار العسكريّ-في تلك الظّروف الخاصّة-مقدّمة لانتصار الهدف و الدّين.
كما يرد هذا الاحتمال،و هو أنّ الآية السّابقة تشير إلى إرادة اللّه:الإرادة التشريعيّة الّتي كانت جليّة في أوامر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و الآية الثّانية تشير إلى نتيجة هذا الحكم و الأمر،فلاحظوا بدقّة.(5:343)
فضل اللّه :و يثبّته بوحيه و سننه في الكون،ليكون هو المهيمن على حركة الحياة،و تكون قيادته الرّسوليّة هي الحاكمة لها في كلّ خطوط السّير...
لِيُحِقَّ الْحَقَّ و يجعله القوّة الوحيدة الّتي تحكم السّاحة في ما يوحي به من فكر،و ما يركّز من مفاهيم و ما يشرّع من شريعة.(10:337)
و مثلها:
3- وَ يُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ.
يونس:82
4- ...وَ يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. الشّورى:24
فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَ مَا اعْتَدَيْنا إِنّا إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ. المائدة:107
ابن عبّاس: فَإِنْ عُثِرَ فإن اطّلع عَلى أَنَّهُمَا يعني النّصرانيّين اِسْتَحَقّا استوجبا(اثما) خيانة... مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الخيانة يعني النّصرانيّين... لَشَهادَتُنا شهادة المسلمين(احقّ)
ص: 190
أصدق مِنْ شَهادَتِهِما يعني شهادة النّصرانيّين.
(103)
الطّبريّ: يقول:على أنّهما استوجبا بأيمانهما الّتي حلفا بها إثما.(7:112)
الميبديّ: اِسْتَحَقّا أن يلزما اسم الخيانة و الإثم.(3:252)
الزّمخشريّ: اِسْتَحَقّا أي ما أوجب إثما و استوجبا أن يقال:إنّهما لمن الآثمين.(1:651)
ابن عطيّة: معناه استوجباه من اللّه و كانا أهلا له.
فهذا استحقاق على بابه،إنّه استيجاب حقيقة،و لو كان الإثم الشّيء المأخوذ لم يقل فيه اِسْتَحَقّا لأنّهما ظلما و خانا فيه،فإنّما استحقّا منزلة السّوء و حكم العصيان، و ذلك هو الإثم[ثمّ نقل القراءات كما يأتي و فسّر كلّ واحدة منها في كلام طويل](2:254)
أبو حيّان :قرأ الحرميّان و العربيّان و الكسائيّ (استحقّ)مبنيّا للفاعل و(الاوليان)مثنّى مرفوع تثنية الأولى.و رويت هذه القراءة عن أبيّ و عليّ و ابن عبّاس، و عن ابن كثير في رواية قرّة عنه.و قرأ حمزة و أبو بكر (استحقّ)مبنيّا للمفعول و(الاوليان)جمع الأوّل.و قرأ الحسن:(استحقّ)مبنيّا للفاعل(الاوّلان)مرفوع تثنية أوّل.
لاحظ:و ل ي:«الاوليان».(4:45)
أبو السّعود :[ذكر القراءات نحو أبي حيّان ثمّ قال:]
و مفعول(استحقّ)محذوف،أي استحقّا عليهم أن يجرّدوهما للقيام بها،لأنّها حقّهما و يظهروا بهما كذب الكاذبين،و هما في الحقيقة الآخران القائمان مقام الأوّلين على وضع المظهر مقام المضمر.و قرئ على البناء للمفعول و هو الأظهر،أي من الّذين استحقّ عليهم الإثم.(2:332)
نحوه البروسويّ.(2:456)
الآلوسيّ: (ان عثر)بعد التّحليف عَلى أَنَّهُمَا أي الشّاهدين الحالفين اِسْتَحَقّا إِثْماً أي فعلا ما يوجبه من تحريف و كتم،بأن ظهر بأيديهما شيء من التّركة،و ادّعيا استحقاقهما له بوجه من الوجوه.
و قال الجبّائيّ: الكلام على حذف مضاف،أي استحقّا عقوبة إثم فَآخَرانِ أي فرجلان آخران.و هو مبتدأ و خبره قوله تعالى: يَقُومانِ مَقامَهُما و الفاء جزائيّة،و هي إحدى مصوّغات الابتداء بالنّكرة.و لا محذور في الفصل بالخبر بين المبتدإ و صفته،و هو قوله سبحانه: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ.
و قيل:هو خبر مبتدإ محذوف،أي فالشّاهدان آخران،و جملة يَقُومانِ صفته،و الجار و المجرور صفة أخرى.و جوّز أبو البقاء أن يكون حالا من ضمير يَقُومانِ.
و قيل:هو فاعل فعل محذوف،أي فليشهد آخران و ما بعده صفة له،و قيل:مبتدأ خبره الجارّ و المجرور، و الجملة الفعليّة صفته،و ضمير مَقامَهُما في جميع هذه الأوجه مستحقّ للّذين استحقّا،و ليس المراد بمقامهما:مقام أداء الشّهادة الّتي تولّياها و لم يؤدّياها كما
ص: 191
هي،بل هو مقام الحبس و التّحليف.
و (استحقّ) بالبناء للفاعل على قراءة عاصم في رواية حفص عنه،و بها قرأ عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه و ابن عبّاس و أبيّ رضي اللّه تعالى عنهم،و فاعله اَلْأَوْلَيانِ، و المراد من الموصول:أهل الميّت،و من الأوليين:الأقربان إليه الوارثان له،الأحقّان بالشّهادة لقربهما و اطّلاعهما،و هما في الحقيقة الآخران القائمان مقام اللّذين استحقّا إثما،إلاّ أنّه أقيم المظهر مقام ضميرهما للتّنبيه على وصفهما بهذا الوصف.
و مفعول(استحقّ)محذوف و اختلفوا في تقديره، فقدّره الزّمخشريّ أن يجرّدوهما للقيام بالشّهادة، ليظهروا بهما كذب الكاذبين،و قدّره أبو البقاء وصيّتهما، و قدّره ابن عطيّة ما لهم و تركتهم.
و قال الإمام:«إنّ المراد ب(الاوليان)الوصيّان اللّذان ظهرت خيانتهما،و سبب أولويّتهما أنّ الميّت عيّنهما للوصيّة،فمعنى اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ خان في ما لهم و جنى عليهم الوصيّان اللّذان عثر على خيانتهما».
و على هذا لا ضرورة إلى القول بحذف المفعول،و قرأ الجمهور: (استحقّ عليهم الاوليان) ببناء(استحقّ) للمفعول.
و اختلفوا في مرجع ضميره،و الأكثرون أنّه الإثم، و المراد من الموصول:الورثة،لأنّ استحقاق الإثم عليهم كناية عن الجناية عليهم.و لا شكّ أنّ الّذين جنى عليهم و ارتكب الذّنب بالقياس إليهم هم الورثة،و قيل:إنّه الإيصاء،و قيل:الوصيّة لتأويلها بما ذكر،و قيل:المال، و قيل:إنّ الفعل مسند إلى الجارّ و المجرور.
