المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 13

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ‫، 1419ق . ‫ = -1377.

مشخصات ظاهری : ‫ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : ‫دوره ‫ 964-444-179-6 : ؛ ‫دوره ‫ 978-964-444-179-0: ؛ ‫1430000 ریال (دوره، چاپ دوم)‮ ؛ ‫25000 ریال ‫: ج. 1 ‫ 964-444-180-X : ؛ ‫30000 ریال ‫: ج. 2 ‫ 964-444-256-3 : ؛ ‫32000 ریال ‫: ج. 3 ‫ 964-444-371-3 : ؛ ‫67000 ریال (ج. 10) ؛ ‫ج.12 ‫ 978-964-971-136-2 : ؛ ‫ج.19 ‫ 978-600-06-0028-0 : ؛ ‫ج.21 ‫ 978-964-971-484-4 : ؛ ‫ج.28 ‫978-964-971-991-7 : ؛ ‫ج.30 ‫ 978-600-06-0059-4 : ؛ ‫1280000 ریال ‫: ج.36 ‫ 978-600-06-0267-3 : ؛ ‫950000 ریال ‫: ج.37 ‫ 978-600-06-0309-0 : ؛ ‫1050000 ریال ‫: ج.39 ‫ 978-600-06-0444-8 : ؛ ‫1000000 ریال ‫: ج.40 ‫ 978-600-06-0479-0 : ؛ ‫ج.41 ‫ 978-600-06-0496-7 : ؛ ‫ج.43 ‫ 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).

يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، ‫1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، ‫ 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، ‫1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : ‫ BP66/4 ‫ ‮ /م57 1377

رده بندی دیویی : ‫ 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الموسوعة القرآنيّة الكبرى

المعجم فى فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته

المجلّد الثالث عشر

تأليف و تحقيق

قسم القرآن بمجمع البحوث الاسلاميّة

بإشراف مدير القسم الاستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانىّ

ص: 2

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 3

كتاب نخبة:

مؤتمر تكريم خدمة القرآن الكريم في ميدان الأدب المصنّف.1421 ق

الكتاب النّخبة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.1422 ق

مؤتمر الكتاب المنتخب الثّالث للحوزة العلميّة في قم.1422 ق

الدّورة الثّانية لانتخاب و عرض الكتب و المقالات الممتازة في حقل القرآن.1426 ق

الملتقى الثّاني للكتاب النّخبة الّذي يعقد كلّ سنتين في محافظة خراسان الرّضويّة.1426 ق

ص: 4

المحتويات

تصدير 7

ح ق ق 9

ح ك م 225

ح ل ف 521

ح ل ق 537

ح ل ق و م 559

ح ل ل 563

ح ل م 657

ح ل ي 703

ح م أ 725

ح م د 739

ح م ر 869

ح م ل 897

الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 971

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 979

ص: 5

ص: 6

تصدير

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

نحمد اللّه تبارك و تعالى ربّ العالمين،و نصلّي و نسلّم على رسوله المصطفى،سيّد الأنبياء و المرسلين،و على آله الطّيّبين الطّاهرين و صحبه المنتجبين،و التّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.

ثمّ نشكره تعالى على أن وفّقنا لتأليف المجلّد الثّالث عشر من موسوعتنا القرآنيّة الكبرى:

«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و تقديمه إلى روّاد العلوم القرآنيّة،و النّاشدين فقه لغته،و أسرار بلاغته،و رموز إعجازه،و طرائف تفسيره،الّذين يتابعون بشوق مجلّدا بعد مجلّد، و يستعجلون إلى الوقوف عليه دوما،كتابة و شفاها،مشكورين.

و اشتمل هذا الجزء على اثنتي عشرة مفردة قرآنيّة من حرف الحاء،ابتداء من«ح ق ق»، و انتهاء ب«ح م ل».و أوسع الموادّ فيه نصّا و بحثا و تنقيبا مادّتا«ح ك م»،ثمّ«ح ق ق»،فقد تجاوز كلّ منهما مائتي صفحة من الكتاب.و ليس هذا كثيرا في حقل«الحكم و الحقّ»فإنّهما -بلا ريب-لبّ القرآن الحكيم،و جوهر الإسلام العظيم،و روح الدّين القويم.

نسأله تعالى السّداد،و دوام التّوفيق،فإنّه خير ظهير،و بالإجابة جدير.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة بالآستانة المقدّسة الرّضويّة

10 صفر عام 1429 ه.ق

ص: 7

ص: 8

ادامة حرف الحاء

ح ق ق

اشارة

14 لفظا،287 مرّة:176 مكّيّة،111 مدنيّة

في 59 سورة:42 مكّيّة،17 مدنيّة

حقّ 12:11-1 الحقّ 194:122-72

حقّت 5:4-1 حقّا 17:8-9

حقّت 2:2 حقّه 3:1-2

يحقّ 1:1 يحقّ 4:1-3

أحقّ 10:2-8 استحقّ 1:-1

حقيق 1:1 استحقّا 1:-1

حقّ 33:20-13 الحاقّة 3:3

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحقّ:نقيض الباطل،حقّ الشّيء يحقّ حقّا،أي وجب وجوبا.

و تقول:يحقّ عليك أن تفعل كذا،و أنت حقيق على أن تفعله.و حقيق«فعيل»في موضع«مفعول».

و قول اللّه عزّ و جلّ: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ الأعراف:105،معناه:محقوق،كما تقول:واجب.

و كلّ«مفعول»ردّ إلى«فعيل»فمذكّره و مؤنّثه بغير الهاء،و تقول للمرأة:أنت حقيقة لذلك،و أنت محقوقة أن تفعلي ذلك.

و الحقّة:من الحقّ،كأنّها أوجب و أخصّ.تقول:

هذه حقّتي،أي حقّي.

و الحقيقة:ما يصير إليه حقّ الأمر و وجوبه.و بلغت حقيقة هذا،أي يقين شأنه.

و في الحديث:«لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتّى لا يعيب على مسلم بعيب هو فيه».و حقيقة الرّجل:ما لزمه الدّفاع عنه من أهل بيته؛و الجميع:حقائق.

و تقول:أحقّ الرّجل،إذا قال حقّا و ادّعى حقّا، فوجب له و حقّق،كقولك:صدّق و قال:هذا هو الحقّ.

و تقول:ما كان يحقّك أن تفعل كذا،أي ما حقّ لك.

و الحاقّة:النّازلة الّتي حقّت فلا كاذبة لها.

و تقول للرّجل إذا خاصم في صغار الأشياء:إنّه

ص: 9

لنزق الحقاق.

و في الحديث:«متى ما يغلوا يحتقّوا»أي يدّعي كلّ واحد أنّ الحقّ في يديه،و يغلوا،أي يسرفوا في دينهم و يختصموا و يتجادلوا.

و الحقّ:دون الجذع من الإبل بسنة؛و ذلك حين يستحقّ للرّكوب؛و الأنثى:حقّة:إذا استحقّت الفحل؛ و جمعه:حقاق و حقائق.

و الحقحقة:سير أوّل اللّيل،و قد نهي عنه.و يقال:

هو إتعاب ساعة.و في الحديث:«إيّاكم و الحقحقة في الأعمال،فإنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه ما داوم عليه العبد و إن قلّ».

و بنات الحقيق:ضرب من التّمر،و هو الشّيص.

[و استشهد بالشّعر أربع مرّات](3:6)

اللّيث: الحقّة من خشب؛و الجميع:الحقّ و الحقق.

(الأزهريّ: 3:381)

سيبويه :و قالوا:هذا العالم حقّ العالم.يريدون بذلك التّناهي،و أنّه بلغ الغاية فيما يصفه به من الخصال.

و قالوا:هذا عبد اللّه الحقّ لا الباطل.دخلت فيه اللاّم كدخولها في قولهم:أرسلها العراك،إلاّ أنّه قد تسقط منه،فتقول:حقّا لا باطلا.(ابن سيده 2:474).

أبو مالك: أحقّت البكرة،إذا استوفت ثلاث سنين،فإذا لقحت حين تحقّ،قيل:لقحت على بسرها.

و يقال:استحقّت النّاقة سمنا،و حقّت و أحقّت،إذا سمنت.

و أحقّ القوم إحقاقا،إذا سمن مالهم.

و احتقّ المال احتقاقا،إذا سمن،و انتهى سمنه.

(الأزهريّ 3:380)

الكسائيّ: حققت الرّجل و أحققته،إذا غلبته على الحقّ و أثبتّه عليه.(الأزهريّ 3:377).

يقال:حقّ لك أن تفعل هذا،و حققت أن تفعل هذا، بمعنى.(الجوهريّ 4:1461).

يقول العرب:«إنّك لتعرف الحقّة عليك،و تعفي بما لديك».و يقولون:«لمّا عرف الحقّة منّي انكسر».

(ابن فارس 2:15).

حققت حذر الرّجل و أحققته:فعلت ما كان يحذر.

(ابن فارس 2:19)

حققت ظنّه،مثل حقّقته.(أساس البلاغة:90)

الشّافعيّ: في حديث ابن عمر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:

«ما حقّ امرئ يبيت ليلتين إلاّ وصيّته عنده»ما الحزم لامرئ و ما المعروف في الأخلاق لامرئ إلاّ هذا،لا أنّه واجب.(الأزهريّ 3:378)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال أبو زياد:حقّك أن تضرب،و حقّك تضرب،و حقّ لها أن تضرب،و حقّ لها أن تضرب.(1:147)

و قد أحقّت الإبل،إذا استربعت.(1:148)

و قال أبو السّمح:الحقّة:حليلة الفحل،فإن لم تلقح فهي آبية،و إن لقحت فهي خلفة.(1:158)

و قال أبو الخوقاء:و قد أحقّت صنعة هذا الشّيء،إذا أجيدت صنعته.(1:183)

يقال:استلاط القوم،و استحقّوا،و استوجبوا،

ص: 10

و أوجبوا،و أسفوا،و أوفوا و أطلّوا،و دنوا،و عذروا و أعذروا و عذّروا،إذا أذنبوا ذنوبا يكون لمن يعاقبهم عذر في ذلك،لاستحقاقهم.

و يقال:استحقّت إبلنا ربيعا،و أحقّت ربيعا،إذا كان الرّبيع تامّا فرعته.

و قد أحقّ القوم إحقاقا،إذا أسمنوا،أي سمن مالهم.

و استحقّت النّاقة سمنا و أحقّت و حقّت،إذا سمنت.

و استحقّت النّاقة لقاحا،إذا لقحت،و استحقّ لقاحها.

يجعل الفعل مرّة للنّاقة،و مرّة للّقاح.

و الحقّ و الحقّة في حديث صدقات الإبل و الدّيات.

(الأزهريّ 3:379)

عمرو بن العاص أنّه قال لمعاوية:«أتيتك من العراق و إنّ أمرك كحقّ الكهول و كالحجاة في الضّعف،فما زلت أرمّه حتّى استحكم»حقّ الكهول:بيت العنكبوت.

(الأزهريّ 3:381)

الأحقّ من الخيل:الّذي لا يعرق.

الحقّة:الدّاهية.(الأزهريّ 3:382)

استحقّ لفحها،إذا وجب.و أحقّت:دخلت في ثلاث سنين.و قد بلغت حقّتها،إذا صارت حقّة.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 2:19)

الفرّاء: حقّ لك أن تفعل كذا،و حقّ عليك أن تفعل كذا،فإذا قلت:حقّ قلت:لك،و إذا قلت:حقّ قلت:

عليك.

و تقول:يحقّ عليك أن تفعل كذا و حقّ لك،و لم يقولوا:حققت أن تفعل.

و معنى قول من قال حقّ عليك أن تفعل:وجب عليك.

و تقول:إنّك لحقيق أن تفعل كذا.

و«حقيق»في حقّ و حقّ،في معنى مفعول.و قال اللّه تعالى: (حقيق علىّ ان لا اقول على اللّه) [و هذه قراءة غير مشهورة]الأعراف:105،و قال: فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا الصّافّات:31،[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:ما كان بحقّك أن تفعل ذاك،في معنى:ما حقّ لك.و قد حقّ حذرك،و لا تقل:حقّ حذرك.

و حققت حذرك و أحققته،أي فعلت ما كان يحذر.

و العرب تقول:حققت عليه القضاء أحقّه حقّا، و أحققته أحقّه إحقاقا،أي أوجبته.

(الأزهريّ 3:374)

أبو عبيدة :الحقحقة:المتعب من السّير.

(الأزهريّ 3:383)

أبو زيد: حققت حذر الرّجل و أحققته:فعلت ما كان يحذر.(الأزهريّ:3:377)

حقّ اللّه الأمر حقّا:أثبته و أوجبه.و حقّ الأمر بنفسه حقّا و حقوقا.(أساس البلاغة:90)

الأصمعيّ: الحقّ من الإبل،إذا استحقّت أمّه الحمل من العام المقبل و هو الثّالث،سمّي الذّكر حقّا و الأنثى حقّة،و هو حينئذ ابن ثلاث سنين.

(ابن دريد 1:62)

يقال:أتت النّاقة على حقّها،أي على وقتها الّذي ضربها الفحل فيه من قابل،و هو تمام حمل النّاقة حتّى

ص: 11

يستوفي الجنين السّنة.(الأزهريّ 3:380)

حقّ عليه القول و أحققته أنا،و حققته الخبر أحقّه حقّا.

يقال:ما لي فيه حقّ و لا حقاق،أي خصومة.

و الحقّ:حقّ الورك،و حقّ الوابلة في العضد،و ما أشبههما.

و يقال:أصبت حاقّ عينيه.

و سمعت أعرابيّا يقول لنقبة من الجرب ظهرت ببعير فشكّوا فيها،فقال:هذا حاقّ صمادح الجرب.

(الأزهريّ 3:382)

إذا جازت النّاقة السّنة و لم تلد،قيل:قد جازت الحقّ.

و أتت النّاقة على حقّها،أي الوقت الّذي ضربت فيه عام أوّل.(الجوهريّ 4:1460)

أبو عبيد: فإذا مضت[ابن لبون]الثّالثة و دخلت الرّابعة،فهو حينئذ حقّ و الأنثى حقّة،و هي الّتي تؤخذ في الصّدقة إذا جاوزت الإبل خمسا و أربعين.

و يقال:إنّه إنّما سمّي حقّا لأنّه قد استحقّ أن يحمل عليه و يركب.و يقال:هو حقّ بيّن الحقّة،و كذلك الأنثى حقّة.

و يدخل في السّنة الخامسة فهو حينئذ جذع،و الأنثى جذعة.(1:409)

في حديث عليّ رضى اللّه عنه:«إذا بلغ النّساء نصّ الحقائق -و رواه بعضهم:نصّ الحقاق-فالعصبة أولى».

أراد بنصّ الحقاق:الإدراك،لأنّ وقت الصّغر ينتهي،فتخرج الجارية من حدّ الصّغر إلى الكبر.يقول:

فإذا بلغت الجارية ذلك فالعصبة أولى بها من أمّها، و بتزويجها و حضانتها إذا كانوا محرما لها،مثل الآباء و الإخوة و الأعمام.

و الحقاق:المحاقّة،و هو أن تحاقّ الأمّ العصبة في الجارية،فتقول:أنا أحقّ بها،و يقولون:بل نحن أحقّ.

و بلغني عن ابن المبارك أنّه قال:نصّ الحقاق:بلوغ العقل،و هو مثل الإدراك،لأنّه إنّما أراد ينتهي الأمر الّذي تجب به الحقوق و الأحكام،فهو العقل و الإدراك.

و من رواه نصّ الحقائق،فإنّه أراد جمع حقيقة و حقائق (1).(الأزهريّ 3:378)

حققت الرّجل،و أحققته،إذا أثبتّه.

و حقت الأمر و أحققته أيضا،إذا تحقّقته،و صرت منه على يقين.(الجوهريّ 4:1461)

ابن الأعرابيّ: الحقيقة:الرّاية،و الحقيقة:الحرمة، و الحقيقة:الفناء.(الأزهريّ 3:377)

الحقّ:صدق الحديث،و الحقّ:الملك،و الحقّ:

اليقين بعد الشّكّ.(الأزهريّ 3:381)

الأحقّ:الّذي يضع رجله في موضع يده.[ثمّ استشهد بشعر]

الحقق:القريبو العهد بالأمور،خيرها و شرّها.

و الحقق:المحقّقون لما ادّعوا أيضا.

(الأزهريّ 3:382)3.

ص: 12


1- و هذا سهو،و الصّحيح جمع:حقّة و حقاق،كما ذكره اللّسان 10:53.

الحقحقة:أن يجهد الضّعيف شدّة السّير.

(الأزهريّ 3:383)

ابن السّكّيت: عن أبي عطاء أنّه قال:أتيت أبا صفوان فقال لي:ممّن أنت؟-و كان أعرابيّا،فأراد أن يمتحنه-فقلت:من بني تميم.قال:من أيّ بني تميم؟قلت:

ربابيّ.قال:و ما صنيعتك؟قلت:الإبل.

قال:فأخبرني عن حقّة حقّت على ثلاث حقاق.

فقلت:سألت خبيرا.هذه بكرة كان معها بكرتان في ربيع واحد،فارتبعن فسمنت قبل أن تسمنا،فقد حقّت عليهنّ واحدة،ثمّ ضبعت و لم تضبعا،فقد حقّت عليهنّ حقّة أخرى،ثمّ لقحت و لم تلقحا،فهذه ثلاث حقاق.

فقال لي:لعمري أنت منهم.(الأزهريّ 3:381)

شمر:تقول العرب:حقّ عليّ أن أفعل ذلك و حقّ، و إنّي لمحقوق أن أفعل خيرا.(الأزهريّ 3:374)

حققت الأمر و أحققته،إذا كنت على يقين منه.

و أحققت عليه القضاء،إذا أوجبته.و لا أعرف ما قال الكسائيّ في:حققت الرّجل و أحققته،إذا غلبته على الحقّ.(الأزهريّ 3:377)

يقال:عذر الرّجل و أعذر،و استحقّ و استوجب، إذا أذنب ذنبا استوجب به عقوبة.(الأزهريّ 3:379)

الحقحقة:السّير الشّديد.يقال:حقحق القوم،إذا اشتدّوا في السّير.(الأزهريّ 3:383)

المبرّد: قول الشّاعر:[إنّ لنا قلائصا حقائقا]إنّما بنى الحقّة من الإبل-و هي الّتي قد استحقّت أن يحمل عليها-على«فعيلة»مثل حقيقة،و لذلك جمعها على حقائق.(2:164)

الزّجّاج: و حقّقت الحديث و أحققته،إذا تبيّنته.(فعلت و أفعلت:10)

ابن دريد :الحقّ:ضدّ الباطل[و نقل قول الأصمعيّ ثمّ قال:]

و قال آخرون:إذ استحقّ أن يحمل عليه...و يقال:

أتت النّاقة على حقّها،إذا جاوزت وقت أيّام نتاجها.

و حقّ الأمر يحقّ،و قال قوم:يحقّ حقّا،إذا وضح فلم يكن فيه شكّ،و أحققته إحقاقا.

و الحقاق:مصدر المحاقّة،حاققت فلانا في كذا و كذا محاقّة و حقاقا.

و حقّقت الشّيء تحقيقا،إذا صدّقت قائله.حققت أنا الشّيء أحقّه حقّا.

و الحقّ الّذي يسمّيه النّاس:الحقّة،عربيّ معروف.

و الحقّ:رأس العضد الّذي فيه الوابلة،و الحقّ:أصل الورك الّذي فيه عظم رأس الفخذ.

و الأحقّ من الخيل:الّذي يضع حافر رجله في موضع حافر يده،و ذلك عيب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:63)

الحقق:و هو أن يضع الفرس حافر رجله على موضع حافر يده في المشي؛و ذلك عيب.و يقال:فرس أحقّ بيّن الحقق.(3:188)

و حققت الأمر و أحققته،أي قلت:هو حقّ.

(3:438)

الأزهريّ: و قيل:حقيقة الرّجل:ما يلزمه حفظه

ص: 13

و منعه.

و العرب تقول:فلان يسوق الوسيقة،و ينسل الوديقة،و يحمي الحقيقة.

فالوسيقة:الطّريدة من الإبل،سمّيت و سيقة،لأنّ طاردها يسقها إذا ساقها،أي يقبضها.و الوديقة:شدّة الحرّ،و الحقيقة:ما يحقّ عليه أن يحميه.(3:376)

[و نقل قول شمر اعتراضا على الكسائيّ ثمّ قال:]

قلت:هو عندي من قولك:حاققته فحققته،أي غلبته على الحقّ.(3:377)

و قال ابن عبّاس في قرّاء القرآن:«متى ما يغلوا يحتقّوا»يعني المراء في القرآن.و معنى يحتقّوا:يختصموا، فيقول كلّ واحد منهم:الحقّ معي فيما قرأت.

يقال:تحاقّ القوم و احتقّوا،إذا تخاصموا،و قال كلّ واحد منهم:الحقّ بيدي و معي.

و المحتقّ من الطّعن:النّافذ إلى الجوف.(3783)

[و نقل قول أبي عبيد ثمّ قال:]

قلت:و يقال:بعير حقّ بيّن الحقّ،بغير(هاء).

و قال بعضهم:سمّيت الحقّة حقّة،لأنّها استحقّت أن يطرقها الفحل؛و تجمع الحقّة:حقاقا و حقائق.

(3:380)

يقال:لا يحقّ ما في هذا الوعاء رطلا،معناه:أنّه لا يزن رطلا.[و نقل قول اللّيث ثمّ قال:]و قد تسوّى الحقّة من العاج و غيره.

[و حكى قول أبي عمرو الشّيبانيّ في معنى قول عمرو بن العاص لمعاوية ثمّ قال:]

و هذا صحيح،و قد روى ابن قتيبة هذا الحرف بعينه فصحّفه،و قال:مثل حقّ الكهدل،و خبط في تفسيره خبط العشواء.

و الصّواب ما رواه أبو العبّاس عن أبي عمرو:مثل حقّ الكهول،و الكهول:العنكبوت،و حقّه:بيته.

(3:381)

[و نقل القول الثّاني لابن الأعرابيّ ثمّ قال:]

و يقال:أحققت الأمر إحقاقا،إذا أحكمته و صحّحته.

و ثوب محقّق:عليه وشي على صورة الحقق،كما يقال:برد مرحّل.

و يقال:حققت الشّيء و حقّقته و أحققته،بمعنى واحد.

[و نقل قول اللّيث ثمّ قال:]

قلت:صحّف اللّيث هذه الكلمة[الحقيق]و أخطأ في التّفسير أيضا،و الصّواب:لون الحبيق:ضرب من التّمر رديء.و نبات الحبيق:في صفة التّمر تغيير.

و لون الحبيق معروف،و قد روينا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم أنّه نهى عن لونين في الصّدقة:أحدهما الجعرور،و الآخر لون الحبيق.و يقال:لنخلته عذق ابن حبيق،و ليس بشيص،و لكنّه رديء من الدّقل.(3:382)

[و نقل قول اللّيث ثمّ قال:]

قلت:فسّر اللّيث«الحقحقة»تفسيرين مختلفين،لم يصب الصّواب في واحد منهما.و الحقحقة عند العرب:

أن يسار البعير و يحمل على ما يتعبه و لا يطيقه حتّى

ص: 14

يبدع براكبه.

و يقال:قرب حقحاق و هقهاق و قهقاه و مقهقه و مهقهق،إذا كان السّير فيه شديدا متعبا.

و أمّا قول اللّيث:إنّ الحقحقة سير أوّل اللّيل،فهو باطل،ما قاله أحد.و لكن يقال:قحّموا عن أوّل اللّيل، أي لا تسيروا فيه.(3:383)

الصّاحب:الحقّ:نقيض الباطل،و الحقّة:مثله، هذه حقّتي،أي حقّي.

و حقّ الشّيء:وجب،يحقّ و يحقّ،و هو حقيق و محقوق.

و بلغت حقيقة الأمر،أي يقين شأنه.

و الحقيقة:الرّاية،و الحرمة أيضا،من قولهم:حامي الحقيقة.

و أحقّ الرّجل:قال حقّا،أو ادّعى حقّا فوجب له، من قوله عزّ و جلّ: لِيُحِقَّ الْحَقَّ الأنفال:8.

و الحاقّة:النّازلة الّتي حقّت،فلا كاذبة لها.

و الحقاق:المحاقّة.

و حاققت الرّجل:ادّعيت أنّك أولى بالحقّ منه.

و حققته:غلبته على الحقّ،و أحققته:مثله.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث عليّ رضي عنه اللّه:«إذا بلغ النّساء نصّ الحقاق فالعصبة أولى بها»يعني الإدراك،و هو أن تقول:أنا أحقّ،و يقولون:نحن أحقّ.

و حققت ظنّه:مخفّف بمعنى التّشديد.

و يقولون:لحقّ لا آتيك،رفع بلا تنوين.

و إنّه لحقّ عالم و حاقّ عالم،لا يثنّى و لا يجمع.

و الرّجل إذا خاصم في صغار الأشياء قيل:«هو نزر (1)الحقاق».

و ما كان يحقّك أن تفعل كذا،أي ما يحقّ لك.

و حققت العقدة فانحقّت،أي شددتها فانشدّت.

و حققت الأمر و أحققته،إذا كنت منه على يقين.

و حقّ اللّه الأمر.

و حقّ الأمر نفسه.

و حققت الرّجل و أحققته:فعلت به ما كان يحذره.

و أحققت الرّميّة:قتلتها على المكان.

و أحقّ القوم من الرّبيع:سمنوا.و أحقّت النّاقة و استحقّت:مثله.

و المحاقّ من المال:اللاّتي لم ينتجن في العام الماضي،و لم يحلبن.

و الحقّ:الجذع من الإبل بسنة يستحقّ الرّكوب؛ و الأنثى:حقّة،لأنّها تستحقّ الفحل.

و أحقّت البكرة من الإبل إحقاقا:صارت حقّة.

و بلغت النّافة حقّتها.

و ما حقّت السّحابة القلّة حتّى الآن،أي ما بلغت.

و استحقّ الرّجل مكان كذا:أعجبه.

و الحقّة من خشب:معروفة.

و الحقحقة:سير اللّيل في أوّله.

و الأحقّ من الخيل:الّذي لا يعرق.و إذا طبّق حافرق.

ص: 15


1- و في كتب اللّغة:نزق الحقاق.

رجليه موضع حافر يديه،فهو أحقّ أيضا؛و الاسم:

الحقق،و هو عيب.

و يقال للمتقى كلّ عظمين من الفرس:حقّ،إلاّ الظّهر.

و يقال لضرب من التّمر:بنات الحقيق.

و قرب حقحاق:زاد على مرحلة.

و كان هذا عند حقّ لقاحها،أي عند وجوبه.

(2:286)

الخطّابيّ: حاقّ الجوع:[في حديث أبي بكر] يروى بالتّخفيف و التّثقيل؛فمن ثقّل،فمعناه:كلب الجوع و شدّته...و من رواه بالتّخفيف جعله مصدرا يقوم مقام الاسم،من قولك:حاق به البلاء يحيق حيقا و حاقا،كما قيل:عابه عيبا و عابا.(2:10)

الوتر حقّ،أي واجب.يقال:حقّ الأمر يحقّ و يحقّ حقّا،إذا وجب.و قد حققت الشّيء أحقّه،و أحققته أيضا أحقّه.(2:302)

الجوهري:الحقّ:خلاف الباطل.

و الحقّ واحد الحقوق،و الحقّة أخصّ منه.يقال:

هذه حقّتي،أي حقّي.

و الحقّة أيضا:حقيقة الأمر.يقال:لمّا عرف الحقّة منّي هرب.

و قولهم:«لحقّ لا آتيك»هو يمين للعرب يرفعونها بغير تنوين إذا جاءت بعد اللاّم،و إذا أزالوا عنها اللاّم قالوا:حقّا لا آتيك.

و قولهم:كان ذاك عند حقّ لقاحها و حقّ لقاحها أيضا بالكسر،أي حين ثبت ذلك فيها.

و الحقّة بالضّمّ:معروفة؛و الجمع:حقّ و حقق و حقاق.

و الحقّ بالكسر:ما كان من الإبل ابن ثلاث سنين و قد دخل في الرّابعة؛و الأنثى:حقّة و حقّ أيضا،سمّي بذلك لاستحقاقه أن يحمل عليه و أن ينتفع به.تقول:هو حقّ بيّن الحقّة.و هو مصدر.

و جمع الحقاق:حقق،مثال كتاب و كتب.و ربّما جمع على حقائق،مثل إفال و أفائل.

و سقط فلان على حاقّ رأسه،أي وسط رأسه.

و جئته في حاقّ الشّتاء،أي في وسطه.

و الحاقّة:القيامة،سمّيت بذلك لأنّ فيها حواقّ الأمور.

و حاقّه،أي خاصمه و ادّعى كلّ واحد منهما الحقّ، فإذا غلبه قيل:حقّه.

و يقال للرّجل إذا خاصم في صغار الأشياء:«إنّه لنزق الحقاق».

و يقال:ما له فيه حقّ و لا حقاق،أي خصومة.

و التّحاقّ:التّخاصم.

و الاحتقاق:الاختصام.

و تقول:احتقّ فلان و فلان،و لا يقال للواحد،كما لا يقال:اختصم للواحد دون الآخر.

و احتقّ الفرس،أي ضمر.

و طعنة محتقّة،أي لا زيغ فيها،و قد نفذت.

و يقال:رمى فلان الصّيد فاحتقّ بعضا و شرّم بعضا،

ص: 16

أي قتل بعضا و أفلت بعض جريحا.

و حققت حذره أحقّه حقّا،و أحققته أيضا،إذا فعلت ما كان يحذره.

و حقّ له أن يفعل كذا،و هو حقيق أن يفعل كذا، و هو حقيق به،و محقوق به،أي خليق له؛و الجمع:

أحقّاء،و محقوقون.

و حقّ الشّيء يحقّ بالكسر،أي وجب.

و أحققت الشّيء،أي أوجبته،و استحققته،أي استوجبته.

و تحقّق عنده الخبر،أي صحّ.

و حقّقت قوله و ظنّه تحقيقا،أي صدّقت.

و كلام محقّق،أي رصين.

و ثوب محقّق،إذا كان محكم النّسج.

و الحقيقة:خلاف المجاز.

و الحقيقة:ما يحقّ على الرّجل أن يحميه،و فلان حامي الحقيقة.

و يقال:الحقيقة:الرّاية.

و الأحقّ من الخيل:الّذي لا يعرق.

و الحقحقة:أرفع السّير و أتعبه للظّهر.

و في الحديث:إنّ مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير قال لابنه لمّا اجتهد في العبادة:«خير الأمور أوساطها، و الحسنة بين السّيّئتين،و شرّ السّير الحقحقة».و يقال:

هو السّير في أوّل اللّيل،و نهي عن ذلك.

[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](4:1460)

ابن فارس: الحاء و القاف أصل واحد،و هو يدلّ على إحكام الشّيء و صحّته.فالحقّ:نقيض الباطل،ثمّ يرجع كلّ فرع إليه بجودة الاستخراج و حسن التّلفيق.

و يقال:حقّ الشّيء:وجب.

و يقال:حاقّ فلان فلانا،إذا ادّعى كلّ واحد منهما، فإذا غلبه على الحقّ قيل:حقّه و أحقّه.

و احتقّ النّاس في الدّين،إذا ادّعى كلّ واحد الحقّ.

و يقال:طعنة محتقّة،إذا وصلت إلى الجوف لشدّتها، و يقال:هي الّتي تطعن في حقّ الورك.

و يقال:ثوب محقّق،إذا كان محكم النّسج.

و الحقّة من أولاد الإبل:ما استحقّ أن يحمل عليه؛ و الجمع:الحقاق.

و فلان حامي الحقيقة،إذا حمى ما يحقّ عليه أن يحميه.و يقال:الحقيقة:الرّاية.

و الأحقّ من الخيل:الّذي لا يعرق،و هو من الباب، لأنّ ذلك يكون لصلابته و قوّته و إحكامه.و مصدره:

الحقق.

و الحاقّة:القيامة،لأنّها تحقّ بكلّ شيء.قال اللّه تعالى: وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:71.

و الحقحقة:أرفع السّير و أتعبه للظّهر.

و الحقّ:ملتقى كلّ عظمين إلاّ الظّهر،و لا يكون ذلك إلاّ صلبا قويّا.و من هذا:الحقّ من الخشب،كأنّه ملتقى الشّيء و طبقه.و هي مؤنّثة؛و الجمع:حقق.

و يقال:فلان حقيق بكذا و محقوق به.

و تقول:حقّا لا أفعل ذلك،في اليمين.

ص: 17

و يقال:حققت الأمر و أحققته،أي كنت على يقين منه.

و يقال:أحقّت النّاقة من الرّبيع،أي سمنت.

قال رجل لتميميّ: ما حقّة حقّت على ثلاث حقاق؟ قال:هي بكرة معها بكرتان،في ربيع واحد،سمنت قبل أن تسمنا،ثمّ ضبعت و لم تضبعا،ثمّ لقحت و لم تلقحا.

[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](2:15)

أبو هلال :الفرق بين الحقيقة و الذّات:أنّه من لم يعرف الشّيء لم يعرف ذاته،و قد يعرف ذاته من لم يعرف حقيقته.

و الحقيقة أيضا من قبيل القول على ما ذكرنا، و ليست الذّات كذلك.

و الحقيقة عند العرب:ما يجب على الإنسان حفظه، يقولون:هو حامي الحقيقة،و فلان لا يحمي حقيقته.

الفرق بين الحقيقة و الحقّ:أنّ الحقيقة:ما وضع من القول موضعه في أصل اللّغة حسنا كان أو قبيحا،و الحقّ.ما وضع موضعه من الحكمة،فلا يكون إلاّ حسنا،و إنّما شملها اسم التّحقيق لاشتراكهما في وضع الشّيء منهما موضعه،من اللّغة و الحكمة.(21)

الفرق بين الحقيقة و المعنى:أنّ المعنى هو القصد الّذي يقع به القول،على وجه دون وجه،و قد يكون معنى الكلام في اللّغة:ما تعلّق به القصد.

و الحقيقة:ما وضع من القول موضعه منها-على ما ذكرنا-يقال:عنيته أعنيه معنى.و«المفعل»يكون مصدرا و مكانا،و هو هاهنا مصدر،و مثله قولك:دخلت مدخلا حسنا،أي دخولا حسنا.

و لهذا قال أبو عليّ رحمة اللّه عليه:إنّ المعنى هو القصد إلى ما يقصد إليه من القول،فجعل المعنى القصد، لأنّه مصدر.

قال:و لا يوصف اللّه تعالى بأنّه معنى،لأنّ المعنى هو قصد قلوبنا إلى ما نقصد إليه من القول،و المقصود هو المعنيّ،و اللّه تعالى هو المعنيّ و ليس بمعنى.

و حقيقة هذا الكلام أن يكون ذكر اللّه هو المعنيّ، و القصد إليه هو المعنى إذا كان المقصود في الحقيقة حادث.

و قولهم:عنيت بكلامي زيدا،كقولك:أردته بكلامي.و لا يجوز أن يكون«زيد»في الحقيقة مرادا مع وجوده،فدلّ ذلك على أنّه عنى ذكره و أريد الخبر عنه دون نفسه.

و المعنى مقصور على القول دون ما يقصد.أ لا ترى أنّك تقول:معنى قولك كذا،و لا تقول:معنى حركتك كذا،ثمّ توسّع فيه فقيل:ليس لدخولك إلى فلان معنى، و المراد أنّه ليس له فائدة تقصد ذكرها بالقول.

و توسّع في الحقيقة ما لم يتوسّع في المعنى،فقيل:

لا شيء إلاّ و له حقيقة،و لا يقال:لا شيء إلاّ و له معنى.

و يقولون:حقيقة الحركة كذا،و لا يقولون:معنى الحركة كذا.

هذا على أنّهم سمّوا الأجسام و الأعراض معاني،إلاّ أنّ ذلك توسّع و التّوسّع يلزم موضعه المستعمل فيه،و لا يتعدّاه.(22)

ص: 18

الفرق بين الصّدق و الحقّ:أنّ الحقّ أعمّ،لأنّه وقوع الشّيء في موقعه الّذي هو أولى به،و الصّدق:الإخبار عن الشّيء على ما هو به،و الحقّ يكون إخبارا و غير إخبار.(34)

الفرق بين العالم و المتحقّق:أنّ المتحقّق هو المتطلّب حقّ المعنى حتّى يدركه،كقولك:تعلّم،أي أطلب العلم،و لهذا لا يقال:إنّ اللّه متحقّق.

و قيل:التّحقّق لا يكون إلاّ بعد شكّ،تقول:تحقّقت ما قلته،فيفيد ذلك أنّك عرفته بعد شكّ فيه.(65)

الفرق بين قولنا:يحقّ له العبادة،و قولنا:يستحقّ العبادة:أنّ قولنا:يحقّ له العبادة،يفيد أنّه على صفة يصحّ أنّه منعم،و قولنا:يستحقّ،يفيد أنّه قد أنعم و استحقّ؛و ذلك أنّ الاستحقاق مضمّن بما يستحقّ لأجله.(153)

الهرويّ: [نحو أبي عبيد في حديث علي عليه السّلام و أضاف:]

و من رواه«نصّ الحقائق»فهو جمع الحقيقة.يقال:

فلان جاء من الحقيقة،إذا حمى ما يجب عليه أن يحميه.

و في الحديث:«لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتّى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه»يعني خالص الإيمان و محضه.

و الحقّة،الّتي توجد في الصّدقة:هو البعير الّذي استكمل السّنة الثّالثة سمّي بذلك،لأنّه استحقّ الرّكوب و الحمل.

و في حديث عمر«من وراء حقاق العرفط»يعني صغارها و شوابّها تشبيها بحقائق الإبل.

و في الحديث،و قال ابن الأنباريّ: روى العنزيّ بإسناده عن سمّاك،قال:«بعث إلى يوسف بن عمر عامل من عمّاله يذكر أنّه زرع كلّ حقّ و لقّ».فالحقّ:

الأرض المطمئنّة،و اللّقّ:الأرض المرتفعة.

و قال أبو عبيد:الحقحقة:المتعب من السّير،و قال غيره:هو أن يحمل الدّابّة على ما لا تطيقه حتّى يبلغ براكبه.

و في الحديث:«ليس للنّساء أن يحققن الطّريق»أي يركبنه.

و في الحديث:«ما أخرجني إلاّ ما أجد من حاقّ الجوع»يعني شدّته و صادقه.(2:473)

ابن سيده: الحقّ:نقيض الباطل؛و جمعه:حقوق و حقاق،و ليس له بناء أدنى عدد.

و حكى سيبويه:«لحقّ أنّه ذاهب»بإضافة«حقّ» إلى«أنّه»،كأنّه:ليقين ذاك أمرك،و ليست في كلام كلّ العرب،فأمرك هو خبر يقين،لأنّه قد أضافه إلى ذاك، و إذا أضافه إليه لم يجز أن يكون خبرا عنه.قال سيبويه:

سمعنا فصحاء العرب يقولونه.

و قال الأخفش:لم أسمع هذا من العرب،إنّما وجدته في«الكتاب»،و وجه جوازه على قلّته طول الكلام بما أضيف هذا المبتدأ إليه،و إذا طال الكلام جاز فيه من الحذف ما لا يجوز فيه إذا قصر،أ لا ترى إلى ما حكاه الخليل عنهم:ما أنا بالّذي قائل لك شيئا.و لو قلت:ما أنا بالّذي قائم،لقبح.

ص: 19

و حقّ الأمر يحقّ و يحقّ حقّا و حقوقا:صار حقّا و ثبت.و في التّنزيل: قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ القصص:63،أي ثبت.و قوله تعالى: وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:71،أي وجبت و ثبتت،و كذلك: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ يس:

7.

و حقّه يحقّه حقّا و أحقّه:كلاهما أثبته،و صار عنده حقّا لا يشكّ فيه.

و أحقّه:صيّره حقّا.

و حقّه و حقّقه:صدّقه.

و حقّ الأمر يحقّه حقّا و أحقّه:كان منه على يقين.

و حقّ حذر الرّجل يحقّه حقّا،و أحقّه:فعل ما كان يحذره.

و حقّه على الحقّ و أحقّه:غلبه عليه.

و استحقّه:طلب منه حقّه.

و احتقّ القوم:قال كلّ واحد منهم:الحقّ في يدي.

و في الحديث:«متى ما تغلوا تحتقّوا».

و الحقّ:من أسماء اللّه عزّ و جلّ،و قيل:من صفاته.

و في التّنزيل: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ الأنعام:

62،و قوله: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ المؤمنون:

71.

و قول حقّ:وصف به،كما تقول:قول باطل.

و يحقّ عليك أن تفعل كذا:يجب،و الكسر لغة.

و يحقّ لك أن تفعل،و يحقّ لك تفعل.

و حقّ أن تفعل و حقيق أن تفعل.و في التّنزيل:

حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ الأعراف:

105.

و حقيق«فعيل»في معنى«مفعول»كقولك:أنت حقيق أن تفعله،أي محقوق أن تفعله،و يقال للمرأة:

أنت حقيقة لذلك،يجعلونه كالاسم،و محقوقة لذلك.

و الحقّة و الحقّة في معنى الحقّ.

و حقّ لك أن تفعل،و حققت أن تفعل.و ما كان يحقّك أن تفعله،في معنى:ما حقّ لك.

و أحقّ عليك القضاء فحقّ،أي أثبت فثبت.

و الحقيقة:ما يصير إليه حقّ الأمر و وجوبه.

و بلغ حقيقة الأمر،أي يقين شأنه.و في الحديث:

«لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتّى لا يعيب على مسلم بعيب هو فيه».

و حقيقة الرّجل:ما يلزمه الدّفاع عنه من أهل بيته.

و الحقيقة في اللّغة:ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه،و المجاز:ما كان بضدّ ذلك.

و إنّما يقع المجاز و يعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة:

و هي الاتّساع،و التّوكيد،و التّشبيه،فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتّة.

و حقّ الشّيء يحقّ حقّا:وجب،و في التّنزيل وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي السّجدة:13.

و أحقّ الرّجل:ادّعى شيئا فوجب له.

و استحقّ الشّيء:استوجبه،و في التنزيل: فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً المائدة:107،أي استوجباه بالخيانة.

ص: 20

و حاقّه في الأمر محاقّة و حقاقا:ادّعى أنّه أولى بالحقّ منه.و أكثر ما استعملوا هذا في قولهم:حاقّني،أي أكثر ما يستعملونه في فعل الغائب.

و حاقّه فحقّه يحقّه:غلبه،و ذلك في الخصومة، و استيجاب الحقّ.

و رجل نزق الحقاق،إذا خاصم في صغار الأشياء.

و الحاقّة:النّازلة،و هي الدّاهية أيضا.

و الحاقّة:القيامة،و قد حقّت تحقّ.

و من أيمانهم:لحقّ لأفعلنّ،مبنيّة على الضّمّ.

و الحقّ من أولاد الإبل:الّذي بلغ أن يركب و يحمل عليه و يضرب-يعني أن يضرب النّاقة-بيّن الإحقاق و الاستحقاق.

و قيل:إذا بلغت أمّه أوان الحمل من العام المقبل فهو حقّ،و بيّن الحقّة.و قيل:إذا بلغ هو و أخته أن يحمل عليهما فهو حقّ.

و قيل:الحقّ:الّذي استكمل ثلاث سنين،و دخل في الرّابعة؛و الجمع:أحقّ و حقاق،و الأنثى من كلّ ذلك:

حقّة بيّنة الحقّة.

و إنّما حكمه:بيّنة الحقاقة و الحقوقة أو غير ذلك من الأبنية المخالفة للصّفة،لأنّ المصدر في مثل هذا يخالف الصّفة.و نظيره في موافقته هذا الضّرب من المصادر للاسم في البناء قولهم:أسد بيّن الأسد.

و الحقّة أيضا:النّاقة الّتي تؤخذ في الصّدقة إذا جازت عدّتها خمسا و أربعين؛و الجمع من ذلك:حقق و حقاق و حقائق.الأخيرة نادرة.

و الحقّة:نبز أمّ جرير بن الخطفى،و ذلك لأنّ سويد بن كراع خطبها إلى أبيها،فقال له:إنّها لصغيرة ضرعة.

قال سويد:لقد رأيتها و هي حقّة،أي كالحقّة من الإبل في عظمها.

و حقّت الحقّة تحقّ حقّة،و أحقّت كلاهما:صارت حقّة.

و أتت النّاقة على حقّها:تمّ حملها و زادت على السّنة أيّاما،من اليوم الّذي ضربت فيه عاما أوّل.

و قيل:حقّ النّاقة و استحقاقها:تمام حملها.

و صبغت الثّوب صبغا تحقيقا،أي مشبعا.

و الحقّ و الحقّة:هذا المنحوت من الخشب و العاج و غير ذلك،ممّا يصلح أن ينحت منه،عربيّ معروف، قد جاء في الشّعر الفصيح.

و جمع الحقّ:أحقاق و حقاق،و جمع الحقّة:حقق.

و قد قالوا في جمع حقّة:حقّ،يجعلونه من باب سدرة و سدر،و هذا أكثره إنّما هو في المخلوق دون المصنوع.

و نظيره من المصنوع:دواة و دوى و سفينة و سفين.

و الحقّ من الورك:مغرز رأس الفخذ،فيها عصبة إلى رأس الفخذ،إذا انقطعت حرق الرّجل.

و قيل:الحقّ:أصل الورك الّذي به عظم رأس الفخذ.

و الحقّ أيضا:النّقرة الّتي في رأس الكتف.

و حاقّ وسط الرّأس:حلاوة القفا.

و أحقّ القوم من الرّبيع:أسمنوا.عن أبي حنيفة، يريد:سمنت مواشيهم.

ص: 21

و حقّت النّاقة و أحقّت و استحقّت:سمنت.

و الأحقّ من الخيل:الّذي لا يعرق.و هو أيضا:الّذي يضع حافر رجله موضع حافر يديه،و هما عيب.

و بنات الحقيق:ضرب من رديء التّمر،و قيل:

هو الشّيص.

و الحقحقة:شدّة السّير.

و قرب محقحق:جادّ منه.

و سير حقحاق:شديد،و قد حقحق و هقهق على البدل،و قهقه على القلب بعد البدل.[و استشهد بالشّعر 10 مرّات](2:472)

الحقّ:الحزم و الصّدق.و رجل حاقّ الرّجل و حقّ الشّجاع و حاقّتهما:كامل فيهما.(الإفصاح 1:140)

الحقّ:خلاف الباطل،و هو الثّابت بلا شكّ، و النّصيب الواجب للفرد أو الجماعة؛الجمع:حقوق و حقاق.

و حقّ الشّيء يحقّ حقّا:وجب و ثبت،و وقع بلا شكّ.

و حققت الأمر:تيقّنته،أو جعلته لازما.

و حقّ فلانا يحقّه و أحقّه:غلبه على الحقّ في الخصومة.(الإفصاح 1:248)

الحقّ:الّذي يدور فيه الباب من أعلى و أسفل.

(الإفصاح 1:572)

الحقّ:الّذي فصل أخوه؛و ذلك لاستكمال ثلاث و دخول الرّابعة.و قيل:هو الّذي استحقّ أن يركب و يحمل عليه،أو استحقّ الضّراب؛الجمع:أحقّ و حقاق.و الأنثى:حقّ و حقّة؛الجمع:حقق و حقاق؛ و جمع الجمع:حقق.

حقّت الصّغيرة من الإبل تحقّ حقّا و حقّة و أحقّت:

دخلت في الرّابعة و صارت حقّة.(الإفصاح 2:720)

الطّوسيّ: و الحقّ:وضع الشّيء موضعه على وجه تقتضيه الحكمة.و قد استعمل مصدرا على هذا المعنى و صفة،كما جرى ذلك في العدل.قال اللّه تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الحجّ:6،فجرى على طريق الوصف.(4:380)

و الحقّ:وقوع الشّيء في موضعه الّذي هو له،فإذا اعتقد شيء بضرورة أو حجّة فهو حقّ،لأنّه وقع موقعه الّذي هو له،و عكسه الباطل.(5:97)

و الحقّ:هو وضع الشّيء في موضعه على ما تقتضيه الحكمة،و إذا جرى المعنى على ما هو له من الأشياء فهو حقّ،و إذا أجري على ما ليس هو له من الشّيء،فذلك باطل.(6:286)

و الحقّ:قد يكون بمعنى حكم و معنى أمر أو نهي، و معنى وعد أو وعيد و معنى دليل.(9:154)

الرّاغب: أصل الحقّ:المطابقة و الموافقة،كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه على استقامة.[إلى أن قال:]

و الحقيقة:تستعمل تارة في الشّيء الّذي له ثبات و وجود،كقوله صلّى اللّه عليه و سلّم لحارثة:«لكلّ حقّ حقيقة،فما حقيقة إيمانك»؟أي ما الّذي ينبئ عن كون ما تدّعيه حقّا؟

ص: 22

و فلان يحمي حقيقته،أي ما يحقّ عليه أن يحمى.

و تارة تستعمل في الاعتقاد كما تقدّم،و تارة في العمل و في القول،فيقال:فلان لفعله حقيقة،إذا لم يكن مرائيا فيه،و لقوله حقيقة،إذا لم يكن فيه مترخّصا و مستزيدا.و يستعمل في ضدّه المتجوّز و المتوسّع و المتفسّح.

و قيل:الدنيا باطل،و الآخرة حقيقة،تنبيها على زوال هذه و بقاء تلك (1).

و أمّا في تعارف الفقهاء و المتكلّمين،فهي اللّفظ المستعمل فيما وضع له في أصل اللّغة.

و الحقّ من الإبل:ما استحقّ أن يحمل عليه؛ و الأنثى:حقّة،و الجمع:حقاق.

و أتت النّاقة على حقّها،أي على الوقت الّذي ضربت فيه من العام الماضي.(125)

الزّمخشريّ: حقّقت الأمر و أحققته:كنت على يقين منه.

و حقّقت الخبر فأنا أحقّه:وقفت على حقيقته.

و يقول الرّجل لأصحابه إذا بلغهم خبر فلم يستيقنوه:أنا أحقّ لكم هذا الخبر،أي أعلمه لكم و أعرف حقيقته.

فإن قلت:فما وجه قولهم:أنت حقيق بأن تفعل، و أنت محقوق به،و إنّك لمحقوقة بأن تفعلي،و حقيقة به، و حققت بأن تفعل،و حقّ لك أن تفعل؟

قلت:أمّا حقيق،فهو من حقق في التّقدير،كما قال سيبويه في«فقير»:إنّه من فقر مقدّرا،و في«شديد»من شدد.و نظيره:خليق و جدير،من خلق بكذا،و جدر به،و لا يكون«فعيلا»بمعنى«مفعول»،و هو محقوق، لقولهم:أنت حقيقة بكذا،و هذه امرأة حقيقة بالحضانة.

و أمّا حققت بأن تفعل،و أنت محقوق به،فبمعنى جعلت حقيقا به،و هو من باب:فعلته ففعل،كقولك:

قبح و قبحه اللّه و برد الماء و بردته،و حقر و حقرته،و رفع صوته و رفعه.

و يجوز أن يكون من حققت الخبر،أي عرفت بذلك.و تحقّق منك أنّك تفعله لشهادة أحوالك به.

و أمّا حقّ لك أن تفعل،من:حقّ اللّه الأمر،أي جعل حقّا لك أن تفعل،و أثبت لك ذلك.و هذا قول حقّ،و اللّه هو الحقّ.

و حقّا لا آتيك،و لحقّ لأفعل،و هو مشبّه بالغايات، و أصله:لحقّ اللّه،فحذف المضاف إليه و قدّر،و جعل كالغاية.

و أ حقّا أن أظلم،و أ في الحقّ أن أغصب حقّي.

و لمّا رأيت الحاقّة منّي هربت،و روي الحقّة.

و يوم القيامة تكون حواقّ الأمور.

و أحقّ الرّجل،إذا قال حقّا و ادّعاه،و هو محقّ غير مبطل.

و أحقّ اللّه الحقّ:أظهره و أثبته وَ يُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ. الأنفال:7.ه.

ص: 23


1- كأنّه إشارة إلى:(تلك الدّار الآخرة)القصص:83،أو من أجل قرب الدّنيا و بعد الآخرة.و إلاّ فالصّحيح:زوال تلك و بقاء هذه.

و حقّق قوله.و تحقّقت الأمر،و عرفت حقيقته، و وقفت على حقائق الأمور.

و أحققت عليه القضاء:أوجبته،و أحققت حذره و حقّقته،إذا فعلت ما كان يحذر.

و إنّه لحقّ عالم.

و حاققت صاحبي فحققته أحقّه:خاصمته،و ادّعى كلّ منّا الحقّ فغلبته.و كانت بينهما محاقّة و مداقّة.

و احتقّوا في الدّين:اختصموا فيه.

و فلان يسبا الزّقّ بالحقّ،و الزّقاق بالحقاق.

و من المجاز:طعنة محتقّة:لا زيغ فيها،و قد احتقّت طعنتك،أي لم تخطئ المقتل.

و ثوب محقّق النّسج:محكمه.

و كلام محقّق:محكم النّظم.

و رمى فأحقّ الرّميّة،إذا قتله على المكان.و حققت العقدة أحقّها،إذا أحكمت شدّها.

و كان ذلك عند حقّ لقاحها،أي حين ثبت أنّها لاقح.

و أتت النّاقة على حقّها،أي على وقت ضرابها، و معناه دارت السّنة و تمّت مدّة حملها.

و حقّتني الشّمس:بلغتني.و لقيته عند حاقّ باب المسجد،و عند حقّ بابه،أي بقربه.

و سقط على حاقّ القفا،و هو وسطه.

و فلان حامي الحقيقة،و هو من حماة الحقائق،أي يحمي ما لزمه الدّفاع عنه من أهل بيته.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:90)

قال للنّساء:«ليس لكنّ أن تحققن الطّريق،عليكنّ بحافّات الطّريق»هو أن يركبن حقّها و هو وسطها.يقال:

سقط على حاقّ القفا و حقّه.(الفائق 1:299)

الطّبرسيّ: الحقّ:وضع الشّيء في موضعه إذا لم يكن فيه وجه من وجوه القبح.(1:226)

و الحقّ:هو الفعل الّذي لا يجوز إنكاره.و قيل:هو ما علم صحّته سواء كان قولا أو فعلا أو اعتقادا،أو هو مصدر حقّ يحقّ حقّا.(1:266)

و الاستحقاق و الاستيجاب قريبان،و استحقّ عليه كأنّه ملك عليه حقّا،و حققت عليه القضاء حقّا و أحققته،إذا أوجبته.و يكون«حقّ»بمعنى استحقّ.

(2:259)

الفرق بين الأحقّ و الأصلح:أنّ الأحقّ قد يكون من غير صفات الفعل،كقولك:زيد أحقّ بالمال، و الأصلح لا يقع هذا الموقع،لأنّه من صفات الفعل، و تقول:اللّه أحقّ بأن يطاع،و لا تقول:أصلح.

(3:43)

المدينيّ: [نقل حديث ابن عمر و قول الشّافعيّ فيه و أضاف:]

و حكى الطّحاويّ أنّه قال:و يحتمل،ما المعروف في الأخلاق إلاّ هذا من جهة الفرض.

و قال الطّحاويّ ما معناه:أنّ فيه معنى آخر أولى به عنده،و هو أنّ اللّه تعالى حكم على عباده بقوله تعالى:

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ... البقرة:

180،ثمّ نسخ الوصيّة للوارث على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:

ص: 24

«إنّ اللّه أعطى كلّ ذي حقّ حقّه فلا وصيّة لوارث».

و إن كان لم يرد إلاّ من جهة واحدة،في حديث شرحبيل عن أبي أمامة،غير أنّهم قبلوا ذلك و احتجّوا به،فبقي من سوى الوارث من الأقرباء مأمورا بالوصيّة له.

في حديث المقدام أبي كريمة:«ليلة الضّيف حقّ،فمن أصبح بفنائه ضيف فهو عليه دين».

قال الخطّابيّ: رآها حقّا من طريق المعروف و العادة المحمودة،و لم يزل قرى الضّيف من شيم الكرام،و منع القرى مذموم،و صاحبه ملوم،و قد قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليكرم ضيفه».

و في رواية:«أيّما رجل ضاف قوما فأصبح محروما، فإنّ نصره حقّ على كلّ مسلم حتّى يأخذ قرى ليلته من زرعه و ماله».

و يشبه أن يكون هذا في المفطر الّذي لا يجد ما يطعمه و يخاف التّلف على نفسه،كان له أن يتناول من مال أخيه ما يقيم به نفسه...في كتابه صلّى اللّه عليه و سلّم لحصين«أنّ له كذا و كذا،لا يحاقّه فيها أحد».

قال أحمد:حاقّ فلان فلانا،إذا خاصمه و ادّعى كلّ واحد منهما أنّه حقّه،فإذا حقّه غلبه.

و حقّ الشّيء:وجب.

و في الحديث:«متى يغلوا في القرآن يحتقّوا»أي يختصموا.

و في حديث زيد:«لبّيك حقّا حقّا،تعبّدا و رقّا».

قوله:«حقّا»مصدر مؤكّد لغيره،المعنى أنّه الدّين،يعني:

ألزم طاعتك الّذي دلّ عليه«لبّيك»كما تقول:هذا عبد اللّه حقّا،توكيد مضمون ب«لبّيك»،و تكريره لزيادة التّأكيد.و قوله:«تعبّدا»مفعول له.(1:471)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الحقّ»هو الموجود حقيقة المتحقّق وجوده و إلهيّته.

و الحقّ:ضدّ الباطل.

و منه الحديث:«من رآني فقد رأى الحقّ»أي رؤيا صادقة ليست من أضغاث الأحلام.و قيل:فقد رآني حقيقة غير مشبّه.

و منه الحديث:«أمينا حقّ أمين»أي صدقا.و قيل:

واجبا ثابتا له الأمانة.

و منه الحديث:«أ تدري ما حقّ العباد على اللّه؟»أي ثوابهم الّذي وعدهم به،فهو واجب الإنجاز،ثابت بوعده الحقّ.

و منه حديث عمر:«أنّه لمّا طعن أوقظ للصّلاة، فقال:الصّلاة و اللّه إذا،و لا حقّ»أي لا حظّ في الإسلام لمن تركها.

و قيل:أراد الصّلاة مقضيّة إذا،و لا حقّ مقضيّ غيرها،يعني في عنقه حقوقا جمّة يجب عليه الخروج من عهدتها،و هو غير قادر عليه.فهب أنّه قضى حقّ الصّلاة فما بال الحقوق الأخر؟

و في حديث الحضانة:«فجاء رجلان يحتقّان في ولد»أي يختصمان،و يطلب كلّ واحد منهما حقّه.

و منه الحديث:«من يحاقّني في ولدي».

و حديث وهب:«كان فيما كلّم اللّه أيّوب عليه السّلام:

ص: 25

أ تحاقّني بخطئك؟».

[ذكر نحو أبي عبيد في حديث عليّ عليه السّلام و أضاف:]

و قيل:أراد بنصّ الحقاق:بلوغ العقل و الإدراك، لأنّه إنّما أراد منتهى الأمر الّذي تجب فيه الحقوق.

و قيل:المراد بلوغ المرأة إلى الحدّ الّذي يجوز فيه تزويجها و تصرّفها في أمرها،تشبيها بالحقاق من الإبل؛ جمع حقّ و حقّة،و هو الّذي دخل في السّنة الرّابعة،و عند ذلك يتمكّن من ركوبه و تحميله.

و يروى«نصّ الحقائق»جمع الحقيقة:و هو ما يصير إليه حقّ الأمر و وجوبه،أو جمع الحقّة من الإبل.

و منه قولهم:«فلان حامي الحقيقة»إذا حمى ما يجب عليه حمايته.

و فيه:«لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتّى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه»،يعني خالص الإيمان و محضه و كنهه.

و في حديث الزّكاة ذكر«الحقّ و الحقّة»و هو من الإبل ما دخل في السّنة الرّابعة إلى آخرها.و سمّي بذلك لأنّه استحقّ الرّكوب و التّحميل؛و يجمع على:حقاق و حقائق.

و منه حديث عمر:«من وراء حقاق العرفط»أي صغارها و شوابّها،تشبيها بحقاق الإبل.

و في حديث أبي بكر:«أنّه خرج في الهاجرة إلى المسجد،فقيل له:ما أخرجك؟قال:ما أخرجني إلاّ ما أجد من حاقّ الجوع»أي صادقه و شدّته.

و يروى بالتّخفيف،من حاق به يحيق حيقا و حاقّا، إذا أحدق به،يريد:من اشتمال الجوع عليه.فهو مصدر أقامه مقام الاسم،و هو مع التّشديد اسم فاعل من حقّ يحقّ.

و في حديث تأخير الصّلاة:«و تحتقّونها إلى شرق الموتى»أي تضيّقون وقتها إلى ذلك الوقت.يقال:هو في حاقّ من كذا،أي في ضيق،هكذا رواه بعض المتأخّرين و شرحه.

و فيه:«ليس للنّساء أن يحققن الطّريق»هو أن يركبن حقّها،و هو وسطها.يقال:سقط على حاقّ القفا و حقّه.

و في حديث حذيفة:«ما حقّ القول على بني إسرائيل حتّى استغنى الرّجال بالرّجال و النّساء بالنّساء» أي وجب و لزم.

و في حديث يوسف بن عمر:«إنّ عاملا من عمّالي يذكر أنّه زرع كلّ حقّ و لقّ»الحقّ:الأرض المطمئنّة، و اللّقّ:المرتفعة.(1:413)

الفيّوميّ: الحقّ:خلاف الباطل،و هو مصدر:حقّ الشّيء،من بابي:ضرب و قتل،إذا وجب و ثبت.و لهذا يقال لمرافق الدّار:حقوقها.و حقّت القيامة تحقّ،من باب«قتل»:أحاطت بالخلائق فهي حاقّة.و من هنا قيل:حقّت الحاجة،إذا نزلت و اشتدّت،فهي حاقّة أيضا.

و حققت الأمر أحقّه،إذا تيقّنته أو جعلته ثابتا لازما.و في لغة بني تميم:أحققته بالألف.و حقّقته بالتّثقيل مبالغة.

ص: 26

و حقيقة الشّيء:منتهاه،و أصله المشتمل عليه.

و فلان حقيق بكذا،بمعنى خليق،و هو مأخوذ من الحقّ الثّابت.

و قولهم:هو أحقّ بكذا،يستعمل بمعنيين:

أحدهما:اختصاصه بذلك من غير مشاركة،نحو:

زيد أحقّ بماله،أي لا حقّ لغيره فيه.

و الثّاني:أن يكون أفعل التّفضيل،فيقتضي اشتراكه مع غيره و ترجيحه على غيره،كقولهم:زيد أحسن وجها من فلان،و معناه ثبوت الحسن لهما و ترجيحه للأوّل،قاله الأزهريّ و غيره.

و من هذا الباب:«الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها»فهما مشتركان،و لكن حقّها آكد.

و استحقّ فلان الأمر:استوجبه-قاله الفارابيّ و جماعة-فالأمر مستحقّ بالفتح اسم مفعول،و منه قولهم:خرج المبيع مستحقّا.

و أحقّ الرّجل بالألف:قال حقّا أو أظهره أو ادّعاه، فوجب له،فهو محقّ.

و الحقّ بالكسر من الإبل:ما طعن في السّنة الرّابعة؛ و الجمع:حقاق،و الأنثى:حقّة؛و جمعها:حقق،مثل سدرة و سدر.

و أحقّ البعير إحقاقا:صار حقّا.قيل:سمّي بذلك لأنّه استحقّ أن يحمل عليه.

و حقّة بيّنة الحقّة بكسرهما؛فالأولى النّاقة،و الثّانية مصدر،و لا يكاد يعرف لها نظير.

و في الدّعاء:«حقّ ما قال العبد»هو مرفوع خبر مقدّم،و«ما قال العبد»:مبتدأ،و قوله:«كلّنا لك عبد» جملة بدل من هذه الجملة.

و في رواية:«أحقّ»،و«كلّنا»بزيادة ألف و واو.

فأحقّ:خبر مبتدإ محذوف،و ما قال العبد:مضاف اليه، و التّقدير:هذا القول أحقّ ما قال العبد،و«كلّنا لك عبد» جملة ابتدائيّة.

و حاققته:خاصمته لإظهار الحقّ،فإذا ظهرت دعواك قيل:أحققته بالألف.(1:144)

الجرجانيّ: الحقّ:اسم من أسمائه تعالى،و الشّيء الحقّ،أي الثّابت حقيقة.و يستعمل في الصّدق و الصّواب أيضا،يقال:قول حقّ و صواب.

الحقّ في اللّغة:هو الثّابت الّذي لا يسوغ إنكاره،و في اصطلاح أهل المعاني:هو الحكم المطابق للواقع،يطلق على الأقوال و العقائد و الأديان و المذاهب،باعتبار اشتمالها على ذلك،و يقابله الباطل.

و أمّا الصّدق فقد شاع في الأقوال خاصّة،و يقابله الكذب.و قد يفرّق بينهما بأنّ المطابقة تعتبر في الحقّ من جانب الواقع و في الصّدق من جانب الحكم،فمعنى صدق الحكم مطابقته للواقع،و معنى حقّيّته مطابقة الواقع إيّاه.

الحقيقة:اسم لما أريد به ما وضع له«فعيلة»من حقّ الشّيء إذا ثبت،بمعنى«فاعلة»أي حقيق.و التّاء فيه للنّقل من الوصفيّة إلى الاسميّة،كما في العلاّمة، لا للتّأنيث.

و في الاصطلاح:هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح به التّخاطب،احترز به عن المجاز الّذي

ص: 27

استعمل فيما وضع له في اصطلاح آخر غير اصطلاح به التّخاطب،كالصّلاة إذا استعملها المخاطب بعرف الشّرع في الدّعاء،فإنّها تكون مجازا لكون الدّعاء غير ما وضعت هي له في اصطلاح الشّرع،لأنّها في اصطلاح الشّرع وضعت للأركان و الأذكار المخصوصة،مع أنّها موضوعة للدّعاء في اصطلاح اللّغة.

الحقيقة:كلّ لفظ يبقى على موضوعه.و قيل:ما اصطلح النّاس على التّخاطب به.

الحقيقة:هو الشّيء الثّابت قطعا و يقينا.يقال:حقّ الشّيء،إذا ثبت،و هو اسم للشّيء المستقرّ في محلّه،فإذا أطلق يراد به ذات الشّيء الّذي وضعه واضع اللّغة في الأصل،كاسم الأسد للبهيمة،و هو ما كان قارّا في محلّه، و المجاز ما كان قارّا في غير محلّه.

حقيقة الشّيء:ما به الشّيء هو هو،كالحيوان النّاطق للإنسان،بخلاف مثل الضّاحك و الكاتب،ممّا يمكن تصوّر الإنسان بدونه.و قد يقال:إنّ ما به الشّيء هو هو باعتبار تحقّقه حقيقة،و باعتبار تشخّصه هويّة، و مع قطع النّظر عن ذلك ماهيّة.

الحقيقة العقليّة:جملة أسند فيها الفعل إلى ما هو الفاعل عند المتكلّم،كقول المؤمن:أنبت اللّه البقل، بخلاف:«نهاره صائم»فإنّ الصّوم ليس للنّهار.

حقّ اليقين:عبارة عن فناء العبد في الحقّ و البقاء به علما و شهودا و حالا،لا علما فقط.فعلم كلّ عاقل علم اليقين،فإذا عاين الملائكة فهو عين اليقين،فإذا ذاق الموت فهو حقّ اليقين.

و قيل:علم اليقين:ظاهر الشّريعة،و عين اليقين:

الإخلاص،و حقّ اليقين:المشاهدة فيها.

حقيقة الحقائق:هي المرتبة الأحديّة الجامعة بجميع الحقائق،و تسمّى حضرة الجمع و حضرة الوجود.

حقائق الأسماء:هي تعيّنات الذّات و نسبها،إلاّ أنّها صفات يتميّز بها الإنسان بعضها عن بعض.

الحقيقة المحمّديّة:هي الذّات مع التّعيّن الأوّل،و هو الاسم الأعظم.(40)

الفيروزآباديّ: الحقّ:من أسماء اللّه تعالى أو من صفاته،و القرآن،و ضدّ الباطل،و الأمر المقضيّ، و العدل،و الإسلام،و المال،و الملك،و الموجود الثّابت.

و الصّدق،و الموت،و الحزم،و واحد الحقوق.و الحقّة:

أخصّ منه،و حقيقة الأمر.

و قولهم:عند حقّ لقاحها و يكسر،أي حين ثبت ذلك فيها.

و سقط على حقّ رأسه و حاقّه:وسطه.

و حاقّ الجوع:صادقه.

و رجل حاقّ الرّجل و حاقّ الشّجاع و حاقّتهما:

كامل فيهما.

و الحاقّة:النّازلة الثّابتة كالحقّة،و القيامة تحقّ،لأنّ فيها حواقّ الأمور،أو تحقّ لكلّ قوم عملهم.

و حقّه كمدّه:غلبه على الحقّ كأحقّه،و الشّيء:

أوجبه كأحقّه و حقّقه،و الطّريق:ركب حاقّه،و فلانا:

ضربه في حاقّ رأسه أو في حقّ كتفه للنّقرة الّتي على رأس الكتف.

ص: 28

و الأمر يحقّ و يحقّ حقّة بالفتح:وجب،و وقع بلا شكّ،لازم و متعدّ.

و حققت حذره حقّا:فعلت ما كان يحذره،و الأمر:

تحقّقته و تيقّنته،و فلانا:أتيته.

و حقّ لك أن تفعل ذا بالضّمّ،و حققت أن تفعله بمعنى،و هو حقيق به،و حقّ جدير.

و الحقيقة:ضدّ المجاز،و ما يحقّ عليك أن تحميه، و الرّاية.

و بنات الحقيق كزبير:تمر.

و قرب حقحاق:جادّ.

و الحقّة بالضّمّ:وعاء من خشب؛الجمع:حقّ و حقوق و حقق و أحقاق و حقاق،و الدّاهية و يفتح، و المرأة،و بلا هاء:بيت العنكبوت،و رأس الورك الّذي فيه عظم الفخذ،و رأس العضد الّذي فيه الوابلة، و الأرض المستديرة أو المطمئنّة،و الجحر في الأرض.

و الحقّيّ: تمر.

و الحقّ بالكسر:من الإبل الدّاخل في الرّابعة،و قد حقّت تحقّ حقّة و حقّا بكسر هما و أحقّت،و هي حقّ و حقّة بيّنة الحقّة بالكسر أيضا،و لا نظير لها.الجمع:

حقق كعنب و حقاق؛و جمع الجمع:حقق بضمّتين،سمّي لأنّه استحقّ أن يركب،أو استحقّ الضّراب.

و الحقّ أيضا أن تزيد النّاقة على الأيّام الّتي ضربت فيها،و النّاقة الّتي سقطت أسنانها هرما.

و الحقّة بالكسر:الحقّ الواجب،هذه حقّتي و هذا حقّي،يكسر مع التّاء،و يفتح دونها.

و أمّ حقّة:اسم امرأة،و الحقّة:لقب أمّ جرير الشّاعر.

و حقاق العرفط:صغاره،و إذا بلغن،أي النّساء:

نصّ الحقاق أو الحقائق،فالعصبة أولى،أي إذا بلغن الغاية الّتي عقلن فيها و عرفن فيها حقائق الأمور،أو قدرن فيها على الحقاق أي الخصام،أو حوق فيهنّ أي خوصم،فقال كلّ من الأولياء:أنا أحقّ بها،أو المعنى:

إذا بلغن نهاية الصّغار،أي الوقت الّذي ينتهي فيه صغرهنّ.

و إنّه لنزق الحقاق،أي مخاصم في صغار الأشياء.

و الأحقّ:الفرس يضع حافر رجله موضع يده عيب،و الّذي لا يعرق؛و مصدرهما:الحقق محرّكة.

و أحققته:أوجبته،و البكرة:استوفت ثلاث سنين و صارت حقّة،و الرّميّة:قتلها.

و المحقّ:ضدّ المبطل.

و المحاقّ من المال:الّتي لم تنتجن في العام الماضي و لم يحلبن.

و حقّقه تحقيقا:صدّقه.

و المحقّق من الكلام:الرّصين،و من الثّياب:المحكم النّسج.

و الاحتقاق:الاختصام.و طعنة محتقّة:لا زيغ فيها و قد نفذت،و احتقّا:اختصما،و المال:سمن،و به الطّعنة:

قتلته أو أصابت حقّ وركه،و الفرس:ضمر.

و انحقّت العقدة:انشدّت.

و استحقّه:استوجبه.

ص: 29

و تحقّق الخبر:صحّ.

و الحقحقة:أرفع السّير و أتعبه للظّهر،أو اللّجاج في السّير،أو السّير أوّل اللّيل،أو أن يلجّ في السّير حتّى تعطب راحلته أو تنقطع.

و التّحاقّ:التّخاصم،و حاقّه:خاصمه.(3:228)

الطّريحيّ: و الحقّ:من أسمائه تعالى،و هو الموجود المتحقّق وجوده و إلهيّته.

و الحقّ:ضدّ الباطل.

و حقائق الشّيء:ما حقّ و ثبت.

و في حديث وصفه تعالى:«لا تدركه العقول بمشاهدة العيان،و لكن تدركه العقول بحقائق الإيمان».

قال بعض الشّارحين:حقائق الإيمان:أركانه،و هو التّصديق بوجوده تعالى و وحدانيّته،و اعتبار أسمائه الحسنى،و محصّله الحقائق الّتي ثبت بها الإيمان.

و أعط كلّ ذي حقّ حقّه،أي حظّه و نصيبه الّذي فرض له.

و فلان حامي الحقيقة،إذا حمى ما يجب عليه حمايته.

و حقيقة الشّيء:كنهه.

و كلام محقّق،أي رصين.

و الحقّ:أصله المطابقة و الموافقة،و يأتي فيما ذكر على وجوه متعدّدة،يستعمل استعمال الواجب و اللاّزم و الجدير.

و أمّا حقّ اللّه،فهو بمعنى الواجب و اللاّزم.

و أمّا حقّ العباد،فهو على معنى الجدير،من حيث إنّ الإحسان إلى من لم يتّخذ ربّا سواه مطابق للحكمة.

و يجوز أن يكون سمّاه حقّا،لأنّه في مقابلة حقّ اللّه من جهة الثّواب.

و الحقيقة في مصطلح العلماء:ما قابل المجاز،و هي «فعيلة»من الحقّ الثّابت المقابل للباطل،أو المثبّت،لأنّ «فعيلا»تارة يكون بمعنى«فاعل»ك«عليم»و«قدير»، و تارة بمعنى«مفعول»ك«جريح»و«قتيل».

قيل:و التّاء فيه للنّقل من الوصفيّة إلى الاسميّة الصّرفة،فلذا لا يقال:شاة أكيلة و لا نطيحة.

و الحقيقة لغويّة و عرفيّة،و في ثبوت الشّرعيّة خلاف.

و في حديث الأخذ بالكتاب و السّنّة«إنّ على كلّ حقّ حقيقة و على كلّ صواب نورا».

قيل في معناه:إنّ كلّ واقعة ورد فيها حكم من اللّه، نصب عليها دليلا يدلّ عليها.

و حققت الأمر أحقّه،إذا تيقّنته و جعلته ثابتا لازما.

و في لغة:أحققته،و حقّقته مشدّدا مبالغة.

و حاقّه:خاصمه و ادّعى كلّ واحد منهما الحقّ،فإذا غلبه قيل:حقّه.

و منه حديث الحضانة«فجاء رجلان يتحاقّان في ولد»أي يختصمان و يطلب كلّ واحد منهما حقّه.

و ما له فيه حقّ،أي خصومة.

و التّحاقّ:التّخاصم.

و في الدّعاء:«حقّ ما قال العبد»قيل:هو مرفوع على أنّه خبر مقدّم.

ص: 30

و استحقّ فلان الأمر،أي استوجبه.

و منه:«إذا استحققت ولاية اللّه و السّعادة-إن كنت مستحقّهما و مستوجبهما بعمل صالح-جاء الأجل بين العينين و ذهب الأمل،و إذا استحققت ولاية الشّيطان و الشّقاوة-إن كنت مستحقّا لهما بعمل فاسد غير صالح- جاء الأمل بين العينين،و ذهب الأجل وراء الظّهر».

و استحقّ المبيع على المشتري،أي ملكه.

و فيه:«لا تتعرّضوا للحقوق»أي لا تشغلوا ذممكم بحقوق النّاس،و لا بحقوق اللّه،و لكن إذا شغلتم ذممكم فاصبروا لها،و تحمّلوا مشاقّها.

و المراد بحقوق النّاس:الضّمان و الكفالات و غير ذلك،و حقوق اللّه كنذر و نحوه.(5:148)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حقّ الأمر:ثبت و وجب و صحّ.

و حقّ عليه أن يفعل كذا:وجب عليه،و حقّ لك أن تفعل كذا:كان حقيقا بك أن تفعله.

حقّت الحاجة:نزلت و اشتدّت.

و استحقّ الثّناء:استوجبه.

و الحقّ:ضدّ الباطل،أو أحد الحقوق الواجبة.

و القصص الحقّ:الّذي لا شكّ في صحّته.

و حقيق بكذا:جدير به،و حقيق عليّ:جدير بي.

و يحقّ الحقّ:يثبته و يؤيّده.

فحقّ عليها القول:وجب عليها أن تستحقّ العذاب.

و استحقّ الإثم:فعل ما يوجب جزاء الذّنب.

وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ الانشقاق:2،أي حقّ لها أن تسمع و تطيع و تمتثل.

و الحاقّة:القيامة،لأنّها محقّقة الوقوع.

و أحقّ بكذا:أكثر استحقاقا.

و الحقّ من أسماء اللّه الحسنى،بمعنى الثّابت الوجود سرمدا.

اِتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ آل عمران:102،أي اتّقاء حقّا،أي ثابتا واجبا؛و ذلك بأداء ما كلّفتم به،و ما قدروا اللّه حقّ قدره،أي ما عظّموا اللّه حقّ تعظيمه.

(1:141)

مجمع اللّغة :1-حقّ الأمر يحقّ،بكسر الحاء و ضمّها في المضارع حقّا:ثبت و وجب.

2-حقّ الأمر يحقّه:أثبته.و حقّ له،بفتح الحاء و ضمّها:ثبت له،أو أثبت له.

3-و أحقّ اللّه الحقّ:أظهره و أثبته للنّاس.

4-استحقّ الشّيء يستحقّه:استوجبه.

و استحقّ عليه:وقع عليه.

5-الحقّ هو الثّابت الصّحيح،و هو ضدّ الباطل.

و الحقّ:لفظ كثير الورود في الكتاب الكريم،و المراد منه على سبيل التّعيين يختلف باختلاف المقام الّذي وردت فيه الآيات،و معناه العامّ لا يخلو من معنى الثّبوت و المطابقة للواقع.

فالحقّ:هو اللّه،لأنّه هو الموجود الثّابت لذاته.

و الحقّ:كتب اللّه و ما فيها من العقائد و الشّرائع و الحقائق.

و الحقّ:الواقع لا محالة الّذي لا يتخلّف.

ص: 31

و الحقّ:أحد حقوق العباد،و هو ما وجب للغير و يتقاضاه.

و الحقّ:العلم الصّحيح.

و الحقّ:العدل.

و الحقّ:الصّدق.

و الحقّ:البيّن الواضح.

و الحقّ:الواجب الّذي ينبغي أن يطلب.

و الحقّ:الحكمة الّتي فعل الفعل لها.

و الحقّ:قد يراد به البعث.

و الحقّ:المسوّغ بحسب الواقع.

و الحقّ:التّامّ الكامل.

و إذا أضيف الحقّ إلى المصدر كان معناه أنّه على أكمل وجه.(1:276)

العدنانيّ: و يقولون:حقّ لك أن تفعل كذا،أي وجب عليك،و الصّواب:حقّ لك أن تفعل كذا،و قد جاء في الآيتين:2 و 5 من سورة الانشقاق: وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ أي حقّ لها أن تفعل ذلك.

و يجوز أن نقول أيضا:حقّ عليك أن تفعل كذا و حققت أن تفعل كذا.

و جاء في«اللّسان»:حققت أن تفعل كذا.

و حقّ الشّيء يحقّ حقّا:وجب.

و جاء في«الصّحاح»:حقّ له أن يفعل كذا،و هو حقيق أن يفعل كذا،و هو حقيق به و محقوق به،أي خليق له؛و الجمع:أحقّاء و محقوقون.

(معجم الأخطاء الشّائعة:68)

النّصوص التّفسيريّة

حقّ

1-فريقا هدى و فريقا حقّ عليهم الضّلالة.

الأعراف:30

ابن عبّاس: وجب.(126)

مثله البغويّ(2:188)،و الميبديّ(3:594)، و الطّبرسيّ(2:411)،و كثير من التّفاسير.لاحظ:

«هدي»،و«ض ل ل».

الزّجّاج: معناه إنّه أضلّ فريقا حقّ عليهم الضّلالة...(2:331)

أبو السّعود :بمقتضى القضاء السّابق التّابع للمشيئة،المبنيّة على الحكم البالغة.(2:489)

البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللّهِ الأعراف:30.تعليل لما قبله،أي حقّت عليهم الضّلالة لاتّخاذهم الشّياطين أولياء،و قبولهم ما دعوا إليه بدون التّأمّل في التّمييز بين الحقّ و الباطل،و كلّ واحد من الهدى و الضّلال و إن كان يحصل بخلق اللّه تعالى إيّاه ابتداء،إلاّ أنّه يخلق ذلك حسبما اكتسبه العبد،و سعى في حصوله فيه.(3:153)

رشيد رضا :و معنى حقّت عليهم الضّلالة:ثبتت بثبوت أسبابها الكسبيّة،لا أنّها جعلت غريزة لهم فكانوا مجبورين عليها.يدلّ على هذا تعليلها على طريق الاستئناف البيانيّ،بقوله تعالى: إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ

ص: 32

الأعراف:30(8:376)

ابن عاشور :و معنى: حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ ثبتت لهم الضّلالة و لزموها،و لم يقلعوا عنها،و ذلك أنّ المخاطبين كانوا مشركين كلّهم،فلمّا أمروا بأن يعبدوا اللّه مخلصين،افترقوا فريقين:فريقا هداه اللّه إلى التّوحيد، و فريقا لازم الشّرك و الضّلالة،فلم يطرأ عليهم حال جديد.و بذلك يظهر حسن موقع لفظ(حقّ)هنا دون أن يقال:أضلّه اللّه،لأنّ ضلالهم قديم مستمرّ اكتسبوه لأنفسهم،كما قال في نظيره: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ. ثمّ قال: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ النّحل:36 و 37، فليس تغيير الأسلوب بين فَرِيقاً هَدى و بين «و فريقا حقت عليهم الضلالة»تحاشيا عن إسناد الإضلال إلى اللّه،كما توهّمه صاحب«الكشّاف»لأنّه قد أسند الإضلال إلى اللّه في نظير هذه الآية كما علمت و في آيات كثيرة،و لكنّ اختلاف الأسلوب لاختلاف الأحوال.

و جرّد فعل(حقّ)عن علامة التّأنيث،لأنّ فاعله غير حقيقيّ التّأنيث،و قد أظهرت علامة التّأنيث في نظيره: وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ. (8:70)

مكارم الشّيرازيّ: ما خلاصته:يصف فيها ردود الفعل من النّاس قبال هذه الدّعوة«إلى التّوحيد و الخير»و علّلها ب إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ...

أي هم الباعث على هذه الضّلالة دون اللّه.(5:20)

راجع ض ل ل:«الضّلالة»و ف ر ق:«فريقا».

2- أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً. الإسراء:16

ابن عبّاس: وجب القول عليها بالعذاب.(234)

مثله زيد بن عليّ(248)،و البغويّ(3:125)، و الطّبرسيّ(3:406).

الطّبريّ: فوجب عليهم بمعصيتهم اللّه و فسوقهم فيها،وعيد اللّه الّذي أوعد من كفر،و خالف رسله من الهلاك بعد الإعذار و الإنذار،بالرّسل و الحجج.

(15:57)

الميبديّ: أي ظهر صدق خبر اللّه عنهم أنّهم لا يؤمنون.و قيل:وجب عليها ما وعد على الفسق بقول سابق لا يقع فيه خلف.(5:531)

الفخر الرّازيّ: يريد:استوجبت العذاب،و هذا كالتّفسير لقوله تعالى: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15،و قوله: وَ ما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً القصص:59، و قوله: ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها غافِلُونَ الأنعام:131،فلمّا حكم تعالى في هذه الآيات أنّه تعالى لا يهلك قرية حتّى يخالفوا أمر اللّه،فلا جرم ذكر هاهنا أنّه يأمرهم فإذا خالفوا الأمر،فعند ذلك استوجبوا الإهلاك المعبّر عنه بقوله: فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ. (20:175)

أبو السّعود :أي ثبت و تحقّق موجبه بحلول العذاب،إثر ما ظهر منهم من الفسق و الطّغيان.

(3:118)

ص: 33

البروسويّ: أي فوجبت لها الشّقاوة بمخالفة الشّريعة.(5:144)

الآلوسيّ: أي كلمة العذاب السّابق بحلوله أو بظهور معاصيهم،أو بانهماكهم فيها.(15:44)

فضل اللّه : فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ الإلهيّ الّذي تفرضه سننه الكونيّة.(14:71)

3- ...وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَ مَنْ يُهِنِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ... الحجّ:18

ابن عبّاس: وجب عليهم عذاب النّار و هم الكافرون.(278)

و كثير من النّاس يوحّده،و كثير حقّ عليه العذاب ممّن لا يوحّده.(الفخر الرّازيّ 23:20)

أبو حيّان :و قرئ (و كثير حقّا) أي حقّ عليهم العذاب حقّا،و قرئ (حقّ) بضمّ الحاء من مفعول مقدّم ب(يهن).(6:359)

نحوه أبو السّعود.(4:374)

البروسويّ: ثبت عَلَيْهِ الْعَذابُ بسبب كفره و إبائه عن الطّاعة.(6:17)

الآلوسيّ: أي ثبت و تقرّر.(17:132)

عبد الكريم الخطيب :هو استئناف،أي و كثير من النّاس لا يسجدون للّه،فحقّ عليهم العذاب،أي وجب و لزم.(9:1007)

4- قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا... القصص:63

ابن عبّاس: وجب عليهم القول.(329)

مثله الطّبريّ(20:98)،و البغويّ(3:541)، و الزّمخشريّ(3:187)،و أبو حيّان(7:128)، و الشّربينيّ(3:112).

النّسفيّ: وجب عليه مقتضاه و ثبت،و هو قوله:

لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ السّجدة:

13.(3:242)

نحوه أبو السّعود(5:132)،و البروسويّ(6:

421)،و الآلوسيّ(20:100).

الطّباطبائيّ: [بعد أن أشار إلى تقسيم النّاس إلى صنفين:عباد اللّه المكرمين،و المشركين قال:]و الّذين يشير إليهم قوله: قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ هم من الصّنف الثّاني،بدليل ذكرهم إغواءهم،و تبرّيهم من عبادتهم.و هؤلاء المشركون و إن كانوا أنفسهم أيضا ممّن حقّ عليهم القول،كما يشير إليه قوله: حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ السّجدة:13، و لكنّ المراد بهم في الآية المبحوث عنها:المتبوعون منهم ينتهي إليهم الشّرك و الضّلال.(16:64)

5- وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ. السّجدة:13 جاءت بمعنى الآية السّابقة

ص: 34

حقّت

كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. يونس:33

ابن عبّاس: وجبت.(173)

مثله الثّعلبيّ(5:131)،و البغويّ(3:419)، و الميبديّ(4:287).

الطّبريّ: وجب عليهم قضاؤه و حكمه في السّابق من علمه.(11:114)

الزّجّاج: الكاف في موضع نصب،أي مثل أفعالهم جازاهم ربّك.(3:18)

الطّوسيّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]و قيل:في المشبّه به كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ قولان:

أحدهما:المعنى في أنّه ليس بعد الحقّ إلاّ الضّلال، فشبّه به كلمة الحقّ بأنّهم لا يؤمنون في الصّحّة.

الثّاني:ما تقدّم من العصيان،شبّه به الجزاء بكلمة العذاب في الوقوع على المقدار،و إنّما أطلق في الّذين فسقوا أنّهم لا يؤمنون،لأنّه أريد به الّذين تمرّدوا في كفرهم.(5:429)

نحوه الفخر الرّازيّ.(17:88)

القشيريّ: سبق لهم الحكم،و صدق فيهم القول، فلا لحكمه تحويل و لا لقوله تبديل،فإنّ العلل لا تغيّر الأزل.(3:94)

الزّمخشريّ: أي كما حقّ و ثبت أنّ الحقّ بعده الضّلال أو كان حقّ أنّهم مصروفون عن الحقّ،فكذلك حقّت كلمة ربّك.(2:236)

ابن الجوزيّ: [نقل قول الزّجّاج ثمّ قال:]

و المعنى:حقّ عليهم أنّهم لا يؤمنون.(4:29)

لاحظ:ك ل م:«كلمة».

حقّت

1- إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ* وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ.

الانشقاق:1،2

ابن عبّاس: حقّ لها أن تفعل.(505)

نحوه سعيد بن حبير(الطّبريّ 30:113)،و قتادة (الماورديّ 6:234)،و الفرّاء(3:249)،و الزّجّاج(5:

303).

حقّقت لطاعة ربّها.(الطّبريّ 30:113)

الضّحّاك: أطاعت.(الماورديّ 6:234)

و حقّ لها أن تطيع ربّها،لأنّه خلقها.

(القرطبيّ 19:367)

الطّبريّ: و حقّق اللّه عليها الاستماع بالانشقاق، و الانتهاء إلى طاعته في ذلك.(30:113)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:[قول الضّحّاك]

الثّاني:[قول قتادة]

و يحتمل وجها ثالثا:أنّها جمعت،مأخوذ من اجتماع الحقّ على نافيه.

و حكى ابن الأنباريّ أنّ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ جواب القسم،و الواو زائدة.(6:234)

ص: 35

الطّوسيّ: [ذكر قول ابن عبّاس و غيره و أضاف:] و قيل:إنّ معنى(و حقّت)حقّ لها أن تأذن بالانقياد لأمر ربّها.يقال:حقّ له أن يكون على هذا الأمر،بمعنى جعل ذلك حقّا.(10:308)

نحوه الطّبرسيّ.(5:460)

القشيريّ: أي قابلت أمر ربّها بالسّمع و الطّاعة...

و حقّ لها أن تفعل ذلك.(6:273)

البغويّ: و حقّ لها أن تطيع ربّها.(5:228)

الميبديّ: أي حقّ للسّماء أن تستمع للّه و تطيع.

(10:427)

الزّمخشريّ: من قولك:هو محقوق بكذا و حقيق به،يعني و هي حقيقة بأن تنقاد و لا تمتنع،و معناه:

الإيذان بأنّ القادر بالذّات يجب أن يتأتّى له كلّ مقدور، و يحقّ ذلك.(4:234)

ابن عطيّة: قال ابن عبّاس و ابن جبير:معناه:

و حقّ لها أن تسمع و تطيع،و يحتمل أن يريد:و حقّ لها أن تنشقّ لشدّة الهول و خوف اللّه تعالى.(5:456)

الفخر الرّازي:و أمّا قوله: وَ حُقَّتْ فهو من قولك:هو محقوق بكذا،و حقيق به،يعني و هي حقيقة بأن تنقاد،و ذلك لأنّه جسم،و كلّ جسم فهو ممكن لذاته،و كلّ ممكن لذاته فإنّ الوجود و العدم بالنّسبة إليه على السّويّة.

و كلّ ما كان كذلك،كان ترجيح وجوده على عدمه أو ترجيح عدمه على وجوده،لا بدّ و أن يكون بتأثير واجب الوجود و ترجيحه،فيكون تأثير قدرته في إيجاده و إعدامه،نافذا ساريا من غير ممانعة أصلا.

و أمّا الممكن فليس له إلاّ القبول و الاستعداد،و مثل هذا الشّيء حقيق به أن يكون قابلا للوجود تارة و للعدم أخرى من واجب الوجود.(31:103)

القرطبيّ: المعنى و حقّق اللّه عليها الاستماع لأمره بالانشقاق.[ثمّ نقل قول الضّحّاك و قال:]

يقال:فلان محقوق بكذا،و طاعة السّماء بمعنى أنّها لا تمتنع ممّا أراد اللّه بها.و لا يبعد خلق الحياة فيها حتّى تطيع و تجيب.(19:367)

النّيسابوريّ: (و حقّت)بذلك لأنّ الممكن لا بدّ له أن يقع تحت قدرة الواجب لذاته.(30:56)

أبو حيّان :[نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]

و هذا الفعل مبنيّ للمفعول،و الفاعل هو اللّه تعالى، أي و حقّ اللّه تعالى عليها الاستماع،و يقال:فلان محقوق بكذا و حقيق بكذا.

و المعنى أنّه لم يكن في جرم السّماء ما يمنع من تأثير القدرة في انشقاقه،و تفريق أجزائه و إعدامه.

(8:445)

الشّربينيّ: أي حقّ لها أن تسمع و تطيع،بأن تنقاد و لا تمتنع.(4:506)

أبو السّعود :أي جعلت حقيقة بالاستماع و الانقياد،و لكن لا بعد أن لم تكن كذلك،بل في نفسها وحدّ ذاتها،من قولهم:هو محقوق بكذا و حقيق به.

و المعنى انقادت لربّها و هي حقيقة بذلك،لكن لا على أنّ المراد خصوصيّة ذاتها من بين سائر

ص: 36

المقدورات،بل خصوصيّة المقدّرة القاهرة الرّبّانيّة الّتي يتأتّى لها كلّ مقدور،و لا يتخلّف عنها أمر من الأمور.

فحقّ الجملة أن تكون اعتراضا مقرّرا لما قبلها،لا معطوفة عليه.(6:400)

نحوه البروسويّ.(10:375)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]

و الجملة على ما اختاره بعض الأجلّة اعتراض مقرّر لما قبلها و قيل:معطوفة عليه،و ليس بذلك.(30:79)

القاسميّ: (و حقّت)أي:حقّ لها و وجب أن تنقاد لأمر القادر و لا تمتنع،و هي حقيقة بالانقياد،لأنّها مخلوقة له في قبضة تصرّفه.قال المعرّب:الأصل:حقّ اللّه طاعتها،و لمّا كان الإسناد في الآية إلى السّماء نفسها، و التّقدير:و حقّت هي،كان أصل الكلام على تقدير مضاف في الضّمير المستكنّ في الفعل،أي و حقّ سماعها و طاعتها.فحذف المضاف،ثمّ أسند الفعل إلى ضميره، ثمّ استتر فيه.(17:6107)

سيّد قطب :أي وقع عليها الحقّ.و اعترفت بأنّها محقوقة لربّها،و هو مظهر من مظاهر الخضوع،لأنّ هذا حقّ عليها مسلّم به منها.(6:3865)

الطّباطبائيّ: أي جعلت حقيقة و جديرة بأن تسمع،و المعنى و أطاعت و انقادت لربّها،و كانت حقيقة و جديرة بأن تستمع و تطيع.(20:242)

عبد الكريم الخطيب :أي لزمتها الطّاعة،و حقّ عليها الولاء و الخضوع لأمر اللّه،و هل تملك غير هذا؟ فإن لم تستجب لذلك طوعا أجابت كرها فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فصّلت:11.(15:1502)

مكارم الشّيرازيّ: (حقّت):من الحقّ،أي:

و حقّ لها أن تنقاد لأمر ربّها.

و كيف لها لا تسلّم لأمره عزّ و جلّ،و كلّ وجودها و في كلّ لحظة من فيض لطفه،و لو انقطع عنها بأقلّ من رمشة عين لتلاشت.

نعم،فالسّماء و الأرض مطيعتان لأمر ربّهما منذ أوّل خلقهما حتّى نهاية أجلهما،كما تشير الآية:11،من سورة فصّلت،عن قولهما في ذلك: قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ.

و قيل:يراد ب(حقّت)أنّ الخوف من القيامة سيجعل السّماء تنشقّ.و لكنّ التّفسير الأوّل أنسب.

(20:51)

فضل اللّه :فليس انشقاقها و انشطارها بطريقة قسريّة خارجة عن إرادتها،بل هو الانصياع و الاستسلام لأمر اللّه تعالى الّذي له أن يفعل بها ما يشاء،و يحرّكها كما يريد،فلا مشيئة لها من دون مشيئته،و لا إرادة لها أمام إرادته،فاعترفت بأنّها محقوقة لربّها،و أنّها في موقع الانقياد للحقّ الّذي يملكه اللّه تعالى على كلّ خلقه.

إنّه التّعبير الكنائيّ الحيّ المتحرّك الّذي يوحي بأنّ للسّماء عقلا و إرادة و وعيا لمقام ربّها،و لموقعها منه، فتتصرّف من خلال ذلك،في ما يقع فيها من أحداث تسبق لحظة القيامة،كما تصرّفت من قبل،و بالخضوع

ص: 37

لطاعة اللّه تعالى،وفق القوانين و السّنن الطّبيعيّة الّتي أودعها اللّه فيها و في الأرض،كما أودعه في الظّواهر الكونيّة الأخرى.(24:149)

احقّ

1- ...وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً... البقرة:228

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف جعلوا أحقّ بالرّجعة، كأنّ للنّساء حقّا فيها؟

قلت:المعنى أنّ الرّجل إن أراد الرّجعة و أبتها المرأة، وجب إيثار قوله على قولها،و كان هو أحقّ منها،لا أنّ لها حقّا في الرّجعة.(1:366)

نحوه أبو السّعود.(1:271)

الفخر الرّازيّ: ما فائدة قوله:(احقّ)مع أنّه لا حقّ لغير الزّوج في ذلك؟

الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى قال قبل هذه الآية: وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ كان تقدير الكلام:

فإنّهنّ إن كتمن لأجل أن يتزوّج بهنّ زوج آخر،فإذا فعلن ذلك كان الزّوج الأوّل أحقّ بردّهنّ؛و ذلك لأنّه ثبت للزّوج الثّاني حقّ في الظّاهر،فبيّن أنّ الزّوج الأوّل أحقّ منه،و كذا إذا ادّعت انقضاء أقرائها ثمّ علم خلافه، فالزّوج الأوّل أحقّ من الزّوج الآخر في العدّة.

الثّاني:إذا كانت معتدّة فلها في مضيّ العدّة حقّ انقطاع النّكاح،فلمّا كان لهنّ هذا الحقّ الّذي يتضمّن إبطال حقّ الزّوج،جاز أن يقول: وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ من حيث أنّ لهم أن يبطلوا بسبب الرّجعة ما هنّ عليه من العدّة.(6:99)

أبو حيّان :و(احقّ)هنا ليست على بابها،لأنّ غير الزّوج لا حقّ له،و لا تسليط على الزّوجة في مدّة العدّة إنّما ذلك للزّوج،و لا حقّ لها أيضا في ذلك بل لو أبت كان له ردّها،فكأنّه قيل:و بعولتهنّ حقيقون بردّهنّ.

(2:188)

الشّربينيّ: إن قيل:كيف جعلوا أحقّ بالرّجعة، فكأنّ للنّساء حقّا فيها؟

أجيب:بأنّ«أفعل»هاهنا بمعنى الفاعل،فإنّ غير البعل لا حقّ له في الرّدّ،فكأنّه قيل:و بعولتهنّ حقيقون بردّهنّ.

و قيل:إنّه على بابه للتّفضيل،أي أحقّ منهنّ بأنفسهنّ لو أبين الرّدّ،أو من آبائهنّ.(1:147)

نحوه البروسويّ.(1:354)

الآلوسيّ: (احقّ)هاهنا بمعنى حقيق،عبّر عنه بصيغة التّفضيل للمبالغة،كأنّه قيل:للبعولة حقّ الرّجعة،أي حقّ محبوب عند اللّه تعالى،بخلاف الطّلاق فإنّه مبغوض،و لذا ورد للتّنفير عنه«أبغض الحلال إلى اللّه الطّلاق»إنّما لم يبق على معناه من المشاركة و الزّيادة؛ إذ لا حقّ للزّوجة في الرّجعة،كما لا يخفى.(2:134)

الطّباطبائيّ: و لفظ(احقّ)اسم تفضيل،حقّه أن.

يتحقّق معناه دائما مع مفضّل عليه،كأن يكون للزّوج

ص: 38

الأوّل حقّ في المطلّقة و لسائر الخطّاب حقّ،و الزّوج الأوّل أحقّ بها لسبق الزّوجيّة،غير أنّ الرّدّ المذكور لا يتحقّق معناه إلاّ مع الزّوج الأوّل.

و من هنا يظهر:أنّ في الآية تقديرا لطيفا بحسب المعنى،و المعنى:و بعولتهنّ أحقّ بهنّ من غيرهم، و يحصل ذلك بالرّدّ و الرّجوع في أيّام العدّة.و هذه الأحقّيّة إنّما تتحقّق في الرّجعيّات دون البائنات الّتي لا رجوع فيها،و هذه هي القرينة على أنّ الحكم مخصوص بالرّجعيّات،لا أنّ ضمير بعولتهنّ راجع إلى بعض المطلّقات بنحو الاستخدام أو ما أشبه ذلك،و الآية خاصّة بحكم المدخول بهنّ من ذوات الحيض غير الحوامل.و أمّا غير المدخول بها و الصّغيرة و اليائسة و الحامل.فلحكمها آيات أخر.(2:231)

مكارم الشّيرازيّ: حين تكون المرأة في عدّة الطّلاق الرّجعيّ،فحقّ الرّجوع للزّوج،يستطيع أن يواصل حياته الزّوجيّة دون حاجة إلى أيّة تشريفات.

و شرط إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً يقيّد العودة بالإصلاح، فلا يحقّ للرّجل أن يعود ليواصل أذاه للمرأة و ضغطه عليها،كما كان الوضع في الجاهليّة.

فهذا الحقّ يمارسه الرّجل إن كان نادما حقيقة على وضعه،و هادفا أن يستأنف بجدّ حياته الزّوجيّة.

و بعبارة أخرى يحقّ له الرّجوع إن لم يكن قصده التّضييق على الزّوجة.(2:97)

2- ...فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما... المائدة:107

و سيجيء بحثها في(استحقّ).

3- ...فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

الأنعام:81

راجع:ف ر ق:«الفريقين».

4- ...لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ... التّوبة:108

ابن عبّاس: (احقّ)أصوب.(166)

الطّبريّ: أولى أن تقوم فيه مصلّيا.(11:26)

راجع:ق و م:«تقوم».

حقيق

حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ.

الأعراف:105

ابن عبّاس: جدير...(الاّ الحقّ)الصّدق.

(134)

الفرّاء: و يقرأ: (حقيق علىّ ان لا اقول) ،و في قراءة عبد اللّه (حقيق بان لا اقول على اللّه) ،فهذه حجّة من قرأ (على)و لم يضف.و العرب تجعل الباء في موضع«على» رميت على القوس،و بالقوس،و جئت على حال حسنة و بحال حسنة.(1:386)

أبو عبيدة : (حقيق علىّ...) مجازه:حقّ عليّ أن

ص: 39

لا أقول إلاّ الحقّ،و من قرأها (حقيق على ان لا اقول) و لم يضف(على)إليه فإنّه يجعل مجازه مجاز:حريص على أن لا أقول،أو فحقّ أن لا أقول.(1:224)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ فقرأه جماعة من قرّاء المكّيّين و المدنيّين و البصرة و الكوفة:(حقيق على ان لا اقول)،بإرسال الياء من(على)و ترك تشديدها، بمعنى:أنا حقيق بأن لا أقول على اللّه إلاّ الحقّ،فوجّهوا معنى(على)إلى معنى(الباء).كما يقال:رميت بالقوس و على القوس،و جئت على حال حسنة،و بحال حسنة.

و كان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول:إذا قرئ ذلك كذلك،فمعناه:حريص على ألاّ أقول إلاّ بحقّ.

و قرأ ذلك جماعة من أهل المدينة (حقيق علىّ ان لا اقول) بمعنى واجب عليّ أن لا أقول،و حقّ عليّ أن لا أقول.

و الصّواب من القول في ذلك:أنّهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى،قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمّة من القرّاء،فبأيّتهما قرأ القارئ،فمصيب في قراءته الصّواب.(9:13)

الزّجّاج: و تقرأ (حقيق علىّ ان لا اقول) ،و من قرأ (حقيق علىّ ان لا اقول) ،فالمعنى واجب عليّ ترك القول على اللّه إلاّ بالحقّ.(2:362)

الفارسيّ: اختلفوا في تشديد الياء و تخفيفها،من قوله جلّ و عزّ: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ فقرأ نافع وحده: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ بتشديد الياء و نصبها.

و قرأ الباقون بتخفيف الياء،و هي مرسلة.

حجّة نافع في قوله عزّ و جلّ: (حقيق علىّ) و إيصاله ب(علىّ)أنّه يسوغ من وجهين:

أحدهما:أنّ«حقّ»الّذي هو«فعل»،قد تعدّى ب(على)،قال: فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا الصّافّات:31، و قال: فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ الإسراء:16،ف(حقيق) يتّصل ب(على)من هذا الوجه.

و الوجه الآخر:أنّ(حقيق)بمعنى واجب،فكما أنّ «وجب»يتعدّى ب(على)،كذلك تعدّى(حقيق)به،إذا أريد به ما أريد ب«واجب».

و أمّا من قرأ (حقيق على) فجاز تعدّيه ب(على)من الوجهين اللّذين ذكرنا.

و قد قالوا:هو حقيق بكذا،فيجوز على هذا أن يكون(على)بمنزلة الباء تقول:«حقيق على أن».فتضع «على»موضع«الباء».

قال أبو الحسن:قال: وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ الأعراف:86،فكما وقعت الباء في قوله:

بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ موقع«على»كذلك وقعت «على»موقع الباء في قوله: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا.

و الأوّل أحسنهما عندنا،يعني حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا بالألف غير مضاف إلى المتكلّم،لأنّ حَقِيقٌ عَلى معناها الباء،أي حقيق بذا.و ليس ذلك بالمقيس لو قلت:ذهبت على زيد،و أنت تريد بزيد،لم يجز،و جاز في(علىّ)لأنّ القراءة قد وردت به.(2:255)

الماورديّ: واجب،مأخوذ من وجوب الحقّ.

ص: 40

و في قوله: إِلاَّ الْحَقَّ وجهان:أحدهما:إلاّ الصّدق،و الثّاني:إلاّ ما فرضه اللّه عليّ من الرّسالة.

(2:245)

الطّوسيّ: [نقل كلام الفارسيّ و الفرّاء ثمّ قال:] قوله:(الاّ الحقّ)نصب بأنّه مفعول القول على غير الحكاية،بل على معنى التّرجمة عن المعنيّ دون حكاية اللّفظ.(4:521)

الزّمخشريّ: فيه أربع (1)قراءات،المشهورة:

(و حقيق علىّ ان لا اقول)و هي قراءة نافع، (و حقيق ان لا اقول) و هي قراءة عبد اللّه، (و حقيق بان لا اقول) و هي قراءة أبيّ.

و في المشهورة إشكال و لا تخلو من وجوه:

أحدها:أن تكون ممّا يقلب من الكلام لأمن الإلباس،كقوله:

*و تشقى الرّماح بالضّياطرة الحمر*

و معناه:و تشقى الضّياطرة بالرّماح،و (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) و هي قراءة نافع.

و الثّاني:أنّ ما لزمك فقد لزمته،فلمّا كان قول الحقّ حقيقا عليه كان هو حقيقا على قول الحقّ،أي لازما له.

و الثّالث:أن يضمّن(حقيق)معنى حريص،كما ضمّن«هيّجني»معنى ذكّرني في بيت الكتاب.

و الرّابع:و هو الأوجه الأدخل في نكت القرآن أن يغرق موسى في وصف نفسه بالصّدق في ذلك المقام، لا سيّما و قد روي أنّ عدوّ اللّه فرعون،قال له لمّا قال:

إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ: كذبت،فيقول:أنا حقيق على قول الحقّ،أي واجب عليّ قول الحقّ أن أكون أنا قائله و القائم به،و لا يرضى إلاّ بمثلي ناطقا به.

(2:100)

نحوه أبو السّعود.(3:14)

ابن عطيّة: [نقل قول الفارسيّ و أضاف:]

هذا معناه جدير و خليق و...و قال قوم:(حقيق) صفة ل«رسول»تمّ عندها الكلام.[إلى أن قال:]

و هذه المخاطبة إذا تأمّلت غاية في التّلطّف و نهاية في القول اللّيّن الّذي أمر عليه السّلام به.(2:435)

الفخر الرّازيّ: [ذكر حجّة نافع في القراءة و أضاف:]

و أمّا قراءة العامّة (حقيق على...) بسكون الياء، ففيه وجوه:

الأوّل:[نحو الطّبريّ و الفارسيّ]

الثّاني:أنّ(الحقّ)هو الثّابت الدّائم،و«الحقيق» مبالغة فيه،و كان المعنى:أنا ثابت مستمرّ على أن لا أقول إلاّ الحقّ.

الثّالث:«الحقيق»هاهنا بمعنى المحقوق،و هو من قولك:حققت الرّجل،إذا ما تحقّقته و عرفته على يقين، و لفظة(على)هاهنا هي الّتي تقرن بالأوصاف اللاّزمة الأصليّة،كقوله تعالى: فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها الرّوم:30،و تقول:جاءني فلان على هيئته و عادته،و عرفته و تحقّقته على كذا و كذا من الصّفات،ل)

ص: 41


1- و قد ذكر ثلاث قراءات،و الرّابعة ما في القرآن:(و حقيق على ان لا أقول)

فمعنى الآية:أنّي لم أعرف و لم أتحقّق إلاّ على قول الحقّ.

و اللّه أعلم.(14:191)

نحوه القرطبيّ.(7:256)

البيضاويّ: لعلّه جواب لتكذيبه إيّاه في دعوى الرّسالة،و إنّما لم يذكره لدلالة قوله: فَظَلَمُوا بِها الأعراف:103،عليه...[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ]

(1:361)

نحوه الشّربينيّ.(1:498)

و في هذه الآية خلاف كثير حول كلمة(على) فراجع.

حقّ

1- ...قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ... المائدة:116

ابن عبّاس: بجائز.(104)

الماورديّ: أي أدّعي لنفسي ما ليس من شأنها، يعني أنّني مربوب و لست بربّ،و عابد و لست بمعبود.

(2:87)

القشيريّ: أي إنّي إن كنت مخصوصا من قبلك بالرّسالة-و شرط النّبوّة العصمة-فكيف يجوز أن أفعل ما لا يجوز لي؟.(2:152)

الواحديّ: أي لست أستحقّ العبادة فأدعو النّاس إليها.(2:247)

الزّمخشريّ: ما ينبغي أن أقول قولا لا يحقّ لي أن أقوله.(1:655)

نحوه النّسفيّ(1:310)،و النّيسابوريّ(7:56)، و البروسويّ(2:466).

الطّبرسيّ: أي لا يجوز لي أن أقول لنفسي ما لا يحقّ لي فآمر النّاس بعبادتي و أنا عبد مثلهم،و إنّما تحقّ العبادة لك لقدرتك على أصول النّعم.(2:269)

أبو حيّان :و(حقّ)بمعنى مستحقّ،أي ما ليس مستحقّا.و أجاز بعضهم أن يكون الكلام قد تمّ عند قوله: ما لَيْسَ لِي و جعل(بحقّ)متعلّقا ب(علمته) الّذي هو جواب الشّرط،و ردّ ذلك بادّعاء التّقديم و التّأخير فيما ظاهره خلاف ذلك،و لا يصار إلى التّقديم و التّأخير إلاّ لمعنى يقتضي ذلك أو بتوقيف،أو فيما لا يمكن فيه إلاّ ذلك.

انتهى ذلك القول و ردّه،و يمتنع أن يتعلّق ب(علمته)،لأنّه لا يتقدّم على الشّرط شيء من معمولات فعل الشّرط،و لا من معمولات جوابه، و وقف نافع و غيره من القرّاء على قوله:(بحقّ)،و روي ذلك عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(4:59)

أبو السّعود :استئناف مقرّر للتّنزيه و مبيّن للمنزّه منه،و(ما)عبارة عن القول المذكور،أي ما يستقيم و ما ينبغي لي أن أقول قولا لا يحقّ لي أن أقوله.و إيثار(ليس) على الفعل المنفيّ،لظهور دلالته على استمرار انتفاء الحقّيّة،و إفادة التّأكيد بما في حيّزه من الباء،فإنّ اسمه ضميره العائد إلى(ما)،و خبره(بحقّ)،و الجارّ و المجرور فيما بينهما للتّبيين،كما في:«سقيا لك»أو نحوه.(2:344)

نحوه الآلوسيّ.(7:66)

ص: 42

ابن عاشور: و الباء في قوله:(بحقّ)زائدة في خبر (ليس)لتأكيد النّفي الّذي دلّت عليه(ليس)،و اللاّم في قوله: لَيْسَ لِي بِحَقٍّ متعلّقة بلفظ(حقّ)على رأي المحقّقين من النّحاة،أنّه يجوز تقديم المتعلّق على متعلّقه المجرور بحرف الجرّ.و قدّم الجارّ و المجرور للتّنصيص على أنّه ظرف لغو متعلّق ب(حقّ)لئلاّ يتوهّم أنّه ظرف مستقرّ صفة ل(حقّ)حتّى يفهم منه أنّه نفى كون ذلك حقّا له،و لكنّه حقّ لغيره الّذين قالوه و كفروا به، و للمبادرة بما يدلّ على تنصّله من ذلك بأنّه ليس له.

و قد أفاد الكلام تأكيد كون ذلك ليس حقّا له بطريق المذهب الكلاميّ،لأنّه نفى أن يباح له أن يقول:

ما لا يحقّ له،فعلم أنّ ذلك ليس حقّا له،و أنّه لم يقله لأجل كونه كذلك.فهذا تأكيد في غاية البلاغة و التّفنّن.(5:271)

الطّباطبائيّ: بدأ بتسبيحه تعالى...[جوابا لما سئل عنه في الآية]

ثمّ عاد إلى نفي ما استفهم عن انتسابه إليه،و هو أن يكون قد قال للنّاس: اِتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ، و لم ينفه بنفسه بل بنفي سببه مبالغة في التّنزيه.

فلو قال:«لم أقل ذلك أو لم أفعل»لكان فيه إيماء إلى إمكان وقوعه منه لكنّه لم يفعل،لكن إذا نفاه بنفي سببه، فقال: ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ كان ذلك نفيا لما يتوقّف عليه ذلك القول،و هو أن يكون له أن يقول ذلك حقّا،فنفي هذا الحقّ نفي ما يتفرّع عليه بنحو أبلغ.

نظير ما إذا قال المولى لعبده:لم فعلت ما لم آمرك أن تفعله؟فإن أجاب العبد بقوله:«لم أفعل»كان نفيا لما هو في مظنّة الوقوع،و إن قال:«أنا أعجز من ذلك»كان نفيا بنفي السّبب و هو القدرة،و إنكارا لأصل إمكانه،فضلا عن الوقوع.

و قوله: ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إن كان لفظ يَكُونُ ناقصة فاسمها قوله: أَنْ أَقُولَ، و خبرها قوله:(لى)و اللاّم للملك،و المعنى:ما أملك ما لم أملكه،و ليس من حقّي القول بغير حقّ.و إن كانت تامّة فلفظ(لى)متعلّق بها،و قوله: أَنْ أَقُولَ، إلخ فاعلها، و المعنى:ما يقع لي القول بغير حقّ.و الأوّل من الوجهين أقرب،و على أيّ حال يفيد الكلام نفي الفعل بنفي سببه.

(6:246)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو الثّبوت مع مطابقة الواقع،فهذا القيد مأخوذ في مفهومها في جميع المصاديق.[ثمّ ذكر بعض الآيات و قال:]

فاستعمل«الحقّ»في هذه الآيات الكريمة في مقابل الباطل و الضّلال،و الباطل ما ليس له ثبوت،و الضّلال ما خرج و انحرف عن ما هو عليه.

و الحقّ قد يتّصف بأمور: (1)

نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ البقرة:176، إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ آل عمران:62، ...وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ آل عمران:86، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِر:

ص: 43


1- و الصّحيح قد يتّصف به أمور:

مَوْلاهُمُ الْحَقِّ الأنعام:62، وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ الأنعام:73، وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ الأعراف:8، وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ التّوبة:29، فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ يونس:32، أَلا إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ يونس:55، لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ يونس:94، فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا يونس:76، وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ هود:

120، لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ الرّعد:14، اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ الفرقان:26، وَ اللّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ المؤمن:20، وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ محمّد:3، وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ المعارج:24، وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ الإسراء:26.

فإذا كان اللّه تعالى حقّا و كذلك قوله:و ما آتيه،و ما من عنده،و ما يقضي به،و يحكم،و ما يدعو إليه،و ما أنزله،و ما أرسله،فكيف يجوز للفرد العاقل أن يميل عنها و يسلك مسالك غيرها،مع العلم بضلالها و بطلانها و بعدها عن الحقيقة و الواقعيّة.

ثمّ إنّ الاستعمال بحرف الباء في: إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ البقرة:119، نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ البقرة:176، تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ البقرة:252، يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ النّساء:170، وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ الأنعام:151، وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ الأنعام:73، رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ الأعراف:89، وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ الأعراف:181،إشارة إلى أنّ الإرسال و التّنزيل و التّلاوة و الخلق و الفتح و الهداية كلّها من قبيل الفعل و التّأثير،و الفعل من الأعراض لا تحقّق و لا ثبوت له إلاّ في موضوع،و المعنى إنّا أرسلناك على منهاج و برنامج صحيح حقّ،و كذلك سائر الآيات.

و أمّا التّعبير بالباء دون«على»،فإنّ الإرسال ليس على طبق الحقّ و صورته بل بالحقّ و بمنهاج حقّ،و هذا أبلغ.(2:283)

مكارم الشّيرازيّ: أي ما لا يحقّ لي قوله و لا يليق بي أن أقوله.

فهو في الحقيقة لا ينفي هذا القول عن نفسه فحسب، بل ينفي أن يكون له حقّ في مثل هذا القول الّذي لا ينسجم مع مقامه و مركزه.(4:183)

فضل اللّه :إنّ الإنسان الّذي يحترم نفسه هو الّذي يقف في حديثه عنها عند حدودها الذّاتيّة في ما تملكه من طاقات،و في ما تتّصف به من صفات،و لا يتعدّى ذلك إلى الدّرجات الّتي لم يبلغها،أو المواقع الّتي لا يملكها،كما يفعل الإنسان الجاهل الّذي لا يعرف قدر نفسه،أو الّذي يقول عن نفسه ما ليس له بحقّ في ما يعرفه من حدود نفسه،و لست-يا ربّ-في هذا الموقع،فإنّي عبدك و رسولك الّذي يعرف كيف يعيش العبوديّة لك،و كيف يحسّ بالانسحاق أمام ألوهيّتك،في كلّ مالك من الحقّ، و في ما عليّ من الحقّ.

و ما ذا بعد ذلك؟لما ذا أقف يا ربّ موقف الدّفاع عن نفسي؟إنّه موقف الّذي يحتاج في إثبات براءته إلى بيّنة،

ص: 44

و ليس موقفي هو هذا،لأنّني أقف أمامك أنت اللّه الّذي إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ. (8:404)

2- وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. يونس:53

ابن عبّاس: أَ حَقٌّ هُوَ يعني العذاب و القرآن.

إِنَّهُ لَحَقٌّ صدق كائن،يعني العذاب.(175)

الكلبيّ: أَ حَقٌّ هُوَ البعث.

(الماورديّ 3:438)

مقاتل:يعني العذاب الّذي تعدنا به.و يقال:

القرآن الّذي أنزل إليك أحقّ هو؟(لحقّ)يعني لكائن.

(2:241)

الطّبريّ: و يستخبرك هؤلاء المشركون من قومك يا محمّد،فيقولون لك:أحقّ ما تقول،و ما تعدنا به من عذاب اللّه في الدّار الآخرة،جزاء على ما كنّا نكسب من معاصي اللّه في الدّنيا؟قل لهم يا محمّد:إي و ربّي إنّه لحقّ، لا شكّ فيه.(11:122)

نحوه الثّعلبيّ.(5:134)

الجبّائيّ: (احقّ)ما تعدنا من البعث و القيامة و العذاب.(الطّبرسيّ 3:116)

الماورديّ: أَ حَقٌّ هُوَ، فيه وجهان:

أحدهما:[قول الكلبيّ و قد تقدّم]

الثّاني:العذاب في الآخرة.

قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ فأقسم مع إخباره أنّه حقّ،تأكيدا.(2:438)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:38)

الطّوسيّ: يعني هذا الوعيد الّذي ذكره اللّه في هذه الآية الأولى،فقال اللّه لنبيّه:(قل اى و ربّى)أي نعم و حقّ اللّه(انّه لحقّ).و الحقّ في الدّين ما شهدت به الأدلّة الموجبة للعلم،أو اقتضاه غالب الظّنّ فيما طريقه الظّنّ.

(5:450)

الميبديّ: (احقّ)ما أخبرتنا به من العذاب و البعث.

و قال مقاتل:لمّا جاء حيي ابن أخطب إلى مكّة، قال:يا محمّد أحقّ ما تقول أم باطل؟أبا لجدّ منك هذا أم أنت هازل؟و هذا جوابه(قل)يا محمّد: (إِي وَ رَبِّي) .

و قال في موضع آخر: قُلْ بَلى وَ رَبِّي سبأ:3،و قال في موضع آخر: قُلْ نَعَمْ الصّافّات:18،و معنى هذه الألفاظ الثّلاثة(انه لحق)أي إنّ ذلك لحقّ كائن لا محالة.

(4:299)

الزّمخشريّ: و هو استفهام على جهة الإنكار و الاستهزاء.

و قرأ الأعمش) (آلحقّ هو) و هو أدخل في الاستهزاء لتضمّنه معنى التّعريض بأنّه باطل؛و ذلك أنّ اللاّم للجنس،فكأنّه قيل:أ هو الحقّ لا الباطل،أو هو الّذي سمّيتموه الحقّ،و الضّمير للعذاب الموعود.(2:241)

ابن عطيّة: قيل:الإشارة إلى الشّرع و القرآن، و قيل:إلى الوعيد،و هو الأظهر.(3:125)

الطّبرسيّ: أي أحقّ ما جئت به من القرآن و النّبوّة و الشّريعة؟...(قل)يا محمد (إِي وَ رَبِّي) أي نعم و حقّ

ص: 45

اللّه(انه لحق)لا شكّ فيه.(3:116)

الفخر الرّازيّ: و اختلفوا في الضّمير في قوله:

أَ حَقٌّ هُوَ؛ قيل:أحقّ ما جئتنا به من القرآن و النّبوّة و الشّرائع.

و قيل:ما تعدنا من البعث و القيامة.

و قيل:ما تعدنا من نزول العذاب علينا في الدّنيا.

ثمّ إنّه تعالى أمره أن يجيبهم بقوله: قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ و الفائدة فيه أمور:

أحدها:أن يستميلهم و يتكلّم معهم بالكلام المعتاد، و من الظّاهر أنّ من أخبر عن شيء،و أكّده بالقسم فقد أخرجه عن الهزل،و أدخله في باب الجدّ.

و ثانيها:أنّ النّاس طبقات،فمنهم من لا يقرّ بالشّيء إلاّ بالبرهان الحقيقيّ،و منهم من لا ينتفع بالبرهان الحقيقيّ،بل ينتفع بالأشياء الإقناعيّة،نحو القسم،فإنّ الأعرابيّ الّذي جاء الرّسول عليه السّلام،و سأل عن نبوّته و رسالته اكتفى في تحقيق تلك الدّعوى بالقسم،فكذا هاهنا.(17:111)

نحوه الشّربينيّ.(2:24)

البيضاويّ: [ذكر سؤال حيي بن أخطب للنّبيّ و أضاف:]

قُلْ إِي وَ رَبِّي... إنّ العذاب لكائن أو ما أدّعيه لثابت.و قيل:كلا الضّميرين للقرآن.(1:450)

القرطبيّ: (احقّ)ابتداء(هو)سدّ مسدّ الخبر، و هذا قول سيبويه.و يجوز أن يكون(هو)مبتدأ، و(احقّ)خبره.

قُلْ إِي (إي)كلمة تحقيق و إيجاب و تأكيد بمعنى:نعم.

(و ربّى)قسم إِنَّهُ لَحَقٌّ جوابه،أي كائن لا شكّ فيه.(8:351)

أبو حيّان :و ارتفع(هو)على أنّه مبتدأ و(حقّ) خبره.و أجاز الحوفيّ و أبو البقاء أن يكون(حقّ)مبتدأ و(هو)فاعل به سدّ مسدّ الخبر،و(حقّ)ليس اسم فاعل و لا مفعول و إنّما هو مصدر في الأصل،و لا يبعد أن يرفع لأنّه بمعنى ثابت.(5:168)

أبو السّعود :(احقّ)خبر قدّم على المبتدإ الّذي هو الضّمير للاهتمام به،و يؤيّده قوله تعالى: إِنَّهُ لَحَقٌّ، أو مبتدأ و الضّمير مرتفع به سادّ مسدّ الخبر،و الجملة في موقع النّصب ب يَسْتَنْبِئُونَكَ.

و قرئ (أ الحقّ هو) تعريضا بأنّه باطل،كأنّه قيل:

أ هو الحقّ لا الباطل؟أو أ هو الّذي سمّيتموه الحقّ؟...

(لحقّ)لثابت البتّة،أكّد الجواب بأتمّ وجوه التّأكيد حسب شدّة إنكارهم و قوّته،و قد زيد تقريرا و تحقيقا بقوله عزّ اسمه: وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. (3:250)

نحوه ملخّصا البروسويّ.(4:52)

القاسميّ: أي الوعد بعذاب الخلد،أو إدّعاء النّبوّة أو القرآن.(9:3359)

الطّباطبائيّ: يَسْتَنْبِئُونَكَ أي يستخبرونك، و قوله: أَ حَقٌّ هُوَ بيان له،و الضّمير على ما يفيده السّياق راجع إلى القضاء أو العذاب،و المآل واحد،و قد أمر سبحانه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يؤكّد القول في إثباته من جميع

ص: 46

جهاته،و بعبارة أخرى أن يجيبهم بوجود المقتضي و عدم المانع. قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ إثبات لتحقّقه و قد أكّد الكلام بالقسم و الجملة الاسميّة و(انّ)و اللاّم.(10:75)

مكارم الشّيرازيّ: لقد كان البحث في الآيات السّابقة عن جزاء و عقاب و عذاب المجرمين في هذه الدّنيا و العالم الآخر،و تكمّل هذه الآيات هذا البحث أيضا.

فالآية الأولى تقول:إنّ هؤلاء يسألونك بتعجّب و استفهام عن حقيقة هذا الوعيد بالعذاب الإلهيّ،في هذا العالم و العالم الآخر وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ. و من الطّبيعيّ أنّ الحقّ هنا ليس في مقابل الباطل،بل المراد منه هو هل إنّ لهذه العقوبة حقيقة و واقعا و أنّها ستتحقّق؟ لأنّ الحقّ و التّحقّق مشتقّان من مادّة واحدة،و من البديهيّ أنّ الحقّ في مقابل الباطل إذا ما فسّر بمعناه الواسع،فإنّه سيشمل كلّ واقع موجود،و سيكون نقطة كلّ ما قابلها معدوم و باطل.

و يأمر اللّه سبحانه نبيّه أن يجيبهم على هذا السّؤال بما أوتي من التّأكيد قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ و إذا ظننتم أنّكم تستطيعون أن تفلتوا من قبضة العقاب الإلهيّ فقد وقعتم في اشتباه كبير: وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.

(6:349)

3- قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ. هود:79

ابن عبّاس: من حاجة.(189)

نحوه الشّربينيّ(2:71)،و الكلبيّ(الماورديّ 2:

489).

ابن إسحاق :ليس لنا بأزواج.

(الماورديّ 2:489)

نحوه الطّبريّ(12:86)،و الجبّائيّ(الطّوسيّ 6:

41).

الطّوسيّ: و قيل في معناه قولان:

الأوّل:[قول ابن إسحاق و قد تقدّم آنفا]

و الآخر:إنّنا ليس لنا في بناتك من حاجة،فجعلوا تناول ما ليس لهم فيه حاجة بمنزلة من لا حقّ لهم فيه.

فمن قال بالأوّل ردّه على ظاهر اللّفظ،و من قال بالثّاني حمله على المعنى.(6:41)

البغويّ: أي لسن أزواجا لنا فنستحقّهنّ بالنّكاح.

و قيل:معناه ما لنا فيهنّ من حاجة و شهوة.(2:459)

الزّمخشريّ: لأنّك لا ترى مناكحتنا،و ما هو إلاّ عرض سابريّ. (1)

و قيل:لمّا اتّخذوا إتيان الذّكران مذهبا و دينا لتواطئهم عليه،كان عندهم أنّه هو الحقّ،و أنّ نكاح الإناث من الباطل،فلذلك قالوا:ما لنا في بناتك من حقّ قطّ،لأنّ نكاح الإناث أمر خارج من مذهبنا الّذي نحن عليه.و يجوز أن يقولوه على وجه الخلاعة،و الغرض نفي الشّهوة.(2:283)ه.

ص: 47


1- مثل:يقوله من يعرض عليه الشّيء عرضا لا يبالغ فيه.

ابن عطيّة:روي أنّ قوم لوط كانوا قد خطبوا بنات لوط فردّهم،و كانت سنّتهم أنّ من ردّ في خطبة امرأة لم تحلّ له أبدا،فلذلك قالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ.

و بعد أن تكون هذه المخاطبة،فوجه الكلام:إنّا ليس لنا إلى بناتك تعلّق،و لا هنّ قصدنا،و لا لنا عادة نطلبها في ذلك.(3:195)

نحوه القرطبيّ.(9:79)

الطّبرسيّ: هذا جواب قوم لوط حين عرض عليهم بناته و دعاهم إلى النّكاح المباح،أي ما لنا في بناتك من حاجة،لأنّ ما لا يكون للإنسان فيه حاجة فإنّه يرغب عنه،كما يرغب عمّا لا حقّ له فيه،فلذلك قالوا: مِنْ حَقٍّ.

و قيل:معناه ما لنا فيهنّ من حقّ،لأنّا لا نتزوّجهنّ.

و كانوا يقرّون بأنّ من لم يتزوّج بامرأة فإنّه لا حقّ له فيها،عن الجبّائيّ و ابن إسحاق.فالقول الأوّل محمول على المعنى،و القول الثّاني على ظاهر اللّفظ.(3:184)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

الأوّل:ما لنا في بناتك من حاجة و لا شهوة، و التّقدير:أنّ من احتاج إلى شيء فكأنّه حصل له فيه نوع حقّ،فلهذا السّبب جعل نفي الحقّ كناية عن نفي الحاجة.

الثّاني:أن نجري اللّفظ على ظاهره،فنقول:معناه إنّهنّ لسن لنا بأزواج،و لا حقّ لنا فيهنّ البتّة،و لا يميل أيضا طبعنا إليهنّ،فكيف قيامهنّ مقام العمل الّذي نريده،و هو إشارة إلى العمل الخبيث.

الثّالث: ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ لأنّك دعوتنا إلى نكاحهنّ بشرط الإيمان،و نحن لا نجيبك إلى ذلك،فلا يكون لنا فيهنّ حقّ.(18:34)

نحوه النّيسابوريّ.(12:48)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ معنى مِنْ حَقٍّ: من نصيب،و لا من غرض و لا من شهوة.قالوا له ذلك على وجه الخلاعة.

و قيل:لمّا اتّخذوا إتيان الذّكران مذهبا،كان عندهم أنّه هو الحقّ و إنّ نكاح الإناث من الباطل.

و قيل:لأنّ عادتهم كانت أن لا يتزوّج الرّجل منهم إلاّ واحدة،و كانوا كلّهم متزوّجين.(5:247)

البروسويّ: من حاجة،أي لا رغبة لنا فيهنّ،فلا ننكحهنّ.و مقصودهم أنّ نكاح الإناث ليس من عادتنا و مذهبنا،و لذا قالوا:(علمت)فإنّ لوطا كان يعلم ذلك و لا يعلم عدم رغبتهم في بناته بخصوصهنّ.(4:168)

الآلوسيّ: أي حقّ،و هو واحد الحقوق،و عنوا به قضاء الشّهوة،أي ما لنا حاجة في بناتك.و قد يفسّر بما يخالف الباطل،أي ما لنا في بناتك نكاح حقّ،لأنّك لا ترى جواز نكاحنا للمسلمات،و ما هو إلاّ عرض سابريّ،كذا قيل.و هو ظاهر في أنّه كان من شريعته عليه السّلام عدم حلّ الكافر المسلمة.[ثمّ أدام نحو ابن عطيّة و أبي حيّان].(12:107)

الطّباطبائيّ: هذا جواب القوم عمّا دعاهم إليه لوط من النّكاح المباح،أجابوا بنفي أن يكون لهم في بناته

ص: 48

من حقّ،و أنّه يعلم ذلك،و يعلم ما هو بغيتهم في هذا الهجوم،و ما ذا يريدون.

و قد قيل في معنى نفيهم الحقّ:إنّ معناه ما لنا في بناتك من حاجة و ما ليس للإنسان فيه حاجة،فكأنّه لا حقّ له فيه،ففي الكلام نوع استعارة.

و قيل:إنّ المراد ليس لنا في بناتك من حقّ لأنّا لا نتزوّجهنّ،و من لم يتزوّج بامرأة فلا حقّ له فيها، فالمراد بنفي الحقّ نفي سببه،و هو الازدواج.

و قيل:المراد ب«الحقّ»هو الحظّ و النّصيب دون الحقّ الشّرعيّ أو العرفيّ،أي لا رغبة لنا فيهنّ لأنّهنّ نساء،و لا ميل لنا إليهنّ.

و الّذي يجب الالتفات إليه أنّهم لم يقولوا:«ما لنا فى بناتك من حقّ»بل قالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ فلم يجيبوا عنه بذلك بل بعلمه بذلك.و بين القولين فرق،فالظّاهر أنّهم ذكّروه بما كان يعلم من السّنّة القوميّة الجارية بينهم،و هو المنع من التّعرّض لنساء النّاس،و خاصّة بالقهر و الغلبة،أو ترك إتيان النّساء بالمرّة،و استباحة التّعرّض للغلمان و قضاء الوطر منهم.

و قد كان لوط يردعهم عن سنّتهم ذلك؛إذ يقول لهم: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ الأعراف:81، أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ... الشّعراء:166، أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ... العنكبوت:29،و لا شكّ أنّ السّنّة القوميّة الجارية على فعل شيء يثبت حقّا فيه، و الجارية على تركه ينفي الحقّ.

و بالجملة هم يلفتون نظره عليه السّلام إلى ما يعلم من انتفاء حقّهم عن بناته بما هنّ نساء بحسب السّنّة القوميّة،و ما يعلم من إرادتهم في الهجوم على داره هذا.و لعلّ هذا أحسن الوجوه.(10:340)

عبد الكريم الخطيب :أي إنّك لم تعرض علينا أمرا جديدا لتصرفنا عمّا نطلب،فأنت تعلم ما لنا في بناتك،و أنّنا نملك التّزوّج بهنّ من غير اعتراض، فالتّزوّج بالنّساء أمر متّفق عليه بيننا و بينك،كما هو متّفق عليه بين النّاس جميعا.و لكن ما ذا عندك لنا في هذا الّذي نطلبه من الضّيوف؟ وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ فهل في بناتك أو بنات غيرك ما يحقّق لنا هذا الّذي نريده؟

(6:1180)

فضل اللّه :لأنّنا لا نرى لنا فيهنّ حقّا،و نظرا لعدم رغبتنا بالنّساء،كما لغيرنا من النّاس الّذين يجدون فيهنّ موضوعا لإشباع حاجاتهم،و يلتمسون الوسائل المشروعة للحصول عليه،لأنّ ما يجعل من الشّيء حقّا لأحد لدى نفسه،رغبته الذّاتيّة فيه،و رغبة المجتمع في تحقيق وصوله،و هذا ما لا يتيسّر في مجتمع قوم لوط الّذين كانوا يأتون الرّجال شهوة،من دون النّساء.

(12:104)

4- إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ. ص:64

ابن عبّاس: صدق.(384)

الطّبريّ: إنّ هذا الّذي أخبرتكم أيّها النّاس،من الخبر عن تراجع أهل النّار،و لعن بعضهم بعضا،و دعاء بعضهم على بعض في النّار،لحقّ يقين،فلا تشكّوا في

ص: 49

ذلك،و لكن استيقنوه تخاصم أهل النّار.و قوله:

(تخاصم)ردّ على قوله:(لحقّ).و معنى الكلام:إنّ تخاصم أهل النّار الّذي أخبرتكم به لحقّ.(23:182)

الزّجّاج: أي إنّ وصفنا الّذي وصفناه عنهم لحقّ، ثمّ بيّن ما هو فقال:هو تخاصم أهل النّار،و هذا كلّه على معنى إذا كان يوم القيامة قال أهل النّار كذا،و كذلك كلّ شيء في القرآن ممّا يحكي عن أهل الجنّة و النّار.

(4:340)

الثّعلبيّ: مجاز الآية:إنّ تخاصم أهل النّار في النّار لحقّ.(8:215)

نحوه القشيريّ(5:261)،و البغويّ(4:76)، و الميبديّ(8:359)،و القرطبيّ(15:225).

الطّوسيّ: أي كائن لا محالة.(8:578)

مثله الطّبرسيّ.(4:484)

الزّمخشريّ: أي الّذي حكينا عنهم(لحقّ)لا بدّ أن يتكلّموا به،ثمّ بيّن ما هو،فقال هو: تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ. (3:380)

مثله الفخر الرّازيّ(26:223)،و البيضاوي(2:

314)،و نحوه الآلوسيّ(23:219).

أبو حيّان :أي ثابت واقع لا بدّ أن يجري بينهم.

(7:407)

نحوه القاسميّ.(14:5117)

الشّربينيّ: أي واجب وقوعه،فلا بدّ أن يتكلّموا به.(3:425)

أبو السّعود :لا بدّ من وقوعه البتّة.(5:369)

مثله البروسويّ.(8:54)

الطّباطبائيّ: إشارة إلى ما حكي من تخاصمهم، و بيان أنّ تخاصم أهل النّار ثابت واقع لا ريب فيه،و هو ظهور ما استقرّ في نفوسهم في الدّنيا من ملكة التّنازع و التّشاجر.(17:220)

عبد الكريم الخطيب :أي إنّ هذا التّخاصم و التّلاحي بين أهل النّار،هو حقّ واقع،فمن كذّب فلينتظر،و سيرى.(12:1106)

5- إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ. الواقعة:95

ابن عبّاس: حقّا يقينا كائنا.(456)

مجاهد :الخبر اليقين.(الطّبريّ 27:214)

قتادة :إنّ اللّه تعالى ليس تاركا أحدا من خلقه حتّى يوقفه على اليقين من هذا القرآن،فأمّا المؤمن فأيقن في الدّنيا،فنفعه ذلك يوم القيامة،و أمّا الكافر،فأيقن يوم القيامة،حين لا ينفعه.(الطّبريّ 27:214)

الطّبريّ: و اختلف أهل العربيّة في وجه إضافة الحقّ إلى اليقين،و الحقّ يقين،فقال بعض نحويّي البصرة،قال: حَقُّ الْيَقِينِ، فأضاف الحقّ إلى اليقين، كما قال: ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ البيّنة:5،أي ذلك دين الملّة القيّمة؛و ذلك حقّ الأمر اليقين.قال:و أمّا هذا رجل السّوء،فلا يكون فيه هذا الرّجل السّوء،كما يكون في الحقّ اليقين،لأنّ السّوء ليس بالرّجل،و اليقين هو الحقّ.

و قال بعض أهل الكوفة:اليقين نعت للحقّ،كأنّه

ص: 50

قال:الحقّ اليقين،و الدّين القيّم،فقد جاء مثله في كثير من الكلام و القرآن وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109، وَ الدّارُ الْآخِرَةُ الأعراف:169،فإذا أضيف توهّم به غير الأوّل.(27:214)

الزّجّاج: أي إنّ هذا الّذي قصصنا عليك في هذه السّورة من الأقاصيص،و ما أعدّ اللّه لأوليائه و أعدائه، و ما ذكر،ممّا يدلّ على وحدانيّته ليقين حقّ اليقين،كما تقول:«إنّ زيدا لعالم حقّ عالم،و إنّه للعالم حقّ العالم»إذا بالغت في التّوكيد.(5:118)

الطّوسيّ: أي هذا الّذي أخبرتك به هو الحقّ الّذي لا شكّ فيه،بل هو اليقين الّذي لا شبهة فيه.و حَقُّ الْيَقِينِ إنّما جاز إضافته إلى نفسه،لأنّها إضافة لفظيّة جعلت بدلا من الصّفة،لأنّ المعنى إنّ هذا لهو حقّ اليقين،كما قيل:هذا نفس الحائط،بمعنى النّفس الحائط، و جاز ذلك للإيجاز مع مناسبة الإضافة للصّفة.و أمّا قولهم:«رجل سوء»فكقولك:«رجل سوء و فساد».

و قيل:معنى حَقُّ الْيَقِينِ: حقّ الأمر اليقين.

(9:515)

القشيريّ: هذا هو الحقّ اليقين الّذي لا محالة حاصل.(6:97)

البغويّ: أي الحقّ اليقين،أضافه إلى نفسه.

(5:23)

الميبديّ: أي هو يقين حقّ اليقين،أي الخبر الّذي لا شكّ فيه،أضاف إلى نفسه كيوم القيامة و مسجد الجامع.

و قيل:التّقدير:حقّ الأمر اليقين،و اليقين علم يحصل به ثلج الصّدر،و يسمّى برد اليقين.و قيل:هو علم يحصل بالدّليل.(9:468)

ابن عطيّة: أكّد تعالى الإخبار بأن قال لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم مخاطبة تدخل معه أمّته فيها:إنّ هذا الّذي أخبرنا به لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ.

و إضافة(الحقّ)إلى(اليقين)عبارة فيها مبالغة، لأنّهما بمعنى واحد،فذهب بعض النّاس إلى أنّه من باب:

دار الآخرة،و مسجد الجامع.و ذهبت فرقة من الحذّاق إلى أنّه كما تقول في أمر تؤكّده:هذا يقين اليقين أو صواب الصّواب،بمعنى أنّه نهاية الصّواب.

و هذا أحسن ما قيل فيه،و ذلك لأنّ دار الآخرة و ما أشبهها يحتمل أن تقدّر شيئا أضفت الدّار إليه و وصفته بالآخرة،ثمّ حذفت و أقمت الصّفة مقامه،كأنّك قلت:

دار الرّجعة أو النّشأة أو الخلقة،و هنا لا يتّجه هذا،و إنّما هي عبارة مبالغة و تأكيد،معناه أنّ هذا الخبر هو نفس اليقين و حقيقته.(5:254)

نحوه ابن عاشور.(27:319)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

الأولى:(هذا)إشارة إلى ما ذا؟نقول فيه وجوه:

أحدها:القرآن.

ثانيها:ما ذكره في السّورة.

ثالثها:جزاء الأزواج الثّلاثة.

الثّانية:كيف أضاف(الحقّ)إلى(اليقين)مع أنّهما بمعنى واحد؟نقول:فيه وجوه:

ص: 51

أحدها:هذه الإضافة،كما أضاف الجانب إلى الغربيّ في قوله: وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ القصص:44، و أضاف الدّار إلى الآخرة في قوله: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109،غير أنّ المقدّر هنا غير ظاهر،فإنّ شرط ذلك أن يكون بحيث يوصف باليقين،و يضاف إليه الحقّ،و ما يوصف باليقين بعد إضافة الحقّ إليه.

و ثانيها:أنّه من الإضافة الّتي بمعنى«من»كما يقال:

باب من ساج و باب ساج.و خاتم من فضّة و خاتم فضّة، فكأنّه قال:لهو الحقّ من اليقين.

ثالثها:و هو أقرب منها ما ذكره ابن عطيّة:أنّ ذلك نوع تأكيد،يقال:هذا من حقّ الحقّ،و صواب الصّواب، أي غايته و نهايته الّتي لا وصول فوقه.و الّذي وقع في تقرير هذا أنّ الإنسان أظهر ما عنده الأنوار المدركة بالحسّ،و تلك الأنوار أكثرها مشوبة بغيرها،فإذا وصل الطّالب إلى أوّله يقول:وجدت أمر كذا،ثمّ إنّه مع صحّة إطلاق اللّفظ عليه لا يتميّز عن غيره،فيتوسّط الطّالب و يأخذ مطلوبه من وسطه.

مثاله:من يطلب الماء،ثمّ يصل إلى بركة عظيمة، فإذا أخذ من طرفه شيئا يقول:هو ماء،و ربّما يقول قائل آخر:هذا ليس بماء،و إنّما هو طين،و أمّا الماء ما أخذته من وسط البركة،فالّذي في طرف البركة ماء بالنّسبة إلى أجسام أخرى،ثمّ إذا نسب إلى الماء الصّافي ربّما يقال له:

شيء آخر،فإذا قال:هذا هو الماء حقّا،يكون قد أكّد، و له أن يقول:حقّ الماء،أي الماء حقّا هذا؛بحيث لا يقول أحد:فيه شيء،فكذلك هاهنا،كأنّه قال:هذا هو اليقين حقّا لا اليقين الّذي يقول بعض:إنّه ليس بيقين.

و يحتمل وجها آخر،و هو أن يقال:الإضافة على حقيقتها،و معناه أنّ هذا القول لك با محمّد و للمؤمنين، و حقّ اليقين أن تقول كذا،و يقرب من هذا ما يقال:حقّ الكمال أن يصلّي المؤمن،و هذا كما قيل في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:

«أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا:لا إله إلاّ اللّه،فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها»أنّ الضّمير راجع إلى الكلمة أي إلاّ بحقّ الكلمة،من حقّ الكلمة أداء الزّكاة و الصّلاة،فكذلك حَقُّ الْيَقِينِ أن يعرف ما قاله اللّه تعالى في الواقعة في حقّ الأزواج الثّلاثة.

و على هذا معناه:أنّ اليقين لا يحقّ و لا يكون إلاّ إذا صدق فيما قاله بحقّ،فالتّصديق حقّ اليقين الّذي يستحقّه.(29:203)

القرطبيّ: أي هذا الّذي قصصناه محض اليقين و خالصه،و جاز إضافة(الحقّ)إلى(اليقين)و هما واحد، لاختلاف لفظهما.قال المبرّد:هو كقولك:عين اليقين و محض اليقين،فهو من باب إضافة الشّيء إلى نفسه عند الكوفيّين.و عند البصريّين:حقّ الأمر اليقين أو الخبر اليقين.

و قيل:هو توكيد،و قيل:أصل اليقين أن يكون نعتا للحقّ،فأضيف المنعوت إلى النّعت على الاتّساع و المجاز، كقوله: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109.(17:234)

النّيسابوريّ: أي الحقّ الثّابت من اليقين،و هو علم يحصل به ثلج الصّدر،و يسمّى ببرد اليقين،و قد

ص: 52

يسمّى العلم الحاصل بالبرهان.فالإضافة بمعنى من كقولك:خاتم فضّة،و هذا في الحقيقة لا يفيد سوى التّأكيد،كقولك:حقّ الحقّ و صواب الصّواب،أي غايته و نهايته الّتي لا وصول فوقه،أو المراد:هذا هو اليقين حقّا لا اليقين الّذي يظنّ أنّه يقين و لا يكون كذلك في نفس الأمر،هذا ما قاله أكثر المفسّرين.[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

قال أهل اليقين:للعلم ثلاث مراتب:

أوّلها:علم اليقين،و هو مرتبة البرهان.

و ثانيها:عين اليقين،و هو أن يرى المعلوم عيانا، فليس الخبر كالمعاينة.

ثالثها:حقّ اليقين،و هو أن يصير العالم و المعلوم و العلم واحدا.و لعلّه لا يعرف حقّ هذه المرتبة إلاّ من وصل إليها،كما أنّ طعم العسل لا يعرفه إلاّ من ذاقه، بشرط أن لا يكون مزاجه و مذاقه فاسدين.(27:85)

أبو حيّان :أي إنّ هذا الخبر المذكور في هذه السّورة هو حقّ اليقين.فقيل:هو من إضافة المترادفين على سبيل المبالغة،كما تقول:هذا يقين اليقين و صواب الصّواب،بمعنى أنّها نهاية في ذلك،فهما بمعنى واحد أضيف على سبيل المبالغة.و قيل:هو من إضافة الموصوف إلى صفته،جعل الحقّ مباينا لليقين،أي الثّابت المتيقّن.(8:216)

البروسويّ: [قال مثل السّابقين و أضاف:]

و المراد هنا المعلوم المتيقّن به،لأنّ المبتدأ عبارة عن المعلوم،فيجب أن يكون الخبر أيضا كذلك،التّقدير:إنّ هذا لهو ثابت الخبر المتيقّن به،أي الثّابت منه،على أنّ الإضافة بمعنى«من».

و في«فتح الرّحمن»:هذه عبارة فيها مبالغة لأنّها بمعنى واحد،كما تقول في أمر تؤكّده:هذا يقين اليقين و صواب الصّواب،بمعنى أنّه نهاية الصّواب،فهي عبارة مبالغة و تأكيد،معناه إنّ هذا الخبر هو نفس اليقين و حقيقته،انتهى.

قال ابن الملك:إضافة العلم إلى اليقين إضافة الشّيء إلى مرادفه،كما فعلوا مثل ذلك في العطف.(9:342)

الآلوسيّ: الاضافة بمعنى اللاّم،و المعنى:لهو عين اليقين،فهو على نحو عين الشّيء و نفسه.و لا يخفى أنّ الإضافة من إضافة العامّ إلى الخاصّ،و كونها بمعنى اللاّم قول لبعضهم.

و قال بعض آخر:إنّها بيانيّة على معنى«من».و قدّر بعضهم هنا موصوفا،أي لهو حقّ الخبر اليقين،و كونه لا يناسب المقام غير متوجّه.

و في«البحر»قيل:إنّ الإضافة من إضافة المترادفين على سبيل المبالغة،كما تقول:هذا يقين اليقين و صواب الصّواب،بمعنى أنّه نهاية في ذلك،فهما بمعنى أضيف أحدهما إلى الآخر للمبالغة،و فيه نظر.(27:162)

القاسميّ: أي حقيقة الأمر،و جليّة الحال،لا لبس فيه و لا ارتياب.و الإضافة إمّا من إضافة الموصوف إلى الصّفة،أي الحقّ اليقين،كما يقال:دار الآخرة،و الدّار الآخرة،أو بالعكس،أي اليقين الحقّ.أو من إضافة العامّ للخاصّ،أي كعلم الأمر اليقين،فالإضافة حينئذ

ص: 53

لاميّة.أو بمعنى«من».(16:5669)

سيّد قطب :فتلتقي رجاحة اليقين و ثقله في ميزان الحقّ،بالواقعة الّتي بدأت بها السّورة.و تختم بما يوحيه هذا اليقين الثّابت الجازم من اتّجاه إلى اللّه بالتّسبيح و التّعظيم.(6:3473).

الطّباطبائيّ: الحقّ هو العلم من حيث إنّ الخارج الواقع يطابقه،و اليقين هو العلم الّذي لا لبس فيه و لا ريب.فإضافة الحقّ إلى اليقين نحو من الإضافة البيانيّة جيء بها للتّأكيد.

و المعنى:أنّ هذا الّذي ذكرناه من حال أزواج النّاس الثّلاثة هو الحقّ الّذي لا تردّد فيه،و العلم الّذي لا شكّ يعتريه.(19:140)

عبد الكريم الخطيب :و حقّ اليقين،أي الحقّ المطلق،الّذي لا يعلّق به شيء من دخان الباطل و سحبه،فهو الحقّ الّذي ينبغي أن ينزل من القلوب و العقول منزلة اليقين،فتطمئنّ به القلوب،و تسكن إليه العقول.

و اليقين المشار إليه،هو اليقين الوارد من تلك الآيات،الّتي تحدّث عن قدرة اللّه،و عن البعث، و الحساب و الجزاء،فهذا الحديث هو حديث حقّ مستيقن،لا شكّ فيه.

و في إضافة الحقّ إلى اليقين،إشارة إلى أنّ هذا الحقّ، هو الحقّ الّذي يقيم اليقين في النّفوس،لأنّه حقّ خالص من كلّ شائبة،أمّا غيره فقد يكون حقّا،و لكنّه قد يتلبّس به ما يحجبه عن الأبصار،فيثير حوله سحبا من ضباب الشّكّ و الارتياب.أمّا هذا الحقّ فهو حقّ صراح، و نور مبين لا يحجبه شيء.(14:743)

مكارم الشّيرازيّ: و المعروف بين المفسّرين أنّ حَقُّ الْيَقِينِ من قبيل الإضافة البيانيّة،يعني أنّ الّذي تقدّم ذكره حول الأقسام الثّلاثة،و هم المقرّبون و أصحاب اليمين و المكذّبون،فإنّها هي الحقيقة و الحقّ و اليقين.

و هنا يوجد احتمال أيضا،و هو:بما أنّ لليقين درجات متعدّدة،فإنّ أعلى مرحلة له هي«حقّ اليقين» أي يقين واقعيّ كامل و خال من كلّ شكّ و شبهة و ريب.

و ممّا قلنا يتّضح أنّ(هذا)في هذه الآية إشارة إلى أحوال الأقسام الثّلاثة الآنفة الذّكر،كما احتمل البعض أيضا أنّها إشارة إلى كلّ محتويات سورة الواقعة أو القرآن أجمع،إلاّ أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب.(17:476)

فضل اللّه :الّذي لا مجال فيه للشّكّ،لأنّه يمثّل عمق الحقّ الّذي يشرق في داخل النّفس،لتعيش اليقين الّذي لا تهتزّ فيه القناعات،و لا تزحف إليه الاحتمالات.

(21:347)

6- وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ. الحاقّة:51

ابن عبّاس: وَ إِنَّهُ يعني القرآن لَحَقُّ الْيَقِينِ حقّا يقينا إنّه كلامي نزل به جبريل على رسول كريم.

(484)

الكلبيّ: أي حقّا و يقينا ليكوننّ الكفر حسرة على الكافرين يوم القيامة.(الماورديّ 6:88)

ص: 54

الطّبريّ: يقول:و إنّه للحقّ اليقين الّذي لا شكّ فيه أنّه من عند اللّه،لم يتقوّله محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(29:68)

الزّجّاج: المعنى أنّ القرآن لليقين حقّ اليقين.

(5:218)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:[قول الكلبيّ]

الثّاني:يعني القرآن عند جميع الخلق أنّه حقّ،قال قتادة:إلاّ أنّ المؤمن أيقن به في الدّنيا فنفعه،و الكافر أيقن به في الآخرة فلم ينفعه.(6:88)

الطّوسيّ: و معناه الحقّ اليقين،و إنّما أضافه إلى نفسه،و الحقّ هو اليقين،كما قيل:مسجد الجامع و دار الآخرة و بارحة الأولى و يوم الخميس و ما أشبه ذلك، فيضاف الشّيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه،كما اختلف الحقّ و اليقين،و الحقّ هو الّذي معتقده على ما اعتقده، و اليقين هو الّذي لا شبهة فيه.(10:111)

مثله الطّبرسيّ.(5:350)

القشيريّ: حقّ اليقين هو اليقين،فالإضافة هكذا إلى نفس الشّيء.

و علوم النّاس تختلف في الطّرق إلى اليقين خفاء و جلاء،فما يقال عن الفرق بين علم اليقين و عين اليقين و حقّ اليقين،يرجع إلى كثرة البراهين،و خفاء الطّريق و جلائه،ثمّ إلى كون بعضه ضروريّا و إلى بعضه كسبيّا، ثمّ ما يكون مع الإدراكات.(6:195)

الميبديّ: مضاف إلى النّعت،تأويله:و إنّه للحقّ اليقين.و قيل:معناه إنّه لليقين حقّ اليقين،كما تقول:

هو الجواد عين الجواد.

و قيل:إنّه لحقّ الأمر اليقين أيقن به المؤمن في الدّنيا فينفعه،و أيقن به الكافر في الآخرة فلم ينفعه.

(10:216)

الزّمخشريّ: إنّ القرآن لليقين حقّ اليقين، كقولك:هو العالم حقّ العالم و جدّ العالم،و المعنى:لعين اليقين و محض اليقين.(4:155)

ابن عطيّة: ذهب الكوفيّون إلى أنّها إضافة الشّيء إلى نفسه كدار الآخرة و مسجد الجامع.و ذهب البصريّون و الحذّاق إلى أنّ«الحقّ»مضاف إلى الأبلغ من وجوهه.و قال المبرّد:إنّما هو كقولك:عين اليقين و محض اليقين.(5:363)

الفخر الرّازيّ: معناه أنّه حقّ يقين،أي حقّ لا بطلان فيه،و يقين لا ريب فيه،ثمّ أضيف أحد الوصفين إلى الآخر للتّأكيد.(30:120)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(29:43)

الشّربينيّ: أي الأمر الثّابت الّذي لا يقبل الشّكّ، فهو يقين مؤكّد بالحقّ،من إضافة الصّفة إلى الموصوف، و هو فوق علم اليقين.(4:380)

أبو السّعود :الّذي لا يحوم حوله ريب ما.(6:298)

البروسويّ: أي لليقين الّذي لا ريب فيه،فالحقّ و اليقين صفتان بمعنى واحد،أضيف أحدهما إلى الآخر إضافة الشّيء إلى نفسه،كحبّ الحصيد للتّأكيد،فإنّ الحقّ هو الثّابت الّذي لا يتطرّق إليه الرّيب،و كذا اليقين.

(10:152)

ص: 55

الآلوسيّ: أي لليقين حقّ اليقين،و المعنى لعين اليقين،فهو على نحو عين الشّيء و نفسه.و الإضافة بمعنى «اللاّم»على ما صرّح به في«الكشف»و جوّز أن تكون الإضافة فيه على معنى:«من»أي:الحقّ الثّابت من اليقين،و قد تقدّم في«الواقعة»ما ينفعك هنا فتذكّره.

و ذكر بعض الصّوفيّة قدّست أسرارهم:أنّ أعلى مراتب العلم:حقّ اليقين،و دونه:عين اليقين،و دونه:

علم اليقين،فالأوّل:كعلم العاقل بالموت إذا ذاقه، و الثّاني:كعلمه به عند معاينة ملائكته عليهم السّلام،و الثّالث:

كعلمه به في سائر أوقاته.و تمام الكلام في ذلك يطلب من كتبهم.(29:55)

الطّباطبائيّ: قد تقدّم كلام في نظيرتي الآيتين في آخر سورة الواقعة،و السّورتان متّحدتان في الغرض، و هو وصف يوم القيامة،و متّحدتان في سياق خاتمتهما و هي الإقسام على حقيقة القرآن المنبئ عن يوم القيامة، و قد ختمت السّورتان بكون القرآن و ما أنبأ به عن وقوع الواقعة حقّ اليقين،ثمّ الأمر بتسبيح اسم الرّبّ العظيم المنزّه عن خلق العالم باطلا لا معاد فيه،و عن أن يبطل المعارف الحقّة الّتي يعطيها القرآن في أمر المبدإ و المعاد.(19:405)

عبد الكريم الخطيب :أي هذا القرآن هو حقّ من حقّ و أنّه الحقّ المستيقن،الّذي لا يأتيه باطل من بين يديه و لا من خلفه.و في إضافة الحقّ إلى(اليقين)إشارة إلى أنّه من موارد اليقين،و أنّه حقّ هذا اليقين، و خلاصة ما فيه فهو حقّ مصفّى من حقّ،إن كان الحقّ في حاجة إلى تصفية.(15:1153)

مكارم الشّيرازيّ: التّعبير ب حَقُّ الْيَقِينِ في اعتقاد بعض المفسّرين،هو من قبيل إضافة شيء إلى نفسه،لأنّ«الحقّ»هو اليقين نفسه،و«اليقين»هو عين الحقّ و ذاته،و ذلك كما يقال:المسجد الجامع،أو يوم الخميس،يقال له باصطلاح النّحاة:إضافة بيانيّة.إلاّ أنّ الأفضل أن يقال في مثل هذه الإضافة:إضافة الموصوف إلى الصّفة.

يعني أنّ القرآن الكريم هو يقين خالص،أو بتعبير آخر أنّ لليقين مراحل مختلفة؛حيث يحصل أحيانا بالدّليل العقليّ،كما في حالة مشاهدة دخان من بعيد؛ حيث يحصل اليقين من خلاله بوجود النّار،في الوقت الّذي لم نر فيه النّار،لذا يقال لمثل هذا الأمر:علم اليقين.

و حينما نقترب أكثر و نلاحظ اشتعال النّار بأمّ أعيننا، فعند ذلك يصبح اليقين أقوى،و يسمّى عندئذ ب«عين اليقين».

و عند ما يكون اقترابنا أكثر فأكثر،و نصبح في محاذاة النّار أو في داخلها،و نلمس حرارتها بأيدينا،فإنّ من المسلّم أنّ هذه أعلى مرحلة من مراحل اليقين؛حيث يسمّونها ب«حقّ اليقين».

و الآية أعلاه تقول:إنّ القرآن الكريم في مثل هذه المرحلة من اليقين،و مع هذا فإنّ عديمي البصيرة ينكرونه و يشكّكون فيه.(18:554)

فضل اللّه : وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ الّذي يتمثّل عمق

ص: 56

الحقّ الّذي يوحي باليقين،فلا يعتريه الرّيب من أيّ جانب كان،بل يشرق بالنّور في قلب الإنسان و عقله، ليمتدّ بالطّمأنينة في حسّه و شعوره.(23:83)

7- وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ... المعارج:24

ابن عبّاس: يرون في أموالهم حقّا معلوما غير الزّكاة.(485)

هو سوى الصّدقة يصل بها رحما،أو يقري بها ضيفا،أو يحمل بها كلاّ،أو يعين بها محروما.

(الطبريّ 29:80)

إنّه الزّكاة المفروضة مثله الحسن و ابن سيرين.

(الفخر الرّازيّ 30:130)

مثله قتادة(الطّبريّ 29:80)،و الطّبرسيّ(5:

356).

الشّعبيّ: إنّ في المال حقّا سوى الزّكاة.

نحوه مجاهد و النّخعيّ.(الطّبريّ 29:81)

الإمام السّجّاد عليه السّلام:[في سؤال رجل:ما هذا الحقّ المعلوم؟فقال له:]

«الحقّ المعلوم:الشّيء يخرجه من ماله ليس من الزّكاة و لا من الصّدقة المفروضتين»،فقال:و إذا لم يكن من الزّكاة و لا من الصّدقة فما هو؟فقال:«هو الشّيء يخرجه من ماله إن شاء أكثر و إن شاء أقلّ على قدر ما يملك»،فقال له الرّجل:فما يصنع؟قال:«يصل به رحما و يقوّي به ضعيفا،و يحمل به كلاّ أو يصل به أخا له في اللّه،أو لنائبة تنوبه».فقال الرّجل:اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته.(العروسيّ 5:417)

الإمام الصّادق عليه السّلام:«الحقّ المعلوم:ليس من الزّكاة،و هو الشّيء الّذي تخرجه من مالك إن شئت كلّ جمعة،و إن شئت كلّ يوم،و لكلّ ذي فضل فضله».

[و في رواية أخرى]«هو أن تصل القرابة،و تعطي من حرمك و تصدّق على من عاداك».

(الطّبرسيّ 5:356)

الفرّاء: الزّكاة،و قال بعضهم:لا،بل سوى الزّكاة.

(3:185)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في المعنيّ ب«الحقّ المعلوم»الّذي ذكره اللّه في هذا الموضع،فقال بعضهم:

هو الزّكاة،و قال آخرون:بل ذلك حقّ سوى الزّكاة.

إنّ ابن عمر سئل عن قوله: فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ أ هي الزّكاة؟فقال:إنّ عليك حقوقا سوى الزّكاة.(29:80)

الميبديّ: معيّن،يعني الزّكاة،و قيل:سائر أبواب البرّ من صلة الرّحم و تعهّد المساكين و غير ذلك.

(10:228)

الزّمخشريّ: هو الزّكاة،لأنّها مقدّرة معلومة،أو صدقة يوظّفها الرّجل على نفسه،يؤدّيها في أوقات معلومة.(4:159)

ابن عطيّة: قال قتادة و الضّحّاك:«الحقّ المعلوم» هي الزّكاة المفروضة،و قال الحسن و مجاهد و ابن عبّاس:

هذه الآية في الحقوق الّتي في المال سوى الزّكاة،و هي ما ندبت الشّريعة إليه من المواساة،و قد قال ابن عمر

ص: 57

و مجاهد و الشّعبيّ و كثير من أهل العلم:إنّ في المال حقّا سوى الزّكاة،و هذا هو الأصحّ في هذه الآية،لأنّ السّورة مكّيّة،و فرض الزّكاة و بيانها إنّما كان بالمدينة.(5:368)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في«الحقّ المعلوم»،فقال ابن عبّاس و الحسن و ابن سيرين:إنّه الزّكاة المفروضة.

و قال ابن عبّاس:من أدّى زكاة ماله فلا جناح عليه أن لا يتصدّق.

قالوا:و الدّليل على أنّ المراد به الزّكاة المفروضة وجهان:

الأوّل:أنّ الحقّ المعلوم المقدّر هو الزّكاة،أمّا الصّدقة فهي غير مقدّرة.

الثّاني:و هو أنّه تعالى ذكر هذا على سبيل الاستثناء ممّن ذمّه،فدلّ على أنّ الّذي لا يعطي هذا الحقّ يكون مذموما،و لا حقّ على هذه الصّفة إلاّ الزّكاة.

قال آخرون:هذا الحقّ سوى الزّكاة،و هو يكون على طريق النّدب و الاستحباب،و هذا قول مجاهد و عطاء و النّخعيّ.(30:130)

القرطبيّ: يريد الزّكاة المفروضة.قاله قتادة و ابن سيرين.[ثمّ نقل أقوالا أخرى لمجاهد و ابن عبّاس و قال:]

و الأوّل أصحّ،لأنّه وصف الحقّ بأنّه معلوم، و سوى الزّكاة ليس بمعلوم،إنّما هو على قدر الحاجة، و ذلك يقلّ و يكثر.(18:291)

البيضاويّ: كالزّكوات و الصّدقات الموظّفة.

(2:504)

نحوه الشّربينيّ.(4:384)

النّيسابوريّ: قال ابن عبّاس و الحسن و ابن سيرين:هو الزّكاة المفروضة.

قلت:الدّليل عليه وصفه بأنّه معلوم،و اقترانه بإدامة الصّلاة.

و قال مجاهد و عطاء و النّخعيّ: هو ما سوى الزّكاة، و إنّه على طريق النّدب و الاستحباب.

قلت:هذا التّفسير بما في«الذّاريات»أشبه،لأنّه لم يصف الحقّ هناك بأنّه معلوم،و لأنّه مدح هناك قوما بالتزام ما لا يلزمهم،كقلّة الهجوع و الاستغفار بالأسحار.(29:51)

أبو السّعود :أي نصيب معيّن يستوجبونه على أنفسهم تقرّبا إلى اللّه تعالى،و إشفاقا على النّاس،من الزّكاة المفروضة و الصّدقات الموظّفة.(6:302)

مثله البروسويّ(10:164)،و نحوه الآلوسيّ(29:

63).

سيّد قطب :و هي الزّكاة على وجه التّخصيص و الصّدقات المعلومة القدر،و هي حقّ في أموال المؤمنين.

أو لعلّ المعنى أشمل من هذا و أكبر،و هو أنّهم يجعلون في أموالهم نصيبا معلوما يشعرون أنّه حقّ للسّائل و المحروم.

و في هذا تخلّص من الشّحّ و استعلاء على الحرص،كما أنّ فيه شعورا بواجب الواجد تجاه المحروم،في هذه الأمّة المتضامنة المتكافلة.(6:3700)

الطّباطبائيّ: فسّره بعضهم بالزّكاة المفروضة،

ص: 58

و في الحديث عن الصّادق عليه السّلام:أنّ الحقّ المعلوم ليس من الزّكاة و إنّما هو مقدار معلوم ينفقونه للفقراء.(20:15)

عبد الكريم الخطيب :و الحقّ المعلوم في أموال المؤمنين،هو الزّكاة المفروضة عليهم.(15:1177)

مكارم الشّيرازيّ: يعتقد بعض المفسّرين أنّ المراد هنا من حَقٌّ مَعْلُومٌ هو الزّكاة المفروضة الّتي فيها المقدار المعيّن،و موارد صرف ذلك المقدار هو السّائل و المحروم.و نحن نعلم أنّ هذه السّورة مكّيّة و حكم الزّكاة لم يكن قد نزل في مكّة،و إذا كان الحكم نازلا لم يكن هناك تعيّن للمقدار،و لذا يعتقد البعض أنّ المراد من«الحقّ المعلوم»:هو شيء غير الزّكاة و الّذي يجب على الإنسان منحه للمحتاجين،و الشّاهد على هذا المعنى هو ما نقل عن الإمام الصّادق عليه السّلام.[ثمّ ذكر الحديث](19:27)

الحقّ

1- ...فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ... البقرة:26

البغويّ: الصّدق.(1:100)

الزّمخشريّ: و(الحقّ)الثّابت الّذي لا يسوغ إنكاره،يقال:حقّ الأمر،إذا ثبت و وجب،و حقّت كلمة ربّك،و ثوب محقّق:محكم النّسج.(1:266)

مثله الفخر الرّازيّ(2:136)،و نحوه البروسويّ(1:

87).البيضاويّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

يعمّ الأعيان الثّابتة و الأفعال الصّائبة و الأقوال الصّادقة.[ثمّ أدام الكلام نحوه](1:41)

الشّربينيّ: أي الواقع موقعه.[ثمّ أدام مثل البيضاويّ](1:40)

أبو السّعود :و(الحقّ)هو الثّابت الّذي يحقّ ثبوته لا محالة؛بحيث لا سبيل للعقل إلى إنكاره لا الثّابت مطلقا، و اللاّم للدّلالة على أنّه مشهور له بالحقيقة،و أنّ له حكما و مصالح.(1:99)

الآلوسيّ: [ذكر تعريف«الحقّ»عند اللّغويّين ثمّ قال:]

و تعريفه هنا إمّا للقصر الادّعائيّ كما يقال:هذا هو الحقّ،أو لدعوى الاتّحاد،و يكون المحكوم عليه مسلّم الاتّصاف.(1:208)

ابن عاشور :و(الحقّ):ترجع معانيه إلى موافقة الشّيء لما يحقّ أن يقع،و هو هنا الموافق لإصابة الكلام و بلاغته.و مِنْ رَبِّهِمْ حال من(الحقّ)،و(من) ابتدائيّة،أي وارد من اللّه،لا كما زعم الّذين كفروا أنّه مخالف للصّواب،فهو مؤذن بأنّه من كلام من يقع منه الخطأ.(1:359)

2- وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. البقرة:42

ابن عبّاس: لا تخلطوا الباطل بالحقّ،صفة الدّجّال بصفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(8)

لا تخلطوا الصّدق بالكذب.(الطّوسيّ 1:191)

(الحقّ)هاهنا:التّوراة،و الباطل:ما أوقعوا فيه من التّحريف و التّبديل.(الميبديّ 1:169)

ص: 59

لا تخلطوا ما عندكم من(الحقّ)في الكتاب(بالباطل) و هو التّغيير و التّبديل.(القرطبيّ 1:342) أبو العالية :قالت اليهود:محمّد نبيّ مبعوث، و لكن إلى غيرنا،فإقرارهم ببعثه حقّ،و جحدهم أنّه بعث إليهم باطل.(ابن عطيّة 1:135)

الحسن :كتموا صفة محمّد و دينه،و هو الحقّ.

(الطّوسيّ 1:191)

قتادة :(الحقّ)هو الإسلام،و(الباطل):دين اليهود و النّصارى.(الميبديّ 1:169)

مقاتل:أي و لا تكتموا أمر محمد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:102)

ابن زيد :المراد ب(الحقّ):التّوراة،و(الباطل):

ما بدّلوا فيها من ذكر محمّد عليه السّلام.(ابن عطيّة 1:135)

الطّبريّ: إنّه كان فيهم منافقون منهم يظهرون التّصديق بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و يستبطنون الكفر به،و كان أعظمهم يقول:محمّد نبيّ مبعوث،إلاّ أنّه مبعوث إلى غيرنا.(الطّبريّ 1:254)

الزّجّاج: و(الحقّ)هاهنا:أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و ما أتى به من كتاب اللّه عزّ و جلّ،و قوله:(بالباطل)أي بما يحرّفون.(1:124)

الثّعلبيّ: الحقّ الّذي تقرّون به و تبيّنونه بالباطل، يعني بما تكتمونه،ف(الحقّ)بيانهم،و(الباطل)كتمانهم.

و قيل:معناه و لا تلبسوا الحقّ...من الباطل صفة أو حال،(و تكتموا الحقّ)يعني و لا تكتموا الحقّ،كقوله تعالى: لا تَخُونُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ الأنفال:27.(1:188)

الماورديّ: فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها:الصّدق،و هو قول ابن عبّاس.

و الثّاني:اليهوديّة و النّصرانيّة بالإسلام،و هو قول مجاهد.

و الثّالث:(الحقّ):التّوراة الّتي أنزلت على موسى، و(الباطل):الّذي كتبوه بأيديهم.(1:112)

الطّوسيّ: و قال بعضهم:(الحقّ):إقرارهم بأنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله مبعوث إلى غيرهم،و(الباطل):إنكارهم أن يكون بعث إليهم.و هذا ضعيف،لأنّه إن جاز ذلك على نفر يسير،لم يجز على الخلق الكثير،مع إظهار النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تكذيبهم فيه،و إقامة الحجّة.(1:191)

البغويّ: لا تخلطوا(الحقّ)الّذي أنزلت عليكم من صفة محمّد صلّى اللّه عليه و آله ب(الباطل)الّذي تكتبونه بأيديكم من تغيير صفته،و الأكثرون على أنّه أراد لا تلبسوا الإسلام باليهوديّة و النّصرانيّة...

وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ الّذي تقرّون به بِالْباطِلِ يعني:بما تكتمونه،فالحقّ بيانهم و الباطل كتمانهم، (و تكتموا الحقّ)أي لا تكتموه،يعني:نعت محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(1:110)

الميبديّ: قالوا:(الحقّ)هاهنا:تصديق التّوراة، و(الباطل):تكذيب القرآن،أي لا تصدّقوا التّوراة بتكذيب القرآن.

هذا خطاب للمنافقين الّذين يقولون بظاهر كلمة الشّهادة،و هو(الحقّ)و يكفرون بها في ضمائرهم،و هو (الباطل)،فقال لهم ربّ العالمين:لا تخلطوا شهادة

ص: 60

الظّاهر بكفر الباطن.

و قيل:هذا خطاب لليهود الّذين يقولون:إنّ محمّدا بعث بالحقّ و هو صادق،غير أنّه بعث إلى قوم آخرين و ليس إلينا،و لا يجب علينا أن نؤمن به،فقال اللّه تعالى:

إنّ قولكم أوّله حقّ و آخره باطل.

فلا تخلطوا الحقّ بالباطل،لأنّه بعث إلى الخلق كافّة، من أيّ لون كان،و لهذا قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«بعثت إلى الأحمر و الأسود و الأبيض».

و قيل:(الحقّ)الصّدق،و(الباطل):الكذب.

(1:168)

ابن عطيّة: اختلف أهل التّأويل في المراد بقوله:

اَلْحَقَّ بِالْباطِلِ [فذكر أقوالا و أضاف:]

و قال الكوفيّون:(تكتموا)نصب بواو الصّرف، و(الحقّ)يعني به أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:135)

الطّبرسيّ: أي لا تكتموا صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في التّوراة و أنتم تعلمون أنّه حقّ،و الخطاب إلى رؤساء أهل الكتاب.(1:96)

الشّربينيّ: (الحقّ)الّذي أنزلت عليكم من صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،(بالباطل)الّذي تخترعونه و تكتبونه بأيديكم من تغيير صفته. تَكْتُمُوا الْحَقَّ أي لا تكتموا نعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:54)

أبو السّعود :و المعنى لا تخلطوا الحقّ المنزل بالباطل الّذي تخترعونه و تكتبونه حتّى يشتبه أحدهما بالآخر، أو لا تجعلوا الحقّ ملتبسا بسبب الباطل الّذي تكتبونه في تضاعيفه،أو تذكرونه في تأويله.[إلى أن قال:]

و تكرير(الحقّ)إمّا لأنّ المراد بالأخير ليس عين الأوّل بل هو نعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي كتموه و كتبوا مكانه غيره،كما سيجيء في قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ البقرة:79،و إمّا لزيادة تقبيح المنهيّ عنه؛إذ في التّصريح باسم الحقّ ما ليس في ضميره.(1:128)

نحوه البروسويّ.(1:119)

الآلوسيّ: و اللاّم في(الحقّ)و(الباطل)للعهد،أي لا تخلطوا الحقّ المنزل في التّوراة بالباطل الّذي اخترعتموه و كتبتموه،أو لا تجعلوا ذلك ملتبسا مشتبها غير واضح،لا يدركه النّاس بسبب الباطل و ذكره.

و لعلّ الأوّل أرجح،لأنّه أظهر و أكثر،لا لأنّ جعل وجود الباطل سببا لالتباس الحقّ ليس أولى من العكس،لما أنّه لمّا كان المذموم هو التباس الحقّ بالباطل و إن لزمه العكس،و كان هذا طارئا على ذلك،استحقّ الأولويّة الّتي نفيت.(1:246)

3- ..وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ... البقرة:61

ابن عبّاس: بغير حقّ و لا جرم.(10)

الطّبريّ: أنّهم كانوا يقتلون رسل اللّه بغير إذن اللّه لهم بقتلهم،منكرين رسالتهم جاحدين نبوّتهم.

(1:317)

الطّوسيّ: لا يدلّ على أنّه قد يصحّ أن يقتلوهم بحقّ،لأنّ هذا خرج مخرج الصّفة لقتلهم،و إنّه لا يكون إلاّ ظلما بغير حقّ،كما قال: وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ

ص: 61

لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ المؤمنون:117،و كما قال: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ الأنبياء:112،و كما قال الشّاعر:

*على لا حب لا يهتدي بمناره*

و معناه ليس هناك منار يهتدي به،و مثله كثير.

(1:279)

نحوه الطّبرسيّ.(1:125)

البغويّ: أي بلا جرم.فإن قيل:فلم قال: بِغَيْرِ الْحَقِّ، و قتل النّبيّين لا يكون إلاّ بغير الحقّ؟

قيل:ذكره وصفا للقتل،و القتل تارة يوصف بالحقّ،و تارة يوصف بغير الحقّ،و هو مثل قوله تعالى:

قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ الأنبياء:112،ذكر الحقّ وصف للحكم لا أنّ حكمه تعالى ينقسم إلى الجور و الحقّ،و يروى أنّ اليهود قتلت سبعين نبيّا في أوّل النّهار،و قامت إلى سوق بقلها في آخر النّهار.

(1:123)

نحوه الشّربينيّ.(1:65)

الزّمخشريّ: فإن قلت:قتل الأنبياء لا يكون إلاّ بغير الحقّ فما فائدة ذكره؟.

قلت:معناه أنّهم قتلوهم بغير الحقّ عندهم،لأنّهم لم يقتلوا و لا أفسدوا في الأرض فيقتلوا،و إنّما نصحوهم و دعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم،فلو سئلوا و أنصفوا من أنفسهم،لم يذكروا وجها يستحقّون به القتل عندهم.

(1:285)

ابن عطيّة: و قوله تعالى: بِغَيْرِ الْحَقِّ تعظيم للشّنعة و الذّنب الّذي أتوه،و معلوم أنّه لا يقتل نبيّ بحقّ، و لكن من حيث قد يتخيّل متخيّل لذلك وجها،فصرّح قوله: بِغَيْرِ الْحَقِّ عن شنعة الذّنب و وضوحه،و لم يجترم قطّ نبيّ ما يوجب قتله،و إنّما أتاح اللّه تعالى من أتاح منهم.و سلّط عليه،كرامة لهم،و زيادة في منازلهم، كمثل من يقتل في سبيل اللّه من المؤمنين.(1:156)

نحوه القرطبيّ.(1:432)

الفخر الرّازيّ: لم قال: بِغَيْرِ الْحَقِّ و قتل الأنبياء لا يكون إلاّ على هذا الوجه؟الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّ الإتيان بالباطل قد يكون حقّا،لأنّ الآتي به اعتقده حقّا لشبهة وقعت في قلبه،و قد يأتي به مع علمه بكونه باطلا،و لا شكّ أنّ الثّاني أقبح فقوله:

وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي أنّهم قتلوهم من غير أن كان ذلك القتل حقّا في اعتقادهم و خيالهم،بل كانوا عالمين بقبحه،و مع ذلك فقد فعلوه.

و ثانيها:أنّ هذا التّكرير لأجل التّأكيد،كقوله تعالى: وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ المؤمنون:117،و يستحيل أن يكون لمدّعي الإله الثّاني برهان.

و ثالثها:أنّ اللّه تعالى لو ذمّهم على مجرّد القتل لقالوا:

أ ليس أنّ اللّه يقتلهم،و لكنّه تعالى قال:القتل الصّادر من اللّه قتل بحقّ،و من غير اللّه قتل بغير حقّ.

فإن قيل:قال هاهنا: وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذكر(الحقّ)بالألف و اللاّم معرفة،و قال في آل عمران:21، كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ يَقْتُلُونَ

ص: 62

اَلْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ نكرة و كذلك في هذه السّورة[آل عمران:112] وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ* لَيْسُوا سَواءً فما الفرق؟

الجواب:الحقّ المعلوم فيما بين المسلمين الّذي يوجب القتل،قال عليه السّلام:«لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى معان ثلاث:كفر بعد إيمان،و زنى بعد إحصان،و قتل نفس بغير حقّ»فالحقّ المذكور بحرف التّعريف إشارة إلى هذا.و أمّا الحقّ المنكّر فالمراد به:تأكيد العموم،أي لم يكن هناك حقّ لا هذا الّذي يعرفه المسلمون و لا غيره البتّة.(3:103)

نحوه النّيسابوريّ.(1:330)

أبو حيّان : بِغَيْرِ الْحَقِّ متعلّق بقوله:

يَقْتُلُونَ و هو في موضع نصب على الحال من الضّمير في يَقْتُلُونَ أي تقتلونهم مبطلين.قيل:و يجوز أن تكون منعة لمصدر محذوف،أي قتلا بغير حقّ،و على كلا الوجهين هو توكيد.

و لم يرد هذا على أنّ قتل النّبيّين ينقسم إلى قتل بحقّ و قتل بغير حقّ،بل ما وقع من قتلهم إنّما وقع بغير حقّ، لأنّ النّبيّ معصوم من أن يأتي أمرا يستحقّ عليه فيه القتل.و إنّما جاء هذا القيد على سبيل التّشنيع لقتلهم و التّقبيح لفعلهم مع أنبيائهم،أي بغير الحقّ عندهم،أي لم يدّعوا في قتلهم وجها يستحقّون به القتل عندهم.

و قيل:جاء ذلك على سبيل التّأكيد،كقوله:

وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحجّ:46،إذ لا يقع قتل نبيّ إلاّ بغير الحقّ،و لم يأت نبيّ قطّ بما يوجب قتله،و إنّما قتل منهم من قتل كراهة له و زيادة في منزلته.[و أدام نحو الفخر الرّازيّ](1:237)

أبو السّعود :و فائدة التّقييد-مع أنّ قتل الأنبياء يستحيل أن يكون بحقّ-الإيذان بأنّ ذلك عندهم أيضا بغير الحقّ؛إذ لم يكن أحد معتقدا بحقّيّة قتل أحد منهم عليهم السّلام و إنّما حملهم على ذلك حبّ الدّنيا و اتّباع الهوى و الغلوّ في العصيان و الاعتداء،كما يفصح عنه قوله تعالى: ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ (1:141)

نحوه البروسويّ.(1:151)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف]ف«اللاّم»في (الحقّ)على هذا للعهد.

و قيل:الأظهر أنّها للجنس،و المراد بغير حقّ أصلا؛ إذ لام الجنس المبهم كالنّكرة،و يؤيّده ما في آل عمران بِغَيْرِ حَقٍّ فيفيد أنّه لم يكن حقّا باعتقادهم أيضا.

و يمكن أن يكون فائدة التّقييد إظهار معايب صنيعهم،فإنّه قتل النّبيّ ثمّ جماعة منهم ثمّ كونه بغير الحقّ،و هذا أوفق بما هو الظّاهر من كون المنهيّ القتل بغير الحقّ في نفس الأمر،سواء كان حقّا عند القاتل أو لا،إلاّ أنّ الاقتصار على القتل بغير الحقّ عندهم أنسب للتّعريض بما هم فيه على ما قيل.

و القول:بأنّه يمكن أن يقال:لو لم يقيّد بِغَيْرِ الْحَقِّ لأفاد أنّ من خواصّ النّبوّة أنّه لو قتل أحدا بغير حقّ لا يقتصّ،ففائدة التّقييد أن يكون النّظم مفيدا لما هو الحكم الشّرعيّ،بعيد كما لا يخفى.

قال بعض المتأخّرين:هذا كلّه إذا كان«الغير»بمعنى

ص: 63

النّفي،أي بلا حقّ،أمّا إذا كان بمعناه،أي بسبب أمر مغاير للحقّ،أي الباطل فالتّقييد مفيد،لأنّ قتلهم النّبيّين بسبب الباطل و حمايته.

و قريب من هذا ما قاله القفّال:من أنّهم كانوا يقولون:إنّهم كاذبون و إنّ معجزاتهم تمويهات و يقتلونهم بهذا السّبب،و بأنّهم يريدون إبطال ما هم عليه من الحقّ بزعمهم،و لعلّ ذلك غالب أحوالهم.(1:276)

ابن عاشور :أي بدون وجه معتبر في شريعتهم، فإنّ فيها أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً المائدة:32،فهذا القيد من الاحتجاج على اليهود بأصول دينهم لتخليد مذمّتهم،و إلاّ فإنّ قتل الأنبياء لا يكون بحقّ في حال من الأحوال.

و إنّما قال:(الانبياء)لأنّ الرّسل لا تسلّط عليهم أعداؤهم،لأنّه مناف لحكمة الرّسالة الّتي هي التّبليغ.

قال تعالى: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا المؤمن:51،و قال:

وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ المائدة:67،و من ثمّ كان ادّعاء النّصارى أنّ عيسى قتله اليهود ادّعاء منافيا لحكمة الإرسال،و لكن اللّه أنهى مدّة رسالته بحصول المقصد ممّا أرسل إليه.(1:513)

4- ..قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ. البقرة:71

ابن عبّاس: الآن تبيّن لنا الصّفة فطلبوها و اشتروها بملء مسكها ذهبا.(11)

الثّعلبيّ: أي بالوصف التّامّ البيّن.(1:219)

الطّوسيّ: يحتمل أمرين:أحدهما:الآن بيّنت الحقّ،و هو قول قتادة.و هذا يدلّ على أنّه كان فيهم من يشكّ في أنّ موسى عليه السّلام ما بيّن الحقّ.

و قال عبد الرّحمن:يريد أنّه حين بيّنها لهم،قالوا:

هذه بقرة فلان. اَلْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ و هو قول من جوّز أنّه قبل ذلك لم يجئ بالحقّ على التّفصيل،و إن أتى به على وجه الجملة.(1:301)

نحوه الطّبرسيّ.(1:136)

البغويّ: أي:بالبيان التّامّ الشّافي الّذي لا إشكال فيه،و طلبوها فلم يجدوا بكمال وصفها إلاّ مع الفتى، فاشتروها بملء مسكها ذهبا.(1:129)

نحوه الميبديّ(1:227)،و الشّربينيّ(1:70).

الزّمخشريّ: أي بحقيقة وصف البقرة،و ما بقي إشكال في أمرها.(1:288)

مثله النّيسابوريّ(1:343)،و النّسفيّ(1:55)، و البروسويّ(1:16).

ابن عطيّة: معناه عند من جعلهم عصاة:بيّنت لنا غاية البيان،و جِئْتَ بِالْحَقِّ الّذي طلبناه،لا أنّه كان يجيء قبل ذلك بغير حقّ،و معناه عند ابن زيد- الّذي حمل محاورتهم على الكفر-الآن صدقت.و أذعنوا في هذه الحال حين بيّن لهم أنّها سائمة،و قيل:إنّهم عيّنوها مع هذه الأوصاف،قالوا:هذه بقرة فلان.

(1:165)

الفخر الرّازيّ: أي الآن بانت هذه البقرة عن

ص: 64

غيرها،لأنّها بقرة عوان صفراء غير مذلّلة بالعمل.

قال القاضي:قوله تعالى: اَلْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ كفر من قبلهم لا محالة،لأنّه يدلّ على أنّهم اعتقدوا فيما تقدّم من الأوامر أنّها ما كانت حقّة.و هذا ضعيف، لاحتمال أن يكون المراد:الآن ظهرت حقيقة ما أمرنا به حتّى تميّزت من غيرها،فلا يكون كفرا.(3:121)

أبو حيّان :و لا يراد ب(جئت)أنّه كان غائبا فجاء، و إنّما مجازه:نطقت بالحقّ،ف(بالحقّ)متعلّق ب(جئت) على هذا المعنى،أو تكون الباء للتّعدية،فكأنّه قال:

أجأت الحقّ،أي إنّ الحقّ كان لم يجئنا فأجئته،و هنا وصف محذوف تقديره:بالحقّ المبين،أي الواضح الّذي لم يبق معه إشكال،و احتيج إلى تقدير هذا الوصف،لأنّه في كلّ محاورة حاورها معهم جاء بالحقّ،فلو لم يقدّر هذا الوصف لما كان لتقييدهم مجيئه بالحقّ بهذا الطّرف الخاصّ فائدة.

و قد ذهب قتادة إلى أنّه لا وصف محذوف هنا، و قال:كفروا بهذا القول،لأنّ نبيّ اللّه-صلّى اللّه عليه و سلّم و على نبيّنا أفضل الصّلاة و السّلام-كان لا يأتيهم إلاّ بالحقّ في كلّ وقت.و قالوا:و معنى(بالحقّ)بحقيقة نعت البقرة،و ما بقي فيها إشكال.(1:257)

أبو السّعود :أي بحقيقة وصف البقرة؛بحيث ميّزتها عن جميع ما عداها.و لم يبق لنا في شأنها اشتباه أصلا،بخلاف المرّتين الأوليين،فإنّ ما جئت به فيهما لم يكن في التّعيين بهذه المرتبة.

و لعلّهم كانوا قبل ذلك قد رأوها و وجدوها جامعة لجميع ما فصّل من الأوصاف المشروحة في المرّات الثّلاث،من غير مشارك لها فيما عدّ في المرّة الأخيرة، و إلاّ فمن أين عرفوا اختصاص النّعوت الأخيرة بها دون غيرها.(1:146)

الآلوسيّ: أي أظهرت حقيقة ما أمرنا به.

ف(الحقّ)هنا بمعنى الحقيقة،و قيل:بمعنى الأمر المقضيّ أو اللاّزم،و قيل:بمعنى القول المطابق للواقع.و لم يريدوا أنّ ما سبق لم يكن حقّا بل أرادوا أنّه لم يظهر الحقّ به كمال الظّهور.فلم يجئ بالحقّ،بل ما أومأ إليه،فعلى هذه الأقوال لم يكفروا بهذا القول.

و أجراه قتادة على ظاهره،و جعله متضمّنا أنّ ما جئت به من قبل كان باطلا،فقال:إنّهم كفروا بهذا القول،و الأولى عدم الإكفار.(1:291)

ابن عاشور :أرادوا ب(الحقّ)الأمر الثّابت الّذي لا احتمال فيه،كما تقول جاء بالأمر على وجهه،و لم يريدوا من الحقّ ضدّ الباطل،لأنّهم ما كانوا يكذّبون نبيّهم.

فإن قلت:لما ذا ذكر هنا بلفظ(الحقّ)؟و هلاّ قيل قالوا: اَلْآنَ جِئْتَ بالبيان أو بالثّبت؟

قلت:لعلّ الآية حكت معنى ما عبّر عنه اليهود لموسى بلفظ هو في لغتهم محتمل للوجهين،فحكى بما يرادفه من العربيّة،تنبيها على قلّة اهتمامهم بانتفاء الألفاظ النّزيهة،في مخاطبة أنبيائهم و كبرائهم،كما كانوا يقولون للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:(راعنا)فنهينا نحن عن أن نقوله بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا

ص: 65

اُنْظُرْنا البقرة:104،و هم لقلّة جدارتهم بفهم الشّرائع قد توهّموا أنّ في الأمر بذبح بقرة دون بيان صفاتها تقصيرا،كأنّهم ظنّوا الأمر بالذبح كالأمر بالشّراء،فجعلوا يستوصفونها بجميع الصّفات، و استكملوا موسى لمّا بيّن لهم الصّفات الّتي تختلف بها أغراض النّاس في الكسب للبقر،ظنّا منهم أنّ في علم النّبيّ بهذه الأغراض الدنيويّة كمالا فيه،فلذا مدحوه بعد البيان بقولهم: اَلْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ كما يقول الممتحن للتّلميذ بعد جمع صور السّؤال:الآن أصبت الجواب.

و لعلّهم كانوا لا يفرّقون بين الوصف الطّرديّ و غيره في التّشريع،فليحذر المسلمون أن يقعوا في فهم الدّين على شيء ممّا وقع فيه أولئك،و ذمّوا لأجله.

(1:538)

فضل اللّه :فإنّ هذه الأوصاف المتعدّدة تضعنا في موقع الوضوح الّذي لا مجال فيه للحيرة و الاشتباه،و لم يملكوا سؤالا جديدا.(2:87)

5- وَ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ. البقرة:91

ابن عبّاس: يعني القرآن.(14)

مثله الثّعلبيّ(1:236)،و الماورديّ(1:159)، و الطّوسيّ(1:351)،و البغويّ(1:143)،و ابن عطيّة (1:179)،و الطّبرسيّ(1:161).

الطّبريّ: أي ما وراء الكتاب الّذي أنزل عليهم من الكتب الّتي أنزلها اللّه إلى أنبيائه الحقّ،و إنّما يعني بذلك تعالى ذكره القرآن الّذي أنزله إلى محمد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:419)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ فهو كالإشارة إلى ما يدلّ على وجوب الإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و بيانه من وجهين:

الأوّل:ما دلّ عليه قوله تعالى: وَ هُوَ الْحَقُّ أنّه لمّا ثبتت نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بالمعجزات الّتي ظهرت عليه،ثمّ إنّه عليه الصّلاة و السّلام أخبر أنّ هذا القرآن منزّل من عند اللّه تعالى و أنّه أمر المكلّفين بالإيمان به،و كان الإيمان به واجبا لا محالة،و عند هذا يظهر أنّ الإيمان ببعض الأنبياء و بعض الكتب مع الكفر ببعض الأنبياء و بعض الكتب محال.

الثّاني:ما دلّ عليه قوله: مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ و تقريره من وجهين:

الأوّل:أنّ محمّدا صلوات اللّه و سلامه عليه لم يتعلّم علما و لا استفاد من أستاذ،فلمّا أتى بالحكايات و القصص موافقة لما في التّوراة من غير تفاوت أصلا، علمنا أنّه عليه الصّلاة و السّلام إنّما استفادها من الوحي و التّنزيل.

الثّاني:أنّ القرآن يدلّ على نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فلمّا أخبر اللّه تعالى عنه أنّه مصدّق للتّوراة،وجب اشتمال التّوراة على الإخبار عن نبوّته،و إلاّ لم يكن القرآن مصدّقا للتّوراة بل مكذّبا لها،و إذا كانت التّوراة مشتملة على نبوّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام و هم قد اعترفوا بوجوب الإيمان بالتّوراة،لزمهم من هذه الجهة وجوب الإيمان بالقرآن و بنبوّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام.(3:185)

ص: 66

القرطبيّ: وَ هُوَ الْحَقُّ ابتداء و خبر.

(2:29)

أبو حيّان :(هو)عائد على القرآن أو على القرآن و الإنجيل،لأنّ كتب اللّه يصدّق بعضها بعضا.

(1:307)

أبو السّعود :أي المعروف بالحقيقة بأن يخصّ به اسم الحقّ على الإطلاق،حال من فاعل(يكفرون).

(1:165)

مثله البروسويّ.(1:182)

الآلوسيّ: الضّمير عائد لما وراءه حال منه،و قيل:

من فاعل يَكْفُرُونَ، و الجملة الحاليّة المقترنة بالواو لا يلزم أن يعود منها ضمير إلى ذي الحال،كجاء زيد و الشّمس طالعة.و على فرض اللّزوم ينزل وجود الضّمير فيما هو من تتمّتها منزلة وجوده فيها،و المعنى و هم مقارنون لحقّيّته،أي عالمون بها،و هو أبلغ في الذّمّ من كفرهم بما هو حقّ في نفسه،و الأوّل أولى لظهوره.

و لا تفوت تلك الأبلغيّة عليه أيضا؛إذ تعريف الحقّ للإشارة إلى أنّ المحكوم عليه مسلّم الاتّصاف به،معروفه من قبيل:والدك العبد،فيفيد أنّ كفرهم به كان لمجرّد العناد.

و قيل:التّعريف لزيادة التّوبيخ و التّجهيل،بمعنى أنّه خاصّة الحقّ الّذي يقارن تصديق كتابهم.و لو لا الحال أعني مُصَدِّقاً لم يستقم الحصر،لأنّه في مقابلة كتابهم،و هو حقّ أيضا.

و فيه أنّه لا يستقيم و لو لوحظ الحال بناء على تخصيص ذي الضّمير بالقرآن،لأنّ الإنجيل حقّ مصدّق للتّوراة أيضا،نعم لو أريد ب(الحقّ)الثابت المقابل للمنسوخ،لاستقام الحصر مطلقا إلاّ أنّه بعيد.

(1:324)

ابن عاشور :و جملة وَ هُوَ الْحَقُّ حاليّة، و اللاّم في(الحقّ)للجنس،و المقصود اشتهار المسند إليه بهذا الجنس،أي و هو المشتهر بالحقّيّة المسلّم ذلك له.

فليست اللاّم هنا مفيدة للحصر،لأنّ تعريف المسند باللاّم لا تطّرد إفادته الحصر على ما في«دلائل الإعجاز».

و قيل:يفيد الحصر باعتبار القيد،أعني قوله:

مُصَدِّقاً أي هو المنحصر في كونه حقّا مع كونه مصدّقا،فإنّ غيره من الكتب السّماويّة حقّ لكنّه ليس مصدّقا لما معهم.

و لعلّ صاحب هذا التّفسير يعتبر الإنجيل غير متعرّض لتصديق التّوراة بل مقتصرا على تحليل بعض المحرّمات؛و ذلك يشبه عدم التّصديق،ففي الآية صدّ لبني إسرائيل عن مقابلة القرآن بمثل ما قابلوا به الإنجيل، و زيادة في توبيخهم.(1:590)

6- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ. البقرة:109

ابن عبّاس: في كتابهم أنّ محمّدا و دينه و نعته و صفته هو الحقّ.(16)

ص: 67

قتادة:من بعد ما تبيّن لهم أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و الإسلام دين اللّه.(الطّبريّ 1:489)

نحوه أبو العالية و ابن زيد(الطّبريّ 1:489)، و الطّبري(1:185).

السّدّيّ: الحقّ:هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فتبيّن لهم أنّه هو الرّسول.(الطّبريّ 1:489)

الطّبريّ: أي من بعد ما تبيّن لهؤلاء الكثير من أهل الكتاب الّذين يودّون أنّهم يردّونكم كفّارا من بعد إيمانكم الحقّ،في أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و ما جاء به من عند ربّه، و الملّة الّتي دعا إليها،فأضاء لهم أنّ ذلك الحقّ الّذي لا يمترون فيه.(1:489)

الثّعلبيّ: في التّوراة:أنّ محمّدا صادق و دينه حقّ.

(1:258)

الماورديّ: يعني من بعد ما تبيّن لليهود،أنّ محمّدا نبيّ صادق،و أنّ الإسلام دين حقّ.(1:173)

البغويّ: في التّوراة:أنّ قول محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم صدق و دينه حقّ.(1:155)

ابن عطيّة: (الحقّ)المراد به في هذه الآية:نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و صحّة ما المسلمون عليه.(1:196)

القرطبيّ: أي من بعد ما تبيّن الحقّ لهم و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و القرآن الّذي جاء به.(2:71)

البروسويّ: أي من بعد ما ظهر لهم أنّ محمّدا رسول اللّه،و قوله حقّ و دينه حقّ بالمعجزات و النّعوت المذكورة في التّوراة.(1:204)

نحوه الآلوسيّ.(1:375)

7- اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.

آل عمران:60

ابن عبّاس: هو الخبر الحقّ.(48)

الفرّاء: أي هو الحقّ،أو ذلك الحقّ فلا تمتر.

(1:220)

أبو عبيدة :انقضى الكلام الأوّل،و استأنف فقال:

اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ. (1:95)

الطّبريّ: هو الخبر الّذي هو من عند ربّك.

(3:297)

الزّجّاج: مرفوع على أنّه خبر ابتداء محذوف، المعنى الّذي أنبأناك به في قصّة عيسى عليه السّلام هو الحقّ من ربّك.(1:422)

الثّعلبيّ: [نقل قولي الفرّاء و أبي عبيدة ثمّ قال:]

و قيل:بإضمار فعل،أي حال الحقّ،و إن شئت رفعته بالضّمّة و نويت تقديما و تأخيرا،تقديره:من ربّك الحقّ،كقولهم:منك يدك،و إن كان مثلا.(3:84)

الطّوسيّ: و إنّما قال: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ و لم يقتصر على قوله:«ذلك الحقّ» فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ لأنّ في هذه الآية دلالة على أنّه الحقّ،لأنّه من ربّك.و لو قال:«ذلك الحقّ فلا تكن من الممترين»لم يفد هذه الفائدة.(2:483)

البغويّ: أي هو الحقّ.و قيل:جاءك الحقّ من ربّك.(1:449)

الميبديّ: ما قلت لك من قصّة عيسى هي صادقة و نبأ من اللّه عزّ و جلّ،و الحقّ ما قال اللّه تعالى،لا الّذي

ص: 68

يقول النّصارى في قصّة عيسى.و جائز أن يكون (الحقّ)ابتداء و مِنْ رَبِّكَ خبر ابتداء.و المعنى:

الحقّ في ذلك بل في الأمور كلّها ما يكون مصدره من اللّه عزّ و جلّ.(2:146)

نحوه النّيسابوريّ(3:208)،و البروسويّ(2:

44).

الزّمخشريّ: الحقّ من ربّك خبر مبتدإ محذوف، أي هو الحقّ،كقول أهل خيبر:محمّد و الخميس.

(1:433)

ابن عطيّة: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ رفع على الابتداء، و خبره فيما يتعلّق به قوله: مِنْ رَبِّكَ أو الحقّ ذلك أو ما قلناه لك،و يجوز أن يكون خبر ابتداء،تقديره:هذا الحقّ.(1:446)

الطّبرسيّ: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أي هذا هو الحقّ من ربّك،أضاف إلى نفسه تأكيدا و تعليلا،أي هو الحقّ لأنّه من ربّك.(1:452)

الفخر الرّازيّ: [نقل أقوال الفرّاء و أبي عبيدة و الزّجّاج ثمّ قال:]

و قال آخرون:(الحقّ)رفع بإضمار فعل،أي جاءك الحقّ.

و قيل أيضا:إنّه مرفوع بالصّفة،و فيه تقديم و تأخير،تقديره:من ربّك الحقّ فلا تكن.[إلى أن قال:] في الحقّ تأويلان:

الأوّل:قال أبو مسلم[و ذكر نحو الميبديّ في خبر عيسى]

و القول الثّاني:أنّ المراد أنّ الحقّ في بيان هذه المسألة ما ذكرناه من المثل،و هو قصّة آدم عليه السّلام فإنّه لا بيان لهذه المسألة،و لا برهان أقوى من التّمسّك بهذه الواقعة، و اللّه أعلم.(8:81)

أبو حيّان :جملة من مبتدإ و خبر أخبر تعالى أنّ الحقّ-و هو الشّيء الثّابت الّذي لا شكّ فيه-هو وارد إليك من ربّك،فجميع ما أنبأك به حقّ،فيدخل فيه قصّة عيسى و آدم و جميع أنبائه تعالى.

و يجوز أن يكون(الحقّ)خبر مبتدإ محذوف،أي «هو»أي خبر عيسى في كونه خلق من أمّ فقط هو الحقّ،و مِنْ رَبِّكَ حال أو خبر ثان أخبر عن قصّة عيسى بأنّها حقّ،و مع كونها حقّا فهي إخبار صادر عن اللّه.(2:478)

أبو السّعود :خبر مبتدإ محذوف،أي هو الحقّ،أي ما قصصنا عليك من نبإ عيسى عليه الصّلاة و السّلام و أمّه،و الظّرف إمّا حال،أي كائنا من ربّك،أو خبر ثان، أي كائن منه تعالى.

و قيل:هما مبتدأ و خبر،أي الحقّ المذكور من اللّه تعالى،و التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة مع الإضافة إلى ضمير المخاطب لتشريفه عليه الصّلاة و السّلام،و الإيذان بأنّ تنزيل هذه الآيات الحقّة،النّاطقة بكنه الأمر،تربية له عليه الصّلاة و السّلام،و لطف به.(1:378)

الآلوسيّ: خبر لمحذوف،أي هو الحقّ،و هو راجع إلى البيان،و القصص المذكور سابقا،و الجارّ و المجرور حال من الضّمير في الخبر.

ص: 69

و جوّز أن يكون(الحقّ)مبتدأ و مِنْ رَبِّكَ خبره،و رجّح الأوّل بأنّ المقصود الدّلالة على كون عيسى مخلوقا كآدم عليهما السّلام هو الحقّ،لا ما يزعمه النّصارى.

و تطبيق كونهما مبتدأ و خبرا على هذا المعنى لا يتأتّى إلاّ بتكلّف إرادة أنّ كلّ حقّ،أو جنسه من اللّه تعالى، و من جملته هذا الشّأن،أو حمل اللاّم على العهد بإرادة الحقّ المذكور.

و لا يخفى ما في التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة مع الإضافة إلى ضميره صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم من اللّطافة الظّاهرة.(3:187)

الطّباطبائيّ: تأكيد لمضمون الآية السّابقة بعد تأكيده ب(انّ)و نحوه،نظير تأكيد تفصيل القصّة بقوله:

ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ آل عمران:58،و فيه تطييب لنفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأنّه على الحقّ،و تشجيع له في المحاجّة.

و هذا أعني قوله: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ من أبدع البيانات القرآنيّة؛حيث قيّد(الحقّ)ب(من)الدّالّة على الابتداء دون غيره،بأن يقال:الحقّ مع ربّك،لما فيه من شائبة الشّرك و نسبة العجز إليه تعالى بحسب الحقيقة.

و ذلك أنّ هذه الأقاويل الحقّة و قضايا النّفس الأمريّة الثّابتة كائنة ما كانت-و إن كانت ضروريّة- غير ممكنة التّغيّر عمّا هي عليه،كقولنا:الأربعة زوج، و الواحد نصف الاثنين،و نحو ذلك،إلاّ أنّ الإنسان إنّما يقتنصها من الخارج الواقع في الوجود،و الوجود كلّه منه تعالى،فالحقّ كلّه منه تعالى،كما أنّ الخير كلّه منه، و لذلك كان تعالى لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون.فإنّ فعل غيره إنّما يصاحب الحقّ إذا كان حقّا،و أمّا فعله تعالى فهو الوجود الّذي ليس الحقّ إلاّ صورته العلميّة.

(3:213)

مكارم الشّيرازيّ: في اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ للمفسّرين رأيان:

الأوّل:أنّ الجملة مبتدأ و خبر،و بذلك يكون المعنى:

الحقّ دائما من ربّك؛و ذلك لأنّ الحقّ هو الحقيقة، و الحقيقة هو الوجود،و كلّ وجود ناشئ من وجوده.

لذلك فكلّ باطل عدم،و العدم غريب على ذاته.

الثّاني:أنّ الجملة خبر لمبتدإ محذوف،تقديره:تلك الأخبار،أي تلك الأخبار الّتي أنزلناها عليك حقائق من اللّه.و كلّ من التّفسيرين ينسجم مع الآية.(2:390)

فضل اللّه :أي:هذا هو الحقّ من ربّك،فهو مصدر الحقّ في كلّ مفرداته،لأنّه مصدر الخلق كلّه و الوجود كلّه،فكلّ شيء مربوب له،و كلّ شيء مكشوف عنده.

(6:59)

8- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ...

آل عمران:108

ابن عبّاس: لبيان الحقّ و الباطل.(53)

الطّبريّ: بالصّدق و اليقين.(4:41)

الطّوسيّ: إنّما قال: آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فقيّده ب(الحقّ)لأنّه لمّا حقّق الوعيد بأنّه واقع لا محالة،نفى عنه حال الظّلم كعادة أهل الخير،

ص: 70

ليكون الإنسان على بصيرة في سلوك الضّلالة مع الهلاك أو الهدى مع النّجاة،و معنى نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ أي معاملتي حقّ.

و يحتمل أن يكون المراد:(نتلوها)المعنى الحقّ،لأنّ معنى التّلاوة حقّ؛من حيث يتعلّق معتقدها بالشّيء على ما هو به.(2:554)

الواحديّ: بأنّها حقّ.(1:476)

الزّمخشريّ: بالحقّ و العدل من جزاء المحسن و المسيء،بما يستوجبانه.(1:454)

نحوه النّسفيّ.(1:175)

ابن عطيّة: معناه بالإخبار الحقّ،و يحتمل أن يكون المعنى: نَتْلُوها عَلَيْكَ مضمّنة الأفاعيل الّتي هي«حقّ»في أنفسها،من كرامة قوم،و تعذيب آخرين.

(1:488)

الطّبرسيّ: بالحكمة و الصّواب.(1:485)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

الأوّل:أي ملتبسة بالحقّ و العدل من إجزاء المحسن و المسيء بما يستوجبانه.

الثّاني:(بالحقّ)،أي بالمعنى الحقّ،لأنّ معنى التّلو حقّ.(8:185)

نحوه الشّربينيّ(1:239)،و النّيسابوريّ(4:33).

أبو السّعود :حال مؤكّدة من فاعل نَتْلُوها أو من مفعوله،أي ملتبسين،أو التّلاوة ملتبسة بالحقّ و العدل،ليس في حكمها شائبة جور،بنقص ثواب المحسن أو بزيادة عقاب المسيء،أو بالعقاب من غير جرم،بل كلّ ذلك موفّى لهم حسب استحقاقهم بأعمالهم، بموجب الوعد و الوعيد.(2:16)

نحوه البروسويّ.(2:77)

الآلوسيّ: أي متلبّسة أو متلبّسين بالصّدق أو بالعدل في جميع ما دلّت عليه تلك الآيات و نطقت به، فالظّرف في موضع الحال المؤكّدة من الفاعل أو المفعول.

(4:26)

ابن عاشور :الباء في قوله:(بالحقّ)للملابسة، و هي ملابسة الإخبار للمخبر عنه،أي لما في نفس الأمر و الواقع،فهذه الآيات بيّنت عقائد أهل الكتاب و فصّلت أحوالهم في الدّنيا و الآخرة.(3:187)

الطّباطبائيّ: الظّرف متعلّق بقوله: نَتْلُوها و المراد:كون التّلاوة تلاوة حقّ،من غير أن يكون باطلا شيطانيّا،أو متعلّق ب«الآيات»باستشمام معنى الوصف فيه،أو مستقرّ متعلّق بمقدّر،و المعنى:أنّ هذه الآيات -الكاشفة عن ما يصنع اللّه بالطّائفتين:الكافرين و الشّاكرين-مصاحبة للحقّ من غير أن تجري على نحو الباطل و الظّلم.و هذا الوجه أوفق لما يتعقّبه من قوله:

وَ مَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً. (3:375)

9- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً...

المائدة:27

ابن عبّاس: بالقرآن.(92)

الزّمخشريّ: تلاوة متلبّسة بالحقّ و الصّحّة،أو اتله نبأ متلبّسا بالصّدق،موافقا لما في كتب الأوّلين أو

ص: 71

بالغرض الصّحيح،و هو تقبيح الحسد،لأنّ المشركين و أهل الكتاب كلّهم كانوا يحسدون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و يبغون عليه،أو اتل عليهم و أنت محقّ صادق.

(1:606)

نحوه النّسفيّ(1:280)،و الشّربينيّ(1:369)، و البروسويّ(2:379).

الطّبرسيّ: أي بالصّدق.(2:182)

نحوه القاسميّ.(6:1942)

الفخر الرّازيّ: قوله:(بالحقّ)فيه وجوه:

الأوّل:(بالحقّ)أي تلاوة متلبّسة بالحقّ و الصّحّة من عند اللّه تعالى.

الثّاني:أي تلاوة متلبّسة بالصّدق و الحقّ،موافقة لما في التّوراة و الإنجيل.

الثّالث:(بالحقّ)أي بالغرض الصّحيح،و هو تقبيح الحسد،لأنّ المشركين و أهل الكتاب كانوا يحسدون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و يبغون عليه.

الرّابع:(بالحقّ)أي ليعتبروا به لا ليحملوه على اللّعب و الباطل،مثل كثير من الأقاصيص الّتي لا فائدة فيها،و إنّما هي لهو الحديث.و هذا يدلّ على أنّ المقصود بالذّكر من الأقاصيص و القصص في القرآن:العبرة لا مجرّد الحكاية،و نظيره قوله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ يوسف:111.

(11:204)

نحوه النّيسابوريّ.(6:80)

أبو حيّان :يحتمل قوله:(بالحقّ)أن يكون حالا من الضّمير في(و اتل)أي مصحوبا بالحقّ،و هو الصّدق الّذي لا شكّ في صحّته.أو في موضع الصّفة لمصدر محذوف،أي تلاوة ملتبسة بالحقّ،و العامل في(اذ)(نبا) أي حديثهما و قصّتهما في ذلك الوقت.(3:461)

أبو السّعود :(بالحقّ)متعلّق بمحذوف وقع صفة لمصدر محذوف،أي تلاوة ملتبسة بالحقّ و الصّحّة،أو حالا من فاعل(اتل)أو من مفعوله،أي ملتبسا أنت،أو اتل نبأهما بالحقّ و الصّدق حسبما تقرّر في كتب الأوّلين.

(2:259)

نحوه الآلوسيّ.(6:111)

ابن عاشور :الباء في قوله:(بالحقّ)للملابسة متعلّقا ب(اتل).و المراد بالحقّ هنا:الصّدق من حقّ الشّيء إذا ثبت،و الصّدق هو الثّابت،و الكذب لا ثبوت له في الواقع،كما قال: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ الكهف:13.

و يصحّ أن يكون(الحقّ)ضدّ الباطل،و هو الجدّ غير الهزل،أي اتل هذا النّبأ متلبّسا بالحقّ،أي بالغرض الصّحيح لا لمجرّد التّفكّه و اللّهو.

و يحتمل أن يكون قوله:(بالحقّ)مشيرا إلى ما خفّ بالقصّة من زيادات زادها أهل القصص من بني إسرائيل،في أسباب قتل أحد الأخوين أخاه.(5:82)

مكارم الشّيرازيّ: و لعلّ استخدام كلمة (بالحقّ)في هذه الآية جاء للإشارة إلى أنّ القصّة المذكورة قد أضيفت لها خرافات مختلفة،و لبيان أنّ القرآن الكريم جاء بالقصّة الحقيقيّة الّتي حصلت بين

ص: 72

ولدي آدم عليه السّلام.(3:599)

10- وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَ رَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. الأنعام:30

ابن عبّاس: أ ليس هذا العذاب و البعث بعد الموت حقّ.(108)

نحوه البغويّ(2:119)،و الميبديّ(3:333)، و الشّربينيّ(1:416)،و البروسويّ(3:21).

الطّبريّ: أ ليس هذا البعث و النّشر بعد الممات الّذي كنتم تنكرونه في الدّنيا حقّا؟فأجابوا ف قالُوا بَلى و اللّه إنّه لحقّ.(7:178)

الطّوسيّ: يعني ما وعدهم به،فيقولون:(بلى) لأنّهم شاهدوا العقاب و الثّواب،و لم يشكّوا فيهما.

(4:121)

القشيريّ: و حين يقول لهم:أ ليس هذا بالحقّ؟ يقرّون كارهين،و يصرخون بالتّبرّي عن كلّ غير.

(2:163)

الزّمخشريّ: و هذا تعيير من اللّه تعالى لهم على التّكذيب،و قولهم لما كانوا يسمعون من حديث البعث و الجزاء:ما هو بحقّ و ما هو إلاّ باطل.(2:13)

نحوه النّسفيّ.(2:9)

الفخر الرّازيّ: المقصود من هذه الآية أنّه تعالى حكى عنهم في الآية الأولى:أنّهم ينكرون القيامة و البعث في الدّنيا،ثمّ بيّن أنّهم في الآخرة يقرّون به، فيكون المعنى أنّ حالهم في هذا الإنكار سيئول إلى الإقرار؛و ذلك لأنّهم شاهدوا القيامة و الثّواب و العقاب، قال اللّه تعالى: أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ.

فإن قيل:هذا الكلام يدلّ على أنّه تعالى يقول لهم:

أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ و هو كالمناقض لقوله تعالى:

وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ آل عمران:77.

و الجواب:أن يحمل قوله: وَ لا يُكَلِّمُهُمُ أي لا يكلّمهم بالكلام الطّيّب النّافع،و على هذا التّقدير يزول التّناقض.ثمّ إنّه تعالى بيّن أنّه إذا قال لهم: أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ؟ قالوا: بَلى وَ رَبِّنا المقصود أنّهم يعترفون بكونه حقّا مع القسم و اليمين.(12:196)

القرطبيّ: تقرير و توبيخ،أي أ ليس هذا البعث كائنا موجودا؟ قالُوا بَلى. و يؤكّدون اعترافهم بالقسم بقولهم: وَ رَبِّنا.

و قيل:إنّ الملائكة تقول لهم بأمر اللّه:أ ليس هذا البعث و هذا العذاب حقّا؟فيقولون: بَلى وَ رَبِّنا إنّه حقّ.(6:411)

النّيسابوريّ: لسائل أن يقول:ما ذا قال لهم ربّهم إذ وقفوا عليه؟فأجيب قالَ أَ لَيْسَ هذا الّذي عاينتموه من حديث البعث و الجزاء(بالحقّ)الّذي حدّثتموه قالُوا بَلى وَ رَبِّنا، و فيه دليل على أنّ حالهم في الإنكار سيئول إلى الإقرار.(7:93)

أبو حيّان :[نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و يحتمل عندي أن تكون الجملة حاليّة،التّقدير:إذ وقفوا على ربّهم قائلا لهم: أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ

ص: 73

و الإشارة ب(هذا)إلى البعث و متعلّقاته.(4:106)

أبو السّعود :تقريعا لهم على تكذيبهم لذلك، و قولهم عند سماع ما يتعلّق به:ما هو بحقّ و ما هو إلاّ باطل.(2:371)

الآلوسيّ: أَ لَيْسَ هذا أي البعث و ما يتبعه (بالحقّ)أي حقّا لا باطلا كما زعمتم.

و قيل:الإشارة إلى العقاب وحده،و ليس بشيء، و لا دلالة في(فذوقوا)عند أرباب الذّوق على ذلك، و الهمزة للتّقريع على التّكذيب.(7:131)

القاسميّ: قالَ أَ لَيْسَ هذا أي المعاد(بالحقّ) تقريعا لهم،و ردّا لما يتوهّمون عند الرّدّ قالُوا بَلى وَ رَبِّنا أي إنّه لحقّ و ليس بباطل،كما كنّا نظنّ.أكّدوا اعترافهم باليمين إظهارا لكمال يقينهم بحقّيّته،و إيذانا بصدور ذلك عنهم بالرّغبة و النّشاط،طمعا في نفعه.

(6:2282)

رشيد رضا :إدخال الباء على(الحقّ)يفيد تأكيد المعنى،أي قال لهم ربّهم:أ ليس هذا الّذي أنتم فيه من البعث هو الحقّ الّذي لا ريب فيه.[ثمّ أدام نحو القاسميّ](7:358)

سيّد قطب :أ ليس هذا بالحقّ؟و هو سؤال يخزي و يذيب.(2:1071)

ابن عاشور :و جملة: قالَ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ استئناف بيانيّ،لأنّ قوله: وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا قد آذن بمشهد عظيم مهول،فكان من حقّ السّامع أن يسأل:ما ذا لقوا من ربّهم؟فيجاب: قالَ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ....

و الإشارة إلى البعث الّذي عاينوه و شاهدوه، و الاستفهام تقريريّ دخل على نفي الأمر المقرّر به، لاختبار مقدار إقرار المسئول،فلذلك يسأل عن نفي ما هو واقع،لأنّه إن كان له مطمع في الإنكار تذرّع إليه بالنّفي الواقع في سؤال المقرّر،و المقصود:أ هذا حقّ، فإنّهم كانوا يزعمونه باطلا،و لذلك أجابوا بالحرف الموضوع لإبطال ما قبله و هو(بلى)فهو يبطل النّفي،فهو إقرار بوقوع المنى،أي بلى هو حقّ.

و أكّدوا ذلك بالقسم تحقيقا لاعترافهم للمعترف به، لأنّه معلوم للّه تعالى،أي نقرّ و لا نشكّ فيه،فلذلك نقسم عليه.و هذا من استعمال القسم لتأكيد لازم فائدة الخبر.

(6:64)

11- ...إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ. الأنعام:57

راجع:ق ص ص:«يقصّ».

12- ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ. الأنعام:62

ابن عبّاس: وليّهم بالثّواب و العقاب بالحقّ و العدل.و يقال:مولاهم الحقّ معبودهم بالحقّ،و لكن لم يعبدوه بالحقّ غاية عبادته،و كلّ معبود غير اللّه باطل.

(111)

الماورديّ: و(الحقّ)هنا يحتمل ثلاثة أوجه:

ص: 74

أحدها:أنّ الحقّ هو من أسمائه تعالى.

و الثّاني:لأنّه مستحقّ الرّدّ عليه.

و الثّالث:لحكمه فيهم بالرّدّ.(2:125)

البلخيّ: (الحقّ):اسم من أسماء اللّه.

(الطّوسيّ(4:171)

الطّوسيّ: و هو خفض،لأنّه نعت للّه،و يجوز الرّفع على معنى:اللّه مولاهم الحقّ،و يجوز أن ينصب على معنى:يعني مولاهم،و القراءة بالخفض.(4:171)

الزّمخشريّ: (الحقّ):العدل الّذي لا يحكم إلاّ بالحقّ.و قرئ(الحقّ)بالنّصب على المدح،كقولك:

الحمد للّه الحقّ.(2:25)

ابن عطيّة: و قوله:(الحقّ)نعت ل(موليهم) و معناه الّذي ليس بباطل و لا مجاز.و قرأ الحسن بن أبي الحسن و الأعمش(الحقّ)بالنّصب،و هو على المدح، و يصحّ على المصدر.(2:301)

الطّبرسيّ: و(الحقّ):اسم من أسماء اللّه تعالى.

و اختلف في معناه،فقيل:المعنى إنّ أمره كلّه حقّ لا يشوبه باطل،و جدّ لا يجاوره هزل،فيكون مصدرا وصف به،نحو قولهم:رجل عدل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:إنّ(الحقّ)بمعنى المحقّ،كما قيل:غياث بمعنى مغيث.و قيل:إنّ معناه الثّابت الباقي الّذي لا فناء له.

و قيل:معناه ذو الحقّ،يريد أنّ أفعاله و أقواله حقّ.

(2:313)

نحوه ابن عاشور.(6:143)

القرطبيّ: أي خالقهم و رازقهم و باعثهم و مالكهم.

(الحقّ)بالخفض قراءة الجمهور،على النّعت و الصّفة لاسم اللّه تعالى.و قرأ الحسن(الحقّ)بالنّصب على إضمار أعني،أو على المصدر،أي حقّا.(7:7)

الشّربينيّ: أي الثّابت الولاية،و كلّ ولاية غير ولايته تعالى عدم.(1:426)

أبو السّعود :(الحقّ):الّذي لا يقضي إلاّ بالعدل.

و قرئ بالنّصب على المدح.(2:395)

نحوه البروسويّ(3:46)،و القاسميّ(6:2350).

الآلوسيّ: أي العدل أو مظهر الحقّ أو الصّادق الوعد.ذكر حجّة الإسلام قدّس سرّه:أنّ الحقّ مقابل الباطل.و كلّ ما يخبر عنه فإمّا باطل مطلقا،و إمّا حقّ مطلقا،و إمّا حقّ من وجه باطل من وجه؛فالممتنع بذاته هو الباطل مطلقا،و الواجب بذاته هو الحقّ مطلقا، و الممكن بذاته الواجب بغيره حقّ من وجه باطل من وجه،فمن حيث ذاته لا وجود له فهو باطل،و من جهة غيره مستفيد للوجود فهو حقّ من الوجه الّذي يلي مفيد الوجود،فمعنى الحقّ المطلق هو الموجود الحقيقيّ بذاته الّذي منه يؤخذ كلّ حقيقة،و ليس ذلك إلاّ اللّه تعالى، و هذا هو مراد القائل:إنّ الحقّ هو الثّابت الباقي الّذي لا فناء له.(7:177)

رشيد رضا :إنّ وصف الاسم الكريم ب مَوْلاهُمُ الْحَقِّ يدلّ على أنّ ردّهم إليه حتم،لأنّه هو سيّدهم الحقّ،الّذي يتولّى أمورهم و يحكم بينهم بالحقّ.و الحقّ في اللّغة هو الثّابت المتحقّق،و هذا الوصف لا يتحلّى به أحد من الخلق إلاّ على سبيل العارية الموقّتة،فما كان من

ص: 75

تولّي بعض العباد أمور بعض بملك الرّقبة،أو ملك التّصرّف و السّياسة،فمنه ما هو باطل من كلّ وجه،و منه ما هو باطل من حيث إنّه موقوت لا ثبات و لا بقاء له، و حقّ من حيث إنّ مولاهم الحقّ أقرّه في سننه الاجتماعيّة أو شرائعه المنزلة لمصلحة العباد العارضة مدّة حياتهم الدّنيا.

فثبت بذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ هو مولاهم الحقّ وحده،و ما كان من ولاية غيره الباطلة من كلّ وجه،أو الباطلة في ذاتها دون صورتها الموقّتة،فقد زال كلّ ذلك بزوال عالم الدّنيا،و بقي المولى الحقّ وحده،كما زال كلّ ملك و ملك صوريّين كانا للخلق في العالم،و صاروا إلى يوم لا تملك فيه نفس لنفس شيئا،و ظهر يومئذ أنّ الملك الصّوريّ و الحقيقيّ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ المؤمن:16.

(7:486)

الطّباطبائيّ: و إذ كان له تعالى حقيقة الملك، و كان هو المتصرّف بالإيجاد و التّدبير و الإرجاع،فهو المولى الحقّ الّذي يثبت له معنى المولويّة ثبوتا،لا زوال له بوجه البتّة.

و(الحقّ):من أسماء اللّه الحسنى لثبوته تعالى بذاته و صفاته،و ثبوتا لا يقبل الزّوال،و يمتنع عن التّغيير و الانتقال.(7:132)

فضل اللّه :إنّ التّعبير ب(الحقّ)كصفة من صفات اللّه،كان من جهة أنّ الكلمة تمثّل الثّبوت،و اللّه وحده هو الّذي يملك في ذاته و صفاته الثّبوت كلّه،فلا مجال لعروض الزّوال عليه في ذلك كلّه،و لا لطروء التّغيّر و الانتقال في وجوده،بينما لا يملك أيّ مخلوق هذه الخصوصيّة.(9:140)

13- وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ. الأنعام:66

ابن عبّاس: يعني القرآن.(111)

السّدّيّ: كذّبت قريش بالقرآن،و هو الحقّ.

(الطّبريّ 7:227)

الطّبريّ: يقول:و الوعيد الّذي أوعدناهم على مقامهم على شركهم،من بعث العذاب من فوقهم،أو من تحت أرجلهم،أو لبسهم شيعا،و إذاقة بعضهم بأس بعض،الحقّ الّذي لا شكّ فيه أنّه واقع،إن هم لم يتوبوا و ينيبوا ممّا هم عليه مقيمون،من معصية اللّه و الشّرك به،إلى طاعة اللّه و الإيمان به.(7:227)

الماورديّ: يعني ما كذّبوا به.و الفرق بين الحقّ و الصّواب:أنّ الحقّ قد يدرك بغير طلب،و الصّواب لا يدرك إلاّ بطلب.(2:128)

الميبديّ: يعني بالقرآن قومك،يعني قريشا،و هو الحقّ،جاء من عند اللّه.(3:384)

الزّمخشريّ: و الضّمير في قوله: وَ كَذَّبَ بِهِ راجع إلى العذاب وَ هُوَ الْحَقُّ أي لا بدّ أن ينزل بهم.

(2:26)

الطّبرسيّ: أي القرآن أو تصريف الآيات حقّ، بمعنى أنّه يدلّ على الحقّ،أو أنّ ما فيه حقّ.ثمّ بيّن سبحانه أنّ عاقبة تكذيبهم يعود عليهم.(2:316)

ص: 76

الفخر الرّازيّ: الضّمير في قوله: وَ كَذَّبَ بِهِ إلى ما ذا يرجع؟فيه أقوال:

الأوّل:أنّه راجع إلى العذاب المذكور في الآية السّابقة. وَ هُوَ الْحَقُّ أي لا بدّ و أن ينزل بهم.

الثّاني:الضّمير في(به)للقرآن وَ هُوَ الْحَقُّ أي في كونه كتابا منزّلا من عند اللّه.

الثّالث:يعود إلى تصريف الآيات و هو الحقّ،لأنّهم كذّبوا كون هذه الأشياء دلالات.(13:24)

نحوه النّيسابوريّ.(7:130)

القرطبيّ: أي القصص الحقّ.(7:11)

أبو حيّان :[نقل أقوال المتقدّمين ثمّ قال:]

و الظّاهر أنّ قوله: وَ هُوَ الْحَقُّ جملة استئناف لا حال.(4:152)

الشّربينيّ: أي الثّابت الّذي لا يضرّه التّكذيب به، و لا يمكن زواله.(1:427)

أبو السّعود : وَ هُوَ الْحَقُّ حال من الضّمير المجرور،أي كذّبوا به،و الحال أنّه الواقع لا محالة،أو أنّه الكتاب الصّادق في كلّ ما نطق به.و قيل:هو استئناف، و أيّا ما كان ففيه دلالة على عظم جنايتهم و نهاية قبحها.

(2:397)

نحوه البروسويّ(3:48)،و الآلوسيّ(7:182)، و القاسميّ(6:2356).

14- وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَ لَهُ الْمُلْكُ...

الأنعام:73

ابن عبّاس: لتبيان الحقّ و الباطل.الفناء و الزّوال.

...(قوله)أي البعث(الحقّ):الصّدق.(113)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:

(بالحقّ)فقال بعضهم:معنى ذلك:و هو الّذي خلق السّماوات و الأرض حقّا و صوابا،لا باطلا و خطأ،كما قال تعالى ذكره: وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً ص:27.

قالوا:و أدخلت فيه الباء و الألف و اللاّم،كما تفعل العرب في نظائر ذلك،فتقول:فلان يقول بالحقّ،بمعنى أنّه يقول الحقّ.

قالوا:و لا شيء في قوله:(بالحقّ)غير إصابته الصّواب فيه،لا أنّ(الحقّ)معنى غير القول،و إنّما هو صفة للقول إذا كان بها القول،كان القائل موصوفا بالقول بالحقّ،و بقول الحقّ.

قالوا:فكذلك خلق السّماوات و الأرض حكمة من حكم اللّه،فاللّه موصوف بالحكمة في خلقهما،و خلق ما سواهما من سائر خلقه،لا أنّ ذلك حقّ سوى خلقهما به.

و قال آخرون:معنى ذلك:خلق السّماوات و الأرض بكلامه،و قوله لهما: اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فصّلت:11،قالوا:ف(الحقّ)في هذا الموضع معنيّ به كلامه،و استشهدوا لقيلهم ذلك بقوله: وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ الحقّ:هو قوله و كلامه.

قالوا:و اللّه خلق الأشياء بكلامه و قيله،كما خلق به الأشياء غير المخلوقة،قالوا:فإذا كان ذلك كذلك،وجب

ص: 77

أن يكون كلام اللّه الّذي خلق به الخلق غير مخلوق.[إلى أن قال:]

ثمّ ابتدأ الخبر عن القول،فقال: قَوْلُهُ الْحَقُّ بمعنى:وعده هذا الّذي وعد تعالى ذكره من تبديله السّماوات و الأرض،غير الأرض و السّماوات،الحقّ الّذي لا شكّ فيه، وَ لَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فيكون قوله: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ من صلة(الملك) و يكون معنى الكلام:و للّه الملك يومئذ،لأنّ النّفخة الثّانية في الصّور حال تبديل اللّه السّماوات و الأرض غيرهما.

و جائز أن يكون القول،أعني قَوْلُهُ الْحَقُّ مرفوعا بقوله: وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ و يكون قوله:

كُنْ فَيَكُونُ محلاّ للقول مرافعا،فيكون تأويل الكلام:و هو الّذي خلق السّماوات و الأرض بالحقّ، و يوم يبدّلها غير السّماوات و الأرض،فيقول لذلك:كن فيكون،قوله الحقّ.(7:239)

نحوه الطّوسيّ(4:185)،و الميبديّ(3:369).

الزّجّاج: و(الحقّ)من نعت(قوله)كما تقول:قد قلت فكان قولك،فالمعنى ليس أنّك قلت فكان الكلام، إنّما المعنى أنّه كان ما دلّ عليه القول.و على القول الأوّل قد رفع(قوله)بالابتداء و(الحقّ)خبر الابتداء.

(2:264)

الماورديّ: في(الحقّ)الّذي خلق به السّماوات و الأرض أربعة أقاويل:

أحدها:أنّه الحكمة.

و الثّاني:الإحسان إلى العباد.

و الثّالث:نفس خلقها فإنّه حقّ.

و الرّابع:يعني بكلمة الحقّ.(2:132)

البغويّ: قيل:الباء بمعنى اللاّم،أي إظهارا للحقّ، لأنّه جعل صنعه دليلا على وحدانيّته.[إلى أن قال:]

قَوْلُهُ الْحَقُّ أي الصّدق الواقع لا محالة،يريد أنّ ما وعده حقّ كائن.(2:134)

الزّمخشريّ: قَوْلُهُ الْحَقُّ مبتدأ وَ يَوْمَ يَقُولُ خبره مقدّما عليه،و انتصابه بمعنى الاستقرار، كقولك:يوم الجمعة القتال،و«اليوم»بمعنى الحين.

و المعنى:أنّه خلق السّماوات و الأرض قائما بالحقّ و الحكمة،و حين يقول لشيء من الأشياء:كن فيكون ذلك الشّيء،قوله الحقّ و الحكمة،أي لا يكون شيئا من السّماوات و الأرض و سائر المكنونات إلاّ عن حكمة و صواب...

و يجوز أن يكون قَوْلُهُ الْحَقُّ فاعل(يكون)، على معنى:و حين يقول لقوله الحقّ-أي لقضائه الحقّ-:

كن فيكون قوله الحقّ.و انتصاب اليوم المحذوف دلّ عليه قوله:(بالحقّ)كأنّه قيل:و حين يكوّن و يقدّر يقوم بالحقّ.(2:29)

نحوه النّسفيّ.(2:19)

ابن عطيّة: (بالحقّ)أي لم يخلقها باطلا بغير معنى بل لمعان مفيدة و لحقائق بيّنة،منها ما يحسّه البشر من الاستدلال بها على الصّانع،و نزول الأرزاق و غير ذلك.

و قيل:المعنى بأن حقّ له أن يفعل ذلك.

ص: 78

و قيل:(بالحقّ)معناه بكلامه في قوله للمخلوقات (كن)و في قوله: اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فصّلت:11.

[إلى أن قال:]

و يجيء قَوْلُهُ الْحَقُّ ابتداء و خبرا،و يحتمل أن يتمّ الكلام في(كن)و يبتدأ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ، و تكون(يكون)تامّة بمعنى يظهر،و(الحقّ):صفة للقول،و(قوله)فاعل.(2:308)

الطّبرسيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

قَوْلُهُ الْحَقُّ أي يأمر فيقع أمره،أي ما وعدوا به من الثّواب و حذّروا به من العقاب.و(الحقّ)من صفة (قوله)،و(قوله)فاعل(يكون)كما تقول:قد قلت فكان قولك.و ليس المعنى إنّك قلت فكان الكلام،إنّما المعنى أنّه كان ما دلّ القول.(2:320)

الفخر الرّازيّ: في تأويل هذه الآية قولان:

الأوّل:التّقدير و هو الّذي خلق السّماوات و الأرض و خلق كلّ يوم يقول:كن،فيكون.و المراد من هذا اليوم يوم القيامة،و المعنى أنّه تعالى هو الخالق للدّنيا و لكلّ ما فيها من الأفلاك و العناصر،و الخالق ليوم القيامة و البعث و لردّ الأرواح إلى الأجساد على سبيل (كُنْ فَيَكُونُ) .

و الوجه الثّاني في التأويل:أن نقول: قَوْلُهُ الْحَقُّ مبتدأ و وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ظرف دالّ على الخبر،و التّقدير:قوله الحقّ واقع يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ، كقولك:يوم الجمعة القتال،و معناه:القتال واقع يوم الجمعة،و المراد من كون قوله حقّا في ذلك أنّه سبحانه لا يقضي إلاّ بالحقّ و الصّدق،لأنّ أقضيته منزّهة عن الجور و العبث.(13:32)

القرطبيّ: و معنى(بالحقّ)أي بكلمة الحقّ يعني قوله:(كن).[إلى أن قال:]

و على هذين التّأويلين يكون قَوْلُهُ الْحَقُّ ابتداء و خبرا.

و قيل:إنّ قوله تعالى:(قوله)رفع ب(يكون)أي فيكون ما يأمر به.و(الحقّ)من نعته،و يكون التّمام على هذا فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ. (7:19)

أبو حيّان :لمّا ذكر تعالى أنّه إلى جزائه يحشر العالم، و هو منتهى ما يؤول إليه أمرهم،ذكر مبتدأ وجود العالم و اختراعه له بالحقّ،أي بما هو حقّ لا عبث فيه و لا هو باطل،أي لم يخلقهما باطلا و لا عبثا بل صدرا عن حكمة و صواب،و ليستدلّ بهما على وجود الصّانع؛إذ هذه المخلوقات العظيمة الظّاهر عليها سمات الحدوث لا بدّ لها من محدث واحد عالم قادر مريد سبحانه جلّ و علا.

و قيل:معنى(بالحقّ)بكلامه في قوله للمخلوقات (كن)،و في قوله: اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فصّلت:11، و المراد في هذا و نحوه إنّما هو إظهار انفعال ما يريد تعالى أن يفعله،و إبرازه للوجود بسرعة و تنزيله منزلة ما يؤمر فيمتثل.[إلى أن قال:]

فيكون قَوْلُهُ الْحَقُّ أي يظهر ما يظهر،و فاعل (يكون)(قوله)،و(الحقّ)صفة،و(يكون)تامّة،و هذه الأعاريب كلّها بعيدة ينبو عنها التّركيب.و أقرب ما قيل:ما قاله الزّمخشريّ و هو أنّ قَوْلُهُ الْحَقُّ مبتدأ، و(الحقّ)صفة له.[ثمّ ذكر ما جوّزه الزّمخشريّ

ص: 79

و أضاف:]

و هذا إعراب متكلّف.(4:160)

الشّربينيّ: أي بسبب إقامة الحقّ.و قيل:خلقهما بكلامه الحقّ الّذي هو قوله تعالى:(كن)و هو دليل على أنّ كلام اللّه تعالى ليس بمخلوق،لأنّه لا يخلق مخلوق بمخلوق.

(الحقّ)أي الصّدق الواقع لا محالة.(1:428)

أبو السّعود :(بالحقّ)متعلّق بمحذوف هو حال من فاعل(خلق)أو من مفعوله،أو صفة لمصدره المؤكّد له،أي قائما بالحقّ أو متلبّسا بالحقّ أو متلبّسة به.

و قوله تعالى: وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ... (الحقّ)أي المشهود له بالحقّيّة المعروف بها.هذا و قد قيل:(قوله)مبتدأ و(الحقّ)صفته، و وَ يَوْمَ يَقُولُ خبره مقدّما عليه،كقولك:يوم الجمعة القتال،و انتصابه بمعنى الاستقرار.(2:401)

نحوه ملخّصا البروسويّ(3:52)،و الآلوسيّ(7:

190).رشيد رضا:أي خلقهما بالأمر الثّابت المتحقّق،و هو آياته القائمة بالسّنن المطّردة،المشتملة على الحكمة البالغة،الدّالّة على وجوده و صفاته الكاملة، فلم يخلقهما باطلا و لا عبثا،فإذا لا يترك النّاس سدى، بل يجزي كلّ نفس بما تسعى.

وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ أي و قوله هو الحقّ يوم يقول للشّيء:كن فيكون،و هو وقت الإيجاد و التّكوين،فلا مردّ لأمره التّكوينيّ و لا تخلّف، فكذلك يجبّ الإسلام لأمره التّكليفيّ بلا حرج في النّفس و لا تكلّف،لأنّ الأمر حقّ و الخلق حقّ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ الأعراف:54.(7:530)

سيّد قطب :فالحقّ قوام هذا الخلق،و فضلا عمّا يقرّره هذا النّصّ من نفي الأوهام الّتي عرفتها الفلسفة عن هذا الكون-و بخاصّة الأفلاطونيّة و المثاليّة-من أنّ هذا العالم المحسوس وهم لا وجود له على الحقيقة، فضلا على تصحيح مثل هذه التّصوّرات،فإنّ النّصّ يوحي بأنّ الحقّ أصيل في بنية هذا الكون،و في مآلاته كذلك.

فالحقّ الّذي يلوذ به النّاس يستند إلى الحقّ الكامن في فطرة الوجود و طبيعته،فيؤلّف قوّة هائلة لا يقف لها الباطل،الّذي لا جذور له في بنية الكون،و إنّما هو كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار، و كالزّبد يذهب جفاء؛إذ لا أصالة له في بناء الكون كالحقّ،و هذه حقيقة ضخمة،و مؤثّر كذلك عميق.

إنّ المؤمن الّذي يشعر أنّ الحقّ الّذي معه-هو شخصيّا و في حدود ذاته-إنّما يتّصل بالحقّ الكبير في كيان هذا الوجود،و في الآية الأخرى: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ فيتّصل الحقّ الكبير الّذي في الوجود بالحقّ المطلق في اللّه سبحانه،إنّ المؤمن الّذي يشعر بهذه الحقيقة على هذا النّحو الهائل،لا يرى في الباطل-مهما تضخم و انتفخ و طغى و تجبّر و قدر على الأذى المقدّر- إلاّ فقاعة طارئة على هذا الوجود،لا جذور لها و لا مدد، تنفثئ من قريب،و تذهب كأن لم تكن في هذا الوجود.

كما أنّ غير المؤمن يرتجف حسّه أمام تصوّر هذه

ص: 80

الحقيقة،و قد يستسلم و يثوب.

وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ فهو السّلطان القادر، و هي المشيئة الطّليقة في الخلق و الإبداع و التّغيير و التّبديل و عرض هذه الحقيقة،فضلا على أنّه من عمليّات البناء للعقيدة في قلوب المؤمنين،هو كذلك مؤثّر موح في نفوس الّذين يدعون إلى الاستسلام للّه ربّ العالمين،الخالق بالحقّ الّذي يقول: كُنْ فَيَكُونُ.

قَوْلُهُ الْحَقُّ سواء في القول الّذي يكون به الخلق: كُنْ فَيَكُونُ، أو في القول الّذي يأمر به بالاستسلام له وحده،أو في القول الّذي يشرع به للنّاس حين يستسلمون،أو في القول الّذي يخبر به عن الماضي و الحاضر و المستقبل،و عن الخلق و النّشأة و الحشر و الجزاء.

و قَوْلُهُ الْحَقُّ في هذا كلّه،فأولى أن يستسلم له وحده من يشركون به ما لا ينفع و لا يضرّ من خلقه، و من يتّبعون قول غيره كذلك و تفسيره للوجود و تشريعه للحياة،في أيّ اتّجاه.(2:1134)

الطّباطبائيّ: قَوْلُهُ الْحَقُّ تعليل علّلت به الجملة الّتي قبله،و الدّليل عليه فصل الجملة،و(الحقّ) هو الثّابت بحقيقة معنى الثّبوت،و هو الوجود الخارجيّ و الكون العينيّ؛و إذ كان قوله هو فعله و إيجاده كما يدلّ عليه قوله: وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ فقوله تعالى هو نفس الحقّ،فلا مردّ له و لا مبدّل لكلماته،قال تعالى:

وَ الْحَقَّ أَقُولُ ص:84.(7:146)

ابن عاشور :و الباء من قوله:(بالحقّ)للملابسة، و المجرور متعلّق ب(خلق)أو في موضع الحال من الضّمير.

و(الحقّ)في الأصل مصدر«حقّ»إذا ثبت،ثمّ صار اسما للأمر الثّابت الّذي لا ينكر،من إطلاق المصدر و إرادة اسم الفاعل،مثل:فلان عدل.

و الحقّ:ضدّ الباطل،فالباطل اسم لضدّ ما يسمّى به الحقّ،فيطلق الحقّ إطلاقا شائعا على الفعل أو القول الّذي هو عدل،و إعطاء المستحقّ ما يستحقّه،و هو حينئذ مرادف العدل،و يقابله الباطل فيرادف الجور و الظّلم.

و يطلق الحقّ على الفعل أو القول السّديد الصّالح البالغ حدّ الإتقان و الصّواب،و يرادف الحكمة و الحقيقة، و يقابله الباطل فيرادف العبث و اللّعب.

و(الحقّ)في هذه الآية بالمعنى الثّاني،كما في قوله تعالى: ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالْحَقِّ الدّخان:39،بعد قوله: وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ الدّخان:38 و كقوله: وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً آل عمران:191،فاللّه تعالى أخرج السّماوات و الأرض و ما فيهنّ من العدم إلى الوجود لحكم عظيمة،و أودع في جميع المخلوقات قوى و خصائص تصدر بسببها الآثار المخلوقة هي لها،و رتّبها على نظم عجيبة،تحفظ أنواعها و تبرز ما خلقت لأجله،و أعظمها خلق الإنسان و خلق العقل فيه و العلم.

و في هذا تمهيد لإثبات الجزاء؛إذ لو أهملت أعمال المكلّفين لكان ذلك نقصانا من الحقّ الّذي خلقت

ص: 81

السّماوات و الأرض ملابسة له،فعقّب بقوله: وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ. [إلى أن قال:]

و المعنى أنّه أنشأ خلق السّماوات و الأرض بالحقّ، و أنّه يعيد الخلق الّذي بدأه بقول حقّ،فلا يخلو شيء من تكوينه الأوّل و لا من تكوينه الثّاني عن الحقّ،و يتضمّن أنّه قول مستقبل،و هو الخلق الثّاني المقابل للخلق الأوّل،و لذلك أتى بكلمة(يوم)للإشارة إلى أنّه تكوين خاصّ مقدّر له يوم معيّن.

و في قوله: قَوْلُهُ الْحَقُّ صيغة قصر للمبالغة، أي هو الحقّ الكامل،لأنّ أقوال غيره و إن كان فيها كثير من الخطإ و ما كان فيها غير معرض للخطإ،فهو من وحي اللّه أو من نعمته بالعقل و الإصابة،فلذلك اعتداد بأنّه راجع إلى فضل اللّه.و نظير هذا قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في دعائه:

«قولك الحقّ و وعدك الحقّ».(6:166)

مغنيّة:(الحقّ)هنا إشارة إلى أنّ للكون قوانين تحكمه،و سننا يسير عليها باطّراد،تحول دون الفوضى الّتي لا يستقيم معها شيء على الإطلاق.و في هذا دلالة بالغة على وجود من يدبّر الأمر،و يجزي كلّ نفس بما كسبت.

وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ في الكلام حذف و تقديم و تأخير،و أصله هكذا:و قوله الحقّ يوم يقول للشّيء كن فيكون،و معناه أنّ قول اللّه واقع لا محالة،و يظهر ذلك جليّا واضحا للعيان يوم يقول للشّيء كن فيكون،سواء أ قال هذا القول يوم بدأ الخلق، أم يوم يعيده،و بكلمة:أنّ قول اللّه عين فعله في إيجاد الشّيء من لا شيء،و في إعادته إلى ما كان عليه بعد انحلاله و تفرّق أجزائه.(3:210)

مكارم الشّيرازيّ: المقصود من(الحقّ)في الآية هو الأهداف و النّتائج و المنافع و الحكم،أي أنّ كلّ مخلوق قد خلق لهدف و غاية و مصلحة،هذه الآية تشبه الموضوع الّذي نتناوله في الآية:27،من سورة ص الّتي جاء فيها: وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً...

ثمّ يضيف:إنّ ما يقوله اللّه هو الحقّ،أي أنّه مثلما كان مبدأ الخلق ذا أهداف و نتائج و مصالح،كذلك سيكون يوم القيامة: قَوْلُهُ الْحَقُّ. (4:318)

فضل اللّه :فليس فيها أيّ عبث في التّكوين،فكلّ شيء خاضع لحكمة،و كلّ ظاهرة منطلقة من قانون،فلا ينحرف أيّ شيء فيهما عن مداره،و لا يخرج عن مواقعه،و بذلك يحقّق الوجود غايته الّتي جعلها اللّه له، فلا بدّ من أن تخضع الأشياء كلّها،بما فيها الإنسان، للحقّ.

وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ في ما يمثّله ذلك من خضوع الوجود لإرادته،سواء في ذلك يوم التّكوين،أو يوم القيامة و هذا هو قَوْلُهُ الْحَقُّ. (9:161)

15- أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ... الأنعام:93

أبو حيّان :القول على اللّه غير الحقّ يشمل كلّ نوع من الكفر،و يدخل فيه دخولا أولويّا من تقدّم ذكره من

ص: 82

المفترين على اللّه الكذب.(4:181)

الشّربينيّ: أي كادّعاء الولد و الشّريك له تعالى، و دعوى النّبوّة و الإيحاء كذبا.(1:437)

نحوه أبو السّعود(2:417)،و البروسويّ(3:68).

الآلوسيّ: من نفي إنزاله على بشر شيئا و إدّعاء الوحي،أو من نسبة الشّرك إليه،و دعوى النّبوّة كذبا و نفيها عمّن اتّصف بها حقيقة،أو نحو ذلك.و في التّعبير ب غَيْرَ الْحَقِّ عن الباطل ما لا يخفى،و هو مفعول تَقُولُونَ. و جوّز أن يكون صفة لمصدر محذوف،أي قولا غير الحق.(7:224)

القاسميّ: كالتّحريف و دعوة النّبوّة الكاذبة،و هو جراءة على اللّه متضمّنة للاستهانة به،قاله المهايميّ.

(6:2417)

رشيد رضا :كقول بعضكم:ما أنزل اللّه على بشر من شيء،و زعم بعض آخر:أنّه أوحي إليه و لم يوح إليه شيء،و جحد طائفة منكم لما وصف اللّه تعالى به نفسه من الصّفات،و اتّخاذ أقوام له البنين و البنات،و استكبار آخرين عمّا نصبه و ما أنزله من الآيات البيّنات، احتقارا من بعضهم لمن كرّمه اللّه بإظهارها على يده و لسانه،و خشية بعض آخر من تعيير عشرائه و أقرانه.

(7:627)

فضل اللّه :و قد نتوقّف عند كلمة بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ فنرى أنّ إعطاء الشّرك هذا العنوان،و هو القول على اللّه بغير الحقّ،يدلّ على أنّ اللّه يريد من الإنسان أن يكون صادقا معه،في ما يعتقده من عقائد،و في ما يثيره من أفكار،أو يقفه من مواقف.

فلا بدّ له من التّأمّل و التّركيز على العمق،في سبيل الحصول على القناعات الإيمانيّة و الفكريّة و العمليّة، لأنّ أيّ فكر حقّ،هو قول على اللّه بالحقّ،بينما يكون الفكر الباطل قولا عليه بغير الحقّ،في ما يمثّله الحقّ من ارتباط باللّه،الأمر الّذي يبعد القناعة بالحقّ و الباطل أن تكون حالة ذاتيّة شخصيّة مرتبطة بالشّخص.

فيجعلها حديثا مرتبطا باللّه و منسوبا إليه،فتكون النّسبة إليه صدقا في حالة،و افتراء في حالة أخرى.

(9:228)

16- ...وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.

الأنعام:114

ابن عبّاس: بالأمر و النّهي.(117)

راجع:ع ل م:«يعلمون».

17- وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ.

ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. الأنعام:151

ابن عبّاس: بالعدل.(122)

مثله القاسميّ.(6:2565)

الطّبريّ: يعني:بما أباح قتلها به،من أن تقتل نفسا،فتقتل قودا بها،أو تزني و هي محصنة فترجم،أو ترتدّ عن دينها الحقّ فتقتل،فذلك الحقّ الّذي أباح اللّه جلّ ثناؤه قتل النّفس الّتي حرّم على المؤمنين قتلها به.

(8:84)

ص: 83

الماورديّ: و الحقّ:الّذي تقتل به النّفس ما بيّنه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:«لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث:كفر بعد إيمان،أو زنى بعد إحصان،أو قتل نفس بغير نفس».(2:186)

الطّوسيّ: و الحقّ:الّذي يستباح به قتل النّفس المحرّمة ثلاثة أشياء:قود بالنّفس الحرام،و الزّنى بعد إحصان،و الكفر بعد الإيمان.(4:341)

نحوه الطّبرسيّ.(2:383)

البغويّ: إلاّ بما أبيح قتله من ردّة أو قصاص،أو زنى يوجب الرّجم.(2:170)

نحوه الزّمخشريّ(2:61)،و الشّربينيّ(1:458).

ابن عطيّة: الّذي يوجب قتلها و قد بيّنته الشّريعة،و هو الكفر باللّه و قتل النّفس،و الزّنى بعد الإحصان و الحرابة و ما تشعب من هذه.(2:362)

نحوه أبو حيّان.(4:252)

الفخر الرّازيّ: قوله: إِلاّ بِالْحَقِّ أي قتل النّفس المحرّمة قد يكون حقّا لجرم يصدر منها،و الحديث أيضا موافق له.[و ذكر الحديث النّبويّ ثمّ قال:]

و القرآن دلّ على سبب رابع،و هو قوله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا المائدة:33.

و الحاصل:أنّ الأصل في قتل النّفس هو الحرمة، و حلّه لا يثبت إلاّ بدليل منفصل.(13:233)

نحوه النّيسابوريّ.(8:56)

القرطبيّ: و هذا(الحقّ)أمور:

منها:منع الزّكاة و ترك الصّلاة،و قد قاتل الصّدّيق مانعي الزّكاة،و في التّنزيل فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ التّوبة:5.و هذا بيّن.

و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث:الثّيّب الزّاني،و النّفس بالنّفس،و التّارك لدينه المفارق للجماعة».

و قال عليه السّلام:«إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»،أخرجه مسلم.

و روى أبو داود عن ابن عبّاس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به»،و سيأتي بيان هذا في الأعراف.

و في التّنزيل إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ... المائدة:33،و قال: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الحجرات:9.

و كذلك من شقّ عصا المسلمين و خالف إمام جماعتهم،و فرّق كلمتهم،و سعى في الأرض فسادا بانتهاب الأهل و المال،و البغي على السّلطان و الامتناع من حكمه،يقتل،فهذا معنى قوله: إِلاّ بِالْحَقِّ.

(7:133)

أبو السّعود :استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال،أي لا تقتلوها في حال من الأحوال إلاّ حال ملابستكم بالحقّ الّذي هو أمر الشّرع بقتلها،و ذلك بالكفر بعد الإيمان، و الزّنى بعد الإحصان،و قتل النّفس المعصومة.

أو من أعمّ الأسباب،أي لا تقتلوها بسبب من

ص: 84

الأسباب إلاّ بسبب الحقّ و هو ما ذكر.

أو من أعمّ المصادر،أي لا تقتلوها قتلا ما إلاّ قتلا كائنا بالحقّ،و هو القتل بأحد الأمور المذكورة.

(2:460)

نحوه البروسويّ(3:118)،و الآلوسيّ(8:55).

رشيد رضا :و قوله: إِلاّ بِالْحَقِّ هو ما يبيح القتل شرعا،كقتل القاتل عمدا بشرطه.(8:188)

سيّد قطب :و الحقّ الّذي تؤخذ به النّفس بيّنه اللّه في شريعته،و لم يتركه للتّقدير و التّأويل.و لكنّه لم يبيّنه ليصبح شريعة إلاّ بعد أن قامت الدّولة المسلمة،و أصبح لها من السّلطان ما يكفل لها تنفيذ الشّريعة.

و هذه اللّفتة لها قيمتها في تعريفنا،بطبيعة منهج هذا الدّين في النّشأة و الحركة.فحتّى هذه القواعد الأساسيّة في حياة المجتمع،لم يفصّلها القرآن إلاّ في مناسبتها العمليّة.(3:1232)

مغنيّة:الأصل في قتل النّفس التّحريم،و لا يحلّ إلاّ بسبب موجب،و هو واحد من أربعة نصّت السّنّة النّبويّة على ثلاثة منها.[ذكر حديث النّبويّ و قال:]

و نصّ الكتاب على السّبب الرّابع في الآية إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ... المائدة:33.(3:283)

18- وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ... الأعراف:8

راجع وزن:«و الوزن».

19- ...رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ...

الأعراف:89

راجع:ف ت ح:«افتح».

20- وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ. الأعراف:159

راجع:أم م:«أمّة».

21- فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

الأعراف:118

راجع:و ق ع:«فوقع»و ب ط ل:«الباطل».

22- كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ. الأنفال:5

ابن عبّاس: بالقرآن.(145)

الماورديّ: في قوله:(بالحقّ) وجهان:

أحدهما:أنّك خرجت و معك الحقّ.

الثّاني:أنّه أخرجك بالحقّ الّذي وجب عليك.

(2:295)

الميبديّ: أي بالوحي الّذي أتاك به جبرئيل.

(4:7)

مثله الطّبرسيّ.(2:521)

الزّمخشريّ: أي إخراجا متلبّسا بالحكمة، و الصّواب الّذي لا محيد عنه.(2:143)

نحوه الفخر الرّازيّ.(15:126)

الطّبرسيّ: أي بالوحي؛و ذلك أنّ جبرائيل عليه السّلام أتاه و أمره بالخروج.و قيل:معناه أخرجك و معك الحقّ،

ص: 85

و قيل:معناه أخرجك بالحقّ الّذي وجب عليك و هو الجهاد.(2:521)

أبو حيّان :أي بسبب إظهار دين اللّه و إعزاز شريعته.(4:463)

البروسويّ: حال من مفعول(اخرجك)أي أخرجك ملتبسا بالحقّ،و هو إظهار دين اللّه و قهر أعداء اللّه.(3:314)

الآلوسيّ: أي إخراجا متلبّسا به،فالباء للملابسة.

و قيل:هي سببيّة،أي بسبب الحقّ الّذي وجب عليك، و هو الجهاد.(9:169)

الطّباطبائيّ: و المراد(بالحقّ)ما يقابل الباطل، و هو الأمر الثّابت الّذي يترتّب عليه آثاره الواقعيّة المطلوبة،و كون الفعل-و هو الإخراج-بالحقّ هو أن يكون هو المتعيّن الواجب بحسب الواقع.

و قيل:المراد به الوحي،و قيل:المراد به الجهاد، و قيل:غير ذلك،و هي معان بعيدة.(9:13)

عبد الكريم الخطيب :و خروجه-صلوات اللّه و سلامه عليه-بالحقّ،أي للحقّ،و من أجل الدّفاع عن قضيّة الحقّ،و ليست قضيّة الحقّ هي هذا المتاع الّذي كانت تحمله العير،و لا هذه الأنفال الّتي خلصت لأيدي المسلمين،و إنّما قضيّة الحقّ هي إعلاء كلمة اللّه،و إزاحة العقبات الّتي تقف في وجه الدّعوة إلى اللّه،بمحاربة أولئك الّذين يحاربون اللّه،و يصدّون النّاس عن سبيله.

و الحقّ دائما ثقيل الوطأة على النّاس،إلاّ من رزقهم اللّه الإيمان الوثيق،و العزم القويّ،و أمدّهم بأمداد لا تنفد من الصّبر على المكاره،و القدرة على احتمال الشّدائد؛إذ الحقّ-في حقيقته-مغالبة لأهواء النّفس،و تصدّ لنزعاتها،و إيثار للآخرة على الدّنيا؛و ذلك من شأنه أن يجعل الإنسان في حرب متّصلة مع نفسه،حتّى إذا أقامها على الحقّ،و أسلم زمامها له،كان عليه أن يواجه النّاس،و أن يجاهد في سبيل الحقّ الّذي عرفه،و آمن به، فيكون حربا على المنكر بقلبه و لسانه و يده.

و من هنا كان الصّبر قرين الحقّ في كلّ دعوة يدعو إليها الإسلام،في مجال الخير و الإحسان،و في كلّ ما من شأنه أن يقيم الإنسان و الإنسانيّة،على صراط مستقيم.

[ثمّ أدام الكلام في الصّبر](5:567)

مكارم الشّيرازيّ: و التّعبير(بالحقّ)إشارة إلى أنّ أمر الخروج كان طبقا لوحي إلهيّ و دستور سماويّ، و كانت نتيجته الوصول نحو الحقّ و استقرار المجتمع الإسلاميّ.(5:334)

فضل اللّه :...أمّا كلمة(بالحقّ)فقد توحي لنا بالهدف الّذي كان يحكم التّحرّك النّبويّ في اتّجاه القافلة القرشيّة،فقد كان بأمر اللّه لا برأي شخصيّ للنّبيّ،و إذا كانت المسألة كذلك،فإنّ اللّه لا يأمر إلاّ بالحركة المرتكزة على أساس الحقّ،في ما تمثّله الكلمة من الارتباط بالهدف الكبير،من قوّة الإسلام و انتشار أمره،و ثبات مواقعه.(10:333)

23- يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ. الأنفال:6

ص: 86

ابن عبّاس: في الحرب.(145)

يجادلونك في القتال يوم بدر بعد ما تبيّن صوابه، و أنّه مأمور به.(الطّبرسيّ 2:521)

مجاهد :القتال.(الطّبريّ 9:181)

مثله البغويّ(2:269)،و الميبديّ(4:7)، و الطّبرسيّ(2:521)،و القرطبيّ(7:369)، و الشّربينيّ(1:558).

الطّبرسيّ: و قيل:بعد ما تبيّن أنّك يا محمّد لا تصنع إلاّ ما أمرك اللّه به.(2:521)

ابن عطيّة: و الضّمير في قوله: يُجادِلُونَكَ قيل:هو للمؤمنين،و قيل:للمشركين.فمن قال:

للمؤمنين،جعل(الحقّ)قتال مشركي قريش،و من قال:للمشركين،جعل(الحقّ)شريعة الإسلام.

(2:502)

النّيسابوريّ: أي في تلقّي النّفير.(9:125)

نحوه البروسويّ(3:316)،و القاسميّ(8:2955).

أبو حيّان :و(الحقّ)هنا نصرة دين الإسلام، و قيل:الضّمير يعود على المشركين،و جدالهم في الحقّ هو في شريعة الإسلام.(4:463)

أبو السّعود :الّذي هو تلقّي النّفير لإيثارهم عليه تلقّي العير،و الجملة استئناف أو حال ثانية،أي أخرجك في حال مجادلتهم إيّاك.و يجوز أن يكون حالا من الضّمير في لَكارِهُونَ. (3:79)

الآلوسيّ: الّذي هو تلقّي النّفير المعلى للدّين لإيثارهم عليه تلقّي العير،و الجملة إمّا مستأنفة أو حال ثانية.و جوّز أن تكون حالا من الضّمير في لَكارِهُونَ. (9:171)

24- وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ. الأنفال:32

ابن عبّاس: أن ليس لك ولد و لا شريك.(148)

الفرّاء: في(الحقّ)النّصب و الرّفع،إن جعلت(هو) اسما رفعت(الحقّ)ب(هو)،و إن جعلتها عمادا بمنزلة الصّلة نصبت(الحقّ).و كذلك فافعل في أخوات«كان»، و«ظنّ»و أخواتها،كما قال اللّه تبارك و تعالى: وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ سبأ:6،تنصب(الحقّ)لأنّ«رأيت»من أخوات «ظننت».و كلّ موضع صلحت فيه يفعل،أو فعل مكان الفعل المنصوب ففيه العماد و نصب الفعل.و فيه رفعه ب«هو»على أن تجعلها اسما،و لا بدّ من الألف و اللاّم إذا وجدت إليهما السّبيل.

فإذا قلت:وجدت عبد اللّه هو خيرا منك و شرّا منك أو أفضل منك،ففيما أشبه هذا الفعل النّصب و الرّفع:

النّصب على أن ينوى الألف و اللاّم،و إن لم يمكن إدخالهما،و الرّفع على أن تجعل«هو»اسما،فتقول:

ظننت أخاك هو أصغر منك و هو أصغر منك.

و إذا جئت إلى الأسماء الموضوعة مثل عمرو، و محمّد،أو المضافة مثل أبيك،و أخيك رفعتها،فقلت:

أظنّ زيدا هو أخوك،و أظنّ أخاك هو زيد،فرفعت؛إذ لم

ص: 87

تأت بعلامة المردود،و أتيت ب«هو»الّتي هي علامة الاسم،و علامة المردود أن يرجع كلّ فعل لم تكن فيه ألف و لام بألف و لام و يرجع على الاسم،فيكون هو عمادا للاسم،و الألف و اللاّم عماد للفعل.فلمّا لم يقدر على الألف و اللاّم و لم يصلح أن تنويا في«زيد»لأنّه فلان،و لا في«الأخ»لأنّه مضاف،آثروا الرّفع.

و صلح في«أفضل منك»لأنّك تلقي«من»فتقول:

رأيتك أنت الأفضل،و لا يصلح ذلك في«زيد»و لا في «الأخ»أن تنوي فيهما ألفا و لاما.و كان الكسائيّ يجيز ذلك فيقول:رأيت أخاك و هو زيدا،و رأيت زيدا هو أخاك.و هو جائز كما جاز في«أفضل»للنّيّة نيّة الألف و اللاّم،و كذلك جاز في زيد،و أخيك.

و إذا أمكنتك الألف و اللاّم ثمّ لم تأت بهما فارفع، فتقول:رأيت زيدا هو قائم و رأيت عمرا هو جالس.[ثمّ استشهد بشعر](1:409)

نحوه الطّبريّ.(9:233)

الزّجّاج: القراءة على نصب (الحقّ) على خبر (كان)و دخلت(هو)للفصل،و قد شرحنا هذا فيما سلف من الكتاب.

و اعلم أنّ(هو)لا موضع لها في قولنا،و أنّها بمنزلة «ما»المؤكّدة،و دخلت ليعلم أنّ(الحقّ)ليس بصفة لهذا أو أنّه خبر،و يجوز (هو الحقّ من عندك) و لا أعلم أحدا قرأ بها،و لا اختلاف بين النّحويّين في إجازتها.

و لكنّ القراءة سنّة لا يقرأ فيها إلاّ بقراءة مرويّة.

(2:411)

الطّوسيّ: إن قالوا:كيف طلبوا بالحقّ من اللّه العذاب،و إنّما يطلب به الخير و الثّواب؟

قلنا:لأنّهم قالوا ذلك على أنّه ليس بحقّ من اللّه عندهم،و إذا لم يكن حقّا من اللّه لم يصبهم البلاء الّذي طلبوه.(5:131)

البغويّ: (الحقّ)نصب بخبر(كان)،و هو عماد وصلة.(2:289)

الزّمخشريّ: و هذا أسلوب من الجحود بليغ،يعني إن كان القرآن هو الحقّ فعاقبنا على إنكاره بالسّجّيل،كما فعلت بأصحاب الفيل أو بعذاب آخر،و مراده نفي كونه حقّا.

و إذا انتفى كونه حقّا لم يستوجب منكره عذابا،فكان تعليق العذاب بكونه حقّا مع اعتقاد أنّه ليس بحقّ، كتعليقه بالمحال في قولك:إن كان الباطل حقّا فأمطر علينا حجارة.و قوله:و هُوَ الْحَقَّ تهكّم بمن يقول على سبيل التّخصيص و التّعيين:هذا هو الحقّ.

و قرأ الأعمش (هو الحقّ) بالرّفع على أنّ(هو) مبتدأ غير فصل،و هو في القراءة الأولى فصل.

(2:155)

ابن عطيّة: و يجوز في العربيّة رفع(الحقّ)على أنّه خبر(هو)و الجملة خبر(كان).قال الزّجّاج:و لا أعلم أحدا قرأ بهذا الجائز،و قراءة النّاس إنّما هي بنصب (الحقّ)على أن يكون خبر(كان)و يكون(هو)فصلا، فهو حينئذ اسم،و فيه معنى الإعلام بأنّ الّذي بعده خبر، ليس بصفة.(2:521)

ص: 88

الفخر الرّازيّ: إن قيل:هذا الكلام يوجب الإشكال من وجهين:

الأوّل:أنّ قوله: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ حكاه اللّه عن الكفّار،و كان هذا كلام الكفّار،و هو من جنس نظم القرآن،فقد حصلت المعارضة في هذا القدر.و أيضا حكى عنهم أنّهم قالوا في سورة بني إسرائيل: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً الإسراء:90،و ذلك أيضا كلام الكفّار فقد حصل من كلامهم ما يشبه نظم القرآن و معارضته؛ و ذلك يدلّ على حصول المعارضة.

الثّاني:أنّ كفّار قريش كانوا معترفين بوجود الإله و قدرته و حكمته،و كانوا قد سمعوا التّهديد الكثير من محمّد عليه الصّلاة و السّلام في نزول العذاب،فلو كان نزول القرآن معجزا لعرفوا كونه معجزا،لأنّهم أرباب الفصاحة و البلاغة،و لو عرفوا ذلك لكان أقلّ الأحوال أن يصيروا شاكّين في نبوّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام، و لو كانوا كذلك لما أقدموا على قولهم: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ لأنّ المتوقّف الشّاكّ لا يتجاسر على مثل هذه المبالغة؛و حيث أتوا بهذه المبالغة،علمنا أنّه ما لاح لهم في القرآن وجه من الوجوه المعجزة.

و الجواب عن الأوّل:أنّ الإتيان بهذا القدر من الكلام لا يكفي في حصول المعارضة،لأنّ هذا المقدار كلام قليل لا يظهر فيه وجوه الفصاحة و البلاغة،و هذا الجواب لا يتمشّى إلاّ إذا قلنا:التّحدّي ما وقع بجميع السّور،و إنّما وقع بالسّورة الطّويلة الّتي يظهر فيها قوّة الكلام.

و الجواب عن الثّاني:هب أنّه لم يظهر لهم الوجه في كون القرآن معجزا إلاّ أنّه لمّا كان معجزا في نفسه،فسواء عرفوا ذلك الوجه أو لم يعرفوا،فإنّه لا يتفاوت الحال فيه.(15:157)

البيضاويّ: و المعنى إن كان هذا القرآن حقّا منزلا فأمطر الحجارة علينا،عقوبة على إنكاره،أو ائتنا بعذاب أليم سواه،و المراد منه:التّهكّم و إظهار اليقين و الجزم التّامّ على كونه باطلا.و قرئ(الحقّ)بالرّفع على أنّ(هو) مبتدأ غير فصل.

و فائدة التّعريف فيه الدّلالة على أنّ المعلّق به كونه حقّا بالوجه الّذي يدّعيه النّبيّ و هو تنزيله،لا الحقّ مطلقا بتجويزهم أن يكون مطابقا للواقع غير منزل، كأساطير الأوّلين.(1:392)

نحوه أبو السّعود(3:94)،و البروسويّ(3:341)، و القاسميّ(8:2985).

النّيسابوريّ: و هذا أسلوب من العناد بليغ،لأنّ قوله:(هو الحقّ)بالفصل و تعريف الخبر تهكّم بمن يقول على سبيل التّخصيص و التّعيين:هذا هو الحقّ.

(9:149)

أبو حيّان :و الإشارة في قوله: إِنْ كانَ هذا إلى القرآن أو ما جاء به الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم من التّوحيد و غيره،أو نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من بين سائر قريش،أقوال.

ص: 89

و قرأ الجمهور هُوَ الْحَقَّ بالنّصب جعلوا(هو) فصلا،و قرأ الأعمش و زيد بن عليّ بالرّفع،و هي جائزة في العربيّة،فالجملة خبر كان و هي لغة تميم يرفعون بعد (هو)الّتي هي فصل في لغة غيرهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقدّم الكلام على الفصل و فائدته في أوّل البقرة.

(4:488)

الآلوسيّ: و اللاّم في(الحقّ)قيل:للعهد،و معنى العهد فيه أنّه الحقّ الّذي ادّعاه النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و هو أنّه كلام اللّه المنزل عليه عليه الصّلاة و السّلام،على النّمط المخصوص و مِنْ عِنْدِكَ إن سلّم دلالته عليه فهو للتّأكيد،و حينئذ فالمعلّق به كونه حقّا بالوجه الّذي يدّعيه النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،لا الحقّ مطلقا لتجويزهم أن يكون مطابقا للواقع غير منزل كأساطير الأوّلين.[و بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

و زعم بعضهم أنّ هذا قول بأنّ اللاّم للجنس،و أشار إلى أنّ الأولى حملها على العهد الخارجيّ،على معنى الحقّ المعهود المنزل من عند اللّه تعالى(هذا)لا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ فالتّركيب مفيد لتخصيص المسند إليه بالمسند على آكد وجه.

و حمل كلام البيضاويّ على ذلك!و طعن في مسلك «الكشّاف»بعدم ثبوت قائل،أو لا على وجه التّخصيص يتهكّم به.و لا يخفى ما فيه من المنع و التّعسّف.(9:199)

ابن عاشور :معنى كلامهم:أنّ هذا القرآن ليس حقّا من عندك،فإن كان حقّا فأصبنا بالعذاب.و هذا يقتضي أنّهم قد جزموا بأنّه ليس بحقّ و ليس الشّرط على ظاهره حتّى يفيد تردّدهم في كونه حقّا،و لكنّه كناية عن اليمين.

و قد كانوا لجهلهم و ضلالهم يحسبون أنّ اللّه يتصدّى لمخاطرتهم،فإذا سألوه أن يمطر عليهم حجارة-إن كان القرآن حقّا منه-أمطر عليهم الحجارة،و أرادوا أن يظهروا لقومهم صحّة جزمهم بعدم حقّيّة القرآن، فأعلنوا الدّعاء على أنفسهم،بأن يصيبهم عذاب عاجل إن كان القرآن حقّا من اللّه،ليستدلّوا بعدم نزول العذاب،على أنّ القرآن ليس من عند اللّه،و ذلك في معنى القسم كما علمت.

و تعليق الشّرط بحرف(ان)لأنّ الأصل فيها عدم اليقين بوقوع الشّرط،فهم غير جازمين بأنّ القرآن حقّ و منزل من اللّه،بل هم موقنون بأنّه غير حقّ،و اليقين بأنّه غير حقّ أخصّ من عدم اليقين بأنّه حقّ.

و ضمير(هو)ضمير فصل،فهو يقتضي تقوّي الخبر،أي إن كان هذا حقّا و من عندك بلا شكّ.

و تعريف المسند بلام الجنس يقتضي الحصر، فاجتمع في التّركيب تقوّ و حصر؛و ذلك تعبيرهم يحكون به أقوال القرآن المنوّهة بصدقه،كقوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ آل عمران:62.

و هم إنّما أرادوا إن كان القرآن حقّا و لا داعي لهم إلى نفي قوّة حقّيّته و لا نفي انحصار الحقّيّة فيه،و إن كان ذلك لازما لكونه حقّا،لأنّه إذا كان حقّا كان ما هم عليه

ص: 90

باطلا،فصحّ اعتبار انحصار الحقّيّة فيه انحصارا إضافيّا، إلاّ أنّه لا داعي إليه،لو لا أنّهم أرادوا حكاية الكلام الّذي يبطلونه.

و هذا الدّعاء كناية منهم عن كون القرآن ليس كما يوصف به،للتّلازم بين الدّعاء على أنفسهم و بين الجزم بانتفاء ما جعلوه سبب الدّعاء،بحسب عرف كلامهم و اعتقادهم.

و مِنْ عِنْدِكَ حال من(الحقّ)،أي منزلا من عندك،فهم يطعنون في كونه حقّا و في كونه منزلا من عند اللّه.(9:85)

الطّباطبائيّ: قوله: إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ يدلّ بلفظه على أنّ الّذي سمعوه من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بلسان القال أو الحال بدعوته،هو قوله:«هذا هو الحقّ من عند اللّه»و فيه شيء من معنى الحصر،و هذا غير ما كان يقوله لهم:هذا حقّ من عند اللّه.

فإنّ القول الثّاني يواجه به الّذي لا يرى دينا سماويّا و نبوّة إلهيّة،كما كان يقوله المشركون و هم الوثنيّة: ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ الأنعام:91.

و أمّا القول الأوّل فإنّما يواجه به من يرى أنّ هناك دينا حقّا من عند اللّه و رسالة إلهيّة يبلغ الحقّ من عنده، ثمّ ينكر كون ما أتى به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو بعض ما أتى به هو الحقّ من عند اللّه تعالى،فيواجه بأنّه هو الحقّ من عند اللّه لا غيره،ثمّ يردّ بالاشتراط في مثل قوله: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ.

فالأشبه أن لا يكون هذا حكاية عن بعض المشركين بنسبته إلى جميعهم،لاتّفاقهم في الرّأي أو رضا جميعهم بما قاله هذا القائل،بل كأنّه حكاية عن بعض أهل الرّدّة ممّن أسلم ثمّ ارتدّ،أو عن بعض أهل الكتاب المعتقدين بدين سماويّ حقّ،فافهم ذلك.(9:67)

مكارم الشّيرازيّ: و الآية تتحدّث عن منطق عجيب آخر،فتقول: وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ... لقد كانوا يقولون ذلك لشدّة تعصّبهم و عنادهم،و كانوا يتصوّرون أنّ الدّين الإسلاميّ لا أساس له أبدا،و إلاّ فإنّ أحدا يحتمل حقّانيّة الإسلام كيف يمكنه أن يدعو على نفسه بمثل هذا الدّعاء!

كما يرد هذا الاحتمال،و هو أنّ شيوخ المشركين و سادتهم كانوا يقولون ذلك الكلام لتضليل النّاس، و ليثبتوا لبسطائهم أنّ رسالة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله باطلة تماما،مع أنّهم في الوقت ذاته لم تكن قلوبهم معتقدة بهذا الاعتقاد الجاري على ألسنتهم.

و كأنّهم-أي المشركين-يريدون أن يقولوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّك تتكلّم عن الأنبياء السّابقين،و إنّ اللّه قد أهلك أعداءهم بحجارة أمطرها عليهم،كما هي الحال في شأن قوم لوط،فإن كنت صادقا فيما تقول فامطر علينا حجارة من السّماء.

و قد ورد عن الإمام الصّادق عليه السّلام في«مجمع البيان» أنّه لمّا نصب رسول اللّه عليّا عليه السّلام يوم غدير خمّ،و قال:

من كنت مولاه فعليّ مولاه،طار ذلك في البلاد،فقدم على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله النّعمان بن الحارث الفهريّ،فقال:أمرتنا

ص: 91

عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّك رسول اللّه، و أمرتنا بالجهاد و الحجّ و الصّوم و الصّلاة و الزّكاة فقبلناها،ثمّ لم ترض حتّى نصبت هذا الغلام،فقلت:من كنت مولاه فعليّ مولاه،فهذا شيء منك أو أمر من عند اللّه؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله:«و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو،إنّ هذا من اللّه»فولّى النّعمان بن الحارث و هو يقول:اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء، فرماه اللّه بحجر على رأسه فقتله.

و هذا الحديث لا ينافي نزول الآية في قصّة الغدير، لأنّ سبب النّزول لم يكن موضوع النّعمان،بل إنّه اقتبس من الآية في الدّعاء على نفسه،و هذا يشبه قولنا في الدّعاء مقتبسين ذلك من القرآن رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً البقرة:201.

سيأتي تفصيل هذا الموضوع و ما ذكرته كتب أهل السّنّة-من أسانيد كثيرة له في ذيل الآية الأولى من سورة المعارج سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ المعارج:

1-بإذن اللّه.(5:379)

25- ...وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ... التّوبة:29

راجع:د ي ن:«يدينون».

26- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ... التّوبة:33

ابن عبّاس: دين الإسلام و شهادة أن لا إله إلاّ اللّه.

(157)

نحوه الطّبريّ(10:116)،و الميبديّ(3:119)، و البغويّ(2:340)،و ابن الجوزيّ(3:427)،و أبو حيّان(5:33)،و الشّربينيّ(1:606).

الضّحّاك: إنّ(الهدى):البيان و(دين الحقّ):

الإسلام.(الماورديّ 2:355)

الماورديّ: فيها أربعة تأويلات:

أحدها:[قول الضّحّاك و قد تقدّم]

و الثّاني:أنّ الهدى الدّليل،و دين الحقّ المدلول عليه.

و الثّالث:معناه بالهدى إلى دين الحقّ.

و الرّابع:أنّ معناهما واحد،و إنّما جمع بينهما تأكيدا لتغاير اللّفظين.(2:355)

الطّوسيّ: دِينَ الْحَقِّ هو الإسلام و ما تضمّنه من الشّرائع،لأنّه الّذي يستحقّ عليه الجزاء بالثّواب، و كلّ دين سواه باطل،لأنّه يستحقّ به العقاب.

(5:244)

نحوه الطّبرسيّ.(3:24)

ابن عطيّة: قوله: دِينَ الْحَقِّ إشارة إلى الإسلام و الملّة بجمعها،و هي الحنيفيّة.(3:26)

أبو السّعود :الثّابت و دين الإسلام.(3:143)

نحوه الآلوسيّ.(10:86)

القاسميّ: أي التّوحيد الثّابت الّذي لا يزول.

(8:3129)

الطّباطبائيّ: دِينَ الْحَقِّ هو الإسلام بما يشتمل عليه من العقائد و الأحكام المنطبقة على الواقع

ص: 92

الحقّ.

و المعنى أنّ اللّه هو الّذي أرسل رسوله و هو محمّد صلّى اللّه عليه و آله مع الهداية-أو الآيات و البيّنات-و دين فطريّ ليظهر و ينصر دينه الّذي هو دين الحقّ على كلّ الأديان،و لو كره المشركون ذلك.(9:247)

مكارم الشّيرازيّ: ما المراد من بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ؟

هذا التّعبير الوارد في الآية كأنّه إشارة إلى دليل انتصار الإسلام و ظهوره على جميع الأديان،لأنّه لمّا كان محتوى دعوة النّبيّ الهداية،و العقل يدلّ على ذلك في كلّ موطن،و لمّا كانت أصوله و فروعه موافقة للحقّ،و مع الحقّ،و تسير في مسير الحقّ،و لأجل الحقّ.فهذا الدّين سينتصر على جميع الأديان طبعا.

و قد جاء عن أحد علماء الهند أنّه سبر فكره في مطالعة مختلف الأديان فترة من الزّمن،و انتهى أمره إلى اختيار الدّين الإسلاميّ من بين جميع أديان العالم،ثمّ نشر كتابا بالإنجليزيّة اسمه«لم أسلمت»؟و بيّن فيه مزايا الدّين الإسلاميّ على غيره من الأديان.

من أهمّ المسائل الّتي أثارت انتباهه-كما يقول-أنّ الإسلام الدّين الوحيد الّذي له تأريخ ثابت محفوظ.

و هو يتعجّب كيف اختارت«أو ربا»لها دينا ترى أنّ من جاء به أجلّ من الإنسان و تعدّه ربّها،مع أنّ هذا الدّين ليس له تأريخ دقيق.

إنّ مطالعة آراء الّذين انتحلوا الإسلام دينا جديدا و عزفوا عن دينهم السّابق،تكشف أنّهم كانوا في منتهى البساطة و الغفلة و التّضليل،إلاّ أنّ أصول الإسلام و فروعه ذات الأدلّة الحكمة،ساقتهم إلى الإسلام البعيد عن الخرافات كلّها،و الّذي يتجلّى فيه نور الحقّ و الهداية.(6:15)

فضل اللّه :الشّامل الكامل الّذي يتميّز بالسّعة و العمق و الامتداد في الحياة،و الانطلاق بالإنسان إلى كلّ سماوات الإبداع الرّوحيّ و الكمال الإنسانيّ،و الانطلاق الفكريّ و التّركيز العمليّ الواعي.(11:92)

27- لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتّى جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ. التّوبة:48

الثّعلبيّ: أي النّصر و الظّفر.(5:52)

نحوه الماورديّ(2:370)،و البغويّ(2:355)، و الزّمخشريّ(2:194)،و الطّبرسيّ(3:36)،و ابن الجوزيّ(3:448)،و أبو السّعود(3:157)، و البروسويّ(3:443)،و الآلوسيّ(10:113)، و القاسميّ(8:3170).

الميبديّ: أي غلب الإسلام الشّرك و ظهر أمر اللّه و علا دين اللّه و هو الإسلام.و قيل:حتّى أخزاهم اللّه بإظهار الحقّ و إعزاز الدّين على كره منهم.(4:143)

الفخر الرّازيّ: المراد منه:القرآن و دعوة محمّد.

(16:83)

نحوه أبو حيّان.(5:50)

النّيسابوريّ: و التّأويل هو العقل القابل لأوامر الشّرع.(10:102)

ص: 93

الطّباطبائيّ: و هو الحقّ يجب أن يتّبع.

(9:291)

فضل اللّه :بقوّة الضّاربة المتحدّية.(11:129)

28- فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ. يونس:32

ابن عبّاس: (الحقّ)هو الحقّ و عبادته الحقّ، فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فما ذا عبادتكم بعد عبادة اللّه إلاّ عبادة الشّيطان.(173)

الطّبريّ: اَللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ لا شكّ فيه فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ يقول:فأيّ شيء سوى الحقّ إلاّ الضّلال،و هو الجور عن قصد السّبيل.يقول:فإذا كان الحقّ هو ذا،فادّعاؤكم غيره إلها و ربّا هو الضّلال، و الذّهاب عن الحقّ،لا شكّ فيه.(11:114)

الطّوسيّ: و إنّما وصفه بأنّه(الحقّ)لأنّ له معنى الإلهيّة دون غيره من الأوثان و الأصنام،و هو الرّبّ تعالى وحده.و قوله: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ صورته صورة الاستفهام،و المراد به:التّقرير على موضع الحجّة،لأنّه لا يجد المجيب محيدا عن الإقرار به إلاّ بذكر ما لا يلتفت إليه،و كلّما تدعو إليه الحكمة على اختلافه فهو حقّ،و المراد أنّه ليس بعد الإقرار بالحقّ،و الانقياد له إلاّ الضّلال و العدول عنه.(5:427)

نحوه الطّبرسيّ.(3:107)

القشيريّ: ما يكون من موضوعات الحقّ، و متعلّقات الإرادة،و متناولات المشيئة،و مجنّسات التّقدير،و مصرّفات القدرة،فهي أشباح خاوية، و أحكام التّقدير عليها جارية.(3:94)

الميبديّ: أي الّذي هذا كلّه فعله هو الحقّ،ليس هؤلاء الّذين جعلتم معه شركاء فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ أي إذا كان الحقّ عبادة اللّه فعبادة غيره ضلال باطل.(4:287)

الزّمخشريّ: الثّابت ربوبيّته ثباتا لا ريب فيه لمن حقّق النّظر، فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ يعني أنّ الحقّ و الضّلال لا واسطة بينهما،فمن تخطّى الحقّ وقع في الضّلال.(2:236)

نحوه القاسميّ.(9:2345)

ابن عطيّة: فهذا الّذي هذه صفاته رَبُّكُمُ الْحَقُّ أي المستوجب للعبادة و الألوهيّة،و إذا كان ذلك فتشريك غيره ضلال و غير حقّ.و عبارة القرآن في سوق هذه المعاني تفوق كلّ تفسير براعة و إيجازا و إيضاحا.و حكمت هذه الآية بأنّه ليس بين الحقّ و الضّلال منزلة ثالثة في هذه المسألة الّتي هي توحيد اللّه، و كذلك هو الأمر في نظائرها،و هي مسائل الأصول الّتي الحقّ فيها في طرف واحد،لأنّ الكلام فيها إنّما هو في تقرير وجود ذات كيف و هي،و ذلك بخلاف مسائل الفروع الّتي قال اللّه تعالى فيها: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً المائدة:48،و قال النّبيّ:«الحلال بيّن و الحرام بيّن و بينهما أمور متشابهات».

و(الحقّ)في هذه في الطّرفين،لأنّ المتعبّدين إنّما طلبوا بالاجتهاد لا بعين في كلّ نازلة،و يدلّك على أنّ

ص: 94

الحقّ في الطّرفين اختلاف الشّرائع بتحليل و تحريم في شيء واحد،و الكلام في مسائل الفروع إنّما هو في أحكام طارئة على وجود ذات متقرّرة لا يختلف فيها و إنّما يختلف في الأحكام المتعلّقة بالمشترع.(3:118)

الفخر الرّازيّ: الثّابت ربوبيّته ثباتا لا ريب فيه، و إذا ثبت أنّ هذا هو الحقّ،وجب أن يكون ما سواه ضلالا،لأنّ النّقيضين يمتنع أن يكونا حقّين و أن يكونا باطلين،فإذا كان أحدهما حقّا،وجب أن يكون ما سواه باطلا.(17:87)

مثله الشّربينيّ.(2:18)

القرطبيّ: فيه ثمان مسائل:

الأولى:قوله تعالى: فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ أي هذا الّذي يفعل هذه الأشياء هو ربّكم الحقّ،لا ما أشركتم معه. فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ. (ذا)صلة أي ما بعد عبادة الإله الحقّ إذا تركت عبادته إلاّ الضّلال.

قال بعض المتقدّمين:ظاهر هذه الآية يدلّ على أنّ ما بعد اللّه هو الضّلال،لأنّ أوّلها فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ و آخرها فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فهذا في الإيمان و الكفر،ليس في الأعمال.

و قال بعضهم:إنّ الكفر تغطية الحقّ،و كلّ ما كان غير الحقّ جرى هذا المجرى،فالحرام ضلال و المباح هدى،فإنّ اللّه هو المبيح و المحرّم.

و الصّحيح الأوّل،لأنّ قبل قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ ثمّ قال: فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ أي هذا الّذي رزقكم،و هذا كلّه فعله هو رَبُّكُمُ الْحَقُّ أي الّذي تحقّ له الألوهيّة و يستوجب العبادة،و إذا كان ذلك فتشريك غيره ضلال و غير حقّ.

الثّانية-قال علماؤنا:حكمت هذه الآية بأنّه ليس بين الحقّ و الباطل منزلة ثالثة في هذه المسألة الّتي هي توحيد اللّه تعالى،و كذلك هو الأمر في نظائرها،و هي مسائل الأصول الّتي الحقّ فيها في طرف واحد؛لأنّ الكلام فيها إنّما هو في تعديد وجود ذات كيف هي، و ذلك بخلاف مسائل الفروع الّتي قال اللّه تعالى فيها:

لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً المائدة:48، و قوله عليه السّلام:«الحلال بيّن و الحرام بيّن و بينهما أمور متشابهات».و الكلام في الفروع إنّما هو في أحكام طارئة على وجود ذات متقرّرة لا يختلف فيها و إنّما يختلف في الأحكام المتعلّقة بها.

الثّالثة:ثبت عن عائشة رضي اللّه عنها أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا قام إلى الصّلاة في جوف اللّيل قال:«اللّهمّ لك الحمد»الحديث.

و فيه:«أنت الحقّ و وعدك الحقّ و قولك الحقّ و لقاؤك الحقّ و الجنّة حقّ و النّار حق و السّاعة حقّ و النّبيّون حقّ و محمّد حقّ»الحديث.فقوله:«أنت الحقّ» أي الواجب الوجود،و أصله من حقّ الشّيء،أي ثبت و وجب.

و هذا الوصف للّه تعالى بالحقيقة؛إذ وجوده لنفسه لم يسبقه عدم و لا يلحقه عدم،و ما عداه ممّا يقال عليه هذا الاسم مسبوق بعدم،و يجوز عليه لحاق العدم،

ص: 95

و وجوده من موجده لا من نفسه.و باعتبار هذا المعنى كان أصدق كلمة قالها الشّاعر،كلمة لبيد:

*ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطل*

و إليه الإشارة بقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ القصص:88.

الرّابعة:مقابلة الحقّ بالضّلال عرف لغة و شرعا،كما في هذه الآية و كذلك أيضا مقابلة الحقّ بالباطل عرف لغة و شرعا،قال اللّه تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ الحجّ:62،و الضّلال حقيقته الذّهاب عن الحقّ،أخذ من ضلال الطّريق و هو العدول عن سمته...(8:335)

البيضاويّ: أي المتولّي لهذه الأمور المستحقّ للعبادة هو ربّكم الثّابت ربوبيّته،لأنّه الّذي أنشأكم و أحياكم و رزقكم و دبّر أموركم. فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ استفهام إنكاريّ أي ليس بعد الحقّ إلاّ الضّلال،فمن تخطّى الحقّ الّذي هو عبادة الله تعالى وقع في الضّلال.(1:446)

النّيسابوريّ: الثّابت ربوبيّته بالوجدان و البرهان.و المراد أنّه لمّا ثبت وجود الواجب الحقّ كان ما سواه ممكنا لذاته،باطلا دعوى الإلهيّة فيه،لأنّ واجب الوجود يجب أن يكون واحدا في ذاته و في صفاته و في جميع اعتباراته،و إلاّ لزم افتقاره إلى ما انقسم إليه، فلا يكون واجبا غير محال،و لذا ختم الآية بقوله: فَأَنّى تُصْرَفُونَ. (11:80)

أبو السّعود :و قوله تعالى:(الحقّ)صفة له،أي ربّكم الثّابت ربوبيّته و المتحقّق ألوهيّته تحقّقا لا ريب فيه... بَعْدَ الْحَقِّ أي غيره بطريق الاستعارة.

و إظهار الحقّ إمّا لأنّ المراد به غير الأوّل،و إمّا لزيادة التّقرير و مراعاة كمال المقابلة بينه و بين الضّلال، و الاستفهام إنكاريّ بمعنى الوقوع و نفيه،أي ليس غير الحقّ إلاّ الضّلال الّذي لا يختاره أحد؛فحيث ثبت أنّ عبادة من هو منعوت-بما ذكر من النّعوت الجميلة-حقّ، ظهر أنّ ما عداها من عبادة الأصنام ضلال محض؛إذ لا واسطة بينهما.و إنّما سمّيت ضلالا مع كونها من أعمال الجوارح،باعتبار ابتنائها على ما هو ضلال من الاعتقاد و الرّأي.

هذا على تقدير كون(الحقّ)عبارة عن التّوحيد، و أمّا على تقدير كونه عبارة عن الأوّل،فالمراد بالضّلال:

هو الأصنام لا عبادتها،و المعنى فما ذا بعد الرّبّ الحقّ الثّابت ربوبيّته إلاّ الضّلال،أي الباطل الضّائع المضمحلّ،و إنّما سمّي بالمصدر مبالغة كأنّه نفس الضّلال و الضّياع.و هذا أنسب بقوله تعالى: وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يونس:30،على التّفسير الثّاني.

(3:236)

نحوه ملخّصا البروسويّ.(4:43)

الآلوسيّ: فذلكة لما تقرّر،و الإشارة إلى المتّصف بالصّفات السّابقة حسبما اعترفوا به.و هي مبتدأ و الاسم الجليل صفة له،و(ربكم)خبر،و(الحقّ)خبر بعد خبر أو صفة،أو خبر مبتدإ محذوف.

و يجوز أن يكون الاسم الجليل هو الخبر،و

ص: 96

(ربكم)بدل منه أو بيان له،و(الحقّ)صفة الرّبّ، أي مالككم و متولّي أموركم الثّابت ربوبيّته و المتحقّق ألوهيّته تحقّقا لا ريب فيه.

فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ أي لا يوجد غير الحقّ شيء يتّبع إلاّ الضّلال،فمن تخطّى الحقّ و هو عبادة اللّه تعالى وحده،لا بدّ و أن يقع في الضّلال و هو عبادة غيره سبحانه على الانفراد أو الاشتراك،لأنّ عبادته جلّ شأنه مع الاشتراك لا يعتدّ بها.

(فما)اسم استفهام و(ذا)موصول.و يجوز أن يكون الكلّ اسما واحدا قد غلب فيه الاستفهام على اسم الإشارة،و هو مبتدأ خبره بَعْدَ الْحَقِّ على ما في «النّهر»،و الاستفهام إنكاريّ بمعنى إنكار الوقوع و نفيه، و(بعد)بمعنى(غير)مجاز،و الحقّ ما علمت،و هو غير الأوّل و لذا أظهر.و إطلاق(الحقّ)على عبادته،و كذا إطلاق(الضّلال)على عبادة غيره تعالى،لما أنّ المدار في العبادة الاعتقاد.

و جوّز أن يكون(الحقّ)عبارة عن الأوّل و الإظهار لزيادة التّقرير و مراعاة كمال المقابلة بينه و بين الضّلال،و المراد به هو الأصنام.و المعنى:فما ذا بعد الرّبّ الحقّ الثّابت ربوبيّته إلاّ الضّلال،أي الباطل الضّائع المضمحلّ،و إنّما سمّي بالمصدر مبالغة كأنّه نفس الضّلال و الضّياع.

و قيل:المراد بالحقّ و الضّلال:ما يعمّ التّوحيد و عبادة غيره سبحانه و غير ذلك،و يدخل ما يقتضيه المقام هنا دخولا أوّليّا.(11:111)

سيّد قطب:و الحقّ واحد لا يتعدّد،و من تجاوزه فقد وقع على الباطل،و قد ضلّ التّقدير فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ و كيف توجّهون بعيدا عن الحقّ و هو واضح بيّن تراه العيون؟

(3:1782)

الطّباطبائيّ: الجملة الأولى نتيجة الحجّة السّابقة،و قد وصف«الرّبّ»ب«الحقّ»ليكون توضيحا لمفاد الحجّة،و توطئة و تمهيدا لقوله بعده: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ، و قوله: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ أخذ بلازم الحجّة السّابقة لاستنتاج أنّهم ضالّون في عبادة الأصنام،فإنّه إذا كانت ربوبيّته تعالى حقّة فإنّ الهدى في اتّباعه و عبادته،فإنّ الهدى مع الحقّ لا غير فلا يبقى عند غيره الّذي هو الباطل إلاّ الضّلال.

فتقدير الكلام:فما ذا بعد الحقّ الّذي معه الهدى إلاّ الباطل الّذي معه الضّلال،فحذف من كلّ من الطّرفين شيء و أقيم الباقي مقامه إيجازا،و قيل: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ و لذا قال بعضهم:إنّ في الآية احتباكا-و هو من المحسّنات البديعيّة-و هو أن يكون هناك متقابلان فيحذف من كلّ منهما شيء يدلّ عليه الآخر،فإنّ تقدير الكلام:فما ذا بعد الحقّ إلاّ الباطل؟ و ما ذا بعد الهدى إلاّ الضّلال؟فحذف الباطل من الأوّل و الهدى من الثّاني،و بقي قوله: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ؟ و الوجه هو الّذي قدّمناه.(10:53)

عبد الكريم الخطيب :الإشارة هنا فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ إلى النّاس جميعا،مؤمنهم و كافرهم و مشركهم

ص: 97

تلفتهم إلى الإله الحقّ الّذي خلق فسوّى،ثمّ تخلص الإشارة بعد هذا إلى الكافرين و المشركين الّذين ضلّ سعيهم،و تنكّبوا عن طريق الحقّ،و ركبوا طرق الضّلال، فتنخسهم نخسة موجعة بهذا الاستفهام الإنكاريّ فما ذا بعد الانصراف عن الإيمان باللّه،و التّعبّد له،ما ذا بعد هذا إلاّ ركوب الضّلال،و الضّرب في المتاهات و التّعبّد لكلّ باطل و بهتان.(6:1006)

مكارم الشّيرازيّ: بعد أن عرضت الآية السّابقة نماذج من آثار عظمة و تدبير اللّه في السّماء و الأرض، و أيقظت وجدان و عقل المخالفين و دعتهم للحكم في أمر الخالق،و اعترف هؤلاء بذلك،خاطبتهم الآية التّالية بلهجة قاطعة و قالت: فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ لا الأصنام،و لا سائر الموجودات الّتي جعلتموها شريكة للباري عزّ و جلّ،و الّتي تسجدون أمامها و تعظّمونها.

كيف يمكن أن يكون هؤلاء أهلا للعبوديّة في حين أنّهم ليسوا مستطيعين أن يشاركوا في خلق العالم و تدبيره فحسب،بل هم محتاجون من الرّأس حتّى أخمص القدم.

ثمّ تنتهي إلى ذلك النّتيجة فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ و أنّى تولّوا وجوهكم عن عبادة اللّه،و أنتم تعلمون ألاّ خالق و لا معبود حقّا سواه؟

إنّ هذه الآية في الواقع تطرح طريقا منطقيّا واضحا لمعرفة الباطل و تركه،و هو أن يخطو الإنسان أوّلا في سبيل معرفة الحقّ عن طريق الوجدان و العقل،فإذا عرف الحقّ فإنّ كلّ ما خالفه باطل و ضلال،و يجب أن يضرب عرض الحائط.(6:323)

فضل اللّه :الّذي يوحي بالقدرة المطلقة المتمثّلة في خلق السّماوات و الأرض و إنزال الرّزق منهما،و خلق السّمع و الأبصار و إخراج الميّت من الحيّ،و الحيّ من الميّت،فذلك هو الّذي يؤكّد خصائص الرّبوبيّة الحقيقة فيه و يبعّدها عن غيره،لأنّ غيره لا يملك شيئا من ذلك بل هو العجز المطلق عن كلّ شيء،إلاّ من خلال إرادة اللّه.

فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ لأنّه يمثّل الخطّ الواحد الّذي لا التواء فيه و لا انحراف،فلا بديل عنه إلاّ الضّلال،و التّخبّط في متاهات الضّياع الّتي تتشابه فيها المسالك و الدّروب و الآفاق،دون أن تترك أيّة علامة تدلّ على الغاية المبتغاة.و ليس معنى ذلك أنّ الإنسان لا يملك صورة تخيّل له أنّها الحقّ،بل إنّه لا يرتكز على قاعدة ثابتة في ما يفرّق فيه بين الحقّ و الباطل.

(11:305)

29- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.

يونس:35

راجع:ه د ي:«يهدى».

30- فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ. يونس:76

ص: 98

ابن عبّاس: الكتاب و الرّسول و الآيات.(177)

الطّبريّ: فلمّا جاءهم بيان ما دعاهم إليه موسى و هارون؛و ذلك الحجج الّتي جاءهم بها،و هي الحقّ الّذي جاءهم من عند اللّه.(11:145)

الطّوسيّ: و الحقّ:معنى معتقده على ما هو به، و هو ما أتت به الرّسل من البيان و البرهان عن اللّه تعالى.

(5:474)

الميبديّ: أتاهم بالرّسالة.(4:322)

الزّمخشريّ: فلمّا عرفوا أنّه هو الحقّ و أنّه من عند اللّه لا من قبل موسى و هارون(قالوا)لحبّهم الشّهوات إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ. (2:246)

ابن عطيّة: يريد ب(الحقّ)آيتي العصا و اليد، و يدلّ على ذلك قولهم عندهما: هذا لَسِحْرٌ و لم يقولوا:«ذلك»إلاّ عندهما،و لا تعاطوا إلاّ مقاومة العصا،فهي معجزة موسى عليه السّلام الّتي وقع فيها عجز المعارض.(3:134)

الطّبرسيّ: يعني ما أتى به موسى من المعجزات و البراهين.(3:125)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:50)

أبو حيّان :و(الحقّ)هو العصا و اليد،قالوا لحبّهم الشّهوات: إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ و هم يعلمون أنّ الحقّ أبعد شيء من السّحر الّذي ليس إلاّ تمويها و باطلا، و لم يقولوا:إنّ هذا لسحر مبين إلاّ عند معاينة العصا و انقلابها،و اليد و خروجها بيضاء،و لم يتعاطوا إلاّ مقاومة العصا،و هي معجزة موسى الّذي وقع فيها عجز المعارض.(5:181)

الشّربينيّ: أي الّذي جاء به موسى من عند ربّه، و عرفوا أنّه ليس من عند موسى و هارون،لتظاهر المعجزات الظّاهرات المزيحة للشّكّ.(2:31)

أبو السّعود :صريح في أنّ المراد باستكبارهم ما وقع منهم قبل مجيء الحقّ الّذي سمّوه سحرا،أعني العصا و اليد البيضاء،كما ينبئ عنه سياق النّظم الكريم؛و ذلك أوّل ما أظهر عليه السّلام من الآيات العظام.(3:265)

البروسويّ: المراد ب(الحقّ)الآيات التّسع الّتي هي حقّ ظاهر من عند اللّه بخلقه و إيجاده،لا تخييل و تمويه كصنعتهم.(4:69)

القاسميّ: يعني الآيات المزيحة للشّكّ.

(9:3383)

رشيد رضا :و هو آياتنا الدّالّة على الرّبوبيّة و الألوهيّة.(11:466)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ المراد ب(الحقّ)هو الآية الحقّة كالثّعبان و اليد البيضاء،و قد جعلهما اللّه آية لرسالته بالحقّ،فلمّا جاءهم الحقّ قالوا و أكّدوا القول:

(انّ هذا)-يشيرون إلى الحقّ من الآية- لَسِحْرٌ مُبِينٌ، واضح كونه سحرا،و إنّما سمّى الآية حقّا قبال تسميتهم إيّاها سحرا.(10:108)

عبد الكريم الخطيب :هذا هو القول الّذي استقبل به فرعون و حاشيته آيات اللّه حين طلعت عليهم: إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ قالوا ذلك في تأكيد قاطع،حتّى لكأنّهم قد اختبروا هذه الآيات اختبارا

ص: 99

علميّا محقّقا،ثمّ كشف لهم العلم عن تلك الحقيقة و ملئوا أيديهم بها،و نزلت من عقولهم منزل اليقين،الّذي لا شكّ فيه: إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ.

و هكذا شأن من يكابر في الحقّ،و يعانده إنّه و قد زلزلت الأرض به،من قوّة الحقّ و صدمته،يحاول جاهدا أن يقوّي نفسه،و يمسك وجوده بهذه الكلمات الكاذبة المفضوحة المموّهة،بهذا التّوكيد القاطع،و هو في دخيلة نفسه يرجف خوفا،و يضطرب فزعا.

(6:1056)

31- قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ... يونس:108

ابن عبّاس: الكتاب و الرّسول.(180)

نحوه الميبديّ(4:343)،و القرطبيّ(8:388).

الطّبريّ: يعني كتاب اللّه،فيه بيان كلّ ما بالنّاس إليه حاجة من أمر دينهم.(11:178)

نحوه الثّعلبيّ.(5:154)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:القرآن،الثّاني:

الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.(2:454)

مثله ابن الجوزيّ(4:71)، و نحوه البيضاويّ(1:460)،و الشّربينيّ(2:41).

الطّوسيّ: أمر اللّه تعالى نبيّه في هذه الآية أن يقول للخلق:قد جاءكم الحقّ من اللّه،و هو الّذي من عمل به من العباد نجا،و ضدّه الباطل و هو الّذي من عمل به هلك،فمن عمل بالحقّ كان حكيما،و من عمل بالباطل كان سفيها.

و المراد ب(الحقّ)هاهنا:ما أتى به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من القرآن و الشّرائع و الأحكام،و غير ذلك من الآيات و الدّلالات.(5:508)

البغويّ: يعني:القرآن و الإسلام.(2:437)

ابن عطيّة: (الحقّ)هو القرآن،و الشّرع الّذي جاء به محمّد.(3:147)

الطّبرسيّ: و هو القرآن و دين الإسلام و الأدلّة الدّالّة على صحّته.

و قيل:يريد بالحقّ:النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و معجزاته الظّاهرة.

(3:140)

أبو السّعود :و هو القرآن العظيم المشتمل على محاسن الأحكام الّتي من جملتها ما مرّ آنفا من أصول الدّين،و اطّلعتم على ما في تضاعيفه من البيّنات و الهدى،و لم يبق عذر.(3:279)

نحوه البروسويّ.(4:88)

الآلوسيّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و قيل:المراد من(الحقّ)النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و فيه من المبالغة ما لا يخفى.

و أخرج أبو الشّيخ عن مجاهد أنّ(الحقّ)هو ما دلّ عليه قوله تعالى: وَ إِنْ يَمْسَسْكَ يونس:107،إلخ، و هو كما ترى!!(11:201)

الطّباطبائيّ: و هو القرآن،أو ما يشتمل عليه من الدّعوة الحقّة.(10:133)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هاتين الآيتين اللّتين

ص: 100

تضمّنت إحداهما موعظة و نصيحة لعامّة النّاس، و اختصّت الثّانية بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قد كمّلتا الأوامر و التّعليمات الّتي بيّنها اللّه سبحانه في هذين المجالين،على مدى هذه السّورة و مواضعها المختلفة،و بذلك تنتهي سورة يونس.

فتقول أوّلا:و كقانون عامّ: قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ هذه التّعليمات،و هذا الكتاب السّماويّ،و هذا الدّين،و هذا النّبيّ كلّها حقّ،و علامات كونها حقّا واضحة،و بملاحظة هذه الحقيقة فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ. (6:416)

فضل اللّه :فهو الكلمة الأخيرة الّتي لا كلمة بعدها، لأنّها كلمة اللّه الّتي يجب على النّاس الارتباط بها من موقع القناعة و الإيمان.(11:379)

32- وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ. هود:45

ابن عبّاس: الصّدق.(186)

مثله القرطبيّ(9:45)،و الشّربينيّ(2:60).

الطّبريّ: الّذي لا خلف له.(12:49)

نحوه البغويّ(2:451)،و الطّبرسيّ(3:167).

الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:الّذي يحقّ فلا يخلف.

الثّاني:الّذي يلزم كلزوم الحقّ.(2:475)

الزّمخشريّ: و إن كان وعد تعده فهو الحقّ الثّابت الّذي لا شكّ في إنجازه و الوفاء به،و قد وعدتني أن تنجّي أهلي فما بال ولدي.(2:272)

نحوه النّيسابوريّ(12:32)،و أبو حيّان(5:

229)،و البروسويّ(4:138).

أبو السّعود :أي وعدك ذلك،أو إنّ كلّ وعده حقّ لا يتطرّق إليه خلف،فيدخل فيه الوعد المعهود دخولا أوّليّا.(3:317)

نحوه الآلوسيّ.(12:68)

33- وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ. هود:120

ابن عبّاس: فِي هذِهِ السّورة(الحقّ)خبر الحقّ.(193)

مثله الحسن،و مجاهد،و سعيد بن جبير،و الرّبيع بن أنس،و قتادة،و أبو العالية.(الطّبريّ 12:146)

الحسن :في الدّنيا.(الطّبريّ 12:147)

قتادة :معناه في هذه الدّنيا.(الطّبريّ 12:147)

(الحقّ):النّبوّة.(أبو حيّان 5:274)

الجبّائيّ: يعني جاءك في هذه الأنباء.

(الطّوسيّ 6:87)

مثله الرّمّانيّ.(الماورديّ 2:512)

الطّبريّ: قوله: وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ إنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله،فقال بعضهم:معناه:

و جاءك في هذه السّورة الحقّ.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين

ص: 101

و قال:]

و أولى التّأويلين بالصّواب في تأويل ذلك قول من قال:و جاءك في هذه السّورة الحقّ،لإجماع الحجّة من أهل التّأويل،على أنّ ذلك تأويله.

فإن قال قائل:أو لم يجئ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الحقّ من سور القرآن إلاّ في هذه السّورة،فيقال:و جاءك في هذه السّورة الحقّ؟قيل له:بلى قد جاءه فيها كلّها.

فإن قال:فما وجه خصوصه إذن في هذه السّورة بقوله: وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ؟

قيل:إنّ معنى الكلام:و جاءك في هذه السّورة الحقّ،مع ما جاءك في سائر سور القرآن،أو إلى ما جاءك من الحقّ في سائر سور القرآن،لا أنّ معناه:

و جاءك في هذه السّورة الحقّ،دون سائر سور القرآن.

(12:147)

الزّجّاج: يجوز أن يكون:و جاءك في هذه السّورة، لأنّ فيها أقاصيص الأنبياء و مواعظ و ذكر ما في الجنّة و النّار.

و يجوز أن يكون قوله: وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ أي في ذكرى هذه الآيات الّتي ذكرت قبل هذا الموضع، أي جاءك الحقّ في أنّ الخلق يجازون بأنصبائهم في قوله:

وَ إِنّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ هود:109،و في قوله: وَ إِنَّ كُلاًّ لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ هود:111.

و قد جاءه في القرآن كلّه الحقّ،و لكنّه ذكر هاهنا توكيدا.و ليس إذا قيل:قد جاءك في هذه الحقّ،وجب أن يكون لم يأتك الحقّ إلاّ في هذه،و لكن بعض الحقّ أوكد من بعض في ظهوره عندنا و خفائه علينا،لا في عينه.

إذا قلت:فلان في الحقّ و أنت تريد أنّه يجود بنفسه، فليس هو في غير تلك الحال في باطل،و لكنّه ذكر الحقّ هاهنا أغنى عن ذكر الموت لعظمه،و أنّه يحصل عنده على الحقّ.(3:84)

الماورديّ: و في هذا(الحقّ) وجهان:

أحدهما:صدق القصص و صحّة الأنباء،و هذا تأويل من جعل المراد السّورة.

الثّاني:النّبوّة،و هذا تأويل من جعل المراد الدّنيا.

(2:512)

الطّوسيّ: [نقل أقوال ابن عبّاس و الحسن و الجبّائيّ و الزّجّاج و قتادة ثمّ قال:]

و الأوّل أصحّ،و التّقدير:و جاءك في هذه السّورة الحقّ مع ما جاءك في سائر السّور.

و معنى الآية:الاعتبار بقصص الرّسل،لما فيه من حسن صبرهم على أمّتهم،و اجتهادهم في دعائهم إلى عبادة اللّه،مع الحقّ الّذي من عمل عليه نجا،و مع الوعظ الّذي يليّن القلب لسلوك طريق الحقّ،و مع تذكّر الخير و الشّرّ،و ما يدعو إليه كلّ واحد منهما في عاقبة النّفع أو الضّرر.(6:87)

البغويّ: قال الحسن و قتادة:في هذه الدّنيا،و قال غيرهما:في هذه السّورة،و هو قول الأكثرين،خصّ هذه السّورة تشريفا،و إن كان قد جاءه الحقّ في جميع السّور.(2:472)

ص: 102

الزّمخشريّ: أي في هذه السّورة أو في هذه الأنباء المقتصّة فيها ما هو أحقّ.(2:299)

ابن عطيّة: و وجه تخصيص هذه السّورة بوصفها ب(الحقّ)-و القرآن كلّه حقّ-أنّ ذلك يتضمّن معنى الوعيد للكفرة و التّنبيه للنّاظر،أي جاءك في هذه السّورة الحقّ الّذي أصاب الأمم الظّالمة،و هذا كما يقال عند الشّدائد:جاء الحقّ و إن كان الحقّ يأتي في غير شديدة و غير ما وجه،و لا يستعمل في ذلك:جاء الحقّ، ثمّ وصف أيضا أنّ ما تضمّنته السّورة هي مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ، فهذا يؤيّد أنّ لفظة(الحقّ)إنّما تختصّ بما تضمّنت من وعيد للكفرة.(3:216)

الطّبرسيّ: و(الحقّ):الصّدق من الأنباء،و الوعد و الوعيد.[ثمّ نقل ما تقدّم عن الزّجّاج](3:204)

أبو البركات: أنّها الأقاصيص المذكورة.

[و في قول آخر]أنّها هذه الآية بعينها.

(ابن الجوزيّ 4:173)

ابن الجوزيّ: و في المراد ب(الحقّ)هاهنا ثلاثة أقوال:

أحدها:أنّها البيان.

و الثّاني:صدق القصص و الأنباء.

و الثّالث:النّبوّة.

فإن قيل:أ ليس قد جاءه الحقّ في كلّ القرآن،فلم خصّ هذه السّورة؟

فالجواب:أنّا إن قلنا:إنّ الحقّ النّبوّة،فالإشارة ب(هذه)إلى الدّنيا،فيكون المعنى:و جاءك في هذه الدّنيا النّبوّة،فيرتفع الإشكال.

و إن قلنا:إنّها السّورة،فعنه أربعة أجوبة:

أحدها:أنّ المراد ب(الحقّ):البيان،و هذه السّورة جمعت من تبيين إهلاك الأمم،و شرح مآلهم،ما لم يجمع غيرها،فبان أثر التّخصيص،و هذا مذهب بعض المفسّرين.

و الثّاني:أنّ بعض الحقّ أوكد من بعض،في ظهوره عندنا و خفائه علينا،و لهذا يقول النّاس:فلان في الحقّ، إذا كان في الموت،و إن لم يكن قبله في باطل،و لكن لتعظيم ما هو فيه،فكأنّ الحقّ المبين في هذه السّورة أجلى من غيره،و هذا مذهب الزّجّاج.

و الثّالث:أنّه خصّ هذه السّورة بذلك لبيان فضلها و إن كان في غيرها حقّ أيضا،فهو كقوله: وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى البقرة:238،و قوله: وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ البقرة:98،و هذا مذهب ابن الأنباريّ.

و الرّابع:أنّ المعنى:و جاءك في هذه السّورة الحقّ مع ما جاءك من سائر السّور،قاله ابن جرير الطّبريّ.

(4:173)

الفخر الرّازيّ: و في قوله: فِي هذِهِ وجوه:

أحدها:في هذه السّورة،و ثانيها:في هذه الآية،و ثالثها:

في هذه الدّنيا.و هذا بعيد غير لائق بهذا الموضع.

و اعلم أنّه لا يلزم من تخصيص هذه السّورة بمجيء الحقّ فيها أن يكون حال سائر السّور بخلاف ذلك، لاحتمال أن يكون الحقّ المذكور في هذه السّورة أكمل حالا ممّا ذكر في سائر السّور،و لو لم يكن فيها إلاّ قوله:

ص: 103

فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ هود:112،لكان الأمر كما ذكرنا.ثمّ إنّه تعالى بيّن أنّه جاء في هذه السّورة أمور ثلاثة:الحقّ و الموعظة و الذّكرى:

أمّا الحقّ:فهو إشارة إلى البراهين الدّالّة على التّوحيد و العدل و النّبوّة.

و أمّا الذّكرى:فهي إشارة إلى الإرشاد إلى الأعمال الباقية الصّالحة.

و أمّا الموعظة:فهي إشارة إلى التّنفير من الدّنيا و تقبيح أحوالها في الدّار الآخرة...[و هاهنا بحث طويل راجع:و ع ظ:«موعظة»](18:79)

القرطبيّ: خصّ هذه السّورة،لأنّ فيها أخبار الأنبياء و الجنّة و النّار.و قيل:خصّها بالذّكر تأكيدا و إن كان الحقّ في كلّ القرآن.(9:116)

النّيسابوريّ: (الحقّ):هو البراهين القاطعة الدّالّة على صحّة المبدإ و الوسط و المعاد.(12:73)

أبو حيّان :و الإشارة بقوله: فِي هذِهِ إلى أنباء الرّسل الّتي قصّها اللّه تعالى عليه،أي النّبأ الصّدق الحقّ الّذي هو مطابق بما جرى،ليس فيه تغيير و لا تحريف، كما ينقل شيئا من ذلك المؤرّخون.[ثمّ أدام مثل ابن عطيّة.](5:274)

الشّربينيّ: أي في السّورة،و عليه الأكثر،أو في هذه الأنباء المقتصّة فيها.و قال الحسن:في هذه الدّنيا، قال الرّازيّ:هذا بعيد غير لائق بهذا الموضع،لأنّه لم يجر للدّنيا ذكر حتّى يعود الضّمير لها.

فإن قيل:قد جاء الحقّ في غير هذه السّورة بل القرآن كلّه حقّ و صدق.

أجيب:بأنّه إنّما خصّها بالذّكر تشريفا لها.

(2:86)

أبو السّعود :في هذه السّورة أو الأنباء المقصوصة عليك(الحقّ)الّذي لا محيد عنه.(3:360)

البروسويّ: (الحقّ)ما هو حقّ و بيان صدق، و تخصيصها بالحكم بمجيء الحقّ فيها،مع أنّ ما جاءه في جميع السّور حقّ،يحقّ تدبّره و إذعانه و العمل بمقتضاه، تشريفا لها و رفعا لمنزلتها.(4:204)

الآلوسيّ: أي الأمر الثّابت المطابق للواقع، و الإشارة بهذه إلى السّورة،كما جاء ذلك من عدّة طرق عن ابن عبّاس و أبي موسى الأشعريّ.و قتادة و ابن جبير.

و قيل:الإشارة إليها مع نظائرها،و ليس بذاك ككونها إشارة إلى دار الدّنيا،و إن جاء في رواية عن الحسن.

و قيل:إلى الأنباء المقتصّة،و هو ممّا لا بأس به.

(12:167)

الطّباطبائيّ: ذكر تعالى من فائدة السّورة ما يعمّه صلّى اللّه عليه و آله،و قومه:مؤمنين و كافرين،فقال-فيما يرجع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من فائدة نزول السّورة-: وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ و الإشارة إلى السّورة أو إلى الآيات النّازلة فيها أو الأنباء على وجه،و مجيء(الحقّ)فيها هو ما بيّن اللّه تعالى في ضمن القصص و قبلها و بعدها من حقائق المعارف،في المبدإ و المعاد،و سنّته تعالى الجارية في

ص: 104

خلقه،بإرسال الرّسل و نشر الدّعوة،ثمّ إسعاد المؤمنين في الدّنيا بالنّجاة،و في الآخرة بالجنّة،و إشقاء الظّالمين بالأخذ في الدّنيا،و العذاب الخالد في الآخرة.

(11:71)

عبد الكريم الخطيب :الإشارة(هذه)إلى أنباء الرّسل،أي و جاءك في هذه الأنباء(الحقّ)أي الحقّ من أخبارها،فهي الصّدق الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.(6:1225)

فضل اللّه : وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الآيات(الحقّ) الّذي يحتوي كلّ المفاهيم المتعلّقة بقضايا الإنسان في الكون و الحياة،بالطّريقة الّتي تحتوي الخير كلّه،و تلتقي بالثّبات كلّه،فلا مجال للاهتزاز و لا للاختلاط بالباطل في أيّ اتّجاه.(12:154)

34- اَلْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ. يوسف:51

راجع:ح ص ح ص:«حصحص».

35- لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ... الرّعد:14

الإمام عليّ عليه السّلام:التّوحيد.(الطّبريّ 13:128)

ابن عبّاس: دين الحقّ.(206)

لا إله إلاّ اللّه.(الطّبريّ 13:128)

مثله قتادة(الطّبريّ 13:128)،و الفرّاء(2:61).

إنّها شهادة أن لا إله[الاّ اللّه]،على إخلاص التّوحيد.

مثله قتادة و ابن زيد.(الطّوسيّ 6:232)

الحسن :اللّه هو الحقّ فمن دعاه دعا الحقّ.

(الطّوسيّ 6:232)

الجبّائيّ: دَعْوَةُ الْحَقِّ هي الدّعوة الّتي يدعى اللّه بها على إخلاص التّوحيد.(الطّوسيّ 6:232)

الطّبريّ: للّه من خلقه الدّعوة الحقّ،و الدّعوة الحقّ هي الحقّ،كما أضيفت الدّار إلى الآخرة في قوله:

وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109،و قد بيّنّا ذلك فيما مضى،و إنّما عنى بالدّعوة الحقّ:توحيد اللّه،و شهادة أن لا إله إلاّ اللّه.(13:128)

الزّجّاج: جاء في التّفسير: دَعْوَةُ الْحَقِّ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و جائز-و اللّه أعلم-أن تكون دَعْوَةُ الْحَقِّ أنّه من دعا اللّه موحّدا أستجيب له دعاؤه.(3:143)

الثّعلبيّ: لَهُ للّه عزّ و جلّ دَعْوَةُ الْحَقِّ الصّدق،و أضيفت الدّعوة إلى الحقّ لاختلاف الاسمين، و قد مضت هذه المسألة.(5:281)

الماورديّ: فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها:أنّ دَعْوَةُ الْحَقِّ لا إله إلاّ اللّه،قاله ابن عبّاس.

الثّاني:أنّه اللّه تعالى هو الحقّ،فدعاؤه دعوة الحقّ.

الثّالث:أنّ الإخلاص في الدّعاء هي دعوة الحقّ، قاله بعض المتأخّرين.

و يحتمل قولا رابعا:أنّ دعوة الحقّ دعاؤه عند الخوف،لأنّه لا يدعى فيه إلاّ إيّاه،كما قال تعالى: ضَلَّ

ص: 105

مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ الإسراء:67،هو أشبه بسياق الآية،لأنّه قال: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يعني الأصنام و الأوثان.(3:103)

نحوه البغويّ(3:12)،و القرطبيّ(9:300)، و الشّربينيّ(2:152).

الطّوسيّ: قيل:في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها:[قول ابن عبّاس و قتادة و ابن زيد]

الثّاني:[قول الحسن،و قد تقدّما]

و قال قوم:كلّ دعوة هي حقّ جاز أن تضاف إلى اللّه،[ثمّ نقل قول الجبّائيّ و قال:]

و الدّعوة:طلب فعل الشّيء،فالإنسان يدعو ربّه أن يدخله في رحمته،و هو أهل المغفرة و الرّحمة،و كلّ ما لابسه الإنسان،فقد دخل فيه.و المعنى للّه من خلقه الدّعوة الحقّ.(6:232)

القشيريّ: دواعي الحقّ تصير لائحة في القلوب من حيث البرهان،فمن استمع إليها بسمع الفهم، استجاب لبيان العلم.و في مقابلتها دواعي الشّيطان الّتي تهتف بالعبد بتزيين المعاصي،فمن أصغى إليها بسمع الغفلة استجاب لصوت الغيّ،و معها دواعي النّفس و هي قائدة للعبد بزمام الحظوظ،فمن ركن إليها و لاحظها وقع في هوان الحجاب.

و دواعي الحقّ تكون بلا واسطة ملك،و لا بدلالة عقل،و لا بإشارة علم،فمن أسمعه الحقّ ذلك استجاب لا محالة للّه باللّه.(3:221)

الواحديّ: المراد ب دَعْوَةُ الْحَقِّ هاهنا:كلمة التّوحيد و الإخلاص،و المعنى:للّه من خلقه الدّعوة الحقّ،و أضيفت الدّعوة إلى الحقّ لاختلاف اللّفظين.

(3:10)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:317)

الميبديّ: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ أي كلمة التّوحيد لا إله إلاّ اللّه،أي لا يحقّ أن يدعى إلها إلاّ هو،و هو الّذي يحقّ أن يدعوه و غيره لا يحقّ.

و معنى آخر لدعوة الحقّ:هو الّذي يحقّ أن يدعو الخلق لعبادته.

و معنى آخر:هو الّذي يحقّ أن يدعو الخلق غدا حتّى يخرج من الأرض.

و قيل له:دعوة الطّلب الحقّ،أي مرجوّ الإجابة، و دعاء غير اللّه لإيجاب.(5:175)

الزّمخشريّ: فيه وجهان:

أحدهما:أن تضاف الدّعوة إلى الحقّ الّذي هو نقيض الباطل،كما تضاف الكلمة إليه،في قولك:كلمة الحقّ،للدّلالة على أنّ الدّعوة ملابسة للحقّ مختصّة به، و أنّها بمعزل من الباطل.

و المعنى أنّ اللّه سبحانه يدعى فيستجيب الدّعوة و يعطي الدّاعي سؤاله إن كان مصلحة له،فكانت دعوة ملابسة للحقّ،لكونه حقيقا بأن يوجّه إليه الدّعاء،لما في دعوته من الجدوى و النّفع،بخلاف ما لا ينفع و لا يجدي دعاؤه.

و الثّاني:أن تضاف إلى(الحقّ)الّذي هو اللّه عزّ و علا،على معنى دعوة المدعوّ الحقّ الّذي يسمع

ص: 106

فيجيب.

فإن قلت:ما وجه اتّصال هذين الوصفين بما قبله؟

قلت:أمّا على قصّة(أربد)فظاهرة،لأنّ إصابته بالصّاعقة محال من اللّه و مكر به من حيث لم يشعر،و قد دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عليه و على صاحبه بقوله:«اللّهم اخسفهما بما شئت»فأجيب فيهما،فكانت الدّعوة دعوة حقّ.

و أمّا على الأوّل فوعيد للكفرة على مجادلتهم رسول اللّه،بحلول محاله بهم،و إجابة دعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إن دعا عليهم فيهم.(2:354)

ابن عطيّة: دَعْوَةُ الْحَقِّ لا إله إلاّ اللّه،و ما كان من الشّريعة في معناها،و قال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:التّوحيد.

و يصحّ أن يكون معناها له دعوة العباد بالحقّ، و دعاء غيره من الأوثان باطل.(3:305)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و المعنى أنّ من دعاه على جهة الإخلاص فهو يجيبه، فله سبحانه من خلقه دعوة الحقّ.(3:283)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ أي للّه دعوة الحقّ،و فيه بحثان:

البحث الأوّل:في أقوال المفسّرين و هي أمور:

[ذكر أقوال ابن عبّاس و الحسن و أضاف:]

و ثالثها:أنّ عبادته هي الحقّ و الصّدق.

و اعلم أنّ الحقّ هو الموجود،و الموجود قسمان:قسم يقبل العدم و هو حقّ،يمكن أن يصير باطلا،و قسم لا يقبل العدم،فلا يمكن أن يصير باطلا،و ذلك هو الحقّ الحقيقيّ.

و إذا كان واجب الوجود لذاته موجودا لا يقبل العدم،كان أحقّ الموجودات بأن يكون حقّا هو هو، و كان أحقّ الاعتقادات و أحقّ الأذكار بأن يكون حقّا هو اعتقاد ثبوته و ذكر وجوده،فثبت بهذا أنّ وجوده هو الحقّ في الموجودات،و اعتقاد وجوده هو الحقّ في الاعتقادات،و ذكره بالثّناء و الإلهيّة و الكمال هو الحقّ في الأذكار،فلهذا قال: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ.

و البحث الثّاني:[و ذكر قول الزّمخشريّ]

(19:29)

البيضاويّ: الدّعاء الحقّ فإنّه الّذي يحقّ أن يعبد و يدعى إلى عبادته دون غيره،أوله الدّعوة المجابة فإنّ من دعاه أجابه،و يؤيّده ما بعده.و(الحقّ)على الوجهين ما يناقض الباطل،و إضافة الدّعوة إليه لما بينهما من الملابسة،أو على تأويل دعوة المدعوّ الحقّ.

و قيل:(الحقّ)هو اللّه،و كلّ دعاء إليه دعوة الحقّ.

و المراد بالجملتين:إن كانت الآية في(أربد و عامر)أنّ إهلاكهما من حيث لم يشعرا به محال من اللّه،و إجابة لدعوة رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،أو دلالة على أنّه على الحقّ.

و إن كانت عامّة فالمراد:وعيد الكفرة على مجادلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بحلول محاله بهم،و تهديدهم بإجابة دعاء الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم عليهم،أو بيان ضلالهم و فساد رأيهم.

(1:516)

النّيسابوريّ: أي دعوته حقّ لمن دعاه

ص: 107

فيستجيبه،كما قالت السّماوات و الأرض أَتَيْنا طائِعِينَ فصّلت:11،و أيضا له دعاة يدعون الخلق بالحقّ إلى الحقّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ أي بغير الحقّ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إذ لا يؤثّر في الخلق نصحهم كمن يبسط يده إلى الماء إراءة إلى الحقّ أنّه يريد شربه.(13:85)

أبو حيّان :و قيل: دَعْوَةُ الْحَقِّ دعاؤه عند الخوف،فإنّه لا يدعى فيه إلاّ هو،كما قال: ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ الإسراء:67،و قيل:دعوة الطّلب الحقّ،أي مرجوّ الإجابة،و دعاء غير اللّه لا يجاب.

[و نقل قولين للزّمخشريّ و قال:]

و هذا الوجه الثّاني الّذي ذكره الزّمخشريّ لا يظهر، لأنّ مآله إلى تقدير:للّه دعوة اللّه،كما تقول:لزيد دعوة زيد،و هذا التّركيب لا يصحّ.و الّذي يظهر أنّ هذه الإضافة من باب إضافة الموصوف إلى الصّفة،كقوله:

وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109،على أحد الوجهين، و التّقدير:للّه الدّعوة الحقّ بخلاف غيره،فإنّ دعوتهم باطلة،و المعنى:أنّ اللّه تعالى الدّعوة له هي الدّعوة الحقّ.

و لمّا ذكر تعالى جدال الكفّار في اللّه تعالى،و كان جدالهم في إثبات آلهة معه،ذكر تعالى أنّه له الدّعوة الحقّ،أي من يدعو له فدعوته هي الحقّ،بخلاف أصنامهم الّتي جادلوا في اللّه لأجلها،فإنّ دعاءها باطل لا يتحصّل منه شيء،فقال: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ. (5:376)

أبو السّعود :أي الدّعوة الثّابتة الواقعة في محلّها، المجابة عند وقوعها.و الإضافة للإيذان بملابستها للحقّ و اختصاصها به،و كونه بمعزل من شائبة البطلان و الضّياع و الضّلال،كما يقال:كلمة الحقّ.

و قيل:له دعوة اللّه سبحانه،أي الدّعوة اللاّئقة بحضرته،كما في قوله عليه الصّلاة و السّلام:«فمن كانت هجرته إلى اللّه و رسوله،فهجرته إلى اللّه و رسوله».

و التّعرّض لوصف الحقّيّة لتربية معنى الاستجابة.

و الأولى هو الأوّل،لقوله تعالى: وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ الرّعد:14.و تعلّق الجملتين بما قبلهما من حيث إنّ إهلاك(أربد و عامر)محال من اللّه تعالى،و إجابة لدعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عليهما،إن كانت الآية نزلت في شأنهما،أو من حيث إنّه وعيد للكفرة على مجادلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بحلول محاله بهم و تحذير لهم، بإجابة دعوته عليهم.(3:445)

البروسويّ: أي الدّعاء الحقّ،على أن يكون من باب إضافة الموصوف إلى الصّفة.و الدّعوة بمعنى العبادة، و الحقّ بمعنى الحقيق اللاّئق الغير الباطل.و المعنى:أنّ الدّعوة الّتي هي التّضرّع،و العبادة قسمان:ما يكون حقّا و صوابا،و ما يكون باطلا و خطأ،فالّتي تكون حقّا منها مختصّة به تعالى لا يشاركه فيها غيره،أو له الدّعوة المجابة،على أن يكون الحقّ بمعنى الثّابت الغير الضّائع الباطل،فإنّه الّذي يجيب لمن دعاه دون غيره.

قال في«المدارك»:المعنى أنّ اللّه يدعى فيستجيب الدّعوة و يعطي السّائل الدّاعي سؤاله،فكانت دعوة ملابسة لكونه حقيقا بأن يوجّه إليه الدّعاء،بخلاف ما

ص: 108

لا ينفع دعاؤه.(4:355)

نحوه ابن عاشور.(12:158)

الآلوسيّ: أي الدّعاء و التّضرّع الثّابت الواقع في محلّه المجاب عند وقوعه.و الإضافة للإيذان بملابسة الدّعوة للحقّ و اختصاصها به،و كونها بمعزل من شائبة البطلان و الضّلال و الضّياع،كما يقال:كلمة الحقّ، و المراد:أنّ إجابة ذلك له تعالى دون غيره،و يؤيّده ما بعد كما لا يخفى.

و قيل:المراد بدعوة الحقّ:الدّعاء عند الخوف،فإنّه لا يدعى فيه إلاّ اللّه تعالى،كما قال سبحانه: ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ الإسراء:67،و زعم الماورديّ:أنّ هذا أشبه بسياق الآية.

و قيل:الدّعوة بمعنى الدّعاء،أي طلب الإقبال، و المراد به:العبادة للاشتمال،و الإضافة على طرز ما تقدّم.و بعضهم يقول:إنّ هذه الإضافة من إضافة الموصوف إلى الصّفة،و الكلام فيها شهير.و حاصل المعنى:أنّ الّذي يحقّ أن يعبد هو اللّه تعالى دون غيره.

و يفهم من كلام البعض-على ما قيل-أنّ الدّعوة بمعنى الدّعاء و متعلّقها محذوف،أي للعبادة،و المعنى:أنّه الّذي يحقّ أن يدعى إلى عبادته دون غيره.و لا يخفى ما بين المعنيين من التّلازم،فإنّه إذا كانت الدّعوة إلى عبادته سبحانه حقّا،كانت عبادته جلّ شأنه حقّا و بالعكس.

و عن الحسن:أنّ المراد من(الحقّ):هو اللّه تعالى، و هو-كما في«البحر»-ثاني الوجهين اللّذين ذكرهما الزمخشريّ،و المعنى عليه كما قال:له دعوة المدعوّ الحقّ الّذي يسمع فيجيب،و الأوّل ما أشرنا إليه أوّلا،و جعل الحقّ فيه مقابل الباطل.

و بيّن صاحب«الكشف»حاصل الوجهين بأنّ الكلام مسوق لاختصاصه سبحانه،بأن يدعى و يعبد، ردّا لمن يجادل في اللّه تعالى و يشرك به سبحانه الأنداد.

و لا بدّ من أن يكون في الإضافة إشعار بهذا الاختصاص، فإن جعل الحقّ في مقابل الباطل فهو ظاهر،و إن جعل اسما من أسمائه تعالى،كان الأصل للّه دعوته،تأكيدا للاختصاص من اللاّم و الإضافة،ثمّ زيد ذلك بإقامة الظّاهر مقام المضمر معادا بوصف،ينبئ عن اختصاصها به أشدّ الاختصاص،فقيل:له دعوة المدعوّ الحقّ، و الحقّ من أسمائه سبحانه يدلّ على أنّه الثّابت بالحقيقة، و ما سواه باطل من حيث هو،و حقّ بتحقيقه تعالى إيّاه، فيتقيّد بحسب كلّ مقام للدّلالة على أنّ مقابله لا حقيقة له،و إذا كان المدعوّ من دونه بطلانه لعدم الاستجابة، فهو الحقّ الّذي يسمع فيجيب،انتهى.

و بهذا سقط ما قاله أبو حيّان في الاعتراض على الوجه الثّاني من أنّ مآله إلى اللّه دعوة اللّه،و هو نظير قولك لزيد:دعوة زيد،و لا يصحّ ذلك،و استغنى عمّا قال العلاّمة الطّيّبيّ في تأويله:من أنّ المعنى و للّه تعالى الدّعوة الّتي تليق أن تنسب و تضاف إلى حضرته جلّ شأنه،لكونه تعالى سميعا بصيرا كريما لا يخيب سائله، فيجيب الدّعاء،فإنّ ذلك كما ترى قليل الجدوى.

و يعلم ممّا في«الكشف»وجه تعلّق هذه الجملة بما تقدّم.و قال بعضهم:وجه تعلّق هذه و الجملة الّتي قبلها،

ص: 109

أعني قوله تعالى: وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ الرّعد:13، إن كان سبب النّزول قصّة(أربد و عامر)أنّ إهلاكهما من حيث لم يشعرا به محال من اللّه تعالى،و إجابة لدعوة رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،فقد روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام قال:

«اللّهمّ احبسهما عنّي بما شئت»،أو دلالة على رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم على الحقّ.

و إن لم يكن سبب النّزول ذلك فالوجه أنّ ذلك وعيد للكفرة على مجادلتهم الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،بحلول محاله بهم،و تهديدهم بإجابة دعائه عليه الصّلاة و السّلام أن دعا عليهم،أو بيان ضلالتهم و فساد رأيهم في عبادة غير اللّه تعالى،و يعلم ممّا ذكر وجه التّعلّق على بعض التّفاسير إذا قلنا:إنّ سبب النّزول قصّة اليهوديّ أو الحبّار،فتأمّل.(13:123)

القاسميّ: أي الدّعاء الحقّ بالعبادة و التّضرّع و الإنابة،و توجيه الوجه ثابت له تعالى لا لغيره،لأنّه الّذي يجيب المضطرّ و يكشف السّوء،فهو الحقيق بأن يعبد وحده بالدّعاء و الالتجاء.فإضافة الدّعوة للحقّ من إضافة الموصوف للصّفة.

و فيها إيذان بملابستها للحقّ،و اختصاصها به، و كونها بمعزل من شائبة البطلان و الضّياع و الضّلال،كما يقال:كلمة الحقّ.(9:3662)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ الآية.الدّعاء و الدّعوة:توجيه نظر المدعوّ إلى الدّاعي، و يتأتّى غالبا بلفظ أو إشارة،و الاستجابة و الإجابة:

إقبال المدعوّ على الدّاعي عن دعائه.و أمّا اشتمال الدّعاء على سؤال الحاجة و اشتمال الاستجابة على قضائها، فذلك غاية متمّمة لمعنى الدّعاء،و الاستجابة غير داخلة في مفهوميهما.

نعم؛الدّعاء إنّما يكون دعاء حقيقة إذا كان المدعوّ ذا نظر يمكن أن يوجّه إلى الدّاعي،و ذا جدة و قدرة يمكنه بهما استجابة الدّعاء.و أمّا دعاء من لا يفقه أو يفقه و لا يملك ما ترفع به الحاجة،فليس بحقّ الدّعاء و إن كان في صورته.

و لمّا كانت الآية الكريمة قرّر فيها التّقابل بين قوله:

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ و بين قوله: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلخ-الّذي يذكر أنّ دعاء غيره خال عن الاستجابة،ثمّ يصف دعاء الكافرين بأنّه في ضلال- علمنا بذلك أنّ المراد بقوله: دَعْوَةُ الْحَقِّ الدّعوة الحقّة غير الباطلة،و هي الدّعوة الّتي يسمعها المدعوّ ثمّ يستجيبها البتّة،و هذا من صفاته تعالى و تقدّس،فإنّه سميع الدّعاء قريب مجيب،و هو الغنيّ ذو الرّحمة.و قد قال: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:186، و قال: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60،فأطلق و لم يشترط في الاستجابة،إلاّ أن تتحقّق هناك حقيقة الدّعاء،و أن يتعلّق ذلك الدّعاء به تعالى،لا غير.

فلفظة دَعْوَةُ الْحَقِّ من إضافة الموصوف إلى الصّفة،أو من الإضافة الحقيقيّة بعناية أنّ الحقّ و الباطل كأنّهما يقتسمان الدّعاء،فقسم منه للحقّ،و هو الّذي لا يتخلّف عن الاستجابة،و قسم منه للباطل،و هو الّذي

ص: 110

لا يهتدي إلى هدف الإجابة،كدعاء من لا يسمع أو لا يقدر على الاستجابة.

فهو تعالى لما ذكر في الآيات السّابقة أنّه عليم بكلّ شيء و أنّ له القدرة العجيبة،ذكر في هذه الآية أنّ له حقيقة الدّعاء و الاستجابة،فهو مجيب الدّعاء،كما أنّه عليم قدير،و قد ذكر ذلك في الآية بطريقي الإثبات و النّفي،أعني إثبات حقّ الدّعاء لنفسه و نفيه عن غيره.

أمّا الأوّل فقوله: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ و تقديم الظّرف يفيد الحصر،و يؤيّده ما بعده من نفيه عن غيره.

و أمّا الثّاني فقوله: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ و قد أخبر فيه أنّ الّذين يدعوهم المشركون من دون اللّه لا يستجيبون لهم بشيء،و قد بيّن ذلك في مواضع من كلامه.

فإنّ هؤلاء المدعوّين إمّا أصنام يدعوهم عامّتهم، و هي أجسام ميّتة لا شعور فيها و لا إرادة،و إمّا أرباب الأصنام من الملائكة أو الجنّ و روحانيّات الكواكب و البشر،كما ربّما يتنبّه له خاصّتهم،فهم لا يملكون لأنفسهم ضرّا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا، فكيف بغيرهم و للّه الملك كلّه،و له القوّة كلّها،فلا مطمع عنده غيره تعالى.

ثمّ استثنى من عموم نفي الاستجابة صورة واحدة فقط،و هي ما يشبه مورد المثل المضروب بقوله:

كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ.

فإنّ الإنسان العطشان إذا أراد شرب الماء،كان عليه أن يدنو من الماء،ثمّ يبسط كفّيه،فيغترفه و يتناوله،و يبلغ فاه و يرويه،و هذا هو حقّ الطّلب يبلغ بصاحبه بغيته في هدى و رشاد.و أمّا الظّمآن البعيد من الماء يريد الرّيّ،لكن لا يأتي من أسبابه بشيء،غير أنّه يبسط إليه كفّيه يبلغ فاه،فليس يبلغ البتّة فاه،و ليس له من طلبه إلاّ صورته فقط.

و مثل من يدعو غير اللّه سبحانه مثل هذا الباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه،و ليس له من الدّعاء إلاّ صورته الخالية من المعنى،و اسمه من غير مسمّى،فهؤلاء المدعوّون من دون اللّه لا يستجيبون للّذين يدعونهم بشيء،و لا يقضون حاجتهم إلاّ كما يستجاب لباسط كفّيه إلى الماء،ليبلغ فاه و يقضي حاجته،أي لا يحصل لهم إلاّ صورة الدّعاء،كما لا يحصل لذلك الباسط إلاّ صورة الطّلب بسط الكفّين.

و من هنا يعلم أنّ هذا الاستثناء إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إلخ،لا ينتقض به عموم النّفي في المستثنى منه،و لا يتضمّن إلاّ صورة الاستثناء،فهو يفيد تقوية الحكم في جانب المستثنى منه،فإنّ مفاده أنّ الّذين يدعون من دون اللّه لا يستجاب لهم إلاّ كما يستجاب لباسط كفّيه إلى الماء و لن يستجاب له،و بعبارة أخرى لن ينالوا بدعائهم إلاّ أن لا ينالوا شيئا،أي لن ينالوا شيئا البتّة.

و هذا من لطيف كلامه تعالى،و يناظر من وجه قوله تعالى الآتي: قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا الرّعد:16،و آكد منه كما سيجيء إن شاء اللّه.

ص: 111

و قد تبيّن بما تقدّم:

أوّلا:أنّ قوله: دَعْوَةُ الْحَقِّ المراد به:حقّ الدّعاء،و هو الّذي يستجاب و لا يردّ البتّة،و أمّا قول بعضهم:إنّ المراد كلمة الإخلاص شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،فلا شاهد عليه من جهة السّياق.

و ثانيا:أنّ تقدير قوله: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ إلخ، بإظهار الضّمائر:الّذين يدعوهم المشركون من دون اللّه لا يستجيب أولئك المدعوّون للمشركين بشيء.

(11:316)

عبد الكريم الخطيب :في هذا تسفيه لهؤلاء السّفهاء الّذين يصرفون وجوههم عن اللّه،فلا يدعونه، و لا يلجئون إليه،و هو الحقّ الّذي إذا دعي سمع،و إذا سئل أجاب و أعطى.و لكنّهم يدعون من دونه من لا يسمع و لا يجيب، وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ الأحقاف:5.

(7:85)

مكارم الشّيرازيّ: قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ فهو يستجيب لدعواتنا،و هو عالم بدعاء العباد و قادر على قضاء حوائجهم،و لهذا السّبب يكون دعاؤنا إيّاه و طلبنا منه حقّا،و ليس باطلا.(7:322)

فضل اللّه : لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ بما يوحيه إلى رسله من فكر يلتزم به النّاس،و عمل يقومون به،و منهج يتّبعونه،و مفاهيم يحملونها،و شريعة يسيرون عليها على أساس الحقّ،دون أن يترك أيّة ثغرة تحدث فراغا في أفكارهم و مشاعرهم و خطواتهم العمليّة في الحياة.

و هكذا تكون الاستجابة للّه استجابة للحقّ في كلّ شيء، و انطلاقة في الصّراط المستقيم الّذي لا يقترب إليه الانحراف،لأنّ الباطل إنّما يكون نتيجة فقدان الوضوح في الرّؤية،أو نتيجة عقدة ضعف تحرّكها حالة رغبة،أو رهبة تستغلّ الباطل في الوصول و الهروب.(13:32)

36- قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ.

الحجر:55

ابن عبّاس: بالولد.(219)

يريد بما قضاه اللّه تعالى.(الفخر الرّازيّ 19:197)

الطّبريّ: بشّرناك بحقّ يقين،و علم منّا بأنّ اللّه قد وهب لك غلاما عليما.(14:40)

الماورديّ: أي بالصّدق،إشارة منهم إلى أنّه عن اللّه تعالى.(3:164)

نحوه البغويّ.(3:61)

الميبديّ: أي بالصّدق،و قيل:بأمر اللّه.

(5:322)

الزّمخشريّ: يحتمل أن تكون الباء فيه صلة،أي بشّرناك باليقين الّذي لا لبس فيه،أو بشّرناك بطريقة هي حقّ،و هي قول اللّه و وعده،و أنّه قادر على أن يوجد ولدا من غير أبوين،فكيف من شيخ فان و عجوز عاقر؟.(2:393)

نحوه النّيسابوريّ(14:28)،و الآلوسيّ(14:

62).

الطّبرسيّ: إنّا بشّرناك بذلك على وجه الحقيقة

ص: 112

بأمر اللّه.(3:340)

ابن الجوزيّ: أي بما قضى اللّه أنّه كائن.

(4:406)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّ اللّه تعالى قضى أن يخرج من صلب إبراهيم إسحاق عليه السّلام،و يخرج من صلب إسحاق مثل ما أخرج من صلب آدم،فإنّه تعالى بشّر بأنّه يخرج من صلب إسحاق أكثر الأنبياء،فقوله:

(بالحقّ)إشارة إلى هذا المعنى.(19:197)

القرطبيّ: أي بما لا خلف فيه،و أنّ الولد لا بدّ منه.

(10:34)

البيضاويّ: بما يكون لا محالة،أو باليقين الّذي لا لبس فيه،أو بطريقة هي حقّ،و هو قول اللّه تعالى و أمره.(1:543)

مثله أبو السّعود(4:25)،و نحوه البروسويّ(4:

474).

الطّباطبائيّ: الباء في(بالحقّ)للمصاحبة،أي إنّ بشارتنا ملازمة للحقّ غير منفكّة منه،فلا تدفعها بالاستبعاد،فتكون من القانطين من رحمة اللّه.

(12:181)

عبد الكريم الخطيب :و كان هذا الجواب تصحيحا لمشاعر إبراهيم نحو الولد،و أنّه إذا لم يكن هو الّذي يطلب الولد بعد هذا العمر الّذي بلغه،فإنّ إرادة اللّه هي الّتي جاءت بهذا الولد في هذا الوقت و في هذه المرحلة من العمر،و ذلك هو الحقّ الّذي لا بدّ أن يقع، و من ثمّ كان وقوعه في هذا الوقت هو أنسب الأوقات، حسب تقدير اللّه،و كان تأخيره إلى هذا الوقت لحكمة يعلمها اللّه،و إن خفيت على إبراهيم،و غاب عنه ما وراءها من خير.(7:243)

مكارم الشّيرازيّ: فهي بشارة من اللّه و بأمره، فهي حقّ مسلّم به.(8:80)

فضل اللّه :الّذي انطلق من وحي اللّه و إرادته، و قدرته الّتي يتّسع لها كلّ شيء.(13:168)

37- وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً. الإسراء:81

ابن عبّاس: محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بالقرآن.(240)

إنّ الحقّ:الإسلام،و الباطل:الشّرك.

(ابن الجوزيّ 5:78)

مثله السّدّيّ.(الثّعلبيّ 6:128)

قتادة :الحقّ:القرآن.(الطّبريّ 15:152)

مثله مجاهد.(القرطبيّ 10:315)

مقاتل:إنّ الحقّ:عبادة اللّه،و الباطل:عبادة الأصنام.(الماورديّ 3:267)

ابن جريج:دنا القتال.(الطّبريّ 15:152)

الطّبريّ: [تقدّم كلامه في:ب ط ل:«الباطل» فلاحظ.](15:152)

إنّ الحقّ:الجهاد،و الباطل:الشّرك.

(الماورديّ 3:267)

الثّعلبيّ: و قيل:الحقّ دين الرّحمن،و الباطل الأوثان.(6:128)

ص: 113

مثله البغويّ.(3:157)

الطّوسيّ: يعني التّوحيد،و خلع الأنداد،و العبادة للّه وحده لا شريك له.(6:512)

الميبديّ: أي الإسلام و الدّين.(5:611)

نحوه الزّمخشريّ(2:463)،و الطّبرسيّ(3:

435)،و النّيسابوريّ(15:71)،و البيضاويّ(1:

595).

ابن عطيّة: قالت فرقة:الحقّ:الإيمان.و الباطل:

الكفر.(3:480)

الفخر الرّازيّ: و هو دينه و شرعه.(21:33)

الشّربينيّ: و هو ما أمرني به ربّي،و أنزله إليّ.

(2:330)

أبو السّعود :أي الإسلام و الوحي الثّابت الرّاسخ.

(4:153)

البروسويّ: الإسلام و القرآن.(5:194)

الآلوسيّ: الإسلام و الدّين الثّابت الرّاسخ.

و الجملة عطف على جملة(قل)أوّلا،و احتمال أنّها من مقول القول الأوّل،لما فيها من الدّلالة على الاستجابة في غاية البعد.(15:144)

القاسميّ: و هو الوعد بالسّلطان النّصير و الإسلام و دولته.(10:3975)

ابن عاشور :و مجيء الحقّ مستعمل مجازا في إدراك النّاس إيّاه و علمهم به،و انتصار القائم به على معاضديه، تشبيها للشّيء الظّاهر بالشّيء الّذي كان غائبا فورد جائيا.(14:148)

مكارم الشّيرازيّ: نواجه في الآيات قبلها أصلا تامّا،و أساسا آخر،و سنّة إلهيّة خالدة؛حيث تزرع الأمل في قلوب أنصار الحقّ.هذا الأصل هو أنّ عاقبة الحقّ الانتصار و عاقبة الباطل الاندحار،و أنّ للباطل صولة و دولة،و برق و رعد،و له كرّ و فرّ،إلاّ أنّ عمره قصير،و في النّهاية يكون مآله السّقوط و الزّوال الباطل، كما يقول القرآن: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ الرّعد:17.

و الدّليل على هذا الموضوع كامن في باطن كلمة الباطل؛حيث إنّه لا يتّفق مع القوانين العامّة للوجود، و ليس له من رصيد من الواقعيّة و الحقيقة.

إنّ الباطل شيء مصنوع و مزوّر،و ليس له جذور أجوف،و الأشياء الّتي لها صفات كهذه-عادة-لا يمكنها البقاء طويلا.أمّا الحقّ فله أبعاد و جذور متناسقة مع قوانين الخلق و الوجود،و مثله ينبغي أن يبقى.

أنصار الحقّ يعتمدون سلاح الإيمان،منطقهم الوفاء بالعهد،و صدق الكلام،و التّضحية،و هم مستعدّون أن يفدوا أنفسهم حتّى الاستشهاد في سبيله،قلوبهم منوّرة بنور المعرفة،لا يخافون أحدا سوى اللّه،و لا يعتمدون إلاّ عليه،و هذا هو سرّ انتصارهم.

في بعض الرّوايات تمّ تفسير قوله: جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ بقيام دولة المهديّ عليه السّلام،فالإمام الباقر يبيّن أنّ مفهوم الكلام الإلهيّ هو:«إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل».

و في رواية أخرى نقرأ أنّه حينما ولد المهديّ عليه السّلام كان

ص: 114

مكتوبا على عضده قوله تعالى: جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.

إنّ مفهوم هذه الأحاديث لا يحصر المعنى الواسع للآية بهذا المصداق،بل إنّ ثورة المهديّ عليه السّلام و نهضته هي من أوضح المصاديق؛حيث تكون نتيجتها الانتصار النّهائيّ للحقّ على الباطل في كلّ العالم.

و بالنّسبة للرّسول صلّى اللّه عليه و آله نقرأ أنّه صلّى اللّه عليه و آله دخل في يوم فتح مكّة،المسجد الحرام،و حطّم(360)صنما كانت لقبائل العرب،و كانت موضوعة حول فناء الكعبة، و كان صلّى اللّه عليه و آله يحطّمها الواحد تلو الآخر بعصاه،و هو يقول:

جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.

و خلاصة القول:أنّ حقيقة انتصار الحقّ و انهزام الباطل هي تعبير عن قانون عامّ لا يمكن لأيّ عصر التّخلّف عنه،و انتصار الرّسول صلّى اللّه عليه و آله على الشّرك و الأصنام،و نهضة المهديّ عليه السّلام الموعودة و انتصاره على الظّالمين في العالم،هما من أوضح المصاديق على القانون العامّ هذا.

و هذا القانون العامّ يبعث الأمل في نفوس أهل الحقّ، و يعطيهم القوّة على مواجهة مشاكل الطّريق في عملهم و مسيرهم الإسلاميّ.(9:87)

فضل اللّه :أي إعلان الحقيقة على النّاس دون خوف،لأنّ مسألة إثارة الحقّ في وعي النّاس لا يمكن أن تخضع لعوامل الإخفاء،بل لا بدّ من التّأكيد على الموقف في ساحة التّحدّي،ليعرف النّاس كيف يواجهون الحياة من مواقعه،لئلاّ يضيعوا في غمار الضّلال،و هذا ما جعل الأنبياء ينطلقون في دعوتهم للإيمان باللّه و السّير في طريقه،بكلّ قوّة و إصرار و معاناة،و يتحمّلون في سبيل ذلك كلّ الصّعوبات،و يقدّمون أعلى التّضحيات حتّى فقد الكثيرون حياتهم من أجله.

إنّه الإعلان المتحدّي،لقد جاء الحقّ،و دخل السّاحة،و سيفرض نفسه عليها،و سيواجه كلّ الأعداء، و سيهجم على كلّ المواقع،بكلّ أدواته و أساليبه و خطواته العمليّة،و زهق الباطل و هلك،لأنّ الحقّ سوف يفضح كلّ نقاط ضعفه،و سيكشف عن كلّ الزّيف الّذي يختبئ داخله،و عن كلّ السّحر الزّائف الّذي يبرز ملامحه بطريقة خادعة،و سيواجه كلّ قواه،و سيسقطه و ينتصر عليه،مهما امتدّ الزّمن،و مهما ارتكبت المواقف و اهتزّت المواقع،فإنّ الحقيقة ستفرض نفسها،و لو بطريقة متحرّكة،تتقدّم حينا و تتأخّر حينا آخر.

(14:208)

تقدّم بعض النّصوص في ب ط ل:«الباطل» فلاحظ.

38- بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً. الإسراء:105

ابن عبّاس: بالقرآن أنزلنا جبريل على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، بِالْحَقِّ نَزَلَ بالقرآن نزل.(242)

أبو سليمان الدّمشقيّ: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ أي بالتّوحيد، وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يعني بالوعد و الوعيد و الأمر و النّهي.(ابن الجوزيّ 5:96)

ص: 115

الطّبريّ: و بالحقّ أنزلنا هذا القرآن،يقول:أنزلناه نأمر فيه بالعدل و الإنصاف و الأخلاق الجميلة،و الأمور المستحسنة الحميدة،و ننهى فيه عن الظّلم و الأمور القبيحة و الأخلاق الرّديئة،و الأفعال الذّميمة.

وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يقول:و بذلك نزل من عند اللّه، على نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(15:177)

نحوه الطّوسيّ.(6:530)

الماورديّ: قوله عزّ و جلّ: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ يحتمل وجهين:أحدهما:أنّ إنزاله حقّ،الثّاني:أنّ ما تضمّنه من الأوامر و النّواهي و الوعد و الوعيد حقّ.

وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يحتمل وجهين:أحدهما:

و بوحينا نزل،الثّاني:على رسولنا نزل.(3:279)

البغويّ: يعني القرآن.(3:167)

الميبديّ: أي أنزلنا القرآن بالحقّ غير الباطل.

و قيل:ما يتضمّنه حقّ،أي صدق و عدل،يعني أنزلناه بالدّين القائم و الأمر الثّابت.

وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يعني و بمحمّد نزل القرآن،أي عليه نزل،كما تقول:نزلت بزيد يعني على زيد.

و قيل:الحقّ الأوّل:الحقيقة،و الثّاني:المستحقّ، أي أتاكم بما تستحقّونه.(5:631)

الزّمخشريّ: و ما أنزلنا القرآن إلاّ بالحكمة المقتضية لإنزاله،و ما نزل إلاّ ملتبسا بالحقّ و الحكمة، لاشتماله على الهداية إلى كلّ خير،أو ما أنزلناه من السّماء إلاّ بالحقّ محفوظا بالرّصد من الملائكة.و ما نزل على الرّسول إلاّ محفوظا بهم من تخليط الشّياطين.(2:469)

ابن عطيّة:قال الزّهراويّ: معناه بالواجب الّذي هو المصلحة و السّداد للنّاس.(بالحقّ)في نفسه، و قوله: وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يريد بالحقّ في أوامره و نواهيه و أخباره،فبهذا التّأويل يكون تكرار اللّفظ لمعنى غير الأوّل.

و ذهب الطّبريّ إلى أنّهما بمعنى واحد،أي بأخباره و أوامره و بذلك نزل.(3:490)

الطّبرسيّ: معناه:و بالحقّ أنزلنا القرآن عليك.

وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ القرآن،و تأويله:أردنا بإنزال القرآن:القرآن الحقّ،و الصّواب و هو أن يؤمن به و يعمل بما فيه،و نزل بالحقّ لأنّه يتضمّن الحقّ و يدعو إلى الحقّ.(3:444)

ابن الجوزيّ: الهاء كناية عن القرآن،و المعنى:

أنزلنا القرآن بالأمر الثّابت و الدّين المستقيم،فهو حقّ، و نزوله حقّ،و ما تضمّنه حقّ.(5:96)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّه ما أردنا بإنزاله إلاّ تقرير الحقّ و الصّدق،و كما أردنا هذا المعنى،فكذلك وقع هذا المعنى و حصل.

و في هذه الآية فوائد:

الفائدة الأولى:أنّ الحقّ هو الثّابت الّذي لا يزول، كما أنّ الباطل هو الزّائل الذّاهب،و هذا الكتاب الكريم مشتمل على أشياء لا تزول؛و ذلك لأنّه مشتمل على دلائل التّوحيد و صفات الجلال و الإكرام،و على تعظيم الملائكة و تقرير نبوّة الأنبياء،و إثبات الحشر و النّشر و القيامة،و كلّ ذلك ممّا لا يقبل الزّوال،و مشتمل أيضا

ص: 116

على شريعة باقية لا يتطرّق إليها النّسخ و النّقض و التّحريف.

و أيضا فهذا الكتاب كتاب تكفّل اللّه بحفظه عن تحريف الزّائغين و تبديل الجاهلين،كما قال: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،فكان هذا الكتاب حقّا من كلّ الوجوه.

الفائدة الثّانية:أنّ قوله: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ يفيد الحصر،و معناه أنّه ما أنزل لمقصود آخر سوى إظهار الحقّ.و قالت المعتزلة:و هذا يدلّ على أنّه ما قصد بإنزاله إضلال أحد من الخلق،و لا إغراؤه و لا منعه عن دين اللّه.

الفائدة الثّالثة قوله: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يدلّ على أنّ الإنزال غير النّزول،فوجب أن يكون الخلق غير المخلوق،و أن يكون التّكوين غير المكوّن،على ما ذهب إليه قوم.

الفائدة الرّابعة:قال أبو عليّ الفارسيّ: الباء في قوله:

وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ بمعنى«مع»كما تقول:نزل بعدّته و خرج بسلاحه،و المعنى أنزلنا القرآن مع الحقّ.

و قوله: وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ فيه احتمالان:

أحدهما:أن يكون التّقدير:نزل بالحقّ،كما تقول:

نزلت بزيد،و على هذا التّقدير:الحقّ محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّ القرآن نزل به،أي عليه.

الثّاني:أن تكون بمعنى«مع»كما قلنا في قوله:

وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ. (21:68)

القرطبيّ: هذا متّصل بما سبق من ذكر المعجزات و القرآن،و الكناية ترجع إلى القرآن.و وجه التّكرير في قوله: وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ يجوز أن يكون معنى الأوّل:

أوجبنا إنزاله بالحقّ.و معنى الثّاني:و نزل و فيه الحقّ، كقوله:خرج بثيابه،أي و عليه ثيابه.

و قيل:الباء في(و بالحقّ)الأوّل،بمعنى«مع»أي مع الحقّ،كقولك:ركب الأمير بسيفه،أي مع سيفه.

وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ أي بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،أي نزل عليه،كما تقول:نزلت بزيد.

و قيل:يجوز أن يكون المعنى:و بالحقّ قدّرنا أن ينزل،و كذلك نزل.(10:339)

النّيسابوريّ: و لمّا بيّن إعجاز القرآن و أجاب عن شبهات القوم،أراد أن يعظّم شأن القرآن و يذكر جلالة قدره،فقال: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ التّقديم للتّخصيص، أي ما أردنا بإنزاله إلاّ تقرير الحقّ في مركزه،و تمكين الصّواب في نصابه.[و نقل قول الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ و قال بعد صفحات:]

وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ لأنّ الأرواح المتعلّقة بالعالم السّفليّ احتاجت في الرّجوع إلى عالم العلوّ إلى حبل متين هو القرآن،كقوله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ آل عمران:

103، وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ التّميّز بين أهل السّعادة و الشّقاوة بالاتّباع و عدمه.(15:91-95)

أبو حيّان :و بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ هو مردود على قوله: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ... الإسراء:88، و هكذا طريقة كلام العرب و أسلوبها تأخذ في شيء و تستطرد منه إلى شيء آخر،ثمّ إلى آخر،ثمّ تعود إلى ما

ص: 117

ذكرته أوّلا.

و أبعد من ذهب إلى أنّ الضّمير في أنزلناه عائد على موسى عليه السّلام،و جعل منزلا،كما قال: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ الحديد:25،أو عائد على الوعد المذكور قبله[و نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و قد يكون وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ توكيدا من حيث المعنى لما كان،يقال:أنزلته فنزل و أنزلته فلم ينزل،إذا عرض له مانع من نزوله،جاء وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ مزيلا لهذا الاحتمال و مؤكّدا حقيقة، وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ و إلى معنى التأكيد نحا الطّبريّ.(6:87)

الشّربينيّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

(و بالحقّ)لا بغيره(نزل)هو و وصل إليهم على لسانك بعد إنزاله عليك،كما أنزلناه سواء غضّا طريّا محفوظا لم يطرأ عليه طارئ،فليس فيه من تحريف و لا تبديل،كما وقع في كتاب اليهود الّذين سألهم قومك.

(2:343)

أبو السّعود :أي و ما أنزلنا القرآن إلاّ ملتبسا بالحقّ المقتضي لإنزاله،و ما نزل إلاّ ملتبسا بالحقّ الّذي اشتمل عليه،أو ما أنزلناه من السّماء إلاّ محفوظا،و ما نزل على الرّسول إلاّ محفوظا من تخليط الشّياطين،و لعلّ المراد بيان عدم اعتراء البطلان له أوّل الأمر و آخره.(4:162)

البروسويّ: أي و ما أنزلنا القرآن إلاّ ملتبسا بالحقّ المقتضي لإنزاله،و ما نزل إلاّ ملتبسا بالحقّ الّذي اشتمل عليه.فالمراد(بالحقّ)في كلّ من الموضعين معنى يغاير الآخر،فلا يرد أنّ الثّاني تأكيد للأوّل.[إلى أن قال:]

و في«التّأويلات النّجميّة»:إنزال القرآن كان بالحقّ لا بالباطل،و ذلك لأنّه تعالى لمّا خلق الأرواح المقدّسة في أحسن تقويم،ثمّ بالنّفخة ردّه إلى أسفل سافلين و هو القالب الإنسانيّ،احتاجت الأرواح في الرّجوع إلى أعلى علّيّين،قرب الحقّ و جواره إلى حبل تعتصم به في الرّجوع،فأنزل اللّه القرآن و هو حبله المتين،و قال:

وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً آل عمران:103.

وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ ليضلّ به أهل الشّقاوة،و بالرّدّ و الجحود و الامتناع عن الاعتصام به،و يبقى في الأسفل حكمة بالغة منه،و يهدي به أهل السّعادة بالقبول و الإيمان و الاعتصام به،و التّخلّق بخلقه،إلى أن يصل به إلى كمال قربه فيعتصموا،كما قال: وَ اعْتَصِمُوا بِاللّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ الحجّ:78.(5:209)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان و أضاف:]

و الظّاهر أنّ الباء في الموضعين للملابسة،و الجارّ و المجرور في موضع الحال من ضمير القرآن،و احتمال أن يكون أوّلا حالا من ضميره تعالى خلاف الظّاهر، و المراد(بالحقّ)الأوّل على ما قيل:الحكمة الإلهيّة المقتضية لإنزاله،و بالثّاني:ما اشتمل عليه من العقائد و الأحكام و نحوها،أي ما أنزلناه إلاّ ملتبسا بالحقّ المقتضي لإنزاله،و ما نزل إلاّ ملتبسا بالحقّ الّذي اشتمل عليه.

و قيل:الباء الأولى للسّببيّة متعلّقة بالفعل«بعد» و الثّانية للملابسة،و قيل:هما للسّببيّة فيتعلّقان بالفعل.

ص: 118

[ثمّ نقل قول أبي سليمان الدّمشقيّ و قول أبي السّعود و قال:]

و حاصله أنّه محفوظ حال الإنزال و حال النّزول، و ما بعده لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.

و أبعد من جوّز كون المراد(بالحقّ)الثّاني:النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و معنى نزوله به نزوله عليه و حلوله عنده،من قولهم:

نزل بفلان ضيف.و على سائر الأوجه لا تخفى فائدة ذكر الجملة الثّانية بعد الأولى،و ما يتوهّم من التّكرار مندفع.

و نحا الطّبريّ إلى أنّ الجملة الثّانية توكيد للأولى من حيث المعنى،لأنّه يقال:أنزلته فنزل،و أنزلته فلم ينزل،إذا عرض له مانع من النّزول،فجاءت الجملة الثّانية مزيلة لهذا الاحتمال.

و تحاشى بعضهم من إطلاق التّوكيد لما بين الإنزال و النّزول من المغايرة،و ادّعى أنّه لو كانت الثّانية توكيدا للأولى،لما جاز العطف لكمال الاتّصال.(15:187)

القاسميّ: أي بالحقيقة أنزلناه كتابا من لدنّا فأين تذهبون؟كما قال تعالى: لكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ النّساء:166.

وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ أي متلبّسا بالحقّ الّذي هو ثبات نظام العالم على أكمل الوجوه،و هو ما اشتمل عليه من العقائد و الأحكام و محاسن الأخلاق،و كلّ ما خالف الباطل،كقوله تعالى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ فصّلت:42.(10:4009)

الطّباطبائيّ: لمّا فرغ من التّنظير رجع إلى ما كان عليه من بيان حال القرآن و ذكر أوصافه،فذكر أنّه أنزله إنزالا مصاحبا للحقّ،و قد نزل هو من عنده نزولا مصاحبا للحقّ،فهو مصون من الباطل من جهة من أنزله،فليس من لغو القول و هذره،و لا داخله شيء يمكن أن يفسده يوما،و لا شاركه فيه أحد حتّى ينسخه في وقت من الأوقات.

و ليس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلاّ رسولا منه تعالى يبشّر به و ينذر،و ليس له أن يتصرّف فيه بزيادة أو نقيصة،أو يتركه كلاّ أو بعضا باقتراح من النّاس،أو هوى من نفسه،أو يعرض عنه فيسأل اللّه آية أخرى فيها هواه أو هوى النّاس،أو يداهنهم فيه أو يسامحهم في شيء من معارفه و أحكامه،كلّ ذلك لأنّه حقّ صادر عن مصدر حقّ،و ما ذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال.(13:220)

مكارم الشّيرازيّ: عشّاق الحقّ.

مرّة أخرى يشير القرآن العظيم إلى أهمّيّة و عظمة هذا الكتاب السّماويّ،و يجيب على بعض ذرائع المعارضين،في البداية تقول الآيات: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ثمّ تضيف بلا أدنى فاصلة وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ، ثمّ تقول: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً إذ ليس لك الحقّ في تغيير محتوى القرآن.

لقد ذكر المفسّرون آراء مختلفة في الفرق بين الجملة الأولى وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ و الجملة الثّانية وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ منها:

1-تقدير الجملة الأولى:إنّنا قدّرنا أن ينزل القرآن الآن بالحقّ.بينما تضيف الجملة الثّانية أنّ هذا الأمر أو التّقدير قد تحقّق،لذا فإنّ التّعبير الأوّل يشير إلى التّقدير

ص: 119

بينما يشير الثّاني إلى مرحلة الفعل و التّحقيق.

2-الجملة الأولى تشير إلى أنّ مادّة القرآن و محتواه هو الحقّ،أمّا التّعبير الثّاني فإنّه يبيّن أنّ نتيجته و ثمرته هي الحقّ أيضا.

3-الرّأي الثّالث:يرى أنّ الجملة الأولى تقول:إنّنا نزّلنا هذا القرآن بالحقّ بينما الثّانية تقول:لأنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله لم يتدخّل في الحقّ و لم يتصرّف به،لذا فقد نزل بالحقّ.

و ثمّة احتمال آخر قد يكون أوضح من هذه التّفاسير،و هو أنّ الإنسان قد يبدأ في بعض الأحيان بعمل ما،و لكنّه لا يستطيع إتمامه بشكل صحيح؛و ذلك بسبب من ضعفه،أمّا بالنّسبة للشّخص الّذي يعلم بكلّ شيء و يقدر على كلّ شيء،فإنّه يبدأ بداية صحيحة، و ينهي العمل نهاية صحيحة.

و كمثال على ذلك:نرى أنّ الإنسان قد يرى ماء صافيا ينبع من عين،و لكن خلال مسير هذا الماء لا يستطيع الإنسان أن يحافظ على صفاء هذا الماء و نظافته،أو أن يمنعه من التّلوّث لذلك،فإنّ هذا الماء يصل في هذه الحالة إلى الآخرين و هو ملوّث،إلاّ أنّ الشّخص المحيط بالأمور،يبقي الماء صافيا و يبقيه بعيدا عن عوامل التّلوّث،حتّى يصل إلى العطاشى و المحتاجين له.

القرآن كتاب نزل بالحقّ من قبل الخالق،و هو محفوظ في جميع مراحله،سواء في المرحلة الّتي كان الوسيط فيها جبرائيل الأمين،أو المرحلة كان الرّسول فيها هو المتلقّي،و بمرور الزّمن لم تستطع يد التّحريف و التّزوير أن تمتدّ إليه بمقتضى قوله تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،فاللّه هو الّذي يتكفّل حمايته و حراسته.

لذا فإنّ هذا الماء النّقيّ الصّافي و الوحي الإلهيّ القويم لم يغيّر أو يحرّف منذ عصر الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و حتّى نهاية العالم.(9:151)

فضل اللّه : وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ فقد أراده اللّه أن يكون مصدرا للحقيقة في حياة الإنسان،من خلال ما يمثّله من فكر و منهج و تشريع ليركز الوعي على أساس ثابت قويّ لا يهتزّ و لا يزول،فليس هناك عبث و لا لغو و لا باطل في أيّ موقع من مواقعه،لأنّ اللّه هو الحقّ،و لا يمكن أن يصدر منه إلاّ الحقّ الّذي تلتقي فيه الوسيلة بالهدف،و النّظريّة بالتّطبيق في انسجام كامل.

وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ و ذلك من خلال ما يبلّغه الرّسول من آياته بكلّ صدق و أمانة،فلا يضيف إليه منه أيّة كلمة مهما كانت،لأنّ دوره هو دور المبلّغ الّذي لا يملك الحقّ في أي تغيير بالنّصّ الموحى به من اللّه سبحانه، و هكذا نزل بالحقّ في ما كان يريد أن يؤكّده من مبادئ و أفكار،أو يحقّقه من مواقف و مواقع و أوضاع.و قد أراد اللّه للقرآن أن يثبّت الحقّ في الحياة و في الإنسان،و كان اللّه ما أراد في حركة القرآن في خطّ التّبليغ و الحركة و الواقع.

و إذا كان القرآن قد أكّد الحقّ،كأساس للخطّ الّذي يتحرّك فيه الإنسان من خلال المضمون الفكريّ

ص: 120

و التّشريعيّ و العمليّ،فلا بدّ لنا من أن نستوحي ذلك في كلّ أوضاعنا العامّة و الخاصّة،على مستوى الكلمات و المشاريع و العلاقات و الخلقيّات النّفسيّة لذلك كلّه،فلا مجال للباطل في شخصيّة الإنسان المسلم الّذي يعتبر القرآن دستورا له،و عنوانا لحركته في الحياة،ممّا يفرض العمل على التّوازن في التّخطيط التّربويّ،على صعيد صنع الشّخصيّة الإنسانيّة.(14:248)

39- هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً. الكهف:44

ابن عبّاس: (الحقّ):العدل.(248)

الفرّاء: رفع من نعت اَلْوَلايَةُ. و في قراءة أبيّ هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ و إن شئت خفضت تجعله من نعت(اللّه)،و اَلْوَلايَةُ: الملك،و لو نصبت (الحقّ)على معنى حقّا كان صوابا.(2:145)

الطّبريّ: و اختلفوا في قراءة قوله:(الحقّ)،فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة و العراق خفضا،على توجيهه إلى أنّه من نعت اللّه،و إلى أنّ معنى الكلام:هنالك الولاية للّه الحقّ ألوهيّته،لا الباطل بطول ألوهيّته الّتي يدعونها المشركون باللّه آلهة.و قرأ ذلك بعض أهل البصرة و بعض متأخّري الكوفيّين (للّه الحقّ) برفع الحقّ، توجيها منهما إلى أنّه من نعت اَلْوَلايَةُ و معناه:هنالك الولاية الحقّ،لا الباطل،للّه وحده لا شريك له.