و كذا اختلفوا في توجيه رفع(الاوليان)فقيل:إنّه مبتدأ خبره(آخران)أي الأوليان بأمر الميّت آخران، و قيل:بالعكس،و اعترض بأنّ فيه الإخبار عن النّكرة بالمعرفة،و هو ممّا اتّفق على منعه في مثله،و قيل:خبر مبتدإ مقدّر،أي هما الآخران على الاستئناف البيانيّ، و قيل:بدل من(آخران)،و قيل:عطف بيان عليه، و يلزمه عدم اتّفاق البيان و المبيّن في التّعريف و التّنكير، مع أنّهم شرطوه فيه حتّى من جوّز تنكيره.نعم نقل عن «نزر»عدم الاشتراط.و قيل:هو بدل من فاعل يَقُومانِ.
و كون المبدل منه في حكم الطّرح ليس من كلّ الوجوه،حتّى يلزم خلوّ تلك الجملة الواقعة خبرا أو صفة عن الضّمير،على أنّه لو طرح و قام هذا مقامه كان من وضع الظّاهر موضع الضّمير،فيكون رابطا.
و قيل:هو صفة(آخران)و فيه وصف النّكرة بالمعرفة.و الأخفش أجازه هنا،لأنّ النّكرة بالوصف قربت من المعرفة.و قيل:و هذا على عكس:
*و لقد أمرّ على اللّئيم يسبّني* فإنّه يؤول فيه المعرفة بالنّكرة،و هذا أوّل فيه النّكرة بالمعرفة،أو جعلت في حكمها للوصف،و يمكن- كما قال بعض المحقّقين-أن يكون منه بأن يجعل (الاوليان)لعدم تعيّنهما كالنّكرة.
و عن أبي عليّ الفارسيّ أنّه نائب فاعل(استحقّ)
ص: 192
و المراد على هذا:استحقّ عليهم انتداب الأوليين منهم للشّهادة-كما قال الزّمخشريّ-أو إثم الأوليين،كما قيل.و هو تثنية«الأولى»قلبت ألفه ياء عندها.
و في«على»في(عليهم)أوجه:الأوّل:أنّها على بابها،و الثّاني:أنّها بمعنى«في»،و الثّالث:أنّها بمعنى «من».و فسّر(استحقّ)بطلب الحقّ و بحقّ و غلب.
و قرأ يعقوب و خلف و حمزة و عاصم في رواية أبي بكر عنه (استحقّ عليهم الاوّلين) ببناء(استحقّ) للمفعول،و(الأوّلين)جمع أوّل المقابل للآخر،و هو مجرور على أنّه صفة(الّذين)أو بدل منه،أو من ضمير (عليهم)أو منصوب على المدح،و معنى الأوّليّة:التّقدّم على الأجانب في الشّهادة.و قيل:التّقدّم في الذّكر لدخولهم في يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. (7:50)
الطّباطبائيّ: و المراد باستحقاق الإثم:الإجرام و الجناية.يقال:استحقّ الرّجل،أي أذنب،و استحقّ فلان إثما على فلان،كناية عن إجرامه و جنايته عليه، و لذا عدّي ب(على)ذيلا في: اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ أي أجرما و جنيا عليهم بالكذب و الخيانة.
و أصل معنى قولنا:استحقّ الرّجل:طلب أن يحقّ و يثبت فيه الإثم أو العقوبة،فاستعماله الكنائيّ من قبيل إطلاق الطّلب و إرادة المطلوب،و وضع الطّريق موضع الغاية،و إنّما ذكر الإثم في قوله: اِسْتَحَقّا إِثْماً بالبناء على ما تقدّم في: إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ المائدة:106.
فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما أي إن عثر على أنّ الشّاهدين استحقّا بالكذب و الخيانة،فشاهدان آخران يقومان مقامهما في اليمين على شهادتهما عليهما بالكذب و الخيانة.
و مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ في موضع الحال،أي حال كون هذين الجديدين من الّذين استحقّ عليهم،أي أجرم و جنى عليهم الشّاهدان الأوّلان اللّذين هما الأوليان الأقربان بالميّت من جهة الوصيّة، كما ذكره الرّازيّ في تفسيره،و المراد ب اَلَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ: أولياء الميّت.
و حاصل المعنى أنّه إن عثر على أنّ الشّاهدين أجرما على أولياء الميّت بالخيانة و الكذب،فيقوم شاهدان آخران من أولياء الميّت الّذين أجرم عليهم الشّاهدان الأوّلان الأوليان بالموت قبل ظهور استحقاقهما الإثم.
هذا على قراءة (استحقّ) بالبناء للفاعل،و هو قراءة عاصم على رواية حفص.و أمّا على قراءة الجمهور (استحقّ)بضمّ التّاء و كسر الحاء بالبناء للمفعول، فظاهر السّياق أن يكون(الاوليان)مبتدأ خبره قوله:
فَآخَرانِ يَقُومانِ إلخ قدّم عليه لتعلّق العناية به، و المعنى إن عثر على أنّهما استحقّا إثما فالأوليان بالميّت هما آخران يقومان مقامهما من أوليائه المجرم عليهم.
(6:197)
اَلْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ.
الحاقّة:1-3
ابن عبّاس: اَلْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ يقول:السّاعة ما
ص: 193
السّاعة يعجبه بذلك وَ ما أَدْراكَ يا محمّد مَا الْحَاقَّةُ. و إنّما سمّيت الحاقّة لحقائق الأمور تحقّ للمؤمن بإيمانه الجنّة،و تحقّ للكافر بكفره النّار.(482)
اَلْحَاقَّةُ: من أسماء يوم القيامة عظّمه اللّه، و حذّره عباده.(الطّبريّ 29:47)
عكرمة :القيامة.(الطّبريّ 29:47)
مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 29:48)
قتادة :يعني السّاعة،أحقّت لكلّ عامل عمله.
(الطّبريّ 29:47)
وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ تعظيما ليوم القيامة،كما تسمعون.(الطّبريّ 29:48)
ابن زيد :الحاقّة ما الحاقّة؟و القارعة ما القارعة؟ و الواقعة،و الطّامّة،و الصّاخّة:هذا كلّه يوم القيامة السّاعة.(الطّبريّ 29:48)
الكسائيّ: الحاقّة،يعني يوم الحقّ.
(الميبديّ 10:207)
الفرّاء: و اَلْحَاقَّةُ: القيامة،سمّيت بذلك لأنّ فيها الثّواب و الجزاء،و العرب تقول:«لمّا عرفت الحقّة منّي هربت،و الحاقّة»و هما في معنى واحد.
و الحاقّة:مرفوعة بما تعجّبت منه من ذكرها، كقولك:الحاقّة ما هي؟و الثّانية:راجعة على الأولى.
و كذلك قوله: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ الواقعة:27،و اَلْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ القارعة:1،2،معناه:أيّ شيء القارعة؟ف(ما)في موضع رفع ب اَلْقارِعَةُ الثّانية،و الأولى مرفوعة بجملتها،و اَلْقارِعَةُ: القيامة أيضا.(3:179)
الطّبريّ: السّاعة اَلْحَاقَّةُ الّتي تحقّ فيها الأمور،و يجب فيها الجزاء على الأعمال، مَا الْحَاقَّةُ؟ يقول:أيّ شيء السّاعة الحاقّة؟و ذكر عن العرب أنّها تقول:«لمّا عرف الحاقّة منّي و الحقّة منّي».و بالكسر بمعنى واحد في اللّغات الثّلاث.
و تقول:قد حقّ عليه الشّيء،إذا وجب،فهو يحقّ حقوقا.
و الحاقّة الأولى مرفوعة بالثّانية،لأنّ الثّانية بمنزلة الكناية عنها،كأنّه عجب منها،فقال:الحاقّة ما هي؟كما يقال:زيد ما زيد؟و الحاقّة الثّانية مرفوعة ب(ما)،و(ما) بمعنى«أيّ»،و(ما)رفع ب اَلْحَاقَّةُ الثّانية،و مثله في القرآن وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ الواقعة:27،و اَلْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ القارعة:
1 و 2،ف(ما)في موضع رفع ب اَلْقارِعَةُ الثّانية، و الأولى بجملة الكلام بعدها.(29:47)
الزّجّاج: اَلْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ الأوّلة مرفوع بالابتداء،و(ما)رفع بالابتداء أيضا،و اَلْحَاقَّةُ الثّانية خبر(ما)و العائد على(ما) اَلْحَاقَّةُ الثّانية،على تقدير:ما هي،و المعنى تفخيم شأنها،و اللّفظ لفظ استفهام كما تقول:زيد ما هو؟على تأويل التّعظيم لشأنه في مدح كان أو ذمّ.و اَلْحَاقَّةُ: السّاعة و القيامة.
و سمّيت الحاقّة،لأنّها تحقّ كلّ شيء يعمله إنسان من خير أو شرّ،و كذلك وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ.
معناه أيّ شيء أعلمك ما الحاقّة.و(ما)موضعها
ص: 194
رفع،و إن كان بعد(أدراك)لأنّ ما كان في لفظ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله،المعنى:ما أعلمك أيّ شيء الحاقّة.(5:213)
الثّعلبيّ: أي القيامة،و سمّيت حاقّة لأنّها حقّت فلا كاذبة لها.و لأنّ فيها حواقّ الأمور و حقائقها،و لأنّ فيها يحقّ الجزاء على الأعمال،أي يجب،فيقال:حقّ عليه الشّيء،إذا وجب بحقّ حقوقا،قال اللّه سبحانه:
وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:
71.
و قال الكسائيّ و المؤرّج:الحاقّة:يوم الحقّ،يقول العرب:لمّا عرفت الحقّ منّي.
[و الحقّ]و الحاقّة و الحقّة هي ثلاث لغات بمعنى واحد؛و الحاقّة الأولى رفع بالابتداء و خبره فيما بعده.
و قيل:الحاقّة الأولى مرفوعة بالثّانية،لأنّ الثّانية بمنزلة الكناية عنها،كأنّه عجب منها،و قال:الحاقّة ما هي؟ كما تقول:زيد ما زيد؟و الحاقّة الثّانية مرفوعة ب(ما)، و(ما)بمعنى أيّ شيء،و هو رفع بالحاقّة الثّانية،و مثله:
اَلْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ القارعة:1،2، وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ الواقعة:27،و نحوهما.
(10:25)
نحوه البغويّ.(5:144)
الماورديّ: قوله تعالى: اَلْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ فيه قولان:
أحدهما:أنّه ما حقّ من الوعد و الوعيد بحلوله،و هو معنى قول ابن بحر.
الثّاني:أنّه القيامة الّتي يستحقّ فيها الوعد و الوعيد،قاله الجمهور.
و في تسميتها ب اَلْحَاقَّةُ ثلاثة أقاويل:
أحدها:ما ذكرنا من استحقاق الوعد و الوعيد بالجزاء على الطّاعات و المعاصي،و هو معنى قول قتادة و يحيى بن سلاّم.
الثّاني:لأنّ فيها حقائق الأمور،قاله الكلبيّ.
الثّالث:لأنّ حقّا على المؤمن أن يخافها.
و قوله: مَا الْحَاقَّةُ تفخيما لأمرها و تعظيما لشأنها.(6:75)
الطّوسيّ: قرأ أهل البصرة و الكسائيّ و من قبله بكسر القاف،الباقون بفتحها.[ثمّ نقل أقوال ابن عبّاس و قتادة و الضّحّاك و ابن زيد و الفرّاء و قال:]
و العامل في اَلْحَاقَّةُ أحد شيئين:
أحدهما:الابتداء، مَا الْحَاقَّةُ كأنّه قال:الحاقّة أيّ شيء هي؟
الثّاني:أن يكون خبر ابتداء محذوف،كأنّه قيل:
هذه الحاقّة،ثمّ قيل:أيّ شيء الحاقّة؟تفخيما لشأنها، و تقديره:هذه سورة الحاقّة.(10:93)
القشيريّ: اَلْحَاقَّةُ اسم للقيامة،لأنّها تحقّ كلّ إنسان بعمله خيره و شرّه. وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ؟ استفهام يفيد التّعظيم لأمرها،و التّفخيم لشأنها.
(6:192)
الميبديّ: اَلْحَاقَّةُ يعني:القيامة،سمّيت حاقّة لأنّها واجبة الكون و الوقوع،من:حقّ يحقّ بالكسر،
ص: 195
أي وجب،و صحّ مجيئها للجزاء على الطّاعة ثوابا،و على المعصية عقابا،قال اللّه تعالى: وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:71،أي وجبت.
و قيل:مشتقّ من حقّ يحقّ بالضّمّ،تقول:حقّقت عليه القضاء:أوجبته،و المعنى:توجب لكلّ أحد ما استحقّه من الثّواب و العقاب.
و قيل:سمّيت حاقّة لأنّها حقّت كلّ من حاقّها من مكذّب في الدّنيا،فحقّته و غلبته.
مَا الْحَاقَّةُ هذا استفهام،معناه التّفخيم لشأنها، كما يقال:زيد ما زيد؟على التّعظيم لشأنه،(ما)رفع على الابتداء،(الحاقّة)خبره،و الجملة خبر المبتدإ الأوّل.
(10:207)
الزّمخشريّ: اَلْحَاقَّةُ: السّاعة الواجبة الوقوع، الثّابتة المجيء الّتي هي آتية لا ريب فيها،أو الّتي فيها حواقّ الأمور،من الحساب و الثّواب و العقاب،أو الّتي تحقّ فيها الأمور،أي تعرف على الحقيقة،من قولك:
لا أحقّ هذا،أي لا أعرف حقيقته،جعل الفعل لها و هو لأهلها.
و ارتفاعها على الابتداء،و خبرها مَا الْحَاقَّةُ، و الأصل:الحاقّة ما هي؟أي أيّ شيء هي؟تفخيما لشأنها و تعظيما لهولها،فوضع الظّاهر موضع المضمر، لأنّه أهول لها.(4:149)
ابن عطيّة: اَلْحَاقَّةُ اسم فاعل،من حقّ الشّيء يحقّ،إذا كان صحيح الوجود،و منه حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ الزّمر:71،و المراد به:القيامة و البعث،قاله ابن عبّاس و قتادة،لأنّها حقّت لكلّ عامل عمله.
قال بعض المفسّرين: اَلْحَاقَّةُ مصدر كالعاقبة و العافية،فكأنّه قال:ذات الحقّ.و قال ابن عبّاس و غيره:سمّيت القيامة حاقّة،لأنّها تبدي حقائق الأشياء.
و اللّفظة رفع بالابتداء،و(ما)رفع بالابتداء أيضا، و اَلْحَاقَّةُ الثّانية:خبر(ما)و الجملة خبر الأوّل،و هذا كما تقول:زيد ما زيد؟على معنى التّعظيم له،و الإبهام في التّعظيم أيضا،ليتخيّل السّامع أقصى جهده.(5:356)
الطّبرسيّ: اَلْحَاقَّةُ اسم من أسماء القيامة في قول جميع المفسّرين،و سمّيت بذلك لأنّها ذات الحواقّ من الأمور،و هي الصّادقة الواجبة الصّدق،لأنّ جميع أحكام القيامة واجبة الوقوع صادقة الوجود. مَا الْحَاقَّةُ استفهام معناه التّفخيم لحالها،و التّعظيم لشأنها.