و أولى القراءتين عندي في ذلك بالصّواب،قراءة من قرأه خفضا،على أنّه من نعت اللّه،و أنّ معناه ما و صفت،على قراءة من قرأه كذلك.(15:251)

الزّجّاج: و تقرأ (الولاية) -بكسر الواو و فتحها- لِلّهِ الْحَقِّ، و تقرأ (الحقّ) .المعنى في مثل تلك الحال بيان الولاية للّه،أي عند ذلك يتبيّن نصره-وليّ اللّه- يتولّى اللّه إيّاه.

فمن قرأ (الحقّ) بالرّفع فهو نعت ل(الولاية)،و من قرأ (الحقّ) بالجرّ فهو نعت(للّه)جلّ و عزّ.و يجوز (الحقّ)و لا أعلم أحدا قرأ بها،و نصبه على المصدر في التّوكيد،كما تقول:هنالك الحقّ،أي أحقّ الحقّ.

(3:289)

العكبريّ: و(الحقّ)بالرّفع:صفة(الولاية)،أو خبر مبتدإ محذوف،أي هي الحقّ،أو هو الحقّ.

و يجوز أن يكون مبتدأ،و هُوَ خَيْرٌ خبره،و يقرأ بالجرّ نعتا للّه تعالى.(2:849)

الطّوسيّ: قوله:(الحقّ)من خفض قال:(الحقّ) هو اللّه،فخفضه نعتا(للّه).و احتجّ بقراءة ابن مسعود (هنالك الولاية للّه و هو الحقّ) و في قراءة أبيّ (هنالك الولاية الحقّ للّه) .

و من رفع جعله نعتا ل(الولاية)،و أجاز الكوفيّون و البصريّون النّصب بمعنى أحقّ ذلك حقّا.و(الحقّ):

اليقين بعد الشّكّ.(7:49)

القشيريّ: هو الحقّ المتفرّد بنعت ملكوته، لا يشرك في جلال سلطانه من الحدثان أحدا،و إذا بدا من سلطان الحقيقة شظية فلا دعوى و لا معنى لبشر،و لا وزن فيما هنالك لحدثان و لا خطر،كلاّ بل هو اللّه الخلاّق

ص: 121

الواحد القهّار.(4:69)

الميبديّ: (الحقّ) بالرّفع قراءة أبي عمرو و الكسائيّ،على أنّه صفة ل(الولاية)يعني ولاية اللّه حقّ،و الباقون قرءوا بخفض،على أنّه صفة اللّه تعالى، أي الولاية للّه الحقّ، لِلّهِ الْحَقِّ أي للّه ذي الحقّ،كما قالوا:رجل عدل و رضى أي ذو عدل و ذو رضى.

(5:694)

نحوه ابن عطيّة(3:519)،و القرطبيّ(10:411).

الزّمخشريّ: و قرئ (الحقّ) بالرّفع و الجرّ صفة ل(الولاية)و(للّه).و قرأ عمرو بن عبيد بالنّصب على التّأكيد،كقولك:هذا عبد اللّه الحقّ لا الباطل،و هي قراءة حسنة فصيحة،و كان عمرو بن عبيد من أفصح النّاس و أنصحهم.(2:486)

أبو حيّان :و قرأ النّحويّان و حميد و الأعمش و ابن أبي ليلى و ابن مناذر و اليزيديّ و ابن عيسى الأصبهانيّ (الحقّ)برفع القاف صفة ل(الولاية)،و قرأ باقي السّبعة بخفضها وصفا(للّه)تعالى،و قرأ أبيّ (هنالك الولاية الحقّ للّه)برفع(الحقّ) صفة ل(الولاية)و تقديمها على قوله:

(للّه)،و قرأ أبو حيوة و زيد بن عليّ و عمرو بن عبيد و ابن أبي عبلة و أبو السّمال و يعقوب عن عصمة عن أبي عمرو (للّه الحقّ)بنصب القاف.(6:131)

نحوه الآلوسيّ.(15:285)

الشّربينيّ: قرأه أبو عمرو و الكسائيّ برفع القاف على الاستئناف و القطع تعليلا،تنبيها على أنّ فزعهم في مثل هذه الأزمان إليه تعالى دون غيره برهان قاطع، على أنّه الحقّ و ما سواه باطل،و أنّ الفخر بالعرض الزّائل من أجهل الجهل،و أنّ المؤمنين لا يصيبهم فقر و لا يسوغ طردهم لأجله،و أنّه يوشك أن يعود فقرهم غنى و ضعفهم قوّة.

و قرأه الباقون بخفضها على الوصف،أي الثّابت الّذي لا يحول يوما و لا يزول،و لا يغفل ساعة و لا ينام، و لا ولاية لغيره بوجه.(2:379)

ابن عاشور :[ذكر القراءات و أضاف:]

قال حجّة الإسلام:و الواجب بذاته هو الحقّ مطلقا؛ إذ هو الّذي يستبين بالعقل أنّه موجود حقّا،فهو من حيث ذاته يسمّى موجودا و من حيث إضافته إلى العقل الّذي أدركه على ما هو عليه يسمّى حقّا.

و بهذا يظهر وجه وصفه هنا بالحقّ دون وصف آخر،لأنّه قد ظهر في مثل تلك الحال،أنّ غير اللّه لا حقيقة له أو لا دوام له.(15:74)

فضل اللّه :فهو المالك لكلّ شيء من الأرض و الإنسان و الحياة،فهو الّذي يملك الأمر كلّه و التّدبير كلّه،و هو الحقّ الثّابت الّذي لا ثبوت و لا وجود إلاّ له.

(14:333)

و تمام الكلام سيأتي في و ل ي:«الولاية».

40- ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. مريم:34

ابن عبّاس: خبر الحقّ.(255)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

ص: 122

أحدها:أنّ الحقّ هو اللّه تعالى.

الثّاني:عيسى و سمّاه حقّا،لأنّه جاء بالحقّ.

الثّالث:هو القول الّذي قاله عيسى من قبل.

(3:372)

و تمام الكلام سيأتي في ق و ل:«قول الحقّ».

41- فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. المؤمنون:41

ابن عبّاس: يعني صوت جبريل بالعذاب.(287)

الطّبريّ: فانتقمنا منهم،فأرسلنا عليهم الصّيحة، فأخذتهم بالحقّ؛و ذلك أنّ اللّه عاقبهم باستحقاقهم العقاب منه بكفرهم به،و تكذيبهم رسوله.(18:22)

نحوه الطّبرسيّ.(4:107)

الطّوسيّ: و قوله:(بالحقّ)معناه على وجه الحقّ، و هو أخذهم بالعذاب من أجل ظلمهم،بإذن ربّهم،و هو وجه الحقّ.و لو أخذوا بغير هذا،لكان أخذا بالباطل، و هو كأخذ كلّ واحد بذنب غيره.(7:369)

الميبديّ: أي بالأمر الحقّ من اللّه.(6:436)

الزّمخشريّ: (بالحقّ)بالوجوب لأنّهم قد استوجبوا الهلاك،أو بالعدل من اللّه،من قولك:فلان يقضي بالحقّ،إذا كان عادلا في قضاياه.(3:32)

ابن عطيّة: معناه:بما استحقّوا من أفعالهم و بما حقّ منّا في عقوبتهم.(4:144)

الفخر الرّازيّ: قوله:(بالحقّ)معناه أنّه دمّرهم بالعدل من قولك:فلان يقضي بالحقّ،إذا كان عادلا في قضاياه.

و قال المفضّل:بالحقّ،أي بما لا يدفع،كقوله:

وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ق:19

(23:99)

النّيسابوريّ: بالعدل،كقولك:فلان يقضي بالحقّ،و على أصول الاعتزال بالوجوب،لأنّهم قد استوجبوا الهلاك.(18:21)

الشّربينيّ: أي الأمر الثّابت من العذاب الّذي لا يمكن مدافعته لهم و لا لغيرهم غير اللّه تعالى،فماتوا.

(2:579)

أبو السّعود :(بالحقّ)متعلّق بالأخذ،أي بالأمر الثّابت الّذي لا دفاع له،أو بالعدل من اللّه تعالى،أو بالوعد الصّدق.(4:415)

نحوه البروسويّ.(6:83)

الآلوسيّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أبي السّعود]

(18:33)

الطّباطبائيّ: الباء في(بالحقّ)للمصاحبة،و هو متعلّق بقوله: فَأَخَذَتْهُمُ أي أخذتهم الصّيحة أخذا مصاحبا للحقّ،أو للسّببيّة،و(الحقّ)وصف أقيم مقام موصوفه المحذوف،و التّقدير:فأخذتهم الصّيحة بسبب الأمر الحقّ أو القضاء الحقّ،كما قال: فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ المؤمن:78.(15:33)

فضل اللّه :فأهلكهم اللّه بالصّيحة الّتي هزّتهم من الأعماق و صرعتهم،بما يستحقّونه من ذلك.

(16:154)

ص: 123

42- وَ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها وَ لَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ. المؤمنون:62

ابن عبّاس: يشهد عليهم بالصّدق و العدل.

(288)

الطّبريّ: يقول:يبيّن بالصّدق عمّا عملوا من عمل في الدّنيا،لا زيادة عليه و لا نقصان،و نحن موفو جميعهم أجورهم،المحسن بإحسانه،و المسيء بإساءته.

(18:35)

نحوه الثّعلبيّ(7:51)،و الميبديّ(6:451).

الزّمخشريّ: ناطق بالحقّ لا يقرءون منه يوم القيامة إلاّ ما هو صدق و عدل،لا زيادة فيه و لا نقصان.

(3:35)

أبو السّعود :قوله تعالى: يَنْطِقُ بِالْحَقِّ كقوله تعالى: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الجاثية:29،أي عندنا كتاب قد أثبت فيه أعمال كلّ أحد على ما هي عليه،أو أعمال السّابقين و المقتصدين جميعا،لا أنّه أثبت فيه أعمال الأوّلين و أهمل أعمال الآخرين،ففيه قطع معذرتهم أيضا.

و قوله:(بالحقّ)متعلّق ب(ينطق)أي يظهر الحقّ المطابق للواقع على ما هو عليه ذاتا و وصفا،و يبيّنه للنّاظر كما يبيّنه النّطق،و يظهره للسّامع فيظهر هنالك جلائل أعمالهم و دقائقها،و يرتّب عليها أجزيتها إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ.(4:422)

البروسويّ: بالصّدق لا يوجد فيه ما يخالف الواقع،أي يظهر الحقّ.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود]

(6:92)

الآلوسيّ: و(الحقّ)المطابق للواقع و النّطق به مجاز عن إظهاره.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود](18:46)

الطّباطبائيّ: ترغيب لهم بتطييب نفوسهم،بأنّ عملهم لا يضيع،و أجرهم لا يتخلّف.و المراد بنطق الكتاب:إعرابه عمّا أثبت فيه إعرابا لا لبس فيه؛و ذلك لأنّ أعمالهم مثبتة في كتاب لا ينطق إلاّ بما هو حقّ،فهو مصون عن الزّيادة و النّقيصة و التّحريف.

و الحساب مبنيّ على ما أثبت فيه،كما يشير إليه قوله:(ينطق)و الجزاء مبنيّ على ما يستنتج من الحساب،كما يشير إليه قوله: وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ.

(15:42)

مكارم الشّيرازيّ: و قد يسأل:كيف تمكن محاسبة كلّ البشر عن أعمالهم كلّها؟

فتجيب الآية وَ لَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ فهناك صحيفة أعمال الإنسان المحفوظة لدى اللّه العليّ القدير،و هي تنطق بالحقّ عمّا اقترفه الإنسان من ذنوب،فلا يمكنه إنكارها،و تحفظ عليه ما قام به من أعمال صالحة فيستبشر بها.و ربّما كان القصد من الكتاب الّذي لدى اللّه هو اللّوح المحفوظ،و لفظ(لدينا) يؤكّد هذا التّفسير.

و الخلاصة أنّ الآية تؤكّد حفظ الأعمال على أهلها من خير أو شرّ،فهي مسجّلة بدقّة،و الإيمان بهذه الحقيقة يشجّع الصّالحين على القيام بأعمال الخير،

ص: 124

و اجتناب الأعمال السّيّئة.

و تعبير يَنْطِقُ بِالْحَقِّ الّذي وصف صحيفة أعمال البشر تشبه القول:إنّ الرّسالة الفلانيّة ذات تعبير واضح،أي لا يحتاج إلى شرح،و كأنّها ناطقة بذاتها، فهي تجلّي الحقيقة.(10:421)

فضل اللّه :يسجّل لعامل الخير كلّ دقائقه و خفاياه.

(16:167)

و تمام الكلام سيأتي إن شاء اللّه في ك ت ب:

«كتاب».

43- أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ. المؤمنون:70

ابن عبّاس: جاءهم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بالقرآن و التّوحيد و الرّسالة، وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ للقرآن كارِهُونَ.

(288)

الطّبريّ: فإن يقولوا ذلك فكذبهم في قيلهم ذلك واضح بيّن؛و ذلك أنّ المجنون يهذي،فيأتي من الكلام بما لا معنى له،و لا يعقل،و لا يفهم،و الّذي جاءهم به محمّد هو الحكمة الّتي لا أحكم منها،و الحقّ الّذي لا تخفى صحّته على ذي فطرة صحيحة،فكيف يجوز أن يقال:هو كلام مجنون؟!(18:42)

الثّعلبيّ: جاءَهُمْ بِالْحَقِّ بالقول الّذي لا يخفى صحّته و حسنه على عاقل.(7:52)

نحوه البغويّ.(3:370)

الطّوسيّ: أخبر تعالى أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله جاءَهُمْ بِالْحَقِّ من عند اللّه.(7:382)

نحوه الميبديّ.(6:454)

الواحديّ: بالتّنزيل الّذي هو الحقّ،يعني القرآن.

(3:294)

الطّبرسيّ: المعنى بل جاءهم بالقرآن و الدّين الحقّ،و ليس به جنّة.(4:112)

نحوه أبو حيّان.(6:414)

الشّربينيّ: أي القرآن المشتمل على التّوحيد و شرائع الإسلام.و قال الجلال المحلّي:الاستفهام فيه للتقرير بالحقّ من صدق النّبيّ و مجيء الرّسول للأمم الماضية،و معرفة رسولهم بالصّدق و الأمانة،و أن لا جنون به و(بل)للانتقال.(2:585)

أبو السّعود :إضراب عمّا يدلّ عليه ما سبق،أي ليس الأمر كما زعموا في حقّ القرآن و الرّسول عليه الصّلاة و السّلام بل جاءهم عليه الصّلاة و السّلام بالحقّ، أي الصّدق الثّابت الّذي لا محيد عنه أصلا،و لا مدخل فيه للباطل بوجه من الوجوه.

وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ من حيث هو حقّ،أيّ حقّ كان لا لهذا الحقّ فقط،كما ينبئ عنه الإظهار في موقع الإضمار.

(4:425)

نحوه البروسويّ(6:94)،و الآلوسيّ(18:51).

ابن عاشور :و(الحقّ):الثّابت في الواقع و نفس الأمر،يكون في الذّوات و أوصافها و في الأجناس،و في المعاني،و في الأخبار،فهو ضدّ الكذب و ضدّ السّحر و ضدّ الشّعر،فما جاءهم به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من الأخبار

ص: 125

و الأوامر و النّواهي كلّه ملابس للحقّ،فبطل بهذا ما قالوه في القرآن،و في الرّسول عليه الصّلاة و السّلام، مقالة من لم يتدبّروا القرآن،و من لم يراعوا إلاّ موافقة ما كان عليه آباؤهم الأوّلون،و من لم يعرفوا حال رسولهم الّذي هو من أنفسهم،و مقالة من يرمي بالبهتان،فنسبوا الصّادق إلى التّلبيس و التّغليظ.

فالحقّ الّذي جاءهم به النّبيّ أوّله إثبات الوحدانيّة للّه تعالى و إثبات البعث،و ما يتبع ذلك من الشّرائع النّازلة بمكّة،كالأمر بالصّلاة و الزّكاة وصلة الرّحم، و الاعتراف للفاضل بفضله،و زجر الخبيث عن خبثه، و أخوّة المسلمين بعضهم لبعض،و المساواة بينهم في الحقّ.

و منع الفواحش من الزّنى و قتل الأنفس و وأد البنات،و الاعتداء و أكل الأموال بالباطل،و إهانة اليتيم و المسكين،و نحو ذلك من إبطال ما كان عليه أمر الجاهليّة من العدوان،و الخلافة الّتي نشئوا عليها من عهد قديم.فكلّ ما جاء به الرّسول يومئذ هو الموافق لمقتضى نظام العمران الّذي خلق اللّه عليه العالم فهو الحقّ،كما قال: ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالْحَقِّ الدّخان:

39.

و لمّا كان قول الكاذب و قول المجنون المختصّ بهذا الّذي لا يشاركهما فيه العقلاء و الصّادقون،غير جاريين على هذا الحقّ،كان إثبات أنّ ما جاء به الرّسول حقّ نقضا لإنكارهم صدقه،و لقولهم:هو مجنون،كان ما بعد (بل)نقضا لقولهم.

و ظاهر تناسق الضّمائر يقتضي أنّ ضمير أَكْثَرُهُمْ يعود إلى القوم المتحدّث عنهم في قوله: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ المؤمنون:54،فيكون المعنى:أكثر المشركين من قريش كارهون للحقّ.و هذا تسجيل عليهم بأنّ طباعهم تأنف الحقّ الّذي يخالف هواهم،لما تخلّقوا به من الشّرك و إتيان الفواحش و الظّلم و الكبر و الغصب و أفانين الفساد،بله ما هم عليه من فساد الاعتقاد بالإشراك و ما يتبعه من الأعمال،كما قال تعالى: وَ لَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ المؤمنون:63.

فلا جرم كانوا بذلك يكرهون الحقّ،لأنّ جنس الحقّ يجافي هذه الطّباع.و من هؤلاء أبو جهل،قال تعالى: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ إلى قوله: لِيَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا الأنعام:52،53.

و إنّما أسندت كراهيّة الحقّ إلى أكثرهم دون جميعهم، إنصافا لمن كان منهم من أهل الأحلام الرّاجحة الّذين علموا بطلان الشّرك،و كانوا يجنحون إلى الحقّ،و لكنّهم يشايعون طغاة قومهم مصانعة لهم،و استبقاء على حرمة أنفسهم بعلمهم،أنّهم إن صدعوا بالحقّ لقوا من طغاتهم الأذى و الانتقاض،و كان من هؤلاء أبو طالب و العبّاس و الوليد بن المغيرة.فكان المعنى:بل جاءهم بالحقّ فكفروا به كلّهم،فأمّا أكثرهم فكراهيّة للحقّ،و أمّا قليل منهم مصانعة لسائرهم،و قد شمل الكفر جميعهم.

و تقدّم المعمول في قوله: لِلْحَقِّ كارِهُونَ اهتمام بذكر الحقّ حتّى يستوعي السّامع ما بعده،فيقع من نفسه

ص: 126

حسن سماعه موقع العجب من كارهيه،و لمّا ضعف العامل فيه بالتّأخير قرن المعمول بلام التّقوية.

(18:73)

الطّباطبائيّ: إضراب عن جملة محذوفة، و التّقدير:إنّهم كاذبون في قولهم: بِهِ جِنَّةٌ و اعتذارهم عن عدم إيمانهم به بذلك بل إنّما كرهوا الإيمان به،لأنّه جاء بالحقّ و أكثرهم للحقّ كارهون.

و لازمه ردّ قولهم-بحجّة يلوح إليها هذا الإضراب- و هي أنّ قولهم: بِهِ جِنَّةٌ لو كان حقّا كان كلامه مختلّ النّظم غير مستقيم المعنى،مدخولا فيه كما هو مدخول في عقله،غير رام إلى مرميّ صحيح،لكن كلامه ليس كذلك فلا يدعو إلاّ إلى حقّ،و لا يأتي إلاّ بحقّ،و أين ذلك من كلام مجنون لا يدري ما يريد،و لا يشعر بما يقول.(15:45)

44- وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ. المؤمنون:71

ابن عبّاس: لو كان الإله بهواهم،في السّماء إله و في الأرض إله، لَفَسَدَتِ... (289)

قتادة :إنّ(الحقّ)هو اللّه.(الزّمخشريّ 3:37)

مثله ابن جريج(الطّبريّ 18:43)،و السّدّيّ و مقاتل(الميبديّ 6:454)،و نحوه الثّعلبيّ(7:52)

الفرّاء: يقال:إنّ(الحقّ)هو اللّه،و يقال:إنّه التّنزيل،لو نزل بما يريدون لَفَسَدَتِ.... (2:239)

الجبّائيّ: المعنى لو اتّبع الحقّ الّذي هو التّوحيد...

(الطّوسيّ 7:383)

الطّبريّ: و لو عمل الرّبّ تعالى ذكره بما يهوى هؤلاء المشركون و أجرى التّدبير على مشيئتهم و إرادتهم،و ترك الحقّ الّذي هم له كارهون،لفسدت السّماوات و الأرض.(18:42)

الزّجّاج: جاء في التّفسير أنّ(الحقّ)هو اللّه عزّ و جلّ.و يجوز أن يكون الحقّ الأوّل في قوله: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ المؤمنون:70،التّنزيل،أي بالتنزيل الّذي هو الحقّ،و يكون تأويل: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ أي لو كان التّنزيل بما يحبّون لفسدت السّماوات و الأرض.(4:19)

النّحّاس: و قيل:المعنى بل جاءهم بالقرآن،و لو اتّبع القرآن أهواءهم،أي لو نزل بما يحبّون،لفسدت السّماوات و الأرض و من فيهنّ.(4:478)

الماورديّ: في الحقّ هنا قولان:

أحدهما:أنّه اللّه،قاله الأكثرون.

الثّاني:أنّه التّنزيل،أي لو نزل بما يريدون لفسدت السّماوات و الأرض.(4:62)

الطّوسيّ: معنى قوله: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ إنّ الحقّ لمّا كان يدعو إلى الأفعال الحسنة، و الأهواء تدعو إلى الأفعال القبيحة،فلو اتّبع الحقّ داعي الهوى لدعاه إلى قبيح الأعمال،و إلى ما فيه الفساد و الاختلاط،و لو جرى الأمر على ذلك لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ...

ص: 127

و قال قوم من المفسّرين:إنّ(الحقّ)في الآية هو اللّه، و التّقدير:و لو اتّبع الحقّ،أعني اللّه أهواء هؤلاء الكفّار، و فعل ما يريدونه لفسدت السّماوات و الأرض.

(7:382)

نحوه الطّبرسيّ.(4:112)

الميبديّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:المراد ب(الحقّ):القرآن،يعني لو نزل القرآن بما يحبّون من جعل الشّريك و الولد.على ما يعتقدونه لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ و ذلك أنّها خلقت، دالّة على توحيد اللّه عزّ و جلّ،و لو كان القرآن على مرادهم لكان يدعو إلى الشّرك؛و ذلك يؤدّي إلى فساد أدلّة التّوحيد.(6:454)

الزّمخشريّ: دلّ بهذا على عظم شأن الحقّ،و أن السّماوات و الأرض ما قامت،و لا من فيهنّ إلاّ به،فلو اتّبع أهواءهم لانقلب باطلا،و لذهب ما يقوم به العالم، فلا يبقى له بعده قوام.

أو أراد أنّ الحقّ الّذي جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و هو الإسلام،لو اتّبع أهواءهم و انقلب شركا لجاء اللّه بالقيامة،و لأهلك العالم و لم يؤخّر.

و عن قتادة:أنّ(الحقّ)هو اللّه،و معناه:و لو كان اللّه إلها يتّبع أهواءهم و يأمر بالشّرك و المعاصي لما كان إلها، و لكان شيطانا،و لما قدر أن يمسك السّماوات و الأرض.

(3:37)

ابن عطيّة: قال ابن جريج و أبو صالح:(الحقّ) اللّه تعالى،و هذا ليس من نمط الآية.

و قال غيرهما:(الحقّ)هنا الصّواب و المستقيم، و هذا هو الأجرى على أن يكون المذكور قبل الّذي جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و يستقيم على هذا فساد السّماوات و الأرض و من فيهنّ لو كان بحكم هوى هؤلاء؛و ذلك أنّهم جعلوا للّه شركاء و أولادا.و لو كان هذا حقّا لم تكن للّه الصّفات العالية،و لو لم تكن له لم تكن الصّنعة و القدرة كما هي،و كان فساد السّماوات و الأرض و من فيهنّ.

و من قال:إنّ(الحقّ)في الآية اللّه تعالى بشعت له لفظة(اتّبع)و صعب عليه ترتيب الفساد المذكور في الآية،لأنّ لفظة«الاتّباع»على كلا الوجهين إنّما هي استعارة،بمعنى أن تكون أهواؤهم يصوبها الحقّ و يقرّرها،فنحن نجد اللّه تعالى قد قرّر كفر أمم و أهواءهم،فليس في ذلك فساد سماوات.و أمّا الحقّ نفسه الّذي هو الصّواب فلو كان طبق أهوائهم لفسد كلّ شيء،فتأمّله.(4:151)

الفخر الرّازيّ: و في تفسيره وجوه:

الأوّل:أنّ القوم كانوا يرون أنّ الحقّ في اتّخاذ آلهة مع اللّه تعالى،لكن لو صحّ ذلك لوقع الفساد في السّماوات و الأرض على ما قرّرناه في دليل التّمانع،في قوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا الأنبياء:22.

و الثّاني:أنّ أهواءهم في عبادة الأوثان و تكذيب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و هما منشأ المفسدة،و(الحقّ)هو الإسلام،فلو اتّبع الإسلام قولهم لعلم اللّه حصول المفاسد عند بقاء هذا العالم،و ذلك يقتضي تخريب العالم و إفناءه.

و الثّالث:أنّ آراءهم كانت متناقضة،فلو اتّبع الحقّ

ص: 128

أهواءهم لوقع التّناقض،و لاختلّ نظام العالم،عن القفّال.(23:112)

القرطبيّ: (الحقّ)هنا هو اللّه سبحانه و تعالى،قاله الأكثرون،منهم مجاهد و ابن جريج و أبو صالح و غيرهم.

و تقديره في العربيّة:و لو اتّبع صاحب الحقّ،قاله النّحّاس.

و قد قيل:هو مجاز،أي لو وافق الحقّ أهواءهم، فجعل موافقته اتّباعا مجازا،أي لو كانوا يكفرون بالرّسل و يعصون اللّه عزّ و جلّ،ثمّ لا يعاقبون و لا يجازون على ذلك،إمّا عجزا و إمّا جهلا،لفسدت السّماوات و الأرض.

و قيل:المعنى و لو كان الحقّ ما يقولون من اتّخاذ آلهة مع اللّه تعالى لتنافت الآلهة،و أراد بعضهم ما لا يريده بعض،فاضطرب التّدبير و فسدت السّماوات و الأرض، و إذا فسدتا فسد من فيهما.

و قيل: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ أي بما يهواه النّاس و يشتهونه،لبطل نظام العالم،لأنّ شهوات النّاس تختلف و تتضادّ،و سبيل الحقّ أن يكون متبوعا،و سبيل النّاس الانقياد للحقّ.

و قيل:(الحقّ):القرآن،أي لو نزل القرآن بما يحبّون لفسدت السّماوات و الأرض.(12:140)

النّيسابوريّ: بيّن أنّ الإلهيّة تقتضي الاستقلال في الأوامر و النّواهي،و أنّ الحقّ و الصّواب ينحصر فيما دبّره إله العالمين و قدّره،فقال: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ نظيره ما مرّ في قوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا الأنبياء:22،و قيل:الحقّ:الإسلام،و المراد:

لو انقلب الإسلام شركا كما تقتضيه أهواؤهم لجاء بالقيامة،و لأهلك العالم و لم يؤخّر.

و عن قتادة:(الحقّ)هو اللّه،و المعنى لو كان اللّه آمرا بالشّرك و المعاصي على وفق آرائهم لما كان إلها و لكان شيطانا،فلا يقدر على إمساك السّماوات و الأرض، و حينئذ يختلّ نظام العالم.(18:31)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّه الحقّ الّذي ذكر قبل في قولهم: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ المؤمنون:70،أي لو كان ما جاء به الرّسول من الإسلام و التّوحيد متّبعا أهواءهم لانقلب شركا،و جاء اللّه بالقيامة و أهلك العالم و لم يؤخّر.

[و نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و قيل:لو كان ما جاء به الرّسول بحكم هوى هؤلاء، من اتّخاذ شريك للّه و ولد و كان ذلك حقّا،لم يكن للّه الصّفات العليّة و لم تكن له القدرة كما هي،و كان في ذلك فساد السّماوات و الأرض.[ثمّ ذكر قسما من أقوال الفخر الرّازيّ و ابن عطيّة](6:414)

الشّربينيّ: أي القرآن.(2:586)

أبو السّعود :استئناف مسوق لبيان أنّ أهواءهم الزّائغة الّتي ما كرهوا الحقّ إلاّ لعدم موافقته إيّاها مقتضية للطّامّة،أي لو كان ما كرهوه من الحقّ الّذي من جملته ما جاء به عليه السّلام موافقا لأهوائهم الباطلة، لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ و خرجت عن الصّلاح و الانتظام بالكلّيّة،لأنّ مناط النّظام ليس إلاّ ذلك.و فيه من تنويه شأن الحقّ،و التّنبيه على سموّ مكانه ما لا يخفى.

ص: 129

و أمّا ما قيل:لو اتّبع الحقّ الّذي جاء به عليه السّلام أهواءهم و انقلب شركا،لجاء اللّه تعالى بالقيامة، و لأهلك العالم و لم يؤخّر.ففيه أنّه لا يلائم فرض مجيئه عليه السّلام به،و كذا ما قيل:لو كان في الواقع إلاهان لا يناسب المقام.

و أمّا ما قيل:لو اتّبع الحقّ أهواءهم،لخرج عن الإلهيّة،فممّا لا احتمال له أصلا.(4:426)

البروسويّ: الّذي كرهوه،و من جملته ما جاء به عليه السّلام من القرآن.(6:95)

الآلوسيّ: الحقّ الّذي جاء به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و جعل الاتّباع حقيقيّا،و الإسناد مجازيّا.

و قيل:مآل المعنى لو اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أهواءهم فجاءهم بالشّرك بدل ما أرسل به لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ أي لخرّب اللّه تعالى العالم، و قامت القيامة لفرط غضبه سبحانه،و هو فرض محال من تبديله عليه الصّلاة و السّلام ما أرسل به من عنده.

و جوّز أن يكون المراد ب(الحقّ):الأمر المطابق للواقع في شأن الألوهيّة،و الاتّباع مجازا عن الموافقة،أي لو وافق الأمر المطابق للواقع أهواءهم بأن كان الشّرك حقّا،لفسدت السّماوات و الأرض حسبما قرّر في قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا الأنبياء:

22،و لعلّ الكلام عليه اعتراض للإشارة إلى أنّهم كرهوا شيئا لا يمكن خلافه أصلا،فلا فائدة لهم في هذه الكراهة.

و اعترض بأنّه لا يناسب المقام،و فيه بحث،و كذا ما قيل:إنّ ما يوافق أهواءهم هو الشّرك في الألوهيّة،لأن قريشا كانوا و ثنيّة و هو لا يستلزم الفساد،و الّذي يستلزمه إنّما هو الشّرك في الرّبوبيّة كما تزعمه الثّنويّة، و هم لم يكونوا كذلك،كما ينبئ عنه قوله تعالى: لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ.

لقمان:25.

و جوّز أن يكون المعنى:لو وافق الحقّ مطلقا أهواءهم،لخرجت السّماوات و الأرض عن الصّلاح و الانتظام بالكلّيّة،و الكلّ استطراد لتعظيم شأن(الحقّ) مطلقا،بأنّ السّماوات و الأرض ما قامت و لا من فيهنّ إلاّ به،و لا يخلو عن حسن.و قيل:المراد ب(الحقّ):هو اللّه تعالى.(18:52)

القاسميّ: أي و لو كان ما كرهوه من الحقّ الّذي هو التّوحيد و العدل،المبعوث بهما الرّسول صلوات اللّه عليه،موافقا لأهوائهم المتفرّقة في الباطل،النّاشئة من نفوسهم الظّالمة المظلمة،لفسد نظام الكون،لانعدام العدل الّذي قامت به السّماوات و الأرض،و التّوحيد الّذي به قوامهما،فلزم فساد الكون،لأنّ مناط النّظام ليس إلاّ ذلك.و فيه من تنويه شأن الحقّ،و التّنبيه على سموّ مكانه،ما لا يخفى.(12:4409)

ابن عاشور :و(الحقّ):هنا هو الحقّ المتقدّم في قوله: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ المؤمنون:70،و هو الشّيء الموافق للوجود الواقعيّ و لحقائق الأشياء.و علم من قوله: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ أنّ كراهة أكثرهم للحقّ ناشئة عن كون الحقّ

ص: 130

مخالفا أهواءهم،فسجّل عليهم أنّهم أهل هوى،و الهوى شهوة و محبّة لما يلائم غرض صاحبه،و هو مصدر بمعنى المفعول.

و إنّما يجري الهوى على شهوة دواعي النّفوس،أعني شهوات الأفعال،غير الّتي تقتضيها الجبلّة،فشهوة الطّعام و الشّراب و نحوهما ممّا تدعو إليه الجبلّة ليست من الهوى،و إنّما الهوى شهوة ما لا تقتضيه الفطرة، كشهوة الظّلم و إهانة النّاس،أو شهوة ما تقتضيه الجبلّة، لكن يشتهي على كيفيّة و حالة لا تقتضيها الجبلّة،لما يترتّب على تلك الحالة من فساد و ضرّ،مثل شهوة الطّعام المغصوب و شهوة الزّنى،فمرجع معنى الهوى إلى المشتهي الّذي لا تقتضيه الجبلّة.

و الاتّباع:مجاز شائع في الموافقة،أي لو وافق الحقّ ما يشتهونه.

و معنى موافقة الحقّ الأهواء:أن تكون ماهيّة الحقّ موافقة لأهواء النّفوس.فإنّ حقائق الأشياء لها تقرّر في الخارج سواء كانت موافقة لما يشتهيه النّاس أم لم تكن موافقة له،فمنها الحقائق الوجوديّة و هي الأصل،فهي متقرّرة في نفس الأمر،مثل كون الإله واحدا،و كونه لا يلد،و كون البعث واقعا للجزاء،فكونها حقّا هو عين تقرّرها في الخارج.

و منها الحقائق المعنويّة و هي الموجودة في الاعتبار، فهي متقرّرة في الاعتبارات،و كونها حقّا هو كونها جارية على ما يقتضيه نظام العالم،مثل كون الوأد ظلما، و كون القتل عدوانا،و كون القمار أخذ مال بلا حقّ لآخذه في أخذه.فلو فرض أن يكون(الحقّ)في أضداد هذه المذكورات،لفسدت السّماوات و الأرض،و فسد من فيهنّ،أي من في السّماوات و الأرض من النّاس.

(18:75)

الطّباطبائيّ: لما ذكر أنّ أكثرهم للحقّ كارهون، و إنّما يكرهون الحقّ لمخالفته هواهم،فهم يريدون من (الحقّ)أي الدّعوة الحقّة أن يتّبع أهواءهم و هذا ممّا لا يكون البتّة.

إذ لو اتّبع الحقّ أهواءهم،فتركوا و ما يهوونه من الاعتقاد و العمل،فعبدوا الأصنام و اتّخذوا الأرباب، و نفوا الرّسالة و المعاد،و اقترفوا ما أرادوه من الفحشاء و المنكر و الفساد،جاز أن يتّبعهم(الحقّ)في غير ذلك من الخليقة،و النّظام الّذي يجري فيها بالحقّ؛إذ ليس بين الحقّ و الحقّ فرق،فأعطي كلّ منهم ما يشتهيه من جريان النّظام،و فيه فساد السّماوات و الأرض و من فيهنّ،و اختلال النّظام،و انتقاض القوانين الكلّيّة الجارية في الكون،فمن البيّن أنّ الهوى لا يقف على حدّ، و لا يستقرّ على قرار.(15:46)

مكارم الشّيرازيّ: التّمسّك بالحقّ أو بالأهواء النّفسيّة.

أشارت الآيات السّابقة-بشكل عابر-إلى التّناقض بين التّمسّك بالحقّ و بين الأهواء النّفسيّة،و هي إشارة ذات مدلول كبير؛حيث تقول: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ... و تفسير هذه المسألة ليس صعبا للأسباب الآتية:

ص: 131

1-لا شكّ في أنّ أهواء النّاس متفاوتة،و قد ينقض بعضها بعضا،حتّى بالنّسبة لشخص واحد،فقد تتناقض أهواؤه.

و لو استسلم(الحقّ)لهذه الأهواء لنتج عن ذلك الفساد و عمّت الفوضى.لما ذا يقع ذلك؟يقع ذلك لتعدّد الأوثان و الأهواء المتعارضة في الدّعوة لتلك الأوثان، و ما ينجم عن ذلك من صراع من أجل أن تسود عبادة هذا الوثن أو ذاك،في هذا الوجود المترامي الأطراف، فيظهر الفساد و تعمّ الفوضى من جرّاء ذلك،و هذا لا يخفى على أحد.[إلى أن قال:]

و بديهيّ أنّ(الحقّ)كالصّراط المستقيم واحد لا نظير له،بينما الأهواء النّفسيّة متعدّدة كأوثان المشركين.فأيّما نتّبع الحقّ أم الهوى؟أ نتّبع الهوى الّذي هو مصدر الفساد في السّماء و الأرض،و في جميع الموجودات،أم الحقّ الّذي هو رمز الوحدة و التّوحيد و النّظام و الانسجام؟إنّ جواب هذا لفي غاية الوضوح و الإشراق.(10:427)

45- فَتَعالَى اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ. المؤمنون:116

الطّوسيّ: هو الّذي يحقّ له الملك،بأنّه ملك غير مملّك،و كلّ ملك غيره،فملكه مستعار له،و إنّما يملك ما ملّكه اللّه،فكأنّه لا يعتدّ بملكه في ملك ربّه.و(الحقّ)هو الشّيء الّذي من اعتقده كان على ما اعتقده،فاللّه الحقّ، لأنّه من اعتقد أنّه لا إله إلاّ هو،فقد اعتقد الشّيء على ما هو به.(7:402)

نحوه الطّبرسي.(4:121)

الميبديّ: الّذي لا يزول ملكه،و لا يفنى سلطانه الحقّ،بنعوت جلاله متوحّد،في عزّ آزاله و علوّ أوصافه متفرّد،فذاته حقّ،و صفاته حقّ،و قوله صدق،و لا يتوجّه لمخلوق عليه حقّ.(6:473)

الزّمخشريّ: (الحقّ)الّذي يحقّ له الملك،لأنّ كلّ شيء منه و إليه،أو الثّابت الّذي لا يزول،و لا يزول ملكه.(3:45)

مثله الفخر الرّازيّ(23:128)،و النّسفيّ(3:

130).

الشّربينيّ: أي الّذي لا يتطرّق الباطل إليه في شيء في ذاته و لا في صفاته،فلا زوال له و لا لملكه.

(2:594)

أبو السّعود :الّذي يحقّ له الملك على الإطلاق إيجادا و إعداما،بدء و إعادة،إحياء و إماتة،عقابا و إثابة، و كلّ ما سواه مملوك له،مقهور تحت ملكوته.(4:434)

مثله البروسويّ.(6:112)

الآلوسيّ: [ذكر مثل أبي السّعود،و نقل قول الزّمخشريّ و قال:]

و هذا و إن كان أشهر إلاّ أنّ الأوّل أوفق بالمقام.

(18:71)

ابن عاشور :و(الحقّ):ما قابل الباطل،و مفهوم الصّفة يقتضي أنّ ملك غيره باطل،أي فيه شائبة الباطل،لا من جهة الجور و الظّلم،لأنّه قد يوجد ملك لا جور فيه و لا ظلم،كملك الأنبياء و الخلفاء الرّاشدين،

ص: 132

و أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من الخلفاء و الأمراء،بل من جهة أنّه ملك غير مستكمل حقيقة المالكيّة،فإنّ كلّ من ينسب إليه الملك عدا اللّه تعالى هو مالك من جهة و مملوك من جهة لما فيه من نقص و احتياج،فهو مملوك لما يتطلّبه من تسديد نقصه بقدر الحاجة،و من استعانة بالغير لجبر احتياجه،فذلك ملك باطل،لأنّه ملك غير تامّ.

(18:110)

الطّباطبائيّ: إنّه تعالى وصف نفسه في كلمة التّنزيه بالأوصاف الأربعة:أنّه ملك،و أنّه حقّ،و أنّه لا إله إلاّ هو،و أنّه ربّ العرش الكريم.

فله أن يحكم بما شاء من بدء و عود و حياة و موت و رزق،نافذا حكمه ماضيا أمره لملكه،و ما يصدر عنه من حكم فإنّه لا يكون إلاّ حقّا فإنّه حقّ،و لا يصدر عن الحقّ بما هو حقّ إلاّ حقّ،دون أن يكون عبثا باطلا.

(15:73)

فضل اللّه :الّذي يحقّ الحقّ بكلماته و يزهق الباطل،و إذا كان اللّه هو الحقّ،فلا بدّ من أن يقيم الحياة على أساس الحقّ الّذي ينطلق من خطّة،و يتحرّك نحو هدف،فكيف يمكن أن يكون خلق الإنسان بعيدا عن أهداف الآخرة،في حسابها و ثوابها و عقابها.(16:208)

46- يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ. النّور:25

ابن عبّاس: يوفّيهم اللّه جزاء أعمالهم بالعدل.(294)

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة قوله:(الحقّ) فقرأته عامّة قرّاء الأمصار دِينَهُمُ الْحَقَّ نصبا على النّعت للدّين،كأنّه قال:يوفّيهم اللّه ثواب أعمالهم حقّا، ثمّ أدخل في(الحقّ)الألف و اللاّم،فنصبه بما نصب به الدّين.

و ذكر عن مجاهد أنّه قرأ ذلك (يوفّيهم اللّه دينهم الحقّ) برفع(الحقّ)على أنّه من نعت(اللّه)...

قال جرير:و قرأتها في مصحف أبيّ بن كعب (يوفّيهم اللّه الحقّ دينهم) .

و الصّواب من القراءة في ذلك عندنا:ما عليه قرّاء الأمصار،و هو نصب(الحقّ)على اتّباعه إعراب الدّين، لإجماع الحجّة.(18:106)

نحوه ابن عطيّة.(4:174)

الزّجّاج: و يقرأ(الحقّ)،فمن قرأ(الحقّ)فالحقّ من صفة(اللّه)عزّ و جلّ،فالمعنى يومئذ يوفّيهم اللّه الحقّ دينهم،و من قرأ دِينَهُمُ الْحَقَّ، ف(الحقّ)من صفة «الدّين»و الدّين هاهنا:الجزاء،المعنى يومئذ يوفّيهم اللّه جزاءهم الحقّ،أي جزاءهم الواجب.(4:37)

الطّوسيّ: وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ أي يعلمون اللّه ضرورة في ذلك اليوم،و يقرّون أنّه الحقّ،الّذي أبان الحجج و الآيات في دار التّكليف،و هو قول مجاهد.

و قرئ (الحقّ) بالرّفع و النّصب،فمن رفعه جعله من صفة(اللّه)و من نصبه جعله صفة«الدّين».

(7:423)

ص: 133

البغويّ: جزاءهم الواجب،و قيل:حسابهم العدل.(3:396)

الميبديّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ يقضي بحقّ،و يأخذ بحقّ، و يعطي بحقّ.(6:508)

نحوه الطّبرسيّ.(4:134)

الزّمخشريّ: إن قلت:ما معنى قوله: هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ؟

قلت:معناه ذو الحقّ المبين،أي العادل الظّاهر العدل،الّذي لا ظلم في حكمه،و المحقّ الّذي لا يوصف بباطل،و من هذه صفته لم تسقط عنده إساءة مسيء و لا إحسان محسن،فحقّ مثله أن يتّقى و يتجنّب محارمه.

(3:57)

الفخر الرّازيّ: و معنى قوله:(الحقّ)أي إنّ الّذي نوفّيهم من الجزاء هو القدر المستحقّ،لأنّه الحقّ،و ما زاد عليه هو الباطل و قرئ (الحقّ) بالنّصب صفة «للدّين»و هو الجزاء،و بالرّفع صفة(للّه).

و أمّا قوله: وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ فمن النّاس من قال:إنّه سبحانه إنّما سمّي ب(الحقّ)لأنّ عبادته هي الحقّ دون عبادة غيره،أو لأنّه الحقّ فيما يأمر به دون غيره.

و منهم من قال:(الحقّ)من أسماء اللّه تعالى و معناه الموجود،لأنّ نقيضه الباطل و هو المعدوم،و معنى (المبين)المظهر و معناه أنّ بقدرته ظهر وجود الممكنات، فمعنى كونه حقّا أنّه الموجود لذاته،و معنى كونه مبينا أنّه المعطي وجود غيره.(23:194)

القرطبيّ: قرأ مجاهد: (يومئذ يوفّيهم اللّه دينهم الحقّ) برفع(الحقّ)على أنّه نعت(للّه)عزّ و جلّ.

قال أبو عبيد:و لو لا كراهة خلاف النّاس لكان الوجه الرّفع،ليكون نعتا(للّه)عزّ و جلّ،و تكون موافقة لقراءة أبيّ،و ذلك أنّ جرير بن حازم قال:رأيت في مصحف أبيّ (يوفّيهم اللّه الحقّ دينهم) .

قال النّحّاس:و هذا الكلام من أبي عبيد غير مرضيّ،لأنّه احتجّ بما هو مخالف للسّواد الأعظم،و لا حجّة أيضا فيه،لأنّه لو صحّ هذا أنّه في مصحف أبيّ كذا،جاز أن تكون القراءة: «يومئذ يوفّيهم اللّه الحقّ دينهم» يكون(دينهم)بدلا من(الحقّ).

و على قراءة العامّة دِينَهُمُ الْحَقَّ يكون (الحقّ)نعتا ل(دينهم)،و المعنى حسن،لأنّ اللّه عزّ و جلّ ذكر المسيئين و أعلم أنّه يجازيهم بالحقّ،كما قال اللّه عزّ و جلّ: وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ سبأ:17، لأنّ مجازاة اللّه عزّ و جلّ للكافر و المسيء بالحقّ و العدل، و مجازاته للمحسن بالإحسان و الفضل هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ اسمان من أسمائه سبحانه و تعالى و قد ذكرناهما في غير موضع،و خاصّة في الكتاب«الأسنى».

(12:211)

نحوه الآلوسيّ.(18:130)

النّيسابوريّ: و معنى دِينَهُمُ الْحَقَّ: الجزاء المستحقّ.و قال في«الكشّاف»:معنى قوله: هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ العادل الظّاهر العدل.

ص: 134

و قال غيره:سمّي حقّا،لأنّه تحقّ عبادته،أو لأنّه الموجود بالحقيقة،و ما سواه فوجوده مستعار زائل.

(18:82)

أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ لا شيء في الوجود غيره،لا في الدّنيا و لا في الآخرة.(18:84)

الشّربينيّ: أي جزاءهم الواجب الّذين هم أهله (و يعلمون)عند ذلك أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ حيث حقّق لهم جزاء الّذي كانوا يشكّون فيه،فأوجز في ذلك و أشبع،و فصّل و أجمل و أكّد و كرّر،و جاء بما لم يقع في وعيد المشركين و عبدة الأوثان،إلاّ ما هو دونه في الفظاعة،و ما ذاك إلاّ لأمر عظيم.(2:611)

أبو السّعود :أي يوم إذ تشهد جوارحهم بأعمالهم القبيحة،يعطيهم اللّه تعالى جزاءهم الثّابت الّذي يحقّق أن يثبت لهم لا محالة،وافيا كاملا.كلام مبتدأ مسوق لبيان ترتيب حكم الشّهادة عليها،متضمّن لبيان ذلك المهمّ المحذوف على وجه الإجمال.

أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الثّابت الّذي يحقّ أن يثبت لا محالة،في ذاته و صفاته و أفعاله،الّتي من جملتها كلماته التّامّات،المنبئة عن الشّئون الّتي يشاهدونها منطقة عليها.(4:449)

نحوه البروسويّ.(6:134)

ابن عاشور :و(الحقّ)نعت«للدّين»،أي الجزاء العادل الّذي لا ظلم فيه،فوصف بالمصدر للمبالغة.

و قوله: وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ أي ينكشف للنّاس أنّ اللّه الحقّ،و وصف اللّه بأنّه(الحقّ) وصف بالمصدر،لإفادة تحقّق اتّصافه بالحقّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و صفة اللّه بأنّه(الحقّ)بمعنيين:

أوّلهما:بمعنى الثّابت الحاقّ؛و ذلك لأنّ وجوده واجب،فذاته حقّ متحقّقة،لم يسبق عليها عدم و لا انتفاء،فلا يقبل إمكان العدم.و على هذا المعنى في اسمه تعالى:(الحقّ)اقتصر الغزّاليّ في«شرح الأسماء الحسنى».

و ثانيهما:معنى أنّه ذو الحقّ،أي العدل،و هو الّذي يناسب وقوع الوصف بعد قوله: دِينَهُمُ الْحَقَّ، و به فسّر صاحب«الكشّاف».فيحتمل أنّه أراد تفسير معنى (الحقّ)هنا،أي وصف اللّه بالمصدر،و ليس مراده تفسير الاسم.و يحتمل إرادة الإخبار عن اللّه بأنّه صاحب هذا الاسم،و هذا الّذي درج عليه ابن برّجان الإشبيليّ،في كتابه«شرح الأسماء الحسنى»و القرطبيّ في التّفسير.

و(الحقّ)من أسماء اللّه الحسنى.و لمّا وصف بالمصدر زيد وصف المصدر ب(المبين).و المبين:اسم فاعل من «أبان»الّذي يستعمل متعدّيا بمعنى أظهر،على أصل معنى إفادة الهمزة التّعدية،و يستعمل بمعنى«بان»،أي ظهر على اعتبار الهمزة زائدة،فلك أن تجعله وصفا ل(الحقّ)بمعنى العدل،كما صرّح به في«الكشّاف»أي الحقّ الواضح.و لك أن تجعله وصفا(للّه)تعالى بمعنى أنّ اللّه مبيّن و هاد.و إلى هذا نحا القرطبيّ و ابن برّجان،فقد أثبتا في عداد أسمائه تعالى اسم(المبين).

فإن كان وصف اللّه ب(الحقّ)بالمعنى المصدريّ،

ص: 135

فالحصر المستفاد من ضمير الفصل ادّعائيّ،لعدم الإعداد ب(الحقّ)الّذي يصدر من غيره من الحاكمين، لأنّه و إن يصادق المحزّ،فهو مع ذلك معرّض للزّوال و للتّقصير و للخطإ،فكأنّه ليس بحقّ أو ليس بمبين.

و إن كان الخبر عن اللّه بأنّه(الحقّ)بالمعنى الاسميّ للّه تعالى فالحصر حقيقيّ؛إذ ليس اسم الحقّ مسمّى به غير ذات اللّه تعالى،فالمعنى:أنّ اللّه هو صاحب هذا الاسم،كقوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا مريم:65، و على هذين الوجهين يجري الكلام في وصفه تعالى ب(المبين).(18:154)

الطّباطبائيّ: و الآية من غرر الآيات القرآنيّة تفسّر معنى معرفة اللّه،فإنّ قوله: وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ينبئ أنّه تعالى هو الحقّ لا سترة عليه بوجه من الوجوه،و لا على تقدير من التّقادير،فهو من أبده البديهيّات الّتي لا يتعلّق بها جهل.لكنّ البديهيّ ربّما يغفل عنه،فالعلم به تعالى هو ارتفاع الغفلة عنه،الّذي ربّما يعبّر عنه بالعلم،و هذا هو الّذي يبدو لهم يوم القيامة،فيعلمون أنّ اللّه هو الحقّ المبين.(15:95)

فضل اللّه :و المراد ب«الدّين»:الجزاء العادل الثّابت الّذي يتطابق مع طبيعة الجريمة الّتي اقترفوها ضدّ النّاس الأبرياء،أو الّذي يتطابق مع طبيعة الطّاعة الّتي أطاعوها دون نقصان أو زيادة. وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ فهو الحقيقة المشرقة الثّابتة الواضحة، الّتي لا مجال للشّكّ فيها،فضلا عن إنكارها،و هو الّذي يؤكّد الحقّ في حسابه للنّاس،كما يؤكّده في ما يقرّره من حقائق التّشريع و مفاهيم العقيدة.و هناك يعرف الجميع الحقّ في ذات اللّه و الحقّ في طبيعة الموقف،على مستوى الحساب و المصير.(16:276)

47- وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ.

النّور:49

راجع:ذ ع ن:«مذعنين».

48- اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَ كانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً. الفرقان:26

ابن عبّاس: العدل.(302)

الطّبريّ: الملك الحقّ يومئذ خالص للرّحمن دون كلّ من سواه،و بطلت الممالك يومئذ سوى ملكه.و قد كان في الدّنيا ملوك،فبطل الملك يومئذ سوى ملك الجبّار.(19:7)

الزّجّاج: (الحقّ):صفة ل(الملك)،و معناه أنّ الملك الّذي هو الملك حقّا هو ملك الرّحمن يوم القيامة،كما قال عزّ و جلّ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ المؤمن:16،لأنّ الملك الزّائل كأنّه ليس بملك.و يجوز(الملك يومئذ الحقّ للرّحمن)و لم يقرأ بها،فلا تقرأنّ بها،و يكون النّصب على وجهين:أحدهما على معنى الملك يومئذ للرّحمن أحقّ ذلك الحقّ،و على أعني الحقّ.(4:65)

الطّوسيّ: و الحقّ:هو ما كان معتقده على ما هو به،معظم في نفسه،و لذلك وصفه تعالى بأنّه الحقّ و وصف ملكه أيضا بأنّه الحقّ لما ذكرناه.(7:486)

ص: 136

الميبديّ: أي الملك الّذي هو الملك حقّا،ملك اللّه جلّ و عزّ في يوم القيامة،كما قال تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ المؤمن:16،لأنّ الملك الزّائل كأنّه ليس بملك.

(7:27)

الزّمخشريّ: (الحقّ):الثّابت،لأنّ كلّ ملك يزول يومئذ و يبطل،و لا يبقى إلاّ ملكه.(3:89)

الطّبرسيّ: أي الملك الّذي هو الملك حقّا،ملك الرّحمن يوم القيامة،و يزول ملك سائر الملوك فيه.

(4:167)

الشّربينيّ: (الحقّ)أي الثّابت ثباتا،لا يمكن زواله.(2:657)

أبو السّعود :أي السّلطنة القاهرة،و الاستيلاء الكلّيّ العامّ الثّابت،صورة و معنى ظاهرا و باطنا؛بحيث لا زوال له أصلا،ثابت للرّحمن يومئذ،ف(الملك) مبتدأ،و(الحقّ)صفته،و(للرّحمن)خبره.(5:6)

نحوه البروسويّ.(6:203)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]و فائدة التّقييد أنّ ثبوت الملك له تعالى خاصّة يومئذ،و أمّا فيما عداه من أيّام الدّنيا فيكون لغيره عزّ و جلّ أيضا.

تصرّف صوريّ في الجملة،و اختار هذا بعض المحقّقين، و لعلّ أمر الفصل بين الصّفة و الموصوف بالظّرف المذكور سهل.

و قيل:(الملك)مبتدأ،و(يومئذ)متعلّق به،و هو بمعنى المالكيّة،و(الحقّ)خبره،و(للرّحمن)متعلّق ب(الحقّ).و تعقّب بأنّه لا يظهر حينئذ نكتة إيراد المسند معرّفا،فإنّ الظّاهر عليه أن يقال:الملك يومئذ حقّ للرّحمن.و أجيب بأنّ في تعلّقه بما ذكر تأكيدا لما يفيده تعريف الطّرفين.

و قيل:هو متعلّق بمحذوف على التّبيين،كما في سقيا لك،و المبيّن من له الملك.

و قيل:متعلّق بمحذوف وقع صفة ل(الحقّ)و هو كما ترى.

و قيل:(يومئذ)هو الخبر،و(الحقّ)نعت(للملك)، و(للرّحمن)متعلّق به،و فيه الفصل بين الصّفة و الموصوف بالخبر،فلا تغفل.(19:10)

ابن عاشور :و(الحقّ):الخالص،كقولك:هذا ذهب حقّا،و هو الملك الظّاهر أنّه لا يماثله ملك،لأنّ حالة الملك في الدّنيا متفاوتة،و الملك الكامل إنّما هو للّه، و لكن العقول قد لا تلتفت إلى ما في الملوك من نقص و عجز و تبهرجهم،بهرجة تصرّفاتهم و عطاياهم، فينسون الحقائق،فأمّا في ذلك اليوم فالحقائق منكشفة و ليس ثمّة من يدّعي شيئا من التّصرّف.و في الحديث:«ثمّ يقول اللّه:أنا الملك أين ملوك الأرض»؟

(19:37)

الطّباطبائيّ: أي الملك المطلق يومئذ حقّ ثابت للرّحمن،و ذلك لبطلان الأسباب،و زوال ما بينها و بين مسبّباتها من الرّوابط المتنوّعة.و قد تقدّم غير مرّة:أنّ المراد بذلك في يوم القيامة هو ظهور أنّ الملك و الحكم للّه،و الأمر إليه وحده،و أن لا استقلال في شيء من الأسباب،على خلاف ما كان يتراءى من ظاهر حالها في

ص: 137

نشأة الدّنيا قبل قيام السّاعة،و رجوع كلّ شيء إليه تعالى.(15:203)

فضل اللّه :فلا ملك لغيره،و هو الملك الحقّ الثّابت المهيمن على الأمر كلّه من خلال حكمه و سيطرته على كلّ شيء.(17:34)

49- وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً. الفرقان:33

ابن عبّاس: بصفة و بيان و حجّة،و من (1)فيها نقض حجّتهم.(303)

الثّعلبيّ: (بالحقّ)أي بما تردّ به ما جاءوا به من المثل،و تبطله.(7:132)

الطّوسيّ: الّذي يبطله.(7:489)

البغويّ: يعني بما تردّ به ما جاءوا به من المثل و تبطله عليهم،فسمّي ما يردون من الشّبه مثلا،و سمّي ما يدفع به الشّبه،حقّا.(3:445)

الزّمخشريّ: وَ لا يَأْتُونَكَ بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة،كأنّه مثل في البطلان،إلاّ أتيناك نحن بالجواب الحقّ الّذي لا محيد عنه،بما هو أحسن معنى و مؤدّى من سؤالهم.(3:91)

الفخر الرّازيّ: إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ الّذي يدفع قولهم،كما قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ الأنبياء:18.(24:79)

نحوه القاسميّ.(12:4576)

أبو حيّان :و لا يأتونك بمثل يضربونه على جهة المعارضة منهم،كتمثيلهم في هذه بالتّوراة و الإنجيل،إلاّ جاء القرآن بالحقّ في ذلك،ثمّ هو أوضح بيانا و تفصيلا.

[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ و قال:]

و قيل:و لا يأتونك بشبهة في إبطال أمرك إلاّ جئناك بالحقّ الّذي يدحض شبهة أهل الجهل،و يبطل كلام أهل الزّيغ.(6:497)

الشّربينيّ: (بالحقّ)أي الّذي لا محيد عنه، فيزهق ما أتوا به لبطلانه.[و أدام نحو البغويّ]

(2:660)

أبو السّعود :أي بالجواب الحقّ الثّابت،الّذي ينحي عليه بالإبطال و يحسم مادّة القيل و القال،كما مرّ من الأجوبة الحقّة القالعة،لعروق أسئلتهم الشّنيعة، الدّامغة لها بالكلّيّة.(5:10)

مثله الآلوسيّ.(19:16)

البروسويّ: الباء في قوله:(بالحقّ)للتّعدية أيضا،أي بالجواب الحقّ الثّابت المبطل لما جاءوا به، القاطع لمادّة القيل و القال.(6:209)

ابن عاشور : جِئْناكَ بِالْحَقِّ مقابل قوله:

لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ و هو مجيء مجازيّ،و مقابلة جِئْناكَ بِالْحَقِّ لقوله: وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إشارة إلى أنّ ما يأتون به باطل،مثال ذلك أنّ قولهم: ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ الفرقان:

7،أبطله وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْا.

ص: 138


1- كذا و الظّاهر:ما فيها.

لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ الفرقان:20.

(19:47)

50- وَ نَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّهِ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ.

القصص:75

ابن عبّاس: أنّ عبادة اللّه و دين اللّه الحقّ،و أنّ القضاء فيهم للّه.(330)

سعيد بن جبير: أنّ العدل للّه.

(الماورديّ 4:264)

السّدّيّ: التّوحيد للّه.(الماورديّ 4:264)

الطّبريّ: فعلموا حينئذ أنّ الحجّة البالغة للّه عليهم، و أنّ الحقّ للّه،و الصّدق خبره،فأيقنوا بعذاب من اللّه لهم دائم.(20:105)

الزّجّاج: أي فعلموا أنّ(الحقّ)توحيد اللّه و ما جاء به أنبياؤه.(4:153)

الثّعلبيّ: يعني التّوحيد و الصّدق و الحجّة البالغة.

(7:259)

نحوه البغويّ.(3:543)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:[قول ابن جبير]

الثّاني:[قول السّدّيّ]

الثّالث:الحجّة للّه.(4:264)

الطّوسيّ: أي أنّ التّوحيد للّه،و الإخلاص في العبادة له دون غيره،لأنّ معارفهم ضرورة.(8:174)

الميبديّ: يعني فبهتوا و تحيّروا و علموا يقينا أنّ الحجّة البالغة للّه عليهم،و أنّه لا حجّة لأحد منهم على اللّه.

و قيل:فعلموا أنّ الحقّ ما أتاه الرّسل به.(7:333)

نحوه الطّبرسيّ.(4:264)

القرطبيّ: أي علموا صدق ما جاءت به الأنبياء.

(13:309)

الشّربينيّ: أَنَّ الْحَقَّ في الإلهيّة(للّه)أي الملك الّذي له الأمر كلّه،لا يشاركه فيه أحد.(3:116)

نحوه أبو السّعود(5:134)،و البروسويّ(6:

428)،و الآلوسيّ(20:109)،و القاسميّ(13:

4725).

ابن عاشور :و الأمر مستعمل في التّعجيز،فهو يقتضي أنّهم على الباطل،فيما زعموه من الشّركاء،و لمّا علموا عجزهم من إظهار برهان لهم في جعل الشّركاء للّه،أيقنوا أنّ(الحقّ)مستحقّ للّه تعالى،أي علموا علم اليقين أنّهم لا حقّ لهم في إثبات الشّركاء،و أنّ الحقّ للّه؛ إذ كان ينهاهم عن الشّرك على لسان الرّسول في الدّنيا، و أنّ الحقّ للّه إذ ناداهم بأمر التّعجيز في قوله: هاتُوا بُرْهانَكُمْ. (20:103)

فضل اللّه :في ما جاءت به رسله،و نزلت به كتبه، و أنّ ما يزعمونه الباطل ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ فقد تبخّر كلّ شيء في الفراغ أمام حقائق التّوحيد الّتي تصدم كلّ أضاليل الباطل،فلا يبقى منه شيء.

و قد يثير البعض سؤالا،و هو أنّ وحدانيّة اللّه

ص: 139

لا تحتاج إلى دليل في يوم القيامة،لأنّ الوضوح الّذي يهيمن على الموقف كلّه،لا يترك مجالا لأيّة شبهة من أيّ نوع كان،فكيف يطلب البرهان على شركهم،لتكون النّتيجة-بعد ذلك-الوصول إلى حالة العلم،بأنّ اللّه هو الحقّ؟

و الجواب عن ذلك:أنّ التّعبير هنا وارد على سبيل تصوير طبيعة المسألة من خلال توفّر العناصر اليقينيّة في تأكيد الحقيقة،في انطلاقهم من حالة غير برهانيّة.أمّا التّعبير بكلمة فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّهِ فالظّاهر أنّ المراد بها:ظهور هذه المسألة في ذلك الموقف،و كثيرا ما يعبّر في القرآن عن ظهور ما يعلمه اللّه بحصول العلم فيه،من جهة إرادة ظهوره،و اللّه العالم.(17:331)

51- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ. الرّوم:60

راجع و ع د:«وعد اللّه».

52- قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ.

سبأ:49

ابن مسعود:الجهاد بالسّيف.

(الماورديّ 4:457)

و هذا هو المرويّ عن الباقر عليه السّلام.(الثّعلبيّ 8:94)

ابن عبّاس: ظهر الإسلام و كثر المسلمون.(363).

قتادة :القرآن.(الطّبريّ 22:106)

ابن زيد:بعثة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(الماورديّ: 4:457)

الطّبريّ: قل لهم يا محمّد:جاء القرآن و وحي اللّه.

(22:105)

الزّجّاج: أي قل جاء أمر اللّه الّذي هو الحقّ.

(4:258)

النّحّاس: و التّقدير:جاء صاحب الحقّ.

(القرطبيّ 14:313)

الثّعلبيّ: القرآن و الإسلام.(8:94)

مثله البغويّ(3:685)،و الميبديّ(8:151).

الطّوسيّ: يعني أمر اللّه بالإسلام و التّوحيد.

(8:407)

مثله الطّبرسيّ(4:396)،و نحوه أبو السّعود(5:

266)،و البروسويّ(7:308).

الزّمخشريّ: و(الحقّ):القرآن،و قيل:الإسلام و قيل:السّيف.(3:295)

ابن عطيّة: يريد الشّرع و أمر اللّه و نهيه.و قال قوم:يعني السّيف.(4:425)

الفخر الرّازيّ: لمّا ذكر اللّه أنّه يقذف بالحقّ و كان ذلك بصيغة الاستقبال،ذكر أنّ ذلك الحقّ قد جاء،و فيه وجوه:

أحدها:أنّه القرآن.

الثّاني:أنّه بيان التّوحيد و الحشر،و كلّ ما ظهر على لسان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

الثّالث:المعجزات الدّالّة على نبوّة محمّد عليه السّلام.

ص: 140

و يحتمل أن يكون المراد من جاءَ الْحَقُّ: ظهر الحقّ،لأنّ كلّ ما جاء فقد ظهر،و الباطل:خلاف الحقّ، و قد بيّنّا أنّ الحقّ هو الموجود.و لمّا كان ما جاء به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يمكن انتفاؤه كالتّوحيد و الرّسالة و الحشر، كان حقّا لا ينتفي،و لمّا كان ما يأتون به من الإشراك و التّكذيب لا يمكن وجوده،كان باطلا لا يثبت،و هذا المعنى يفهم من قوله: وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ.

(25:270)

نحوه ملخّصا الشّربينيّ.(3:307)

القرطبيّ: النّحّاس:و التّقدير:جاء صاحب الحقّ،أي الكتاب الّذي فيه البراهين و الحجج.

(14:313)

البيضاويّ: أي الإسلام.(2:265)

الآلوسيّ: أي الإسلام و التّوحيد أو القرآن، و قيل:السّيف،لأنّ ظهور الحقّ به،و هو كما ترى.(22:156)

ابن عاشور :و جملة قُلْ جاءَ الْحَقُّ تأكيد لجملة قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ سبأ:48،فإنّ (الحقّ)قد جاء بنزول القرآن و دعوة الإسلام.و عطف وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ على جاءَ الْحَقُّ لأنّه إذا جاء الحقّ انقشع الباطل من الموضع الّذي حلّ فيه الحقّ.(22:99)

الطّباطبائيّ: المراد بمجيء الحقّ-على ما تهدي إليه الآية السّابقة-:نزول القرآن المبطل بحججه القاطعة و براهينه السّاطعة لكلّ باطل من أصله.(16:389)

مكارم الشّيرازيّ: بالالتفات إلى ما قيل حول حقّانيّة دعوة الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله،تضيف الآية الّتي بعدها قائلة أنّ القرآن واقع غير قابل للإنكار،لأنّه ملقى من اللّه سبحانه و تعالى على قلب الرّسول صلّى اللّه عليه و آله: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاّمُ الْغُيُوبِ. [ثمّ نقل معنى القذف و علاّم الغيوب و قال:]

و بذا تكون الآية تعبيرا مشابها لما ورد في الآية:

18،من سورة الأنبياء بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ...

و بعدئذ و لزيادة التّأكيد يضيف سبحانه و تعالى:

قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ و عليه فلن يكون للباطل أيّ دور مقابل الحقّ،لا خطّة أولى جديدة و لا خطّة معادة؛إذ خطط الباطل نقش على الماء، و لهذا السّبب فلم يتمكّن الباطل من طمس نور الحقّ، و محو أثره من القلوب.

مع أنّ بعض المفسّرين أرادوا حصر مصاديق (الحقّ)و(الباطل)في هذه الآية في حدود معيّنة،لكنّ الواضح أنّ مفهوم الاثنين واسع و شامل جدّا،القرآن، و الوحي الإلهيّ،تعليمات الإسلام،جميعها مصاديق لمفهوم(الحقّ)،و الشّرك و الكفر،و الضّلال،و الظّلم و الذّنوب،و وساوس الشّيطان،و البدع الطّاغوتيّة كلّها تندرج تحت معنى(الباطل).و في الحقيقة فإنّ هذه الآية شبيهة بالآية:81،من سورة الإسراء، وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.

يثار هنا سؤال،و هو أنّ هذه الآية أعلاه تقول:إنّه

ص: 141

بظهور الحقّ،يمحق الباطل،و يفقد كلّ خلاّقيّته،و الحال أنّنا نرى أنّ الباطل له جولات وصيت إلى الآن، و يسيطر على مناطق كثيرة؟.

و للإجابة على هذا السّؤال،يجب الالتفات إلى ما يلي:

أوّلا:إنّه بظهور الحقّ و إشراقه،فإنّ الباطل- و الّذي هو الشّرك و النّفاق و الكفر و كلّ ما ينبع عنها- يفقد بريقه،و إذا استمرّ وجوده فبالقوّة و الظّلم و الضّغط،و إلاّ فإنّ النّقاب قد أزيل عن وجهه،و ظهرت صورته القبيحة لمن يطلب الحقّ،و هذا هو المقصود من:

مجيء الحقّ و محو الباطل.

ثانيا:لأجل تحقّق حكومة الحقّ و زوال حكومة الباطل في العالم،فإضافة إلى الإمكانيّات الّتي يضعها اللّه في خدمة عباده،هناك شرائط أخرى مرتبطة بالعباد أنفسهم،و الّتي أهمّها«القيام بترتيب المقدّمات للاستفادة من تلك الإمكانيّات الإلهيّة»و بتعبير آخر فإنّ انتصار الحقّ على الباطل ليس فقط في المناحي العقائديّة و المنطقيّة و في الأهداف،بل في المناحي الإجرائيّة على أساسين،«فاعليّة الفاعل»و«قابليّة القابل»و إذا لم يصل الحقّ إلى النّصر على الباطل في المرحلة العمليّة نتيجة عدم تحقّق القابليّة،فليس ذلك دليلا على عدم انتصاره.

و لنضرب لذلك مثلا قرآنيّا،فالآية الكريمة تقول:

اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60،و لكن المعلوم لدينا بأنّ استجابة الدّعاء ليست بدون قيد أو شرط، فإن تحقّقت شرائط الدّعاء فهو مستجاب قطعا،و في غير هذه الحالة ينبغي عدم انتظار الاستجابة.

و ذلك بالضّبط،كما لو أنّنا أتينا بطبيب حاذق لمريض ممدّد على فراشه،و عندها نقول له:زادت فرصة النّجاة لك،و في أيّ وقت أحضرنا له دواء نذكره بأنّنا قد حلّلنا له مشكلا آخر،في حين أنّ كلّ هذه الأمور هي مقتضيات الشّفاء ليست علّة عامّة،فيجب أن يكون الدّواء مؤثّرا في المريض،و أن تراعى توصيات الطّبيب، كما أنّه يجب أن لا ننسى الحمية و أثرها،لكي يتحقّق الشّفاء العينيّ و الواقعيّ،تأمّل.(13:446)

فضل اللّه :في هذا القرآن الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه،ليتحدّى الآخرين،في ما يطلق من عقائد و مفاهيم و تشريعات للحياة و يحرّك من ساحات الصّراع القائم على الحجّة الواضحة و البيّنة القاطعة،على أساس الخطّ الّذي يتحرّك فيه العقل ليدلّ على اللّه،و ليكشف العمق الخفيّ من آياته،و ليوضّح مشكلات الأفكار،و يواجه تحدّيات الفكر الآخر المضادّ،لقد جاء ليفتح العقول على الإسلام،لتفهمه و لتتأمّل فيه،و لتناقشه و لتقتنع به و لتدعو له،و لتلزم به ليكون الدّين كلّه للّه.(19:71)

53- إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ. فاطر:24

ابن عبّاس: (بالحقّ)بالقرآن.(366)

نحوه الماورديّ.(4:470)

ص: 142

الطّبريّ: و هو الإيمان باللّه،و شرائع الدّين الّتي افترضها على عباده.(22:130)

الطّوسيّ: أي بالدّين الصّحيح.(8:425)

مثله الطّبرسيّ.(4:405)

الميبديّ: أي بالدّين الحقّ،و قيل:بالقرآن.

(8:175)

الزّمخشريّ: (بالحقّ)حال من أحد الضّميرين، يعني محقّا أو محقّين،أو صفة للمصدر،أي إرسالا مصحوبا بالحقّ،أو صلة ل(بشير و نذير)،على-معنى- بشيرا بالوعد الحقّ،و نذيرا بالوعيد الحقّ.(3:306)

نحوه أبو السّعود.(5:279)

أبو حيّان :و(بالحقّ)حال من الفاعل،أي محقّ، أو من المفعول،أي محقّا،أو صفة لمصدر محذوف،أي إرسالا بالحقّ،أي مصحوبا.[و نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و لا يمكن أن يتعلّق(بالحقّ)هذا بشير و نذير معا، بل ينبغي أن يتأوّل كلامه على أنّه أراد أنّ ثمّ محذوفا، و التّقدير:بالوعد الحقّ بشيرا،و بالوعيد الحقّ نذيرا، فحذف المقابل لدلالة مقابله عليه.(7:309)

الشّربينيّ: (بالحقّ)أي الأمر الكامل في الثّبات الّذي يطابقه الواقع،فإنّ من نظر إلى كثرة ما أوتيه من الدّلائل،علم مطابقة الواقع لما يأمر به.

تنبيه:يجوز في قوله تعالى(بالحقّ)أوجه:

أحدها:أنّه حال من الفاعل،أي أرسلناك محقّين، أو من المفعول،أي محقّا،أو نعت لمصدر محذوف،أي إرسالا متلبّسا بالحقّ.و يجوز أن يكون صلة لقوله تعالى:

(بشيرا)أي لمن أطاع(و نذيرا)أي لمن عصى.

(3:323)

ابن عاشور :استئناف ثناء على النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم،و تنويه به و بالإسلام،و فيه دفع توهّم أن يكون قصره على النّذارة قصرا حقيقا،لتبيّن أنّ قصره على النّذارة بالنّسبة للمشركين الّذين شابه حالهم حال أصحاب القبور،أي أنّ رسالتك تجمع بشارة و نذارة،فالبشارة لمن قبل الهدى،و النّذارة لمن أعرض عنه،و كلّ ذلك حقّ،لأنّ الجزاء على حسب القبول،فهي رسالة ملابسة للحقّ،و وضع الأشياء مواضعها.

فقوله:(بالحقّ)إمّا حال من ضمير المتكلّم في (ارسلناك)أي محقّين غير لاعبين،أو من كاف الخطاب، أي محقّا أنت غير كاذب،أو صفة لمصدر محذوف،أي إرسالا ملابسا بالحقّ،لا يشوبه شيء من الباطل.

(22:151)

54- يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ... ص:26

ابن عبّاس: بالعدل.(382)

مثله البغويّ(4:66)،و الميبديّ(8:339)،و ابن الجوزيّ(7:124)،و القرطبيّ(15:189).

الطّبريّ: بالعدل و الإنصاف.(23:151)

الزّجّاج: أي بحكم اللّه إذ كنت خليفته.(4:329)

مثله الزّمخشريّ(3:372)،و نحوه البيضاويّ(2:308).

ص: 143

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:بالعدل،الثّاني:

بالحقّ الّذي لزمك لنا.(5:90)

الطوسيّ: بوضع الأشياء مواضعها على ما أمرك اللّه.(8:556)

نحوه الطّبرسيّ.(4:473)

الشّربينيّ: أي بالعدل،لأنّ الأحكام إذا كانت مطابقة للشّريعة الحقّة الإلهيّة انتظمت مصالح العالم و اتّسعت أبواب الخيرات،و إذا كانت الأحكام على وفق الأهوية و تحصيل مقاصد الأنفس،أفضى ذلك إلى تخريب العالم،و وقوع الهرج فيه و المرج في الخلق،و ذلك يفضي إلى هلاك ذلك الحاكم.(3:410)

أبو السّعود :بحكم اللّه تعالى،فإنّ الخلافة بكلا معنييه مقتضية له حتما.(5:358)

البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و حكم اللّه بين خلقه هو العدل المحض،و به يكون الحاكم عادلا لا جائرا.(8:22)

الآلوسيّ: الّذي شرعه اللّه تعالى لك،ف(الحقّ) خلاف الباطل و«أل»فيه للعهد.و جوّز أن يراد به ما هو من أسمائه تعالى،أي بحكم الحقّ،أي اللّه عزّ و جلّ، للعلم بأنّ الذّوات لا يكون محكوما بها.

و تعقّب بأنّ مقابلته بالهوى تأبى ذلك،و لعلّ من يقول به يجعل المقابل المضاف المحذوف،و المقابلة باعتبار أنّ حكم اللّه تعالى لا يكون إلاّ بالحقّ.و فرّع الأمر بالحكم بالحقّ على ما تقدّم،لأنّ الاستخلاف بكلا المعنيين مقتض للحكم العدل،لا سيّما على المعنى الأوّل، لظهور اقتضاء كونه عليه السّلام خليفة له تعالى أن لا يخالف حكمه حكم من استخلفه،بل يكون على وفق إرادته و رضاه.

و قيل:المترتّب مطلق الحكم،لظهور ترتّبه على كونه خليفة،و ذكر(الحقّ)لأنّ به سداده.و قيل:ترتّب ذلك، لأنّ الخلافة نعمة عظيمة شكرها العدل.(23:187)

مكارم الشّيرازيّ: هذه الآية تضمّ خمس جمل، كلّ واحدة منها تتابع الحديث عن حقيقة معيّنة...

الجملة الثّانية:تأمر داود قائلة:بعد أن منحك اللّه سبحانه و تعالى هذه النّعمة الكبيرة،أي الخلافة،فإنّك مكلّف بأن تحكم بين النّاس بالحقّ.و في واقع الأمر فإنّ إحدى ثمار خلافة اللّه هي ظهور حكومة تحكم بالحقّ، و من هذه الجملة يمكن القول إنّ حكومة الحقّ تنشأ فقط عن خلافة اللّه،و إنّها النّتيجة المباشرة لها.(14:445)

فضل اللّه :لأنّ موقعك هو موقع إقامة الحقّ في الفكر و الواقع على مستوى الدّعوة،و على مستوى الحكم في الخلافات الّتي تحدث بين النّاس،و على صعيد ما يمارسونه من سلوكهم العامّ و الخاصّ.(19:253)

55- قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ. ص:84،85

ابن عبّاس: (فالحقّ)يقول:أنا الحقّ(و الحقّ) يقول:و بالحقّ.(385)

مجاهد :يقول اللّه:أنا الحقّ،و الحقّ أقول.

(الطّبريّ 23:187)

ص: 144

الحسن:معناه حقّا حقّا لأملأنّ جهنّم منك و ممّن تبعك منهم أجمعين.(الماورديّ 5:112)

السّدّيّ: قسم أقسم اللّه به.(الطّبريّ 23:188)

الفرّاء: قرأ الحسن و أهل الحجاز بالنّصب فيهما.

و قرأ الأعمش و عاصم،و أكبر منهم ابن عبّاس و مجاهد بالرّفع في الأولى،و النّصب في الثّانية.

[و]عن أبان بن تغلب عن مجاهد أنّه قرأ (فالحقّ منّى و الحقّ اقول): و أقول الحقّ،و هو وجه،و يكون رفعه على إضمار:فهو الحقّ.

و ذكر عن ابن عبّاس أنّه قال:فأنا الحقّ و أقول الحقّ.و قد يكون رفعه بتأويل جوابه،لأنّ العرب تقول:

الحقّ لأقومنّ،و يقولون:عزمة صادقة لآتينّك،لأنّ فيه تأويل:عزمة صادقة أن آتيك.[إلى أن قال:]

و من نصب(الحقّ و الحقّ)فعلى معنى قولك:حقّا لآتينّك،و الألف و اللاّم و طرحهما سواء،و هو بمنزلة قولك:حمدا للّه و الحمد للّه،و لو خفض الحقّ الأوّل خافض يجعله اللّه تعالى،يعني في الإعراب،فيقسم به، كان صوابا.

و العرب تلقي الواو من القسم و يخفضونه،سمعناهم يقولون:اللّه لتفعلنّ،فيقول المجيب:اللّه لأفعلنّ،لأنّ المعنى مستعمل و المستعمل يجوز فيه الحذف،كما يقول القائل للرّجل:كيف أصبحت؟فيقول:خير،يريد بخير،فلمّا كثرت في الكلام حذفت.(2:412)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ فقرأ بعض أهل الحجاز و عامّة الكوفيّين برفع الحقّ الأوّل،و نصب الثّاني.

و في رفع الحقّ الأوّل إذا قرئ كذلك وجهان:

أحدهما:رفعه بضمير:للّه الحقّ،أو أنا الحقّ و أقول الحقّ.

و الثّاني:أن يكون مرفوعا بتأويل قوله:

لَأَمْلَأَنَّ، فيكون معنى الكلام حينئذ:فالحقّ أن أملأ جهنّم منك،كما يقول:عزمة صادقة لآتينّك،فرفع «عزمة»بتأويل:لآتينّك،لأنّ تأويله أن آتيك،كما قال: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ يوسف:35،فلا بدّ لقوله: بَدا لَهُمْ من مرفوع،و هو مضمر في المعنى.

و قرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة و البصرة و بعض المكّيّين و الكوفيّين،بنصب الحقّ الأوّل و الثّاني كليهما، بمعنى:حقّا لأملأنّ جهنّم،و الحقّ أقول،ثمّ أدخلت الألف و اللاّم عليه،و هو منصوب،لأنّ دخولهما-إذا كان كذلك معنى الكلام-و خروجهما منه سواء،كما سواء قولهم:

حمدا للّه،و الحمد للّه،عندهم إذا نصب.

و قد يحتمل أن يكون نصبه على وجه الإغراء، بمعنى:الزموا الحقّ،و اتّبعوا الحقّ.و الأوّل أشبه،لأنّه خطاب من اللّه لإبليس،بما هو فاعل به و بتباعه.

و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب أن يقال:

إنّهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب،لصحّة معنييهما.

و أمّا الحقّ الثّاني،فلا اختلاف في نصبه بين قرّاء الأمصار كلّهم،بمعنى:و أقول الحقّ.(23:187)

ص: 145

الزّجّاج:و قرئت:(قال فالحقّ و الحقّ اقول) بنصبهما جميعا،فمن رفع فعلى ضربين:على معنى فأنا الحقّ و الحقّ أقول،و يجوز رفعه على معنى فالحقّ منّي.

و من نصب فعلى معنى:فالحقّ أقول،و الحقّ لأملأنّ جهنّم حقّا.(4:342)

أبو زرعة:قرأ عاصم و حمزة قالَ فَالْحَقُّ بالضّمّ،(و الحقّ)بالنّصب.و قرأ الباقون:بالنّصب فيهما.

من نصب(الحقّ)الأوّل كان منصوبا بفعل مضمر؛ و ذلك الفعل هو ما ظهر في نحو قوله: وَ يُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ يونس:82،و قوله: لِيُحِقَّ الْحَقَّ الأنفال:

8،و هذا هو الوجه.

و يجوز أن تنصب على التّشبيه بالقسم،فيكون النّاصب ل(الحقّ)ما ينصب القسم في نحو(اللّه لأفعلنّ)،فيكون التّقدير:(و الحقّ لأملأنّ).

فإن قلت:فقد اعترض بين القسم و جوابه قوله:

وَ الْحَقَّ أَقُولُ. فإنّ اعتراض هذه الجملة لا يمنع أن يفصل بين القسم و المقسم عليه،لأنّ ذلك ممّا يؤكّد القصّة.و قد يجوز أن يكون(الحقّ)الثّاني الأوّل،و كرّر على وجه التّوكيد.

و من رفع كان(الحقّ)محتملا لوجهين:

أحدهما:يكون خبر مبتدإ محذوف،تقديره:(أنا الحقّ و الحقّ أقول)،و يدلّ على ذلك قوله جلّ و عزّ:

رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ يونس:30،فكما جاز وصفه سبحانه بالحقّ،كذلك يجوز أن يكون خبرا في قوله:(أنا الحقّ).

و الوجه الثّاني:أن يكون(الحقّ)مبتدأ و خبره محذوفا،و تقديره:فالحقّ منّى كما قال: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ البقرة:147.(618)

نحوه الطّوسيّ(8:583)،و الطّبرسيّ(3:486)، و ابن عطيّة(4:516)،و أبو البركات(2:319)،و ابن الجوزيّ(7:158).

القيسيّ: انتصب(الحقّ)الأوّل على الإغراء،أي اتّبعوا الحقّ،و اسمعوا الحقّ،أو الزموا الحقّ.[و نقل قول الفرّاء و غيره في وجه الرّفع و النّصب ثمّ قال:]

و انتصب(الحقّ)الثّاني ب(اقول)تقول:قلت الحقّ،فتعمل القول.(2:255)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدهما:[قول مجاهد و قد تقدّم عن الطّبريّ]

الثّاني:الحقّ منّي و الحقّ قولي،رواه الحكم.

الثّالث:[قول الحسن و قد تقدّم](5:111)

البغويّ: قرأ عاصم و حمزة و يعقوب(فالحقّ) برفع القاف على الابتداء و خبره محذوف،تقديره:الحقّ منّي،و نصب الثّانية،أي و أنا أقول الحقّ،قاله مجاهد.

و قرأ الآخرون بنصبهما،و اختلفوا في وجههما،قيل:

نصب الأوّل على الإغراء كأنّه قال:الزم الحقّ،و الثّاني:

بإيقاع القول عليه،أي أقول الحقّ.

و قيل:الأوّل قسم،أي فبالحقّ و هو اللّه عزّ و جلّ، فانتصب بنزع الخافض،و هو حرف الصّفة.و انتصاب الثّاني بإيقاع القول عليه،و قيل:الثّاني تكرار القسم،

ص: 146

أقسم اللّه بنفسه.(4:78)

نحوه الميبديّ.(8:370)

الزّمخشريّ: قرئ (فالحقّ و الحقّ) منصوبين، على أنّ الأوّل مقسم به ك(اللّه)في:إنّ عليك اللّه أن تبايعا،و جوابه لَأَمْلَأَنَّ. وَ الْحَقَّ أَقُولُ اعتراض بين المقسم به و المقسم عليه،و معناه:و لا أقول إلاّ الحقّ.

و المراد ب(الحقّ)إمّا اسمه عزّ و علا الّذي في قوله:

أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ النّور:25،أو الحقّ الّذي هو نقيض الباطل،عظّمه اللّه بإقسامه به.

و مرفوعين على أنّ الأوّل مبتدأ محذوف الخبر، كقوله لعمرك،أي فالحقّ قسمي لأملأنّ،و الحقّ أقول، أي أقوله،كقوله:«كلّه لم أصنع».

و مجرورين على أنّ الأوّل مقسم به قد أضمر حرف قسمه،كقولك:اللّه لأفعلنّ،و الحقّ أقول،أي و لا أقول إلاّ الحقّ،على حكاية لفظ المقسم به،و معناه التّوكيد و التّشديد.و هذا الوجه جائز في المنصوب و المرفوع أيضا،و هو وجه دقيق حسن.

و قرئ برفع الأوّل و جرّه مع نصب الثّاني،و تخريجه على ما ذكرنا.(3:384)

نحوه البيضاويّ(2:315)،و النّسفيّ(4:48)،و أبو السّعود(5:375)،و البروسويّ(8:66)،و الآلوسيّ (23:229).

القرطبيّ: (قال فالحقّ و الحقّ اقول) هذه قراءة أهل الحرمين و أهل البصرة و الكسائيّ.و قرأ ابن عبّاس و مجاهد و عاصم و الأعمش و حمزة برفع الأوّل،و أجاز الفرّاء فيه الخفض.

و لا اختلاف في الثّاني في أنّه منصوب ب(اقول)، و نصب الأوّل على الإغراء،أي فاتّبعوا الحقّ و استمعوا الحقّ،و الثّاني بإيقاع القول عليه.و قيل:هو بمعنى أحقّ الحقّ أي أفعله.

قال أبو عليّ: الحقّ الأوّل منصوب بفعل مضمر،أي يحقّ اللّه الحقّ،أو على القسم و حذف حرف الجرّ،كما تقول:اللّه لأفعلنّ،و مجازه:قال:فبالحقّ و هو اللّه تعالى أقسم بنفسه.(و الحقّ اقول)جملة اعترضت بين القسم و المقسم عليه،و هو توكيد القصّة،و إذا جعل(الحقّ) منصوبا بإضمار فعل كان لَأَمْلَأَنَّ على إرادة القسم.

و قد أجاز الفرّاء و أبو عبيد أن يكون(الحقّ)منصوبا بمعنى حقّا لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ، و ذلك عند جماعة من النّحويّين خطأ،لا يجوز زيدا لأضربنّ،لأنّ ما بعد اللاّم مقطوع ممّا قبلها،فلا يعمل فيه،و التّقدير:على قولهما:

لأملأنّ جهنّم حقّا.

و من رفع(الحقّ)رفعه بالابتداء،أي فأنا الحقّ أو الحقّ منّي،رويا جميعا عن مجاهد.و يجوز أن يكون التّقدير:هذا الحقّ.

و قول ثالث على مذهب سيبويه و الفرّاء أنّ معنى:

فالحقّ لأملأنّ جهنّم بمعنى فالحقّ أن أملأ جهنّم.

و في الخفض قولان؛و هي قراءة ابن السّميقع و طلحة بن مصرّف:

أحدهما:أنّه على حذف حرف القسم.هذا قول

ص: 147

الفرّاء قال:كما يقول اللّه عزّ و جلّ:(لافعلنّ).و قد أجاز مثل هذا سيبويه،و غلّطه فيه أبو العبّاس و لم يجز الخفض لأنّ حروف الخفض لا تضمر.

و القول الآخر:أن تكون الفاء بدلا من واو القسم.

[ثمّ استشهد بشعر](15:229)

الشّربينيّ: أي بسبب إغوائك و غوايتهم أقول الحقّ،أي لا أقول إلاّ الحقّ،فإنّ كلّ شيء قلته ثبت،فلم يقدر أحد على نقضه و لا نقصه.(3:429)

ابن عاشور :و قوبل تأكيد عزمه الّذي دلّ عليه قوله: فَبِعِزَّتِكَ ص:82،بتأكيد مثله،و هو لفظ (الحقّ)الدّالّ على أنّ ما بعده حقّ ثابت لا يتخلّف،و لم يزد في تأكيد الخبر على لفظ(الحقّ)تذكيرا،بأنّ وعد اللّه تعالى حقّ لا يحتاج إلى قسم عليه،ترفّعا من جلال اللّه عن أن يقابل كلام الشّيطان بقسم مثله،و لذلك زاد هذا المعنى تقريرا بالجملة المعترضة،و هي(و الحقّ اقول)الّذي هو بمعنى:لا أقول إلاّ الحقّ،و لا حاجة إلى القسم.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن القرطبيّ](23:194)

الطّباطبائيّ: (فالحقّ)مبتدأ محذوف الخبر،أو خبر محذوف المبتدإ،و الفاء لترتيب ما بعده على ما قبله، و المراد بالحقّ ما يقابل الباطل،على ما يؤيّده إعادة الحقّ ثانيا باللاّم،و المراد به ما يقابل الباطل قطعا،و التّقدير:

فالحقّ أقسم به لأملأنّ جهنّم منك و ممّن تبعك منهم،أو فقولي الحقّ لأملأنّ إلخ.

و قوله: وَ الْحَقَّ أَقُولُ جملة معترضة تشير إلى حتميّة القضاء،و تردّ على إبليس ما يلوح إليه قوله:

أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ص:76،إلخ،من كون قوله تعالى و هو أمره بالسّجود غير حقّ،و تقديم الحقّ في وَ الْحَقَّ أَقُولُ و تحليته باللاّم،لإفادة الحصر.(17:227)

مكارم الشّيرازيّ: في البداية ردّا على تهديد إبليس في إغواء كلّ بني آدم،عدا المخلصين منهم.يجيبه البارئ عزّ و جلّ بالقول: قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ، الّذي ورد في بداية السّورة إلى هنا حقّ،و الّذي ورد بشأن أحوال الأنبياء الكبار في هذه السّورة بسبب حروبهم و جهادهم حقّ،و الحديث في هذه السّورة عن القيامة و العذاب الأليم الّذي سينزل بالطّغاة،و النّعم الّتي سيغدقها البارئ عزّ و جلّ على أهل الجنّة حقّ،و نهاية السّورة حقّ،و اللّه سبحانه يقسم بالحقّ و يقول الحقّ، بأنّه سيملأ جهنّم بالشّيطان و أتباعه،و ذلك جواب قاطع على كلام إبليس بشأن إغوائه بني الإنسان،و بهذا وضّح البارئ عزّ و جلّ تكليف الجميع.

على أيّة حال،فإنّ هاتين الجملتين تشتملان على الكثير من التّأكيد،فتؤكّدان مرّتين على مسألة(الحقّ) و تقسمان بها،و عبارة لَأَمْلَأَنَّ رافقتها نون التّأكيد الثّقيلة،و أَجْمَعِينَ تأكيد مجدّد على كلّ ذلك،لكي لا يبقى لأحد أدنى شكّ و ترديد بهذا الشّأن؛إذ لا سبيل لنجاة الشّيطان و أتباعه،و الاستمرار بالسّير على خطاه يؤدّي إلى جهنّم.(14:513)

فضل اللّه :فهذا هو القضاء الّذي لا مردّ له،و الحقّ الّذي يفرض نفسه على الموقف كلّه،في مواجهة هذا التّحدّي المتمرّد على أوامر اللّه و نواهيه.(19:288)

ص: 148

56- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ. محمّد:2

ابن عبّاس: بما نزّل اللّه به جبريل على محمّد عليه الصّلاة و السّلام وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ يعني القرآن.

(427)

الطّوسيّ: من القرآن و العبادات و غيرها وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ الّذي لا مرية فيه...

و قوله: وَ هُوَ الْحَقُّ يعني القرآن-على ما قاله قوم-و قال آخرون:إيمانهم باللّه و بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ أي بلطفه لهم فيه و حثّه عليه و أمره به.(9:290)

الزّمخشريّ: اختصاص بالإيمان بالمنزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من بين ما يجب به الإيمان تعظيما لشأنه، و تعليما لأنّه لا يصحّ الإيمان و لا يتمّ إلاّ به،و أكّد ذلك بالجملة الاعتراضيّة الّتي هي قوله: وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ.

و قيل:معناها أنّ دين محمّد هو الحقّ؛إذ لا يرد عليه النّسخ و هو ناسخ لغيره.(3:530)

ابن عطيّة: و(الحقّ)هنا هو الشّرع و محمّد عليه السّلام.

(5:110)

الطّبرسيّ: أي و ما نزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله هو الحقّ من ربّهم،لأنّه ناسخ للشرائع،و النّاسخ هو الحقّ.

و قيل:معناه و محمّد الحقّ من ربّهم دون ما يزعمون من أنّه سيخرج في آخر الزّمان نبيّ من العرب،فليس هذا هو،فردّ اللّه ذلك عليهم.(5:96)

القرطبيّ: يريد أنّ إيمانهم هو الحقّ من ربّهم.

و قيل:أي إنّ القرآن هو الحقّ من ربّهم،نسخ به ما قبله.

(16:224)

الشّربينيّ: أي هذا الّذي نزل عليه صلّى اللّه عليه و سلّم موصوف بأنّه(الحقّ)أي الكامل في الحقيقة ينسخ و لا ينسخ.

(4:22)

أبو السّعود :بطريق حصر الحقّيّة فيه،و قيل:

حقّيّته بكونه ناسخا غير منسوخ،ف(الحقّ)على هذا مقابل الزّائل،و على الأوّل مقابل الباطل،و أيّا ما كان فقوله تعالى: مِنْ رَبِّهِمْ حال من ضمير(الحقّ).

(6:83)

نحوه البروسويّ.(8:497)

الآلوسيّ: و هو جملة معترضة بين المبتدإ و الخبر مفيدة لحصر الحقّيّة فيه،على طريقة الحصر في قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ و قولك:حاتم الجواد،فيراد ب(الحقّ)ضدّ الباطل.

و جوّز أن يكون الحصر على ظاهره،و(الحقّ) الثّابت،و حقّيّة ما نزل عليه الصّلاة و السّلام لكونه ناسخا لا ينسخ،و هذا يقتضي الاعتناء به،و منه جاء التّأكيد،و أيّا ما كان فقوله تعالى: مِنْ رَبِّهِمْ حال من ضمير(الحقّ).(26:37)

ابن عاشور :و زيد في جانب المؤمنين التّنويه بشأن القرآن بالجملة المعترضة قوله: وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ و هو نظير لوصفه:ب سَبِيلِ اللّهِ في قوله:

ص: 149

وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ محمّد:1.(26:63)

الطّباطبائيّ: جملة معترضة،و الضّمير راجع إلى ما نزل.(18:223)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّ المؤمنين الّذين آمنوا باللّه،إنّما يؤمنون-إذ يؤمنون بما أنزل على محمّد-بالحقّ المنزل من ربّهم،فمن أنكر هذا الحقّ المنزل من عند اللّه،فليعلم أنّ ما عنده من إيمان ليس من الحقّ؛ إذ لو كان حقّا لالتقى مع هذا الحقّ،فالحقّ لا يصادم الحقّ،و لا تختلف طريقه معه.(13:307)

57- وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. ق:19

ابن عبّاس: بالشّقاء و السّعادة.(439)

مقاتل:يعني أنّه حقّ كائن.(4:112)

الفرّاء: و في قراءة عبد اللّه: (سكرة الحقّ بالموت) فإن شئت أردت(بالحقّ)أنّه اللّه عزّ و جلّ،و إن شئت جعلت«السّكرة»هي الموت،أضفتها إلى نفسها،كأنّك قلت:جاءت السّكرة الحقّ بالموت،و قوله: سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ يقول:بالحقّ الّذي قد كان غير متبيّن لهم من أمر الآخرة،و يكون(الحقّ)هو الموت،أي جاءت سكرة الموت بحقيقة الموت.(3:78)

الطّبريّ: [و فيها] وجهان من التّأويل:

أحدهما:و جاءت سكرة الموت،و هي شدّته و غلبته على فهم الإنسان،كالسّكرة من النّوم أو الشّراب،(بالحقّ)من أمر الآخرة،فتبيّنه الإنسان حتّى تثبّته و عرفه.

و الثّاني:و جاءت سكرة الموت بحقيقة الموت.

(26:160)

الزّجّاج: (بالحقّ)أي بالموت الّذي خلق له.

و قال بعضهم:(و جاءت سكرة الحقّ بالموت) و رويت عن أبي بكر رحمه اللّه و المعنى واحد،و قيل:

(الحقّ)هاهنا اللّه عزّ و جلّ.(5:45)

الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:

أحدهما:جاءت السّكرة بالحقّ من أمر الآخرة، حتّى عرفه صاحبه،و اضطرّ إليه.

و الآخر:و جاءت سكرة الموت بالحقّ الّذي هو الموت.و روي أنّ أبا بكر و ابن مسعود كانا يقرءان (و جاءت سكرة الحقّ بالموت) و هي قراءة أهل البيت عليهم السّلام.(9:365)

البغويّ: أي بحقيقة الموت،و قيل:بالحقّ من أمر الآخرة حتّى يتبيّنه الإنسان و يراه بالعيان.

و قيل:بما يؤول إليه أمر الإنسان من السّعادة و الشّقاوة.(4:273)

الميبديّ: (بالحقّ)ببيان ما يصير إليه الإنسان بعد موته،من جنّة أو نار.

و قيل:(بالحقّ)أي بأمر اللّه و حكمه الّذي عمّ به جميع الأحياء.

و قيل:بما يؤول إليه الأمر من السّعادة و الشّقاوة.

(9:288)

الزّمخشريّ: و الباء في(بالحقّ)للتّعدية،يعني

ص: 150

و أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر الّذي أنطق اللّه به كتبه و بعث به رسله،أو حقيقة الأمر و جليّة الحال من سعادة الميّت و شقاوته.

و قيل:الحقّ الّذي خلق له الإنسان أنّ كلّ نفس ذائقة الموت.

و يجوز أن تكون الباء مثلها في قوله تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ المؤمنون:20،أي و جاءت ملتبسة بالحقّ، أي بحقيقة الأمر،أو بالحكمة و الغرض الصّحيح،كقوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ الأنعام:

73.(4:7)

نحوه أبو حيّان(8:124)،و أبو السّعود(6:126)

الفخر الرّازيّ: و قوله:(بالحقّ)يحتمل وجوها:

أحدها:أن يكون المراد منه:الموت،فإنّه حقّ،كأنّ شدّة الموت تحضر الموت،و الباء حينئذ للتّعدية.يقال:

جاء فلان بكذا،أي أحضره.

و ثانيها:أن يكون المراد من(الحقّ)ما أتى به من الدّين،لأنّه حقّ،و هو يظهر عند شدّة الموت.و ما من أحد إلاّ و هو في تلك الحالة يظهر الإيمان،لكنّه لا يقبل إلاّ ممّن سبق منه ذلك،و آمن بالغيب.و معنى المجيء به،هو أنّه يظهره،كما يقال:الدّين الّذي جاء به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أي أظهره.و لمّا كانت شدّة الموت مظهرة له قيل فيه:جاء به،و الباء حينئذ يحتمل أن يكون المراد منها ملبسة.

يقال:جئتك بأمل فسيح و قلب خاشع.(28:164)

القرطبيّ: الإنسان ما دام حيّا تكتب عليه أقواله و أفعاله ليحاسب عليها،ثمّ يجيئه الموت و هو ما يراه عند المعاينة من ظهور الحقّ،فيما كان اللّه تعالى وعده و أوعده.

و قيل:(الحقّ)هو الموت سمّي حقّا إمّا لاستحقاقه و إمّا لانتقاله إلى دار الحقّ،فعلى هذا يكون في الكلام تقديم و تأخير،و تقديره:«جاءت سكرة الحقّ بالموت» و كذلك في قراءة أبي بكر و ابن مسعود رضي اللّه عنهما، لأنّ«السّكرة»هي الحقّ،فأضيفت إلى نفسها لاختلاف اللّفظين.

و قيل:يجوز أن يكون(الحقّ)على هذه القراءة هو اللّه تعالى،أي جاءت سكرة أمر اللّه تعالى بالموت.

و قيل:(الحقّ)هو الموت،و المعنى:و جاءت سكرة الموت بالموت،ذكره المهدويّ.(17:12)

الشّربينيّ: أي الأمر الثّابت الّذي يطابقه الواقع، فلا حيلة في الاحتراس منه.و قيل:للميّت بلسان الحال إن لم يكن بلسان المقال.(4:84)

القاسميّ: أي بالموعود الحقّ،و الأمر المحقّق،و هو الموت،فالباء للملابسة،أو بالموعود الحقّ من أمر الآخرة،و الثّواب و العقاب الّذي غفل عنه،فالباء للتّعدية،أي أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر،و هي أحوالها الباطنة،و أظهرتها عليه.(15:5500)

الطّباطبائيّ: و في تقييد مجيء سَكْرَةُ الْمَوْتِ ب(الحقّ)إشارة إلى أنّ الموت داخل في القضاء الإلهيّ،مراد في نفسه في نظام الكون،كما يستفاد من قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ الأنبياء:35،و قد

ص: 151

مرّ تفسيره،فالموت-و هو الانتقال من هذه الدّار إلى دار بعدها-حقّ كما أنّ البعث حقّ و الجنّة حقّ و النّار حقّ.

و في معنى كون الموت بالحقّ أقوال أخر لا جدوى في نقلها و التّعرّض لها.(18:348)

عبد الكريم الخطيب :و قوله تعالى:(بالحقّ) متعلّق بالفعل(جاء)أي جاءت سكرة الموت محملّة بالحقّ،الّذي غاب عن هذا الإنسان الّذي لا يؤمن باليوم الآخر؛حيث يرى عند الاحتضار،ما لم يكن يراه من قبل،و حيث يبدو له في تلك السّاعة كثير من شواهد الحياة الآخرة،الّتي هو آخذ طريقه إليها.(13:480)

58- ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً.

النّبأ:39

ابن عبّاس: الكائن يكون فيه ما وصفت.(499)

نحوه البغويّ(5:202)،و ابن الجوزيّ(9:13)، و القرطبيّ(19:186)،و البيضاويّ(2:535).

الطّبريّ: يقول:إنّه حقّ كائن،لا شكّ فيه.

(30:25)

نحوه الطّوسيّ(10:249)،و الطّبرسيّ(5:427)، و الشّربينيّ(4:474).

الماورديّ: و في تسميته(الحقّ) وجهان:

أحدهما:لأنّ مجيئه حقّ،و قد كانوا على شكّ.

الثّاني:أنّ اللّه تعالى يحكم فيه بالحقّ بالثّواب و العقاب.(6:190)

القشيريّ: هم بمشهد الحقّ،و الحكم عليهم الحقّ، حكم عليهم بالحقّ،و هم مجذوبون بالحقّ للحقّ.

(6:248)

الميبديّ: لا باطل فيه و لا ظلم،بل ينتصف الضّعيف من القويّ،و مجيئه حقّ كائن يوجد لا محالة، و قد كانوا فيه على شكّ.(10:359)

نحوه النّيسابوريّ.(30:12)

ابن عطيّة: أي الحقّ كونه و وجوده.(5:429)

نحوه أبو حيّان.(8:416)

الفخر الرّازيّ: و في وصف(اليوم)بأنّه حقّ وجوه:

أحدها:أنّه يحصل فيه كلّ حقّ،و يندمغ كلّ باطل، فلمّا كان كاملا في هذا المعنى قيل:إنّه حقّ،كما يقال:

فلان خير كلّه،إذا وصف بأنّ فيه خيرا كثيرا،و قوله:

ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ يفيد أنّه هو اليوم الحقّ و ما عداه باطل،لأنّ أيّام الدّنيا باطلها أكثر من حقّها.

و ثانيها:أنّ(الحقّ)هو الثّابت الكائن،و بهذا المعنى يقال:إنّ اللّه حقّ،أي هو ثابت لا يجوز عليه الفناء، و يوم القيامة كذلك فيكون حقّا.

و ثالثها:أنّ ذلك اليوم هو اليوم الّذي يستحقّ أن يقال له:يوم،لأنّ فيه تبلى السّرائر و تنكشف الضّمائر.

و أمّا أيّام الدّنيا فأحوال الخلق فيها مكتومة،و الأحوال فيها غير معلومة.(31:25)

أبو السّعود :أي الثّابت المتحقّق،لا محالة،من غير صارف يلويه،و لا عاطف يثنيه.(6:362)

نحوه الآلوسيّ.(30:21)

ص: 152

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و ذلك لأنّه متحقّق علما،فلا بدّ أن يكون متحقّقا وقوعا كالصّباح بعد مضيّ اللّيل.و فيه إشارة إلى أنّه واقع ثابت في جميع الأوقات و الأحايين،و لكن لا يبصرون به لاشتغالهم بالنّفس الملهية و هواها الشّاغل.(10:311)

القاسميّ: أي الواقع الّذي لا يمكن إنكاره، و(الحقّ)صفة أو خبر.(17:6041)

سيّد قطب :فلا مجال للتّساؤل و الاختلاف، و الفرصة ما تزال سانحة.(6:3809)

الطّباطبائيّ: إشارة إلى يوم الفصل المذكور في السّورة،الموصوف بما مرّ من الأوصاف،و هو في الحقيقة خاتمة الكلام المنعطفة إلى فاتحة السّورة و ما بعده،أعني قوله: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً إلخ فضل تفريع على البيان السّابق.

و الإشارة إليه بالإشارة البعيدة للدّلالة على فخامة أمره،و المراد بكونه حقّا ثبوته حتما مقضيّا،لا يتخلّف عن الوقوع.(20:175)

الطّالقانيّ: (الحقّ):الواقع الثّابت مقابل الباطل.

(5:68)

مكارم الشّيرازيّ: (الحقّ):هو الأمر الثّابت واقعا،و الّذي تحقّقه قاطع.و هذا المعنى ينطبق تماما على يوم القيامة،لأنّه سيعطي كلّ إنسان حقّه،بإرجاع حقوق المظلومين من الظّالمين.و تتكشّف كلّ الحقائق الّتي كانت مخفيّة على الآخرين،فإنّه بحقّ:يوم الحقّ، و بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى.

و إذا ما التفت الإنسان إلى هذه الحقيقة:حقيقة يوم القيامة،فسيتحرّك بدافع قويّ نحو اللّه عزّ و جلّ، للحصول على رضوانه سبحانه،بامتثال أوامره تعالى، و لهذا يقول القرآن مباشرة: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً. (19:318)

فضل اللّه :الّذي لا محال للرّيب فيه،كما لا مجال للباطل أن يتحرّك فيه،إذا اعتبرنا المسألة على سبيل المبالغة،بأن يراد به اليوم الّذي يمثّل التّجسيد للحقّ في المضمون الّذي يحتويه في الحساب و نحوه،ممّا يجعل الّذين عملوا له في الدّنيا هم أصحاب هذا اليوم، فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً ليحصل على النّتائج الإيجابيّة من خلال سعيه في الدّنيا،ليرجع إلى اللّه في رحمته و رضوانه.(24:23)

59- إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ. العصر:3

ابن عبّاس: تحاثوا بالتّوحيد.(518)

نحوه مقاتل(4:523)،و يحيى بن سلاّم(الماورديّ 6:

334).الحسن:(الحقّ)كتاب اللّه.

(الطّبريّ 30:290)

مثله قتادة.(الطّبريّ 3:290)

السّدّيّ: أنّه اللّه.(الماورديّ 6:334)

الطّبريّ: يقول:و أوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنزل اللّه في كتابه من أمره،و اجتناب ما نهى

ص: 153

عنه فيه.(30:290)

الماورديّ: في(الحقّ)ثلاثة تأويلات:

أحدها:[قول يحيى بن سلاّم]

الثّاني:[قول قتادة]

الثّالث:[قول السّدّيّ]

و يحتمل رابعا:أن يوصي مخلّفيه عند حضور المنيّة ألاّ يموتنّ إلاّ و هم مسلمون.(6:334)

نحوه ابن الجوزيّ.(9:225)

الطّوسيّ: أي تواصى بعضهم بعضا باتّباع الحقّ و اجتناب الباطل.(10:405)

نحوه الطّبرسيّ.(5:536)

القشيريّ: و تواصوا بما هو حقّ،و تواصوا بما هو حسن و جميل...

وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ و هو الإيثار مع الخلق، و الصّدق مع الحقّ.(6:333)

الميبديّ: أي أوصى بعضهم بعضا بالإقامة على الحقّ قولا و فعلا.

و قيل:بطاعة اللّه و اجتناب معاصيه.

و قيل:(الحقّ)هو اللّه،و المعنى بتوحيد اللّه و القيام بما يحبّ له.

و قيل:(بالحقّ)يعني بالقرآن و الدّين.(10:605)

الزّمخشريّ: بالأمر الثّابت الّذي لا يسوغ إنكاره، و هو الخير كلّه،من توحيد اللّه و طاعته،و اتّباع كتبه و رسله،و الزّهد في الدّنيا،و الرّغبة في الآخرة.

(4:282)

نحوه الشّربينيّ(4:584)،و أبو السّعود(6:468)، و البروسويّ(10:507)،و الآلوسيّ(30:229).

النّيسابوريّ: و(الحقّ):خلاف الباطل،و يشتمل جميع الخيرات و ما يحقّ فعله.(30:174)

أبو حيّان :أي بالأمر الثّابت من الّذين عملوا به.

(8:509)

مكارم الشّيرازيّ: و(الحقّ)في الأصل:الموافقة و المطابقة للواقع.و ذكر للكلمة معان قرآنيّة متعدّدة، من ذلك:اللّه،و القرآن،و الإسلام،و التّوحيد،و العدل، و الصّدق و الوضوح،و الوجوب،و أمثالها من المعاني الّتي ترجع إلى نفس المعنى الأصليّ الّذي ذكرناه.

تَواصَوْا بِالْحَقِّ تحمل-على أيّ حال-معنى واسعا،يشمل الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، و يشمل أيضا تعليم الجاهل و إرشاده،و تنبيه الغافل، و الدّعوة إلى الإيمان و العمل الصّالح.(20:398)

حقّا

1- كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. البقرة:180

الطّبريّ: يعني بذلك:فرض عليكم هذا و أوجبه، و جعله حقّا واجبا على من اتّقى اللّه،فأطاعه أن يعمل به.

فإن قال قائل:أو فرض على الرّجل ذي المال أن يوصي لوالديه و أقربيه الّذين لا يرثونه؟قيل:نعم.

فإن قال:فإن هو فرّط في ذلك فلم يوص لهم،

ص: 154

أ يكون مضيّعا فرضا يحرج بتضييعه؟قيل:نعم.

فإن قال:و ما الدّلالة على ذلك؟قيل:قول اللّه تعالى ذكره: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ إلخ.

فأعلم أنّه قد كتبه علينا و فرضه،كما قال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ البقرة:183،و لا خلاف بين الجميع أنّ تارك الصّيام و هو عليه قادر مضيّع بتركه فرضا للّه عليه،فكذلك هو بترك الوصيّة لوالديه و أقربيه و له ما يوصي لهم فيه،مضيّع فرض اللّه عزّ و جلّ.(2:115)

الزّجّاج: نصب على:حقّ ذلك عليكم حقّا،و لو كان في غير القرآن فرفع كان جائزا،على معنى ذلك حقّ على المتّقين.(1:251)

الثّعلبيّ: واجبا،و هو نصب على المصدر،أي حقّ ذلك حقّا.و قيل:على المفعول،أي جعل الوصيّة حقّا، و قيل:على القطع من الوصيّة.(2:57)

نحوه البغويّ.(1:212)

الطّوسيّ: و الحقّ:هو الفعل الّذي لا يجوز إنكاره.

و قيل:ما علم صحّته،سواء كان قولا أو فعلا أو اعتقادا.

و هو مصدر:حقّ يحقّ حقّا،و انتصب في الآية على المصدر،و تقديره:أحقّ حقّا.و قد استعمل على وجه الصّفة،بمعنى ذي الحقّ،كما وصف بالعدل.(2:110)

القشيريّ: من ترك مالا فالوصيّة له في ماله مستحبّة،و من لم يترك شيئا فأنّى بالوصيّة!في حالة الأغنياء يوصون في آخر أعمارهم بالثّلث،أمّا الأولياء فيخرجون في حياتهم عن الكلّ،فلا تبقى منهم إلاّ همّة انفصلت عنهم و لم تتّصل بشيء،لأنّ الحقّ لا سبيل للهمّة إليه،و الهمّة لا تعلّق لها بمخلوق،فبقيت وحيدة منفصلة غير متّصلة.و أنشدوا:

أحبّكم ما دمت فإن أمت

يحبّكم عظمي في التّراب رميم

(1:163)

الميبديّ: أي كتبت الوصيّة حقّا،كتبت الوصيّة عليكم كتابة بالحقّ و الصّدق،و هكذا ينبغي،و هكذا يكون.(1:478)

الزّمخشريّ: (حقّا)مصدر مؤكّد،أي حقّ ذلك حقّا.(1:334)

مثله البيضاويّ(1:100)،و النّيسابوريّ(2:94)، و أبو السّعود(1:240)،و نحوه ابن عطيّة(1:248).

الطّبرسيّ: أي حقّا واجبا على من آثر التّقوى، و هذا تأكيد في الوجوب.[ثم أدام البحث في نسخ الآية و عدمه](1:267)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فزيادة في توكيد وجوبه،فقوله:(حقّا) مصدر مؤكّد،أي حقّ ذلك حقّا.

فإن قيل:ظاهر هذا الكلام يقتضي تخصيص هذا التّكليف بالمتّقين دون غيرهم.

فالجواب من وجهين:

الأوّل:أنّ المراد بقوله: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ أنّه لازم لمن آثر التّقوى،و تحرّى و جعله طريقة له و مذهبا فيدخل الكلّ فيه.

الثّاني:أنّ هذه الآية تقتضي وجوب هذا المعنى على

ص: 155

المتّقين،و الإجماع دلّ على أنّ الواجبات و التّكاليف عامّة في حقّ المتّقين و غيرهم،فبهذا الطّريق يدخل الكلّ تحت هذا التّكليف،فهذا جملة ما يتعلّق بتفسير هذه الآية.

و اعلم أنّ النّاس اختلفوا في هذه الوصيّة،منهم من قال:كانت واجبة و منهم من قال:كانت ندبا،و احتجّ الأوّلون بقوله:(كتب)و بقوله:(عليكم)و كلا اللّفظين ينبئ عن الوجوب،ثمّ إنّه تعالى أكّد ذلك الإيجاب بقوله:

حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [ثمّ بسط الكلام في نسخ هذه الآية هل هي منسوخة أم لا؟و نقل الأقوال مع الدّلائل مبسوطا إن شئت راجع](5:67)

القرطبيّ: قوله تعالى:(حقّا)يعني ثابتا ثبوت نظر و تحصين،لا ثبوت فرض و وجوب،بدليل قوله: عَلَى الْمُتَّقِينَ.

و هذا يدلّ على كونه ندبا،لأنّه لو كان فرضا لكان على جميع المسلمين،فلمّا خصّ اللّه من يتّقي،أي يخاف تقصيرا،دلّ على أنّه غير لازم إلاّ فيما يتوقّع تلفه إن مات،فيلزمه فرضا المبادرة بكتبه و الوصيّة به،لأنّه إن سكت عنه كان تضييعا له و تقصيرا منه،و قد تقدّم هذا المعنى.

و انتصب(حقّا)على المصدر المؤكّد،و يجوز في غير القرآن(حقّ)بمعنى ذلك حقّ.(2:267)

أبو حيّان :انتصب(حقّا)على أنّه مصدر مؤكّد لمضمون الجملة،أي حقّ ذلك حقّا،قاله ابن عطيّة و الزّمخشريّ.

و هذا تأباه القواعد النّحويّة،لأنّ ظاهر قوله: عَلَى الْمُتَّقِينَ إذن يتعلّق(على)ب(حقّا)،أو يكون في موضع الصّفة له،و كلا التّقديرين يخرجه عن التّأكيد.

أمّا تعلّقه به فلأنّ المصدر المؤكّد لا يعمل إنّما يعمل المصدر الّذي ينحلّ بحرف مصدريّ،و الفعل أو المصدر الّذي هو بدل من اللّفظ بالفعل؛و ذلك مطّرد في الأمر و الاستفهام،على خلاف في هذا الأخير،على ما تقرّر في علم النّحو.

و أمّا جعله صفة ل(حقّا)أي حقّا كائنا على المتّقين، فذلك يخرجه عن التّأكيد،لأنّه إذ ذاك يتخصّص بالصّفة.

و جوّز المعربون أن يكون نعتا لمصدر محذوف:إمّا لمصدر من كُتِبَ عَلَيْكُمْ أي كتبا حقّا،و إمّا لمصدر من الوصيّة،أي إيصاء حقّا.

و أبعد من ذهب إلى أنّه منصوب ب(المتّقين)و إنّ التّقدير:على المتّقين حقّا،كقوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا الأنفال:4،لأنّه غير المتبادر إلى الذّهن،و لتقدّمه على عامله الموصول.

و الأولى عندي أن يكون مصدرا من معنى(كتب) لأنّ معنى:كتبت الوصيّة،أي وجبت و حقّت،فانتصابه على أنّه مصدر على غير الصّدر،كقولهم:قعدت جلوسا.و ظاهر قوله:(كتب)(حقّا)الوجوب؛إذ معنى ذلك الإلزام على المتّقين.(2:21)

نحوه الشّربينيّ.(1:117)

البروسويّ: أي أحقّ هذه الوصيّة حقّا.

(1:287)

ص: 156

الآلوسيّ: مصدر مؤكّد للحدث الّذي دلّ عليه (كتب)و عامله إمّا(كتب)أو(حقّ)محذوفا،أي حقّ ذلك حقّا،فهو على طرز:قعدت جلوسا.

و يحتمل أن يكون مؤكّدا لمضمون جملة كُتِبَ عَلَيْكُمْ، و إن اعتبر إنشاء،فيكون على طرز:له عليّ ألف عرفا.و جعله صفة لمصدر محذوف،أي إيصاء حقّا، ليس بشيء،و على التّقديرين عَلَى الْمُتَّقِينَ صفة له أو متعلّق بالفعل المحذوف على المختار.

و يجوز أن يتعلّق بالمصدر،لأنّ المفعول المطلق يعمل نيابة عن الفعل.(2:55)

القاسميّ: ثمّ أكّد تعالى الوجوب بقوله:(حقّا)، و كذا قوله: عَلَى الْمُتَّقِينَ، فهو إلهاب و تهييج و تذكير بما أمامه من القدوم،على من يسأله عن النّقير و القطمير.(3:410)

الطّباطبائيّ: لسان الآية لسان الوجوب،فإنّ الكتابة يستعمل في القرآن في مورد القطع و اللّزوم.

و يؤيّده ما في آخر الآية من قوله:(حقّا)،فإنّ«الحقّ» أيضا كالكتابة يقتضي معنى اللّزوم،لكن تقييد الحقّ بقوله: عَلَى الْمُتَّقِينَ، ممّا يوهن الدّلالة على الوجوب و العزيمة،فإنّ الأنسب بالوجوب أن يقال:حقّا على المؤمنين.

و كيف كان فقد قيل:إنّ الآية منسوخة بآية الإرث،و لو كان كذلك فالمنسوخ هو الفرض دون النّدب و أصل المحبوبيّة،و لعلّ تقييد الحقّ بالمتّقين في الآية،لإفادة هذا الغرض.(1:439)

عبد الكريم الخطيب:و في بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ حراسة مؤكّدة على هذا الاستثناء من أن يجور على الحكم العامّ أو يعطّله،و بهذه الحراسة المؤكّدة تكون الوصيّة دعامة قويّة يقوم عليها الميراث، و تكمل بها جوانب النّقص الّذي قد يكون فيه،في أحوال و ظروف خاصّة،يترك تقديرها للمورث،و لما في قلبه من تقوى،خاصّة،و هو على مشارف الطّريق إلى اللّه.

(1:197)

مكارم الشّيرازيّ: ذكرنا أنّ تعبير كُتِبَ عَلَيْكُمْ يدلّ على الوجوب...،و لهم فيها أقوال مختلفة:

1-جاء فيها بشأن كتابة الوصيّة،كونها حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. من هنا فإنّها مستحبّة استحبابا مؤكّدا، و لو كانت واجبة لقالت الآية:«حقّا على المؤمنين».

2-قيل أيضا:إنّ هذه الآية نزلت قبل نزول أحكام الإرث،و كانت الوصيّة آنئذ واجبة،كي لا يقع نزاع بين الورثة،ثمّ نسخ هذا الوجوب بعد نزول آيات الإرث، و أصبح حكما استحبابيّا.و في تفسير«العيّاشيّ»حديث يؤيّد هذا الاتّجاه.

3-يحتمل أيضا أن يكون حديث الآية عن موارد الضّرورة و الحاجة،أي حين يكون الإنسان مدينا،أو في ذمّته حقّ،و الوصيّة واجبة في هذه الحالات.

يبدو أنّ التّفسير الأوّل أقرب من بقيّة التّفاسير.

(1:446)

2- ...وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى

ص: 157

اَلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ.

البقرة:236

ابن عبّاس: واجبا على الموحّدين.(33)

نحوه ابن الجوزيّ.(1:280)

الفرّاء: (حقّا)فإنّه نصب من نيّة (1)الخبر،لا أنّه من نعت«المتاع»،و هو كقولك في الكلام:عبد اللّه في الدّار حقّا،إنّما نصب الحقّ من نيّة كلام المخبر،كأنّه قال:أخبركم خبرا حقّا،و بذلك حقّا.

و قبيح أن تجعله تابعا للمعرفات أو للنّكرات،لأنّ الحقّ و الباطل لا يكونان في أنفس الأسماء،إنّما يأتي بالأخبار؛من ذلك أن تقول:لي عليك المال حقّا.و قبيح أن تقول:لي عليك المال الحقّ،أو:لي عليك مال حقّ، إلاّ أن تذهب به إلى أنّه:حقّ لي عليك،فتخرجه مخرج المال،لا على مذهب الخبر.

و كلّ ما كان في القرآن ممّا فيه من نكرات الحقّ أو معرفته،أو ما كان في معنى الحقّ،فوجه الكلام فيه النّصب،مثل قوله: وَعْدَ الْحَقِّ إبراهيم:22، و وَعْدَ الصِّدْقِ الأحقاف:16،و مثل قوله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا يونس:4،هذا على تفسير الأوّل.

و أمّا قوله: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ الكهف:

44،فالنّصب في«الحقّ»جائز،يريد حقّا،أي أخبركم أنّ ذلك حقّ.و إن شئت خفضت«الحقّ»،تجعله من صفة اللّه تبارك و تعالى،و إن شئت رفعته فتجعله من صفة الولاية،و كذلك قوله: وَ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ اَلْحَقِّ يونس:30،تجعله من صفة اللّه عزّ و جلّ.

و لو نصبت كان صوابا،و لو رفع على نيّة الاستئناف كان صوابا،كما قال: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ البقرة:147،و أنت قائل إذا سمعت رجلا يحدّث:حقّا،أي قلت:حقّا،و الحقّ،أي ذلك الحقّ.

و أمّا قوله في قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ ص:

88،فإنّ القرّاء:قد رفعت الأوّل و نصبته.و روي عن مجاهد و ابن عبّاس:أنّهما رفعا الأوّل،و قالا تفسيره:

الحقّ منّى،و أقول الحقّ،فينصبان الثّاني ب(أقول)، و نصبهما جميعا كثير منهم،فجعلوا الأوّل على معنى:

و الحقّ لأملأنّ جهنّم،و ينصب الثّاني بوقوع القول عليه.

و قوله: ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ رفعه حمزة و الكسائيّ،و جعلا(الحقّ)هو اللّه تبارك و تعالى، لأنّها في حرف عبد اللّه:(ذلك عيسى بن مريم قال اللّه)، كقولك:كلمة اللّه،فيجعلون«قال»بمنزلة القول،كما قالوا:العاب و العيب،و قد نصبه قوم يريدون:ذلك عيسى بن مريم قولا حقّا.(1:154)

الطّبريّ: و يعني بقوله: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ متاعا بالمعروف الحقّ على المحسنين،فلمّا دلّ إدخال الألف و اللاّم على(الحقّ)و هو نعت(المعروف)، و(المعروف)معرفة،و(الحقّ)نكرة،نصب على القطع منه،كما يقال:أتاني الرّجل راكبا.

و جائز أن يكون نصب على المصدر،من جملةة.

ص: 158


1- يوافق هذا قولهم:إنّه مفعول مطلق مؤكّد للجملة السّابقة.

الكلام الّذي قبله،كقول القائل:عبد اللّه عالم حقّا، فالحقّ منصوب من نيّة كلام المخبر،كأنّه قال:أخبركم بذلك حقّا.

و التّأويل الأوّل هو وجه الكلام،لأنّ معنى الكلام:

فمتّعوهنّ متاعا بمعروف حقّ على كلّ من كان منكم محسنا.

و قد زعم بعضهم أنّ ذلك منصوب بمعنى:أحقّ ذلك حقّا،و الّذي قاله من ذلك بخلاف ما دلّ عليه ظاهر التّلاوة،لأنّ اللّه تعالى ذكره جعل المتاع للمطلّقات حقّا لهنّ على أزواجهنّ،فزعم قائل هذا القول أنّ معنى ذلك:

أنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن نفسه،أنّه يحقّ أنّ ذلك على المحسنين.

فتأويل الكلام إذن؛إذ كان الأمر كذلك:و متّعوهنّ على الموسع قدره،و على المقتر قدره،متاعا بالمعروف الواجب على المحسنين.(2:538)

الزّجّاج: منصوب على:حقّ ذلك عليهم حقّا،كما يقال:حققت عليه القضاء و أحققته،أي أوجبته.

(1:319)

الماورديّ: و اختلفوا في وجوبها على أربعة أقاويل:

أحدها:أنّها واجبة لكلّ مطلّقة،و هو قول الحسن و أبي العالية.

و الثّاني:أنّها واجبة لكلّ مطلّقة إلاّ غير المدخول بها،فلا متعة لها،و هو قول ابن عمر،و سعيد بن المسيّب.

و الثّالث:أنّها واجبة لغير المدخول بها إذا لم يسمّ لها صداق،و هو قول الشّافعيّ.

و الرّابع:أنّها غير واجبة،و إنّما الأمر بها ندب و إرشاد،و هو قول شريح،و الحكم.(1:305)

الطّوسيّ: و يحتمل نصب(حقّا)وجهين:

أحدهما:أن يكون حالا من بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا و العامل فيه معنى:عرف حقّا.

الثّاني:على التّأكيد،لجملة الخبر،كأنّه قيل:

أخبركم به حقّا،كأنّه قيل:إيجابا.(2:270)

نحوه الطّبرسيّ.(1:340)

الزّمخشريّ: صفة ل(متاعا)،أي متاعا واجبا عليهم،أو حقّ ذلك حقّا.(1:374)

نحوه الشّربينيّ(1:155)،و أبو السّعود(1:280)، و الآلوسيّ(2:154)،و البيضاويّ(1:126).

ابن عطيّة: و(حقّا)صفة لقوله(متاعا)أو نصب على المصدر،و ذلك أدخل في التأكيد للأمر.(1:32)

الفخر الرّازيّ: و(حقّا)صفة ل(متاعا)أي:متاعا واجبا عليهم،أو حقّ ذلك حقّا على المحسنين.و قيل:

نصب على الحال من(قدره)لأنّه معرفة،و العامل فيه الظّرف و قيل:نصب على القطع.(6:149)

القرطبيّ: أي يحقّ ذلك عليهم حقّا،يقال:حققت عليه القضاء و أحققت،أي أوجبت.و في هذا دليل على وجوب المتعة مع الأمر بها،فقوله:(حقّا)تأكيد للوجوب.(3:203)

أبو حيّان :و انتصاب(حقّا)على أنّه صفة

ص: 159

ل(متاعا)أي متاعا بالمعروف واجبا على المحسنين،أو بإضمار فعل،تقديره:حقّ ذلك حقّا،أو حالا ممّا كان حالا منه(متاعا)،أو من قوله:(بالمعروف)أي بالّذي عرف في حال كونه على المحسنين.(2:234)

القاسميّ: أي ثبت ذلك ثبوتا مستقرّا.(3:618)

الطّباطبائيّ: أي حقّ الحكم حقّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ. و ظاهر الجملة و إن كان كون الوصف، أعني الإحسان دخيلا في الحكم؛و حيث ليس الإحسان واجبا،استلزم كون الحكم استحبابيّا غير وجوبيّ،إلاّ أنّ النّصوص من طرق أهل البيت تفسّر الحكم بالوجوب،و لعلّ الوجه فيه ما مرّ من قوله تعالى:

اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ... البقرة:229،فأوجب الإحسان على المسرّحين،و هم المطلّقون،فهم المحسنون،و قد حقّ الحكم في هذه الآية عَلَى الْمُحْسِنِينَ و هم المطلّقون،و اللّه أعلم.(2:245)

3- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً. النّساء:122

ابن عبّاس: كائنا صدقا.(81)

الطّبريّ: يعني:يقينا صادقا،لا كعدة الشّيطان الكاذبة،الّتي هي غرور من وعدها من أوليائه،و لكن عدة ممّن لا يكذب،و لا يكون منه الكذب،و لا يخلف وعده.

و إنّما وصف جلّ ثناؤه وعده بالصّدق و الحقّ في هذه،لما سبق من خبره جلّ ثناؤه،عن قول الشّيطان الّذي قصّه في قوله،و قال: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً... النّساء:118،ثمّ قال جلّ ثناؤه: يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً النّساء:

120،و لكن اللّه يعد الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات،أنّه سيدخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا،وعدا منه حقّا،لا كوعد الشّيطان الّذي وصف صفته.

فوصف جلّ ثناؤه الوعدين و الواعدين،و أخبر بحكم أهل كلّ منهما،تنبيها منه جلّ ثناؤه خلقه على ما فيه مصلحتهم،و خلاصهم من الهلكة و العطب، و لينزجروا عن معصيته،و يعملوا بطاعته،فيفوزوا بما أعدّ لهم في جنانه من ثوابه.(5:287)

الطّوسيّ: إنّ ذلك وعد حقّ من اللّه لهم.

(3:336)

القشيريّ: الّذين أسعدناهم حكما و قولا، أنجدناهم حين أوجدناهم كرما و طولا،ثمّ إنّا نحقّق لهم الموعود من الثّواب،بما نكرمهم به من حسن المآب.

(2:61)

الزّمخشريّ: وَعْدَ اللّهِ حَقًّا مصدران:الأوّل مؤكّد لنفسه،و الثّاني:مؤكّد لغيره. وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً توكيد ثالث بليغ.

فإن قلت:ما فائدة هذه التّوكيدات؟

قلت:معارضة مواعيد الشّيطان الكاذبة و أمانيه

ص: 160

الباطلة لقرنائه،بوعد اللّه الصّادق لأوليائه،ترغيبا للعباد في إيثار ما يستحقّون به،تنجّز وعد اللّه على ما يتجرّعون في عاقبته غصص إخلاف مواعيد الشّيطان.

(1:565)

نحوه أبو السّعود(2:199)،و البروسويّ(2:

290).

أبو حيّان :لمّا ذكر أنّ وعد الشّيطان هو غرور باطل،ذكر أنّ هذا الوعد منه تعالى هو الحقّ الّذي لا ارتياب فيه،و لا شكّ في إنجازه...

و انتصب وَعْدَ اللّهِ حَقًّا على أنّه مصدر مؤكّد لغيره،فوعد اللّه مؤكّد لقوله: سَنُدْخِلُهُمْ، و(حقّا) مؤكّد ل وَعْدَ اللّهِ. (3:355)

الآلوسيّ: أي وعدهم وعدا و أحقّه حقّا،فالأوّل مؤكّد لنفسه ك(له عليّ ألف عرفا)،فإنّ مضمون الجملة السّابقة لا تحتمل غيره؛إذ ليس الوعد إلاّ الإخبار عن إيصال المنافع قبل وقوعه.

و الثّاني مؤكّد لغيره كزيد قائم حقّا،فإنّ الجملة الخبريّة بالنّظر إلى نفسها و قطع النّظر عن قائلها تحتمل الصّدق و الكذب و الحقّ و الباطل.

و جوّز أن ينتصب(وعد)على أنّه مصدر ل سَنُدْخِلُهُمْ -على ما قال أبو البقاء-من غير لفظه، لأنّه في معنى نعدهم إدخال جنّات،و يكون(حقّا)حالا منه.(5:151)

القاسميّ: صدقا واقعا لا محالة.و كيف لا يكون وعد اللّه حقّا؟![إلى أن قال:]

و المبالغة في توكيده،ترغيبا للعباد في تحصيله.

(5:1573)

الطّباطبائيّ: فيه مقابلة لما ذكر في وعد الشّيطان أنّه ليس إلاّ غرورا،فكان وعد اللّه حقّا،و قوله صدقا.

(5:86)

مكارم الشّيرازيّ: و إنّ هذا الوعد وعد صادق، و ليس كوعود الشّيطان الزّائفة؛حيث تقول الآية:

وَعْدَ اللّهِ حَقًّا. (3:407)

فضل اللّه :و ذلك هو الوعد الّذي يجب على الإنسان أن يتحمّس له و ينطلق معه،لأنّه الحقّ الّذي لا مرية فيه.(7:471)

4- أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً. النّساء:151

ابن عبّاس: البتّة.(84)

الطّبريّ: أيّها النّاس هؤلاء الّذين و صفت لكم صفتهم،هم أهل الكفر بي،المستحقّون عذابي و الخلود في ناري حقّا،فاستيقنوا ذلك،و لا يشكّكنّكم في أمرهم انتحالهم الكذب،و دعواهم أنّهم يقرّون بما زعموا أنّهم به مقرّون من الكتب و الرّسل،فإنّهم في دعواهم ما ادّعوا من ذلك كذبة؛و ذلك أنّ المؤمن بالكتب و الرّسل، هو المصدّق بجميع ما في الكتاب الّذي يزعم أنّه به مصدّق،و بما جاء به الرّسول،الّذي يزعم أنّه به مؤمن.

فأمّا من صدّق ببعض ذلك،و كذّب ببعض،فهو لنبوّة من كذّب ببعض ما جاء به جاحد،و من جحد نبوّة

ص: 161

نبيّ فهو به مكذّب،و هؤلاء الّذين جحدوا نبوّة بعض الأنبياء،و زعموا أنّهم مصدّقون ببعض،مكذّبون من زعموا أنّهم به مؤمنون-لتكذيبهم ببعض ما جاءهم به من عند ربّهم-فهم باللّه و برسله-الّذين يزعمون أنّهم بهم مصدّقون،و الّذين يزعمون أنّهم بهم مكذّبون- كافرون،فهم الجاحدون وحدانيّة اللّه و نبوّة أنبيائه،حقّ الجحود،المكذّبون بذلك حقّ التّكذيب،فاحذروا أن تغترّوا بهم و ببدعتهم،فإنّا قد أعتدنا لهم عذابا مهينا.

(6:5)

نحوه الطّوسيّ.(3:374)

الزّمخشريّ: أي هم الكاملون في الكفر،و(حقّا) تأكيد لمضمون الجملة،كقولك:هو عبد اللّه حقّا،أي حقّ ذلك حقّا،و هو كونهم كاملين في الكفر،أو هو صفة لمصدر الكافرين،أي هم الّذين كفروا كفرا حقّا ثابتا، يقينا لا شكّ فيه.(1:576)

نحوه ملخّصا الشّربينيّ(1:341)،و أبو السّعود(2:

215)،و البروسويّ(2:314).

الفخر الرّازيّ: في قوله:(حقّا) وجهان:

الأوّل:أنّه انتصب على مثل قولك:زيد أخوك حقّا،و التّقدير:أخبرتك بهذا المعنى إخبارا حقّا.

و الثّاني:أن يكون التّقدير:أولئك هم الكافرون كفرا حقّا.طعن الواحديّ فيه و قال:الكفر لا يكون حقّا بوجه من الوجوه.

و الجواب:أنّ المراد بهذا الحقّ الكامل،و المعنى أولئك هم الكافرون كفرا كاملا ثابتا حقّا يقينا.(11:93)

نحوه النّيسابوريّ.(6:9)

العكبريّ: (حقّا):مصدر،أي حقّ ذلك حقّا.

و يجوز أن يكون حالا،أي أولئك هم الكافرون غير شكّ.(1:402)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

أو منصوب على الحال،على مذهب سيبويه،و قد تقدّم لذلك نظائر.(3:385)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و(حقّا)بمعنى اسم المفعول،و ليس بمعنى مقابل الباطل،و لهذا صحّ وقوعه صفة صناعة و معنى،و احتمال الحاليّة-كما زعم أبو البقاء-بعيد،و الآية على ما زعمه البعض متعلّقة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا إلخ النّساء:136.على أنّها كالتّعليل له،و ما توسّط بين العلّة و المعلول من الجمل و الآيات إمّا معترض أو مستطرد،عند إمعان النّظر.(6:5)

القاسميّ: أي الّذين كفروا كفرا ثابتا لا ريب فيه، فلا عبرة بمن ادّعوا الإيمان به،لأنّه ليس شرعيّا؛إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول اللّه،لآمنوا بنظيره،و بمن هو أوضح دليلا و أقوى برهانا منه.(5:1632)

5- ...وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ. الأنفال:74

ابن عبّاس: صدقا يقينا.(152)

الجبّائيّ: معناه:أنّهم المؤمنون حقّا،لأنّ اللّه حقّق إيمانهم بالبشارة الّتي بشّرهم بها،و لو لم يهاجروا و لم

ص: 162

ينصروا لم يكن مثل هذا.(الطّوسيّ 5:191)

الطّوسيّ: و قيل في معناه قولان:

أحدهما:أنّهم المؤمنون الّذين حقّقوا إيمانهم لما يقتضيه من الهجرة و النّصرة بخلاف من أقام بدار الشّرك.

الثّاني:[قول الجبّائيّ و قد تقدّم](5:191)

نحوه الطّبرسيّ.(2:562)

البغويّ: لا مرية و لا ريب في إيمانهم.(2:313)

الميبديّ: صدقا حقّقوا إيمانهم و الهجرة و الجهاد، و بذل المال في دين اللّه.(4:84)

الزّمخشريّ: لأنّهم صدّقوا إيمانهم و حقّقوه بتحصيل مقتضياته،من هجرة الوطن،و مفارقة الأهل، و الانسلاخ من المال لأجل الدّين،و ليس بتكرار،لأنّ هذه الآية واردة للثّناء عليهم و الشّهادة لهم مع الموعد الكريم،و الأولى للأمر بالتّواصل.(2:170)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ هذا ليس بتكرار؛و ذلك لأنّه تعالى ذكرهم أوّلا ليبيّن حكمهم،و هو ولاية بعضهم بعضا،ثمّ إنّه تعالى ذكرهم هاهنا لبيان تعظيم شأنهم و علوّ درجتهم،و بيانه من وجهين:

الأوّل:أنّ الإعادة تدلّ على مزيد الاهتمام بحالهم؛ و ذلك يدلّ على الشّرف و التّعظيم.

و الثّاني:و هو أنّه تعالى أثنى عليهم هاهنا من ثلاثة أوجه:أوّلها:قوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا، فقوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يفيد الحصر،و قوله:

(حقّا)يفيد المبالغة في وصفهم بكونهم محقّين محقّقين في طريق الدّين.و الأمر في الحقيقة كذلك،لأنّ من لم يكن محقّا في دينه لم يتحمّل ترك الأديان السّالفة،و لم يفارق الأهل و الوطن،و لم يبذل النّفس و المال،و لم يكن في هذه الأحوال من المتسارعين المتسابقين.[ذكر ثانيها و ثالثها لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ ثمّ قال:]

و الحاصل:أنّه تعالى شرح حالهم في الدّنيا و في الآخرة:أمّا في الدّنيا فقد وصفهم بقوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا، و أمّا في الآخرة فالمقصود:إمّا دفع العقاب،و إمّا جلب الثّواب.و أمّا دفع العقاب فهو المراد بقوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ، و أمّا جلب الثّواب فهو المراد بقوله: رِزْقٌ كَرِيمٌ.

و هذه السّعادات العالية إنّما حصلت،لأنّهم أعرضوا عن اللّذّات الجسمانيّة،فتركوا الأهل و الوطن،و بذلوا النّفس و المال؛و ذلك تنبيه على أنّه لا طريق إلى تحصيل السّعادات إلاّ بالإعراض عن هذه الجسمانيّات.

(15:212)

نحوه ملخّصا القاسميّ.(8:3050)

القرطبيّ: (حقّا)مصدر،أي حقّقوا إيمانهم بالهجرة و النّصرة،و حقّق اللّه بالبشارة في قوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ أي ثواب عظيم في الجنّة.(8:58)

البيضاويّ: لما قسّم المؤمنين ثلاثة أقسام،بيّن أنّ الكاملين في الإيمان منهم هم الّذين حقّقوا إيمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة و الجهاد،و بذل المال و نصرة الحقّ،و وعد لهم الموعد الكريم.(1:403)

نحوه الشّربينيّ.(1:585)

ص: 163

أبو السّعود:كلام مسوق للثّناء عليهم و الشّهادة لهم،بفوزهم بالقدح المعلّى من الإيمان،مع الوعد الكريم.

(3:116)

نحوه الآلوسيّ.(1:39)

البروسويّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

فالآية الأولى مذكورة لبيان حكمهم،و هو أنّهم يتوارثون و يتولّى بعضهم بعضا في الميراث،و هذه الآية مذكورة لبيان أنّ الكاملين في الإيمان منهم هم المهاجرون الأوّلون و الأنصار لا غيرهم،فلا تكرار.(3:379)

رشيد رضا :هذا تفضيل للصّنفين الأوّلين من المؤمنين على غيرهم،و شهادة من اللّه تعالى للمهاجرين الأوّلين و الأنصار بأنّهم هم المؤمنون حقّ الإيمان و أكمله،دون من لم يهاجر من المؤمنين،و أقام بدار الشّرك مع حاجة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين إلى هجرته إليهم،و أعاد وصفهم الأوّل،لأنّهم به كانوا أهلا لهذه الشّهادة و ما يليها من الجزاء.(10:113)

سيّد قطب :فهذه هي الصّورة الحقيقيّة الّتي يتمثّل فيها الإيمان،هذه هي صورة النّشأة الحقيقيّة و الوجود الحقيقيّ لهذا الدّين،إنّه لا يوجد حقيقة بمجرّد إعلان القاعدة النّظريّة،و لا بمجرّد اعتناقها،و لا حتّى بمجرّد القيام بالشّعائر التّعبّديّة فيها،إنّ هذا الدّين منهج حياة لا يتمثّل في وجود فعليّ،إلاّ إذا تمثّل في تجمّع حركيّ.أمّا وجوده في صورة عقيدة فهو وجود حكميّ،لا يصبح حقّا إلاّ حين يتمثّل في تلك الصّورة الحركيّة الواقعيّة.

(3:1560)

الطّباطبائيّ: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا...

إثبات لحقّ الإيمان على من اتّصف بآثاره اتّصافا حقّا، و وعد لهم بالمغفرة و الرّزق الكريم.(9:142)

عبد الكريم الخطيب :أي المؤمنون إيمانا كاملا، لم تشبه شائبة من ضعف،و لم تعلق به خاطرة من شكّ أو ريب،فهو الإيمان الخالص،و هو الحقّ حقّا.(5:687)

مكارم الشّيرازيّ: في الآية التّالية نجد تأكيدا لمقام المهاجرين و الأنصار مرّة أخرى،و ما لهما من موقع و أثر في تحقّق أهداف المجتمع الإسلاميّ،فتثني عليهم الآية بمثل هذا الثّناء،فتقول: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا... أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنّهم هبّوا لنصرة الإسلام في الأيّام الصّعبة الشّديدة،و في الغربة و المحنة،و في وحدة الإسلام،فكان لهم كلّ نوع من النّصرة للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله.(5:459)

فضل اللّه :لأنّهم هم الّذين جسّدوا الإيمان، و حوّلوه إلى حركة حياة،و فعل عطاء،و خطّ تضحية و شهادة.(10:432)

6- إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ.... التّوبة:111

ابن عبّاس: واجبا أن يوفّيهم.(167)

الفرّاء: و قوله: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا خارج من قوله: بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ و هو كقولك:عليّ ألف درهم

ص: 164

عدّة صحيحة،و يجوز الرّفع لو قيل.(1:453)

الطّبريّ: وعدا عليه حقّا أن يوفّي لهم به في كتبه المنزّلة:التّوراة و الإنجيل و القرآن،إذا هم وفّوا بما عاهدوا اللّه،فقاتلوا في سبيله و نصرة دينه أعداءه، فقتلوا و قتلوا.(11:35)

الزّجّاج: وعدهم الجنّة وعدا عليه حقّا.

و لو كانت في غير القرآن جاز الرّفع على معنى ذلك:

وعد عليه حقّ.(2:471)

الطّوسيّ: (حقّا)معناه يتبيّن الوعد بالحقّ الواجب من الوعد بما لم يكن واجبا،فالوعد بالثّواب دلّ على وجوبه من وجهين:

أحدهما:من حيث إنّه جزاء على الطّاعة.

و الثّاني:أنّه إيجاز (1)الوعد.(5:353)

الميبديّ: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا نصب على المصدر، أي وعد وعدا حقّا ثابتا لا خلف فيه.(4:219)

الزّمخشريّ: أخبر بأنّ هذا الوعد الّذي وعده للمجاهدين في سبيله وعد ثابت،قد أثبته في التّوراة و الإنجيل،كما أثبته في القرآن.(2:216)

مثله الفخر الرّازيّ.(16:201)

الطّبرسيّ: معناه أنّ إيجاب الجنّة لهم وعد على اللّه حقّ لا شكّ فيه،و تقديره:وعدهم اللّه الجنّة على نفسه وعدا حقّا،أي صدقا واجبا،لا خلف فيه.(3:75)

الشّربينيّ: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا مصدران منصوبان بفعليهما المحذوفين،ثمّ أخبر اللّه تعالى بأنّ هذا الوعد الّذي وعده للمجاهدين في سبيله وعد ثابت.(1:652)

أبو السّعود:نعت ل(وعدا)و الظّرف حال منه، لأنّه لو تأخّر لكان صفة له.(3:196)

رشيد رضا :أي وعدهم بذلك وعدا أوجبه لهم على نفسه،و جعله(حقّا)عليه،أثبته في الكتب الثّلاثة المنزّلة على أشهر رسله،و لا تتوقّف صحّة هذا الوعد على وجوده في التّوراة و الإنجيل اللّذين في أيدي أهل الكتاب بنصّه،لما أثبتناه من ضياع كثير منهما،و تحريف بعض ما بقي لفظا و معنى،بل يكفي إثبات القرآن لذلك، و هو مهيمن عليهما.(11:49)

فضل اللّه :ثابتا لا يمكن التّراجع عنه،أو التّردّد فيه.(11:217)

7- ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ. يونس:103

ابن عبّاس: واجبا.(180)

مثله البغويّ(2:437)،و الطّبرسيّ(3:138).

الطّبريّ: حَقًّا عَلَيْنا غير شكّ.(11:176)

الطّوسيّ: حَقًّا عَلَيْنا يحتمل أمرين:

أحدهما:أن يكون معناه واجبا ننجي المؤمنين من عقاب الكفّار،ذكره الجبّائيّ.

الثّاني:أن يكون على وجه التّأكيد،كقولك:مررت بزيد حقّا.إلاّ أنّ(علينا)يقتضي الوجه الأوّل.

(5:504)د.

ص: 165


1- كذا،و الظّاهر:إنجاز الوعد.

الزّمخشريّ: اعتراض،يعني حقّ ذلك علينا حقّا.

(2:255)

نحوه البيضاويّ.(1:459)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:[ما تقدّم عن الزّمخشريّ]

المسألة الثّانية:قال القاضي:قوله: حَقًّا عَلَيْنا المراد به:الوجوب،لأنّ تخليص الرّسول و المؤمنين من العذاب إلى الثّواب واجب،و لولاه لما حسن من اللّه تعالى أن يلزمهم الأفعال الشّاقّة،و إذا ثبت وجوبه لهذا السّبب جرى مجرى قضاء الدّين للسّبب المتقدّم.

و الجواب:أنّا نقول:إنّه حقّ بسبب الوعد و الحكم، و لا نقول:إنّه حقّ بسبب الاستحقاق،لما ثبت أنّ العبد لا يستحقّ على خالقه شيئا.(17:171)

العكبريّ: كَذلِكَ حَقًّا فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّ(كذلك)في موضع نصب صفة لمصدر محذوف،أي إنجاء كذلك،و(حقّا)بدل منه.

و الثّاني:أن يكونا منصوبين ب(ننج)الّتي بعدهما.

و الثّالث:أن يكون(كذلك)للأولى،و(حقّا) للثّانية (1).

و يجوز أن يكون(كذلك)خبر المبتدإ،أي الأمر كذلك،و(حقّا)منصوب بما بعدها.(1:686)

القرطبيّ: أي واجبا علينا،لأنّه أخبر و لا خلف في خبره.(8:387)

النّيسابوريّ: قالت المعتزلة: حَقًّا عَلَيْنا المراد به:الوجوب و الاستحقاق؛إذ لا يحسن تعذيب الرّسول و المؤمنين.

و قالت الأشاعرة:إنّه حقّ بحسب الوعد و الحكم، فإنّ العبد لا يستحقّ على خالقه شيئا.(11:121)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ(كذلك)في موضع نصب، تقديره:مثل ذلك الإنجاء الّذي نجّينا الرّسل و مؤمنيهم ننجّي من آمن بك يا محمّد،و يكون(حقّا)على تقدير:

حقّ ذلك حقّا.(5:194)

الشّربينيّ: إن قيل:قوله تعالى:(حقّا)يقتضي الوجوب،و اللّه تعالى لا يجب عليه شيء.

أجيب:بأنّ ذلك حقّ بحسب الوعد و الحكم،لا أنّه حقّ بحسب الاستحقاق،لما ثبت أنّ العبد لا يستحقّ على خالقه،و هو اعتراض بين المشبّه و المشبّه به،و نصب بفعله المقدّر.و قيل:بدل من(ذلك).(2:40)

أبو السّعود :اعتراض بين العامل و المعمول،أي حقّ ذلك حقّا.و قيل:بدل من المحذوف الّذي ناب عنه (كذلك)أي إنجاء مثل ذلك حقّا.(3:276)

نحوه البروسويّ.(4:85)

الآلوسيّ: و(حقّا)نصب بفعله المقدّر،أي حقّ ذلك حقّا،و الجملة اعتراض بين العامل و المعمول،على تقدير أن يكون(كذلك)معمولا للفعل المذكور بعد، و فائدتها الاهتمام بالإنجاء،و بيان أنّه كائن لا محالة،و هو المراد بالحقّ،و يجوز أن يراد به الواجب.و معنى كون الإنجاء واجبا أنّه كالأمر الواجب عليه تعالى،و إلاّ فلاة.

ص: 166


1- أي ننجّى الأولى و ننج الثّانية في الآية.

وجوب حقيقة عليه سبحانه.

و قد صرّح بأنّ الجملة اعتراضيّة غير واحد من المعربين،و يستفاد منه أنّه لا بأس بالجملة الاعتراضيّة إذا بقي شيء من متعلّقاتها.و جوّز أن يكون بدلا من الكاف الّتي هي بمعنى مثل،أو من المحذوف الّذي نابت عنه.

و قيل:إنّ(كذلك)منصوب ب(ننجّى)الأوّل، و(حقّا)منصوب بالثّاني،و هو خلاف الظّاهر.

(11:196)

الطّباطبائيّ: معناه كما كنّا ننجّي الرّسل و الّذين آمنوا في الأمم السّابقة عند نزول العذاب،كذلك ننجّي المؤمنين بك من هذه الأمّة حقّ علينا ذلك حقّا،فقوله:

حَقًّا عَلَيْنا مفعول مطلق قام مقام فعله المحذوف.

(10:128)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّ هذا الوعد الّذي وعده اللّه رسله و المؤمنين،هو وعد حقّ لا شكّ فيه،قد أوجبه اللّه على نفسه،فضلا و كرما،كما يقول سبحانه و تعالى: وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ الرّوم:47،و كما يقول سبحانه: كَتَبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ المجادلة:21.(6:1091)

8- ...وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ.... يوسف:100

ابن عبّاس: صدقا.(203)

نحوه الطّبرسيّ(3:265)،و أبو السّعود(3:429).

الطّبريّ: قد حقّقها ربّي لمجيء تأويلها على الصّحّة.(13:69)

الميبديّ: أي جعل اللّه رؤياي صادقة.

(5:138)

العكبريّ: (حقّا)صفة مصدر،أي جعلا حقّا.

و يجوز أن يكون مفعولا ثانيا،و«جعل»بمعنى صيّر.

و يجوز أن يكون حالا،أي وضعها صحيحة.(2:745)

أبو حيّان :أي صادقة،رأيت ما يقع لي في المنام يقظة،لا باطل فيها و لا لغو.(5:348)

الشّربينيّ: أي مطابقة للواقع لتأويلها و تأويل ما أخبرتني به أنت.(2:137)

البروسويّ: صدقا في اليقظة واقعا بعينها.و قال حضرة الشّيخ الأكبر قدّس سرّه الأطهر:أي أظهرها في الحسّ بعد ما كانت في صورة الخيال.[إلى أن قال:]

معناه ثابتا حسّا،أي محسوسا،و ما كان إلاّ محسوسا، فإنّ الخيال لا يعطي أبدا إلاّ المحسوسات،ليس له غير ذلك،فالنّبيّ عليه السّلام جعل الصّورة الحسّيّة أيضا كالصّورة الخياليّة الّتي تجلّي الحقّ و المعاني الغيبيّة فيها،و جعل يوسف الصّور الحسّيّة حقّا ثابتا و الصّور الخياليّة غير ذلك،فصار الحسّ عنده مجالي للحقّ و المعاني الغيبيّة دون الخيال،فانظر ما أشرف علم ورثة سيّد الأنبياء و الرّسل صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم أجمعين،و هم -أي الورثة الأولياء-الكاملون المطّلعون على هذه الأسرار.(4:321)

الآلوسيّ: أي صدقا.[و نقل قول العكبريّ ثمّ

ص: 167

قال:]

و أن يكون مصدرا من غير لفظ الفعل بل من معناه، لأنّ(جعلها)في معنى حقّقها،و(حقّا)في معنى تحقيق، و الجملة على-ما قال أبو البقاء-حال مقدّرة أو مقارنة.

(13:59)

القاسميّ: أي صدقا مطابقا للواقع في الحسّ.

(9:3596)

حقّه

1- كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ.

الأنعام:141

عبّاس بن عبد المطّلب:الزّكاة.

(الطّبريّ 8:53)

مثله الحسن،و جابر بن زيد،و قتادة و طاوس.

(الطّبريّ 8:54).

ابن عبّاس: العشر و نصف العشر.

(الطّبريّ 8:53)

نحوه محمّد بن الحنفيّة.(الطّبريّ 8:54)

يعني ب(حقّه):زكاته المفروضة،يوم يكال،أو يعلم كيله.(الطّبريّ 8:54)

و ذلك أنّ الرّجل كان إذا زرع فكان يوم حصاده، و هو أن يعلم ما كيله و حقّه،فيخرج من كلّ عشرة واحدا،و ما يلتقط النّاس من سنبله.(الطّبريّ 8:54)

أنس بن مالك:الزّكاة المفروضة.(الطّبريّ 8:53)

الإمام السّجّاد عليه السّلام:شيئا سوى الحقّ الواجب.

(الطّبريّ 8:55)

سعيد بن جبير:الضّغث و ما يقع من السّنبل.

[و في رواية]كان هذا قبل الزّكاة للمساكين،القبضة و الضّغث لعلف دابّته.(الطّبريّ 8:57)

هذا قبل الزّكاة،فلمّا نزلت الزّكاة نسختها،فكانوا يعطون الضّغث.(الطّبريّ 8:58)

النّخعيّ: كانوا يفعلون ذلك حتّى سنّ العشر و نصف العشر،فلمّا سنّ العشر و نصف العشر،ترك.

نسختها العشر،و نصف العشر.(الطّبريّ 8:58)

نحوه العوفيّ.(الطّبريّ 8:59)

يعطي مثل الضّغث.(الطّبريّ 8:56)

مجاهد :إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه، و إذا أنقيته و أخذت في كيله حثوت لهم منه،و إذا علمت كيله عزلت زكاته،و إذا أخذت في جذاذ النّخل طرحت لهم من الثّفاريق،و إذا أخذت في كيله حثوت لهم منه، و إذا علمت كيله عزلت زكاته.(الطّبريّ 8:55)

سوى الفريضة.(الطّبريّ 8:56)

يلقى إلى السّؤال عند الحصاد من السّنبل،فإذا طبن، أو طيّن«الشّكّ من أبي جعفر»ألقى إليهم،فإذا حمله فأراد أن يجعله كدسا ألقى إليهم،و إذا داس أطعم منه،و إذا فرغ و علم كم كيله،عزل زكاته.

و في النّخل عند الجذاذ يطعم من الثّمرة و الشّماريخ، فإذا كان عند كيله أطعم من التّمر،فإذا فرغ عزل زكاته.

و إذا حصد الزّرع ألقى من السّنبل،و إذا جذّ النّخل ألقى من الشّماريخ،فإذا كاله زكّاه.(الطّبريّ 8:56)

عند الحصاد،و عند الدّياس،و عند الصّرام يقبض

ص: 168

لهم منه،فإذا كاله عزل زكاته.(الطّبريّ 8:56)

إذا حصد أطعم،و إذا أدخله البيدر،و إذا داسه أطعم منه.(الطّبريّ 8:56)

قبضة عند الحصاد،و قبضة عند الجذاذ.

(الطّبريّ 8:56)

نحوه العطاء.(الطّبريّ 8:55)

كانوا يعلّقون العذق في المسجد عند الصّرام،فيأكل منه الضّعيف.

نحوه ميمون بن مهران و يزيد بن الأصمّ.

(الطّبريّ 8:57)

يطعم الشّيء عند صرامه.(الطّبريّ 8:57)

الضّحّاك: يعني:يوم كيله ما كان من برّ أو تمر أو زبيب،و(حقّه):زكاته.(الطّبريّ 8:54)

الحسن :هي الصّدقة من الحبّ و الثّمار.

(الطّبريّ 8:53)

الزّكاة إذا كلته.(الطّبريّ 8:54)

نسختها الزّكاة.(الطّبريّ 8:58)

مثله السّدّيّ.(الطّبريّ 8:58)

الإمام الباقر عليه السّلام:هذا حقّ غير الصّدقة،يعطى منه المسكين و المسكين القبضة بعد القبضة،و من الجذاذ الحفنة بعد الحفنة،حتّى يفرغ و يترك للخارص أجرا معلوما و يترك من النّخل معافارة و أمّ جعرور لا يخرصان و يترك للحارس يكون في الحائط العذق و العذقان و الثّلاثة لنظره و حفظه له.(البحرانيّ 4:55)

ابن سيرين:كانوا يعطون من اعترّ بهم الشّيء.

(الطّبريّ 8:56)

عطاء:يعطي من حصاده يومئذ ما تيسّر،و ليس بالزّكاة.(الطّبريّ 8:55)

ليس بالزّكاة،و لكن يطعم من حضره ساعتئذ حصده.(الطّبريّ 8:55)

من النّخل و العنب و الحبّ كلّه.(الطّبريّ 8:55)

ابن كعب القرظيّ: ما قلّ منه أو كثر.

(الطّبريّ 8:58)

قتادة :و حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ: الصّدقة المفروضة.

هو الزّكاة.(الطّبريّ 8:54)

السّدّيّ: فكانوا إذا مرّ بهم أحد يوم الحصاد أو الجذاذ أطعموه منه،فنسخها اللّه عنهم بالزّكاة،و كان فيما أنبت الأرض العشر،و نصف العشر.(الطّبريّ 8:59)

ابن أبي نجيح:واجب حين يصرم.

(الطّبريّ 8:56)

عند الزّرع يعطي القبض،و عند الصّرام يعطي القبض،و يتركهم فيتتبّعون آثار الصّرام.

(الطّبريّ 8:58)

الرّبيع:لقط السّنبل.(الطّبريّ 8:57)

الإمام الصّادق عليه السّلام:في الزّرع حقّان:حقّ تؤخذ به،و حقّ تعطيه:فأمّا الّذي تؤخذ به فالعشر و نصف العشر،و أمّا الحقّ الّذي تعطيه فإنّه يقول: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ فالضّغث تعطيه،ثمّ الضّغث حتّى تفرغ.

(البحرانيّ 4:54)

حقّه يوم حصاده عليك واجب،و ليس من الزّكاة،

ص: 169

تقبض منه القبضة و الضّغث من السّنبل لمن يحضرك من السّؤّال،لا يحصد باللّيل و لا يجذّ باللّيل،إنّ اللّه يقول:

يَوْمَ حَصادِهِ فإذا أنت حصدته باللّيل لم يحضرك سؤّال و لا يضحّى باللّيل.(البحرانيّ 4:55)

تعطي منه المساكين الّذين يحضرونك،تأخذ بيدك القبضة و القبضة حتّى تفرغ.(البحرانيّ 4:56)

تعطي المسكين يوم حصادك الضّغث،ثمّ إذا وقع في البيدر،ثمّ إذا وقع في الصّاع،العشر و نصف العشر.

(البحرانيّ 4:52)

ابن جريج:قلت لعطاء:أ رأيت ما حصدت من الفواكه؟

قال:و منها أيضا تؤتي،و من كلّ شيء حصدت تؤتي منه حقّه يوم حصاده،من نخل أو عنب أو حبّ،أو فواكه،أو خضر،أو قصب،من كلّ شيء من ذلك.

قلت لعطاء:أ واجب على النّاس ذلك كلّه؟

قال:نعم،ثمّ تلا وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ.

قال:قلت لعطاء: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ هل في ذلك شيء مؤقّت معلوم؟

قال:لا.(الطّبريّ 8:55)

ابن زيد :حقّه:عشوره.(الطّبريّ 8:54)

الفرّاء: هذا لمن حضره من اليتامى و المساكين.

(1:359)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:هذا أمر من اللّه بإيتاء الصّدقة المفروضة من الثّمر و الحبّ.[و نقل قول قتادة ثمّ قال:]

ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سنّ فيما سقت السّماء،أو العين السّائحة،أو سقاه الطّلّ-و الطّلّ:النّدى-أو كان بعد العشر كاملا،و إن سقي برشاء:نصف العشر.

قال قتادة:و هذا فيما يكال من الثّمرة،و كان هذا إذا بلغت الثّمرة خمسة أوسق،و ذلك ثلاثمائة صاع،فقد حقّ فيها الزّكاة،و كانوا يستحبّون أن يعطوا ممّا لا يكال من الثّمرة على قدر ذلك.

و قال آخرون:بل ذلك حقّ أوجبه اللّه في أموال أهل الأموال غير الصّدقة المفروضة.

و قال آخرون:كان هذا شيئا أمر اللّه به المؤمنين قبل أن تفرض عليهم الصّدقة المؤقّتة،ثمّ نسخته الصّدقة المعلومة،فلا فرض في مال كائنا ما كان،زرعا كان أو غرسا،إلاّ الصّدقة الّتي فرضها اللّه فيه.

و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب،قول من قال:كان ذلك فرضا فرضه اللّه على المؤمنين في طعامهم و ثمارهم،الّتي تخرجها زروعهم و غروسهم،ثمّ نسخه اللّه بالصّدقة المفروضة،و الوظيفة المعلومة،من العشر، و نصف العشر؛و ذلك أنّ الجميع مجمعون لا خلاف بينهم:

أنّ صدقة الحرث لا تؤخذ إلاّ بعد الدّياس و التّنقية و التّذرية،و أنّ صدقة التّمر لا تؤخذ إلاّ بعد الجفاف.

فإذا كان ذلك كذلك،و كان قوله جلّ ثناؤه: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ينبئ عن أنّه أمر من اللّه جلّ ثناؤه بإيتاء حقّه يوم حصاده،و كان يوم حصاده هو يوم جذّه و قطعه،و الحبّ لا شكّ أنّه في ذلك اليوم في سنبله، و الثّمر و إن كان ثمر نخل أو كرم غير مستحكم جفوفه

ص: 170

و يبسه،و كانت الصّدقة من الحبّ إنّما تؤخذ بعد دياسه و تذريته و تنقيته كيلا،و التّمر إنّما تؤخذ صدقته بعد استحكام يبسه و جفوفه كيلا،علم أنّ ما يؤخذ صدقة بعد حين حصده غير الّذي يجب إيتاؤه المساكين يوم حصاده.

فإن قال قائل:و ما تنكر أن يكون ذلك إيجابا من اللّه في المال حقّا سوى الصّدقة المفروضة؟

قيل:لأنّه لا يخلو أن يكون ذلك فرضا واجبا،أو نفلا.فإن يكن فرضا واجبا،فقد وجب أن يكون سبيله سبيل الصّدقات المفروضات،الّتي من فرّط في أدائها إلى أهلها كان بربّه آثما،و لأمره مخالفا.و في قيام الحجّة بأن لا فرض للّه في المال بعد الزّكاة يجب وجوب الزّكاة، سوى ما يجب من النّفقة لمن يلزم المرء نفقته،ما ينبئ عن أنّ ذلك ليس كذلك،أو يكون ذلك نفلا.فإن يكن ذلك كذلك فقد وجب أن يكون الخيار في إعطاء ذلك إلى ربّ الحرث و الثّمر،و في إيجاب القائلين بوجوب ذلك،ما ينبئ عن أنّ ذلك ليس كذلك،و إذا خرّجت الآية من أن يكون مرادا بها النّدب،و كان غير جائز أن يكون لها مخرج في وجوب الفرض بها في هذا الوقت،علم أنّها منسوخة.

و ممّا يؤيّد ما قلنا في ذلك من القول دليلا على صحّته،أنّه جلّ ثناؤه أتبع قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ و معلوم أنّ من حكم اللّه في عباده مذ فرض في أموالهم الصّدقة المفروضة المؤقّتة القدر،أنّ القائم بأخذ ذلك ساستهم و رعاتهم و إذا كان ذلك كذلك،فما وجه نهي ربّ المال عن الإسراف في إيتاء ذلك،و الآخذ مجبر،و إنّما يأخذ الحقّ الّذي فرض اللّه فيه.

فإن ظنّ ظانّ أنّ ذلك إنّما هو نهي من اللّه القيّم بأخذ ذلك من الرّعاة،عن التّعدّي في مال ربّ المال، و التّجاوز إلى أخذ ما لم يبح له أخذه،فإنّ آخر الآية و هو قوله: وَ لا تُسْرِفُوا معطوف على أوّله،و هو قوله:

وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ فإن كان المنهيّ عن الإسراف القيّم بقبض ذلك،فقد يجب أن يكون المأمور بإتيانه،المنهيّ عن الإسراف فيه،و هو السّلطان؛و ذلك قول إن قاله قائل،كان خارجا من قول جميع أهل التّأويل،و مخالفا المعهود من الخطاب،و كفى بذلك شاهدا على خطئه.

فإن قال قائل:و ما تنكر أن يكون معنى قوله:

وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ: و آتوا حقّه يوم كيله،لا يوم فصله و قطعه،و لا يوم جذاذه و قطافه،فقد علمت من قال ذلك من أهل التّأويل.

عن محمّد بن الحنفيّة،في: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قال:يوم كيله يعطي العشر،و نصف العشر مع آخرين،قد ذكرت الرّواية فيما مضى عنهم بذلك، قيل:لأنّ يوم كيله،غير يوم حصاده.

و لن يخلو معنى قائلي هذا القول من أحد أمرين:

إمّا أن يكونوا وجّهوا معنى الحصاد إلى معنى الكيل، فذلك ما لا يعقل في كلام العرب،لأنّ الحصاد و الحصد في كلامهم الجذّ و القطع،لا الكيل.

ص: 171

أو يكونوا وجّهوا تأويل قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ إلى:و آتوا حقّه بعد يوم حصاده إذا كلتموه، فذلك خلاف ظاهر التّنزيل؛و ذلك أنّ الأمر في ظاهر التّنزيل بإيتاء الحقّ منه يوم حصاده،لا بعد يوم حصاده.

و لا فرق بين قائل:إنّما عنى اللّه بقوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ بعد يوم حصاده،و آخر قال:عنى بذلك قبل يوم حصاده،لأنّهما جميعا قائلان قولا،دليل ظاهر التّنزيل بخلافه.(8:53-60)

الزّجّاج: و اختلف النّاس في تأويل وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ فقيل:إنّ الآية مكّيّة.و روي أنّ ثابت بن قيس بن شماس صرم خمسمائة نخلة،ففرّق ثمارها كلّه و لم يدخل منه شيئا إلى منزله،فأنزل اللّه عزّ و جلّ:

وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا.

فيكون على هذا التّأويل أنّ الإنسان إذا أعطى كلّ ماله و لم يوصل إلى عياله و أهله منه شيئا فقد أسرف، لأنّه جاء في الخبر:«ابدأ بمن تعول».

و قال قوم:إنّها مدنيّة،و معنى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ أدّوا ما افترض عليكم في صدقته،و لا اختلاف بين المسلمين في أمر الزّكوات أنّ الثّمار إذا حصدت وجب إخراج ما يجب فيها من الصّدقة فيما فرض فيه الصّدقة،فعلى هذا التّأويل يكون وَ لا تُسْرِفُوا أي لا تنفقوا أموالكم و صدقاتكم على غير الجهة الّتي افترضت عليكم،كما قال المشركون:«هذا ليس كائنا»و حرّموا ما أحلّ اللّه،فلا يكون إسراف أبين من صرف الأموال فيما يسخط اللّه.(2:297)

الثّعلبيّ: [نحو الزّجّاج في قراءة(حصاده)،و اكتفى بنقل أقوال السّابقين في أنّ(حقّه)ما المراد منه؟.]

(4:198)

الماورديّ: و في قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ثلاثة أقاويل:

أحدهما:الصّدقة المفروضة فيه:العشر فيما سقي بغير آلة،و نصف العشر فيما سقي بآلة،و هذا قول الجمهور.

و الثّاني:أنّها صدقة غير الزّكاة،مفروضة يوم الحصاد و الصّرام،و هي إطعام من حضر و ترك ما تساقط من الزّرع و الثّمر،قاله عطاء و مجاهد.

و الثّالث:أنّ هذا كان مفروضا قبل الزّكاة،ثمّ نسخ بها.قاله ابن عبّاس،و سعيد بن جبير،و إبراهيم.

(2:178)

الطّوسيّ: و الحقّ الّذي يجب إخراجه يوم الحصاد فيه قولان:

أحدهما:قال ابن عبّاس و محمّد بن الحنفيّة و زيد بن أسلم و الحسن و سعيد بن المسيّب و طاوس و جابر بن عبد اللّه و بريد و قتادة و الضّحّاك:إنّه الزّكاة العشر،أو نصف العشر.

الثّاني:روي عن جعفر عن أبيه و عطاء و مجاهد و ابن عامر و سعيد بن جبير و الرّبيع بن أنس:أنّه ما ينثر ممّا يعطى المساكين.

و روى أصحابنا أنّه الضّغث بعد الضّغث و الحفنة بعد الحفنة.

ص: 172

و قال إبراهيم و السّدّيّ: الآية منسوخة بفرض العشر و نصف العشر،قالوا:لأنّ الزّكاة لا تخرج يوم الحصاد،و قالوا:لأنّ هذه الآية مكّيّة و فرض الزّكاة نزل بالمدينة،و لما روي بأنّ فرض الزّكاة نسخ كلّ صدقة.

قال الرّمّانيّ: و هذا غلط،لأنّ يَوْمَ حَصادِهِ ظرف ل(حقّه)،و ليس بظرف الإيتاء المأمور به.

(4:319)

نحوه الطّبرسيّ.(2:375)

القشيريّ: حقّ الواجب يوم الحصاد إقامة الشّكر، فأمّا إخراج البعض فبيانه على لسان العلم،و شهود المنعم في عين النّعمة أتمّ من الشّكر على وجود النّعمة.

(2:202)

الزّمخشريّ: الآية مكّيّة،و الزّكاة إنّما فرضت بالمدينة،فأريد ب«الحقّ»ما كان يتصدّق به على المساكين يوم الحصاد،و كان ذلك واجبا حتّى نسخه افتراض العشر و نصف العشر.

و قيل:مدنيّة،و«الحقّ»هو الزّكاة المفروضة، و معناه:و اعزموا على إيتاء الحقّ و اقصدوه و اهتمّوا به يوم الحصاد،حتّى لا تؤخّروه عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء.(2:56)

ابن عطيّة: فقالت طائفة من أهل العلم:هي في الزّكاة المفروضة،منهم ابن عبّاس،و أنس بن مالك، و الحسن بن أبي الحسن،و طاوس،و جابر بن زيد، و سعيد بن المسيّب،و قتادة،و محمّد بن الحنفيّة، و الضّحّاك،و زيد بن أسلم و ابنه،و قاله مالك بن أنس.

و هذا قول معترض بأنّ السّورة مكّيّة،و هذه الآية على قول الجمهور غير مستثناة.

و حكى الزّجّاج أنّ هذه الآية قيل فيها:إنّها نزلت بالمدينة،و معترض أيضا بأنّه لا زكاة فيما ذكر من الرّمّان، و جميع ما هو في معناه.

و قال ابن الحنفيّة أيضا و عطاء و مجاهد و غيرهم من أهل العلم:بل قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ ندب إلى إعطاء حقوق من المال غير الزّكاة،و السّنّة أن يعطي الرّجل من زرعه عند الحصاد و عند الذّرّ و عند تكديسه في البيدر، فإذا صفا و كال أخرج من ذلك الزّكاة.

و قال الرّبيع بن أنس:حقّه إباحة لقطة السّنبل.

و قالت طائفة:كان هذا حكم صدقات المسلمين حتّى نزلت الزّكاة المفروضة فنسختها.و روي هذا عن ابن عبّاس و ابن الحنفيّة و إبراهيم و الحسن.

و قال السّدّيّ في هذه السّورة:مكّيّة نسختها الزّكاة، فقال له سفيان عمّن قال عن العلماء.

و النّسخ غير مترتّب في هذه الآية،لأنّ هذه الآية و آية الزّكاة لا تتعارض،بل تنبني هذه على النّدب و تلك على الفرض.(2:353)

الفخر الرّازيّ: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ففيه أبحاث:

البحث الأوّل:[في إعراب كلمة(حصاد)و قد مضى في«ح ص د»]

البحث الثّاني:في تفسير قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ ثلاثة أقوال:

ص: 173

القول الأوّل:قال ابن عبّاس في رواية عطاء:يريد به العشر فيما سقت السّماء،و نصف العشر فيما سقي بالدّواليب،و هو قول سعيد بن المسيّب و الحسن و طاوس و الضّحّاك.

فإن قالوا:كيف يؤدّي الزّكاة يوم الحصاد و الحبّ في السّنبل؟و أيضا هذه السّورة مكّيّة،و إيجاب الزّكاة مدنيّ؟

قلنا:لمّا تعذّر إجراء قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ على ظاهره بالدّليل الّذي ذكرتم،لا جرم حملناه على تعلّق حقّ الزّكاة به في ذلك الوقت،و المعنى:اعزموا على إيتاء الحقّ يوم الحصاد،و لا تؤخّروه عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء.

و الجواب عن السّؤال الثّاني:لا نسلّم أنّ الزّكاة ما كانت واجبة في مكّة،بل لا نزاع أنّ الآية المدنيّة وردت بإيجابها،إلاّ أنّ ذلك لا يمنع أنّها كانت واجبة بمكّة.و قيل أيضا:هذه الآية مدنيّة.

و القول الثّاني:أنّ هذا حقّ في المال سوى الزّكاة.

و قال مجاهد:إذا حصدت فحضرت المساكين فاطرح لهم منه،و إذا درسته و ذرّيته فاطرح لهم منه،و إذا كربلته فاطرح لهم منه،و إذا عرفت كيله فاعزل زكاته.

و القول الثالث:أنّ هذا كان قبل وجوب الزّكاة،فلمّا فرضت الزّكاة نسخ هذا،و هذا قول سعيد بن جبير.

و الأصحّ هو القول الأوّل،و الدّليل عليه أنّ قوله تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ إنّما يحسن ذكره لو كان ذلك الحقّ معلوما قبل ورود هذه الآية،لئلاّ تبقى هذه الآية مجملة، و قد قال عليه الصّلاة و السّلام:«ليس في المال حقّ سوى الزّكاة»فوجب أن يكون المراد بهذا الحقّ:حقّ الزّكاة.

و البحث الثّالث: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ بعد ذكر الأنواع الخمسة،و هو العنب و النّخل،و الزّيتون و الرّمّان،يدلّ على وجوب الزّكاة في الكلّ،و هذا يقتضي وجوب الزّكاة في الثّمار،كما كان يقوله أبو حنيفة رحمه اللّه.

فإن قالوا:لفظ الحصاد مخصوص بالزّرع.

فنقول:لفظ الحصد في أصل اللّغة غير مخصوص بالزّرع،و الدّليل عليه أنّ الحصد في اللّغة عبارة عن القطع،و ذلك يتناول الكلّ.و أيضا الضّمير في قوله:

(حصاده)يجب عوده إلى أقرب المذكورات،و ذلك هو الزّيتون و الرّمّان،فوجب أن يكون الضّمير عائدا إليه.

البحث الرّابع:قال أبو حنيفة رحمه اللّه:العشر واجب في القليل و الكثير،و قال الأكثرون:إنّه لا يجب إلاّ إذا بلغ خمسة أوسق.و احتجّ أبو حنيفة رحمه اللّه بهذه الآية،فقال:قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ يقتضي ثبوت حقّ في القليل و الكثير،فإذا كان ذلك الحقّ هو الزّكاة وجب القول بوجوب الزّكاة في القليل و الكثير.

(13:213)

القرطبيّ: [ذكر أقوال المفسّرين ثمّ بسط الكلام في مقدار الحقّ،و ذكر أقوال الفقهاء في ما يتعلّق به الحقّ، إلى أن قال:]

و اختلف العلماء في وقت الوجوب على ثلاثة أقوال:

ص: 174

الأوّل:أنّه وقت الجذاذ،قاله محمّد بن مسلمة لقوله تعالى: يَوْمَ حَصادِهِ.

الثّاني:يوم الطّيب،لأنّ ما قبل الطّيب يكون علفا لا قوتا و لا طعاما،فإذا طاب و حان الأكل الّذي أنعم اللّه به،وجب الحقّ الّذي أمر اللّه به؛إذ بتمام النّعمة يجب شكر النّعمة،و يكون الإيتاء وقت الحصاد لما قد وجب يوم الطّيب.

الثّالث:أنّه يكون بعد تمام الخرص (1)،لأنّه حينئذ يتحقّق الواجب فيه من الزّكاة،فيكون شرطا لوجوبها.

أصله مجيء السّاعي في الغنم،و به قال المغيرة.

و الصّحيح الأوّل لنصّ التّنزيل.و المشهور من المذهب الثّاني،و به قال الشّافعيّ.[ثمّ أدام الكلام في صفة الخرص و حقّ الخارص،و له بحث مستوفى إن شئت راجع.](7:104)

أبو حيّان :و الّذي يظهر عود الضّمير على ما عاد عليه من ثمره،و هو جميع ما تقدّم ذكره ممّا يمكن أن يؤكل إذا أثمر.

و قيل:يعود على النّخل،لأنّه ليس في الآية ما يجب أن يؤتى حقّه عند جذاذه إلاّ النّخل.

و قيل:يعود على الزّيتون و الرّمّان لأنّهما أقرب مذكور،و أفرد الضّمير للوجوه الّتي ذكرناها في قوله:

مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ... وَ آتُوا أمر على الوجوب،و تقدّم الأمر بالأكل على الأمر بالصّدقة،لأنّ تقديم منفعة الإنسان بما يملكه في خاصّة نفسه مترجّحة على منفعة غيره،كما قال تعالى: وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ القصص:77،«و ابدأ بنفسك ثمّ بمن تعول»«إنّما الصّدقة عن ظهر غنى».و«الحقّ»هنا مجمل، و اختلف فيه أ هو الزّكاة أم غيرها؟[ثمّ أدام الكلام بأقوال الفقهاء و المفسّرين و في مقدار الحقّ و متعلّقها و قال:]

و الظّاهر أنّ يَوْمَ حَصادِهِ معمول لقوله:(و آتوا)، و المعنى:و اقصدوا الإيتاء و اهتمّوا به وقت الحصاد،فلا يؤخّر عن وقت إمكان الإيتاء فيه.

و يجوز أن يكون معمولا لقوله:(حقّه)و آتوا ما استحقّ يوم حصاده،فيكون الاستحقاق بإيتاء يوم الحصاد و الأداء بعد التّصفية؛و لذلك قال بعضهم:في الكلام محذوف،تقديره:و آتوا حقّه يوم حصاده إلى تصفيته.قال:فيكون الحصاد سببا للوجوب الموسّع، و التّصفية سبب للأداء.

و الظّاهر وجوب إخراج الحقّ منه كلّه ما أكل صاحبه و أهله منه و ما تركوه،و به قال أبو حنيفة و مالك.

و قال جماعة:لا يدخل ما أكل هو و أهله منه في الحقّ،و الظّاهر أنّه أمر بأن يؤتي حقّه يوم حصاده،فلا يخرص عليه.(4:237)

الشّربينيّ: الأمر فيه للوجوب،و الآية مدنيّة، و الحقّ هو الزّكاة المفروضة،و الأمر بإتيانها يوم الحصاد ليهتمّ به حينئذ حتّى لا يؤخّره عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء،و ليعلم أنّ الوجوب بالإدراك لا بالتّنقية.ن.

ص: 175


1- الخرص:التّخمين.

و قيل:الآية مكّيّة،و الزّكاة إنّما فرضت بالمدينة، فالحقّ ما كان يتصدّق به على المساكين يوم الحصاد، و كان ذلك واجبا حتّى نسخه افتراض العشر و نصف العشر.(1:453)

أبو السّعود :أريد به ما كان يتصدّق به يوم الحصاد بطريق الواجب من غير تعيين المقدار،لا الزّكاة المقدّرة فإنّها فرضت بالمدينة،و السّورة مكّيّة.و قيل:

الزّكاة و الآية مدنيّة.[ثمّ أدام مثل الشّربينيّ]

(2:452)

البروسويّ: أشهر الأقوال على أنّ المراد ما كان يتصدّق به على المساكين يوم الحصاد،أي يوم قطع العنب و النّخل و نحوهما بطريق الوجوب،من غير تعيين المقدار،حتّى نسخه افتراض العشر فيما يسقى بماء السّماء، و نصف العشر فيما يسقى بالدّلو و الدّالية أو نحوهما.

(3:112)

الآلوسيّ: الّذي أوجبه اللّه تعالى فيه يَوْمَ حَصادِهِ -و هو على ما في رواية عطاء عن ابن عبّاس- العشر و نصف العشر،و إليه ذهب الحسن و سعيد بن المسيّب و قتادة و طاوس و غيرهم،و الظّرف قيد لما دلّ عليه الأمر بهيئته من الوجوب،لا لما دلّ عليه بمادّته من الحدث؛إذ ليس الأداء وقت الحصاد و الحبّ في سنبله، كما يفهم من الظّاهر بل بعد التّنقية و التّصفية.و ادّعى عليّ بن عيسى أنّ الظّرف متعلّق بالحقّ فلا يحتاج إلى ما ذكر من التّأويل.

و في رواية أخرى عن الحبر أنّه ما كان يتصدّق به يوم الحصاد بطريق الوجوب من غير تعيين المقدار،ثمّ نسخ بالزّكاة،و إلى ذلك ذهب سعيد بن جبير،و الرّبيع ابن أنس و غيرهما.

قيل:و لا يمكن أن يراد به الزّكاة المفروضة،لأنّها فرضت بالمدينة و السّورة مكّيّة،و أجاب الإمام عن ذلك بأنّا لا نسلّم أنّ الزّكاة ما كانت واجبة في مكّة،و كون آيتها مدنيّة لا يدلّ على ذلك،على أنّه قد قيل:إنّ هذه الآية مدنيّة أيضا.

و عن الشّعبيّ: أنّ هذا حقّ في المال سوى الزّكاة.

و أخرج ابن منصور و ابن المنذر و غيرهما عن مجاهد أنّه قال:في الآية إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السّنبل،فإذا دسته فحضرك المساكين فاطرح لهم،فإذا ذريته و جمعته عرفت كيله فاعزل زكاته.

(8:38)

القاسميّ: و هذا أمر بإيتاء من حضر يومئذ ما تيسّر،و ليس بالزّكاة المفروضة-هكذا قال عطاء-أي لأنّ السّورة مكّيّة،و الزّكاة إنّما فرضت بالمدينة.و كذا قال مجاهد:إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه،و في رواية عنه:عند الحصاد يعطي القبضة،و عند الصّرام يعطي القبضة،و يتركهم يتبعون آثار الصّرام؛و هكذا روي عن نافع و إبراهيم النّخعيّ و غيرهم.

و عند هؤلاء أنّ هذا الحقّ باق لم ينسخ بالزّكاة، فيوجبون إطعام من يحضر الحصاد لهذه الآية.و ممّا يؤيّده أنّه تعالى ذمّ الّذي يصرمون و لا يتصدّقون؛حيث قصّ علينا سوء فعلهم و انتقامه منهم.قال تعالى: إِذْ

ص: 176

أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَ لا يَسْتَثْنُونَ* فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نائِمُونَ* فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ القلم:17-20،أي كاللّيل المدلهمّ،سوداء محترقة فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ* أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ* فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ* أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ القلم:21-24.

و ذهب بعضهم إلى أنّ هذا الحقّ نسخ بآية الزّكاة، حكاه ابن جرير عن ابن عبّاس و ثلّة من التّابعين.

قال ابن كثير:في تسمية هذا نسخا نظر،لأنّه قد كان شيئا واجبا،ثمّ إنّه فسّر بيانه و بيّن مقدار المخرج و كمّيّته،انتهى.