(5:343)
الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:
المسألة الأولى:أجمعوا على أنّ اَلْحَاقَّةُ هي القيامة،و اختلفوا في معنى الحاقّة على وجوه:
أحدها:أنّ الحقّ هو الثّابت الكائن،فالحاقّة:
السّاعة الواجبة الوقوع الثّابتة المجيء الّتي هي آتية لا ريب فيها.
و ثانيها:أنّها الّتي تحقّ فيها الأمور،أي تعرف على الحقيقة،من قولك:لا أحقّ هذا،أي لا أعرف حقيقته، جعل الفعل لها و هو لأهلها.
و ثالثها:أنّها ذوات الحواقّ من الأمور،و هي
ص: 196
الصّادقة الواجبة الصّدق،و الثّواب و العقاب و غيرهما من أحوال القيامة،أمور واجبة الوقوع و الوجود،فهي كلّها حواقّ.
و رابعها:أنّ اَلْحَاقَّةُ بمعنى الحقّة،و الحقّة أخصّ من الحقّ و أوجب.تقول:هذه حقّتي،أي حقّي،و على هذا اَلْحَاقَّةُ بمعنى الحقّ،و هذا الوجه قريب من الوجه الأوّل.
و خامسها:قال اللّيث: اَلْحَاقَّةُ: النّازلة الّتي حقّت بالجارية فلا كاذبة لها،و هذا معنى قوله تعالى:
لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ الواقعة:2.
و سادسها: اَلْحَاقَّةُ: السّاعة الّتي يحقّ فيها الجزاء على كلّ ضلال و هدى،و هي القيامة.
و سابعها: اَلْحَاقَّةُ هو الوقت الّذي يحقّ على القوم أن يقع بهم.
و ثامنها:أنّها الحقّ بأن يكون فيها جميع آثار أعمال المكلّفين،فإنّ في ذلك اليوم يحصل الثّواب و العقاب، و يخرج عن حدّ الانتظار،و هو قول الزّجّاج.
و تاسعها:قال الأزهريّ: و الّذي عندي في اَلْحَاقَّةُ أنّها سمّيت بذلك،لأنّها تحقّ كلّ محاقّ في دين اللّه بالباطل،أي تخاصم كلّ مخاصم و تغلبه،من قولك:
حاققته فحققته،أي غالبته فغلبته و فلجت عليه.
و عاشرها:قال أبو مسلم: اَلْحَاقَّةُ الفاعلة،من حقّت كلمة ربّك.
المسألة الثّانية: اَلْحَاقَّةُ مرفوعة بالابتداء، و خبرها مَا الْحَاقَّةُ؟ و الأصل: اَلْحَاقَّةُ ما هي، أي أيّ شيء هي؟تفخيما لشأنها،و تعظيما لهولها، فوضع الظّاهر موضع المضمر،لأنّه أهول لها،و مثله قوله: اَلْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ القارعة:1،2.
(30:102)
القرطبيّ: يريد القيامة،سمّيت بذلك لأنّ الأمور تحقّ فيها،قاله الطّبريّ،كأنّه جعلها من باب«ليل نائم».
و قيل:سمّيت حاقّة،لأنّها تكون من غير شكّ.
و قيل:سمّيت بذلك،لأنّها أحقّت لأقوام الجنّة، و أحقّت لأقوام النّار.
و قيل:سمّيت بذلك،لأنّ فيها يصير كلّ إنسان حقيقا بجزاء عمله.(18:257)
نحوه أبو حيّان.(8:320)
النّيسابوريّ: اَلْحَاقَّةُ و هي القيامة بالاتّفاق، إلاّ أنّهم اختلفوا في سبب التّسمية،فقال أبو مسلم:هي الفاعلة من حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ المؤمن:6،أي السّاعة واجبة الوقوع لا ريب في مجيئها،و قريب منه قول اللّيث:
إنّها النّازلة الّتي حقّت فلا كاذبة لها.
و قيل:إنّها الّتي تحقّ فيها الأمور،أي تعرف على الحقيقة،من قولك:لا أحقّ هذا،أي لا أعرف حقيقته، جعل الفعل لها و هو لأهلها.
و قيل:هي الّتي يوجد فيها حواقّ الأمور،و هي الواجبة الحصول،من الثّواب و العقاب و غيرهما من أحوال القيامة.
و هذا الوجه و الّذي تقدّمه يشتركان في الإسناد
ص: 197
المجازيّ،إلاّ أنّ الفاعل في الأوّل بمعنى المفعول،و الثّاني على أصله.
و قريب منه قول الزّجّاج:إنّها تحقّ،أي يكون فيها جميع آثار أعمال المكلّفين،و يخرج عن حدّ الانتظار.
(29:32)
أبو السّعود : اَلْحَاقَّةُ أي السّاعة،أو الحالة الثّابتة الوقوع الواجبة المجيء لا محالة،أو الّتي يحقّ فيها الأمور الحقّة من الحساب و الثّواب و العقاب،أو الّتي تحقّ فيها الأمور أي تعرف على الحقيقة من حقّه يحقّه، إذا عرف حقيقته،جعل الفعل لها مجازا و هو لما فيها من الأمور،أو لمن فيها من أولي العلم.
و أيّا ما كان فحذف الموصوف،للإيذان بكمال ظهور اتّصافه بهذه الصّفة،و جريانها مجرى الاسم.و ارتفاعها على الابتداء،خبرها مَا الْحَاقَّةُ على أنّ(ما)مبتدأ ثان،و اَلْحَاقَّةُ خبره،و الجملة خبر للمبتدإ الأوّل.
و الأصل ما هي،أي أيّ شيء هي في حالها و صفتها؟فإنّ (ما)قد يطلب بها الصّفة و الحال،فوضع الظّاهر موضع المضمر تأكيدا لهولها.
هذا ما ذكروه في إعراب هذه الجملة و نظائرها،و قد سبق في سورة الواقعة أنّ مقتضى التّحقيق أن تكون(ما) الاستفهاميّة خبرا لما بعدها،فإنّ مناط الإفادة بيان أنّ الحاقّة أمر بديع و خطب فظيع،كما يفيده كون(ما) خبرا،لا بيان أنّ أمرا بديعا الحاقّة،كما يفيده كونها مبتدأ و كون اَلْحَاقَّةُ خبرا.(6:293)
البروسويّ: اَلْحَاقَّةُ هي من أسماء القيامة من:
حقّ يحقّ بالكسر،إذا وجب و ثبت،لأنّها يحقّ،أي يجب مجيئها و يثبت وقوعها،كما قال تعالى: أَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها الحجّ:7،فالإسناد حقيقيّ.و قال الرّاغب في«المفردات»:لأنّها يحقّ فيها الجزاء،فالإسناد مجازيّ ك«نهاره صائم»و نحوه.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود]
(10:130)
الآلوسيّ: اَلْحَاقَّةُ أي السّاعة أو الحالة الّتي يحقّ و يجب وقوعها،أو الّتي تحقّق و تثبّت فيها الأمور الحقّة،من الحساب و الثّواب و العقاب،أو الّتي تحقّ فيها الأمور،أي تعرف على الحقيقة،من:حقّه يحقّه،إذا عرف حقيقته،و روي هذا عن ابن عبّاس و غيره.