و لا نظر،لما عرفت في المقدّمة من تسمية مثل ذلك نسخا عند السّلف،و مرّ قريبا أيضا،فتذكّر.

و ذهب بعضهم إلى أنّ الآية مدنيّة،ضمّت إلى هذه السّورة في نظائر لها،بيّنّاها أوّل السّورة،و أنّ الحقّ هو الزّكاة المفروضة،روي عن أنس و ابن عبّاس و ابن المسيّب.

و الأمر بإيتائها يوم الحصاد،للمبالغة في العزم على المبادرة إليه.و المعنى:اعزموا على إيتاء الحقّ و اقصدوه و اهتمّوا به يوم الحصاد،حتّى لا تؤخّروه عن أوّل وقت يمكن فيه الايتاء.

قال الحاكم:و قيل:إنّما ذكر وقت الحصاد تخفيفا على الأرباب،فلا يحسب عليهم ما أكل قبله.

و قد روى العوفيّ عن ابن عبّاس،قال:كان الرّجل إذا زرع فكان يوم حصاده،لم يخرج ممّا حصد شيئا، فقال تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ و ذلك أن يعلم ما كيله و حقّه من كلّ عشرة واحد،و ما يلقط النّاس من سنبله.

و قد روى الإمام أحمد و أبو داود عن جابر بن عبد اللّه قال:أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من كلّ جادّ عشرة أوسق من التّمر،بقنو يعلّق في المسجد للمساكين.قال ابن كثير:

إسناده جيّد قويّ.

تنبيه:قال في«الإكليل»:استدلّ بالآية من أوجب الزّكاة في كلّ زرع و ثمر،خصوصا الزّيتون و الرّمّان المنصوص عليهما،و من خصّها بالحبوب،قال:إنّ الحصاد لا يطلق حقيقة إلاّ عليها.و فيها دليل على أنّ الزّكاة لا يجب أداؤها قبل الحصاد،و استدلّ بها أيضا على أنّ الاقتران لا يفيد التّسوية في الأحكام،لأنّه تعالى قرن الأكل،و هو ليس بواجب اتّفاقا،بالإيتاء و هو واجب اتّفاقا،انتهى.(6:2525)

رشيد رضا :أي و أعطوا الحقّ المعلوم فيما ذكر من الزّرع و غيره،لمستحقّيه من ذوى القربى و اليتامى و المساكين،زمن حصاده في جملته بحسب العرف،لا كلّ طائفة منه و لا بعد تنقيته.

و فيه تغليب الحصاد الخاصّ بالزّرع في الأصل، فيدخل فيه جني العنب و صرم النّخل،كتغليب الثّمر فيما قبله،لإدخال حبّ الحصيد فيه،و هو في الأصل خاصّ بالشّجر.

و هذه مقابلة تشبه الاحتباك،جديرة بأن تعدّ نوعا خاصّا من أنواع البديع.[ثمّ نقل قول سعيد بن جبير

ص: 177

و قال:]

يعني أنّ هذا الأمر في الصّدقة المطلقة غير المحدودة المعيّنة،و يؤيّده أنّ السّورة مكّيّة،و الزّكاة المحدودة فرضت بالمدينة في السّنة الثّانية من الهجرة.و قيل:إنّه في الزّكاة المفروضة المحدودة في الأقوات الّتي هي العشر و ربع العشر.

و قد روي عن أنس بن مالك،و هو إحدى الرّوايتين عن ابن عبّاس،و هو قول الحسن و طاوس و زيد بن أسلم و غيرهم،و يردّ عليه الإجماع على أنّ السّورة مكّيّة و لم يصحّ استثناء هذه الآية منها،إلاّ أن يقال:مرادهم إنّ الإطلاق فيها قيّد بعد الهجرة بالمقادير الّتي بيّنتها الزّكاة،كأمثالها من الآيات المكّيّة الّتي ورد فيها الأمر بالزّكاة.

و قد صرّح بعضهم بأنّ الزّكاة المقيّدة المعروفة نسخت فرضيّة الزّكاة المطلقة،و النّسخ عند السّلف أعمّ من النّسخ في عرف الأصوليّين،فيدخل فيه تخصيص العامّ.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين في النّسخ و قال:]

و هذا هو الصّواب،و معناه نسخ فرضيّتها المطلقة، فلم يبق بعد فرض الزّكاة المحدودة إلاّ صدقة التّطوّع،كما هو صريح قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم للأعرابيّ لمّا سأله بعد أن أخبره بالزّكاة المفروضة:هل عليّ غيرها؟قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا،إلاّ أن تطوّع»على أنّ الزّكاة المحدودة المعيّنة لا يمكن أداؤها يوم الحصاد،و ما تأوّلوه في ذلك فهو تكلّف.

فإن قلت:أ ليس إطعام المعدم المضطرّ واجبا على من علم بحاله؟

قلنا:الكلام في الحقّ الواجب على الأعيان في الأموال بشروطها المعروفة،و إغاثة المضطرّ من الواجبات الكفائيّة العارضة لا العينيّة الثّابتة.

و الحصاد بفتح الحاء و كسرها مصدر حصد الزّرع، إذا جزّه،أي قطعه،كما قال في«الأساس».قرأه ابن كثير و نافع و حمزة بالكسر،و الباقون بالفتح.[ثمّ نقل قول الفخر الرّازيّ في القول الثّالث من المبحث الثّاني و قال:]

و نقول:إنّ الحقّ المراد بها كان معلوما عندهم،و هو الصّدقة المطلقة المعتادة الّتي ذكرنا بعض الرّوايات عن السّلف فيها،و الحديث الّذي ذكره رواه ابن ماجة عن فاطمة بنت قيس بسند ضعيف لا يحتجّ به،على أنّه صريح في أنّه ورد بعد فرض الزّكاة بالمدينة،فلا يمكن تحكيمه في تفسير آية مكّيّة نزلت قبل فرض الزّكاة المذكورة.[ثمّ نقل قول الفخر الرّازيّ في المبحث الثّالث و قال:]

بعبارته السّقيمة،و خطأ المعنى فيها أشنع من خطأ العبارة،فليست الآية في الزّكاة.و الحصد في اللّغة:جزّ الزّرع لا مطلق القطع،و إنّما يطلق على غيره مجازا أو تغليبا،فجني الزّيتون ليس من الحصد و لا القطع،و ليس عود الضّمير إلى آخر ما ذكر في الآية واجبا.

و الآخر هو الرّمّان،فإن لم يعد الضّمير إليه وحده لاستحالة أن يكون هو الّذي ثبت الحقّ فيه وحده، فالظّاهر رجوعه إلى جملة المذكورات بتقدير اسم الإشارة كما مرّ قريبا،أو إلى ما يحصد منه حقيقة لا تغليبا و هو الزّرع،و الأوّل هو الّذي يؤيّده التّفسير المأثور.

ص: 178

ثمّ إنّ إيجابه رجوع الضّمير إلى الأخير يبطل أصل دعواه،و هو أنّ الآية تدلّ على وجوب الزّكاة في الأنواع الخمسة بالنّصّ لذكر الحقّ بعدها،فما أضعف دلائل هذا الإمام الشّهير،و لا سيّما في هذا التّفسير الملقّب بالكبير.

(8:136)

سيّد قطب :و الأمر بإيتاء حقّه يوم حصاده هو الّذي جعل بعض الرّوايات تقول عن هذه الآية:إنّها مدنيّة.و قد قلنا في التّقديم للسّورة:إنّ الآية مكّيّة،لأنّ السّياق في الجزء المكّيّ من السّورة لا يتصوّر تتابعه بدون هذه الآية،فإنّ ما بعدها ينقطع عمّا قبلها لو كانت قد تأخّرت حتّى نزلت في المدينة،و هذا الأمر بإيتاء حقّ الزّرع يوم حصاده،لا يتحتّم أن يكون المقصود به الزّكاة.

و هناك روايات في الآية أنّ المقصود هو الصّدقة غير المحدّدة.أمّا الزّكاة بأنصبتها المحدّدة،فقد حدّدها السّنّة بعد ذلك في السّنة الثّانية من الهجرة.(3:1223)

ابن عاشور :و الأمر في وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ خطاب خاصّ بالمؤمنين كما تقدّم،و هذا الأمر ظاهر في الوجوب بقرينة تسمية المأمور به حقّا.و أضيف «الحقّ»إلى ضمير المذكور لأدنى ملابسة،أي الحقّ الكائن فيه.

و قد أجمل الحقّ اعتمادا على ما يعرفونه،و هو:حقّ الفقير،و القربى،و الضّعفاء،و الجيرة.فقد كان العرب إذا جذّوا ثمارهم،أعطوا منها من يحضر من المساكين و القرابة.و قد أشار إلى ذلك فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ* أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ القلم:23 و 24،فلمّا جاء الإسلام أوجب على المسلمين هذا الحقّ و سمّاه حقّا،كما في وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ المعارج:24 و 25، و سمّاه اللّه زكاة في آيات كثيرة.و لكنّه أجمل مقداره و أجمل الأنواع الّتي فيها الحقّ و وكلهم في ذلك إلى حرصهم على الخير،و كان هذا قبل شرع نصبها و مقاديرها،ثمّ شرعت الزّكاة و بيّنت السّنّة نصبها و مقاديرها.[ثمّ ذكر معنى الحصاد و قراءته و قال:]

و قد فرضت الزّكاة في ابتداء الإسلام مع فرض الصّلاة،أو بعده بقليل،لأنّ افتراضها ضروريّ لإقامة أود الفقراء من المسلمين و هم كثيرون في صدر الإسلام، لأنّ الّذين أسلموا قد نبذهم أهلوهم و مواليهم،و جحدوا حقوقهم،و استباحوا أموالهم،فكان من الضّروريّ أن يسدّ أهل الجدّة و القوّة من المسلمين خلّتهم.و قد جاء ذكر الزّكاة في آيات كثيرة ممّا نزل بمكّة،مثل سورة المزّمّل و سورة البيّنة،و هي من أوائل سور القرآن، فالزّكاة قرينة الصّلاة.

و قول بعض المفسّرين:الزّكاة فرضت بالمدينة، يحمل على ضبط مقاديرها بآية: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ التّوبة:103،و هي مدنيّة، ثمّ تطرّقوا فمنعوا أن يكون المراد ب«الحقّ»هنا الزّكاة، لأنّ هذه السّورة مكّيّة بالاتّفاق،و إنّما تلك الآية مؤكّدة للوجوب بعد الحلول بالمدينة،و لأنّ المراد منها أخذها من المنافقين أيضا،و إنّما ضبطت الزّكاة ببيان الأنواع

ص: 179

المزكّاة و مقدار النّصب و المخرج منه بالمدينة،فلا ينافي ذلك أنّ أصل وجوبها في مكّة.

و قد حملها مالك على الزّكاة المعيّنة المضبوطة في رواية ابن القاسم و ابن وهب عنه،و هو قول ابن عبّاس، و أنس بن مالك و سعيد بن المسيّب،و جمع من التّابعين كثير.و لعلّهم يرون الزّكاة فرضت ابتداء بتعيين النّصب و المقادير.

و حملها ابن عمر و ابن الحنفيّة،و عليّ بن الحسين، و عطاء،و حمّاد،و ابن جبير،و مجاهد،على غير الزّكاة، و جعلوا الأمر للنّدب.و حملها السّدّيّ،و الحسن،و عطيّة العوفيّ و النّخعيّ،و سعيد بن جبير،في رواية عنه،على صدقة واجبة،ثمّ نسختها الزّكاة.

و إنّما أوجب اللّه الحقّ في الثّمار و الحبّ يوم الحصاد، لأنّ الحصاد إنّما يراد للادّخار،و إنّما يدّخر المرء ما يريده للقوت،فالادّخار هو مظنّة الغنى الموجبة لإعطاء الزّكاة، و الحصاد مبدأ تلك المظنّة،فالّذي ليست له إلاّ شجرة أو شجرتان فإنّما يأكل ثمرها مخضورا قبل أن ييبس،فلذلك رخّصت الشّريعة لصاحب الثّمرة أن يأكل من الثّمر إذا أثمر،و لم توجب عليه إعطاء حقّ الفقراء إلاّ عند الحصاد.

ثمّ إنّ حصاد الثّمار،و هو جذاذها،هو قطعها لادّخارها،و أمّا حصاد الزّرع فهو قطع السّنبل من جذور الزّرع،ثمّ يفرك الحبّ الّذي في السّنبل ليدّخر، فاعتبر ذلك الفرك بقيّة للحصاد.

و يظهر من هذا أنّ الحقّ إنّما وجب فيما يحصد من المذكورات مثل الزّبيب و التّمر و الزّرع و الزّيتون،من زيته أو من حبّه،بخلاف الرّمّان و الفواكه.

و على القول المختار:فهذه الآية غير منسوخة، و لكنّها مخصّصة و مبيّنة بآيات أخرى،و بما يبيّنه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فلا يتعلّق بإطلاقها.و عن السّدّيّ أنّها نسخت بآية الزّكاة،يعني خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً التّوبة:

103،و قد كان المتقدّمون يسمّون التّخصيص:نسخا.

(7:90)

الطّباطبائيّ: أي الحقّ الثّابت فيه المتعلّق به، فالضّمير راجع إلى الثّمر،و أضيف إليه الحقّ لتعلّقه به، كما يضاف الحقّ أيضا إلى الفقراء لارتباطه بهم.و ربّما احتمل رجوع الضّمير إلى اللّه كالضّمير الّذي بعده في قوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ و إضافته إليه تعالى لانتسابه إليه بجعله.

و هذا إشارة إلى جعل حقّ ما للفقراء في الثّمر من الحبوب و الفواكه يؤدّى إليهم يوم الحصاد يدلّ عليه العقل و يمضيه الشّرع،و ليس هو الزّكاة المشرّعة في الإسلام؛إذ ليست في بعض ما ذكر في الآية زكاة على أنّ الآية مكّيّة،و حكم الزّكاة مدنيّ.

نعم لا يبعد أن يكون أصلا لتشريعها،فإنّ أصول الشّرائع النّازلة في السّور المدنيّة نازلة على وجه الإجمال و الإبهام في السّور المكّيّة،كقوله تعالى بعد عدّة آيات، عند تعداد كلّيّات المحرّمات: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ إلى أن قال: وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الأنعام:151.(7:363)

ص: 180

عبد الكريم الخطيب:أمر بأداء الحقّ المفروض على هذه النّعم الّتي يعيش فيها أهلها،و حقّ هذه النّعم هو شكر اللّه عليها؛إذ هو المنعم بها،و من شكر اللّه عليها،مشاركة الفقراء و المحتاجين لهم فيها،و إعطاؤهم ما أوجب اللّه على الأغنياء للفقراء في أموالهم،في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ المعارج:24 و 25.

و في إضافة«الحقّ»إلى اللّه سبحانه و تعالى هكذا (حقّه)إشعار بأنّ هذا الحقّ هو للّه،صاحب هذه النّعم، و أنّه سبحانه قد جعل هذا الحقّ الّذي له،لهؤلاء الفقراء من عباده.

و إذن فليس لأحد من الأغنياء منّة على هؤلاء الفقراء،و لا فضل له عليهم؛إذا هو أعطاهم ممّا للّه عنده،فذلك من حقّ اللّه عليه،و اللّه سبحانه و تعالى يجزيه عمّا أعطى،فضلا منه سبحانه و كرما،لأنّه تعالى يأخذ ممّا له،و يجزي الثّواب الجزيل عليه،أضعافا مضاعفة،فسبحانه سبحانه،ما أعظم فضله،و ما أوسع رحمته،و أكثر مننه على عباده!(4:324)

مكارم الشّيرازيّ: ما هو المراد من«الحقّ»الّذي يجب إعطاؤه؟

يرى البعض أنّها هي الزّكاة الواجبة المفروضة،أي عشر أو نصف عشر المحصول البالغ حدّ النّصاب الشّرعيّ.

بيد أنّه مع الالتفات إلى أنّ هذه السّورة قد نزلت في مكّة،و أنّ حكم الزّكاة نزل في السّنة الثّانية من الهجرة أو بعد ذلك في المدينة المنوّرة،يبدو مثل هذا الاحتمال بعيدا.

كيف و قد عرّف هذا«الحقّ»في روايات عديدة وصلتنا من أهل البيت عليهم السّلام،و كذا في روايات عديدة وردت في مصادر أهل السّنّة،بغير الزّكاة.و جاء فيها أنّ المراد منه هو ما يعطى من المحصول إلى الفقير عند حضوره عمليّة الحصاد أو القطاف،و ليس له حدّ معيّن،و مقدار مقرّر ثابت.

و في هذه الحالة،هل هذا الحكم وجوبيّ أم استحبابيّ؟

يرى البعض أنّه حكم وجوبيّ،أي أنّ إعطاء هذا الحقّ كان واجبا على المسلمين قبل تشريع حكم الزّكاة و لكنّه نسخ بعد نزول آية الزّكاة،فحلّت الزّكاة بحدودها الخاصّة محلّ ذلك الحقّ.

و لكن يستفاد من أحاديث أهل البيت عليهم السّلام أنّ هذا الحكم لم ينسخ،بل هو باق في صورة الحكم الاستحبابيّ، و هذا يعني أنّه يستحبّ الآن إعطاء شيء من المحاصيل الزّراعيّة إلى من يحضر عند حصادها و قطافها من الفقراء.

يمكن أن يكون التّعبير بكلمة(يوم)إشارة إلى أنّه يحبّذ أن يوقع حصاد الزّرع،و قطاف الثّمر في النّهار، و أن يحضره الفقراء و يعطى إليهم شيء منها،لا في اللّيل كما يفعل بعض البخلاء لكيلا يعرف أحد بهم،فيضطرّوا إلى إعطائه شيئا من محاصيلهم.

و قد أكّدت الرّوايات الواصلة إلينا من أهل البيت عليهم السّلام على هذا الأمر أيضا.(4:450)

ص: 181

فضل اللّه:هناك حقّ مجعول للفقراء من قبل اللّه، يوم حصاده،و يوم قطعه و لعلّه اكتفى بالحصاد تغليبا، و ربّما كانت هذه الآية بداية لتشريع الضّريبة على الزّرع في الإسلام،على سبيل الإجمال،ثمّ جاء التّفصيل بعد ذلك عند ما قنّنت الشّريعة بشكل تفصيليّ الأحكام الشّرعيّة،و قد ذهب البعض إلى أنّها الزّكاة المشروعة، و لكن بعضهم اعترض على ذلك،بأنّ كثيرا ممّا ذكر في هذه الآية،كالزّيتون و الرّمّان و نحوهما ممّا ليس فيه زكاة،و إنّنا نتحفّظ في هذا اللّون من الاعتراضات،لأنّنا نعتبر أنّ القرآن هو الأساس في معرفة قضايا الشّريعة، فليس من المألوف أن نردّ ظاهر آية بوجود حكم على خلافها لدى الفقهاء،إلاّ أن تكون المسألة ناشئة من اعتراض على أصل دلالة الآية،أو وجود مخصّص لعمومها،أو مقيّد لإطلاقها من دليل آخر.

و قد جاء في«الدّرّ المنثور»عن ابن عبّاس في وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قال:نسختها العشر و نصف العشر.

و لكن يرد على ذلك،ما ذكره العلاّمة الطّباطبائيّ في تفسير«الميزان»بعد ذكره الرّواية،قال:أقول:ليست النّسبة بين الآية و آية الزّكاة نسبة النّسخ؛إذ لا تنافي يؤدّي إلى النّسخ،سواء قلنا بوجوب الصّدقة أو باستحبابها.

و قد ذكروا أنّ حكم الزّكاة نزل في المدينة بينما الآية مكّيّة،ممّا يبعد أن تكون الآية متعرّضة لحكم الزّكاة، و لكن لقائل أن يقول:إنّ هذه الآية قد تكون واردة للحديث عن بعض الأنواع الّتي تجب فيها الزّكاة بطريقة خاصّة،لتكون آية الزّكاة الآتية بعد ذلك واردة في بيان الحكم بشكل شموليّ،لا سيّما و أنّ ظاهر الآية الوجوب.

قد جاء في أحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السّلام ما يوحي بأنّ الحكم في هذه الآية وارد في الزّيادة عن الحقّ الواجب في الزّكاة؛بحيث كان ملحوظا حتّى في مورد تشريع الزّكاة.[و نقل الرّوايتين عن الصّادقين عليهما السّلام ثمّ قال:]

و في ضوء أمثال هذه الرّوايات،لا بدّ من رفع اليد عن ظهور الآية في الوجوب لصراحتها في أنّ موردها هو مورد الصّدقة بمعناها العامّ الاستحبابيّ،باعتبار أنّ الحقّ هنا هو الّذي يعطيه لا الّذي يؤخذ به.

و على كلّ فإنّ الآية توحي بأنّ على صاحب الزّرع أن يؤدّي هذا الحقّ للفقراء و المساكين عند حصاده،و قد جاء في تفسير العيّاشيّ عن الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام في الآية قال:أعط من حضرك من المسلمين،فإن لم يحضرك إلاّ مشرك فأعط.

و هذا دليل على روح السّماحة و العطاء الّتي يريد الإسلام للإنسان المسلم أن يعيشها مع كلّ النّاس المحرومين،سواء أ كانوا من المسلمين أم كانوا من المشركين،بروحيّة عطاء و إحساس بآلام الفقراء و المساكين،من أيّ دين كانوا.

و ربّما كان التّعبير بكلمة(حقّه)في ما يعطيه الإنسان من الثّمر،سواء أ كان واجبا أم كان مستحبّا،دلالة على أنّ قضيّة العطاء في الإسلام ليست منحة ذاتيّة تنطلق

ص: 182

من شعور بالفوقيّة،-كما يحسّ به المعطي تجاه الفقير- بل هي حقّ يؤدّيه لصاحبه،لأنّ المال للّه،فإذا أراد اللّه من الإنسان أن يعطيه لأحد،مستحبّا كان أو واجبا،فإنّه يعطيه من موقع الحقّ،لا من موقع التّفضّل،ممّا يحفظ به للفقير كرامته،و للمعطي روحيّته و إيمانه.

و هذا هو المعنى الّذي ينبغي للتّربية الإسلاميّة أن تؤكّده في ما تستهدفه من بناء الشّخصيّة المسلمة،فعلى المسلم أن يحسّ دائما بأنّ عليه حقّا للنّاس في ماله،و في كلّ ما رزقه اللّه من طاقة،على أساس ما للّه عليه من حقّ في ذلك كلّه،فهو عند ما يعطي،فإنّما يؤدّي حقّ اللّه للآخرين.(9:343)

2- وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. الإسراء:26

ابن عبّاس: أعط ذا القرابة حقّه.يقول:أمر بصلة القرابة.(235)

هو أن تصل ذا القرابة و المسكين و تحسن إلى ابن السّبيل.

(الطّبريّ 15:72)

الإمام عليّ بن الحسين عليهما السّلام:هم قرابة الرّسول.(الطّوسيّ 6:468)

[و هذا من قبيل تأويل العامّ بالخاصّ]

عكرمة :صلته الّتي تريد أن تصله بها،ما كنت تريد أن تفعله إليه.(الطّبريّ 15:71)

الحسن :سأل رجل الحسن قال:أعطي قرابتي زكاة مالي؟فقال:إنّ لهم في ذلك لحقّا سوى الزّكاة،ثمّ تلا هذه الآية وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ

(الطّبريّ 15:71)

السّدّيّ: قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام لرجل من أهل الشّام:أقرأت القرآن؟قال:نعم،قال:أ فما قرأت في بني إسرائيل وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ قال:و إنّكم للقرابة الّتي أمر اللّه جلّ ثناؤه أن يؤتى حقّه؟قال:نعم.

(الطّبريّ 15:72)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله:

وَ آتِ ذَا الْقُرْبى فقال بعضهم:عنى به:قرابة الميّت من قبل أبيه و أمّه،أمر اللّه جلّ ثناؤه عباده بصلتها.

و قال آخرون:بل عنى به قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و أولى التّأويلين عندي بالصّواب تأويل من تأوّل ذلك أنّها بمعنى وصيّة اللّه عباده بصلة قرابات أنفسهم و أرحامهم،من قبل آبائهم و أمّهاتهم؛و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ عقّب ذلك عقيب حضّه عباده على برّ الآباء و الأمّهات،فالواجب أن يكون ذلك حضّا على صلة أنسابهم،دون أنساب غيرهم الّتي لم يجر لها ذكر.

و إذا كان ذلك كذلك،فتأويل الكلام:و أعط يا محمّد ذا قرابتك حقّه من صلتك إيّاه،و برّك به،و العطف عليه،و خرج ذلك مخرج الخطاب لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و المراد بحكمه:جميع من لزمته فرائض اللّه،يدلّ على ذلك ابتداؤه الوصيّة بقوله جلّ ثناؤه: وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما الإسراء:23.

فوجّه الخطاب بقوله: وَ قَضى رَبُّكَ

ص: 183

إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،ثمّ قال: أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ فرجع بالخطاب به إلى الجميع،ثمّ صرف الخطاب بقوله: إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ إلى إفراده به.و المعنيّ بكلّ ذلك جميع من لزمته فرائض اللّه عزّ و جلّ،أفرد بالخطاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وحده،أو عمّ به هو و جميع أمّته.(15:71)

الثّعلبيّ: يعني صلة الرّحم.(6:95)

الطّوسيّ: و هو أمر من اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يعطي ذوي القربى حقوقهم الّتي جعلها اللّه لهم.

و روي أنّه لما نزلت هذه الآية استدعى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السّلام و أعطاها فدكا و سلّمه إليها،و كان و كلاؤها فيها طول حياة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فلمّا مضى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخذها أبو بكر،و دفعها عن النّحلة،و القصّة في ذلك مشهورة، فلمّا لم يقبل بيّنتها،و لا قبل دعواها طالبت بالميراث،لأنّ من له الحقّ إذا منع منه من وجه جاز له أن يتوصّل إليه بوجه آخر،فقال لها:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«نحن معاشر الأنبياء لا نورّث،ما تركناه صدقة»فمنعها الميراث أيضا و كلامهما في ذلك مشهور،لا نطول بذكره الكتاب.

(6:468)

القشيريّ: إيتاء الحقّ يكون من المال و من النّفس و من القول و من الفعل،و من نزل على اقتضاء حقّه، و بذل الكلّ لأجل ما طالبه به من حقوق،فهو القائم بما ألزمه الحقّ سبحانه بأمره.(4:16)

الزّمخشريّ: وصّى بغير الوالدين من الأقارب بعد التّوصية بهما و أن يؤتوا حقّهم،و حقّهم إذا كانوا محارم كالأبوين و الولد،و فقراء عاجزين عن الكسب،و كان الرّجل موسرا أن ينفق عليهم عند أبي حنيفة.و الشّافعيّ لا يرى النّفقة إلاّ على الولد و الوالدين فحسب.

و إن كانوا مياسير أو لم يكونوا محارم كأبناء العمّ، فحقّهم صلتهم بالموادّة و الزّيارة و حسن المعاشرة و المؤالفة على السّرّاء و الضّرّاء و المعاضدة،و نحو ذلك.

(2:446)

ابن عطيّة: اختلف المتأوّلون في«ذى القربى» فقال الجمهور:الآية وصيّة للنّاس كلّهم بصلة قرابتهم، خوطب بذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و المراد الأمّة،و ألحق في هذه الآية ما يتعيّن له من صلة الرّحم و سدّ الخلّة و المواساة عند الحاجة بالمال و المعونة بكلّ وجه،قال بنحو هذا الحسن و عكرمة و ابن عبّاس و غيرهم.

و قال عليّ بن الحسين في هذه:هم قرابة النّبيّ عليه السّلام، أمر النّبيّ عليه السّلام بإعطائهم حقوقهم من بيت المال.و القول الأوّل أبين،و يعضده العطف ب(المسكين).(3:449)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ إلاّ أنّه نقل حديث فدك سندا](3:411)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ قوله تعالى: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ مجمل،و ليس فيه بيان أنّ ذلك الحقّ ما هو؟و عند الشّافعيّ رحمه اللّه:أنّه لا يجب الإنفاق إلاّ على الولد و الوالدين.و قال قوم:يجب الإنفاق على المحارم بقدر الحاجة.و اتّفقوا على أنّ من لم يكن من المحارم كأبناء العمّ فلا حقّ لهم إلاّ الموادّة و الزيارة،و حسن المعاشرة و المؤالفة في السّرّاء و الضّرّاء.(20:193)

القرطبيّ: أي كما راعيت حقّ الوالدين فصل

ص: 184

الرّحم،ثمّ تصدّق على المسكين و ابن السّبيل.و قال عليّ ابن الحسين[عليهما السّلام]في قوله تعالى: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ:

هم قرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أمر صلّى اللّه عليه و سلّم بإعطائهم حقوقهم من بيت المال،أي من سهم ذوي القرب من الغزو و الغنيمة، و يكون خطابا للولاة أو من قام مقامهم.و ألحق في هذه الآية ما يتعيّن من صلة الرّحم،و سدّ الخلّة،و المواساة عند الحاجة بالمال،و المعونة بكلّ وجه.(10:247)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و الظّاهر أنّ الحقّ هنا مجمل و أنّ ذا القربى عامّ في ذي القرابة،فيرجع في تعيين الحقّ و في تخصيص ذي القرابة إلى السّنّة.(6:29)

الشّربينيّ: و الخطاب لكلّ أحد أن يؤتي أقاربه حقوقهم من صلة الرّحم و المودّة و الزّيارة و حسن المعاشرة و المعاضدة و نحو ذلك.

و قيل:إن كانوا محتاجين و محاويج و هو موسر لزمه الإنفاق عليهم،عند الإمام أبي حنيفة.و قال الشّافعيّ:

لا يلزم إلاّ نفقة الوالد على ولده و الولد على والده فقط.

(2:299)

أبو السّعود :توصية بالأقارب إثر التّوصية ببرّ الوالدين.و لعلّ المراد بهم:المحارم و بحقّهم النّفقة،كما ينبئ عنه قوله تعالى: وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ فإنّ المأمور به في حقّهما المواساة الماليّة لا محالة،أي و آتهما حقّهما ممّا كان مفترضا بمكّة بمنزلة الزّكاة،و كذا النّهي عن التّبذير و عن الإفراط في القبض و البسط،فإنّ الكلّ من التّصرّفات الماليّة.(4:125)

البروسويّ: (حقّه)و هي النّفقة،أي إذا كانوا فقراء[ثمّ بسّط الكلام في من وجبت نفقته على الإنسان و قال:]

و في الآية إشارة إلى النّفس فإنّها من ذوي قربى القلب و لها حقّ،كما قال عليه الصّلاة و السّلام:«إنّ لنفسك عليك حقّا»المعنى لا تبالغ في رياضة النّفس و جهادها لئلاّ تسأم و تملّ و تضعف عن حمل أعباء الشّريعة.و حقّها:رعايتها عن السّرف في المأكول و الملبوس و الأثاث و المسكن،و حفظها عن طرفي الإفراط و التّفريط،كما في«التّأويلات النّجميّة».

(5:150)

الآلوسيّ: أي ذا القرابة منك(حقّه)الثّابت له، قيل:و لعلّ المراد بذي القربى:المحارم،و بحقّهم:النّفقة عليهم إذا كانوا فقراء عاجزين عن الكسب،عمّا ينبئ عنه قوله تعالى: وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ.

و استدلّ بعضهم بالآية على إيجاب نفقة المحارم المحتاجين و إن لم يكونوا أصلا كالوالدين،و لا فرعا كالولد.و الكلام من باب التّعميم بعد التّخصيص،فإنّ ذَا الْقُرْبى يتناول الوالدين لغة و إن لم يتناوله عرفا، فلذا قالوا في باب الوصيّة المبنيّة على العرف:لو أوصى لذوي قرابته لا يدخلان.

و في«الكشف»أنّ الحقّ:أنّ إيتاء الحقّ عامّ و المقام يقتضي الشّمول،فيتناول الحقّ المالي و غيره؛من الصّلة و حسن المعاشرة،فلا تنتهض الآية دليلا على إيجاب

ص: 185

نفقة المحارم.

و تعقّب أنّ قوله تعالى:(حقّه)يشعر باستحقاق ذلك لاحتياجه،مع أنّه إذا عمّ دخل فيه المالي و غيره،فكيف لا تنتهض الآية دليلا و أنا ممّن يقول بالعموم و عدم اختصاص ذي القربى بذي القرابة الولاديّة،و العطف، و كذا ما بعده لا يدلّ على تخصيص قطعا،فتدبّر.

و قيل:المراد بذي القربى:أقارب الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و روي ذلك عن السّدّيّ.و أخرج ابن جرير عن عليّ بن الحسين رضي اللّه تعالى عنهما أنّه قال لرجل من أهل الشّام:«أقرأت القرآن؟[و ذكر الحديث ثمّ قال:]

و رواه الشّيعة عن الصّادق رضى اللّه عنه.و حقّهم توقيرهم و إعطاءهم الخمس».

و ضعّف بأنّه لا قرينة على التّخصيص.

و أجيب بأنّ الخطاب قرينة و فيه نظر،و ما أخرجه البزّاز و أبو يعلى،و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريّ من أنّه لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فاطمة فأعطاها فدكا،لا يدلّ على تخصيص الخطاب به عليه الصّلاة و السّلام،على أنّ في القلب من صحّة الخبر شيئا بناء على أنّ السّورة مكّيّة، و ليست هذه الآية من المستثنيات،و فدك لم تكن إذ ذاك تحت تصرّف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،بل طلبها رضي اللّه تعالى عنها ذلك إرثا بعد وفاته عليه الصّلاة و السّلام،كما هو المشهور يأبى القول بالصّحّة،كما لا يخفى.(15:62)

سيد قطب:و القرآن يجعل لذي القربى و المسكين و ابن السّبيل حقّا في الأعناق يوفّى بالإنفاق،فليس هو تفضّلا من أحد على أحد،إنّما هو الحقّ الّذي فرضه اللّه، و وصله بعبادته و توحيده.الحقّ الّذي يؤدّيه المكلّف فيبرئ ذمّته،و يصل المودّة بينه و بين من يعطيه،و إن هو إلاّ مؤدّ ما عليه للّه.(4:2222)

عبد الكريم الخطيب :و في وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ إشارة إلى أنّ ما يبذله الإنسان لهؤلاء الجماعات هو حقّ لهم عنده،فإذا أدّاه لهم،فإنّما يؤدّي دينا عليه ثمّ هو مع أداء هذا الدّين مثاب عند اللّه، يضاعف له الأجر و يجزل له المثوبة.

و قد أطلق الحقّ،فلم يحدّد،و لم يبيّن،ليشمل كلّ ما هو مطلوب،حسب الحال الدّاعية له.(8:475)

فضل اللّه :في هذه الآيات حديث عن التّوازن في تحريك المال و توجيهه نحو المواقع الّتي أراد اللّه للإنسان أن ينفقه فيها،و تخطيط للأسلوب الأخلاقيّ الّذي يواجه به الإنسان الحالات الصّعبة لبعض النّاس المحتاجين للعون،من دون أن يستطيع القيام بأيّ شيء تجاهها، ليعيش المشاركة الشّعوريّة؛حيث لا يملك المشاركة بالمساعدة الماليّة.

وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ في ما فرضه اللّه له من الحقّ،أو ما تقتضيه طبيعة العلاقة الخاصّة من حقّ طبيعيّ.و المراد بذي القربى-على ما يبدو-:الّذي يرتبط بالإنسان برابطة القرابة الّتي تفرض حقوقا واجبة تجاه بعض الأقرباء كالأبوين و الأولاد،أو حقوقا مستحبّة كصلة الرّحم بين الأقرباء.

و هناك تفسير آخر ذهب إليه السّدّيّ،و هو أنّ

ص: 186

المراد به:قرابة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،و ذلك لما روي عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام،أنّه قال لرجل من أهل الشّام،[و ذكر نحو ما تقدّم ثمّ قال:]

و هو الّذي روي عن الإمامين الباقر و الصّادق عليهما السّلام، وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ من خلال ما فرضه اللّه لهما من الزّكاة و غيرها.

و هكذا تؤكّد هذه الفقرة العطاء الّذي يحقّق غايتين إنسانيّتين في شخصيّة المعطي،من حيث انفتاح روحه على مشاكل الآخرين،و تفاعله معهم،ممّا يساهم في تنمية المشاعر الرّوحيّة الطّاهرة،و امتداد مسئوليّته في حياة الإنسان المحروم،و في حياة هؤلاء الّذين يرزحون تحت ضغط الحاجات الحياتيّة؛إذ عند ما يعيشون روح المشاركة الإنسانيّة من إخوانهم،يشعرون بالثّقة في مواجهة مشاكل الحاجة،و يحسّون بالطّمأنينة النّفسيّة أمام كلّ حالات القلق و الخوف من المجهول.

و هكذا يركّز التّشريع الإسلاميّ قاعدة التّكافل الاجتماعيّ في المجتمع المسلم،من موقع المفهوم الإسلاميّ الّذي يفرض العطاء كمسئوليّة،و يؤكّد الإحسان كحالة روحيّة إنسانيّة في أجواء الآخرة،بعيدا عن الشّعور بالشّفقة المذلّة الّتي ترهق كرامة الإنسان.(14:91)

[و للمكارم الشّيرازيّ كلام يأتي في ق ر ب:«ذي القربى»و جاءت في ذلك روايات في«نور الثّقلين»3:

153 فلاحظ]

3- فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ...

الرّوم:38

راجع ق ر ب:«ذا القربى».

يحقّ الحقّ

1-2- ...وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَ يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ* لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ. الأنفال:7،8

ابن عبّاس: أن يظهر دينه الإسلام بنصرته و تحقيقه...ليظهر دينه الإسلام بمكّة.(145)

نحوه الطّبرسيّ.(2:521)

الطّبريّ: و يريد اللّه أن يحقّ الإسلام و يعليه بكلماته،و يعزّ الإسلام؛و ذلك هو تحقيق الحقّ.

و قيل:إنّ الحقّ في هذا الموضع:اللّه عزّ و جلّ.

(9:188)

نحوه الثّعلبيّ.(4:331)

الطّوسيّ: معناه أنّ اللّه يريد أن يظهر محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و من معه على الحقّ.

و قال قوم:(الحقّ)في هذا الموضع:القرآن.

و(الباطل):إبليس.و قيل:(الحقّ):الإسلام و(الباطل):

الشّرك.(5:96)

البغويّ: أي يظهره و يعليه. لِيُحِقَّ الْحَقَّ ليثبت الإسلام.(2:272)

الميبديّ: يظهر الإسلام و ينصر أهله بكلماته،أي بأوامره و نواهيه.و قيل:بضمانه و مواعيده.

لِيُحِقَّ الْحَقَّ أي ليعلي الحقّ و يسفل الباطل.

ص: 187

و كرّر لأنّ الأوّل متّصل بقوله: وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ أي أنتم تريدون العير و اللّه يريد إهلاك النّفير،و الثّاني متّصل بالكلّ.(4:9)

الزّمخشريّ: أن يثبته و يعليه.(2:144)

فإن قلت:بم يتعلّق قوله: لِيُحِقَّ الْحَقَّ؟

قلت:بمحذوف تقديره:ليحقّ الحقّ و يبطل الباطل، فعل ذلك ما فعله إلاّ لهما،و هو إثبات الإسلام و إظهاره، و إبطال الكفر و محقه.

فإن قلت:أ ليس هذا تكريرا؟

قلت:لا لأنّ المعنيين متباينان؛و ذلك أنّ الأوّل تمييز بين الإرادتين،و هذا بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذاتِ الشَّوْكَةِ على غيرها لهم،و نصرتهم عليها، و أنّه ما نصرهم و لا خذل أولئك إلاّ لهذا الغرض الّذي هو سيّد الأغراض.و يجب أن يقدّر المحذوف متأخّرا حتّى يفيد معنى الاختصاص،فينطبق عليه المعنى.

و قيل:قد تعلّق ب(يقطع).(2:145)

نحوه البيضاويّ(1:386)،و البروسويّ(3:

317).

ابن عطيّة: أي ليظهر ما يجب إظهاره و هو الإسلام.(2:504)

الفخر الرّازيّ: فيه سؤالات:

السّؤال الأوّل:أ ليس أنّ قوله: يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ثمّ قوله بعد ذلك: لِيُحِقَّ الْحَقَّ تكرير محض؟

و الجواب:ليس هاهنا تكرير،لأنّ المراد بالأوّل سبب ما وعد به في هذه الواقعة من النّصر و الظّفر بالأعداء،و المراد بالثّاني تقوية القرآن و الدّين و نصرة هذه الشّريعة،لأنّ الّذي وقع من المؤمنين يوم بدر بالكافرين كان سببا لعزّة الدّين و قوّته،و لهذا السّبب قرنه بقوله: وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ الّذي هو الشّرك، و ذلك في مقابلة(الحقّ)الّذي هو الدّين و الإيمان.

السّؤال الثّاني:(الحقّ)حقّ لذاته،و(الباطل)باطل لذاته،و ما ثبت للشّيء لذاته فإنّه يمتنع تحصيله بجعل جاعل و فعل فاعل،فما المراد من تحقيق الحقّ و إبطال الباطل؟

و الجواب:المراد من تحقيق الحقّ و إبطال الباطل، بإظهار كون ذلك الحقّ حقّا،و إظهار كون ذلك الباطل باطلا؛و ذلك تارة يكون بإظهار الدّلائل و البيّنات، و تارة بتقوية رؤساء الحقّ و قهر رؤساء الباطل.

و اعلم أنّ أصحابنا تمسّكوا في مسألة خلق الأفعال بقوله تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَّ قالوا:وجب حمله على أنّه يوجد الحقّ و يكوّنه،و(الحقّ)ليس إلاّ الدّين و الاعتقاد،فدلّ هذا على أنّ الاعتقاد الحقّ لا يحصل إلاّ بتكوين اللّه تعالى.

قالوا:و لا يمكن حمل تحقيق الحقّ على إظهار آثاره، لأنّ ذلك الظّهور حصل بفعل العباد،فامتنع أيضا إضافة ذلك الإظهار إلى اللّه تعالى،و لا يمكن أن يقال:المراد من إظهاره:وضع الدّلائل عليها،لأنّ هذا المعنى حاصل بالنّسبة إلى الكافر و إلى المسلم.و قبل هذه الواقعة، و بعدها فلا يحصل لتخصيص هذه الواقعة بهذا المعنى

ص: 188

فائدة أصلا.

و اعلم أنّ المعتزلة أيضا تمسّكوا بعين هذه الآية على صحّة مذهبهم،فقالوا:هذه الآية تدلّ على أنّه لا يريد تحقيق الباطل و إبطال الحقّ البتّة،بل إنّه تعالى أبدا يريد تحقيق الحقّ و إبطال الباطل؛و ذلك يبطل قول من يقول:

إنّه لا باطل و لا كفر إلاّ و اللّه تعالى مريد له.

و أجاب أصحابنا بأنّه ثبت في أصول الفقه أنّ المفرد المحلّى بالألف و اللاّم ينصرف إلى المعهود السّابق،فهذه الآية دلّت على أنّه تعالى أراد تحقيق الحقّ و إبطال الباطل في هذه الصّورة،فلم قلتم:إنّ الأمر كذلك في جميع الصّور؟بل قد بيّنّا بالدّليل أنّ هذه الآية تدلّ على صحّة قولنا.(15:128)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ و كلاهما متعذّر،لأنّه تحصيل الحاصل؟

قلنا:المراد ب(الحقّ):الإيمان،و(الباطل):الشّرك، فاندفع السّؤال.

فإن قيل:ما فائدة التّكرار في قوله تعالى: وَ يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ؟

قلنا:إنّما ذكر أوّلا لبيان أنّ إرادتهم كانت متعلّقة باختيار الطّائفة الّتي كانت فيها الغنيمة،و إرادة اللّه تعالى باختيار الطّائفة الّتي في قهرها نصرة الدّين،فذكره أوّلا للتّمييز بين الإرادتين،ثمّ ذكره ثانيا لبيان الحكمة في قطع دابر الكافرين.(104)

القرطبيّ: أي أن يظهر الإسلام،و الحقّ حقّ أبدا، و لكن إظهاره تحقيق له من حيث إنّه إذا لم يظهر أشبه الباطل.

لِيُحِقَّ الْحَقَّ أي يظهر دين الإسلام و يعزّه.

(7:369)

النّيسابوريّ: فإن قيل:أ ليس في الكلام تكرار؟ [و لخصّ كلام الفخر الرّازيّ ثمّ قال:]

و الحاصل أنّ الأوّل جزئيّ،أي أنتم تريدون العير، و اللّه يريد إهلاك النّفير.

و الثّاني كلّيّ يشمل هذه القضيّة و غيرها من القضايا الّتي حصل في ضمنها إعلاء كلمة اللّه،و قمع كلمة الكفر.

(9:125)

أبو السّعود :جملة مستأنفة سيقت لبيان الحكمة الدّاعية إلى اختيار ذات الشّوكة و نصرهم عليها،مع إرادتهم لغيرها،و اللاّم متعلّقة بفعل مقدّر مؤخّر عنها، أي لهذه الغاية الجليلة فعل ما فعل لا لشيء آخر.و ليس فيه تكرار؛إذ الأوّل لبيان تفاوت ما بين الإرادتين، و هذا لبيان الحكمة الدّاعية إلى ما ذكر،و معنى إحقاق الحقّ:إظهار حقّيّته لا جعله حقّا بعد أن لم يكن كذلك، و كذا حال إبطال الباطل.(3:80)

نحوه الآلوسيّ.(9:172)

الكاشانيّ: فعل ما فعل و ليس بتكرير،لأنّ الأوّل لبيان مراد اللّه و تفاوت ما بينه و بين مرادهم،و الثّاني لبيان الدّاعي إلى حمل الرّسول على اختيار ذات الشّوكة و نصره عليها.(2:269)

مغنيّة:المراد ب(الحقّ)في الآية السّابقة،أي قوله

ص: 189

تعالى: أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ: انتصار المسلمين على قريش،و المراد ب(الحقّ)هنا:الإسلام،و المجرمون أعدائه،و المراد ب(الباطل):الشّرك.و إحقاق الحقّ يكون بإظهاره و إعلانه على الملأ،أو بانتصار أهله،أو بهما معا،و إبطال الباطل يكون بإعلانه أو خذلان المبطلين،أو بهما معا.و أوضح تفسير لهذه الآية قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ التّوبة:33.(3:455)

الطّباطبائيّ: و المراد بإحقاق الحقّ:إظهاره و إثباته بترتيب آثاره عليه.

ظاهر السّياق أنّ اللاّم للغاية،و قوله:(ليحقّ...) متعلّق بقوله: يَعِدُكُمُ اللّهُ أي إنّما وعدكم اللّه ذلك و هو لا يخلف الميعاد،ليحقّ بذلك الحقّ و يبطل الباطل، و لو كان المجرمون يكرهونه و لا يريدونه.

و بذلك يظهر أنّ قوله: لِيُحِقَّ الْحَقَّ... ليس تكرارا لقوله: وَ يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ و إن كان في معناه.(9:20)

مكارم الشّيرازيّ: قال بعض المفسّرين، كالفخر الرّازيّ و صاحب«المنار»:إنّ(الحقّ)في الأولى إشارة لانتصار المسلمين في معركة بدر،و إنّ(الحقّ)في الثّانية إشارة لانتصار الإسلام و القرآن الّذي كان نتيجة الانتصار العسكريّ في معركة بدر.و هكذا فإنّ الانتصار العسكريّ-في تلك الظّروف الخاصّة-مقدّمة لانتصار الهدف و الدّين.

كما يرد هذا الاحتمال،و هو أنّ الآية السّابقة تشير إلى إرادة اللّه:الإرادة التشريعيّة الّتي كانت جليّة في أوامر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و الآية الثّانية تشير إلى نتيجة هذا الحكم و الأمر،فلاحظوا بدقّة.(5:343)

فضل اللّه :و يثبّته بوحيه و سننه في الكون،ليكون هو المهيمن على حركة الحياة،و تكون قيادته الرّسوليّة هي الحاكمة لها في كلّ خطوط السّير...

لِيُحِقَّ الْحَقَّ و يجعله القوّة الوحيدة الّتي تحكم السّاحة في ما يوحي به من فكر،و ما يركّز من مفاهيم و ما يشرّع من شريعة.(10:337)

و مثلها:

3- وَ يُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ.

يونس:82

4- ...وَ يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. الشّورى:24

استحقّ-استحقّا

فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَ مَا اعْتَدَيْنا إِنّا إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ. المائدة:107

ابن عبّاس: فَإِنْ عُثِرَ فإن اطّلع عَلى أَنَّهُمَا يعني النّصرانيّين اِسْتَحَقّا استوجبا(اثما) خيانة... مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الخيانة يعني النّصرانيّين... لَشَهادَتُنا شهادة المسلمين(احقّ)

ص: 190

أصدق مِنْ شَهادَتِهِما يعني شهادة النّصرانيّين.

(103)

الطّبريّ: يقول:على أنّهما استوجبا بأيمانهما الّتي حلفا بها إثما.(7:112)

الميبديّ: اِسْتَحَقّا أن يلزما اسم الخيانة و الإثم.(3:252)

الزّمخشريّ: اِسْتَحَقّا أي ما أوجب إثما و استوجبا أن يقال:إنّهما لمن الآثمين.(1:651)

ابن عطيّة: معناه استوجباه من اللّه و كانا أهلا له.

فهذا استحقاق على بابه،إنّه استيجاب حقيقة،و لو كان الإثم الشّيء المأخوذ لم يقل فيه اِسْتَحَقّا لأنّهما ظلما و خانا فيه،فإنّما استحقّا منزلة السّوء و حكم العصيان، و ذلك هو الإثم[ثمّ نقل القراءات كما يأتي و فسّر كلّ واحدة منها في كلام طويل](2:254)

أبو حيّان :قرأ الحرميّان و العربيّان و الكسائيّ (استحقّ)مبنيّا للفاعل و(الاوليان)مثنّى مرفوع تثنية الأولى.و رويت هذه القراءة عن أبيّ و عليّ و ابن عبّاس، و عن ابن كثير في رواية قرّة عنه.و قرأ حمزة و أبو بكر (استحقّ)مبنيّا للمفعول و(الاوليان)جمع الأوّل.و قرأ الحسن:(استحقّ)مبنيّا للفاعل(الاوّلان)مرفوع تثنية أوّل.

لاحظ:و ل ي:«الاوليان».(4:45)

أبو السّعود :[ذكر القراءات نحو أبي حيّان ثمّ قال:]

و مفعول(استحقّ)محذوف،أي استحقّا عليهم أن يجرّدوهما للقيام بها،لأنّها حقّهما و يظهروا بهما كذب الكاذبين،و هما في الحقيقة الآخران القائمان مقام الأوّلين على وضع المظهر مقام المضمر.و قرئ على البناء للمفعول و هو الأظهر،أي من الّذين استحقّ عليهم الإثم.(2:332)

نحوه البروسويّ.(2:456)

الآلوسيّ: (ان عثر)بعد التّحليف عَلى أَنَّهُمَا أي الشّاهدين الحالفين اِسْتَحَقّا إِثْماً أي فعلا ما يوجبه من تحريف و كتم،بأن ظهر بأيديهما شيء من التّركة،و ادّعيا استحقاقهما له بوجه من الوجوه.

و قال الجبّائيّ: الكلام على حذف مضاف،أي استحقّا عقوبة إثم فَآخَرانِ أي فرجلان آخران.و هو مبتدأ و خبره قوله تعالى: يَقُومانِ مَقامَهُما و الفاء جزائيّة،و هي إحدى مصوّغات الابتداء بالنّكرة.و لا محذور في الفصل بالخبر بين المبتدإ و صفته،و هو قوله سبحانه: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ.

و قيل:هو خبر مبتدإ محذوف،أي فالشّاهدان آخران،و جملة يَقُومانِ صفته،و الجار و المجرور صفة أخرى.و جوّز أبو البقاء أن يكون حالا من ضمير يَقُومانِ.

و قيل:هو فاعل فعل محذوف،أي فليشهد آخران و ما بعده صفة له،و قيل:مبتدأ خبره الجارّ و المجرور، و الجملة الفعليّة صفته،و ضمير مَقامَهُما في جميع هذه الأوجه مستحقّ للّذين استحقّا،و ليس المراد بمقامهما:مقام أداء الشّهادة الّتي تولّياها و لم يؤدّياها كما

ص: 191

هي،بل هو مقام الحبس و التّحليف.

و (استحقّ) بالبناء للفاعل على قراءة عاصم في رواية حفص عنه،و بها قرأ عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه و ابن عبّاس و أبيّ رضي اللّه تعالى عنهم،و فاعله اَلْأَوْلَيانِ، و المراد من الموصول:أهل الميّت،و من الأوليين:الأقربان إليه الوارثان له،الأحقّان بالشّهادة لقربهما و اطّلاعهما،و هما في الحقيقة الآخران القائمان مقام اللّذين استحقّا إثما،إلاّ أنّه أقيم المظهر مقام ضميرهما للتّنبيه على وصفهما بهذا الوصف.

و مفعول(استحقّ)محذوف و اختلفوا في تقديره، فقدّره الزّمخشريّ أن يجرّدوهما للقيام بالشّهادة، ليظهروا بهما كذب الكاذبين،و قدّره أبو البقاء وصيّتهما، و قدّره ابن عطيّة ما لهم و تركتهم.

و قال الإمام:«إنّ المراد ب(الاوليان)الوصيّان اللّذان ظهرت خيانتهما،و سبب أولويّتهما أنّ الميّت عيّنهما للوصيّة،فمعنى اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ خان في ما لهم و جنى عليهم الوصيّان اللّذان عثر على خيانتهما».

و على هذا لا ضرورة إلى القول بحذف المفعول،و قرأ الجمهور: (استحقّ عليهم الاوليان) ببناء(استحقّ) للمفعول.

و اختلفوا في مرجع ضميره،و الأكثرون أنّه الإثم، و المراد من الموصول:الورثة،لأنّ استحقاق الإثم عليهم كناية عن الجناية عليهم.و لا شكّ أنّ الّذين جنى عليهم و ارتكب الذّنب بالقياس إليهم هم الورثة،و قيل:إنّه الإيصاء،و قيل:الوصيّة لتأويلها بما ذكر،و قيل:المال، و قيل:إنّ الفعل مسند إلى الجارّ و المجرور.

و كذا اختلفوا في توجيه رفع(الاوليان)فقيل:إنّه مبتدأ خبره(آخران)أي الأوليان بأمر الميّت آخران، و قيل:بالعكس،و اعترض بأنّ فيه الإخبار عن النّكرة بالمعرفة،و هو ممّا اتّفق على منعه في مثله،و قيل:خبر مبتدإ مقدّر،أي هما الآخران على الاستئناف البيانيّ، و قيل:بدل من(آخران)،و قيل:عطف بيان عليه، و يلزمه عدم اتّفاق البيان و المبيّن في التّعريف و التّنكير، مع أنّهم شرطوه فيه حتّى من جوّز تنكيره.نعم نقل عن «نزر»عدم الاشتراط.و قيل:هو بدل من فاعل يَقُومانِ.

و كون المبدل منه في حكم الطّرح ليس من كلّ الوجوه،حتّى يلزم خلوّ تلك الجملة الواقعة خبرا أو صفة عن الضّمير،على أنّه لو طرح و قام هذا مقامه كان من وضع الظّاهر موضع الضّمير،فيكون رابطا.

و قيل:هو صفة(آخران)و فيه وصف النّكرة بالمعرفة.و الأخفش أجازه هنا،لأنّ النّكرة بالوصف قربت من المعرفة.و قيل:و هذا على عكس:

*و لقد أمرّ على اللّئيم يسبّني* فإنّه يؤول فيه المعرفة بالنّكرة،و هذا أوّل فيه النّكرة بالمعرفة،أو جعلت في حكمها للوصف،و يمكن- كما قال بعض المحقّقين-أن يكون منه بأن يجعل (الاوليان)لعدم تعيّنهما كالنّكرة.

و عن أبي عليّ الفارسيّ أنّه نائب فاعل(استحقّ)

ص: 192

و المراد على هذا:استحقّ عليهم انتداب الأوليين منهم للشّهادة-كما قال الزّمخشريّ-أو إثم الأوليين،كما قيل.و هو تثنية«الأولى»قلبت ألفه ياء عندها.

و في«على»في(عليهم)أوجه:الأوّل:أنّها على بابها،و الثّاني:أنّها بمعنى«في»،و الثّالث:أنّها بمعنى «من».و فسّر(استحقّ)بطلب الحقّ و بحقّ و غلب.

و قرأ يعقوب و خلف و حمزة و عاصم في رواية أبي بكر عنه (استحقّ عليهم الاوّلين) ببناء(استحقّ) للمفعول،و(الأوّلين)جمع أوّل المقابل للآخر،و هو مجرور على أنّه صفة(الّذين)أو بدل منه،أو من ضمير (عليهم)أو منصوب على المدح،و معنى الأوّليّة:التّقدّم على الأجانب في الشّهادة.و قيل:التّقدّم في الذّكر لدخولهم في يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. (7:50)

الطّباطبائيّ: و المراد باستحقاق الإثم:الإجرام و الجناية.يقال:استحقّ الرّجل،أي أذنب،و استحقّ فلان إثما على فلان،كناية عن إجرامه و جنايته عليه، و لذا عدّي ب(على)ذيلا في: اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ أي أجرما و جنيا عليهم بالكذب و الخيانة.

و أصل معنى قولنا:استحقّ الرّجل:طلب أن يحقّ و يثبت فيه الإثم أو العقوبة،فاستعماله الكنائيّ من قبيل إطلاق الطّلب و إرادة المطلوب،و وضع الطّريق موضع الغاية،و إنّما ذكر الإثم في قوله: اِسْتَحَقّا إِثْماً بالبناء على ما تقدّم في: إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ المائدة:106.

فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما أي إن عثر على أنّ الشّاهدين استحقّا بالكذب و الخيانة،فشاهدان آخران يقومان مقامهما في اليمين على شهادتهما عليهما بالكذب و الخيانة.

و مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ في موضع الحال،أي حال كون هذين الجديدين من الّذين استحقّ عليهم،أي أجرم و جنى عليهم الشّاهدان الأوّلان اللّذين هما الأوليان الأقربان بالميّت من جهة الوصيّة، كما ذكره الرّازيّ في تفسيره،و المراد ب اَلَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ: أولياء الميّت.

و حاصل المعنى أنّه إن عثر على أنّ الشّاهدين أجرما على أولياء الميّت بالخيانة و الكذب،فيقوم شاهدان آخران من أولياء الميّت الّذين أجرم عليهم الشّاهدان الأوّلان الأوليان بالموت قبل ظهور استحقاقهما الإثم.

هذا على قراءة (استحقّ) بالبناء للفاعل،و هو قراءة عاصم على رواية حفص.و أمّا على قراءة الجمهور (استحقّ)بضمّ التّاء و كسر الحاء بالبناء للمفعول، فظاهر السّياق أن يكون(الاوليان)مبتدأ خبره قوله:

فَآخَرانِ يَقُومانِ إلخ قدّم عليه لتعلّق العناية به، و المعنى إن عثر على أنّهما استحقّا إثما فالأوليان بالميّت هما آخران يقومان مقامهما من أوليائه المجرم عليهم.

(6:197)

الحاقّة

اَلْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ.

الحاقّة:1-3

ابن عبّاس: اَلْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ يقول:السّاعة ما

ص: 193

السّاعة يعجبه بذلك وَ ما أَدْراكَ يا محمّد مَا الْحَاقَّةُ. و إنّما سمّيت الحاقّة لحقائق الأمور تحقّ للمؤمن بإيمانه الجنّة،و تحقّ للكافر بكفره النّار.(482)

اَلْحَاقَّةُ: من أسماء يوم القيامة عظّمه اللّه، و حذّره عباده.(الطّبريّ 29:47)

عكرمة :القيامة.(الطّبريّ 29:47)

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 29:48)

قتادة :يعني السّاعة،أحقّت لكلّ عامل عمله.

(الطّبريّ 29:47)

وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ تعظيما ليوم القيامة،كما تسمعون.(الطّبريّ 29:48)

ابن زيد :الحاقّة ما الحاقّة؟و القارعة ما القارعة؟ و الواقعة،و الطّامّة،و الصّاخّة:هذا كلّه يوم القيامة السّاعة.(الطّبريّ 29:48)

الكسائيّ: الحاقّة،يعني يوم الحقّ.

(الميبديّ 10:207)

الفرّاء: و اَلْحَاقَّةُ: القيامة،سمّيت بذلك لأنّ فيها الثّواب و الجزاء،و العرب تقول:«لمّا عرفت الحقّة منّي هربت،و الحاقّة»و هما في معنى واحد.

و الحاقّة:مرفوعة بما تعجّبت منه من ذكرها، كقولك:الحاقّة ما هي؟و الثّانية:راجعة على الأولى.

و كذلك قوله: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ الواقعة:27،و اَلْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ القارعة:1،2،معناه:أيّ شيء القارعة؟ف(ما)في موضع رفع ب اَلْقارِعَةُ الثّانية،و الأولى مرفوعة بجملتها،و اَلْقارِعَةُ: القيامة أيضا.(3:179)

الطّبريّ: السّاعة اَلْحَاقَّةُ الّتي تحقّ فيها الأمور،و يجب فيها الجزاء على الأعمال، مَا الْحَاقَّةُ؟ يقول:أيّ شيء السّاعة الحاقّة؟و ذكر عن العرب أنّها تقول:«لمّا عرف الحاقّة منّي و الحقّة منّي».و بالكسر بمعنى واحد في اللّغات الثّلاث.

و تقول:قد حقّ عليه الشّيء،إذا وجب،فهو يحقّ حقوقا.

و الحاقّة الأولى مرفوعة بالثّانية،لأنّ الثّانية بمنزلة الكناية عنها،كأنّه عجب منها،فقال:الحاقّة ما هي؟كما يقال:زيد ما زيد؟و الحاقّة الثّانية مرفوعة ب(ما)،و(ما) بمعنى«أيّ»،و(ما)رفع ب اَلْحَاقَّةُ الثّانية،و مثله في القرآن وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ الواقعة:27،و اَلْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ القارعة:

1 و 2،ف(ما)في موضع رفع ب اَلْقارِعَةُ الثّانية، و الأولى بجملة الكلام بعدها.(29:47)

الزّجّاج: اَلْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ الأوّلة مرفوع بالابتداء،و(ما)رفع بالابتداء أيضا،و اَلْحَاقَّةُ الثّانية خبر(ما)و العائد على(ما) اَلْحَاقَّةُ الثّانية،على تقدير:ما هي،و المعنى تفخيم شأنها،و اللّفظ لفظ استفهام كما تقول:زيد ما هو؟على تأويل التّعظيم لشأنه في مدح كان أو ذمّ.و اَلْحَاقَّةُ: السّاعة و القيامة.

و سمّيت الحاقّة،لأنّها تحقّ كلّ شيء يعمله إنسان من خير أو شرّ،و كذلك وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ.

معناه أيّ شيء أعلمك ما الحاقّة.و(ما)موضعها

ص: 194

رفع،و إن كان بعد(أدراك)لأنّ ما كان في لفظ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله،المعنى:ما أعلمك أيّ شيء الحاقّة.(5:213)

الثّعلبيّ: أي القيامة،و سمّيت حاقّة لأنّها حقّت فلا كاذبة لها.و لأنّ فيها حواقّ الأمور و حقائقها،و لأنّ فيها يحقّ الجزاء على الأعمال،أي يجب،فيقال:حقّ عليه الشّيء،إذا وجب بحقّ حقوقا،قال اللّه سبحانه:

وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:

71.

و قال الكسائيّ و المؤرّج:الحاقّة:يوم الحقّ،يقول العرب:لمّا عرفت الحقّ منّي.

[و الحقّ]و الحاقّة و الحقّة هي ثلاث لغات بمعنى واحد؛و الحاقّة الأولى رفع بالابتداء و خبره فيما بعده.

و قيل:الحاقّة الأولى مرفوعة بالثّانية،لأنّ الثّانية بمنزلة الكناية عنها،كأنّه عجب منها،و قال:الحاقّة ما هي؟ كما تقول:زيد ما زيد؟و الحاقّة الثّانية مرفوعة ب(ما)، و(ما)بمعنى أيّ شيء،و هو رفع بالحاقّة الثّانية،و مثله:

اَلْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ القارعة:1،2، وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ الواقعة:27،و نحوهما.

(10:25)

نحوه البغويّ.(5:144)

الماورديّ: قوله تعالى: اَلْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ فيه قولان:

أحدهما:أنّه ما حقّ من الوعد و الوعيد بحلوله،و هو معنى قول ابن بحر.

الثّاني:أنّه القيامة الّتي يستحقّ فيها الوعد و الوعيد،قاله الجمهور.

و في تسميتها ب اَلْحَاقَّةُ ثلاثة أقاويل:

أحدها:ما ذكرنا من استحقاق الوعد و الوعيد بالجزاء على الطّاعات و المعاصي،و هو معنى قول قتادة و يحيى بن سلاّم.

الثّاني:لأنّ فيها حقائق الأمور،قاله الكلبيّ.

الثّالث:لأنّ حقّا على المؤمن أن يخافها.

و قوله: مَا الْحَاقَّةُ تفخيما لأمرها و تعظيما لشأنها.(6:75)

الطّوسيّ: قرأ أهل البصرة و الكسائيّ و من قبله بكسر القاف،الباقون بفتحها.[ثمّ نقل أقوال ابن عبّاس و قتادة و الضّحّاك و ابن زيد و الفرّاء و قال:]

و العامل في اَلْحَاقَّةُ أحد شيئين:

أحدهما:الابتداء، مَا الْحَاقَّةُ كأنّه قال:الحاقّة أيّ شيء هي؟

الثّاني:أن يكون خبر ابتداء محذوف،كأنّه قيل:

هذه الحاقّة،ثمّ قيل:أيّ شيء الحاقّة؟تفخيما لشأنها، و تقديره:هذه سورة الحاقّة.(10:93)

القشيريّ: اَلْحَاقَّةُ اسم للقيامة،لأنّها تحقّ كلّ إنسان بعمله خيره و شرّه. وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ؟ استفهام يفيد التّعظيم لأمرها،و التّفخيم لشأنها.

(6:192)

الميبديّ: اَلْحَاقَّةُ يعني:القيامة،سمّيت حاقّة لأنّها واجبة الكون و الوقوع،من:حقّ يحقّ بالكسر،

ص: 195

أي وجب،و صحّ مجيئها للجزاء على الطّاعة ثوابا،و على المعصية عقابا،قال اللّه تعالى: وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:71،أي وجبت.

و قيل:مشتقّ من حقّ يحقّ بالضّمّ،تقول:حقّقت عليه القضاء:أوجبته،و المعنى:توجب لكلّ أحد ما استحقّه من الثّواب و العقاب.

و قيل:سمّيت حاقّة لأنّها حقّت كلّ من حاقّها من مكذّب في الدّنيا،فحقّته و غلبته.

مَا الْحَاقَّةُ هذا استفهام،معناه التّفخيم لشأنها، كما يقال:زيد ما زيد؟على التّعظيم لشأنه،(ما)رفع على الابتداء،(الحاقّة)خبره،و الجملة خبر المبتدإ الأوّل.

(10:207)

الزّمخشريّ: اَلْحَاقَّةُ: السّاعة الواجبة الوقوع، الثّابتة المجيء الّتي هي آتية لا ريب فيها،أو الّتي فيها حواقّ الأمور،من الحساب و الثّواب و العقاب،أو الّتي تحقّ فيها الأمور،أي تعرف على الحقيقة،من قولك:

لا أحقّ هذا،أي لا أعرف حقيقته،جعل الفعل لها و هو لأهلها.

و ارتفاعها على الابتداء،و خبرها مَا الْحَاقَّةُ، و الأصل:الحاقّة ما هي؟أي أيّ شيء هي؟تفخيما لشأنها و تعظيما لهولها،فوضع الظّاهر موضع المضمر، لأنّه أهول لها.(4:149)

ابن عطيّة: اَلْحَاقَّةُ اسم فاعل،من حقّ الشّيء يحقّ،إذا كان صحيح الوجود،و منه حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ الزّمر:71،و المراد به:القيامة و البعث،قاله ابن عبّاس و قتادة،لأنّها حقّت لكلّ عامل عمله.

قال بعض المفسّرين: اَلْحَاقَّةُ مصدر كالعاقبة و العافية،فكأنّه قال:ذات الحقّ.و قال ابن عبّاس و غيره:سمّيت القيامة حاقّة،لأنّها تبدي حقائق الأشياء.

و اللّفظة رفع بالابتداء،و(ما)رفع بالابتداء أيضا، و اَلْحَاقَّةُ الثّانية:خبر(ما)و الجملة خبر الأوّل،و هذا كما تقول:زيد ما زيد؟على معنى التّعظيم له،و الإبهام في التّعظيم أيضا،ليتخيّل السّامع أقصى جهده.(5:356)

الطّبرسيّ: اَلْحَاقَّةُ اسم من أسماء القيامة في قول جميع المفسّرين،و سمّيت بذلك لأنّها ذات الحواقّ من الأمور،و هي الصّادقة الواجبة الصّدق،لأنّ جميع أحكام القيامة واجبة الوقوع صادقة الوجود. مَا الْحَاقَّةُ استفهام معناه التّفخيم لحالها،و التّعظيم لشأنها.

(5:343)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:أجمعوا على أنّ اَلْحَاقَّةُ هي القيامة،و اختلفوا في معنى الحاقّة على وجوه:

أحدها:أنّ الحقّ هو الثّابت الكائن،فالحاقّة:

السّاعة الواجبة الوقوع الثّابتة المجيء الّتي هي آتية لا ريب فيها.

و ثانيها:أنّها الّتي تحقّ فيها الأمور،أي تعرف على الحقيقة،من قولك:لا أحقّ هذا،أي لا أعرف حقيقته، جعل الفعل لها و هو لأهلها.

و ثالثها:أنّها ذوات الحواقّ من الأمور،و هي

ص: 196

الصّادقة الواجبة الصّدق،و الثّواب و العقاب و غيرهما من أحوال القيامة،أمور واجبة الوقوع و الوجود،فهي كلّها حواقّ.

و رابعها:أنّ اَلْحَاقَّةُ بمعنى الحقّة،و الحقّة أخصّ من الحقّ و أوجب.تقول:هذه حقّتي،أي حقّي،و على هذا اَلْحَاقَّةُ بمعنى الحقّ،و هذا الوجه قريب من الوجه الأوّل.

و خامسها:قال اللّيث: اَلْحَاقَّةُ: النّازلة الّتي حقّت بالجارية فلا كاذبة لها،و هذا معنى قوله تعالى:

لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ الواقعة:2.

و سادسها: اَلْحَاقَّةُ: السّاعة الّتي يحقّ فيها الجزاء على كلّ ضلال و هدى،و هي القيامة.

و سابعها: اَلْحَاقَّةُ هو الوقت الّذي يحقّ على القوم أن يقع بهم.

و ثامنها:أنّها الحقّ بأن يكون فيها جميع آثار أعمال المكلّفين،فإنّ في ذلك اليوم يحصل الثّواب و العقاب، و يخرج عن حدّ الانتظار،و هو قول الزّجّاج.

و تاسعها:قال الأزهريّ: و الّذي عندي في اَلْحَاقَّةُ أنّها سمّيت بذلك،لأنّها تحقّ كلّ محاقّ في دين اللّه بالباطل،أي تخاصم كلّ مخاصم و تغلبه،من قولك:

حاققته فحققته،أي غالبته فغلبته و فلجت عليه.

و عاشرها:قال أبو مسلم: اَلْحَاقَّةُ الفاعلة،من حقّت كلمة ربّك.

المسألة الثّانية: اَلْحَاقَّةُ مرفوعة بالابتداء، و خبرها مَا الْحَاقَّةُ؟ و الأصل: اَلْحَاقَّةُ ما هي، أي أيّ شيء هي؟تفخيما لشأنها،و تعظيما لهولها، فوضع الظّاهر موضع المضمر،لأنّه أهول لها،و مثله قوله: اَلْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ القارعة:1،2.

(30:102)

القرطبيّ: يريد القيامة،سمّيت بذلك لأنّ الأمور تحقّ فيها،قاله الطّبريّ،كأنّه جعلها من باب«ليل نائم».

و قيل:سمّيت حاقّة،لأنّها تكون من غير شكّ.

و قيل:سمّيت بذلك،لأنّها أحقّت لأقوام الجنّة، و أحقّت لأقوام النّار.

و قيل:سمّيت بذلك،لأنّ فيها يصير كلّ إنسان حقيقا بجزاء عمله.(18:257)

نحوه أبو حيّان.(8:320)

النّيسابوريّ: اَلْحَاقَّةُ و هي القيامة بالاتّفاق، إلاّ أنّهم اختلفوا في سبب التّسمية،فقال أبو مسلم:هي الفاعلة من حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ المؤمن:6،أي السّاعة واجبة الوقوع لا ريب في مجيئها،و قريب منه قول اللّيث:

إنّها النّازلة الّتي حقّت فلا كاذبة لها.

و قيل:إنّها الّتي تحقّ فيها الأمور،أي تعرف على الحقيقة،من قولك:لا أحقّ هذا،أي لا أعرف حقيقته، جعل الفعل لها و هو لأهلها.

و قيل:هي الّتي يوجد فيها حواقّ الأمور،و هي الواجبة الحصول،من الثّواب و العقاب و غيرهما من أحوال القيامة.

و هذا الوجه و الّذي تقدّمه يشتركان في الإسناد

ص: 197

المجازيّ،إلاّ أنّ الفاعل في الأوّل بمعنى المفعول،و الثّاني على أصله.

و قريب منه قول الزّجّاج:إنّها تحقّ،أي يكون فيها جميع آثار أعمال المكلّفين،و يخرج عن حدّ الانتظار.

(29:32)

أبو السّعود : اَلْحَاقَّةُ أي السّاعة،أو الحالة الثّابتة الوقوع الواجبة المجيء لا محالة،أو الّتي يحقّ فيها الأمور الحقّة من الحساب و الثّواب و العقاب،أو الّتي تحقّ فيها الأمور أي تعرف على الحقيقة من حقّه يحقّه، إذا عرف حقيقته،جعل الفعل لها مجازا و هو لما فيها من الأمور،أو لمن فيها من أولي العلم.

و أيّا ما كان فحذف الموصوف،للإيذان بكمال ظهور اتّصافه بهذه الصّفة،و جريانها مجرى الاسم.و ارتفاعها على الابتداء،خبرها مَا الْحَاقَّةُ على أنّ(ما)مبتدأ ثان،و اَلْحَاقَّةُ خبره،و الجملة خبر للمبتدإ الأوّل.

و الأصل ما هي،أي أيّ شيء هي في حالها و صفتها؟فإنّ (ما)قد يطلب بها الصّفة و الحال،فوضع الظّاهر موضع المضمر تأكيدا لهولها.

هذا ما ذكروه في إعراب هذه الجملة و نظائرها،و قد سبق في سورة الواقعة أنّ مقتضى التّحقيق أن تكون(ما) الاستفهاميّة خبرا لما بعدها،فإنّ مناط الإفادة بيان أنّ الحاقّة أمر بديع و خطب فظيع،كما يفيده كون(ما) خبرا،لا بيان أنّ أمرا بديعا الحاقّة،كما يفيده كونها مبتدأ و كون اَلْحَاقَّةُ خبرا.(6:293)

البروسويّ: اَلْحَاقَّةُ هي من أسماء القيامة من:

حقّ يحقّ بالكسر،إذا وجب و ثبت،لأنّها يحقّ،أي يجب مجيئها و يثبت وقوعها،كما قال تعالى: أَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها الحجّ:7،فالإسناد حقيقيّ.و قال الرّاغب في«المفردات»:لأنّها يحقّ فيها الجزاء،فالإسناد مجازيّ ك«نهاره صائم»و نحوه.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود]

(10:130)

الآلوسيّ: اَلْحَاقَّةُ أي السّاعة أو الحالة الّتي يحقّ و يجب وقوعها،أو الّتي تحقّق و تثبّت فيها الأمور الحقّة،من الحساب و الثّواب و العقاب،أو الّتي تحقّ فيها الأمور،أي تعرف على الحقيقة،من:حقّه يحقّه،إذا عرف حقيقته،و روي هذا عن ابن عبّاس و غيره.

و إسناد الفعل لها على الوجهين الأخيرين مجاز،و هو حقيقة لما فيها من الأمور،أو لمن فيها من أولي العلم.

و في«الكشف»كون الإسناد مجازيّا إنّما هو على الوجه الأخير،و أمّا على الوجه الثّاني فيحتمل الإسناد المجازيّ أيضا،لأنّ الثّبوت و الوجوب لما فيها،و يحتمل أن يراد:ذو الحاقّة،من باب تسمية الشّيء باسم ما يلابسه.و هذا أرجح،لأنّ السّاعة و ما فيها سواء في وجوب الثّبوت،فيضعف قرينة الإسناد المجازيّ، و التّجوّز فيه تصوير و مبالغة،انتهى.و بحث فيه الحلبيّ بما فيه بحث،فارجع إليه و تدبّر.

و قال الأزهريّ: اَلْحَاقَّةُ: القيامة من:حاقّته فحققته،أي غالبته فغلبته فهي حاقّة،لأنّها تحقّ كلّ محاقّ في دين اللّه تعالى بالباطل،أي كلّ مخاصم فتغلبه، و ظاهر كلامهم أنّها على جميع ذلك وصف حذف

ص: 198

موصوفه،للإيذان بكمال ظهور اتّصافه بهذه الصّفة، و جريانه مجرى الاسم.

و قيل:إنّها-على ما روي عن ابن عبّاس من كونها من أسماء يوم القيامة-اسم جامد لا يعتبر موصوف محذوف.و قيل:هي مصدر كالعاقبة و العافية.

و أيّا ما كان فهي مبتدأ خبرها جملة مَا الْحَاقَّةُ على أنّ(ما)مبتدأ،و اَلْحَاقَّةُ خبر،أو بالعكس، و رجّح معنى.و الأوّل هو المشهور،و الرّابط إعادة المبتدإ بلفظه،و الأصل:ما هي،أي أيّ شيء هي في حالها و صفتها.فإنّ(ما)قد يطلب بها الصّفة و الحال،فوضع الظّاهر موضع المضمر،تعظيما لشأنها و تهويلا لأمرها.

(29:39)

ابن عاشور : اَلْحَاقَّةُ صيغة فاعل من:حقّ الشّيء،إذا ثبت وقوعه،و الهاء فيها لا تخلو عن أن تكون هاء تأنيث،فتكون اَلْحَاقَّةُ وصفا لموصوف مقدّر مؤنّث اللّفظ،أو أن تكون هاء مصدر على وزن «فاعلة»مثل الكاذبة للكذب،و الخاتمة للختم،و الباقية للبقاء و الطّاغية للطّغيان،و النّافلة و الخاطئة.

و أصلها تاء المرّة،و لكنّها لمّا أريد المصدر قطع النّظر عن المرّة،مثل كثير من المصادر الّتي على وزن «فعلة»غير مراد به المرّة،مثل قولهم:ضربة لازب.

ف(الحاقّة)إذن بمعنى الحقّ،كما يقال:«من حاقّ كذا»أي من حقّه.

و على الوجهين فيجوز أن يكون المراد ب اَلْحَاقَّةُ:

المعنى الوصفيّ،أي حادثة تحقّ أو حقّ يحقّ.

و يجوز أن يكون المراد بها لقبا ليوم القيامة،و روي ذلك عن ابن عبّاس و أصحابه،و هو الّذي درج عليه المفسّرون فلقّب بذلك«يوم القيامة»لأنّه يوم محقّق وقوعه،كما قال تعالى: وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ الشّورى:7،أو لأنّه تحقّ فيه الحقوق و لا يضاع الجزاء عليها،قال تعالى: وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً النّساء:

49،و قال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8.

و إيثار هذه المادّة و هذه الصّيغة يسمح باندراج معان صالحة بهذا المقام،فيكون من الإيجاز البديع،لتذهب نفوس السّامعين كلّ مذهب ممكن من مذاهب الهول و التّخويف بما يحقّ حلوله بهم.

فيجوز أيضا أن تكون اَلْحَاقَّةُ وصفا لموصوف محذوف،تقديره:السّاعة الحاقّة،أو الواقعة الحاقّة، فيكون تهديدا بيوم أو وقعة يكون فيها عقاب شديد للمعرّض بهم،مثل يوم بدر أو وقعته،و أنّ ذلك حقّ لا ريب في وقوعه.أو وصفا للكلمة،أي كلمة اللّه الّتي حقّت على المشركين من أهل مكّة كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النّارِ المؤمن:6، أو الّتي حقّت للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه ينصره اللّه قال تعالى: وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ* فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ الصّافّات:171-174.

و يجوز أن تكون مصدرا بمعنى«الحقّ»،فيصحّ أن يكون وصفا ليوم القيامة بأنّه حقّ،كقوله: وَ اقْتَرَبَ

ص: 199

اَلْوَعْدُ الْحَقُّ الأنبياء:97،أو وصفا للقرآن،كقوله:

إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ آل عمران:62،أو أريد به الحقّ كلّه ممّا جاء به القرآن من الحقّ،قال: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ الجاثية:29،و قال:

إِنّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ الأحقاف:30.

و افتتاح السّورة بهذا اللّفظ ترويع للمشركين.

و اَلْحَاقَّةُ مبتدأ،و(ما)مبتدأ ثان،و اَلْحَاقَّةُ المذكورة ثانيا خبر المبتدإ الثّاني،و الجملة من المبتدإ الثّاني و خبره خبر المبتدإ الأوّل.

و(ما)اسم استفهام مستعمل في التّهويل و التّعظيم، كأنّه قيل:أ تدري ما الحاقّة؟أي ما هي الحاقّة،أي شيء عظيم الحاقّة؟و إعادة اسم المبتدإ في الجملة الواقعة خبرا عنه تقوم مقام ضميره في ربط الجملة المخبر بها،و هو من الإظهار في مقام الإضمار لقصد ما في الاسم من التّهويل.

و نظيره في ذلك قوله تعالى: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ الواقعة:27.(29:103)

الطّباطبائيّ: المراد ب اَلْحَاقَّةُ: القيامة الكبرى،سمّيت بها لثبوتها ثبوتا لا مردّ له و لا ريب فيه، من حقّ الشّيء بمعنى ثبت و تقرّر تقرّرا واقعيّا.

و(ما)في مَا الْحَاقَّةُ استفهاميّة تفيد تفخيم أمرها،و لذلك بعينه وضع الظّاهر موضع الضّمير،و لم يقل:ما هي؟و الجملة الاستفهاميّة خبر اَلْحَاقَّةُ.

فقوله: اَلْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ مسوق لتفخيم أمر القيامة،يفيد تفخيم أمرها و إعظام حقيقتها إفادة بعد إفادة.(19:392)

عبد الكريم الخطيب :هكذا تبدأ السّورة الكريمة،بهذه الكلمة اَلْحَاقَّةُ الّتي تقع على الأسماع موقع الصّيحة الرّاعدة المزلزلة في هدأة اللّيل،تغشى النّاس بالفزع المذعور،الّذي تدهش له العقول،و تزيغ به الأبصار،و تخرس معه الألسنة،و قد امتلأ الجوّ بهذا التّساؤل الكبير الّذي يطلّ من كلّ عين:ما هذا؟ما هذا؟

مَا الْحَاقَّةُ إنّها مع صوتها الرّاعد المزلزل،ملفّفة في أطواء المجهول،لا يعرف لها وجه،و لا تبين لها حقيقة، حتّى لكأنّها القدر،ترمي النّاس بما في يديها من نذر،من حيث لا يحتسبون،و لا يقدّرون.و هذا ممّا يضاعف في فزع النّاس منها،و في الكرب المشتمل عليهم إزاءها.

وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ و من يستطيع أن يجيب على هذا السّؤال:(ما الحاقّة؟)إنّ أحدا لا يستطيع أن يتصوّر حقيقتها أو يبلغ إدراكه الإحاطة بها.و في هذا التّجهيل في الجواب الّذي يجاب به عنها،مضاعفة للفزع و الكرب المستوليين على النّاس منها.

و كأنّ المعنى هو: اَلْحَاقَّةُ و هذا إخبار من اللّه سبحانه و تعالى بها،و إعلان للنّاس بوقوعها؛حيث يشتمل عليهم الفزع،و يستبدّ بهم الخوف من مجرّد التّلفّظ بها.

مَا الْحَاقَّةُ؟ و هذا سؤال من النّاس عن هذا الكائن العجيب،الّذي يشيع ذكره الرّعب و الفزع، و كأنّهم يتّجهون بهذا السّؤال إلى النّبيّ الّذي ألقى بهذا الاسم على أسماعهم.

ص: 200

وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ؟ و هذا جواب من اللّه سبحانه على تساؤل السّائلين للنّبيّ عن الحاقّة،إنّ النّبيّ الّذي يسألونه،و يرجون الجواب عنده،لا يدري ما هي الحاقّة؟إنّها شيء من وراء تصوّرات العقول،و احتمال المدارك.

أمّا معنى اَلْحَاقَّةُ من حيث اللّغة،فهو اسم فاعل من الحقّ،و حقّ الشّيء:وجب و وقع،فالحاقّة لغة بمعنى الواجبة،و الواقعة،أي الواجبة الوقوع،و هذا يعني أنّها شيء سيقع حتما.أمّا ما صفة هذا الشّيء الّذي سيقع،و ما صورته في العقول،فهذا شيء لا يمكن أحدا أن يدرك وصفه،أو يتمثّل صورته،إنّه شيء مهول لم يقع للنّاس شيء مثله،فكيف يستقيم له تصوّر في أفهامهم؟

و جواب السّؤال عن الحاقّة في مَا الْحَاقَّةُ يمكن أن يكون هو كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عادٌ بِالْقارِعَةِ الحاقّة:4، كما سنتعرّض لهذا بعد قليل،و يمكن أن يكون السّكوت عن الجواب هو الجواب،لأنّ الّذين كفروا لا يستمعون إلى هذا الجواب،و لا يؤمنون به،كما فعلت ذلك عاد و ثمود.و إذن،فخير جواب على هؤلاء السّائلين المتعنّتين،هو عدم الرّدّ عليهم،و تركهم في بلبال و حيرة.

(15:1123)

المصطفويّ: أي الحياة الأخرويّة و السّاعة الآتية الثّابتة المحقّقة المسلّمة،الّتي ليس للإنكار و الجهل و الخلاف أثر فيها.و التّعبير بصيغة الفاعل إشارة إلى حدوثها و استقبالها،و هذا دون كلمة الحقّ أو الحقيق الدّالّين بصيغتهما على الثّبوت فعلا،و في حال الحكم.

(2:284)

مكارم الشّيرازيّ: ذهب أغلب المفسّرين إلى أنّ اَلْحَاقَّةُ اسم من أسماء يوم القيامة،باعتباره قطعيّ الوقوع،كما هو بالنّسبة ل اَلْواقِعَةُ في سورة «الواقعة»،و قد جاء في الآية:16،من هذه السّورة الاسم نفسه،و هذا يؤكّد يقينيّة ذلك اليوم العظيم.

مَا الْحَاقَّةُ: تعبير لبيان عظمة ذلك اليوم،كما يقال:إنّ فلانا إنسان،يا له من إنسان،و يقصد من هذا التّعبير وصف إنسانيّته دون تقييد حدّها.

و التّعبير ب ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ هو التّأكيد مرّة أخرى على عظمة الأحداث في ذلك اليوم العظيم،حتّى أنّ البارئ عزّ و جلّ يخاطب رسوله الكريم صلّى اللّه عليه و آله بأنّك لا تعلم ما هو ذلك اليوم؟

و كما لا يمكن أن يدرك الجنين الّذي في بطن أمّه المسائل المتعلّقة بالدّنيا،فإنّ أبناء الدّنيا-في الحقيقة- ليس بمقدورهم إدراك الحوادث الّتي تكون في يوم القيامة.

و ذهب قلّة من المفسّرين إلى القول بأنّ المقصود من اَلْحَاقَّةُ هو الإشارة إلى العذاب الإلهيّ الّذي يحلّ فجأة في هذه الدّنيا بالمشركين،و المجرمين و الطّغاة و أصحاب الهوى و المتمرّدين على الحقّ.

كما فسّرت(القارعة)الّتي وردت في الآية اللاّحقة بهذا المعنى أيضا،و بلحاظ أنّ هذا التّفسير يتناسب بصورة أكثر مع ما جاء في الآيات اللاّحقة الّتي تتحدّث

ص: 201

عن حلول العذاب الشّديد،بقوم عاد و ثمود و فرعون و قوم لوط،فقد ذهب بعض المفسّرين إلى هذا الرّأي أيضا.

و جاء في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله:«إنّ الحاقّة هي الحذر من نزول العذاب»و هو نظير ما جاء في الآية التّالية وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ المؤمن:45.

(18:520)

فضل اللّه :الكلمة مشتقّة من الحقّ الّذي يمثّل الثّبات،و لمّا كان يوم القيامة يمثّل الحقيقة الدّينيّة الثّابتة الّتي لا مجال للشّكّ فيها،فقد عبّر عنه بهذه الكلمة الّتي أريد لها أن تهزّ الضّمير الإنسانيّ في أعماقه،عند ما يتطلّع في وعيه إلى اليوم الآخر الّذي كان الجدل يثور حوله،بين المؤمنين و المكذّبين به،في ما يؤكّده هؤلاء و يكذّبه أولئك،فإذا بالصّيحة تدوّي لتطلق الكلمة غير المألوفة لديهم في اشتقاقها،فتطرحها لتوحي بأنّ الآخرة هي الحاقّة في طبيعة تمثيلها للحقّ،و هي الّتي تعطي الحقّ عمقه و امتداده.

ثمّ يثور السّؤال:ما الحاقّة،ما هي حقيقتها،ما هي تفاصيلها،ما هي طبيعة الموقف فيها،كيف يواجهها، و كيف يكتشف الغموض في داخلها؟و تنطلق الكلمة الأخرى وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ للإيحاء بالتّهويل، فهي الحقيقة الّتي لا مجال لإدراكها لما فيها من الأهوال العظيمة،و المشاهد الكبيرة،و الأوضاع المتنوّعة الّتي لم يشاهدها النّاس من قبل؛بحيث إنّ التّصوّر لا يبلغ مداها.

و هذا ما يريد اللّه للإنسان أن يعيشه في تهاويلها الحقيقيّة الكامنة في الغيب،ليدفعه ذلك إلى مواجهة الموقف الّذي يطلّ عليها في ساحة العمل بكلّ جدّيّة و مسئوليّة،في ما يقبل عليه من حسابها العسير أمام اللّه.(23:67)

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير«الحقّ»على أحد عشر وجها:

فوجه منها:الحقّ:هو اللّه فذلك قوله: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ المؤمنون:71،يقول:لو اتّبع اللّه أهواء المشركين،كقوله تعالى: وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ العصر:3،يعني باللّه أنّه الواحد.

و الوجه الثّاني:الحقّ:القرآن،فذلك قوله: حَتّى جاءَهُمُ الْحَقُّ الزّخرف:29،يعني القرآن، وَ لَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ الزّخرف:30،يعني القرآن من عند اللّه،كقوله: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ ق:5، يعني بالقرآن لمّا جاءهم،و كقوله: فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ القصص:48،يعني القرآن،و نحوه كثير.

و الوجه الثّالث:الحقّ:يعني الإسلام،فذلك قوله:

وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ الإسراء:81،يعني الإسلام، و قال: لِيُحِقَّ الْحَقَّ الأنفال:8،يعني الإسلام.

و الوجه الرّابع:الحقّ:يعني العدل،فذلك قوله:

يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ النّور:25،يعني حسابهم العدل، وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ النّور:25،يعني العدل المبين،و كقوله: اِفْتَحْ بَيْنَنا

ص: 202

وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ الأعراف:89،يعني بالعدل، و كقوله: فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ ص:22،يعني بالعدل.

و الوجه الخامس:الحقّ:يعني التّوحيد،فذلك قوله:

بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ الصّافّات:37،يعني بالتّوحيد، كقوله: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ المؤمنون:70،يعني بالتّوحيد، وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ المؤمنون:70،يعني التّوحيد مثلها في الزّخرف،و كقوله: فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّهِ القصص:

75،يعني التّوحيد للّه،و كذلك: أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ العنكبوت:68،يعني بالتّوحيد.

و الوجه السّادس:الحقّ:يعني الصّدق،فذلك قوله:

وَعْدَ اللّهِ حَقًّا يونس:4،يعني صدقا في المرجع إليه، كقوله: قَوْلُهُ الْحَقُّ الأنعام:73،يعني الصّدق، و قال: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ يونس:53،يعني أصدق هو.

و الوجه السّابع:حقّ:يعني وجب،فذلك قوله:

وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي السّجدة:13،يعني وجبت كلمة العذاب منّي،و كقوله: وَ كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ المؤمن:6،يعني وجبت كلمة العذاب من ربّك، و نحوه كثير.

و الوجه الثّامن:الحقّ:بعينه الّذي ليس بباطل، فذلك قوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ الحجّ:62،أي و غيره من الآلهة باطل.كقوله: وَ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ يونس:

30،يعني لأنّ غيره من الآلهة باطل،نظيرها في الأنعام حيث يقول: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ الأنعام:62،و قال: ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ الأحقاف:3،لم يخلقهما باطلا،يعني لغير شيء.

و الوجه التّاسع:الحقّ:يعني المال،فذلك قوله:

وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ البقرة:282،يعني المال، فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ البقرة:282، يعني الّذي عليه المال.

و الوجه العاشر:أحقّ:يعني أولى،فذلك قوله:

وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ البقرة:247،يعني أولى.

كقوله: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ الأنعام:81،يعني أولى بالأمن،كقوله: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ يونس:35،كقوله: وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62،يعني أولى،و قال: فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ التّوبة:13،يعني أولى.

و الوجه الحادي عشر:حقّ:يعني حظّا،فذلك قوله: وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ المعارج:24، يعني حظّا مفروضا،نظيرها في:19،الذّاريات.(175)

مثله هارون الأعور بتفاوت في التّرتيب.(172)

الحيريّ: باب«الحقّ»على ثلاثين وجها:

أحدها:الصّدق،كقوله: لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ البقرة:144،و في النّساء:122، وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً و في التّوبة:

111، وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ

ص: 203

و في يونس:4 إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا و قوله: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ النّحل:38،و في لقمان:33، إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا و في فاطر:5، إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ و في الجاثية:32، إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ السّاعَةُ و في الأحقاف:17، إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ و في المائدة:107، لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما.

و الثّاني:صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،كقوله: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:

42،و في آل عمران:71 لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ.

و الثّالث:الصّفة،كقوله: قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ البقرة:71،و في الفرقان:32،قوله: إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً

و الرّابع:كما ينبغي،كقوله: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ البقرة:121،و قوله: وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الأنعام:91،نظيرها في الحجّ:74،و الزّمر:67،و قوله:

اِتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ آل عمران:102.

و الخامس:الكعبة،كقوله: وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ البقرة:144، و قوله: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ البقرة:147،و قوله: وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ البقرة:149.

و السّادس:العمل: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ البقرة:176.

و السّابع:أولى،كقوله: وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ البقرة:247،و قوله: فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ التّوبة:13،و قوله: وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62،و قوله: أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي يونس:35،و قوله: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ الأعراف:105.

و الثّامن:المال،كقوله: وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ البقرة:282.

و التّاسع:تبيان الحقّ و الباطل،كقوله: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً آل عمران:3،و قوله: تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ آل عمران:108.

و العاشر:الجرم،كقوله: وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ البقرة:61،و قوله: وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ آل عمران:112.

و الحادي عشر:الزّوال،كقوله: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ الأنعام:73،نظيرها في النّحل:3.

و الثّاني عشر:نقيض الباطل،كقوله: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ الأنعام:62،و قوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الحجّ:6،نظيرها في لقمان:30.

و الثّالث عشر:الرّجم و القصاص و الارتداد، كقوله: وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ الأنعام:151،نظيرها في الإسراء:33،و الفرقان:68.

و الرّابع عشر:الإسلام،كقوله: وَ يُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ

ص: 204

بِكَلِماتِهِ يونس:82،و قوله: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ الأنفال:8،و قوله: وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ الإسراء:81،و قوله: إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ النّمل:79.

و الخامس عشر:الوجوب،كقوله: كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ يونس:33،و قوله: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ يونس:96،و قوله:

وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ السّجدة:13،و قوله: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ يس:7،و قوله: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ يس:70،و قوله: وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ حم السّجدة:25، و قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ الأحقاف:18.

و السّادس عشر:جبرئيل عليه السّلام،كقوله: لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ يونس:94.

و السّابع عشر:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،كقوله: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ الرّعد:14،و قوله: إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ الزّخرف:86.

و الثّامن عشر:النّاسخ و المنسوخ،كقوله: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ النّحل:102.

و التّاسع عشر:صلة الرّحم،كقوله: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ الإسراء:26،نظيرها في الرّوم:38.

و العشرون:التّوحيد،كقوله: وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ الكهف:29،و قوله: بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ الصّافّات:37.

و الحادي و العشرون:الجدّ،كقوله: قالُوا أَ جِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاّعِبِينَ الأنبياء:55.

و الثّاني و العشرون:العذاب،كقوله: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ الأنبياء:112.

و الثّالث و العشرون:اللّه جلّ و علا،كقوله: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ المؤمنون:71،و قوله:

وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ العصر:3.

و الرّابع و العشرون:محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،كقوله: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ المؤمنون:70، و قوله: لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ الزّخرف:78.

و الخامس و العشرون:العدل،كقوله: وَ لَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ المؤمنون:62،و قوله: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ النّور:25.

و السّادس و العشرون:قضاء الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،كقوله:

وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ النّور:49.

و السّابع و العشرون:القرآن،كقوله: ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ سبأ:23،و قوله:

حَتّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَ رَسُولٌ مُبِينٌ الزّخرف:29، و قوله: وَ لَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ الزّخرف:30،و قوله: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ ق:5.

ص: 205

و الثّامن و العشرون:القسم،كقوله: قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ* لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ص:84،85.

و التّاسع و العشرون:الشّقاوة و السّعادة،كقوله:

وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ق:19.

و الثّلاثون:الكائن:كقوله: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ يونس:53.(187)

الدّامغانيّ: [مثل مقاتل إلاّ أنّه أضاف وجها آخر]

و الوجه الثّاني عشر:الحقّ،يعني الحاجة،قوله إخبارا عن قوم لوط: قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ هود:79،يعني من حاجة.(280)

الرّاغب: أصل الحقّ:المطابقة و الموافقة،كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه على استقامة،و الحقّ يقال على أوجه:

الأوّل:يقال لموجد الشّيء بسبب ما تقتضيه الحكمة،و لهذا قيل في اللّه تعالى هو الحقّ،قال اللّه تعالى:

ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ الأنعام:62،و قيل بعيد ذلك: فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ يونس:32.

و الثّاني:يقال للموجد بحسب مقتضى الحكمة،و لهذا يقال:فعل اللّه تعالى كلّه حقّ،و قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً إلى قوله تعالى:

ما خَلَقَ اللّهُ ذلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ يونس:5،و قال في القيامة: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ يونس:53، لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ البقرة:146،و قوله عزّ و جلّ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ البقرة:147،آل عمران:

60،هود:17،الحجّ:54،السّجدة:3،يونس:10، وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ البقرة:149.

و الثّالث:في الاعتقاد للشّيء المطابق لما عليه ذلك الشّيء في نفسه،كقولنا اعتقاد فلان في البعث و الثّواب و العقاب و الجنّة و النّار حقّ،قال اللّه تعالى: فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ البقرة:213.

و الرّابع:للفعل و القول الواقع،بحسب ما يجب، و بقدر ما يجب،و في الوقت الّذي يجب،كقولنا فعلك حقّ و قولك حقّ،قال اللّه تعالى: كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ يونس:33،المؤمن:6، حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ السّجدة:13،و قوله عزّ و جلّ: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ المؤمنون:71،يصحّ أن يكون المراد به اللّه تعالى و يصحّ أن يراد به الحكم الّذي هو بحسب مقتضى الحكمة.(125)

نحوه ملخّصا الفيروزآباديّ.

(بصائر ذوي التّمييز 2:484)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحقّ،أي النّقرة الّتي فيها عظم رأس الفخذ،و كذا النّقرة الّتي في رأس الكتف؛ و الجمع:أحقاق و حقاق.و طعنة محتقّة:هي الّتي تطعن في حقّ الورك.

و الحقّ و الحقّة:وعاء منحوت من خشب و عاج و غير ذلك،ممّا بصلح أن ينحت منه؛و الجمع:حقق

ص: 206

و حقاق و أحقاق،تشبيها بنقرتي الورك و الكتف.و مثله:

الكهول:بيت العنكبوت.

و الحاقّ:وسط الشّيء.يقال:أصبت حاقّ عينه، أي وسطها،و سقط فلان على حاقّ رأسه:وسط رأسه، و جئته في حاقّ الشّتاء:في وسطه،على التّشبيه بالحقّ.

و الحقّ:فتيّ الإبل إذا بلغ هو و أخته أن يحمل عليهما و يركبا،أي استكمل ثلاث سنين و دخل في الرّابعة،فهو حقّ بين الحقّ؛و الجمع:أحقّ و حقاق.و هي حقّة بيّنة الحقّة؛و الجمع:حقق و حقاق.يقال:حقّت الحقّة تحقّ حقّة،أي صارت حقّة،و أحقّت البكرة،إذا استوفت ثلاث سنين.فكلّ من الحقّ و الحقّة وافق سنّه،كما وافق الحقّ عظم رأس الفخذ.

و الحقّ:نقيض الباطل؛و الجمع:حقوق و حقاق.

يقال:حقّ الأمر يحقّه حقّا و أحقّه،أي أثبته و صار عنده حقّا لا يشكّ فيه،و أحقّه:صيّره حقّا،و حقّه و حقّقه:

صدّقه،و حقّق الرّجل،إذا قال:هذا الشّيء هو الحقّ.

فكأنّه أحكمه،كما قال ابن فارس،أو طابقه أو وافقه، كما قال الرّاغب.و على كلا التّقديرين،فالحقّ صفة للحقّ و ملازم له،و كذا الحقّ،و ليس أصلا برأسه كما ذهبا إليه.

و الحقق:هو أن يضع الفرس حافر رجله موضع حافر يده،فهو أحقّ،و هذا من عيوب الخيل.

و التّحاقّ:التّخاصم،و الاحتقاق:الاختصام.

يقال:احتقّ فلان و فلان،و الحقاق:الخصام.يقال:

رجل نزق الحقاق،إذا خاصم في صغار الأشياء،و ما لي فيك حقّ و لا حقاق:خصومة،و حاقّه في الأمر محاقّة و حقاقا:ادّعى أنّه أولى بالحقّ منه،و احتقّ القوم:قال كلّ واحد منهم:الحقّ في يدي.

و الحاقّة:السّاعة،سمّيت حاقّة لأنّها تحقّ كلّ محاقّ في دين اللّه بالباطل،أي كلّ مجادل و مخاصم فتحقّه،أي تغلبه و تخصمه.

و يحقّ عليك أن تفعل كذا:يجب.يقال:أنت حقيق عليك ذلك،و حقيق عليّ أن أفعله،و أنا حقيق على كذا:

حريص عليه.و حققت عليه القضاء أحقّه حقّا، و أحققته أحقّه إحقاقا:أوجبته،و أحقّ الرّجل:قال شيئا،أو ادّعى شيئا فوجب عليه،و استحقّ الشّيء:

استوجبه.

و الحقّة:الوقت.يقال:أتت النّاقة على حقّتها،أي على وقتها الّذي ضربها الفحل فيه من قابل،و سمّيت الحقّة لأنّها استحقّت أن يطرقها الفحل.و استحقّت النّاقة لقاحا:لقحت و استحقّ لقاحها.

و حقّ النّاقة و استحقاقها:تمام حملها،و إذا جازت النّاقة السّنة و لم تلد،قيل:قد جازت الحقّ،و كان ذلك عند حقّ لقاحها و حقّ لقاحها،حين ثبت ذلك فيها.

و حقّت النّاقة و أحقّت و استحقّت:سمنت،و أحقّ القوم إحقاقا:سمن مالهم،و أحقّ القوم من الرّبيع إحقاقا:

أسمنوا،أي سمنت مواشيهم،و استحقّت إبلنا ربيعا، و أحقّت ربيعا،إذا كان الرّبيع تامّا فرعته،و كلّ ذلك من الحقّ،أي الإحكام.

و الحقيقة:الرّاية،و الحرمة،و كلّ ما يحقّ على

ص: 207

الرّجل أن يحميه.يقال:فلان حامي الحقيقة،إذا حمى ما يجب عليه حمايته.

و الحقّة:حقيقة الأمر.يقال:لمّا عرفت الحقّة منّي هربت.

2-و شاع في هذا العصر استعمال لفظ التّحقيق في معنى التّنقيح،و قيل لصاحبه:محقّق،أي منقّح،و يطلق غالبا على تنقيح الآثار القديمة للمؤلّفين.و هو معنى مستحدث،دخل العربيّة عبر المستشرقين الأوربيّين، و المغتربين العرب.

و استعمل بعض لفظ البحث مترادفا للفظ التّحقيق، فيقول:بحث الأمر و فيه،أي حقّقه،و هو خلاف الأصل؛ لأنّ البحث يستعمل في اكتناه الشّيء،كطلب شيء في التّراب،و التّفتيش في المعدن عن الذّهب و الفضّة،كما تقدّم في«ب ح ث».

و التّحقيق في اللّغة:المبالغة في إحكام الشّيء،من قولهم:صبغت الثّوب صبغا تحقيقا،أي مشبعا،و ثوب محقّق:محكم النّسج،و كلام محقّق:رصين،و الاصطلاح:

إثبات المسألة بدليلها.

و حقيق أن يطلق«التّحقيق»على كلّ عمل مصنّف و مؤلّف،دعم فيه صاحبه آراءه بالحجّة و الدّليل.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الماضي مجرّدا معلوما 18 مرّة،و مجهولا مرّتين و«فعيلا»مرّة،و اسم فاعل 3 مرّات،و اسم تفضيل 10 مرّات،و مصدرا أو اسم مصدر وصفا مبالغة نظير(زيد عدل)،247 مرّة،و المضارع من(الإفعال) 4 مرّات،و الماضي من(الاستفعال)مرّتين،في 232 آية:

من حقّت عليه الضّلالة

1- فَرِيقاً هَدى وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ...

الأعراف:30

2- ...فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ... النّحل:36

من حقّ عليه القول

3- ...أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً الإسراء:16

4- قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا... القصص:63

5- ...وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ السّجدة:13

6- لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ

يس:7

7- فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنّا لَذائِقُونَ

الصّافّات:31

8- ...وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ... فصّلت:25

9- أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ... الأحقاف:18

10- لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ يس:70

من حقّت عليه كلمة العذاب

ص: 208

11- أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النّارِ الزّمر:19

12- كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ... يونس:33

13- إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ يونس:96

14- ...قالُوا بَلى وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:71

15- وَ كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النّارِ... المؤمن:6

من حقّ عليه العقاب و العذاب و الوعيد

16- إِنْ كُلٌّ إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ

ص:14

17- وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ... الحجّ:18

18- ...كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ق:14

السّماء أو الأرض حقّت

19- إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ* وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ الانشقاق:1،2

20- وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ * وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ الانشقاق:4،5

إحقاق الحقّ

21- ...وَ يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ الأنفال:7

22- لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ الأنفال:8

23- وَ يُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ يونس:82

24- ...وَ يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ الشّورى:24

استحقّ و استحقّا

25- فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ... المائدة:107

أحقّ

26- وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً... البقرة:228

27- ...فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما... المائدة:107

28- ...قالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ... البقرة:247

29- ...فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. الأنعام:81

30- ...أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ التّوبة:13

31- ...وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ التّوبة:62

32- لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ... التّوبة:108

33- ...أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى... يونس:35

ص: 209

34- ...وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ...

الأحزاب:37

35- وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها... الفتح:26

حقيق-الحاقّة

36- حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ... الأعراف:105

37-39- اَلْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ الحاقّة:1-3

40-232 الحقّ

يلاحظ أوّلا:أنّ البحث فيها يتمّ في ثلاثة فصول:

الأوّل في الأفعال،و الثّاني فيما اشتقّ منها،و الثّالث في كلمة«حقّ»:

الفصل الأوّل في الأفعال مجرّدة و مزيدة،و هي أصناف:

الصّنف الأوّل:في من حقّت عليه الضّلالة:آيتان (1 و 2)،و البحث فيهما و في أمثالهما من الآيات الّتي تسند الهداية و الإضلال إلى اللّه موكول إلى«ه د ي،و ض ل ل»فانتظر.و المراد به حقّت،أي ثبتت.

الصّنف الثّاني:في من حقّ عليهم القول:

(3-10)،أو كلمة العذاب:(11-15)،أو العقاب و العذاب:(16-18)و المراد بالجميع ثبوت العذاب على الكافرين و الفاسقين و أمثالهم جزاء لهم،و التّعبير عن العذاب ب«القول».أو«كلمة ربّك»،أو«كلمة العذاب» أريد بها ما سبق منه تعالى من الوعيد لهم،كما قال في (18) فَحَقَّ وَعِيدِ أي صدق و ثبت ما وعدهم من العذاب.لاحظ و ع د:«وعيد»

و بعضهم فسّر الكلمة بما كتب اللّه عليهم من الضّلال و العذاب،فيرجع البحث إلى تقدير«الضّلالة»عليهم، كما قال في(12): كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.

الصّنف الثّالث:في أنّ السّماء حقّت،و كذلك الأرض(19 و 20)و فيهما بحوث:

1-أنّهما من أعلام القيامة،فالسّماء تنشقّ،و الأرض تمدّ،أي تنبسط باندكاك جبالها و آكامها حتّى تصير كالصّحيفة الملساء-لاحظ م د د:«مدّت»-و كلاهما تطيعان أمر ربّهما،و حقيق لهما ذلك.

2-قالوا في معنى(حقّت)في الموضعين:حقّ لها أن تفعل،حقّقت لطاعة ربّها،حقّ لها أن تطيع ربّها،حقّق اللّه عليها الاستماع و الانقياد إلى طاعته،أطاعت، جمعت،جعل ذلك حقّا لها،و نحوها.و المراد لزوم طاعتها للّه تكوينا فلا يتخلّفان عمّا قرّر لهما.

قال الزّمخشريّ: «من قولك هو محقوق بكذا و حقيق به،يعني و هي حقيقة بأن تنقاد و لا تمتنع»،و نحوه الفخر الرّازيّ و القرطبيّ.

و قال أبو حيّان: «هذا الفعل مبنيّ للمفعول،و الفاعل هو اللّه تعالى،أي و حقّ اللّه تعالى عليها الاستماع.و يقال:

فلان محقوق بكذا و حقيق بكذا...»،و بذلك ظهر أنّ فاعل(حقّت)هو اللّه،و المفعول هو السّماء،و كذلك الأرض،كما قال الطّوسيّ:«حقّ له أن يكون على هذا

ص: 210

الأمر بمعنى جعل ذلك حقّا»،و قال الطّباطبائيّ:«جعلت حقيقة و جديرة بأن تسمع».

3-قال الزّمخشريّ في توجيه انقيادهما للّه:«إنّ القادر بالذّات يجب أن يتأتّى له كلّ مقدور و يحقّ ذلك»، و قال الفخر الرّازيّ:«و هي حقيقة بأن تنقاد،و ذلك لأنّه جسم،و كلّ جسم فهو ممكن لذاته،و كلّ ممكن لذاته فإنّ الوجود و العدم بالنّسبة إليه على السّويّة، و كلّ ما كان كذلك كان ترجيح وجوده على عدمه،أو ترجيح عدمه على وجوده،لا بدّ و أن يكون بتأثير واجب الوجود و ترجيحه،فيكون تأثير قدرته في إيجاده و إعدامه نافذا ساريا من غير ممانعة أصلا،و أمّا الممكن فليس له إلاّ القبول و الاستعداد،و مثل هذا الشّيء حقيق به أن يكون قابلا للوجود تارة و للعدم أخرى من واجب الوجود».و عندنا أنّ معنى الآية لا يحتاج إلى التّطويل بهذا القياس المنطقيّ الفلسفيّ،و قد عبّر اللّه في أمثال ذلك ب«التّسخير»في آيات،لاحظ س خ ر:

«سخّر».

و في هذا المجال قال أبو حيّان:«و المعنى أنّه لم يكن في جرم السّماء ما يمنع من تأثير القدرة في الشّقاوة و تفريق أجزائه و إعدامه»،و قال القرطبيّ:«و طاعة السّماء بمعنى أنّها لا تمنع ممّا أراد اللّه بها،و لا يبعد خلق الحياة فيها حتّى تطيع و تجيب».

و الظّاهر-كما سبق-أنّ طاعتهما تكوينيّ لا عن إرادة،و بذلك فسّر ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فصّلت:11،لاحظ ط و ع:«طائعين».

و قال فضل اللّه:«فليس انشقاقها و انشطارها بطريقة قسريّة خارجة عن إرادتها،بل هو الانصياع و الاستسلام لأمر اللّه...فلا مشيّة لها من دون مشيّته -إلى أن قال-:إنّه التّعبير الكنائيّ الحيّ المتحرّك الّذي يوحي بأنّ للسّماء عقلا و إرادة و وعيا لمقام ربّها، و لموقعها منه،فتتصرّف من خلال ذلك،في ما يقع فيها من أحداث...و بالخضوع لطاعة اللّه وفق القوانين أو السّنن الطّبيعيّة الّتي أودعها اللّه فيها...».

و كأنّه تردّد بين أنّ طاعتها إراديّة أو طبيعيّة،أو أراد الجمع بينهما!!و الحقّ أنّها طبيعيّة وفق القوانين التّكوينيّة الّتي جعلها في الطّبيعة.

الصّنف الرّابع:ما جاء فيه(يحقّ)مضارعا من باب«الإفعال»و فاعله اللّه،و مفعوله(الحقّ): يُحِقَّ الْحَقَّ (21-24)و فيها بحوث:

1-يظهر منها أنّ«حقّ»مجرّدا لازم،و إنّما جاء في (19 و 20)(حقّت)بالبناء للمفعول بيانا لما«يحقّ اللّه» و إلاّ فلا فرق في المجرّد منها بين المعلوم و المجهول،كما تقدّم في(1-18).

2-قالوا في معنى يُحِقَّ الْحَقَّ أن يظهر دينه الإسلام بنصرته و تحقيقه،أن يحقّ الإسلام و يعليه بكلماته و يعزّ الإسلام،و ذلك هو تحقيق الحقّ،أن يظهر محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و من معه على الحقّ،ليعلي الحقّ و يسفل الباطل،يثبته و يعليه،ليظهر ما يجب إظهاره و هو الإسلام،و الحقّ حقّ أبدا،و لكن إظهاره تحقيق له من

ص: 211

حيث إنّه إذا لم يظهر أشبه الباطل،يظهر دين الإسلام و يعزّه،المراد بإحقاق الحقّ:إظهاره و إثباته بترتيب آثاره عليه،يثبته بوحيه و سننه في الكون،ليكون هو المهيمن على حركة الحياة و تكوّن قيادته.

و منها يعلم أنّهم فسّروا يُحِقَّ الْحَقَّ بإظهاره و إثباته و إعلائه و إعزازه،دون جعل الحقّ حقّا،و كذلك عكسه في الباطل فسّروه بمحو الباطل دون جعل الباطل باطلا،مع أنّ ظاهر الآيات هو إحقاق الحقّ و إبطال الباطل،و بذلك استخلصوا من شبهة تحصيل الحاصل -كما يأتي-و ما ذكروه موافق لمعنى المادّة لغة،و هو الثّبوت.و يؤيّده أنّه قد جاء في(24)بدل«إبطال الباطل»محو الباطل و قذفه و دمغه.

و لنا رأي هنا،و هو أنّهما للمبالغة من قبيل«شعر شاعر و مات الميّت».لاحظ:«ب ط ل»الاستعمال القرآنيّ.

3-قالوا:إنّ تحقيق الحقّ و إبطال الباطل متعذّر، لأنّه تحصيل الحاصل.و أجابوا عنه بوجهين:

أوّلا:بأنّ المراد بهما-كما مرّ-إظهار الحقّ حقّا و الباطل باطلا.

و ثانيا-كما يأتي-:بأنّ المراد بالحقّ و الباطل مصاديقهما.

4-قالوا:في المراد ب(الحقّ)في يُحِقَّ الْحَقَّ وجوها:اللّه،و القرآن،و الإيمان،و الإسلام،و بالباطل ضدّها.و هذا خلاف في مصداق الحقّ و الباطل دون مفهومهما،و لا ضير فيه.و على رأينا المراد ب(الحقّ) و(الباطل):نفسهما،و أنّ هذا التّعبير-كما سبق-مبالغة، و ليس تحصيلا للحاصل.

5-قد كرّر يُحِقَّ الْحَقَّ في(21 و 22) وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَ يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ* لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ فما هو وجه التّكرار؟و أجابوا عنه بوجوه:

منها:أنّ المراد بالأوّل التّمييز بين إرادتهم و إرادة اللّه،فإنّهم أرادوا ذات الشّوكة،و اللّه أراد تحقيق الحقّ، و إبطال الباطل،و بالثّاني بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذات الشّوكة على غيرها.

و منها:أنّ المراد بالأوّل سبب ما وعد به في هذه الواقعة من النّصر و الظّفر بالأعداء،و بالثّاني تقوية الحقّ و نصرة الإسلام،أو بيان الحكمة في قطع دابر الكافرين.

و منها:أنّ المراد بالأوّل انتصار المسلمين في واقعة بدر،و بالثّاني(22)انتصار الإسلام،و بأنّ الإرادة في الأوّل تشريعيّة،و في الثّاني نتيجة لها.

قاله المكارم،و لا يفهم مراده.و قريب منه مغنيّة، و قال:أوضح تفسير لها: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ التّوبة:33.و هذا بيان للمعنى،و ليس وجها للتّكرار.

و منها:أنّ الأوّل جزئيّ،أي أنتم تريدون العير و اللّه يريد إهلاك النّفير،و الثّاني كلّيّ يشمل هذه القضيّة و غيرها من القضايا الّتي حصل في ضمنها إعلاء كلمة اللّه

ص: 212

و قمع الباطل.

قلنا:يظهر الفرق بينهما في ما تعلّق به الفعلان و ما قورن بهما من القيود،و الأوّل مفعول ل يُرِيدُ اللّهُ، و الثّاني متعلّق ب يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ، فقد أراد اللّه في الأوّل أن يحقّ الحقّ بكلماته و يقطع دابر الكافرين، و في الثّاني قطع دابر الكافرين ليحقّ الحقّ و يبطل الباطل،فالأوّل لبيان العلّة،و الثّاني لبيان الغاية.

و يخطر بالبال أنّ الثّاني كرّر للمقابلة بين الحقّ و الباطل صريحا بعد أن كانت المقابلة بينهما في الأوّل غير صريح،و على كلّ حال ففي التّكرار مبالغة و تشديد في الأمر،كما لا يخفى.

6-متعلّق اللاّم في الأوّل فعل يُرِيدُ اللّهُ قولا واحدا،و في الثّاني أقوال و وجوه:

منها:أنّها متعلّقة ب(يقطع)-و هو الظّاهر-و قد اخترناه.

و منها:أنّها متعلّقة ب يَعِدُكُمُ اللّهُ أي إنّما وعدكم اللّه ذلك-و هو لا يخلف الميعاد-ليحقّ الحقّ و يبطل الباطل،قاله الطّباطبائيّ.و هو بعيد عن السّياق،لأنّ الظّاهر أنّ بيان ما وعد اللّه يبدأ من وَ يُرِيدُ اللّهُ و يدوم إلى وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ.

و منها:ما اختاره الزّمخشريّ: و نظيره البروسويّ «أنّها متعلّقة بفعل مقدّر مؤخّر عنها-و الجملة مستأنفة- أي لهذه الغاية الجليلة فعل ما فعل،لا لشيء آخر»و هو الظّاهر من الكاشانيّ؛إذ قال بعدها:«فعل ما فعل»، و هذا بعيد أيضا.

7-و قد ربط الفخر الرّازيّ لِيُحِقَّ الْحَقَّ بمسألة خلق أفعال العباد بلحاظ أنّه ليس الحقّ إلاّ الدّين و الاعتقاد،فدلّ على أنّه لا يحصل إلاّ بتكوين اللّه، و أطال الكلام فيها،كما ذكر هو أنّ المعتزلة أيضا تمسّكوا به لمذهبهم أنّها فعل العباد،فلاحظ.

8-قد جمع اللّه بين الحقّ و الباطل في 13 آية قد سبقت في«ب ط ل»-الاستعمال القرآنيّ-و جمع بين تحقيق الحقّ و إبطال الباطل أو محو الباطل مرّتين في(22 و 24): لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ، و يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ، بتقديم و تأخير،و بتبديل (يبطل)ب(يمح)فما هو الوجه في ذلك؟

و الجواب:أنّ التقديم في لِيُحِقَّ الْحَقَّ ليطابق الآية قبلها،كما قلنا:إنّ التّكرار فيها مقابلة بين الحقّ و الباطل صريحا بعد المقابلة بينهما فيما قبلها،إيماء بقوله:

وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ. أمّا تقديم وَ يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ لأنّ الكلام قبله كان في رفض الباطل أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ، ثمّ قال: وَ يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ، فالغرض فيها محو الباطل،و يُحِقَّ الْحَقَّ تتميم له و تأكيد.

و من هنا نجيب عن وجه التّبديل بأنّ الافتراء كان باطلا موجودا فمحاه ب يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ، و ليس المناسب لهذا السّياق يُبْطِلَ الْباطِلَ.

9-قيّد لِيُحِقَّ الْحَقَّ في ثلاث منها ب بِكَلِماتِهِ، و المراد بها-كما قال الطّبرسيّ(5:

ص: 213

521)-عداته السّابقة،فهي وفاء بالوعد-لاحظ:ك ل م؛«كلمات»-.و لم يقيّد بها في(22)،لأنّه تكرار لما قبله و تأكيد له،فلا حاجة إلى التّقييد به ثانيا.

10-ختم يُحِقَّ الْحَقَّ في(21)بقوله: يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ و في(22) وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ تنبيها على أنّ الكفّار أجرموا بوقوفهم خلف الباطل و كراهتهم الحقّ،فتحقيق الحقّ و إبطال الباطل من اللّه يكون رغما لأنفسهم،فهو عذاب نفسانيّ،وراء العذاب الجسمانيّ.

الصّنف الخامس:جاء الفعل الماضي منها من «الاستفعال»في(25)مرّتين فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ، و فيها بحوث:

1-هذه الآية نزلت في الاستشهاد على الوصيّة في السّفر بمؤمنين عادلين أو بكافرين ظهر فسقهما بعد شهادتهما،و عبّر عنه بقوله: فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً أي كسبا إثما فالاستحقاق فيها حقيقة،و لا إبهام في هذا الشّرط.

2-ثمّ قال في جواب الشّرط فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ، و في قراءته و إعرابه و معناه خلاف كثير،و اختلاف القراءة في كلمتين:(استحقّ)و(الاوليان).

فقرأ حفص عن عاصم استحق عليهما الاوليان بفتح التّاء ماضيا مبنيّا للفاعل،و بفتح الألف تثنية«الأولى»،و قراءة الجمهور بضمّ التّاء و فتح الألف كسابقها،و قراءة الآخرين(أوّلين)جمع(أوّل)،أو (أوّلان)تثنيته.و قد نشأ عنها اختلاف المعنى،و قلّما تجد آية في كتاب اللّه وقع فيها الخلاف مثل ما وقع في هذه الآية.قال الطّبرسيّ(4:260):«و هذه الآية مع الآية الّتي قبلها«آية استحقّ»من أعوص آيات القرآن إعرابا و معنى و حكما».

3-و نحن نكتفي بما لخّصه الطّباطبائيّ في معناها بعد التّفصيل،قال:«و حاصل المعنى أنّه إن عثر على أنّ الشّاهدين أجرما على أولياء الميّت بالخيانة و الكذب، فيقوم شاهدان آخران من أولياء الميّت الّذين أجرم عليهم الشّاهدان الأوّلان بالميّت قبل ظهور استحقاقهما الإثم.هذا على قراءة(استحقّ)بالبناء للفاعل.فأمّا على قراءة الجمهور:(استحقّ)بضمّ«التّاء»و كسر«الحاء» بالبناء للمفعول،فظاهر السّياق أن يكون اَلْأَوْلَيانِ مبتدأ خبره فَآخَرانِ يَقُومانِ قدّم عليه لتعلّق العناية به،و المعنى:إن عثر على أنّهما استحقّا إثما،فالأوليان بالميّت هما آخران يقومان مقامهما من أوليائه المجرم عليهم».

هذا كلّه من الفصل الأوّل في الأفعال.

الفصل الثّاني فيما اشتقّ منها،و هي ثلاث كلمات:(احقّ)تفضيلا 10 مرّات(26-35)،و (حقيق)وصفا مرّة(36)،و(الحاقّة)اسم فاعل 3 مرّات(37-39).

أمّا(احقّ)فآيتان منها تشريع:

إحداهما:في الأحقّ من الزّوجين بالرّجوع بعد

ص: 214

الطّلاق:(26) وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً أي بعولة المطلّقات أولى بالرّجوع إليهنّ بعد التّطليقة،لو أرادا إصلاحا.و يستفاد منها أنّ للمرأة حقّا في الرّجوع أيضا،مع أنّه لا حقّ فيه لغير الزّوج.و أجيب عنه بوجوه:

1-(احقّ)هاهنا بمعنى«حقيق»و عبّر عنه بالتّفضيل مبالغة،كأنّه قيل:للبعولة حقّ الرّجعة،أي حقّ محبوب عند اللّه بخلاف الطّلاق فإنّه مبغوض.

2-معناه أنّ الرّجل إذا أراد الرّجعة و أبتها المرأة وجب إيثار قوله على قولها،فهو أحقّ بالرّجوع منها عند الاختلاف.

3-جاء قبلها وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ فكأنّه قال بعده:فإنّهنّ إن كتمن لأجل أن يتزوّج بهنّ زوج آخر،فإذا فعلن ذلك كان الزّوج الأوّل أحقّ بردّهنّ من الثّاني،لأنّه ثبت للزّوج الثّاني أيضا حقّ في الظّاهر.

و كذا إذا ادّعت انقضاء أقرائها،ثمّ علم خلافه، فالزّوج الأوّل أحقّ بها من الآخر في العدّة.

4-إذا كانت معتدّة فلها في مضيّ العدّة حقّ انقطاع النّكاح،فلمّا كان لهنّ هذا الحقّ الّذي يتضمّن إبطال حقّ الزّوج،جاز أن يقول: وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ من حيث أنّ لهم أن يبطلوا بالرّجعة ما هنّ عليه من العدّة.هذه ما جاء في النّصوص من الوجوه،و لا يخلو شيء منها من تكلّف.

5-ما يخطر بالبال أنّ(احقّ)بمعنى«أولى»إذ الرّجوع إلى النّكاح الأوّل و الانصراف عن الخصومة و الفراق مطلوب من كلّ من الزّوجين،لكنّه من الزّوج أولى،لأنّ بيده أمر النّكاح و الطّلاق،فإنّه أقدم على الطّلاق،فهو أولى بالرجوع.و هذه أولويّة أخلاقيّة لا تشريعيّة،حتّى يقال:لا حقّ للزّوجة تشريعا في الرّجوع.و يشهد به قوله:«ان ارادا اصلاحا»أي إذا ندما على ما وقع بينهما من الخصام و الفراق،و صمّمها على رفعه،فمن فرّق بينهما بالطّلاق-و هو الزّوج-أولى بالرّجوع.و لأنّ المرأة ربّما أخذته الحياء فلم تبد ما في قلبها،و ليس الزّوج كذلك،فهو أولى بإظهار النّدامة منها.و يشهد بما ذكرنا أنّ سياق الآية هنا تأديب لا تشريع.

و قال المكارم:«إنّ شرط«ان ارادا اصلاحا» يقيّد العودة بالإصلاح،فلا يحقّ للرّجل أن يعود ليواصل أذاه للمرأة و ضغطه عليها...،و كذا لا يحقّ للمرأة أن تعود لتواصل حقدها للرّجل»و هذا أيضا مؤيّد لما ذكرنا،فيفيد هذا الشّرط أنّهما ندما على ما أقدما عليه من الفراق حقيقة،و عن صميم القلب،و حبّ التّعايش مجدّدا،دون حيلة و خيانة بينهما.هذا كلّه في الأحقّ بالرّجوع في الطّلاق.

و ثانيتهما في الأحقّ بالشّهادة على الوصيّة(27):

فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَ مَا اعْتَدَيْنا إِنّا إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ، قال الطّبرسيّ(4:

260):«قيل:إنّه على الظّاهر،أي شهادتنا و قولنا في وصيّة صاحبنا أحقّ بالقبول و الصّدق من شهادتهما و قولهما.و قيل:يريد به فيقولان:و اللّه ليميننا خير من

ص: 215

يمينهما.و سمّيت اليمين هاهنا شهادة،لأنّ اليمين كالشّهادة على ما يحلف عليه أنّه كذلك».لاحظ:ش ه د:

«الشّهادة».

و أمّا سائر الآيات-و هي ثمان-(28-35):

فالأحقّ فيها بمعناه المعروف في حقل العقيدة و السّلوك بحسب مواضيعها:الملك،و الأمن،و خشية اللّه، و رضائه،و تقواه،فلاحظ.

و أمّا(حقيق)فجاء مرّة واحدة(36): حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ و فيها بحوث:

1-القراءة المشهورة(على ان)،و قرأ نافع وحده (علىّ)بتشديد الياء،و بذلك يختلف إعرابها و تفسيرها، و إن اتّحد المعنى،أي أنا حقيق على ترك القول أو بترك القول-على أن يكون(على)بمعنى«الباء»-إلاّ الحقّ،أو حقيق عليّ ترك القول إلاّ الحقّ.

2-(حقيق)بمعنى«الجدير»على الأوّل،و بمعنى «الحاقّ»أي الواجب على الثّاني.

3-و هو خبر مبتدإ محذوف«أنا»على الأوّل،و هو مبتدأ و خبره(علىّ)على الثّاني.

و أمّا الحاقّة فقد كرّرت 3 مرّات،في 3 آيات متوالية اَلْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ و فيها بحوث أيضا:

1-قد كرّر هذا الأسلوب مرّة أخرى في اَلْقارِعَةُ * مَا الْقارِعَةُ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ القارعة:1- 3،و قد جاءتا بشأن يوم القيامة تفخيما و تهويلا لها، و هما-أي الحاقّة و القارعة-من أسماء هذا اليوم و أوصافه في القرآن.لاحظ:ق و م:«القيامة».

2-(الحاقّة)جاءت مفردة لا في جملة إبهاما لها، فلا محلّ لها من الإعراب،و جملة مَا الْحَاقَّةُ سؤال عنها يزيد في الإبهام،ثمّ يزيد الإبهام قوله: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ فهي إبهام بعد إبهام-و كذا القارعة -و هذا أولى ممّا اتّفقوا عليه من أنّها مبتدأ،و جملة مَا الْقارِعَةُ خبر لها.

و قال الفرّاء:«و(الحاقّة)مرفوعة بما تعجّبت منه من ذكرها كقولك:الحاقّة ما هي؟و الثّانية راجعة إلى الأوّل»و هذا قريب ممّا قلناه.و نظيرها: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ القدر:1 و 2، و كذا أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ الواقعة:

27.

3-قالوا في تسمية«القيامة»ب(الحاقّة):لأنّ حقائق الأمور تحقّ فيها،تحقّ للمؤمن بإيمانه الجنّة، و تحقّ للكافر بكفره النّار،لأنّ فيها الثّواب و العقاب، و يجب الجزاء على الأعمال،من:حقّ يحقّ-بالكسر- عليه الشّيء،إذا وجب،لأنّها تحقّ كلّ شيء يعمله إنسان من خير أو شرّ،لأنّها حقّت فلا كاذبة لها،كما قال: وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:71،لأنّه حقّ على المؤمن أن يخافها،من:حقّ يحقّ-بالضّمّ-أي توجب لكلّ أحد ما استحقّه.

فيرجع أقوالهم إلى أنّ(الحاقّة)إمّا لازم،أي هي حقّ في نفسها،و هذا من حقّ يحقّ-بالكسر-أي واجب و ثابت،أو متعدّ أي هي تحقّق الثّواب و العقاب

ص: 216

و توجبهما لأهلهما،من حقّ يحقّ-بالضّمّ-و الأوّل هو الظّاهر،مثل(الواقعة)أي الّتي تقع يقينا.و الإسناد على الأوّل حقيقيّ،و على الثّاني مجازيّ-كما قال الرّاغب-أي يحقّ فيها الجزاء.

4-(الحاقّة)اسم فاعل عند أكثرهم.و قال بعضهم:

إنّها مصدر كالعاقبة و العافية،فكأنّه قال:ذات حقّ.

و عندنا أنّها صيغة مبالغة،و التّاء للمبالغة لا للتّأنيث،مثل«الرّاوية»و كذلك«القارعة» و«الواقعة»،و لعلّ«العاقبة و العافية»مبالغة أيضا و ليستا مصدرا.

5-في جواب السّؤال: مَا الْحَاقَّةُ؟ وجهان:

الأوّل ما بعدها: كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عادٌ بِالْقارِعَةِ.

و الثّاني أنّ السّكوت عن الجواب هو الجواب تهويلا لها،و هو الأقرب،نظير ما قلنا:إنّ(الحاقّة)الأولى جاءت مفردة-لا في جملة-تفخيما و تهويلا.

الفصل الثّالث:(الحقّ)و فيه أبحاث:

البحث الأوّل:جاءت كلمة(الحقّ)في القرآن 247 مرّة-مع أنّ كلمة(الباطل)جاءت 24 مرّة-و مجموع مادّته 287 مرّة،و هذا من جملة المواد المكثّرة في القرآن.

البحث الثّاني:جاء(الحقّ)بأنحاء مختلفة في مواضيع كثيرة،فذكر شطرا منها تحت عناوينها،و معظمها واضح لا يحتاج إلى بيان،و ما احتاج إليه فقد جاء بيانه في النّصوص التّفسيريّة هنا،أو في موادّ أخرى تناسبها فنكتفي بالعناوين و آياتها:

أ:جاء الحق مقابل الباطل في 13 آية،لاحظ:

ب ط ل:«الباطل».

ب:جاء وصفا للّه تعالى في 11 آية:

1- ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ... الأنعام:62

2- ...وَ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ...

يونس:30

3- فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ... يونس:32

4- هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ... الكهف:44

5- فَتَعالَى اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ... طه:114

6- ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ... الحجّ:6

7- ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ... الحجّ:62

8- وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ... المؤمنون:71

9- ...وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ

النّور:25

10- ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ... لقمان:30

11- سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ... فصّلت:53

ج-جاء مختصّا باللّه في 16 آية:

1- اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ

البقرة:147

2- ...وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ... البقرة:149

3- اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ

آل عمران:60

ص: 217

4- وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ... الكهف:29

5- ...فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّهِ... القصص:75

6- وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الأنعام:91

7- ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ

الحجّ:74

8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ...

آل عمران:102

9- ...وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ... الأنعام:73

10- لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ الرّعد:14

11- أَلا إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ يونس:55

12- ...رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ... هود:45

13- وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ... إبراهيم:22

14- وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ... الكهف:21

15- وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً الفرقان:33

16- ...رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ الأعراف:89

د:جاء مختصّا بالأنبياء في 9 آيات:

1- ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مريم:34

2- فَلَمّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ*...* وَ أَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَ إِنّا لَصادِقُونَ الحجر:61-64

3- قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ الحجر:55

4- قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ...

هود:79

5- قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ... يوسف:51

6- قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ البقرة:71

7- فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ يونس:76

8- كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ

الأنفال:5

9- وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتّى جاءَ الْحَقُّ

التّوبة:48

ه:جاء بشأن القرآن في 18 آية،19 مرّة:بثلاثة أنحاء:

الأوّل:هو الحقّ:آيتان:

1- ...فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ... البقرة:26

2- ...وَ يَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ... البقرة:91

الثّاني:النّزول بالحقّ:و ما بمعناه 13 آية:

3- ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ...

البقرة:176

ص: 218

4- نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ... آل عمران:3

5- إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ... النّساء:105

6- ...وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ... المائدة:48

7- قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ... يونس:108

8- ...فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ... هود:17

9- ...وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ هود:120

10- ...وَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ...

الرّعد:1

11- قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ

النّحل:102

12- وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً الإسراء:105

13- وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ... الحجّ:54

14- أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ...

المؤمنون:70

15- بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ

المؤمنون:90

الثّالث:التّلاوة بالحقّ 3 آيات:

16- اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ... البقرة:121

17- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ...

البقرة:252

18- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ...

آل عمران:108

و-إرسال الرّسل بالحقّ:5 آيات:

1- إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً...

البقرة:119

2- ...وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ...

آل عمران:86

3- يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ... النّساء:170

4- ...لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ...

الأعراف:43

5- يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ... الأعراف:53

ز-الهداية بالحقّ:3 آيات،أربع مرّات:

1- وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ الأعراف:159

2- وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ

الأعراف:181

3- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ

ص: 219

أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى... يونس:35

ح-دين الحقّ:آيتان:

1- ...وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ... التّوبة:29

2- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ... التّوبة:33

ط-الاختلاف في الحقّ و الإعراض عنه 3 آيات:

1- ...فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ... البقرة:213

2- ...بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ الأنبياء:24

3- قالُوا أَ جِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاّعِبِينَ

الأنبياء:55

ي-لبس الحقّ و كتمانه:آيتان:

1- وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:42

2- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ آل عمران:71.

ك-التّكذيب بالحقّ و ردّه:3 آيات:

1- فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ...

الأنعام:5

2- وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُّ...

الأنعام:66

3- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ البقرة:109

ل-القول بالحقّ و بغير الحقّ:3 آيات:

1- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ... النّساء:171

2- ...قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ... المائدة:116

3- اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ الأنعام:93

م-العمل بغير الحقّ:15 آية في أمور:

الأوّل:القتل بغير الحقّ:6 آيات:

1- وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ

الإسراء:33

2- ...وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ...

البقرة:61

3- ...وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ...

آل عمران:21

4- ...وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ...

آل عمران:112

5- ...سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ... آل عمران:181

6- ...وَ قَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ...

النّساء:155

الثّاني:الظّنّ بغير الحقّ:آيتان:

7- ...وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ... آل عمران:154

ص: 220

8- إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً يونس:36

الثّالث:الغلوّ بغير الحقّ:آية واحدة:

9- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ... المائدة:77

الرّابع:البغي بغير الحقّ:آيتان:

10- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ... الأعراف:33

11- فَلَمّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ... يونس:23

الخامس:التّكبّر بغير الحقّ:آيتان أيضا:

12- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ... الأعراف:146

13- فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ الأحقاف:20

السّادس:الإخراج من الدّيار بغير الحقّ،آية واحدة:

14- اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ... الحجّ:40

السّابع:الجدال بغير الحقّ:آية واحدة:

15- يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ

الأنفال:6

الثّامن:الضّلال بعد الحقّ:آية واحدة أيضا:

16- فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ يونس:32

ن-الحقّ في الآخرة:5 آيات:

1- وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ... الأنعام:30

2- وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ... الأعراف:8

3- وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا... الأنبياء:97

4- ...يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ...

النّور:25

5- اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَ كانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً الفرقان:26

س-تحقيق الحقّ:3 آيات و قد مضت.

ع-حقّ اليقين،آيتان:

1- إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ الواقعة:95

2- وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ الحاقّة:51

ف-إنزال الملائكة بالحقّ:آية واحدة:

1- ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ ما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ الحجر:8

ص-حقّ الجهاد:آية واحده:

1- وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ... الحجّ:78

ق-النّطق بالحقّ،آيتان:

1- ...وَ لَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ...

المؤمنون:62

2- هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ

الجاثية:29

ر-الإملاء بالحقّ،آية واحدة:

1- ...فَلْيَكْتُبْ وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَ لْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ... البقرة:282

ص: 221

ش-خلق السّماوات و الأرض بالحقّ في 10 آيات- تقدّمت في أرض«الأرض».

البحث الثّالث في معنى الحقّ:الحقّ مصدر جاء بمعنى الوصف مبالغة مثل«زيد عدل»،و معناه الثّابت مقابل الباطل في جميع الآيات بحجّة الجمع بينهما في آيات،إلاّ أنّ كلمات القوم تختلف أحيانا بحمله على المصدر أو على (ذات الحقّ).كما أنّهم يحملونها كثيرا على مصاديقه مثل:الوحي،و القرآن،و الوعد،و الوعيد،و نحوها، و هذا من قبيل تفسير المفهوم بالمصداق.

البحث الرّابع:جاء حق نكرة و معرفة تلو الباء في 64 آية في تلك العناوين،و قد اختلفت فيها كلمات القوم أ هي للملابسة أم للسّببيّة أو غيرهما؟و الحقّ أنّها أصناف:

الأوّل-زائدة تأكيدا للنّفي في آيات:

1- قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ... المائدة:116

و قد صرّح أبو حيّان و الآلوسيّ و ابن عاشور و غيرهم فيها بأنّ الباء زائدة للتّأكيد.

2- وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ... الأنعام:30

3- وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النّارِ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ... الأحقاف:34

الثّاني-للإلصاق و الملابسة و المصاحبة على اختلاف تعابيرهم في كثير منها كخلق السّماوات و الأرض، و إنزال الكتاب و إرسال الرّسل و الهداية،و كذا في العناوين(بغير الحقّ)،و في هذا الصّنف اختلفوا في موضع الجارّ و المجرور أنّه حال عن الفعل قبله أو وصف لمصدر منه محذوف.

الثّالث-للتّعدية في مواضيع كثيرة مثل(جاء بالحقّ، حكم بالحقّ،وصّى بالحقّ،بشّر بالحقّ،تواصى بالحقّ و نحوها)إلاّ في مثل وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ق:19،فالباء فيها للملابسة أي جاءت سكرة الموت ملابسة بالحقّ الّذي وعده اللّه.

و بعضهم فرّق في بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ الحجر:55،بأنّ الأوّل للسّببيّة،و الثّاني للملابسة،أو كلاهما للسّببيّة،و الظّاهر أنّ كليهما للملابسة فلاحظ النّصوص.

و يلاحظ أخيرا أنّ هذه المادّة تكثّرت مفرداتها في القرآن:(287)متفرّقة في 59 سورة-و أكثرها:(176) مكّيّة-و تزيد على رقم المدنيّات:(111)ب 65 رقم،كما أنّ النّسبة بين عدد سورها أيضا واسعة جدّا.

و منها ننكشف أنّ الصّراع بين الحقّ و الباطل كان في مكّة أشدّ و أصعب من غيرها صراع بين التّوحيد و الشّرك،و صراع في العقيدة و التّقاليد الجاهليّة، و صراع في سبيل قلع جرثومة الشّرك و الجهل،و غرس شجرة التّوحيد و العقل و العلم و الأدب في تلك البقعة الّتي أسّس فيها أوّل بيت وضع للنّاس بيد إبراهيم خليل الرّحمن عليه السّلام،فانقلبت معقل الشّرك،و مأوى الجهل، و أصبحت مظلمة بعد النّور.فأوجدت تلك الجهود الشّاقّة أرضيّة مناسبة لرسوخ التّوحيد فيها،و في غيرها

ص: 222

من أقطار الجزيرة العربيّة،و كانت أخبارها-باعتبارها مركزا للعبادة و التّجارة،و للشّعر و الأدب و تطوّر اللّغة العربيّة،و كونها أمّ القرى-تنتشر في تلك البقاع.

و كان(الحقّ)في مكّة حين ذاك الشّعار الأوّل للإسلام،قبال الباطل.كالتّوحيد و الشّرك،فاستمرّ الصّراع الفكريّ و الجهاد العقائديّ قبل الهجرة في مكّة، و كذا في المدينة بعد الهجرة،إلاّ أنّها انقلبت فيها حربا دمويّا في معارك القتال،حتّى جاء نصر اللّه و الفتح.

و دخل النّاس في دين اللّه أفواجا،فالحمد للّه ربّ العالمين.

ص: 223

ص: 224

ح ك م

اشارة

32 لفظا،210 مرّة:89 مكّيّة،121 مدنيّة

في 55 سورة:35 مكّيّة،20 مدنيّة

حكم 1:1 حكيما 16:-16

حكمت 1:-1 حكما 3:-3

حكمتم 1:-1 حكمة 2:1-1

يحكم 22:5-17 الحكمة 18:5-13

يحكمان 1:1 حكم 6:1-5

يحكمون 4:3-1 الحكم 11:10-1

لتحكم 2:1-1 حكما 8:6-2

تحكمون 4:4 حكمه 4:3-1

تحكموا 1:-1 لحكمهم 1:1

فأحكم 1:-1 أحكمت 1:1

فاحكم 7:3-4 يحكم 1:-1

الحاكمين 5:5 محكمة 1:-1

أحكم 2:2 محكمات 1:-1

الحكّام 1:-1 يحكّمونك 1:-1

حكيم 39:11-28 يحكّموك 1:-1

الحكيم 42:25-17 يتحاكموا 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحكمة:مرجعها إلى العدل و العلم و الحلم،و يقال:أحكمته التّجارب،إذا كان حكيما.

و أحكم فلان عنّي كذا،أي منعه.

و استحكم الأمر:وثق.و احتكم في ماله،إذا جاز فيه حكمه.

و الاسم:الأحكومة و الحكومة.

و التّحكيم:قول«الحروريّة»:«لا حكم إلاّ للّه».

و حكّمنا فلانا أمرنا،أي يحكم بيننا.و حاكمناه إلى اللّه:

دعوناه إلى حكم اللّه.

و يقال:نهى أن يسمّى رجل حكما،و حكمة اللّجام:

ما أحاط بحنكيه،سمّي به لأنّها تمنعه من الجري،و كلّ شيء منعته من الفساد فقد حكمته و حكّمته و أحكمته.

ص: 225

و فرس محكومة:في رأسها حكمة.قال زائدة:

محكمة،و أنكر محكومة.و سمّى الأعشى القصيدة المحكمة:حكيمة،في قوله:

*و غريبة تأتي الملوك حكيمة* [و استشهد بالشّعر 4 مرّات](3:66)

اللّيث:الحكم:اللّه تبارك و تعالى،و هو أحكم الحاكمين،و هو الحكيم له الحكم.و الحكم:العلم و الفقه وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:12،أي علما وفقها، هذا ليحيى بن زكريّا.و كذلك قوله:

*الصّمت،حكم و قليل فاعله»* و الحكم أيضا:القضاء بالعدل.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 4:110)

ابن شميّل: الحكمة:حلقة تكون على فم الفرس.

(الأزهريّ 4:114)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أحكمته السّنّ.[ثمّ استشهد بشعر](1:140)

أحكمته عنه،أي رددته.(1:161)

أبو عبيدة :حكمت الفرس و أحكمته بالحكمة.

(الأزهريّ 4:112)

أبو زيد :يقال:حكّمت الرّجل تحكيما،إذا منعته عمّا يريد.(الخطّابيّ 2:462)

الأصمعيّ: قرأت في بعض الكتب للخلفاء الأول:

فأحكم بني فلان عن كذا و كذا،أي امنعهم،و من هذا اشتقاق حكمة الدّابّة.(ابن دريد 2:186)

قولهم:«حكم اللّه بيننا»أصل الحكومة ردّ الرّجل عن الظّلم،و منه سمّيت حكمة اللّجام،لأنّها تردّ الدّابّة.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:111)

أبو عبيد: في حديث إبراهيم«حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك»قوله:حكّمه يقول:امنعه من الفساد، و أصلحه كما تصلح ولدك،و كما تمنعه من الفساد.و كلّ من منعته من شيء فقد حكّمته و أحكمته:لغتان.[ثمّ استشهد بشعر]و نرى أنّ حكمة الدّابّة سمّيت بهذا المعنى،لأنّها تمنع الدّابّة من كثير من الجهل.(2:420)

ابن الأعرابيّ: حكم فلان عن الشّيء،أي رجع.

و أحكمته أنا أي رجعته.(الأزهريّ 4:111)

قيل للحاكم:حاكم،لأنّه يمنع من الظّلم.

و حكمت الرّجل و أحكمته و حكّمته،إذا منعته.

و حكم الرّجل يحكم حكما،إذا بلغ النّهاية في معناه مدحا لازما.[ثمّ استشهد بشعر]

و المحكّم الشّاري.و المحكّم:الّذي يحكم في نفسه.

الحكمة:القضاة،و الحكمة:المستهزءون.

(الأزهريّ 4:114)

ابن السّكّيت: قول النّابغة:

*و احكم كحكم فتاة الحيّ* أنّ معناه كن حكيما كفتاة الحيّ،أي إذا قلت فأصب،كما أصابت هذه المرأة؛إذ نظرت إلى الحمام فأحصتها،و لم تخطئ في عددها.

و يدلّك على أنّ معنى احكم أي كن حكيما،قول النّمر بن تولب:

ص: 226

و أبغض بغيضك بغضا رويدا

إذا أنت حاولت أن تحكما

يريد إذا أردت أن تكون حكيما فكن كذا،و ليس من الحكم في القضاء في شيء.(الأزهريّ 4:113)

شمر:قال أبو عدنان:استحكم الرّجل،إذا تناهى عمّا يضرّه في دينه أو دنياه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:حكّمت فلانا،أي أطلقت يده فيما شاء.

(الأزهريّ 4:115)

المبرّد: يقال:حكمت الفرس و أحكمته و حكّمته،إذا قدعته.[ثمّ استشهد بشعر]

مثله ثعلب.(الخطّابيّ 2:461)

ابن دريد :الحكم معروف،حكم يحكم حكما، و اللّه عزّ و جلّ الحاكم العدل،و الحكم العدل في حكمة.

و أحكمت الرّجل عن كذا و كذا و حكمته،إذا منعته منه.[ثمّ نقل قول الأصمعيّ و أضاف:]

و أجاز أبو زيد في المنع حكم و أحكم،و أبى الأصمعيّ إلاّ أحكم،و ذكر أنّه لا يجوز غيره.

و قد سمّت العرب حكما و حكيما و حكّاما و حكمان و حكيما.و يقال:حكّمت فلانا في كذا و كذا تحكيما،إذا جعلت أمره إليه.و الكلمة من الحكمة الّتي جاء في الخبر.

«الحكمة ضالّة المؤمن»فكلّ كلمة و عظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح،فهي حكمة و حكم،و هو تأويل قول الرّسول صلّى اللّه عليه و آله«إنّ من الشّعر لحكما،و إنّ من البيان لسحرا».[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:186)

نفطويه:الحكمة عند العرب ما منع به عن الجهل، يقال:أحكمت فلانا،أي منعته.[ثمّ استشهد بشعر] و منه سمّيت حكمة اللّجام،لأنّه يمنع بها الدّابّة.و يقال:

أحكمت الشّيء،إذا جعلته ممتنعا من العيب.

(الهرويّ 2:477)

الأزهريّ: من صفات اللّه:الحكم و الحكيم و الحاكم،و هو أحكم الحاكمين.و معاني هذه الأسماء متقاربة،و اللّه أعلم بما أراد بها،و علينا الإيمان بأنّها من أسمائه.و الحكيم يجوز أن يكون بمعنى حاكم،مثل قدير بمعنى قادر،و عليم بمعنى عالم.

و العرب تقول:حكمت و أحكمت و حكّمت بمعنى منعت و رددت،و من هذا قيل للحاكم بين النّاس:

حاكم،لأنّه يمنع الظّالم من الظّلم.[ثم نقل قول ابن الأعرابيّ و أضاف:]

قلت:جعل ابن الأعرابيّ حكم لازما كما ترى،كما يقال:رجعته فرجع،و نقصته فنقص،و ما سمعت «حكم»بمعنى«رجع»لغير ابن الأعرابيّ،و هو الثّقة المأمون.[إلى أن قال:]

و معنى الحكومة في أرش الجراحات الّتي ليس فيها دية معلومة،أن يجرح الإنسان في موضع من بدنه بما يبقى شينه،و لا يبطل العضو،فيقتاس الحاكم أرشه بأن يقول :هذا المجروح لو كان عبدا غير مشين هذا الشّين بهذه الجراحة،كان قيمته ألف درهم،و هو مع هذا الشّين قيمته تسعمائة درهم،فقد نقصه الشّين عشر قيمته، فيجب على الجارح في الحرّ عشر ديته،و هذا و ما أشبهه

ص: 227

معنى الحكومة الّتي يستعملها الفقهاء في أرش الجراحات، فاعلمه.[و بعد قول الخليل في النّهي من تسمية الرّجل ب «حكم»قال:]

قلت:و قد سمّى النّاس حكيما و حكما و ما علمت النّهي عن التّسمية بهما صحيحا.[ثمّ نقل قول الخليل في معنى حكمة اللّجام و أضاف:]

و هذا يدلّ على جواز حكمت الفرس و أحكمته بمعنى واحد.(4:111)

الصّاحب:الحكم:اللّه عزّ و جلّ،و هو الحكيم.

و الحكم و الحكمة:العدل و الحلم.و احكم يا فلان:

كن حكيما،و على ذا،فسّر بيت النّابغة.[و ذكر في الهامش له شعرا]

و حكم:صار حكيما.و الحكيم:الّذي يردّ نفسه عن هواها.و الحكيم:المتيقّظ.

و استحكم الأمر:وثق.

و احتكم فلان في مال فلان:جاز حكمه فيه، و الاسم:الأحكومة.

و التّحكيم في قوله«الحروريّة»:«لا حكم إلاّ للّه».

و حكّمنا فلانا بيننا:أمرناه أن يحكم.

و حاكمناه إلى اللّه:دعوناه إلى حكمه.

و حكمة اللّجام:ما أحاط بحنكيه،سمّيت لأنّها تمنعه من الجري الشّديد.

و كلّ شيء منعته من الفساد:فقد حكمته و أحكمته.

و قول جرير:

*أحكموا سفهاءكم* أي امنعوهم من التّعرّض لي.

و فرس محكومة:في رأسها حكمة،و حكى غيره:

محكمة،و حكمته و أحكمته.

و سمّى الأعشى القصيدة المحكمة:حكيمة.

و أحكمت الشّيء:أتقنته.

و كان أبو جهل يكنّى أبا الحكم.

و محكم:اسم موضوع.

و يقال للرّجل المسنّ:حكم.

و الحكمة من الإنسان:مقدّم وجهه أسفل فمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحكمة:القدر و المنزلة.

و استحكم على فلان كلامه:أي التبس.(2:386)

الخطّابيّ: قال أبو داود:«غيّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم اسم العاص و عزيز و عتلة،و شيطان و الحكم...».

و أمّا الحكم فهو من أسماء اللّه،و تأويله الحاكم الّذي لا معقّب لحكمه،و هذه الصّفة لا تليق بمخلوق.

(1:528-530)

في حديث ابن عبّاس أنّه قال:«قرأت المحكم على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و أنا ابن اثنتي عشرة سنة،يعني المفصّل».

إنّما سمّي المفصّل محكما،لأنّه لم ينسخ من المفصّل شيء،سمعت بعض العلماء يذكره.[إلى أن قال:]

و في المحكم قول آخر،و هو أنّه من القرآن ما أحكم بيانه بنفسه و لم يفتقر إلى غيره،على تأويل قوله عزّ و جلّ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ

ص: 228

مُحْكَماتٌ آل عمران:7.

فالمحكم:ما لا يحتمل الوجوه و عرف بنفسه.

و المتشابه:ما احتمل الوجوه فلم يعرف بنفسه.

فالمحكم أمّ المتشابه،لأنّه يعرف به.(2:451)

في حديث ابن عبّاس أنّه قال:«كان الرّجل يرث امرأة ذات قرابة فيعضلها حتّى تموت أو تردّ إليه صداقها، فأحكم اللّه عن ذلك و نهى عنه.

قوله:أحكم اللّه عن ذلك،أي منع منه و نهى عنه.

(2:461)

الجوهريّ: الحكم:مصدر قولك:حكم بينهم يحكم.أي قضى.و حكم له و حكم عليه.

و الحكم أيضا:الحكمة من العلم.

و الحكيم:العالم،و صاحب الحكمة.و الحكيم:المتقن للأمور.

و قد حكم بضمّ الكاف،أي صار حكيما.

و أحكمت الشّيء فاستحكم،أي صار محكما.

و الحكم،بالتّحريك:الحاكم.و في المثل:«في بيته يؤتى الحكم».

و حكم أيضا:أبو حيّ من اليمن.

و حكمة الشّاة:ذقنتها.

و حكمة اللّجام:ما أحاط بالحنك.تقول منه:

حكمت الدّابّة حكما و أحكمتها أيضا.و كانت العرب تتّخذها من القدّ و الأبق،لأنّ قصدهم الشّجاعة لا الزّينة.

و يقال أيضا:حكمت السّفيه و أحكمته،إذا أخذت على يده.

و حكّمت الرّجل تحكيما،إذا منعته ممّا أراد.و يقال أيضا:حكّمته في مالي،إذا جعلت إليه الحكم فيه.

فاحتكم عليّ في ذلك.

و احتكموا إلى الحاكم و تحاكموا بمعنى.

و المحاكمة:المخاصمة إلى الحاكم.

و محكّم اليمامة:رجل قتله خالد بن الوليد يوم مسيلمة.

و الخوارج يسمّون المحكّمة؛لإنكارهم أمر الحكمين،و قولهم:لا حكم إلاّ للّه.

و«المحكّم»بفتح الكاف،الّذي في شعر طرفة؛هو الشّيخ المجرّب،المنسوب إلى الحكمة.و أمّا الّذي في الحديث:«إنّ الجنّة للمحكّمين»فهم قوم من أصحاب الأخدود،حكّموا و خيّروا بين القتل و الكفر،فاختاروا الثّبات على الإسلام مع القتل.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](5:1901)

نحوه الرّازيّ.(165)

ابن فارس: الحاء و الكاف و الميم أصل واحد، و هو المنع.و أوّل ذلك الحكم،و هو المنع من الظّلم، و سمّيت حكمة الدّابّة لأنّها تمنعها،يقال:حكمت الدّابّة و أحكمتها.و يقال:حكمت السّفيه و أحكمته،إذا أخذت على يديه.

و الحكمة هذا قياسها،لأنّها تمنع من الجهل،و تقول:

حكّمت فلانا تحكيما:منعته عمّا يريد.و حكّم فلان في كذا،إذا جعل أمره إليه.و المحكّم:المجرّب المنسوب

ص: 229

إلى الحكمة.

و في الحديث:«إنّ الجنّة للمحكّمين و هم قوم حكّموا مخيّرين بين القتل و الثّبات على الإسلام،و بين الكفر، فاختاروا الثّبات على الإسلام مع القتل،فسمّوا المحكّمين.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:91)

أبو هلال :الفرق بين العالم و الحكيم:أنّ الحكيم على ثلاثة أوجه:أحدها:بمعنى المحكم مثل البديع بمعنى المبدع،و السّميع بمعنى المسمع.و الآخر:بمعنى محكم، و في القرآن فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ الدّخان:4،أي محكم،و إذا وصف اللّه تعالى بالحكمة من هذا الوجه كان ذلك من صفات فعله،و الثّالث:الحكيم بمعنى العالم بأحكام الأمور،فالصّفة به أخصّ من الصّفة بعالم،و إذا وصف اللّه به على هذا الوجه فهو من صفات ذاته.(77)

الفرق بين الحكم و القضاء:أنّ القضاء يقتضي فصل الأمر على التّمام من قولك:قضاه،إذا أتمّه و قطع عمله، و منه قوله تعالى: ثُمَّ قَضى أَجَلاً الأنعام:2،أي فصل الحكم به، وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ الإسراء:4،أي فصلنا الإعلام به،و قال تعالى: قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ سبأ:14،أي فصلنا أمر موته، فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ فصّلت:12،أي فصل الأمر به.و الحكم يقتضي المنع عن الخصومة،من قولك:أحكمته،إذا منعته.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز أن يقال:الحكم:فصل الأمر على الإحكام بما يقتضيه العقل و الشّرع،فإذا قيل:حكم بالباطل، فمعناه أنّه جعل الباطل موضع الحقّ.و يستعمل الحكم في مواضع لا يستعمل فيها القضاء،كقولك:حكم هذا كحكم هذا،أي هما متماثلان في السّبب أو العلّة أو نحو ذلك.

و أحكام الأشياء تنقسم قسمين حكم يردّ إلى أصل،و حكم لا يردّ إلى أصل،لأنّه أوّل في بابه.

(156)

الفرق بين الحاكم و الحكم:أنّ الحكم يقتضي أنّه أهل أن يتحاكم إليه،و الحاكم الّذي من شأنه أن يحكم.

فالصّفة ب«الحكم»أمدح،و ذلك أنّ صفة«حاكم»جار على الفعل،فقد يحكم الحاكم بغير الصّواب،فأمّا من يستحقّ الصّفة ب«الحكم»فلا يحكم إلاّ بالصّواب،لأنّه صفة تعظيم و مدح.(157)

الفرق بين الإحكام و الإتقان:أنّ إتقان الشّيء:

إصلاحه،و أصله من التّقن و هو التّرنوق الّذي يكون في المسيل أو البئر،و هو الطّين المختلط بالحمأة،يؤخذ فيصلح به التّاسيس و غيره،فيسدّ خلله و يصلحه، فيقال:أتقنه،إذا طلاه بالتّقن،ثمّ استعمل فيما يصحّ معرفته،فيقال:أتقنت كذا،أي عرفته صحيحا،كأنّه لم يدع فيه خللا.

و الإحكام:إيجاد الفعل محكما،و لهذا قال اللّه تعالى:

كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،أي خلقت محكمة،و لم يقل:أتقنت،لأنّها لم تخلق و بها خلل ثمّ سدّ خللها.

و حكى بعضهم:أتقنت الباب،إذا أصلحته.و لا يقال:

أحكمته إلاّ إذا ابتدأته محكما.

الفرق بين الإحكام و الرّصف:أنّ الرّصف هو جمع

ص: 230

شيء إلى شيء يشاكله،و إحكام الشّيء خلقه محكما، و لا يستعمل رصف إلاّ في الأجسام.

و الإحكام و الإتقان يستعملان فيها و في الأعراض، فيقال:فعل متقن و محكم،و لا يقال:فعل مرصوف،إلاّ أنّهم قالوا:رصف هذا الكلام حسن،و هو مجاز لا يتعدّى هذا الموضع.

الفرق بين إحكام الشّيء و إبرامه:أنّ إبرامه تقويته، و أصله في تقوية الحبل،و هو في غيره مستعار.(175)

الهرويّ: قال اللّه: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ قال:

و به سمّي الحاكم حاكما،لأنّه يمنع الظّالم.و قال الأزهريّ:

أحكمت آياته بالأمر و النّهي،و الحلال و الحرام،ثمّ فصّلت بالوعد و الوعيد.[إلى أن قال:]

في الخبر:«إنّ من الشّعر لحكما»و معناه إنّ في الشّعر كلاما رافعا يمنع عن الجهل و السّفه:و ينهى عنهما.

و يقال:«الصّمت حكم،و قليل فاعله»أي:

حكمة.

و في حديث النّخعيّ: «حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك» قال أبو عبيدة:يقول:امنعه من الفساد.و قال أبو سعيد الضّرير:أي حكّمه في ماله إذا صلح لذلك،كما تحكّم ولدك.قال:و لا يكون حكّم بمعنى أحكم،لأنّهما ضدّان.قال الأزهريّ:القول ما قال أبو عبيدة،و العرب تقول:حكّمت و أحكمت و حكمت بمعنى واحد:منعت و رددت.

و في حديث لكعب:«إنّ في الجنّة كذا و كذا قصرا، لا يسكن إلاّ نبيّ أو صدّيق أو محكّم في نفسه».و يروى محكّم بفتح الكاف أيضا،فمن رواه بالكسر فمعناه:

المنصف من نفسه،قال ذلك وكيع بن الجرّاح.و من رواه بالفتح فهو الرّجل يقع في يد العدوّ فيخيّروه بين أن يكفر أو يقتل،فيختار القتل،فذلك الحكم،و هذا هو القول.

و في الحديث:«في رأس كلّ عبد حكمة،إذا همّ بسيّئة،فإن شاء اللّه أن يقدعه بها قدعه.

يقال:فرس محكومة في رأسها حكمة.(4782)

ابن سيده: الحكم:القضاء.و جمعه:أحكام، لا يكسّر على غير ذلك.و قد حكم عليه بالأمر يحكم حكما و حكومة.و حكم بينهم،كذلك.و الحاكم:منفذ الحكم،و الجمع:حكّام،و هو الحكم.و حاكمه إلى الحكم:دعاه.و حكّموه بينهم:أمروه أن يحكم في الأمر فاحتكم،جاز فيه حكمه،جاء فيه المطاوع على غير بابه،و القياس:فتحكّم.و حكى«الزّجّاج»:فتحكّم، فجاء به على بابه.

و الاسم،الأحكومة و الحكومة.

و تحكيم«الحروريّة»قولهم:«لا حكم إلاّ للّه».[ثمّ استشهد بشعر]

و الحكمة:العدل و العلم و الحلم.و قوله تعالى:

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ البقرة:269،في الحكمة قولان:قيل:هي النّبوّة،و قيل:القرآن،و كفى بالقرآن حكمة،لأنّ الأمّة صارت به علماء بعد جهل.و قوله تعالى: وَ لَمّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ الزّخرف:63،الحكمة هاهنا:الإنجيل.

و أحكم الأمر:أتقنه.و قوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ

ص: 231

آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ هود:1،جاء في التّفسير:أحكمت آياته بالأمر و النّهي،و الحلال و الحرام،ثمّ فصّلت بالوعد و الوعيد،و المعنى-و اللّه أعلم-أنّ آياته أحكمت و فصّلت بجميع ما يحتاج إليه من الدّلالة على التّوحيد، و تثبيت النّبوّة و إقامة الشّرائع،و الدّليل على ذلك قوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ الأنعام:38، و قوله تعالى: وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ يوسف:111، و قوله تعالى: فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ محمّد:20.

قال«الزّجّاج»:معنى(محكمة)غير منسوخة.

و أحكمته التّجارب،على المثل،و هو من ذلك.

و استعمل«ثعلب»هذا في فرج المرأة فقال:المكثّفة من النّساء:المحكمة الفرج.و هذا طريف جدّا.

و احتكم الأمر و استحكم:وثق.

و حكم الشّيء و أحكمه،كلاهما:منعه من الفساد.

و قوله تعالى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ آل عمران:7، روي عن ابن عبّاس أنّه قال:«المحكمات»:الآيات الّتي في آخر«الأنعام»،و هي قوله تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ الأنعام:151،إلى آخر هذه الآيات.و قال قوم:معنى مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ أي أحكمت في الإبانة،فإذا سمعها السّامع لم يحتج إلى تأويلها لبيانها،نحو ما أنبأ اللّه به من أقاصيص الأنبياء و نحوها.

و حكم عن الأمر:رجع،و أحكمه هو عنه:رجّعه.

و حكم الرّجل و حكّمه و أحكمه:منعه ممّا يريد.

و حكمة اللّجام:ما أحاط بحنكي الدّابّة،و فيها العذاران،سمّيت بذلك،لأنّها تمنعه من الجري الشّديد، مشتقّ من ذلك،و جمعه:حكم.و حكم الفرس و أحكمه:جعل للجامه حكمة.

و حكمة الإنسان:مقدّم وجهه.و رفع اللّه حكمته، أي رأسه و شأنه.

و حكمة الضّائنة:ذقنها.

و قد سمّوا:حكما و حكيما و حكيما و حكّاما و حكمان.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](3:49)

الحكم:القضاء.حكم بكذا يحكم حكما:قضى، و حكم له و عليه و بينهم:قضى،و أصله:المنع،يقال:

حكمت عليه بكذا،إذا منعته من خلافه،فلم يقدر على الخروج منه،و حكمته عن كذا و أحكمته:منعته،و منه حكمة الدّابّة،و هي ما أحاط بالحنكين من اللّجام.

و حاكمه إلى الحاكم:خاصمه و دعاه إلى حكمه، و الاسم:الحكومة و الأحكومة.و احتكم الخصمان إلى الحاكم و تحاكما:رفعا إليه أمرهما.و حكّم فلانا في الأمر:

جعله حكما.و أمره أن يحكم فاحتكم.

و تحكّم:جاز فيه حكمه.و حكم بين القوم:فصل بينهم فهو حكم و حاكم:أي منفّذ للحكم.و الجمع:

حكّام.(الإفصاح 1:241)

الطّوسيّ: و الإحكام و الإنفاق و الاتّساق و الانتظام متقاربة،و الحكمة:نقيض السّفه،يقال:حكم حكما و أحكم إحكاما،و يقال:أحكم فلان عمله،إذا بالغ فيه فأصاب حقيقته.و الحكمة هي الّتي تقف بك على مرّ الحقّ الّذي لا يخلطه باطل،و الصّدق الّذي لا يشوبه كذب،و منه قوله: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ القمر:5.

ص: 232

و الحكم بين النّاس هو الّذي يرضى به ليقف الأشياء مواضعها،و منه قوله: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها النّساء:35.و الحاكم:القاضي بين النّاس، و ليقفهم على الحقّ.و يقال:رجل حكيم،إذا كان ذلك شأنه،و كانت معه أصول من العلم و المعرفة،و إذا حكم بين الرّجلين يقال:حكم يحكم،و إذا صار حكيما قيل:

حكم يحكم.

و أمر مستحكم،إذا لم يكن فيه مطعن.و في الحديث «في رأس كلّ عبد حكمة،إذا همّ بسيّئة و شاء اللّه أن يقدعه بها قدعه»يعني منعه.و الحكم في الإنسان هي العلم الّذي يمنع صاحبه من الجهل.(1:142)

نحوه الطّبرسيّ.(1:78)

الرّاغب: حكم أصله:منع منعا لإصلاح،و منه سمّيت اللّجام حكمة الدّابّة،فقيل:حكمته و حكمت الدّابّة:منعتها بالحكمة،و أحكمتها:جعلت لها حكمة، و كذلك:حكمت السّفينة و أحكمتها.

و قوله: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ السّجدة:7، فَيَنْسَخُ اللّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الحجّ:52،و الحكم بالشيء:أن تقضي بأنّه كذا،أو ليس بكذا،سواء ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه،قال تعالى: وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ النّساء:58، يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ المائدة:95،و قال عزّ و جلّ: أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ المائدة:50،و قال تعالى: وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ المائدة:50.

و يقال:حاكم و حكّام،لمن يحكم بين النّاس،قال اللّه تعالى: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ البقرة:188.

و الحكم:المتخصّص بذلك فهو أبلغ،قال اللّه تعالى:

أَ فَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً الأنعام:114،و قال عزّ و جلّ: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها النّساء:35،و إنّما قال:(حكما)و لم يقل:حاكما،تنبيها أنّ من شرط الحكمين أن يتولّيا الحكم عليهم و لهم حسب ما يستصوبانه،من غير مراجعة إليهم في تفصيل ذلك،و يقال:الحكم للواحد و الجمع،و تحاكمنا إلى الحاكم،قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ النّساء:60.و حكّمت فلانا،قال تعالى:

حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ النّساء:65.فإذا قيل:حكم بالباطل،فمعناه أجرى الباطل مجرى الحكم.

و الحكمة:إصابة الحقّ بالعلم و العقل،فالحكمة من اللّه تعالى:معرفة الأشياء و إيجادها على غاية الإحكام، و من الإنسان:معرفة الموجودات و فعل الخيرات،و هذا هو الّذي وصف به لقمان في قوله عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ لقمان:12،و نبّه على جملتها بما وصفه بها.فإذا قيل في اللّه تعالى:هو حكيم،فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به غيره،و من هذا الوجه قال اللّه تعالى:

أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ التّين:8،و إذا وصف به القرآن فلتضمّنه الحكمة نحو: الر*تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ يونس:1،و على ذلك قال: وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ* حِكْمَةٌ بالِغَةٌ القمر:

4،5.و قيل:معنى الحكيم:المحكم نحو: أُحْكِمَتْ

ص: 233

آياتُهُ هود:1،و كلاهما صحيح،فإنّه محكم و مفيد للحكم،ففيه المعنيان جميعا.

و الحكم أعمّ من الحكمة،فكلّ حكمة حكم، و ليس كلّ حكم حكمة،فإنّ الحكم أن يقضى بشيء على شيء،فيقول:هو كذا أو ليس بكذا،قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ من الشّعر لحكمة»،أي قضيّة صادقة.

قال اللّه تعالى: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:12، و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«الصّمت حكم،و قليل فاعله»،أي حكمة، وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ آل عمران:164.و قال تعالى: وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ الأحزاب:34،قيل:تفسير القرآن،و يعني ما نبّه عليه القرآن من ذلك إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ المائدة:1،أي ما يريده يجعله حكمة،و ذلك حثّ للعباد على الرّضى بما يقضيه.

قال ابن عبّاس رضى اللّه عنه في قوله: مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ هي علم القرآن ناسخه و منسوخه،محكمه و متشابهه.و قال ابن زيد:هي علم آياته و حكمه.و قال السّدّيّ:هي النّبوّة،و قيل:فهم حقائق القرآن،و ذلك إشارة إلى أبعاضها الّتي تختصّ بأولي العزم من الرّسل، و يكون سائر الأنبياء تبعا لهم في ذلك.و قوله عزّ و جلّ:

يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا هود:

44،فمن الحكمة المختصّة بالأنبياء أو من الحكم قوله عزّ و جلّ: آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ آل عمران:7.

فالمحكم ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللّفظ و لا من حيث المعنى.و المتشابه على أضرب تذكر في بابه إن شاء اللّه.و في الحديث:«إنّ الجنّة للمحكّمين»قيل:

هم قوم خيّروا بين أن يقتلوا مسلمين و بين أن يرتدّوا، فاختاروا القتل،و قيل:عن المخصّصين بالحكمة.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](126)

الزّمخشريّ: أحكم الشّيء فاستحكم،و حكم الفرس و أحكمه:وضع عليه الحكمة،و فرس محكومة و محكمة.

و حكّموه:جعلوه حكما.و حكّمه في ماله،فاحتكم و تحكّم،و لا تحتكم عليّ.و في الحديث:«إنّ الجنّة للمحكّمين»و هم الّذين حكّموا في القتل و الإسلام، فاختاروا الثّبات على الإسلام.و رجل محكّم:مجرّب، منسوب إلى الحكمة.و حاكمته إلى القاضي:رافعته، و تحاكمنا إليه و احتكمنا،و هو يتولّى الحكومات، و يفصل الخصومات.

و الصّمت حكم،أي حكمة.و حكم الرّجل مثل حلم،أي صار حكيما،و أحكمته التّجارب:جعلته حكيما.

و من المجاز:حكّمت السّفيه تحكيما،و أحكمته إحكاما،إذا أخذت على يده أو بصّرته ما هو عليه.

و عن النّخعيّ: «حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك»،و في الحديث«إذا تواضع العبد للّه رفع اللّه حكمته».

و يقال:لا يقدر على اللّه من هو أعظم حكمة منك.

و قصيدة حكيمة:ذات حكمة.

و حاكمه إلى اللّه و إلى القرآن،إذا دعاه إلى حكمه.

ص: 234

و استحكم عليه كلامه:التبس.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](أساس البلاغة:91)

عمر:«إنّ العبد إذا تواضع رفع اللّه حكمته».

الحكمة من الإنسان:أسفل وجهه،و رفع الحكمة كناية عن الإعزاز،لأنّ من صفة الذّليل أن ينكّس، و يضرب بذقنه صدره.

و قيل:الحكمة:القدر و المنزلة من قولهم:لا يقدر على هذا من هو أعظم حكمة منك.(الفائق 1:302)

كعب رحمه اللّه:«...ثمّ قال:لا ينزلها إلاّ نبيّ أو صدّيق أو شهيد أو محكّم في نفسه أو إمام عادل».

هو الّذي يخيّر بين الشّرك و القتل،فيختار القتل.

و منه الحديث:إنّ الجنّة للمحكّمين،و روي بالكسر،و فسّر بأنّه المنصف من نفسه.

(الفائق 1:303)

الطّبرسيّ: الإحكام:منع الفعل من الفساد، و الحكمة:المعرفة بما يمنع الفعل من الفساد و النّقص،و بما يميز القبيح من الحسن،و الفاسد من الصّحيح.و الحكيم في صفات اللّه سبحانه يحتمل الوجهين:

أحدهما:أن يكون بمعنى محكم فهو«فعيل»بمعنى «مفعل»،أي محكم أفعاله،فيكون على هذا من صفات فعله،فلا يوصف به فيما لم يزل.

و الثّاني:أن يكون بمعنى عليم فيكون من صفات ذاته،فيوصف بأنّه حكيم لم يزل.(3:141)

المدينيّ: حكم في أسماء اللّه تعالى:«الحكيم».

قيل:معناه الحاكم،و حقيقته:الّذي سلّم له الحكم،و ردّ إليه فيه الأمر،كقوله تعالى: لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ القصص:88.

و في الحديث:«ما من آدميّ إلاّ و في رأسه حكمة».

هذا مثل.

و الحكمة:حديدة في اللّجام مستديرة على الحنك، تمنع الفرس من الفساد و الجري،بخلاف ما يريد صاحبه، و منه الحديث:«إنّي آخذ بحكمة فرسه».

فلمّا كانت الحكمة تأخذ بفم الدّابّة،و كان الحنك متّصلا بالرّأس،جعلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم تمنع من هي في رأسه من الكبر،كما تمنع الحكمة الدّابّة من الفساد.

قال الجبّان:و قد يقال للرّأس كما هو:حكمة،و له عندنا حكمة،أي قدر و منزلة،و هو عالي الحكمة.

و أصل الباب المنع.

و قيل:الحكمة من الإنسان:أسفل وجهه،فرفعها كناية عن الإعزاز،لأنّ صفة الذّليل نكس الرّأس.

و قيل:هي القدر و المنزلة.

و يقال:حكمت الفرس،و أحكمته و حكّمته،إذا جعلتها في رأسه.

في حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«قرأت المحكم على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم»،أي المفصّل،سمّي به، لأنّه لم ينسخ منه شيء،و قيل:ما لم يكن متشابها،لأنّه أحكم بيانه بنفسه.

و فيه:«شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي حتّى حكم و حاء».هما قبيلتان جافيتان من وراء رمل يبرين.

(1:478)

ص: 235

ابن الأثير:في أسماء اللّه تعالى:«الحكم و الحكيم» هما بمعنى الحاكم،و هو القاضي،و الحكيم«فعيل»بمعنى «فاعل»،أو هو الّذي يحكم الأشياء و يتقنها،فهو «فعيل»بمعنى«مفعل».و قيل:الحكيم:ذو الحكمة.

و الحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم.و يقال لمن يحسن دقائق الصّناعات و يتقنها:

حكيم.

و منه حديث صفة القرآن:«و هو الذّكر الحكيم»أي الحاكم لكم و عليكم.أو هو المحكم الّذي لا اختلاف فيه و لا اضطراب،«فعيل»بمعنى«مفعل»،أحكم فهو محكم.

و في حديث أبي شريح:«أنّه كان يكنّى أبا الحكم، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّ اللّه هو الحكم،و كنّاه بأبي شريح».

و إنّما كره له ذلك لئلاّ يشارك اللّه تعالى في صفته.

و فيه:«إنّ من الشّعر لحكما»أي إنّ من الشّعر كلاما نافعا يمنع من الجهل و السّفه،و ينهى عنهما.قيل:أراد بها المواعظ و الأمثال الّتي ينتفع بها النّاس.و الحكم:العلم و الفقه و القضاء بالعدل،و هو مصدر حكم يحكم.

و يروى«إنّ من الشّعر لحكمة»و هي بمعنى الحكم.

و منه الحديث:«الصّمت حكم،و قليل فاعله».

و منه الحديث:«الخلافة في قريش،و الحكم في الأنصار»خصّهم بالحكم،لأنّ أكثر فقهاء الصّحابة فيهم:منهم معاذ بن جبل،و أبيّ بن كعب،و زيد بن ثابت،و غيرهم.

و منه الحديث:«و بك حاكمت»أي رفعت الحكم إليك،فلا حكم إلاّ لك.و قيل:بك خاصمت في طلب الحكم،و إبطال من نازعنى في الدّين،و هي«مفاعلة» من الحكم.

و فيه:«إنّ الجنّة للمحكّمين»يروى بفتح الكاف و كسرها،فالفتح:هم الّذين يقعون في يد العدوّ، فيخيّرون بين الشّرك و القتل،فيختارون القتل.قال الجوهريّ: هم قوم من أصحاب الأخدود،فعل بهم ذلك فاختاروا الثّبات على الإيمان مع القتل.و أمّا بالكسر، فهو المنصف من نفسه.و الأوّل الوجه.

و في حديث ابن عبّاس:«كان الرّجل يرث امرأة ذات قرابة فيعضلها حتّى تموت أو تردّ إليه صداقها، فأحكم اللّه عن ذلك و نهى عنه»أي منع منه.يقال:

أحكمت فلانا،أي منعته.و به سمّي الحاكم،لأنّه يمنع الظّالم.و قيل:هو من حكمت الفرس و أحكمته و حكّمته، إذا قدعته و كففته.

و في الحديث:«ما من آدميّ إلاّ و في رأسه حكمة».

و في رواية:«في رأس كلّ عبد حكمة،إذا همّ بسيّئة؛ فإن شاء اللّه أن يقدعه بها قدعه».الحكمة:حديدة في اللّجام تكون على أنف الفرس و حنكه،تمنعه عن مخالفة راكبه.و لمّا كانت الحكمة تأخذ بفم الدّابّة،و كان الحنك متّصلا بالرّأس،جعلها تمنع من هي في رأسه،كما تمنع الحكمة الدّابّة.

و منه حديث عمر:«إنّ العبد إذا تواضع رفع اللّه حكمته»أي قدره و منزلته،كما يقال:له عندنا حكمة، أي قدر.و فلان عالي الحكمة.و قيل:الحكمة من

ص: 236

الإنسان:أسفل وجهه،مستعار من موضع حكمة اللّجام،و رفعها كناية عن الإعزاز،لأنّ من صفة الذّليل تنكيس رأسه.

و منه الحديث:«و أنا آخذ بحكمة فرسه»أي بلجامه.

و فيه:«في أرش الجراحات الحكومة»يريد الجراحات الّتي ليس فيها دية مقدّرة و ذلك أن يجرح في موضع من بدنه جراحة تشينه،فيقبس الحاكم أرشها بأن يقول:لو كان هذا المجروح عبدا غير مشين بهذه الجراحة كانت قيمته مائة مثلا،و قيمته بعد الشّين تسعون،فقد نقص عشر قيمته،فيوجب على الجارح عشر دية الحرّ،لأنّ المجروح حرّ.

و فيه:«شفاعتي:لأهل الكبائر من أمّتي حتّى حكم و حاء»هما قبيلتان جافيتان من وراء رمل يبرين.

(1:418)

الفيّوميّ: الحكم:القضاء،و أصله:المنع،يقال:

حكمت عليه بكذا،إذا منعته من خلافه فلم يقدر على الخروج من ذلك.و حكمت بين القوم:فصلت بينهم، فأنا حاكم و حكم بفتحتين،و الجمع:حكّام،و يجوز بالواو و النّون.

و الحكمة وزان قصبة للدّابّة،سمّيت بذلك،لأنّها تذلّلها لراكبها حتّى تمنعها الجماع و نحوه،و منه اشتقاق الحكمة،لأنّها تمنع صاحبها من أخلاق الأرذال.

و حكّمت الرّجل بالتّشديد:فوّضت الحكم إليه، و تحكّم في كذا:فعل ما رآه.و أحكمت الشّيء بالألف:

أتقنته،فاستحكم هو صار كذلك.(1:145)

الجرجانيّ: الحكمة:علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في الوجود بقدر الطّاقة البشريّة،فهي علم نظريّ غير آليّ.و الحكمة أيضا هي هيئة القوّة العقليّة العلميّة المتوسّطة بين الجربزة الّتي هي إفراط هذه القوّة،و البلادة الّتي هي تفريطها.

الحكمة تجيء على ثلاثة معان:الأوّل:الإيجاد، و الثّاني:العلم،و الثّالث:الأفعال المثلّثة (1)كالشّمس و القمر و غيرهما.و قد فسّر ابن عبّاس رضي اللّه عنهما الحكمة في القرآن بتعلّم الحلال و الحرام.

و قيل:الحكمة في اللّغة:العلم مع العمل.و قيل:

الحكمة يستفاد منها ما هو الحقّ في نفس الأمر بحسب طاقة الإنسان.و قيل:كلّ كلام وافق الحقّ فهو حكمة.

و قيل:الحكمة هي الكلام المعقول المصون عن الحشو.

الحكمة الإلهيّة:علم يبحث فيه عن أحوال الموجودات الخارجيّة المجرّدة عن المادّة الّتي لا بقدرتنا و اختيارنا.و قيل:هي العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه و العمل بمقتضاه،و لذا انقسمت إلى العلميّة و العمليّة.

الحكمة المنطوق بها هي علوم الشّريعة و الطّريقة، و الحكمة المسكوت عنها هي أسرار الحقيقة الّتي لا يطّلع عليها علماء الرّسوم و العوامّ على ما ينبغي فيضرّهم أو1)

ص: 237


1- مصطلح كلاميّ و هي:الأفعال الاختياريّة،و الأفعال المباشرة،و الأفعال المتولّدة. (مصطلحات علم الكلام:31)

يهلكهم،كما روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كان يجتاز في بعض سكك المدينة مع أصحابه،فأقسمت عليه امرأة أن يدخلوا منزلها،فدخلوا فرأوا نارا مضرمة و أولاد المرأة يلعبون حولها،فقالت:يا نبيّ اللّه،اللّه أرحم بعباده أم أنا بأولادي؟فقال:بل اللّه أرحم،فإنّه أرحم الرّاحمين، فقالت:يا رسول اللّه أ تراني أحبّ أن ألقي ولدي في النّار، قال:لا،قالت:فكيف يلقي اللّه عباده فيها و هو أرحم بهم؟قال الرّاوي:فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:هكذا أوحي إليّ.

الحكم:إسناد أمر إلى آخر إيجابا أو سلبا،فخرج بهذا ما ليس بحكم كالنّسبة التّقييديّة.الحكم:وضع الشّيء في موضعه،و قيل هو ما له عاقبة محمودة.

و الحكم الشّرعيّ: عبارة عن حكم اللّه تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين.

الحكماء هم الّذين يكون قولهم و فعلهم موافقا للسّنّة.

الحكماء الإشراقيّون رئيسهم أفلاطون.الحكماء المشّاءون رئيسهم أرسطو.(41)

الفيروزآباديّ: الحكم بالضّمّ:القضاء،جمعه:

أحكام،و قد حكم عليه بالأمر حكما و حكومة،و بينهم كذلك.و الحاكم:منفّذ الحكم كالحكم محرّكة،جمعه:

حكّام.و حاكمه إلى الحاكم:دعاه و خاصمه،و حكّمه في الأمر تحكيما:أمره أن يحكم فاحتكم.و تحكّم:جاز فيه حكمه،و الاسم:الأحكومة و الحكومة.و تحكّم «الحروريّة»قولهم:«لا حكم إلاّ للّه».و الحكمان محرّكة أبو موسى الأشعريّ و عمرو بن العاص...

و الحكمة بالكسر:العدل و العلم و الحلم و النّبوّة و القرآن و الإنجيل.و أحكمه:أتقنه فاستحكم،و منعه عن الفساد كحكمه حكما،و عن الأمر:رجعه فحكم، و منعه ممّا يريد كحكمه و حكّمه.و الفرس:جعل للجامه حكمة كحكمه.و الحكمة محرّكة:ما أحاط بحنكي الفرس من لجامه و فيها العذاران،و من الإنسان:مقدّم وجهه و رأسه و شأنه و أمره،و من الضّائنة:ذقنها و القدر و المنزلة.

و سورة محكمة:غير منسوخة.و الآيات المحكمات: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ الأنعام:

151،إلى آخر السّورة،أو الّتي أحكمت،فلا يحتاج سامعها إلى تأويلها لبيانها،كأقاصيص الأنبياء، و كمحدّث في شعر طرفة:الشّيخ المجرّب،و غلط الجوهريّ في فتح كافه.

و المحكّمون من أصحاب الأخدود يروى بالفتح و الكسر،و معناه المنصف من نفسه،و هم قوم خيّروا بين القتل و الكفر،فاختاروا الثّبات على الإسلام و القتل.

و الحكم محرّكة:الرّجل المسنّ،و مخلاف باليمن، و زهاء عشرين صحابيّا،و ثلاثين محدّثا.(4:99)

الطّريحيّ: المحكمات:جمع المحكم،و هو في اللّغة:المضبوط المتقن.و في الاصطلاح على ما ذكره بعض المحقّقين:يطلق على ما اتّضح معناه و ظهر لكلّ عارف باللّغة،و على ما كان محفوظا من النّسخ أو التّخصيص،أو منهما معا،و على ما كان نظمه مستقيما

ص: 238

خاليا عن الخلل،و على ما لا يحتمل من التّأويل إلاّ وجها واحدا.قال:و يقابله بكلّ من هذه المتشابه.

إذا تقرّر هذا،فاعلم أنّ المحكم خلاف المتشابه، و بالعكس،إذ لا واسطة بينهما.و قد نصّ اللّغويّون على أنّ المتشابهات هي المتماثلات.يقال هذا شبه هذا،أي شبيهه و مثله،يقال أيضا:بينهما شبه.و شبه بالتّحريك، أي مماثلة.و فسّروا الشّبه بكلّ لون يخالف معظم لون صاحبه.و من هذا يتبيّن أنّ الظّواهر ليست من المتشابه؛ إذ ليس فيها شيء من هذه المعاني،و إن احتملت-ضعفا -خلاف المعنى الظّاهريّ،على أنّ ذلك الاحتمال منها من حيث الإرادة لا من حيث الدّلالة.

و ينقسم المحكم إلى«النّصّ»و هو الرّاجح المانع من النّقيض،كقوله تعالى: وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ البقرة:29،«و الظّاهر»هو الرّاجح الغير المانع من النّقيض،كقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ التّوبة:5، و نحوه.

و الحكمة:العلم الّذي يرفع الإنسان عن فعل القبيح،مستعار من حكمة اللّجام،و هي ما أحاط بحنك الدّابّة،يمنعها الخروج.

الحكمة:فهم المعاني،و سمّيت حكمة لأنّها مانعة من الجهل.قيل:و منه الآية: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ البقرة:

269.

و في الحديث«قوله: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ قال:

هي طاعة اللّه و معرفة الإمام».

الحكم بفتحتين:تحاكم القاضي بالشّيء،فيختار الرّجل رجلا،و تختار المرأة رجلا،فيجتمعان على فرقة أو على صلح.فإن أرادا الإصلاح أصلحا من غير أن يستأمرا،و إن أرادا أن يفرّقا فليس لهما أن يفرّقا إلاّ بعد أن يستأمرا الزّوج و المرأة.[ثمّ ذكر آيات و قال:]

و من أسمائه تعالى:«الحكم»و المراد به الحاكم، و ذلك لمنعه النّاس عن المظالم.

قوله وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ لقمان:12، قال عليه السّلام:«الفهم و العقل».و فلان صاحب الحكمة،إذا كان متقنا للأمور.

و الحكمة:علم الشّريعة.

و في حديث أولياء اللّه:«نطقوا فكان نطقهم حكمة»أراد بها صلاح أمور الآخرة و الأولى،من المعارف و العلوم لا الدّنيا.

و في حديث الحقّ تعالى:«ليس كلّ كلام الحكمة أتقبّل،إنّما أتقبّل هواه و همّه،فإن كان هواه و همّه في رضاي جعلت همّه تقديسا و تسبيحا».قال بعض الشّارحين:كأنّه ناظر إلى الواعظ الغير العامل،و المراد من الهوى و الهمّة:النّيّة،و أنّه يكتب ثواب الأعمال بالنّيّات.

و في الحديث:«إنّ من الشّعر لحكما»أي كلاما نافعا يمنع من الجهل و السّفه،و ينهى عنهما كالمواعظ و الأمثال.

و الحكم:العلم و الفقه و القضاء بالعدل،و هو مصدر حكم يحكم.و يروى«إنّ من الشّعر لحكمة»و هي بمعنى الحكم.

و من أسمائه تعالى:«الحكيم»و هو القاضي.فالحكيم

ص: 239

«فعيل»بمعنى«فاعل»،أو هو الّذي يحكم الأشياء و يتقنها،فهو«فعيل»بمعنى«مفعل»،أو ذو الحكمة، و هي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم.

و يقال لمن يحسن دقائق الصّناعات و يتقنها:

حكيم.

و في الحديث:«ادع اللّه أن يملأ قلبي علما و حكما» أي حكمة.و يحتمل أن يقرأ «و حكما» بكسر الحاء و فتح الكاف،جمع:حكمة.

و الحكمة العمليّة:ما لها تعلّق بالعمل كالعلم بأحوال أصول الموجودات الثّمانية:الواجب،و العقل، و الهيولى،و الصّورة،و الجسم،و العرض،و المادّة (1).

و في الحديث:«ما من عبد إلاّ و في رأسه حكمة، و ملك يمسكها،فإذا تكبّر قال له:اتّضع،و إذا تواضع قال:انتعش،فلا يزال أصغر النّاس في نفسه و أرفع النّاس في أعين النّاس».

الحكمة:حديدة في اللّجام تكون على أنف الفرس، تمنعه عن مخالفة راكبه.و لمّا كانت الحكمة تأخذ بفم الدّابّة،و كان الحنك متّصلا بالرّأس،جعلها تمنع من هي في رأسه،كما تمنع الحكمة الدّابّة.

و فيه:«الكلمة الحكيمة ضالّة الحكيم»،قيل:أراد ب«الكلمة»الجملة المفيدة،و ب«الحكيمة»الّتي أحكمت مبانيها بالعلم و العقل،مصونة معانيها عن الاختلاف و التّهافت.

و الحكيم:المتقن للأمور،و المعنى:أنّ الكلمة الحكيمة ربّما تكلّم بها من ليس لها بأهل،فيلتقطها الحكيم فإنّه أهل لها،و أولى بها من الّذي قالها،كصاحب الضّالّة الّذي يجدها،فإنّه أحقّ بها من غيره.

و فيه:«العلم ثلاثة»أي أصل علم الدّين و مسائل الشّرع ثلاثة:«آية محكمة»أي غير منسوخة،«أو فريضة عادلة»أي غير منسوخة من الحديث،«أو سنّة قائمة»أي غير متروكة.و في«النّهاية»القائمة:الدّائمة المستمرّة الّتي يعمل بها.

و الحكم الشّرعيّ: طلب الشّارع الفعل أو تركه مع استحقاق الذّمّ بمخالفته و بدونه أو تسويته.و عند الأشاعرة:هو خطاب اللّه المتعلّق بأفعال المكلّفين.

و في الدّعاء:«اللّهم بك حاكمت»أي رفعت الحكم إليك فلا حكم إلاّ لك.«و بك خاصمت من نازعني في الدّين».

و في الحديث:«في أرش الجراحات الحكومة»يريد بالجراحات الّتي ليس فيها دية مقدّرة؛و ذلك أن يجرح في موضع من بدنه جراحة تشينه،فيقيس الحاكم أرشها،بأن يقول:لو كان هذا المجروح عبدا غير مشين بهذه الجراحة،كانت قيمته مثلا مائة،و قيمته بعد الشّين تسعون،فقد نقص عشر قيمته،فيجب عشر دية الحرّ، لأنّ المجروح حرّ.

و حكيم بن حذام كان رجلا من قريش،و كان إذا دخل الطّعام المدينة اشتراه كلّه،فمرّ عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال له:«يا حكيم بن حذام إيّاك أن تحتكر»قال فيط.

ص: 240


1- ذكر سبعة فقط.

«القاموس»:حكيم كأمير ابن حذام ككتاب:صحابيّ.

و أمّ الحكم بالتّحريك:أخت معاوية.

و يكره التّسمية بحكيم أو حكم أو خالد أو مالك أو ضرار،كذا في الحديث.قيل:لأنّها كانت أسماء الجاهليّة.و قيل:لأنّها أسماء إبليس،لعنة اللّه عليه.

(6:43)

مجمع اللّغة :حكم يحكم حكما:قضى و فصل في الأمر،فهو حاكم،و هم حاكمون و حكّام.يقال:حكم في كذا و بكذا،و لفلان،و على فلان،و بين فلان و فلان.

و اللّه هو أحكم الحاكمين،أي أعلمهم و أعدلهم و أتقنهم حكما.

حكّمه في كذا تحكيما:فوّض إليه الحكم فيه.

أحكم الشّيء إحكاما:أتقنه،فالشّيء محكم،و هي محكمة.و السّورة المحكمة و الآية المحكمة:هي المتقنة الواضحة.

تحاكموا إلى الحاكم:رفعوا أمرهم إليه ليفصل بينهم.

الحكم بفتح الحاء و الكاف:من يطلب منه الفصل بين المختلفين أو بين المتنازعين.

الحكمة:تطلق على كلّ ما يتحقّق فيه الصّواب من القول و العمل.

الحكيم:ذو الحكمة أو من يحكم الأشياء و يتقنها و الحكيم من صفات اللّه.

الحكم بضمّ الحاء و سكون الكاف:أ-مصدر حكم يحكم حكما،أي القضاء و الفصل.ب-الحكمة.

(1:288)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:142)

العدنانيّ: حكم البلاد.

و يخطّئون من يقول:حكم البلاد،و يؤيّدهم قول محيط المحيط:«العامّة تستعمل الحكم بمعنى الولاية».

و جملة«حكم البلاد»صحيحة،لأنّ معنى حكمه هو:

منعه ممّا يريد.و أصله من حكمة اللّجام،و هي حديدة فيه،تكون على أنف الفرس أو سواه،و حنكه،و تمنعه من مخالفة راكبه،الّذي يريد أن يمنعه من الجري الشّديد.

و قال ابن الأثير في«النّهاية»:الحاكم:القاضي.

و جاء في النّهاية و اللّسان:«قيل للحاكم بين النّاس:

حاكم،لأنّه يمنع الظّالم من الظّلم».و حكم البلاد تعني:

منع سكّانها من الفساد،«مجاز مرسل علاقته المحلّيّة».

و المنع هذا من أهمّ وظائف الحاكم.

و قد نستعمل جملة«حكم النّاس»من باب الاستعارة المكنيّة؛إذ نشبّههم بأفراس،و نحذف الأفراس،و نأتي بشيء من لوازمها،و هي الحكمات.

و الحاكم-كما يقول اللّسان-:هو منفّذ الحكم،و هو من نصّب للحكم بين النّاس،كما يقول الوسيط.

و يقول المصباح:«حكمت عليه بكذا،إذا منعته من خلافه،فلم يقدر على الخروج من ذلك».

و جاء في الوسيط:«حكم بالأمر يحكم حكما:

قضى.يقال:حكم له،و حكم عليه،و حكم بينهم».

و ما علينا إلاّ اللّجوء إلى المجاز حين نريد أن نقول:

«حكم البلاد».

محكم لا محكّم.

ص: 241

و يقولون:أعمال فلان محكّمة،أي:متقنة، و الصّواب:أعماله محكمة.قال تعالى في الآية الأولى من سورة هود: الر*كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أُحْكِمَتْ آياتُهُ، أي بالأمر و النّهي،و الحلال و الحرام، ثُمَّ فُصِّلَتْ، أي بالوعد و الوعيد.و قد استعمل الفعل«أحكم»و مشتقّاته ثلاث مرّات أخرى في القرآن الكريم.

و ذكر أيضا أنّ معنى«أحكم»هو:أتقن،كلّ من معجم ألفاظ القرآن الكريم قال:«إنّ السّورة المحكمة، و الآية المحكمة هي المتقنة الواضحة»،و الرّاغب الأصفهانيّ:«المحكم:هو ما لا تعرض فيه شبهة من حيث اللّفظ،و لا من حيث المعنى»،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و المتن، و الوسيط.

و المحكم:هو ما لا اختلاف فيه و لا اضطراب.و في حديث ابن عبّاس:«قرأت المحكم على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم»،يريد المفصّل من القرآن الكريم،لأنّه لم ينسخ منه شيء،و قيل:هو ما لم يكن متشابها،لأنّه أحكم بيانه بنفسه،و لم يفتقر إلى غيره.

و من معاني«أحكم»:منع،و من هذا قيل للحاكم بين النّاس:حاكم،لأنّه يمنع الظّالم من الظّلم.و منه سمّيت حكمة اللّجام،لأنّها تردّ الدّابّة.الحكمة:ما أحاط بحنكي الفرس من لجامه.

و أحكم السّفيه:منعه عن الفساد،و أخذ على يده.

و أحكم الفرس:أ-جعل الحكمة في فيه.ب-جعل للجامه حكمة.

و أحكمت التّجارب فلانا:صيّرته حكيما.

أمّا حكّمه في الأمر تحكيما،فمن معانيه:

1-أمره أن يحكم بينهم.

2-أجاز حكمه فيما بينهم.

3-حكّم الفرس:جعل للجامه حكمة.

4-حكّم الرّجل:منعه ممّا يريد.

5-حكّمه في الأمر تحكيما فاحتكم،جاء فيه المطاوع على غير بابه،و القياس:تحكّم.

6-و في الحديث:«إنّ الجنّة للمحكّمين».و هم قوم من أصحاب الأخدود،حكّموا و خيّروا بين القتل و الكفر،فاختاروا الثّبات على الإسلام مع القتل.

(163)

محمود شيت:أ-حكم رئيس المحكمة العسكريّة:

صدر حكمه.

ب-أحكم الخطّة:أتقنها.

ج-الاستحكام:التّحصين.جمعه:الاستحكامات.

د-الحكم:الّذي يتولّى مراقبة التّمارين العسكريّة،و يصدر حكمه.

ه-المحكمة العسكريّة:المحكمة الّتي تقضي بين العسكريّين حسب قانون العقوبات العسكريّ.

(1:195)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يحمل على موضوع و يلحقه،و ما به يتحقّق الأمر و النّهي،إذا كان عن بتّ و يقين.

ص: 242

و بمناسبة هذا المفهوم تطلق على القضاء.و بمناسبة قيد البتّ و اليقين:تطلق على الفقه و العلم و المنع و الرّدّ و الإتقان،و ما لا اختلاف فيه و لا اضطراب و لا ترديد.

و أحكمه:جعله ذا حكم،فهو محكم،أي متقن مقطوع في مقابل المتشابه.

و الفرق بين الحاكم و الحكيم و الحكم:هو ما يستفاد من اختلاف هيئاتها،فالحكيم:ما ثبت له الحكم، و الحاكم:ما صدر عنه الحكم،و الثّبوت في الحكم أزيد.

و الحكمة«فعلة»تدلّ على نوع خاصّ من الحكم، و هو ما كان من الأحكام الرّاجعة إلى المعارف القطعيّة و الحقائق المتقنة المعقولة.

فظهر الفرق بين الحكم و القضاء:فإنّ الملحوظ في القضاء هو إظهار النّظر من جانب القاضي في مورد خاصّ،و ليس القطع و البتّ منظورا فيه.(2:286)

النّصوص التّفسيريّة

حكمت

...وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. المائدة:42

لاحظ«فاحكم»في هذه الآية.

يحكم
اشارة

1- ...فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. البقرة:113

ابن عبّاس: يقضي.(بينهم)بين اليهود و النّصارى.(17)

نحوه الزّمخشريّ(1:306)،و النّسفيّ(1:69).

الحسن :حكمه فيهم أن يكذّبهم جميعا و يدخلهم النّار.(الطّوسيّ 1:416)

الفارسيّ: حكمه الانصاف من الظّالم المكذّب بغير حجّة و لا برهان المظلوم المكذّب.

(الطّوسيّ 1:416)

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه:فاللّه يقضي فيفصل بين هؤلاء المختلفين،القائل بعضهم لبعض:لستم على شيء من دينكم يوم قيام الخلق لربّهم من قبورهم، فيتبيّن المحقّ منهم من المبطل،بإثابة المحقّ ما وعد أهل طاعته على أعماله الصّالحة،و مجازاته المبطل منهم بما أوعد أهل الكفر به على كفرهم به،فيما كانوا فيه يختلفون من أديانهم و مللهم في دار الدّنيا.(1:497)

الزّجّاج: المعنى يريهم من يدخل الجنّة عيانا و يدخل النّار عيانا،و هذا هو الحكم الفصل فيما تصير إليه كلّ فرقة،فأمّا الحكم بينهم في العقيدة فقد بيّنه اللّه عزّ و جلّ فيما أظهر من حجج المسلمين،و في عجز الخلق أن يأتوا بمثل القرآن.(1:195)

الثّعلبيّ: يقضي بين المحقّ و المبطل يوم القيامة.

(1:260)

نحوه البغويّ(1:156)،و القاسميّ(2:226).

ابن عطيّة: و المعنى بأن يثيب من كان على شيء

ص: 243

حقّ،و يعاقب من كان على غير شيء.(1:199)

البيضاويّ: يفصل،(بينهم)بين الفريقين يوم القيامة.(1:77)

نحوه الكاشانيّ.(1:164)

الشّربينيّ: أي بين الفرق الثّلاثة و هم:اليهود و النّصارى و الّذين لا يعلمون يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من أمر الدّين،فيقسم لكلّ فريق منهم من العقاب الّذي استحقّه.(1:87)

أبو السّعود :أي بين اليهود و النّصارى،فإنّ مساق النّظم لبيان حالهم،و إنّما التّعرّض لمقالة غيرهم،لإظهار كمال بطلان مقالهم،و لأنّ المحاجّة المحوجة إلى الحكم إنّما وقعت بينهم.(1:185)

البروسويّ: فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بين الفريقين يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ متعلّق ب يَخْتَلِفُونَ قدّم للمحافظة على رءوس الآي، يَخْتَلِفُونَ من أمر الدّين.فإن قلت:بم يحكم؟قلت:بما يقسم لكلّ فريق ممّا يليق به من العقاب،و فعل الحكم يتعدّى بجارّين:

«الباء»و«في»،كما يقال حكم الحاكم في هذه القضيّة بكذا،و في الآية قد ذكر المحكوم فيه دون المحكم به.

(1:207)

الآلوسيّ: أي بين اليهود و النّصارى،لا بين الطّوائف الثّلاثة،لأنّ مساق النّظم لبيان حال تينك الطّائفتين،و التّعرّض لمقالة غيرهم،لإظهار كمال بطلان مقالهم،و الحكم:الفصل و القضاء،و هو يستدعي جارّين،فيقال:حكم القاضي في هذه الحادثة بكذا،و قد حذف هنا أحدهما اختصارا و تفخيما لشأنه،أي بما يقسم لكلّ فريق ما يليق به من العذاب.و المتبادر من الحكم بين فريقين أن يحكم لأحدهما بحقّ دون الآخر، فكأنّ استعماله بما ذكر مجاز.

و قال الحسن:المراد بالحكم بين هذين الفريقين تكذيبهم و إدخالهم النّار،و في ذلك تشريك في حكم واحد،و هو بعيد عن حقيقة الحكم.(1:362)

ابن عاشور : فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ جاء بالفاء، لأنّ التّوعّد بالحكم بينهم يوم القيامة،و إظهار ما أكنّته ضمائرهم من الهوى و الحسد،متفرّع عن هذه المقالات و مسبّب عنها،و هو خبر مراد به التّوبيخ و الوعيد، و الضّمير المجرور بإضافة«بين»راجع إلى الفرق الثّلاث، و ما كانوا فيه يختلفون يعمّ ما ذكر و غيره.و الجملة تذييل.(1:660)

2- ...وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا... البقرة:213

ابن عبّاس: كلّ نبيّ بكتابه.(29)

نحوه الواحديّ.(1:316)

الطّبريّ: يعني بذلك:ليحكم الكتاب و هو التّوراة بين النّاس فيما اختلف المختلفون فيه،فأضاف جلّ ثناؤه «الحكم»إلى(الكتاب)،و أنّه الّذي يحكم بين النّاس دون النّبيّين و المرسلين؛إذ كان من حكم من النّبيّين و المرسلين بحكم،إنّما يحكم بما دلّهم عليه الكتاب الّذي أنزل اللّه عزّ و جلّ،فكان الكتاب بدلالته على ما دلّ

ص: 244

وصفه على صحّته من الحكم حاكما بين النّاس،و إن كان الّذي يفصل القضاء بينهم غيره.(2:337)

الثّعلبيّ: قراءة العامّة بفتح الياء و ضمّ الكاف، و هو في القرآن في أربعة مواضع:هاهنا،و في آل عمران، و فى النّور موضعان.

و قرأها كلّها أبو جعفر القارئ و عاصم الجحدريّ بضمّ الياء و فتح الكاف،لأنّ الكتاب الحكم على الحقيقة إنّما يحكم به.

و لقراءة العامّة وجهان:أحدهما على سعة الكلام كقوله: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ الجاثية:

29.و الآخر أنّ معناه:ليحكم كلّ نبيّ بكتابه،و إذا حكم بالكتاب فكأنّما حكم الكتاب.(2:133)

نحوه البغويّ.(1:272)

الطّوسيّ: فحقيقته ليحكم منزل الكتاب،لأنّ اللّه هو الحاكم بما أنزل فيه،فهو مجاز في قول الجبّائيّ،قال:

إلاّ أنّه جعل اللّفظ على الكتاب تفخيما له،لما فيه من البيان.و يجوز أن يكون في(يحكم)ضمير اسم اللّه فيكون حقيقة،و من ضمّ الياء قراءته لا شبهة فيها، و المعنى ليحكم النّاس أو العلماء بما فيه من الحقّ.

(2:194)

الزّمخشريّ: (ليحكم)اللّه أو الكتاب أو النّبيّ المنزل عليه.(1:355)

نحوه البيضاويّ(1:113)،و النّسفيّ(1:106)، و أبو السّعود(1:258).

ابن عطيّة: مسند إلى الكتاب في قول الجمهور، و قال قوم:المعنى ليحكم اللّه.و قرأ الجحدريّ (ليحكم) على بناء الفعل للمفعول.و حكى عنه مكّيّ (لنحكم) ، و أظنّه تصحيفا،لأنّه لم يحك عنه البناء للمفعول،كما حكى النّاس.(1:286)

نحوه الشّوكانيّ.(1:270)

الطّبرسيّ: الضّمير في(يحكم)يرجع إلى اللّه،أي ليحكم اللّه منزل الكتاب.و قيل:يرجع إلى الكتاب،أي ليحكم الكتاب،فأضاف الحكم إلى الكتاب،و إن كان اللّه هو الّذي يحكم على جهة التّفخيم لأمر الكتاب.

(1:307)

ابن الجوزيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]و قرأ أبو جعفر: (ليحكم) بضمّ الياء و فتح الكاف،و قرأ مجاهد (لتحكم) بالتّاء على الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:230)

القرطبيّ: [نحو ابن عطيّة و أضاف:]و قراءة عاصم الجحدريّ(ليحكم بين النّاس)على ما لم يسمّ فاعله،و هي قراءة شاذّة،لأنّه قد تقدّم ذكر الكتاب.

و قيل:المعنى ليحكم اللّه.(3:32)

أبو حيّان :اللاّم لام العلّة و يتعلّق ب(انزل) و الضّمير في(ليحكم)عائد على اللّه في قوله: فَبَعَثَ اللّهُ و هو المضمر في(انزل)و هذا هو الظّاهر.و المعنى أنّه تعالى أنزل الكتاب ليفصل به بين النّاس.و قيل:

عائد على(الكتاب)أي ليحكم الكتاب بين النّاس، و نسبة الحكم إليه مجاز،كما أسند النّطق إليه في قوله هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ الجاثية:29.

[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 245

و لأنّ الكتاب هو أصل الحكم فأسند إليه ردّا للأصل،و هذا قول الجمهور.و أجاز الزّمخشريّ أن يكون الفاعل النّبيّ،قال:ليحكم اللّه أو الكتاب أو النّبيّ المنزل عليه،و إفراد الضّمير يضعّف ذلك،على أنّه يحتمل ما قاله فيعود على أفراد الجمع،أي ليحكم كلّ نبيّ بكتابه،و لا حاجة إلى هذا التّكلّف مع ظهور عود الضّمير على اللّه تعالى،و يبيّن عوده على اللّه تعالى قراءة الجحدريّ فيما ذكر سكّيّ (لنحكم) بالنّون،و هو متعيّن عوده على اللّه تعالى،و يكون ذلك التفاتا؛إذ خرج من ضمير الغائب في(انزل)إلى ضمير المتكلّم،و ظنّ ابن عطيّة هذه القراءة تصحيفا قال ما معناه:لأنّ مكّيّا لم يحك عن الجحدريّ قراءته الّتي نقل النّاس عنه و هي (ليحكم)على بناء الفعل للمفعول،و نقل مكّيّ(لنحكم) بالنّون.

و في القراءة الّتي نقل النّاس من قوله: (و ليحكم) حذف الفاعل للعلم به.و الأولى أن يكون اللّه تعالى، قالوا:و يحتمل أن يكون الكتاب أو النّبيّون و هي ظرف مكان،و هو هنا مجاز،و انتصابه بقوله(ليحكم) و(فيما)متعلّق به أيضا.(2:136)

الشّربينيّ: أي اللّه أو الكتاب أو النّبيّ المبعوث.

و رجّح الثّاني التّفتازانيّ و قال:لا بدّ في عوده إلى اللّه تكلّف في المعنى،أي ليظهر حكمه،و إلى النّبيّ من تكلّف في اللّفظ،حيث لم يقل:ليحكموا.

و رجّح أبو حيّان الأوّل،و هو الظّاهر.قال:و المعنى أنّه أنزل الكتاب ليفصل به بين النّاس.و نسبة الحكم إلى الكتاب مجاز،كما أنّ إسناد النّطق إليه في هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ الجاثية:29،كذلك.(1:139)

الآلوسيّ: علّة للإنزال المذكور،أوله و للبعث، و هذا البعث المعلّل هو المتأخّر عن الاختلاف،فلا يضرّ تقدّم بعثة آدم و شيث و إدريس عليهم السّلام بناء على بعض الوجوه السّابقة،و الحكم بمعنى الفصل بقرينة تعلّق(بين) به،و لو كان بمعنى القضاء لتعدّى ب«على».و الضّمير المستتر راجع إلى اللّه سبحانه،و يؤيّده قراءة الجحدريّ فيما رواه عنه مكّي (لنحكم) بنون العظمة،أو إلى النّبيّ.

و أفرد الفعل،لأنّ الحاكم كلّ واحد من النّبيّين،و جوّز رجوعه إلى الكتاب،و الإسناد حينئذ مجازيّ باعتبار تضمّنه ما به الفصل.و زعم بعضهم أنّه الأظهر؛إذ لا بدّ في عوده إلى اللّه تعالى من تكلّف في المعنى،أي يظهر حكمه،و إلى النّبيّ من تكلّف في اللّفظ حيث لم يقل:

ليحكموا،و ممّا ذكرنا يعلم ما فيه من الضّعف.(2:101)

نحوه ابن عاشور.(2:291)

3- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ... آل عمران:23

ابن عبّاس: بالرّجم كما في كتابهم على المحصن و المحصنة اللّذين زنيا في خيبر.(45)

أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم دخل بيت المدارس على جماعة من اليهود،فدعاهم إلى اللّه فقال رجلان منهم:على أيّ دين أنت؟فقال:«على ملّة إبراهيم»،قالا:فإنّه كان يهوديّا، قال:«فهلمّوا إلى التّوراة فأتيا عليه»،فنزلت هذه

ص: 246

الآية...

إنّ رجلا من اليهود و امرأة زنيا،فكرهوا رجمهما لشرفهما،فرفعوا أمرهما إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم رجاء أن يكون عنده رخصة،فحكم عليهما بالرّجم،فقالوا:جرت علينا يا محمّد!ليس علينا الرّجم،فقال:«بيني و بينكم التّوراة»فجاء ابن صوريا،فقرأ من التّوراة،فلمّا أتى آية الرّجم،وضع كفّه عليها و قرأ ما بعدها.فقال ابن سلاّم:

قد جاوزها ثمّ قام فقرأها،فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم باليهوديّين فرجما،فغضب اليهود،فنزلت هذه الآية.

(ابن الجوزيّ 1:366)

نحوه الكلبيّ.(البروسويّ 2:15)

ملّة إبراهيم.(ابن الجوزيّ 1:367)

حدّ الزّنا.(ابن الجوزيّ 1:367)

السّدّيّ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم دعا اليهود إلى الإسلام،فقال نعمان بن أبي أوفى:هلمّ نحاكمك إلى الأحبار.فقال:«بل إلى كتاب اللّه»،فقال:بل إلى الأحبار،فنزلت هذه الآية.(ابن الجوزيّ 1:366)

صحّة دين الإسلام.(ابن الجوزيّ 1:367)

مقاتل:يعني ليقضي بينهم.(1:269)

أنّها نزلت في جماعة من اليهود،دعاهم النّبيّ إلى الإسلام فقالوا:نحن أحقّ بالهدى منك و ما أرسل اللّه نبيّا إلاّ من بني إسرائيل قال:«فأخرجوا التّوراة،فأنّي مكتوب فيها أنّي نبيّ فأبوا،فنزلت هذه الآية.

(ابن الجوزيّ 1:366)

صحّة نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(ابن الجوزيّ 1:367)

الماورديّ: و في قوله تعالى: لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثلاثة أقاويل:

أحدها:نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و الثّاني:أمر إبراهيم و أنّ دينه الإسلام.

و الثّالث:أنّه حدّ من الحدود.(1:382)

الطّوسيّ: و الحكم الّذي دعوا فيه إلى الكتاب يحتمل ثلاثة أشياء.[و ذكر مثل الماورديّ ثمّ قال:]

لأنّهم نازعوا في ذلك،و ليس في القرآن دليل على تعيين ذلك،و إنّما هو محتمل لكلّ واحد منها...

و الحكم هو الخبر الّذي يفصل الحقّ من الباطل بامتناعه من الإلباس،و هو مأخوذ من الحكمة،و هو الخبر الّذي توجب صحّته الحكمة.و إنّما يقال:حكم بالباطل،لأنّه جعل موضع الحقّ باطلا بدلا منه.و قولهم:

ليس هذا حكم كذا،معناه ليس هذا حقّه فإنّما دعوا إلى كتاب اللّه ليفصل الحقّ من الباطل فيما اختلفوا فيه.

(2:425)

نحوه الطّبرسيّ.(1:424)

الزّمخشريّ: قرئ (ليحكم) على البناء للمفعول، و الوجه أن يراد ما وقع من الاختلاف و التّعادي بين من أسلم من أحبارهم،و بين من لم يسلم،و أنّهم دعوا إلى كتاب اللّه الّذي لا اختلاف بينهم في صحّته و هو التّوراة، و ليحكم بين المحقّ و المبطل منهم.(1:420)

ابن عطيّة: قرأ جمهور النّاس (ليحكم) بفتح الياء،أي ليحكم الكتاب.و قرأ الحسن و أبو جعفر و عاصم الجحدريّ (ليحكم) بضمّ الياء و بناء الفعل

ص: 247

للمفعول.(1:416)

الفخر الرّازيّ: فالمعنى ليحكم الكتاب بينهم، و إضافة الحكم إلى الكتاب مجاز مشهور.(7:233)

نحوه أبو حيّان.(2:416)

القرطبيّ: قرأ الجمهور (لِيَحْكُمَ) ،و قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع (ليحكم) بضمّ الياء،و القراءة الأولى أحسن،لقوله تعالى: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ الجاثية:29.(4:50)

البيضاويّ: الدّاعي:محمّد عليه الصّلاة و السّلام، و كتاب اللّه:القرآن أو التّوراة،لما روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام دخل مدراسهم فقال له نعيم بن عمرو و الحارث بن زيد:على أيّ دين أنت؟فقال:«على دين إبراهيم»،فقالا له:إنّ إبراهيم كان يهوديّا،فقال:

«هلمّوا إلى التّوراة.فإنّها بيننا و بينكم،فأبيا فنزلت.

و قيل:نزلت في الرّجم.

و قرئ (ليحكم) على البناء للمفعول،فيكون الاختلاف فيما بينهم.و فيه دليل على أنّ الأدلّة السّمعيّة حجّة في الأصول.(1:154)

نحوه النّسفيّ(1:151)،و أبو السّعود(1:351)، و الشّربينيّ(1:205)،و الكاشانيّ(1:300)، و البروسويّ(2:15)،و شبّر(1:308)،و المراغيّ(3:

127)،و مغنيّة(2:34)،و ابن عاشور(3:65).

السّمين:قوله:(ليحكم)متعلّق ب(يدعون)...

و قرأ الحسن و أبو جعفر و الجحدريّ (ليحكم) مبنيّا للمفعول و القائم مقام الفاعل هو الظّرف،أي ليقع الحكم بينهم.(2:52)

الآلوسيّ: قيل:أي ليفصل الحقّ من الباطل،بين الّذين أوتوا و هم اليهود،و بين الدّاعي لهم و هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في أمر إبراهيم عليه السّلام،أو في حكم الرّجم،أو في شأن الإسلام،أو بين من أسلم منهم و من لم يسلم،حيث وقع بينهم اختلاف في الدّين الحقّ.و على هذا-و هو المرضيّ عند البعض،و إن لم يوافق سبب النّزول،و ربّما أحوج إلى ارتكاب مجاز في مرجع الضّمير-لا يتعيّن أن يكون الدّاعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.و قرئ (ليحكم) على البناء للمفعول،و نسب ذاك إلى أبي حنيفة.(3:111)

4- ...فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً. النّساء:141

ابن عبّاس: يريد أنّه أخّر عقاب المنافقين.

(ابن الجوزيّ 2:230)

الطّبريّ: يعني فاللّه يحكم بين المؤمنين و المنافقين يوم القيامة،فيفصل بينكم بالقضاء الفاصل:بإدخال أهل الإيمان جنّته،و أهل النّفاق مع أوليائهم من الكفّار ناره.(5:331)

نحوه الثّعلبيّ(3:404)،و البغويّ(1:714)،و ابن الجوزيّ(2:230).

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّه الّذي يحكم بين الخلائق يوم القيامة،و يفصل بينهم بالحقّ،و ينصر المؤمنين.(3:364)

نحوه الطّبرسيّ.(2:128)

ص: 248

ابن عطيّة:أي و بينهم،و ينصفكم من جميعهم.

(2:126)

الفخر الرّازيّ: أي بين المؤمنين و المنافقين، و المعنى أنّه تعالى ما وضع السّيف في الدّنيا عن المنافقين، بل أخّر عقابهم إلى يوم القيامة.(11:83)

البروسويّ: أي بين المؤمنين و المنافقين بطريق تغليب المخاطبين على الغائبين.(2:306)

شبّر:بالحجّة أو يوم القيامة.(2:117)

الآلوسيّ: فيثيب أحبّاءه و يعاقب أعداءه،و أمّا في الدّنيا فأنتم و هم سواء في العصمة،بدليل قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«فإذا قالوها فقد عصموا منّي دماءهم و أموالهم».و في الكلام قيل:تغليب.و قيل:حذف،أي بينكم و بينهم.

(5:175)

5- ...إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ. المائدة:1

ابن عبّاس: يقول:يحلّ و يحرم ما يريد في الحلّ و الحرم.(87)

نحوه الطّبريّ(6:53)،و الزّجّاج(2:142)، و البيضاويّ(1:260)،و النّسفيّ(1:268)،و شبّر(2:

136).

قتادة :إنّ اللّه يحكم ما أراد في خلقه و بيّن لعباده، و فرض فرائضه وحدّ حدوده،و أمر بطاعته و نهى عن معصيته.(الطّبريّ 6:53)

الثّعلبيّ: يحرّم ما يريد على من يريد.(4:8)

الطّوسيّ: معناه إنّ اللّه يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل ما يريد تحليله،و تحريم ما يريد تحريمه،إيجاب ما يريد إيجابه،و غير ذلك من أحكامه و قضاياه،فافعلوا ما أمركم به،و انتهوا عمّا نهاكم عنه.(3:417)

نحوه الطّبرسيّ(2:152)،و ابن الجوزيّ(2:

270).

ابن عطيّة: تقوية لهذه الأحكام الشّرعيّة المخالفة لمعهود أحكام العرب،أي فأنت أيّها السّامع لنسخ تلك العهود الّتي عهدت تنبّه،فإنّ اللّه الّذي هو مالك الكلّ يحكم ما يريد،لا معقّب لحكمه.

و هذه الآية ممّا تلوح فصاحتها و كثرة معانيها على قلّة ألفاظها لكلّ ذي بصر بالكلام،و لمن عنده أدنى إبصار،فإنّها تضمّنت خمسة أحكام:الأمر بالوفاء بالعقود،و تحليل بهيمة الأنعام،و استثناء ما تلي بعد، و استثناء حال الإحرام فيما يصاد،و ما يقتضيه معنى الآية من إباحة الصّيد لمن ليس بمحرم...(2:145)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّه تعالى أباح الأنعام في جميع الأحوال،و أباح الصّيد في بعض الأحوال دون بعض،فلو قال قائل:ما السّبب في هذا التّفصيل و التّخصيص؛كان جوابه أن يقال:إنّه تعالى مالك الأشياء و خالقها فلم يكن على حكمه اعتراض بوجه من الوجوه،و هذا هو الّذي يقوله أصحابنا:إنّ علّة حسن التّكليف هي الرّبوبيّة و العبوديّة،لا ما يقوله المعتزلة من رعاية المصالح.(11:127)

نحوه القرطبيّ.(6:36)

الشّربينيّ: من تحليل و تحريم و غيرهما على سبيل

ص: 249

الإطلاق،لا يجب عليه مراعاة مصلحة و لا حكمة،كما تقوله المعتزلة،فلا يسأل عن تخصيص و لا تفصيل،فما فهمتم حكمته فذاك،و ما لا فكلوه إليه،و ارغبوا في أن يلهمكم حكمته.(1:351)

البروسويّ: [نحو الشّربينيّ و أضاف:] إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ بذبح النّفس،إذا كانت موصوفة بصفة البهيمة، ترتع في مراتع الحيوان السّفليّة،و يحكم بترك ذبحها، و يخاطبها بالرّجوع إلى حضرة الرّبوبيّة عند اطمئنانها مع ذكر الحقّ،و اتّصافها بالصّفات الملكيّة العلويّة.

(2:337)

الآلوسيّ: من الأحكام حسبما تقتضيه مشيئته المبنيّة على الحكم البالغة الّتي تقف دونها الأفكار، فيدخل فيها ما ذكره من التّحليل و التّحريم دخولا أوّليّا.

و ضمّن(يحكم)معنى يفعل،فعدّاه بنفسه و إلاّ فهو متعدّ بالباء.(6:53)

6- إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ...

المائدة:44

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّا أنزلنا التّوراة فيها بيان ما سألك هؤلاء اليهود عنه من حكم الزّانيين المحصنين.(و نور):يقول:و فيها جلاء ما أظلم عليهم، و ضياء ما التبس من الحكم.يحكم بها النّبيّون الّذين أسلموا،يقول:يحكم بحكم التّوراة في ذلك أي فيما احتكموا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيه من أمر الزّانيين،النّبيّون الّذين أسلموا و هم الّذين أذعنوا لحكم اللّه و أقرّوا به،و إنّما عنى اللّه تعالى ذكره بذلك نبيّنا محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم في حكمه على الزّانيين المحصنين من اليهود بالرّجم،و في تسويته بين دم قتلى النّضير و قريظة في القصاص و الدّية،و من قبل محمّد من الأنبياء يحكم بما فيها من حكم اللّه.(6:248)

الزّجّاج: بيان أنّ أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حقّ،و فيها بيان الحكم الّذي جاءوا يستفتون فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و يجوز أن يكون المعنى على التّقديم و التّأخير،على معنى:إنّا أنزلنا التّوراة فيها هدى و نور للّذين هادوا،يحكم بها النّبيّون الّذين أسلموا للّذين هادوا...(2:178)

الحكم بغير ما أنزل اللّه

7- ...وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ. المائدة:44

8- ...وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ. المائدة:45

9- وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. المائدة:47

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:من حكم في در همين حكم جور ثمّ جبر عليه كان من هذه الآية.(العيّاشيّ 2:51)

ابن مسعود:من ارتشى في الحكم و حكم فيه بغير حكم اللّه فهو كافر.

مثله السّدّيّ(الثّعلبيّ 4:71)،و نحوه الحسن (الواحديّ 2:191).

ص: 250

من لم يحكم بما أنزل اللّه فهو كافر،و من لم يحكم بما أنزل اللّه فهو ظالم،و من لم يحكم بما أنزل اللّه فهو فاسق.

(الواحديّ 2:191)

هي عامّة في كلّ من لم يحكم بما أنزل اللّه من المسلمين و اليهود و الكفّار،أي معتقدا ذلك و مستحلاّ له،فأمّا من فعل ذلك و هو معتقد أنّه راكب محرّم،فهو من فسّاق المسلمين،و أمره إلى اللّه تعالى،إن شاء عذّبه و إن شاء غفر له.

مثله الحسن.(القرطبيّ 6:190)

الإمام عليّ عليه السّلام:من قضى في درهمين بغير ما أنزل اللّه فقد كفر.(العيّاشي 2:52)

ابن عبّاس: يقول:و من لم يبيّن ما بيّن اللّه في التّوراة من صفة محمّد و نعته و آية الرّجم فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (94)

إذا فعل ذلك فهو به كفر،و ليس كمن كفر باللّه و اليوم الآخر و بكذا و كذا.(الطّبريّ 6:256)

من جحد ما أنزل اللّه فقد كفر،و من أقرّ به و لم يحكم فهو ظالم فاسق.(الطّبريّ 6:257)

ليس بكفر ينقل عن الملّة،بل إذا فعل ذلك و هو به كفر،و ليس كمن يكفر باللّه و اليوم الآخر.

مثله طاوس.(الثّعلبيّ 4:70)

أي و من لم يحكم بما أنزل اللّه ردّا للقرآن،و جحدا لقول الرّسول عليه الصّلاة و السّلام فهو كافر.

مثله مجاهد.(القرطبيّ 6:190)

نزلت في اليهود خاصّة.

مثله قتادة.(ابن الجوزيّ 2:366)

نحوه النّخعيّ و الحسن.(الثّعلبيّ 4:70)

نزلت في المسلمين.(ابن الجوزيّ 2:366)

الشّعبيّ: الكافرون في المسلمين،و الظّالمون في اليهود،و الفاسقون في النّصارى.(الطّبريّ 6:255)

عكرمة :قوله: مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ و(الظّالمون)،و(الفاسقون)لأهل الكتاب كلّهم،لما تركوا من كتاب اللّه.

نحوه الضّحّاك و قتادة.(الطّبريّ 6:253)

معناه:و من لم يحكم بما أنزل اللّه جاحدا به فقد كفر، و من أقرّ به و لم يحكم به فهو ظالم فاسق.

(الثّعلبيّ 4:70)

عطاء:[هذه الآيات الثّلاثة]كفر دون كفر، و فسق دون فسق،و ظلم دون ظلم.

(الطّبريّ 6:256)

السّدّيّ: و من لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا و جار،و هو يعلم،فهو من الكافرين.

(الطّبريّ 6:257)

الإمام الصّادق عليه السّلام:[عن أبي العبّاس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:]«من حكم في در همين بغير ما أنزل اللّه فقد كفر».قلت:كفر بما أنزل اللّه أو بما أنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله؟قال:«ويلك!إذا كفر بما أنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله أ ليس قد كفر بما أنزل اللّه»!؟(العيّاشيّ 2:53)

[و في حديث آخر قال:]من حكم في در همين بغير ما أنزل اللّه ممّن له سوط أو عصى،فهو كافر بما أنزل اللّه

ص: 251

على محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(شبّر 2:178)

ابن زيد :من حكم بكتابه الّذي كتب بيده،و ترك كتاب اللّه،و زعم أنّ كتابه هذا من عند اللّه فقد كفر.

(الطّبريّ 6:254)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و من كتم حكم اللّه الّذي أنزله في كتابه،و جعله حكما بين عباده،فأخفاه و حكم بغيره،كحكم اليهود في الزّانيين المحصنين بالتّجبية و التّحميم و كتمانهم الرّجم،و كقضائهم في بعض قتلاهم بدية كاملة،و في بعض بنصف الدّية،و في الأشراف بالقصاص،و في الأدنياء بالدّية،و قد سوّى اللّه بين جميعهم في الحكم عليهم في التّوراة فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ يقول:هؤلاء الّذين لم يحكموا بما أنزل اللّه في كتابه،و لكن بدّلوا و غيّروا حكمه،و كتموا الحقّ الّذي أنزله في كتابه هُمُ الْكافِرُونَ، يقول:هم الّذين ستروا الحقّ الّذي كان عليهم كشفه و تبيينه،و غطّوه عن النّاس،و أظهروا لهم غيره و قضوا به،لسحت أخذوه منهم عليه.

و قد اختلف أهل التّأويل في تأويل الكفر في هذا الموضع،فقال بعضهم بنحو ما قلنا في ذلك:من أنّه عنى به اليهود الّذين حرّفوا كتاب اللّه و بدّلوا حكمه.[إلى أن قال:]

و قال بعضهم:عني بالكافرين:أهل الإسلام، و بالظّالمين:اليهود،و بالفاسقين:النّصارى.

و قال آخرون:بل عني بذلك:كفر دون كفر،و ظلم دون ظلم،و فسق دون فسق.

و قال آخرون:بل نزلت هذه الآيات في أهل الكتاب،و هي مراد بها جميع النّاس مسلموهم و كفّارهم.

و قال آخرون:معنى ذلك:و من لم يحكم بما أنزل اللّه جاحدا به،فأمّا الظّلم و الفسق فهو للمقرّ به.

و أولى هذه الأقوال عندي بالصّواب،قول من قال:

نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب،لأنّ ما قبلها و ما بعدها من الآيات ففيهم نزلت،و هم المعنيّون بها،و هذه الآيات سياق الخبر عنهم،فكونها خبرا عنهم أولى.

فإن قال قائل:فإنّ اللّه تعالى ذكره قد عمّ بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل اللّه،فكيف جعلته خاصّا؟

قيل:إنّ اللّه تعالى عمّ بالخبر بذلك،عن قوم كانوا بحكم اللّه الّذي حكم به في كتابه جاحدين،فأخبر عنهم أنّهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون، و كذلك القول في كلّ من لم يحكم بما أنزل اللّه جاحدا به هو باللّه كافر،كما قال ابن عبّاس،لأنّه بجحوده حكم اللّه بعد علمه أنّه أنزله في كتابه،نظير جحوده نبوّة نبيّه بعد علمه أنّه نبيّ.(6:252)

الزّجّاج: أي من زعم أنّ حكما من أحكام اللّه الّتي أتت بها الأنبياء عليهم السّلام باطل فهو كافر،أجمعت الفقهاء أنّ من قال:إنّ المحصنين لا يجب أن يرجما إذا زنيا و كانا حرّين كافر،و إنّما كفر من ردّ حكما من أحكام النّبيّ، لأنّه مكذّب له،و من كذّب النّبيّ فهو كافر.(2:178)

الطّوسيّ: معناه من كتم حكم اللّه الّذي أنزله في

ص: 252

كتابه،و جعله حكما بين عباده،فأخفاه و حكم بغيره:

من رجم المحصن و القود فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ.

و اختلفوا هل الآية على عمومها أم لا؟فقال ابن مسعود و الحسن و إبراهيم:هي على عمومها.

و قال ابن عبّاس:هي في الجاحد لحكم اللّه.

و قيل:في اليهود خاصّة في قول الجبّائيّ،لأنّه قال:

لا حجّة للخوارج فيها من حيث هي خاصّة في اليهود.

و قال البلخيّ: يجوز أن تكون(من)بمعنى«الّذي» و تكون للعهد،و هو من تقدّم ذكره من اليهود.

و يحتمل أن يكون خرج مخرج الشّتم لا على وجه المجازاة،كما يقول القائل:من فعل كذا فهو الّذي لا حسب له و لا أصل،و لا يريد أنّه استحقّ الدّناءة بالفعل الّذي ذكروا أنّه إنّما كان غير حسيب من أجل فعله،و إنّما يريدون الشّتم و إن كان قد يفعل ذلك لعارض الحسيب العظيم الهمّة.

و اختار الرّمّانيّ قول ابن مسعود غير أنّه قال:

الحكم هو فصل الأمر على وجه الحكمة عند الحاكم، بخلاف ما أنزل اللّه،لأنّه بمنزلة من قال:الحكمة خلاف ما أنزل اللّه.

و الأولى أن تقول:هي عامّة فيمن حكم بغير ما أنزل اللّه مستحلاّ لذلك،فإنّه يكون كافرا بذلك بلا خلاف.و متى لم يكن كذلك فالآية خاصّة على ما قاله ابن عبّاس في الجاحدين،أو ما قاله أبو عليّ في اليهود.

و روى البراء بن عازب عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ هذه الآيات الثّلاث: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْكافِرُونَ، وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ، وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ في الكفّار خاصّة،و به قال ابن مسعود و أبو صالح.و قال:ليس في أهل الإسلام منها شيء،و به قال الضّحّاك و أبو مجلز و عكرمة و قتادة.و قال الشّعبيّ:

نزلت(الكافرون)في المسلمين،و(الظّالمون)في اليهود، و(الفاسقون)في النّصارى.و قال عطاء و طاوس:أراد به كفرا دون كفر،و ظلما دون ظلم،و فسقا دون فسق، و رووه عن ابن عبّاس.و قال إبراهيم هي عامّة في بني إسرائيل و غيرهم من المسلمين،و به قال الحسن،و قد بيّنّا الأقوى من هذه الأقاويل.(3:534)

نحوه الطّبرسيّ.(2:198)

البغويّ: سئل عبد العزيز بن يحيى الكنانيّ عن هذه الآيات،فقال:إنّها تقع على جميع ما أنزل اللّه لا على بعضه،و كلّ من لم يحكم بجميع ما أنزل اللّه فهو كافر ظالم فاسق.فأمّا من حكم بما أنزل اللّه من التّوحيد و ترك الشّرك،ثمّ لم يحكم ببعض ما أنزل اللّه من الشّرائع،لم يستوجب حكم هذه الآيات.و قال العلماء:هذا إذا ردّ نصّ حكم اللّه عيانا عمدا،فأمّا من خفي عليه أو خطأ في تأويل فلا.(2:55)

الزّمخشريّ: مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ مستهينا به فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ. و(الظّالمون)، و(الفاسقون)وصف لهم بالعتوّ في كفرهم حين ظلموا آيات اللّه بالاستهانة،و تمرّدوا بأن حكموا بغيرها.[ثمّ نقل الأقوال](1:616)

ص: 253

ابن عطيّة:اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى:

وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، فقالت جماعة:المراد اليهود بالكافرين و الظّالمين و الفاسقين،و روي في هذا حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من طريق البراء بن عازب.و قالت جماعة عظيمة من أهل العلم:الآية متناولة كلّ من لم يحكم بما أنزل اللّه،و لكنّه في أمراء هذه الأمّة كفر معصية،لا يخرجهم عن الإيمان.

و قيل لحذيفة بن اليمان:أنزلت هذه الآية في بني إسرائيل؟فقال:نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل،إن كان لكم كلّ حلوة و لهم كلّ مرّة،لتسلكنّ طريقهم قدّ الشّراك.[ثمّ نقل كلام الشّعبيّ و قال:]و لا أعلم بهذا التّخصيص وجها،إلاّ إن صحّ فيه حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، إلاّ أنّه راعى من ذكر مع كلّ خبر من هذه الثّلاثة،فلا يترتّب له ما ذكر في المسلمين،إلاّ على أنّهم خوطبوا بقوله: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ. (2:196)

الفخر الرّازيّ: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ و فيه مسألتان:

المسألة الأولى:المقصود من هذا الكلام تهديد اليهود في إقدامهم على تحريف حكم اللّه تعالى في حدّ الزّاني المحصن،يعني أنّهم لمّا أنكروا حكم اللّه المنصوص عليه في التّوراة،و قالوا:إنّه غير واجب،فهم كافرون على الإطلاق،لا يستحقّون اسم الإيمان لا بموسى و التّوراة،و لا بمحمّد و القرآن.

المسألة الثّانية:قالت الخوارج:كلّ من عصى اللّه فهو كافر.و قال جمهور الأئمّة:ليس الأمر كذلك.أمّا الخوارج فقد احتجّوا بهذه الآية،و قالوا:إنّها نصّ في أنّ كلّ من حكم بغير ما أنزل اللّه فهو كافر،و كلّ من أذنب فقد حكم بغير ما أنزل اللّه،فوجب أن يكون كافرا.

و ذكر المتكلّمون و المفسّرون أجوبة عن هذه الشّبهة:

الأوّل:أنّ هذه الآية نزلت في اليهود فتكون مختصّة بهم،و هذا ضعيف،لأنّ الاعتبار بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.و منهم من حاول دفع هذا السّؤال فقال:المراد و من لم يحكم من هؤلاء الّذين سبق ذكرهم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون،و هذا أيضا ضعيف، لأنّ قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ كلام أدخل فيه كلمة(من)في معرض الشّرط،فيكون للعموم.

و قول من يقول:المراد و من لم يحكم بما أنزل اللّه من الّذين سبق ذكرهم،فهو زيادة في النّصّ،و ذلك غير جائز.

الثّاني:قال عطاء:هو كفر دون كفر.و قال طاوس:ليس بكفر ينقل عن الملّة كمن يكفر باللّه و اليوم الآخر،فكأنّهم حملوا الآية على كفر النّعمة لا على كفر الدّين،و هو أيضا ضعيف،لأنّ لفظ الكفر إذا أقلق انصرف إلى الكفر في الدّين.

و الثّالث:قال ابن الأنباريّ:يجوز أن يكون المعنى:

و من لم يحكم بما أنزل اللّه فقد فعل فعلا يضاهي أفعال الكفّار،و يشبه من أجل ذلك الكافرين،و هذا ضعيف أيضا،لأنّه عدول عن الظّاهر.

و الرّابع:قال عبد العزيز بن يحيى الكنانيّ:قوله:

بِما أَنْزَلَ اللّهُ صيغة عموم،فقوله وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ

ص: 254

بِما أَنْزَلَ اللّهُ معناه من أتى بضدّ حكم اللّه تعالى في كلّ ما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون،و هذا حقّ،لأنّ الكافر هو الّذي أتى بضدّ حكم اللّه تعالى في كلّ ما أنزل اللّه.أمّا الفاسق فإنّه لم يأت بضدّ حكم اللّه إلاّ في القليل، و هو العمل،أمّا في الاعتقاد و الإقرار فهو موافق،و هذا أيضا ضعيف،لأنّه لو كانت هذه الآية وعيدا مخصوصا بمن خالف حكم اللّه تعالى في كلّ ما أنزل اللّه تعالى،لم يتناول هذا الوعيد اليهود بسبب مخالفتهم حكم اللّه في الرّجم،و أجمع المفسّرون على أنّ هذا الوعيد يتناول اليهود بسبب مخالفتهم حكم اللّه تعالى في واقعة الرّجم، فيدلّ على سقوط هذا الجواب.

و الخامس:قال عكرمة:قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ إنّما يتناول من أنكر بقلبه و جحد بلسانه،أمّا من عرف بقلبه كونه حكم اللّه،و أقرّ بلسانه كونه حكم اللّه،إلاّ أنّه أتى بما يضادّه فهو حاكم بما أنزل اللّه تعالى، و لكنّه تارك له،فلا يلزم دخوله تحت هذه الآية،و هذا هو الجواب الصّحيح،و اللّه أعلم.(12:5)

القرطبيّ: [نقل قول ابن عبّاس و مجاهد ثمّ قال:]

فالآية عامّة على هذا...و قيل:أي و من لم يحكم بجميع ما أنزل اللّه فهو كافر،فأمّا من حكم بالتّوحيد و لم يحكم ببعض الشّرائع فلا يدخل في هذه الآية.

و الصّحيح الأوّل،إلاّ أنّ الشّعبيّ قال:هي في اليهود خاصّة،و اختاره النّحّاس،قال:و يدلّ على ذلك ثلاثة أشياء:منها أنّ اليهود قد ذكروا قبل هذا في قوله:

لِلَّذِينَ هادُوا، فعاد الضّمير عليهم،و منها أنّ سياق الكلام يدلّ على ذلك،أ لا ترى أنّ بعده وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ، فهذا الضّمير لليهود بإجماع،و أيضا فإنّ اليهود هم الّذين أنكروا الرّجم و القصاص.

فإن قال قائل:(من)إذا كانت للمجازاة فهي عامّة، إلاّ أن يقع دليل على تخصيصها؟

قيل له:(من)هنا بمعنى«الّذي»مع ما ذكرناه من الأدلّة،و التّقدير و اليهود الّذين لم يحكموا بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون،فهذا من أحسن ما قيل في هذا.

و يروى أنّ حذيفة سئل عن هذه الآيات أ هي في بني إسرائيل؟قال:نعم هي فيهم،و لتسلكنّ سبيلهم حذو النّعل بالنّعل.و قيل:(الكافرون)للمسلمين.

و(الظّالمون)لليهود،و(الفاسقون)للنّصارى،و هذا اختيار أبي بكر بن العربيّ،قال:لأنّه ظاهر الآيات، و هو اختيار ابن عبّاس و جابر بن زيد و ابن أبي زائدة و ابن شبرمة و الشّعبيّ أيضا.قال طاوس و غيره:ليس بكفر ينقل عن الملّة،و لكنّه كفر دون كفر،و هذا يختلف إن حكم بما عنده على أنّه من عند اللّه فهو تبديل له يوجب الكفر،و إن حكم به هوى و معصية،فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السّنّة في الغفران للمذنبين.

(6:190)

البيضاويّ: مستهينا به منكرا له فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ لاستهانتهم به،و تمرّدهم بأن حكموا بغيره، و لذلك وصفهم بقوله:(الكافرون)،و(الظّالمون)، و(الفاسقون)،فكفرهم لإنكاره،و ظلمهم بالحكم على خلافه،و فسقهم بالخروج عنه.و يجوز أن يكون كلّ

ص: 255

واحدة من الصّفات الثّلاث باعتبار حال انضمّت إلى الامتناع عن الحكم به ملائمة لها أو لطائفة،كما قيل:هذه في المسلمين لاتّصالها بخطابهم،و الظّالمون في اليهود، و الفاسقون في النّصارى.(1:276)

نحوه الشّربينيّ(1:377)،و البروسويّ(2:

397).

أبو السّعود :كائنا من كان دون المخاطبين خاصّة، فإنّهم مندرجون فيه اندراجا أوّليّا،أي من لم يحكم بذلك مستهينا به منكرا،كما يقتضيه ما فعلوه من تحريف آيات اللّه تعالى اقتضاء بيّنا، فَأُولئِكَ إشارة إلى(من)، و الجمع باعتبار معناها،كما أنّ الإفراد فيما سبق باعتبار لفظها هُمُ الْكافِرُونَ لاستهانتهم به،و(هم)إمّا ضمير الفعل أو مبتدأ،و ما بعده خبره،و الجملة لأولئك، و قد مرّ تفصيله في مطلع سورة البقرة،و الجملة تذييل مقرّر لمضمون ما قبلها أبلغ تقرير،و تحذير عن الإخلال به أشدّ تحذير،حيث علّق فيه الحكم بالكفر بمجرّد ترك الحكم بما أنزل اللّه تعالى،فكيف و قد انضمّ إليه الحكم بخلافه،لا سيّما مع مباشرة ما نهوا عنه من تحريفه، و وضع غيره موضعه،و ادّعاء أنّه من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا؟(2:277)

نحوه القاسميّ.(6:1998)

المراغيّ: أي و كلّ من رغب عن الحكم بما أنزل اللّه،و أخفاه و حكم بغيره،كحكم اليهود في الزّانيين المحصنين بالتّحميم،و كتمانهم الرّجم،و قضائهم في بعض قتلاهم بدية كاملة،و في بعضها بنصف الدّية،و اللّه قد سوّى بين الجميع في الحكم،فأولئك هم الكافرون الّذين ستروا الحقّ الّذي كان عليهم كشفه و تبيينه، و غطّوه و أظهروا لهم غيره و قضوا به.[إلى أن قال:]

و خلاصة المعنى:و من لم يحكم بما أنزل اللّه مستهينا به منكرا له،كان كافرا،لجحوده به و استخفافه بأمره.

(6:125)

ابن عاشور :يجوز أن يكون من جملة المحكيّ بقوله: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ، لأنّ معنى خشية النّاس هنا أن تخالف أحكام شريعة التّوراة أو غيرها من كتب اللّه،لإرضاء أهوية النّاس.و يجوز أن يكون كلاما مستأنفا عقّبت به تلك العظات الجليلة.و على الوجهين فالمقصود اليهود،و تحذير المسلمين من مثل صنعهم.

و(من)الموصولة يحتمل أن يكون المراد بها الفريق الخاصّ المخاطب بقوله: وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً، و هم الّذين أخفوا بعض أحكام التّوراة مثل حكم الرّجم؛فوصفهم اللّه بأنّهم كافرون بما جحدوا من شريعتهم المعلومة عندهم.و المعنى أنّهم اتّصفوا بالكفر من قبل،فإذا لم يحكموا بما أنزل اللّه فذلك من آثار كفرهم السّابق.و يحتمل أن يكون المراد بها الجنس،و تكون الصّلة إيماء إلى تعليل كونهم كافرين،فتقتضي أنّ كلّ من لا يحكم بما أنزل اللّه يكفر.و قد اقتضى هذا قضيّتين:

إحداهما:كون الّذي يترك الحكم بما تضمّنته التّوراة ممّا أوحاه اللّه إلى موسى كافرا،أو تارك الحكم بكلّ ما أنزله اللّه على الرّسل كافرا.

و الثّانية:قصر وصف الكفر على تارك الحكم بما

ص: 256

أنزل اللّه.

فأمّا القضيّة الأولى:فالّذين يكفّرون مرتكب الكبيرة يأخذون بظاهر هذا،لأنّ الجور في الحكم كبيرة، و الكبيرة كفر عندهم.و عبّروا عنه بكفر نعمة يشاركه في ذلك جميع الكبائر،و هذا مذهب باطل كما قرّرناه غير مرّة.و أمّا جمهور المسلمين و هم أهل السّنّة من الصّحابة فمن بعدهم فهي عندهم قضيّة مجملة،لأنّ ترك الحكم بما أنزل اللّه يقع على أحوال كثيرة،فبيان إجماله بالأدلّة الكثيرة القاضية بعدم التّكفير بالذّنوب،و مساق الآية يبيّن إجمالها،و لذلك قال جمهور العلماء:المراد بمن لم يحكم هنا خصوص اليهود،قاله البراء بن عازب و رواه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أخرجه مسلم في«صحيحه».فعلى هذا تكون(من)موصولة،و هي بمعنى لام العهد،و المعنى عليه:و من ترك الحكم بما أنزل اللّه تركا مثل هذا التّرك، هو ترك الحكم المشوب بالطّعن في صلاحيّته.و قد عرف اليهود بكثرة مخالفة حكّامهم لأحكام كتابهم،بناء على تغييرهم إيّاها باعتقاد عدم مناسبتها لأحوالهم،كما فعلوا في حدّ الزّنى،فيكون القصر ادّعائيّا،و هو المناسب لسبب نزول الآيات الّتي كانت هذه ذيلا لها،فيكون الموصول لتعريف أصحاب هذه الصّلة و ليس معلّلا للخبر.و زيدت«الفاء»في خبره لمشابهته بالشّرط في لزوم خبره له،أي أنّ الّذين عرفوا بهذه الصّفة هم الّذين إن سألت عن الكافرين فهم هم،لأنّهم كفروا و أساءوا الصّنع.

و قال جماعة:المراد من لم يحكم بما أنزل اللّه من ترك الحكم به جحدا له،أو استخفافا به،أو طعنا في حقّيّته بعد ثبوت كونه حكم اللّه بتواتر أو سماعه من رسول اللّه، سمعه المكلّف بنفسه.و هذا مرويّ عن ابن مسعود،و ابن عبّاس،و مجاهد،و الحسن،ف(من)شرطيّة و ترك الحكم مجمل،بيانه في أدلّة أخر.و تحت هذا حالة أخرى،و هي التزام أن لا يحكم بما أنزل اللّه في نفسه، كفعل المسلم الّذي تقام في أرضه الأحكام الشّرعيّة، فيدخل تحت محاكم غير شرعيّة باختياره،فإنّ ذلك الالتزام أشدّ من المخالفة في الجزئيّات،و لا سيّما إذا لم يكن فعله لجلب منفعة دنيويّة.و أعظم منه إلزام النّاس بالحكم بغير ما أنزل اللّه من ولاة الأمور،و هو مراتب متفاوتة،و بعضها قد يلزمه لازم الرّدّة إن دلّ على استخفاف أو تخطئة لحكم اللّه.

و ذهب جماعة إلى التّأويل في معنى الكفر،فقيل:

عبّر بالكفر عن المعصية،كما قالت زوجة ثابت بن قيس:«أكره الكفر في الإسلام»أي الزّنى،أي قد فعل فعلا يضاهي أفعال الكفّار،و لا يليق بالمؤمنين.و روي هذا عن ابن عبّاس.و قال طاوس:«هو كفر دون كفر، و ليس كفرا ينقل عن الإيمان».و ذلك أنّ الّذي لا يحكم بما أنزل اللّه قد يفعل ذلك لأجل الهوى،و ليس ذلك بكفر و لكنّه معصية،و قد يفعله لأنّه لم يره قاطعا في دلالته على الحكم،كما ترك كثير من العلماء الأخذ بظواهر القرآن على وجه التّأويل،و حكموا بمقتضى تأويلها، و هذا كثير.

و هذه الآية و الّتي بعدها في شأن الحاكمين.و أمّا

ص: 257

رضى المتحاكمين بحكم اللّه فقد مرّ في قوله تعالى: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ النّساء:65،و بيّنّا وجوهه،و سيأتي في قوله تعالى:

وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ -إلى قوله- بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ في سورة النّور:48-50.

و أمّا القضيّة الثّانية:فالمقصود بالقصر هنا المبالغة في الوصف بهذا الإثم العظيم المعبّر عنه مجازا بالكفر،أو في بلوغهم أقصى درجات الكفر،و هو الكفر الّذي انضمّ إليه الجور و تبديل الأحكام.

و اعلم أنّ المراد بالصّلة هنا أو بفعل الشّرط إذ وقعا منفيّين،هو الاتّصاف بنقيضهما،أي و من حكم بغير ما أنزل اللّه.و هذا تأويل ثالث في الآية،لأنّ الّذي لم يحكم بما أنزل اللّه و لا حكم بغيره،بأن ترك الحكم بين النّاس، أو دعا إلى الصّلح.لا تختلف الأمّة في أنّه ليس بكافر و لا آثم،و إلاّ للزم كفر كلّ حاكم في حال عدم مباشرته للحكم،و كفر كلّ من ليس بحاكم.فالمعنى:و من حكم فلم يحكم بما أنزل اللّه.(5:115)

الطّباطبائيّ: و أمّا قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ المائدة:47،فهو تشديد في الأمر المدلول عليه بقوله:«و ليحكم»،و قد كرّر اللّه سبحانه هذه الكلمة للتّشديد ثلاث مرّات:مرّتين في أمر اليهود،و مرّة في أمر النّصارى باختلاف يسير،فقال:

وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ المائدة:44، فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ المائدة:45، فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ المائدة:47،فسجّل عليهم الكفر و الظّلم و الفسق.

و لعلّ الوجه في ذكر الفسق عند التّعرّض لما يرجع إلى النّصارى،و الكفر و الظّلم فيما يعود إلى اليهود،أن النّصارى بدّلوا التّوحيد تثليثا،و رفضوا أحكام التّوراة بأخذ«بولس»دين المسيح دينا مستقلاّ منفصلا عن دين موسى،مرفوعا فيه الأحكام بالتّفدية،فخرجت النّصارى بذلك عن التّوحيد و شريعته بتأوّل،ففسقوا عن دين اللّه الحقّ.و الفسق:خروج الشّيء من مستقرّه، كخروج لبّ التّمرة عن قشرها.

و أمّا اليهود فلم يشتبه عليهم الأمر فيما عندهم من دين موسى عليه السّلام،و إنّما ردّوا الأحكام و المعارف الّتي كانوا على علم منها،و هو الكفر بآيات اللّه و الظّلم لها.

و الآيات الثّلاث-و ذكرها-،آيات مطلقة لا تختصّ بقوم دون قوم،و إن انطبقت على أهل الكتاب في هذا المقام.

و قد اختلف المفسّرون في معنى كفر من لم يحكم بما أنزل اللّه،كالقاضي يقضي بغير ما أنزل اللّه،و الحاكم يحكم على خلاف ما أنزل اللّه،و المبتدع يستنّ بغير السّنّة،و هي مسألة فقهيّة.الحقّ فيها أنّ المخالفة لحكم شرعيّ،أو لأيّ أمر ثابت في الدّين في صورة العلم بثبوته و الرّدّ له،توجب الكفر،و في صورة العلم بثبوته مع عدم الرّدّ له،توجب الفسق،و في صورة عدم العلم بثبوته مع الرّدّ له،لا توجب كفرا و لا فسقا،لكونه قصورا يعذر فيه،إلاّ أن يكون قصّر في شيء من

ص: 258

مقدّماته،و ليراجع في ذلك كتب الفقه.(5:347)

مكارم الشّيرازيّ: تصدر الآية حكما صارما و حازما على مثل هؤلاء الأفراد الّذين يحكمون،خلافا لما أنزل اللّه،فتقول: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ. و واضح أنّ عدم الحكم بما أنزل اللّه يشمل السّكوت،و الابتعاد عن حكم اللّه الّذي يؤدّي بالنّاس إلى الضّلال،كما يشمل التّحدّث بخلاف حكم اللّه.

و واضح أيضا أنّ للكفر مراتب و درجات مختلفة، تبدأ من إنكار أساس وجود اللّه،و يشمل عصيان أوامره،لأنّ الإيمان الكامل يدعو و يحثّ الإنسان على العمل وفق أوامر اللّه،و من لا عمل له ليس له إيمان كامل.

و تبيّن هذه الآية أيضا المسئوليّة الكبرى الّتي يتحمّلها علماء و مفكّرو كلّ أمّة حيال العواطف الاجتماعيّة،و الأحداث الّتي تقع في بيئاتهم،و تدعو بأسلوب حازم لمكافحة الانحرافات،و عدم الخوف من أيّ بشر كائنا من كان لدى تطبيق أحكام اللّه.(4:17)

10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ... المائدة:95

راجع«ق ت ل-و-ن ع م».

11- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَ اللّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ هُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ. الرّعد:41

الطّبريّ: يقول:و اللّه هو الّذي يحكم فينفذ حكمه، فيقضي فيمضي قضاؤه،إذا جاء هؤلاء المشركين باللّه من أهل مكّة،حكم اللّه و قضاؤه لم يستطيعوا ردّه.

(13:175)

الطّوسيّ: أخبر أنّ اللّه تعالى يحكم و يفصل الأمر.

(6:265)

نحوه الطّبرسيّ.(3:300)

الزّمخشريّ: و المعنى:أنّه حكم للإسلام بالغلبة و الإقبال،و على الكفر بالإدبار و الانتكاس.(2:364)

الشّربينيّ: في خلقه بما يريد.(2:165)

نحوه شبّر.(3:341)

أبو السّعود :ما يشاء،و قد حكم للإسلام بالعزّة و الإقبال،و على الكفر بالذّلّة و الإدبار،حسبما يشاهد من المخايل و الآثار.و في الالتفات من التّكلّم إلى الغيبة، و بناء الحكم على الاسم الجليل من الدّلالة على الفخامة و تربية المهابة،و تحقيق مضمون الخبر بالإشارة إلى العلّة،ما لا يخفى،و هي جملة اعتراضيّة جيء بها لتأكيد فحوى ما تقدّمها.(3:465)

نحوه الآلوسيّ(13:174)،و القاسميّ(9:3692)، و المراغيّ(13:118).

البروسويّ: من الأزل إلى الأبد.(4:389)

12- إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ إِنَّ

ص: 259

رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. النّحل:124

ابن عبّاس: بين اليهود و النّصارى.(232)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّ ربّك يا محمّد ليحكم بين هؤلاء المختلفين بينهم في استحلال السّبت و تحريمه،عند مصيرهم إليه يوم القيامة،فيقضي بينهم- في ذلك و في غيره ممّا كانوا فيه يختلفون في الدّنيا- بالحقّ،و يفصل بالعدل بمجازاة المصيب فيه جزاؤه، و المخطئ فيه منهم ما هو أهله.(14:194)

الطّوسيّ: إنّ ربّك يا محمّد ليحكم بينهم،أي يفصل بينهم يوم القيامة في الّذين كانوا مختلفين فيه، و يبيّن لهم الصّحيح من الفاسد.(6:438)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّه تعالى سيحكم يوم القيامة للمحقّين بالثّواب،و للمبطلين بالعقاب.

(20:138)

البيضاويّ: بالمجازاة على الاختلاف،أو بمجازاة كلّ فريق بما يستحقّه.(1:574)

نحوه النّسفيّ(2:304)،و شبّر(3:457).

الشّربينيّ: أي هؤلاء المختلفين.(2:270)

أبو السّعود :أي بين الفريقين المختلفين فيه يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أي يفصل ما بينهما من الخصومة و الاختلاف،فيجازي كلّ فريق بما يستحقّه من الثّواب و العقاب،و فيه إيماء إلى أنّ ما وقع في الدّنيا من مسخ أحد الفريقين و إنجاء الآخر بالنّسبة إلى ما سيقع في الآخرة،شيء لا يعتدّ به،هذا هو الّذي يستدعيه الإعجاز التّنزيليّ.[إلى أن قال:]

و لا ريب في أن كلمة(بينهم)تحكم بأنّ المراد بالحكم هو فصل ما بين الفريقين من الاختلاف،و أنّ توسيط حديث المسخ للإنذار المذكور،بين حكاية أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم باتّباع ملّة إبراهيم عليه الصّلاة و السّلام،و بين أمره صلّى اللّه عليه و سلّم بالدّعوة إليها من قبيل الفصل بين الشّجر و لحائه،فتأمّل.(4:104)

نحوه الآلوسيّ.(14:253)

البروسويّ: الآية إشارة إلى أنّ اللّه تعالى يحكم بعدله،بين أهل السّنّة و أهل البدع،فيقول:هؤلاء في الجنّة بفضلي و لا أبالي،و هؤلاء في النّار بعد لي و لا أبالي.

(5:96)

القاسميّ: أي بالمجازاة على اختلافهم،يعني إفسادهم و زيغهم عن طريق الحقّ.(10:3876)

مغنية:و حكمه آنذاك هو أن يثيب المطيعين، و يعاقب العاصين.(4:563)

13،14-و بهذا المعنى جاء قوله:(يحكم)في الحجّ:56 و 69.

15- وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ. النّور:48

الطّبريّ: فيما اختصموا فيه بحكم اللّه.

(18:156)

نحوه الواحديّ.(3:325)

الطّوسيّ: في شيء يختلفون فيه.(7:450)

ص: 260

البغويّ: الرّسول يحكم بحكم اللّه.(3:423)

الطّبرسيّ: أي و إلى حكم اللّه و رسوله لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ الرّسول،و إنّما أفرد بعد قوله: إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ، لأنّ حكم الرّسول يكون بأمر اللّه تعالى، فحكم اللّه و رسوله واحد.(4:150)

نحوه الطّباطبائيّ.(15:146)

القرطبيّ: قال:(ليحكم)و لم يقل:(ليحكما) لأنّ المعنيّ به الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و إنّما بدأ بذكر اللّه إعظاما للّه، و استفتاح كلام.(12:293)

البيضاويّ: أي ليحكم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه الحاكم ظاهرا أو المدعوّ إليه،و ذكر اللّه لتعظيمه و الدّلالة على أنّ حكمه صلّى اللّه عليه و سلّم في الحقيقة حكم اللّه تعالى.(2:132)

نحوه أبو السّعود(4:474)،و البروسويّ(6:

170)،و شبّر(4:328).

السّمين:قوله:(ليحكم)أفرد الضّمير و قد تقدّمه اسمان و هما:اللّه و رسوله،فهو كقوله تعالى:

وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62،لأنّ حكم رسوله هو حكمه...و قرأ أبو جعفر (ليحكم) هنا و الّتي بعدها مبنيّا للمفعول،و الظّرف قائم مقام الفاعل.

(5:228)

الآلوسيّ: أي و بين خصومهم،و ضمير(يحكم) للرّسول عليه الصّلاة و السّلام.و جوّز أن يكون الضّمير عائدا إلى ما يفهم من الكلام،أي المدعوّ إليه و هو شامل للّه تعالى و رسوله عليه الصّلاة و السّلام،لكن المباشر للحكم هو الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و ذكر اللّه تعالى على الوجهين لتفخيمه عليه الصّلاة و السّلام،و الإيذان بجلالة محلّه عنده تعالى،و أنّ حكمه في الحقيقة حكم اللّه عزّ و جلّ فقد قالوا:إنّه إذا ذكر اسمان متعاطفان،و الحكم إنّما هو لأحدهما،كما في نحو قوله تعالى: يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أفاد قوّة اختصاص المعطوف بالمعطوف عليه، و إنّهما بمنزلة شيء واحد،بحيث يصحّ نسبة أوصاف أحدهما و أحواله إلى الآخر.(18:195)

ابن عاشور :إنّما جعل الدّعاء إلى اللّه و رسوله كليهما مع أنّهم دعوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّ حكم الرّسول حكم اللّه،لأنّه لا يحكم إلاّ عن وحي،و لهذا الاعتبار أفرد الضّمير في قوله:(ليحكم)العائد إلى أقرب مذكور،و لم يقل:(ليحكما).(18:216)

مكارم الشّيرازيّ: [بيّن أنّ سبب إعراضهم عن حكم اللّه و رسوله،النّفاق ثمّ قال:]

الحكم العادل خاصّ باللّه تعالى:

و لا تردّد في أنّه يجب على المرء أن يتخلّص من الصّفات الرّذيلة،خاصّة الكبر و البغضاء و الرّياء،و قد يبتلي ببعضها دون وعي منه،إلاّ المعصوم من البشر؛إذ يعصمه اللّه من الخطأ و الزّلل.

و لهذا السّبب نقول:اللّه وحده المشرّع الحقيقيّ،لأنّه إضافة إلى علمه المطلق الحكيم بحاجات الإنسان،فإنّه يعلم سبل سدّ هذه الحاجات،و هو الّذي لا يزلّ و لا ينحرف و هو العادل.

و قضاء اللّه و النّبيّ و الإمام المعصوم أفضل قضاء، و يليهم التّابعون السّائرون على نهجهم المتوكّلون على

ص: 261

اللّه،إلاّ أنّ البشر الّذي يصاب بالكبر و حبّ الذّات لا يرضخ لهذا القضاء،فهو يبحث عن قضاء يشبع طمعه و شهواته.و ما أجمل العبارة الّتي استخدمتها الآية الكريمة بحقّ هؤلاء فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ.

كما أنّ المرور بنجاح في مثل هذا الامتحان،خير دليل على إيمان الإنسان،و يسودّ وجه الّذين كفروا!

و يستوقفنا قول القرآن في موضع آخر: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً النّساء:65،أجل،المؤمنون الحقيقيّون لا يرتضون قضاءك فحسب،و إنّما قد سلّموا أنفسهم لك حتّى إن لحقهم ضرر.

أمّا المنافقون،فلا يقنعون بحكم من اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله إلاّ ما يحقّق مصالحهم،فهم عبيد لها على الرّغم من ادّعائهم الإيمان،فهم مشركون حقّا!

(11:118)

16- إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. النّور:51

ابن عبّاس: ليحكم الرّسول(بينهم)بكتاب اللّه بحكم اللّه.(298)

الزّمخشريّ: قرئ (ليحكم) على البناء للمفعول.

فإن قلت:إلام أسند(يحكم)و لا بدّ له من فاعل؟ قلت:هو مسند إلى مصدره،لأنّ معناه ليفعل الحكم بينهم.و مثله«جمع بينهما»،و«ألّف بينهما».و مثله لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،فيمن قرأ بينكم منصوبا، أي وقع التّقطّع بينكم،و هذه القراءة مجاوبة لقوله:

(دعوا).(3:72)

ابن عطيّة: قرأ الجمهور (لِيَحْكُمَ) على بناء الفعل للفاعل،و قرأ أبو جعفر و الجحدريّ و خالد بن إلياس و الحسن (ليحكم) على بناء الفعل للمفعول.(4:191)

نحوه البيضاويّ.(2:132)

الشّربينيّ: أي الرّسول(بينهم)بما أراه اللّه تعالى، أيّ حكومة من الحكومات لهم أو عليهم.(2:634)

نحوه أبو السّعود(4:475)،و البروسويّ(6:

170).

الطّباطبائيّ: يشهد سياق الآية أنّ الآيات إنّما نزلت في بعض من المنافقين دعوا إلى حكم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في منازعة وقعت بينه و بين غيره،فأبى الرّجوع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و في ذلك نزلت الآيات.

و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما كان يحكم بينهم بحكم اللّه على ما أراه اللّه،كما قال تعالى: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ النّساء:105، فللحكم نسبة إليه بالمباشرة،و نسبة إلى اللّه سبحانه من حيث كان الحكم في ضوء شريعته،و بنصبه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله للحكم و القضاء.

و بذلك يظهر أنّ المراد بالدّعوة إلى اللّه ليحكم بينهم هي الدّعوة إلى المتابعة لما يقتضيه شرعه تعالى في مورد النّزاع،و بالدّعوة إلى رسوله ليحكم بينهم هي الدّعوة

ص: 262

إلى متابعة ما يقضي عليه بالمباشرة،و أنّ الظّاهر أنّ ضمير(ليحكم)للرّسول،و إنّما أفرد الفاعل و لم يثنّ إشارة إلى أنّ حكم الرّسول حكمه تعالى.

و الآية بالنّسبة إلى الآية السّابقة كالخاصّ بالنّسبة إلى العامّ،فهي تقصّ إعراضنا معيّنا منهم،و الإعراض المذكور في الآية السّابقة منهم إعراض مطلق.

(15:145)

17- ...إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ...

الزّمر:3

ابن عبّاس: بين المؤمنين يوم القيامة.(385)

نحوه الثّعلبيّ(8:221)،و البغويّ(4:79)، و الطّبرسيّ(4:488).

الطّبريّ: إنّ اللّه يفصل بين هؤلاء الأحزاب- الّذين اتّخذوا في الدّنيا من دون اللّه أولياء-يوم القيامة، فيما هم فيه يختلفون في الدّنيا من عبادتهم ما كانوا يعبدون فيها،بأن يصليهم جميعا جهنّم،إلاّ من أخلص الدّين للّه،فوحّده و لم يشرك به شيئا.(23:192)

الواحديّ: بين أهل الأديان،و هم الّذين اتّخذوا من دونه أولياء،يحكم اللّه بينهم يوم القيامة.(3:570)

نحوه القرطبيّ.(15:234)

الزّمخشريّ: و المعنى:إنّ اللّه يحكم بينهم بأنّه يدخل الملائكة و عيسى الجنّة،و يدخلهم النّار مع الحجارة الّتي نحتوها و عبدوها من دون اللّه،يعذّبهم بها حيث يجعلهم و إيّاها حصب جهنّم.و اختلافهم أنّ الّذين يعبدون موحّدون،و هم مشركون،و أولئك يعادونهم و يلعنونهم،و هم يرجون شفاعتهم و تقريبهم إلى اللّه زلفى.

و قيل:كان المسلمون إذا قالوا لهم:من خلق السّماوات و الأرض؟أقرّوا و قالوا:اللّه،فإذا قالوا لهم:فما لكم تعبدون الأصنام؟قالوا:ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى اللّه زلفى.فالضّمير في(بينهم)عائد إليهم و إلى المسلمين.

و المعنى:إنّ اللّه يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين.(3:386)

نحوه النّسفيّ(4:50)،و البيضاويّ(1:360)، و الكاشانيّ(4:313)،و شبّر(5:299).

ابن الجوزيّ: أي بين أهل الأديان فيما كانوا يختلفون فيه من أمر الدّين.و ذهب قوم إلى أنّ هذه الآية منسوخة بآية السّيف.و لا وجه لذلك.(7:162)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ الرّجل المبطل إذا ذكر مذهبا باطلا و كان مصرّا عليه فالطّريق في علاجه أن يحتال بحيلة توجب زوال ذلك الإصرار عن قلبه،فإذا زال الإصرار عن قلبه فبعد ذلك يسمعه الدّليل الدّالّ على بطلانه،فيكون هذا الطّريق أفضى إلى المقصود.

و الأطبّاء يقولون:لا بدّ من تقديم المنضج على سقي المسهل،فإنّ بتناول المنضج تصير الموادّ الفاسدة رخوة قابلة للزّوال،فإذا سقيته المسهل بعد ذلك حصل النّقاء التّامّ،فكذلك هاهنا سماع التّهديد و التّخويف أوّلا يجري مجرى سقي المنضج أوّلا،و إسماع الدّليل ثانيا يجري مجرى سقي المسهل ثانيا،فهذا هو الفائدة في تقديم هذا

ص: 263

التّهديد.(26:241)

الشّربينيّ: أي و بين المسلمين.(3:431)

أبو السّعود :أي و بين خصمائهم الّذين هم المخلصون للدّين،و قد حذف لدلالة الحال عليه،كما في قوله تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ البقرة:

285،على أحد الوجهين،أي بين أحد منهم و بين غيره.[ثمّ استشهد بشعر](5:377)

نحوه البروسويّ(8:71)،و الآلوسيّ(23:235).

المراغيّ: أي إنّ اللّه يحكم بينهم و بين خصومهم، و هم المحقّون فيما اختلفوا فيه من التّوحيد و الإشراك يوم القيامة،و يجازي كلاّ بما هو أهل له،فيدخل المخلصين الموحّدين الجنّة،و يدخل المشركين النّار.(23:143)

ابن عاشور :معنى الحكم بينهم أنّه يبيّن لهم ضلالهم جميعا يوم القيامة؛إذ ليس معنى الحكم بينهم مقتضيا الحكم لفريق منهم على فريق آخر،بل قد يكون الحكم بين المتخاصمين بإبطال دعوى جميعهم.

و يجوز أن يكون على تقدير معطوف على(بينهم) مماثل له دلّت عليه الجملة المعطوف عليها و هي: أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ، لاقتضائها أنّ الّذين أخلصوا الدّين للّه قد وافقوا الحقّ،فالتّقدير يحكم بينهم و بين المخلصين.

[ثمّ استشهد بشعر](24:14)

مغنيّة:لا يختلف المشركون فيما بينهم على الشّرك،و إنّما يختلف المشركون و الموحّدون،و اللّه سبحانه يفصل بين الفريقين،فينعم على من وحّد و اتّقى، و ينتقم ممّن أشرك و بغى.(6:393)

الطّباطبائيّ: قيل:ضمير الجمع للمشركين و أوليائهم،أي إنّ اللّه يحكم بين المشركين و بين أوليائهم فيما هم فيه يختلفون.و قيل:الضّميران راجعان إلى المشركين و خصمائهم من أهل الإخلاص في الدّين المفهوم من السّياق،و المعنى:أنّ اللّه يحكم بينهم و بين المخلصين للدّين.(17:234)

مكارم الشّيرازيّ: هذه الآية إنّما هي تهديد قاطع للمشركين في أنّ البارئ عزّ و جلّ سيحاكمهم في يوم القيامة،اليوم الّذي تبيّن فيه الالتباسات،و تظهر فيه الحقائق،ليجزوا و يعاقبوا على ما ارتكبوه من الأعمال المحرّمة،إضافة إلى أنّهم سيفضحون أمام الجميع في ساحة المحشر.(15:15)

18- ...وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. الممتحنة:10

ابن عبّاس: بين أهل مكّة.(468)

الزّهريّ: قال اللّه: ذلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فأمسك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم النّساء و ردّ الرّجال، و سأل الّذي أمره اللّه أن يسأل من صدقات النّساء من حبسوا منهنّ،و أن يردّوا عليهم مثل الّذي يردّون عليهم إن هم فعلوا،و لو لا الّذي حكم اللّه به من هذا الحكم،ردّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم النّساء كما ردّ الرّجال،و لو لا الهدنة و العهد الّذي كان بينه و بين قريش يوم الحديبيّة،أمسك النّساء و لم يردّ إليهم صداقا،و كذلك يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد.(الطّبريّ 28:74)

ص: 264

الزّمخشريّ: ذلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يعني جميع ما ذكر في هذه الآية يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ كلام مستأنف،أو حال من حكم اللّه على حذف الضّمير،أي يحكمه اللّه،أو جعل الحكم حاكما على المبالغة.روي أنّها لمّا نزلت هذه الآية،أدّى المؤمنون ما أمروا به أداء مهور المهاجرات إلى أزواجهنّ المشركين،و أبى المشركون أن يؤدّوا شيئا من مهور الكوافر إلى أزواجهنّ المسلمين،فنزل قوله: وَ إِنْ فاتَكُمْ. الممتحنة:11.(4:94)

الفخر الرّازيّ: أي بين المسلمين و الكفّار.

(29:306)

البيضاويّ: استئناف،أو حال من الحكم على حذف الضّمير،أو جعل الحكم حاكما على المبالغة.

(2:471)

نحوه أبو السّعود.(6:238)

النّسفيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]و هو منسوخ، فلم يبق سؤال المهر لا منّا و لا منهم.(4:249)

نحوه البروسويّ.(9:486)

الشّربينيّ: (ذلكم)أي الحكم الّذي ذكر في هذه الآيات البعيد تعلّق الرّتبة عن كلّ سفيه. حُكْمُ اللّهِ أي الملك الّذي له صفات الكمال،فلا تلحقه شائبة نقص،(يحكم)أي اللّه؛إذ حكمه على سبيل المبالغة.

(4:268)

الآلوسيّ: كلام مستأنف،أو حال من(حكم) بحذف الضّمير العائد إليه و هو مفعول مطلق،أي يحكمه اللّه تعالى بينكم،أو العائد إليه الضّمير المستتر في (يحكم)،بجعل الحكم حاكما مبالغة،كأنّ الحكم لقوّته و ظهوره غير محتاج لحاكم آخر.(18:79)

القاسميّ: أي هذا الحكم الّذي حكم به من أمر المؤمنين بمسألة المشركين ما أنفقوا،و أمر المشركين بمثل ذلك،حكم اللّه الحقّ الّذي لا يعدل عنه.(16:5773)

المراغيّ: أي(ذلكم)الّذي ذكر هو حكم اللّه فاتّبعوه،يحكم به بينكم فلا تخالفوه.(28:74)

يحكمان-حكما-لحكمهم

وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ* فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً... الأنبياء:78،79

ابن عبّاس: حكما:فهما.(274)

الحسن :يقول:كان الحكم بما قضى به سليمان،و لم يعنّف اللّه داود في حكمه.(الطّبريّ 17:54)

الماورديّ: و في حكمهما قولان:

أحدهما:أنّه كان متّفقا لم يختلفا فيه،لأنّ اللّه حين أثنى عليهما دلّ على اتّفاقهما في الصّواب.و يحتمل قوله تبارك و تعالى: فَفَهَّمْناها على أنّه فضيلة له على داود،لأنّه أوتي الحكم في صغره،و أوتي داود الحكم في كبره،و إن اتّفقا عليه و لم يختلفا فيه،لأنّ الأنبياء معصومون من الغلط و الخطأ،لئلاّ يقع الشّكّ في أمورهم و أحكامهم.و هذا قول شاذّ من المتكلّمين.

و القول الثّاني،و هو قول الجمهور من العلماء و المفسّرين:أنّ حكمهما كان مختلفا،أصاب فيه سليمان،

ص: 265

و أخطأ داود.فأمّا حكم داود فإنّه قضى لصاحب الحرث،و أمّا حكم سليمان فإنّه رأى أن يدفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بدرّها و نسلها،و يدفع الحرث إلى صاحب الغنم و يأخذ بعمارته،فإذا عاد في السّنة المقبلة إلى مثل حاله ردّت الغنم إلى صاحبها،و ردّ الحرث إلى صاحبه،حكاه ابن مسعود و مجاهد،فرجع داود إلى قضاء سليمان فحكم به،فقال اللّه تعالى: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ، فجعل الحقّ معه و في حكمه،و لا يمتنع وجود الغلط و الخطأ من الأنبياء كوجوده من غيرهم،لكن لا يقرّون عليه و إن أقرّ عليه غيرهم،ليعود اللّه بالحقائق لهم دون خلقه،و لذلك تسمّى بالحقّ،و تميّز به عن الخلق.[إلى أن قال:]

فإن قيل:فكيف نقض داود حكمه باجتهاد سليمان؟ فالجواب عنه من وجهين:

أحدهما:يجوز أن يكون داود ذكر حكمه على الإطلاق،و كان ذلك منه على طريق الفتيا،فذكره لهم ليلزمهم إيّاه،فلمّا ظهر له ما هو أقوى في الاجتهاد منه عاد إليه.

الثّاني:أنّه يجوز أن يكون اللّه أوحى بهذا الحكم إلى سليمان فلزمه ذلك،و لأجل النّصّ الوارد بالوحي،رأى أن ينقض اجتهاده،لأنّ على الحاكم أن ينقض حكمه بالاجتهاد،إذا خالف نصّا.على أنّ العلماء قد اختلفوا في الأنبياء،هل يجوز لهم الاجتهاد في الأحكام.[ثمّ بحث حول هذه المسألة و قال:]

و في المراد بالحكم و العلم وجهان محتملان:أحدهما أنّ الحكم:القضاء،و العلم:الفتيا،و الثّاني أنّ الحكم:

الاجتهاد،و العلم:النّصّ.(3:457)

الطّوسيّ: قال أبو عليّ الجبّائيّ:أوحى اللّه إلى سليمان ممّا نسخ به حكم داود الّذي كان يحكم به قبل.

و لم يكن ذلك عن اجتهاد،لأنّ الاجتهاد لا يجوز أن يحكم به الأنبياء.و هذا هو الصّحيح عندنا.و قال ابن الأخشاذ،و البلخيّ،و الرّمّانيّ:يجوز أن يكون ذلك عن اجتهاد،لأنّ رأي النّبيّ أفضل من رأي غيره،فكيف يجوز التّعبّد بالتزام حكم غيره من طريق الاجتهاد، و يمتنع من حكمه من هذا الوجه؟

و الدّليل على صحّة الأوّل أنّ الأنبياء عليهم السّلام يوحى إليهم،و لهم طريق إلى العلم بالحكم،فكيف يجوز أن يعملوا بالظّنّ!و الأمّة لا طريق لها إلى العلم بالأحكام، فجاز أن يكلّفوا ما طريقه الظّنّ؟!على أنّ عندنا لا يجوز في الأمّة أيضا العمل على الاجتهاد.و قد بيّنّا ذلك في غير موضع.و من قال:إنّهما اجتهدا،قال:أخطأ داود و أصاب سليمان.

و ذكروا في قوله: إِذْ يَحْكُمانِ ثلاثة أوجه:

أحدها:إذ شرعا في الحكم فيه من غير قطع به في ابتداء الشّرع.

و ثانيها:أن يكون حكمه حكما معلّقا بشرط لم يفعله بعد.

و ثالثها:أن يكون معناه طلبا بحكم في الحرث،و لم يبتديا به بعد.

و يقوّي ما قلناه قوله تعالى: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ

ص: 266

يعني علّمنا الحكومة في ذلك سليمان.و قيل:إنّ اللّه تعالى فهّم سليمان قيمة ما أفسدت الغنم.ثمّ أخبر تعالى بأنّه آتى كلاّ حكما و علما،فدلّ على أنّ ما حكم به داود كان بوحي اللّه و تعليمه.و قيل:معنى قوله: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ أي فتحنا له طريق الحكومة،لما اجتهد في طلب الحقّ فيها،من غير عيب على داود فيما كان منه في ذلك،لأنّه اجتهد فحكم بما أدّى اجتهاده إليه.

(7:267)

نحوه الطّبرسيّ(4:57)،و شبّر(4:209).

الزّمخشريّ: حكم داود بالغنم لصاحب الحرث، فقال سليمان عليه السّلام و هو ابن إحدى عشرة سنة:غير هذا أرفق بالفريقين،فعزم عليه ليحكمنّ،فقال:أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها و أولادها و أصوافها،و الحرث إلى أرباب الشّاء يقومون عليه حتّى يعود كهيئته يوم أفسد،ثمّ يترادّان.فقال:القضاء ما قضيت،و أمضى الحكم بذلك.فإن قلت:أحكما بوحي أم باجتهاد؟قلت:حكما جميعا بالوحي؛إلاّ أنّ حكومة داود نسخت بحكومة سليمان عليهما السّلام.و قيل:اجتهدا جميعا،فجاء اجتهاد سليمان عليه السّلام أشبه بالصّواب.

فإن قلت:ما وجه كلّ واحدة من الحكومتين؟ قلت:أمّا وجه حكومة داود عليه السّلام فلأنّ الضّرر لمّا وقع بالغنم سلّمت بجنايتها إلى المجنيّ عليه...و لعلّ قيمة الغنم كانت على قدر النّقصان في الحرث.و وجه حكومة سليمان عليه السّلام أنّه جعل الانتفاع بالغنم بإزاء ما فات من الانتفاع بالحرث،من غير أن يزول ملك المالك عن الغنم،و أوجب على صاحب الغنم أن يعمل في الحرث حتّى يزول الضّرر و النّقصان...

و في قوله: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ دليل على أنّ الأصوب كان مع سليمان عليه السّلام.و في قوله: وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً دليل على أنّهما جميعا كانا على الصّواب.

(2:579)

نحوه الشّربينيّ.(2:515)

الفخر الرّازيّ: هاهنا أمور و لا بدّ من البحث عنها:

السّؤال الأوّل:هل في الآية دلالة على أنّهما عليهما السّلام اختلفا في الحكم أم لا؟فإنّ أبا بكر الأصمّ قال:إنّهما لم يختلفا البتّة،و أنّه تعالى بيّن لهما الحكم،لكنّه بيّنه على لسان سليمان عليه السّلام.

الجواب:الصّواب أنّهما اختلفا،و الدّليل إجماع الصّحابة و التّابعين رضي اللّه عنهم،على ما رويناه، و أيضا فقد قال اللّه تعالى: وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ ثمّ قال: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ و الفاء للتّعقيب فوجب أن يكون ذلك الحكم سابقا على هذا التّفهيم،و ذلك الحكم السّابق إمّا أن يقال:اتّفقا فيه أو اختلفا فيه،فإن اتّفقا فيه لم يبق لقوله: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ فائدة،و إن اختلفا فيه فذلك هو المطلوب.

السّؤال الثّاني:سلّمنا أنّهما اختلفا في الحكم،و لكن هل كان الحكمان صادرين عن النّصّ أو عن الاجتهاد؟ الجواب:الأمران جائزان عندنا.و زعم الجبّائيّ أنّهما كانا صادرين عن النّصّ.

ص: 267

ثمّ إنّه تارة يبنى ذلك على أنّ الاجتهاد غير جائز من الأنبياء،و أخرى على أنّ الاجتهاد و إن كان جائزا منهم في الجملة،و لكنّه غير جائز في هذه المسألة.[ثمّ أدام الكلام حول هذه المسألة فلاحظ](22:195)

القرطبيّ: أي و اذكر هما إذ يحكمان،و لم يرد بقوله:

إِذْ يَحْكُمانِ الاجتماع في الحكم و إن جمعهما في القول، فإنّ حكمين على حكم واحد لا يجوز.و إنّما حكم كلّ واحد منهما على انفراده،و كان سليمان الفاهم لها بتفهيم اللّه تعالى إيّاه: فِي الْحَرْثِ...

قوله تعالى: وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ دليل على أنّ أقلّ الجمع اثنان.و قيل:المراد الحاكمان و المحكوم عليه،فلذلك قال: لِحُكْمِهِمْ...

قوله تعالى: وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً تأوّل قوم أنّ داود عليه السّلام لم يخطئ في هذه النّازلة،بل فيها أوتي الحكم و العلم.و حملوا قوله: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ على أنّه فضيلة له على داود،و فضيلته راجعة إلى داود،و الوالد تسرّه زيادة ولده عليه.و قالت فرقة:بل لأنّه لم يصب العين المطلوبة في هذه النّازلة،و إنّما مدحه اللّه بأنّ له حكما و علما يرجع إليه في غير هذه النّازلة.و أمّا في هذه فأصاب سليمان و أخطأ داود عليهما السّلام،و لا يمتنع وجود الغلط و الخطإ من الأنبياء كوجوده من غيرهم،لكن لا يقرّون عليه و إن أقرّ عليه غيرهم....

و قال قوم:كان داود و سليمان عليهما السّلام نبيّين يقضيان بما يوحى إليهما،فحكم داود بوحي،و حكم سليمان بوحي نسخ اللّه به حكم داود،و على هذا فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ أي بطريق الوحي النّاسخ لما أوحي إلى داود،و أمر سليمان أن يبلّغ ذلك داود،و لهذا قال: وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً. هذا قول جماعة من العلماء و منها ابن فورك.

و قال الجمهور:إنّ حكمهما كان باجتهاد.(11:307)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ كلاّ من داود و سليمان حكم بما ظهر له،و هو متوجّه عنده فحكمهما باجتهاد،و هو قول الجمهور،و استدلّ بهذه الآية على جواز الاجتهاد.

(6:330)

أبو السّعود :و قوله تعالى: إِذْ يَحْكُمانِ ظرف للمضاف المقدّر،و صيغة المضارع حكاية للحال الماضية لاستحضار صورتها،أي اذكر خبرهما وقت حكمهما فِي الْحَرْثِ...

وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ أي لحكم الحاكمين و المتحاكمين إليهما،فإنّ الإضافة لمجرّد الاختصاص المنتظم لاختصاص القيام و اختصاص الوقوع.و قرئ (لحكمهما) ...

و قوله تعالى: وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً لدفع ما عسى يوهمه تخصيص سليمان عليه السّلام بالتّفهيم من عدم كون حكم داود عليه السّلام حكما شرعيّا،أي و كلّ واحد منهما آتينا حكما و علما كثيرا لا سليمان وحده،و هذا إنّما يدلّ على أنّ خطأ المجتهد لا يقدح في كونه مجتهدا.و قيل بل على أنّ كلّ مجتهد مصيب،و هو مخالف لقوله تعالى:

فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ. و لو لا النّقل لاحتمل توافقهما على أنّ قوله تعالى: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ لإظهار ما تفضّل عليه في صغره،فإنّه عليه السّلام كان حينئذ ابن إحدى عشرة

ص: 268

سنة.(4:349)

البروسويّ: إِذْ يَحْكُمانِ أي اذكر خبرهما وقت حكمهما في وقت الحرث...

وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ أي لحكم الحاكمين و المتحاكمين إليهما.فإن قيل:كيف يجوز أن يجعل الضّمير لمجموع الحاكمين و المتحاكمين؟و هو يستلزم إضافة المصدر إلى فاعله و مفعوله دفعة واحدة،و هو إنّما يضاف إلى أحدهما فقط،لأنّ إضافته إلى الفاعل على سبيل القيام به،و إضافته إلى المفعول على سبيل الوقوع عليه،فهما معمولان مختلفان،فلا يكون اللّفظ الواحد مستعملا فيهما معا.و أيضا أنّه يستلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز،لأنّ إضافته إلى الفاعل حقيقة،و إلى المفعول مجاز.

فالجواب:أنّ هذه الإضافة لمجرّد الاختصاص مع كون القطع عن كون المضاف إليه فاعلا أو مفعولا على طريق عموم المجاز،كأنّه قيل:و كنّا للحكم المتعلّق بهم شاهدين حاضرين....

آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً كثيرا لا سليمان وحده،فحكم كليهما حكم شرعيّ.

قال في«التّأويلات النّجميّة»:أي حكمة و علما، ليحكم كلّ واحد منهما موافقا للعلم و الحكمة بتأييدنا، و إن كان مخالفا في الحكم بحكمتنا،ليتحقّق صحّة أمر الاجتهاد،و أنّ كلّ مجتهد مصيب،كما قال في «الإرشاد».و هذا يدلّ على أنّ خطأ المجتهد لا يقدح في كونه مجتهدا.(5:504)

المراغيّ: أي و اذكر أيّها الرّسول الكريم نبأ داود و سليمان عليهما السّلام،حين حكما في الزّرع الّذي رعته غنم لقوم آخرين غير صاحب الحرث ليلا فأفسدته،و كان ربّك شاهدا عليما بما حكم به داود و سليمان،بين القوم الّذين أفسدت غنمهم الحرث،و صاحب الحرث لا يخفى عليه شيء منه و لا يغيب عنه علمه،ففهّم الفتيا في ذلك لسليمان دون داود،و قد كان كلّ منهما فيصلا في الحكم في الخصومات،ذا علم بالدّين و التّشريع.(17:57)

ابن عاشور :كان في قصّة داود و سليمان تنبيه على أصل الاجتهاد و على فقه القضاء،فلذلك خصّ داود و سليمان بشيء من تفصيل أخبارهما،فيكون(داود) عطفا على(نوحا)في قوله:(و نوحا)الأنبياء:76،أي و آتينا داود و سليمان حكما و علما إذ يحكمان...إلى آخره.ف إِذْ يَحْكُمانِ متعلّق ب«اتينا»المحذوف، أي كان وقت حكمهما في قضيّة الحرث مظهرا من مظاهر حكمهما و علمهما.

و الحكم:الحكمة،و هو النّبوءة.و العلم:أصالة الفهم.و إِذْ نَفَشَتْ متعلّق ب يَحْكُمانِ.

فهذه القضيّة الّتي تضمّنتها الآية مظهر من مظاهر العدل،و مبالغ تدقيق فقه القضاء و الجمع بين المصالح و التّفاضل بين مراتب الاجتهاد،و اختلاف طرق القضاء بالحقّ مع كون الحقّ حاصلا للمحقّ،فمضمونها أنّها الفقه في الدّين الّذي جاء به المرسلون من قبل.[إلى أن قال:]

و اعلم أنّ مقتضى عطف(داود)و(سليمان)على (ابراهيم)،و مقتضى قوله: وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ

ص: 269

أي عالمين،و قوله تعالى: وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً و مقتضى وقوع الحكمين،في قضيّة واحدة و في وقت واحد؛إذ (1)أنّ الحكمين لم يكونا عن وحي من اللّه، و أنّهما إنّما كانا عن علم أوتيه داود و سليمان،فذلك من القضاء بالاجتهاد.و هو جار على القول الصّحيح من جواز الاجتهاد للأنبياء و لنبيّنا عليهم الصّلاة و السّلام، و وقوعه في مختلف المسائل.[إلى أن قال:]

و إضافة«حكم»إلى ضمير الجمع باعتبار اجتماع الحاكمين و المتحاكمين.

و تأنيث الضّمير في قوله: فَفَهَّمْناها -و لم يتقدّم لفظ معاد مؤنّث اللّفظ-على تأويل الحكم في قوله تعالى: لِحُكْمِهِمْ بمعنى الحكومة أو الخصومة.

و جملة وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً تذييل للاحتراس،لدفع توهّم أنّ حكم داود كان خطأ أو جورا،و إنّما كان حكم سليمان أصوب.(17:84)

الطّباطبائيّ: السّياق يعطي أنّها واقعة واحدة بعينها،رفع حكمها إلى داود،لكونه هو الملك الحاكم في بني إسرائيل،و قد جعله اللّه خليفة في الأرض،كما قال:

يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ ص:26،فإن كان سليمان يداخل في حكم الواقعة فعن إذن منه و لحكمة ما،و لعلّها إظهار أهليّته للخلافة بعد داود.و من المعلوم أن لا معنى لحكم حاكمين في واقعة واحدة شخصيّة،مع استقلال كلّ واحد منهما في الحكم و نفوذه.

و من هنا يظهر أنّ المراد بقوله: إِذْ يَحْكُمانِ إذ يتناظران أو يتشاوران في الحكم،لا إصدار الحكم النّافذ،و يؤيّده كمال التّأييد التّعبير بقوله: إِذْ يَحْكُمانِ على نحو حكاية الحال الماضية،كأنّهما أخذا في الحكم أخذا تدريجيّا لم يتمّ بعد،و لن يتمّ إلاّ حكما واحدا نافذا،و كان الظّاهر أن يقال:إذ حكما.و يؤيّده أيضا قوله: وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ، فإنّ الظّاهر أنّ ضمير لِحُكْمِهِمْ للأنبياء،و قد تكرّر في كلامه تعالى أنّه آتاهم الحكم،لا كما قيل:إنّ الضّمير لداود و سليمان و المحكوم لهم؛إذ لا وجه يوجّه به نسبة الحكم إلى المحكوم لهم أصلا،فكان الحكم حكما واحدا هو حكم الأنبياء.

و الظّاهر أنّه ضمان صاحب الغنم للمال الّذي أتلفته غنمه، فكان الحكم حكما واحدا اختلفا في كيفيّة إجرائه عملا؛ إذ لو كان الاختلاف في أصل الحكم،لكان فرض صدور حكمين منهما بأحد وجهين:

إمّا بكون كلا الحكمين حكما واقعيّا للّه،ناسخا أحدهما-و هو حكم سليمان-الآخر-و هو حكم داود- لقوله تعالى: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ.

و إمّا بكون الحكمين معا عن اجتهاد منهما بمعنى الرّأي الظّنّيّ مع الجهل بالحكم الواقعيّ،و قد صدّق تعالى اجتهاد سليمان فكان هو حكمه.

أمّا الأوّل و هو كون حكم سليمان ناسخا لحكم داود، فلا ينبغي الارتياب في أنّ ظاهر جمل الآية لا يساعد عليه؛إذ النّاسخ و المنسوخ متباينان،و لو كان حكماهما).

ص: 270


1- كذا و الظّاهر:(أنّ الحكمين)بدون(إذ)خبرا ل(أنّ مقتضى).

من قبيل النّسخ و متباينين،لقيل:و كنّا لحكمهما،أو لحكميهما،ليدلّ على التّعدّد و التّباين،و لم يقل: وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ المشعر بوحدة الحكم،و كونه تعالى شاهدا له،الظّاهر في صونهم عن الخطإ.و لو كان داود حكم في الواقعة بحكم منسوخ لكان على الخطإ،و لا يناسبه أيضا قوله: وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً و هو مشعر بالتّأييد،ظاهر في المدح.

و أمّا الثّاني و هو كون الحكمين عن اجتهاد منهما مع الجهل بحكم اللّه الواقعيّ،فهو أبعد من سابقه،لأنّه تعالى يقول: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ و هو العلم بحكم اللّه الواقعيّ،و كيف ينطبق على الرّأي الظّنّيّ بما أنّه رأي ظنّيّ،ثمّ يقول: وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً فيصدق بذلك أنّ الّذي حكم به داود أيضا كان حكما علميّا لا ظنّيّا،و لو لم يشمل قوله: وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً حكم داود في الواقعة،لم يكن وجه لإيراد الجملة في المورد.على أنّك سمعت أنّ قوله: وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ لا يخلو من إشعار بل دلالة،على أنّ الحكم كان واحدا و مصونا عن الخطإ،فلا يبقى إلاّ أن يكون حكمهما واحدا في نفسه،مختلفا من حيث كيفيّة الإجراء، و كان حكم سليمان أوفق و أرفق.

و قد وردت في روايات الشّيعة و أهل السّنّة ما إجماله،أنّ داود حكم لصاحب الحرث برقاب الغنم، و سليمان حكم له بمنافعها في تلك السّنة من ضرع و صوف و نتاج،و لعلّ الحكم كان هو ضمان ما أفسدته الغنم من الحرث على صاحبها،و كان ذلك مساويا لقيمة رقاب الغنم،فحكم داود لذلك برقابها لصاحب الحرث، و حكم سليمان بما هو أرفق منه؛و هو أن يستوفى ما أتلفت من ماله من منافعها في تلك السّنة،و المنافع المستوفاة من الغنم كلّ سنة تعدل قيمتها قيمة الرّقبة عادة.فقوله:

وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ أي و اذكر داود و سليمان إذ حين يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إذ حين نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ أي تفرّقت فيه ليلا و أفسدته. وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ أي لحكم الأنبياء.

و قيل:الضّمير راجع إلى داود و سليمان و المحكوم له، و قد عرفت ما فيه.و قيل:الضّمير لداود و سليمان،لأنّ الاثنين جمع،و هو كما ترى. شاهِدِينَ حاضرين نرى و نسمع،و نوقفهم على وجه الصّواب فيه.

فَفَهَّمْناها أي الحكومة و القضيّة سُلَيْمانَ وَ كُلاًّ من داود و سليمان آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً. و ربّما قيل:إنّ تقدير صدر الآية:و آتينا داود و سليمان حكما و علما إذ يحكمان إلخ.(14:310)

مكارم الشّيرازيّ: [بعد بيان قصّة داود و سليمان قال:]

لكن تبقى هنا عدّة أسئلة مهمّة:

1-ما ذا كان أساس و معيار هذين الحكمين؟

2-كيف اختلف حكم داود عن حكم سليمان؟فهل كانا يحكمان على أساس الاجتهاد؟

3-هل المسألة هذه كانت على هيئة تشاور في الحكم،أم أنّهما حكما بحكمين مستقلّين يختلف كلّ منهما عن الآخر؟

ص: 271

و يمكن الإجابة عن السّؤال الأوّل:أنّ المعيار كان جبران الخسارة،فينظر داود إلى أنّ الخسارة الّتي أصابت الكرم تعادل قيمة الأغنام،و لذلك حكم بوجوب إعطاء الأغنام لصاحب البستان جبرا للخسارة،لأنّ التّقصير من جانب صاحب الأغنام.

و ينبغي الالتفات إلى أنّنا نقرأ في بعض الرّوايات:أنّ على صاحب الأغنام أن يمنع غنمه من التّعدّي على زرع الآخرين في اللّيل و في النّهار،كما أنّ من واجب صاحب الزّرع حفظ زرعه.

أمّا معيار حكم سليمان فقد كان يرى أنّ خسارة صاحب البستان تعادل ما سينتفع به من الأغنام لسنة كاملة.

بناء على هذا فإنّ الاثنين قد قضيا بالحقّ و العدل، مع اختلاف أنّ حكم سليمان كان أدقّ،لأنّ الخسارة لا تدفع مرّة واحدة في مكان واحد،بل تؤدّى بصورة تدريجيّة بحيث لا تثقل على صاحب الغنم أيضا.و إضافة إلى ما مرّ،فقد كان هناك تناسب بين الخسارة و الجبران، لأنّ جذور النّباتات لم تكن قد زالت،بل ذهبت منافعها المؤقّتة،و لذلك فإنّ من الأعدل ألاّ تنقل أصول الأغنام إلى ملك صاحب البستان،بل تنقل منافعها فقط.

و نقول في جواب السّؤال الثّاني:لا شكّ أنّ حكم الأنبياء مستند إلى الوحي الإلهيّ،إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ وحيا خاصّا ينزل في كلّ مورد من موارد الحكم،بل إنّ الأنبياء يحكمون حسب القواعد الكلّيّة الّتي تلقّوها من الوحي.

بناء على هذا فإنّه لا توجد مسألة الاجتهاد النّظريّ بمعناها الاصطلاحيّ،و هو الاجتهاد الظّنّيّ،و لكن لا مانع من أن يكون هناك طريقان لإيجاد ضابطة كلّيّة،و أن يكون نبيّان كلّ منهما يرى أحد الطّريقين،و كلاهما صحيح في الواقع،و كان الموضوع الّذي عالجناه في بحثنا على سبيل الاتّفاق من هذا القبيل،كما بيّنّاه آنفا بتفصيل.و كما أشار القرآن إليه،فإنّ الطّريق الّذي اختاره سليمان كان أقرب من النّاحية التّنفيذيّة.و جملة:

وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً و الّتي ستأتي في الآية التّالية،شاهدة على صحّة كلا القضاءين.

و نقول في جواب السّؤال الثّالث:لا يبعد أن يكون الأمر على هيئة تشاور،و هو التّشاور الّذي يحتمل أن يكون لتعليم سليمان و تأهيله في أمر القضاء،و التّعبير ب(حكمهم)شاهد أيضا على وحدة الحكم النّهائيّ، بالرّغم من وجود حكمين مختلفين في البداية،فتأمّلوا بدقّة.

و نقرأ في رواية عن الإمام الباقر عليه السّلام في تفسير الآية أنّه قال:لم يحكما،إنّما كانا يتناظران.

و يستفاد من رواية أخرى رويت في«أصول الكافيّ» عن الإمام الصّادق عليه السّلام:أنّ هذه القضيّة حدثت لتعيين وصيّ داود و خليفته،و أن يتعلّم أولئك النّفر منهما أيضا.

و على كلّ حال،فإنّ الآية التّالية تؤيّد حكم سليمان في هذه القصّة على هذه الشّاكلة: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ، و لكن هذا لا يعني أنّ حكم داود كان اشتباها و خطأ، لأنّها تضيف مباشرة وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً

ص: 272

وَ عِلْماً (10:191)

فضل اللّه :يشير اللّه إلى داود في قصّة حكمه و سليمان،كنموذج للأنبياء الّذين كانوا يملكون النّفاذ إلى حياة النّاس في تفاصيلها اليوميّة،من مواقع الامتيازات النّوعيّة في القوّة و القدرة،و في الخصائص الّتي خصّهم اللّه بها؛و ذلك كجزء من التّصوّر العامّ الّذي يريد القرآن أن يتمثّله المؤمنون في مسألة النّبوّة و الأنبياء،ليقفوا حيث يريد اللّه منهم أن يقفوا في قضايا الغيب المحدودة، فلا يتوسّعون إلى أبعد من ذلك في ما تثيره الأوهام،ممّا قد يقترب إلى أجواء الخرافة،كما يريد لهم أن يدرسوا الجوانب السّلبيّة في الأجواء المحيطة بهم،كما يدرسون الجوانب الإيجابيّة في ذلك.

وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ في قضيّة تتعلّق بالزّرع أو الكرم، إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ فدخلت إلى الأرض المملوءة بالزّرع أو الشّجر،و عبثت فيه حتّى أفسدته و أتلفت البعض منه؛و جاء أصحاب الحرث إلى داود و سليمان،فاختلف داود و سليمان في الحكم في المسألة،فقضى داود بالغنم لصاحب الزّرع، و لمّا علم سليمان بذلك قال لأبيه:الأرفق بالرّجلين أن يأخذ صاحب الأرض الغنم لينتفع بها،لا على سبيل الملك،و أن يأخذ صاحب الغنم الأرض ليصلحها حتّى يعود الزّرع،كما كان،و عندها يترادّان فيأخذ هذا غنمه و ذاك زرعه.فاستحسن داود حكم ولده و عمل به، وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ فقد كان حكم كلّ واحد منهما تحت رقابة اللّه و في حضوره،فهو الشّاهد على ما يصدر من خلقه،سواء كانوا من الأنبياء أم غيرهم.

و لا مانع من الإتيان بضمير الجمع في مورد التّثنية باعتبار معنى الجمع،فقد يرد ذلك في بعض الأساليب.

أمّا إعادة الضّمير إلى الأنبياء-كما قال به صاحب تفسير الميزان-ففيه غموض،لعدم تقدّم ذكر لهم في مجال الحكم بصيغة الجمع،من خلال الواقع الخارجيّ.

فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ أي أوضحنا له الفهم الحقيقيّ للقضيّة أو للحكومة،فكان قضاؤه أقرب إلى الحقّ من فهم داود، وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً في ما ينطلقان به من توجيه النّاس إلى الحقّ في حياتهم العامّة و الخاصّة،و في منازعاتهم و اختلافاتهم للوصول إلى الموقف الصّواب،لأنّ مهمّة الرّسول تتحرّك في خطيّن:

خطّ الوعي للحياة من خلال فكر يرفع به مستواها إلى الدّرجات العليا،و خطّ العدل،الّذي يحلّ المشاكل على صعيد الفرد و المجتمع.و بذلك كان العلم يمثّل قوّة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله في شخصيّته،كما أنّ الحكم يؤكّد التزام العدل في حركته.

الآية في خطّ العصمة

و قد نستطيع أن نثير السّؤال كما أثاره الكثيرون، كيف نفهم هذا الاختلاف بين سليمان و داود في فهم حكم الشّريعة في هذه القضيّة،و كيف يصيب سليمان من حيث أخطأ داود مع أنّ مسألة العصمة في عقيدتنا في الأنبياء أساسيّة،لا سيّما في مسألة التّبليغ للأحكام أو في مسألة التّطبيق في مقام القضاء.

و قد ورد في الجواب عن ذلك أكثر من وجه،فقيل:

ص: 273

إنّ حكم سليمان كان ناسخا لحكم داود،فقد حكم داود بما حكم به الأنبياء من قبله،و لكنّ اللّه أوحى إلى سليمان أن كلّ غنم نفشت في زرع،فليس لصاحب الزّرع إلاّ ما خرج من بطونها،و قيل:إنّ داود أراد أن يعرّف بني إسرائيل أنّ سليمان وصيّه من بعده،فلم يختلفا في الحكم،لأنّ داود لم يكن في مقام بيان الحكم الواقعيّ،بل في مجال إظهار موقع سليمان في النّبوّة،بالطّريقة الّتي توحي بالثّقة به.

و لكنّ الجوابين لا يخلوان من غموض،لأنّ النّسخ لا يمنع خطأ داود في حكمه،و لو بلحاظ هذه الحالة في هذا الزّمان،كما أنّ الظّاهر من الآية أنّهما كانا ينطلقان من منطلق واحد،فلا تباين و لا تعدّد أمام إظهار الخطإ ليبدو حكم سليمان في دائرة الصّواب،فهذا لا يتناسب مع طبيعة الواقع،باعتبار أنّ مجرّد اعتماد داود على سليمان و وضعه في موقع الحكم يمكن أن يؤدّي هذه المهمّة،من دون الإساءة إلى مقام داود،فإنّ مثل هذا الأسلوب يبعث على فقدان الثّقة بحكمه.

و ربّما كان أساس الحكم واحدا في المسألة،و هو ضمان صاحب الغنم للزّرع،و لكن الاختلاف هو في طريقة تنفيذه،فحكم داود برقابها لصاحب الحرث، و حكم سليمان بما هو أرفق منه،و هو أن يستوفي ما أتلفت من ماله من منافعها في تلك السّنة،مع ملاحظة أنّ قيمة الزّرع تساوي قيمة رقاب الغنم،كما أنّ قيمة الرّقبة تساوي منافعها المستوفاة في كلّ سنة عادة.و بذلك لم يختلفا في حكم اللّه و إنّما اختلفا في إجرائه في الدّائرة الّتي يملكان فيها الحرّيّة في التّطبيق،في ما يكون مرجع الأمر فيه إلى رأي الحاكم في الموارد الّتي لا تشتمل على تشريع محدّد،كما في موارد التّعزيرات و أمثالها من التّفاصيل الّتي تقع في منطقة الفراغ التّشريعيّ،فيكون للحاكم أن يملأه بما يكون صالحا،و بذلك يكون تفهيم اللّه لسليمان المسألة،هو الإيحاء له بالأسلوب الأرفق في إجراء الحكم بالضّمان.

و قد لا يكون هناك أيّ مانع عقليّ في خطإ النّبيّ بهذا المستوى،إذا كان ذلك لمصلحة أخرى،في تربية نبيّ آخر على الحكم،و إظهار فضله،و إذا كان هذا النّبيّ الموعود ابنا للنّبيّ الأوّل،و خاضعا له و معترفا بفضله، ممّا لا يبعث على الإساءة إليه.و قد لا يكون من الضّروريّ أن يكون في ذلك إساءة لموقعه لدى النّاس، لأنّ النّاس قد اعتادوا على اختلاف الحاكمين في الحكم،مع اعترافهم بأنّهما ينطلقان من علم و معرفة، لا سيّما إذا لم يكن هناك تشريع محدّد في تفاصيل الحكم، بل كان الأمر تابعا لاجتهاد الحاكم و إن كان نبيّا.

و ربّما لا نجد في أدلّة عصمة الأنبياء ما يفرض مثل هذه الدّقّة في صواب الحكم،في ما لا يؤدّي إلى ترك الحكم الواقعيّ،كما في مثل هذه الحالة الّتي جاء فيها الحكم على لسان سليمان،مع موافقة داود عليه،كما يبدو.

و إنّنا ندعو إلى دراسة المسألة من جديد،على مستوى البحث القرآنيّ من خلال ما صوّره القرآن،من الملامح العامّة لشخصيّة النّبيّ،في ما يؤكّد بشريّته،مع

ص: 274

الإيحاء بالموقع المميّز من الوحي،و الانفتاح على آفاق الكمال الإنسانيّ،من مواقع القيادة.(15:248)

يحكمون

1- يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ.

النّحل:59

ابن عبّاس: بئس ما حكموا؛إذ جعلوا للّه البنات اللاّتي محلّهنّ منهم هذا المحلّ،و نسبوه إلى اتّخاذ الولد، و جعلوا لأنفسهم البنين،و هذا كقوله: أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى* تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى النّجم:21،22.

(الواحديّ 3:67)

نحوه البغويّ(3:83)،و ابن الجوزيّ(4:459)، و القرطبيّ(10:118).

الطّبريّ: يقول:ألا ساء الحكم الّذي يحكم هؤلاء المشركون،و ذلك أن جعلوا للّه ما لا يرضون لأنفسهم، و جعلوا لما لا ينفعهم و لا يضرّهم شركا فيما رزقهم اللّه، و عبدوا غير من خلقهم و أنعم عليهم.(14:124)

الزّجّاج: أي ساء حكمهم في ذلك الفعل،و في جعلهم للّه البنات،و جعلهم لأنفسهم البنين،و نسبهم للّه اتّخاذ الولد.(3:206)

الطّوسيّ: أي بئس الحكم الّذي يحكمون،يجعلون لنفوسهم ما يشتهون،و يجعلون للّه ما يكرهونه!!

(6:394)

الزّمخشريّ: حيث يجعلون الولد الّذي هذا محلّه عندهم للّه،و يجعلون لأنفسهم من هو على عكس هذا الوصف.(2:414)

نحوه البيضاويّ(1:559)،و النّسفيّ(2:290)، و الكاشانيّ(3:141)،و شبّر(3:423)،و القاسميّ (10:3819).

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:معناه ساء ما يحكمونه في قتل البنات مع مساواتهنّ للبنين في حرمة الولادة،و لعلّ الجارية خير من الغلام.(3:367)

ابن عطيّة: استفتح تعالى بالإخبار بسوء حكمهم و فعلهم بهذا في بناتهم،و رزق الجميع على اللّه.

(3:402)

أبو السّعود :حيث يجعلون ما هذا شأنه عندهم من الهون و الحقارة للّه المتعالي عن الصّاحبة و الولد.و الحال أنّهم يتحاشون عنه و يختارون لأنفسهم البنين،فمدار الخطإ جعلهم ذلك للّه سبحانه مع إبائهم إيّاه،لا جعلهم البنين لأنفسهم و لا عدم جعلهم له سبحانه.و يجوز أن يكون مداره التّعكيس لقوله تعالى: تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى النّجم:22.(4:71)

نحوه البروسويّ.(5:44)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ نقل قول ابن عطيّة و أضاف:]و هو خلاف الظّاهر جدّا.(14:169)

2- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ. العنكبوت:4

ص: 275

ابن عبّاس: بئس ما يقضون و يظنّون لأنفسهم ذلك.(332)

نحوه الواحديّ(3:413)،و البغويّ(3:550)، و ابن الجوزيّ(6:256).

عنى بهم الوليد بن المغيرة،و أبا جهل،و العاص بن هشام و غيرهم.(ابن الجوزيّ 6:256)

الطّبريّ: ساء حكمهم الّذي يحكمون بأنّ هؤلاء الّذين يعملون السّيّئات يسبقوننا بأنفسهم.

(20:130)

نحوه الثّعلبيّ.(7:271)

الزّجّاج: على معنى ساء حكما يحكمون،كما تقول:

نعم رجلا زيد.و يجوز أن تكون رفعا على معنى ساء الحكم حكمهم.(4:160)

الطّوسيّ: أي بئس الشّيء الّذي يحكمون بظنّهم أنّهم يفوتونا.(8:187)

نحوه الطّبرسيّ.(4:273)

الزّمخشريّ: بئس الّذي يحكمونه حكمهم هذا،أو بئس حكما يحكمونه حكمهم هذا.(3:197)

نحوه البيضاويّ(2:204)،و النّسفيّ(3:250)، و الشّربينيّ(3:124)،و أبو السّعود(5:142)، و البروسويّ(6:447)،و المراغيّ(20:114).

ابن عطيّة: يجوز أن يكون(ما)بمعنى«الّذي»، فهي في موضع رفع،و يجوز أن يكون في موضع نصب على تقدير:ساء حكما يحكمونه.و قال ابن كيسان:

(ما)مع يَحْكُمُونَ في موضع المصدر،كأنّه قال:ساء حكمهم.و في هذه الآية وعيد للكفرة الفاتنين،و تأنيس وعده بالنّصر للمؤمنين المفتونين المغلوبين.(4:306)

الفخر الرّازيّ: يعني حكمهم بأنّهم يعصون، و يخالفون أمر اللّه و لا يعاقبون حكم سيّئ،فإنّ الحكم الحسن لا يكون إلاّ حكم العقل أو حكم الشّرع.و العقل لا يحكم على اللّه بذلك،فإنّ اللّه له أن يفعل ما يريد، و الشّرع حكمه بخلاف ما قالوه،فحكمهم حكم في غاية السّوء و الرّداءة.(25:30)

القرطبيّ: أي بئس الحكم ما حكموا في صفات ربّهم أنّه مسبوق،و اللّه القادر على كلّ شيء و(ما)في موضع نصب بمعنى ساء شيئا أو حكما يحكمون.

(13:327)

أبو حيّان :و في كون(ما)موصولة مرفوعة ب(ساء)،أو منصوبة على التّمييز،خلاف مذكور في النّحو.و قال ابن كيسان:(ما)مصدريّة،فتقديره بئس حكمهم،و على هذا القول يكون التّمييز محذوفا،أي ساء حكما حكمهم...

و جاء بالمضارع و هو يَحْكُمُونَ قيل:إشعارا بأنّ حكمهم مذموم حالا و استقبالا.و قيل:لأجل الفاصلة وقع المضارع موقع الماضي اتّساعا.(7:141)

ابن عاشور :ذمّ لحسبانهم ذلك و إبطال له،فهي مقرّرة لمعنى الإنكار في جملة: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ، فلها حكم التّوكيد فلذلك فصّلت...

و الحكم مستعمل في معنى الظّنّ و الاعتقاد،تهكّما بهم بأنّهم نصبوا أنفسهم منصب الّذي يحكم فيطاع،

ص: 276

و(ما يحكمون)موصول وصلته،أي ساء الحكم الّذي يحكمونه.(20:133)

مغنيّة:بأنّهم يفلتون من سلطان اللّه و حكمه.

(6:94)

الطّباطبائيّ: تخطئة لظنّهم أنّهم يسبقون اللّه بما يمكرون من فتنة و صدّ،فإنّ ذلك بعينه فتنة من اللّه لهم أنفسهم،و صدّ لهم عن سبيل السّعادة،و لا يحيق المكر السّيّئ إلاّ بأهله.(16:101)

فضل اللّه :[أطال البحث حول هؤلاء الّذين يعملون السّيّئات]لاحظ س و ء:«السّيّئات».

(18:13)

3- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ. الجاثية:21

ابن عبّاس: بئس ما يقضون لأنفسهم.(421)

نحوه البغويّ(4:186)،و ابن الجوزيّ(7:361).

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:بئس الحكم الّذي حسبوا أنّا نجعل الّذين اجترحوا السّيّئات،و الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات سواء محياهم و مماتهم.(25:149)

الطّوسيّ: أي بئس الشّيء الّذي يحكمون به في هذه القصّة،و إنّما قال: يَحْكُمُونَ مع أنّ الحكم مأخوذ من الحكمة و هي حسنة،لأنّ المراد على ما يدّعون من الحكمة،كما قال: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ الشّورى:16،و قوله: ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الجاثية:25.(9:258)

الواحديّ: بئس ما يقضون حين يرون أنّ لهم في الآخرة ما للمؤمنين.(4:98)

ابن عطيّة: (ما)مصدريّة،و التّقدير:ساء الحكم حكمهم.(5:86)

الطّبرسيّ: أي ساء ما حكموا على اللّه تعالى،فإنّه لا يسوّي بينهم و لا يستقيم ذلك في العقول،بل ينصر المؤمنين في الدّنيا و يمكّنهم من المشركين،و لا ينصر الكافرين و لا يمكّنهم من المسلمين،و ينزل الملائكة عند الموت على المؤمنين بالبشرى،و على الكافرين يضربون وجوههم و أدبارهم.(5:78)

البيضاويّ: ساء حكمهم هذا،أو بئس شيئا حكموا به ذلك.(2:382)

نحوه أبو السّعود(6:61)،و البروسويّ(8:448).

النّسفيّ: بئس ما يقضون إذا حسبوا أنّهم كالمؤمنين،فليس من أقعد على بساط الموافقة كمن أقعد على مقام المخالفة،بل نفرّق بينهم فنعلي المؤمنين و نخزي الكافرين.(4:137)

نحوه الشّربينيّ.(3:598)

شبّر:بئس حكما حكمهم هذا.(5:455)

الآلوسيّ: أي ساء حكمهم هذا؛و هو الحكم بالتّساوي،ف(ما)مصدريّة،و الكلام إخبار عن قبح حكمهم المعهود.

و يجوز أن يكون لإنشاء ذمّهم على أنّ(ساء)بمعنى بئس،ف(ما)فيه نكرة موصوفة وقعت مفسّرا لضمير

ص: 277

الفاعل المبهم،و المخصوص بالذّمّ محذوف،أي بئس شيئا حكموا به ذلك.(25:151)

الطّباطبائيّ: ردّ لحسبانهم المذكور،و حكمهم بالمماثلة بين مجترحي السّيّئات و الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات،و مساءة الحكم كناية عن بطلانه.

(18:171)

تحكم

قُلِ اللّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. الزّمر:46

الطّبريّ: تفصل بينهم بالحقّ،يوم تجمعهم لفصل القضاء بينهم.(24:11)

الماورديّ: من الهدى و الضّلالة،و يحتمل ثانيا:

من التّحاكم إليه في الحقوق و المظالم.(5:130)

الطّوسيّ: يوم القيامة.(9:34)

مثله الطّبرسيّ.(4:502)

الزّمخشريّ: قل:أنت وحدك تقدر على الحكم بيني و بينهم،و لا حيلة لغيرك فيهم،و فيه وصف لحالهم، و إعذار لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و تسلية له و وعيد لهم.

(3:401)

نحوه البيضاويّ(2:324)،و القاسميّ(14:

5144).

النّسفيّ: تقضي.(4:60)

أبو السّعود :أي حكما يسلّمه كلّ مكابر معاند، و يخضع له كلّ عات مارد،و هو العذاب الدّنيويّ أو الأخرويّ.(5:398)

البروسويّ: أي بينى و بين قومي،و كذا بين سائر العباد.(8:120)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و قال:]و المقصود من الحكم بين العباد الحكم بينه عليه الصّلاة و السّلام و بين هؤلاء الكفرة.(24:11)

ابن عاشور :و جملة: أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ خبر مستعمل في الدّعاء،و المعنى:احكم بيننا.و في تلقين هذا الدّعاء للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إيماء إلى أنّه الفاعل الحقّ، و تقديم المسند إليه على الخبر الفعليّ في قوله: أَنْتَ تَحْكُمُ لإفادة الاختصاص،أي أنت لا غيرك،و إذ لم يكن في الفريقين من يعتقد أنّ غير اللّه يحكم بين النّاس في مثل هذا الاختلاف،فيكون الرّدّ عليه بمفاد القصر، تعيّن أنّ القصر مستعمل كناية تلويحيّة عن شدّة شكيمتهم في العناد و عدم الإنصاف،و الانصياع إلى قواطع الحجج،بحيث إنّ من يتطلّب حاكما فيهم لا يجد حاكما فيهم إلاّ اللّه تعالى،و هذا أيضا يؤمئ إلى العذر للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم في قيامه بأقصى ما كلّف به،لأنّ هذا القول إنّما يصدر عمّن بذل وسعه فيما وجب عليه،فلمّا لقّنه ربّه أن يقوله،كان ذلك في معنى:أنّك أبلغت و أدّيت الرّسالة،فلم يبق إلاّ ما يدخل تحت قدرة اللّه تعالى الّتي لا يعجزها الألدّاء أمثال قومك،و فيه تسلية للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و فيه وعيد للمعاندين.

و الحكم يصدق بحكم الآخرة و هو المحقّق الّذي

ص: 278

لا يخلف،و يشمل حكم الدّنيا بنصر المحقّ على المبطل، إذا شاء اللّه أن يعجّل بعض حكمه،بأن يعجّل لهم العذاب في الدّنيا.(24:105)

الطّباطبائيّ: قد وصف اللّه تعالى بأنّه فاطر السّماوات و الأرض،أي مخرجها من كتم العدم إلى ساحة الوجود،و عالم الغيب و الشّهادة.فلا يخفى عليه شيء، و لازمه أن يحكم بالحقّ و ينفذ حكمه.(17:271)

مكارم الشّيرازيّ: نعم أنت الحاكم المطلق في يوم القيامة؛الّذي تنهي فيه الاختلافات،و تظهر فيه كلّ الحقائق المخفيّة،حيث أنت خالق كلّ شيء في الوجود، و عالم بكلّ الأسرار،حيث تنتهي الاختلافات بحكمك العادل،و هناك يدرك المعاندون مدى خطئهم،و هناك يفكّرون في إصلاح ما مضى،و لكن ما الفائدة؟

(15:104)

فضل اللّه :فيعرفون في مثل إشراقه النّور أين يقف الحقّ في قناعاتهم و في مواقفهم الّتي كانوا يقتنعون بها أو يمارسونها في الحياة الدّنيا،فينتهي كلّ الخلاف و تذوب كلّ الكلمات المعاندة أمام الحكم الحقّ الصّادر من اللّه.

و يقف المعاندون ليواجهوا استحقاقات المصير في عذاب اللّه،و ليحاولوا أن يجدوا أيّة فرصة للنّجاة منه،في هذا الموقف الصّعب الّذي تضيق فيه كلّ الفرص.

(19:345)

تحكمون

1- ...أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.

يونس:35

ابن عبّاس: بئس ما تقضون به لأنفسكم.(174)

مقاتل:يقول:ما لكم كيف تقضون الجور، و نظيرها في«ن و القلم»حين زعمتم أنّ معي شريكا.

(2:238)

نحوه البغويّ.(2:420)

الزّجّاج: أي على أيّ حال تحكمون،فموضع(كيف) نصب ب(تحكمون).(3:20)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:31)

الزّمخشريّ: بالباطل،حيث تزعمون أنّهم أنداد للّه.(2:237)

نحوه النّسفيّ(2:163)،و القاسميّ(9:3348).

الطّبرسيّ: هذا تعجيب من حالهم،أي كيف تقضون بأنّ هذه الأصنام آلهة،و أنّها تستحقّ العبادة، قيل:كيف تحكمون لأنفسكم بما لا توجبه الحجّة،و لا تشهد بصحّته الأدلّة.(3:109)

الفخر الرّازيّ: يعجب من مذهبهم الفاسد و مقالتهم الباطلة أرباب العقول.(17:92)

القرطبيّ: أي لأنفسكم.و تقضون بهذا الباطل الصّراح،تعبدون آلهة لا تغني عن أنفسها شيئا إلاّ أن يفعل بها،و اللّه يفعل ما يشاء،فتتركون عبادته.فموضع (كيف)نصب ب(تحكمون).(8:342)

البيضاويّ: بما يقتضي صريح العقل بطلانه.

(1:447)

ص: 279

أبو السّعود:أي بما يقضي صريح العقل ببطلانه، إنكار لحكمهم الباطل و تعجّب منه،و تشنيع لهم بذلك.

و(الفاء)لترتيب كلا الإنكارين على ما ظهر من وجوب اتّباع الهادي إلى الحقّ.

إن قلت:التّبكيت بالاستفهام السّابق إنّما يظهر في حقّ من يعكس جوابه الصّحيح،فيحكم بأحقّيّة من لا يهدي بالاتّباع دون من يهدي،و هم ليسوا حاكمين بأحقّيّة شركائهم لذلك دون اللّه سبحانه و تعالى،بل باستحقاقهما جميعا مع رجحان جانبه تعالى،حيث يقولون:هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه؟

قلت:حكمهم باستحقاقه تعالى للاتّباع بطريق الاشتراك حكم منهم بعدم استحقاقه تعالى لذلك بطريق الاستقلال،فصاروا حاكمين باستحقاق شركائهم له دون اللّه تعالى من حيث لا يحتسبون.

(3:239)

نحوه البروسويّ.(4:44)

الشّربينيّ: هذا الحكم الفاسد من اتّباع من لا يستحقّ الاتّباع.(2:19)

الآلوسيّ: كَيْفَ تَحْكُمُونَ في موضع الحال،لأنّ الجملة الاستفهاميّة لا تقع حالا،بل هو استفهام آخر للإنكار و التّعجّب أيضا،أي كيف تحكمون بالباطل الّذي يأباه صريح العقل و يحكم ببطلانه من اتّخاذ الشّركاء للّه جلّ و علا،و(الفاء)لترتيب الإنكار على ما ظهر من وجوب اتّباع الهادي.(11:115)

الطّباطبائيّ: استفهام للتّعجيب استغرابا لحكمهم باتّباع شركائهم مع حكم العقل الصّريح بعدم جواز اتّباع من لا يهتدي،و لا يهدي إلى الحقّ.(10:61)

فضل اللّه :هذا الحكم الجائر الّذي لا يرتكز على أساس ثابت،بل ينطلق من خلال الأهواء و الشّهوات، بعيدا عن أيّ منطق للعقل من قريب أو من بعيد.

(11:308)

2- ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. الصّافّات:154

ابن عبّاس: بئسما تقضون لأنفسكم،ترضون للّه ما لا ترضون لأنفسكم.(379)

قتادة :كيف يجعل لكم البنين،و لنفسه البنات؟ مالكم كيف تحكمون؟(الطّبريّ 23:107)

الطّبريّ: يقول:بئس الحكم تحكمون أيّها القوم، أن يكون للّه البنات و لكم البنون،و أنتم لا ترضون البنات لأنفسكم،فتجعلون له ما لا ترضونه لأنفسكم.

(23:107)

نحوه الواحديّ(3:534)،و البغويّ(4:49)، و الطّبرسيّ(4:460)،و ابن الجوزيّ(7:91).

الطّوسيّ: تهجين لهم بوضعهم الشّيء في غير موضعه،لأنّهم وضعوه موضع الحكمة،ليس الأمر كذلك؛إذ أنتم على فاحش الخطإ الّذي يدعو إليه الجهل.

(8:533)

البيضاويّ: بما لا يرتضيه العقل.(2:301)

نحوه الكاشانيّ.(4:285)

النّسفيّ: هذا الحكم الفاسد.(4:30)

ص: 280

مثله الشّربينيّ.(3:396)

أبو السّعود :بهذا الحكم الّذي يقضي ببطلانه بديهة العقل.(5:341)

نحوه الآلوسيّ.(23:150)

البروسويّ: على الغنيّ عن العالمين بهذا الحكم الّذي تقضي ببطلانه بديهة العقول،ارتدعوا عنه فإنّه جور.

قال ابن الشّيخ:جملتان استفهاميّتان ليس لإحديهما تعلّق بالأخرى من حيث الإعراب،استفهم أوّلا عمّا استقرّ لهم و ثبت استفهام إنكار،ثمّ استفهم استفهام تعجّب من حكمهم هذا الحكم الفاسد،و هو أن يكون أحسن الجنسين لأنفسهم و أخسّهما لربّهم.(7:492)

نحوه الشّوكانيّ.(4:519)

ابن عاشور :جملة: ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ بدل اشتمال من جملة أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ الصّافّات:153،فإنّ اصطفاء البنات يقتضي عدم الدّليل في حكمهم ذلك،فأبدل ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ من إنكار ادّعائهم اصطفاء اللّه البنات لنفسه، و قوله: ما لَكُمْ (ما)استفهام عن ذات و هي مبتدأ، و(لكم)خبر.

و المعنى:أيّ شيء حصل لكم؟و هذا إبهام،فلذلك كانت كلمة(مالك)و نحوها في الاستفهام،يجب أن يتلى بجملة حال تبيّن الفعل المستفهم عنه،نحو: ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ الصّافّات:92،و نحو ما لَكَ لا تَأْمَنّا عَلى يُوسُفَ يوسف:11.و قد بيّنت هنا بما تضمّنته جملة استفهام كَيْفَ تَحْكُمُونَ، فإنّ(كيف)اسم استفهام عن الحال،و هي في موضع الحال من ضمير تَحْكُمُونَ قدّمت لأجل صدارة الاستفهام.و جملة تَحْكُمُونَ حال من ضمير(لكم)في قوله تعالى: ما لَكُمْ، فحصل استفهامان:أحدهما:عن الشّيء الّذي حصل لهم فحكموا هذا الحكم.و ثانيهما:عن الحالة الّتي اتّصفوا بها لما حكى هذا الحكم الباطل.و هذا إيجاز حذف؛إذ التّقدير:ما لكم تحكمون هذا الحكم كيف تحكمونه؟ و حذف متعلّق تَحْكُمُونَ لما دلّ عليه الاستفهامان من كون ما حكموا به منكرا يحقّ العجب منه،فكلا الاستفهامين إنكار و تعجيب.

و فرّع عليه الاستفهام الإنكاريّ عن عدم تذكّرهم، أي استعمال ذكرهم بضمّ الذّال-و هو العقل-أي فمنكر عدم تفهّمكم فيما يصدر من حكمكم.(23:91)

3- ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. القلم:36

ابن عبّاس: بئس ما تقضون لأنفسكم.(482)

الطّبريّ: أ تجعلون المطيع للّه من عبيده و العاصي له منهم في كرامته سواء،يقول جلّ ثناؤه:لا تسوّوا بينهما، فإنّهما لا يستويان عند اللّه،بل المطيع له الكرامة الدّائمة، و العاصي له الهوان الباقي.(29:37)

الطّوسيّ: تهجين لهم و توبيخ.و معناه:أعلى حال الصّواب أم على حال الخطإ؟و على حال الرّشاد أم الغيّ؟ فعلى أيّ حال تحكمون في الأحوال الّتي تدعون إلى الفعل،أحال الباطل أم حال الحقّ؟(10:85)

الواحديّ: إذ حكمتم أنّ لكم ما للمسلمين.

(4:338)

ص: 281

الزّمخشريّ: هذا الحكم الأعوج،كأنّ أمر الجزاء مفوّض إليكم حتّى تحكموا فيه بما شئتم.(4:146)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:92)،و القرطبيّ(18:

246).

ابن عطيّة: قوله تعالى: ما لَكُمْ توبيخ آخر ابتداء و خبر جملة منحازة،و قوله تعالى: كَيْفَ تَحْكُمُونَ جملة منحازة كذلك.و(كيف)في موضع نصب ب تَحْكُمُونَ. (5:351)

الطّبرسيّ: هذا تهجين لهم و توبيخ،و معناه أيّ عقل يحملكم على تفضيل الكفّار حتّى صار سببا لإصراركم على الكفر،و لا يحسن في الحكمة التّسوية بين الأولياء و الأعداء في دار الجزاء.(5:338)

البيضاويّ: التفات فيه تعجّب من حكمهم و استبعاد له،و إشعار بأنّه صادر من اختلال فكر و اعوجاج رأي.(2:496)

نحوه الشّربينيّ(4:362)،و أبو السّعود(6:289)، و الكاشانيّ(5:213)،و الآلوسيّ(29:33).

البروسويّ: تعجيبا من حكمهم و استبعادا له، و إيذانا بأنّه لا يصدر عن عاقل،و(ما)استفهاميّة في موضع الرّفع بالابتداء،و الاستفهام للإنكار،أي لإنكار أن يكون لهم وجه مقبول يعتدّ به في دعواهم حتّى يتمسّك به و(لكم)خبرها.و المعنى أيّ شيء ظهر لكم حتّى حكمتم هذا الحكم القبيح،كأنّ أمر الجزاء مفوّض إليكم،فتحكمون فيه بما شئتم،و معنى(كيف)في أيّ حال،أ في حال العلم أم في حال الجهل فيكون ظرفا،أو أ عالمين أم جاهلين فيكون حالا.

و في«التّأويلات النّجميّة»أ فنجعل المتّقين لأحكام الشّريعة و آداب الطّريقة و رموز الحقيقة،كالكاسبين للأخلاق الرّديئة،و الأوصاف الرّذيلة المخالفة للشّريعة و الطّريقة و الحقيقة،ما لكم كيف تحكمون بهذا الظّلم الصّريح و القول القبيح؟(10:119)

مغنيّة:تسأل:لا نظنّ أنّ أحدا يحكم بالمساواة بين المتّقين و المجرمين حتّى من لا يؤمن باللّه و اليوم الآخر، إذن ما هو المبرّر لقوله تعالى: ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟

الجواب:أجل،لا أحد يساوي المتّقي بالمجرم في الحكم و المكانة،و لكن كثيرا من المجرمين يرون أنفسهم من الأتقياء،و أنّ لهم ما للمتّقين من الأجر و الثّواب، فأنكر سبحانه عليهم هذا،و قال لهم:كيف تجعلون أنفسكم في عداد المتّقين،و بينكم و بينهم بعد المشرقين؟ و الّذي يدلّ على أنّ هذا المعنى هو المراد الخطابات التّالية.[و ذكر آيات لذلك](7:394)

الطّباطبائيّ: مسوق للتّعجّب من حكمهم بكون المجرمين يوم القيامة كالمسلمين،و هو إشارة إلى تأبّي العقل عن تجويز التّساوي،و محصّله نفي حكم العقل بذلك؛إذ معناه أيّ شيء حصل لكم من اختلال الفكر و فساد الرّأي حتّى حكمتم بذلك.(19:383)

مكارم الشّيرازيّ: هل يمكن أن يصدّق أيّ إنسان عاقل،أنّ عاقبة العادل و الظّالم،المطيع و المجرم، المؤثر و المستأثر واحدة و متساوية؟خاصّة عند ما تكون المسألة عند إله جعل كلّ مجازاته و مكافاته وفق

ص: 282

حساب دقيق و برنامج حكيم.(18:501)

4- أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ. القلم:39

ابن عبّاس: بئس ما تقضون لأنفسكم.(482)

الطّبريّ: يقول:هل لكم أيمان علينا تنتهي بكم إلى يوم القيامة،بأنّ لكم ما تحكمون؟أي بأنّ لكم حكمكم، و لكن(الألف)كسرت من(انّ)لما دخل في الخبر اللاّم، أي هل لكم أيمان علينا بأنّ لكم حكمكم؟(29:37)

الطّوسيّ: كسرت(انّ)لدخول اللاّم في الخبر، و الحكم خبر،بمعنى يفصل الأمر على جهة القهر و المنع، و أصله:المنع.[ثمّ استشهد بشعر](10:86)

الواحديّ: لأنفسكم به من الخير و الكرامة.

(4:338)

نحوه البغويّ(5:139)،و الطّبرسيّ(5:339).

الزّمخشريّ: جواب القسم،لأنّ معنى أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا أم أقسمنا لكم.(4:146)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:93)،و البيضاويّ(2:

496)،و الشّربينيّ(4:362)،و أبو السّعود(6:289)، و البروسويّ(10:120)،و الآلوسيّ(29:34).

ان تحكموا

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً. النّساء:58

الإمام عليّ عليه السّلام:كلمات أصاب فيهنّ:حقّ على الإمام أن يحكم بما أنزل اللّه و أن يؤدّي الأمانة،و إذا فعل ذلك،فحقّ على النّاس أن يسمعوا و أن يطيعوا،و أن يجيبوا إذا دعوا.(الطّبريّ 5:145)

الطّبريّ: إذا حكمتم بين رعيّتكم،أن تحكموا بينهم بالعدل و الإنصاف،و ذلك حكم اللّه الّذي أنزله في كتابه، و بيّنه على لسان رسوله،و لا تعدوا ذلك فتجوروا عليهم.(5:146)

الطّوسيّ: أمر اللّه تعالى الحكّام بين النّاس أن يحكموا بالعدل لا بالجور.(3:234)

الطّبرسيّ: أمر اللّه الولاة و الحكّام أن يحكموا بالعدل و النّصفة،و نظيره قوله: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ ص:26، و روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لعليّ سوّ بين الخصمين في لحظك و لفظك.و ورد في الآثار أنّ الصّبيّين ارتفعا إلى الحسن بن عليّ في خطّ كتباه،و حكّماه في ذلك ليحكم أيّ الخطّين أجود،فبصر به عليّ فقال:يا بنيّ انظر كيف تحكم؟فإنّ هذا حكم،و اللّه سائلك عنه يوم القيامة.

(2:63)

الفخر الرّازيّ: أجمعوا على أنّ من كان حاكما وجب عليه أن يحكم بالعدل،قال تعالى: وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ و التّقدير:إنّ اللّه يأمركم إذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل،و قال: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ النّحل:90،و قال: وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى الأنعام:152،و قال:

ص: 283

يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ ص:26.و عن أنس عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«لا تزال هذه الأمّة بخير ما إذا قالت صدقت،و إذا حكمت عدلت،و إذا استرحمت رحمت».و عن الحسن قال:إنّ اللّه أخذ على الحكّام ثلاثا:أن لا يتّبعوا الهوى، و أن يخشوه و لا يخشوا النّاس،و لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا.ثمّ قرأ: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ إلى قوله: وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى، و قرأ: إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ المائدة:

44،إلى قوله: وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً.

(10:140)

البيضاويّ: أي و أن تحكموا بالإنصاف و السّويّة إذا قضيتم بين من ينفذ عليه أمركم،أو يرضى بحكمكم، و لأنّ الحكم وظيفة الولاة،قيل:الخطاب لهم.

(1:225)

نحوه النّسفيّ(1:232)،و البروسويّ(2:226).

أبو السّعود :أمر لهم بإيصال الحقوق المتعلّقة بذمم الغير إلى أصحابها،و حيث كان المأمور به هاهنا مختصّا بوقت المرافعة،قيّد به بخلاف المأمور به أوّلا،فإنّه لمّا لم يتعلّق بوقت دون وقت أطلق إطلاقا،فقوله تعالى: أَنْ تَحْكُمُوا عطف على أَنْ تُؤَدُّوا قد فصّل بين العاطف و المعطوف بالظّرف المعمول له عند الكوفيّين،و لمقدّر (1)يدلّ هو عليه عند البصريّين،لأنّ ما بعد(ان)لا يعمل فيما قبلها عندهم،أي و أن تحكموا إذا حكمتم إلخ.

(2:154)

نحوه القاسميّ(5:1333)،و الآلوسيّ(5:64).

ابن عاشور :و قوله: وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ عطف أَنْ تَحْكُمُوا على أَنْ تُؤَدُّوا، و فصّل بين العاطف و المعطوف الظّرف و هو جائز؛مثل قوله: وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً البقرة:201.

و كذلك في عطف الأفعال على الصّحيح مثل:

وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ الشّعراء:129،130.

و الحكم مصدر حكم بين المتنازعين،أي اعتني بإظهار المحقّ منهما من المبطل،أو إظهار الحقّ لأحدهما.

و صرّح بذلك و هو مشتقّ من«الحكم»-بفتح الحاء- و هو الرّدع عن فعل ما لا ينبغي،و منه سمّيت حكمة اللّجام و هي الحديدة الّتي تجعل في فم الفرس.و يقال:

أحكم فلانا،أي أمسكه.

[إلى أن قال بعد بيان معنى العدل]و مظهر ذلك هو الحكم لصاحب الحقّ بأخذ حقّه ممّن اعتدى عليه، و لذلك قال تعالى هنا: إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، ثمّ توسّعوا في هذا الإطلاق حتّى صار يطلق على إبلاغ الحقّ إلى ربّه و لو لم يحصل اعتداء و لا نزاع.

(4:162)

مكارم الشّيرازيّ: أي إنّ اللّه يوصيكم أيضا أن تلتزموا جانب العدالة في القضاء و الحكم بين النّاس فتحكموا بعدل.(3:251)ر!

ص: 284


1- هذا هو الصّحيح،و في الأصل:و المقدّر!
فاحكم

...وَ جاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. آل عمران:55

ابن عبّاس: فأقضي بينكم.(48)

نحوه الطّبرسيّ(1:450)،و الآلوسيّ(3:184).

الطّبريّ: يقول فأقضي حينئذ بين جميعكم في أمر عيسى بالحقّ،فيما كنتم فيه تختلفون من أمره،و هذا من الكلام الّذي صرف من الخبر عن الغائب إلى المخاطبة.

(3:293)

البيضاويّ: من أمر الدّين.(1:163)

نحوه شبّر(1:328)،و أبو السّعود(1:376)، و البروسويّ(2:42)،و المراغيّ(3:170).

فاحكم

1- سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. المائدة:42

ابن عبّاس: بين بني قريظة و النّضير بالرّجم.

(94)

إنّ الآيات في«المائدة»قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ... إلى قوله: اَلْمُقْسِطِينَ إنّما نزلت في الدّية في بني النّضير و بني قريظة.و ذلك أنّ قتلى بني النّضير كان لهم شرف،تؤدّى الدّية كاملة،و أنّ قريظة كانوا يؤدّون نصف الدّية،فتحاكموا في ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فأنزل اللّه ذلك فيهم،فحملهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم على الحقّ في ذلك،فجعل الدّية في ذاك سواء.

(الطّبريّ 6:243)

نحوه ابن زيد(الطّبريّ 6:243)،و قتادة (الماورديّ 2:40).

إنّ ذلك[الحكم]منسوخ و إنّ الحكم بينهم واجب على من تحاكموا إليه من حكّام المسلمين

مثله مجاهد و عكرمة و الحسن و عمر بن عبد العزيز.

(الماورديّ 2:41)

النّخعيّ: إذا أتاك المشركون فحكّموك،فاحكم بينهم أو أعرض عنهم،و إن حكمت فاحكم بحكم المسلمين،و لا تعده إلى غيره.

مثله الشّعبيّ.(الطّبريّ 6:244)

إن حكم بينهم حكم بما في كتاب اللّه.

مثله الشّعبيّ.(الطّبريّ 6:247)

أمر أن يحكم فيهم بالرّجم.(الطّبريّ 6:247)

أنّه[الحكم]ثابت،و أنّ كلّ حاكم من حكّام المسلمين مخيّر في الحكم بين أهل الذّمّة،و بين أن يحكم أو يدع.

مثله الشّعبيّ،و عطاء،و قتادة.(الماورديّ 2:41).

مجاهد :آيتان نسختا من هذه السورة يعني المائدة:آية القلائد،و قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ، فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مخيّرا إن شاء حكم،و إن شاء

ص: 285

أعرض عنهم،فردّهم إلى أن يحكم بينهم بما في كتابنا.

(الطّبريّ 6:246)

اليهوديّان اللّذان زنيا خيّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يحكم بينهما بالرّجم أو يدع.

مثله الحسن و الزّهريّ.(الماورديّ 2:40)

عكرمة : فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ نسخت بقوله: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ المائدة:49.

مثله الحسن.(الطّبريّ 6:245)

الإمام الباقر عليه السّلام:إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التّوراة و أهل الإنجيل يتحاكمون إليه،كان ذلك إليه،إن شاء حكم بينهم و إن شاء تركهم.(شبّر 2:177)

قتادة :يعني اليهود،فأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يحكم بينهم،و رخّص له أن يعرض عنهم إن شاء.

(الطّبريّ 6:245)

السّدّيّ: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إن شاء حكم بينهم،و إن شاء أعرض عنهم.ثمّ نسخها اللّه تعالى فقال: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ، و كان مجبورا على أن يحكم بينهم.(230)

الزّهريّ: مضت السّنّة أن يردّوا في حقوقهم و مواريثهم إلى أهل دينهم إلاّ أن يأتوا راغبين في حدّ يحكم بينهم فيه بكتاب اللّه.(الطّبريّ 6:245)

مقاتل:يعني الّذين يعدلون في الحكم،ثمّ نسختها الآية الّتي جاءت بعد،و هي قوله: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ في الكتاب،أنّ الرّجم على المحصن و المحصنة،و لا تردّ الحكم.(1:478)

الشّافعيّ: أنّه يجب على الحاكم منّا أن يحكم بين أهل الذّمّة الّذين قبلوا الجزية و رضوا بجريان أحكامنا عليهم إذا تحاكموا إليه،لأنّ في إمضاء حكم الإسلام عليهم صغارا لهم.(الواحديّ 2:189)

أبو حنيفة:إن احتكموا إلينا حملوا على حكم الإسلام،و أقيم الحدّ على الزّاني بمسلمة و السّارق من مسلم.(أبو حيّان 3:489)

الطّبريّ: إن جاء هؤلاء القوم الآخرون الّذين لم يأتوك بعد،و هم قوم المرأة البغيّة،محتكمين إليك، فاحكم بينهم إن شئت بالحقّ الّذي جعله اللّه حكما له، فيمن فعل فعل المرأة البغيّة منهم،أو أعرض عنهم فدع الحكم بينهم إن شئت،و الخيار إليك في ذلك.

و قال آخرون:بل نزلت هذه الآية في قتيل قتل في يهود منهم قتله بعضهم.

ثمّ اختلف أهل التّأويل في حكم هذه الآية:هل هو ثابت اليوم؟و هل للحكّام من الخيار في الحكم و النّظر بين أهل الذّمّة و العهد إذا احتكموا إليهم؟مثل الّذي جعل لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم في هذه الآية،أم ذلك منسوخ؟فقال بعضهم:

ذلك ثابت اليوم لم ينسخه شيء،و للحكّام من الخيار في كلّ دهر بهذه الآية مثل ما جعله اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قال آخرون:بل التّخيير منسوخ،و على الحاكم إذا احتكم إليه أهل الذّمّة أن يحكم بينهم بالحقّ،و ليس له ترك النّظر بينهم.

و أولى القولين في ذلك عندي بالصّواب:قول من

ص: 286

قال:إنّ حكم هذه الآية ثابت لم ينسخ،و إنّ للحكّام من الخيار في الحكم بين أهل العهد،إذا ارتفعوا إليهم فاحتكموا،و ترك الحكم بينهم و النّظر مثل الّذي جعله اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم من ذلك في هذه الآية.

و إنّما قلنا ذلك أولاهما بالصّواب:لأنّ القائلين إنّ حكم هذه الآية منسوخ،زعموا أنّه نسخ بقوله: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ. و قد دلّلنا في كتابنا«كتاب البيان عن أصول الأحكام»أنّ النّسخ لا يكون نسخا،إلاّ ما كان نفيا لحكم غيره بكلّ معانيه،حتّى لا يجوز اجتماع الحكم بالأمرين جميعا على صحّته بوجه من الوجوه،بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.و إذ كان ذلك كذلك، و كان غير مستحيل في الكلام أن يقال:و أن احكم بينهم بما أنزل اللّه،و معناه:و أن احكم بينهم بما أنزل اللّه،إذا حكمت بينهم باختيارك الحكم بينهم،إذا اخترت ذلك و لم تختر الإعراض عنهم؛إذ كان قد تقدّم إعلام المقول له ذلك من قائله:إنّ له الخيار في الحكم و ترك الحكم،كان معلوما بذلك أن لا دلالة في قوله: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ أنّه ناسخ قوله: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ... لما وصفنا من احتمال ذلك ما بيّنّا،بل هو دليل على مثل الّذي دلّ عليه قوله: وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ. و إذا لم يكن في ظاهر التّنزيل دليل على نسخ إحدى الآيتين الأخرى،و لا نفي أحد الأمرين حكم الآخر،و لم يكن عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خبر يصحّ بأنّ أحدهما ناسخ صاحبه،و لا من المسلمين على ذلك إجماع،صحّ ما قلنا:من أنّ كلا الأمرين يؤيّد أحدهما صاحبه و يوافق حكمه حكمه،و لا نسخ في أحدهما للآخر.(6:242)

نحوه البغويّ.(2:53)

الطّوسيّ: في اختيار الحكّام و الأئمّة الحكم بين أهل الذّمّة إذا احتكموا إليهم قولان:

أحدهما:قال إبراهيم،و الشّعبيّ،و قتادة،و عطاء، و الزّجّاج،و الطّبريّ،و هو المرويّ عن عليّ عليه السّلام، و الظّاهر في رواياتنا:أنّه حكم ثابت و التّخيير حاصل.

و قال الحسن،و عكرمة،و مجاهد،و السّدّيّ، و الحكم،و جعفر بن مبشّر،و اختاره الجبّائيّ: أنّه منسوخ بقوله: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ المائدة:49،فنسخ الاختيار و أوجب الحكم بينهم بالقسط.(3:529)

نحوه الطّبرسيّ.(2:196)

الزّمخشريّ: قيل:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مخيّرا إذا تحاكم إليه أهل الكتاب بين أن يحكم بينهم،و بين أن لا يحكم.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين](1:614)

نحوه الفخر الرّازيّ(11:235)،و النّسفيّ(1:

284)،و الشّربينيّ(1:376)،و شبّر(2:177).

ابن عطيّة: [نقل الأقوال ثمّ قال:]و قال كثير من العلماء:هي محكمة،و تخيير الحكّام باق،و هذا هو الأظهر إن شاء اللّه.و فقه هذه الآية أنّ الأمّة-فيما علمت -مجمعة على أنّ حاكم المسلمين يحكم بين أهل الذّمّة في التّظالم،و يتسلّط عليهم في تغييره،و ينقر عن صورته كيف وقع،فيغيّر ذلك.و من التّظالم حبس السّلع المبيعة،

ص: 287

و غصب المال و غير ذلك.فأمّا نوازل الأحكام الّتي لا ظلم فيها من أحدهم للآخر،و إنّما هي دعاوي محتملة، و طلب ما يحلّ و لا يحلّ،و طلب المخرج من الإثم في الآخرة،فهي الّتي هو الحاكم فيها مخيّر،و إذا رضي به الخصمان فلا بدّ مع ذلك من رضى الأساقفة أو الأحبار، قاله ابن القاسم في«العتبيّة».قال:و أمّا إن رضي الأساقفة دون الخصمين،أو الخصمان دون الأساقفة فليس له أن يحكم.

و انظر إن رضي الأساقفة لأشكال النّازلة عندهم دون أن يرضى الخصمان فإنّها تحتمل الخلاف،و انظر إذا رضي الخصمان و لم يقع من الأحبار نكير فحكم الحاكم، ثمّ أراد الأحبار ردّ ذلك الحكم،و هل تستوي النّوازل في هذا كالرّجم في زانيين،و القضاء في مال يصير من أحدهما إلى الآخر؟و انظر إذا رضي الخصمان هل على الحاكم أن يستعلم ما عند الأحبار،أو يقنع بأن لم تقع منهم معارضته؟و مالك رحمه اللّه يستحبّ لحاكم المسلمين الإعراض عنهم،و تركهم إلى دينهم.(2:194)

نحوه أبو حيّان(3:489)،و الشّوكانيّ(2:54).

القرطبيّ: [قد حكى الأقوال المتقدّمة تفصيلا فلاحظ](6:184)

البيضاويّ: تخيير لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا تحاكموا إليه بين الحكم و الإعراض،و لهذا قيل:لو تحاكم كتابيّان إلى القاضي لم يجب عليه الحكم،و هو قول الشّافعيّ.

و الأصحّ وجوبه إذا كان المترافعان أو أحدهما ذمّيّا، لأنّا التزمنا الذّبّ عنهم و دفع الظّلم عنهم،و الآية ليست في أهل الذّمّة.و عند أبي حنيفة يجب مطلقا.(1:275)

أبو السّعود :لمّا بيّن تفاصيل أمورهم الواهية، و أحوالهم المختلفة الموجبة لعدم المبالاة بهم و بأفاعيلهم حسبما أمر به عليه الصّلاة و السّلام،خوطب عليه الصّلاة و السّلام ببعض ما يبتنى عليه من الأحكام بطريق التّفريع،و(الفاء)فصيحة،أي و إذا كان حالهم كما شرح،فإن جاءوك متحاكمين إليك فيما شجر بينهم من الخصومات، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ غير مبال بهم،و لا خائف من جهتهم أصلا.و هذا كما ترى تخيير له عليه الصّلاة و السّلام بين الأمرين،فقيل:هو في أمر خاصّ هو ما ذكره من زنا المحصن.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين نحو ما تقدّم عن الطّبريّ](2:274)

الآلوسيّ: فَإِنْ جاؤُكَ خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و(الفاء)فصيحة أي إذا كان حالهم كما شرح فَإِنْ جاؤُكَ متحاكمين إليك فيما شجر بينهم من الخصومات فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بما أراك اللّه تعالى أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ غير مبال بهم و لا مكترث،و هذا كما ترى تخيير له صلّى اللّه عليه و سلّم بين الأمرين،و هو معارض لقوله تعالى: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ.

و تحقيق المقام على ما ذكر الجصّاص في كتاب «الأحكام»أنّ العلماء اختلفوا،فذهب قوم إلى أنّ التّخيير منسوخ بالآية الأخرى،و روي ذلك عن ابن عبّاس،و إليه ذهب أكثر السّلف.قالوا:إنّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان أوّلا مخيّرا،ثمّ أمر عليه الصّلاة و السّلام بإجراء الأحكام عليهم،و مثله لا يقال من قبل الرّأي،و قيل:إنّ هذه

ص: 288

الآية فيمن لم يعقد له ذمّة،و الأخرى في أهل الذّمّة فلا نسخ،و أثبته بعضهم بمعنى التّخصيص،لأنّ من أخذت منه الجزية تجري عليه أحكام الإسلام،و روي هذا عن ابن عبّاس رضى اللّه عنه أيضا.

و قال أصحابنا:أهل الذّمّة محمولون على أحكام الإسلام في البيوع و المواريث و سائر العقود،إلاّ في بيع الخمر و الخنزير فإنّهم يقرّون عليه،و يمنعون من الزّنا كالمسلمين فإنّهم نهوا عنه،و لا يرجمون لأنّهم غير محصنين،و خبر الرّجم السّابق سبق توجيهه.

و اختلف في مناكحتهم،فقال أبو حنيفة رضى اللّه عنه:يقرّون عليها،و خالفه في بعض ذلك محمّد و زفر،و ليس لنا عليهم اعتراض قبل التّراضي بأحكامنا،فمتى تراضوا بها و ترافعوا إلينا وجب إجراء الأحكام عليهم،و تمام التّفصيل في الفروع.

وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ بيان لحال الأمرين بعد تخييره صلّى اللّه عليه و سلّم بينهما.و تقديم حال الإعراض للمسارعة إلى بيان أنّه لا ضرر فيه،حيث كان مظنّة لترتّب العداوة المقتضية للتّصدّي للضّرر:فمآل المعنى:إن تعرض عنهم و لم تحكم بينهم فعادوك و قصدوا ضررك فَلَنْ يَضُرُّوكَ بسبب ذلك(شيئا)من الضّرر،فإنّ اللّه تعالى يحفظك من ضررهم، وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ أي بالعدل الّذي أمرت به،و هو ما تضمّنه القرآن و اشتملت عليه شريعة الإسلام،و ما روي عن عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه من أنّه قال:-لو ثنيت لي الوسادة لأفتيت أهل التّوراة بتوراتهم،و أهل الإنجيل بإنجيلهم-إن صحّ يراد منه لازم المعنى.(6:141)

نحوه المراغيّ.(6:121)

مغنيّة:هذا بيان لوظيفة الحاكم المسلم إذا تحاكم لديه خصمان من غير المسلمين...و قد اتّفق الفقهاء على أنّه إذا كان الخصمان من غير أهل الذّمّة فللحاكم الخيار، إن شاء حاكمهما،و إن شاء رفض،حسبما يرجّحه من المصلحة...و اختلفوا فيما إذا كان الخصمان من أهل الذّمّة،فقال صاحب«المنار»من السّنّة:يجب على الحاكم أن يحاكمهما.و قال فقهاء الشّيعة:بل هو مخيّر إن شاء حاكم و إن شاء رفض.

و إذا حاكم يجب عليه أن يفصل بينهما بحكم الإسلام،لا بأحكام دينهم،لقوله تعالى: وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ. و إذا كان أحد المتخاصمين مسلما و الآخر غير مسلم وجب على الحاكم قبول الدّعوى،و الحكم بما أنزل اللّه باتّفاق المسلمين.(593)

الطّباطبائيّ: تخيير للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بين أن يحكم بينهم إذا حكّموه أو يعرض عنهم،و من المعلوم أنّ اختيار أحد الأمرين لم يكن يصدر منه صلّى اللّه عليه و آله إلاّ لمصلحة داعية، فيؤول إلى إرجاع الأمر إلى نظر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و رأيه.

ثمّ قرّر تعالى هذا التّخيير بأنّه ليس عليه صلّى اللّه عليه و آله ضرر لو ترك الحكم فيهم و أعرض عنهم،و بيّن له أنّه لو حكم بينهم فليس له أن يحكم إلاّ بالقسط و العدل.

فيعود المضمون بالآخرة إلى أنّ اللّه سبحانه لا يرضى أن يجري بينهم إلاّ حكمه،فإمّا أن يجري فيهم ذلك،أو يهمل أمرهم،فلا يجري من قبله صلّى اللّه عليه و آله حكم

ص: 289

آخر.(5:341)

مكارم الشّيرازيّ: ثمّ تخيّر الآية النّبيّ بين أن يحكم بينهم،أو أن يتجنّبهم و يتركهم،حيث تقول الآية: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ...

و لا يعني التّخيير أن يستخدم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ميله و رغبته في اختيار أحد الأمرين المذكورين،بل المراد من ذلك هو أن يراعي النّبيّ الظّروف و الملابسات المحيطة بكلّ حالة، فإن رأى الوضع يقتضي الحكم بينهم حكم،و إن رأى خلاف ذلك تركهم و أعرض عنهم.

و لكي تعزّز الآية الاطمئنان في نفس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،إن هو ارتأى الإعراض عن هؤلاء لمصلحة،أكّدت قائلة:

وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً....

كما أكّدت ضرورة اتّباع العدل و تطبيقه،إذا كانت الحالة تقتضي أن يحكم النّبيّ بين هؤلاء،فقالت الآية:

وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. ثمّ حكى أقوال المفسّرين،فلاحظ.

(4:13)

فضل اللّه :هل يجوز تحاكم غير المسلم عند القاضي المسلم؟

هذا و قد أثار المفسّرون و الفقهاء مسألة وظيفة القاضي المسلم في النّظام الإسلاميّ،إذا تحاكم لديه شخصان من غير المسلمين،فهل يجب عليه أن يحكم بينهما،أو لا يجب عليه ذلك تعيينا،بل هو مخيّر بين قبول الدّعوى و النّظر في تفاصيلها،و بين الإعراض عنها، و ترك قبوله الدّعوى بحسب ما يراه من المصلحة في خصوصيّة القضيّة،أو في أصل موضوع الحكم في طبيعته؟

و قد ذكروا اتّفاق الفقهاء على أنّ غير الذّمّيّين إذا تخاصما لدى القاضي المسلم،فللحاكم الخيار بين الرّفض للدّعوى أو قبولها،تبعا لما يراه من المصلحة من خلال النّتائج السّلبيّة أو الإيجابيّة على الصّعيد العامّ أو الخاصّ.

أمّا إذا كان المتخاصمون من أهل الذّمّة،فقال علماء أهل السّنّة:بأنّه يجب على حاكم المسلمين أن يحكم بينهم إذا تحاكموا إليه،لكن في رأي مالك و أبي حنيفة و محمّد بن الحسن:لا يحدّ الذّمّيّون حدّ الزّنى.و رأى الشّافعيّ و أبو يوسف:أنّهم يحدّون إن أتوا راضين بحكمنا.

و ذهب أبو حنيفة و النّخعيّ و عمر بن عبد العزيز إلى أنّ التّخيير المذكور في الآية منسوخ بقوله تعالى: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ المائدة:49،و أنّ على الحاكم أن يحكم بين أهل الذّمّة.و هو رأي ابن عبّاس و الحسن و مجاهد و عكرمة.

و قال فقهاء الشّيعة الإماميّة:بل هو مخيّر إن شاء حكم و إن شاء رفض.و لم يثبت نسخ الآية بالآية المذكورة.أمّا إذا كان أحد المتحاكمين مسلما و الآخر غير مسلم،فيجب على الحاكم قبول الدّعوى.

و لا بدّ في حالة قبول الدّعوى في جميع الحالات،من الحكم بالعدل بما أنزل اللّه،و ربّما يخطر في البال أنّ المسألة قد تأخذ-في بعض المراحل-بعدا كبيرا في مصلحة النّظام الإسلاميّ في نطاق الدّولة الإسلاميّة من المسلمين

ص: 290

و غير المسلمين،حيث تفرض المصلحة العليا عدم التّفرقة بينهم.

و قد تكون المصلحة-في بعض الحالات-إعطاء أهل الذّمّة أو المعاهدين الحرّيّة في أن يكون لهم نظام خاصّ في القضاء بحسب ما يدينون به،لأنّ ذلك أقرب إلى تحقيق الحلّ للمشاكل من خلال اقتناعهم بالأحكام الصّادرة عن مرجعيّاتهم.

إنّ التّخيير بين القبول و الرّفض قد يوحي ببعض ذلك في الحالة الجزئيّة الواحدة،أو في الحالات الكلّيّة ممّا قد يجد فيه وليّ الأمر الفرصة الشّرعيّة لإدارة الأمور بالطّريقة المناسبة،و المتناسبة مع المصلحة الإسلاميّة العليا.(8:182)

2- وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ... المائدة:48

ابن عبّاس: بحدود اللّه.(الطّبريّ 6:269)

كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مخيّرا إن شاء حكم بينهم،و إن شاء أعرض عنهم فردّهم إلى أحكامهم،فنزلت: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ المائدة:

49،فأمر رسول صلّى اللّه عليه و سلّم أن يحكم بينهم بما في كتابنا.

(ابن كثير 2:587)

الطّبريّ: هذا أمر من اللّه تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أن يحكم بين المحتكمين إليه من أهل الكتاب و سائر أهل الملل،بكتابه الّذي أنزله إليه و هو القرآن الّذي خصّه بشريعته،يقول تعالى ذكره:احكم يا محمّد بين أهل الكتاب و المشركين،بما أنزل إليك من كتابي و أحكامي في كلّ ما احتكموا فيه إليك،من الحدود و الجروح و القود و النّفوس،فارجم الزّاني المحصن، و اقتل النّفس القاتلة بالنّفس المقتولة ظلما،و افقأ العين بالعين،و اجدع الأنف،فإنّي أنزلت إليك القرآن مصدّقا في ذلك ما بين يديه من الكتب.(6:268)

نحوه ابن كثير.(2:587)

الماورديّ: هذا يدلّ على وجوب الحكم بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إلينا،و ألاّ نحكم بينهم بتوراتهم و لا بإنجيلهم.(2:45)

الطّوسيّ: قال ابن عبّاس،و الحسن،و مسروق:

يدلّ على أنّ أهل الكتاب إذا ترافعوا إلى الحكّام يجب أن يحكموا بينهم بحكم القرآن و شريعة الإسلام،لأنّه أمر من اللّه تعالى بالحكم بينهم،و الأمر يقتضي الإيجاب.و قال أبو عليّ:ذلك نسخ بالتّخيير في الحكم بين أهل الكتاب،و الإعراض عنهم و التّرك.و قوله:

وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ نهي له صلّى اللّه عليه و آله عن اتّباع أهوائهم في الحكم،و لا يدلّ ذلك على أنّه كان اتّبع أهواءهم،لأنّه مثل قوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:65، و لا يدلّ ذلك على أنّ الشّرك كان وقع منه.(3:544)

نحوه الطّبرسيّ.(2:203)

الواحديّ: يعني:بين اليهود بالقرآن،و الرّجم على الزّانيين.(2:195)

البغويّ: (فاحكم)يا محمّد(بينهم)بين أهل

ص: 291

الكتاب إذا ترافعوا إليك.(2:57)

نحوه الشّربينيّ(1:378)،و القاسميّ(6:2016).

ابن عطيّة: قال بعض العلماء:هذه ناسخة لقوله:

أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ المائدة:42،و قد تقدّم ذكر ذلك.

و قال الجمهور:إنّه ليس بنسخ،و إنّ المعنى:فإن اخترت أن تحكم فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ. (2:200)

ابن الجوزيّ: يشير إلى اليهود. ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ في القرآن.(2:371)

نحوه البيضاويّ.(1:277)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:فإن قيل:قوله: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ المائدة:49،معطوف على ما ذا؟قلنا:على (الكتاب)في قوله: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ، كأنّه قيل:و أنزلنا إليك أن احكم،و(ان)وصلت بالأمر،لأنّه فعل كسائر الأفعال.و يجوز أن يكون معطوفا على قوله:

(بالحقّ)أي أنزلناه بالحقّ و بأن احكم...

المسألة الثّانية:قالوا:هذه الآية ناسخة للتّخيير في قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ المائدة:42.

المسألة الثّالثة:أعيد ذكر الأمر بالحكم بعد ذكره في الآية الأولى إمّا للتّأكيد،و إمّا لأنّهما حكمان أمر بهما جميعا،لأنّهم احتكموا إليه في زنا المحصن،ثمّ احتكموا في قتيل كان فيهم.(12:13)

القرطبيّ: يوجب الحكم،فقيل:هذا نسخ للتّخيير في قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ.

و قيل:ليس هذا وجوبا،و المعنى:فاحكم بينهم إن شئت؛إذ لا يجب علينا الحكم بينهم،إذا لم يكونوا من أهل الذّمّة،و في أهل الذّمّة تردّد و قد مضى الكلام فيه.

و قيل:أراد فاحكم بين الخلق،فهذا كان واجبا عليه.(6:210)

أبو حيّان :ظاهره أنّه أمر أن يحكم بما أنزل اللّه، و تقدّم قول من قال:إنّها ناسخة لقوله: أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ و قول الجمهور:إن اخترت أن تحكم بينهم بما أنزل اللّه،و هذا على قول من جعل الضّمير في بينهم عائدا على اليهود،و يكون على قول الجمهور أمر ندب، و إن كان الضّمير للمتحاكمين عموما فالخطاب للوجوب و لا نسخ.(3:502)

أبو السّعود :و(الفاء)في قوله:(فاحكم)لترتيب ما بعدها على ما قبلها،فإنّ كون شأن القرآن العظيم حقّا مصدّقا لما قبله من الكتب المنزلة على الأمم،مهيمنا عليه من موجبات الحكم المأمور به،أي إذا كان القرآن كما ذكر فاحكم بين أهل الكتابين عند تحاكمهم إليك بِما أَنْزَلَ اللّهُ، أي بما أنزله إليك،فإنّه مشتمل على جميع الأحكام الشّرعيّة الباقية في الكتب الإلهيّة،و تقديم (بينهم)للاعتناء ببيان تعميم الحكم لهم،و وضع الموصول موضع الضّمير للتّنبيه على علّيّة ما في حيّز الصّلة للحكم،و الالتفات بإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة،و الإشعار بعلّة الحكم.(2:280)

نحوه البروسويّ(2:399)،و الآلوسيّ(6:152)، و المراغيّ(6:129).

مغنية:أي بين اليهود بما أنزل اللّه،و لا تتّبع

ص: 292

أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ.و بديهة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يحكم إلاّ بالحقّ،و لا يتساهل فيه كبيرا كان أو صغيرا...(3:67)

الطّباطبائيّ: أي إذا كانت الشّريعة النّازلة إليك المودعة في الكتاب حقّا-و هو حقّ فيما وافق ما بين يديه من الكتب،و حقّ فيما خالفه لكونه مهيمنا عليه-فليس لك إلاّ أن تحكم بين أهل الكتاب،كما يؤيّده ظاهر الآيات السّابقة،أو بين النّاس،كما تؤيّده الآيات اللاّحقة...

و من هنا يظهر جواز أن يراد بقوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ الحكم بين أهل الكتاب،أو الحكم بين النّاس، لكن تبعّد المعنى الأوّل حاجته إلى تقدير كقولنا:فاحكم بينهم إن حكمت،فإنّ اللّه سبحانه لم يوجب عليه صلّى اللّه عليه و آله الحكم بينهم،بل خيّره بين الحكم و الإعراض بقوله:

فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ على أنّ اللّه سبحانه ذكر المنافقين مع اليهود في أوّل الآيات،فلا موجب لاختصاص اليهود برجوع الضّمير إليهم لسبق الذّكر و قد ذكر معهم غيرهم،فالأنسب أن يرجع الضّمير إلى النّاس لدلالة المقام.(5:349)

مكارم الشّيرازيّ: تؤكّد الآية على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انطلاقا من الحقيقة المذكورة،ضرورة الحكم بتعاليم و قوانين القرآن بين النّاس،حيث تقول: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ....

و قد اقترنت هذه الجملة ب(الفاء)التّفريعيّة و هي نتيجة،أو دلالة لشموليّة أحكام الإسلام بالنّسبة لأحكام الشّرائع السّماويّة الأخرى،و لا تعارض هنا بين هذا الأمر،و بين ما سبق من أمر في آية سابقة،حيث خيّرت النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله بين الحكم بين اليهود أو تركهم لحالهم،لأنّ هذه الآية ترشد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله-إن هو أراد أن يحكم بين أهل الكتاب-إلى أنّ عليه أن يحكم بتعاليم و قوانين القرآن بينهم.(4:28)

فضل اللّه :وجوب التزام الحقّ في الحكم.

و على ضوء ذلك كان القرآن هو الّذي تنطلق منه القاعدة،و يتحرّك معه الخطّ المستقيم،و يدفع بالحكم إلى مواقع الحقّ. فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ من الكتاب عليك،لشموليّته لما في الكتب السّماويّة،فلا يشعر اليهوديّ بغرابة الحكم الشّرعيّ الّذي يصدره الحاكم المسلم عليه،لأنّ التّوراة ليست غريبة عنه.و لا يجد النّصرانيّ أيّ إشكال في القضاء الإسلاميّ في القضايا الّتي يتحاكم فيها إليه،لأنّها لا تبتعد عن أجواء المفاهيم العامّة في الإنجيل.(8:198)

3- وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ... المائدة:49

ابن عبّاس: قال كعب بن أسد و ابن صوريا و شاس ابن قيس،بعضهم لبعض:اذهبوا بنا إلى محمّد، لعلّنا نفتنه عن دينه،فأتوه فقالوا:يا محمّد إنّك قد عرفت أنّا أحبار يهود و أشرافهم و ساداتهم،و أنّا إن اتّبعناك اتّبعنا يهود و لم يخالفونا،و إنّ بيننا و بين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك،فتقضي لنا عليهم و نؤمن لك

ص: 293

و نصدّقك،فأبى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فأنزل اللّه فيهم: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ... (الطّبريّ 6:273)

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بقوله: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ و أنزلنا إليك يا محمّد الكتاب، مصدّقا لما بين يديه من الكتاب،و أن احكم بينهم، ف(ان)في موضع نصب بالتّنزيل،و يعني بقوله: بِما أَنْزَلَ اللّهُ بحكم اللّه الّذي أنزله إليك في كتابه.(6:273)

أبو يعلى:ليس هذه الآية تكرارا لما تقدّم،و إنّما نزلتا في شيئين مختلفين:أحدهما:في شأن الرّجم، و الآخر:في التّسوية في الدّيات حتّى تحاكموا إليه في الأمرين.(ابن الجوزيّ 2:375)

الطّوسيّ: موضع أَنِ احْكُمْ نصب،و العامل فيها وَ أَنْزَلْنا، و التّقدير:و أنزلنا إليك أن احكم بينهم بما أنزل اللّه.و يجوز أن يكون موضعها رفعا،و تقديره:

و من الواجب أن احكم بينهم بما أنزل اللّه،و وصلت(ان) بالأمر،و لا يجوز صلة«الّذي»بالأمر،لأنّ«الّذي»اسم ناقص مفتقر إلى صلة في البيان عنه،فتجري مجرى صفة النّكرة،و لذلك لا بدّ لها من عائد يعود إليها،و ليس كذلك(ان)،لأنّها حرف،و هي مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد،فلمّا كان في فعل الأمر معنى المصدر،جاز وصل الحرف به على معنى مصدره.

و إنّما كرّر الأمر بالحكم بينهم لأمرين:

أحدهما:أنّهما حكمان أمر بهما جميعا،لأنّهم احتكموا إليه في زناء المحصن،ثمّ احتكموا إليه في قتيل كان منهم،ذكره أبو عليّ،و هو المرويّ عن أبي جعفر عليه السّلام.

الثّاني:أنّ الأمر الأوّل مطلق،و الثّاني دلّ على أنّه منزل.(3:547)

نحوه الطّبرسيّ.(2:204)

الزّمخشريّ: فإن قلت: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ معطوف على ما ذا؟قلت:على(الكتاب)في قوله:

وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ المائدة:48،كأنّه قيل:

و أنزلنا إليك أن احكم على أنّ(ان)وصلت بالأمر،لأنّه فعل كسائر الأفعال.و يجوز أن يكون معطوفا على (بالحقّ)،أي أنزلناه بالحقّ و بأن احكم.(1:618)

نحوه البيضاويّ(1:278)،و النّسفيّ(1:286).

و أبو السّعود(2:282)،و الكاشانيّ(2:40)، و البروسويّ(2:400)،و شبّر(2:183)،و القاسميّ (6:2019).

ابن عطيّة: وَ أَنِ احْكُمْ معطوف على (الكتاب)في قوله: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ المائدة:

48.و قال مكّيّ:هو معطوف على(الحقّ)في قوله:

وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ المائدة:48، و الوجهان حسنان.و يقرأ بضمّ النّون من (ان احكم) مراعاة للضّمّة في عين الفعل المضارع،و يقرأ بكسرها على القانون في التقاء السّاكنين.و هذه الآية ناسخة عند قوم للتّخيير الّذي في قوله: أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ المائدة:

42،و قد تقدّم ذكر ذلك.(2:201)

نحوه الشّربينيّ.(1:379)

ابن العربيّ: [نحو ابن عبّاس و أضاف:]المسألة

ص: 294

الثّانية:قال قوم:هذا ناسخ للتّخيير،و هذه دعوى عريضة،فإنّ شروط النّسخ أربعة:منها معرفة التّاريخ بتحصيل المتقدّم و المتأخّر،و هذا مجهول من هاتين الآيتين،فامتنع أن يدّعى أنّ واحدة منها ناسخة للأخرى،و بقي الأمر على حاله.(2:632)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:المسألة الأولى:[نحو الزّمخشريّ]

المسألة الثّانية:قالوا:هذه الآية ناسخة للتّخيير في قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ.