و إسناد الفعل لها على الوجهين الأخيرين مجاز،و هو حقيقة لما فيها من الأمور،أو لمن فيها من أولي العلم.
و في«الكشف»كون الإسناد مجازيّا إنّما هو على الوجه الأخير،و أمّا على الوجه الثّاني فيحتمل الإسناد المجازيّ أيضا،لأنّ الثّبوت و الوجوب لما فيها،و يحتمل أن يراد:ذو الحاقّة،من باب تسمية الشّيء باسم ما يلابسه.و هذا أرجح،لأنّ السّاعة و ما فيها سواء في وجوب الثّبوت،فيضعف قرينة الإسناد المجازيّ، و التّجوّز فيه تصوير و مبالغة،انتهى.و بحث فيه الحلبيّ بما فيه بحث،فارجع إليه و تدبّر.
و قال الأزهريّ: اَلْحَاقَّةُ: القيامة من:حاقّته فحققته،أي غالبته فغلبته فهي حاقّة،لأنّها تحقّ كلّ محاقّ في دين اللّه تعالى بالباطل،أي كلّ مخاصم فتغلبه، و ظاهر كلامهم أنّها على جميع ذلك وصف حذف
ص: 198
موصوفه،للإيذان بكمال ظهور اتّصافه بهذه الصّفة، و جريانه مجرى الاسم.
و قيل:إنّها-على ما روي عن ابن عبّاس من كونها من أسماء يوم القيامة-اسم جامد لا يعتبر موصوف محذوف.و قيل:هي مصدر كالعاقبة و العافية.
و أيّا ما كان فهي مبتدأ خبرها جملة مَا الْحَاقَّةُ على أنّ(ما)مبتدأ،و اَلْحَاقَّةُ خبر،أو بالعكس، و رجّح معنى.و الأوّل هو المشهور،و الرّابط إعادة المبتدإ بلفظه،و الأصل:ما هي،أي أيّ شيء هي في حالها و صفتها.فإنّ(ما)قد يطلب بها الصّفة و الحال،فوضع الظّاهر موضع المضمر،تعظيما لشأنها و تهويلا لأمرها.
(29:39)
ابن عاشور : اَلْحَاقَّةُ صيغة فاعل من:حقّ الشّيء،إذا ثبت وقوعه،و الهاء فيها لا تخلو عن أن تكون هاء تأنيث،فتكون اَلْحَاقَّةُ وصفا لموصوف مقدّر مؤنّث اللّفظ،أو أن تكون هاء مصدر على وزن «فاعلة»مثل الكاذبة للكذب،و الخاتمة للختم،و الباقية للبقاء و الطّاغية للطّغيان،و النّافلة و الخاطئة.
و أصلها تاء المرّة،و لكنّها لمّا أريد المصدر قطع النّظر عن المرّة،مثل كثير من المصادر الّتي على وزن «فعلة»غير مراد به المرّة،مثل قولهم:ضربة لازب.
ف(الحاقّة)إذن بمعنى الحقّ،كما يقال:«من حاقّ كذا»أي من حقّه.
و على الوجهين فيجوز أن يكون المراد ب اَلْحَاقَّةُ:
المعنى الوصفيّ،أي حادثة تحقّ أو حقّ يحقّ.
و يجوز أن يكون المراد بها لقبا ليوم القيامة،و روي ذلك عن ابن عبّاس و أصحابه،و هو الّذي درج عليه المفسّرون فلقّب بذلك«يوم القيامة»لأنّه يوم محقّق وقوعه،كما قال تعالى: وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ الشّورى:7،أو لأنّه تحقّ فيه الحقوق و لا يضاع الجزاء عليها،قال تعالى: وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً النّساء:
49،و قال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8.
و إيثار هذه المادّة و هذه الصّيغة يسمح باندراج معان صالحة بهذا المقام،فيكون من الإيجاز البديع،لتذهب نفوس السّامعين كلّ مذهب ممكن من مذاهب الهول و التّخويف بما يحقّ حلوله بهم.
فيجوز أيضا أن تكون اَلْحَاقَّةُ وصفا لموصوف محذوف،تقديره:السّاعة الحاقّة،أو الواقعة الحاقّة، فيكون تهديدا بيوم أو وقعة يكون فيها عقاب شديد للمعرّض بهم،مثل يوم بدر أو وقعته،و أنّ ذلك حقّ لا ريب في وقوعه.أو وصفا للكلمة،أي كلمة اللّه الّتي حقّت على المشركين من أهل مكّة كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النّارِ المؤمن:6، أو الّتي حقّت للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه ينصره اللّه قال تعالى: وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ* فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ الصّافّات:171-174.
و يجوز أن تكون مصدرا بمعنى«الحقّ»،فيصحّ أن يكون وصفا ليوم القيامة بأنّه حقّ،كقوله: وَ اقْتَرَبَ
ص: 199
اَلْوَعْدُ الْحَقُّ الأنبياء:97،أو وصفا للقرآن،كقوله:
إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ آل عمران:62،أو أريد به الحقّ كلّه ممّا جاء به القرآن من الحقّ،قال: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ الجاثية:29،و قال:
إِنّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ الأحقاف:30.
و افتتاح السّورة بهذا اللّفظ ترويع للمشركين.
و اَلْحَاقَّةُ مبتدأ،و(ما)مبتدأ ثان،و اَلْحَاقَّةُ المذكورة ثانيا خبر المبتدإ الثّاني،و الجملة من المبتدإ الثّاني و خبره خبر المبتدإ الأوّل.
و(ما)اسم استفهام مستعمل في التّهويل و التّعظيم، كأنّه قيل:أ تدري ما الحاقّة؟أي ما هي الحاقّة،أي شيء عظيم الحاقّة؟و إعادة اسم المبتدإ في الجملة الواقعة خبرا عنه تقوم مقام ضميره في ربط الجملة المخبر بها،و هو من الإظهار في مقام الإضمار لقصد ما في الاسم من التّهويل.
و نظيره في ذلك قوله تعالى: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ الواقعة:27.(29:103)
الطّباطبائيّ: المراد ب اَلْحَاقَّةُ: القيامة الكبرى،سمّيت بها لثبوتها ثبوتا لا مردّ له و لا ريب فيه، من حقّ الشّيء بمعنى ثبت و تقرّر تقرّرا واقعيّا.
و(ما)في مَا الْحَاقَّةُ استفهاميّة تفيد تفخيم أمرها،و لذلك بعينه وضع الظّاهر موضع الضّمير،و لم يقل:ما هي؟و الجملة الاستفهاميّة خبر اَلْحَاقَّةُ.
فقوله: اَلْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ مسوق لتفخيم أمر القيامة،يفيد تفخيم أمرها و إعظام حقيقتها إفادة بعد إفادة.(19:392)
عبد الكريم الخطيب :هكذا تبدأ السّورة الكريمة،بهذه الكلمة اَلْحَاقَّةُ الّتي تقع على الأسماع موقع الصّيحة الرّاعدة المزلزلة في هدأة اللّيل،تغشى النّاس بالفزع المذعور،الّذي تدهش له العقول،و تزيغ به الأبصار،و تخرس معه الألسنة،و قد امتلأ الجوّ بهذا التّساؤل الكبير الّذي يطلّ من كلّ عين:ما هذا؟ما هذا؟
مَا الْحَاقَّةُ إنّها مع صوتها الرّاعد المزلزل،ملفّفة في أطواء المجهول،لا يعرف لها وجه،و لا تبين لها حقيقة، حتّى لكأنّها القدر،ترمي النّاس بما في يديها من نذر،من حيث لا يحتسبون،و لا يقدّرون.و هذا ممّا يضاعف في فزع النّاس منها،و في الكرب المشتمل عليهم إزاءها.
وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ و من يستطيع أن يجيب على هذا السّؤال:(ما الحاقّة؟)إنّ أحدا لا يستطيع أن يتصوّر حقيقتها أو يبلغ إدراكه الإحاطة بها.و في هذا التّجهيل في الجواب الّذي يجاب به عنها،مضاعفة للفزع و الكرب المستوليين على النّاس منها.
و كأنّ المعنى هو: اَلْحَاقَّةُ و هذا إخبار من اللّه سبحانه و تعالى بها،و إعلان للنّاس بوقوعها؛حيث يشتمل عليهم الفزع،و يستبدّ بهم الخوف من مجرّد التّلفّظ بها.
مَا الْحَاقَّةُ؟ و هذا سؤال من النّاس عن هذا الكائن العجيب،الّذي يشيع ذكره الرّعب و الفزع، و كأنّهم يتّجهون بهذا السّؤال إلى النّبيّ الّذي ألقى بهذا الاسم على أسماعهم.
ص: 200
وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ؟ و هذا جواب من اللّه سبحانه على تساؤل السّائلين للنّبيّ عن الحاقّة،إنّ النّبيّ الّذي يسألونه،و يرجون الجواب عنده،لا يدري ما هي الحاقّة؟إنّها شيء من وراء تصوّرات العقول،و احتمال المدارك.
أمّا معنى اَلْحَاقَّةُ من حيث اللّغة،فهو اسم فاعل من الحقّ،و حقّ الشّيء:وجب و وقع،فالحاقّة لغة بمعنى الواجبة،و الواقعة،أي الواجبة الوقوع،و هذا يعني أنّها شيء سيقع حتما.أمّا ما صفة هذا الشّيء الّذي سيقع،و ما صورته في العقول،فهذا شيء لا يمكن أحدا أن يدرك وصفه،أو يتمثّل صورته،إنّه شيء مهول لم يقع للنّاس شيء مثله،فكيف يستقيم له تصوّر في أفهامهم؟
و جواب السّؤال عن الحاقّة في مَا الْحَاقَّةُ يمكن أن يكون هو كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عادٌ بِالْقارِعَةِ الحاقّة:4، كما سنتعرّض لهذا بعد قليل،و يمكن أن يكون السّكوت عن الجواب هو الجواب،لأنّ الّذين كفروا لا يستمعون إلى هذا الجواب،و لا يؤمنون به،كما فعلت ذلك عاد و ثمود.و إذن،فخير جواب على هؤلاء السّائلين المتعنّتين،هو عدم الرّدّ عليهم،و تركهم في بلبال و حيرة.
(15:1123)
المصطفويّ: أي الحياة الأخرويّة و السّاعة الآتية الثّابتة المحقّقة المسلّمة،الّتي ليس للإنكار و الجهل و الخلاف أثر فيها.و التّعبير بصيغة الفاعل إشارة إلى حدوثها و استقبالها،و هذا دون كلمة الحقّ أو الحقيق الدّالّين بصيغتهما على الثّبوت فعلا،و في حال الحكم.
(2:284)
مكارم الشّيرازيّ: ذهب أغلب المفسّرين إلى أنّ اَلْحَاقَّةُ اسم من أسماء يوم القيامة،باعتباره قطعيّ الوقوع،كما هو بالنّسبة ل اَلْواقِعَةُ في سورة «الواقعة»،و قد جاء في الآية:16،من هذه السّورة الاسم نفسه،و هذا يؤكّد يقينيّة ذلك اليوم العظيم.
مَا الْحَاقَّةُ: تعبير لبيان عظمة ذلك اليوم،كما يقال:إنّ فلانا إنسان،يا له من إنسان،و يقصد من هذا التّعبير وصف إنسانيّته دون تقييد حدّها.
و التّعبير ب ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ هو التّأكيد مرّة أخرى على عظمة الأحداث في ذلك اليوم العظيم،حتّى أنّ البارئ عزّ و جلّ يخاطب رسوله الكريم صلّى اللّه عليه و آله بأنّك لا تعلم ما هو ذلك اليوم؟
و كما لا يمكن أن يدرك الجنين الّذي في بطن أمّه المسائل المتعلّقة بالدّنيا،فإنّ أبناء الدّنيا-في الحقيقة- ليس بمقدورهم إدراك الحوادث الّتي تكون في يوم القيامة.
و ذهب قلّة من المفسّرين إلى القول بأنّ المقصود من اَلْحَاقَّةُ هو الإشارة إلى العذاب الإلهيّ الّذي يحلّ فجأة في هذه الدّنيا بالمشركين،و المجرمين و الطّغاة و أصحاب الهوى و المتمرّدين على الحقّ.
كما فسّرت(القارعة)الّتي وردت في الآية اللاّحقة بهذا المعنى أيضا،و بلحاظ أنّ هذا التّفسير يتناسب بصورة أكثر مع ما جاء في الآيات اللاّحقة الّتي تتحدّث
ص: 201
عن حلول العذاب الشّديد،بقوم عاد و ثمود و فرعون و قوم لوط،فقد ذهب بعض المفسّرين إلى هذا الرّأي أيضا.
و جاء في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله:«إنّ الحاقّة هي الحذر من نزول العذاب»و هو نظير ما جاء في الآية التّالية وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ المؤمن:45.
(18:520)
فضل اللّه :الكلمة مشتقّة من الحقّ الّذي يمثّل الثّبات،و لمّا كان يوم القيامة يمثّل الحقيقة الدّينيّة الثّابتة الّتي لا مجال للشّكّ فيها،فقد عبّر عنه بهذه الكلمة الّتي أريد لها أن تهزّ الضّمير الإنسانيّ في أعماقه،عند ما يتطلّع في وعيه إلى اليوم الآخر الّذي كان الجدل يثور حوله،بين المؤمنين و المكذّبين به،في ما يؤكّده هؤلاء و يكذّبه أولئك،فإذا بالصّيحة تدوّي لتطلق الكلمة غير المألوفة لديهم في اشتقاقها،فتطرحها لتوحي بأنّ الآخرة هي الحاقّة في طبيعة تمثيلها للحقّ،و هي الّتي تعطي الحقّ عمقه و امتداده.
ثمّ يثور السّؤال:ما الحاقّة،ما هي حقيقتها،ما هي تفاصيلها،ما هي طبيعة الموقف فيها،كيف يواجهها، و كيف يكتشف الغموض في داخلها؟و تنطلق الكلمة الأخرى وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ للإيحاء بالتّهويل، فهي الحقيقة الّتي لا مجال لإدراكها لما فيها من الأهوال العظيمة،و المشاهد الكبيرة،و الأوضاع المتنوّعة الّتي لم يشاهدها النّاس من قبل؛بحيث إنّ التّصوّر لا يبلغ مداها.
و هذا ما يريد اللّه للإنسان أن يعيشه في تهاويلها الحقيقيّة الكامنة في الغيب،ليدفعه ذلك إلى مواجهة الموقف الّذي يطلّ عليها في ساحة العمل بكلّ جدّيّة و مسئوليّة،في ما يقبل عليه من حسابها العسير أمام اللّه.(23:67)
مقاتل:تفسير«الحقّ»على أحد عشر وجها:
فوجه منها:الحقّ:هو اللّه فذلك قوله: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ المؤمنون:71،يقول:لو اتّبع اللّه أهواء المشركين،كقوله تعالى: وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ العصر:3،يعني باللّه أنّه الواحد.