المسألة الثّالثة:أعيد ذكر الأمر بالحكم بعد ذكره في الآية الأولى،إمّا للتّأكيد و إمّا لأنّهما حكمان أمر بهما جميعا،لأنّهم احتكموا إليه في زنا المحصن،ثمّ احتكموا في قتيل كان فيهم.(12:14)

القرطبيّ: تقدّم الكلام فيها،و أنّها ناسخة للتّخيير.[ثمّ نقل قول ابن العربيّ و أضاف:]

قلت:قد ذكرنا عن أبي جعفر النّحّاس (1)أنّ هذه الآية متأخّرة في النّزول،فتكون ناسخة إلاّ أن يقدّر في الكلام:و أن احكم بينهم بما أنزل اللّه إن شئت،لأنّه قد تقدّم ذكر التّخيير له فأخّر الكلام،[و]حذف التّخيير منه لدلالة الأوّل عليه،لأنّه معطوف عليه،فحكم التّخيير كحكم المعطوف عليه.فهما شريكان،و ليس الآخر بمنقطع ممّا قبله؛إذ لا معنى لذلك و لا يصحّ،فلا بدّ من أن يكون قوله: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ معطوفا على ما قبله من قوله: وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، و من قوله: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ. فمعنى وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ، أي احكم بذلك إن حكمت و اخترت الحكم،فهو كلّه محكم غير منسوخ،لأنّ النّاسخ لا يكون مرتبطا بالمنسوخ معطوفا عليه،فالتّخيير للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في ذلك محكم غير منسوخ،قاله مكّيّ رحمه اللّه. وَ أَنِ احْكُمْ في موضع نصب عطفا على(الكتاب)،أي و أنزلنا إليك أن احكم بينهم بما أنزل اللّه،أي بحكم اللّه الّذي أنزله إليك في كتابه.(6:212)

أبو حيّان :هذه الآية ناسخة عند قوم،للتّخيير الّذي في قوله: أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ، و تقدّم ذكر ذلك.

و أجازوا في وَ أَنِ احْكُمْ ان يكون في موضع نصب عطفا على(الكتاب)أي و الحكم،و في موضع جرّ عطفا على(بالحقّ)،و في موضع رفع على أنّه مبتدأ محذوف الخبر مؤخّرا،و التّقدير:و حكمك بما أنزل أنزل اللّه أمرنا و قولنا،أو مقدّما و التّقدير:و من الواجب حكمك بما أنزل اللّه.و قيل(ان)تفسيريّة،و أبعد ذلك من أجل الواو،و لا يصحّ ذلك بأن يقدّر قبل فعل الأمر فعلا محذوفا فيه معنى القول،أي و أمرناك أن احكم،لأنّه يلزم من ذلك حذف الجملة المفسّرة بأن و ما بعدها،و ذلك لا يحفظ من كلام العرب.و قرئ بضمّ النّون من (و ان احكم) اتباعا لحركة الكاف،و بكسرها على أصل التقاء السّاكنين،و الضّمير في(بينهم)عائد على اليهود،و قيل:على جميع المتحاكمين.(3:504)س.

ص: 295


1- لم نر موضعا ذكره عن النّحّاس.

الآلوسيّ: عطف على(الكتاب)،كأنّه قيل:

و أنزلنا إليك الكتاب و قولنا:احكم،أي الأمر بالحكم لا الحكم لأنّ المنزل الأمر بالحكم لا لحكم،و لئلاّ يلزم إبطال الطّلب بالكلّيّة،و لك أن تقدّر الأمر بالحكم من أوّل الأمر من دون إضمار القول،كما حقّقه في«الكشف».

و جوّز أن يكون عطفا على«الحقّ»،و في المحلّ وجهان:الجرّ و النّصب على الخلاف المشهور،و قيل:

يجوز أن يكون الكلام جملة اسميّة بتقدير مبتدإ،أي و أمرنا أن احكم،و زعم بعضهم أنّ(ان)هذه تفسيريّة، و وجّهه أبو البقاء بأن يكون التّقدير:و أمرناك،ثمّ فسّر هذه الأمر ب(احكم)،و منع أبو حيّان من تصحيحه بذلك بأنّه لم يحفظ من لسانهم حذف المفسّر بأن،و الأمر كما ذكر.و قال الطّيّبيّ: و لو جعل هذا الكلام عطفا على (فاحكم)من حيث المعنى ليكون التّكرير لإناطة قوله سبحانه: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ كان أحسن،و ردّ بأنّ(ان)هي المانعة من ذلك العطف،و أمر الإناطة ملتزم على كلّ حال،و قال بعضهم:إنّما كرّر الأمر بالحكم لأنّ الاحتكام إليه صلّى اللّه عليه و سلّم كان مرّتين،مرّة في زنا المحصن،و مرّة في قتيل كان بينهم،فجاء كلّ أمر في أمر،و حكي ذلك عن الجبّائيّ و القاضي أبي يعلى،و نون(ان)فيها الضّمّ و الكسر.

(6:155)

مغنية:هذه الآية تكرار للآية الّتي قبلها بلا فاصل،و قال بعض المفسّرين:تلك نزلت في تحاكم اليهود في الزّنا،و هذه في تحاكمهم في القتل،و لا دليل على هذا التّوجيه،و لا على غيره ممّا في كتب التّفسير، و قد بيّنّا في«ج 1:96»،أنّ القرآن الكريم يستعمل التّكرار،لأنّه عامل قويّ في تكوين الآراء و انتشارها.

(3:69)

الطّباطبائيّ: فقوله: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ عطف على(الكتاب)في قوله: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ كما قيل،و الأنسب حينئذ أن يكون الكلام فيه مشعرة بالتّلميح إلى المعنى الحدثيّ،و يصير المعنى:

و أنزلنا إليك ما كتب عليهم من الأحكام،و أن احكم بينهم بما أنزل اللّه،إلخ.(5:354)

فضل اللّه :في نداء تأكيديّ لتقرير المبدإ،و تعميق المسئوليّة في كلّ الموارد الّتي يختلفون فيها،و يتحاكمون إليك في حلّها،و إعطاء الحكم الحاسم فيها.(8:202)

4- قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. الأنبياء:112

ابن عبّاس: اقض بيني و بين أهل مكّة بالحقّ بالعدل.(276)

لا يحكم بالحقّ إلاّ اللّه،و لكن إنّما استعجل بذلك في الدّنيا يسأل ربّه على قومه.(الطّبريّ 17:108)

قتادة :إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا شهد قتالا قال: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ. (الطّبريّ 17:108)

الفرّاء: قوله:(قل ربّ احكم بالحقّ)جزم، مسألة سألها ربّه،و قد قيل:(قل ربّى احكم بالحقّ)ترفع (أحكم)و تهمز ألفها،و من قال:(قل ربّى احكم بالحقّ)

ص: 296

كان موضع ربّي رفعا،و من قال: رَبِّ احْكُمْ موصولة كانت في موضع نصب بالنّداء.(2:214)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:قل يا محمّد:يا ربّ افصل بيني و بين من كذّبني من مشركي قومي و كفر بك، و عبد غيرك بإحلال عذابك و نقمتك بهم،و ذلك هو الحقّ الّذي أمر اللّه تعالى نبيّه أن يسأل ربّه الحكم به، و هو نظير قوله جلّ ثناؤه: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ الأعراف:89.

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الأمصار (قل رب احكم) بكسر الباء و وصل الألف، ألف(احكم)على وجه الدّعاء و المسألة،سوى أبي جعفر،فإنّه ضمّ الباء من الرّبّ على وجه نداء المفرد، و غير الضّحّاك بن مزاحم،فإنّه روي عنه أنّه كان يقرأ ذلك (ربّى احكم) على وجه الخبر،بأنّ اللّه أحكم بالحقّ من كلّ حاكم،فيثبت الياء في الرّبّ،و يهمز الألف من (احكم)،و يرفع(احكم)على أنّه خبر للرّبّ تبارك و تعالى.

و الصّواب من القراءة عندنا في ذلك،وصل الباء من (الرّبّ)و كسرها ب(احكم)،و ترك قطع الألف من (احكم)على ما عليه قرّاء الأمصار،لإجماع الحجّة من القرّاء عليه،و شذوذ ما خالفه.و أمّا الضّحّاك فإنّ في القراءة الّتي ذكرت عنه زيادة حرف على خطّ المصاحف،و لا ينبغي أن يزاد ذلك فيها،مع صحّة معنى القراءة بترك زيادته.و قد زعم بعضهم أنّ معنى قوله:

رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، قل:ربّ احكم بحكمك الحقّ، ثمّ حذف الحكم الّذي الحقّ نعت له،و أقيم الحقّ مقامه، و لذلك وجه،غير أنّ الّذي قلناه أوضح و أشبه بما قاله أهل التّأويل،فلذلك اخترناه.(17:108)

نحوه ملخّصا الزّجّاج(3:408)،و الثّعلبيّ(6:

314)،و البغويّ(3:321)،و أبو زرعة(471).

الطّوسيّ: إنّما أمره أن يدعو بما يعلم أنّه لا بدّ أن يفعله تعبّدا،لأنّه إذا دعا بهذا ظهرت رغبته في الحقّ الّذي دعا به.[إلى أن قال:]

و قرأ حفص وحده (قالَ رَبِّ احْكُمْ) على الخبر، الباقون على الأمر،و ضمّ الباء أبو جعفر اتباعا لضمّ الكاف.الباقون بكسرها على أصل حركة التقاء السّاكنين.(7:286)

الزّمخشريّ: قال على حكاية قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و رَبِّ احْكُمْ على الاكتفاء بالكسرة، و (ربّ احكم) على الضّمّ،و (ربّي أحكم) على أفعل التّفضيل، (و ربّى أحكم) من الإحكام،أمر استعجال العذاب لقومه فعذّبوا ببدر.(2:587)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:399)

ابن عطيّة: قرأت فرقة رَبِّ احْكُمْ، و قرأ أبو جعفر بن القعقاع(ربّ)بالرّفع على المنادى المفرد، و قرأت فرقة (ربّى احكم) على وزن«أفعل»و ذلك على الابتداء و الخبر،و قرأت فرقة (ربّى احكم) على وزن أنّه فعل ماض،و معاني هذه القراءات بيّنة.(4:104)

الطّبرسيّ: أي فوّض أمورك يا محمّد إلى اللّه، و قل:يا ربّ احكم بيني و بين من كذّبني بالحقّ.[إلى أن

ص: 297

قال:]و قيل:معناه احكم بحكمك الحقّ؛و هو إظهار الحقّ على الباطل.(4:68)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:قرئ (قل ربّ أحكم بالحقّ) على الاكتفاء بالكسرة، (و ربّ احكم) على الضّمّ، (و ربّى احكم) أفعل التّفضيل، (و ربّى احكم) من الإحكام.

المسألة الثّانية: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ فيه وجوه (1):

أحدها:أي ربّي اقض بيني و بين قومي بالحقّ أي بالعذاب،كأنّه قال:اقض بيني و بين من كذّبني بالعذاب.[ثمّ نقل قول قتادة و أضاف:]

ثانيها:أفصل بيني و بينهم بما يظهر الحقّ للجميع، و هو أن تنصرني عليهم.(22:233)

القرطبيّ: ختم السّورة بأن أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بتفويض الأمر إليه،و توقّع الفرج من عنده،أي احكم بيني و بين هؤلاء المكذّبين و انصرني عليهم.روى سعيد عن قتادة قال:كانت الأنبياء تقول: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ الأعراف:89،فأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يقول:

رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، فكان إذا لقي العدوّ يقول؛و هو يعلم أنّه على الحقّ و عدوّه على الباطل: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ أي اقض به.و قال أبو عبيدة:الصّفة هاهنا أقيمت مقام الموصوف،و التّقدير:ربّ احكم بحكمك الحقّ،و(ربّ)في موضع نصب،لأنّه نداء مضاف.و قرأ أبو جعفر بن القعقاع و ابن محيصن: (قل ربّ احكم بالحقّ) بضمّ الباء،قال النّحّاس:و هذا لحن عند النّحويّين،لا يجوز عندهم«رجل أقبل»حتّى تقول:يا رجل أقبل،أو ما أشبهه.و قرأ الضّحّاك و طلحة و يعقوب: (قال ربّى احكم بالحقّ) بقطع الألف مفتوحة الكاف و الميم مضمومة،أي قال محمّد:ربّى أحكم بالحقّ من كلّ حاكم.و قرأ الجحدريّ: (قال ربّى احكم) على معنى أحكم الأمور بالحقّ.(11:351)

البيضاويّ: اقض بيننا و بين أهل مكّة بالعدل المقتضي لاستعجال العذاب أو التّشديد عليهم،و قرأ حفص قال على حكاية قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و قرئ (ربّ)بالضّمّ،و(ربّى احكم)على بناء التّفضيل، و(أحكم)من الإحكام.(2:84)

نحوه النّسفيّ(3:92)،و أبو السّعود(4:362)، و البروسويّ(5:530)

الآلوسيّ: حكاية لدعائه صلّى اللّه عليه و سلّم،و قرأ الأكثر(قل) على صيغة الأمر،و الحكم:القضاء،و الحقّ:العدل،أي ربّ اقض بيننا و بين أهل مكّة بالعدل المقتضي لتعجيل العذاب و التّشديد عليهم،فهو دعاء بالتّعجيل و التّشديد،و إلاّ فكلّ قضائه تعالى عدل و حقّ،و قد استجيب ذلك حيث عذّبوا ببدر أيّ تعذيب.

و قرأ أبو جعفر (ربّ) بالضّمّ على أنّه منادى مفرد كما قال:صاحب«اللّوامح»،و تعقّبه بأنّ حذف حرف النّداء من اسم الجنس شاذّ بابه الشّعر.و قال أبو حيّان:إنّه ليس بمنادى مفرد بل هو منادى مضاف إلى الياء،حذفط.

ص: 298


1- ذكر وجهين فقط.

المضاف إليه و بني على الضّمّ كقبل و بعد،و ذلك لغة حكاها سيبويه في المضاف إلى ياء المتكلّم حال ندائه، و لا شذوذ فيه.و قرأ ابن عبّاس و عكرمة و الجحدريّ و ابن محيصن (ربّي) بياء ساكنة، (احكم) على صيغة التّفضيل،أي أنفذ أو أعدل حكما،أو أعظم حكمة، ف(ربّى احكم)مبتدأ و خبر.و قرأت فرقة (احكم) فعلا ماضيا.(17:108)

الطّباطبائيّ: الضّمير في(قال)للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و الآية حكاية قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن دعوتهم إلى الحقّ، و ردّهم له و تولّيهم عنه،فكأنّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا دعاهم و بلّغ إليهم ما أمر بتبليغه فأنكروا و شدّدوا فيه،أعرض عنهم إلى ربّه منيبا إليه،و قال: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ.

و تقييد الحكم بالحقّ توضيحيّ لا احترازيّ،فإنّ حكمه تعالى لا يكون إلاّ حقّا،فكأنّه قيل:ربّ احكم بحكمك الحقّ.و المراد ظهور الحقّ لمن كان و على من كان.

ثمّ التفت صلّى اللّه عليه و آله إليهم،و قال: وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ، و كأنّه يشير به إلى سبب إعراضه عنهم،و رجوعه إلى اللّه سبحانه،و سؤاله أن يحكم بالحقّ،فهو سبحانه ربّه و ربّهم جميعا،فله أن يحكم بين مربوبيه،و هو كثير الرّحمة لا يخيّب سائله المنيب إليه،و هو الّذي يحكم لا معقّب لحكمه،و هو الّذي يحقّ الحقّ و يبطل الباطل بكلماته،فهو صلّى اللّه عليه و آله في كلمته: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ راجع الّذي هو ربّه و ربّهم،و سأله برحمته أن يحكم بالحقّ،و استعان به على ما يصفونه من الباطل،و هو نعتهم دينهم بما ليس فيه،و طعنهم في الدّين الحقّ بما هو بريء من ذلك.(14:333)

خير الحاكمين

1- وَ إِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَ طائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنا وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. الأعراف:87

ابن عبّاس: يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنا و بينكم بالعذاب، وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ القاضين.(132)

الطّبريّ: يقول:فاحتبسوا على قضاء اللّه الفاصل بيننا و بينكم، وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ يقول:و اللّه خير من يفصل،و أعدل من يقضي،لأنّه لا يقع في حكمه ميل إلى أحد،و لا محاباة لأحد،و اللّه أعلم.(8:240)

الواحديّ: أي بتعذيب المكذّبين،و إنجاء المصدّقين، وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ، لأنّه الحكم العدل الّذي لا يجور.(2:388)

نحوه البغويّ(2:215)،و ابن الجوزيّ(3:230).

الطّوسيّ: حتّى يحكم اللّه بيننا على وجه التّهديد لهم،و الإنكار على من خالف منهم.[إلى أن قال:] وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ، لأنّه لا يجوز عليه الجور،و لا المحاباة في الحكم.(4:496)

نحوه الطّبرسيّ.(2:447)

الزّمخشريّ: أي بين الفريقين،بأن ينصر المحقّين على المبطلين و يظهرهم عليهم،و هذا وعيد للكافرين بانتقام اللّه منهم،كقوله: فَتَرَبَّصُوا إِنّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ التّوبة:52،أو هو عظة للمؤمنين،و حثّ

ص: 299

على الصّبر،و احتمال ما كان يلحقهم من أذى المشركين، إلى أن يحكم اللّه بينهم و ينتقم لهم منهم.و يجوز أن يكون خطابا للفريقين،أي ليصبر المؤمنون على أذى الكفّار و ليصبر الكفّار على ما يسوءهم من إيمان من آمن منهم حتّى يحكم اللّه،فيميز الخبيث من الطّيّب. وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأنّ حكمه حقّ و عدل لا يخاف فيه الحيف، أي ليكوننّ أحد الأمرين:إمّا إخراجكم،و إمّا عودكم في الكفر.(2:95)

نحوه البيضاويّ(1:359)،و النّسفيّ(2:64)، و أبو السّعود(2:516)،و البروسويّ(3:201)،و شبّر (2:389)،و الآلوسيّ(8:179).

الفخر الرّازيّ: يعني أنّه حاكم منزّه عن الجور و الميل و الحيف،فلا بدّ و أن يخصّ المؤمن التّقيّ بالدّرجات العالية،و الكافر الشّقيّ بأنواع العقوبات، و نظيره قوله: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ص:28.(14:176)

نحوه القاسميّ.(7:2813)

الشّربينيّ: أي لا حيف في حكمه و لا معقّب له، لأنّه تعالى منزّه عن الجور و الميل في حكمه،و إنّما قال:

خَيْرُ الْحاكِمِينَ، لأنّه قد يسمّى بعض الأشخاص حاكما على سبيل المجاز،و اللّه تعالى هو الحاكم في الحقيقة.

(1:494)

الشّوكانيّ: هذا من باب التّهديد و الوعيد الشّديد لهم،و ليس هو من باب الأمر بالصّبر على الكفر،و حكم اللّه بين الفريقين هو نصر المحقّين على المبطلين،و مثله قوله تعالى: فَتَرَبَّصُوا إِنّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ التّوبة:

52،أو هو أمر للمؤمنين بالصّبر على ما يحلّ بهم من أذى الكفّار حتّى ينصرهم اللّه عليهم.(2:281)

المراغيّ: حكم اللّه بين عباده ضربان:1-حكم شرعيّ يوحيه إلى رسله،و عليه جاء قوله في سورة المائدة بعد الأمر بالوفاء بالعقود و إحلال بهيمة الأنعام:

إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ.

2-حكم فعليّ يفصل فيه بين الخلق بمقتضى سننه فيهم،كقوله في آخر سورة يونس: وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ اصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ يونس:109.

و المعنى:و إن كان جماعة منكم صدّقوا بالّذي أرسلت به من إخلاص العبادة للّه،و ترك معاصيه من ظلم النّاس و بخسهم في المكاييل و الموازين،و اتّبعوني في كلّ ذلك.و جماعة أخرى لم يصدّقوني،و أصرّوا على شركهم و إفسادهم،فاصبروا على قضاء اللّه الفاصل بيننا و بينكم،و هو خير من يفصل،و أعدل من يقضي، لتنزّهه عن الباطل و الجور،و ليعتبر كفّاركم بعاقبة من قبلهم،و سيحلّ بهم مثل ما حلّ بأولئك بحسب السّنن الّتي قدّرها العليم الحكيم، وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً الأحزاب:62، وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْوِيلاً فاطر:

43.(8:212)

ابن عاشور :(حتّى)تفيد غاية للصّبر،و هي مؤذنة بأنّ التّقدير:و إن كان طائفة منكم آمنوا،و طائفة لم يؤمنوا،فسيحكم اللّه بيننا،فاصبروا حتّى يحكم.

ص: 300

و حكم اللّه أريد به حكم في الدّنيا بإظهار أثر غضبه على أحد الفريقين،و رضاه على الّذين خالفوهم،فيظهر المحقّ من المبطل،و هذا صدر عن ثقة شعيب عليه السّلام،بأنّ اللّه سيحكم بينه و بين قومه،استنادا لوعد اللّه إيّاه بالنّصر على قومه،أو لعلمه بسنّة اللّه في رسله،و من كذّبهم بإخبار اللّه تعالى إيّاه بذلك،و لو لا ذلك لجاز أن يتأخّر الحكم بين الفريقين إلى يوم الحساب،و ليس هو المراد من كلامه،لأنّه لا يناسب قوله: فَاصْبِرُوا إذا كان خطابا للفريقين،فإن كان خطابا للمؤمنين خاصّة صحّ إرادة الحكمين جميعا.

و أدخل نفسه في المحكوم بينهم بضمير المشاركة، لأنّ الحكم المتعلّق بالفريق الّذين آمنوا به يعتبر شاملا له،لأنّه مؤمن برسالة نفسه.

و جملة: وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ تذييل بالثّناء على اللّه،بأنّ حكمه عدل محض،لا يحتمل الظّلم عمدا و لا خطأ،و غيره من الحاكمين يقع منه أحد الأمرين أو كلاهما.(8:195)

مغنيّة:آمن بشعيب جماعة،و كفر به آخرون، فدعا الجميع إلى التّعايش السّلميّ و أن تترك كلّ طائفة و شأنها،و لا يتعرّض أحد لأحد بأذى،سواء اختار الكفر أم الإيمان،ثمّ تنتظر الطّائفتان إلى أن يحكم اللّه بينهما وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ، و لا ردّ لهذا المنطق،و بأيّ شيء تردّ من يقول لك:انتظر فيك حكم اللّه.

(3:357)

2- وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ اصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. يونس:109

ابن عبّاس: بينكم و بينهم بقتلهم و هلاكهم يوم بدر، وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ بهلاكهم و نصرهم(181)

الحسن :قد كان اللّه أعلمه أنّه سيفرض عليه جهاد الكفّار.(الطّوسيّ 5:509)

ابن زيد :هذا منسوخ.حتّى يحكم اللّه:حكم اللّه بجهادهم،و أمره بالغلظة عليهم.(الطّبريّ 11:178)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و اتّبع يا محمّد،وحي اللّه الّذي يوحيه إليك،و تنزيله الّذي ينزله عليك، فاعمل به و اصبر على ما أصابك في اللّه من مشركي قومك من الأذى و المكاره،و على ما نالك منهم حتّى يقضي اللّه فيهم و فيك أمره بفعل فاصل. وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ يقول:و هو خير القاضين و أعدل الفاصلين، فحكم جلّ ثناؤه بينه و بينهم يوم بدر و قتلهم بالسّيف، و أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيمن بقي منهم أن يسلك بهم سبيل من أهلك منهم،أو يتوبوا و ينيبوا إلى طاعته.(11:178)

نحوه المراغيّ.(11:165)

الطّوسيّ: أمر منه تعالى للنّبيّ بالصّبر على أذى المشركين و على قولهم:إنّك ساحر كذّاب و مجنون،حتّى يحكم فيأمرك بالهجرة و الجهاد.قال الحسن:و قد كان اللّه أعلمه أنّه سيفرض عليه جهاد الكفّار.و قيل:نسخ ذلك فيما بعد بالأمر بالجهاد،و التّقدير:إلى أن يحكم اللّه بهلاكهم و عذابهم في يوم بدر و غيره.

ص: 301

وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ معناه خير الحكّام،لأنّه قد يكون حاكم أفضل من حاكم مع كونهما محقّين،كمن يحكم على الباطن فإنّه أفضل ممّن يحكم على الظّاهر، لأنّ الأوّل لا يقع إلاّ حقّا،و الآخر يجوز أن يكون حقّا في الظّاهر،و إن كان فاسدا في الباطن.(5:509)

البغويّ: بنصرك و قهر عدوّك و إظهار دينه.

وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ فحكم بقتال المشركين، و بالجزية على أهل الكتاب يعطونها عن يد و هم صاغرون.(2:438)

الزّمخشريّ: حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بالنّصرة عليهم و الغلبة.(2:256)

نحوه النّسفيّ(2:179)،و القاسميّ(9:340).

ابن عطيّة: وعد للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يغلبهم-كما وقع- تقتضيه قوّة اللّفظ.و هذا الصّبر منسوخ بالقتال،و هذه السّورة مكّيّة،و قد تقدّم ذكر هذا في أوّلها.(3:147)

الطّبرسيّ: فيحكم اللّه بينك و بينهم بإظهار دينه و إعلاء أمره. وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأنّه لا يحكم إلاّ بالعدل و الصّواب.(3:140)

ابن الجوزيّ: لأنّ اللّه تعالى حكم بقتل المشركين،و الجزية على أهل الكتاب.و الصّحيح:أنّه ليس هاهنا نسخ.(4:71)

القرطبيّ: ابتداء و خبر،لأنّه عزّ و جلّ لا يحكم إلاّ بالحقّ.(8:389)

البيضاويّ: بالنّصر أو بالأمر بالقتال. وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ إذ لا يمكن الخطأ في حكمه،لاطّلاعه على السّرائر و اطّلاعه على الظّواهر.(1:460)

نحوه الشّربينيّ(2:42)،و أبو السّعود(3:279)، و الآلوسيّ(11:202).

البروسويّ: يقضي لك بالنّصر و إظهار دينك.

وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ إذ لا يمكن الخطأ في حكمه، لاطّلاعه على السّرائر،و اطّلاعه على الظّواهر.

قال في«التّأويلات النّجميّة»: وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ فيما حكم بقبول الدّعوة و القرآن و الأحكام، و العمل بها لمن سبقت له العناية الأزليّة،و بردّ الدّعوة و القرآن و الأحكام،و العمل بها لمن أدركته الشّقاوة الأزليّة.

و قال في«المفاتيح»:و مرجع الاسم الحاكم إمّا إلى القول الفاصل بين الحقّ و الباطل،و البرّ و الفاجر،و المبين لكلّ نفس جزاء ما عملت من خير أو شرّ.و إمّا إلى التّمييز من السّعيد و الشّقيّ بالإثابة و العقاب،و حظّ العبد منه أن يستسلم لحكمه و ينقاد لأمره،فإنّ من لم يرض بقضائه اختيارا أمضي فيه إجبارا،و من رضي به طوعا عاش راضيا مرضيّا،و يكفي لنا موعظة حال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه رضي بقضاء اللّه و صبر على بلائه، فعاش حميدا و صار عاقبة أمره إلى النّصرة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:88)

شبّر:بنصرك و قهرهم،أو بينك و بينهم.

قوله تعالى: وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأنّه لا يحكم إلاّ بالحقّ و العدل،فصبر صلّى اللّه عليه و آله فحكم اللّه بقتل المشركين، و الجزية على أهل الكتاب.(3:193)

ص: 302

ابن عاشور:و لمّا كان الحكم يقتضي فريقين حذف متعلّقه تعويلا على قرينة السّياق،أي حتّى يحكم اللّه بينك و بينهم.و جملة: وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ثناء و تذييل لما فيه من العموم،أي و هو خير الحاكمين بين كلّ خصمين في هذه القضيّة و في غيرها،فالتّعريف في (الحاكمين)للاستغراق بقرينة التّذييل.(11:195)

الطّباطبائيّ: أمر باتّباع ما يوحى إليه،و الصّبر على ما يصيبه في جنب هذا الاتّباع من المصائب و المحن،و وعد بأنّ سبحانه سيحكم بينه و بين القوم، و لا يحكم إلاّ بما فيه قرّة عينه،فالآية تشتمل على أمره بالاستقامة في الدّعوة و تسليته فيما يصيبه،و وعده بأنّ العاقبة الحسنى له.

و قد اختتمت الآية بحكمه تعالى،و هو الّذي عليه يعتمد معظم آيات السّورة في بيانها،و اللّه أعلم.

(10:133)

3- ...فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. يوسف:80

ابن عبّاس: أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي في ردّ أخي(و هو خير)أفضل(الحاكمين)في ردّه إليّ.(201)

الجبّائيّ: بالسّيف حتّى أحارب من حبس أخي.

(الطّبرسيّ 3:255)

الطّبريّ: أو يقضي لي ربّي بالخروج منها و ترك أخي بنيامين،و إلاّ فإنّي غير خارج. وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ يقول:و اللّه خير من حكم،و أعدل من فصل بين النّاس.

عن أبي صالح قال:بالسّيف،و كأنّ أبا صالح وجّه تأويل قوله: أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي إليّ،أو يقضي اللّه لي بحرب من منعني من الإنصراف بأخي بنيامين إلى أبيه يعقوب فأحاربه.(13:35)

نحوه الثّعلبيّ(5:245)،و الماورديّ(3:67)، و البغويّ(2:508).

الزّجّاج: نسق على حَتّى يَأْذَنَ، و يجوز أن يكون(او)على جواب(لن).المعنى:لن أبرح الأرض حتّى يحكم اللّه لي.(3:125).

أبو مسلم الأصفهانيّ: بما يكون عذرا لنا عند أبينا.(الطّبرسيّ 3:255)

الطّوسيّ: لست أقوم من موضعي حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ، أي إلى أن يحكم اللّه.و قيل:معناه بمجازاة أو غيرهما ممّا أردّ به أخي بنيامين على أبيه...

و قوله: وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ إخبار من هذا القائل بأنّه تعالى خير الحاكمين و الفاصلين،و اعتراف منه بردّ الأمر إلى اللّه تعالى.(6:179)

الزّمخشريّ: بالخروج منها،أو بالانتصاف ممّن أخذ أخي،أو بخلاصه من يده بسبب من الأسباب.

وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأنّه لا يحكم أبدا إلاّ بالعدل و الحقّ.(2:337)

نحوه البيضاويّ(1:505)،و الشّربينيّ(2:129)، و البروسويّ(4:303)،و شبّر(3:300)،و القاسميّ (9:3579).

ص: 303

ابن عطيّة:لفظ عامّ بجميع ما يمكن أن يرده من القدر كالموت أو النّصرة و بلوغ الأمل و غير ذلك.و قال أبو صالح: أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي بالسّيف.و نصب(يحكم) بالعطف على(ياذن).و يجوز أن تكون(او)في هذا الموضع بمعنى«إلاّ أن»،كما تقول:لألزمنّك أو تقضيني حقّي،فتنصب على هذا(يحكم)ب(او).(3:270)

الطّبرسيّ: بالخروج و ترك أخي هاهنا،و قيل:

بالموت... وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لا يحكم إلاّ بالحقّ، قالوا:إنّه قال لهم:أنا أكون هاهنا،و احملوا أنتم الطّعام إليهم فأخبروهم بالواقعة.(3:255)

ابن الجوزيّ: فيه ثلاثة أقوال:أحدها:أو يحكم اللّه لي،فيردّ أخي عليّ.و الثّاني:يحكم اللّه لي بالسّيف فأحارب من حبس أخي.و الثّالث:يقضي في أمري شيئا. وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ أي أعدلهم و أفضلهم.

(4:267)

الفخر الرّازيّ: أي فلن أفارق أرض مصر حتّى يأذن لي أبي في الإنصراف إليه،أو يحكم اللّه لي بالخروج منها،أو بالانتصاف ممّن أخذ أخي،أو بخلاصة من يده بسبب من الأسباب. وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأنّه لا يحكم إلاّ بالعدل و الحقّ.

و بالجملة فالمراد ظهور عذر يزول معه حياؤه و خجله من أبيه أو غيره،قاله انقطاعا إلى اللّه تعالى في إظهار عذره بوجه من الوجوه.(18:188)

القرطبيّ: بالممرّ مع أخي فأمضي معه إلى أبي، و قيل:المعنى أو يحكم اللّه لي بالسّيف فأحارب و آخذ أخي،أو أعجز فأنصرف بعذر،و ذلك أنّ يعقوب قال:

لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ يوسف:66،و من حارب و عجز فقد أحيط به.(9:242)

أبو حيّان :ثمّ غيّا ذلك بغايتين:إحداهما خاصّة، و هي قوله: حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي يعني في الانصراف إليه.و الثّانية عامّة،و هي قوله: أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي لأنّ إذن اللّه له هو من حكم اللّه في مفارقة أرض مصر.

و كأنّه لمّا علّق الأمر بالغاية الخاصّة،رجع إلى نفسه فأتى بغاية عامّة تفويضا لحكم اللّه تعالى،و رجوعا إلى من له الحكم حقيقة.و مقصوده التّضييق على نفسه، كأنّه سجنها في القطر الّذي أدّاه إلى سخط أبيه إبلاء لعذره،و حكم اللّه تعالى له بجميع أنواع العذر كالموت، و خلاص أخيه أو انتصافه من أخذ أخيه.

و قال أبو صالح: أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي بالسّيف أو غير ذلك.و الظّاهر أنّ و(يحكم)معطوف على(ياذن).و جوّز أن يكون منصوبا بإضمار(ان)بعد(او)في جواب النّفي، و هو فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ، أي إلاّ أن يحكم اللّه لي، كقولك لألزمنّك أو تقضيني حقّي،أي إلاّ أن تقضيني، و معناها و معنى الغاية متقاربان.(5:336)

نحوه الآلوسيّ.(13:37)

الطّباطبائيّ: فيجعل لي طريقا إلى النّجاة من هذه المضيقة الّتي سدّت لي كلّ باب،و ذلك إمّا بخلاص أخي من يد العزيز من طريق لا أحتسبه،أو بموتي،أو بغير ذلك من سبيل!!(11:229)

ص: 304

احكم الحاكمين

1- وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ. هود:45

ابن عبّاس: أعدل العادلين.(الواحديّ 2:575)

ابن زيد :أحكم الحاكمين بالحقّ.

(الطّبريّ 12:49)

الماورديّ: يعني بالحقّ،فاحتمل هذا من نوح أحد أمرين.إمّا أن يكون قبل علمه بغرق ابنه فسأل اللّه تعالى له النّجاة،و إمّا أن يكون بعد علمه بغرقه فسأل اللّه تعالى له الرّحمة.(2:475)

الطّوسيّ: يعني في قولك و فعلك،لأنّه حقّ تدعو إليه الحكمة،فقال نوح ذلك على وجه الاعتراف تعظيما للّه تعالى.(5:565)

نحوه الطّبرسيّ.(3:167)

البغويّ: حكمت على قوم بالنّجاة و على قوم بالهلاك.(2:451)

الزّمخشريّ: أي أعلم الحكّام و أعدلهم،لأنّه لا فضل لحاكم على غيره إلاّ بالعلم و العدل،و ربّ غريق في الجهل و الجور من متقلّدي الحكومة في زمانك قد لقّب أقضى القضاة،و معناه أحكم الحاكمين فاعتبر و استعبر و يجوز أن يكون من الحكمة على أن يبنى من الحكمة حاكم بمعنى النّسبة،كما قيل دارع من الدّرع،و حائض و طالق على مذهب الخليل.(2:272)

نحوه البيضاويّ(1:470)،و النّسفيّ(2:191)، و أبو السّعود(13:317)،و البروسويّ(4:138).

الشّوكانيّ: أي أتقن المتقنين لما يكون به الحكم، فلا يتطرّق إلى حكمك نقض.و قيل:أراد ب أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ أعلمهم و أعدلهم،أي أنت أكثر علما و عدلا من ذوي الحكم.و قيل:إنّ الحاكم بمعنى ذي الحكمة ك«دارع».(2:628)

الآلوسيّ: لأنّك أعلمهم و أعدلهم،و قد ذكر أنّه إذا بني«أفعل»من الشّيء الممتنع من التّفضيل و الزّيادة يعتبر فيما يناسب معناه معنى الممتنع.

و قال العزّ بن عبد السّلام في«أماليه»:إنّ هذا و نحوه من أرحم الرّاحمين،و أحسن الخالقين مشكل،لأنّ «أفعل»لا يضاف إلاّ إلى جنسه،و هنا ليس كذلك،لأنّ الخلق من اللّه سبحانه بمعنى الإيجاد،و من غيره بمعنى الكسب،و هما متباينان،يعني على المشهور من مذهب الأشاعرة،و الرّحمة من اللّه تعالى إن حملت على الإرادة أو جعلت من مجاز التّشبيه صحّ،و إن أريد إيجاد فعل الرّحمة كان مشكلا أيضا؛إذ لا موجد سواه سبحانه.

و أجاب الآمديّ بأنّه بمعنى أعظم من يدعى بهذا الاسم،و استشكل بأنّ فيه جعل التّفاضل في غير ما وضع اللّفظ بإزائه،و هو يناسب مذهب المعتزلة،فافهم.

و قيل:المعنى هنا أنّك أكثر حكمة من ذوي الحكم على أنّ الحاكم من الحكم كالدّارع من الدّرع.

و اعترض عليه بأنّ الباب ليس بقياسيّ،و أنّه لم يسمع«حاكم»بمعنى«حكيم»،و أنّه لا يبنى منه«أفعل» إذا،لأنّه ليس جاريا على الفعل،لا يقال:ألبن و أتمر من

ص: 305

فلان؛إذ لا فعل بذلك المعنى.و الجواب بأنّه قد كثر في كلامهم فجوّز على أن يكون وجها مرجوحا،و بأنّه من قبيل أحنك الشّاتين،لا يخلو عن تعسّف كما في «الكشف»،و تعقّب بأنّ للحكمة فعلا ثلاثيّا و هو حكم، و«أفعل»من الثّلاثيّ مقيس،و أيضا سمع:احتنك الجراد، و ألبن،و أتمر،فغايته أن يكون من غير الثّلاثيّ،و لا يخفى ما فيه.

و منهم من فسّره على هذا بأعلمهم بالحكمة، كقولهم:آبل من أبل بمعنى أعلم،و أحذق بأمر الإبل.

و أيّا ما كان فهذا النّداء منه عليه السّلام يقطر منه الاستعطاف، و جميل التّوسل إلى من عهده منعّما مفضّلا في شأنه أوّلا و آخرا،و هو على طريقة دعاء أيّوب عليه السّلام إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ الأنبياء:

83،فيكون ذلك قبل الغرق،و الواو لا تقتضي التّرتيب.

و قيل:إنّ النّداء إنّما كان بعده،و المقصود منه الاستفسار عن سبب عدم إنجائه مع سبق وعده تعالى بإنجاء أهله و هو منهم،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى قريبا تمام الكلام في ذلك.(12:68)

2- أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ. التّين:8

ابن عبّاس: بأعدل العادلين،و بأفضل الفاضلين أن يحييك بعد الموت.(514)

سعيد بن جبير: كان ابن عبّاس إذا قرأ (أ ليس باحكم الحاكمين) قال:سبحانك اللّهمّ،و بلى.

(الطّبريّ 30:250)

قتادة:ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا قرأها قال:

بلى،و أنا على ذلك من الشّاهدين.

(الطّبريّ 30:250)

مقاتل:على أن يحكم بينك و بين أهل مكّة،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:بلى،و أنا على ذلك من الشّاهدين يا أحكم الحاكمين،يعني يا أفصل الفاصلين،يقول:يفصل بينك يا محمّد و بين أهل التّكذيب.(4:752)

نحوه الطّبريّ.(30:250)

الرّمّانيّ: بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ صنعا و تدبيرا.

(الماورديّ 6:303)

الماورديّ: و هذا تقرير لمن اعترف من الكفّار بصانع قديم،و فيه وجهان:

أحدهما:[قول الرّمّانيّ المتقدّم]

الثّاني:أحكم الحاكمين قضاء بالحقّ،و عدلا بين الخلق،و فيه مضمر محذوف و تقديره:فلم ينكرون مع هذه الحال البعث و الجزاء.

و كان عليّ رضى اللّه عنه إذا قرأ أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ قال:بلى،و أنا على ذلك من الشّاهدين.

و نختار ذلك.(6:303)

الطّوسيّ: تقرير للإنسان على الاعتراف بأنّه تعالى أحكم الحاكمين صنعا و تدبيرا،لأنّه لا خلل فيه و لا اضطراب يخرج عمّا تقتضيه الحكمة،و في ذلك دلالة على فساد مذهب المجبّرة:في أنّ اللّه يخلق الظّلم و الفساد.و الحكم:الخبر بما فيه فائدة بما تدعو إليه الحكمة،فإذا قيل:حكم جائر،فهو بمنزلة حجّة داحضة

ص: 306

مجازا،بمعنى أنّه حكم عند صاحبه،كما أنّها حجّة عنده، و ليست حجّة في الحقيقة.

و قيل:المعنى أيّ شيء يكذّبك بالدّين،و يحملك على جحد الجزاء يوم القيامة،و أنا أحكم الحاكمين.

(10:377)

نحوه الطّبرسيّ.(5:512)

البغويّ: بأقضى القاضين.(5:278)

الزّمخشريّ: وعيد للكفّار،و أنّه يحكم عليهم بما هو أهله.(4:269)

نحوه النّسفيّ(4:367)،و أبو حيّان(8:490)، و الشّربينيّ(4:559).

ابن الجوزيّ: أي:بأقضى القاضين...و ذكر بعض المفسّرين أنّ معنى هذه الآية تسليته في تركهم و الإعراض عنهم.ثمّ نسخ هذا المعنى بآية السّيف.

(9:174)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسألتان:

المسألة الأولى ذكروا في تفسيره وجهين:

أحدهما:أنّ هذا تحقيق لما ذكر من خلق الإنسان ثمّ ردّه إلى أرذل العمر،يقول اللّه تعالى:أ ليس الّذي فعل ذلك بأحكم الحاكمين صنعا و تدبيرا،و إذا ثبتت القدرة و الحكمة بهذه الدّلالة صحّ القول بإمكان الحشر و وقوعه.أمّا الإمكان فبالنّظر إلى القدرة،و أمّا الوقوع فبالنّظر إلى الحكمة،لأنّ عدم ذلك يقدح في الحكمة،كما قال تعالى: وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ص:27.

و الثّاني:أنّ هذا تنبيه من اللّه تعالى لنبيّه عليه السّلام بأنّه يحكم بينه و بين خصومه يوم القيامة بالعدل.

المسألة الثّانية:قال القاضي:هذه الآية من أقوى الدّلائل على أنّه تعالى لا يفعل القبيح،و لا يخلق أفعال العباد مع ما فيها من السّفه و الظّلم،فإنّه لو كان الفاعل لأفعال العباد هو اللّه تعالى،لكان كلّ سفه و كلّ أمر بسفه و كلّ ترغيب في سفه فهو من اللّه تعالى،و من كان كذلك فهو أسفه السّفهاء.كما أنّه لا حكمة و لا أمر بالحكمة و لا ترغيب في الحكمة إلاّ من اللّه تعالى،و من كان كذلك فهو أحكم الحكماء.و لمّا ثبت في حقّه تعالى الأمران لم يكن وصفه بأنّه أحكم الحكماء أولى من وصفه بأنّه أسفه السّفهاء.و لمّا امتنع هذا الوصف في حقّه تعالى علمنا أنّه ليس خالقا لأفعال العباد.

و الجواب:المعارضة بالعلم و الدّاعي،ثمّ نقول:

السّفيه من قامت السّفاهة به لا من خلق السّفاهة،كما أنّ المتحرّك و السّاكن من قامت الحركة و السّكون به لا من خلقهما،و اللّه سبحانه و تعالى أعلم بالصّواب،و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه و سلّم.(32:12)

القرطبيّ: أي أتقن الحاكمين صنعا في كلّ ما خلق،و قيل: بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ قضاء بالحقّ و عدلا بين الخلق.و فيه تقدير لمن اعترف من الكفّار بصانع قديم.و ألف الاستفهام إذا دخلت على النّفي و في الكلام معنى التّوقيف،صار إيجابا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ* أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ التّين:7،8،منسوخة بآية السّيف.

ص: 307

و قيل:هي ثابتة،لأنّه لا تنافي بينهما.(20:117)

البيضاويّ: و المعنى أ ليس الّذي فعل ذلك من الخلق و الرّدّ بأحكم الحاكمين صنعا و تدبيرا،و من كان كذلك كان قادرا على الإعادة و الجزاء،على ما مرّ مرارا.

(2:566)

أبو السّعود :أي أ ليس الّذي فعل ما ذكر بأحكم الحاكمين صنعا و تدبيرا حتّى يتوهّم عدم الإعادة و الجزاء،و حيث استحال عدم كونه أحكم الحاكمين تعيّن الإعادة و الجزاء،فالجملة تقرير لما قبلها.

و قيل:الحكم بمعنى القضاء،فهي وعيد للكفّار، و أنّه يحكم عليهم بما يستحقّونه من العذاب.(6:447)

نحوه الكاشانيّ(5:347)،و البروسويّ(10:

470)،و الآلوسيّ(30:177).

القاسميّ: [نقل قول أبي السّعود و قال:]و الثّاني أظهر.(17:6204)

المراغيّ: صنعا و تدبيرا،و من ثمّ وضع الجزاء لهذا النّوع الإنسانيّ،ليحفظ له منزلته من الكرامة الّتي أعدّها له بأصل فطرته،ثمّ انحدر منها إلى المنازل السّفلى بجهله و سوء تدبيره،و لهذا أرسل له الرّسل مبشّرين و منذرين،و أنزل معهم الشّرائع ليبيّنوها له،و يدعوه إليها رحمة به.

سبحانك ما أعدلك و أحكمك،و أنت اللّطيف الخبير و إليك المرجع و المصير.(30:196)

ابن عاشور :جملة: أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ يجوز أن تكون خبرا عن(ما)،و الرّابط محذوف تقديره:بأحكم الحاكمين فيه.

و يجوز أن تكون الجملة دليلا على الخبر المخبر به عن(ما)الموصولة،و حذف إيجازا اكتفاء بذكر ما هو كالعلّة له،فالتّقدير:فالّذي يكذّبك بالدّين يتولّى اللّه الانتصاف منه،أ ليس اللّه بأحكم الحاكمين.و الاستفهام تقريريّ.

و(احكم)يجوز أن يكون مأخوذا من الحكم،أي أقضى القضاة،و معنى التّفضيل:أنّ حكمه أسدّ و أنفذ.

و يجوز أن يكون مشتقّا من الحكمة.و المعنى:أنّه أقوى الحاكمين حكمة في قضائه،بحيث لا يخالط حكمه تفريط في شيء من المصلحة.و نوط الخبر بذي وصف يؤذن بمراعاة خصائص المعنى المشتقّ منه الوصف،فلمّا أخبر عن اللّه بأنّه أفضل الّذين يحكمون،علم أنّ اللّه يفوق قضاؤه كلّ قضاء في خصائص القضاء و كمالاته، و هي:إصابة الحقّ،و قطع دابر الباطل،و إلزام كلّ من يقضي عليه بالامتثال لقضائه و الدّخول تحت حكمه.

(30:381)

الطّباطبائيّ: أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ الاستفهام للتّقرير،و كونه تعالى أحكم الحاكمين هو كونه فوق كلّ حاكم في إتقان الحكم و حقّيّته،و نفوذه من غير اضطراب و وهن و بطلان،فهو تعالى يحكم في خلقه و تدبيره بما من الواجب في الحكمة أن يحكم به النّاس من حيث الإتقان و الحسن و النّفوذ،و إذا كان اللّه تعالى أحكم الحاكمين،و النّاس طائفتان مختلفتان اعتقادا و عملا،فمن الواجب في الحكمة أن يميّز بينهم

ص: 308

بالجزاء في حياتهم الباقية و هو البعث.

فالتّفريع في قوله: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ من قبيل تفريع النّتيجة على الحجّة،و قوله: أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ تتميم للحجّة المشار إليها بما يتوقّف عليه تمامها.

و المحصّل:أنّه إذا كان النّاس خلقوا في أحسن تقويم ثمّ اختلفوا،فطائفة خرجت عن تقويمها الأحسن و ردّت إلى أسفل سافلين،و طائفة بقيت في تقويمها الأحسن و على فطرتها الأولى،و اللّه المدبّر لأمرهم أحكم الحاكمين،و من الواجب في الحكمة أن تختلف الطّائفتان جزاء،فهناك يوم تجزى فيه كلّ طائفة بما عملت و لا مسوّغ للتّكذيب به.

فالآيات-كما ترى-في معنى قوله تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ ص:28،و قوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ الجاثية:21.

و بعض من جعل الخطاب في قوله: فَما يُكَذِّبُكَ للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،جعل(ما)بمعنى«من»و الحكم بمعنى القضاء،و عليه فالمعنى إذا كان النّاس مختلفين- و لازم ذلك اختلاف جزائهم في يوم معدّ للجزاء-فمن الّذي ينسبك إلى الكذب بالجزاء،أ ليس اللّه بأقضى القاضين؟فهو يقضي بينك و بين المكذّبين لك بالدّين.

و أنت خبير بأنّ فيه تكلّفا من غير موجب.

(20:321)

عبد الكريم الخطيب :قوله: أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ هو إنكار بعد إنكار لمن زهدوا فيما أودع الخالق فيهم من آياته،فردّوها و عرّوا أنفسهم منها، كأنّهم لا يرضون بما زيّنهم اللّه به،و كأنّهم يرون أنّ ما صنع اللّه بهم ليس على التّمام و الكمال،فهم يزهدون فيه،و يطلبون لأنفسهم ما هو أحكم و أكمل!فالتّكذيب بالدّين لا يكون من إنسان عاقل رشيد،و إنّما يكون ممّن سفه نفسه و جهل قدره!(15:162)

مكارم الشّيرازيّ: هذا سؤال يستهدف حثّ الإنسان على الاعتراف بأنّه سبحانه أحكم الحاكمين في صنائعه و أفعاله،فكيف يترك هذه الخلائق فلا يجازيهم؟

(20:287)

فضل اللّه :فهو الّذي ينطلق في حكمه من خلال حكمته في تدبيره،ممّا يجعل الحكم خاضعا للعمق العميق للمصلحة و للعدل و الإتقان،فيمنع المطيع ثوابه، و العاصي عقابه،لأنّ العدل يفرض ذلك،و لأنّ الحكمة توحي بذلك.(24:324)

3- وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ. هود:45

راجع«الحاكمين»في هذه الآية.

4- أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ. التّين:8

راجع«الحاكمين»في هذه الآية.

ص: 309

الحكّام

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. البقرة:188

راجع د ل و:«تدلوا».

عزيز حكيم

1- فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. البقرة:209

الرّبيع:عزيز في نقمته،حكيم في أمره.

(2:327)

نحوه الثّعلبيّ(2:128)،و الماورديّ(1:269).

الطّبريّ: حكيم فيما يفعل بكم من عقوبته على معصيتكم إيّاه،بعد إقامته الحجّة عليكم،و في غيره من أموره.(2:327)

البغويّ: [مثل الرّبيع و أضاف:]فالعزيز:هو الغالب الّذي لا يفوته شيء و الحكيم:ذو الإصابة في الأمر.(1:268)

الزّجّاج: أي حكيم فيما فطركم عليه و فيما شرع لكم من دينه.(1:280)

نحوه الواحديّ.(1:313)

الطّوسيّ: حكيم في أمره لا تعجزونه،و حكيم فيما شرع لكم من دينه و فطركم عليه،و فيما يفعل بكم من عقوبة على معاصيكم إيّاه بعد إقامة الحجّة عليكم.[إلى أن قال:]

و في الآية دلالة على بطلان مذهب المجبّرة:أنّ اللّه لا يريد القبيح،لأنّه لو أراده لما صحّ وصفه بأنّه حكيم.

فإن قيل:سواء زلّ العباد أو لم يزلّوا،وجب أن يعلم أنّ اللّه عزيز حكيم،فما معنى الشّرط؟قيل:لأنّ معنى (عزيز)هو القادر الّذي لا يجوز عليه المنع من عقابكم، (حكيم)في عقوبته إيّاكم،فكأنّه قال:فاعلموا أنّ العقاب واقع بكم لا محاله،لأنّه عزيز لا يجوز أن يحول بينه و بين عقوبتكم حائل،و لم يمنعه مانع.(حكيم)في عقوبته إيّاكم،و ذلك أن حري لهم وصفه بأنّه عزيز أنّه قدير لا يمنع،لأنّه قادر لنفسه،و(حكيم)معناه عليم بتدبير الأمور.و يقال:(حكيم)في أفعاله بمعنى محكم لها.

و أصل العزّة:الامتناع،و منه أرض عزاز،إذا كانت ممتنعة بالشّدّة.و أصل الحكمة:المنع.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:187)

نحوه الطّبرسيّ.(1:303)

الزّمخشريّ: لا ينتقم إلاّ بحق.و روي أنّ قارئا قرأ (غفور رحيم)فسمعه أعرابيّ فأنكره و لم يقرأ القرآن، و قال:إن كان هذا كلام اللّه فلا يقول كذا.الحكيم لا يذكر الغفران عند الزّلل،لأنّه إغراء عليه.(1:353)

نحوه البيضاويّ(1:112)،و النّسفيّ(1:105).

ابن عطيّة: أي محكم فيما يعاقبكم به لزللكم.

و حكى النّقّاش أنّ كعب الأحبار لمّا أسلم كان يتعلّم القرآن،فأقرأه الّذي كان يعلّمه: (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ،فقال كعب:إنّي لا ستنكر أن يكون هكذا،و مرّ بهما رجل،فقال كعب:كيف تقرأ هذه الآية؟فقرأ

ص: 310

الرّجل: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فقال كعب:

هكذا ينبغي.(1:283)

الشّربينيّ: حكيم في صنعه.

تنبيه:قول البيضاويّ: «حكيم لا ينتقم إلاّ بحقّ»، تبع فيه الزّمخشريّ و هو مذهب المعتزلة،فإنّهم يقولون:

لا ينتقم إلاّ بقدر ما يستحقّه العاصي.و مذهب أهل السّنّة أنّه ينتقم و يعاقب من شاء بما شاء و إن كان مطيعا،إذ هو متصرّف في ملكه يفعل ما يشاء بمن شاء،و إن لم يقع منه الانتقام إلاّ ممّن أساء.(1:136)

أبو السّعود :لا يترك ما تقتضيه الحكمة من مؤاخذة المجرمين المستعصين على أوامره.(1:256)

البروسويّ: لا ينتقم إلاّ بالحقّ،و في الآية تهديد بليغ لأهل الزّلل عن الدّخول في السّلم،فإنّ الوالد إذا قال لولده:إن عصيتني فأنت عارف بي و بشدّة سطوتي لأهل المخالفة،يكون قوله هذا أبلغ في الزّجر من ذكر الضّرب و غيره،و كما أنّها مشتملة على الوعيد منبئة عن الوعد أيضا من حيث إنّه تعالى أتبعه بقوله:(حكيم)، فإنّ اللاّئق بالحكمة أن يميّز بين المحسن و المسيء،فكما يحسن أن ينتظر من الحكيم تعذيب المسيء،فكذلك ينتظر منه إكرام المحسن و إثابته،بل هذا أليق بالحكمة و أقرب إلى الرّحمة.(1:325)

الآلوسيّ: (عزيز):غالب على أمره لا يعجزه شيء من الانتقام منكم.(حكيم):لا يترك ما تقتضيه الحكمة من مؤاخذة المجرمين...فإنّ العزّة و الحكمة تدلّ على الانتقام بحقّ و هو البأس و العذاب.(2:98)

المراغيّ: (حكيم):لا يهمل شأن خلقه،و لحكمته قد وضع تلك السّنن في الخليقة،فجعل لكلّ ذنب عقوبة،و جعل العقوبة على ذنوب الأمم ضربة لازب في الدّنيا،و لم يؤخّرها حتّى تحلّ بها في الحياة الأخرى...

(2:115)

2- ...وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

البقرة:220

ابن عبّاس: يحكم بإصلاح مال اليتيم.(30)

الطّبريّ: هو حكيم في ذلك لو فعله بكم و في غيره من أحكامه و تدبيره،لا يدخل أفعاله خلل و لا نقص، و لا و هي و لا عيب،لأنّه فعل ذي الحكمة الّذي لا يجهل عواقب الأمور فيدخل تدبيره مذمّة عاقبة،كما يدخل ذلك أفعال الخلق،لجهلهم بعواقب الأمور لسوء اختيارهم فيها ابتداء.(2:375)

الزّجّاج: أي ذو حكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى و غيره.(1:295)

نحوه الواحديّ.(1:326)

الماورديّ: حكيم فيما صنع من تدبيره و تركه الإعنات.(1:280)

نحوه البغويّ.(1:283)

الزّمخشريّ: لا يكلّف إلاّ ما تتّسع فيه طاقتهم.

(1:360)

ابن عطيّة: أي محكم ما ينفذه.(1:296)

الطّبرسيّ: حكيم في تدبيره و أفعاله،ليس له عمّا

ص: 311

توجبه الحكمة مانع.(1:317)

القرطبيّ: يتصرّف في ملكه بما يريد لا حجر عليه جلّ و تعالى علوّا كبيرا.(3:66)

البيضاويّ: يحكم ما تقتضيه الحكمة و تتّسع له الطّاقة.(1:117)

نحوه الشّربينيّ(1:143)،و أبو السّعود(1:265)، و البروسويّ(1:344)،و شبّر(1:221)، و القاسميّ(3:557).

الآلوسيّ: فاعل لأفعاله حسبما تقتضيه الحكمة و تتّسع له الطّاقة الّتي هي أساس التّكليف،و هذه الجملة تذييل و تأكيد لما تقدّم من حكم النّفي و الإثبات،أي و لو شاء لأعنتكم لكونه غالبا،لكنّه لم يشأ لكونه حكيما.

(2:117)

3- ...وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

البقرة:228

الرّبيع:عزيز في نقمته حكيم في أمره.

(الطّبريّ 2:455)

نحوه القاسميّ.(3:586)

الطّبريّ: حكيم فيما دبّر في خلقه،و فيما حكم و قضى بينهم من أحكامه...و إنّما توعّد اللّه تعالى ذكره بهذا القول عباده،لتقديمه قبل ذلك بيان ما حرّم عليهم، أو نهاهم عنه من ابتداء قوله: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ البقرة:221،إلى قوله:

وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، ثمّ أتبع ذلك بالوعيد ليزدجر أولو النّهى،و ليذّكّر أولو الحجا،فيتّقوا عقابه، و يحذروا عذابه.(2:455)

الزّجّاج: معناه ملك يحكم بما أراد،و يمتحن بما أحبّ إلاّ أنّ ذلك لا يكون إلاّ بحكمة بالغة،فهو عزيز حكيم فيما شرع لكم من ذلك.(1:307)

نحوه الواحديّ.(1:335)

ابن عطيّة: فيما ينفذه من الأحكام و الأمور.

(1:306)

الطّبرسيّ: أي قادر على ما يشاء،يمنع و لا يمنع، و يقهر و لا يقهر،فاعل ما تدعو إليه الحكمة.(1:327)

الفخر الرّازيّ: أي غالب لا يمنع،مصيب في أحكامه و أفعاله،لا يتطرّق إليهما احتمال العبث و السّفه و الغلط و الباطل.(6:102)

القرطبيّ: أي عالم مصيب فيما يفعل.(3:125)

البيضاويّ: (حكيم)يشرّعها لحكم و مصالح.

(1:120)

نحوه الشّربينيّ(1:148)،و أبو السّعود(1:272)، و البروسويّ(1:355)،و شبّر(1:230).

الآلوسيّ: عالم بعواقب الأمور و المصالح الّتي شرّع ما شرّع لها.و الجملة تذييل للتّرهيب و التّرغيب.

(2:135)

المراغيّ: فمن عزّته و حكمته أن أعطى المرأة من الحقوق مثل ما أعطى الرّجل بعد أن كانت كالمتاع لدى جميع الأمم،و في اعتبار كلّ الشّرائع،و أن أعطى الرّجل حقّ الرّياسة عليها،و من لم يرض بهذا يكن منازعا للّه في

ص: 312

عزّته و سلطانه و منكرا لحكمته في أحكامه،و لا يخفى ما في هذا من الوعيد لمن خالف ما فرض اللّه و قدّره من الأحكام.(2:169)

4،5-و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة:240،و قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لقمان:27.

6- ...ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. البقرة:260

ابن عبّاس: يجمع عظام الموتى و إحيائهم (1)،كما جمع و أحيا هذه الطّيور.(27)

الزّجّاج: حكيم فيما يدبّر،لا يفعل إلاّ ما فيه الحكمة.(1:346)

نحوه الواحديّ(1:376)،و البيضاويّ(1:137)، و النّسفيّ(1:133)،و الشّربينيّ(1:175).

الطّبرسيّ: (حكيم)في أفعاله و أقواله،و قيل:

(عزيز)يذلّ الأشياء له و لا يمتنع عليه شيء،(حكيم) أفعاله كلّها حكمة و صواب.(1:373)

أبو السّعود :ذو حكمة بالغة في أفاعيله،فليس بناء أفعاله على الأسباب العاديّة لعجزه عن إيجادها بطريق آخر خارق للعادات،بل لكونه متضمّنا للحكم و المصالح.(1:306)

نحوه البروسويّ.(1:416)

7- وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. المائدة:38

ابن عبّاس: حكم عليهم بالقطع.(9)

نحوه الواحديّ(2:185)،و الطّوسيّ(3:518)، و النّسفيّ(1:283).

الطّبريّ: حكيم في حكمه فيهم و قضائه عليهم، يقول:فلا تفرّطوا أيّها المؤمنون في إقامة حكمي على السّرّاق و غيرهم من أهل الجرائم،الّذين أوجبت عليهم حدودا في الدّنيا عقوبة لهم،فإنّي بحكمي قضيت ذلك عليهم،و علمي بصلاح ذلك لهم و لكم.(6:229)

الشّربينيّ: أي بالغ الحكم و الحكمة في خلقه.

(1:374)

أبو السّعود :(حكيم)في شرائعه،لا يحكم إلاّ بما تقتضيه الحكمة و المصلحة،و لذلك شرّع هذه الشّرائع المنطوية على فنون الحكم و المصالح.(2:269)

الآلوسيّ: (حكيم)في فرائضه و حدوده.

(6:134)

8- ...وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

الأنفال:10

ابن عبّاس: حكيم عليهم بالقتل و الهزيمة،و حكم لكم بالنّصرة و الغنيمة.(145)

الطّبريّ: يقول:حكيم في تدبيره و نصره من نصر،و خذلانه من خذل من خلقه،لا يدخل تدبيره وهن و لا خلل.(9:193)م.

ص: 313


1- كذا،و الظّاهر و أحياهم.

نحوه الشّربينيّ.(1:559)

الطّبرسيّ: (حكيم)في أفعاله،يجريها على ما تقتضيه الحكمة.(2:526)

النّسفيّ: (حكيم)بقهر أعدائه.(2:97)

أبو السّعود :يفعل كلّ ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة و المصلحة،و الجملة تعليل لما قبلها،متضمّن للإشعار بأنّ النّصر الواقع على الوجه المذكور من مقتضيات الحكم البالغة.(3:82)

نحوه البروسويّ(3:318)،و الآلوسيّ(9:174).

ابن عاشور :فصاغ الصّفتين العليتين في صيغة النّعت،و جعلهما في هذه الآية في صيغة الخبر المؤكّد؛إذ قال: إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فنزّل المخاطبين منزلة من يتردّد في أنّه تعالى موصوف بهاتين الصّفتين:و هما العزّة المقتضية أنّه إذا وعد بالنّصر لم يعجزه شيء،و الحكمة، فما يصدر من جانبه غوص الإفهام (1)في تبيّن مقتضائه، فكيف لا يهتدون إلى أنّ اللّه لمّا وعدهم الظّفر بإحدى الطّائفتين و قد فاتتهم العير،أنّ ذلك آيل إلى الوعد بالظّفر بالنّفير.(9:35)

9- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. الأنفال:49

ابن عبّاس: حكيم بالنّصرة إن توكّل عليه،كما نصر نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم بدر.(150)

الطّبريّ: يقول:هو فيما يدبّر من أمر خلقه،حكيم لا يدخل تدبيره خلل.(10:22)

الطّوسيّ: معناه أنّه قادر لا يغالب،واضح للأشياء مواضعها.(5:159)

الطّبرسيّ: (حكيم)يضع الأمور مواضعها على ما تقتضيه الحكمة.(2:550)

نحوه شبّر(3:33)،و الطّباطبائيّ(9:99).

البيضاويّ: يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل،و يعجز عن إدراكه.(1:398)

نحوه الشّربينيّ(1:576)،و أبو السّعود(3:103)، و البروسويّ(3:358)،و الآلوسيّ(10:16)، و الشّوكانيّ(2:396).

النّسفيّ: لا يسوّي بين وليّه و عدوّه.(2:107)

القاسميّ: حكيم،و حكمته تقتضي نصرهم،و هو جواب لهم من جهته تعالى،و ردّ لمقالتهم.(8:3015)

ابن عاشور :هو حكيم يكوّن أسباب النّصر من حيث يجهلها البشر.(9:130)

فضل اللّه :لا ينتقص من حكمته في ما يريد أن يخطّط من أمور.(10:399)

10- ...وَ لكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

الأنفال:63

الطّبريّ: حكيم في تدبير خلقه.(10:37)

الطّوسيّ: لا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة،فعلى ذلك جمع قلوبهم على الألفة.(5:177)ت.

ص: 314


1- كذا،و الظّاهر غوص الأفهام.أي تحيّرت.

البيضاويّ: يعلم أنّه كيف ينبغي أن يفعل ما يريده.(1:400)

نحوه أبو السّعود(30:110)،و الكاشانيّ(2:

313).

الشّوكانيّ: في تدبيره و نفوذ نهيه و أمره.

(2:405)

الآلوسيّ: يعلم ما يليق تعلّق الإرادة به،فيوجده بمقتضى حكمته عزّ و جلّ،و من آثار عزّته سبحانه تصرّفه بالقلوب الآبية المملوءة من الحميّة الجاهليّة، و من آثار حكمته تدبير أمورهم على وجه أحدث فيهم التّوادّ و التّحابّ،فاجتمعت كلمتهم،و صاروا جميعا كنانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،الذّابّين عنه بقوس واحدة.و الجملة على ما قاله الطّيّبيّ كالتّعليل للتّأليف هذا.(10:28)

11-جاء بهذا المعنى الآية:67،من سورة الأنفال.

العزيز الحكيم

1- ...وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. البقرة:129

ابن عبّاس: في إرسال الرّسول.(18)

الطّبريّ: الّذي لا يدخل تدبيره خلل و لا زلل.

(1:558)

الطّوسيّ: و قوله:(الحكيم)يحتمل أمرين:

أحدهما:المدبّر الّذي يحكم الصّنع،يحسن التّدبير.

و الثّاني:بمعنى عليم،و الأوّل بمعنى حكيم في فعله بمعنى محكم،فعدل إلى«حكيم»للمبالغة.و إنّما ذكر الحكيم هاهنا،لأنّه يتّصل بالدّعاء،كأنّه قال:فزعنا إليك،لأنّك القادر على إجابتنا،العالم بما في ضمائرنا،و بما هو أصلح لنا ممّا لا يبلغه علمنا.(1:468)

نحوه الطّبرسيّ.(1:211)

الغزاليّ: و الحقّ ذو الحكمة،و الحكمة:عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأجلّ العلوم،و أجلّ الأشياء هو اللّه تعالى،و لا يعرف كنه معرفته غيره،فهو الحكيم المطلق،لأنّه يعلم أجلّ الأشياء بأجلّ العلوم؛إذ أجلّ العلوم هو العلم الأزليّ الدّائم،الّذي لا يتصوّر زواله، المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرّق إليها خفاء و شبهة،و لا يتّصف بذلك إلاّ علم اللّه تعالى.و قد يقال لمن يحسن دقائق الصّناعات و يحكمها و يتقن صنعتها:حكيما، و كمال ذلك أيضا ليس إلاّ للّه تعالى،فهو الحكيم المطلق.

و من عرف جميع الأشياء و لم يعرف اللّه تعالى لم يستحقّ أن يسمّى حكيما،لأنّه لم يعرف أجلّ الأشياء و أفضلها،و الحكمة:أجلّ العلوم،و جلالة العلم بقدر جلالة المعلوم،و لا أجلّ من اللّه.

و من عرف اللّه فهو حكيم و إن كان ضعيف المنّة في سائر العلوم الرّسميّة،كليل اللّسان قاصر البيان فيها،إلاّ أنّ نسبة حكمة العبد إلى حكمة اللّه تعالى كنسبة معرفته إلى معرفته بذاته،و شتّان بين المعرفتين،فشتّان بين الحكمتين،و لكنّه مع بعده عنه فهو أنفس المعارف و أكثرها خيرا.و من أوتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما يتذكّر إلاّ أولو الألباب.نعم من عرف اللّه كان كلامه

ص: 315

مخالفا لكلام غيره،فإنّه قلّما يتعرّض للجزئيّات بل يكون كلامه جمليّا،و لا يتعرّض لمصالح العاجلة بل يتعرّض لما ينفع في العاقبة.

و لمّا كانت الكلمات الكلّيّة أظهر عند النّاس من أحوال الحكيم من معرفته باللّه،ربّما أطلق النّاس اسم الحكمة على مثل تلك الكلمات الكلّيّة،و يقال للنّاطق بها:حكيم،و ذلك مثل قول سيّد الأنبياء عليه السّلام:«رأس الحكمة مخافة اللّه.الكيّس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت،و العاجز من اتّبع نفسه هواها و تمنّى على اللّه.ما قلّ و كفى خير ممّا كثر و ألهى.السّعيد من وعظ بغيره.

القناعة مال لا ينفد.الصّبر نصف الإيمان،اليقين الإيمان كلّه.فهذه الكلمات و أمثالها تسمّى حكمة،و صاحبها يسمّى حكيما».(البروسويّ 1:235)

ابن عطيّة: (الحكيم)المصيب مواقع الفعل المحكم لها.(1:212)

الفخر الرّازيّ: (العزيز):هو القادر الّذي لا يغلب.

و(الحكيم):هو العالم الّذي لا يجهل شيئا.و إذا كان عالما قادرا،كان ما يفعله صوابا و مبرأ عن العبث و السّفه، و لو لا كونه كذلك لما صحّ منه إجابة الدّعاء و لا بعثة الرّسل،و لا إنزال الكتاب.

و اعلم أنّ العزيز من صفات الذّات إذا أريد اقتداره على الأشياء و امتناعه من الهضم و الذّلّة،لأنّه إذا كان منزّها عن الحاجات لم تلحقه ذلّة المحتاج،و لا يجوز أن يمنع من مراده حتّى يلحقه اهتضام،فهو عزيز لا محالة.

و أمّا الحكيم فإذا أريد به معنى العليم فهو من صفات الذّات،فإذا أريد بالعزّة:كمال العزّة،و هو الامتناع من استيلاء الغير عليه،و أريد بالحكمة:أفعال الحكمة، لم يكن العزيز و الحكيم من صفات الذّات بل من صفات الفعل،و الفرق بين هذين النّوعين من الصّفات وجوه:

أحدها:أنّ صفات الذّات أزليّة،و صفات الفعل ليست كذلك.

و ثانيها:أنّ صفات الذّات لا يمكن أن تصدق نقائضها في شيء من الأوقات،و صفات الفعل ليست كذلك.

و ثالثها:أنّ صفات الفعل أمور نسبيّة،يعتبر في تحقّقها صدور الآثار عن الفاعل،و صفات الذّات ليست كذلك.

و احتجّ النّظام على أنّه تعالى غير قادر على القبيح بأن قال:الإله يجب أن يكون حكيما لذاته،و إذا كان حكيما لذاته لم يكن القبيح مقدورا،و الحكمة لذاتها تنافي فعل القبيح.فالإله يستحيل منه فعل القبيح،و ما كان محالا لم يكن مقدورا.إنّما قلنا:الإله يجب أن يكون حكيما،لأنّه لو لم يجب ذلك لجاز تبدّله بنقيضه، فحينئذ يلزم أن يكون الإله إلها مع عدم الحكمة و ذلك بالاتّفاق محال.و أمّا أنّ الحكمة تنافي فعل السّفه فذلك أيضا معلوم بالبديهة.و أمّا أنّ مستلزم المنافي مناف فمعلوم بالبديهة.فإذن الإلهيّة لا يمكن تقريرها مع فعل السّفه، و أمّا أنّ المحال غير مقدور فبيّن،فثبت أنّ الإله لا يقدر على فعل القبيح.

و الجواب عنه:أمّا على مذهبنا فليس شيء من

ص: 316

الأفعال سفها منه،فزال السّؤال،و اللّه أعلم.(4:75)

البيضاويّ: المحكم له.(1:82)

نحوه شبّر.(1:147)

النّسفيّ: فيما أوليت.(1:75)

أبو السّعود :الّذي لا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة و المصلحة،و الجملة تعليل للدّعاء و إجابة المسئول،فإنّ وصف الحكمة مقتض لإفاضة ما تقتضيه الحكمة من الأمور الّتي من جملتها بعث الرّسول.(1:200)

نحوه البروسويّ.(1:234)

القاسميّ: (الحكيم):بمعنى الحاكم،أو بمعنى الّذي يحكم الأشياء و يتقنها،و كلاهما من أوصافه تعالى.

(2:260)

ابن عاشور :تذييل لتقريب الإجابة،أي لأنّك لا يغلبك أمر عظيم،و لا يعزب عن علمك و حكمتك شيء.و الحكيم بمعنى المحكم هو«فعيل»بمعنى «مفعل»،و قد تقدّم نظيره في قوله تعالى: وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ البقرة:10،و قوله: قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ البقرة:32.(1:704)

2- ...وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللّهُ وَ إِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

آل عمران:62

ابن عبّاس: المحكم بالحلال و الحرام.(48)

الطّبريّ: (الحكيم)في تدبيره،لا يدخل ما دبّره وهن،و لا يلحقه خلل.(3:298)

الطّوسيّ: معناه لا أحد يستحقّ إطلاق هذه الصّفة إلاّ هو،فوصل ذلك بذكر التّوحيد في الإلهيّة،لأنّه حجّة على صحّته من حيث لو كان إله آخر،لبطل إطلاق هذه الصّفة.(2:486)

نحوه الواحديّ(1:446)،و أبو السّعود(1:379)، و الكاشانيّ(1:319).

الطّبرسيّ: في الأقوال و الأفعال،و التّقدير و التّدبير.(1:454)

الآلوسيّ: أي المتقن فيما صنع،أو المحيط بالمعلومات،و الجملة تذييل لما قبلها،و المقصود منها أيضا قصر الإلهيّة عليه تعالى،ردّا على النّصارى،أي قصر إفراد.فالفصل و التّعريف هنا كالفصل و التّعريف هناك،فما قيل:إنّهما ليسا للحصر؛إذ الغالب على الأغيار لا يكون إلاّ واحدا،فيلغو القصر فيه،إلاّ أن يجعل قصر قلب.و المقام لا يلائمه ممّا لا عصام له،كما لا يخفى.

(3:191)

3- إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. المائدة:118

الطّبريّ: الحكيم في هدايته من هدى من خلقه إلى التّوبة،و توفيقه من وفّق منهم لسبيل النّجاة من العقاب.

(7:140)

الطّوسيّ: معناه:أنت حكيم في جميع أفعالك فيما تفعله بعبادك،و قيل:معناه: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ القدير الّذي لا يفوتك مذنب و لا يمتنع من سطوتك مجرم.

(الحكيم)فلا تضع العقاب و العفو إلاّ موضعهما.و لو قال:

ص: 317

الغفور الرّحيم.كان فيه معنى الدّعاء لهم و التّذكير برحمته،على أنّ العذاب و العفو قد يكونان غير صواب و لا حكمة،فالإطلاق لا يدلّ على الحكمة و الحسن، و الوصف ب اَلْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يشتمل على العذاب و الرّحمة،إذا كانا صوابين.(4:74)

البغويّ: فإنّك أنت العزيز في الملك،الحكيم في القضاء،لا ينقص من عزّك شيء،و لا يخرج من حكمك، و يدخل في حكمته و مغفرته وسعة رحمته و مغفرته الكفّار،لكنّه أخبر أنّه لا يغفر و هو لا يخلف خبره.

(2:106)

الزّمخشريّ: الّذي لا يثيب و لا يعاقب إلاّ عن حكمة و صواب.(1:657)

ابن عطيّة: (1) اعتراض عليك و إن تغفر لهم،أي لو غفرت بتوبة كما غفرت لغيرهم،فإنّك أنت العزيز في قدرتك،الحكيم في أفعالك،لا تعارض على حال،فكأنّه قال:إن يكن لك في النّاس معذّبون فهم عبادك.و إن يكن مغفور لهم فعزّتك و حكمتك تقتضي هذا كلّه،و هذا عندي القول الأرجح.(2:263)

نحوه الفخر الرّازيّ.(12:136)

الطّبرسيّ: إنّما لم يقل:فإنّك أنت الغفور الرّحيم، لأنّ الكلام لم يخرج مخرج السّؤال.و لو قال ذلك لأوهم الدّعاء لهم بالمغفرة،على أنّ قوله: اَلْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أبلغ في المعنى،و ذلك أنّ المغفرة قد تكون حكمة،و قد لا تكون.و الوصف ب اَلْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يشتمل على معنى الغفران و الرّحمة،إذا كانا صوابين،و يزيد عليهما باستيفاء معان كثيرة،لأنّ العزيز هو المنيع القادر الّذي لا يضام،و القاهر الّذي لا يرام،و هذا المعنى لا يفهم من الغفور الرّحيم.و(الحكيم)هو الّذي يضع الأشياء مواضعها،و لا يفعل إلاّ الحسن الجميل،فالمغفرة و الرّحمة إن اقتضتهما الحكمة دخلتا فيه،و زاد معنى هذا اللّفظ عليهما من حيث اقتضى وضعه بالحكمة في سائر أفعاله.

(2:269)

القرطبيّ: قال: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ و لم يقل:فإنّك أنت الغفور الرّحيم على ما تقتضيه القصّة من التّسليم لأمره،و التّفويض لحكمه.و لو قال:فإنّك أنت الغفور الرّحيم لأوهم الدّعاء بالمغفرة لمن مات على شركه و ذلك مستحيل،فالتّقدير:إن تبقهم على كفرهم حتّى يموتوا و تعذّبهم فإنّهم عبادك،و إن تهدهم إلى توحيدك و طاعتك فتغفر لهم،فإنّك أنت العزيز الّذي لا يمتنع عليك ما تريده الحكيم فيما تفعله،تضلّ من تشاء و تهدي من تشاء.و قد قرأ جماعة (فانّك انت الغفور الرّحيم) و ليست من المصحف،ذكره القاضي عياض في كتاب«الشّفا».و قال أبو بكر الأنباريّ:و قد طعن على القرآن من قال:إنّ قوله: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ليس بمشاكل لقوله: وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ، لأنّ الّذي يشاكل المغفرة فإنّك أنت الغفور الرّحيم.و الجواب أنّه لا يحتمل إلاّ ما أنزله اللّه،و متى نقل إلى الّذي نقله إليه ضعف معناه،فإنّه ينفرد الغفور الرّحيم بالشّرط الثّاني،ك.

ص: 318


1- كذا و الظّاهر:لا اعتراض عليك.

فلا يكون له بالشّرط الأوّل تعلّق،و هو على ما أنزله اللّه عزّ و جلّ.و اجتمع على قراءته المسلمون مقرون بالشّرطين كليهما أوّلهما و آخرهما،إذ تلخيصه،إن تعذّبهم فإنّك أنت عزيز حكيم،و إن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم في الأمرين كليهما من التّعذيب و الغفران، فكان العزيز الحكيم أليق بهذا المكان لعمومه،فإنّه يجمع الشّرطين،و لم يصلح الغفور الرّحيم،إذ لم يحتمل من العموم ما احتمله العزيز الحكيم،و ما شهد بتعظيم اللّه تعالى و عدله و الثّناء عليه في الآية كلّها،و الشّرطين المذكورين،أولى و أثبت معنى في الآية ممّا يصلح لبعض الكلام دون بعض.[إلى أن قال:]

و قال بعضهم:في الآية تقديم و تأخير،و معناه إن تعذّبهم فإنّك أنت العزيز الحكيم و إن تغفر لهم فإنّهم عبادك،و وجه الكلام على نسقه أولى لما بيّنّاه.

(6:378)

البيضاويّ: فلا عجز و لا استقباح،فإنّك القادر القويّ على الثّواب و العقاب الّذي لا يثيب و لا يعاقب إلاّ عن حكمة و صواب،فإنّ المغفرة مستحسنة لكلّ مجرم، فإن عذّبت فعدل،و إن غفرت ففضل،و عدم غفران الشّرك مقتضى الوعيد،فلا امتناع فيه لذاته،ليمتنع التّرديد و التّعليق ب(ان).(1:300)

نحوه النّسفيّ(1:311)،و أبو السّعود(2:345)، و البروسويّ(2:467)،و شبّر(2:232)،و الآلوسيّ (7:70).

الطّباطبائيّ: قوله: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ ليس مسوقا للحصر،بل الإتيان بضمير الفصل و إدخال اللاّم في الخبر للتّأكيد،و يؤول معناه إلى أنّ عزّتك و حكمتك ممّا لا يداخله ريب،فلا مجال للاعتراض عليك إن غفرت لهم-و المقام مقام المشافهة بين عيسى بن مريم عليهما السّلام و ربّه-لمّا كان مقام ظهور العظمة الإلهيّة الّتي لا يقوم لها شيء،كان مقتضاه أن يراعى فيه جانب ذلّة العبوديّة للغاية،بالتّحرّز عن الدّلال و الاسترسال،و التّجنّب عن مداخلة في الأمر بدعاء أو سؤال،و لذلك قال عليه السّلام:«و إن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم»و لم يقل:فإنّك غفور رحيم،لأنّ سطوع آية العظمة و السّطوة الإلهيّة القاهرة الغالبة على كلّ شيء،لا يدع للعبد إلاّ أن يلتجئ إليه بما له من ذلّة العبوديّة و مسكنة الرّقّيّة و المملوكيّة المطلقة، و الاسترسال عند ذلك ذنب عظيم.(6:250)

4- ما يَفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

فاطر:2

ابن عبّاس: فيما أرسل به.(364)

نحوه البغويّ.(3:687)

الطّبريّ: الحكيم في تدبير خلقه،و فتحه لهم الرّحمة إذا كان فتح ذلك صلاحا،و إمساكه إيّاه عنهم، إذا كان إمساكه حكمة.(22:115)

الطّوسيّ: في جميع أفعاله،إن أنعم و إن أمسك، لأنّه عالم بمصالح خلقه،لا يفعل إلاّ ما لهم فيه مصلحة في

ص: 319

دينهم أو دنياهم.(8:412)

نحوه الطّبرسيّ.(4:400)

الزّمخشريّ: الّذي يرسل و يمسك ما تقتضي الحكمة إرساله و إمساكه.(3:299)

نحوه النّسفيّ.(3:333)

الفخر الرّازيّ: أي كامل العلم.(26:4)

البيضاويّ: لا يفعله إلاّ بعلم و إتقان.(2:267)

الشّربينيّ: أي الّذي يفعل في كلّ من الإمساك و الإرسال و غيرهما ما يقتضيه علمه به،و يتقن ما أراده على قوانين الحكمة،فلا يستطاع نقض شيء منه.

(3:312)

أبو السّعود :الّذي يفعل كلّ ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة و المصلحة.و الجملة تذييل مقرّر لما قبلها، و معرب عن كون كلّ من الفتح و الإمساك بموجب الحكمة الّتي عليها يدور أمر التّكوين.(5:271)

نحوه البروسويّ(7:316)،و المراغيّ(22:

105)،و الآلوسيّ(22:165).

الطّباطبائيّ: قوله: وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تقرير للحكم المذكور في الآية الكريمة بالاسمين الكريمين،فهو تعالى لكونه عزيزا لا يغلب،إذا أعطى فليس لمانع أن يمنع عنه،و إذا منع فليس لمعط أن يعطيه، و هو تعالى حكيم،إذا أعطى،أعطى عن حكمة و مصلحة،و إذا منع،منع عن حكمة و مصلحة.و بالجملة لا معطي إلاّ اللّه و لا مانع إلاّ هو،و منعه و إعطائه عن حكمة.(17:15)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(14:16)

5- تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. الزّمر:1

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:العزيز في ملكه،الحكيم في أمره.

الثّاني:العزيز في نقمته،الحكيم في عدله.

(5:113)

الطّوسيّ: الحكيم هو العليم بما تدعو إليه الحكمة و ما تصرّف عنه،و على هذا يكون من صفات ذاته تعالى،و قد يكون بمعنى أنّ أفعاله كلّها حكمة ليس فيها وجه من وجوه القبيح،فيكون من صفات الأفعال، و على الأوّل يكون تعالى موصوفا في ما لم يزل بأنّه حكيم،و على الثّاني لا يوصف إلاّ بعد الفعل.و قيل:

(العزيز)في انتقامه من أعدائه،(الحكيم)في ما يفعله بهم من أنواع العقاب،و الّذي اقتضى ذكر اَلْعَزِيزِ الْحَكِيمِ في إنزال الكتاب أنّه تعالى يحفظ هذا الكتاب حتّى يصل إليك على وجهه،من غير تغيير و لا تبديل لموضع جهته و لا لشيء منه،و في قوله: اَلْعَزِيزِ الْحَكِيمِ تحذير عن مخالفته.(9:4)

نحوه الطّبرسيّ.(4:488)

الواحديّ: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مبتدأ و خبره، مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ أي أنّ تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم لا من غيره،كما تقول في الكلام استقامة النّاس من الأنبياء،أي أنّها لا تكون إلاّ من الأنبياء.

(3:569)

ص: 320

أبو السّعود:و التّعرّض لوصفي العزّة و الحكمة للإيذان بظهور أثريهما في الكتاب،بجريان أحكامه و نفاذ أوامره و نواهيه،من غير مدافع و لا ممانع،و بابتناء جميع ما فيه على أساس الحكم الباهرة.(5:377)

6- ...إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. المؤمن:8

الطّوسيّ: الحكيم في ما تفعل بهم و بأولئك،و في جميع أفعالك.(9:58)

نحوه الطّبرسيّ.(4:515)

الزّمخشريّ: أي الملك الّذي لا يغلب،و أنت مع ملكك و عزّتك لا تفعل شيئا إلاّ بداعي الحكمة،و موجب حكمتك أن تفي بوعدك.(3:417)

نحوه النّسفيّ.(4:71)

الفخر الرّازيّ: إنّما ذكروا في دعائهم هذين الوصفين،لأنّه لو لم يكن عزيزا بل كان بحيث يغلب و يمنع لما صحّ وقوع المطلوب منه،و لو لم يكن حكيما لما حصل هذا المطلوب على وفق الحكمة و المصلحة.

(27:37)

البيضاويّ: الّذي لا يفعل إلاّ ما تقتضيه حكمته، و من ذلك الوفاء بالوعد.(2:331)

نحوه أبو السّعود(5:410)،و المراغيّ(24:48).

البروسويّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و في«التّأويلات النّجميّة»أنت العزيز تعزّ التّائبين و تحبّهم و إن أذنبوا،الحكيم فيما لم تعصم محبّيك عن الذّنوب ثمّ تتوب عليهم.(8:159)

شبّر:في صنعه.(5:335)

الشّوكانيّ: أي الغالب القاهر الكثير الحكمة الباهرة.(4:605)

الآلوسيّ: الّذي لا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة الباهرة من الأمور الّتي من جملتها إدخال من طلب إدخالهم الجنّات،فالجملة تعليل لما قبلها.(24:48)

ابن عاشور :جملة: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ اعتراض بين الدّعوات،استقصاء للرّغبة في الإجابة بداعي محبّة الملائكة لأهل الصّلاح لما بين نفوسهم و النّفوس الملكيّة من التّناسب،و اقتران هذه الجملة بحرف التّأكيد للاهتمام بها،و(انّ)في مثل هذا المقام تغني غناء فاء السّببيّة،أي فعزّتك و حكمتك هما اللّتان جرّأتانا على سؤال ذلك.من جلالك،فالعزّة تقتضي الاستغناء عن الانتفاع بالأشياء النّفيسة،فلمّا وعد الصّالحين الجنّة لم يكن للّه ما يضنّه بذلك،فلا يصدر منه مطل،و الحكمة تقتضي معاملة المحسن بالإحسان.

(24:155)

الطّباطبائيّ: قوله: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تعليل لقولهم: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا المؤمن:7،إلى آخر مسألتهم،و كان الّذي يقتضيه الظّاهر أن يقال:(انّك انت الغفور الرّحيم)لكنّه عدل إلى ذكر الوصفين العزيز الحكيم،لأنّه وقع في مفتتح مسألتهم الثّناء عليه تعالى،بقولهم: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً المؤمن:7،و لازم سعة الرّحمة- و هي عموم الإعطاء-أنّ له أن يعطي ما يشاء لمن يشاء،

ص: 321

و يمنع ما يشاء ممّن يشاء،و هذا معنى العزّة الّتي هي القدرة على الإعطاء و المنع،و لازم سعة العلم لكلّ شيء أن ينفذ العلم في جميع أقطار الفعل،فلا يداخل الجهل شيئا منها،و لازمه إتقان الفعل و هو الحكمة.

فقوله: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ في معنى الاستشفاع بسعة رحمته وسعة علمه تعالى المذكورتين في مفتتح المسألة،تمهيدا و توطئة لذكر الحاجة و هي المغفرة و الجنّة.(17:310)

فضل اللّه :الّذي لا تمثّل مغفرته للعاصين انتقاصا من عزّته و حكمته،لأنّ الرّحمة تمثّل مواقع القوّة لا مواقع الضّعف،و معنى الحكمة لا مضمون العبث.(20:17)

7- كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. الشّورى:3

الطّوسيّ: اَلْعَزِيزُ الْحَكِيمُ معناه القادر الّذي لا يغالب،الحكيم في جميع أفعاله،و من كان بهاتين الصّفتين خلصت له الحكمة في كلّ ما يأتي به،لأنّه العزيز الّذي لا يغالب،و الغنيّ الّذي لا يحتاج إلى شيء،و لا يجوز أن يمنعه مانع ممّا يريده،و هو الحكيم العليم بالأمور،لا يخفى عليه شيء منها،لا يجوز أن يأتي إلاّ بالحكمة.فأمّا الحكيم غيره يحتاج،فلا يوثق بكلّ ما يأتي به إلاّ أن يدلّ على ذلك الحكمة دليل.(9:143)

الفخر الرّازيّ: اَلْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صفتان، و الظّرف خبره،و لمّا ذكر أنّ هذا الكتاب حصل بالوحي بيّن أنّ الموحي من هو؟فقال: إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ. و قد بيّنّا في أوّل سورة(حم)المؤمن أنّ كونه عزيزا يدلّ على كونه قادرا على ما لا نهاية له،و كونه (حكيما)يدلّ على كونه عالما بجميع المعلومات،غنيّا عن جميع الحاجات،فيحصل لنا من كونه عَزِيزاً حَكِيماً كونه قادرا على جميع المقدورات،عالما بجميع المعلومات،غنيّا عن جميع الحاجات،و من كان كذلك كانت أفعاله و أقواله حكمة و صوابا،و كانت مبرّأة عن العيب و العبث.

قال مصنّف الكتاب،قلت في قصيدة:

الحمد للّه ذي الآلاء و النّعم

و الفضل و الجود و الإحسان و الكرم

منزّه الفعل عن عيب و عن عبث

مقدّس الملك عن عزل و عن عدم

(27:142)

البيضاويّ: اَلْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صفتان له، مقرّرتان لعلوّ شأن الموحي به،كما مرّ في السّورة السّابقة، أو بالابتداء كما في قراءة (نوحى) بالنّون،و العزيز و ما بعده أخبار،أو العزيز الحكيم صفتان.(2:353)

نحوه أبو السّعود(6:8)،و شبّر(5:389)، و الآلوسيّ(25:11).

ابن عاشور :إجراء وصفي اَلْعَزِيزُ الْحَكِيمُ على اسم الجلالة دون غيرهما،لأنّ لهاتين الصّفتين مزيد اختصاص بالغرض المقصود من أنّ اللّه يصطفي من يشاء لرسالته،ف(العزيز)المتصرّف بما يريد لا يصدّه أحد،و(الحكيم)يحمّل كلامه معاني لا يبلغ إلى مثلها

ص: 322

غيره،و هذا من متمّمات الغرض الّذي افتتحت به السّورة،و هو الإشارة إلى تحدّي المعاندين بأن يأتوا بسورة مثل سور القرآن.(25:99)

8- لَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. جاثية:37

الفخر الرّازيّ: يعني أنّه لكمال قدرته يقدر على خلق أيّ شيء أراد،و لكمال حكمته يخصّ كلّ نوع من مخلوقاته بآثار الحكمة و الرّحمة و الفضل و الكرم.و قوله:

وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يفيد الحصر،فهذا يفيد أنّ الكامل في القدرة و في الحكمة و في الرّحمة ليس إلاّ هو، و ذلك يدلّ على أنّه لا إله للخلق إلاّ هو،و لا محسن و لا متفضّل إلاّ هو.(27:275)

البيضاويّ: فيما قدّر و قضى،فاحمدوه و كبّروه و أطيعوا له.(2:384)

نحوه أبو السّعود.(6:65)

الشّربينيّ: الّذي يضع الأشياء في مواضعها،و لا يضع شيئا إلاّ كذلك،كما أحكم أمره و نهيه و جميع شرعه،و أحكم نظم هذا القرآن جملا و آيات و فواصل و غايات،بعد أن حرّر معانيه و تنزيله فصار معجزا في نظمه و معناه.(3:603)

9-جاء بهذا المعنى قوله: ...اَلْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ الجمعة:1.

عزيزا حكيما

...إِنَّ اللّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً. النّساء:56

الطّبريّ: حكيما في تدبيره و قضائه.(5:143)

الزّجّاج: العزيز:البالغ إرادته،الّذي لا يغلبه شيء و هو مع ذلك حكيم فيما يدبّر،لأنّ الملحدين ربّما سألوا عن العذاب كيف وقع؟فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّ جميع ما فعله بحكمة.(2:66)

الطّوسيّ: حكيم في فعله لا يخلف وعيده،و لا يفعل إلاّ قدر المستحقّ به،فينبغي للعاقل أن يتدبّره، و يكون حذره منه على حسب علمه به،و لا يغترّ بطول الإمهال و السّلامة من تعجيل العقوبة.(3:232)

الزّمخشريّ: لا يعذّب إلاّ بعدل من يستحقّ.

(1:534)

الطّبرسيّ: في تدبيره و تقديره و في تعذيب من يعذّبه.(2:62)

نحوه شبّر.(2:57)

القرطبيّ: في ايعاده عباده.(5:255)

البيضاويّ: يعاقب على وفق حكمته.(1:225)

نحوه الشّربينيّ(1:310)،و البروسويّ(2:

224).

النّسفيّ: فيما يفعل بالكافرين.(1:231)

أبو السّعود :يعاقب من يعاقبه على وفق حكمته، و الجملة تعليل لما قبلها من الإصلاء و التّبديل.(2:152)

ابن عاشور :و الحكمة يتأتّى بها تلك الكيفيّة في إصلائهم النّار.(4:159)

ص: 323

حكيم عليم

1- وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. الأنعام:83

ابن عبّاس: بإلهام الحجّة لأوليائه.(114)

الطّبريّ: فإنّه يعني:إنّ ربّك يا محمّد حكيم في سياسته خلقه،و تلقينه أنبياءه الحجج على أممهم المكذّبة لهم،الجاحدة توحيد ربّهم،و في غير ذلك من تدبيره.

(7:260)

ابن عطيّة: صفتان تليق بهذا الموضع؛إذ هو موضع مشيئة و اختيار،فيحتاج ذلك إلى العلم و الإحكام.(2:316)

الطّبرسيّ: يجعل التّفاوت بينهم على ما توجبه حكمته و يقتضيه علمه.(2:329)

الفخر الرّازيّ: فالمعنى أنّه إنّما يرفع درجات من يشاء بمقتضى الحكمة و العلم،لا بموجب الشّهوة و المجازفة،فإنّ أفعال اللّه منزّهة عن العبث و الفساد و الباطل.(13:62)

البيضاويّ: في رفعه و خفضه.(1:319)

نحوه النّسفيّ(2:21)،و الشّربينيّ(1:433)، و البروسويّ(3:58)،و الآلوسيّ(7:209)،و القاسميّ (6:2392).

شبّر:يفعل ما تقتضي الحكمة و العلم.(2:282)

الشّوكانيّ: أي حكيم في كلّ ما يصدر عنه،عليم بحال عباده،و أنّ منهم من يستحقّ الرّفع،و منهم من لا يستحقّه.(2:169)

ابن عاشور:جملة: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ مستأنفة استئنافا بيانيّا،لأنّ قوله: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ يثير سؤالا،يقول:لما ذا يرفع بعض النّاس دون بعض،فأجيب بأنّ اللّه يعلم مستحقّ ذلك و مقدار استحقاقه،و يخلق ذلك على حسب تعلّق علمه،فحكيم بمعنى محكم،أي متقن للخلق و التّقدير،و قدّم(حكيم) على(عليم)لأنّ هذا التّفضيل مظهر للحكمة.

(6:191)

مغنيّة:(حكيم)منزّه عن العبث و الشّهوة،(عليم) بما يستحقّه كلّ انسان من المراتب و الدّرجات.

(3:217)

الطّباطبائيّ: ختم الآية بقوله: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ لتثبيت أنّ ذلك كلّه كان بحكمة منه تعالى و علم، كما أنّ الحجج الّتي آتاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المذكورة في السّورة قبل هذه الحجّة من حكمته و علمه تعالى،و في الكلام التفات من التّكلّم إلى الغيبة لتطييب قلب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و تثبيت المعارف المذكورة فيه.(7:205)

مكارم الشّيرازيّ: تقول:إنّ اللّه متّصف بالحكمة و بالعلم،فلا يمكن أن يرفع درجة من لا يستحقّ ذلك.

(4:336)

فضل اللّه :تبعا للحكمة فيما يريده للخلق من رفعة، و يهيّئ لهم من منزلة.(9:195)

2- ...قالَ النّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاّ ما شاءَ اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. الأنعام:128

ص: 324

ابن عبّاس: حكم عليهم بالخلود.(119)

إنّ هذه الآية آية لا ينبغي لأحد أن يحكم على اللّه في خلقه ألاّ ينزلهم جنّة و لا نار.(الطّبريّ 8:34)

الطّبريّ: (حكيم)في تدبيره في خلقه،و في تصريفه إيّاهم في مشيئته من حال إلى حال،و غير ذلك من أفعاله.(8:34)

الزّجّاج: أي هو حكيم فيما جعله من جزائهم، و حكيم في غيره.(2:292)

الطّوسيّ: أي هو حكيم فيما يفعله من جزائهم، و عالم بذلك و بغيره من المعلومات،لا يخفى عليه شيء منها.(4:297)

الواحديّ: حكم للّذي استثنى بالتّصديق،و علم ما في قلوبهم من البرّ و التّقوى.(2:323)

نحوه البغويّ.(2:159)

الزّمخشريّ: لا يفعل شيئا إلاّ بموجب الحكمة.

(2:50)

ابن عطيّة: صفتان مناسبتان لهذه الآية،لأنّ تخلّد هؤلاء الكفرة في النّار فعل صادر عن حكم و علم بمواقع الأشياء.(2:346)

الطّبرسيّ: أي محكم لأفعاله،عليم بكلّ شيء، و قيل:حكيم في عقاب من يختار أن يعاقبه،و العفو عمّن يختار أن يعفو عنه.(2:366)

نحوه النّسفيّ.(2:33)

البيضاويّ: (حكيم)في أفعاله.(1:331)

نحوه البروسويّ(3:104)،و شبّر(2:314)، و القرطبيّ(7:84).

الشّربينيّ: (حكيم)في صنعه.(1:450)

الآلوسيّ: (حكيم)في التّعذيب و الإثابة،أو في كلّ أفعاله.(8:27)

نحوه القاسميّ.(6:2504)

3- ...وَ إِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. الأنعام:139

الطّبريّ: فإنّه يقول جلّ ثناؤه:إنّ اللّه في مجازاتهم على وصفهم الكذب،و قيلهم الباطل عليه،حكيم في سائر تدبيره في خلقه،عليم بما يصلحهم و بغير ذلك من أمورهم.(8:50)

الطّوسيّ: معناه أنّه تعالى حكيم فيما يفعل بهم من العقاب آجلا،و في إمهالهم عاجلا.(4:315)

مثله الطّبرسيّ.(2:373)

ابن عطيّة: في عذابهم على ذلك.(2:352)

نحوه النّسفيّ(2:36)،و الشّربينيّ(1:452).

الفخر الرّازيّ: إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ليكون الزّجر واقعا على حدّ الحكمة و بحسب الاستحقاق.(13:208)

مثله مغنيّة.(3:271)

أبو السّعود :تعليل للوعيد بالجزاء،فإنّ الحكيم العليم بما صدر عنهم لا يكاد يترك جزاءهم الّذي هو من مقتضيات الحكمة.(2:451)

نحوه البروسويّ(3:110)،و الآلوسيّ(8:36).

شبّر:بما يفعله بهم من العقاب.(2:322)

ص: 325

ابن عاشور:تعليل لكون الجزاء موافقا لجرم وصفهم.و تؤذن(انّ)بالرّبط و التّعليل،و تغني غناء «الفاء»،فالحكيم يضع الأشياء مواضعها.(7:84)

فضل اللّه :في يوم القيامة على أساس حكمته في الجزاء،و علمه بما يفعلون.(9:340)

4- وَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.

الحجر:25

ابن عبّاس: حكم عليهم بالحشر.(217)

الطّبريّ: إنّ ربّك حكيم في تدبيره خلقه في إحيائهم إذا أحياهم،و في إماتتهم إذا أماتهم.(14:27)

الزّجّاج: أي تدبيره يجري بحكمة و علم.(3:178)

الطّوسيّ: أخبر تعالى أنّ الّذي خلقك يا محمّد هو الّذي يحشرهم بعد إماتتهم،و يبعثهم يوم القيامة،لأنّه حكيم في أفعاله،عالم بما يستحقّونه من الثّواب و العقاب...

و الحكيم:العالم بما لا يجوز فعله لقبحه،أو سقوط الحمد عليه مع أنّه لا يفعله،فعلى هذا يوصف تعالى فيما لم يزل بأنّه حكيم،و الحكيم:المحكم لأفعاله بمنع الخلل أن يدخل في شيء منها،فعلى هذا لا يوصف تعالى فيما لم يزل بأنّه حكيم.(6:330)

نحوه الطّبرسيّ.(3:334)

الزّمخشريّ: باهرا لحكمه واسع العلم،يفعل كلّ ما يفعل على مقتضى الحكمة و الصّواب.(2:390)

نحوه البيضاويّ(1:540)،و النّسفيّ(2:271)، و الشّربينيّ(2:199)،و شبّر(3:379).

الفخر الرّازيّ: معناه:أنّ الحكمة تقتضي وجوب الحشر و النّشر،على ما قرّرناه بالدّلائل الكثيرة في أوّل سورة يونس عليه السّلام.(19:178)

أبو السّعود :بالغ الحكمة،متقن في أفعاله،فإنّها عبارة عن العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه، و الإتيان بالأفعال على ما ينبغي،و لعلّ تقديم صفة الحكمة للإيذان باقتضائها للحشر و الجزاء.(4:15)

نحوه الآلوسيّ.(14:33)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]و هي صفة من صفاته تعالى لا من صفات المخلوقين،و ما يسمّونه الفلاسفة الحكمة هي المعقولات،و هي من نتائج العقل،و العقل من صفات المخلوقين،فكما لا يجوز أن يقال للّه:العاقل،لا يجوز للمخلوق:الحكيم،إلاّ بالمجاز لمن آتاه اللّه الحكمة،كما في«التّأويلات النّجميّة».

(4:455)

الشّوكانيّ: يجري الأمور على ما تقتضيه حكمته البالغة.(3:160)

الطّباطبائيّ: قد ختمت الآية بقوله: إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، لأنّ الحشر يتوقّف على الحكمة المقتضية لحساب الأعمال،و مجازاة المحسن بإحسانه و المسيء بإساءته.و على العلم،حتّى لا يغادر منهم أحدا.

(12:147)

5- وَ إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ.

النّمل:6

ص: 326

ابن عبّاس: في أمره و قضائه.(315)

نحوه الماورديّ(4:193)،و الطّبرسيّ(4:212).

الطّبريّ: يقول:من عند حكيم بتدبير خلقه.

(19:132)

الطّوسيّ: أي إنّك لتعطى،لأنّ الملك يلقيه إليه من قبل اللّه،من عند حكيم بصير بالصّواب من الخطإ،في تدبير الأمور بما يستحقّ به التّعظيم،و قد يفيد الحكيم العامل بالصّواب المحكم للأمور المتقن لها.(8:76)

الزّمخشريّ: من عند أيّ حكيم و أيّ عليم،و هذا معنى مجيئهما نكرتين،و هذه الآية بساط و تمهيد لما يريد أن يسوق بعضها من الأقاصيص،و ما في ذلك من لطائف حكمته و دقائق علمه.(3:137)

مثله الفخر الرّازيّ(24:180)،و النّسفيّ(3:

202).

ابن عطيّة: و الحكيم:ذو الحكمة في معرفته حيث يجعل رسالاته،و في غير ذلك،لا إله إلاّ هو.(4:249)

البيضاويّ: أيّ حكيم و أيّ عليم.و الجمع بينهما مع أنّ العلم داخل في الحكمة،لعموم العلم و دلالة الحكمة على إتقان الفعل،و الإشعار بأنّ علوم القرآن منها ما هي حكمة كالعقائد و الشّرائع،و منها ما ليس كذلك كالقصص و الإخبار عن المغيبات.(2:170)

نحوه أبو السّعود(5:69)،و الآلوسيّ(19:158).

الشّربينيّ: أي بالغ الحكمة،فلا شيء من أفعاله إلاّ و هو في غاية الإتقان.[ثمّ قال نحو البيضاويّ]

(3:42)

البروسويّ: أي حكيم،أيّ حكيم،و عليم،أيّ عليم،و في تفخيمهما تفخيم لشأن القرآن،و تنصيص على طبقته عليه السّلام في معرفته،و الإحاطة بما فيه من الجلائل و الدّقائق،فإنّ من تلقّى الحكم و العلوم من مثل ذلك الحكيم العليم،يكون علما في رصانة العلم و الحكمة.

و في«التّأويلات النّجميّة»:يشير إلى أنّك جاوزت حدّ كمال كلّ رسول،فإنّهم كانوا يلقّون الكتب بأيديهم من يد جبريل و الرّسالات من لفظه وحيا،و إنّك و إن كنت تلقّى القرآن بتنزيل جبريل على قلبك و لكنّك تلقّى حقائق القرآن من لدن حكيم،تجلّى لقلبك بحكمة القرآن و هي صفة القائمة بذاته،فعلّمك القرآن و جعلك بحكمته مستعدّا لقبول فيض القرآن بلا واسطة،و هو العلم اللّدنّيّ،و هو أعلم حيث يجعل رسالته.و في الجمع بين الحكيم و العليم إشعار بأنّ علوم القرآن منها ما هو حكمة كالعقائد و الشّرائع،و منها ما ليس كذلك كالقصص و الأخبار الغيبيّة.(6:320)

ابن عاشور :و الحكيم:القويّ الحكمة،و العليم:

الواسع العلم.و في التّنكير إيذان بتعظيم هذا الحكيم العليم،كأنّه قيل:من حكيم أيّ حكيم،و عليم أيّ عليم!

و في الوصفين الشّريفين مناسبة للمعطوف عليه و للممهّد إليه،فإنّ ما في القرآن دليل على حكمة و علم من أوحى به،و أنّ ما يذكر هنا من القصص و ما يستخلص منها من المغازي و الأمثال و الموعظة من آثار حكمة و علم حكيم عليم،و كذلك ما في ذلك من تثبيت

ص: 327

فؤاد الرّسول صلّى اللّه عليه و سلم.(19:223)

الحكيم العليم

وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ. الزّخرف:84

الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:أنّه يذكر ذلك صفة لتعظيمه.

الثّاني:أنّه يذكره تعليلا لإلهيّته،لأنّه حكيم عليم، و ليس في الأصنام حكيم عليم.(5:241)

البروسويّ: كالدّليل على ما قبله،لأنّه المتّصف بكمال الحكمة و العلم المستحقّ للألوهيّة لا غيره،أي و هو الحكيم في تدبير العالم و أهله،العليم بجميع الأحوال من الأزل إلى الأبد.(8:398)

ابن عاشور :بعد أن وصف اللّه بالتّفرّد بالإلهيّة أتبع بوصفه ب اَلْحَكِيمُ الْعَلِيمُ، تدقيقا للدّليل الّذي في قوله: وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ، حيث دلّ على نفي إلهيّة غيره في السّماء و الأرض، و اختصاصه بالإلهيّة فيها لما في صيغه القصر من إثبات الوصف له و نفيه عمّن سواه،فكان قوله: وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ تتميما للدّليل و استدلالا عليه، و لذلك سمّيناه تدقيقا؛إذ التّدقيق في الاصطلاح هو ذكر الشّيء بدليل دليله،و أمّا التّحقيق فذكر الشّيء بدليله، لأنّ الموصوف بتمام الحكمة و كمال العلم مستغن عمّا سواه، فلا يحتاج إلى ولد،و لا إلى بنت،و لا إلى شريك.

(25:300)

الطّباطبائيّ: في تذييل الآية بقوله: وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ الدّالّ على الحصر،إشارة إلى وحدانيّته في الرّبوبيّة الّتي لازمها الحكمة و العلم.(18:126)

عليم حكيم

1- يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. النّساء:26

ابن عبّاس: حين حرّم عليكم نكاحهنّ إلاّ عند الضّرورة.(68)

الواحديّ: في تدبيره فيكم.(2:37)

نحوه الثّعلبيّ(3:290)،و البغويّ(1:601)، و الشّربينيّ(1:297).

ابن عطيّة: أي مصيب بالأشياء مواضعها بحسب الحكمة و الإتقان.(2:40)

القرطبيّ: بقبول التّوبة.(5:148)

البيضاويّ: (حكيم)في وضعها.(1:215)

نحوه النّسفيّ(1:220)،و شبّر(2:320).

الآلوسيّ: مراع في جميع أفعاله الحكمة و المصلحة، فيبيّن لمن يشاء،و يهدي من يشاء،و يتوب على من يشاء،و لا يسأل عمّا يفعل،و هم يسألون.(5:14)

نحوه القاسميّ.(5:1201)

فضل اللّه :فهو الّذي يعلم ما يصلحنا و ما يفسدنا في كلّ ما خلق و من خلق،و هو الحكيم الّذي لا يشرّع لنا في كلّ أمورنا،إلاّ ما يتناسب مع الحكمة الّتي تضع كلّ شيء في موضعه،في الكلمة و الفعل و الوجود.(7:196)

ص: 328

2- وَ إِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. الأنفال:71

ابن عبّاس: حكيم فيما حكم عليهم.(152)

الطّوسيّ: حكيم فيما يفعله،و الحكيم:هو العالم بوجود الحكمة في الفعل ممّا يصرف عن خلافها،و الأصل في الحكمة:المنع،فهي تمنع الفعل من الخلل و الفساد.

(5:187)

الواحديّ: في تدبيره عليهم و مجازاتهم إيّاهم.

(2:473)

ابن عطيّة: صفتان مناسبتان،أي عليم بما يبطنونه من إخلاص أو خيانة،حكيم فيما يجازيهم به.

(2:555)

الطّبرسيّ: (حكيم)فيما يفعله.(2:560)

نحوه شبّر(3:44)،و الشّوكانيّ(2:411).

أبو السّعود :يفعل كلّ ما يفعله حسبما تقتضيه حكمته البالغة.(3:115)

مثله الآلوسيّ.(10:37)

ابن عاشور :حكيم في معاملتهم على حسب ما يعلم منهم.(9:168)

3- وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَ يَتُوبُ اللّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. التّوبة:15

ابن عبّاس: فيما حكم عليهم،و يقال:حكم بقتلهم و هزيمتهم.(154)

الطّبريّ: حكيم في تصريف عباده من حال كفر إلى حال إيمان،بتوفيق من وفّقه لذلك،و من حال إيمان إلى كفر،بخذلانه من خذل منهم عن طاعته و توحيده، و غير ذلك من أمرهم.(10:91)

الطّوسيّ: حكيم في أمركم بقتالهم إذا نكثوا قبل أن يتوبوا و يرجعوا،لأنّ أفعاله كلّها صواب و حكمة.

(5:217)

نحوه الطّبرسيّ(3:12)،و شبّر(3:59).

الواحديّ: (حكيم)فيما قضى.(2:482)

الزّمخشريّ: لا يفعل إلاّ ما اقتضته الحكمة.

(2:178)

نحوه البيضاويّ(1:408)،و أبو السّعود(3:

129)،و الكاشانيّ(2:326)،و الآلوسيّ(10:63).

النّسفيّ: في قبول التّوبة.(2:119)

الشّربينيّ: أي أحكم جميع أموره.(1:593)

نحوه القاسميّ.(8:3084)

ابن عاشور :و التّذييل بجملة: وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لإفادة أنّ اللّه يعامل النّاس بما يعلم من نيّاتهم، و أنّه حكيم لا يأمر إلاّ بما فيه تحقيق الحكمة،فوجب على النّاس امتثال أوامره،و أنّه يقبل توبة من تاب إليه تكثيرا للصّلاح.(10:42)

4- ...إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. التّوبة:28

الطّبريّ: حكيم في تدبيره إيّاهم،و تدبير جميع خلقه.(10:109)

الطّوسيّ: معناه عالم بمصالحكم،حكيم في منع

ص: 329

المشركين من دخول المسجد الحرام.(5:235)

الزّمخشريّ: لا يعطي و لا يمنع إلاّ عن حكمة و صواب.(2:184)

نحوه البيضاويّ(1:411)،و الشّربينيّ(1:601)، و أبو السّعود(3:139)،و الكاشانيّ(2:333)، و الشّوكانيّ(2:439)،و الآلوسيّ(10:77).

الطّبرسيّ: فيما يأمر و ينهى.(3:21)

النّسفيّ: عليم بأحوالكم،حكيم في تحقيق آمالكم،أو عليم بمصالح العباد،حكيم فيما حكم و أراد.

(2:122)

عبد الكريم الخطيب :هو وصف كاشف لهذه المشيئة،و أنّها مشيئة عليم،لا تخفى عليه خافية في الأرض و لا في السّماء،حكيم فلا تقع مشيئته إلاّ على ما يقضي به علمه و حكمته،فتقع إذ تقع على أكمل الكمال و أحكم الحكمة.(5:732)

5- اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

التّوبة:97

ابن عبّاس: فيما حكم عليهم بالعقوبة،و يقال:

عليم بجهل من ترك التّعلّم،حكيم:حكم أنّ من لا يتعلّم العلم يكون جاهلا.(165)

الطّبريّ: حكيم في تدبيره إيّاهم و في حلمه عن عقابهم،مع علمه بسرائرهم و خداعهم أولياءه.

(11:4)

الطّوسيّ: حكيم فيما يحكم به عليهم من الكفر، و غير ذلك من أفعالهم.(5:328)

الواحديّ: (حكيم)فيما فرض من فرائضه.

(2:519)

نحوه الشّربينيّ.(1:644)

البيضاويّ: (حكيم)فيما يصيب به مسيئهم و محسنهم عقابا و ثوابا.(1:429)

نحوه أبو السّعود(3:183)،و الكاشانيّ(2:369)، و الآلوسيّ(11:5)،و القاسميّ(8:3238)،و شبّر(3:

110).

النّسفيّ: (حكيم)في إمهالهم.(2:142)

الشّوكانيّ: فيما يجازيهم به من خير و شرّ.

(2:495)

ابن عاشور :تذييل لهذا الإفصاح عن دخيلة الأعراب و خلقهم،أي عليم بهم و بغيرهم،و حكيم في تمييز مراتبهم.(10:187)

فضل اللّه : وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ في ما يوحي لرسوله ممّا يتناسب مع حاجة النّاس إلى الهداية، و ينسجم مع مصالحهم الحقيقيّة في الحياة.(11:195)

6- لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. التّوبة:110

ابن عبّاس: فيما حكم من هدم مسجدهم و حرقه، بعث إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بعد رجوعه من غزوة تبوك عامر ابن قيس و وحشيّا مولى مطعم بن عديّ حتى أحرقاه

ص: 330

و هدّماه.(166)

الطّوسيّ: أي عالم بنيّتهم في بناء مسجد الضّرار، حكيم في أمره بنقضه و المنع من الصّلاة فيه.(5:351)

نحوه الطّبرسيّ(3:74)،و البيضاويّ(1:433)، و الكاشانيّ(2:380)،و شبّر(3:120).

النّسفيّ: في جزاء جرائمهم.(2:147)

الشّربينيّ: حكيم في الأحوال الّتي يحكم بها عليهم و على غيرهم.(1:651)

أبو السّعود :(حكيم)في جميع أفعاله الّتي من زمرتها أمره الوارد في حقّهم.(3:193)

نحوه الآلوسيّ.(11:24)

القاسميّ: أي فيما أمر بهدم بنيانهم،حفظا للمسلمين عن مقاصدهم الرّديئة.(8:3263)

ابن عاشور :جملة: وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ تذييل مناسب لهذا الجعل العجيب و الإحكام الرّشيق،و هو أن يكون ذلك البناء سبب حسرة عليهم في الدّنيا و الآخرة.

(10:208)

عليما حكيما

1- ...إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً. النّساء:11

ابن عبّاس: فيما بيّن نصيب الذّكر و الأنثى.(66)

الحسن :كان عليما بالأشياء قبل خلقها، حكيما فيما يقدّر تدبيره منها.(الزّجّاج 2:25)

سيبويه :كان القوم شاهدوا علما و حكمة و مغفرة و تفضّلا،فقيل لهم:إنّ اللّه كان كذلك و لم يزل،أي لم يزل على ما شاهدتم.(الزّجّاج 2:25)

الطّبريّ: يقول:لم يزل ذا حكمة في تدبيره،و هو كذلك فيما يقسّم لبعضكم من ميراث بعض،و فيما يقضي بينكم من الأحكام،لا يدخل حكمه خلل و لا زلل،لأنّه قضاء من لا يخفى عليه مواضع المصلحة في البدء و العاقبة.(4:282)

الزّجّاج: حكيم فيما فرض من هذه الأموال و غيرها...

و معنى: إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً فيه ثلاثة أقوال:[ثمّ نقل قولي سيبويه و الحسن المتقدّمين و أضاف:]

و قال بعضهم:الخبر عن اللّه في هذه الأشياء بالمضيّ كالخبر بالاستقبال و الحال،لأنّ الأشياء عند اللّه في حال واحدة ما مضى و ما يكون و ما هو كائن.

و القولان الأوّلان هما الصّحيحان،لأنّ العرب خوطبت بما تعقل،و نزل القرآن بلغتها،فما أشبه من التّفسير كلامها فهو أصحّ؛إذ كان القرآن بلغتها نزل.

(2:24)

نحوه الطّوسيّ(3:133)،و الطّبرسيّ(2:16).

البغويّ: بنصب الأحكام.(1:580)

الزّمخشريّ: في كلّ ما فرض و قسّم من المواريث و غيرها.(1:509)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّ قسمة اللّه لهذه المواريث أولى من القسمة الّتي تميل إليها طباعكم،لأنّه تعالى عالم بجميع المعلومات،فيكون عالما بما في قسمة المواريث من

ص: 331

المصالح و المفاسد،و أنّه حكيم لا يأمر إلاّ بما هو الأصلح الأحسن،و متى كان الأمر كذلك كانت قسمته لهذه المواريث أولى من القسمة الّتي تريدونها.و هذا نظير قوله للملائكة: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ [ثمّ أدام نحو الزّجّاج](9:219)

أبو السّعود :في كلّ ما قضى و قدّر،فيدخل فيه الأحكام المذكورة دخولا أوّليّا.(2:106)

نحوه البروسويّ(2:172)،و الآلوسيّ(4:229).

2- إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً. النّساء:17

ابن عبّاس: بقبول التّوبة قبل المعاينة،و لا يقبل عند المعاينة و بعدها.(67)

الطّبريّ: فإنّه يعني و لم يزل اللّه جلّ ثناؤه عليما بالنّاس من عباده المنيبين إليه بالطّاعة بعد إدبارهم عنه، المقبلين إليه بعد التّولية،و بغير ذلك من أمور خلقه، حكيما في توبته على من تاب منهم من معصيته،و في غير ذلك من تدبيره و تقديره،و لا يدخل أفعاله خلل، و لا يخلطه خطأ و لا زلل.(4:302)

الطّوسيّ: حكيما في مؤاخذتهم إن لم يتوبوا.

(3:147)

ابن عطيّة: أي بمن يتوب و ييسّره هو للتّوبة، حكيما فيما ينفذه من ذلك،و في تأخير من يؤخّر حتّى يهلك.(2:25)

الطّبرسيّ: وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً بمصالح العباد، (حكيما)فيما يعاملهم به.(2:22)

نحوه شبّر.(2:24)

الفخر الرّازيّ: أي و كان اللّه عليما بأنّه إنّما أتى بتلك المعصية لاستيلاء الشّهوة و الغضب و الجهالة عليه، حكيما بأنّ العبد لمّا كان من صفته ذلك،ثمّ إنّه تاب عنها من قريب،فإنّه يجب في الكرم قبول توبته.

(10:6)

البيضاويّ: (عليما)فهو يعلم بإخلاصهم في التّوبة،(حكيما)و الحكيم لا يعاقب التّائب.(1:210)

نحوه البروسويّ(2:178)،و الكاشانيّ(1:

400).

أبو حيّان :أي يضع الأشياء مواضعها،فيقبل توبة من أناب إليه.(3:199)

أبو السّعود :مبالغا في العلم و الحكمة فيبني أحكامه و أفعاله على أساس الحكمة و المصلحة.و الجملة اعتراضيّة مقرّرة لمضمون ما قبلها.و إظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار للإشعار بعلّة الحكم،فإنّ الألوهيّة أصل لاتّصافه تعالى بصفات الكمال.(2:113)

نحوه الآلوسيّ.(4:239)

الطّباطبائيّ: قد اختير لختم الكلام قوله: وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً دون أن يقال:و كان اللّه غفورا رحيما،للدّلالة على أنّ فتح باب التّوبة إنّما هو لعلمه تعالى بحال العباد،و ما يؤدّيهم إليه ضعفهم و جهالتهم، و لحكمته المقتضية لوضع ما يحتاج إليه إتقان النّظام

ص: 332

و إصلاح الأمور،و هو تعالى لعلمه و حكمته لا يغرّه ظواهر الأحوال،بل يختبر القلوب،و لا يستزلّه مكر و لا خديعة،فعلى التّائب من العباد أن يتوب حقّ التّوبة حتّى يجيبه اللّه حقّ الإجابة.(4:242)

3- وَ مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ،وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً. النّساء:111

الطّبريّ: يقول:و هو حكيم بسياستكم و تدبيركم،و تدبير جميع خلقه.(5:274)

نحوه الطّوسيّ.(3:322)

الواحديّ: حكم بالقطع على طعمة (1)في السّرقة.

(2:114)

نحوه الثّعلبيّ(3:383)،و البغويّ(1:700).

الطّبرسيّ: حكيما في عقابه.و قيل:عليما في قضائه فيهم،و قيل:عليما بالسّارق،حكيم في إيجاب القطع عليه.(2:108)

الفخر الرّازيّ: تقتضي حكمته و رحمته أن يتجاوز عن التّائب.(11:38)

البيضاويّ: فيما يأمر و ينهى.(1:242)

النّسفيّ: لا يعاقب بالذّنب غير فاعله.(1:250)

الشّربينيّ: في صنعه،فلا يجازيه إلاّ بمقدار ذنبه.

(1:331)

أبو السّعود :مراعيا للحكمة في كلّ ما قدّر و قضى، و لذلك لا تحمل وازرة وزر أخرى.(2:195)

الكاشانيّ: حكيم في مجازاته.(1:461)

مثله البروسويّ.(2:281)

الآلوسيّ: في كلّ ما قدّر و قضى،و من ذلك لا تحمل وازرة وزر أخرى.و قيل:(عليما)بالسّارق، (حكيما)في إيجاب القطع عليه.و الأوّل أولى.

(5:142)

4- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً. الأحزاب:1

ابن عبّاس: حكم الوفاء بالعهد،و نهاكم عن نقض العهد.(350)

الطّبريّ: حكيم في تدبير أمرك و أمر أصحابك و دينك،و غير ذلك من تدبير جميع خلقه.(21:117)

الزّجّاج: حكيما فيما يخلقه قبل خلقه إيّاه.

(4:213)

الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:عليما بسرائرهم،حكيما بتأخيرهم.الثّاني:عليما بالمصلحة،حكيما في التّدبير.(4:370)

الطّوسيّ: في ما يوحيه إليك من أمرهم،و يأمرك بالطّاعة و ترك المعصية في متابعتهم في ما يريدونه.

(8:313)

نحوه الطّبرسيّ.(4:336)

الزّمخشريّ: لا يفعل شيئا و لا يأمر به إلاّ بداعي الحكمة.(3:248)ة.

ص: 333


1- اسم رجل متّهم بالسّرقة.

نحوه القاسميّ.(13:4822)

ابن عطيّة: حكيم في هدي من شاء و إضلال من شاء.(4:367)

الفخر الرّازيّ: (حكيما)إشارة إلى دفع و هم متوهّم،و هو أنّ متوهّما لو قال:إذا قال اللّه:شيئا،و قال جميع الكافرين و المنافقين-مع أنّهم أقارب النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام-:شيئا آخر،و رأوا المصلحة فيه، و ذكروا وجها معقولا،فاتّباعهم لا يكون إلاّ مصلحة، فقال اللّه تعالى:إنّه حكيم،و لا تكون المصلحة إلاّ في قول الحكيم،فإذا أمرك اللّه بشيء فاتّبعه،و لو منعك أهل العالم عنه.(25:190)

البيضاويّ: لا يحكم إلاّ بما تقتضيه الحكمة.

(2:238)

نحوه البروسويّ.(7:132)

النّسفيّ: في تأخير الأمر بقتالهم.(3:292)

أبو السّعود :مبالغا في العلم و الحكمة،فيعلم جميع الأشياء من المصالح و المفاسد،فلا يأمرك إلاّ بما فيه مصلحة،و لا ينهاك إلاّ عمّا فيه مفسدة،و لا يحكم إلاّ بما تقضيه الحكمة البالغة.فالجملة تعليل للأمر و النّهي، مؤكّد لوجوب الامتثال بهما.(5:209)

نحوه الآلوسيّ.(21:143)

شبّر:في التّدبير.(5:129)

ابن عاشور :تعليلا للنّهي،و المعنى:أنّ اللّه حقيق بالطّاعة له دون الكافرين و المنافقين،لأنّه عليم حكيم، فلا يأمر إلاّ بما فيه الصّلاح.(21:180)

مكارم الشّيرازيّ: إنّه تعالى حينما يأمرك بعدم اتّباع هؤلاء،فإنّ ذلك صادر عن حكمته اللاّمتناهية (1)،لأنّه يعلم ما أخفي في هذا الاتّباع و المهادنة من المصائب الأليمة،و المفاسد الّتي لا تحصى.

(13:143)

فضل اللّه :فقد خطّط لك الطّريق من موقع علمه و حكمته في ما يصلح جمهور النّاس كلّهم و الحياة كلّها.

(18:252)

العليم الحكيم

قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. البقرة:32

ابن عبّاس: بأمرنا و بأمرهم.(7)

و الحكيم:الّذي كمل في حكمته.

(الطّوسيّ 1:142)

إنّ مراد الملائكة من الحكيم أنّه هو الّذي حكم بجعل آدم خليفة في الأرض.(الفخر الرّازيّ 2:210)

المبرّد: أنّه المصيب للحقّ،و منه سمّي القاضي حاكما،لأنّه يصيب الحقّ في قضائه.

(الماورديّ 1:101)

الطّبريّ: و الحكيم:الّذي قد كمل في حكمه،و قد قيل:إنّ معنى الحكيم الحاكم،كما أنّ العليم بمعنى العالم، و الخبير بمعنى الخابر.(1:221)

ص: 334


1- لعلّ الأحسن:غير المتناهية.

الخطّابيّ: المحكم للأشياء.

(ابن الجوزيّ 1:63)

الماورديّ: في الحكيم ثلاثة أقاويل:أحدها:أنّه المحكم لأفعاله.

و الثّاني:أنّه المانع من الفساد،و منه سمّيت حكمة اللّجام،لأنّها تمنع الفرس من الجري الشّديد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّالث:[قول المبرّد،و قد تقدّم](1:100)

الطّوسيّ: و قوله:(الحكيم)يحتمل أمرين:

أحدهما:أنّه عالم،لأنّ العالم بالشّيء يسمّى بأنّه حكيم، فعلى هذا يكون من صفات الذّات مثل العالم،و قد بيّنّاه.

و الثّاني:أن يكون من صفات الأفعال،و معنى ذلك أنّ أفعاله محكمة متقنة و صواب،ليس فيها وجه من وجوه القبح و لا التّفاوت،و لا يوصف بذلك في ما لم يزل.[ثمّ نقل القول الثّاني من الماورديّ](1:142)

نحوه الطّبرسيّ.(1:78)

الواحديّ: الحاكم تحكم بالعدل و تقضي به، و الحكم:القضاء بالعدل.

و يجوز أن يكون(الحكيم)بمعنى المحكم للأشياء، كالأليم بمعنى المؤلم،و السّميع بمعنى المسمع.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:118)

الغزاليّ: الحكيم:ذو الحكمة،و الحكمة عبارة عن المعرفة بأفضل الأشياء،فأفضل العلوم العلم باللّه،و أجلّ الأشياء هو اللّه،و قد سبق أنّه لا يعرفه كنه معرفته غيره، و جلالة العلم بقدر جلالة المعلوم،فهو الحكيم الحقّ،لأنّه يعلم أجلّ الأشياء بأجلّ العلوم؛إذ أجلّ العلوم هو العلم الأزليّ القديم الّذي لا يتصوّر زواله،المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرّق إليها خفاء و لا شبهة،و لا يتصوّر ذلك إلاّ في علم اللّه.(ابن عاشور 1:402)

البغويّ: و الحكيم له معنيان:أحدهما:الحاكم، و هو القاضي العدل.

و الثّاني:المحكم للأمر كي لا يتطرّق إليه الفساد.

(1:103)

ابن عطيّة: معناه الحاكم،و بينهما مزيّة المبالغة، و قيل:معناه المحكم.

و يجيء(الحكيم)على هذا من صفات الفعل.

و قال قوم:(الحكيم)المانع من الفساد،و منه حكمة الفرس:ما نعته.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:122)

نحوه القرطبيّ.(1:287)

أبو البركات: معناه المحكم،و يجيء الحكيم على هذا من صفات الفعل،صرف عن«مفعل»إلى«فعيل»، كما صرف عن مسمع إلى سميع،و مؤلم إلى أليم.

(القرطبيّ 1:287)

الفخر الرّازيّ: الحكيم يستعمل على وجهين:

أحدهما:بمعنى العليم فيكون ذلك من صفات الذّات، و على هذا التّفسير نقول:إنّه تعالى حكيم في الأزل.

الآخر:أنّه الّذي يكون فاعلا لما لا اعتراض لأحد عليه، فيكون ذلك من صفات الفعل،فلا نقول:إنّه حكيم في الأزل،و الأقرب هاهنا أن يكون المراد هو المعنى الثّاني و إلاّ لزم التّكرار،فكأنّ الملائكة قالت:أنت العالم بكلّ

ص: 335

المعلومات فأمكنك تعليم آدم،و أنت الحكيم في هذا الفعل المصيب فيه.(2:210)

البيضاويّ: (الحكيم)المحكم لمبدعاته،الّذي لا يفعل إلاّ ما فيه حكمة بالغة.(1:47)

نحوه الشّربينيّ(1:47)،و البروسويّ(1:101).

أبو السّعود :أي المحكم لمصنوعاته،الفاعل لها حسبما تقتضيه الحكمة و المصلحة،و هو خبر بعد خبر،أو صفة للأوّل.(1:115)

شبّر:المصيب في كلّ فعل.(1:88)

الآلوسيّ: أصل الحكمة المنع،و منه حكمة الدّابّة، لأنّها تمنعها عن الاعوجاج.و تقال للعلم،لأنّه يمنع عن ارتكاب الباطل،و لإتقان الفعل،لمنعه عن طرق الفساد و الاعتراض،و هو المراد هاهنا لئلاّ يلزم التّكرار،فمعنى الحكيم ذو الحكمة.و قيل:المحكم لمبدعاته...

الحكيم:إمّا خبر بعد خبر،أو نعت له.و حذف متعلّقهما لإفادة العموم،و قد خصّهما بعض فقال:

(العليم)بما أمرت و نهيت،(الحكيم)فيما قضيت و قدّرت، و العموم أولى.(1:227)

ابن عاشور :(الحكيم)«فعيل»من أحكم،إذا أتقن الصّنع بأن حاطه من الخلل،و أصل مادّة حكم في كلام العرب للمنع من الفساد و الخلل،و منه حكمة الدّابّة بالتّحريك:للحديدة الّتي توضع في فم الفرس،لتمنعه من اختلال السّير.و أحكم فلان فلانا:منعه.

و الحكمة بكسر الحاء:ضبط العلم و كماله،فالحكيم إمّا بمعنى المتقن للأمور كلّها،أو بمعنى ذي الحكمة.و أيّا ما كان فقد جرى بوزن«فعيل»على غير فعل ثلاثيّ،و ذلك مسموع.

و في القرآن: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ البقرة:117،و وصف الحكيم،و العرب تجري أوزان بعض المشتقّات على بعض،فلا حاجة إلى التّكلّف بتأوّل بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ البقرة:117، ببديع سماواته و أرضه،أي على أنّ(أل)عوض عن المضاف إليه،فتكون الموصوف بحكيم هو السّماوات و الأرض و هي محكمة الخلق،فإنّ مساق الآية تمجيد الخالق لا عجائب مخلوقاته حتّى يكون بمعنى مفعول،و لا إلى تأويل الحكيم بمعنى ذي الحكمة،لأنّ ذلك لا يجدي في دفع بحث مجيئه من غير ثلاثيّ.

و تعقيب العليم بالحكيم من إتباع الوصف بأخصّ منه،فإنّ مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم،لأنّ الحكمة كمال في العلم،فهو كقولهم:خطيب مصقع و شاعر مفلق.

و في«معارج النّور»للشّيخ لطف اللّه الأرض روميّ:

و في الحكيم ذو الحكمة،و هي العلم بالشّيء و إتقان عمله،و هو الإيجاد بالنّسبة إليه،و التّدبير بأكمل ما تستعدّ له ذات المدبّر بفتح الباء،و الاطّلاع على حقائق الأمور،انتهى.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:401)

فضل اللّه :الحكيم:الّذي يتحرّك في تدبيره بالحكمة العميقة الشّاملة الّتي تنطلق من الإحاطة بحقائق الأشياء في ما يصلح أمرها أو يفسده،و علينا و على العباد كلّهم أن يسلّموا لك كلّ أمورهم في ثقة مطلقة،

ص: 336

بأنّك وحدك العالم بكلّ شيء،الحكيم في كلّ تدبير.

(1:235)

حكيم خبير

الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. هود:1

ابن عبّاس: حاكم.(181)

الطّبريّ: حكيم بتدبير الأشياء و تقديرها.

(11:180)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:من عند حكيم في أفعاله،خبير بمصالح عباده.

الثّاني:حكيم بما أنزل،خبير بمن يتقبّل.(4562)

الطّوسيّ: و الحكيم يحتمل معنيين:أحدهما:

عليم،فعلى هذا يجوز وصفه بأنّه حكيم فيما لم يزل.

و الثّاني:بمعنى أنّه محكم لأفعاله،و على هذا لا يوصف به فيما لم يزل.

و الحكمة:المعرفة بما يمنع الفعل من الفساد و النّقص، و بها يميّز القبيح من الحسن،و الفاسد من الصّحيح.

و قال الجبّائيّ: في الآية دلالة على أنّ كلام اللّه محدث،بأنّه وصفه بأنّه أحكمت آياته،و الإحكام من صفات الأفعال.و لا يجوز أن تكون إحكامه غيّره،لأنّه لو كان إحكامه غيّره لكان قبل أن يحكمه غير محكم،و لو كان كذلك لكان باطلا،لأنّ الكلام متى لم يكن محكما وجب أن يكون باطلا فاسدا،و هذا باطل.(5:513)

نحوه الطّبرسيّ.(3:141)

الزّمخشريّ: صفة ثانية،و يجوز أن يكون خبرا بعد خبر،و أن يكون صلة ل(احكمت)و(فصّلت)أي من عنده إحكامها و تفصيلها،و فيه طباق حسن،لأنّ المعنى أحكمها حكيم و فصّلها،أي بيّنها و شرحها خبير بكيفيّات الأمور.(2:258)

نحوه البيضاويّ(1:460)،و النّسفيّ(2:180).

ابن عطيّة: أي محكم.(3:149)

نحوه القرطبيّ.(9:3)

الفخر الرّازيّ: يحتمل وجوها:

الأوّل:أنّا ذكرنا أنّ قوله: كِتابٌ خبر و(احكمت)صفة لهذا الخبر،و قوله: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ صفة ثانية،و التّقدير:الر كتاب من لدن حكيم خبير.

و الثّاني:أن يكون خبرا بعد خبر،و التّقدير:الر من لدن حكيم خبير.

و الثّالث:أن يكون ذلك صفة لقوله:(احكمت)، و(فصّلت)أي أحكمت و فصّلت من لدن حكيم خبير، و على هذا التّقدير فقد حصل بين أوّل هذه الآية و بين آخرها نكتة لطيفة،كأنّه يقول:أحكمت آياته من لدن حكيم،و فصّلت من لدن خبير عالم بكيفيّات الأمور.

(17:179)

نحوه الشّربينيّ.(2:43)

أبو السّعود :صفة للكتاب،وصف بها بعد ما وصف بإحكام آياته و تفصيلها،الدّالّين على رتبته من حيث الذّات،إبانة لجلالة شأنه من حيث الإضافة،أو

ص: 337

خبر للمبتدإ المذكور أو المحذوف،أو صلة للفعلين.و في بنائها للمفعول،ثمّ إيراد الفاعل بعنوان الحكمة البالغة و الإحاطة بجلائلها و دقائقها منكّرا بالتّنكير التّفخيميّ، و ربطهما به لا على النّهج المعهود في إسناد الأفاعيل إلى فواعلها مع رعاية حسن الطّباق،من الجزالة و الدّلالة على فخامتهما،و كونهما على أكمل ما يكون،ما لا يكتنه كنهه.(3:281)

نحوه الآلوسيّ.(11:205)

الشّوكانيّ: لفّ و نشر،لأنّ المعنى:أحكمها حكيم،و فصّلها خبير،عالم بمواقع الأمور.(2:600)

ابن عاشور :أي من عند الموصوف بإبداع الصّنع لحكمته،و إيضاح التّبيين لقوّة علمه.و الخبير:العالم بخفايا الأشياء،و كلّما كثرت الأشياء كانت الإحاطة بها أعزّ،فالحكيم مقابل ل(احكمت)و الخبير مقابل ل(فصّلت)،و هما و إن كانا متعلّق العلم و متعلّق القدرة؛ إذ القدرة لا تجري إلاّ على وفق العلم،إلاّ أنّه روعي في المقابلة الفعل الّذي هو أثر إحدى الصّفتين أشدّ تبادرا فيه للنّاس من الآخر،و هذا من بليغ المزاوجة.

(11:200)

الطّباطبائيّ: الحكيم من أسمائه الحسنى الفعليّة يدلّ على إتقان الصّنع،و كذا الخبير من أسمائه الحسنى يدلّ على علمه بجزئيّات أحوال الأمور الكائنة و مصالحها،و إسناد إحكام الآيات و تفصيلها إلى كونه تعالى حكيما خبيرا لما بينهما من النّسبة.(10:139)

مكارم الشّيرازيّ: و بمقتضى حكمته أحكمت آيات القرآن،و بمقتضى أنّه خبير مطّلع بيّنت آيات القرآن في مجالات مختلفة طبقا لحاجات الإنسان!و لم؟ لأنّ من لم يطّلع على تمام الجزئيّات من الحاجات الرّوحيّة و الجسميّة للإنسان لا يستطيع أن يصدر أوامر جديرة بالتّكامل.

في الواقع إنّ كلّ واحدة من صفات القرآن الّتي جاءت في هذه الآية تسترفد من واحدة من صفات اللّه، فاستحكام القرآن من حكمته،و شرحه و تفصيله من خبرته.(6:426)

الحكيم الخبير

1- وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.

الأنعام:18

ابن عبّاس: في أمره و قضائه.(107)

نحوه القرطبيّ(6:399)،و الكاشانيّ(2:111)، و الشّوكانيّ(2:131).

الطّبريّ: يقول:و اللّه الحكيم في علوّه على عباده، و قهره إيّاهم بقدرته و في سائر تدبيره.(7:161)

الطّوسيّ: معناه أنّه مع قدرته عليهم لا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة،و لا يفعل ما فيه مفسدة أو وجه قبح، لكونه عالما بقبح الأشياء و بأنّه غنيّ عنها.(4:98)

نحوه الطّبرسيّ.(2:281)

ابن عطيّة: (الحكيم)بمعنى المحكم،و(الخبير) دالّة على مبالغة العلم،و هما و صفان مناسبان لنمط الآية.

(2:275)

ص: 338

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ إشارة إلى كمال العلم.[إلى أن قال:]

و أمّا كونه حكيما،فلا يمكن حمله هاهنا على العلم، لأنّ الخبير إشارة إلى العلم فيلزم التّكرار،و أنّه لا يجوز، فوجب حمله على كونه محكما في أفعاله،بمعنى أنّ أفعاله تكون محكمة متقنة آمنة من وجوه الخلل و الفساد.

(12:173)

البيضاويّ: في أمره و تدبيره.(1:305)

أبو السّعود : وَ هُوَ الْحَكِيمُ في كلّ ما يفعله و يأمر به.(2:363)

الآلوسيّ: أي ذو الحكمة البالغة،و هي العلم بالأشياء على ما هي عليه،و الإتيان بالأفعال على ما ينبغي،أو المبالغ في الإحكام،و هو إتقان التّدبير و إحسان التّقدير.(7:117)

ابن عاشور :و الحكيم:المحكم المتقن للمصنوعات،«فعيل»بمعنى«مفعل».(6:44)

2- ...يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ. الأنعام:73

ابن عبّاس: في أمره و قضائه.(113)

الطّبريّ: هو الحكيم في تدبيره و تصريفه خلقه من حال الوجود إلى العدم،ثمّ من حال العدم و الفناء إلى الوجود،ثمّ في مجازاتهم بما يجازيهم به من ثواب أو عقاب.(7:242)

الطّوسيّ: إنّه الحكيم في أفعاله.(4:188)

نحوه الطّبرسيّ(2:321)،و أبو السّعود(2:402)، و البروسويّ(3:53)،و الشّوكانيّ(2:164)، و الآلوسيّ(7:191).

النّسفيّ: في الإفناء و الإحياء.(2:19)

ابن عاشور :قوله: وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ عطف على قوله: عالِمُ الْغَيْبِ. و صفة(الحكيم) تجمع إتقان الصّنع فتدلّ على عظم القدرة مع تعلّق العلم بالمصنوعات.و صفة(الخبير)تجمع العلم بالمعلومات ظاهرها و خفيّها،فكانت الصّفتان كالفذلكة لقوله:

وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ، و لقوله: عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ. (6:169)

مكارم الشّيرازيّ: ترد هذه الصّفات غالبا في الآيات الّتي تخصّ يوم القيامة،أي أنّه بمقتضى صفة العلم المطلق عالم بأعمال عباده،و بمقتضى قدرته و حكمته يجازي كلاّ بما يستحقّه.(4:320)

3- اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ. سبأ:1

ابن عبّاس: في أمره و قضائه،أمر ألاّ يعبد غيره.

(358)

نحوه قتادة(الطّبريّ 22:59)،و الماورديّ(4:

432)،و الواحديّ(3:486).

الطّبريّ: هو الحكيم في تدبيره خلقه،و صرفه إيّاهم في تقديره.(22:59)

الطّوسيّ: في جميع أفعاله،لأنّها كلّها واقعة موقع

ص: 339

الحكمة.(8:374)

نحوه الطّبرسيّ.(4:376)

الزّمخشريّ: الّذي أحكم أمور الدّارين و دبّرها بحكمته.(3:279)

نحوه البيضاويّ(2:254)،و أبو السّعود(5:

245)،و البروسويّ(7:259)،و شبّر(5:168)، و الآلوسيّ(22:104).

الفخر الرّازيّ: وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ إشارة إلى أنّ خلق هذه الأشياء بالحكمة و الخير،و الحكمة صفة ثابتة للّه لا يمكن زوالها،فيمكن منه إيجاد أمثال هذه مرّة أخرى في الآخرة.

و الحكمة:هي العلم الّذي يتّصل به الفعل،فإنّ من يعلم أمرا و لم يأت بما يناسب علمه لا يقال له:حكيم، فالفاعل الّذي فعله على وفق العلم هو الحكيم.و الخبير هو الّذي يعلم عواقب الأمور و بواطنها،فقوله:(حكيم) أي في الابتداء يخلق كما ينبغي،و(خبير)أي بالانتهاء يعلم ما ذا يصدر من المخلوق و ما لا يصدر،إلى ما ذا يكون مصير كلّ أحد،فهو حكيم في الابتداء خبير في الانتهاء.

(25:239)

النّسفيّ: بتدبير ما في السّماء و الأرض.

(3:317)

ابن عاشور :لمّا نيط حمده في الدّنيا و الآخرة بما اقتضى مرجع التّصرّفات إليه في الدّارين،أعقب ذلك بصفتي اَلْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، لأنّ الّذي أوجد أحوال النّشأتين هو العظيم الحكمة،الخبير بدقائق الأشياء و أسرارها،فالحكمة:إتقان التّصرّف بالإيجاد و ضدّه، و الخبرة تقتضي العلم بأوائل الأمور و عواقبها.و القرن بين الصّفتين هنا،لأنّ كلّ واحدة تدلّ على معنى أصليّ و معنى لزوميّ،و هما مختلفان،فالمعنى الأصليّ للحكيم أنّه متقن التّصرّف و الصّنع،لأنّ الحكيم مشتقّ من الإحكام و هو الإتقان،و هو يستلزم العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه.و الخبير هو العليم بدقائق الأشياء و ظواهرها بالأولى،بحيث لا يفوته شيء منها، و هو يستلزم التّمكّن من تصريفها،ففي التّتميم بهذين الوصفين إيماء إلى أنّ المقصود من الجملة قبله استحماق الّذين أقبلوا في شئونهم على آلهة باطلة.(22:8)

مكارم الشّيرازيّ: قد اقتضت حكمته البالغة أن يخضع الكون لهذا النّظام العجيب،و أن يستقرّ بعلمه و إحاطته كلّ شيء في محلّه من الكون،فيجد كلّ مخلوق كلّ ما يحتاج إليه في متناوله.(13:350)

فضل اللّه :الّذي أقام نظام الدّنيا وفق الحكمة الخفيّة الشّاملة،و الظّاهرة آثارها في أسرار الخلق و إبداع التّدبير،و أدار نظام الآخرة في خطّ الحقّ و العدل و الرّحمة و المغفرة،على أساس من الدّقّة البالغة الحكمة من خلال خبرته بالأشياء كلّها في كلّيّاتها و جزئيّاتها.(19:11)

حكيم حميد

لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. فصّلت:42

ص: 340

ابن عبّاس: حكيم في أمره و قضائه.(404)

قتادة :حكيم في أمره.(الماورديّ 5:186)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:هو تنزيل من عند ذي حكمة بتدبير عباده،و صرفهم فيما فيه مصالحهم.

(24:125)

الطّوسيّ: فالحكيم هو الّذي أفعاله كلّها حكمة فيكون من صفات الفعل،و يكون بمعنى العالم بجميع الأشياء و أحكامها فيكون من صفات الذّات.

(9:132)

الطّبرسيّ: أي هو تنزيل من عالم بوجوه الحكمة.

(5:16)

الواحديّ: في خلقه.(4:38)

الفخر الرّازيّ: في جميع أحواله و أفعاله.

(27:132)

الشّربينيّ: أي بالغ الحكمة،فهو يضع كلّ شيء منه في أتمّ محلّه من وقت النّزول و سياق النّظم.

(3:521)

البروسويّ: أي حكيم مانع عن تبديل معانيه بأحكام مبانيه.(8:270)

علىّ حكيم

وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ. الزّخرف:4

ابن عبّاس: محكم بالحلال و الحرام.(411)

قتادة :يخبر عن منزلته و فضله و شرفه.

(الطّبريّ 25:49)

الطّبريّ: يقول:لذو علوّ و رفعة،حكيم قد أحكمت آياته،ثمّ فصّلت،فهو ذو حكمة.(25:48)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:رفيع عن أن ينال فيبدّل،حكيم أي محفوظ من نقص أو تغيير،و هذا تأويل من قال:إنّه ما يكون من الطّاعات و المعاصي.

الثّاني:أنّه(علىّ)في نسخه ما تقدّم من الكتب، و(حكيم)أي محكم الحكم فلا ينسخ،و هذا تأويل من قال:إنّه القرآن.(5:215)

الطّوسيّ: معناه مظهر المعنى الّذي يعمل عليه، المؤدّي إلى العلم و الصّواب،و القرآن من هذا الوجه مظهر الحكمة البالغة لمن تدبّره و أدركه.(9:181)

الزّمخشريّ: ذو حكمة بالغة،أي منزلته عندنا منزلة كتاب هما صفتاه،و هو مثبت في أمّ الكتاب هكذا.

(3:478)

الطّبرسيّ: أي مظهر للحكمة البالغة،و قيل:

حكيم دلالة على كلّ حقّ و صواب،فهو بمنزلة الحكيم الّذي لا ينطق إلاّ بالحقّ.وصف اللّه تعالى القرآن بهاتين الصّفتين على سبيل التّوسّع،لأنّهما من صفات الحيّ.

(5:39)

الفخر الرّازيّ: الصّفة الرّابعة[من صفات اللّوح المحفوظ:]

كونه حكيما،أي محكما في أبواب البلاغة و الفصاحة.و قيل:حكيم أي ذو حكمة بالغة.و قيل:إنّ هذه الصّفات كلّها صفات القرآن على ما ذكرناه.

(27:194)

ص: 341

القرطبيّ: أي رفيع محكم،لا يوجد فيه اختلاف و لا تناقض.(16:62)

البيضاويّ: ذو حكمة بالغة،أو محكم لا ينسخه غيره،و هما خبران ل«انّ».(2:362)

نحوه النّسفيّ(4:113)،و الشّربينيّ(3:553)، و أبو السّعود(6:362)،و شبّر(5:413)،و البروسويّ (8:351)،و الآلوسيّ(25:64).

امر حكيم

فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. الدّخان:4

راجع ام ر:«أمر».

الكتاب الحكيم

1- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. يونس:1

ابن عبّاس: إنّ هذه السّورة آيات القرآن المحكم بالحلال و الحرام.(169)

الحسن :حكم فيه بالعدل و الإحسان و ايتاء ذي القربى،و بالنّهي عن الفحشاء و المنكر و البغي،و حكم فيه بالجنّة لمن أطاعه،و بالنّار لمن عصاه.

(البغويّ 2:409)

مقاتل:يعني المحكم من الباطل،و لا كذب فيه و لا اختلاف.(2:225)

أبو عبيدة :الحكيم:مجازه المحكم المبيّن الموضّح.

و العرب قد تضع«فعيل»في معنى«مفعل».(1:272)

الطّبريّ: معنى الحكيم في هذا الموضع:المحكم، صرف«مفعل»إلى«فعيل»،كما قيل:عذاب أليم،بمعنى مؤلم.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد بيّنّا ذلك في غير موضع من الكتاب،فمعناه إذن:تلك آيات الكتاب المحكم،الّذي أحكمه اللّه و بيّنه لعباده،كما قال جلّ ثناؤه: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ هود:1.

(11:80)

الرّمّانيّ: إنّه كالنّاطق بالحكمة.

(الماورديّ 2:421)

الطّوسيّ: إنّما وصف الكتاب بأنّه حكيم،لأنّه دليل على الحقّ كالنّاطق بالحكمة،و لأنّه يؤدّي إلى المعرفة الّتي يميّز بها طريق الهلاك من طريق النّجاة.

(5:382)

الواحديّ: يعني القرآن المحكم من الباطل،أي الممنوع من الفساد،لا كذب فيه و لا اختلاف.

(2:538)

البغويّ: و الحكيم:المحكم بالحلال و الحرام و الحدود و الأحكام،«فعيل»بمعنى«مفعل»بدليل قوله:

كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1.و قيل:هو بمعنى الحاكم «فعيل»بمعنى«فاعل»،دليله قوله عزّ و جلّ: وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ البقرة:

213.و قيل:هو بمعنى المحكوم،«فعيل»بمعنى«المفعول».

(2:409)

نحوه الشّوكانيّ.(2:527)

ص: 342

الزّمخشريّ: ذو الحكمة،لاشتماله عليها و نطقه بها،أو وصف بصفة محدثة.(2:224)

نحوه النّسفيّ(2:152)،و البيضاويّ(1:438).

ابن عطيّة: «فعيل»بمعنى محكم،كما قال تعالى:

هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ ق:23،أي معتدّ معدّ.و يمكن أن يكون(حكيم)بمعنى ذو الحكمة فهو على النّسب.و قال الطّبريّ:فهو مثل أليم بمعنى مؤلم،ثمّ قال:هو الّذي أحكمه و بيّنه،فسياق القولين على أنّهما واحد.

(3:102)

الطّبرسيّ: سمّاه محكما لأنّه ناطق بالحكمة.

و قيل:لأنّه جمع العلوم و الحكمة.[ثمّ قال نحو الطّوسيّ]

(3:88)

الفخر الرّازيّ: في وصف الكتاب بكونه حكيما وجوه:

الأوّل:أنّ(الحكيم)هو ذو الحكمة بمعنى اشتمال الكتاب على الحكمة.

الثّاني:أن يكون المراد وصف الكلام بصفة من تكلّم به.[ثمّ استشهد بشعر]

الثّالث:قال الأكثرون:(الحكيم)بمعنى الحاكم، «فعيل»بمعنى«فاعل»،دليله قوله تعالى: وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ البقرة:

213.فالقرآن كالحاكم في الاعتقادات لتميّز حقّها عن باطلها،و في الأفعال لتميّز صوابها عن خطئها،و كالحاكم على أنّ محمّدا[صلّى اللّه عليه و آله]صادق في دعوى النّبوّة،لأنّ المعجزة الكبرى لرسولنا عليه الصّلاة و السّلام ليست إلاّ القرآن.

الرّابع:أنّ(الحكيم)بمعنى المحكم.و الإحكام:

معناه المنع من الفساد،فيكون المراد منه أنّه لا يمحوه الماء،و لا تحرقه النّار،و لا تغيّره الدّهور.أو المراد منه براءته عن الكذب و التّناقض.

الخامس:قال الحسن:وصف الكتاب بالحكيم، لأنّه تعالى حكم فيه بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى،و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي،و حكم فيه بالجنّة لمن أطاعه و بالنّار لمن عصاه.

فعلى هذا،(الحكيم)يكون معناه المحكوم فيه.

السّادس:أنّ(الحكيم)في أصل اللّغة:عبارة عن الّذي يفعل الحكمة و الصّواب،فكان وصف القرآن به مجازا.و وجه المجاز هو أنّه يدلّ على الحكمة و الصّواب، فمن حيث إنّه يدلّ على هذه المعانى صار كأنّه هو الحكيم في نفسه.(17:4)

2- تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. لقمان:2

الضّحّاك: البيّن من عند اللّه.(الماورديّ 4:326)

يحيى بن سلاّم:المحكم،أحكمت آياته بالحلال و الحرام و الأحكام.(الماورديّ 4:326)

الرّمّانيّ: أنّه يظهر من الحكمة بنفسه كما يظهره الحكيم بقوله.(الماورديّ 4:326)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه الأوّل:[قول ابن سلاّم]

و الثّاني:المتقن،لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من

ص: 343

خلفه،و هو قريب من المعنى الأوّل،قاله ابن شجرة.

و الثالث،و الرّابع[قول الضّحّاك و الرّمّانيّ]

(4:326)

الطّوسيّ: الحكيم من صفة الكتاب فلذلك جرّه، و إنّما وصف الكتاب بأنّه(حكيم)مع أنّه محكم،لأنّه يظهر الحقّ و الباطل بنفسه،كما يظهره الحكيم بقوله، و لذلك يقال:الحكمة تدعو إلى الإحسان و تصرف عن الإساءة.و قال أبو صالح:أحكمت آياته بالحلال و الحرام،و قال غيره،أحكمت بأن أتقنت. لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ فصّلت:42

(8:269)

الزّمخشريّ: ذي الحكمة،أو وصف بصفة اللّه تعالى على الإسناد المجازيّ.و يجوز أن يكون الأصل:

الحكيم قائله،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه، فبانقلابه مرفوعا بعد الجرّ استكنّ في الصّفة المشبّهة.

(3:229)

نحوه النّسفيّ(3:278)،و أبو السّعود(5:185)

ابن عطيّة: يصحّ أن يكون من الحكمة،و يصحّ أن يكون من الحكم.(4:345)

أبو حيّان :و وصف(الكتاب)ب(الحكيم)إمّا لتضمّنه للحكمة.قيل:أو«فعيل»بمعنى المحكم.و هذا يقلّ أن يكون«فعيل»بمعنى«مفعل»،و منه:عقدت(1) العسل فهو عقيد،أي معقد.و يجوز أن يكون حكيم بمعنى حاكم.(7:183)

البروسويّ: أي ذي الحكمة،لاشتماله عليها،أو المحكم المحروس من التّغيير و التّبديل،و الممنوع من الفساد و البطلان،فهو«فعيل»بمعنى«المفعل»و إن كان قليلا كما قالوا:أعقدت اللّبن فهو عقيد،أي معقد.

(7:62)

الآلوسيّ: أي ذي الحكمة،و وصف الكتاب بذلك عند بعض المغاربة مجاز،لأنّ الوصف بذلك للتّملّك،و هو لا يملك الحكمة بل يشتمل عليها و يتضمّنها،فلأجل ذلك وصف بالحكيم بمعنى ذي الحكمة.و استظهر الطّيّبيّ أنّه على ذلك من الاستعارة المكنيّة.و الحقّ أنّه من باب عِيشَةٍ راضِيَةٍ القارعة:7،على حدّ لابن و تامر.نعم يجوز ان يكون هناك استعارة بالكناية،أي النّاطق بالحكمة كالحيّ،و يجوز أن يكون الحكيم من صفاته عزّ و جلّ.و وصف الكتاب به من باب الإسناد المجازيّ،فإنّه منه سبحانه بدا،و قد يوصف الشّيء بصفة مبدئه.[ثمّ استشهد بشعر]و أن يكون الأصل:الحكيم منزّله أو قائله،فحذف المضاف إلى الضّمير المجرور،و أقيم المضاف إليه مقامه،فانقلب مرفوعا ثمّ استكنّ في الصّفة المشبّهة،و أن يكون(الحكيم)«فعيلا»بمعنى«مفعل»،كما قالوا:عقدت(2) العسل فهو عقيد،أي معقد،و هذا قليل.و قيل:هو بمعنى حاكم.(21:65)

ابن عاشور :و(الحكيم)وصف للكتاب بمعنى ذي الحكمة،أي لاشتماله على الحكمة،فوصف(الكتاب) ب(الحكيم)كوصف الرّجل بالحكيم،و لذلك قيل:إنّ

ص: 344


1- كذا،و الصحيح:أعقدت.
2- كذا،و الصحيح:أعقدت.

الحكيم استعارة مكنيّة،أو بعبارة أرشق تشبيه بليغ بالرّجل الحكيم.و يجوز أن يكون الحكيم بمعنى المحكم بصيغة اسم المفعول،وصفا على غير قياس كقولهم:

عسل عقيد،لأنّه أحكم و أتقن،فليس فيه فضول و لا ما لا يفيد كمالا نفسانيّا،و في وصف(الكتاب)بهذا الوصف براعة استهلال للغرض من ذكر حكمة لقمان، و تقدّم وصف الكتاب ب(الحكيم)في أوّل سورة يونس:1.(21:89)

الطّباطبائيّ: و قد وصف(الكتاب)ب(الحكيم) إشعارا بأنّه ليس من لهو الحديث من شيء،بل كتاب لا انثلام فيه ليداخله لهو الحديث و باطل القول.

(16:209)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ وصف(الكتاب) ب(الحكيم)إمّا لقوّة و متانة محتواه،لأنّ الباطل لا يجد إليه طريقا و سبيلا،و يطرد عن نفسه كلّ نوع من الخرافات و الأساطير،و لا يقول إلاّ الحقّ،و لا يدعو إلاّ إليه.و هذا التّعبير في مقابل لَهْوَ الْحَدِيثِ لقمان:6، الّذي يأتي في الآيات التّالية تماما،أو بمعنى أنّ القرآن كالعالم الحكيم الّذي يتكلّم بألف لسان في الوقت الّذي هو صامت لا ينطق،فيعلّم،و يعظ و ينصح،و يرغّب و يرهّب،و يحذّر و يتوعّد،و يبيّن القصص ذات العبرة.

و خلاصة القول:فإنّه حكيم بكلّ معنى الكلمة،و لهذه البداية علاقة مباشرة بكلام لقمان الحكيم الّذي ورد البحث فيه في هذه السّورة.(13:12)

فضل اللّه :الّذي ينطلق في تخطيطه للعقيدة و للحياة على أساس الحكمة الّتي تضع لكلّ شيء حدودا تتّصل بخصوصيّاته،و تتحرّك في اتّجاه غاياته الخيّرة السّليمة،و لذلك فإنّ من المفروض أن يلتمس النّاس في آياته القواعد الفكريّة و العمليّة الّتي تركّز حياتهم على أسس ثابتة متينة.(18:175)

القرآن الحكيم

1- يس* وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. يس:1،2

ابن عبّاس: أقسم بالقرآن المحكم بالحلال و الحرام و الأمر و النّهي.(369)

نحوه الواحديّ.(3:509)

الطّبريّ: يقول:و القرآن المحكم بما فيه من أحكامه و بيّنات حججه.(22:149)

الزّجّاج: معناه أنّ آياته أحكمت،و بيّن فيها الأمر و النّهي و الأمثال و أقاصيص الأمم السّابقة.(4:277)

الطّوسيّ: قسم من اللّه تعالى بهذا القرآن.وصفه بأنّه حكيم من حيث إنّ فيه الحكمة،فصار ذلك بمنزلة النّاطق به للبيان عن الحقّ الّذي يعمل به.و الحكمة قد تكون المعرفة،و قد تكون ما يدعو إلى المعرفة،و أصله المنع من الخلل و الفساد،فالمعرفة تدعو إلى ما أدّى إلى الحقّ من برهان أو بيان.[ثمّ استشهد بشعر]

(8:442)

الزّمخشريّ: ذي الحكمة،أو لأنّه دليل ناطق بالحكمة كالحيّ،أو لأنّه كلام حكيم فوصف بصفة المتكلّم به.(3:314)

ص: 345

نحوه الفخر الرّازيّ(26:40)،و النّسفيّ(4:2).

ابن عطيّة: و(الحكيم)المحكم،فيكون «فعيل»بمعنى«مفعل»أي أحكم في مواعظه و أوامره و نواهيه،و يحتمل أن يكون(الحكيم)بناء فاعل أي ذو الحكمة.(4:446)

الطّبرسيّ: أقسم سبحانه بالقرآن المحكم من الباطل،و قيل:سمّاه حكيما لما فيه من الحكمة،فكأنّه المظهر للحكمة النّاطق بها.(4:416)

القرطبيّ: و الحكيم:المحكم،حتّى لا يتعرّض لبطلان و تناقض،كما قال: أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1، و كذلك أحكم في نظمه و معانيه فلا يلحقه خلل.و قد يكون(الحكيم)في حقّ اللّه بمعنى المحكم بكسر الكاف كالأليم بمعنى المؤلم.(15:5)

أبو حيّان :و الحكيم إمّا«فعيل»بمعنى«مفعل»كما تقول:عقدت العسل فهو عقيد أي معقد،و إمّا للمبالغة من حاكم،و إمّا على معنى السّبب أي ذي حكمة.

(7:323)

الشّربينيّ: أي المحكم بعظيم النّظم و بديع المعاني.(3:327)

أبو السّعود :أي المتضمّن للحكمة أو النّاطق بها بطريق الاستعارة،أو المتّصف بها على الإسناد المجازيّ، و قد جوّز أن يكون الأصل:الحكيم قائله،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه،فبانقلابه مرفوعا بعد الجرّ استكنّ في الصّفة المشبّهة،كما مرّ في صدر سورة لقمان.(5:289)

البروسويّ: أي الحاكم كالعليم بمعنى العالم،فإنّه يحكم بما فيه من الأحكام،أو المحكم من التّناقض و العيب و من التّغيّر بوجه ما،كما قال تعالى: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،و هو الّذي أحكم نظمه و أسلوبه، و أتقن معناه و فحواه،أو ذي الحكمة،أي المتضمّن لها و المشتمل عليها،فإنّه منبع كلّ حكمة،و معدن كلّ عظة، فيكون بمعنى النّسب مثل تامر بمعنى ذي تمر،أو هو من قبيل وصف الكلام بصفة المتكلّم به،أي الحكيم قائله.

(7:366)

شبّر:المحكم أو الجامع للحكم.(5:217)

الشّوكانيّ: (الحكيم)بالجرّ على أنّه مقسم به ابتداء،و قيل:هو معطوف على(يس)على تقدير كونه مجرورا بإضمار القسم.قال النّقّاش:لم يقسم اللّه لأحد من أنبيائه بالرّسالة في كتابه إلاّ لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم تعظيما له و تمجيدا.و الحكيم المحكم الّذي لا يتناقض و لا يتخالف،أو الحكيم قائله،و جواب القسم إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ يس:3.(4:450)

الآلوسيّ: أي ذي الحكمة على أنّه صيغة نسبة ك«لابن و تامر»أي متضمّن إيّاها أو النّاطق بالحكمة كالحيّ على أن يكون من الاستعارة المكنيّة،أو المتّصف بالحكمة على أنّ الإسناد مجازيّ،و حقيقته الإسناد إلى اللّه تعالى المتكلّم به.(22:212)

القاسميّ: أي ذي الحكمة أو النّاطق بالحكمة،و لمّا كانت منزلة الحكمة من المعارف،منزلة الرّأس،و كانت أخصّ أوصاف التّنزيل،أوثرت في القسم به دون بقيّة

ص: 346

صفاته،لذلك.(14:4991)

ابن عاشور :و(الحكيم)يجوز أن يكون بمعنى المحكم بفتح الكاف،أي المجعول ذا إحكام،و الإحكام:

الإتقان بماهيّة الشّيء فيما يراد منه.و يجوز أن يكون بمعنى صاحب الحكمة،و وصفه بذلك مجاز عقليّ،لأنّه محتو عليها.(22:195)

الطّباطبائيّ: إقسام منه تعالى بالقرآن الحكيم على كون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من المرسلين،و قد وصف(القرآن) ب(الحكيم)لكونه مستقرّا فيه الحكمة و هي حقائق المعارف،و ما يتفرّع عليها من الشّرائع و العبر و المواعظ.(17:62)

مكارم الشّيرازيّ: الملفت للنّظر،أنّه وصف (القرآن)هنا ب(الحكيم)في حين أنّ الحكمة عادة صفة للعاقل،كأنّه سبحانه يريد طرح القرآن على أنّه موجود حيّ و عاقل و قائد و زعيم،يستطيع فتح أبواب الحكمة أمام البشر،و يؤدّي إلى الصّراط المستقيم الّذي تشير إليه الآيات التّالية.(14:119)

واسعا حكيما

وَ إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَ كانَ اللّهُ واسِعاً حَكِيماً. النّساء:130

ابن عبّاس: فيما حكم عليهما من العدل.(82)

الكلبيّ: يريد فيما حكم على الزّوج من إمساكها بمعروف أو تسريح بإحسان.(الفخر الرّازيّ 11:69)

نحوه الثّعلبيّ.(3:396)

الطّبريّ: فيما قضى بينه و بينها من الفرقة و الطّلاق، و سائر المعاني الّتي عرفناها من الحكم بينهما في هذه الآيات و غيرها،و في غير ذلك من أحكامه و تدبيره، و قضاياه في خلقه.(5:317)

الطّوسيّ: (حكيما)بهم في ما يدبّرهم.(3:350)

نحوه الطّبرسيّ.(2:120)

الواحديّ: فيما حكم و وعظ و علم ذكر ما يوجب الرّغبة إليه في طلب الخير منه.(2:126)

البيضاويّ: مقتدرا متقنا في أفعاله و أحكامه.

(1:248)

نحوه أبو السّعود(2:205)،و الآلوسيّ(5:163)، و القاسميّ(5:1600).

البروسويّ: أي مقتدرا متقنا في أفعاله و أحكامه، و له حكمة بالغة فيما يحكم من الفرقة،يجعل لكلّ واحد منهما من يسكن إليه،فيتسلّى به عن الأوّل،و تزول حرارة محبّته عن قلبه،و ينكشف عنه همّ عشقه،فعلى المؤمن ترك حظّ النّفس و الدّور مع الأمر الإلهيّ في جملة أموره و أحكامه،و العمل في حقّ النّساء بقوله تعالى:

فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ البقرة:229، و الميل إلى جانب العدل و الإعراض عن طرف الظّلم و الاستحلال،قبل أن يجيء يوم لا بيع فيه و لا خلال.

(2:297)

حكما

وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ

ص: 347

وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً. النّساء:35

الإمام عليّ عليه السّلام:[في حديث عن عبيدة:]جاء رجل و امرأته بينهما شقاق إلى عليّ رضى اللّه عنه،مع كلّ واحد منهما فئام من النّاس،فقال عليّ رضى اللّه عنه:ابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها.ثمّ قال للحكمين:تدريان ما عليكما؟عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا،و إن رأيتما أن تفرّقا أن تفرّقا.قالت المرأة:رضيت بكتاب اللّه،بما عليّ فيه و لي.قال الرّجل:أمّا الفرقة فلا.فقال عليّ رضى اللّه عنه:

كذبت و اللّه،لا تنقلب حتّى تقرّ بمثل الّذي أقرّت به.

(الطّبريّ 5:71)

ابن عبّاس: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ من أهل الرّجل إلى الرّجل حتّى يسمع كلامه،و يعلم ظالما هو أو مظلوما. وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها من أهل المرأة إلى المرأة حتّى يسمع كلامها و يعلم،ظالمة هي أو مظلومة.(69)

فهذا الرّجل و المرأة،إذا تفاسد الّذي بينهما،فأمر اللّه سبحانه أن يبعثوا رجلا صالحا من أهل الرّجل،و مثله من أهل المرأة،فينظران أيّهما المسيء.فإن كان الرّجل هو المسيء،حجبوا عنه امرأته و قصروه على النّفقة،و إن كانت المرأة هي المسيئة،قصروها على زوجها و منعوها النّفقة،فإن اجتمع رأيهما على أن يفرّقا أو يجمعا، فأمرهما جائز.فإن رأيا أن يجمعا،فرضي أحد الزّوجين و كره ذلك الآخر،ثمّ مات أحدهما،فإنّ الّذي رضي يرث الّذي كره،و لا يرث الكاره الرّاضي،و ذلك قوله:

إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً، هما الحكمان، يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما.

نحوه النّخعيّ،و الشّعبيّ،و الضّحّاك،و ابن سيرين.

(الطّبريّ 5:73)

سعيد بن جبير: في المختلعة:يعظها،فإن انتهت و إلاّ هجرها،فإن انتهت و إلاّ ضربها،فإن انتهت و إلاّ رفع أمرها إلى السّلطان،فيبعث حكما من أهله و حكما من أهلها،فيقول الحكم الّذي من أهلها:يفعل بها كذا، و يقول الحكم الّذي من أهله:تفعل به كذا.فأيّهما كان الظّالم ردّه السّلطان و أخذ فوق يديه،و إن كانت ناشزا أمره أن يخلع.

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 5:71)

الحسن :إنّما يبعث الحكمان ليصلحا و يشهدا على الظّالم بظلمه.و أمّا الفرقة،فليست في أيديهما و لم يملّكا ذلك،يعني: وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها.

مثله قتادة.(الطّبريّ 5:72)

نحوه ابن كعب القرظيّ،و ابن زيد.

(الطّبريّ 5:73)

السّدّيّ: إذا هجرها في المضجع و ضربها،فإن رجعت فليس عليها سبيل،و إن أبت أن ترجع و شاقّته، فليبعث حكما من أهله،و تبعث حكما من أهلها،و تقول المرأة لحكمها:«قد ولّيتك أمري،فإن أمرتني أن أرجع رجعت،و إن فرّقت تفرّقنا»،و تخبره بأمرها إن كانت تريد نفقة،أو كرهت شيئا من الأشياء،و تأمره أن يرفع ذلك عنها و ترجع،أو تخبره أنّها لا تريد الطّلاق.و يبعث

ص: 348

الرّجل حكما من أهله يولّيه أمره،و يخبره حاجته:إن كان يريدها أو يريد أن يطلّقها،أعطاها ما سألت و زادها في النّفقة،و إلاّ قال له:«خذ لي ما لها عليّ،و طلّقها»، فيولّيه أمره،فإن شاء طلّق،و إن شاء أمسك.ثمّ يجتمع الحكمان،فيخبر كلّ منهما ما يريد صاحبه.فإن اتّفق الحكمان على شيء فهو جائز،إن طلّقا أو أمسكا.فإن بعثت المرأة حكما و أبى الرّجل أن يبعث،فإنّه لا يقربها حتّى يبعث حكما.(203)

الإمام الصّادق عليه السّلام:ليس للحكمين أن يفرّقا حتّى يستأمرا من الرّجل و المرأة،و يشترطا عليهما،إن شئنا جمعنا،و إن شئنا فرّقنا.فإن فرّقا فجائز،و إن جمعا فجائز.(البحرانيّ 3:96)

[في حديث]عن سماعة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ فَابْعَثُوا حَكَماً إلخ،أ رأيت إن استأذن الحكمان،فقالا للرّجل و المرأة أ ليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح و التّفريق؟فقال الرّجل و المرأة نعم،و أشهدا بذلك شهودا عليهما،أ يجوز تفريقهما؟قال:

«نعم،و لكن لا يكون إلاّ على طهر من المرأة من غير جماع من الزّوج».

قيل له:أ رأيت إن قال أحد الحكمين:قد فرّقت بينهما،و قال الآخر لم أفرّق بينهما فقال«لا يكون تفريق حتّى يجتمعا جميعا على التّفريق،فإذا اجتمعا على التّفريق جاز تفريقهما».(البحرانيّ 3:96)

الشّافعيّ: الّذي يشبه ظاهر الآية أنّه فيما عمّ الزّوجين معا حتّى يشتبه فيه حالاهما،و ذلك أنّي وجدت اللّه سبحانه أذن في نشوز الزّوج بأن يصالحا، و بيّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ذلك،و بيّن في نشوز المرأة بالضّرب، و أذن في خوفهما ألاّ يقيما حدود اللّه بالخلع،و ذلك يشبه أن يكون برضاء المرأة،و حظر أن يأخذ الرّجل ممّا أعطى شيئا إن أراد استبدال زوج مكان زوج،فلمّا أمر فيمن خفنا الشّقاق بينهما بالحكمين،دلّ ذلك على أنّ حكمها غير حكم الأزواج،فلمّا كان كذلك بعث حكما من أهله و حكما من أهلها،و لا يبعث الحكمين إلاّ مأمونين برضى الزّوجين و توكيلهما للحكمين،بأن يجمعا أو يفرّقا إذا رأيا ذلك.و وجدنا حديثا بإسناده يدلّ على أن الحكمين وكيلان للزّوجين.(ابن العربيّ 1:421)

الطّبريّ: قوله: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في المخاطبين بهذه الآية:من المأمور ببعثة الحكمين؟

فقال بعضهم:المأمور بذلك،السّلطان الّذي يرفع ذلك إليه.

و قال آخرون:بل المأمور بذلك:الرّجل و المرأة.

ثمّ اختلف أهل التّأويل فيما يبعث له الحكمان،و ما الّذي يجوز للحكمين من الحكم بينهما،و كيف وجه بعثهما بينهما؟

فقال بعضهم:يبعثهما الزّوجان بتوكيل منهما إيّاهما بالنّظر بينهما،و ليس لهما أن يعملا شيئا في أمرهما إلاّ ما وكّلاهما به،أو وكّله كلّ واحد منهما بما إليه،فيعملان بما وكّلهما به من وكّلهما من الرّجل و المرأة فيما يجوز توكيلهما فيه،أو توكيل من وكّل منهما في ذلك.(الطّبريّ 5:71)

ص: 349

و قال آخرون:إن الّذي يبعث الحكمين هو السّلطان،غير أنّه إنّما يبعثهما ليعرفا الظّالم من المظلوم منهما،ليحملهما على الواجب لكلّ واحد منهما قبل صاحبه،لا التّفريق بينهما.

و قال آخرون:بل إنّما يبعث الحكمين السّلطان،على أنّ حكمهما ماض على الزّوجين في الجميع و التّفريق.

و أولى الأقوال بالصّواب في قوله: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها، أنّ اللّه خاطب المسلمين بذلك،و أمرهم ببعثة الحكمين عند خوف الشّقاق بين الزّوجين للنّظر في أمرهما،و لم يخصّص بالأمر بذلك بعضهم دون بعض.

و قد أجمع الجميع على أن بعثة الحكمين في ذلك ليست لغير الزّوجين،و غير السّلطان الّذي هو سائس أمر المسلمين،أو من أقامه في ذلك مقام نفسه.

و اختلفوا في الزّوجين و السّلطان،و من المأمور بالبعثة في ذلك:الزّوجان،أو السّلطان؟و لا دلالة في الآية تدلّ على أنّ الأمر بذلك مخصوص به أحد الزّوجين،و لا أثر به عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و الأمّة فيه مختلفة.

و إذ كان الأمر على ما وصفنا،فأولى الأقوال في ذلك بالصّواب:أن يكون مخصوصا من الآية ما أجمع الجميع على أنّه مخصوص منها؛و إذ كان ذلك كذلك،فالواجب أن يكون الزّوجان و السّلطان ممّن قد شمله حكم الآية، و الأمر بقوله: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها، إذ كان مختلفا بينهما:هل هما معنيّان بالأمر بذلك أم لا؟-و كان ظاهر الآية قد عمّهما-فالواجب من القول؛إذ كان صحيحا ما وصفنا،أن يقال:إن بعث الزّوجان كلّ واحد منهما حكما من قبله لينظر في أمرهما، و كان كلّ واحد منهما قد بعثه من قبله في ذلك،لما له على صاحبه و لصاحبه عليه،فتوكيله بذلك من وكّل جائز له،و عليه.

و إن وكّله ببعض و لم يوكّله بالجميع،كان ما فعله الحكم ممّا وكّله به صاحبه ماضيا جائزا على ما وكّله به.

و ذلك أن يوكّله أحدهما بما له دون ما عليه.

و إن لم يوكّل كلّ واحد من الزّوجين بما له و عليه،أو بما له،أو بما عليه إلاّ الحكمين كليهما،لم يجز إلاّ ما اجتمعا عليه،دون ما انفرد به أحدهما.

و إن لم يوكّلهما واحد منهما بشيء،و إنّما بعثاهما للنّظر بينهما،ليعرفا الظّالم من المظلوم منهما،ليشهدا عليهما عند السّلطان إن احتاجا إلى شهادتهما،لم يكن لهما أن يحدثا بينهما شيئا غير ذلك من طلاق،أو أخذ مال،أو غير ذلك،و لم يلزم الزّوجين و لا واحدا منهما شيء من ذلك.

فإن قال قائل:و ما معنى الحكمين؛إذ كان الأمر على ما وصفت؟

قيل:قد اختلف في ذلك.

فقال بعضهم:معنى«الحكم»،النّظر العدل،كما قال الضّحّاك بن مزاحم في الخبر الّذي ذكرناه،الّذي:

حدّثنا يحيى بن أبي طالب،عن يزيد،عن جويبر عنه:لا،أنتما قاضيان تقضيان بينهما.

على السّبيل الّتي بيّنّا من قوله.

ص: 350

و قال آخرون:معنى ذلك:أنّهما القاضيان،يقضيان بينهما ما فوّض إليهما الزّوجان.

و أيّ الأمرين كان،فليس لهما،و لا لواحد منهما، الحكم بينهما بالفرقة،و لا بأخذ مال إلاّ برضى المحكوم عليه بذلك،و إلاّ ما لزم من حقّ لأحد الزّوجين على الآخر في حكم اللّه،و ذلك ما لزم الرّجل لزوجته من النّفقة و الإمساك بمعروف،إن كان هو الظّالم لها.

فأمّا غير ذلك،فليس ذلك لهما،و لا لأحد من النّاس غيرهما،لا السّلطان و لا غيره.و ذلك أنّ الزّوج إن كان هو الظّالم للمرأة،فللإمام السّبيل إلى أخذه بما يجب لها عليه من حقّ.و إن كانت المرأة هي الظّالمة زوجها النّاشزة عليه،فقد أباح اللّه له أخذ الفدية منها، و جعل إليه طلاقها،على ما قد بيّنّاه في سورة«البقرة».

و إذ كان الأمر كذلك،لم يكن لأحد الفرقة بين رجل و امرأة بغير رضى الزّوج،و لا أخذ مال من المرأة بغير رضاها بإعطائه،إلاّ بحجّة يجب التّسليم لها من أصل أو قياس.

و إن بعث الحكمين السّلطان،فلا يجوز لهما أن يحكما بين الزّوجين بفرقة إلاّ بتوكيل الزّوج إيّاهما بذلك،و لا لهما أن يحكما بأخذ مال من المرأة إلاّ برضى المرأة.يدلّ على ذلك ما قد بيّنّاه قبل من فعل عليّ بن أبي طالب رضى اللّه عنه بذلك،و القائلين بقوله.و لكن لهما أن يصلحا بين الزّوجين،و يتعرّفا الظّالم منهما من المظلوم،ليشهدا عليه إن احتاج المظلوم منهما إلى شهادتهما.

و إنّما قلنا:«ليس لهما التّفريق»،للعلّة الّتي ذكرناها آنفا،و إنّما يبعث السّلطان الحكمين إذا بعثهما،إذا ارتفع إليه الزّوجان،فشكا كلّ واحد منهما صاحبه،و أشكل عليه المحقّ منهما من المبطل،لأنّه إذا لم يشكل المحقّ من المبطل،فلا وجه لبعثه الحكمين في أمر قد عرف الحكم فيه.(5:70)

الشّريف الرّضيّ: ربّما سأل سائل في هذه السّورة عن قوله تعالى: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها... فقال:لم لم يقل:(حاكما)بدل قوله:

(حكما)؟

و الجواب:أنّه سبحانه إنّما سمّى المبعوثين من أهل الرّجل و المرأة حكمين،لنقصان تصرّفهما،و لو ملكا التّصرّف من جميع الوجوه لسمّاهما حاكمين،أ لا ترى أنّ من مذهب أهل العراق أنّه ليس للحكمين التّفريق إلاّ بوكالة،و هو أحد قولي الشّافعيّ،و هذا يدلّ على نقصان تصرّفهما فلذلك سمّيا حكمين،و العرب تسمّي الرّجل حكما إذا تنافر إليه الرّجلان ففضّل أحدهما على صاحبه،و إنّما سمّي حكما،لأنّه ليس يتجاوز أن يعلمهما أنّ أحدهما أفضل من الآخر،و ليس هناك إلزام أمر و لا إمضاء حكم كما يفعل الحكّام،فلذلك لم يسمّ حاكما، و هذا واضح بحمد اللّه.(حقائق التّأويل:444)

الزّجّاج: [ذكر فعل عليّ عليه السّلام في هذه المسألة كما تقدّم عن عبيدة و قال:]

قال بعضهم على الحكمين أن يعظا و يعرّفا ما على كلّ واحد من الزّوج و المرأة في مجاوزة الحقّ،فإن رأيا أن يفرّقا فرّقا،و أن رأيا أن يجمعا جمعا.

ص: 351

و حقيقة أمر الحكمين أنّهما يقصدان للإصلاح و ليس لهما طلاق،و إنّما عليهما أن يعرّفا الإمام حقيقة ما وقفا عليه،فإن رأى الإمام أن يفرّق فرّق،أو أن يجمع جمع.

و إن وكّلهما بتفريق أو بجمع فهما بمنزلة،و ما فعل عليّ رضى الله عنه فهو فعل للإمام أن يفعله،و حسبنا بعليّ عليه السّلام إماما،فلمّا قال لهما:إن رأيتما أن تجمعا جمعتما،و إن رأيتما أن تفرّقا فرّقتما،كان قد ولاّهما ذلك و وكّلهما فيه.

(2:49)

الطّوسيّ: و المأمور ببعث الحكمين قيل فيه قولان:أحدهما:قال سعيد بن جبير،و الضّحّاك و أكثر الفقهاء و هو الظّاهر في أخبارنا:أنّه السّلطان الّذي يترافعان إليه.

و الثّاني:قال السّدّيّ:أنّه الرّجل و المرأة،و قيل:

أيّهما كان ناب عن الآخر،و هو اختيار الطّبريّ.

و اختلف الفقهاء في الحكمين هل هما وكيلان أو هما حكمان،فعندنا أنّهما حكمان،و قال قوم:هما وكيلان.

و اختلفوا هل للحكمين أن يفرّقا بالطّلاق إن رأياه أم لا؟فعندنا ليس لهما ذلك إلاّ بعد أن يستأمراهما،أو كان إذن لهما في الأصل في ذلك،و به قال الحسن،و قتادة، و ابن زيد عن أبيه.و من قال:هما وكيلان،قال:لهما ذلك،ذهب إليه سعيد بن جبير،و الشّعبيّ،و السّدّيّ و إبراهيم،و شريح،و رووه عن عليّ عليه السّلام.(3:192)

الواحديّ: المأمور ببعث الحكمين السّلطان الّذي يترافع الزّوجان فيما شجر بينهما إليه،و الحكم بمعنى الحاكم و هو المانع من الظّلم.

و قوله: مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها أي من أقارب هذا و أقارب تلك.(2:47)

البغويّ: يعني خلافا بين الزّوجين،و الخوف بمعنى اليقين.و قيل:هو بمعنى الظّنّ،يعني:إن ظننتم شقاق بينهما.و جملته أنّه إذا ظهر بين الزّوجين شقاق،و اشتبه حالهما،فلم يفعل الزّوج الصّفح و لا الفرقة،و لا المرأة تأدية الحقّ و لا الفدية،و خرجا إلى ما لا يحلّ قولا و فعلا،بعث الإمام حكما من أهله إليه،و حكما من أهلها إليها،رجلين حرّين عدلين ليستطلع كلّ واحد من الحكمين رأي من بعث إليه،إن كانت رغبته في الصّلح أو في الفرقة،ثمّ يجتمع الحكمان فينفّذان ما يجتمع عليه رأيهما من الصّلاح،فلذلك قوله عزّ و جلّ: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ...، يعني الحكمين...

و اختلف القول في جواز بعث الحكمين من غير رضا الزّوجين.و أصحّ القولين أنّه لا يجوز إلاّ برضاهما، و ليس لحكم الزّوج أن يطلّق إلاّ بإذنه،و لا لحكم المرأة أن يخلع على ما لها إلاّ بإذنها،و هو قول أصحاب الرّأي،لأنّ عليّا رضى اللّه عنه حين قال الرّجل:أمّا الفرقة فلا، قال:«كذبت حتّى تقرّ بمثل الّذي أقرّت به»فثبت أنّ تنفيذ الأمر موقوف على إقراره و رضاه،و القول الثّاني:

يجوز بعث الحكمين دون رضاهما،فيجوز لحكم الزّوج أن يطلّق دون رضاه،و لحكم المرأة أن يختلع دون رضاها،إذا رأيا الصّلاح فيه،كالحاكم يحكم بين الخصمين و إن لم يكن على وفق مرادهما،و به قال مالك.