و الوجه الثّاني:الحقّ:القرآن،فذلك قوله: حَتّى جاءَهُمُ الْحَقُّ الزّخرف:29،يعني القرآن، وَ لَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ الزّخرف:30،يعني القرآن من عند اللّه،كقوله: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ ق:5، يعني بالقرآن لمّا جاءهم،و كقوله: فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ القصص:48،يعني القرآن،و نحوه كثير.
و الوجه الثّالث:الحقّ:يعني الإسلام،فذلك قوله:
وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ الإسراء:81،يعني الإسلام، و قال: لِيُحِقَّ الْحَقَّ الأنفال:8،يعني الإسلام.
و الوجه الرّابع:الحقّ:يعني العدل،فذلك قوله:
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ النّور:25،يعني حسابهم العدل، وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ النّور:25،يعني العدل المبين،و كقوله: اِفْتَحْ بَيْنَنا
ص: 202
وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ الأعراف:89،يعني بالعدل، و كقوله: فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ ص:22،يعني بالعدل.
و الوجه الخامس:الحقّ:يعني التّوحيد،فذلك قوله:
بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ الصّافّات:37،يعني بالتّوحيد، كقوله: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ المؤمنون:70،يعني بالتّوحيد، وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ المؤمنون:70،يعني التّوحيد مثلها في الزّخرف،و كقوله: فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّهِ القصص:
75،يعني التّوحيد للّه،و كذلك: أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ العنكبوت:68،يعني بالتّوحيد.
و الوجه السّادس:الحقّ:يعني الصّدق،فذلك قوله:
وَعْدَ اللّهِ حَقًّا يونس:4،يعني صدقا في المرجع إليه، كقوله: قَوْلُهُ الْحَقُّ الأنعام:73،يعني الصّدق، و قال: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ يونس:53،يعني أصدق هو.
و الوجه السّابع:حقّ:يعني وجب،فذلك قوله:
وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي السّجدة:13،يعني وجبت كلمة العذاب منّي،و كقوله: وَ كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ المؤمن:6،يعني وجبت كلمة العذاب من ربّك، و نحوه كثير.
و الوجه الثّامن:الحقّ:بعينه الّذي ليس بباطل، فذلك قوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ الحجّ:62،أي و غيره من الآلهة باطل.كقوله: وَ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ يونس:
30،يعني لأنّ غيره من الآلهة باطل،نظيرها في الأنعام حيث يقول: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ الأنعام:62،و قال: ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ الأحقاف:3،لم يخلقهما باطلا،يعني لغير شيء.
و الوجه التّاسع:الحقّ:يعني المال،فذلك قوله:
وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ البقرة:282،يعني المال، فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ البقرة:282، يعني الّذي عليه المال.
و الوجه العاشر:أحقّ:يعني أولى،فذلك قوله:
وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ البقرة:247،يعني أولى.
كقوله: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ الأنعام:81،يعني أولى بالأمن،كقوله: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ يونس:35،كقوله: وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62،يعني أولى،و قال: فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ التّوبة:13،يعني أولى.
و الوجه الحادي عشر:حقّ:يعني حظّا،فذلك قوله: وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ المعارج:24، يعني حظّا مفروضا،نظيرها في:19،الذّاريات.(175)
مثله هارون الأعور بتفاوت في التّرتيب.(172)
الحيريّ: باب«الحقّ»على ثلاثين وجها:
أحدها:الصّدق،كقوله: لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ البقرة:144،و في النّساء:122، وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً و في التّوبة:
111، وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ
ص: 203
و في يونس:4 إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا و قوله: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ النّحل:38،و في لقمان:33، إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا و في فاطر:5، إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ و في الجاثية:32، إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ السّاعَةُ و في الأحقاف:17، إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ و في المائدة:107، لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما.
و الثّاني:صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،كقوله: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:
42،و في آل عمران:71 لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ.
و الثّالث:الصّفة،كقوله: قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ البقرة:71،و في الفرقان:32،قوله: إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً
و الرّابع:كما ينبغي،كقوله: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ البقرة:121،و قوله: وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الأنعام:91،نظيرها في الحجّ:74،و الزّمر:67،و قوله:
اِتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ آل عمران:102.
و الخامس:الكعبة،كقوله: وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ البقرة:144، و قوله: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ البقرة:147،و قوله: وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ البقرة:149.
و السّادس:العمل: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ البقرة:176.
و السّابع:أولى،كقوله: وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ البقرة:247،و قوله: فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ التّوبة:13،و قوله: وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62،و قوله: أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي يونس:35،و قوله: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ الأعراف:105.
و الثّامن:المال،كقوله: وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ البقرة:282.
و التّاسع:تبيان الحقّ و الباطل،كقوله: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً آل عمران:3،و قوله: تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ آل عمران:108.
و العاشر:الجرم،كقوله: وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ البقرة:61،و قوله: وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ آل عمران:112.
و الحادي عشر:الزّوال،كقوله: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ الأنعام:73،نظيرها في النّحل:3.
و الثّاني عشر:نقيض الباطل،كقوله: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ الأنعام:62،و قوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الحجّ:6،نظيرها في لقمان:30.
و الثّالث عشر:الرّجم و القصاص و الارتداد، كقوله: وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ الأنعام:151،نظيرها في الإسراء:33،و الفرقان:68.
و الرّابع عشر:الإسلام،كقوله: وَ يُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ
ص: 204
بِكَلِماتِهِ يونس:82،و قوله: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ الأنفال:8،و قوله: وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ الإسراء:81،و قوله: إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ النّمل:79.
و الخامس عشر:الوجوب،كقوله: كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ يونس:33،و قوله: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ يونس:96،و قوله:
وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ السّجدة:13،و قوله: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ يس:7،و قوله: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ يس:70،و قوله: وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ حم السّجدة:25، و قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ الأحقاف:18.
و السّادس عشر:جبرئيل عليه السّلام،كقوله: لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ يونس:94.
و السّابع عشر:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،كقوله: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ الرّعد:14،و قوله: إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ الزّخرف:86.
و الثّامن عشر:النّاسخ و المنسوخ،كقوله: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ النّحل:102.
و التّاسع عشر:صلة الرّحم،كقوله: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ الإسراء:26،نظيرها في الرّوم:38.
و العشرون:التّوحيد،كقوله: وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ الكهف:29،و قوله: بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ الصّافّات:37.
و الحادي و العشرون:الجدّ،كقوله: قالُوا أَ جِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاّعِبِينَ الأنبياء:55.
و الثّاني و العشرون:العذاب،كقوله: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ الأنبياء:112.
و الثّالث و العشرون:اللّه جلّ و علا،كقوله: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ المؤمنون:71،و قوله:
وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ العصر:3.
و الرّابع و العشرون:محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،كقوله: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ المؤمنون:70، و قوله: لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ الزّخرف:78.
و الخامس و العشرون:العدل،كقوله: وَ لَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ المؤمنون:62،و قوله: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ النّور:25.
و السّادس و العشرون:قضاء الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،كقوله:
وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ النّور:49.
و السّابع و العشرون:القرآن،كقوله: ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ سبأ:23،و قوله:
حَتّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَ رَسُولٌ مُبِينٌ الزّخرف:29، و قوله: وَ لَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ الزّخرف:30،و قوله: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ ق:5.