و من قال بهذا قال:بما في كتاب اللّه.فقال الرّجل:أمّا

ص: 352

الفرقة فلا،يعني:ليست الفرقة في كتاب اللّه،فقال عليّ:

كذبت حيث أنكرت أن تكون الفرقة في كتاب اللّه،بل هي في كتاب اللّه،فإنّ قوله تعالى: يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما يشتمل على الفراق و غيره،لأنّ التّوفيق أن يخرج كلّ واحد منهما من الوزر،و ذلك تارة يكون بالفراق و تارة بإصلاح حالهما في الوصلة.(1:613)

الزّمخشريّ: رجلا مقنعا رضيّا يصلح لحكومة العدل و الإصلاح بينهما،و إنّما كان بعث الحكمين من أهلهما،لأنّ الأقارب أعرف ببواطن الأحوال و أطلب للصّلاح،و إنّما تسكن إليهم نفوس الزّوجين،و يبرز إليهم ما في ضمائرهما من الحبّ و البغض و إرادة الصّحبة و الفرقة و موجبات ذلك و مقضيّاته و ما يزويانه عن الأجانب،و لا يحبّان أن يطّلعوا عليه.

فإن قلت:فهل يليان الجمع بينهما و التّفريق إن رأيا ذلك؟قلت:قد اختلف فيه،فقيل:ليس إليهما ذلك إلاّ بإذن الزّوجين،و قيل:ذلك إليهما،و ما جعلا حكمين إلاّ و إليهما بناء الأمر على ما يقتضيه اجتهادهما.(5251)

ابن عطيّة: و اختلف من المأمور ب«البعثة»، فقيل:الحاكم،فإذا أعضل على الحاكم أمر الزّوجين، و تعاضدت عنده الحجج،و اقترنت الشّبه،و اغتمّ وجه الإنفاذ على أحدهما،بعث حكمين من الأهل ليباشر الأمر،و خصّ الأهل لأنّهم مظنّة العلم بباطن الأمر، و مظنّة الإشفاق بسبب القرابة،و قيل:المخاطب الزّوجان و إليهما تقديم الحكمين،و هذا في مذهب مالك،و الأوّل لربيعة و غيره.

و اختلف النّاس في المقدار الّذي ينظر فيه الحكمان، فقال الطّبريّ: قالت فرقة:لا ينظر الحكمان إلاّ فيما وكّلهما به الزّوجان،و صرّحا بتقديمهما عليه.ترجم بهذا ثمّ أدخل عن عليّ غيره.و قال الحسن بن أبي الحسن و غيره:ينظر الحكمان في الإصلاح،و في الأخذ و الإعطاء إلاّ في الفرقة فإنّها ليست إليهما.و قالت فرقة:

ينظر الحكمان في كلّ شيء،و يحملان على الظّالم، و يمضيان ما رأيا من بقاء أو فراق،و هذا هو مذهب مالك و الجمهور من العلماء،و هو قول عليّ بن أبي طالب في «المدوّنة»و غيرها.و تأوّل الزّجّاج عليه غير ذلك، و أنّه وكّل الحكمين على الفرقة،و أنّها للإمام،و ذلك وهم من أبي إسحاق.(2:49)

ابن العربيّ: [نقل قول الشّافعيّ ثمّ قال:]

و الّذي يقتضي الرّدّ عليه بالإنصاف و التّحقيق أن نقول:أمّا قوله:الّذي يشبه ظاهر الآية أنّه فيما عمّ الزّوجين،فليس بصحيح،بل هو نصّه،و هي من أبين آيات القرآن و أوضحها جلاء،فإنّ اللّه تعالى قال:

اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ و من خاف من امرأته نشوزا وعظها؛فإن أنابت،و إلاّ هجرها في المضجع،فإن ارعوت،و إلاّ ضربها،فإن استمرّت في غلوائها مشى الحكمان إليهما،و هذا إن لم يكن نصّا،و إلاّ فليس في القرآن بيان.

و دعه لا يكون نصّا يكون ظاهرا،فأمّا أن يقول الشّافعيّ يشبه الظّاهر فلا ندري ما الّذي يشبه الظّاهر؟ و كيف يقول اللّه: وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا

ص: 353

حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها؛ فنصّ عليهما جميعا، و يقول هو:يشبه أن يكون فيما عمّهما،و أذن في خوفهما ألاّ يقيما حدود اللّه بالخلع،و ذلك يشبه أن يكون برضا المرأة،بل يجب أن يكون كذلك،و هو نصّه.

ثمّ قال:فلمّا أمر بالحكمين علمنا أنّ حكمهما غير حكم الأزواج،و يجب أن يكون غيره بأن ينفّذ عليهما بغير اختيارهما،فتتحقّق الغيريّة.

و أمّا قوله:لا يبعث الحكمين إلاّ مأمونين فصحيح، و لا خلاف فيه.

و أمّا قوله:برضا الزّوجين بتوكيلهما فخطأ صراح؛ فإنّ اللّه خاطب غير الزّوجين إذا خافا الشّقاق بين الزّوجين بإرسال الحكمين،و إذا كان المخاطب غيرهما فكيف يكون ذلك بتوكيلهما،و لا يصحّ لهما حكم إلاّ بما اجتمعا عليه،و التّوكيل من كلّ واحد لا يكون إلاّ فيما يخالف الآخر،و ذلك لا يمكن هاهنا.[إلى أن قال:]

المسألة الثّانية-قوله تعالى: حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها:

هذا نصّ من اللّه سبحانه في أنّهما قاضيان لا وكيلان، و للوكيل اسم في الشّريعة و معنى،و للحكم اسم في الشّريعة و معنى،فإذا بيّن اللّه سبحانه كلّ واحد منهما فلا ينبغي لشاد،فكيف لعالم أن يركّب معنى أحدهما على الآخر؛فذلك تلبيس و إفساد للأحكام،و إنّما يسيران بإذن اللّه،و يخلصان النّيّة لوجه اللّه،و ينظران فيما عند الزّوجين بالتثبّت؛فإن رأيا للجمع وجها جمعا،و إن وجداهما قد أنابا تركاهما.[و له بحث مستوفي في المسألة فلاحظ](1:422)

الطّبرسيّ: أي وجّهوا حكما من قوم الزّوج و حكما من قوم الزّوجة لينظرا فيما بينهما،و الحكم:القيّم بما يسند إليه.و اختلف في المخاطب بإنفاد الحكمين من هو؟فقيل:هو السّلطان الّذي يترافع الزّوجان إليه،عن سعيد بن جبير و الضّحّاك و أكثر الفقهاء،و هو الظّاهر في الأخبار عن الصّادقين.و قيل:إنّه الزّوجان و أهل الزّوجين،عن السّدّيّ.و اختلفوا في أنّ الحكمين هل لهما أن يفرقا بالطّلاق إن رأياه أم لا؟فالّذي رواه أصحابنا عنهم:أنّه ليس لهما ذلك إلاّ بعد أن يستأمراهما و يرضيا بذلك.و قيل:إنّ لهما ذلك،عن سعيد بن جبير و الشّعبيّ و السّدّيّ و إبراهيم،و رووه عن عليّ عليه السّلام.و من ذهب إلى هذا القول قال:إنّ الحكمين وكيلان.

(2:44)

الفخر الرّازيّ: المسألة الرّابعة:المخاطب بقوله:

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ من هو؟فيه خلاف:قال بعضهم:إنّه هو الإمام أو من يلي من قبله،و ذلك لأنّ تنفيذ الأحكام الشّرعيّة إليه.و قال آخرون:المراد كلّ واحد من صالحي الأمّة،و ذلك لأنّ قوله:(خفتم) خطاب للجمع،و ليس حمله على البعض أولى من حمله على البقيّة،فوجب حمله على الكلّ،فعلى هذا يجب أن يكون قوله: وَ إِنْ خِفْتُمْ خطابا لجميع المؤمنين.ثمّ قال:(فابعثوا)فوجب أن يكون هذا أمرا لآحاد الأمّة بهذا المعنى،فثبت أنّه سواء وجد الإمام أو لم يوجد، فللصّالحين أن يبعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها

ص: 354

للإصلاح.و أيضا فهذا يجري مجرى دفع الضّرر،و لكلّ أحد أن يقوم به.[إلى أن قال:]

المسألة السّادسة:قال الشّافعيّ رضى اللّه عنه:المستحبّ أن يبعث الحاكم عدلين و يجعلهما حكمين،و الأولى أن يكون واحد من أهله و واحد من أهلها،لأنّ أقاربهما أعرف بحالهما من الأجانب،و أشدّ طلبا للصّلاح،فإن كانا أجنبيّين جاز.و فائدة الحكمين أن يخلو كلّ واحد منهما بصاحبه و يستكشف حقيقة الحال،ليعرف أنّ رغبته في الإقامة على النّكاح،أو في المفارقة،ثمّ يجتمع الحكمان فيفعلان ما هو الصّواب من إيقاع طلاق أو خلع.

المسألة السّابعة:هل يجوز للحكمين تنفيذ أمر يلزم الزّوجين بدون إذنهما،مثل أن يطلّق حكم الرّجل،أو يفتدي حكم المرأة بشيء من مالها؟للشّافعيّ فيه قولان:أحدهما:يجوز،و به قال مالك و إسحاق.

و الثّاني:لا يجوز،و هو قول أبي حنيفة.و على هذا هو و كالة كسائر الوكالات.و ذكر الشّافعيّ رضى اللّه عنه حديث علي رضى اللّه عنه،و هو ما روى ابن سيرين عن عبيدة[و حكاه كما سبق عن الطّبريّ،ثمّ قال:].

قال الشّافعيّ رضى اللّه عنه:و في هذا الحديث لكلّ واحد من القولين دليل.

أمّا دليل القول الأوّل فهو أنّه بعث من غير رضا الزّوجين،و قال:عليكما إن رأيتما أن تجمعا فاجمعا،و أقلّ ما في قوله:عليكما،أن يجوز لهما ذلك.

و أمّا دليل القول الثّاني:أن الزّوج لمّا لم يرض توقّف عليّ،و معنى قوله:كذبت،أي لست بمنصف في دعواك حيث لم تفعل ما فعلت هي.و من النّاس من احتجّ للقول الأوّل بأنّه تعالى سمّاهما حكمين.و الحكم هو الحاكم، و إذا جعله حاكما فقد مكّنه من الحكم،و منهم من احتجّ للقول الثّاني بأنّه تعالى لمّا ذكر الحكمين،لم يضف إليهما إلاّ الإصلاح،و هذا يقتضي أن يكون ما وراء الإصلاح غير مفوّض إليهما.(10:92)

القرطبيّ: الجمهور من العلماء على أنّ المخاطب بقوله: وَ إِنْ خِفْتُمْ الحكّام و الأمراء،و أنّ قوله: إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما يعني الحكمين في قول ابن عبّاس و مجاهد و غيرهما،أي إن يرد الحكمان إصلاحا يوفّق اللّه بين الزّوجين.

و قيل:المراد الزّوجان،أي إن يرد الزّوجان إصلاحا و صدقا فيما أخبرا به الحكمين يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما.

و قيل:الخطاب للأولياء يقول: إِنْ خِفْتُمْ، أي علمتم خلافا بين الزّوجين فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها.

و الحكمان لا يكونان إلاّ من أهل الرّجل و المرأة؛إذ هما أقعد بأحوال الزّوجين،و يكونان من أهل العدالة و حسن النّظر و البصر بالفقه،فإن لم يوجد من أهلهما من يصلح لذلك،فيرسل من غيرهما عدلين عالمين؛و ذلك إذا أشكل أمرهما و لم يدر ممّن الإساءة منهما.فأمّا إن عرف الظّالم فإنّه يؤخذ له الحقّ من صاحبه،و يجبر على إزالة الضّرر.

و يقال:إنّ الحكم من أهل الزّوج يخلو به و يقول له:

ص: 355

أخبرني بما في نفسك أ تهواها أم لا،حتّى أعلم مرادك؟ فإن قال:لا حاجة لي فيها،خذلي منها ما استطعت و فرّق بيني و بينها،فيعرف أنّ من قبله النّشوز.و إن قال:

إنّي أهواها فأرضها من مالي بما شئت،و لا تفرّق بيني و بينها،فيعلم أنّه ليس بناشز.

و يخلو الحكم من جهتها بالمرأة و يقول لها:أ تهوي زوجك أم لا؛فإن قالت:فرّق بيني و بينه و أعطه من مالي ما أراد؛فيعلم أنّ النّشوز من قبلها،و إن قالت:لا تفرّق بيننا و لكن حثّه على أن يزيد في نفقتي و يحسن إليّ،علم أنّ النّشوز ليس من قبلها.

فإذا ظهر لهما الّذي كان النّشوز من قبله يقبلان عليه بالعظة و الزّجر و النّهي،فذلك قوله تعالى: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها. [ثمّ أدام الكلام]

(5:175)

البيضاويّ: فابعثوا أيّها الحكّام متى اشتبه عليكم حالهما،لتبيين الأمر أو إصلاح ذات البين رجلا وسطا يصلح للحكومة و الإصلاح من أهله،و آخر من أهلها، فإنّ الأقارب أعرف ببواطن الأحوال و أطلب للصّلاح، و هذا على وجه الاستحباب،فلو نصبا من الأجانب جاز.و قيل:الخطاب للأزواج و الزّوجات.و استدلّ به على جواز التّحكيم،و الأظهر أنّ النّصب لإصلاح ذات البين،أو لتبيين الأمر،و لا يليان الجمع و التّفريق إلاّ بإذن الزّوجين.و قال مالك:لهما أن يتخالعا إن وجدا الصّلاح فيه.(1:218)

نحوه النّسفيّ(1:224)،و أبو السّعود(2:134)، و البروسويّ(2:204)،و شبّر(2:43)،و القاسميّ(5:

1223).

أبو حيّان :و الخطاب في وَ إِنْ خِفْتُمْ و في فَابْعَثُوا للحكّام و من يتولّى الفصل بين النّاس.

و قيل:للأولياء،لأنّهم الّذين يلون أمر النّاس في العقود و الفسوخ،و لهم نصب الحكمين.و قيل:خطاب للمؤمنين.و أبعد من ذهب إلى أنّه خطاب للأزواج؛إذ لو كان خطابا للأزواج لقال:و إن خافا شقاق بينهما فليبعثا، أو لقال:فإن خفتم شقاق بينكم،لكنّه انتقال من خطاب الأزواج إلى خطاب من له الحكم و الفصل بين النّاس، و إلى أنّه خطاب للأزواج ذهب[إليه]الحسن و السّدّيّ، و الضّمير في(بينهما)عائد على الزّوجين،و لم يجر ذكرهما،لكن جرى ما يدلّ عليهما من ذكر الرّجال و النّساء.

و الحكم هو من يصلح للحكومة بين النّاس و الإصلاح،و لم تتعرّض الآية لما ذا يحكمان فيه،و إنّما كان من الأهل لأنّه أعرف بباطن الحال و تسكن إليه النّفس، و يطلع كلّ منهما حكمه على ما في ضميره من حبّ و بغض و إرادة صحبة و فرقة.

قال جماعة من العلماء لا بدّ أن يكونا عارفين بأحوال الزّوجين،عدلين،حسنى السّياسة و النّظر في حصول المصلحة،عالمين بحكم اللّه في الواقعة الّتي حكما فيها، فإن لم يكن من أهلهما من يصلح لذلك أرسل من غيرهما عدلين عالمين،و ذلك إذا أشكل أمرهما و رغبا فيمن يفصل بينهما.و قال بعض العلماء:إنّما هذا الشّرط في

ص: 356

الحكمين اللّذين يبعثهما الحاكم،و أمّا الحكمان اللّذان يبعثهما الزّوجان فلا يشترط فيهما إلاّ أن يكونا بالغين عاقلين مسلمين من أهل العفاف و السّتر،يغلب على الظّنّ نصحهما.

و اختلفوا في المقدار الّذي ينظر فيه الحكمان،فذهب الجمهور إلى أنّهما ينظران في كلّ شيء،و يحملان على الظّالم و يمضيان ما رأيا من بقاء أو فراق،و به قال مالك و الأوزاعيّ و إسحاق و أبو ثور،و هو مرويّ عن عليّ و عثمان و ابن عبّاس و الشّعبيّ و النّخعيّ و مجاهد و أبي سلمة و طاوس.

قال مالك:إذا رأيا التّفريق فرّقا سواء وافق مذهب قاضي البلد أو خالفه،وكّلاه أم لا،و الفراق في ذلك طلاق بائن.

و قالت طائفة:لا ينظر الحكمان إلاّ فيما وكّلهما به الزّوجان و صرّحا بتقديمهما عليه،فالحكمان وكيلان:

أحدهما للزّوج،و الآخر للزّوجة،و لا تقع الفرقة إلاّ برضا الزّوجين،و هو مذهب أبي حنيفة.و عن الشّافعيّ القولان.و قال الحسن و غيره:ينظر الحكمان في الإصلاح و في الأخذ و الإعطاء إلاّ في الفرقة فإنّها ليست إليهما.

و أمّا ما يقول الحكمان،فقال جماعة:يقول حكم الزّوج له:أخبرني ما في خاطرك،فإن قال:لا حاجة لي فيها،خذ لي ما استطعت،و فرّق بيننا،علم أنّ النّشوز من قبله.و إن قال أهواها و رضّها من مالي بما شئت،و لا تفرّق بيننا،علم أنّه ليس بناشز.و يقول الحكم من جهتها لها:كذلك،فإذا ظهر لهما أن النّشوز من جهته و عظاه و زجراه و نهياه.[إلى أن قال:]

ظاهر الآية أنّه لا بدّ من إرسال الحكمين،و به قال الجمهور.و روي عن مالك أنّه يجزي إرسال واحد،و لم تتعرّض الآية لعدالة الحكمين.فلو كانا غير عدلين، فقال عبد الملك:حكمهما منقوض.و قال ابن العربيّ:

الصّحيح نفوذه.

و أجمع أهل الحلّ و العقد على أنّ الحكمين يجوز تحكيمهما.و ذهبت الخوارج إلى أنّ التّحكيم ليس بجائز.

و لو فرّق الحكمان بين الزّوجين خلعا برضا الزّوجين،فهل يصحّ من غير أمر السّلطان؟ذهب الحسن و ابن سيرين إلى أنّه لا يجوز الصّلح إلاّ عند السّلطان،و ذهب عمر و عثمان و ابن عمر و جماعة من الصّحابة و التّابعين إلى أنّه يصحّ من غير أمر السّلطان، منهم مالك و أبو حنيفة و أصحابه و الشّافعيّ.(3:243)

الشّربينيّ: (فابعثوا)أي أيّها الحكّام متى اشتبه عليكم حالهما إليهما-لكن برضاهما- حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ أي أقاربه، وَ حَكَماً آخر مِنْ أَهْلِها، أي أقاربها، لينظرا في أمرهما بعد اختلاء حكمه به و حكمها بها، و معرفة ما عندهما في ذلك،و يصلحا بينهما أو يفرّقا إن عسر الإصلاح على ما يأتي،فإنّ الأقارب أعرف ببواطن الأحوال و أطلب للصّلاح.

تنبيه:بعث الحكمين على سبيل الوجوب،و كونهما من الأقارب على سبيل النّدب و هما وكيلان لهما، فاشترط رضاهما،لاحكمان من جهة الحاكم،لأنّ الحال

ص: 357

يؤدّي إلى الفراق،و البضع حقّ الزّوج،و المال حقّ الزّوجة،و هما رشيدان فلا يولّى عليهما في حقّهما،فيوكّل هو حكمه بطلاق أو خلع،و توكّل هي حكمها ببذل عوض و قبول طلاق،و يشترط فيهما إسلام و حرّيّة و عدالة،و اهتداء إلى المقصود من بعثهما له.

و إنّما اشترط فيهما ذلك مع أنّهما وكيلان لتعلّق وكالتهما بنظر الحاكم،كما في أمينه،و يسنّ كونهما ذكرين،و لا يكفي حكم واحد.(1:301)

الآلوسيّ: أي وجّهوا و أرسلوا إلى الزّوجين لإصلاح ذات البين حَكَماً أي رجلا عدلا عارفا حسن السّياسة،و النّظر في حصول المصلحة مِنْ أَهْلِهِ أي الزّوج،و(من)إمّا متعلّق ب(ابعثوا)فهو لابتداء الغاية،و إمّا بمحذوف وقع صفة للنّكرة فهي للتّبعيض، وَ حَكَماً آخر على صفة الأوّل مِنْ أَهْلِها أي الزّوجة.

و خصّ الأهل لأنّهم أطلب للصّلاح و أعرف بباطن الحال،و تسكن إليهم النّفس،فيطّلعون على ما في ضمير كلّ من حبّ و بغض،و إرادة صحبة أو فرقة،و هذا على وجه الاستحباب،و إن نصبا من الأجانب جاز.

و اختلف في أنّهما هل يليان الجمع و التّفريق إن رأيا ذلك؟فقيل:لهما،و هو المرويّ عن عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،و ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،و إحدى الرّوايتين عن ابن جبير،و به قال الشّعبيّ-فقد أخرج الشّافعيّ في الإمام،و البيهقيّ في«السّنن»،و غيرهما عن عبيدة السّلمانيّ.[و ذكر حديث عليّ عليه السّلام،و قول ابن عبّاس عن الطّبريّ كما-سبق-ثمّ قال:]

و قيل:ليس لهما ذلك،و روي ذلك عن الحسن.

فقد أخرج عبد الرّزّاق،و غيره عنه أنّه قال:إنّما يبعث الحكمان ليصلحا و يشهدا على الظّالم بظلمه،و أمّا الفرقة فليست بأيديهما،و إلى ذلك ذهب الزّجّاج، و نسب إلى الإمام الأعظم،و أجيب عن فعل عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،بأنّه إمام،و للإمام أن يفعل ما رأى فيه المصلحة،فلعلّه رأى المصلحة فيما ذكر،فوكّل الحكمين على ما رأى،على أنّ في كلامه ما يدلّ على أنّ تنفيذ الأمر موقوف على الرّضا،حيث قال للرّجل:كذبت حتّى تقرّ بمثل الّذي أقرّت به.

و أنت تعلم أنّ هذا-على ما فيه-لا يصلح جوابا عمّا روي عن ابن عبّاس،و لعلّ المسألة اجتهاديّة،و كلام أحد المجتهدين لا يقوم حجّة على الآخر.و ذهب الإماميّة إلى ما ذهب إليه الحسن،و كأنّ الخبر عن عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه لم يثبت عندهم.و عن الشّافعيّ روايتان في المسألة.و عن مالك:أنّ لهما أن يتخالعا إن وجدا الصّلاح فيه.و نقل عن بعض علمائنا أنّ الإساءة إن كانت من الزّوج فرّقا بينهما،و إن كانت منها فرّقا على بعض ما أصدقها،و الظّاهر أنّ من ذهب إلى القول بنفاذ حكمهما جعلهما وكيلين حكما على ذلك.(5:26)

رشيد رضا :و الحكم(بالتّحريك)من له حقّ الحكم و الفصل بين الخصمين،

*فيك الخصام و أنت الخصم و الحكم* و يطلق على الشّيخ المسنّ،لأنّ من شأنه أن يتحاكم

ص: 358

إليه لرؤيته و تجربته،و المراد ببعثهما إرسالهما إلى الزّوجين لينظرا في شكوى كلّ منهما،و يتعرّفا ما يرجى أن يصلح بينهما،و يسترضوهما بالتّحكيم،و إعطائهما حقّ الجمع و التّفريق.[إلى أن قال:]الأستاذ الإمام:الخطاب للمؤمنين،و لا يتأتّى أن يكلّف كلّ واحد أو كلّ جماعة منهم ذلك،و لذلك قال بعض المفسّرين:إنّ الخطاب هنا موجّه إلى من يمكنه القيام بهذا العمل،ممّن يمثّل المسلمين و هم الحكّام.و قال بعضهم:إنّ الخطاب عامّ،و يدخل فيه الزّوجان و أقاربهما،فإن قام به الزّوجان أو ذو و القربى أو الجيران فذاك،و إلاّ وجب على من بلغه أمرهما من المسلمين أن يسعى في إصلاح ذات بينهما بذلك.

و كلا القولين وجيه،فالأوّل يكلّف الحكّام ملاحظة أحوال العامّة،و الاجتهاد في إصلاح أحوالهم، و الثّاني يكلّف كلّ المسلمين أن يلاحظ بعضهم شئون بعض،و يعينه على ما تحسن به حاله.

و اختلفوا في وظيفة الحكمين،فقال بعضهم:إنّهما وكيلان لا يحكمان إلاّ بما وكّلا به.و قال بعضهم:إنّهما حاكمان.[و ذكر مذهب عليّ و ابن عبّاس بالاختصار، و سبقا تفصيلا]

و قوله: إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما يشعر بأنّه يجب على الحكمين أن لا يدّخرا وسعا في الإصلاح،كأنّه يقول:إن صحّت إرادتهما فالتّوفيق كائن لا محالة.

و هذا يدلّ على نهاية العناية من اللّه تعالى في إحكام نظام البيوت الّذي لا قيمة له عند المسلمين في هذا الزّمان.و انظروا كيف لم يذكر مقابل التّوفيق بينهما و هو التّفريق عند تعيّنه،لم يذكره حتّى لا يذكر به،لأنّه يبغضه،و ليشعر النّفوس أنّه ليس من شأنه أن يقع.

و ظاهر الأمر أنّ هذا التّحكيم واجب،لكنّهم اختلفوا فيه،فقال بعضهم:إنّه واجب،و بعضهم:إنّه مندوب،و اشتغلوا بالخلاف فيه عن العمل به،لأنّ عنايتنا بالدّين صارت محصورة في الخلاف و الجدل، و تعصّب كلّ طائفة من المسلمين لقول واحد من المختلفين،مع عدم العناية بالعمل به،فها هم أولاء قد أهملوا هذه الوصيّة الجليلة،لا يعمل بها أحد على أنّها واجبة،و لا على أنّها مندوبة،و البيوت يدبّ فيها الفساد،فيفتك بالأخلاق و الآداب،و يسري من الوالدين إلى الأولاد.(5:77)

نحوه المراغيّ.(5:31)

ابن عاشور :و الحكم-بفتحتين-الحاكم الّذي يرضى للحكومة بغير ولاية سابقة،و هو صفة مشبّهة مشتقّة من قولهم:حكّموه فحكم،و هو اسم قديم في العربيّة،كانوا لا ينصبون القضاة،و لا يتحاكمون إلاّ إلى السّيف،و لكنّهم قد يرضون بأحد عقلائهم يجعلونه حكما في بعض حوادثهم،و قد تحاكم عامر بن الطّفيل و علقمة بن علاثة لدى هرم بن سنان العبسيّ،و هي المحاكمة الّتي ذكرها الأعشى في قصيدته الرّائيّة القائل فيها:

علقم ما أنت إلى عامر النّاقض الأوتار و الواتر

ص: 359

و تحاكم أبناء نزار بن معدّ بن عدنان إلى الأفعى الجرهميّ،كما تقدّم في هذه السّورة.

و الضّميران في قوله: مِنْ أَهْلِهِ و مِنْ أَهْلِها عائدان على مفهومين من الكلام:و هما الزّوج و الزّوجة، و اشترط في الحكمين أن يكون أحدهما من أهل الرّجل، و الآخر من أهل المرأة،ليكونا أعلم بدخليّة أمرهما، و أبصر في شأن ما يرجى من حالهما،و معلوم أنّه يشترط فيهما الصّفات الّتي تخوّلهما الحكم في الخلاف بين الزّوجين.قال ملك (1):إذا تعذّر وجود حكمين من أهلهما فيبعث من الأجانب،قال ابن الفرس:فإذا بعث الحاكم أجنبيّين مع وجود الأهل فيشبه أن يقال:ينتقض الحكم لمخالفة النّصّ،و يشبه أن يقال:ماض بمنزلة ما لو تحاكموا إليهما.

قلت:و الوجه الأوّل أظهر،و عند الشّافعيّة كونهما من أهلهما مستحبّ،فلو بعثا من الأجانب مع وجود الأقارب صحّ.

و الآية دالّة على وجوب بعث الحكمين عند نزاع الزّوجين النّزاع المستمرّ المعبّر عنه بالشّقاق،و ظاهرها أنّ الباعث هو الحاكم و وليّ الأمر،لا الزّوجان،لأنّ فعل فَابْعَثُوا مؤذن بتوجيههما إلى الزّوجين،فلو كانا معيّنين من الزّوجين لما كان لفعل البعث معنى.و صريح الآية:أنّ المبعوثين حكمان لا وكيلان،و بذلك قال أئمّة العلماء من الصّحابة و التّابعين،و قضى به عمر بن الخطّاب،و عثمان بن عفّان،و عليّ بن أبي طالب،و قاله ابن عبّاس،و النّخعيّ،و الشّعبيّ،و مالك،و الأوزاعيّ، و الشّافعيّ،و إسحاق.و على قول جمهور العلماء:فما قضى به الحكمان من فرقة أو بقاء أو مخالعة يمضي،و لا مقال للزّوجين في ذلك،لأنّ ذلك معنى التّحكيم.نعم، لا يمنع هؤلاء من أن يوكّل الزّوجان رجلين على النّظر في شئونهما،و لا من أن يحكّما حكمين على نحو تحكيم القاضي.

و خالف في ذلك ربيعة فقال:لا يحكم إلاّ القاضي دون الزّوجين.و في كيفيّة حكمهما و شروطه تفصيل في كتب الفقه.

و تأوّلت طائفة قليلة هذه الآية على أنّ المقصود بعث حكمين للإصلاح بين الزّوجين،و تعيين وسائل الزّجر للظّالم منهما،كقطع النّفقة عن المرأة مدّة حتّى يصلح حالها،و أنّه ليس للحكمين التّطليق إلاّ برضا الزّوجين،فيصيران وكيلين،و بذلك قال أبو حنيفة، و هو قول للشّافعيّ،فيريد أنّهما بمنزلة الوكيل الّذي يقيمه القاضي عن الغائب.و هذا صرف للفظ الحكمين عن ظاهره،فهو من التّأويل.و الباعث على تأويله عند أبي حنيفة:أنّ الأصل أنّ التّطليق بيد الزّوج،فلو رأى الحكمان التّطليق عليه و هو كاره كان ذلك مخالفة لدليل الأصل،فاقتضى تأويل معنى الحكمين،و هذا تأويل بعيد،لأنّ التّطليق لا يطّرد كونه بيد الزّوج،فإنّ القاضي يطلّق عند وجود سبب يقتضيه.(4:120)

مكارم الشّيرازيّ: محكمة الصّلح العائليّةك.

ص: 360


1- كذا و الظّاهر:مالك.

في هذه الآية إشارة إلى مسألة ظهور الخلاف و النّزاع بين الزّوجين،فهي تقول:[و ذكر الآية] ليتفاوضا،و يقرّبا من أوجه النّظر لدى الزّوجين،ثمّ يقول تعالى: إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما أي ينبغي أن يدخل الحكمان المندوبان عن الزّوجين في التّفاوض بنيّة صالحة و رغبة صادقة في الإصلاح،فإنّهما إن كانا كذلك أعانهما اللّه و وفّق بين الزّوجين بسببهما.

و حتّى يحذّر(الحكمين)و يحثّانهما على استخدام حسن النّية،يقول سبحانه في ختام هذه الآية: إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.

إنّ محكمة الصّلح العائليّة الّتي أشارت إليها الآية الحاضرة،هي إحدى مبتكرات الإسلام العظيمة،فإنّ هذه المحكمة تمتاز بميزات تفتقر إليها المحاكم الأخرى،من جملتها:

1-إنّ البيئة العائليّة بيئة عاطفيّة،و لذلك فإنّ المقياس الّذي يجب أن يتّبع في هذه البيئة،يجب أن يختلف عن المقاييس المتّبعة في البيئات الأخرى،يعني كما أنّه لا يمكن العمل في«المحاكم الجنائيّة»بمقياس المحبّة و العاطفة،فإنّه لا يمكن-في البيئة العائليّة-العمل بمقياس القوانين الجافّة.و الضّوابط الصّارمة الخالية عن روح العاطفة،فهنا يجب حلّ الخلافات العائليّة بالطّرق العاطفيّة حدّ الإمكان،و لهذا يأمر القرآن الكريم أن يكون الحكمان في هذه المحكمة ممّن تربطهم بالزّوجين رابطة النّسب و القرابة،ليمكنهما تحريك المشاعر و العواطف باتّجاه الإصلاح بين الزّوجين،و من الطّبيعيّ أن تكون هذه الميزة هي ميزة هذا النّوع من المحاكم خاصّة،دون بقيّة المحاكم الأخرى.

2-إن المدّعي و المدّعى عليه في المحاكم العاديّة القضائيّة مضطرّين-تحت طائلة الدّفاع-أن يكشفا عن كلّ ما لديهما من الأسرار،و من المسلّم أنّ الزّوجين لو كشفا عن الأسرار الزّوجيّة أمام الأجانب و الغرباء، لجرح كلّ منهما مشاعر الطّرف الآخر،بحيث لو اضطرّ الزّوجان أن يعودا-بحكم المحكمة-إلى البيت لما عادا إلى ما كانا عليه من الصّفاء و المحبّة السّالفة،بل لبقيا يعيشان بقيّة حياتهما كشخصين غريبين مجبرين على القيام بوظائف معيّنة،و لقد دلّت التّجربة و أثبتت أنّ الزّوجين اللّذين يضطرّان إلى التّحاكم إلى مثل هذه المحاكم لحلّ ما بينهما من الخلاف،لم يعودا ذينك الزّوجين السّابقين.

بينما لا تطرح أمثال هذه الأمور في محاكم الصّلح العائليّة للاستحياء من الحضور،أو إذا اتّفق أن طرحت هذه الأمور فإنّها تطرح في جوّ عائليّ،و أمام الأقرباء، فإنّها لن تنطوي على ذلك الأثر السّيّئ الّذي أشرنا إليه.

3-إنّ الحكمين في المحاكم العاديّة المتعارفة لا يشعران عادة بالمسئوليّة الكاملة في قضايا الخلاف و المنازعات، و لا تهمّهما كيفيّة انتهاء القضيّة المرفوعة إلى المحكمة،هل يعود الزّوجان إلى البيت على وفاق،أو ينفصلا مع طلاق؟

في حين أنّ الأمر في محكمة الصّلح العائليّة على العكس من ذلك تماما،فإنّ الحكمين في هذه المحكمة حيث

ص: 361

يرتبطان بالزّوجين برابطة القرابة،فإنّ لافتراق أو صلح الزّوجين أثرا كبيرا في حياة الحكمين من النّاحية العاطفيّة،و من ناحية المسئوليّات النّاشئة عن ذلك، و لهذا فإنّهما يسعيان-جهد إمكانهما-أن يتحقّق الصّلح و السّلام و الوفاق و الوئام بين الزّوجين اللّذين يمثّلانهما، و أن يعيدا المياه إلى مجاريها كما يقول المثل.

4-مضافا إلى كلّ ذلك فإنّ مثل هذه المحكمة لا تعاني من أيّة مشكلات،و لا تحتاج إلى أيّة ميزانيّات باهظة، و لا تعاني من كلّ تلك الخسارة و الضّياع الّذي تعاني منه المحاكم العاديّة،فهي تستطيع أن تقوم بأهدافها و تحقّق أغراضها من دون أيّة تشريفات،و في أقلّ مدّة من الزّمن.

و لا يخفى أنّه يجب أن يختار الحكمان من بين الأشخاص المحنّكين المطّلعين،المعروفين في عائلتي الزّوجين بالفهم و حسن التّدبير.

مع هذه المميّزات الّتي عدّدناها يتبيّن أنّ هذه المحكمة تحظى بفرصة للإصلاح بين الزّوجين.

إنّ مسألة الحكمين و ما يشترط فيهما من الشّروط،و مدى صلاحيّتهما و ما يحكمان به في مجال الزّوجين،قد ذكر في الكتب الفقهيّة بالتّفصيل،منها أن يكون الحكمان بالغين عاقلين عادلين بصيرين بعملهما.

و أمّا مدى نفوذ حكمهما في حقّ الزّوجين فقد ذهب بعض الفقهاء إلى نفوذ كلّ ما يصدر أنّه من حكم في هذا المجال،و ظاهر التّعبير به«حكم»في الآية يفيد هذا المعنى أيضا،لأنّ مفهوم الحكميّة و القضاء هو نفوذ الحكم مهما كان،و لكنّ أكثر الفقهاء يرون نفوذ ما يراه الحكمان في مورد التّوفيق بين الزّوجين،و رفع الاختلاف و النّزاع بينهما،بل يرون نفوذ ما يشترطه الحكمان على الزّوجين،و أمّا حكمهما في مجال الطّلاق و الافتراق بين الزّوجين فغير نافذ لوحده،و ذيل الآية الّذي يشير إلى مسألة الإصلاح أكثر ملاءمة مع هذا الرّأي،و للتّوسّع في هذا المجال يجب مراجعة الكتب الفقهيّة.(3:198)

2- أَ فَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً... الأنعام:114

العوفيّ: قل لأهل مكّة:أ فغير اللّه أطلب قاضيا بيني و بينكم.

مثله الكلبيّ.(الواحديّ 2:314)

و نحوه الزّمخشريّ(2:46)،و الشّربينيّ(1:

445).

مقاتل:فليس أحد أحسن قضاء من اللّه في نزول العذاب ببدر.(1:585)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:معناه هل يجوز لأحد أن يعدل عن حكم اللّه حتّى أعدل عنه؟

و الثّاني:هل يجوز لأحد أن يحكم مع اللّه حتّى أحتكم إليه.

و الفرق بين الحكم و الحاكم،أنّ الحكم هو الّذي يكون أهلا للحكم،فلا يحكم إلاّ بحقّ،و الحاكم قد يكون من غير أهله،فيحكم بغير حقّ،فصار الحكم من صفات ذاته،و الحاكم من صفات فعله،فكان الحكم أبلغ

ص: 362

في المدح من الحاكم.(2:159)

الطّوسيّ: و الحكم و الحاكم بمعنى واحد،إلاّ أنّ الحكم هو من كان أهلا أن يتحاكم،إليه فهو أمدح من الحاكم،و الحاكم جار على الفعل،و قد يحكم الحاكم بغير الحقّ،و الحكم لا يقضى إلاّ بالحقّ،لأنّها صفة مدح و تعظيم.و المعنى هل يجوز لأحد أن يعدل عن حكم اللّه رغبة عنه،لأنّه لا يرضى به،أو هل يجوز مع حكم اللّه حكم يساويه في حكمه؟(4:264)

نحوه الطّبرسيّ(2:353)،و القرطبيّ(7:70)، و الطّباطبائيّ(7:327).

الواحديّ: الحكم و الحاكم واحد.(2:314)

ابن عطيّة: فهي و اللّه أعلم حكمه عليهم بأنّهم لا يؤمنون،و لو بعث إليهم كلّ الآيات،و حكمه بأن جعل الأنبياء أعداء من الجنّ و الإنس،و(حكما)أبلغ من حاكم؛إذ هي صيغة للعدل من الحكّام،و الحاكم جار على الفعل،فقد يقال للجائر،و(حكما)نصب على البيان أو الحال،و بهذه الآية خاصمت الخوارج عليّا رضى اللّه عنه في تكفيره بالتّحكيم،و لا حجّة لها،لأنّ اللّه تعالى حكم في الصّيد و بين الزّوجين،فتحكيم المؤمنين من حكمه تعالى.(2:337)

الفخر الرّازيّ: الحكم و الحاكم واحد عند أهل اللّغة،غير أنّ بعض أهل التّأويل قال:الحكم أكمل من الحاكم،لأنّ الحاكم كلّ من يحكم،و أمّا الحكم فهو الّذي لا يحكم إلاّ بالحقّ.و المعنى أنّه تعالى حكم حقّ لا يحكم إلاّ بالحقّ،فلمّا أظهر المعجز الواحد و هو القرآن فقد حكم بصحّة هذه النّبوّة،و لا مرتبة فوق حكمه،فوجب القطع بصحّة هذه النّبوّة.فأمّا أنّه يظهر سائر المعجزات أم لا؟فلا تأثير له في هذا الباب،بعد أن ثبت أنّه تعالى حكم بصحّة هذه النّبوّة بواسطة إظهار المعجز الواحد.

(13:159)

البيضاويّ: على إرادة القول،أي قل لهم يا محمّد:

أ فغير اللّه أطلب من يحكم بيني و بينكم،و يفصل المحقّ منّا من المبطل،و(غير)مفعول أَبْتَغِي، و(حكما) حال منه.و يحتمل عكسه،و حكما أبلغ من حاكم، و لذلك لا يوصف به غير العادل.(1:327)

نحوه النّسفيّ.(2:30)

أبو حيّان :قال مشركو قريش للرّسول:اجعل بيننا و بينك حكما من أحبار اليهود،و إن شئت من أساقفة النّصارى،ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك، فنزلت.

و وجه نظمها بما قبلها أنّه لمّا حكى حلف الكفّار، و أجاب بأنّه لا فائدة في إظهار الآيات المقترحة لهم، أنّهم لا يبقون مصرّين على الكفر،بيّن الدّليل على نبوّته بإنزال القرآن عليه،و قد عجز الخلق عن معارضته، و حكم فيه بنبوّته،و باشتمال التّوراة و الإنجيل على أنّه رسول حقّ،و أنّ القرآن كتاب من عند اللّه حقّ.

و وجه آخر و هو أنّه لمّا ذكر العداوة و تهدّدهم،قالوا ما ذكرناه في سبب النّزول،و كان من عادتهم إذا التبس عليهم أمر و اختلفوا فيه جعلوا بينهم كاهنا حكما،فأمره اللّه أن يقول:أ فغير اللّه ابتغي حكما،و هذا استفهام معناه

ص: 363

النّفي،أي لا ابتغي حكما غير اللّه.

قال الكرمانيّ: و الحكم أبلغ من الحاكم،لأنّه من عرف منه الحكم مرّة بعد أخرى،و الحاكم اسم فاعل يصدق على المرّة الواحدة.و قال إسماعيل الضّرير:

الفرق بينهما أنّ الحكم لا يحكم إلاّ بالحقّ،و الحاكم يحكم بالحقّ و بغير الحقّ.[ثم نقل قول ابن عطيّة و أضاف:]

و كأنّه إشارة إلى حكم اللّه عليهم بأنّهم لا يؤمنون و لو بعث إليهم كلّ الآيات،أو حكمه بأن جعل للأنبياء أعداء و حكما أي فاصلا بين الحقّ و الباطل.

و جوّزوا في إعراب(غير)أن يكون مفعولا ب(ابتغى)و(حكما)حال و عكسه،و أجاز الحوفيّ و ابن عطيّة أن ينتصب على التّمييز عن غيرهم،كقولهم:أنّ لنا غيرها إبلا،و هو متّجه،و حكاه أبو البقاء.

(4:208)

نحوه ملخّصا أبو السّعود(2:434)،و البروسويّ (3:90)،و الآلوسيّ(8:8).

ابن عاشور :و الحكم،الحاكم المتخصّص بالحكم الّذي لا ينقض حكمه،فهو أخصّ من الحاكم، و لذلك كان من أسمائه تعالى:الحكم،و لم يكن منها الحاكم.و انتصب(حكما)على الحال،و المعنى لا أطلب حكما بيني و بينكم غير اللّه الّذي حكم حكمه عليكم بأنّكم أعداء مقترفون.(7:11)

فضل اللّه :و يطلق رسول اللّه صيحة الاستنكار لكلّ رموز الشّرك،ليؤكّد موقفه التّوحيديّ للّه تعالى،و الرّادّ كلّ أمر مهما كان إليه تعالى، كسنّة تقود العالم و تهديهم في مسيرة حياتهم كلّها،و من خلال هذا كلّه يطرح الحاكميّة الّتي تعتبر القاعدة الّتي يرتكز عليها التّوحيد،لأنّها السّرّ العميق في روحيّة الاستسلام للّه،لأنّها تعني أنّ الإنسان لا يستقلّ بأيّ فكر،أو حركة أو عمل،أو انتماء،بل يرجع ذلك كلّه إلى اللّه،فهو الحكم في كلّ شيء.

أَ فَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً و ما ذا يمثّل غير اللّه مهما كان نوعه من قوّة؟فاللّه هو القادر و القاهر و الحكيم و الخبير و الخالق و العليم و المنعم،فكيف أجعل غيره هو الحاكم في أيّ شيء و ما ذا يملك غيره؟!

و ليست هذه الكلمة كلمة رسول اللّه فقط،إنّه لم يقلها ليعبّر عن موقفه الذّاتيّ،بل ليعبّر عن موقف الرّسالة في موقفه،فهي لكلّ إنسان مؤمن يريد أن يواجه قضايا الحياة،ليقولها بقوّة أمام كلّ الّذين يريدون أن ينحرفوا به عن الطّريق الحقّ.

إنّ آيات اللّه هي أساس الفكر الّذي أحمله، و العقيدة الّتي أعتنقها،و المفاهيم الّتي أؤمن بها،لا أمر لي مع أمره،و لا حكم مع حكمه،بل له الأمر كلّه،و الحكم كلّه،و لكن كيف تكون حاكميّة اللّه في الحياة؟هل تطرح كشعار يتلاقفه الطّامحون،ليعطوا لأنفسهم صلاحيّة الحكم باسم اللّه كممثّلين له على الأرض في ما يقولون و يدّعون و يخترعون من أفكار،و في ما يصدرون من أوامر و نواه...كما يحدث في كثير من أدوار التّاريخ؟أم هل تواجه كلّ حلّ واقعيّ للمشاكل الحياتيّة عند ما يتقاتل النّاس،أو يتخاصمون بكلمة«لا حكم إلاّ للّه»،

ص: 364

لتمنع أيّ نوع من أنواع التّحكيم بينهم،لأنّهم يعتبرون حكم اللّه شيئا معلّقا في الهواء،أو في الفراغ،فلا حقّ لأحد أن يجتهد في تطبيقه أو تحريكه في حياة النّاس؟

(9:285)

حكمة

حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ. القمر:5

السّدّيّ: هي الرّسالة و الكتاب.

(الماورديّ 5:410)

الطّبريّ: يعني بالحكمة البالغة هذا القرآن،و رفعت «الحكمة»ردّا على(ما)الّتي في قوله: وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ القمر:4.و تأويل الكلام:و لقد جاءهم من الأنباء النّبأ الّذي فيه مزدجر حكمة بالغة، و لو رفعت الحكمة على الاستئناف كان جائزا،فيكون معنى الكلام حينئذ:و لقد جاءهم من الأنباء النّبأ الّذي فيه مزدجر ذلك حكمة بالغة،أو هو حكمة بالغة،فتكون الحكمة كالتّفسير لها.(27:89)

الزّجّاج: رفعت(حكمة)بدلا من(ما)،المعنى و لقد جاءهم حكمة بالغة،و إن شئت رفعت«حكمة»بإضمار هو،المعنى:هو حكمة بالغة.(5:85)

الماورديّ: يحتمل أن يكون الوعد و الوعيد.

(5:411)

الطّوسيّ: معناه نهاية في الصّواب،و غاية في الزّجر بهؤلاء الكفّار.(9:444)

الواحديّ: يعني القرآن حكمة تامّة قد بلغت الغاية.(4:208)

نحوه البغويّ(4:322)،و الطّبرسيّ(5:187).

الزّمخشريّ: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ بدل من(ما)أو على هو حكمة،و قرئ بالنّصب حالا من(ما).فإن قلت:إن كانت(ما)موصولة ساغ لك أن تنصب(حكمة)حالا، فكيف تعمل إن كانت موصوفة و هو الظّاهر؟قلت:

تخصّصها الصّفة فيحسن نصب الحال عنها.(4:36)

ابن عطيّة: قوله:(حكمة)مرتفع إمّا على البدل من(ما)في قوله:(ما فيه)،و إمّا على خبر ابتداء، تقديره:هذه حكمة.(5:212)

نحوه القرطبيّ(17:128)،و الشّربينيّ(4:143).

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

الأوّل:على قول من قال: وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ القمر:4،المراد منه القرآن،قال:

حِكْمَةٌ بالِغَةٌ بدل،كأنّه قال:و لقد جاءهم حكمة بالغة.ثانيها:أن يكون بدلا عن(ما)في قوله: ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ القمر:4.

الثّاني:حكمة بالغة خبر مبتدإ محذوف،تقديره هذه حكمة بالغة.و الإشارة حينئذ تحتمل وجوها:أحدها:

هذا التّرتيب الّذي في إرسال الرّسول،و إيضاح الدّليل و الإنذار بمن مضى من القرون و انقضى حكمة بالغة.

ثانيها:إنزال ما فيه الأنباء حِكْمَةٌ بالِغَةٌ. ثالثها:هذه السّاعة المقتربة و الآية الدّالّة عليها حكمة.

الثّالث:قرئ بالنّصب فيكون حالا،و ذو الحال (ما).

ص: 365

في قوله: ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ، أي جاءكم ذلك حكمة.

فإن قيل:إن كان(ما)موصولة تكون معرفة فيحسن كونه ذا الحال،فأمّا إن كانت بمعنى جاءهم من الأنباء شيء فيه ازدجار يكون منكّرا،و تنكير ذي الحال قبيح.

نقول:كونه موصوفا يحسن ذلك.(29:32)

نحوه الآلوسيّ.(27:79)

البيضاويّ: غايتها لا خلل فيها،و هي بدل من (ما)،أو خبر لمحذوف.و قرئ بالنّصب حالا من(ما) فإنّها موصولة،أو مخصوصة بالصّفة فيجوز نصب الحال عنها.(2:425)

نحوه أبو السّعود(6:166)،و البروسويّ(9:

269)،و شبّر(6:116)،و الشّوكانيّ(5:149).

ابن كثير :أي في هدايته تعالى لمن هداه،و إضلاله لمن أضلّه.(6:472)

القاسميّ: أي بلغت غايتها من الإحكام و التّنزّه عن الخلل،و من الاشتمال على البراهين القاطعة و الحجج السّاطعة،و هو بدل من(ما)أو خبر محذوف،أي هو حكمة بالغة...

و جوّز أن تكون حِكْمَةٌ بالِغَةٌ جملة مستأنفة للتّعجّب من حالهم مع ما جاءهم،ممّا يقود إلى الإيمان بادئ بدء،و هو ما يفهم من تأويل ابن كثير،و عبارته حِكْمَةٌ بالِغَةٌ، أي في هدايته تعالى و إضلاله لمن أضلّه.(15:5596)

المراغيّ: أي هذه الأنباء غاية الحكمة في الهداية و الإرشاد إلى طريق الحقّ،لمن اتّبع عقله و عصى هواه.

(17:79)

ابن عاشور : حِكْمَةٌ بالِغَةٌ بدل من(ما)،أي جاءهم حكمة بالغة.و الحكمة:إتقان الفهم و إصابة العقل،و المراد هنا الكلام الّذي تضمّن الحكمة و يفيد سامعه حكمة،فوصف الكلام بالحكمة مجاز عقليّ كثير الاستعمال.(27:169)

الطّباطبائيّ: الحكمة كلمة الحقّ الّتي ينتفع بها، و البلوغ:وصول الشّيء إلى ما تنتهي إليه المسافة، و يكنّى به عن تمام الشّيء و كماله،فالحكمة البالغة هي الحكمة التّامّة الكاملة الّتي لا نقص فيها من حيث نفسها و من حيث أثرها.(19:57)

مكارم الشّيرازيّ: تبيّن هذه الآية أن لا نقص في فاعليّة الفاعل،أو تبليغ الرّسل،لكنّ الأمر يكمن في مدى استعداد النّاس و أهليّتهم لقبول الدّعوة الإلهيّة، و إلاّ فإنّ الآيات القرآنيّة و الرّسل و الأخبار الّتي وردتهم عن الأمم السّابقة،و الأخبار الّتي تنبئهم عن أحوال يوم القيامة،كلّ أمر من هذه الأمور هي حكمة بالغة واعظة، و مؤثّرة في النّفوس الخيّرة ذات الفطرة السّليمة.

(17:279)

فضل اللّه :في ما جاء به الوحي الإلهيّ من الأفكار و التّعاليم،و التّشريعات الّتي تطابق المصلحة العميقة للإنسان في حياته،لانسجامها مع الحكمة الّتي تضع الأشياء في مواضعها.و من الطّبيعيّ أنّ حركة الحكمة في

ص: 366

الحياة خاضعة للالتزام بها من قبل النّاس،فلا فائدة منها إذا رفضوها و أصرّوا على عنادهم و تكذيبهم.

(21:281)

الحكمة

1- رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ... البقرة:129

ابن عبّاس: و الحكمة:الحلال و الحرام.(18)

القرآن الّذي أنزل عليه،و ما فيه من الفرائض و الأحكام و السّنن و شرائع النّبيّين.

(الواحديّ 1:212)

أنس بن مالك: المعرفة بالدّين و الفقه في التّأويل.

(الطّوسيّ 1:467)

نحوه مالك.(الطّبريّ 1:557)

مجاهد :يعني الحكمة:فهم القرآن.

(الثّعلبيّ 1:276)

قتادة :الحكمة،أي السّنّة.(الطّبريّ 1:557)

نحوه الشّافعيّ.(ابن عاشور 1:704)

مقاتل: المواعظ الّتي في القرآن من الحلال و الحرام.

(1:139)

العلم و العمل به،لا يكون الرّجل حكيما حتّى يجمعهما.(أبو حيّان 1:393)

نحوه ابن قتيبة.(الثّعلبيّ 1:276)

ابن وهب: قال ابن زيد في قوله:(و الحكمة)قال:

الحكمة:الدّين الّذي لا يعرفونه إلاّ به صلّى اللّه عليه و سلّم يعلّمهم إيّاها، قال:و الحكمة:العقل في الدّين،و قرأ: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً البقرة:269.و قال لعيسى: وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ آل عمران:48،و قرأ ابن زيد: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها الأعراف:

175،قال:لم ينتفع بالآيات حيث لم تكن معها حكمة، و الحكمة شيء يجعله اللّه في القلب ينوّر له به.

(الطّبريّ 1:557)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى الحكمة الّتي ذكرها اللّه في هذا الموضع،فقال بعضهم:هي السّنّة.

و قال بعضهم:الحكمة هي المعرفة بالدّين و الفقه فيه.

و الصّواب من القول عندنا في الحكمة،أنّها العلم بأحكام اللّه الّتي لا يدرك علمها إلاّ ببيان الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و المعرفة بها،و ما دلّ عليه ذلك من نظائره،و هو عندي مأخوذ من الحكم الّذي بمعنى الفصل بين الحقّ و الباطل، بمنزلة الجلسة و القعدة من الجلوس و القعود.يقال منه إنّ فلانا لحكيم بيّن الحكمة،يعني به أنّه لبيّن الإصابة في القول و الفعل.و إذ كان ذلك كذلك فتأويل الآية:ربّنا و ابعث فيهم رسولا منهم،يتلوا عليهم آياتك،و يعلّمهم كتابك الّذي تنزّله عليهم،و فصل قضائك،و أحكامك الّتي تعلّمه إيّاها.(1:557)

ابن دريد :كلّ كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكم،و منه قوله عليه السّلام:«إنّ من الشّعر لحكمة».

(الواحديّ 1:212)

ص: 367

الثّعلبيّ: و عن أبي جعفر محمّد بن يعقوب:الحكمة كلّ صواب من القول ورّث فعلا صحيحا أو حالا صحيحا.

يحيى بن معاذ:الحكمة جند من جنود اللّه،يرسلها إلى قلوب العارفين حتّى يروّح عنها وهج الدّنيا.و قيل:

هي وضع الأشياء مواضعها،و قيل:الحكمة و الحكم كلّما وجب عليك فعله.[ثمّ استشهد بشعر](1:277)

الطّوسيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]و قال قوم:هو كلام مثنّى،كأنّه وصف التّنزيل بأنّه كتاب،و بأنّه حكمة،و بأنّه آيات.

و قال بعضهم:الحكمة شيء يجعله اللّه في القلب ينوّره به،كما ينوّر البصر،فيدرك المبصر كلّ حسن.

(1:467)

نحوه الطّبرسيّ.(1:211)

الزّمخشريّ: و الحكمة:الشّريعة و بيان الأحكام.

(1:312)

الفخر الرّازيّ: الصّفة الثّالثة من صفات الرّسول قوله:(و الحكمة)،أي و يعلّمهم الحكمة.و اعلم أنّ الحكمة هي الإصابة في القول و العمل.و لا يسمّى حكيما إلاّ من اجتمع له الأمران.و قيل:أصلها من أحكمت الشّيء،أي ردته (1).فكأنّ الحكمة هي الّتي تردّ عن الجهل و الخطأ؛و ذلك إنّما يكون بما ذكرنا من الإصابة في القول و الفعل،و وضع كلّ شيء موضعه.قال القفّال:

و عبّر بعض الفلاسفة عن الحكمة بأنّها التّشبّه بالإله بقدر الطّاقة البشريّة.

و اختلف المفسّرون في المراد بالحكمة هاهنا على وجوه:

أحدها:قال ابن وهب:قلت لمالك:ما الحكمة؟ قال:معرفة الدّين،و الفقه فيه،و الاتّباع له.

و ثانيها:قال الشّافعيّ رضى اللّه عنه:الحكمة سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو قول قتادة،قال أصحاب الشّافعيّ رضى اللّه عنه:

و الدّليل عليه أنّه تعالى ذكر تلاوة الكتاب أوّلا، و تعليمه ثانيا،ثمّ عطف عليه الحكمة،فوجب أن يكون المراد من الحكمة شيئا خارجا عن الكتاب،و ليس ذلك إلاّ سنّة الرّسول عليه السّلام.

فإن قيل:لم لا يجوز حمله على تعليم الدّلائل العقليّة على التّوحيد و العدل و النّبوّة؟قلنا:لأنّ العقول مستقلّة بذلك،فحمل هذا اللّفظ على ما لا يستفاد من الشّرع أولى.

و ثالثها:الحكمة هي الفصل بين الحقّ و الباطل،و هو مصدر بمعنى الحكم.كالقعدة و الجلسة،و المعنى:يعلّمهم كتابك الّذي تنزّله عليهم،و فصل أقضيتك و أحكامك الّتي تعلّمه إيّاها،و مثال هذا:الخبر و الخبرة،و العذر و العذرة،و الغلّ و الغلّة،و الذّلّ و الذّلّة.

و رابعها:و يعلّمهم الكتاب أراد به الآيات المحكمة، (و الحكمة)أراد بها الآيات المتشابهات.

و خامسها: يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ، أي يعلّمهم ما فيه من الأحكام،(و الحكمة)أراد بها أنّه يعلّمهم حكمةه.

ص: 368


1- كذا،و الظّاهر:رددته.

تلك الشّرائع و ما فيها من وجوه المصالح و المنافع.و من النّاس من قال:الكلّ صفات الكتاب،كأنّه تعالى وصفه بأنّه آيات،و بأنّه كتاب،و بأنّه حكمة.(4:74)

نحوه النّيسابوريّ(1:457)و القرطبيّ(2:131).

أبو حيّان :الحكمة:الشّريعة و بيان الأحكام...

و قيل:الحكم و القضاء،و قيل:ما لا يعلم إلاّ من جهة الرّسول...و قال بعضهم:الحكمة هنا الكتاب،و كرّرها توكيدا...و قيل:هي وضع الأشياء مواضعها،و قيل:

كلّ قول وجب فعله.و هذه الأقوال في الحكمة كلّها متقاربة.

و يجمع هذه الأقوال قولان:أحدهما القرآن، و الآخر السّنّة لأنّها المبيّنة لما انبهم من الكتاب،و المظهرة لوجوه الأحكام،و يكون المعنى-و اللّه أعلم-في قوله:

يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ أي يفصح لهم عن ألفاظه...[إلى أن قال:]و الحكمة،أي السّنّة تبيّن ما في الكتاب من المجمل،و توضّح ما انبهم من المشكل،و تفصح عن مقادير و عن أعداد ممّا لم يتعرّض الكتاب إليه،و يثبت أحكاما لم يتضمّنها الكتاب.(1:393)

الشّربينيّ: أي ما تكمل به نفوسهم من المعارف و الأحكام.(1:94)

نحوه أبو السّعود(1:200)،و البروسويّ(1:

234)،و شبّر(1:147)

الآلوسيّ: أي وضع الأشياء مواضعها،أو ما يزيل من القلوب وهج حبّ الدّنيا،أو الفقه في الدّين،أو السّنّة المبيّنة للكتاب،أو الكتاب نفسه،و كرّر للتّأكيد اعتناء بشأنه،و قد يقال:المراد بها حقائق الكتاب و دقائقه و سائر ما أودع فيه،و يكون تعليم الكتاب عبارة عن تفهيم ألفاظه،و بيان كيفيّة أدائه،و تعليم(الحكمة) الإيقاف على ما أودع فيه.

و فسّرها بعضهم بما تكمل به النّفوس من المعارف و الأحكام،فتشمل(الحكمة)النّظريّة و العمليّة،قالوا:

و بينها و بين ما في(الكتاب)عموم من وجه،لاشتمال القرآن على القصص و المواعيد،و كون بعض الأمور الّذي يفيد كمال النّفس علما و عملا غير مذكور في (الكتاب).

و أنت تعلم أنّ هذا القول-بعد سماع قوله تعالى:

ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ الأنعام:38،و قوله تعالى سبحانه: تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ -النّحل:89،ممّا لا ينبغي الإقدام عليه،اللّهمّ إلاّ أن تكون هذه النّسبة بين ما في(الكتاب)الّذي في الدّعوة مع قطع النّظر عمّا أجيبت به و بين الحكمة،فتدبّر.(1:387)

ابن عاشور:و الحكمة:العلم باللّه و دقائق شرائعه،و هي معاني الكتاب و تفصيل مقاصده.و عن مالك:الحكمة:معرفة الفقه و الدّين و الاتّباع لذلك، و عن الشّافعيّ: الحكمة:سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و كلاهما ناظر إلى أنّ عطف الحكمة على الكتاب يقتضي شيئا من المغايرة بزيادة معنى.(1:704)

مكارم الشّيرازيّ: [قال:هدف بعثة الأنبياء ثلاثة:الأوّل:تلاوة آيات اللّه]ثمّ تعليم الكتاب و الحكمة،و لا تتحقّق التّربية إلاّ بالتّعليم.لعلّ التّفاوت

ص: 369

بين الكتاب و الحكمة في أنّ الكتاب يعني الكتب السّماويّة،و الحكمة تعني العلوم و الأسرار و العلل، و النّتائج الموجودة في الأحكام،و هي الّتي يعلّمها النّبيّ أيضا.(1:335)

ثمّ يطرح الهدف الأخير و هو«التّزكية...

2- وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ... الأحزاب:34

3- ...وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ...

الجمعة:2

هاتان مثل ما قبلهما.

4- يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ.

البقرة:269

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّ اللّه آتاني القرآن،و آتاني من الحكمة مثل القرآن،و ما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة إلاّ كان خرابا،ألا فتفقّهوا و تعلّموا فلا تمونوا جهّالا.(الطّبرسيّ 1:382)

رأس الحكمة مخافة اللّه.(الكاشانيّ 1:276)

أبو الدّرداء:الحكمة:قراءة القرآن و الفكرة فيه.

(الآلوسيّ 3:41)

ابن مسعود:إنّها القرآن.مثله مجاهد و الضّحّاك و مقاتل(ابن الجوزيّ 1:324)،و ابن عبّاس(الدّرّ المنثور 2:66)،و قتادة و الإمام الصّادق عليه السّلام(الطّوسيّ 2:349).

ابن عبّاس: إصابة القول و الفعل و الرّأي.(39)

يعني المعرفة بالقرآن ناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه،و مقدّمه و مؤخّره،و حلاله و حرامه و أمثاله.

(الطّبريّ 3:89)

مثله قتادة.(الطّبريّ 3:90)

الفقه في القرآن.

النّبوّة.(ابن الجوزيّ 1:324)

مثله السّدّيّ.(الطّبريّ 3:91) أبو العالية :الكتاب و الفهم فيه.

(الطّبريّ 3:90)

نحوه النّخعيّ(الطّوسيّ 2:349)،و قتادة(ابن الجوزيّ 1:324)،و زيد بن أسلم(ابن عطيّة 1:364).

النّخعيّ: الحكمة هي الفهم.(الطّبريّ 3:90)

مثله شريك.(ابن الجوزيّ 1:324)

أنّها معرفة معاني الأشياء و فهمها.

(أبو السّعود 1:312)

مجاهد :ليست بالنّبوّة،و لكنّه القرآن و العلم و الفقه.

يؤتي إصابته من يشاء.(الطّبريّ 3:90)

العقل و العفّة و الإصابة في القول.

(النّحّاس 1:298)

الحسن :الورع في دين اللّه.(الواحديّ 1:383)

مكحول:إنّ القرآن جزء من اثنين و سبعين جزء من النّبوّة،و هو الحكمة الّتي قال اللّه: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً. (الدّرّ المنثور 1:67)

عطاء:المغفرة.(أبو حيّان 2:320)

ص: 370

هو المعرفة باللّه تعالى.(الطّبرسيّ 3:382)

ابن أبي نجيح:أنّها الإصابة في القول و العمل.

(أبو السّعود 1:312)

زيد بن أسلم:إنّ الحكمة:العقل،و إنّه ليقع في قلبي إنّ الحكمة:الفقه في دين اللّه،و أمر يدخله اللّه القلوب من رحمته و فضله،و ممّا يبيّن ذلك أنّك تجد الرّجل عاقلا في أمر الدّنيا،إذا نظر فيها،و تجد آخر ضعيفا في أمر دنياه،عالما بأمر دينه بصيرا به،يؤتيه اللّه إيّاه و يحرمه هذا،فالحكمة:الفقه في دين اللّه.

(الدّرّ المنثور 2:67)

الرّبيع:الخشية،لأنّ رأس كلّ شيء خشية اللّه.

(الطّبريّ 3:91)

ابن المقفّع:ما يشهد العقل بصحّته.

(أبو حيّان 2:320)

مالك بن أنس:المعرفة بالدّين،و الفقه فيه، و الاتّباع له.(الطّبريّ 3:90)

التّفكّر في أمر اللّه،و الاتّباع له.

طاعة اللّه،و الفقه في الدّين،و العمل به.

(ابن عطيّة 1:364)

الإمام الصّادق عليه السّلام:الحكمة:المعرفة،و الفقه في الدّين.فمن فقّه منكم فهو حكيم،و ما أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس من فقيه.

(الكاشانيّ 1:276)

مقاتل:هي علم القرآن،و الفقه فيه.(1:223)

المفضّل:الرّدّ إلى الصّواب.(أبو حيّان 2:320)

ابن زيد:العقل في الدّين.(الطّبريّ 3:90)

ابن قتيبة :العلم و العمل،لا يسمّى الرّجل حكيما إلاّ إذا جمعهما.(ابن الجوزيّ 1:324)

الجبّائيّ: هو ما آتى اللّه أنبياءه و أممهم في كتبه و آياته و دلالاته الّتي يدلّهم بها على معرفتهم به و بدينه، و ذلك تفضّل منه يؤتيه من يشاء.(الطّوسيّ 2:349)

الطّبريّ: [نقل الأقوال و قال:]

و قد بيّنّا فيما مضى معنى الحكمة،و أنّها مأخوذة من الحكم و فصل القضاء،و أنّها الإصابة بما دلّ على صحّته،فأغنى ذلك عن تكريره في هذا الموضع.فإذا كان ذلك كذلك معناه،كان جميع الأقوال الّتي قالها القائلون الّذين ذكرنا قولهم في ذلك،داخلا فيما قلنا من ذلك،لأنّ الإصابة في الأمور إنّما تكون عن فهم بها و علم و معرفة،و إذا كان ذلك كذلك،كان المصيب عن فهم منه بمواضع الصّواب في أموره فهما خاشيا للّه،فقيها عالما، و كانت النّبوّة من أقسامه،لأنّ الأنبياء مسدّدون مفهّمون،و موفّقون لإصابة الصّواب في الأمور،و النّبوّة بعض معاني الحكمة.

فتأويل الكلام:يؤتي اللّه إصابة الصّواب في القول و الفعل من يشاء،و من يؤته اللّه ذلك فقد آتاه خيرا كثيرا.(3:91)

الزّجّاج: فيها قولان:قال بعضهم هي النّبوّة، و يروى عن ابن مسعود:أنّ الحكمة هي القرآن،و كفى بالقرآن حكمة،لأنّ الأمّة به صارت علماء بعد جهل، و هو وصلة إلى كلّ علم يقرّب من اللّه عزّ و جلّ،و ذريعة

ص: 371

إلى رحمته،و لذلك قال اللّه تعالى: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً أي أعطي كلّ العلم و ما يوصل إلى رحمة اللّه.(1:351)

أبو مسلم الأصفهانيّ: الحكمة«فعلة»من الحكم،و هي كالنّحلة من النّحل.و رجل حكيم،إذا كان ذا حجى و لبّ و إصابة رأي،و هو في هذا الموضع في معنى الفاعل.و يقال:أمر حكيم،أي محكم،و هو «فعيل»بمعنى«مفعول»،قال تعالى: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ الدّخان:4.(القاسميّ 3:685)

النّحّاس: [نقل عدّة أقوال ثمّ قال:]قلت:و هذه الأقوال متّفقة،و أصل الحكمة ما يمتنع به من السّفه،فقيل للعلم:حكمة،لأنّه به يمتنع،و به يعلم الامتناع من السّفه،و هو كلّ فعل قبيح،و كذا القرآن،و العقل، و الفهم.(1:298)

الماورديّ: [ذكر سبعة أقوال ثمّ قال:]و يحتمل ثامنا:أن تكون الحكمة هنا صلاح الدّين و إصلاح الدّنيا.

(1:345)

الطّوسيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]و قال قوم:هو العلم الّذي تعظم منفعته و تحلّ فائدته،و هو جميع ما قالوه...و إنّما قيل للعلم:حكمة،لأنّه يمتنع به من القبيح،لما فيه من الدّعاء إلى الحسن،و الزّجر عن القبيح.(2:349)

نحوه الطّبرسيّ.(1:382)

القشيريّ: الحكمة:يحكم عليكم خاطر الحقّ لا داعي النّفس،و تحكم عليكم قواهر الحقّ لا زواجر الشّيطان.

و يقال:الحكمة:صواب الأمور.و يقال:هي ألاّ تحكم عليك رعونات البشريّة.و من لا حكم له على نفسه لا حكم له على غيره.

و يقال:الحكمة:موافقة أمر اللّه تعالى،و السّفه:

مخالفة أمره.

و يقال:الحكمة:شهود الحقّ،و السّفه:شهود الغير.

(1:220)

الزّمخشريّ: يُؤْتَ الْحِكْمَةَ: يوفّق للعلم و العمل به.و الحكيم عند اللّه:هو العالم العامل.

(1:396)

ابن عطيّة: أي يعطيها لمن يشاء من عباده، و اختلف المتأوّلون في الحكمة.[و ذكر الأقوال و منها قول السّدّيّ:النّبوّة،ثمّ قال:]و هذه الأقوال كلّها ما عدا قول السّدّيّ قريب بعضها من بعض،لأنّ الحكمة مصدر من الإحكام،و هو الإتقان في عمل أو قول.و كتاب اللّه حكمة،و سنّة نبيّه حكمة،و كلّ ما ذكر فهو جزء من الحكمة الّتي هي الجنس.(1:364)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:

المسألة الأولى:المراد من الحكمة إمّا العلم،و إمّا فعل الصّواب.[ثمّ ذكر أربعة وجوها لمعنى الحكمة و قال:] و جميع هذه الوجوه عند التّحقيق ترجع إلى العلم.ثمّ تأمّل أيّها المسكين،فإنّه تعالى ما أعطى إلاّ القليل من العلم،قال تعالى: وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً الإسراء:85،و سمّى الدّنيا بأسرها قليلا،فقال: قُلْ

ص: 372

مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ النّساء:77،و انظركم مقدار هذا القليل حتّى تعرف عظمة ذلك الكثير،و البرهان العقليّ أيضا يطابقه،لأنّ الدّنيا متناهية المقدار،متناهية العدد، متناهية المدّة،و العلوم لا نهاية لمراتبها و عددها و مدّة بقائها،و السّعادة الحاصلة منها،و ذلك ينبئك على فضيلة العلم،و الاستقصاء في هذا الباب قد مرّ في تفسير قوله تعالى: وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها البقرة:31.

و أمّا الحكمة بمعنى فعل الصّواب،فقيل في حدّها:

إنّها التّخلّق بأخلاق اللّه بقدر الطّاقة البشريّة،و مداد هذا المعنى على قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«تخلّقوا بأخلاق اللّه تعالى».

و اعلم أنّ الحكمة لا يمكن خروجها عن هذين المعنيين،و ذلك لأنّ كمال الإنسان في شيئين:أن يعرف الحقّ لذاته،و الخير لأجل العمل به.فالمرجع بالأوّل إلى العلم و الإدراك المطابق،و بالثّاني إلى فعل العدل و الصّواب.فحكي عن إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم قوله: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً و هو الحكمة النظريّة وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ الشّعراء:83،الحكمة العمليّة.و نادى موسى عليه السّلام فقال:

إِنَّنِي أَنَا اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا و هو الحكمة النّظريّة،ثمّ قال: فَاعْبُدْنِي و هو الحكمة العمليّة.و قال عن عيسى عليه السّلام:إنّه قال: إِنِّي عَبْدُ اللّهِ مريم:30،الآية، و كلّ ذلك للحكمة النّظريّة،ثمّ قال: وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا مريم:31،و هو الحكمة العمليّة،و قال في حقّ محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ محمّد:19،و هو الحكمة النّظريّة،ثمّ قال:

وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ النّحل:2،و هو الحكمة العمليّة، و قال في جميع الأنبياء: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا النّحل:2،و هو الحكمة النّظريّة:ثمّ قال:

فَاتَّقُونِ النّحل:2،و هو الحكمة العمليّة،و القرآن هو من الآية الدّالّة على أنّ كمال حال الإنسان ليس إلاّ في هاتين القوّتين.

قال أبو مسلم:الحكمة«فعلة»من الحكم،و هي كالنّحلة من النّحل،و رجل حكيم،إذا كان ذا حجى و لبّ و إصابة رأي،و هو في هذا الموضع في معنى الفاعل.

و يقال:أمر حكيم،أي محكم،و هو«فعيل»بمعنى «مفعول»،قال اللّه تعالى: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ الدّخان:4،و هذا الّذي قاله أبو مسلم من اشتقاق اللّغة يطابق ما ذكرناه من المعنى.

المسألة الثّانية:قال صاحب«الكشّاف»:قرئ (و من يؤتى الحكمة) بمعنى:و من يؤته الحكمة،و هكذا قرأ الأعمش.

المسألة الثّالثة:احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ فعل العبد مخلوق للّه تعالى،و ذلك لأنّ الحكمة إن فسّرناها بالعلم لم تكن مفسّرة بالعلوم الضّروريّة، لأنّها حاصلة للبهائم و المجانين و الأطفال،و هذه الأشياء لا توصف بأنّها حكم،فهي مفسّرة بالعلوم النّظريّة.و إن فسّرناها بالأفعال الحسّيّة فالأمر ظاهر،و على التّقديرين فيلزم أن يكون حصول العلوم النّظريّة و الأفعال الحسّيّة ثابتا من غيرهم،و بتقدير مقدّر غيرهم،و ذلك الغير ليس إلاّ اللّه تعالى بالاتّفاق،فدلّ

ص: 373

على أنّ فعل العبد خلق للّه تعالى.

فإن قيل:لم لا يجوز أن يكون المراد من الحكمة النّبوّة و القرآن،أو قوّة الفهم و الحسّيّة على ما هو قول الرّبيع بن أنس؟

قلنا:الدّليل الّذي ذكرناه يدفع هذه الاحتمالات، و ذلك لأنّه بالنّقل المتواتر ثبت أنّه يستعمل لفظ الحكيم في غير الأنبياء،فتكون الحكمة مغايرة للنّبوّة و القرآن، بل هي مفسّرة إمّا بمعرفة حقائق الأشياء،أو بالإقدام على الأفعال الحسنة الصّائبة،و على التّقديرين فالمقصود حاصل.فإن حاولت المعتزلة حمل الإيتاء على التّوفيق و الإعانة و الألطاف،قلنا:كلّ ما فعله من هذا الجنس في حقّ المؤمنين فقد فعل مثله في حقّ الكفّار،مع أنّ هذا المدح العظيم المذكور في هذه الآية لا يتناولهم،فعلمنا أنّ الحكمة المذكورة في هذه الآية شيء آخر سوى فعل الألطاف،و اللّه أعلم.(7:72)

نحوه النّيسابوريّ.(3:56)

ابن عربيّ: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ لإخلاصه في الإنفاق و كونه فيه باللّه،فيعطيه حكمة الإنفاق لينفق من الحكمة الإلهيّة،لكونه متّصفا بصفاته. وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً لأنّها أخصّ صفات اللّه، و ما يذّكّر أنّ الحكمة أشرف الأشياء،و أخصّ الصّفات، إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ الّذين نوّر اللّه عقولهم بنور الهداية، فصفّاها عن شوائب الوهم و قشور الرّسوم و العادات، و هو النّفس.(1:154)

القرطبيّ: [ذكر مثل ابن عطيّة و أضاف:]و أصل الحكمة ما يمتنع به من السّفه،فقيل للعلم:حكمة،لأنّه يمتنع به،و به يعلم الامتناع من السّفه،و هو كلّ فعل قبيح،و كذا القرآن و العقل و الفهم...

و كرّر ذكر الحكمة و لم يضمرها اعتناء بها،و تنبيها على شرفها و فضلها حسب ما تقدّم بيانه عند قوله تعالى: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً... البقرة:59.

(3:330)

البيضاويّ: تحقيق العلم و إتقان العمل.

(1:140)

مثله الكاشانيّ(1:275)،و شبّر(1:274).

النّسفيّ: علم القرآن و السّنّة،أو العلم النّافع الموصل إلى رضا اللّه و العمل به،و الحكيم عند اللّه هو العالم العامل.(1:135)

الخازن :[نقل الأقوال ثمّ قال:]و حاصل هذه الأقوال إلى شيئين:العلم و الإصابة فيه،و معرفة الأشياء بذواتها.و أصل الحكمة المنع،و منه حكمة الدّابّة،لأنّها تمنعها.[ثمّ استشهد بشعر](1:245)

أبو حيّان:[نقل عدّة أقوال ثمّ أضاف:]و قال عطاء:المغفرة.و قال أبو عثمان:نور يفرّق به بين الوسواس و المقام.و وجدت في نسخة،و الإلهام بدل المقام.و قال قاسم بن محمّد:أن يحكم عليك خاطر الحقّ دون شهوتك.و قال بندار بن الحسين:سرعة الجواب مع إصابة الصّواب.و قال المفضّل:الرّدّ إلى الصّواب.

و قال الكتّانيّ: ما تسكن إليه الأرواح.و قيل:إشارة بلا علّة،و قيل:إشهاد الحقّ على جميع الأحوال،و قيل:

ص: 374

صلاح الدّين و إصلاح الدّنيا،و قيل:العلم اللّدنّيّ، و قيل:تجريد السّرّ لورود الإلهام،و قيل:التّفكّر في اللّه تعالى و الاتّباع له،و قيل:مجموع ما تقدّم ذكره.فهذه تسعة و عشرون مقالة لأهل العلم في تفسير الحكمة.(2:320)

ابن كثير:قال مالك:و إنّه ليقع في قلبي أنّ الحكمة هو الفقه في دين اللّه،و أمر يدخله اللّه في القلوب من رحمته و فضله،و ممّا يبيّن ذلك إنّك تجد الرّجل عاقلا في أمر الدّنيا،إذا نظر فيها،و تجد آخر ضعيفا في أمر دنياه، عالما بأمر دينه بصيرا به،يؤتيه اللّه إيّاه و يحرمه هذا، فالحكمة:الفقه في دين اللّه.و قال السّدّيّ: الحكمة:

النّبوّة.و الصّحيح أنّ الحكمة كما قاله الجمهور:لا تختصّ بالنّبوّة بل هي أعمّ منها،و أعلاها النّبوّة،و الرّسالة أخصّ،و لكن لاتّباع الأنبياء حظّ من الخير على سبيل التّبع،كما جاء في بعض الأحاديث...(1:571)

الشّربينيّ: أي العلم النّافع المؤدّي إلى العمل.

(1:180)

نحوه البروسويّ.(1:430)

أبو السّعود :عن مقاتل:أنّها تفسّر في القرآن بأربعة أوجه:فتارة بمواعظ القرآن،و أخرى بما فيه من عجائب الأسرار،و مرّة بالعلم و الفهم،و أخرى بالنّبوّة.

و لعلّ الأنسب بالمقام ما ينتظم الأحكام المبيّنة في تضاعيف الآيات الكريمة من أحد الوجهين الأوّلين، و معنى إيتائها تبيينها و التّوفيق للعلم و العمل بها،أي يبيّنها و يوفّق للعلم و العمل بها.(1:312)

نحوه الآلوسيّ.(3:41)

القاسميّ: الحكمة:إتقان العلم و العمل،و بعبارة أخرى معرفة الحقّ و العمل به.[إلى أن قال:] وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ... إذ بها انتظام أمر الدّارين،و الإظهار في مقام الإضمار لإظهار الاعتناء بشأنها.و في إيلاء هذه الآية لما قبلها[ اَلشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ البقرة:268]إشعار:بأنّ الّذي لا يغترّ بوعد الشّيطان،و يوقن بوعد اللّه،هو من آتاه اللّه الحكمة.

(3:685)

رشيد رضا : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ يبيّن لنا بعد ذكر ما يعد هو جلّ شأنه به،و ما يعد به الشّيطان،ما نحن في أشدّ الحاجة إليه للتّمييز بين ما يقع في النّفس من الإلهام الإلهيّ و الوسواس الشّيطانيّ.و تلك هي الحكمة.

فسّر الأستاذ الإمام:الحكمة هنا بالعلم الصّحيح، يكون صفة محكمة في النّفس،حاكمة على الإرادة توجّهها إلى العمل.و متى كان العمل صادرا عن العلم الصّحيح كان هو العمل الصّالح النّافع المؤدّي إلى السّعادة.و كم من محصّل لصور كثير من المعلومات خازن لها في دماغه،ليعرضها في أوقات معلومة لا تفيده هذه الصّور الّتي تسمّى علما في التّمييز بين الحقائق و الأوهام،و لا في التّنزيل بين الوسوسة و الإلهام،لأنّها لم تتمكّن من النّفس تمكّنا يجعل لها سلطانا على الإرادة، و إنّما هي تصوّرات و خيالات تغيب عند العمل،و تحضر عند المراء و الجدل.

قال الأستاذ الإمام.ما معناه:و المراد بايتائه الحكمة

ص: 375

من يشاء:إعطاؤه آلتها-العقل-كاملة،مع توفيقه لحسن استعمال هذه الآلة في تحصيل العلوم الصّحيحة.

فالعقل هو الميزان القسط،الّذي توزن به الخواطر و المدركات،و يميز به بين أنواع التّصوّرات و التّصديقات،فمتى رجّحت فيه كفّة الحقائق طاشت كفّة الأوهام،و سهل التّمييز بين الوسوسة و الإلهام.

أقول:و هذا القول يتّفق مع ما روي عن ابن عبّاس من«أنّ الحكمة هي الفقه في القرآن»،أي معرفة ما فيه من الهدى و الأحكام بعللها و حكمها،لأنّ هذا الفقه هو أجلّ الحقائق المؤثّرة في النّفس،الماحية لما يعرض لها من الوساوس حتّى لا تكون مانعة من العمل الصّالح.و لا شكّ أنّ من فقّه ما ورد في الإنفاق و فوائده و آدابه من الآيات لا يكون وعد الشّيطان له بالفقر،و أمره إيّاه بالبخل مانعا له منه،و لكنّ الفقه في القرآن لا يكون إلاّ بكمال العقل و حسن استعماله في الفهم،و البحث عن فوائد الأحكام و عللها،و دلائل المسائل و براهينها.

فالخبر فسّر الحكمة بالأخصّ رعاية للمقام.

و الأستاذ الإمام فسّرها بالأعمّ بيانا لشمول هداية القرآن.فالآية بإطلاقها رافعة لشأن الحكمة بأوسع معانيها،هادية إلى استعمال العقل في أشرف ما خلق له.

و من رزئ بالتّقليد كان محروما من ثمرة العقل و هي الحكمة،و محروما من الخير الكثير الّذي أوجبه اللّه لصاحب الحكمة بقوله: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً. [إلى أن قال:]

ثمّ أقول إيضاحا للمقام:إنّ اللّه جعل الخير الكثير مع الحكمة في قرن،فهما لا يفترقان كما لا يفترق المعلول عن علّته التّامّة،فالحكمة هي العلم الصّحيح المحرّك للإرادة إلى العمل النّافع الّذي هو الخير.و آلة الحكمة هي العقل السّليم المستقلّ بالحكم في مسائل العلم،فهو لا يحكم إلاّ بالدّليل،فمتى حكم جزم فأمضى و أبرم،فكلّ حكيم عليم عامل،مصدر للخير الكثير.(3:75)

المراغيّ: الحكمة:العلم النّافع الّذي يكون له الأثر في النّفس،فيوجّه الإرادة إلى العمل بما تهوى ممّا يوصل إلى السّعادة في الدّنيا و الآخرة.(3:40)

سيّد قطب :الحكمة:و هي توخّي القصد و الاعتدال،و إدراك العلل و الغايات،و وضع الأمور في نصابها في تبصّر و رويّة و إدراك. يُؤْتِي الْحِكْمَةَ...

أوتي القصد و الاعتدال،فلا يفحش و لا يتعدّى الحدود، و أوتي إدراك العلل و الغايات،فلا يضلّ في تقدير الأمور،و أوتي البصيرة المستنيرة الّتي تهديه للصّالح الصّائب من الحركات و الأعمال،و ذلك خير كثير متنوّع الألوان.(1:312)

عزّة دروزة :تنويه بالّذين يفهمون الأمور حقّ الفهم،فذلك هو الحكمة الّتي يهبها اللّه لمن يشاء،و من رزقها فقد رزق الخير الكثير،و لا يرزقها و ينتفع بها إلاّ ذو و العقول النّيّرة و القلوب السّليمة.(7:395)

ابن عاشور :هذه الجملة اعتراض و تذييل لما تضمّنته آيات الإنفاق من المواعظ و الآداب و تلقين الأخلاق الكريمة،ممّا يكسب العاملين به رجاحة العقل و استقامة العمل.

ص: 376

فالمقصود التّنبيه إلى نفاسة ما وعظهم اللّه به، و تنبيههم إلى أنّهم قد أصبحوا به حكماء بعد أن كانوا في جاهليّة جهلاء.فالمعنى:هذا من الحكمة الّتي آتاكم اللّه، فهو يؤتي الحكمة من يشاء،و هذا كقوله: وَ ما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَ الْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ البقرة:231.

قال الفخر:«نبّه على أنّ الأمر الّذي لأجله وجب ترجيح وعد الرّحمن على وعد الشّيطان،هو أنّ وعد الرّحمن ترجّحه الحكمة و العقل.و وعد الشّيطان ترجّحه الشّهوة و الحسّ،من حيث إنّهما يأمران بتحصيل اللّذّة الحاضرة،و لا شكّ أنّ حكم الحكمة هو الحكم الصّادق المبرّأ عن الزّيغ،و حكم الحسّ و الشّهوة يوقع في البلاء و المحنة.فتعقيب قوله: وَ اللّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً البقرة:

268،بقوله: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ إشارة إلى أنّ ما وعد به تعالى من المغفرة و الفضل من الحكمة،و أنّ الحكمة كلّها من عطاء اللّه تعالى،و أنّ اللّه تعالى يعطيها من يشاء.

و الحكمة:إتقان العلم و إجراء الفعل على وفق ذلك العلم،فلذلك قيل:نزلت الحكمة على ألسنة العرب، و عقول اليونان،و أيدي الصّينيّين.و هي مشتقّة من الحكم و هو المنع،لأنّها تمنع صاحبها من الوقوع في الغلط و الضّلال،قال تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،و منه سمّيت الحديدة الّتي في اللّجام و تجعل في فم الفرس:حكمة.

و من يشاء اللّه تعالى إيتاءه الحكمة هو الّذي يخلقه مستعدّا إلى ذلك،من سلامة عقله و اعتدال قواه،حتّى يكون قابلا لفهم الحقائق،منقادا إلى الحقّ إذا لاح له، لا يصدّه عن ذلك هوى و لا عصبيّة و لا مكابرة و لا أنفة،ثمّ ييسّر له أسباب ذلك من حضور الدّعاة و سلامة البقعة من العتاة،فإذا انضمّ إلى ذلك توجّهه إلى اللّه بأن يزيد أسبابه تيسيرا،و يمنع عنه ما يحجب الفهم فقد كمل له التّيسير.و فسّرت الحكمة بأنّها معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بما تبلغه الطّاقة،أي بحيث لا تلتبس الحقائق المتشابهة بعضها مع بعض،و لا يغلط في العلل و الأسباب.

و الحكمة قسّمت أقساما مختلفة الموضوع اختلافا باختلاف العصور و الأقاليم.و مبدأ ظهور علم الحكمة في الشّرق عند الهنود البراهمة و البوذيّين،و عند أهل الصّين البوذيّين،و في بلاد فارس في حكمة زرادشت، و عند القبط في حكمة الكهنة.ثمّ انتقلت حكمة هؤلاء الأمم الشّرقيّة إلى اليونان و هذّبت و صحّحت و فرّعت، و قسّمت عندهم إلى قسمين:حكمة عمليّة،و حكمة نظريّة.

فأمّا الحكمة العمليّة فهي المتعلّقة بما يصدر من أعمال النّاس،و هي تنحصر في تهذيب النّفس،و تهذيب العائلة،و تهذيب الأمّة.

و الأوّل:علم الأخلاق،و هو التخلّق بصفات العلوّ الإلهيّ بحسب الطّاقة البشريّة،فيما يصدر عنه كمال في الإنسان.

و الثّاني:علم تدبير المنزل.

و الثّالث:علم السّياسة المدنيّة و الشّرعيّة.

ص: 377

و أمّا الحكمة النّظريّة فهي (1)الباحثة عن الأمور الّتي تعلّم و ليست من الأعمال،و إنّما تعلم لتمام استقامة الأفهام و الأعمال،و هي ثلاثة علوم:

علم يلقّب بالأسفل و هو الطّبيعيّ،و علم يلقّب بالأوسط و هو الرّياضيّ،و علم يلقّب بالأعلى و هو الإلهيّ.

فالطّبيعيّ يبحث عن الأمور العامّة للتّكوين و الخواصّ و الكون و الفساد،و يندرج تحته:حوادث الجوّ و طبقات الأرض و النّبات و الحيوان و الإنسان، و يندرج فيه الطّبّ و الكيمياء و النّجوم.

و الرّياضيّ: الحساب و الهندسة و الهيئة و الموسيقى، و يندرج تحته الجبر و المساحة و الحيل المتحرّكة «الماكينيّة»و جرّ الأثقال.

و أمّا الإلهيّ فهو خمسة أقسام:معاني الموجودات، و أصول و مبادئ و هي المنطق و مناقضة الآراء الفاسدة، و إثبات واجب الوجود و صفاته،و إثبات الأرواح و المجرّدات،و إثبات الوحي و الرّسالة،و قد بيّن ذلك أبو نصر الفارابيّ و أبو عليّ ابن سينا.

فأمّا المتأخّرون من حكماء الغرب فقد قصّروا الحكمة في الفلسفة على ما وراء الطّبيعة،و هو ما يسمّى عند اليونان بالإلهيّات.

و المهمّ من الحكمة في نظر الدّين أربعة فصول:

أحدها:معرفة اللّه حقّ معرفته،و هو علم الاعتقاد الحقّ،و يسمّى عند اليونان العلم الإلهيّ أو ما وراء الطّبيعة.

الثّاني:ما يصدر عن العلم به كمال نفسيّة الإنسان، و هو علم الأخلاق.

الثّالث:تهذيب العائلة،و هو المسمّى عند اليونان علم تدبير المنزل.

الرّابع:تقويم الأمّة و إصلاح شئونها،و هو المسمّى علم السّياسة المدنيّة،و هو مندرج في أحكام الإمامة و الأحكام السّلطانيّة.و دعوة الإسلام في أصوله و فروعه لا تخلو عن شعبة من شعب هذه الحكمة.

و قد ذكر اللّه الحكمة في مواضع كثيرة من كتابه مرادا بها ما فيه صلاح النّفوس،من النّبوءة و الهدى و الإرشاد.

و قد كانت الحكمة تطلق عند العرب على الأقوال الّتي فيها إيقاظ للنّفس و وصاية بالخير،و إخبار بتجارب السّعادة و الشّقاوة،و كلّيّات جامعة لجماع الآداب...

و ذكر اللّه تعالى-في كتابه-حكمة لقمان و وصاياه في قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ لقمان:12،الآيات.

و قد كانت لشعراء العرب عناية بإبداع الحكمة في شعرهم و هي إرسال الأمثال،كما فعل زهير في الأبيات الّتي أوّلها:

*رأيت المنايا خبط عشواء* و الّتي افتتحها بمن و من في معلّقته.و قد كانت بيد بعض الأحبار صحائف فيها آداب و مواعظ،مثل شيء من جامعة سليمان عليه السّلام و أمثاله،فكان العرب ينقلون منها أقوالا.و في«صحيح البخاريّ»في باب الحياء من كتاب؟!

ص: 378


1- في الأصل:في؟!

الأدب:أنّ عمران بن حصين قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:

الحياء لا يأتي إلاّ بخير،فقال بشير بن كعب العدويّ:

مكتوب في الحكمة إنّ من الحياء و قارا،و إنّ من الحياء سكينة،فقال له عمران:أحدّثك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و تحدّثني عن صحيفتك؟».

و الحكيم هو النّابغ في هاته العلوم أو بعضها، فبحكمته يعتصم من الوقوع في الغلط و الضّلال بمقدار مبلغ حكمته،و في الغرض الّذي تتعلّق به حكمته.

و علوم الحكمة هي مجموع ما أرشد إليه هدي الهداة من أهل الوحي الإلهيّ الّذي هو أصل إصلاح عقول البشر،فكان مبدأ ظهور الحكمة في الأديان،ثمّ ألحق بها ما أنتجه ذكاء العقول من أنظارهم المتفرّعة على أصول الهدى الأوّل.

و قد مهّد قدماء الحكماء طرائق من الحكمة فنبعت ينابيع الحكمة في عصور متقاربة كانت فيها مخلوطة بالأوهام و التّخيّلات و الضّلالات،بين الكلدانيّين و المصريّين و الهنود و الصّين،ثمّ درسها حكماء اليونان فهذّبوا و أبدعوا،و ميّزوا علم الحكمة عن غيره،و توخّوا الحقّ ما استطاعوا،فأزالوا أوهاما عظيمة و أبقوا كثيرا.

و انحصرت هذه العلوم في طريقتي سقراط و هي نفسيّة، و فيثاغورس و هي رياضيّة عقليّة.و الأولى يونانيّة و الثّانية لإيطاليا اليونانيّة.و عنهما أخذ أفلاطون، و اشتهر أصحابه بالإشراقيّين،ثمّ أخذ عنه أفضل تلامذته و هو أرسططاليس،و هذّب طريقته و وسّع العلوم،و سمّيت أتباعه بالمشّائين،و لم تزل الحكمة من وقت ظهوره معوّلة على أصوله إلى يومنا هذا.

(2:531)

مغنيّة:تطلق الحكمة على معان:منها المصلحة، كقولك:الحكمة من هذا الشّيء كذا.و منها الموعظة، مثل:الحكمة ضالّة المؤمن.و منها العلم و الفهم،و منه قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ لقمان:12، و منها النّبوّة،كقوله: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ ص:20،و تطلق الحكمة على الفلسفة.و قال قائل:

الحكمة هي علم الفقه.و قال آخر:هي جميع العلوم الدّينيّة.و قال ثالث:هي طاعة اللّه فقط.

و مهما قيل أو يقال،فإنّ الحكمة لا تخرج أبدا عن معنى السّداد و الصّواب،و وضع الشّيء في موضعه قولا و عملا،فالحكيم هو الّذي يحكم الشّيء،و يأتي به على مقتضى العقل و الواقع،لا حسب الميول و الرّغبات،و لا يستعجله قبل أوانه،أو يمسك عنه في زمانه،أو ينحرف به عن حدوده و قيوده.

و على هذا فالحكمة لا تختصّ بالأنبياء و الأولياء، و لا بالفلاسفة و العلماء،فكلّ من أتقن عملا و أحكمه فهو حكيم فيه،سواء أ كان فلاّحا،أو صانعا،أو تاجرا،أو موظّفا،أو واعظا،أو أديبا،أو خطيبا،أو حاكما،أو جنديّا،أو غيره...فالشّرط الأوّل و الأخير للحكمة و الحكيم أن يحقّق العمل الغرض المطلوب منه عقلا و شرعا،دنيا و دينا.

و ليس من شكّ أنّ من كانت الحكمة رائده و مرشده، كان سعيدا في الدّارين،قال الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام:

ص: 379

«ما أنعم اللّه على عبد بنعمة أعظم و أرفع و أجزل و أبهى من الحكمة،قال تعالى: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ، أي لا يعلم أحد ما أودع اللّه في الحكمة من الأسرار إلاّ من استخلصه لنفسه،فالحكمة هي النّجاة،و صفة الثّبات عند أوائل الأمور،و الوقوف عند عواقبها».

و تجمل الإشارة هنا إلى الفرق بين العلم و الحكمة.

فالعلم يقيس الكمّيّات،و بتعرّف على العلاقات الّتي تربط هذه الكمّيّات بعضها ببعض،و يكتشف القوانين الّتي تجمعها في شمل واحد،و الأثر الّذي يترتّب عليها من خير أو شرّ.

أمّا الحكمة فإنّها تأمر باتّباع العقل السّليم،و الدّين القويم،و استعمال الشّيء فيما وضع له،و خلق من أجله، مثلا:العلم يفتّت الذّرّة،و يوجد السّفن الفضائيّة،و لكنّه لا ينظر إلى الهدف الّذي يرمي إليه العالم خيرا كان أو شرّا،و لا ينهاه عن هذا و يأمره بذاك،أمّا الحكمة فلا يعنيها من تفتيت الذّرّة،و اختراع السّفن كثير و لا قليل، و إنّما تنظر إلى ما تستعمل فيه الذّرّة و سفن الفضاء، و توجّه الإنسان إلى أن يبتغي بهما خير الإنسانيّة و هناءها،لا شرّها و شقاءها.(1:421)

الطّباطبائيّ: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ الإيتاء هو الإعطاء،و الحكمة-بكسر الحاء-على«فعلة»بناء نوع يدلّ على نوع المعنى،فمعناه النّوع من الإحكام و الإتقان،أو نوع من الأمر المحكم المتقن الّذي لا يوجد فيه ثلمة و لا فتور،و غلب استعماله في المعلومات العقليّة الحقّة الصّادقة الّتي لا تقبل البطلان و الكذب البتّة.

و الجملة تدلّ على أنّ البيان الّذي بيّن اللّه به حال الإنفاق بجمع علله و أسبابه،و ما يستتبعه من الأثر الصّالح في حقيقة حياة الإنسان هو من الحكمة،فالحكمة هي القضايا الحقّة المطابقة للواقع من حيث اشتمالها بنحو على سعادة الإنسان كالمعارف الحقّة الإلهيّة في المبدأ و المعاد،و المعارف الّتي تشرح حقائق العالم الطّبيعيّ من جهة مساسها بسعادة الإنسان كالحقائق الفطريّة الّتي هي أساس التّشريعات الدّينيّة.

وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً، المعنى ظاهر،و قد أبهم فاعل الإيتاء مع أنّ الجملة السّابقة عليه تدلّ على أنّه اللّه تبارك و تعالى،ليدلّ الكلام على أنّ الحكمة بنفسها منشأ الخير الكثير،فالتّلبّس بها يتضمّن الخير الكثير،لا من جهة انتساب إتيانه إليه تعالى،فإنّ مجرّد انتساب الإتيان لا يوجب ذلك كإيتاء المال.قال تعالى في قارون: وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إلى آخر الآيات، القصص:76،و إنّما نسب إليها الخير الكثير دون الخير مطلقا،مع ما عليه الحكمة من ارتفاع الشّأن و نفاسة الأمر،لأنّ الأمر مختوم بعناية اللّه و توفيقه،و أمر السّعادة مراعى بالعاقبة و الخاتمة.(2:395)

عبد الكريم الخطيب : اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ الزّمر:18.فهؤلاء هم الّذين رزقهم اللّه بعض ما يرزق عباده من السّداد و التّوفيق،و الاستماع

ص: 380

إلى دعوة العقل،و الاتّهام لداعي الهوى و وساوس الشّيطان...و هذا من موارد الحكمة،و من ثمرات الحكماء وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً؛ إذ يكون أمره إلى عقل يهديه،و بصر يقيمه على سواء السّبيل،فلا يفعل إلاّ خيرا،و لا يجني إلاّ خيرا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ.

و الحكمة:هي البصيرة النّافذة،الّتي تقدر الأمور قدرها،و تضع كلّ شيء موضعه.(2:344)

مكارم الشّيرازيّ: للحكمة معان كثيرة:منها:

معرفة أسرار عالم الوجود،و معرفة حقائق القرآن، و الوصول إلى اللّه بالقول و العمل،و أخيرا معرفة اللّه، بهذه كلّها تنطوي تحت المعنى الواسع للحكمة.

و عليه فإنّ علاقة هذه الآية بالآيات السّابقة هي أنّ اللّه يهب لبعض النّاس-لطهارتهم و مجاهدتهم-علما و بصيرة يستطيع بهما أن يدرك فوائد الإنفاق و آثاره و دوره الحياتيّ في المجتمع،و أن يميّز بين الإلهامات الإلهيّة و الوساوس الشّيطانيّة.

و بعبارة أخرى:نلاحظ أنّ الكلام في الآية السّابقة كان على وعد اللّه بالمغفرة و البركة بإزاء الإنفاق،و على وسوسة الشّيطان و تخويفه من الفقر.و في هذه الآية إشارة إلى حقيقة كون الحكمة هي وحدها الّتي تستطيع أن تميّز بين الجاذبتين الإلهيّة و الشّيطانيّة،فتنجي المرء من وسوسة الشّيطان.

بديهيّ أنّ القصد من مَنْ يَشاءُ ليس إسباغ الحكمة على كلّ من هبّ و دبّ بغير حساب،بل أنّ مشيئة اللّه هي دائما منبعثة عن حكمة،أي أنّه يمنحها لمن يستحقّها،و يرويه من سلسبيل هذه العين الزّلال.

وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً.

رغم أنّ واهب الحكمة هو اللّه فإنّ اسمه لم يرد في هذه الآية،و إنّما بني الفعل للمجهول وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ.

و لعلّ المقصود هو أنّ الحكمة أمر حسن بذاته بصرف النّظر عن مصدرها و منشئها.

من الملاحظ أنّ الآية تقول:إذا نزلت الحكمة بساحة أحد فقد نزلت بساحته البركة و الخير الكثير لا الخير المطلق،لأنّ السّعادة و الخير المطلق ليسا في العلم وحده بل العلم أهمّ عامل لهما.(2:224)

فضل اللّه : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ فهو الّذي يعطي عباده النّعم الباطنة في الوجدان الدّاخليّ للإنسان، فيلهمه الصّواب في الفكرة،و السّداد في الرّأي، و المنهجيّة في طريقة التّفكير،و في النّظرة إلى الأمور، و هذا ما تمثّله الحكمة في مضمونها الفكريّ على مستوى المنهج و الوسيلة و الفكرة،فيدرس القضايا من خلال سلبيّاتها و إيجابيّاتها و مقدّماتها و نتائجها و الظّروف الموضوعيّة المحيطة بها على مستوى الدّنيا و الآخرة.

ثمّ يثير أمام الإنسان طريق الحكمة في الحياة في ما تمثّله هذه الكلمة من تنظيم أعمال الإنسان و تخطيط أوضاعه على حسب الموازين الدّقيقة للأشياء،بحيث يضع كلّ شيء في موضعه،فلا يمنع شيئا ينبغي له أن

ص: 381

يعطيه،و لا يعطي شيئا ينبغي له أن يمنعه،و لا يضع شيئا موضع شيء آخر،و لا يزيد و لا ينقص في ما يراد منه التّوازن في جانب الزّيادة و النّقيصة...

و يؤكّد اللّه على أنّ الحكمة نعمة كبيرة يمنحها لمن يشاء من عباده،لأنّها تهدي الإنسان إلى التّوازن الدّقيق في الحياة،فهي القيمة الكبيرة في شخصيّته،الّتي تفوق الجاه و المال و الجمال،لأنّها هي الّتي توجّه ذلك كلّه إلى الوجهة الّتي ينبغي أن تقف عندها الأشياء.

وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً لأنّها الّتي تفتح للإنسان أبواب الخير في الدّنيا و الآخرة، فتصرفه عن طريق الخطأ و تقرّبه إلى طريق الصّواب.

(5:108)

7- اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ...

النّحل:125

ابن عبّاس: بالقرآن.(232)

نحوه الكلبيّ(الماورديّ 3:220)،و الثعلبيّ(6:

51)،و البغويّ(3:103).

الطّبريّ: يقول:بوحي اللّه الّذي يوحيه إليك، و كتابه الّذي ينزله عليك.(14:194)

الزّجّاج: جاء في التّفسير:(الحكمة):النّبوّة.

(3:223)

نحوه الماورديّ.(3:220)

الرّمّانيّ: الحكمة:المعروفة بمراتب الأفعال، و الموعظة الحسنة أن تختلط الرّغبة بالرّهبة و الإنذار بالبشارة.(أبو حيّان 5:549)

الطّوسيّ: أمر اللّه تعالى نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله أن يدعو عباده المكلّفين بالحكمة،و هو أن يدعوهم إلى أفعالهم الحسنة الّتي لها مدخل في استحقاق المدح و الثّواب عليها،لأنّ القبائح يزجر عنها و لا يدعو إليها،و المباح لا يدعو (1)إلى فعله،لأنّه عبث،و إنّما يدعو إلى ما هو واجب أو ندب،لأنّه يستحقّ بفعله المدح و الثّواب.

و الحكمة هي المعرفة بمراتب الأفعال في الحسن و القبح و الصّلاح و الفساد.و قيل لها:حكمة،لأنّها بمنزلة المانع من الفساد،و ما لا ينبغي أن يختار،و الأصل المنع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الفرق بين الحكمة و العقل:أنّ العاقل هو العاقد على ما يمنع من الفساد،و الحكيم هو العارف بما يمنع من الفساد،و الحكمة مشتركة بين المعرفة و بين العقل المستقيم،لأنّ كلّ واحد منهما ممتنع من الفساد عار منه، و القديم تعالى لم يزل حكيما بمعنى لم يزل عالما.و لا يجوز لم يزل حكيما فيما يستحقّ لأجل الفعل المستقيم، و كلّ حكمة يكون بتركها مضيعا لحقّ النّعمة،يجب على المكلّف طلبها،معرفة كانت أو فعلا...و قيل:أنّ الحكمة:النّبوّة.(6:439)

الزّمخشريّ: بالمقابلة المحكمة الصّحيحة،و هي الدّليل الموضح للحقّ المزيل للشّبهة...

و يجوز أن يريد القرآن،أي ادعهم بالكتاب الّذيى.

ص: 382


1- كذا،و الظّاهر يدعى،و كذا فيما بعد مرّتين.إلاّ أن يرجع ضمير الفاعل في الموارد الثّلاثة إلى اللّه تعالى.

هو حكمة و موعظة حسنة.(2:435)

الطّبرسيّ: أي بالقرآن،و سمّي القرآن حكمة، لأنّه يتضمّن الأمر بالحسن و النّهي عن القبيح،و أصل الحكمة المنع،و منه حكمة اللّجام.و إنّما قيل لها:حكمة، لأنّها بمنزلة المانع من الفساد،و ما لا ينبغي أن يختار.

و قيل:إنّ الحكمة هي المعرفة بمراتب الأفعال في الحسن و القبح و الصّلاح و الفساد،لأنّ بمعرفة ذلك يقع المنع من الفساد،و الاستعمال للصّدق و الصّواب في الأفعال و الأقوال.(3:392)

الفخر الرّازيّ: معناه أدع الأقوياء الكاملين إلى الدّين الحقّ بالحكمة،و هي البراهين القطعيّة اليقينيّة و عوام الخلق بالموعظة الحسنة،و هي الدّلائل اليقينيّة الإقناعيّة الظّنّيّة،و التّكلّم مع المشاغبين بالجدل على الطّريق الأحسن الأكمل.

و من لطائف هذه الآية أنّه قال: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ فقصر الدّعوة على ذكر هذين القسمين،لأنّ الدّعوة إن كانت بالدّلائل القطعيّة فهي الحكمة،و إن كانت بالدّلائل الظّنّيّة فهي الموعظة الحسنة.(20:139)

البيضاويّ: بالمقالة المحكمة،و هو الدّليل الموضح للحقّ المزيح للشّبهة.(1:574)

نحوه النّسفيّ(2:304)،و أبو السّعود(4:104)، و البروسويّ(5:97)،و الآلوسيّ(14:254).

أبو حيّان :هو الكلام الصّواب القريب الواقع من النّفس أجمل موقع...و قيل:ما يمنع من الفساد من آيات ربّك المرغّبة و المرهّبة...و يجوز أن يريد القرآن،أي ادعهم بالكتاب الّذي هو حكمة و موعظة حسنة، و جادلهم بالّتي هي أحسن طرق المجادلة من الرّفق و اللّين من غير فظاظة و لا تعنيف.(5:549)

شبّر:بالحجج الكاشفة عنه المحكمة،أو القرآن.

(3:457)

ابن عاشور :و(الباء)في قوله:(بالحكمة) للملابسة كالباء في قول العرب للمعرّس:بالرّفاء و البنين،بتقدير:أعرست يدلّ عليه المقام،و هي إمّا متعلّقة ب(ادع)أو في موضع الحال من ضمير(ادع)...

فالحكمة:هي المعرفة المحكمة،أي الصّائبة المجرّدة عن الخطإ،فلا تطلق الحكمة إلاّ على المعرفة الخالصة عن شوائب الأخطاء و بقايا الجهل في تعليم النّاس و في تهذيبهم،و لذلك عرّفوا الحكمة بأنّها:معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بحسب الطّاقة البشريّة، بحيث لا تلتبس على صاحبها الحقائق المتشابهة بعضها ببعض،و لا تخطئ في العلل و الأسباب.و هي اسم جامع لكلّ كلام،أو علم يراعى فيه إصلاح حال النّاس و اعتقادهم إصلاحا مستمرّا لا يتغيّر،و قد تقدّم الكلام عليها عند قوله تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ البقرة:

269،مفصّلا فانظره.و تطلق الحكمة على العلوم الحاصلة للأنبياء و يرادفها الحكم.(13:262)

الطّباطبائيّ: لا شكّ في أنّه يستفاد من الآية أنّ هذه الثّلاثة:«الحكمة و الموعظة و المجادلة»من طرق التّكليم و المفاوضة،فقد أمر بالدّعوة بأحد هذه الأمور،

ص: 383

فهي من أنحاء الدّعوة و طرقها،و إن كان الجدال لا يعدّ دعوة بمعناها الأخصّ.

و قد فسّرت«الحكمة»كما في«المفردات»بأصالة الحقّ بالعلم و العقل،و«الموعظة»-كما عن الخليل-بأنّه التّذكير بالخير فيما يرقّ له القلب.و«الجدال»-كما في «المفردات»-بالمفاوضة على سبيل المنازعة و المغالبة.

و التّأمل في هذه المعاني يعطي أنّ المراد بالحكمة- و اللّه أعلم-الحجّة الّتي تنتج الحقّ الّذي لا مرية فيه و لا وهن و لا إبهام،و الموعظة هو البيان الّذي تلين به النّفس و يرقّ له القلب،لما فيه من صلاح حال السّامع من الغبر و العبر،و جميل الثّناء و محمود الأثر و نحو ذلك...

(12:371)

مكارم الشّيرازيّ: الحكمة بمعنى العلم و المنطق و الاستدلال،و هي في الأصل بمعنى المنع،و قد أطلقت على العلم و المنطق و الاستدلال،لمنعها الفساد و الانحراف.

فأوّل خطوة على طريق الدّعوة إلى الحقّ هي التّمكّن من الاستدلال وفق المنطق السّليم،أو النّفوذ إلى داخل فكر النّاس و محاولة تحريك و إيقاظ عقولهم، كخطوة أولى في هذا الطّريق.و الموعظة الحسنة هي الخطوة الثّانية في طريق الدّعوة إلى اللّه...

و في الحقيقة فإنّ الحكمة تستثمر البعد العقليّ للإنسان،و الموعظة الحسنة تتعامل مع البعد العاطفيّ له.

(8:328)

فضل اللّه :المراد من الدّعوة بالحكمة في القرآن الكريم.

ذلك ما نفهمه من لفظ الحكمة في اللّغة حين نطلقها في كلّ مجال،فما الّذي يريده القرآن منها هنا،حين ينصح أو يأمر بأن تكون الدّعوة بالحكمة؟

هل الحكمة هنا محتوى للدّعوة أو مضمون،أم هي أسلوب و طريقة؟

حاول بعض المفسّرين أن يجعل الحكمة مضمونا للدّعوة و محتوى لها،لا أسلوبا من أساليبها،فقد ذكر الشّيخ الطّوسيّ رحمه اللّه في تفسيره«التّبيان»أنّ الحكمة هي «أن يدعوهم إلى أفعالهم الحسنة الّتي لها مدخل في استحقاق المدح و الثّواب عليها،لأنّ القبائح يزجر عنها و لا يدعو إليها،و المباح لا يدعو إلى فعله لأنّه عبث، و إنّما يدعو إلى ما هو واجب أو ندب،لأنّه يستحقّ بفعله المدح و الثّواب».

و في«مجمع البيان»للشّيخ الطّبرسيّ: «أي بالقرآن...و سمّي القرآن حكمة،لأنّه يتضمّن الأمر بالحسن و النّهي عن القبيح».

و في«الكشّاف»للزّمخشريّ: الحكمة هي«المقالة المحكمة الصّحيحة و هي الدّليل الموضح للحقّ المزيل للشّبهة».ثمّ قال:«و يجوز أن يريد القرآن أي ادعهم بالكتاب الّذي هو حكمة...».و في«الوجيز»:«الحكمة هي الحجج الكاشفة عن دينه».

هذا نموذج من التّفاسير الّتي حاولت أن تجعل من الحكمة مضمونا للدّعوة،و متعلّقا لها،فهي تارة:أمر بالحسن و نهي عن القبيح و أخرى:الإتيان بالآيات

ص: 384

القرآنيّة في مقام الدّعوة،و ثالثة:إقامة الأدلّة و البراهين على الحقّ...

و لكن يبدو لنا أنّها لا تنسجم مع طبيعة غرض الآية و هدفها الأخير،فهي ليست في مجال التّحدّث عمّا يلزم على النّبيّ أن يدعو له،فيأمر به أو ينهى عنه،لأنّ ذلك أمر واضح معلوم للنّبيّ باعتباره نبيّا مرسلا من قبل اللّه سبحانه،برسالة تتضمّن أوامر اللّه و نواهيه و تعاليمه المتعلّقة بأمر معاش النّاس و معادهم،كما أنّ من المعلوم لديه أنّ القرآن يدخل ضمن نطاق الدّعوة،باعتباره المعجزة البيانيّة الخالدة للرّسالة الإلهيّة العظيمة.و لعلّنا نلمح في كلمة: إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ ما يرشدنا إلى ذلك، فإنّ سبيل اللّه الّذي تجب الدّعوة إليه هو الإسلام بكلّ تعاليمه و مبادئه،و القرآن بما فيه من أحكام و تعاليم.

أمّا التّفسير بالحجج و الأدلّة و البراهين،فهو غير وارد أيضا،لأنّه ليس أمرا جديدا على الدّعوة و على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لأنّ أساليب القرآن ترتكز على ذلك،كما أنّ طبيعة الدّعوة تعتمد عليه،لأنّها انطلقت مع أدلّتها و براهينها منذ اللّحظة الأولى.

فما الّذي يراد بها أوّلا؟

يبدو لنا-من خلال ما قدّمناه-حول مفهوم الكلمة، أنّها تعبير عن طبيعة أسلوب الدّعوة و ضرورة اتّصافه بالحكمة،و سلوكه طريقها.فكأنّ الآية محاولة للإرشاد إلى طريقة الدّعوة العمليّة في هداية النّاس و إرشادهم، و كسب أكبر عدد ممكن منهم إلى صفّ الدّين و العقيدة، و للإشارة إلى أنّ الحقيقة المجرّدة العارية،و الواقع البسيط المجرّد،لا يمكن إلقاؤهما إلى النّاس دون مقدّمات،و دون ملاحظة للظّروف و دراسة لجوّ العمل و مجالاته.

و على ضوء هذا،فإنّ المراد بالحكمة-كما نفهمه منها -هو السّير على الطّريقة الواقعيّة للعمل،و نعني بها تلك الّتي تلاحظ الواقع الخارجيّ للمجتمع الّذي تعيش فيه، و تدرس ظروفه العقليّة و الفكريّة و النّفسيّة و الاجتماعيّة،و تضع كلّ ذلك في حسابها قبل بداية العمل.

و إذا ربطناها بالدّعوة،فسنجد أنّها محاولة لتنبيه الدّعاة إلى اللّه،إلى أن لا يكون الأسلوب المتّبع لديهم في العمل واحدا من حيث النّوع،بل لا بدّ من أن يختلف حسب اختلاف الواقع الّذي تعيشه الدّعوة،أو يعيش فيه الدّين،فإنّه من الواضح أنّ الدّعوة لن تكون فعّالة، إذا حاولت أن تساوي بين الجاهل و المثقّف في الفكرة الّتي تلقى،و الأسلوب الّذي يتّبع،فإنّ الأدوات التّعبيريّة و المخزون الفكريّ الّذي يملكه كلّ منهما،يختلف عمّا يملكه الآخر،و أيضا فقد تقتضي بعض المواقف الجوّ الحماسيّ و الاندفاعيّ الصّرف،بينما يقتضي بعضها الآخر الجوّ الهادئ المتّزن الّذي يتيح للفكر أن ينطلق،و للرّوح أن تطمئنّ،و للإنسان أن يفكّر بهدوء.

و قد يدفعنا الجوّ-في بعض الحالات-إلى عرض الفكرة بكامل تفاصيلها،بينما يدفعنا-في حالات أخرى -إلى الاكتفاء بعرض الخطوط الرّئيسيّة فقط،تاركين للمستقبل وضع النّقاط على الحروف.ذلك ما نفهمه من الحكمة هنا،و الّذي قد يلتقي مع كلمة«المرونة»في كثير

ص: 385

من مدلولاتها،لأنّ المرونة تقتضي عدم انتهاج الدّاعية أسلوبا واحدا لا يتعدّاه في مجالات العمل،بل تتطلّب منه أن يكون مرنا يلاحظ طبيعة الجوّ،و طبيعة الموقف، و طبيعة الإنسان المخاطب.

و قد نجد في تعبير علماء البيان عن البلاغة بأنّها «مطابقة مقتضى الحال»ما يوضح لنا معنى الحكمة و يقرّبها إلى أذهاننا،لأنّه يلتقي بها من أقرب الطّرق.

و لا بدّ لنا-في ختام الحديث حول هذه الكلمة-من الإشارة إلى أنّ المرونة الّتي ذكرناها و مطابقة مقتضى الحال و غيرهما،لا تعني أن نصل إلى استخدام وسائل تتنافى و المبادئ العامّة للإسلام الّذي يرتكز على قواعد أخلاقيّة متينة،فإنّ هذا شرط لا بدّ منه على كلّ حال.

(13:326)

8- وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلّهِ وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ... لقمان:12

ابن عبّاس: العلم و الفهم و إصابة القول و الفعل.

(344)

نحوه النّسفيّ.(3:280)

الشّعبيّ: الحكمة هاهنا النّبوّة.

مثله عكرمة و السّدّيّ.(الواحديّ 3:442)

مجاهد :الفقه و العقل،و الإصابة في القول من غير نبوّة.(الطّبريّ 21:67)

(الحكمة):القرآن.

(الحكمة):الأمانة.(الطّبريّ 21:68)

قتادة:الفقه في الإسلام.(الطّبريّ 21:67)

السّدّيّ: أنّها الفهم و العقل.(الماورديّ 4:332)

و هو المرويّ عن الإمام الكاظم عليه السّلام.

(البحرانيّ 7:464)

الإمام الصّادق عليه السّلام:أوتي معرفة إمام زمانه.

[و هذا تأويل](شبّر 5:105)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و لقد آتينا لقمان الفقه في الدّين،و العقل و الإصابة في القول.(21:67)

الزّجّاج: روي في التّفسير أنّ إنسانا وقف عليه و هو في مجلسه،فقال له:أ لست الّذي كنت ترعى معي في موضع كذا كذا؟قال:بلى،قال:فما بلغ بك ما أرى؟ فقال:«صدق الحديث،و الصّمت عمّا لا يعنيني».

(4:195)

الطّوسيّ: و الحكمة الّتي آتى اللّه لقمان هو معرفته بتوحيده،و نفي الشّرك عنه.(8:275)

الثّعلبيّ: يعني العقل و العلم و العمل به،و الإصابة في الأمور.(7:312)

نحوه البغويّ(3:587)،و الطّبرسيّ(4:315).

الغزاليّ: من عرف جميع الأشياء و لم يعرف اللّه لم يستحقّ أن يسمّى حكيما،لأنّه لم يعرف أجلّ الأشياء و أفضلها،و الحكمة أجلّ العلوم.و جلالة العلم بقدر جلالة المعلوم و لا أجلّ من اللّه.و من عرف اللّه فهو حكيم و إن كان ضعيف المنّة في سائر العلوم الرّسميّة،كليل اللّسان،قاصر البيان فيها.و من عرف اللّه كان كلامه مخالفا لكلام غيره،قلّما يتعرّف للجزئيّات،بل يكون

ص: 386

كلامه جمليّا،و لا يتعرّض لمصالح العاجلة،بل يتعرّض لما ينفع في العاقبة.و لمّا كانت الكلمات الكلّيّة أطهر عند النّاس من أحوال الحكيم من معرفته باللّه،ربّما أطلق النّاس اسم الحكمة على مثل تلك الكلمات الكلّيّة.

و يقال للنّاطق بها حكيم،و ذلك مثل قول سيّد الأنبياء عليه السّلام:«رأس الحكمة مخافة اللّه،ما قلّ و كفى خير ممّا كثر و ألهى،كن ورعا،تكن أعبد النّاس،و كن تقيّا، تكن أشكر النّاس،البلاء موكّل بالمنطق،السّعيد من وعظ بغيره،القناعة مال لا ينفد،اليقين الإيمان كلّه».

فهذه الكلمات و أمثالها تسمّى حكمة و صاحبها يسمّى حكيما.(البروسويّ 7:73)

الزّمخشريّ: قد نبّه اللّه سبحانه على أنّ الحكمة الأصليّة و العلم الحقيقيّ هو العمل بهما.(3:231)

ابن الجوزيّ: فيها قولان:أحدهما:الفهم و العقل،قاله الأكثرون.و الثّاني:النّبوّة.(6:317)

الفخر الرّازيّ: قوله وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ عبارة عن توفيق العمل بالعلم،فكلّ من أوتي توفيق العمل بالعلم فقد أوتي الحكمة،و إن أردنا تحديدها بما يدخل فيه حكمة اللّه تعالى،فنقول:حصول العمل على وفق المعلوم.و الّذي يدلّ على ما ذكرنا أنّ من تعلّم شيئا و لا يعلم مصالحه و مفاسده لا يسمّى حكيما،و إنّما يكون مبخوتا،أ لا ترى أنّ من يلقي نفسه من مكان عال،و وقع على موضع فانخسف به،و ظهر له كنز و سلم،لا يقال إنّه حكيم،و إن ظهر لفعله مصلحة و خلوّ عن مفسدة،لعدم علمه به أوّلا،و من يعلم أنّ الإلقاء فيه إهلاك النّفس،و يلقي نفسه من ذلك المكان و تنكسر أعضاؤه،لا يقال:إنّه حكيم،و إن علم ما يكون في فعله.

ثمّ الّذي يدلّ على ما ذكرنا قوله تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِلّهِ فإنّ(ان)مثل هذا تسمّى المفسّرة،ففسّر اللّه إيتاء الحكمة بقوله: أَنِ اشْكُرْ لِلّهِ و هو كذلك،لأنّ من جملة ما يقال:إنّ العمل موافق للعلم،لأنّ الإنسان إذا علم أمرين:أحدهما أهمّ من الآخر،فإن اشتغل بالأهمّ،كان عمله موافقا لعلمه و كان حكمة،و إن أهمل الأهمّ كان مخالفا للعلم،و لم يكن من الحكمة في شيء لكن شكر اللّه أهمّ الأشياء،فالحكمة أوّل ما تقتضي.(25:145)

البيضاويّ: الحكمة في عرف العلماء:استكمال النّفس الإنسانيّة باقتباس العلوم النّظريّة،و اكتساب الملكة التّامّة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها.

(2:228)

مثله أبو السّعود.(5:188)

أبو حيّان :و الحكمة:المنطق الّذي يتّعظ به و يتنبّه به،و يتناقله النّاس لذلك.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ]

(7:186)

ابن كثير :أي الفهم و العلم و التّعبير.(5:382)

البروسويّ: و في«التّأويلات النّجميّة».الحكمة عدل الوحي،قال عليه السّلام«أوتيت القرآن و ما يعدله»و هو الحكمة بدليل قوله تعالى: وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ البقرة:129،فالحكمة موهبة للأولياء،كما أنّ الوحي موهبة للأنبياء،و كما أنّ النّبوّة ليست كسبيّة،بل هي فضل اللّه يؤتيه من يشاء،فكذلك الحكمة ليست كسبيّة

ص: 387

تحصل بمجرّد كسب العبد دون تعليم الأنبياء إيّاه طريق تحصيلها،بل بإيتاء اللّه تعالى،كما علّمنا النّبيّ عليه السّلام طريق تحصيلها بقوله:«من أخلص للّه أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»،و كما أنّ القلب مهبط الوحي من إيحاء الحقّ تعالى،كذلك مهبط الحكمة بإيتاء الحقّ تعالى،كما قال تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ، و قال: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً البقرة:269.

فثبت أنّ الحكمة من المواهب لا من المكاسب،لأنّها من الأقوال لا من المقامات.و المعقولات الّتي سمّتها الحكماء حكمة،ليست بحكمة فإنّها من نتائج الفكر السّليم من شوب آفة الوهم و الخيال،و ذلك يكون للمؤمن و الكافر،و قلّما يسلم من الشّوائب،و لهذا وقع الاختلاف في أدلّتهم و عقائدهم.و من يحفظ الحكمة الّتي أوتيت لبعض الحكماء الحقيقيّة،لم تكن هي حكمة بالنّسبة إليه،لأنّه لم يؤت الحكمة،و لم يكن هو حكيما، انتهى.

قال في«عرائس البيان»:الحكمة ثلاث:

حكمة القرآن و هي حقائقه،و حكمة الإيمان و هي المعرفة،و حكمة البرهان و هي إدراك لطائف صنع الحقّ في الأفعال.و أصل الحكمة إدراك خطاب الحقّ بوصف الإلهام.

قال شاه شجاع:ثلاث من علامات الحكمة:إنزال النّفس من النّاس منزلتها،و إنزال النّاس من النّفس منزلتهم،و وعظهم على قدر عقولهم،فيقوم بنفع حاضر.

و قال الحسين بن منصور:الحكمة سهام،و قلوب المؤمنين أهدافها،و الرّامي اللّه،و الخطأ معدوم.

و قيل:الحكمة هو النّور الفارق بين الإلهام و الوسواس،و يتولّد هذا النّور في القلب من الفكر و العبرة،و هما ميراث الحزن و الجوع.

قال حكيم:قوت الأجساد،المشارب و المطاعم، و قوت العقل،الحكمة و العلم.و أفضل ما أوتى العبد في الدّنيا الحكمة،و في الآخرة الرّحمة،و الحكمة للأخلاق كالطّبّ للأجساد.

و عن عليّ رضى اللّه عنه:روّحوا هذه القلوب،و اطلبوا لها طرائف الحكمة،فإنّها تملّ كما تملّ الأبدان.

و في الحديث:«ما زهد عبد في الدّنيا إلاّ أنبت اللّه الحكمة في قلبه،و انطق بها لسانه،و بصّره عيوب الدّنيا و عيوب نفسه.و إذا رأيتم أخاكم قد زهد فاقربوا إليه فاستمعوا منه،فإنّه يلقي الحكمة».

و الزّهد في اللّغة ترك الميل إلى الشّيء،و في اصطلاح أهل الحقيقة هو بغض الدّنيا و الإعراض عنها،و شرط الزّاهد أن لا يحنّ إلى ما زهد فيه،و أدبه أن لا يذمّ المزهود فيه،لكونه من جملة أفعال اللّه تعالى،و ليشغل نفسه بمن زهد من أجله.قال عيسى عليه السّلام:أين تنبت الحبّة؟قالوا:

في الأرض،فقال:كذلك الحكمة لا تنبت إلاّ في قلب مثل الأرض،و هو موضع نبع الماء.

و التّواضع سرّ من أسرار اللّه المخزونة عنده،لا يهبه على الكمال إلاّ لنبيّ أو صدّيق،فليس كلّ تواضع

ص: 388

تواضعا،و هو أعلى مقامات الطّريق،و آخر مقام ينتهي إليه رجال اللّه.و حقيقة العلم بعبوديّة النّفس،و لا يصحّ من العبوديّة رئاسة أصلا،لأنّها ضدّ لها.و لهذا قال أبو مدين قدّس سرّه:آخر ما يخرج من قلوب الصّدّيقين حبّ الرّياسة،و لا تظنّ أنّ هذا التّواضع الظّاهر على أكثر النّاس و على بعض الصّالحين تواضع،و إنّما هو تملّق بسبب غاب عنك،و كلّ يتملّق على قدر مطلوبه و المطلوب منه،فالتّواضع شريف لا يقدر عليه كلّ أحد، فإنّه موقوف على صاحب التّمكين في العالم،و التّحقّق في التّخلّق كذا في مواقع النّجوم لحضرة الشّيخ الأكبر قدّس سرّه الأطهر.(7:74)

الآلوسيّ: [نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]قيل:إتقان الشّيء علما و عملا،و قيل:كما حاصل باستكمال النّفس الإنسانيّة باقتباس العلوم النّظريّة،و اكتساب الملكة التّامّة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها و فسّرها كثير من الحكماء بمعرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بقدر الطّاقة البشريّة.(21:83)

نحوه القاسميّ.(13:4795)

المراغيّ: و الحكمة:العقل و الفطنة.(21:78)

مغنيّة:تطلق الحكمة على معان،منها العلم باللّه و صفاته،و منها وضع الشّيء في محلّه،و منها الكلمة الواعظة،و منها طاعة اللّه.و في الحديث:«رأس الحكمة مخافة اللّه».(6:160)

الطّباطبائيّ: الحكمة على ما يستفاد من موارد استعمالها هي المعرفة العلميّة النّافعة،و هي وسط الاعتدال بين الجهل و الجربزة.(16:215)

مكارم الشّيرازيّ: في معرض الحديث:عن ماهيّة الحكمة ينبغي القول:إنّهم قد ذكروا للحكمة معاني كثيرة،مثل:معرفة أسرار عالم الوجود،و الإحاطة و العلم بحقائق القرآن،و الوصول إلى الحقّ من جهة القول و العمل،و معرفة اللّه.إلاّ أنّ كلّ هذه المعاني يمكن جمعها في مكان واحد؛إذ قيل في تفسير الحكمة:إنّ الحكمة الّتي يتحدّث عنها القرآن و الّتي كان اللّه قد آتاها لقمان،كانت مجموعة من المعرفة و العلم،و الأخلاق الطّاهرة و التّقوى و نور الهداية.(13:32)

حكم-يحكّمونك

1- وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ.

المائدة:43

ابن عبّاس: الرّجم.(94)

نحوه السّدّيّ(الطّبريّ 6:248)،و الحسن(ابن الجوزيّ 2:362)،و الثّعلبيّ(4:69).

يعني حدود اللّه،فأخبر اللّه بحكمه في التّوراة.

(الطّبريّ 6:248)

قتادة :أي بيان اللّه ما تشاجروا فيه من شأن قتيلهم.(الطّبريّ 6:248)

حكمه بالقود،و فيه تحاكموا.

(ابن الجوزيّ 2:362)

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره:و كيف يحكّمك هؤلاء

ص: 389

اليهود يا محمّد بينهم،فيرضون بك حكما بينهم، و عندهم التّوراة الّتي أنزلتها على موسى،الّتي يقرّون بها أنّها حقّ،و أنّها كتابي الّذي أنزلته على نبيّي و أنّ ما فيه من حكم فمن حكمي،يعلمون ذلك لا يتناكرونه و لا يتدافعونه،و يعلمون أنّ حكمي فيها على الزّاني المحصن الرّجم،و هم مع علمهم بذلك يتولّون.

(6:247)

الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:حكم اللّه بالرّجم.

و الثّاني:حكم اللّه بالقود.(2:41)

الطّوسيّ: المعنى كيف يحكّمك هؤلاء اليهود يا محمّد بينهم،فيرضوا بك حكما،و عندهم التّوراة،فيها حكم اللّه الّتي أنزلها على موسى الّتي يقرّون بها أنّها كتابي.

وجه التّعجّب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و فيه تقريع لليهود الّذين نزلت فيهم،فكأنّه قال:الّذي أنزلته على نبيّي.و إنّه الحقّ،و إنّ ما فيه حكم من حكمي،لا يتناكرونه و يعلمونه،و هم مع ذلك يتولّون أي يتركون الحكم به جرأة عليّ،كيف تقرّون أيّها اليهود بحكم نبيّي محمّد مع جحدكم نبوّته،و تكذيبكم إيّاه،و أنتم تتركون حكمي الّذي تقرّون به أنّه واجب،و أنّه حقّ من عند اللّه.

و قوله: فِيها حُكْمُ اللّهِ قال أبو عليّ:فيه دليل على أنّه لم ينسخ،لأنّه لو نسخ لم يطلق عليه بعد النّسخ أنّه حكم اللّه،كما لا يطلق أنّ حكم اللّه تحليل الخمر أو تحريم السّبت.و قال الحسن: فِيها حُكْمُ اللّهِ بالرّجم.

و قال قتادة:و عصيانا لي. فِيها حُكْمُ اللّهِ بالقود.

فإن قيل:كيف يقولون: فِيها حُكْمُ اللّهِ و عندكم أنّها محرّفة مغيّرة؟قلنا:على ما قال الحسن و قتادة لا يتوجّه،لأنّها و إن كانت مغيّرة محرّفة لا يمتنع أن يكون فيها هذان الحكمان غير مبدّلين،و هو رجم المحصن و وجوب القود.و يحتمل أن يكون المراد بذلك فيها حكم اللّه عندهم،لأنّهم لا يقرّون بأنّها مغيّرة،بل يدّعون أنّها هي الّتي أنزلت على موسى عليه السّلام بعينها.

و الحكم هو فصل الأمر على وجه الحكمة فيما يفصل به،و قد يفصل بالبيان أنّه الحقّ،و قد يفصل بإلزام الحقّ و الأخذ به،كما يفصل الحكّام بين الخصوم بما يقطع الخصومة و تثبت القضيّة.(3:530)

نحوه الطّبرسيّ.(2:196)

البغويّ: هذا تعجيب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و فيه اختصار،أي و كيف يجعلونك حكما بينهم فيرضون بحكمك،و عندهم التّوراة فِيها حُكْمُ اللّهِ و هو الرّجم.(2:54)

نحوه ابن الجوزيّ.(2:362)

الزّمخشريّ: تعجّب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به و بكتابه،مع أنّ الحكم منصوص في كتابهم الّذي يدّعون الإيمان به...

فإن قلت: فِيها حُكْمُ اللّهِ ما موضعه من الإعراب؟قلت:إمّا أن ينتصب حالا من التّوراة،و هي مبتدأ خبره(عندهم)،و إمّا أن يرتفع خبرا عنها كقولك:

و عندهم التّوراة ناطقة بحكم اللّه،و إمّا أن لا يكون له محلّ،و تكون جملة مبيّنة،لأنّ عندهم ما يغنيهم عن

ص: 390

التّحكيم،كما تقول:عندك زيد ينصحك،و يشير عليك بالصّواب فما تصنع بغيره؟(1:614)

نحوه النّسفيّ.(1:284)

ابن عطيّة: ذكر اللّه تعالى بعد تحكيمهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالإخلاص منهم،و يبيّن بالقياس الصّحيح أنّهم لا يحكّمونه إلاّ رغبة في ميله في هواهم،و انحطاطه في شهواتهم،و ذلك أنّه قال: وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ بنيّة صادقة،و هم قد خالفوا حكم الكتاب الّذي يصدّقون به و بنبوّة الآتي به،و تولّوا عن حكم اللّه فيها؟فأنت الّذي لا يؤمنون بك و لا يصدّقونك،أحرى بأن يخالفوا حكمك.و قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ، أي من بعد حكم اللّه في التّوراة في الرّجم،و ما أشبهه من الأمور الّتي خالفوا فيها أمر اللّه تعالى.(2:195)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:هذا تعجيب من اللّه تعالى لنبيّه عليه الصّلاة و السّلام بتحكيم اليهود إيّاه،بعد علمهم بما في التّوراة من حدّ الزّاني،ثمّ تركهم قبول ذلك الحكم، فعدلوا عمّا يعتقدونه حكما حقّا إلى ما يعتقدونه باطلا طلبا للرّخصة،فلا جرم ظهر جهلهم و عنادهم في هذه الواقعة من وجوه:

أحدها:عدولهم عن حكم كتابهم.

و الثّاني:رجوعهم إلى حكم من كانوا يعتقدون فيه أنّه مبطل.

و الثّالث:إعراضهم عن حكمه بعد أن حكّموه،فبيّن اللّه تعالى حال جهلهم و عنادهم،لئلاّ يغترّ بهم مغترّ أنّهم أهل كتاب اللّه،و من المحافظين على أمر اللّه.

و هاهنا سؤالان:

السّؤال الأوّل قوله: فِيها حُكْمُ اللّهِ ما موضعه من الإعراب؟

الجواب:إمّا أن ينصب حالا من التّوراة،و هي مبتدأ خبرها(عندهم)،و إمّا أن يرتفع خبرا عنها،كقولك:

و عندهم التّوراة ناطقة بحكم اللّه تعالى،و إمّا أن لا يكون له محلّ،و يكون المقصود أنّ عندهم ما يغنيهم عن التّحكيم،كما تقول:عندك زيد ينصحك و يشير عليك بالصّواب،فما تصنع بغيره؟

السّؤال الثّاني لم أنّث التّوراة؟و الجواب:الأمر فيه مبنيّ على ظاهر اللّفظ.

المسألة الثّانية:احتجّ جماعة من الحنفيّة بهذه الآية على أنّ حكم التّوراة و شرائع من قبلنا،لازم علينا ما لم ينسخ.و هو ضعيف.و لو كان كذلك لكان حكم التّوراة، كحكم القرآن في وجوب طلب الحكم منه،لكن الشّرع نهى عن النّظر فيها،بل المراد هذا الأمر الخاصّ و هو الرّجم،لأنّهم طلبوا الرّخصة بالتّحكيم.

(11:236)

البيضاويّ: تعجيب من تحكيمهم من لا يؤمنون به،و الحال أنّ الحكم منصوص عليه في الكتاب الّذي هو عندهم،و تنبيه على أنّهم ما قصدوا بالتّحكيم معرفة الحقّ و إقامة الشّرع،و إنّما طلبوا به ما يكون أهون عليهم،و إن لم يكن حكم اللّه تعالى في زعمهم. فِيها حُكْمُ اللّهِ حال من(التّورية)إن رفعتها بالظّرف،و إن

ص: 391

جعلتها مبتدأ فمن ضميرها المستكنّ فيه.(1:276)

نحوه أبو السّعود(2:274)،و البروسويّ(2:

395)،و شبّر(2:177)،و الآلوسيّ(6:141).

المراغيّ: أي و كيف يحكّمونك في قضيّة كقضيّة الزّانيين،و عندهم التّوراة و هي شريعتهم،فيها حكم اللّه فيما يحكّمونك فيه،ثمّ يتولّون عن حكمك بعد أن رضوا به،و آثروه على شريعتهم لموافقته إيّاها.

و خلاصة ذلك أنّ أمرهم لمن أعجب العجب،و ما سبب ذلك إلاّ أنّهم ليسوا مؤمنين بالتّوراة إيمانا صحيحا، و لا هم مؤمنين بك؛إذ المؤمن بشرع لا يرغب عنه إلى غيره،إلاّ إذا آمن بأنّ ما رغب إليه شرع من اللّه أيضا، أيّد به الأوّل أو نسخه لحكمة اقتضت ذلك.و لكن هؤلاء تركوا حكم التّوراة الّتي يدّعون الإيمان بها،لأنّه لم يوافق أهواءهم،و جاءوك يطلبون حكمك رجاء أن يوافق أهواءهم،ثمّ يتولّون و يعرضون عنه؛إذ لم يأت وفق مرادهم.(6:121)

ابن عاشور :أي من العجيب أنّهم يتركون كتابهم و يحكّمونك،و هم غير مؤمنين بك،ثمّ يتولّون بعد حكمك إذا لم يرضهم.فالإشارة بقوله: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ إلى الحكم المستفاد من يُحَكِّمُونَكَ، أي جمعوا عدم الرّضى بشرعهم و بحكمك.و هذه غاية التّعنّت المستوجبة للعجب في كلتا الحالتين،كما وصف اللّه حال المنافقين في قوله: وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ النّور:48،49.

و يحتمل أنّ الاستفهام إنكاريّ،أي هم لا يحكّمونك حقّا.و محلّ الإنكار هو أصل ما يدلّ عليه الفعل من كون فاعله جادّا،أي لا يكون تحكيمهم صادقا،بل هو تحكيم صوريّ يبتغون به ما يوافق أهواءهم،لأنّ لديهم التّوراة فيها حكم ما حكّموك فيه،و هو حكم اللّه،و قد نبذوها لعدم موافقتها أهواءهم،و لذلك قدّروا نبذ حكومتك إن لم توافق هواهم،فما هم بمحكّمين حقيقة.

فيكون فعل يُحَكِّمُونَكَ مستعملا في التّظاهر بمعنى الفعل دون وقوعه،كقوله تعالى: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا التّوبة:64.

و يجوز على هذا أن تكون الإشارة بقوله: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ إلى مجموع ما ذكر،و هو التّحكيم،و كون التّوراة عندهم،أي يتولّون عن حكمك في حال ظهور الحجّة الواضحة،و هي موافقة حكومتك لحكم التّوراة.

(5:112)

مكارم الشّيرازيّ: تتابع هذه الآية موضوع الحكم بين اليهود الّذين تطرّقت إليه الآيتان السّابقتان، اللّتان بيّنتا أنّ اليهود كانوا يأتون إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و يطلبون منه الحكم فيهم.و قد أظهرت هذه الآية الأخيرة الاستغراب من حالة اليهود الّذين كانوا مع وجود التّوراة بينهم،و احتوائها على حكم اللّه،يأتون إلى النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و يطلبون منه الحكم فيهم،فتقول:

وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللّهِ....

و يجب الانتباه إلى أنّ الحكم المقصود في الآية هو

ص: 392

حكم الرّجم الّذي يطبّق بحقّ مرتكبي الزّنا من الرّجال و النّساء،إذا كان الزّنا مع المحصنات،و الّذي ورد في التّوراة أيضا في سفر التّثنية.

و العجيب في أمر هؤلاء اليهود أنّهم مع وجود التّوراة بينهم،و عدم اعترافهم بنسخها من قبل القرآن، و رفضهم للشّريعة الإسلاميّة،كانوا حين يرون حكما في التّوراة لا يوافق ميولهم و أهوائهم يتركون ذلك الحكم،و يبحثون عن حكم آخر في مصادر لم يقرّوا و لم يعترفوا بها.

و الأعجب من ذلك أنّهم حين كانوا يطلبون التّحكيم من نبيّ الإسلام بينهم،كانوا لا يقبلون بحكمه إذا كان مطابقا لحكم التّوراة،لكنّه لم يوافق ميولهم و رغباتهم حيث تقول الآية: ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ، و ما ذلك إلاّ لأنّ هؤلاء لم يكونوا بمؤمنين في الحقيقة،و لو كانوا مؤمنين لما استهزءوا هكذا بأحكام اللّه،حيث تؤكّد الآية قائلة: وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ.

و قد يرد اعتراض في هذا المجال و هو:كيف يقرّ المسلمون بوجود حكم اللّه في التّوراة،مع علمهم عن طريق القرآن و الرّوايات الإسلاميّة بأنّ التّوراة قد أصابها التّحريف قبل ظهور نبيّ الإسلام محمّد صلّى اللّه عليه و آله؟

إنّ جوابنا على هذا الاعتراض هو أنّنا أوّلا:لا نقول بالتّحريف قد أصاب التّوراة كلّها،بل نقرّ بوجود أحكام في التّوراة تطابق الحقيقة و الواقع،و حكم الرّجم-الّذي هو موضوع بحثنا الآن-من الأحكام الّتي لم تصبها يد التّحريف في التّوراة.

ثانيا:إنّ التّوراة مهما كان حالها،لا يعتبرها اليهود كتابا محرّفا،و لذلك فإنّ الغرابة هنا تكمن في رفض اليهود العمل بحكم اللّه مع وجوده في توراتهم.(4:15)

فضل اللّه :يستنكر القرآن لجوء هؤلاء إلى تحكيم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله الّذي لا يؤمنون به،و هم يعرفون أنّه الحكم الّذي جاءت به التّوراة،و هو حكم اللّه الّذي لا يتغيّر و لا يتبدّل مهما تغيّرت الرّسالات و اختلف الرّسل،لأنّه الحكم الّذي ينطلق من مصلحة الإنسان الحقيقيّة الّتي لا يدخل في حسابها اختلاف الزّمان و المكان،ثمّ يتولّون بعد ذلك عن حكم اللّه و يعرضون عنه،و هذه نقطة سلبيّة يسجّلها القرآن عليهم،ليقدّم للمسلمين الصّورة القلقة الّتي تمثّل واقع هؤلاء الّذين آثروا الدّنيا باسم التّوراة،ليحصلوا على المواقع المتقدّمة في حياة النّاس باسمها،و لكنّهم كانوا أوّل من يتنكّر لحكم التّوراة عند ما اختلفت مصالحهم و أطماعهم معه.

(8:178)

2- أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. المائدة:50

ابن عبّاس: أ فحكمهم في الجاهليّة يطلبون عندك في القرآن يا محمّد، وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً قضاء.

(95)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:أ يبغي هؤلاء اليهود- الّذين احتكموا إليك فلم يرضوا بحكمك،و قد حكمت

ص: 393

فيهم بالقسط-حكم الجاهليّة،يعني أحكام عبدة الأوثان من أهل الشّرك،و عندهم كتاب اللّه،فيه بيان حقيقة الحكم،الّذي حكمت به فيهم،و إنّه الحقّ الّذي لا يجوز خلافه،ثمّ قال تعالى ذكره موبّخا لهؤلاء الّذين أبوا قبول حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عليهم،و لهم من اليهود، و مستجهلا فعلهم ذلك منهم،و من هذا الّذي هو أحسن حكما أيّها اليهود من اللّه تعالى ذكره عند من كان يوقن بوحدانيّة اللّه و يقرّ بربوبيّته؟يقول تعالى ذكره:أيّ حكم أحسن من حكم اللّه إن كنتم موقنين أنّ لكم ربّا، و كنتم أهل توحيد و إقرار به.(6:274)

الزّجّاج: أي تطلب اليهود في حكم الزّانيين حكما لم يأمر اللّه به-و هو (1)أهل الكتاب-كما تفعل الجاهليّة.

و قوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً... أي من أيقن تبيّن عدل اللّه و حكمه.و(حكما)منصوب على التّفسير (2).(2:181)

نحوه الواحديّ.(2:196)

الطّوسيّ: قيل:فيها قولان:

أحدهما:أنّها كناية عن اليهود في قول مجاهد و أبو عليّ،قال أبو عليّ:لأنّهم كانوا إذا وجب الحكم على ضعفائهم ألزموهم إيّاه،و إذا وجب على أقويائهم بالغنى و الشّرف في الدّنيا لم يأخذوهم به،فقيل لهم: أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يعني عبدة الأوثان(تبغون)و أنتم أهل كتاب.

الثّاني:أنّها كناية عن كلّ من طلب غير حكم اللّه، أي إنّما خرج منه إلى حكم الجاهليّة،و كفى بذلك خزيا أن يحكم بما يوجبه الجهل دون ما يوجبه العلم.(5493)

نحوه الطّبرسيّ.(2:205)

الزّمخشريّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّ قريظة و النّضير طلبوا إليه أن يحكم بما كان يحكم به أهل الجاهليّة،من التّفاضل بين القتلى.

و روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لهم:«القتلى سواء»،فقال بنو النّضير:نحن لا نرضى بذلك،فنزلت.

و الثّاني:أن يكون تعييرا لليهود بأنّهم أهل كتاب و علم،و هم يبغون حكم الملّة الجاهليّة الّتي هي هوى و جهل،لا تصدر عن كتاب و لا ترجع إلى وحي من اللّه تعالى.و عن الحسن:هو عامّ في كلّ من يبغي غير حكم اللّه.

و الحكم حكمان:حكم بعلم فهو حكم اللّه،و حكم بجهل فهو حكم الشّيطان.و سئل طاوس عن الرّجل يفضّل بعض ولده على بعض،فقرأ هذه الآية.

و قرأ السّلميّ (أ فحكم الجاهليّة يبغون) برفع الحكم على الابتداء و إيقاع(يبغون)خبرا،و إسقاط الرّاجع عنه كإسقاطه عن الصّلة في: أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً الفرقان 41،و عن الصّفة في«النّاس رجلان:

رجل أهنت،و رجل أكرمت»،و عن الحال في«مررت بهند يضرب زيد».

و قرأ قتادة أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ على أنّ هذا الحكم الّذي يبغونه إنّما يحكم به أفعى نجران،أو نظيره من حكّام الجاهليّة،فأرادوا بسفههم أن يكون محمّد خاتم النّبيّينز.

ص: 394


1- كذا،و الظاهر:و هم.
2- الظّاهر:التّمييز.

حكما كأولئك الحكّام.(1:619)

نحوه الفخر الرّازيّ(12:15)،و البيضاويّ(1:

278)،و النّسفيّ(1:287)،و البروسويّ(2:401)، و شبّر(2:183).

ابن عطيّة: و اختلف القرّاء في قوله تعالى:

أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، فقرأ الجمهور بنصب الميم على إعمال فعل ما يلي ألف الاستفهام،بيّنه هذا الظّاهر بعد،و قرأ يحيى بن وثّاب و السّلميّ و أبو رجاء و الأعرج (أ فحكم)برفع الميم،قال ابن مجاهد:و هي خطأ،قال أبو الفتح:ليس كذلك،و لكنّه وجه غيره أقوى منه.و قد جاء في الشّعر،قال أبو النّجم:

قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي عليّ ذنبا كلّه لم أصنع

برفع كلّ.و هكذا الرّواية،و بها يتمّ المعنى الصّحيح، لأنّه أراد التّبرّؤ من جميع الذّنب،و لو نصب«كلّ»لكان ظاهر قوله إنّه صنع بعضه،و هذا هو حذف الضّمير من الخبر و هو قبيح،التّقدير يبغونه و لم أصنعه،و إنّما يحذف الضّمير كثيرا من الصّلة.

كقوله تعالى: أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً الفرقان:41،و كما تقول:مررت بالّذي أكرمت، و يحذف أقلّ من ذلك من الصّفة،و حذفه من الخبر قبيح، كما جاء في بيت أبي النّجم.و يتّجه بيته بوجهين:

أحدهما:أنّه ليس في صدر قوله ألف استفهام يطلب الفعل،كما هي في قوله تعالى: أَ فَحُكْمَ.

و الثّاني:أنّ في البيت عوضا من الهاء المحذوفة.

و ذلك حرف الإطلاق،أعني الياء في«اصنعي».

فتضعف قراءة من قرأ (أ فحكم) بالرّفع،لأنّ الفعل بعده لا ضمير فيه و لا عوض من الضّمير.و ألف الاستفهام الّتي تطلب الفعل و يختار معها النّصب-و إن لفظ بالضّمير-حاضرة.و إنّما تتّجه القراءة على أن يكون التّقدير أ فحكم الجاهليّة حكم يبغون،فلا تجعل (يبغون)خبرا،بل تجعله صفة خبر موصوف محذوف، و نظيره قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ النّساء:46،تقديره قوم يحرّفون،فحذف الموصوف و أقام الصّفة مقامه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ سليمان بن مهران «أ فحكم» بفتح الحاء و الكاف و الميم و هو اسم جنس،و جاز إضافة اسم الجنس على نحو قولهم:منعت العراق قفيزها و درهمها،و مصر إردّبها،و له نظائر.

فكأنّه قال:أ فحكّام الجاهليّة يبغون؟إشارة إلى الكهّان الّذين كانوا يأخذون الحلوان،و يحكمون بحسبه و بحسب الشّهوات،ثمّ ترجع هذه القراءة بالمعنى إلى الأولى،لأنّ التّقدير أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ.

و قرأ ابن عامر (تبغون) بالتّاء على الخطاب لهم،أي قل لهم.و باقي السّبعة(يبغون)بالياء من تحت،و(يبغون) معناه يطلبون و يريدون.

و قوله تعالى: وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً تقرير، أي لا أحد أحسن منه حكما تبارك و تعالى.و حسن دخول اللاّم في قوله:(لقوم)من حيث المعنى يبيّن ذلك و يظهر لقوم يوقنون.(2:202)

الشّربينيّ: أي خاصّة مع أنّ أحكامها لا يرضى بها

ص: 395

عاقل،لكونها لم يدع إليها كتاب،بل هي مجرّد أهواء، و هم أهل الكتاب.(يبغون)،أي يريدون بإعراضهم عن حكمك مع ما دعا إليه كتابهم من اتّباعك،و شهد كتابك المعجز عن معارضته من وجوب رسالتك إلى جميع الخلائق،و هذا استفهام إنكاريّ.

و قرأ ابن عامر بالتّاء على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب،و هو أدلّ على الغضب.و الباقون بالياء على الغيبة.

و قيل:نزلت في بني قريظة و النّضير،طلبوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يحكم بما كان يحكم به الجاهليّة من التّفاضل بين القتلى،أي بين ديات بعضهم على بعض.

(1:379)

أبو السّعود :إنكار و تعجيب من حالهم و توبيخ لهم،و الفاء للعطف على مقدّر يقتضيه المقام،أي أ يتولّون عن حكمك فيبغون حكم الجاهليّة؟و تقديم المفعول للتّخصيص المفيد لتأكيد الإنكار و التّعجيب،لأنّ التّولّي عن حكمه عليه الصّلاة و السّلام و طلب حكم آخر منكر عجيب،و طلب حكم الجاهليّة أقبح و أعجب.

و المراد بالجاهليّة إمّا الملّة الجاهليّة الّتي هي متابعة الهوى الموجبة للميل و المداهنة في الأحكام،فيكون تعييرا لليهود بأنّهم مع كونهم أهل كتاب و علم يبغون حكم الجاهليّة الّتي هي هوى و جهل لا يصدر عن كتاب و لا يرجع إلى وحي.

و إمّا أهل الجاهليّة،و حكمهم ما كانوا عليه من التّفاضل فيما بين القتلى،حيث روي«أنّ بني النّضير لمّا تحاكموا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في خصومة قتل وقعت بينهم و بين بني قريظة،طلبوا إليه عليه الصّلاة و السّلام أن يحكم بينهم بما كان عليه أهل الجاهليّة من التّفاضل، فقال عليه الصّلاة و السّلام:«القتلى سواء»فقال بنو النّضير:نحن لا نرضى بذلك،فنزلت.

و قرئ برفع«الحكم»على أنّه مبتدأ و(يبغون) خبره،و الرّاجع محذوف حذفه في قوله تعالى: أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً الفرقان:41،و قد استضعف ذلك في غير الشّعر.و قرئ بتاء الخطاب إمّا بالالتفات لتشديد التّوبيخ،و إمّا بتقدير القول،أي قل لهم:

أ فحكم...و قرئ بفتح الحاء و الكاف،أي أ فحاكما كحكّام الجاهليّة يبغون.

وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً إنكار لأن يكون أحد حكمه أحسن من حكمه تعالى أو مساو له،و إن كان ظاهر السّبك غير متعرّض لنفي المساواة و إنكارها.

و قد مرّ تفصيله في تفسير قوله تعالى: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ النّساء:125. لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أي عندهم،و اللاّم كما في هَيْتَ لَكَ يوسف:23،أي هذا الاستفهام لهم،فإنّهم الّذين يتدبّرون الأمور بأنظارهم،فيعلمون يقينا أنّ حكم اللّه عزّ و جلّ أحسن الأحكام و أعدلها.(2:282)

نحوه الآلوسيّ(6:155)،و المراغيّ(6:133)، و ابن عاشور(5:128).

الطّباطبائيّ: تفريع بنحو الاستفهام على ما بيّن في الآية السّابقة من تولّيهم مع كون ما يتولّون عنه هو

ص: 396

حكم اللّه النّازل إليهم،و الحقّ الّذي علموا أنّه حقّ.

و يمكن أن يكون في مقام النّتيجة اللاّزمة لما بيّن في جميع الآيات السّابقة.و المعنى:و إذا كانت هذه الأحكام و الشّرائع حقّة نازلة من عند اللّه،و لم يكن وراءها حكم حقّ،لا يكون دونها إلاّ حكم الجاهليّة النّاشئة عن اتّباع الهوى،فهؤلاء الّذين يتولّون عن الحكم الحقّ ما ذا يريدون بتولّيهم،و ليس هناك إلاّ حكم الجاهليّة؟ أ فحكم الجاهليّة يبغون؟و الحال أنّه ليس أحد أحسن حكما من اللّه لهؤلاء المدّعين للإيمان؟فقوله: أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ استفهام توبيخيّ،و قوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً استفهام إنكاريّ،أي لا أحد أحسن حكما من اللّه،و إنّما يتّبع الحكم لحسنه.

(5:355)

مكارم الشّيرازيّ: تساءلت بصيغة استفهام استنكاريّ:هل أنّ هؤلاء الّذين يدّعون اتّباع الكتب السّماويّة يتوقّعون أن تحكم بينهم،-الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله -بأحكام الجاهليّة الّتي فيها أنواع التّمايز المقيت؟ حيث تقول الآية: أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ....

لكنّ أهل الإيمان لا يرون أيّ حكم أرفع و أفضل من حكم اللّه،حيث تتابع الآية قولها: وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.

و لقد بيّنّا-عند تفسير الآيات السّابقة-أنّ نوعا من التّمايز الغريب كان يسود الأوساط اليهوديّة،بحيث لو أنّ فردا من يهود بني قريظة قتل فردا من يهود بني النّضير لتعرّض للقصاص،بينما لو حصل العكس لم يكن ليطبق حكم القصاص في القاتل.و قد شمل هذا التّمايز المقيت-أيضا-حكم الغرامة و الدّية عند هؤلاء،فكانوا يأخذون ضعف الدّية من جماعة،و لا يأخذونها من جماعة أخرى،أو يأخذون أقلّ من الحدّ المقرّر،و لذلك استنكر القرآن هذا النّوع من التّمايز و اعتبره من أحكام الجاهليّة،في حين أنّ الأحكام الإلهيّة تشمل البشر أجمعين،و تطلق دون أيّ تمايز.

و جاء في«الكافيّ»عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أنّه قال:«الحكم حكمان:حكم اللّه، و حكم الجاهليّة،فمن أخطأ حكم اللّه حكم بحكم الجاهليّة».

و هكذا يتّضح أنّ أيّ مسلم يتّبع الأحكام الوضعيّة، و لا يلتزم بالأحكام و القوانين الإلهيّة السّماويّة،إنّما يسير في الحقيقة في طريق الجاهليّة.(4:32)

فضل اللّه :أي يريدون منك إصداره في القضيّة الّتي تحاكموا إليك فيها،و هم-في أجواء الآية-اليهود الّذين كانوا إذا سرق الشّريف تركوه،و إذا سرق الضّعيف أقاموا عليه الحدّ،كما في قصّة أسباب النّزول،بحيث كان للمركز الاجتماعيّ للشّخص دور كبير في طبيعة الحكم الصّادر له أو ضدّه،تبعا للامتيازات الطّبقيّة و الأهواء الذّاتيّة أو الفئويّة،بعيدا عن حكم اللّه في التّوراة الّذي أكّده الإسلام في القرآن و السّنّة،و هو الحكم العادل الّذي ينظر إلى طبيعة القضيّة من خلال عناصر الإثبات فيها، من دون الالتفات إلى طبيعة الشّخص في دائرتها الواقعيّة،و هذا ما يشعر فيه النّاس بالأمن على حقوقهم

ص: 397

و قضاياهم،لأنّهم متساوون أمام الشّريعة في ساحة الواقع و القضاء.

وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً في عناصره الحيّة من حيث انسجامه مع المصلحة الإنسانيّة في صعيد القيم الرّوحيّة و الأخلاقيّة و الحاجات الحيويّة للإنسان،ممّا يفرض الخضوع له،و الانفتاح عليه،و الثّقة به.

لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ بالعدالة الإلهيّة في الحكم و التّشريع من موقع إيمانهم بالرّبوبيّة المطلقة للّه الّتي ترعى كلّ المخلوقين بالحكمة و اللّطف و الرّحمة،على صعيد العدل الّذي ينطلق من الجانب الموضوعيّ للمسألة في الواقع الإنسانيّ العامّ،من دون تفريق بين قويّ و ضعيف،و كبير و صغير،و غنيّ و فقير،لأنّ الجميع عباده،فلا حاجة لديه إلى أحد دون أحد ليظلم هذا أو ذاك،فإنّ الظّلم شأن الضّعيف الّذي يعيش الضّعف أمام الآخر و الخوف منه،فيلجأ إلى ظلمه،و اللّه هو القويّ القادر على كلّ شيء.

و قد ورد في أكثر من حديث التّأكيد على حكم اللّه في مقابل حكم الجاهليّة،فقد ورد الحديث عن الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«الحكم حكمان:حكم اللّه،و حكم الجاهليّة،فمن أخطأ حكم اللّه حكم بحكم الجاهليّة».

و أخرج البخاريّ عن ابن عبّاس قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:أبغض النّاس إلى اللّه مبتغ في الإسلام سنّة جاهليّة،و طالب امرئ بغير حقّ ليريق دمه».

و نستفيد من ذلك أنّ الجاهليّة ليست مرحلة زمنيّة تتمثّل في شرائعها و عاداتها و تقاليدها و أحكامها،بل هي نهج في الخطّ الفكريّ الّذي يتحرّك في كلّ قضاياه و أوضاعه،بعيدا عن اللّه بحيث لا يستهدي اللّه في ذلك، و لا يخضع لرسالاته و رسله،بل ينطلق في تشريعاته و أحكامه من العوامل الذّاتيّة،و من المواقع السّلطويّة الّتي تفرض نفسها على النّاس بالقوّة،من دون أن تملك أيّة شرعيّة في مواقعها و تحرّكاتها.

و على ضوء ذلك،فإنّ النّظرة الإسلاميّة تؤكّد على أنّ أيّ حكم في المجال التّشريعيّ أو القضائيّ لا ينسجم مع حكم اللّه هو حكم الجاهليّة،و لو كان صادرا في العصر الحاضر،فإنّ كلمة الجاهليّة تتحوّل-من خلال هذه النّظرة-إلى ذهنيّة مادّيّة متحرّكة مع الواقع المادّيّ في الحياة في الاتّجاه الّذي لا يجد للدّين أيّ دور في أحكامه و قضاياه،تماما كما لو لم يكن موجودا في حياة النّاس.

و هذا ما أشار إليه القرآن الكريم في مورد آخر في تعبير آخر و هو حكم الطّاغوت،و ذلك قوله تعالى:

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً النّساء:60.

و في ضوء ذلك يمكن لنا أن نواجه كلّ الواقع التّشريعيّ الوضعيّ الّذي يتحرّك في بلاد المسلمين في خطّ العلمانيّة،لنعتبره داخلا في حكم الجاهليّة أو حكم الطّاغوت،و خارجا عن حكم اللّه و عن ولايته.

ص: 398

و هذا ما ينبغي للمسلمين أن يحذروا منه،و أن يلتفتوا إلى الموقف الّذي يجب أن يتّخذوه و يلتزموه في رفضهم و تأييدهم،-لا سيّما في المشاركة في المجالس النّيابيّة بتأييد الّذين يعيشون ذهنيّة الجاهليّة في أحكامها و قوانينها،لا ذهنيّة الإسلام.

و قد نستوحي من هذه الآيات بعض اللّمحات الفكريّة و العمليّة الّتي تفيدنا في حركة العمل الإسلاميّ في الدّعوة إلى اللّه:

أوّلا:إنّا نأخذ من هذه الآيات النّموذج الحيّ للنّاس الّذين يقفون ضدّ العاملين في سبيل اللّه،و يعملون على إقامة الحواجز النّفسيّة و المادّيّة ضدّ التّحرّك الإيمانيّ،سواء كانوا من الّذين يختلفون معنا في الدّين،أو من الّذين لا يدينون بأيّ دين،بل يلتزمون الإلحاد كمنهج للحياة،أو من الّذين يظهرون الإيمان و يبطنون الكفر،لنتّخذ منهم الموقف الّذي أراد اللّه لرسوله أن يتّخذه من معاصريه من هؤلاء،فلا نضعف و لا نهون أمام كلّ الأوضاع السّلبيّة الّتي نواجهها منهم،بل نتعامل معهم وفق قاعدة التّعامل الواقعيّ الّتي تقتضي الانتباه جيّدا لكلّ وسائلهم و أوضاعهم،في كلّ ما يريدون إثارته في السّاحة من قضايا و مواقف،لنضع الأمور في نصابها الصّحيح،و لنكون في وعي دائم لكلّ ما يحيط بنا من أمور و أوضاع،و بذلك تتحوّل هذه الأيّام إلى حركة متنوّعة الاتّجاهات في طريق العمل الإسلاميّ الطّويل، فلا تقتصر على الوقائع و الفئات في حدود الزّمان و المكان اللّذين عاشا في داخل التّاريخ.

ثانيا:إنّ هذه الآيات تؤكّد على ما في الكتب المنزلة من حقيقة فكريّة و تشريعيّة،و تعتبر الانسجام مع تلك الحقيقة أساسا للخطّ الإيمانيّ الصّحيح في مسيرة الإنسان،ممّا يوضح القاعدة الصّلبة للشّخصيّة الإيمانيّة الّتي ترتكز على المنهج في الفكر،و على الخطّ في السّير،سواء في ذلك الّذين يتّبعون التّوراة أو الإنجيل أو القرآن،و تؤكّد-في بعض لمحاتها-على تداخل هذه الكتب في مفاهيمها العامّة و آفاقها الواسعة بحيث لا يعتبر الإيمان بكتاب،منافيا في إيحاءاته الفكريّة و العمليّة للإيمان بالكتب الأخرى،لأنّ الخصوصيّات الّتي تختلف فيها هذه الكتب لا تمسّ الخطوط العامّة،بل تمسّ التّفاصيل الّتي أوضحت هذه الكتب على أنّها قد تتغيّر و تتبدّل تبعا للحاجات الّتي يفرضها عامل الزّمان،ممّا ينتهي فيه حدّ المصلحة الباعثة إلى الحكم تارة،أو ممّا تتبدّل فيه المفسدة إلى مصلحة أخرى.و على ضوء هذا، كانت الدّعوة إلى أن يحكم أهل الإنجيل و التّوراة و القرآن بما فيه من الحقّ،لأنّ ذلك هو الّذي يلتقي عليه الجميع، فيكون الابتعاد عنه ظلما و فسقا و كفرا،و لهذا كان الإلزام القرآنيّ لكلّ فريق من الفرقاء الّذين ينتمون إلى هذا الكتاب أو ذاك،بالمعاني الّتي يلتزم بها الكتاب،لأنّ كلّ واحد منها يمهّد الطّريق للآخر و يدعمه في كلّ الجوانب الحيّة فيه.

ثالثا:إنّ على الدّعاة للّه و العاملين في سبيله،أن يكونوا في حالة حذر دائمة،و رصد مستمرّ لكلّ الأساليب الملتوية الّتي يحاول دعاة الكفر و أولياؤهم أن

ص: 399

يضلّلوا بها المؤمنين عن دينهم،في ما يثيرونه حولهم من الأجواء المحمومة الّتي تثير المشاعر و تهزّ النّفوس،أو في ما يحشدونه من المعلومات الكاذبة الّتي يريدون من خلالها توجيه الأمور في غير وجهتها الصّحيحة، لينحرفوا بالحكم عن الحقّ،و ذلك من أجل اكتشاف اللّعبة الملتوية المزخرفة الّتي تتمثّل في أكثر من أسلوب، و أكثر من وجه.

رابعا:إنّ الحكم حكمان:حكم الجاهليّة،و هو الحكم الّذي يرتكز على الباطل،و يبتعد عن وحي اللّه، ممّا يصنعه البشر لأنفسهم انطلاقا من مصالحهم و منافعهم و أنانيّتهم،بعيدا عن اللّه؛و حكم اللّه الّذي شرّعه لعباده في ما أوحى به لرسله،ممّا ينسجم مع مصالح الإنسان كإنسان،بعيدا عن كلّ الخصوصيّات الّتي ترهق إنسانيّته و تعطّل مسيرته نحو الخير.و لا بدّ لنا من الدّخول في عمليّة المقارنة دائما بين هذين الحكمين،ليبقى النّاس على وعي عميق منفتح بما يمثّله حكم اللّه من خير و بركة و رحمة للإنسان و للحياة-كما توحي به الآية الأخيرة- و ليبقى الهاجس الّذي يعيش في همّ المجتمع من أجل تأكيد استمراره في حركة الحياة في ما يحكم به الحكّام، و في ما يطبّقه النّاس،من أجل حفظه و رعايته و إصابته.

و قد ورد عن الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام:«إنّ الحكم حكمان:حكم اللّه،و حكم الجاهليّة،ثمّ قال: وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ قال:فأشهد أنّ زيدا قد حكم بحكم الجاهليّة،يعني فى الفرائض».(8:20)

3- ...وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. الممتحنة:10

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:هذا الحكم الّذي حكمت بينكم من أمركم أيّها المؤمنون،بمسألة المشركين ما أنفقتم على أزواجكم اللاّتي لحقن بهم،و أمرهم بمسألتكم مثل ذلك في أزواجهنّ اللاّتي لحقن بكم،حكم اللّه بينكم فلا تعتدوه،فإنّه الحقّ الّذي لا يسمع غيره، فانتهى المؤمنون من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيما ذكر إلى أمر اللّه و حكمه،و امتنع المشركون منه،و طلبوا الوفاء بالشّروط الّتي كانوا شارطوها بينهم في ذلك الصّلح، و بذلك جاءت الآثار و الأخبار عن أهل السّير و غيرهم.

(28:73)

نحوه الطّوسيّ(9:585)،و الواحديّ(4:286)، و الزّمخشريّ(4:94)،و الطّبرسيّ(5:274)، و القرطبيّ(18:68)،و البيضاويّ(2:471)،و النّسفيّ (4:249)،و الشّربينيّ(4:268)،و المشهديّ(10:

381)،و البروسويّ(9:486)،و القاسميّ(16:

5773)،و ابن عاشور(28:143)،و الطّباطبائيّ(19:

241)،و فضل اللّه(22:166).

4- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَ هُوَ مَكْظُومٌ. القلم:48

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:فاصبر يا محمّد لقضاء ربّك و حكمه فيك،و في هؤلاء المشركين بما أتيتهم به من هذا القرآن و هذا الدّين،و امض لما أمرك به ربّك،و لا يثنيك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم

ص: 400

إيّاك،و أذاهم لك.(29:44)

نحوه الواحديّ(4:341)،و البغويّ(5:142)، و ابن الجوزيّ(8:342)،و القرطبيّ(18:253).

الطّوسيّ: الّذي حكم عليك بالصّبر،و أمهلهم إلى وقت آجالهم.(10:90)

الزّمخشريّ: و هو إمهالهم و تأخير نصرتك عليهم.(4:148)

نحوه البيضاويّ(2:497)،و النّسفيّ(4:284)، و أبو السّعود(6:290)،و البروسويّ(10:126).

الطّبرسيّ: قال[اللّه]للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ في إبلاغ الرّسالة،و ترك مقابلتهم بالقبيح.و قيل:

اللاّم تجري مجرى«إلى»،و المعنى اصبر إلى أن يحكم اللّه بنصر أوليائك و قهر أعدائك.و قيل:معناه فاصبر لحكم اللّه في التّخلية بين الظّالم و المظلوم حتّى يبلغ الكتاب أجله.(5:341)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

الأوّل فاصبر لحكم ربّك في إمهالهم و تأخير نصرتك عليهم.

و الثّاني:فاصبر لحكم ربّك في أن أوجب عليك التّبليغ و الوحي و أداء الرّسالة،و تحمّل ما يحصل بسبب ذلك من الأذى و المحنة.(30:98)

الشّربينيّ: أي القضاء الّذي قضاه و قدّره المحسن إليك،الّذي أكرمك بما أكرمك به من الرّسالة، و ألزمك بما ألزمك من البلاغ،و خذلهم بالتّكذيب،و مدّ لهم على ذلك في الأجل،و أسبغ عليهم النّعم،و أخّر ما وعدك به من النّصر.(4:365)

ابن عاشور :و المراد بحكم الرّبّ هنا:أمره،و هو ما حمّله إيّاه من الإرسال و الاضطلاع بأعباء الدّعوة، و هذا الحكم هو المستقرأ من آيات الأمر بالدّعوة الّتي أوّلها: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ، الى قوله:

وَ لِرَبِّكَ فَاصْبِرْ المدّثّر 1-7.فهذا هو الصّبر المأمور به في هذه الآية أيضا،و لا جرم أنّ الصّبر لذلك يستدعي انتظار الوعد بالنّصر،و عدم الضّجر من تأخّره إلى أمده المقدّر في علم اللّه.(29:97)

الطّباطبائيّ: فاصبر لقاء ربّك أن يستدرجهم و يملئ لهم،و لا تستعجل لهم العذاب لكفرهم،و لا تكن كيونس فتكون مثله و هو مملوء غمّا أو غيظا،ينادي اللّه بالتّسبيح و الاعتراف بالظّلم،أي فاصبر و احذر أن تبتلي بما يشبه ابتلاءه و نداؤه،قوله في بطن الحوت:

لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ الأنبياء:87.

و قيل:اللاّم في لِحُكْمِ رَبِّكَ بمعنى«إلى»،و فيه تهديد لقومه و وعيد لهم أن سيحكم اللّه بينه و بينهم، و الوجه المتقدّم أنسب لسياق الآيات السّابقة.

(19:387)

مكارم الشّيرازيّ: أي انتظر حتّى يهيّئ اللّه لك و لأعوانك أسباب النّصر،و يكسر شوكة أعدائك،فلا تستعجل بعذابهم أبدا،و اعلم بأنّ اللّه ممهلهم و غير مهملهم،و ما المهلة المعطاة لهم إلاّ نوع من عذاب الاستدراج.و بناء على هذا فإنّ المقصود من لِحُكْمِ

ص: 401

رَبِّكَ هو حكم اللّه المقرّر الأكيد حول انتصار المسلمين،إلاّ أنّ البعض ذكر أنّ المقصود منها هو أن تستقيم،و تصبر في طريق إبلاغ أحكام اللّه تعالى.كما يوجد احتمال آخر أيضا و هو أنّ المقصود بالآية أنّ حكم اللّه إذا جاء فعليك أن تستسلم لأمره تعالى و تصبر،لأنّه سبحانه قد حكم بذلك،إلاّ أنّ التّفسير الأوّل أنسب.

(18:509)

5-و جاء بهذا المعنى فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً الدّهر:24.

6- وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ. الطّور:48

ابن عبّاس: على تبليغ رسالة ربّك.(445)

الطّبريّ: وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ يا محمّد الّذي حكم به عليك،و امض لأمره و نهيه،و بلّغ رسالاته.

(27:37)

نحوه القاسميّ.(15:5549)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:لقضائه فيما حمّلك من رسالته.الثّاني:لبلائه فيما ابتلاك به من قومك.(5:387)

نحوه القرطبيّ.(17:78)

الطّوسيّ: الّذي حكم به،و ألزمك التّسليم له.

(9:419)

القشيريّ: و الصّبر لحكم اللّه شديد،و لكن إذا عرف اطّلاع الرّبّ عليه سهل عليه ذلك و هان.

(6:47)

الواحديّ: أي إلى أن يقع بهم العذاب الّذي حكمنا عليهم به.(4:191)

نحوه البغويّ(4:296)،و الخازن(6:211).

الطّبرسيّ: الّذي حكم به،و ألزمك التّسليم له إلى أن يقع عليهم العذاب الّذي حكمنا عليهم.و قيل:

و اصبر على أذاهم حتّى يرد أمر اللّه عليك بتخليصك.

(5:170)

ابن الجوزيّ: أي لما يحكم به عليك.(8:60)

البيضاويّ: بإمهالهم و إبقائك في عناء بهم.

(2:428)

ابن عاشور :و المراد ب(حكم ربك)ما حكم به و قدّره من انتفاء إجابة بعضهم،و من إبطاء إجابة أكثرهم.فاللاّم في قوله: لِحُكْمِ رَبِّكَ يجوز أن تكون بمعنى«على»فيكون لتعدية فعل(اصبر)،كقوله تعالى:

وَ اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ المزّمّل:10.و يجوز فيها معنى«إلى»،أي اصبر إلى أن يحكم اللّه بينك و بينهم، فيكون في معنى قوله: وَ اصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ يونس:

109.و يجوز أن تكون للتّعليل فيكون لِحُكْمِ رَبِّكَ هو ما حكم به من إرساله إلى النّاس،أي اصبر لأنّك تقوم بما وجب عليك.فاللاّم في هذا المكان موقع جامع لا يفيد غير اللاّم مثله...

و قد آذن بذلك قوله: لِحُكْمِ رَبِّكَ دون أن يقول:و اصبر لحكمنا أو لحكم اللّه،فإنّ المربوبيّة تؤذن

ص: 402

بالعناية بالمربوب.(27:92)

الطّباطبائيّ: و ظاهر السّياق أنّ المراد بالحكم حكمه تعالى في المكذّبين بالإمهال و الإملاء،و الطّبع على قلوبهم،و في النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يدعو إلى الحقّ بما فيه من الأذى في جنب اللّه.(19:24)

عبد الكريم الخطيب :و اللاّم في قوله تعالى لِحُكْمِ رَبِّكَ: هي لام العاقبة،أي اصبر إلى أن يحكم اللّه بينك و بين قومك،و إنّه لحكم ينتصر فيه الحقّ على الباطل،و تعلو فيه كلمة المحقّين على المبطلين.

(14:581)

فضل اللّه :في ما قدّره اللّه من حركة الرّسالة في مواجهة خصومها،و من المشاكل الّتي تواجه النّبيّ في ساحة الدّعوة و الجهاد.(21:248)

الحكم

1- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللّهِ...

آل عمران:79

ابن عبّاس: الفهم و النّبوّة.(51)

الطّبريّ: يعني و يعلّمه فصل الحكمة.(3:324)

الواحديّ: يعني الفقه و العلم.(1:456)

الزّمخشريّ: و الحكمة و هي السّنّة.(1:440)

ابن عطيّة: و الحكم بمعنى الحكمة،و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ من الشّعر لحكما».(1:461)

نحوه الآلوسيّ.(3:207)

الطّبرسيّ: أي العلم أو الرّسالة إلى الخلق.

(1:466)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى ثلاثة أشياء،و ذكرها على ترتيب في غاية الحسن.و ذلك لأنّ الكتاب السّماويّ ينزل أوّلا،ثمّ إنّه يحصل في عقل النّبيّ فهم ذلك الكتاب،و إليه الإشارة بالحكم،فإنّ أهل اللّغة و التّفسير اتّفقوا على أنّ هذا الحكم هو العلم،قال تعالى: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا يعني العلم و الفهم،ثمّ إذا حصل فهم الكتاب،فحينئذ يبلّغ ذلك إلى الخلق،و هو النّبوّة،فما أحسن هذا التّرتيب.(8:118)

القرطبيّ: و الحكم:العلم و الفهم.و قيل أيضا:

الأحكام.(4:121)

نحوه البروسويّ.(2:54)

النّسفيّ: و الحكمة و هي السّنّة،أو فصل القضاء.(1:166)

أبو حيّان :و قيل:الحكم هنا اسم جنس،و الحكم قيل:بمعنى الحكمة،و منه«إنّ من الشّعر لحكما».

(2:504)

الشّربينيّ: أي الفهم للشّريعة.(1:227)

أبو السّعود :هو الفهم و العلم،أو الحكمة و هي السّنّة.(1:385)

نحوه القاسميّ.(4:873)

المراغيّ: أي لا ينبغي لأحد من البشر أن ينزّل اللّه عليه كتابه،و يعلّمه فقه دينه و معرفة أسراره و يعطيه النّبوّة،ثمّ يدعو النّاس إلى عبادة نفسه

ص: 403

دون اللّه.(3:196)

مغنيّة:و المراد بالحكم العلم و السّنّة النّبويّة.

(2:96)

فضل اللّه : وَ الْحُكْمَ الّذي يرد منه التّحرّك في السّاحة العامّة للنّاس بإرادة أمورهم،و حلّ مشاكلهم و فصل القضايا في منازعاتهم،ليكون الحاكم في ذلك كلّه باعتبار أنّ اللّه جعل الرّسول حاكما بين النّاس،كما في قوله تعالى: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ النّساء:105،و قوله تعالى:

وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ المائدة:49.(6:129)

2- ...إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ. الأنعام:57

ابن عبّاس: ما الحكم بنزول العذاب إلاّ للّه...

(110)

يعني ليس الحكم في الفصل بين الحقّ و الباطل،و في إنزال الآيات إلاّ للّه.(الطّبرسيّ 2:310)

الطّبريّ: ما الحكم فيما تستعجلون به أيّها المشركون من عذاب اللّه،و فيما بيني و بينكم،إلاّ للّه الّذي لا يجوز في حكمه،و بيده الخلق و الأمر،يقضي الحقّ بيني و بينكم،و هو خير الفاصلين بيننا بقضائه و حكمه.

(7:211)

الماورديّ: فيه تأويلان:

أحدهما:الحكم في الثّواب و العقاب.

و الثّاني:الحكم في تمييز الحقّ من الباطل.(2:121)

نحوه الواحديّ.(2:279)

البغويّ: أي يحكم بالحقّ بدليل أنّه قال: وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ. (2:129)

ابن عطيّة: أي القضاء و الإنفاذ.(2:299)

ابن الجوزيّ: فيه قولان:

أحدهما:أنّه الحكم الّذي يفصل به بين المختلفين بإيجاب الثّواب و العقاب.

و الثّاني:أنّه القضاء بإنزال العذاب على المخالف.

(3:52)

الفخر الرّازيّ: احتجّ أصحابنا بقوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ على أنّه لا يقدر العبد على أمر من الأمور إلاّ إذا قضى اللّه به،فيمتنع منه فعل الكفر إلاّ إذا قضى اللّه به و حكم به.و كذلك في جميع الأفعال.و الدّليل عليه أنّه تعالى قال: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ، و هذا يفيد الحصر، بمعنى أنّه لا حكم إلاّ للّه.و احتجّ المعتزلة بقوله:«يقضى الحق»و معناه أنّ كلّ ما قضى به فهو الحقّ.و هذا يقتضي أن لا يريد الكفر من الكافر.و لا المعصية من العاصي،لأنّ ذلك ليس الحقّ.و اللّه أعلم.(13:7)

القرطبيّ: أي ما الحكم إلاّ للّه في تأخير العذاب و تعجيله.(6:439)

الخازن :يعني الحكم الّذي يفصل به بين الحقّ و الباطل،و الثّواب للطّائع و العقاب للعاصي،أي ما الحكم المطلق إلاّ للّه،ليس معه حكم،فهو يفصل بين المختلفين،و يقضي بإنزال العذاب إذا شاء.(2:115)

ص: 404

نحوه أبو حيّان.(4:142)

أبو السّعود :أي ما الحكم في ذلك تعجيلا و تأخيرا،أو ما الحكم في جميع الأشياء،فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوّليّا إِلاّ لِلّهِ. (2:392)

نحوه البروسويّ.(3:41)

الآلوسيّ: أي ما الحكم في تأخير ذلك إِلاّ لِلّهِ وحده من غير أن يكون لغيره سبحانه دخل ما فيه بوجه من الوجوه.

و اختار بعضهم التّعميم في متعلّق الحكم،أي ما الحكم في ذلك تأخيرا أو تعجيلا،أو ما الحكم في جميع الأشياء فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوّليّا،و رجّح الأوّل بأنّ المقصود من قوله سبحانه: إِنِ الْحُكْمُ التّأسّف على وقوع خلاف المطلوب،كما يشهد به موارد استعماله،و هو على التّأخير فقط.(7:169)

القاسميّ: أي لو كان عندي لكنت أنا الحاكم، و لكن ما الحكم في ذلك تعجيلا و تأخيرا إلاّ للّه،و قد حكم بتأخيره لماله من الحكمة العظيمة،لكنّه محقّق الوقوع،لأنّه يَقُصُّ الْحَقَّ. (6:2338)

رشيد رضا :أي ما الحكم في ذلك و في غيره من التّصرّف في شئون الأمم إلاّ للّه وحده،و له في ذلك سنن حكيمة و مقادير منتظمة تجري عليها أفعاله،و آجال مسمّاة تقع فيها،فلا يتقدّم شيء عن أجله و لا يتأخّر.

(7:454)

نحوه المراغيّ.(7:142)

ابن عاشور :قوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ تصريح بمفهوم القصر،و تأكيد له.(6:133)

الطّباطبائيّ: أريد بالحكم فيه القضاء التّكوينيّ.

[إلى أن قال:]و المعنى-على ما يعطيه السّياق-أنّ الحكم للّه وحده و ليس إليّ أن أقضي بيني و بينكم،و هو الّذي تستعجلون به باستعجالكم بما تقترحون عليّ من الآية.(7:117)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ معنى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ واضح،أي أنّ كلّ أمر في عالم الخلق و التّكوين و في عالم الأحكام و التّشريع بيد اللّه،و بناء على ذلك إذا كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يقوم بمهمّة فذلك أيضا بأمر من اللّه.

فإذا أحيا المسيح عليه السّلام ميّتا مثلا فهو بإذن اللّه،و كذلك كلّ منصب-بما في ذلك القيادة الإلهيّة و التّحكيم و القضاء- إذا أوكل إلى أحد،فإنّما هو بأمر اللّه تعالى.و لكنّ الّذي يؤسف له أنّ هذه الآية الواضحة استغلّت على مدى التّاريخ،فمرّة تمسّك بها الخوارج في قضيّة الحكمين الّتي أرادوها هم و أمثالهم في حرب صفّين،فكانت كلمة حقّ أريد بها باطل-كما قال الإمام عليّ عليه السّلام-حتّى أصبح شعارهم«لا حكم إلاّ للّه».

لقد كانوا من الجهل و البلاهة بحيث إنّهم حسبوا أنّ من حكم بأمر اللّه و الإسلام في أمر من الأمور،يكون قد خالف إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ بينما كانوا يقرءون القرآن كثيرا،و لكن لا يفهمونه إلاّ قليلا،فالقرآن نفسه في موضوع الاحتكام العائليّ يصرّح باختيار حكم من جانب المرأة و حكم من جانب الزّوج فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها النّساء:35.(4:291)

ص: 405

فضل اللّه: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ في كلّ الأشياء، فهو الّذي يحدّد مواقع الرّحمة و النّقمة.(9:145)

3- ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ. الأنعام:62

ابن عبّاس: القضاء بين العباد يوم القيامة.

(111)

الطّبريّ: ألا له الحكم و القضاء،دون من سواه من جميع خلقه.(7:218)

الماورديّ: يعني القضاء بين عباده.فإن قيل:فقد جعل لغيره الحكم؟فعنه جوابان:

أحدهما:أنّ له الحكم في يوم القيامة وحده.

و الثّاني:أنّ غيره يحكم بأمره فصار الحكم له.

و يحتمل قوله: أَلا لَهُ الْحُكْمُ وجها ثانيا:أنّ له أن يحكم لنفسه،فصار بهذا الحكم مختصّا.(2:125)

الطّوسيّ: معناه ألا يعلمون أولا يقرّون أنّ الحكم يوم القيامة هو له وحده؟و لا يملك الحكم في ذلك اليوم سواه،كما قد يملك الحكم في الدّنيا غيره بتمليك اللّه إيّاه.(4:171)

الواحديّ: أي القضاء فيهم.(2:282)

نحوه ابن الجوزيّ(3:57)،و القرطبيّ(7:7).