ص: 205
و الثّامن و العشرون:القسم،كقوله: قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ* لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ص:84،85.
و التّاسع و العشرون:الشّقاوة و السّعادة،كقوله:
وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ق:19.
و الثّلاثون:الكائن:كقوله: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ يونس:53.(187)
الدّامغانيّ: [مثل مقاتل إلاّ أنّه أضاف وجها آخر]
و الوجه الثّاني عشر:الحقّ،يعني الحاجة،قوله إخبارا عن قوم لوط: قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ هود:79،يعني من حاجة.(280)
الرّاغب: أصل الحقّ:المطابقة و الموافقة،كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه على استقامة،و الحقّ يقال على أوجه:
الأوّل:يقال لموجد الشّيء بسبب ما تقتضيه الحكمة،و لهذا قيل في اللّه تعالى هو الحقّ،قال اللّه تعالى:
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ الأنعام:62،و قيل بعيد ذلك: فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ يونس:32.
و الثّاني:يقال للموجد بحسب مقتضى الحكمة،و لهذا يقال:فعل اللّه تعالى كلّه حقّ،و قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً إلى قوله تعالى:
ما خَلَقَ اللّهُ ذلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ يونس:5،و قال في القيامة: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ يونس:53، لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ البقرة:146،و قوله عزّ و جلّ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ البقرة:147،آل عمران:
60،هود:17،الحجّ:54،السّجدة:3،يونس:10، وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ البقرة:149.
و الثّالث:في الاعتقاد للشّيء المطابق لما عليه ذلك الشّيء في نفسه،كقولنا اعتقاد فلان في البعث و الثّواب و العقاب و الجنّة و النّار حقّ،قال اللّه تعالى: فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ البقرة:213.
و الرّابع:للفعل و القول الواقع،بحسب ما يجب، و بقدر ما يجب،و في الوقت الّذي يجب،كقولنا فعلك حقّ و قولك حقّ،قال اللّه تعالى: كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ يونس:33،المؤمن:6، حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ السّجدة:13،و قوله عزّ و جلّ: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ المؤمنون:71،يصحّ أن يكون المراد به اللّه تعالى و يصحّ أن يراد به الحكم الّذي هو بحسب مقتضى الحكمة.(125)
نحوه ملخّصا الفيروزآباديّ.
(بصائر ذوي التّمييز 2:484)
1-الأصل في هذه المادّة:الحقّ،أي النّقرة الّتي فيها عظم رأس الفخذ،و كذا النّقرة الّتي في رأس الكتف؛ و الجمع:أحقاق و حقاق.و طعنة محتقّة:هي الّتي تطعن في حقّ الورك.
و الحقّ و الحقّة:وعاء منحوت من خشب و عاج و غير ذلك،ممّا بصلح أن ينحت منه؛و الجمع:حقق
ص: 206
و حقاق و أحقاق،تشبيها بنقرتي الورك و الكتف.و مثله:
الكهول:بيت العنكبوت.
و الحاقّ:وسط الشّيء.يقال:أصبت حاقّ عينه، أي وسطها،و سقط فلان على حاقّ رأسه:وسط رأسه، و جئته في حاقّ الشّتاء:في وسطه،على التّشبيه بالحقّ.
و الحقّ:فتيّ الإبل إذا بلغ هو و أخته أن يحمل عليهما و يركبا،أي استكمل ثلاث سنين و دخل في الرّابعة،فهو حقّ بين الحقّ؛و الجمع:أحقّ و حقاق.و هي حقّة بيّنة الحقّة؛و الجمع:حقق و حقاق.يقال:حقّت الحقّة تحقّ حقّة،أي صارت حقّة،و أحقّت البكرة،إذا استوفت ثلاث سنين.فكلّ من الحقّ و الحقّة وافق سنّه،كما وافق الحقّ عظم رأس الفخذ.
و الحقّ:نقيض الباطل؛و الجمع:حقوق و حقاق.
يقال:حقّ الأمر يحقّه حقّا و أحقّه،أي أثبته و صار عنده حقّا لا يشكّ فيه،و أحقّه:صيّره حقّا،و حقّه و حقّقه:
صدّقه،و حقّق الرّجل،إذا قال:هذا الشّيء هو الحقّ.
فكأنّه أحكمه،كما قال ابن فارس،أو طابقه أو وافقه، كما قال الرّاغب.و على كلا التّقديرين،فالحقّ صفة للحقّ و ملازم له،و كذا الحقّ،و ليس أصلا برأسه كما ذهبا إليه.
و الحقق:هو أن يضع الفرس حافر رجله موضع حافر يده،فهو أحقّ،و هذا من عيوب الخيل.
و التّحاقّ:التّخاصم،و الاحتقاق:الاختصام.
يقال:احتقّ فلان و فلان،و الحقاق:الخصام.يقال:
رجل نزق الحقاق،إذا خاصم في صغار الأشياء،و ما لي فيك حقّ و لا حقاق:خصومة،و حاقّه في الأمر محاقّة و حقاقا:ادّعى أنّه أولى بالحقّ منه،و احتقّ القوم:قال كلّ واحد منهم:الحقّ في يدي.
و الحاقّة:السّاعة،سمّيت حاقّة لأنّها تحقّ كلّ محاقّ في دين اللّه بالباطل،أي كلّ مجادل و مخاصم فتحقّه،أي تغلبه و تخصمه.
و يحقّ عليك أن تفعل كذا:يجب.يقال:أنت حقيق عليك ذلك،و حقيق عليّ أن أفعله،و أنا حقيق على كذا:
حريص عليه.و حققت عليه القضاء أحقّه حقّا، و أحققته أحقّه إحقاقا:أوجبته،و أحقّ الرّجل:قال شيئا،أو ادّعى شيئا فوجب عليه،و استحقّ الشّيء:
استوجبه.
و الحقّة:الوقت.يقال:أتت النّاقة على حقّتها،أي على وقتها الّذي ضربها الفحل فيه من قابل،و سمّيت الحقّة لأنّها استحقّت أن يطرقها الفحل.و استحقّت النّاقة لقاحا:لقحت و استحقّ لقاحها.
و حقّ النّاقة و استحقاقها:تمام حملها،و إذا جازت النّاقة السّنة و لم تلد،قيل:قد جازت الحقّ،و كان ذلك عند حقّ لقاحها و حقّ لقاحها،حين ثبت ذلك فيها.
و حقّت النّاقة و أحقّت و استحقّت:سمنت،و أحقّ القوم إحقاقا:سمن مالهم،و أحقّ القوم من الرّبيع إحقاقا:
أسمنوا،أي سمنت مواشيهم،و استحقّت إبلنا ربيعا، و أحقّت ربيعا،إذا كان الرّبيع تامّا فرعته،و كلّ ذلك من الحقّ،أي الإحكام.
و الحقيقة:الرّاية،و الحرمة،و كلّ ما يحقّ على
ص: 207
الرّجل أن يحميه.يقال:فلان حامي الحقيقة،إذا حمى ما يجب عليه حمايته.
و الحقّة:حقيقة الأمر.يقال:لمّا عرفت الحقّة منّي هربت.
2-و شاع في هذا العصر استعمال لفظ التّحقيق في معنى التّنقيح،و قيل لصاحبه:محقّق،أي منقّح،و يطلق غالبا على تنقيح الآثار القديمة للمؤلّفين.و هو معنى مستحدث،دخل العربيّة عبر المستشرقين الأوربيّين، و المغتربين العرب.