البغويّ: أي القضاء دون خلقه.(2:130)

الزّمخشرىّ:يومئذ لا حكم فيه لغيره.(2:25)

ابن عطيّة: ابتداء كلام مضمّنه التّنبيه و هزّ نفس السّامع،(الحكم)تعريفه للجنس،أي جميع أنواع التّصرّفات في العباد.(2:301)

الطّبرسيّ: أي القضاء فيهم يوم القيامة،لا يملك الحكم في ذلك اليوم سواه،كما قد يملك الحكم في الدّنيا غيره بتمليكه إيّاه.(2:313)

الفخر الرّازيّ: معناه أنّه لا حكم إلاّ للّه.و يتأكّد ذلك بقوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ الأنعام:57،و ذلك يوجب أنّه لا حكم لأحد على شيء إلاّ للّه،و ذلك يوجب أنّ الخير و الشّرّ كلّه بحكم اللّه و قضائه،فلو لا أنّ اللّه حكم للسّعيد بالسّعادة و الشّقيّ بالشّقاوة،و إلاّ لما حصل ذلك.(13:18)

البيضاويّ: يومئذ لا حكم فيه لغيره.

(1:314)

نحوه النّسفيّ(2:16)،و أبو السّعود(2:395)، و الكاشانيّ(2:127)،و البروسويّ(3:46)، و القاسميّ(6:2350).

أبو حيّان :تنبيه منه تعالى:عباده بأنّ جميع أنواع التّصرّفات له.(4:149)

الشّربينيّ: أي القضاء النّافذ فيهم،فلا حكم عليه.(1:426)

الآلوسيّ: أَلا لَهُ الْحُكْمُ يومئذ صورة و معنى، لا لغيره بوجه من الوجوه و استدلّ بذلك على أنّ الطّاعة لا توجب الثّواب،و المعصية لا توجب العقاب؛إذ لو ثبت ذلك لثبت للمطيع على اللّه تعالى حكم و هو أخذ الثّواب و هو ينافي ما دلّت عليه الآية من الحصر.(7:178)

المراغيّ: أي له الحكم وحده ليس لغيره منه

ص: 406

شيء في ذلك اليوم،كما قال: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ النّمل:78،و قال: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ الشّورى:10، و قال: قُلِ اللّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ الزّمر:46.(7:150)

ابن عاشور :و جملة: أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ تذييل و لذلك،ابتدأ بأداة الاستفتاح المؤذنة بالتّنبيه إلى أهمّيّة الخبر.و العرب يجعلون التّذييلات مشتملة على اهتمام أو عموم أو كلام جامع.

و قدّم المجرور في قوله: لَهُ الْحُكْمُ للاختصاص، أي له لا لغيره،فإن كان المراد من الحكم جنس الحكم فقصره على اللّه،إمّا حقيقيّ للمبالغة لعدم الاعتداد بحكم غيره،و إمّا إضافيّ للرّدّ على المشركين،أي ليس لأصنامكم حكم معه.و إن كان المراد من الحكم الحساب،أي الحكم المعهود يوم القيامة،فالقصر حقيقيّ،و ربّما ترجّح هذا الاحتمال بقوله عقبه: وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ أي ألا له الحساب،و هو أسرع من يحاسب،فلا يتأخّر جزاؤه.(6:143)

الطّباطبائيّ: أَلا لَهُ الْحُكْمُ لمّا بيّن تعالى اختصاصه بمفاتح الغيب،و علمه بالكتاب المبين الّذي فيه كلّ شيء،و تدبيره لأمر خلقه من لدن وجدوا إلى أن يرجعوا إليه،تبيّن أنّ الحكم إليه لا إلى غيره،و هو الّذي ذكره فيما مرّ من قوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ الأنعام:57،أعلن نتيجة بيانه فقال: أَلا لَهُ اَلْحُكْمُ، ليكون منبّها لهم ممّا غفلوا عنه.(7:133)

4-و جاء بهذا المعنى قوله: ...فَالْحُكْمُ لِلّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ المؤمن:12.

5- أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ... الأنعام:89

ابن عبّاس: العلم و الفهم.(114)

نحوه الخازن.(2:129)

الطّبريّ: يعني الفهم بالكتاب و معرفة ما فيه من الأحكام.و عن مجاهد:الحكم:هو اللّبّ و عنى بذلك مجاهد إن شاء اللّه،ما قلت،لأنّ اللّبّ هو العقل،فكأنّه أراد:أنّ اللّه آتاهم العقل بالكتاب،و هو بمعنى ما قلنا من أنّه الفهم به.و قد بيّنّا معنى النّبوّة و الحكم فيما مضى بشواهدهما،فأغنى ذلك عن إعادته.(7:263)

الواحديّ: العلم و الفقه.(2:296)

نحوه البغويّ(2:142)،و ابن الجوزيّ(3:81)، و القرطبيّ(7:34).

ابن عطيّة: يراد به اللّبّ،و الفطنة و الفقه في دين اللّه.(2:318)

الطّبرسيّ: معناه و الحكم بين النّاس،و قيل:

الحكمة.(2:331)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ العطف يوجب المغايرة، فهذه الألفاظ الثّلاثة لا بدّ و أن تدلّ على أمور ثلاثة متغايرة،و اعلم أنّ الحكّام على الخلق ثلاث طوائف:

ص: 407

أحدها:الّذين يحكمون على بواطن النّاس و على أرواحهم،و هم العلماء.

و ثانيها:الّذين يحكمون على ظواهر الخلق و هم السّلاطين،يحكمون على النّاس بالقهر و السّلطنة.

و ثالثها:الأنبياء،و هم الّذين أعطاهم اللّه تعالى من العلوم و المعارف ما لأجله بها يقدرون على التّصرّف في بواطن الخلق و أرواحهم،و أيضا أعطاهم من القدرة و المكنة ما لأجله يقدرون على التّصرّف في ظواهر الخلق.و لمّا استجمعوا هذين الوصفين لا جرم كانوا هم الحكّام على الإطلاق.

إذا عرفت هذه المقدّمة فقوله: آتَيْناهُمُ الْكِتابَ إشارة إلى أنّه تعالى أعطاهم العلم الكثير،و قوله:

وَ الْحُكْمَ إشارة إلى أنّه تعالى جعلهم حكّاما على النّاس،نافذي الحكم فيهم بحسب الظّاهر...و للنّاس في هذه الألفاظ الثّلاثة تفسيرات كثيرة،و المختار عندنا ما ذكرناه.(13:67)

نحوه النّيسابوريّ.(7:151)

البيضاويّ: الحكمة،أو فصل الأمر على ما يقتضيه الحقّ.(1:320)

نحوه أبو السّعود(2:412)،و الكاشانيّ(2:

137)،و البروسويّ(3:62)،و القاسميّ(6:2400).

النّسفيّ: و الحكمة،أو فهم الكتاب.(2:22)

أبو حيّان :و الحكم:الحكمة،أو الحكم بين الخصوم،أو ما شرّعوه،أو فهم الكتاب،أو الفقه في دين اللّه أقوال.(4:175)

الشّربينيّ: أي العمل المتقن بالعلم.(1:434)

الآلوسيّ: أي فصل الأمر بين النّاس بالحقّ،أو الحكمة و هي معرفة حقائق الأشياء.(7:215)

رشيد رضا :[نقل أقوال اللّغويّين ثمّ قال:]

و أقول:إنّ الحكم بمعنى العلم الجزم و فقه الأمور، و هو حكمتها فيه معنى المنع أيضا:و هو منع الاحتمالات و الظّنون فمن ليس له حكم جازم في المسألة،لا يكون عالما بها،و ما يقال في المسألة الواحدة يقال في كلّ علم و فنّ،و كذا منع العالم الحكيم من مخالفة مقتضى العلم.

و من الواضح الجليّ أنّ كلّ نبيّ من الأنبياء قد آتاه اللّه الحكم بهذا المعنى،أي العلم الصّحيح و الفقه في أمور الدّين و شئون الإصلاح،و فهم الكتاب الّذي تعبّده به، سواء أنزله عليه أم أنزله على غيره.و إنّما اختصّ بعضهم بإتيانه الحكم صبيّا،كيحيى و عيسى،و لعلّ المراد به ملكة الحكم الصّحيح في الأمور.و أمّا الحكم بمعنى القضاء و الفصل في الخصومات فلم يؤته إلاّ بعض الأنبياء.(7:591)

نحوه المراغيّ.(7:183)

سيّد قطب :و الحكم:يجيء بمعنى الحكمة كما يجيء بمعنى السّلطان كذلك،و كلا المعنيين محتمل في الآية.فهؤلاء الرّسل أنزل اللّه على بعضهم الكتاب كالتّوراة مع موسى،و الزّبور مع داود،و الإنجيل مع عيسى،و بعضهم آتاه اللّه الحكم كداود و سليمان و كلّهم أوتي السّلطان على معنى أنّ ما معه من الدّين هو حكم اللّه،و أنّ الدّين الّذي جاءوا به يحمل سلطان اللّه على

ص: 408

النّفوس و على الأمور.فما أرسل اللّه الرّسل إلاّ ليطاعوا، و ما أنزل الكتاب إلاّ ليحكم بين النّاس بالقسط،كما جاء في الآيات الأخرى،و كلّهم أوتي الحكمة،و أوتي النّبوّة،و أولئك هم الّذين وكّلهم اللّه بدينه،يحملونه إلى النّاس و يقومون عليه،و يؤمنون به و يحفظونه.

(2:1144)

ابن عاشور :و الحكم هو الحكمة،أي العلم بطرق الخير و دفع الشّرّ،قال تعالى في شأن يحيى: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:12،و لم يكن يحيي حاكما،أي قاضيا،و قد يفسّر الحكم بالقضاء بالحقّ،كما في قوله تعالى في شأن داود و سليمان: وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً الأنبياء:79.

و إيتاء هذه الثّلاث على التّوزيع:فمنهم من أوتي جميعها و هم الرّسل منهم،و الأنبياء الّذين حكموا بين النّاس مثل داود و سليمان،و منهم من أوتي بعضها و هم الأنبياء غير الرّسل،و الصّالحون منهم غير الأنبياء، و هذا باعتبار شمول اسم الإشارة لآبائهم و ذرّيّاتهم و إخوانهم.(6:203)

الطّباطبائيّ: الأصل في مادّة الحكم بحسب ما يتحصّل من موارد استعمالاتها هو المنع،و بذلك سمّي الحكم المولويّ حكما،لما أنّ الآمر يمنع به المأمور عن الإطلاق في الإرادة و العمل،و يلجمه أن يقع على كلّ ما تهواه نفسه،و كذا الحكم بمعنى القضاء،يمنع مورد النّزاع من أن يتزلزل بالمنازعة و المشاجرة،أو يفسد بالتّعدّي و الجور،و كذا الحكم بمعنى التّصديق،يمنع القضيّة من تطرّق الشّكّ إليه.و الإحكام و الاستحكام يشعران عن حال في الشّيء،يمنعه من دخول ما يفسده بين أجزائه،أو استيلاء الأمر الأجنبيّ في داخله، و الإحكام يقابل بوجه التّفصيل الّذي هو جعل الشّيء فصلا فصلا،يبطل بذلك التئام أجزائه و توحّدها.قال تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ هود:1.و إلى ذلك يعود معنى المحكم الّذي يقابل المتشابه.[ثمّ نقل قول الرّاغب و أضاف:]

و الحكم إذا نسب إلى اللّه سبحانه:فإن كان في تكوين،أفاد معنى القضاء الوجوديّ،و هو الإيجاد الّذي يساوق الوجود الحقيقيّ،و الواقعيّة الخارجيّة بمراتبها، قال تعالى: وَ اللّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ الرّعد:41، و قال: وَ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ البقرة:117،و منه بوجه قوله: قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ المؤمن:48.

و إن كان في تشريع،أفاد معنى التّقنين و الحكم المولويّ،قال تعالى: وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللّهِ المائدة:43 و قال: وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً المائدة:50.

و إذا نسب إلى الأنبياء عليهم السّلام أفاد معنى القضاء،و هو من المناصب الإلهيّة الّتي أكرمهم بها،قال تعالى:

فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ المائدة:48،و قال تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ الأنعام:89.

و لعلّ في بعض الآيات إشعارا أو دلالة على إيتائهم

ص: 409

الحكم بمعنى التّشريع كما في قوله حكاية عن إبراهيم عليه السّلام في دعائه: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ الشّعراء:83،و أمّا غير الأنبياء من النّاس فنسب إليهم الحكم بمعنى القضاء،كما في قوله:

وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ المائدة:47.

و الحكم بمعنى التّشريع و قد ذمّهم اللّه عليه،كما في قوله: وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَ هذا لِشُرَكائِنا... ساءَ ما يَحْكُمُونَ الأنعام:136،و قوله: وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ هود:45،و الآية بحسب موردها يشمل الحكم بمعنى إنجاز الوعد و إنفاذ الحكم.

(7:254)

مكارم الشّيرازيّ: أمّا المقصود من الحكم،فثمّة احتمالات ثلاثة:

1-الحكم بمعنى العقل و الإدراك،أي:إنّنا فضلا عن إنزال كتاب سماويّ عليهم فقد وهبناهم القدرة على التّعقّل و الفهم؛إذ إنّ وجود الكتاب بغير وجود القدرة على فهمه فهما كاملا عميقا،لا جدوى فيه.

2-الحكم بمعنى القضاء،أي:أنّهم باستنباط القوانين الإلهيّة من تلك الكتب السّماويّة،كانوا قادرين على أن يقضوا بين النّاس،بامتلاكهم لجميع شروط القاضي العادل.

3-الحكم بمعنى الحكومة و الإمساك بزمام الإدارة،بالإضافة إلى مقام النّبوّة.

إنّ الدّليل على المعاني المذكورة بالإضافة إلى المعنى اللّغويّ،الّذي ينطبق عليها،هو أنّ كلمة الحكم قد وردت بهذه المعاني نفسها أيضا في آيات أخرى من القرآن و ليس ثمّة ما يمنع من أن يشمل استعمال الكلمة في هذه الآية،المعاني الثّلاثة مجتمعة،فالحكم أصلا كما يقول الرّاغب في«مفرداته»:هو المنع منعا لإصلاح، و من ذلك العقل الّذي يمنع من وقوع الأخطاء و المخالفات،و كذلك القضاء الصّحيح يمنع من وقوع الظّلم،و الحكومة العادلة تقف بوجه الحكومات غير العادلة،فهي قد استعملت في المعاني الثّلاثة،قلنا من قبل:إنّ جميع الأنبياء لم يكونوا يحظون بهذه الامتيازات كلّها،و لكن إسناد حكم إلى الجمع لا يعني شموله جميع أفراد ذلك الجمع،بل قد يكون لبعض أفراده،من ذلك مسألة إيتاء الكتاب لهؤلاء الأنبياء.(4:344)

فضل اللّه :و الحكم الّذي يمثّل الميزان الفاصل بين الحقّ و الباطل و الخير و الشّرّ،ليقوم النّاس بالقسط.

(9:204)

6 و 7-و جاء بهذا المعنى قوله: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:12

و قوله: وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ... الجاثية:16

8- ...إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ. يوسف:40

ابن عبّاس: ما الحكم بالأمر و النّهي إلاّ للّه.

(197)

ص: 410

الطّوسيّ: معناه ليس الحكم إلاّ للّه فيما فعله أو أمر به،و الحكم فصل المعنى بما تدعو إليه الحكمة من صواب أو خطإ.(6:143)

الواحديّ: أي الفصل بالأمر و النّهي إلاّ للّه.

(2:613)

البغويّ: ما القضاء و الأمر و النّهي إلاّ للّه.

(2:493)

نحوه ابن الجوزيّ(4:226)،و الخازن(3:233).

ابن عطيّة: أي ليس لأصنامكم الّتي سمّيتموها آلهة من الحكم و الأقدار و الأرزاق شيء،أي فما بالها إذن؟و يحتمل أن يريد الرّدّ على حكمهم في نصبهم آلهة دون اللّه تعالى،و ليس لهم تعدّي أمر اللّه في أن لا يعبد غيره.(3:246)

الطّبرسيّ: أي ما الحكم و الأمر إلاّ للّه،فلا يجوز العبادة و الخضوع و التّذلّل إلاّ للّه.(3:234)

الفخر الرّازيّ: و ليس لغير اللّه حكم واجب القبول و لا أمر واجب الالتزام،بل الحكم و الأمر و التّكليف ليس إلاّ له.(18:142)

القرطبيّ: الّذي هو خالق الكلّ.(9:192)

ابن كثير :أخبرهم أنّ الحكم و التّصرّف و المشيئة و الملك كلّه للّه.(4:28)

الشّربينيّ: و الحكم فصل الأمر بما تدعو إلى الحكمة.(2:109)

ابن عاشور :جملة: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ إبطال لجميع التّصرّفات المزعومة لآلهتهم،بأنّها لا حكم لها فيما زعموا أنّه من حكمها و تصرّفها.و جملة: أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ انتقال من أدلّة إثبات انفراد اللّه تعالى بالإلهيّة إلى التّعليم بامتثال أمره و نهيه،لأنّ ذلك نتيجة إثبات الإلهيّة و الوحدانيّة له،فهي بيان لجملة: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ من حيث ما فيها من معنى الحكم.

(12:66)

مغنيّة:أمّا معنى الحكم للّه فيحتاج إلى تفسير، و يتلخّص بأنّ حكم اللّه على قسمين:

الأوّل:قضاؤه و قدره،و هذا لا مفرّ منه للإنسان.

الثّاني:حلال اللّه و حرامه،المعبّر عن كلّ منهما بالحكم الشّرعيّ و معلوم أنّ اللّه تعالى لا يتّصل بعباده بلا واسطة و يحكم بينهم مباشرة في هذه الحياة،و إنّما يشرّع الأحكام و يبلّغها لعباده بلسان أنبيائه و رسله.

و المراد بالحكم للّه،المعنى الثّاني،و أنّه تعالى هو مصدر التّشريع،و ليس الأفراد و لا الجماعات،و لا أيّة سلطة إلاّ اللّه وحده،لا محلّل و لا محرّم إلاّ هو.و من حكم بشيء فلا يكون حكمه حقّا و عدلا،إلاّ إذا كان على وفق ما أوحى اللّه.

و أجمع كلمة تعبّر عن ذلك قوله تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ المائدة:45، و في آية ثانية: هُمُ الْفاسِقُونَ، و في ثالثة: هُمُ الْكافِرُونَ فأيّ حكم لا يعبّر عن إرادة اللّه و مرضاته فهو كفر و ظلم و فسق،و بتعبير ثان أنّ حكم اللّه أشبه بالخارطة،يضعها المهندس للبناء،و من يتولّى الحكم و يمارسه أشبه بالباني.

ص: 411

و قد استوحينا من قول الإمام عليّ عليه السّلام،فإنّه لمّا سمع قول الخوارج:لا حكم إلاّ للّه قال:«كلمة حقّ أريد بها الباطل،نعم لا حكم إلاّ للّه،و لكن هؤلاء يقولون:لا إمرة إلاّ للّه،و إنّه لا بدّ للنّاس من أمير برّ،أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن،و يستمتع فيها الكافر»أي إنّ حقّ التّشريع للّه وحده،و على النّاس أن يطبّقوا ما شرّعه اللّه ،و الّذي يحملهم على هذا هو هذا الأمير،و الخوارج خلطوا بين مصدر الشّريعة،و بين من يطبّقها و يزاولها، و لم يميّزوا بين الاثنين.(4:315)

الطّباطبائيّ: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ ممّا لا ريب فيه البتّة؛إذ الحكم في أمر ما لا يستقيم إلاّ ممّن يملك تمام التّصرّف،و لا مالك للتّصرّف و التّدبير في أمور العالم و تربية العباد حقيقة إلاّ اللّه سبحانه،فلا حكم بحقيقة المعنى إلاّ له.(11:177)

عبد الكريم الخطيب :فالحكم بين النّاس، و الفصل فيما هم مختلفون فيه،فيما يعبدون هو للّه.

(6:1274)

مكارم الشّيرازيّ: شعار إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ الّذي هو شعار قرآنيّ إيجابيّ مثبت،و هو ينفي أيّة حكومة كانت سوى حكومة اللّه أو ما تنتهي إلى حكومة اللّه،إلاّ أنّه-و للأسف-استغلّ على امتداد التّاريخ بشكل عجيب،و من ذلك استغلال الخوارج لهذا الشّعار في واقعة«النّهروان»،و كانوا أناسا جامدين حمقى قشريّين منحرفين جدّا،إذ تمسّكوا به لنفي التّحكيم في حرب صفّين،و قالوا:لا يصحّ الحكم لنهاية الحرب أو الخليفة،لأنّ اللّه يقول: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ، لقد كانوا غافلين أو متغافلين عن هذه المسألة البديهيّة،و هي أنّ التّحكيم إذا كان قد تعيّن من أئمّة أمر اللّه باتّباع قيادتهم، فحكمهم أيضا حكم اللّه لأنّه ينتهي إليه.صحيح أنّ الحكمين في حرب صفّين لم يتمّ تعيينهما من قبل الإمام عليّ عليه السّلام و لو كان الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام عيّنهما فإنّ حكمهما حكمه،و حكم عليّ حكم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و حكم النّبيّ حكم اللّه.

و هل يا ترى يحكم اللّه أو يقضي مباشرة بين المجتمعات؟!أو يتولّى أمور النّاس أشخاص من جنسهم، غاية ما في الأمر ينتهي أمرهم إلى اللّه،و لكنّ الخوارج و دون أن يتوجّهوا إلى هذه الحقيقة الواضحة،أشكلوا على أصل قصّة التّحكيم على الإمام عليّ عليه السّلام و حتّى عدّوه-و العياذ باللّه-انحرافا من قبله،يا لهذا الجهل و الجمود و البلادة.

و هكذا فإنّ مثل هذه الأمور البنّاءة حين تقع بأيدي أفراد جهّال تتحوّل إلى أسوإ الوسائل التّخريبيّة.

و في هذا اليوم نرى مجموعة من النّاس ذوي النّفوس الحقيرة،الّذين هم في الحقيقة لا يقلّون عن أولئك جهلا و لجاجة،تمسّكوا بالآية المتقدّمة،لنفي التّقليد عن المجتهدين،أو نفي صلاحيّة حكومتهم،لكن جوابهم جميعا هو ما ذكرناه آنفا.(7:195)

9 و 10-و جاء بهذا المعنى قوله: ...لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. القصص:70 و 88

ص: 412

11- ...وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ.

يوسف:67

الطّبريّ: يقول:ما القضاء و الحكم إلاّ للّه،دون ما سواه من الأشياء،فإنّه يحكم في خلقه بما يشاء،فينفذ فيهم حكمه،و يقضي فيهم،و لا يردّ قضاؤه.(13:14)

الطّوسيّ: أي ليس للفصل بين الأمور على ما تقتضيه الحكمة إلاّ اللّه.(6:167)

الفخر الرّازيّ: فاعلم أنّ الإنسان مأمور بأن يراعي الأسباب المعتبرة في هذا العالم،و مأمور أيضا بأن يعتقد و يجزم بأنّه لا يصل إلاّ ما قدّره اللّه تعالى،و أنّ الحذر لا ينجي من القدر،فإنّ الإنسان مأمور بأن يحذر عن الأشياء المهلكة و الأغذية الضّارّة...بل الحقّ أنّ العبد يجب عليه أن يسعى بأقصى الجهد و القدرة،و بعد ذلك السّعي البليغ و الجدّ الجهيد فإنّه يعلم أنّ كلّ ما يدخل في الوجود لا بدّ و أن يكون بقضاء اللّه تعالى و مشيئته و سابق حكمه و حكمته.ثمّ إنّه تعالى أكّد هذا المعنى و قال: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ.

و اعلم أنّ هذا من أدلّ الدّلائل على صحّة قولنا في القضاء و القدر،و ذلك لأنّ الحكم عبارة عن الإلزام و المنع من النّقيض.و سمّيت حكمة الدّابّة بهذا الاسم، لأنّها تمنع الدّابّة عن الحركات الفاسدة،و الحكم إنّما سمّي حكما،لأنّه يقتضي ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر،بحيث يصير الطّرف الآخر ممتنع الحصول،فبيّن تعالى أنّ الحكم بهذا التّفسير ليس إلاّ للّه سبحانه و تعالى،و ذلك يدلّ على أنّ جميع الممكنات مستندة إلى قضائه و قدره و مشيئته و حكمه،إمّا بغير واسطة،و إمّا بواسطة.ثمّ قال: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (18:175)

البيضاويّ: يصيبكم لا محالة أن قضى عليكم سوء و لا ينفعكم ذلك.(1:502)

المراغيّ: أي ما الحكم في تدبير العالم و نظم الأسباب و المسبّبات إلاّ للّه وحده.(13:17)

ابن عاشور :و جملة: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ في موضع التّعليل لمضمون وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ، و الحكم:هنا بمعنى التّصرّف و التّقدير،و معنى الحصر أنّه لا يتمّ إلاّ ما أراده اللّه،كما قال تعالى: إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ) الطّلاق:3،و ليس للعبد أن ينازع مراد اللّه في نفس الأمر،و لكن واجبه أن يتطلّب الأمور من أسبابها،لأنّ اللّه أمر بذلك،و قد جمع هذين المعنيين قوله : وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ). (12:93)

الطّباطبائيّ: أي لست أرفع حاجتكم إلى اللّه سبحانه بما أمرتكم به،من السّبب الّذي تتّقون به نزول النّازلة،و تتوسّلون به إلى السّلامة و العافية،و لا أحكم بأن تحفظوا بهذه الحيلة،فإنّ هذه الأسباب لا تغني من اللّه شيئا،و لا لها حكم دون اللّه سبحانه فليس الحكم مطلقا إلاّ للّه،بل هذه أسباب ظاهريّة إنّما تؤثّر إذا أراد اللّه لها أن تؤثّر.(11:218)

ص: 413

حكما

1- أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً... المائدة:50

راجع«حكم».

2- وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. يوسف:22

ابن عبّاس: أعطيناه فهما و نبوّة.(195)

مجاهد :العقل و العلم قبل النّبوّة.

(الطّبريّ 12:178)

السّدّيّ: النّبوّة.(الماورديّ 3:21)

نحوه الكلبيّ(الواحديّ 2:606)،و البغويّ(2:

483)

الطّبريّ: أعطيناه حينئذ الفهم و العلم.

(12:178)

الزّجّاج: أي جعلناه حكيما عالما،و ليس كلّ عالم حكيما.الحكيم:العالم المستعمل علمه،الممتنع من استعمال ما يجهّل فيه-أي ما ينسب بسبه إلى الجهل-.

(3:99)

الثّعلبيّ: قال أهل المعاني:يعني إصابة في القول.

(5:207)

الماورديّ: في هذا الحكم الّذي آتاه خمسة أوجه:

أحدها:العقل،قاله مجاهد.

الثّاني:الحكم على النّاس.

الثّالث:الحكمة في أفعاله.

الرّابع:القرآن،قاله سفيان.

الخامس:النّبوّة،قاله السّدّيّ.(3:21)

الطّوسيّ: و الحكم:القول الفصل الّذي يدعو إلى الحكمة،و يقال-تقديرا لما يؤتى له بعلّة-:يعلم من دليل الحكم و من غير دليل الحكم.و الأصل في الحكم تبيين ما يشهد به الدّليل،لأنّ الدّليل حكمة من أجل أنّه يقود إلى المعرفة.و قيل:معناه آتيناه الحكم على النّاس.و قيل:آتيناه الحكمة في فعله بألطافنا له، و الحكيم:العامل بما يدعو إليه العلم.و العلم:ما اقتضى سكون النّفس.(6:117)

القشيريّ: من جملة الحكم الّذي آتاه اللّه نفوذ حكمه على نفسه،حتّى غلب شهوته،و امتنع عمّا راودته تلك المرأة عن نفسه،و من لا حكم له على نفسه،فلا حكم له على غيره.و يقال إنّما قال: وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ أي حين استوى شبابه و اكتملت قوّته،و كان وقت استيلاء الشّهوة،و توفّر دواعي مطالبات البشريّة،آتاه اللّه الحكم الّذي حبسه على الحقّ و صرفه عن الباطل،و علم أنّ ما يعقب اتّباع اللّذّات من هواجم النّدم،أشدّ مقاساة من كلفة الصّبر في حال الامتناع عن دواعي الشّهوة،فآثر مشقّة الامتناع على لذّة الاتّباع.

و ذلك الّذي أشار إليه الحقّ سبحانه-من جميل الجزاء الّذي أعطاه هو إمداده بالتّوفيق حتّى استقام في التّقوى و الورع على سواء الطّريق،قال تعالى:

ص: 414

وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا العنكبوت:69 أي الّذين جاهدوا بسلوك طريق المعاملة لنهدينّهم سبل الصّبر على الاستقامة حتّى تتبيّن لهم حقائق المواصلة.(3:177)

الواحديّ: عقلا و فهما.(2:606)

الزّمخشريّ: حكمة،و هو العلم بالعمل و اجتناب ما يجهل فيه،و قيل:حكما بين النّاس و فقها.

(2:310)

نحوه البيضاويّ(1:491)،و النّسفيّ(2:216)، و الشّربينيّ(2:100)،و أبو السّعود(3:377)، و القاسميّ(9:3525).

ابن عطيّة: يحتمل أن يريد الحكمة و النّبوءة،و هذا على الأشدّ الأعلى.و يحتمل الحكمة و العلم دون النّبوءة،و هذا أشبه إن كانت قصّة المراودة بعد هذا.

(3:231)

الطّبرسيّ: أي أعطيناه القول الفصل الّذي يدعو إلى الحكمة...و قيل:الحكم:الدّعاء إلى دين اللّه، و العلم:علم الشّرع.(3:222)

الفخر الرّازيّ: في تفسير الحكم و العلم،و فيه أقوال:

القول الأوّل:أنّ الحكم و الحكمة أصلهما حبس النّفس عن هواها،و منعها ممّا يشينها،فالمراد من الحكم الحكمة العمليّة،و المراد من العلم الحكمة النّظريّة.و إنّما قدّم الحكمة العمليّة هنا على العلميّة،لأنّ أصحاب الرّياضات يشتغلون بالحكمة العمليّة،ثمّ يترقّون منها إلى الحكمة النّظريّة.و أمّا أصحاب الأفكار العقليّة و الأنظار الرّوحانيّة فإنّهم يصلون إلى الحكمة النّظريّة أوّلا،ثمّ ينزلون منها إلى الحكمة العمليّة،و طريقة يوسف عليه السّلام هو الأوّل،لأنّه صبر على البلاء و المحنة ففتح اللّه عليه أبواب المكاشفات،فلهذا السّبب قال: آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً.

القول الثّاني:الحكم:هو النّبوّة،لأنّ النّبيّ يكون حاكما على الخلق،و العلم:علم الدّين.

و القول الثّالث:يحتمل أن يكون المراد من الحكم صيرورة نفسه المطمئنّة حاكمة على نفسه الأمّارة بالسّوء مستعلية عليها قاهرة لها،و متى صارت القوّة الشّهوانيّة و الغضبيّة مقهورة ضعيفة فاضت الأنوار القدسيّة و الأضواء الإلهيّة من عالم القدس على جوهر النّفس.

و تحقيق القول في هذا الباب أنّ جوهر النّفس النّاطقة خلقت قابلة للمعارف الكلّيّة و الأنوار العقليّة، إلاّ أنّه قد ثبت عندنا بحسب البراهين العقليّة و بحسب المكاشفات العلويّة أنّ جواهر الأرواح البشريّة مختلفة بالماهيّات فمنها ذكيّة و بليدة.و منها حرّة و نذلة،و منها شريفة و خسيسة،و منها عظيمة الميل إلى عالم الرّوحانيّات و عظيمة الرّغبة في الجسمانيّات.

فهذه الأقسام كثيرة و كلّ واحد من هذه المقامات قابل للأشدّ و الأضعف و الأكمل و الأنقص.فإذا اتّفق أن كان جوهر النّفس النّاطقة جوهرا مشرقا شريفا شديد الاستعداد لقبول الأضواء العقليّة و اللّوائح الإلهيّة،فهذه النّفس في حال الصّغر لا يظهر منها هذه الأحوال،لأنّ

ص: 415

النّفس النّاطقة إنّما تقوّى على أفعالها بواسطة استعمال الآلات الجسدانيّة،و هذه الآلات في حال الصّغر تكون الرّطوبات مستولية عليها.فإذا كبر الإنسان و استولت الحرارة الغريزيّة على البدن نضجت تلك الرّطوبات و قلّت و اعتدلت،فصارت تلك الآلات البدنيّة صالحة لأن تستعملها النّفس الإنسانيّة.

و إذا كانت النّفس في أصل جوهرها شريفة فعند كمال الآلات البدنيّة تكمل معارفها و تقوّى أنوارها و يعظم لمعان الأضواء فيها.فقوله: وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ إشارة إلى اعتدال الآلات البدنيّة،و قوله: آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً إشارة إلى استكمال النّفس في قوّتها العمليّة و النّظريّة،و اللّه أعلم.(18:111)

نحوه النّيسابوريّ.(12:95)

الخازن :يعنى آتينا يوسف بعد بلوغ الأشدّ نبوّة و فقها في الدّين.و قيل:حكما و إصابة في القول،و علما بتأويل الرّؤيا.و قيل:الفرق بين الحكيم و العالم:أنّ العالم هو الّذي يعلم الأشياء بحقائقها،و الحكيم هو الّذي يعمل بما يوجبه العلم.و قيل:الحكمة:حبس النّفس عن هواها و صونها عمّا لا ينبغي،و العلم:هو العلم النّظريّ.

(3:223)

البروسويّ: كمالا في العلم و العمل استعدّ به الحكم بين النّاس بالحقّ و رياستهم.(4:223)

الآلوسيّ: أي حكمة و هي في لسان الشّرع العلم النّافع المؤيّد بالعمل،لأنّه بدونه لا يعتدّ به،و العمل بخلاف العلم سفه،أو حكما بين النّاس.(12:209)

ابن عاشور:و الحكم و الحكمة مترادفان،و هو:

علم حقائق الأشياء و العمل بالصّالح و اجتناب ضدّه.

و أريد به هنا النّبوءة كما في قوله تعالى في ذكر داود و سليمان عليهما السّلام: وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً الأنبياء:79.

و المراد بالعلم علم زائد على النّبوءة.(12:44)

مغنيّة:و المراد بالحكم هنا الحكمة،و هي وضع الشّيء في موضعه،و منها: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:12،و المعنى أنّ يوسف بعد أن استكمل الرّشد منحه اللّه العلم،و وفّقه إلى العمل به.(4:298)

الطّباطبائيّ: الحكم:هو القول الفصل و إزالة الشّكّ و الرّيب من الأمور القابلة للاختلاف على ما يتحصّل من اللّغة،و لازمه إصابة النّظر في عامّة المعارف الإنسانيّة،الرّاجعة إلى المبدإ و المعاد،و الأخلاق النّفسانيّة،و الشّرائع و الآداب المرتبطة بالمجتمع البشريّ.و بالنّظر إلى قوله عليه السّلام لصاحبيه في السّجن:

إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يوسف:40،و قوله بعد: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ يوسف:41،يعلم أنّ هذا الحكم الّذي اوتيه كان هو حكم اللّه فكان حكمه حكم اللّه،و هذا هو الّذي سأله إبراهيم عليه السّلام من ربّه،إذ قال:

رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ الشّعراء:83.

(11:118)

عبد الكريم الخطيب :الحكم:الحكمة.و هي لمن آتاها اللّه،سلطان مبين،يملك به ما لا يملك أصحاب الملك و السّلطان.و قد استطاع يوسف عليه السّلام أن يبلغ بتلك الحكمة هذا السّلطان الّذي كان له في مصر فكان-و هو

ص: 416

في السّجن-بحكمته،سيّدا،تسمع كلمته،و يحتكم إليه في المعضلات،و بحكمته نفذ إلى خارج السّجن،و أملى شروطه على فرعون مصر.ثمّ بحكمته وضع يده على مقاليد الأمور في مصر،و تصريف مقاديرها.و الحكمة الّتي آتاها اللّه يوسف عليه السّلام حكمة مستندة إلى علم، و ليست حكمة مودعة في صدره ينفق منها بلا حساب أو تقدير،و إنّما هي حكمة قائمة على دراسة و نظر أقرب إلى الاكتساب منها إلى الفطرة.و بهذا يجد لها صدى في نفسه،و أثرا في عقله و قلبه.(6:1250)

3- وَ لُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً... الأنبياء:74.

4- وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. القصص:14

هاتان مثل ما قبلهما.

5- وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا... الرّعد:37

ابن عبّاس: القرآن كلّه حكم اللّه.(209)

يريد ما حكم من الفرائض في القرآن.

(الواحديّ 3:19)

أبو عبيدة :أي دينا عربيّا أنزل على رجل عربيّ.

(1:334)

الطّبريّ: كذلك أيضا أنزلنا الحكم و الدّين حكما عربيّا.(13:165)

الطّوسيّ: قيل في وجه التّشبيه في قوله:

وَ كَذلِكَ قولان:

أحدهما:أنّه شبّه إنزاله حكما عربيّا بما أنزل إلى من تقدّم من الأنبياء.

الثّاني:أنّه شبّه إنزاله حكما عربيّا بإنزاله كتابا تبيانا في أنّه منعم بجميع ذلك على العباد.و الحكم:فصل الأمر على الحقّ و إذا قيل:حكم بالباطل فهو مثل قولهم :حجّة داحضة.(6:261)

الزّمخشريّ: حكمة عربيّة مترجمة بلسان العرب، و انتصابه على الحال.(2:363)

ابن عطيّة: و الحكم هو ما تضمّنه القرآن من المعاني.(3:316)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

فالحكم هاهنا بمعنى الحكمة،كما في قوله: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:12.و قيل:إنّما سمّاه حكما لما فيه من الأحكام في بيان الحلال و الحرام.(3:297)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

الأوّل:حكمة عربيّة مترجمة بلسان العرب.

الثّاني:القرآن مشتمل على جميع أقسام التّكاليف، فالحكم لا يمكن إلاّ بالقرآن،فلمّا كان القرآن سببا للحكم،جعل نفس الحكم على سبيل المبالغة.

الثّالث:أنّه تعالى حكم على جميع المكلّفين بقبول القرآن و العمل به،فلمّا حكم على الخلق بوجوب قبوله جعله حكما.

و اعلم أنّ قوله: حُكْماً عَرَبِيًّا نصب على الحال، و المعنى:أنزلناه حال كونه حكما عربيّا.(19:61)

نحوه النّيسابوريّ.(13:94)

البيضاويّ: يحكم في القضايا و الوقائع بما تقتضيه الحكمة.(1:522)

ص: 417

الخازن:إنّما سمّي القرآن حكما،لأنّ فيه جميع التّكاليف و الأحكام و الحلال و الحرام و النّقض و الإبرام، فلمّا كان القرآن سببا للحكم جعل نفس الحكم على سبيل المبالغة.و قيل:إنّ اللّه لمّا حكم على جميع الخلق بقول القرآن و العمل بمقتضاه،سمّاه حكما لذلك المعنى.

(4:22)

أبو حيّان :أراد بالحكم أنّه يفصل بين الحقّ و الباطل و يحكم.(5:397)

الشّربينيّ: و الحكم فصل الأمر على الحقّ.[ثمّ أدام نحو الخازن](2:163)

أبو السّعود :حاكما يحكم في القضايا و الواقعات بالحقّ،أو يحكم به كذلك،و التّعرّض لذلك العنوان مع أنّ بعضه ليس بحكم لتربية وجوب مراعاته،و تحتّم المحافظة عليه.(3:463)

نحوه الآلوسيّ.(13:167)

البروسويّ: يحكم في كلّ شيء يحتاج إلى العباد على مقتضي الحكمة و الصّواب.فالحكم مصدر بمعنى الحاكم،لمّا كان جميع التّكاليف الشّرعيّة مستنبطا من القرآن كان سببا للحكم،فأسند إليه الحكم إسنادا مجازيّا،ثمّ جعل نفس الحكم على سبيل المبالغة.و يقال:

حكما أي محكما لا يقبل النّسخ و التّغيير.(4:383)

المراغيّ: سمّي القرآن حكما،أي فصلا للأمر على وجه الحقّ،لأنّ فيه بيان الحلال و الحرام و جميع ما يحتاج إليه المكلّفون،ليصلوا إلى السّعادة في الدّنيا و الآخرة.

(13:113)

ابن عاشور:الحكم هنا بمعنى الحكمة كما في قوله:

وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:12،و جعل نفس الحكم حالا منه مبالغة.و المراد أنّه ذو حكم،أي حكمة.(12:199)

مغنيّة:المراد بالحكم القرآن لأنّه حكم اللّه،و ما عداه حكم الجاهليّة،كما قال سبحانه: أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة:50.(4:413)

الطّباطبائيّ: و المراد بالحكم هو القضاء و العزيمة فإنّ ذلك هو شأن الكتاب النّازل من السّماء المشتمل على الشّريعة كما قال: وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) البقرة:213،فالكتاب حكم إلهيّ بوجه،و حاكم بين النّاس بوجه،فهذا هو المراد بالحكم دون الحكمة كما قيل.(11:373)

عبد الكريم الخطيب :فحكم بمعنى الحاكم،و لم يجئ بلفظه،للإشارة إلى أنّ القرآن الكريم هو حكم صدر من حاكم حكيم،هو اللّه سبحانه و تعالى.

(7:139)

6- فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ. الشّعراء:21

ابن عبّاس: فهما و علما و نبوّة.(307)

نحوه الثّعلبيّ(7:161)،و مقاتل(الواحديّ 3:

360)،و الميبديّ(7:90).

السّدّيّ: و الحكم:النّبوّة.(الطّبريّ 19:67)

ص: 418

نحوه الواحديّ.(3:352)

الفرّاء: التّوراة.(2:279)

الطّبريّ: فوهب لي ربّي نبوّة و هي الحكم.

(19:67)

الزّجّاج: يعني التّوراة الّتي فيها حكم اللّه.

(4:86)

عبد الجبّار:ظاهره أنّه آتاه العلوم الّتي بها بان من غيره و كذلك نقول.(2:534)

الطّوسيّ: و الحكم:العلم بما تدعو إليه الحكمة، و هو الّذي وهبه اللّه تعالى لموسى من التّوراة.و العلم بالحلال و الحرام و سائر الأحكام.و الخبر عمّا يدعو إليه الحكم أيضا يسمّى حكما.و الحكم هاهنا أراد به النّبوّة في قول جماعة من المفسّرين.(8:13)

الفخر الرّازيّ: و اختلفوا في الحكم،و الأقرب أنّه غير النّبوّة،لأنّ المعطوف غير المعطوف عليه،و النّبوّة مفهومة من قوله: وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) فالمراد بالحكم العلم،و يدخل في العلم العقل و الرّأي،و العلم بالدّين الّذي هو التّوحيد،و هذا أقرب،لأنّه لا يجوز أن يبعثه تعالى إلاّ مع كماله في العقل و الرّأي و العلم بالتّوحيد.و قوله: فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً كالتّنصيص على أنّ ذلك الحكم من خلق اللّه تعالى.و قالت المعتزلة:المراد منه الألطاف و هو ضعيف جدّا،لأنّ الألطاف مفعولة في حقّ الكلّ من غير بخس و لا تقصير، فالتّخصيص لا بدّ فيه من فائدة.(24:126)

نحوه النيسابوريّ.(19:49)

البروسويّ: علما و حكمة.(6:268)

الآلوسيّ: أي نبوّة أو علما و فهما للأشياء على ما هي عليه،و الأوّل مرويّ عن السّدّيّ،و تأوّل بعضهم ذلك بأنّه أراد علما هو من خواصّ النّبوّة، فيكون الحكم بهذا المعنى أخصّ منه بالمعنى الثّاني.و قرأ عيسى: (حكما) بضمّ الكاف.(19:69)

مغنيّة:قد وهب لي العلم بدينه و شريعته، و بأوجه الخير و الصّواب.(5:491)

الطّباطبائيّ: و التّدبّر في متن الجواب و مقابلته الاعتراض يعطي أنّ قوله: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً من تمام الجواب عن القتل فيتقابل الحكم و الضّلال.و يتّضح حينئذ أنّ المراد بالضّلال الجهل المقابل للحكم،و الحكم:إصابة النّظر في حقيقة الأمر و إتقان الرّأي في تطبيق العمل عليه، فيرجع معناه إلى القضاء الحقّ في حسن الفعل و قبحه،و تطبيق العمل عليه.و هذا هو الّذي كان يؤتاه الأنبياء، قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ النّساء:64.[إلى أن قال:]

و أمّا الحكم،فالمراد به كما استظهرناه إصابة النّظر في حقيقة الأمر و إتقان الرّأي في العمل به.

فإن قلت:صريح الآية أنّ موهبة الحكم كانت بعد واقعة القتل،و مفاد آيات سورة القصص أنّه عليه السّلام أعطي الحكم قبلها،قال تعالى: وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ إلخ،القصص:14،15،ثمّ ساق القصّة

ص: 419

و ذكر القتل و الفرار.

قلت:إنّما ورد لفظ الحكم هاهنا و في سورة القصص منكّرا،و هو مشعر بمغايرة كلّ منهما الآخر،و قد ورد في خصوص التّوراة أنّها متضمّنة للحكم،قال تعالى: وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللّهِ المائدة:43.

و قد نزلت التّوراة بعد غرق فرعون و إنجاء بني إسرائيل.

فمن الممكن أن يقال:إنّ موسى عليه السّلام أعطي مراتب من الحكم بعضها فوق بعض قبل قتل القبطيّ و بعد الفرار قبل العود إلى مصر و بعد غرق فرعون،و قد خصّه اللّه في كلّ مرّة بمرتبة من الحكم حتّى تمّت له الحكمة بنزول التّوراة.و هذا بحسب التّمثيل نظير ما يرزق بعض النّاس أوان صباه سلامة في فطرته قلّما يميل معها طبعه إلى الشّرّ و الفساد،ثمّ إذا نشأ يعطي اعتدالا في التّعقّل و جودة في التّدبير،فينبعث إلى اكتساب الفضائل فيرزق ملكة التّقوى.و الصّفات الثّلاث في الحقيقة سنخ واحد ينمو و يزيد حالا بعد حال.

و يظهر بما تقدّم عدم استقامة تفسير بعضهم الحكم بالنّبوّة لعدم دليل عليه من جهة اللّفظ و لا المقام.على أنّ اللّه سبحانه ذكر الحكم و النّبوّة في مواضع من كلامه و فرّق بينهما كقوله: أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ آل عمران:79،و قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ الأنعام:89،و قوله:

وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ الجاثية:16،إلى غير ذلك.(15:262)

مكارم الشّيرازيّ: هناك اختلاف بين كلمات المفسّرين في المراد من الحكم ما هو في هذه الآية؟أ هو مقام النّبوّة،أم مقام العلم،أم سواهما؟لكن مع ملاحظة ذيل الآية نفسها،المذكور فيها مقام الرّسالة بإزاء الحكم يتّضح أنّه لم يكن غير الرّسالة و النّبوّة،و الشّاهد الآخر على هذا الموضوع الآية:79،من سورة آل عمران؛إذ تقول: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللّهِ...

إنّ كلمة الحكم تعني في اللّغة المنع من أجل الإصلاح،هذا هو الأصل فيما وضعت له،و لذا سمّوا لجام الحيوان حكمة على وزن صدقة،ثمّ أطلقت هذه الكلمة على ما يطابق الحكمة،و من هنا سمّي العقل و العلم حكما أيضا لهذا التّناسب.

و قد يقال:إنّه يستفاد من الآية:14،من سورة القصص أنّ موسى كان قد بلغ مقام الحكم و العلم قبل هذه القضيّة؛إذ تقول: وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً.

فنجيب على ذلك أنّ للعلم و الحكمة مراحل مختلفة، فكان موسى قد بلغ مرحلة منهما من قبل،و حين بلغ مقام النّبوّة أدرك المرحلة الأكمل.(11:314)

7- رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ.

الشّعراء:83

ابن عبّاس: فهما و علما.(310)

نحوه مقاتل.(3:269)

ص: 420

معرفة باللّه و حدود أحكامه.(الواحديّ 3:356)

الكلبيّ: النّبوّة.(الثّعلبيّ 7:170)

الطّبريّ: ربّ هب لي نبوّة.(19:86)

الثّعلبيّ: و هو البيان على الشّيء على ما توجبه الحكمة.(7:170)

الطّوسيّ: و الحكم:بيان الشّيء على ما تقتضيه الحكمة،فسأل ذلك إبراهيم،من حيث كان طريقا للعلم بالأمور.(8:33)

ابن عطيّة: و الحكم الّذي دعا فيه إبراهيم هو الحكمة و النّبوّة،و دعاء إبراهيم في مثل هذا هو في معنى التّثبيت و الدّوام.(4:235)

الفخر الرّازيّ: فيه مطالب:

أحدها:أنّه لا يجوز تفسير الحكم بالنّبوّة،لأنّ النّبوّة كانت حاصلة،فلو طلب النّبوّة لكانت النّبوّة المطلوبة،إمّا عين النّبوّة الحاصلة أو غيرها،و الأوّل محال،لأنّ تحصيل الحاصل محال،و الثّاني محال،لأنّه يمتنع أن يكون الشّخص الواحد نبيّا مرّتين،بل المراد من الحكم ما هو كمال القوّة النّظريّة،و ذلك بإدراك الحقّ، و من قوله: وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ كما القوّة العمليّة،و ذلك بأن يكون عاملا بالخير،فإنّ كمال الإنسان أن يعرف الحقّ لذاته،و الخير لأجل العمل به.

و إنّما قدّم قوله: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً على قوله:

وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ لما أنّ القوّة النّظريّة مقدّمة على القوّة العمليّة بالشّرف و بالذّات،و أيضا فإنّه يمكنه أن يعلم الحقّ و إن لم يعلم بالخير،و عكسه غير ممكن،و لأنّ العلم صفة الرّوح،و العمل صفة البدن،و لمّا كان الرّوح أشرف من البدن كان العلم أفضل من العمل.

و إنّما فسّرنا معرفة الأشياء بالحكم،و ذلك لأنّ الإنسان لا يعرف حقائق الأشياء إلاّ إذا استحضر في ذهنه صور الماهيّات،ثمّ نسب بعضها إلى بعض بالنّفي أو بالإثبات،و تلك النّسبة و هي الحكم.ثمّ إن كانت النّسب الذّهنيّة مطابقة للنّسب الخارجيّة،كانت النّسب الذّهنيّة ممتنع التّغيّر،فكانت مستحكمة قويّة،فمثل هذا الإدراك يسمّى حكمة و حكما،و هو المراد من قوله عليه السّلام:«أرنا الأشياء كما هي».

و أمّا الصّلاح فهو كون القوّة العاقلة متوسّطة بين رذيلتي الإفراط و التّفريط،و ذلك لأنّ الإفراط في أحد الجانبين تفريط في الجانب الآخر،و بالعكس،فالصّلاح لا يحصل إلاّ بالاعتدال،و لمّا كان الاعتدال الحقيقيّ شيئا واحدا لا يقبل القسمة البتّة،و الأفكار البشريّة في هذا العالم قاصرة عن إدراك أمثال هذه الأشياء،لا جرم لا ينفكّ البشر عن الخروج عن ذلك الحدّ و إن قلّ،إلاّ أنّ خروج المقرّبين عنه يكون في القلّة بحيث لا يحسّ به،و خروج العصاة عنه يكون متفاحشا جدّا.فقد ظهر من هذا تحقيق ما قيل:«حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين»، و ظهر احتياج إبراهيم عليه السّلام إلى أن يقول: وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ.

المطلب الثّاني:لمّا ثبت أنّ المراد من الحكم العلم، ثبت أنّه عليه السّلام طلب من اللّه أن يعطيه العلم باللّه تعالى و بصفاته،و هذا يدلّ على أنّ معرفة اللّه تعالى لا تحصل في

ص: 421

قلب العبد إلاّ بخلق اللّه تعالى،و قوله: وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ يدلّ على أنّ كون العبد صالحا ليس إلاّ بخلق اللّه تعالى،و حمل هذه الأشياء على الألطاف بعيد، لأنّ عند الخصم كلّ ما في قدرة اللّه تعالى من الألطاف فقد فعله،فلو صرفنا الدّعاء إليه لكان ذلك طلبا لتحصيل الحاصل،و هو فاسد.

المطلب الثّالث:أنّ الحكم المطلوب في الدّعاء،إمّا أن يكون هو العلم باللّه أو بغيره،و الثّاني باطل،لأنّ الإنسان حال كونه مستحضرا للعلم بشيء لا يمكنه أن يكون مستحضرا للعلم بشيء آخر،فلو كان المطلوب بهذا الدّعاء العلم بغير اللّه تعالى-و العلم بغير اللّه تعالى شاغل عن الاستغراق في العلم باللّه-كان هذا السّؤال طلبا لما يشغله عن الاستغراق في العلم باللّه تعالى، و ذلك غير جائز،لأنّه لا كمال فوق ذلك الاستغراق.

فإذن المطلوب بهذا الدّعاء هو العلم باللّه.

ثمّ إنّ ذلك العلم إمّا أن يكون هو العلم باللّه تعالى الّذي هو شرط صحّة الإيمان أو غيره،و الأوّل باطل.

لأنّه لمّا وجب أن يكون حاصلا لكلّ المؤمنين فكيف لا يكون حاصلا عند إبراهيم عليه السّلام،و إذا كان حاصلا عنده،امتنع طلب تحصيله،فثبت أنّ المطلوب بهذا الدّعاء درجات في معرفة اللّه تعالى أزيد من العلم بوجوده،و بأنّه ليس بمتحيّز،و لا حالّ في المتحيّز،و بأنّه عالم قادر حيّ،و ما ذاك إلاّ الوقوف على صفات الجلال،أو الوقوف على حقيقة الذّات،أو ظهور نور تلك المعرفة في القلب.

ثمّ هناك أحوال لا يعبّر عنها المقال،و لا يشرحها الخيال،و من أراد أن يصل إليها فليكن من الواصلين إلى العين،دون السّامعين للأثر.(24:147)

نحوه النّيسابوريّ.(19:58)

البيضاويّ: كمالا في العلم و العمل استعدّ به لخلافة الحقّ و رئاسة الخلق.(2:160)

نحوه أبو السّعود.(5:47)

النّسفيّ: حكمة أو حكما بين النّاس بالحقّ أو نبوّة لأنّ النّبيّ عليه السّلام ذو حكمة و ذو حكم بين عباد اللّه.

(3:187)

البروسويّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

فإنّ من يعلم شيئا و لا يأتي من العمل بما يناسب علمه لا يقال له:حكيم،و لا لعلمه حكم و حكمة.

(6:286)

سيّد قطب :أعطني الحكمة الّتي أعرف بها القيم الصّحيحة و القيم الزّائفة،فأبقى على الدّرب يصلني بما هو أبقى.(5:2605)

ابن عاشور :و الحكم:هو الحكمة و النّبوءة،قال تعالى عن يوسف: آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً القصص:

14،أي النّبوءة.و قد كان إبراهيم-حين دعا-نبيّا، فلذلك كان السّؤال طلبا للازدياد،لأنّ مراتب الكمال لا حدّ لها بأن يعطى الرّسالة مع النّبوءة أو يعطى شريعة مع الرّسالة،أو سأل الدّوام على ذلك.(19:155)

مغنيّة:ليس المراد بالحكم هنا السّلطان،بل الحكمة و فصل الخطاب. وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ

ص: 422

اَلْخِطابِ ص:20.(5:502)

الطّباطبائيّ: و قوله: هَبْ لِي حُكْماً يريد بالحكم ما تقدّم في قول موسى عليه السّلام: فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً الشّعراء:21،هو كما تقدّم إصابة النّظر و الرّأي في المعارف الاعتقاديّة و العمليّة الكلّيّة و تطبيق العمل عليها كما يشير إليه قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ الأنبياء:25،-و هو وحي المعارف الاعتقاديّة و العمليّة الّتي يجمعها التّوحيد و التّقوى-و قوله تعالى: وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ الأنبياء:73-و هو وحي التّسديد و الهداية إلى الصّلاح في مقام العمل-و تنكير الحكم لتفخيم أمره.(15:285)

عبد الكريم الخطيب :أوّل ما طلبه إبراهيم من عطاء ربّه في هذه الدّنيا،هو أن يهب اللّه له حكما،أي سلطانا من العلم و الحكمة،يمسك به حقائق الأشياء، و يقيمها على ميزانه،و بهذا يكون في المقرّبين الصّالحين من عباد اللّه.(10:139)

مكارم الشّيرازيّ: و الحكم و الحكمة كلاهما من جذر واحد،و الحكمة كما يقول عنها الرّاغب في «مفرداته»:هي الوصول إلى الحقّ عن طريق العلم و معرفة الموجودات و الأفعال الصّالحة،و بتعبير آخر:

هي معرفة القيم و المعايير الّتي يستطيع الإنسان بها أن يعرف الحقّ حيثما كان،و يميّز الباطل في أيّ ثوب كان، و هو ما يعبّر عنه عند الفلاسفة بكمال قوّة النّظريّة.و هي الحقيقة الّتي تلقّاها لقمان من ربّه: وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ لقمان:12،و عبّر عنها بالخير الكثير في الآية:

269،من سورة البقرة: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً. و يبدو أنّ للحكم مفهوما أسمى من الحكمة أي إنّه العلم المقترن بالاستعداد للتّنفيذ و العمل،و بتعبير آخر:إنّ الحكم هو القدرة على القضاء الصّحيح الخالي من الهوى و الخطإ!

أجل،إنّ إبراهيم عليه السّلام يطلب من اللّه قبل كلّ شيء المعرفة العميقة الصّحيحة المقرونة بالحاكميّة،لأنّ أيّ منهج لا يتحقّق دون هذا الأساس!(11:353)

فضل اللّه :أواجه به الأشياء و القضايا و الأشخاص بالرّؤية الواضحة الّتي تتوازن فيها المعطيات الّتي تحيط بالأمور،أو تتعمّق في داخلها،فيصدر عنّي الحكم عليها بطريقة متوازنة سديدة،لا تخضع للخطاء في التّقدير، و لا للخلل في فهم الموقف،في ما يتّصف به الحسّ الاجتماعيّ من وعي للمجتمع لما يصلحه،و لما يفسده، و ما يختزنه العقل من عمق الحكمة،و دقّة المعرفة،و لما تتحرّك به الخطى من تركيز و استقامة.و هذا ما يطلبه المؤمن لنفسه عند ما يريد العيش بين النّاس،كعنصر حيّ فاعل في إدراكه للأمور و تقديره لحدودها،و في إصدار الأحكام عليها بشكل حاسم دقيق،حتّى لا يبقى حائرا أمام الجهل،و مهتزّا أمام العواصف،فيكون الإنسان الّذي يعرف ما يريد لنفسه،و ما يريده للنّاس في ميزان المسئوليّة العامّة و الخاصّة.و هذا ما يعطيه اللّه للأنبياء الّذين يرسلهم إلى النّاس ليقودوا الحياة من

ص: 423

خلال رسالاتهم الّتي أوحى اللّه بها إليهم،و ليعرفوا كيف يحرّكونها في وعي النّاس و ضمائرهم و حياتهم،من خلال ما ألهمهم اللّه من الحكمة البليغة،و ما عرّفهم من نتائج التّجربة الواعية.(17:127)

حكمه

1- إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ

النّمل:78

الطّبريّ: إنّ ربّك يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بحكمه فيهم،فينتقم من المبطل منهم،و يجازي المحسن منهم المحقّ بجزائه.(20:12)

الزّمخشريّ: إن قلت:ما معنى يقضي بحكمه،و لا يقال:زيد يضرب بضربه و يمنع بمنعه؟قلت:معناه بما يحكم به و هو عدله لأنّه لا يقضى إلاّ بالعدل فسمّي المحكوم به حكما،أو أراد بحكمته،و تدلّ عليه قراءة من قرأ (بحكمه) جمع:حكمة.(3:159)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:216)،و مسائل الرّازيّ (259)،و النّسفيّ(3:221)،و النّيسابوريّ(20:

16).

الطّبرسيّ: يريد بين المختلفين في الدّين يوم القيامة،و أشار بذلك إلى شيئين:أحدهما:أنّ الحكم له فلا ينفذ حكم غيره،فيوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه، و الآخر:أنّه وعد المظلوم بالانتصاف من الظّالم.

(4:233)

البيضاويّ: بما يحكم به و هو الحقّ،أو بحكمته، و يدلّ عليه أنّه قرئ (بحكمه) .(2:183)

نحوه أبو السّعود.(5:101)

الشّربينيّ: أي الّذي هو أعدل حكم و أتقنه و أنفذه.[و أدام نحو الزّمخشريّ](3:73)

البروسويّ: بما يحكم به و هو الحقّ و العدل سمّي المحكوم به حكما على سبيل التّجوّز.(6:369)

الآلوسيّ: أي بين بني إسرائيل الّذين اختلفوا،أو بين المؤمنين و بين النّاس بحكمه،قيل:أي بحكمته جلّ شأنه،و يدلّ عليه قراءة جناح بن حبيش (بحكمه) بكسر الحاء و فتح الكاف،جمع:حكمة،مضاف إلى ضميره تعالى.و قيل المراد بالحكم المحكوم به إطلاقا للمصدر على اسم المفعول،و المراد بالمحكوم به الحقّ و العدل.و على الوجهين لم يبق على المعنى المصدريّ.

و الدّاعي لذلك أنّ(يقضى)بمعنى يحكم،فلو بقي الحكم على المعنى المصدريّ لصار الكلام نحو قولك:زيد يضرب بضربه،و هو لا يقال مثله في كلام عربيّ.و أورد عليه أنّه يصحّ أن يقال:ذلك على معنى يضرب بضربه المعروف بالشّدّة مثلا فالمعنى هنا يحكم بحكمه المعروف بملابسة الحقّ أو يحكم بحكم نفسه تعالى لا بحكم غيره عزّ شأنه كالبشر.

و قيل عليه:ليس المانع لصحّة مثل هذا القول إضافة المصدر إلى ضمير الفاعل،فإنّه لا كلام في صحّته كإضافته إلى ضمير المفعول في سَعى لَها سَعْيَها الإسراء:19،إنّما المانع دخول الباء على المصدر المؤكّد.

ص: 424

ثمّ إنّ المعنى الأوّل يوهم أنّ له سبحانه حكما غير معروف بملابسة الحقّ.و الثّاني إنّما يظهر لو قدّم بحكمه.

و فيه أنّه على ما ذكر ليس بمصدر مؤكّد،و عدم الجواز في المصدر النّوعيّ-لا سيّما إذا كان من غير لفظه- ليس بمسلّم،و أيضا الظّاهر أنّ المانع بزعم المؤوّل لزوم اللّغويّة،لو لم يؤوّل بما ذكر.

و الأولى إبقاؤه على المصدريّة،و جعل (1)الإضافة للعهد،و كون المعنى-كما قال المورد يحكم بحكمه المعروف بملابسة الحقّ،و أمر التّوهّم على طرف الثّمام.

و أيّا ما كان فالضّمير المجرور عائد على الرّبّ سبحانه، و عوده على القرآن-على أنّ المعنيّ يحكم بالحكم الّذي تضمّنه القرآن،و اشتمل عليه من إثابة الحقّ و تعذيب المبطل،و حينئذ لا يحتاج إلى كثرة القيل و القال -لا يخفى ما فيه من القيل و القال على من له أدنى تمييز بأساليب المقال.(20:18)

ابن عاشور :[بيّن وجه إسناد الحكم إلى اللّه و إلى الرّسول ثمّ قال:]و إذا قد أسند القضاء إلى اللّه و علّق به حكم مضاف إلى ضميره،فقد تعيّن أن يكون المراد من المتعلّق غير المتعلّق به.

و ذلك يلجئ إمّا إلى تأويل معنى إضافة الحكم بما يخالف معنى إسناد القضاء،إذا اعتبر اللّفظان مترادّين لفظا و معنى،فيكون ما تدلّ عليه الإضافة-من اختصاص المضاف بالمضاف إليه-مقصودا به ما اشتهر به المضاف باعتبار المضاف إليه،و ذلك أنّ الكلّ يعلمون أنّ حكم اللّه هو العدل،و لأنّ المضاف إليه هو الحكم العدل.فالمعنى على هذا:أنّ ربّك يقضي بينهم بحكمه المعروف المشتهر اللاّئق بعموم علمه و اطّراد عدله.

و إمّا أن يؤول الحكم بمعنى الحكمة و هو إطلاق شائع،قال تعالى: وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً الأنبياء:79،و قال: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:

12،و لم يكن يحيى حاكما،و إنّما كان حكيما نبيئا، فيكون المعنى على هذا:أنّ ربّك يقضي بينهم بحكمته أي بما تقتضيه الحكمة،أي من نصر المحقّ على المبطل،و مآل التّأويلين إلى معنى واحد.(19:304)

2- وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ ذلِكُمُ اللّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ. الشّورى:10

ابن عبّاس: فاطلبوا حكمه من كتاب اللّه.(406)

مقاتل:ذلك أنّ أهل مكّة كفر بعضهم بالقرآن، و آمن بعضهم،فقال اللّه تعالى:إنّ الّذي اختلفتم فيه فإنّي أردّ قضاءه إليّ،و أنا أحكم فيه.(3:765)

الطّبريّ: و ما اختلفتم أيّها النّاس فيه من شيء فتنازعتم بينكم،فحكمه إلى اللّه،يقول:فإنّ اللّه هو الّذي يقضي فيه بينكم،و يفصل فيه الحكم.(25:10)

الطّوسيّ: معناه إنّ الّذي تختلفون فيه من أمر دينكم و دنياكم،و تتنازعون فيه، فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ يعني أنّه الّذي يفصل بين المحقّ فيه و بين المبطل،لأنّه العالم بحقيقة ذلك،فيحكم على المحقّ باستحقاق الثّوابّ.

ص: 425


1- هذا هو الصّحيح في الأصل جلّ.

و على المبطل باستحقاق العقاب.

و قيل:معناه فحكمه إلى اللّه،لأنّه يجب أن يرجع إلى أمره في الدّنيا،و فصل القضاء في الآخرة.

(9:146)

نحوه الطّبرسيّ.(5:23)

الزّمخشريّ: أي ما خالفكم فيه الكفّار من أهل الكتاب و المشركين،فاختلفتم أنتم و هم فيه من أمر من أمور الدّين،فحكم ذلك المختلف فيه مفوّض إلى اللّه تعالى،و هو إثابة المحقّين فيه من المؤمنين و معاقبة المبطلين.(3:461)

نحوه النّسفيّ.(4:101)

ابن عطيّة: المعنى:قل لهم يا محمّد: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ أيّها النّاس من تكذيب و تصديق و إيمان و كفر و غير ذلك،فالحكم فيه و المجازاة عليه ليست إليّ و لا بيدي،و إنّما ذلك إِلَى اللّهِ الّذي صفاته ما ذكر من إحياء الموتى و القدرة على كلّ شيء.(5:28)

ابن الجوزيّ: فيه قولان:أحدهما:علمه عند اللّه، و الثّاني:هو يحكم فيه.(7:275)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:وجه النّظم أنّه تعالى كما منع الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم أن يحمل الكفّار على الإيمان قهرا،فكذلك منع المؤمنين أن يشرعوا معهم في الخصومات و المنازعات،فقال: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ، و هو إثابة المحقّين فيه و معاقبة المبطلين.

و قيل:و ما اختلفتم فيه من شيء و تنازعتم فتحاكموا فيه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و لا تؤثروا حكومة غيره على حكومته.

و قيل:و ما وقع بينكم فيه خلاف من الأمور الّتي لا تصل بتكليفكم،و لا طريق لكم إلى علمه،كحقيقة الرّوح فقولوا:اللّه أعلم به.قال تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي الإسراء:85.

المسألة الثّانية:تقدير الآية كأنّه تعالى قال:قل يا محمّد: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ و الدّليل عليه قوله تعالى: ذلِكُمُ اللّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ.

المسألة الثّالثة:احتجّ نفاة القياس بهذه الآية،فقالوا قوله تعالى: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ إمّا أن يكون المراد فحكمه مستفاد من نصّ اللّه عليه،أو المراد فحكمه مستفاد من القياس على ما نصّ اللّه عليه.و الثّاني باطل،لأنّه يقتضي كون كلّ الأحكام مثبتة بالقياس و أنّه باطل فيعتبر الأوّل،فوجب كون كلّ الأحكام مثبتة بالنّصّ،و ذلك ينفي العمل بالقياس.

و لقائل أن يقول:لم لا يجوز أن يكون المراد فحكمه يعرف من بيان اللّه تعالى،سواء كان ذلك البيان بالنّصّ أو بالقياس؟أجيب عنه بأنّ المقصود من التّحاكم إلى اللّه قطع الاختلاف،و الرّجوع إلى القياس يقوّي حكم الاختلاف و لا يوضحه،فوجب أن يكون الواجب هو الرّجوع إلى نصوص اللّه تعالى.(27:149)

نحوه النّيسابوريّ.(25:21)

البيضاويّ: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ أنتم و الكفّار فيه

ص: 426

مِنْ شَيْءٍ من أمر من أمور الدّنيا أو الدّين، فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ مفوّض إليه يميّز المحقّ من المبطل بالنّصر،أو بالإثابة و المعاقبة.و قيل:ما اختلفتم فيه من تأويل متشابه،فارجعوا فيه إلى المحكم من كتاب اللّه.

(2:354)

نحوه الشّربينيّ.(3:530)

البروسويّ: حكاية لقول رسول اللّه عليه السّلام للمؤمنين لقوله بعده: ذلِكُمُ اللّهُ رَبِّي...، أي ما خالفكم الكفّار فيه من أمور الدّين،فاختلفتم أنتم و هم، فَحُكْمُهُ راجع إِلَى اللّهِ، و هو إثابة المحقّين و عقاب المبطلين يوم الفصل و الجزاء.فعلى هذا لا يجوز أن يحمل على الاختلاف بين المجتهدين،لأنّ الاجتهاد بحضرته عليه السّلام لا يجوز.

و في«التّأويلات النّجميّة»يشير إلى اختلاف العلماء في شيء من الشّرعيّات و المعارف الإلهيّة،فالحكم في ذلك إلى كتاب اللّه و سنّة نبيّه عليه السّلام،و إجماع الأمّة، و شواهد القياس،أو إلى أهل الذّكر كما قال تعالى:

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ النّحل:43.

و لا يرجعون إلى العقول المشوبة بآفة الوهم و الخيال، فإنّ فيها للنّفس و الشّيطان مدخلا بإلقاء الشّبهات، و أدنى الشّبهة في التّوحيد كفر.و قد زلّت أقدام جميع أهل الأهواء و البدع و الفلاسفة عن الصّراط المستقيم و الدّين القويم بهذه المزلّة.(8:292)

الآلوسيّ: حكاية لقول رسول اللّه عليه السّلام للمؤمنين، أي ما خالفكم الكفّار فيه من أمور الدّين،كاتّخاذ اللّه تعالى وحده وليّا فاختلفتم أنتم و هم،فحكمه راجع إلى اللّه،و هو إثابة المحقّين و عقاب المبطلين.

و يجوز أن يكون كلاما من جهته تعالى متضمّنا التّسلية،و يكون قوله تعالى: ذلِكُمُ إلخ بتقدير قل.

و الإمام اعتبره من أوّل الكلام.و أيّا ما كان فالإشارة إليه تعالى من حيث اتّصافه بما تقدّم من الصّفات-على ما قاله الطّيّبيّ-من كونه تعالى هو يحيى الموتى،و كونه سبحانه على كلّ شيء قدير،و كونه عزّ و جلّ ما اختلفوا فيه فحكمه إليه.(25:16)

ابن عاشور :ضمير فَحُكْمُهُ عائد إلى مَا اخْتَلَفْتُمْ على معنى الحكم بينكم في شأنه إلى اللّه، و المعنى:أنّه يتّضح لهم يوم القيامة المحقّ من المبطل فيما اختلفوا فيه حين يرون الثّواب للمؤمنين و العقاب للمشركين.فيعلم المشركون أنّهم مبطلون فيما كانوا يزعمون.و إِلَى اللّهِ خبر عن(حكمه)،و إِلَى للانتهاء،و هو انتهاء مجازيّ تمثيليّ،مثّل تأخير الحكم إلى حلول الوقت المعيّن له عند اللّه تعالى بسير السّائر إلى أحد ينزل عنده؛و لا علاقة لهذه الآية باختلاف علماء الأمّة في أصول الدّين و فروعه،لأنّ ذلك الاختلاف حكمه منوط بالنّظر في الأدلّة و الأقيسة صحّة و فسادا، فإصدار الحكم بين المصيب و المخطئ فيها يسير،إن شاء النّاس التّداول و الإنصاف.

و بذلك توصّل أهل الحقّ إلى التّمييز بين المصيب و المخطئ،و مراتب الخطاء في ذلك.على أنّه لا يناسب سياق الآيات سابقها و تاليها و لا أغراض السّور المكّيّة.

ص: 427

و قد احتجّ بهذه الآية نفاة القياس،و هو احتجاج لا يرتضيه نطّاس.[أي حاذق](25:112)

الطّباطبائيّ: قوله: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ حجّة رابعة على كونه تعالى وليّا،لا وليّ غيره.و حكم الحاكم بين المختلفين هو إحكامه و تثبيته الحقّ المضطرب بينهما،بسبب تخالفهما بالإثبات و النّفي.و الاختلاف ربّما كان في عقيدة،كالاختلاف في أنّ الإله واحد أو كثير،و ربّما كان في عمل،أو ما يرجع إليه،كالاختلاف في أمور المعيشة و شئون الحياة،فهو أعني الحكم يساوق القضاء مصداقا و إن اختلفا مفهوما.

ثمّ الحكم و القضاء إنّما يتمّ إذا ملكه الحاكم بنوع من الملك و الولاية،و إن كان بتمليك المختلفين له ذلك، كالمتنازعين إذا رجعا إلى ثالث،فاتّخذاه حكما ليحكم بينهما،و يتسلّما ما يحكم به،فقد ملّكاه الحكم بما يرى، و أعطياه من نفسهما القبول و التّسليم،فهو وليّهما في ذلك.

و اللّه سبحانه هو المالك لكلّ شيء،لا مالك سواه، لكون كلّ شيء بوجوده و آثار وجوده قائما به تعالى، فله الحكم و القضاء بالحقّ،قال تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ القصص:88، و قال: إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ المائدة:1،و قال:

اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ آل عمران:60.

و حكمه تعالى إمّا تكوينيّ،و هو تحقيقه و تثبيته المسبّبات قبال الأسباب المجتمعة عليها المتنازعة فيها، بتقديم ما نسمّيه سببا تامّا على غيره،قال تعالى حاكيا عن يعقوب عليه السّلام: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يوسف:67.

و إمّا تشريعيّ كالتّكاليف الموضوعة في الدّين الإلهيّ الرّاجعة إلى الاعتقاد و العمل،قال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ يوسف:40.

و هناك قسم ثالث من الحكم يمكن أن يعدّ من كلّ من القسمين السّابقين بوجه،و هو حكمه تعالى يوم القيامة بين عباده فيما اختلفوا فيه،و هو إعلانه و إظهاره الحقّ يوم القيامة لأهل الجمع،يشاهدونه مشاهدة عيان و إيقان،فيسعد به و بآثاره من كان مع الحقّ و يشقى بالاستكبار عليه،و تبعات ذلك من استكبر عليه،قال تعالى: فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ البقرة:113.

ثمّ إنّ اختلاف النّاس في عقائدهم و أعمالهم اختلاف تشريعيّ،لا يرفعه إلاّ الأحكام و القوانين التّشريعيّة، و لو لا الاختلاف لم يوجد قانون،كما يشير إليه قوله تعالى: كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ البقرة:213.

و قد تبيّن أنّ الحكم التّشريعيّ للّه سبحانه فهو الوليّ

ص: 428

في ذلك،فيجب أن يتّخذ وحده وليّا،فيعبد و يدان بما أنزله من الدّين.و هذا معنى قوله: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ.

و محصّل الحجّة أنّ الوليّ الّذي يعبد و يدان له يجب أن يكون رافعا لاختلافات من يتولّونه،مصلحا لما فسد من شئون مجتمعهم،سائقا لهم إلى سعادة الحياة الدّائمة بما يضعه عليهم من الحكم،و هو الدّين،و الحكم في ذلك إلى اللّه سبحانه.فهو الوليّ الّذي يجب أن يتّخذ وليّا لا غير.

و للقوم في تفسير الآية أعني قوله: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ تفاسير أخر.[ثمّ نقل الأقوال السّابقة و قال:]و أنت بالتّدبّر في سياق الآيات، ثمّ الرّجوع إلى ما تقدّم،لا ترتاب في سقوط هذه الأقوال.(18:22)

احكمت

الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. هود:1

ابن عبّاس: لم ينسخ بكتاب كما نسخت الكتب و الشّرائع به.(البغويّ 2:438)

نحوه الكلبيّ(الواحديّ 2:563)،و ابن الجوزيّ(4 :73).

مجاهد : أُحْكِمَتْ آياتُهُ بأن جعلت آيات هذه السّورة كلّها محكمة،ثمّ فصّلت بأن فسّرت.

(الماورديّ 2:456)

الحسن:أحكمت بالأمر و النّهي،و فصّلت بالثّواب و العقاب.

نحوه أبو العالية.(ابن الجوزيّ 4:73)

قتادة :أحكمت آياته من الباطل،ثمّ فصّلت بالحلال و الحرام و الطّاعة و المعصية.

(الماورديّ 2:455)

نحوه مقاتل.(ابن الجوزيّ 4:73)

(احكمت)أحكمها اللّه فليس فيها اختلاف و لا تناقض.(البغويّ 2:438)

ابن زيد :أحكمت بمعنى جمعت.

(ابن الجوزيّ 4:73)

الطّبريّ: [نقل القولين ثمّ قال:]و أولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال:معناه:أحكم اللّه آياته من الدّخل و الخلل و الباطل،ثمّ فصّلها بالأمر و النّهي.و ذلك أنّ إحكام الشّيء:إصلاحه و إتقانه،و إحكام آيات القرآن إحكامها من خلل يكون فيها،أو باطل يقدر ذو زيغ أن يطعن فيها من قبله.(11:180)

الزّجّاج: و المعني-و اللّه أعلم-أنّ آياته أحكمت و فصّلت بجميع ما يحتاج إليه من الدّلالة على التّوحيد، و إثبات نبوّة الأنبياء عليهم السّلام و إقامة الشّرائع،و الدّليل على ذلك قوله: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ الأنعام:

38،و قوله: وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ و يدلّ على هذا قوله: أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ هود:2.(3:37)

أبو مسلم الأصفهانيّ: أحكمت في نظمها بأن

ص: 429

جعلت على أبلغ وجوه الفصاحة حتّى صار معجزا،ثمّ فصّلت بالشّرع و البيان المفروض،فكأنّه قيل:محكم النّظم مفصّل الآيات.(الطّبرسيّ 3:141)

الماورديّ: [نقل أقوال الثّلاثة المتقدّمة و قال:]

الرّابع:أحكمت آياته للمعتبرين،و فصّلت آياته للمتّقين.

الخامس:أحكمت آياته في القلوب،و فصّلت أحكامه على الأبدان.(2:456)

القشيريّ: أي حفظت عن التّبديل و التّغيير،ثمّ فصّلت ببيان نعوت الحقّ فيما يتّصف به من جلال الصّمديّة،و تعبّد به الخلق من أحكام العبوديّة،ثمّ ما لاح لقلوب الموحّدين و المحبّين من لطائف القربة في عاجلهم البشرى بما وعدهم به من عزيز لقائه في آجلهم، و خصائصهم الّتي امتازوا بها عمّن سواهم.

(3:120)

الميبديّ: أي:أحكمها اللّه عن التّناقض و الكذب و الباطل،و أتقنها بالنّظم العجيب و اللّفظ الرّصين، و المعنى البديع،فما يقدر ذو زيغ أن يطعن فيها.

(4:351)

الزّمخشريّ: أُحْكِمَتْ آياتُهُ نظمت نظما رصينا محكما لا يقع فيه نقض و لا خلل كالبناء المحكم المرصّف،و يجوز أن يكون نقلا بالهمزة من(حكم)بضمّ الكاف،إذا صار حكيما،أي جعلت حكيمة،كقوله تعالى: آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ يوسف:1.و قيل:

منعت من الفساد من قولهم:أحكمت الدّابّة،إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح.[ثمّ استشهد بشعر]

و عن قتادة أحكمت من الباطل، ثُمَّ فُصِّلَتْ كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التّوحيد و الأحكام و المواعظ و القصص،أو جعلت فصولا سورة سورة و آية آية،أو فرّقت في التّنزيل و لم تنزل جملة واحدة، أو فصّل فيها ما يحتاج إليه العباد:أي بيّن و لخّص.

و قرئ: (احكمت)آياته ثمّ فصّلت) أي أحكمتها أنا ثمّ فصّلتها.و عن عكرمة و الضّحّاك:ثمّ فصّلت،أي فرّقت بين الحقّ و الباطل.

فإن قلت:ما معنى(ثمّ)؟قلت:ليس معناها التّراخي في الوقت و لكن في الحال،كما تقول:هي محكمة أحسن الإحكام،ثمّ مفصّلة أحسن التّفصيل،و فلان كريم الأصل ثمّ كريم الفعل.و(كتاب)خبر مبتدإ محذوف،و(احكمت)صفة له.(2:257)

نحوه البيضاويّ(1:460)،و النّسفيّ(2:179)، و النّيسابوريّ(12:6).

ابن عطيّة: أُحْكِمَتْ معناه أتقنت و أجيدت شبه تحكم الأمور المتقنة الكاملة،و بهذه الصّفة كان القرآن في الأزل،ثمّ فصّل بتقطيعه و تنويع أحكامه و أوامره على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم في أزمنة مختلفة،ف(ثمّ)على بابها،و هذه طريقة الإحكام و التّفصيل؛إذ الإحكام صفة ذاتيّة،و التّفصيل إنّما هو بحسب من يفصّل له، و الكتاب بأجمعه محكم مفصّل،و الإحكام:الّذي هو ضدّ النّسخ،و التّفصيل الّذي هو خلاف الإجمال،إنّما يقالان مع ما ذكرناه باشتراك.

ص: 430

و حكى الطّبريّ عن بعض المتأوّلين:أحكمت بالأمر و النّهي،و فصّلت بالثّواب و العقاب.و عن بعضهم :أحكمت من الباطل،و فصّلت بالحلال و الحرام،و نحو هذا من التّخصيص الّذي هو صحيح المعنى،و لكن لا يقتضيه اللّفظ.(3:148)

الطّبرسيّ: ذكر فيه وجوه:[أحدها:قول ابن عبّاس،و ثانيها:قول الحسن و أبي العالية،و ثالثها:قول مجاهد،و رابعها:قول أبي مسلم و قد تقدّمت كلّها.]

و خامسها:أتقنت آياته فليس فيها خلل و لا باطل، لأنّ الفعل المحكم ما قد أتقنه فاعله حتّى لا يكون فيه خلل.(3:141)

ابن الجوزيّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

فإن قيل:كيف عمّ الآيات هاهنا بالإحكام، و خصّ بعضها في قوله: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ آل عمران:7.

فعنه جوابان:

أحدهما:أنّ الإحكام الّذي عمّ به هاهنا غير الّذي خصّ به هناك،و في معنى الإحكام العامّ خمسة أقوال:قد أسلفنا منها أربعة في قوله: أُحْكِمَتْ آياتُهُ، و الخامس:

أنّه إعجاز النّظم و البلاغة و تضمين الحكم المعجزة.

و معنى الإحكام الخاصّ:زوال اللّبس،و استواء السّامعين في معرفة معنى الآية.

و الجواب الثّاني:أنّ الإحكام في الموضعين بمعنى واحد،و المراد بقوله: أُحْكِمَتْ آياتُهُ أحكم بعضها بالبيان الواضح،و منع الالتباس،فأوقع العموم على معنى الخصوص،كما تقول العرب:قد أكلت طعام زيد، يعنون بعض طعامه.و يقولون:قتلنا و ربّ الكعبة، يعنون قتل بعضنا،ذكر ذلك ابن الأنباريّ.(4:73)

نحوه الخازن.(3:177)

الفخر الرّازيّ: في قوله: أُحْكِمَتْ آياتُهُ وجوه:

الأوّل: أُحْكِمَتْ آياتُهُ نظمت نظما رصيفا محكما لا يقع فيه نقص و لا خلل،كالبناء المحكم المرصّف.

الثّاني:أنّ الإحكام عبارة عن منع الفساد من الشّيء،فقوله: أُحْكِمَتْ آياتُهُ أي لم تنسخ بكتاب، كما نسخت الكتب و الشّرائع بها.

و اعلم:أنّ على هذا الوجه لا يكون كلّ الكتاب محكما،لأنّه حصل فيه آيات منسوخة،إلاّ أنّه لمّا كان الغالب كذلك صحّ إطلاق هذا الوصف عليه،إجراء للحكم الثّابت في الغالب مجرى الحكم الثّابت في الكلّ.

الثّالث:قال صاحب«الكشّاف»(احكمت)يجوز أن يكون نقلا بالهمزة من حكم بضمّ الكاف إذا صار حكيما،أي جعلت حكيمة،كقوله: آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ.

الرّابع:جعلت آياته محكمة في أمور:

أحدها:أنّ معاني هذا الكتاب هي التّوحيد، و العدل،و النّبوّة و المعاد،و هذه المعاني لا تقبل النّسخ، فهي في غاية الإحكام.

و ثانيها:أنّ الآيات الواردة فيه غير متناقضة، و التّناقض ضدّ الإحكام،فإذا خلت آياته عن التّناقض

ص: 431

فقد حصل الإحكام.

و ثالثها:أنّ ألفاظ هذه الآيات بلغت في الفصاحة و الجزالة إلى حيث لا تقبل المعارضة،و هذا أيضا مشعر بالقوّة و الإحكام.

و رابعها:أنّ العلوم الدّينيّة إمّا نظريّة و إمّا عمليّة.أمّا النّظريّة فهي معرفة الإله تعالى و معرفة الملائكة و الكتب و الرّسل و اليوم الآخر،و هذا الكتاب مشتمل على شرائف هذه العلوم و لطائفها.

و أمّا العمليّة فهي إمّا أن تكون عبارة عن تهذيب الأعمال الظّاهرة و هو الفقه،أو عن تهذيب الأحوال الباطنة و هي علم التّصفية و رياضة النّفس.و لا نجد كتابا في العالم يساوي هذا الكتاب في هذه المطالب، فثبت أنّ هذا الكتاب مشتمل على أشرف المطالب الرّوحانيّة و أعلى المباحث الإلهيّة،فكان كتابا محكما غير قابل للنّقض و الهدم.(17:178)

نحوه الشّربينيّ.(2:43)

القرطبيّ: أُحْكِمَتْ آياتُهُ في موضع رفع نعت ل(كتاب).و أحسن ما قيل في معنى: أُحْكِمَتْ آياتُهُ قول قتادة:أي جعلت محكمة كلّها لا خلل فيها و لا باطل.

و الإحكام:منع القول من الفساد،أي نظمت نظما محكما،لا يلحقها تناقض و لا خلل.و قال ابن عبّاس:

أي لم ينسخها كتاب،بخلاف التّوراة و الإنجيل،و على هذا فالمعنى أحكم بعض آياته بأن جعل ناسخا غير منسوخ،و قد تقدّم القول فيه.و قد يقع اسم الجنس على النّوع،فيقال:أكلت طعام زيد،أي بعض طعامه.

و قال الحسن و أبو العالية: أُحْكِمَتْ آياتُهُ بالأمر و النّهي،ثمّ فصّلت بالوعد و الوعيد و الثّواب و العقاب.

و قال قتادة:أحكمها اللّه من الباطل،ثمّ فصّلها بالحلال و الحرام.مجاهد:أحكمت جملة،ثمّ بيّنت بذكر آية آية بجميع ما يحتاج إليه من الدّليل على التّوحيد و النّبوّة و البعث و غيرها.و قيل:جمعت في اللّوح المحفوظ ثمّ فصّلت في التّنزيل.و قيل:فصّلت أنزلت نجما نجما لتتدبّر.و قرأ عكرمة (فصلت) مخفّفا،أي حكمت بالحقّ.(9:2)

أبو السّعود : أُحْكِمَتْ آياتُهُ نظمت نظما متقنا لا يعتريه خلل بوجه من الوجوه،أو جعلت حكيمة لانطوائها على جلائل الحكم البالغة و دقائقها،أو منعت من النّسخ بمعنى التّغيير مطلقا،أو أيّدت بالحجج القاطعة الدّالّة على كونها من عند اللّه عزّ و جلّ،أو على ثبوت مدلولاتها.فالمراد بالآيات جميعها أو على حقّيّة ما تشتمل عليه من الأحكام الشّرعيّة.فالمراد بها بعضها المشتمل عليها،كما إذا فسّر الإحكام بالمنع من النّسخ، بمعنى تبديل الحكم الشّرعيّ خاصّة.

و أمّا تفسيره بالمنع من الفساد أخذا من قولهم:

أحكمت الدّابّة،إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح،ففيه إيهام ما لا يكاد يليق بشأن الآيات الكريمة من التّداعي إلى الفساد لو لا المانع.و في إسناد الإحكام- على الوجوه المذكورة إلى آيات الكتاب دون نفسه لا سيّما على الوجوه الشّاملة لكلّ آية منه-من حسن الموقع،و الدّلالة على كونه في أقصى غاية منه،

ص: 432

ما لا يخفى.(3:280)

نحوه البروسويّ.(4:90)

الآلوسيّ: أُحْكِمَتْ آياتُهُ أي نظمت نظما محكما،لا يطرأ عليه اختلال،فلا يكون فيه تناقض أو مخالفة للواقع و الحكمة،أو شيء ممّا يخلّ بفصاحته و بلاغته،فالإحكام مستعار من إحكام البناء بمعنى إتقانه ،أو منعت من النّسخ لبعضها أو لكلّها بكتاب آخر،كما وقع للكتب السّالفة.فالإحكام من أحكمه،إذا منعه.

و يقال:أحكمت السّفيه،إذا منعته من السّفاهة.

و قيل:المراد منعت من الفساد أخذا من أحكمت الدّابّة،إذا جعلت في فمها الحكمة،و هي حديدة تجعل في فم الدّابّة،تمنعها من الجماح،فكأنّ ما فيها من بيان المبدإ و المعاد بمنزلة دابّة منعها الدّلائل من الجماح.ففي الكلام استعارة تمثيليّة أو مكنيّة.

و تعقّب بأنّ تشبيهها بالدّابّة مستهجن لا داعي إليه، و لعلّ الذّوق يفرّق بين ذلك و بين تشبيهها بالجمل الأنوف الوارد في بعض الآثار،لانقيادها مع المتأوّلين لكثرة وجوه احتمالاتها الموافقة لأغراضهم.

و اعترض بعضهم على إرادة المنع من الفساد،بأنّ فيه إيهام ما لا يكاد يليق بشأن الآيات الكريمة من التّداعي إلى الفساد لو لا المانع،فالأوّل إذ يراد معنى المنع أن يراد المنع من النّسخ،و يراد من الكتاب القرآن و عدم نسخه كلاّ أو بعضا،على حسب ما أشرنا إليه،و كون ذلك خلاف الظّاهر في حيّز المنع.

و ادّعى بعضهم أنّ المراد بالآيات آيات هذه السّورة و كلّها محكمة غير منسوخة بشيء أصلا.و روي ذلك عن ابن زيد.و خولف فيه،و ادّعي أنّ فيها من المنسوخ أربع آيات:قوله سبحانه: إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ وَ قُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنّا عامِلُونَ هود:121،و الّتي تليها،و نسخت جميعا بآية السّيف: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها الآية،هود:15،و نسخت بقوله سبحانه: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ الإسراء :18،و لا يخلو عن نظر.و يجوز أن يكون المعنى منعت من الشّبه بالحجج الباهرة،و أيّدت بالأدلّة الظّاهرة،أو جعلت حكيمة،أي ذات حكمة لاشتمالها على أصول العقائد و الأعمال الصّالحة و النصائح و الحكم،و الفعل على هذا منقول من حكم بالضّمّ إذا صار حكيما.

و في إسناد الإحكام-على الوجوه المذكورة إلى الآيات دون الكتاب نفسه،لا سيّما إذا أريد ما يشمل كلّ آية آية-من حسن الموقع،و الدّلالة على كونه في أقصى غاياته،ما لا يخفى.[ثمّ بحث في(فصّلت)و ذكر كلام الزّمخشريّ أنّ في(احكمت)ثلاثة أوجه،ثمّ قال:]

و الظّاهر أنّه أراد أنّها في جميع الاحتمالات كذلك، و فيه أيضا أنّه إذا أريد بالإحكام أحد الأوّلين و بالتّفصيل أحد الطّرفين فالتّراخي رتبيّ،لأنّ الإحكام بالمعنى الأوّل راجع إلى اللّفظ و التّفصيل إلى المعنى، و بالمعنى الثّاني و إن كان معنويّا لكنّ التّفصيل إكمال لما فيه من الإجمال.و إن أريد أحد الأوسطين فالتّراخيّ على الحقيقة،لأنّ الإحكام بالنّظر إلى كلّ آية في نفسها

ص: 433

و جعلها فصولا بالنّظر إلى بعضها مع بعض.أو لأنّ كلّ آية مشتملة على جمل من الألفاظ المرصّفة،و هذا تراخ وجوديّ،و لمّا كان الكلام من السّائلات كان زمانيّا أيضا،و لكنّ الزّمخشريّ آثر التّراخي في الحال مطلقا حملا على التّراخي في الإخبار في هذين الوجهين، ليطابق اللّفظ الوضع،و ليظهر وجه العدول من الفاء إلى «ثمّ»،و إن أريد الثّالث و بالتّفصيل أحد الطّرفين فرتبيّ و إلاّ فإخباريّ.و الأحسن أن يراد بالإحكام الأوّل و بالتفصيل أحد الطّرفين،و عليه ينطبق المطابقة بين (حكيم)و(خبير)و(احكمت)و(فصّلت).ثمّ قال:

و منه ظهر أنّ التّراخي في الحال يشمل التّراخي الرّتبيّ و الإخباريّ انتهى.فليتأمّل.

و قرئ (احكمت) بالبناء للفاعل المتكلّم،و (فصلت) بفتحتين مع التّخفيف.و روي هذا عن ابن كثير،و المعنى ثمّ فرقت بين الحقّ و الباطل.

و قيل:(فصلت)هنا مثلها في قوله تعالى: وَ لَمّا فَصَلَتِ الْعِيرُ يوسف:94،أي انفصلت و صدرت.

«لاحظ ف ص ل:«فصّلت».(11:203)

ابن عاشور :و الإحكام:إتقان الصّنع،مشتقّ من الحكمة بكسر الحاء و سكون الكاف.و هي إتقان الأشياء بحيث تكون سالمة من الإخلال الّتي تعرض لنوعها،أي جعلت آياته كاملة في نوع الكلام بحيث سلمت من مخالفة الواقع،و من إخلال المعنى و اللّفظ.(11:199)

مغنيّة:و المعنى أنّ هذا القرآن واضح المعاني محكم النّظم،لا نقص فيه و لا خلل،لأنّه ممّن يقدّر الأمور و يدبّرها على أساس العلم و الحكمة.

قال بعض العارفين:إنّ للّه كتابين:واحد تكوينيّ، و هو هذا الكون،و الآخر تدوينيّ،و هو القرآن،و كلّ منهما محكم من جميع جهاته على أتمّ الوجوه و أكملها.

(4:204)

الطّباطبائيّ: المقابلة بين الإحكام و التّفصيل- الّذي هو إيجاد الفصل بين أجزاء الشّيء المتّصل بعضها ببعض-و التّفرقة بين الأمور المندمجة كلّ منها في آخر تدلّ على أنّ المراد بالإحكام ربط بعض الشّيء ببعضه الآخر،و إرجاع طرف منه إلى طرف آخر،بحيث يعود الجميع شيئا واحدا بسيطا غير ذي أجزاء و أبعاض.

و من المعلوم أنّ الكتاب إذا اتّصف بالإحكام و التّفصيل بهذا المعنى الّذي مرّ فإنّما يتّصف بهما من جهة ما يشتمل عليه من المعنى و المضمون،لا من جهة ألفاظه أو غير ذلك،و أنّ حال المعاني في الإحكام و التّفصيل و الاتّحاد و الاختلاف غير حال الأعيان،فالمعاني المتكثّرة إذا رجعت إلى معنى واحد كان هذا الواحد هو الأصل المحفوظ في الجميع،و هو بعينه على إجماله هذه التّفاصيل،و هي بعينها على تفاصيلها ذاك الإجمال.

و هذا كلّه ظاهر لا ريب فيه.

و على هذا فكون آيات الكتاب محكمة أوّلا ثم مفصّلة ثانيا،معناه أنّ الآيات الكريمة القرآنيّة على اختلاف مضامينها و تشتّت مقاصدها و أغراضها ترجع إلى معنى واحد بسيط،و غرض فارد أصليّ لا تكثّر فيه و لا تشتّت،بحيث لا تروم آية من الآيات الكريمة

ص: 434

مقصدا من المقاصد،و لا ترمي إلى هدف إلاّ و الغرض الأصليّ هو الرّوح السّاريّ في جثمانه،و الحقيقة المطلوبة منه.(10:136)

مكارم الشّيرازيّ: يبيّن بعد هذه الحروف المقطّعة واحدة من خصائص القرآن الكريم في جملتين:

أوّلا:إنّ جميع آياته متقنة و محكمة كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ.

و ثانيا:إنّ تفصيل حاجات الإنسان و شرحها في مجال الحياة الفرديّة و الاجتماعيّة:ماديّة كانت أو معنويّة مبيّن فيها أيضا ثُمَّ فُصِّلَتْ. [إلى أن قال:]

فمقتضى حكمته أحكمت آيات القرآن،و بمقتضى أنّه خبير مطّلع بيّنت آيات القرآن في مجالات مختلفة طبقا لحاجات الإنسان!

و لم؟لأنّ من لم يطّلع على تمام الجزئيّات من الحاجات الرّوحيّة و الجسميّة للإنسان،لا يستطيع أن يصدر أوامر جديرة بالتّكامل.

في الواقع إنّ كلّ واحدة من صفات القرآن الّتي جاءت في هذه الآية تسترفد من واحدة من صفات اللّه، فاستحكام القرآن من حكمته،و شرحه و تفصيله من خبرته.

و في بيان ما هو الفرق بين أُحْكِمَتْ و فُصِّلَتْ بحث المفسّرون أبحاثا كثيرة،و أبدوا احتمالات عديدة و لكن أقرب هذه الاحتمالات بحسب مفهوم الآية هو هذه الواقعيّة المبيّنة في الجملة الأولى،و هي أنّ القرآن مجموعة واحدة مترابطة كالبنيان المرصوص الثّابت،كما تدلّ على أنّه نازل من إله فرد،و لهذا فلا يوجد أيّ تضادّ في آياته،و لا يرى بينها أيّ اختلاف.

و في الجملة الثّانية إشارة إلى هذه الحقيقة،و هي أنّ هذا الكتاب في عين وحدته فيه شعب و فروع متعدّدة، تستوفي جميع حاجات الإنسان الرّوحيّة و المادّيّة،فهو في عين وحدته كثير،و في عين كثرته واحد.

(6:426)

فضل اللّه :[نقل كلام الطّباطبائيّ و قال:]

مناقشة مع صاحب«الميزان».

و قد يكون هذا التّفسير جميلا،في ما يوحي به من ارتكاز الخطّ العقيديّ،و الأخلاقيّ،و العمليّ،على قاعدة واحدة و هي التّوحيد الخالص،و لكنّنا لا نجد في سياق الآيات ما يدلّ على تعيينه،كما لا نلاحظ في كلمتي الإحكام و التّفصيل ما يوحي بذلك،لأنّ المفسّر الجليل، لاحظ في الآية المقابلة بين الكلمتين،فاعتبر الإحكام في مقابل التّفصيل،ممّا يعني أنّ هناك شيئا مجموعا أريد تفصيله،و ذلك من خلال تواردهما على موقع واحد.

و لكنّنا نستقرب تفسير كلمة الإحكام بالإتقان في ما يريده اللّه من عدم وجود خلل في ترتيب هذه الآيات و تنظيمها،و دلالتها على المعاني بوضوح،كما يكون المراد من التّفصيل-في ما يظهر-الأسلوب المبسّط الّذي يعمل على توضيح الأفكار و تنويعها،بطريقة واضحة لا مجال فيها للغموض و الإبهام الحاصل من الإجمال في عرض الفكرة.و بذلك تكون الآية-و اللّه العالم-واردة في سياق التّعرّض للجانب الفنّيّ للآيات،من حيث

ص: 435

الشّكل المتضمّن في تركيب الكلمات و تأليفها،بالمستوى الّذي لا يوجد فيها أيّة ثغرة لجهة توازن الحركة الفنّيّة و تكاملها،و لجهة المحتوى الّذي يتضمّن تفصيل الأفكار و توضيحها،في ما يريد القرآن أن يبلّغه للنّاس من أحكام و مفاهيم بالطّريقة الّتي لا لبس فيها و لا خفاء.

و قد تكرّر الحديث في القرآن عن هاتين النّقطتين، للإيحاء بمدى ما يتوفّر عليه من عناصر البلاغة الّتي تجمع إلى جانب التّماسك و الدّقّة في الأسلوب،الوضوح في العرض الحاصل من تفصيل الفكرة...و اللّه العالم بحقائق آياته.(12:9)

يحكم

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. الحجّ:52

الطّبريّ: يقول:ثمّ يخلص اللّه آيات كتابه من الباطل الّذي ألقى الشّيطان على لسان نبيّه.(17:190)

الماورديّ: يثبتها.(4:35)

نحوه الزّمخشريّ(3:19)،و البروسويّ(6:49)

الطّوسيّ: حتّى لا يتطرّق عليها ما يشعثها.و قال البلخيّ:و يجوز أن يكون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سمع هاتين الكلمتين من قومه و حفظهما،فلمّا قرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله وسوس بهما إليه الشّيطان،و ألقاهما في فكره،فكاد أن يجريهما على لسانه،فعصمه اللّه،و نبّهه،و نسخ وسواس الشّيطان، و أحكم آياته،بأن قرأها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله محكمة سليمة ممّا أراد الشّيطان.(7:330)

الطّبرسيّ: أي يبقي آياته و دلائله و أوامره محكمة، لا سهو فيها و لا غلط.(4:92)

البيضاويّ: ثمّ يثبت آياته الدّاعية إلى الاستغراق في أمر الآخرة.(2:96)

النّسفيّ: أي يثبتها و يحفظها من لحوق الزّيادة من الشّيطان.(3:107)

النّيسابوريّ: المراد بالآيات هي آيات القرآن، أي يجعلها بحيث لا يختلط بها شيء من كلام غيره فتكون ثابتة في مظانّها،أو يجعلها بحيث لا يتطرّق إليها تأويل فاسد معمول به عند الأمّة.و يحتمل أن يكون المراد بإحكام الآيات الإرشاد إلى أدلّة الأحكام الشّرعيّة.

(17:112)

الشّربينيّ: أي ثمّ يجعلها جليّة فيما يريد منها و أدلّ دليل على أنّ هذا هو المراد من الافتتاح بالمتأخّرة في الآيات،الختام بقوله عطفا على ما تقديره:فاللّه على ما يشاء قدير.(2:559)

أبو السّعود :أي يثبت آياته الدّاعية إلى الاستغراق في شئون الحقّ.و صيغة المضارع في الفعلين للدّلالة على الاستمرار التّجدّديّ.(4:389)

الآلوسيّ: أي يأتي بها محكمة مثبتة،لا تقبل الرّدّ بوجه من الوجوه،و(ثمّ)للتّراخيّ الرّتبيّ،فإنّ الإحكام أعلى رتبة من النّسخ،و صيغة المضارع في الفعلين للدّلالة على الاستمرار التّجدّديّ.(17:173)

ابن عاشور :(ثمّ)في قوله: ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ

ص: 436

للتّرتيب الرّتبيّ،لأنّ إحكام الآيات و تقريرها أهمّ من نسخ ما يلقي الشّيطان؛إذ بالإحكام يتّضح الهدى،و يزداد ما يلقيه الشّيطان نسخا.(17:216)

فضل اللّه :يثبتها فلا يدع أيّ مجال للرّيب فيها،من أيّة جهة كانت،و ذلك بواسطة ألطافه الّتي يغدقها على رسوله،فيمنع أيّ تحريف للكلمة،و أيّة زيادة فيها،لأنّ ذلك هو السّبيل لإحكام الآيات على أساس الثّقة الشّاملة بموافقتها للوحي الإلهيّ.و ليست المسألة كما صوّرته الرّواية المدّعاة،من أنّ هناك زيادة سبقت إلى لسان النّبيّ،ثمّ أزالها اللّه بعد ذلك،و أرجع الآية إلى الكلمات الموحى بها من اللّه.و بذلك لا يكون التّدرّج الّذي تتحدّث عنه الآية ب«الفاء»الّتي تدلّ على التّعقيب بلا فصل،و ب«ثمّ»الّتي تدلّ عليه مع التّراخي،تدرّجا زمانيّا،بل هو تدرّج بحسب الرّتبة انطلاقا من طبيعة الارتباط بين الأشياء المذكورة في الآية،و اللّه العالم.

لاحظ م ن ي:«تمنّى».(16:102)

محكمة

وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَ ذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ... محمّد:20

ابن عبّاس: مبيّنة بالحلال و الحرام و الأمر و النّهي.

(429)

نحوه النّقّاش.(الماورديّ 5:300)

قتادة :كلّ سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة،و هي أشدّ القرآن على المنافقين.(الطّبريّ 26:54)

الطّبريّ: يعني أنّها محكمة بالبيان و الفرائض.

و ذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه (فاذا انزلت سورة محدثة) .(26:54)

الزّجّاج: و معنى(محكمة)غير منسوخة.(5:12)

نحوه الواحديّ(4:126)،و القرطبيّ(16:243).

الماورديّ: في السّورة المحكمة قولان:[نقل قول النّقّاش و قتادة و أضاف:]

و يحتمل ثالثا:أنّها الّتي تضمّنت نصوصا لم يتعقّبها ناسخ،و لم يختلف فيها تأويل.(5:300)

الطّوسيّ: أي ليس فيها متشابه و لا تأويل.

(9:300)

الزّمخشريّ: مبيّنة غير متشابه،لا تحتمل وجها إلاّ وجوب القتال...و قيل لها:محكمة،لأنّ النّسخ لا يرد عليها من قبل أنّ القتال قد نسخ ما كان من الصّفح و المهادنة،و هو غير منسوخ إلى يوم القيامة.و قيل:هي المحدثة،لأنّها حين يحدث نزولها لا يتناولها النّسخ،ثمّ تنسخ بعد ذلك أو تبقي غير منسوخة.(3:535)

نحوه البيضاويّ(2:396)،و النّسفيّ(4:153)، و النّيسابوريّ(26:30)،و أبو السّعود(6:89)، و البروسويّ(8:515).

ابن عطيّة: معناه لا يقع فيها نسخ،و بهذا الوجه خصّص السّورة بالإحكام،و أمّا الإحكام الّذي هو بمعنى الإتقان،فالقرآن فيه كلّه سواء.[ثمّ نقل كلام قتادة و قال:]

ص: 437

و هذا أمر استقرأه قتادة من القرآن،و ليس من تفسير هذه الآية في شيء.(5:117)

الطّبرسيّ: ليس فيها متشابه،و لا تأويل.و قيل:

سورة ناسخة لما قبلها من إباحة التّخفيف في الجهاد...

و قيل:محكمة،أي مقرونة بوعيد يؤكّد الأمر،كقوله:

إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً التّوبة:39.و قيل:

محكمة بوضوح ألفاظها.و على هذا القرآن كلّه محكم.

و قيل:هي الّتي تتضمّن نصّا لم يختلف تأويله،و لم يتعقّبه نصّ.و في قراءة ابن مسعود:سورة محدثة:أي مجدّدة.

(5:103)

الفخر الرّازيّ: فيها وجوه (1):أحدها:سورة لم تنسخ.ثانيها:سورة فيها ألفاظ أريدت حقائقها بخلاف قوله: اَلرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى طه:5،و قوله:

فِي جَنْبِ اللّهِ الزّمر:56،فإنّ قوله تعالى: فَضَرْبَ الرِّقابِ محمّد:4،أراد القتل،و هو أبلغ من قوله:

اُقْتُلُوهُمْ، و قوله: وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ البقرة:191.صريح،و كذلك غير هذا من آيات القتال ،و على الوجهين فقوله: مُحْكَمَةٌ فيها فائدة زائدة من حيث إنّهم لا يمكنهم أن يقولوا:المراد غير ما يظهر منه، أو يقولوا:هذه آية،و قد نسخت فلا نقاتل.(28:62)

الشّربينيّ: أي مبيّنة،لا يلتبس شيء منها بنوع إجمال و لا بنسخ،لكونه جامعا للمحاسن في كلّ زمان و مكان.(4:30)

الآلوسيّ: و المراد بمحكمة مبيّنة،لا تشابه و لا احتمال فيها لوجه آخر سوى وجوب القتال،و فسّرها الزّمخشري بغير منسوخة الأحكام.و عن قتادة:كلّ سورة فيها القتال فهي محكمة،و هو أشدّ القرآن على المنافقين،و هذا أمر استقرأه قتادة من القرآن لا بخصوصيّة هذه الآية.و المتحقّق أنّ آيات القتال غير منسوخة،و حكمها باق إلى يوم القيامة.و قيل:محكمة بالحلال و الحرام.(26:66)

ابن عاشور :وصف السّورة ب(محكمة)باعتبار وصف آياتها بالإحكام،أي عدم التّشابه و انتفاء الاحتمال،كما دلّت عليه مقابلة المحكمات بالمتشابهات في قوله: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ آل عمران:7،أي لا تحتمل آيات تلك السّورة المتعلّقة بالقتال إلاّ وجوب القتال و عدم الهوادة فيه مثل قوله: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ محمد:4،الآيات،فلا جرم أنّ هذه السّورة هي الّتي نزلت إجابة عن تمنّي الّذين آمنوا.(26:90)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ المراد من السّورة المحكمة باعتقاد بعض المفسّرين هي السّور الّتي ذكرت فيها مسألة الجهاد.لكن لا دليل على هذا التّفسير،بل الظّاهر أنّ المحكم هنا بمعنى المستحكم و الثّابت و القاطع،و الخالي من أيّ غموض أو إبهام،حيث يقع المتشابه في مقابله أحيانا،و لمّا كانت آيات الجهاد تتمتّع عادة بحزم استثنائيّ،فإنّها تنسجم مع مفهوم هذا اللّفظ أكثر،إلاّ أنّها ليست منحصرة فيه.(16:343)ط.

ص: 438


1- ذكر وجهين فقط.
محكمات
اشارة

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ...

آل عمران:7

ابن مسعود:أمّا الآيات المحكمات فهنّ النّاسخات الّتي يعمل بهنّ،و أمّا المتشابهات فهنّ المنسوخات.(الطّبريّ 3:172)

ابن عبّاس: مبيّنات بالحلال و الحرام،لم تنسخ، يعمل بها... وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ: ما اشتبهت على اليهود من نحو حساب الجمل مثل:الم،المص،ق،المر، و الر.(43)

نحوه الفرّاء.(1:190)

مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هي الثّلاث الآيات الّتي هاهنا قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ الأنعام:

151،إلى ثلاث آيات،و الّتي في بني إسرائيل وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ الإسراء:23،إلى آخر الآيات.

[و في رواية:]المحكمات:ناسخه و حلاله و حرامه و حدوده و فرائضه،و ما يؤمن به،و يعمل به. وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ و المتشابهات:منسوخه و مقدّمه و مؤخّره و أمثاله و أقسامه،و ما يؤمن به و لا يعمل به.

[و في رواية:]المحكمات الّتي هي أمّ الكتاب، النّاسخ الّذي يدان به و يعمل به،و المتشابهات:هنّ المنسوخات الّتي لا يدان بهنّ.(الطّبريّ 3:172)

مجاهد : مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ما فيه من الحلال و الحرام،و ما سوى ذلك فهو متشابه يصدّق بعضه بعضا،و هو مثل قوله: وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ البقرة:26،و مثل قوله: كَذلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ الأنعام:125،و مثل قوله: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ محمّد:17.

(الطّبريّ 3:173)

الضّحّاك: آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ النّاسخات، وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ما نسخ و ترك يتلى.

[و في رواية:]المحكم:ما لم ينسخ،و ما تشابه منه:

ما نسخ.

[و في رواية:] مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ يعني النّاسخ الّذي يعمل به، وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ يعني المنسوخ يؤمن به و لا يعمل به.(الطّبريّ 3:173)

نحوه عكرمة(الثّعلبيّ 3:10)،و السّدّيّ(البغويّ 1:410)،و الرّبيع(الطّبريّ 3:173).

قتادة :و المحكمات:النّاسخ الّذي يعمل به ما أحلّ اللّه فيه حلاله،و حرّم فيه حرامه.و أمّا المتشابهات:فالمنسوخ الّذي لا يعمل به،و يؤمن به.

(الطّبريّ 3:172)

المحكم:ما يعمل به.(الطّبريّ 3:173)

يحيي بن يعمر:المحكمات:الفرائض،و الأمر و النّهي،و هنّ عماد الدّين،و عماد كلّ شيء

ص: 439

أمّه.(النّحّاس 1:344)

الإمام الصّادق عليه السّلام:المحكم:ما يعمل به، و المتشابه:ما اشتبه على جاهله.(الكاشانيّ 1:295)

مقاتل:المحكمات خمسمائة آية،لأنّها تبسط معانيها،فكانت أمّ فروع قيست عليها و تولّدت منها، كالأمّ يحدث منها الولد،و لذلك سماّها:أمّ الكتاب.

و المتشابه:القصص و الأمثال.(أبو حيّان 2:381)

ابن إسحاق :المحكمات:ما ليس لها تصريف و لا تحريف.(أبو حيّان 2:381)

ابن زيد :إنّ المحكم:الّذي لم تتكرّر ألفاظه، و المتشابه:الّذي تكرّرت ألفاظه.(الماورديّ 1:369)

أبو عبيدة : آياتٌ مُحْكَماتٌ يعني هذه الآيات الّتي تسمّيها في القرآن. وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ يشبه بعضها بعضا.(1:86)

الشّافعيّ: إنّ المحكم:ما لم يحتمل من التّأويل إلاّ وجها واحدا،و المتشابه:ما احتمل أوجها.

(الماورديّ 1:369)

الجبّائيّ: إنّ المحكم:ما لا يحتمل إلاّ وجها واحدا، و المتشابه:ما يحتمل وجهين فصاعدا.

(الطّوسيّ 2:395)

جابر:المحكم:ما يعلم تعيين تأويله،و المتشابه:

ما لا يعلم تعيين تأويله.نحو قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها الأعراف:187.

(الطّوسيّ 2:395)

الطّبريّ: قوله: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ فإنّه يعني من الكتاب آيات،يعني بالآيات:آيات القرآن،و أمّا المحكمات فإنّهنّ اللّواتي قد أحكمن بالبيان و التّفصيل، و أثبتت حججهنّ و أدلّتهنّ على ما جعلن أدلّة عليه من:

حلال و حرام،و وعد و وعيد،و ثواب و عقاب،و أمر و زجر،و خبر و مثل،و عظة و عبر،و ما أشبه ذلك.[إلى أن قال:]

و أمّا قوله: مُتَشابِهاتٌ فإنّ معناه متشابهات في التّلاوة،مختلفات في المعنى،كما قال جلّ ثناؤه: وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً البقرة:25،يعني في المنظر مختلفا في المطعم،و كما قال مخبرا عمّن أخبر عنه من بني إسرائيل أنّه قال: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا البقرة:70،يعنون بذلك تشابه علينا في الصّفة و إن اختلفت أنواعه.فتأويل الكلام إذن:إنّ الّذي لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السّماء،هو الّذي أنزل عليك يا محمّد القرآن،منه آيات محكمات بالبيان،هنّ أصل الكتاب الّذي عليه عمادك و عماد أمّتك في الدّين،و إليه مفزعك و مفزعهم فيما افترضت عليك و عليهم من شرائع الإسلام،و آيات أخر،هنّ متشابهات في التّلاوة مختلفات في المعاني.

و قد اختلف أهل التّأويل في تأويلها و ما المحكم من آي الكتاب،و ما المتشابه منه؟فقال بعضهم:

المحكمات من آي القرآن:المعمول بهنّ،و هنّ النّاسخات،أو المثبتات الأحكام،و المتشابهات من آيه:

المتروك العمل بهنّ،المنسوخات...

و قال آخرون:المحكمات من آي الكتاب:ما

ص: 440

أحكم اللّه فيه بيان حلاله و حرامه،و المتشابه منها:ما أشبه بعضه بعضا في المعاني و إن اختلفت ألفاظه.

و قال آخرون:المحكمات من آي الكتاب:ما لم يحتمل من التّأويل غير وجه واحد،و المتشابه منها:ما احتمل من التّأويل أوجها.

محمّد بن جعفر بن الزّبير: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ فيهنّ حجّة الرّبّ و عصمة العباد و دفع الخصوم و الباطل، ليس لها تصريف و لا تحريف عمّا وضعت عليه،و أخر متشابهة في الصّدق،لهنّ تصريف و تحريف و تأويل، ابتلى اللّه فيهنّ العباد،كما ابتلاهم في الحلال و الحرام، لا يصرفن إلى الباطل و لا يحرّفن عن الحقّ.

و قال آخرون:معنى المحكم:ما أحكم اللّه فيه من آي القرآن،و قصص الأمم و رسلهم الّذين أرسلوا إليهم ،ففصّله ببيان ذلك لمحمّد و أمّته.و المتشابه:هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التّكرير في السّور، بقصّه باتّفاق الألفاظ و اختلاف المعاني،و بقصّه باختلاف الألفاظ و اتّفاق المعاني.

و قال آخرون:بل المحكم من آي القرآن:ما عرف العلماء تأويله و فهموا معناه و تفسيره،و المتشابه:ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل،ممّا استأثر اللّه بعلمه دون خلقه،و ذلك نحو الخبر عن وقت مخرج عيسى ابن مريم، و وقت طلوع الشّمس من مغربها،و قيام السّاعة،و فناء الدّنيا،و ما أشبه ذلك،فإنّ ذلك لا يعلمه أحد.

و قالوا:إنّما سمّى اللّه من آي الكتاب المتشابه الحروف المقطّعة الّتي في أوائل بعض سور القرآن من نحو:

الم،و المص،و المر،و الر،و ما أشبه ذلك،لأنّهنّ متشابهات في الألفاظ و موافقات حروف حساب الجمّل ،و كان قوم من اليهود على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم طمعوا أن يدركوا من قبلها معرفة مدّة الإسلام و أهله،و يعلموا نهاية أجل محمّد و أمّته فأكذب اللّه أحدوثتهم بذلك، و أعلمهم أنّ ما ابتغوا علمه من ذلك من قبل هذه الحروف المتشابهة لا يدركونه و لا من قبل غيرها،و أنّ ذلك لا يعلمه إلاّ اللّه.و هذا قول ذكر عن جابر بن عبد اللّه بن رباب:أنّ هذه الآية نزلت فيه...و هذا القول الّذي ذكرناه عن جابر بن عبد اللّه أشبه بتأويل الآية.

(3:170)

الزّجّاج: و قال قوم:معنى مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ أي أحكمت في الإبانة،فإذا سمعها السّامع لم يحتج إلى تأويلها،لأنّها ظاهرة بيّنة،نحو ما أنبأ اللّه من أقاصيص الأنبياء،ممّا اعترف به أهل الكتاب،و ما أخبر اللّه به من إنشاء الخلق من قوله عزّ و جلّ: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ... المؤمنون:14،فهذا اعترف القوم به،و أقرّوا بأنّ اللّه هو خالقهم،و ما أخبر اللّه به من خلقه من الماء كلّ شيء حيّ،و ما خلق لهم من الثّمار و سخّر لهم من الفلك و الرّياح و ما أشبه ذلك.فهذا ما لم ينكروه،و أنكروا ما احتاجوا فيه إلى النّظر و التّدبّر من أنّ اللّه عزّ و جلّ يبعثهم بعد أن يصيروا ترابا،فقال: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ* أَفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ سبأ:7، 8. وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً

ص: 441

أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ* أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ الواقعة:47،48.

فهذا الّذي هو المتشابه عليهم،فأعلمهم اللّه الوجه الّذي ينبغي أن يستدلّوا به على أنّ هذا المتشابه عليهم كالظّاهر إن تدبّروه و نظروا فيه،فقال عزّ و جلّ: وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ* اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً يس:78- 80،و قال: أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ يس:81،أي إذا كنتم قد أقررتم بالإنسان و الابتداء فما تنكرون من البعث و النّشور؟فهذا قول كثير من النّاس و هو بيّن واضح.

و القول الأوّل حسن أيضا.(1:376)

ابن الأنباريّ: الآية المحكمة:الّتي منعت كثرة التّأويلات،لأنّها لا تحتمل إلاّ تفسيرا واحدا.

(الواحديّ 1:413)

القمّيّ: أمّا المحكم من القرآن فهو ما تأويله في تنزيله مثل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ... المائدة:6،و مثل قوله:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ... النّساء:23،إلى آخر الآية،و مثله كثير محكم ممّا تأويله في تنزيله.

و أمّا المتشابه،فما كان في القرآن ممّا لفظه واحد و معانيه مختلفة،ممّا ذكرنا من الكفر الّذي هو على خمسة أوجه،و الإيمان على أربعة وجوه،و مثل الفتنة و الضّلال الّذي هو على وجوه،و تفسير كلّ آية نذكره في موضعه إن شاء اللّه تعالى.(1:96)

النّحّاس:[نقل الأقوال و قال:]و يجمع ذلك أنّ كلّ محكم تامّ الصّنعة،و قد يكون الإحكام هاهنا المنع من احتمال التّأويلات،و منه سمّيت حكمة الدّابّة لمنعها إيّاها.(و متشابهات):يحتمل أن يشبه اللّفظ اللّفظ و يختلف المعنى،أو يشتبه المعنيان،و يختلف اللّفظ،أو يشتبه الفعل من الأمر و النّهي،فيكون هذا نحو النّاسخ و المنسوخ.

و قيل:المتشابهات:ما كان نحو قوله تعالى: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ البقرة:228.و أجمع هذه الأقوال:أنّ المحكم:

ما كان قائما بنفسه،لا يحتاج إلى استدلال،و المتشابه:ما لم يقم بنفسه،و احتاج إلى استدلال.

و قال: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ، و قد قال: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،و قال: وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، و قد قال: كِتاباً مُتَشابِهاً الزّمر:23.

فالجواب أنّ معنى أحكمت آياته:جعلت كلّها محكمة ،ثمّ فصّلت فكان بعضها أمّ الكتاب،و ليس قوله: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ بمزيل الحكمة عن المتشابهات،و كذا كِتاباً مُتَشابِهاً الزّمر:23،و ليس قوله: وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ بمزيل عن المحكمات أن تكون متشابهات في باب الحكمة،بل جملته إذ كان محكما لاحقة لجميع ما فصّل منه كِتاباً مُتَشابِهاً أي متشابها في الحكمة لا يختلف بعضه مع بعض،كما قال تعالى: وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً. النّساء:82.

[إلى أن قال:]و قد يكون المحكم ما كان خبرا،لأنّه لا يلحقه نسخ،و المتشابه:النّاسخ و المنسوخ،لأنّهم

ص: 442

لا يعلمون منتهى ما يصيرون إليه منه و في كلّ ذلك حكمة ،و بعضه يشبه بعضا في الحكمة.(1:345)

الجصّاص :قد بيّنّا في صدر الكتاب معنى المحكم و المتشابه،و أنّ كلّ واحد منهما ينقسم إلى معنيين:

أحدهما:يصحّ وصف القرآن بجميعه،و الآخر:إنّما يختصّ به بعض القرآن دون بعض،قال اللّه تعالى: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،و قال تعالى: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ يونس:1،فوصف جميع القرآن في هذه المواضع بالإحكام،و قال تعالى: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ الزّمر:23، فوصف جميعه بالمتشابه،ثمّ قال في موضع آخر: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فوصف هاهنا بعضه بأنّه محكم،و بعضه متشابه.و الإحكام الّذي عمّ به الجميع هو الصّواب و الإتقان اللّذان يفضّل بهما القرآن كلّ قول.

و أمّا موضع الخصوص في قوله تعالى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ فإنّ المراد به اللّفظ الّذي لا اشتراك فيه،و لا يحتمل عند سامعه إلاّ معنى واحدا،و قد ذكرنا اختلاف النّاس فيه،إلاّ أنّ هذا المعنى لا محالة قد انتظمه لفظ الإحكام المذكور في هذه الآية،و هو الّذي جعل إمّا للمتشابه الّذي يردّ إليه و يحمل معناه عليه،و أمّا المتشابه الّذي عمّ به جميع القرآن في قوله تعالى:

كِتاباً مُتَشابِهاً، فهو التّماثل و نفي الاختلاف و التّضادّ عنه،و أمّا المتشابه المخصوص به بعض القرآن، فقد ذكرنا أقاويل السّلف فيه.

و ما روي عن ابن عبّاس:«أنّ المحكم هو النّاسخ، و المتشابه هو المنسوخ»،فهذا عندنا هو أحد أقسام المحكم و المتشابه،لأنّه لم ينف أن يكون للمحكم و المتشابه وجوه غيرهما،و جائز أن يسمّى النّاسخ محكما لأنّه ثابت الحكم،و العرب تسمّى البناء الوثيق محكما؛ و يقولون في العقد الوثيق الّذي لا يمكن حلّه:محكما، فجائز أن يسمّى النّاسخ محكما؛إذ كانت صفته الثّبات و البقاء،و يسمّى المنسوخ متشابها من حيث أشبه في التّلاوة المحكم،و خالفه في ثبوت الحكم،فيشتبه على التّالي حكمه في ثبوته و نسخه،فمن هذا الوجه جائز أن يسمّى المنسوخ متشابها.

و أمّا قول من قال:إنّ المحكم هو الّذي لم تتكرّر ألفاظه،و المتشابه هو الّذي تتكرّر ألفاظه،فإنّ اشتباه هذا من جهة اشتباه وجه الحكمة فيه على السّامع،و هذا سائغ عامّ في جميع ما يشتبه فيه وجه الحكمة فيه على السّامع إلى أن يتبيّنه و يتّضح له وجهه،فهذا ممّا يجوز فيه إطلاق اسم المتشابه،و ما لا يشتبه فيه وجه الحكمة على السّامع فهو المحكم الّذي لا تشابه فيه،على قول هذا القائل،فهذا أيضا أحد وجوه المحكم و المتشابه،و إطلاق الاسم فيه سائغ جائز.

و أمّا ما روي عن جابر بن عبد اللّه:أنّ المحكم:ما يعلم تعيين تأويله،و المتشابه:ما لا يعلم تأويله،كقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها النّازعات:42،و ما جرى مجرى ذلك،فإنّ إطلاق اسم المحكم و المتشابه سائغ فيه،لأنّ ما علم وقته و معناه

ص: 443

فلا تشابه فيه،و قد أحكم بيانه.و ما لا يعلم تأويله و معناه و وقته فهو مشتبه على سامعه،فجائز أن يسمّى بهذا الاسم.

فجميع هذه الوجوه يحتمله اللّفظ على ما روي فيه ،و لو لا احتمال اللّفظ لما ذكروا،لما تأوّلوه عليه،و ما ذكرناه من قول من قال:إنّ المحكم هو ما لا يحتمل إلاّ معنى واحدا،و المتشابه:ما يحتمل معنيين،فهو أحد الوجوه الّذي ينتظمها هذا الاسم،لأنّ المحكم من هذا القسم سمّي محكما لإحكام دلالته،و إيضاح معناه و إبانته.و المتشابه منه سمّي بذلك،لأنّه أشبه المحكم من وجه و احتمل معناه،و أشبه غيره ممّا يخالف معناه معنى المحكم،فسمّي متشابها من هذا الوجه.

فلمّا كان المحكم و المتشابه يعتورهما ما ذكرنا من المعاني احتجنا إلى معرفة المراد منها بقوله تعالى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ الآية،مع علمنا بما في مضمون هذه الآية و فحواها من وجوب ردّ المتشابه إلى المحكم،و حمله على معناه دون حمله على ما يخالفه،لقوله تعالى:في صفة المحكمات هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ و الأمّ هي الّتى منها ابتداؤه و إليها مرجعه،فسمّاها أمّا فاقتضى ذلك بناء المتشابه عليها و ردّه إليها.

ثمّ أكّد ذلك بقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ...

آل عمران:7،فوصف متّبع المتشابه من غير حمله له على معنى المحكم بالزّيغ في قلبه،و أعلمنا أنّه مبتغ للفتنة،و هي الكفر و الضّلال في هذا الموضع،كما قال تعالى: وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ البقرة:191،يعنى- و اللّه أعلم-الكفر،فأخبر أنّ متّبع المتشابه و حامله على مخالفة المحكم في قلبه زيغ،يعني الميل عن الحقّ، يستدعي غيره بالمتشابه إلى الضّلال و الكفر،فثبت بذلك أنّ المراد بالمتشابه المذكور في هذه الآية هو اللّفظ المحتمل للمعاني الّذي يجب ردّه إلى المحكم،و حمله على معناه.

ثمّ نظرنا بعد ذلك في المعاني الّتي تعتور هذا اللّفظ و تتعاقب عليه،ممّا قدّمنا ذكره في أقسام المتشابه عن القائلين بها على اختلافها مع احتمال اللفظ،فوجدنا قول من قال:بأنّه النّاسخ و المنسوخ،فإنّه إن كان تاريخهما معلوما فلا اشتباه فيهما على من حصل له العلم بتاريخهما،و علم يقينا أنّ المنسوخ متروك الحكم،و أنّ النّاسخ ثابت الحكم،فليس فيهما ما يقع فيه اشتباه على السّامع العالم بتاريخ الحكمين اللّذين لا احتمال فيهما لغير النّاسخ،و إن اشتبه على السّامع من حيث إنّه لم يعلم التّاريخ،فهذا ليس أحد اللّفظين أولى بكونه محكما من الآخر،و لا بكونه متشابها منه،إذ كلّ واحد منهما يحتمل أن يكون ناسخا،و يحتمل أن يكون منسوخا، فهذا لا مدخل له في قوله تعالى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ.

و أمّا قول من قال:إنّ المحكم:ما لم يتكرّر لفظه، و المتشابه:ما تكرّر لفظه.فهذا أيضا لا مدخل له في هذه الآية،لأنّه لا يحتاج إلى ردّه إلى المحكم،و إنّما يحتاج إلى تدبّره بعقله،و حمله على ما في اللّغة من تجويزه.

و أمّا قول من قال:إنّ المحكم:ما علم وقته

ص: 444

و تعيينه،و المتشابه:ما لا يعلم تعيين تأويله،كأمر السّاعة،و صغائر الذّنوب الّتي آيسنا اللّه من وقوع علمنا بها في الدّنيا،و إنّ هذا الضّرب أيضا منها خارج عن حكم هذه الآية،لأنّنا لا نصل إلى علم معنى المتشابه بردّه إلى المحكم.

فلم يبق من الوجوه الّتى ذكرنا من أقسام المحكم و المتشابه،ممّا يجب بناء أحدهما على الآخر و حمله على معناه،إلاّ الوجه الأخير الّذي قلنا،و هو أن يكون المتشابه اللّفظ المحتمل للمعاني،فيجب حمله على المحكم الّذي لا احتمال فيه،و لا اشتراك في لفظه من نظائر ما قدّمنا في صدر الكتاب،و بيّنّا أنّه ينقسم إلى وجهين من العقليّات و السّمعيّات.

و ليس يمتنع أن تكون الوجوه الّتى ذكرناها عن السّلف على اختلافها يتناولها الاسم على ما روي عنهم فيه لما بيّنّا من وجوهها،و يكون الوجه الّذي يجب حمله على المحكم هو هذا الوجه الأخير،لامتناع إمكان حمل سائر وجوه المتشابه على المحكم على ما تقدّم من بيانه.

ثمّ يكون قوله تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ معناه تأويل جميع المتشابه حتّى لا يستوعب غيره علمها،فنفى إحاطة علمنا بجميع معاني المتشابهات من الآيات،و لم ينف بذلك أن نعلم نحن بعضها بإقامته لنا الدّلالة عليه،كما قال تعالى: وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ البقرة:255،لأنّ في فحوى الآية ما قد دلّ على أنّا نعلم بعض المتشابه بردّه إلى المحكم، و حمله على معناه على ما بيّنّا من ذلك،و يستحيل أن تدلّ الآية على وجوب ردّه إلى المحكم،و تدلّ أيضا على أنّا لا نصل إلى علمه و معرفته فإذا ينبغي أن يكون قوله تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ غير ناف لوقوع العلم ببعض المتشابه فممّا لا يجوز وقوع العلم لنا به وقت السّاعة و الذّنوب الصّغائر.

و من النّاس من يجوّز ورود لفظ مجمل في حكم يقتضي البيان و لا يبيّنه أبدا،فيكون في حيّز المتشابه الّذي لا نصل إلى العلم به.(2:3)

الماورديّ: إنّ المحكم:ما كانت معاني أحكامه معقولة،و المتشابه:ما كانت معاني أحكامه غير معقولة، كأعداد الصّلوات،و اختصاص الصّيام بشهر رمضان دون شعبان.و إنّما جعله محكما و متشابها استدعاء للنّظر من غير اتّكال على الخبر،و قد روي عن معاذ بن جبل عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«القرآن على ثلاثة أجزاء:

حلال فاتّبعه،و حرام فاجتنبه،و متشابه يشكل عليك، فكله إلى عالمه».(1:370)

الطّوسيّ: فالمحكم:هو ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن إليه،و لا دلالة تدلّ على المراد به لوضوحه،نحو قوله: إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً يونس:44،و قوله: لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ النّساء:

39،لأنّه لا يحتاج في معرفة المراد به إلى دليل.

و المتشابه:ما لا يعلم المراد بظاهره حتّى يقترن به ما يدلّ على المراد منه،نحو قوله: وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ الجاثية:22،فإنّه يفارق قوله: وَ أَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ طه:85،لأنّ إضلال السّامريّ قبيح،و إضلال اللّه بمعنى

ص: 445

حكمه بأنّ العبد ضالّ،ليس قبيح بل هو حسن.[ثمّ نقل الأقوال و قال:]

فإن قيل:لم أنزل في القرآن المتشابه؟و هلاّ أنزله كلّه محكما!قيل:للحثّ على النّظر الّذي يوجب العلم دون الاتّكال على الخبر من غير نظر،و ذلك أنّه لو لم يعلم بالنّظر أنّ جميع ما يأتي به الرّسول حقّ،يجوز أن يكون الخبر كذبا،و بطلت دلالة السّمع،و فائدته، فلحاجة العباد إلى ذلك من الوجه الّذي بيّنّاه،أنزل اللّه متشابها،و لو لا ذلك لما بان منزلة العلماء،و فضلهم على غيرهم،لأنّه لو كان كلّه محكما،لكان من يتكلّم باللّغة العربيّة عالما به،و لا كان يشتبه على أحد المراد به فيتساوى النّاس في علم ذلك،على أنّ المصلحة معتبرة في إنزال القرآن،فما أنزله متشابها،لأنّ المصلحة اقتضت ذلك،و ما أنزله محكما فلمثل ذلك.و المتشابه في القرآن:يقع فيما اختلف النّاس فيه من أمور الدّين،من ذلك قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الأعراف:

54،فاحتمل في اللّغة أن يكون كاستواء الجالس على السّرير،و احتمل أن يكون بمعنى الاستيلاء،نحو قول الشّاعر:

ثمّ استوى بشر على العراق

من غير سيف و دم مهراق

و أحد الوجهين لا يجوز عليه تعالى لقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11،و قوله: لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ الإخلاص:4.

و الآخر يجوز عليه،فهذا من المحكم الّذي يردّ إليه المتشابه.و من ذلك قوله: رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ البقرة:286،فاحتمل ظاهره تكليف المشاقّ، و احتمل تكليف ما لا يطاق،و أحدهما لا يجوز عليه تعالى: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها البقرة:286 فرددنا إليه المتشابه،و من ذلك قوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ النّساء:78،فرددناه إلى المحكم الّذي هو قوله:

وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ يَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ آل عمران:

78،و من ذلك قوله: وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ التّكوير:29،متشابه،و بيّن المراد بالمحكم الّذي هو قوله : وَ مَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ آل عمران:108.

و من ذلك اعتراض الملحدين في باب النّبوّة بما يوهم المناقضة،كقوله: قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ * وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَكَ فِيها وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيّامٍ سَواءً لِلسّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ* فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ فصّلت:9-12،فقال:اليومان و الأربعة و اليومان ثمانية،ثمّ قال: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ هود:7،فأوهموا أنّ ذلك مناقضة،و ليس الأمر على ما ظنّوه،لأنّ ذلك يجري مجرى قول القائل:سرنا من البصرة إلى بغداد في عشرة أيّام،و سرنا إلى الكوفة في خمسة عشر يوما،فالعشرة داخلة في الخمسة عشر و لا يضاف فيقال:عشرة،

ص: 446

و خمسة عشر خمسة و عشرون يوما كان فيها السّير، فكذلك خلق اللّه الأرض في يومين،و قضاهنّ سبع سماوات في يومين،و تمّم خلقهنّ في ستّة أيّام.و تقديره خلق الأرض في يومين من غير تتميم،و جعل فيها رواسي،و ما تمّ به خلقها في أربعة أيّام فيها اليومان الأوّلان،كما يقال:جعل الدّور في شهرين و فرغ منهنّ في أربعة أشهر.فيكون المحكم قد أبان عن معناه أنّه على جهة خلق الأرض في يومين من غير تتميم،و ليس على وجه التّضادّ على ما ظنّوه.

فإن قيل:كيف يكون المحكم حجّة مع جواز تقييده بما في العقل؟و في ذلك إمكان كلّ مبطل أن يدّعيه فتذهب فائدة الاحتجاج بالمحكم؟

قلنا:لا يجب ذلك من قبل أنّ التّقييد بما في العقل إنّما يجوز فيما كان ردّا إلى تعارف (1)من جهة العقول دون ما لا يتعارف في العقول،بل يحتاج إلى مقدّمات لا يتعارفها العقلاء من أهل اللّغة،و المراعى في ذلك أن يكون هناك تعارف من جهة العقل تقتضيه الحكمة،دون عادة أو تعارف شيء لأنّ الحجّة في الأوّل دون الثّاني،و من جهة التباس ذلك دخل الغلط على كثير من النّاس.

فإن قيل:كيف عدّدتم من جملة المحكم قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11،مع الاشتباه فيه بدخول الكاف؟قلنا:إنّما قلنا:إنّه محكم،لأنّ مفهومه ليس مثله شيء على وجه من الوجوه،دون أن يكون عند أحد من أهل التّأويل،ليس مثل مثله شيء،فدخول الكاف و إن اشتبه على بعض النّاس لم دخلت،فلم يشتبه عليه المعنى الأوّل الّذي من أجله كان محكما.و قد حكينا فيما مضى عن المرتضى(ره)عليّ بن الحسين الموسويّ أنّه قال:

الكاف ليست زائدة و إنّما نفى أن يكون لمثله مثل،فإذا ثبت ذلك علم أنّه لا مثل له،لأنّه لو كان له مثل لكان له أمثال،فكان يكون لمثله مثل،فإذا لم يكن له مثل مثل دلّ على أنّه لا مثل له،غير أنّ هذا تدقيق في المعنى، فتصير الآية على هذا متشابهة،لأن ذلك معلوم بالادلّة.

و قد يكون الشّيء محكما من وجه و متشابها من وجه،كما يكون معلوما من وجه،و مجهولا من وجه، فتصحّ الحجّة به من وجه المعلوم دون المجهول.

(2:394)

الواحديّ: هذه الآيات محكمات،لأنّها لا تحتمل من التّأويل غير وجه واحد.[إلى أن قال:]و قوله:

وَ أُخَرُ جمع أخرى مُتَشابِهاتٌ يريد:الّتي تشابهت على اليهود و هي حروف التّهجّي في أوائل السّور،و ذلك لأنّهم أوّلوا على حساب الجمّل،و طلبوا أن يستخرجوا منها مدّة بقاء هذه الأمّة،فاختلط عليهم و اشتبه.

و المتشابه من القرآن:ما احتمل من التّأويل أوجها،و سمّي متشابها؛لأنّ لفظه يشبه لفظ غيره، و معناه يخالف معناه،قال اللّه تعالى في وصف ثمار الجنّة:

وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً البقرة:25،أي متّفق المناظر مختلف الطّعوم.ثمّ يقال لكلّ ما غمض و دقّ متشابه،ف.

ص: 447


1- كذا و الظّاهر:ما تعارف.

و إن لم تقع الحيرة فيه من جهة الشّبه بغيره،أ لا ترى أنّه قيل للحروف المقطّعة في أوائل السّور متشابه،و ليس الشّكّ فيها لمشاكلتها غيرها و التباسها به.(1:413)

البغويّ: مبيّنات مفصّلات،سمّيت محكمات من الإحكام لإحكامها،فمنع الخلق من التّصرّف فيها، لظهورها و وضوح معناها.[إلى أن قال:]

فإن قيل:كيف فرّق هاهنا بين المحكم و المتشابه، و قد جعل اللّه كلّ القرآن محكما في مواضع أخر؟و قال:

الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،و جعل كلّه متشابها في موضع آخر،فقال: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً الزّمر:23.

قيل:حيث جعل الكلّ محكما،أراد أنّ الكلّ حقّ، ليس فيه عبث و لا هزل،و حيث جعل الكلّ متشابها، أراد أنّ بعضه يشبه بعضا في الحقّ و الصّدق و الحسن، و جعل بعضه هاهنا محكما و بعضه متشابها.(4091)

نحوه الخازن.(1:268)

الميبديّ: أي متقنات مبيّنات مفصّلات،لا إشكال في لفظهنّ و ظاهرهنّ،يعمل بهنّ.(2:16)

الزّمخشريّ: أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال و الاشتباه، مُتَشابِهاتٌ مشتبهات محتملات هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أي أصل الكتاب،تحمل المتشابهات عليها و تردّ إليها،و مثال ذلك: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ الأنعام:103 إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيامة:23، لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ الأعراف:28، أَمَرْنا مُتْرَفِيها الإسراء:16.

فإن قلت:فهلاّ كان القرآن كلّه محكما؟قلت:لو كان كلّه محكما لتعلّق النّاس به لسهولة مأخذه، و لأعرضوا عمّا يحتاجون فيه إلى الفحص و التّأمّل من النّظر و الاستدلال،و لو فعلوا ذلك لعطّلوا الطّريق الّذي لا يتوصّل إلى معرفة اللّه و توحيده إلاّ به،و لما في المتشابه من الابتلاء و التّمييز بين الثّابت على الحقّ و المتزلزل فيه،و لما في تقادح العلماء و إتعابهم القرائح في استخراج معانيه و ردّه إلى المحكم من الفوائد الجليلة و العلوم الجمّة،و نيل الدّرجات عند اللّه.و لأنّ المؤمن المعتقد أن لا مناقضة في كلام اللّه و لا اختلاف فيه-إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهره و أهمّه طلب ما يوفّق بينه و يجريه على سنن واحد،ففكّر و راجع نفسه و غيره،ففتح اللّه عليه و تبيّن مطابقة المتشابه المحكم-ازداد طمأنينة إلى معتقده و قوّة في إيقانه.(1:412)

نحوه الشّربينيّ.(1:196)

ابن عطيّة: و المحكمات:المفصّلات المبيّنات الثّابتات الأحكام،و المتشابهات:هي الّتي فيها نظر و تحتاج إلى تأويل،و يظهر فيها ببادئ النّظر إمّا تعارض مع اخرى أو مع العقل،إلى غير ذلك من أنواع التّشابه، فهذا الشّبه الّذي من أجله توصف ب مُتَشابِهاتٌ إنّما هو بينها و بين المعاني الفاسدة الّتي يظنّها أهل الزّيغ و من لم يمعن النّظر.

و هذا نحو الحديث الصّحيح،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الحلال بيّن و الحرام بيّن،و بينهما أمور متشابهات»،أي يكون الشّيء حراما في نفسه فيشبه عند من لم يمعن النّظر شيئا

ص: 448

حلالا.و كذلك الآية يكون لها في نفسها معنى صحيح، فتشبه عند من لم يمعن النّظر،أو عند الزّائغ معنى آخر فاسدا،فربّما أراد الاعتراض به على كتاب اللّه.

هذا عندي معنى الإحكام و التّشابه في هذه الآية، أ لا ترى أنّ نصارى نجران قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أ ليس في كتابك أنّ عيسى كلمة و روح منه؟قال:«نعم»،قالوا:

فحسبنا إذا.[ثمّ نقل أقوال ابن عبّاس و ابن مسعود و أضاف:]

و هذا عندي على جهة التّمثيل،أي يوجد الإحكام في هذا و التّشابه في هذا،لا أنّه وقف على هذا النّوع من الآيات.و قال بهذا القول قتادة و الرّبيع و الضّحّاك.[ثمّ نقل قول مجاهد و عكرمة و أضاف:]

و هذه الأقوال و ما ضارعها يضعّفها أنّ أهل الزّيغ لا تعلّق لهم بنوع ممّا ذكر دون سواه.[ثمّ نقل قول ابن الزّبير و قال:]

و هذا أحسن الأقوال في هذه الآية.(1:400)

الطّبرسيّ: قيل في المحكم و المتشابه أقوال:

أحدها:أنّ المحكم:ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن إليه،و لا دلالة تدلّ على المراد به، لوضوحه،نحو قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ النّساء:40،و نحو ذلك ممّا لا يحتاج في معرفة المراد به إلى دليل.و المتشابه:ما لا يعلم المراد بظاهره حتّى يقترن به ما يدلّ على المراد منه،لالتباسه نحو قوله: وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ، فإنّه يفارق قوله: وَ أَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ طه:85،لأنّ إضلال السّامريّ قبيح،و إضلال اللّه تعالى حسن،و هذا معنى قول مجاهد:المحكم:ما لم تشتبه معانيه.و المتشابه:ما اشتبهت معانيه.

و إنّما يقع الاشتباه في أمور الدّين كالتّوحيد و نفي التّشبيه و الجور.أ لا ترى أنّ قوله: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الأعراف:54،يحتمل في اللّغة أن يكون كاستواء الجالس على سريره،و أن يكون بمعنى القهر و الاستيلاء.و الوجه الأوّل لا يجوز عليه سبحانه.[ثمّ نقل سائر الأقوال](1:409)

الفخر الرّازيّ: المسألة الثّانية:اعلم أنّ القرآن دلّ على أنّه بكلّيّته محكم،و دلّ على أنّه بكلّيّته متشابه، و دلّ على أنّ بعضه محكم،و بعضه متشابه.

أمّا ما دلّ على أنّه بكلّيّته محكم،فهو قوله: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ يونس:1، الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،فذكر في هاتين الآيتين أنّ جميعه محكم،و المراد من المحكم بهذا المعنى كونه كلاما حقّا فصيح الألفاظ صحيح المعاني.و كلّ قول و كلام يوجد،كان القرآن أفضل منه في فصاحة اللّفظ و قوّة المعنى،و لا يتمكّن أحد من إتيان كلام يساوي القرآن في هذين الوصفين.و العرب تقول في البناء الوثيق و العقد الوثيق الّذي لا يمكن حلّه:محكم،فهذا معنى وصف جميعه بأنّه محكم.

و أمّا ما دلّ على أنّه بكلّيّته متشابه،فهو قوله تعالى:

كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ الزّمر:23،و المعنى أنّه يشبه بعضه بعضا في الحسن و يصدّق بعضه بعضا،و إليه الإشارة بقوله تعالى: وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ

ص: 449

لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82،أي لكان بعضه واردا على نقيض الآخر،و لتفاوت نسق الكلام في الفصاحة و الرّكاكة.

و أمّا ما دلّ على أنّ بعضه محكم و بعضه متشابه، فهو هذه الآية الّتى نحن في تفسيرها،و لا بدّلنا من تفسير المحكم و المتشابه بحسب أصل اللّغة،ثمّ من تفسيرهما في عرف الشّريعة.

أمّا المحكم فالعرب تقول:حاكمت و حكمت و أحكمت بمعنى رددت،و منعت،و الحاكم يمنع الظّالم عن الظّلم،و حكمة اللّجام الّتي هي تمنع الفرس عن الاضطراب،و في حديث النّخعيّ: «أحكم اليتيم كما تحكم ولدك»أي امنعه عن الفساد،و قال جرير:

أحكموا سفهاءكم،أي امنعوهم،و بناء محكم،أي وثيق يمنع من تعرّض له،و سمّيت الحكمة حكمة،لأنّها تمنع عمّا لا ينبغي.

و أمّا المتشابه فهو أن يكون أحد الشّيئين مشابها للآخر بحيث يعجز الذّهن عن التّمييز،قال اللّه تعالى:

إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا البقرة:70،و قال في وصف ثمار الجنّة: وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً البقرة:25،أي متّفق المنظر مختلف الطّعوم،و قال اللّه تعالى: تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ البقرة:118،و منه يقال:اشتبه عليّ الأمران، إذا لم يفرّق بينهما،و يقال لأصحاب المخاريق:أصحاب الشّبه.و قال عليه السّلام:«الحلال بيّن و الحرام بيّن،و بينهما أمور متشابهات».و في رواية أخرى مشتبهات.

ثمّ لمّا كان من شأن المتشابهين عجز الإنسان عن التّمييز بينهما،سمّي كلّ ما لا يهتدي الإنسان إليه بالمتشابه،إطلاقا لاسم السّبب على المسبّب.

و نظيره المشكل سمّي بذلك،لأنّه أشكل،أي دخل في شكل غيره فأشبهه و شابهه،ثمّ يقال لكلّ ما غمض و إن لم يكن غموضه من هذه الجهة:مشكل.

و يحتمل أن يقال:إنّه الّذي لا يعرف أنّ الحقّ ثبوته أو عدمه،و كان الحكم بثبوته مساويا للحكم بعدمه في العقل و الذّهن،و مشابها له،و غير متميّز أحدهما عن الآخر بمزيد رجحان،فلا جرم سمّي غير المعلوم بأنّه متشابه.فهذا تحقيق القول في المحكم و المتشابه بحسب أصل اللّغة،فنقول:

النّاس قد أكثروا من الوجوه في تفسير المحكم و المتشابه،و نحن نذكر الوجه الملخّص الّذي عليه أكثر المحقّقين،ثمّ نذكر عقيبه أقوال النّاس فيه فنقول:اللّفظ الّذي جعل موضوعا لمعنى،فإمّا أن يكون محتملا لغير ذلك المعنى،و إمّا أن لا يكون،فإذا كان اللّفظ موضوعا لمعنى،و لا يكون محتملا لغيره،فهذا هو النّصّ.

و أمّا إن كان محتملا لغيره فلا يخلو إمّا أن يكون احتماله لأحدهما راجحا على الآخر،و إمّا أن لا يكون كذلك بل يكون احتماله لهما على السّواء،فإن كان احتماله لأحدهما راجحا على الآخر سمّي ذلك اللّفظ بالنّسبة إلى الرّاجح ظاهرا،و بالنّسبة إلى المرجوح مؤوّلا.و أمّا إن كان احتماله لهما على السّويّة كان اللّفظ بالنّسبة إليهما معا مشتركا،و بالنّسبة إلى كلّ واحد منهما.على التّعيين مجملا،فقد خرج من التّقسيم الّذي ذكرناه أنّ اللّفظ إمّا

ص: 450

أن يكون نصّا،أو ظاهرا،أو مؤوّلا،أو مشتركا،أو مجملا.

أمّا النّصّ و الظّاهر فيشتركان في حصول التّرجيح، إلاّ أنّ النّصّ راجح مانع من الغير،و الظّاهر راجح غير مانع من الغير،فهذا القدر المشترك هو المسمّى بالمحكم.

و أمّا المجمل و المؤوّل فهما مشتركان في أنّ دلالة اللّفظ عليه غير راجحة،و إن لم يكن راجحا لكنّه غير مرجوح.و المؤوّل مع أنّه غير راجح فهو مرجوح لا بحسب الدّليل المنفرد.فهذا القدر المشترك هو المسمّى بالمتشابه،لأنّ عدم الفهم حاصل في القسمين جميعا.

و قد بيّنّا أنّ ذلك يسمّى متشابها،إمّا لأنّ الّذي لا يعلم يكون النّفي فيه مشابها للإثبات في الذّهن،و إمّا لأجل أنّ الّذي يحصل فيه التّشابه يصير غير معلوم، فأطلق لفظ المتشابه على ما لا يعلم إطلاقا لاسم السّبب على المسبّب.فهذا هو الكلام المحصّل في المحكم و المتشابه.

ثمّ اعلم أنّ اللّفظ إذا كان بالنّسبة إلى المفهومين على السّويّة،فهاهنا يتوقّف الذّهن،مثل:القرء،بالنّسبة إلى الحيض و الطّهر،إنّما المشكل بأن يكون اللّفظ بأصل وضعه راجحا في أحد المعنيين،و مرجوحا في الآخر، ثمّ كان الرّاجح باطلا،و المرجوح حقّا،و مثاله من القرآن قوله تعالى: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ الإسراء:16.فظاهر هذا الكلام أنّهم يؤمرون بأن يفسقوا،و محكمه قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ الأعراف:28،رادّا على الكفّار فيما حكى عنهم وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَ اللّهُ أَمَرَنا بِها الأعراف:28، و كذلك قوله تعالى: نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ التّوبة:67.

و ظاهر النّسيان ما يكون ضدّا للعلم،و مرجوحه التّرك.

و الآية المحكمة فيه قوله تعالى: وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا مريم:64،و قوله تعالى: لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى طه:52.

و اعلم أنّ هذا موضع عظيم فنقول:إنّ كلّ واحد من أصحاب المذاهب يدّعي أنّ الآيات الموافقة لمذهبه محكمة،و أنّ الآيات الموافقة لقول خصمه متشابهة، فالمعتزليّ يقول:قوله: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ الكهف:29،محكم،و قوله: وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ التّكوير:29،متشابه.

و السّنّي يقلّب الأمر في ذلك.فلا بدّ هاهنا من قانون يرجع إليه في هذا الباب،فنقول:

اللّفظ إذا كان محتملا لمعنيين و كان بالنّسبة إلى أحدهما راجحا،و بالنّسبة إلى الآخر مرجوحا،فإن حملناه على الرّاجح و لم نحمله على المرجوح،فهذا هو المحكم.و أمّا إن حملناه على المرجوح و لم نحمله على الرّاجح،فهذا هو المتشابه.فنقول:صرف اللّفظ عن الرّاجح إلى المرجوح لا بدّ فيه من دليل منفصل،و ذلك الدّليل المنفصل إمّا أن يكون لفظيّا و إمّا أن يكون عقليّا.

أمّا القسم الأوّل:فنقول:هذا إنّما يتمّ إذا حصل بين ذينك الدّليلين اللّفظيّين تعارض،و إذا وقع التّعارض بينهما فليس ترك ظاهر أحدهما رعاية لظاهر الآخر أولى من العكس،اللّهم إلاّ أن يقال:إنّ أحدهما قاطع في

ص: 451

دلالته و الآخر غير قاطع،فحينئذ يحصل الرّجحان،أو يقال:كلّ واحد منهما و إن كان راجحا إلاّ أنّ أحدهما يكون أرجح،و حينئذ يحصل الرّجحان إلاّ أنّا نقول:

أمّا الأوّل فباطل،لأنّ الدّلائل اللّفظيّة لا تكون قاطعة البتّة،لأنّ كلّ دليل لفظيّ فإنّه موقوف على نقل اللّغات،و نقل وجوه النّحو و التّصريف،و موقوف على عدم الاشتراك و عدم المجاز،و عدم التّخصيص،و عدم الإضمار،و عدم المعارض النّقليّ و العقليّ،و كلّ ذلك مظنون،و الموقوف على المظنون أولى أن يكون مظنونا، فثبت أنّ شيئا من الدّلائل اللّفظيّة لا يكون قاطعا.

و أمّا الثّاني و هو أن يقال:أحد الدّليلين أقوى من الدّليل الثّاني،و إن كان أصل الاحتمال قائما فيهما معا، فهذا صحيح،و لكن على هذا التّقدير يصير صرف الدّليل اللّفظيّ عن ظاهره إلى المعنى المرجوح ظنّيّا، و مثل هذا لا يجوز التّعويل عليه في المسائل الأصوليّة،بل يجوز التّعويل عليه في المسائل الفقهيّة.

فثبت بما ذكرناه أنّ صرف اللّفظ عن معناه الرّاجح إلى معناه المرجوح في المسائل القطعيّة لا يجوز إلاّ عند قيام الدّليل القطعيّ العقليّ على أنّ ما أشعر به ظاهر اللّفظ محال.و قد علمنا في الجملة أنّ استعمال اللّفظ في معناه المرجوح جائز عند تعذّر حمله على ظاهره،فعند هذا يتعيّن التّأويل.فظهر أنّه لا سبيل إلى صرف اللّفظ عن معناه الرّاجح إلى معناه المرجوح،إلاّ بواسطة إقامة الدّلالة العقليّة القاطعة على أنّ معناه الرّاجح محال عقلا.

ثمّ إذا قامت هذه الدّلالة و عرف المكلّف أنّه ليس مراد اللّه تعالى من هذا اللّفظ ما أشعر به ظاهره،فعند هذا لا يحتاج إلى أن يعرف أنّ ذلك المرجوح الّذي هو المراد ما ذا،لأنّ السّبيل إلى ذلك إنّما يكون بترجيح مجاز على مجاز،و ترجيح تأويل على تأويل،و ذلك التّرجيح لا يمكن إلاّ بالدّلائل اللّفظيّة.

و الدّلائل اللّفظية على ما بيّنّا ظنّيّة،لا سيّما الدّلائل المستعملة في ترجيح مرجوح على مرجوح آخر يكون في غاية الضّعف،و كلّ هذا لا يفيد إلاّ الظّنّ الضّعيف، و التّعويل على مثل هذه الدّلائل في المسائل القطعيّة محال،فلهذا التّحقيق المتين مذهبا،أنّ بعد إقامة الدّلالة القطعيّة على أنّ حمل اللّفظ على الظّاهر محال،لا يجوز الخوض في تعيين التّأويل.فهذا منتهى ما حصّلناه في هذا الباب،و اللّه وليّ الهداية و الرّشاد.

المسألة الثّالثة:في حكاية أقوال النّاس في المحكم و المتشابه.

فالأوّل:ما نقل عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّه قال:المحكمات:هي الثّلاث آيات الّتي في سورة الأنعام: قُلْ تَعالَوْا الأنعام:151،إلى آخر الآيات الثّلاث.و المتشابهات:هي الّتي تشابهت على اليهود، و هي أسماء حروف الهجاء المذكورة في أوائل السّور، و ذلك أنّهم أوّلوها على حساب الجمّل،فطلبوا أن يستخرجوا منها مدّة بقاء هذه الأمّة،فاختلط الأمر عليهم و اشتبه.

و أقول:التّكاليف الواردة من اللّه تعالى تنقسم إلى قسمين:منها ما لا يجوز أن يتغيّر بشرع و شرع.و ذلك

ص: 452

كالأمر بطاعة اللّه تعالى،و الاحتراز عن الظّلم و الكذب و الجهل،و قتل النّفس بغير حقّ.و منها ما يختلف بشرع و شرع كأعداد الصّلوات،و مقادير الزّكوات،و شرائط البيع و النّكاح،و غير ذلك.فالقسم الأوّل هو المسمّى بالمحكم عند ابن عبّاس،لأنّ الآيات الثّلاث في سورة الأنعام مشتملة على هذا القسم.

و أمّا المتشابه فهو الّذي سمّيناه بالمجمل،و هو ما يكون دلالة اللّفظ بالنّسبة إليه و إلى غيره على السّويّة، فإنّ دلالة هذه الألفاظ على جميع الوجوه الّتي تفسّر هذه الألفاظ بها على السّويّة،لا بدليل منفصل على ما لخّصناه في أوّل سورة البقرة.

القول الثّاني:و هو أيضا مرويّ عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:أنّ المحكم هو النّاسخ،و المتشابه هو المنسوخ.

و القول الثّالث:قال الأصمّ:المحكم:هو الّذي يكون دليله واضحا لائحا،مثل ما أخبر اللّه تعالى به من إنشاء الخلق في قوله تعالى: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً المؤمنون:14،و قوله: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ الأنبياء:30،و قوله: وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ البقرة:22.و المتشابه:

ما يحتاج في معرفته إلى التّدبّر و التّأمّل،نحو الحكم بأنّه تعالى يبعثهم بعد أن صاروا ترابا،و لو تأمّلوا لصار المتشابه عندهم محكما،لأنّ من قدر على الإنشاء أوّلا قدر على الإعادة ثانيا.

و اعلم أنّ كلام الأصمّ غير ملخّص،فإنّه إن عنى بقوله:«المحكم ما يكون دلائله واضحة»أنّ المحكم:هو الّذي يكون دلالة لفظه على معناه متعيّنة راجحة، و المتشابه:ما لا يكون كذلك،و هو إمّا المجمل المتساوي، أو المؤوّل المرجوح،فهذا هو الّذي ذكرناه أوّلا.

و إن عنى به أنّ المحكم هو الّذي يعرف صحّة معناه من غير دليل،فيصير المحكم على قوله ما يعلم صحّته بضرورة العقل،و المتشابه ما يعلم صحّته بدليل العقل.

و على هذا يصير جملة القرآن متشابها،لأنّ قوله:

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً أمر يحتاج في معرفة صحّته إلى الدّلائل العقليّة،و إنّ أهل الطّبيعة يقولون:السّبب في ذلك الطّبائع و الفصول،أو تأثيرات الكواكب، و تركيبات العناصر و امتزاجاتها،فكما أنّ إثبات الحشر و النّشر مفتقر إلى الدّليل،فكذلك إسناد هذه الحوادث إلى اللّه تعالى مفتقر إلى الدّليل.

و لعلّ الأصمّ يقول:هذه الأشياء و إن كانت كلّها مفتقرة إلى الدّليل،إلاّ أنّها تنقسم إلى ما يكون الدّليل فيه ظاهرا،بحيث تكون مقدّماته قليلة مرتّبة مبيّنة، يؤمن الغلط معها إلاّ نادرا،و منها ما يكون الدّليل فيه خفيّا كثير المقدّمات غير مرتّبة،فالقسم الأوّل:هو المحكم،و الثّاني:هو المتشابه.

القول الرّابع:أنّ كلّ ما أمكن تحصيل العلم به،سواء كان ذلك بدليل جليّ،أو بدليل خفيّ،فذاك هو المحكم.

و كلّ ما لا سبيل إلى معرفته فذاك هو المتشابه،و ذلك كالعلم بوقت قيام السّاعة،و العلم بمقادير الثّواب و العقاب في حقّ المكلّفين،و نظيره قوله تعالى:

ص: 453

يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها الأعراف:187.

المسألة الرّابعة:في الفوائد الّتي لأجلها جعل بعض القرآن محكما و بعضه متشابها.

اعلم أنّ من الملاحدة من طعن في القرآن،لأجل اشتماله على المتشابهات،و قال:إنّكم تقولون إنّ تكاليف الخلق مرتبطة بهذا القرآن إلى قيام السّاعة،ثمّ إنّا نراه بحيث يتمسّك به كلّ صاحب مذهب على مذهبه، فالجبريّ يتمسّك بآيات الجبر،كقوله تعالى: وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً الأنعام:

25،و القدريّ يقول:بل هذا مذهب الكفّار،بدليل أنّه تعالى حكى ذلك عن الكفّار في معرض الذّمّ لهم في قوله:

وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ فصّلت:5،و في موضع آخر: وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ البقرة:88.و أيضا مثبت الرّؤية يتمسّك بقوله:

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيمة:22، 23،و النّافي يتمسّك بقوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ الأنعام:103.و مثبت الجهة يتمسّك بقوله: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ النّحل:50،و بقوله: اَلرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى طه:5،و النّافي يتمسّك بقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11.ثمّ إنّ كلّ واحد يسمّي الآيات الموافقة لمذهبه:محكمة،و الآيات المخالفة لمذهبه:

متشابهة،و ربّما آل الأمر في ترجيح بعضها على بعض إلى ترجيحات خفيّة،و وجوه ضعيفة،فكيف يليق بالحكيم أن يجعل الكتاب الّذي هو المرجوع إليه في كلّ الدّين إلى قيام السّاعة هكذا؟أ ليس أنّه لو جعله ظاهرا جليّا نقيّا عن هذه المتشابهات كان أقرب إلى حصول الغرض؟

و اعلم أنّ العلماء ذكروا في فوائد المتشابهات وجوها:

الوجه الأوّل:أنّه متى كانت المتشابهات موجودة، كان الوصول إلى الحقّ أصعب و أشقّ،و زيادة المشقّة توجب مزيد الثّواب،قال اللّه تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصّابِرِينَ آل عمران:142.

الوجه الثّاني:لو كان القرآن محكما بالكلّيّة لما كان مطابقا إلاّ لمذهب واحد،و كان تصريحه مبطلا لكلّ ما سوى ذلك المذهب،و ذلك ممّا ينفّر أرباب المذاهب عن قبوله و عن النّظر فيه،فالانتفاع به إنّما حصل لما كان مشتملا على المحكم و على المتشابه،فحينئذ يطمع صاحب كلّ مذهب أن يجد فيه ما يقوّي مذهبه،و يؤثر مقالته،فحينئذ ينظر فيه جميع أرباب المذاهب،و يجتهد في التّأمّل فيه كلّ صاحب مذهب،فإذا بالغوا في ذلك صارت المحكمات مفسّرة للمتشابهات،فبهذا الطّريق يتخلّص المبطل عن باطله،و يصل إلى الحقّ.

الوجه الثّالث:أنّ القرآن إذا كان مشتملا على المحكم و المتشابه،افتقر النّاظر فيه إلى الاستعانة بدليل العقل، و حينئذ يتخلّص عن ظلمة التّقليد،و يصل إلى ضياء الاستدلال و البيّنة،أمّا لو كان كلّه محكما لم يفتقر إلى التّمسّك بالدّلائل العقليّة،فحينئذ كان يبقى في الجهل و التّقليد.

الوجه الرّابع:لمّا كان القرآن مشتملا على المحكم

ص: 454

و المتشابه،افتقروا إلى تعلّم طرق التّأويلات،و ترجيح بعضها على بعض،و افتقر تعلّم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللّغة و النّحو و علم أصول الفقه،و لو لم يكن الأمر كذلك ما كان يحتاج الإنسان إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة،فكان إيراد هذه المتشابهات لأجل هذه الفوائد الكثيرة.

الوجه الخامس-و هو السّبب الأقوى في هذا الباب-:أنّ القرآن كتاب مشتمل على دعوة الخواصّ و العوامّ بالكلّيّة،و طبائع العوامّ تنبو في أكثر الأمر عن إدراك الحقائق،فمن سمع من العوامّ في أوّل الأمر إثبات موجود ليس بجسم و لا بمتحيّز و لا مشار إليه،ظنّ أنّ هذا عدم و نفي فوقع في التّعطيل،فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالّة على بعض ما يناسب ما يتوهّمونه و يتخيّلونه،و يكون ذلك مخلوطا بما يدلّ على الحقّ الصّريح:فالقسم الأوّل-و هو الّذي يخاطبون به في أوّل الأمر-يكون من باب المتشابهات.و القسم الثّانى-و هو الّذي يكشف لهم في آخر الأمر-هو المحكمات.فهذا ما حضرنا في هذا الباب،و اللّه أعلم بمراده.(7:179)

نحوه النيسابوريّ.(3:125)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ و(من)للتّبعيض،و قال في موضع آخر:

كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،و هذا يقتضى كون جميع آياته محكمة؟

قلنا:المراد بقوله: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ، أي ناسخات. وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، أي منسوخات، و قيل:المحكمات:العقليّات،و المتشابهات:

الشّرعيّات.و قيل:المحكمات:ما ظهر معناها، و المتشابهات:ما كان في معناها غموض و دقّة.و المراد بقوله: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ أنّ جميع القرآن صحيح ثابت،مصون عن الخلل و الزّلل،فلا تنافي.

فإن قيل:كيف قال هنا: وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ جعل بعضه متشابها،و قال في موضع آخر: كِتاباً مُتَشابِهاً وصفه كلّه بكونه متشابها.

قلنا:المراد بقوله: وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ما سبق ذكره،و المراد بقوله: كِتاباً مُتَشابِهاً الزّمر:23، أنّه يشبه بعضه بعضا في الصّحّة و عدم التّناقض،و تأييد بعضه بعضا،فلا تنافي؟

فإن قيل:ما فائدة إنزال المتشابهات بالمعنى الأخير، و المقصود من إنزال القرآن إنّما هو البيان و الهدى، و الغموض و الدّقّة في المعاني ينافي هذا المقصود أو يبعده؟

قلنا:لمّا كان كلام العرب ينقسم إلى ما يفهم معناه سريعا،و لا يحتمل غير ظاهره،و إلى ما هو مجاز و كناية و إشارة و تلويح-و المعاني فيه متعارضة متزاحمة.و هذا القسم هو المستحسن عندهم،و المستبدع في كلامهم- نزل القرآن بالنّوعين تحقيقا لمعنى الإعجاز،كأنّه قال:

عارضوه بأيّ النّوعين شئتم فإنّه جامع لهما.

و أنزله اللّه عزّ و جلّ محكما و متشابها ليختبر من يؤمن بكلّه،و يردّ علم ما تشابه منه إلى اللّه فيثيبه،و من يرتاب فيه و يشكّ و هو المنافق فيعاقبه،كما ابتلى عباده بنهر طالوت و غيره.

ص: 455

أو أراد أن يشتغل العلماء بردّ المتشابه إلى المحكم بالنّظر و الاستدلال و البحث و الاجتهاد فيثابون على هذه العبادة،و لو كان كلّه ظاهرا جليّا لاستوى فيه العلماء و الجهّال،و لماتت الخواطر بعدم البحث و الاستنباط،فإنّ نار الفكر إنّما تقدح بزناد المشكلات،و لهذا قال بعض الحكماء:عيب الغنى أنّه يورث البلادة و يميت الخاطر، و فضيلة الفقر أنّه يبعث على إعمال الفكر و استنباط الحيل في الكسب.(مسائل الرّازيّ: 26)

القرطبيّ: اختلف العلماء في المحكمات و المتشابهات على أقوال عديدة.[ثمّ نقل قول جابر بن عبد اللّه،و قال:]

قلت:هذا أحسن ما قيل في المتشابه...

و قد قيل:القرآن كلّه محكم لقوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1.و قيل:كلّه متشابه لقوله:

كِتاباً مُتَشابِهاً. قلت:و ليس هذا من معنى الآية في شيء،فإنّ قوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ، أي في النّظم و الرّصف،و إنّه حقّ من عند اللّه.و معنى كِتاباً مُتَشابِهاً، أي يشبه بعضه بعضا.و يصدّق بعضه بعضا،و ليس المراد بقوله: آياتٌ مُحْكَماتٌ ... وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ آل عمران:7،هذا المعنى،و إنّما المتشابه في هذه الآية من باب الاحتمال و الاشتباه من قوله: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا، أي التبس علينا،أي يحتمل أنواعا كثيرة من البقر.و المراد بالمحكم:ما في مقابلة هذا،و هو ما لا التباس فيه،و لا يحتمل إلاّ وجها واحدا.

و قيل:إنّ المتشابه:ما يحتمل وجوها،ثمّ إذا ردّت الوجوه إلى وجه واحد و أبطل الباقي صار المتشابه محكما.فالمحكم أبدا أصل تردّ إليه الفروع،و المتشابه هو الفرع.[ثمّ نقل قول النّحّاس و أضاف:]

قلت:ما قاله النّحّاس يبيّن ما اختاره ابن عطيّة، و هو الجاري على وضع اللّسان،و ذلك أنّ المحكم اسم مفعول من أحكم،و الإحكام:الإتقان،و لا شكّ في أنّ ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه و لا تردّد،إنّما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته.و إتقان تركيبها،و متى اختلّ أحد الأمرين جاء التّشابه و الإشكال،و اللّه أعلم.

(4:9)

البيضاويّ: أحكمت عبارتها بأن حفظت من الإجمال و الاحتمال... وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ محتملات، لا يتّضح مقصودها لإجمال أو مخالفة ظاهر إلاّ بالفحص و النّظر،ليظهر فيها فضل العلماء،و يزداد حرصهم على أن يجتهدوا في تدبّرها،و تحصيل العلوم المتوقّف عليها استنباط المراد بها،فينالوا بها و بإتعاب القرائح في استخراج معانيها،و التّوفيق بينها و بين المحكمات، معالي الدّرجات.

و أمّا قوله تعالى: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ فمعناه أنّها حفظت من فساد المعنى و ركاكة اللّفظ،و قوله:

كِتاباً مُتَشابِهاً فمعناه أنّه يشبه بعضه بعضا في صحّة المعنى و جزالة اللّفظ.(1:149)

النّسفىّ:أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال و الاشتباه، هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ: أصل الكتاب،تحمل

ص: 456

المتشابهات عليها،و تردّ إليها.(و أخر):و آيات آخر مُتَشابِهاتٌ: مشتبهات محتملات،مثال ذلك:

اَلرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى، فالاستواء يكون بمعنى الجلوس،و بمعنى القدرة و الاستيلاء.و لا يجوز الأوّل على اللّه تعالى بدليل المحكم،و هو قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.

أو المحكم:ما أمر اللّه به في كلّ كتاب أنزله،نحو قوله:

قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ الأنعام:151، وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ الإسراء:23.

و المتشابه:ما وراءه.أو ما لا يحتمل إلاّ وجها واحدا.

و ما احتمل أوجها أو ما يعلم تأويله و ما لا يعلم تأويله،أو النّاسخ الّذي يعمل به،و المنسوخ الّذي لا يعمل به.

و إنّما لم يكن كلّ القرآن محكما لما في المتشابه من الابتلاء به،و التّمييز بين الثّابت على الحقّ و المتزلزل فيه،و لما في تقادح العلماء و إتعابهم القرائح في استخراج معانيه،و ردّه إلى المحكم من الفوائد الجليلة و العلوم الجمّة،و نيل الدّرجات عند اللّه تعالى.(1:146)

ابن تيميّة:[له بحث طويل في تفسير الآية نفهرسها فيما يأتي:

1-معاني المحكم و المتشابه في القرآن.

2-معنى التّأويل و من يعلمه من الرّاسخين في العلم،و الّذين يدّعون التّأويل خطأ.

3-تأويل الحروف المقطّعة في صدر السّور و أنّها من المتشابه،و معنى التّأويل عند السّلف و معناه اللّغويّ.

4-هل أسماء اللّه و صفاته داخلة في المتشابه؟و رأي المعتزلة فيهما و الرّدّ عليهم.

5-الفرق بين المعنى و التّأويل.

6-سبب الاختلاف الشّديد بين الفرق في المتشابه.

7-من المتشابه الواضح تشابهه:هو النّظر في سرّ القدر السّابق في الشّرور،و ما قاله الغزاليّ فيه.

8-مسألة الجبر.

9-أقسام المتشابه.](القاسميّ 4:752-796)

أبو حيّان :قد جاء وصف القرآن بأنّ آياته محكمة، بمعنى كونه كاملا و لفظه أفصح،و معناه أصحّ،لا يساويه في هذين الوصفين كلام.و جاء وصفه بالتّشابه بقوله:

كِتاباً مُتَشابِهاً الزّمر:23،معناه يشبه بعضه بعضا في الجنس و التّصديق.

و أمّا هنا فالتّشابه:ما احتمل،و عجز الذّهن عن التّمييز بينهما،نحو: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا البقرة:

70. وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً البقرة:25،أي مختلف الطّعوم متّفق المنظر،و منه اشتبه الأمران،إذا لم يفرّق بينهما،و يقال:لأصحاب المخاريق:أصحاب الشّبه.و تقول:الكلمة الموضوعة لمعنى لا يحتمل غيره:نصّ،أو يحتمل راجحا أحد الاحتمالين على الآخر،فبالنّسبة الرّاجح ظاهر و إلى المرجوح مؤوّل.أو يحتمل من غير رجحان فمشترك بالنّسبة إليهما،و مجمل بالنّسبة إلى كلّ واحد منهما.و القدر المشترك بين النّصّ و الظّاهر هو المحكم،و المشترك بين المجمل و المؤوّل هو المتشابه، لأنّ عدم الفهم حاصل في القسمين.(2:381)

ص: 457

ابن كثير: يخبر تعالى أنّ في القرآن آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب،أي بيّنات واضحات الدّلالة لا التباس فيها على أحد،و منه آيات أخر فيها اشتباه في الدّلالة على كثير من النّاس أو بعضهم،فمن ردّ ما اشتبه إلى الواضح منه،و حكّم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى،و من عكس انعكس،و لهذا قال تعالى: هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ، أي أصله الّذي يرجع إليه عند الاشتباه.

وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم، و قد تحتمل شيئا آخر من حيث اللّفظ و التّركيب،لا من حيث المراد.و قد اختلفوا في المحكم و المتشابه.[ثمّ نقل الأقوال و أضاف:]

و أحسن ما قيل فيه:هو الّذي قدّمنا،و هو الّذي نصّ عليه محمّد بن إسحاق بن يسار رحمه اللّه حيث قال:

مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ فهنّ حجّة الرّبّ و عصمة العباد، و دفع الخصوم الباطل،ليس لهنّ تصريف و لا تحريف عمّا وضعن عليه.قال:و المتشابهات في الصّدق ليس لهنّ تصريف و تحريف و تأويل.ابتلى اللّه فيهنّ العباد، كما ابتلاهم في الحلال و الحرام،ألاّ يصرفن إلى الباطل، و لا يحرفن عن الحقّ.(2:5)

أبو السّعود : مُحْكَماتٌ صفة آياتٌ، أي قطعيّة الدّلالة على المعنى المراد،محكمة العبارة،محفوظة من الاحتمال و الاشتباه. هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ، أي أصل فيه و عمدة،يردّ إليها غيرها.فالمراد ب(الكتاب):كلّه.

و الإضافة بمعنى«في»كما في واحد العشرة لا بمعنى اللاّم، فإنّ ذلك يؤدّي إلى كون الكتاب عبارة عمّا عدا المحكمات.و الجملة إمّا صفة لما قبلها أو مستأنفة.[ثمّ بحث في«الأمّ»إلى أن قال:]

مُتَشابِهاتٌ صفة ل(أخر)،و في الحقيقة صفة للمحذوف،أي محتملات لمعان متشابهة،لا يمتاز بعضها عن بعض في استحقاق الإرادة بها،و لا يتّضح الأمر إلاّ بالنّظر الدّقيق و التّأمّل الأنيق،فالتّشابه في الحقيقة وصف لتلك المعاني،وصف به الآيات على طريقة وصف الدّالّ بوصف المدلول.

و قيل:لمّا كان من شأن الأمور المتشابهة أن يعجز العقل عن التّمييز بينها،سمّي كلّ ما لا يهتدي إليه العقل متشابها،و إن لم يكن ذلك بسبب التّشابه،كما أنّ المشكل في الأصل ما دخل في أشكاله و أمثاله،و لم يعلم بعينه،ثمّ أطلق على كلّ غامض،و إن لم يكن غموضه من تلك الجهة.

و إنّما جعل ذلك كذلك ليظهر فضل العلماء،و يزداد حرصهم على الاجتهاد في تدبّرها،و تحصيل العلوم الّتي نيط بها استنباط ما أريد بها من الأحكام الحقّة،فينالوا بها-و بإتعاب القرائح في استخراج مقاصدها الرّائقة و معانيها اللاّئقة-المدارج العالية،و يعرجوا بالتّوفيق بينها و بين المحكمات من اليقين و الاطمئنان إلى المعارج القاصية.

و أمّا قوله عزّ و جلّ: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،فمعناه أنّها حفظت من اعتراء الخلل أو من النّسخ،أو أيّدت بالحجج القاطعة الدّالّة على حقّيّتها،أو جعلت حكيمة لانطوائها على جلائل الحكم البالغة

ص: 458

و دقائقها.

و قوله تعالى: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ الزّمر:

23،معناه متشابه الأجزاء،أى يشبه بعضها بعضا في صحّة المعنى و جزالة النّظم و حقّيّة المدلول.(1:336)

نحوه البروسويّ(2:5)

الآلوسيّ: و قوله سبحانه: مِنْهُ آياتٌ الظّرف فيه خبر مقدّم و آياتٌ مبتدأ مؤخّر أو بالعكس، و رجّح الأوّل بأنّه الأوفق بقواعد الصّناعة،و الثّاني بأنّه أدخل في جزالة المعنى؛إذ المقصود الأصليّ انقسام الكتاب إلى القسمين المعهودين،لا كونهما من الكتاب.

و الجملة إمّا مستأنفة أو في حيّز النّصب على الحاليّة من(الكتاب)،أي هو الّذي أنزل عليك الكتاب كائنا على هذه الحالة،أي منقسما إلى محكم و غيره،أو الظّرف وحده حال،و آياتٌ مرتفع به على الفاعليّة.

مُحْكَماتٌ صفة آيات،أي واضحة المعنى،ظاهرة الدّلالة،محكمة العبارة،محفوظة من الاحتمال و الاشتباه.

[ثمّ فسّر بقيّة الآية ناقلا رأي أبي حيّان و غيره فيها ثمّ قال:]

و هذا الّذي ذكره في تفسير المحكم و المتشابه هو مذهب كثير من النّاس،و عليه الشّافعيّة.[إلى أن قال:]

و ذهب ساداتنا الحنفيّة إلى أنّ المحكم:الواضح الدّلالة الظّاهرة الّذي لا يحتمل النّسخ،و المتشابه الخفيّ الّذي لا يدرك معناه عقلا و لا نقلا،و هو ما استأثر اللّه تعالى بعلمه،كقيام السّاعة و الحروف المقطّعة في أوائل السّور.[ثمّ نقل بعض الأقوال و أضاف:]

و هذا الخلاف في المحكم و المتشابه هنا،و إلاّ فقد يطلق المحكم بمعنى المتقن النّظم،و المتشابه على ما يشبه بعضه بعضا في البلاغة،و هما بهذا المعنى يطلقان على جميع القرآن،و على ذلك خرج قوله تعالى: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،و قوله سبحانه: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ الزّمر:23.(3:80)

رشيد رضا :المحكمات من أحكم الشّيء بمعنى:

وثّقه و أتقنه.و المعنى العامّ لهذه المادّة المنع.فإنّ كلّ محكم يمنع بإحكامه تطرّق الخلل إلى نفسه أو غيره،و منه الحكم و الحكمة و حكمة الفرس،قيل:و هي أصل المادّة.

و المتشابه يطلق في اللّغة على ما له أفراد أو أجزاء يشبه بعضها بعضا،و على ما يشبه من الأمر،أي يلتبس.

[و نقل كلام الزّمخشريّ في الأساس و أضاف:]

و قد وصف القرآن بالإحكام على الإطلاق في أوّل سورة هود بقوله: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،و هو من إحكام النّظم و إتقانه،أو من الحكمة الّتي اشتملت آياته عليها،و وصف كلّه بالمتشابه في سورة الزّمر:23، اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً، أي يشبه بعضه بعضا في هدايته و بلاغته و سلامته من التّناقض و التّفاوت و الاختلاف، وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82،أمّا قوله تعالى: وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً البقرة:25،فمفهومه أنّ ما جيئوا به من الثّمرات أخيرا يشبه ما رزقوه من قبل، و أنّهم اشتبهوا به لهذا التّشابه.و قالوا:إنّ الأصل في ورود التّشابه بمعنى المشكل الملتبس،أن يكون الالتباس

ص: 459

فيه بسبب شبهه لغيره،ثمّ أطلق على كلّ ملتبس مجازا، و إن كان ظاهر الأساس أنّ المعنيين حقيقتان فيه.

و لا شكّ أنّ القرآن يصحّ أن يوصف كلّه بالمحكم و بالمتشابه من حيث هو متقن و يشبه بعضه بعضا فيما ذكر،و التّقسيم في هذه الآية مبنيّ على استعمال كلّ من المحكم و المتشابه في معنى خاصّ،و لذلك اختلف فيه المفسّرون على أقوال:[ثمّ نقل عشرة أقوال،أربعة من الفخر،و ستّة من الطّبريّ،و أضاف:]

و قال الأستاذ الإمام في معنى المتشابهات:التّشابه إنّما يكون بين شيئين فأكثر،و هو لا يفيد عدم فهم المعنى مطلقا،كما قال المفسّر:الجلال و وصف التّشابه في هذه الآية هو للآيات باعتبار معانيها،أي إنّك إذا تأمّلت في هذه الآيات تجد معاني متشابهة في فهمها من اللّفظ، لا يجد الذّهن مرجّحا لبعضها على بعض.

و قالوا أيضا:إنّ المتشابه ما كان إثبات المعنى فيه للّفظ الدّالّ عليه و نفيه عنه،متساويان،فقد تشابه فيه النّفي و الإثبات،أو ما دلّ فيه اللّفظ على شيء و العقل على خلافه،فتشابهت الدّلالة،و لم يمكن التّرجيح كالاستواء على العرش،و كون عيسى روح اللّه و كلمته، فهذا هو المتشابه الّذي يقابله المحكم الّذي لا ينفي العقل شيئا من ظاهر معناه.

أمّا كون المحكمات هنّ أمّ الكتاب فمعناه أنهنّ أصله و عماده أو معظمه،و هذا ظاهر لكنّه لا ينطبق إلاّ على بعض الأقوال.

و قال الأستاذ الإمام:إنّ معنى ذلك أنّها هي الأصل الّذي دعي النّاس إليه،و يمكنهم أن يفهموها و يهتدوا بها،و عنها يتفرّع غيرها،و إليها يرجع.فإن اشتبه علينا شيء نردّه إليها،و ليس المراد بالرّدّ أن نؤوّله،بل أن نؤمن بأنّه من عند اللّه،و أنّه لا ينافي الأصل المحكم الّذي هو أمّ الكتاب،و أساس الدّين الّذي أمرنا أن نأخذ به على ظاهره الّذي لا يحتمل غيره،إلاّ احتمالا مرجوحا.مثال هذه المتشابهات،قوله تعالى: اَلرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى طه:5،و قوله: يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ الفتح:10،و قوله: وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ النّساء:171.

هذا رأي جمهور المفسّرين و ذهب جمهور عظيم منهم إلى أنّه لا متشابه في القرآن إلاّ أخبار الغيب كصفة الآخرة و أحوالها من نعيم و عذاب.(3:163)

ابن عاشور :قد أشارت الآية:إلى أنّ آيات القرآن صنفان:محكمات و أضدادها الّتي سمّيت متشابهات،ثمّ بيّن أنّ المحكمات هي أمّ الكتاب،فعلمنا أنّ المتشابهات هي أضداد المحكمات،ثمّ أعقب ذلك بقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ...، أي تأويله الّذي لا قبل لأمثالهم به،فعلمنا أنّ المتشابهات هي الّتي لم يتّضح المقصود من معانيها،فعلمنا أنّ صفة المحكمات،و المتشابهات،راجعة إلى ألفاظ الآيات.و وصف المحكمات بأنّها أمّ الكتاب،فاحتمل أن يكون المراد من الأمّ الأصل،أو المرجع،و هما متقاربان،أي هنّ أصل القرآن أو مرجعه،و ليس يناسب هذين المعنيين إلاّ دلالة القرآن؛إذ القرآن أنزل للإرشاد

ص: 460

و الهدى،فالمحكمات هي أصول الاعتقاد و التّشريع و الآداب و المواعظ،و كانت أصولا لذلك:باتّضاح دلالتها،بحيث تدلّ على معان لا تحتمل غيرها،أو تحتمله احتمالا ضعيفا غير معتدّ به،و ذلك كقوله:

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11، لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ الأنبياء:23، يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ البقرة:

185، وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ البقرة:205، وَ أَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:40،و باتّضاح معانيها بحيث تتناولها أفهام معظم المخاطبين بها و تتأهّل لفهمها، فهي أصل القرآن المرجوع إليه في حمل معاني غيرها عليها للبيان أو التّفريع.

و المتشابهات مقابل المحكمات،فهي الّتي دلّت على معان تشابهت في أن يكون كلّ منها هو المراد.و معنى تشابهها:أنّها تشابهت في صحّة القصد إليها،أي لم يكن بعضها أرجح من بعض.أو يكون معناها صادقا بصور كثيرة متناقضة،أو غير مناسبة لأن تكون مرادا،فلا يتبيّن الغرض منها،فهذا وجه تفسير الآية في ما أرى.

و قد اختلف علماء الإسلام في تعيين المقصود من المحكمات و المتشابهات على أقوال:مرجعها إلى تعيين مقدار الوضوح و الخفاء.[ثمّ نقل قول ابن عبّاس و ابن مسعود و أضاف:]

و للجمهور مذهبان:أوّلهما:أنّ المحكم:ما اتّضحت دلالته،و المتشابه:ما استأثر اللّه بعلمه،و نسب هذا القول لمالك،في رواية أشهب،من«جامع العتبيّة»، و نسبه الخفاجيّ إلى الحنفيّة،و إليه مال الشّاطبيّ في «الموافقات».

و ثانيهما:أنّ المحكم:الواضح الدّلالة،و المتشابه:

الخفيّها،و إليه مال الفخر.فالنّصّ و الظّاهر هما المحكم، لاتّضاح دلالتهما،و إن كان أحدهما أي الظّاهر يتطرّقه احتمال ضعيف،و المجمل و المؤوّل هما المتشابه، لاشتراكهما في خفاء الدّلالة و إن كان أحدهما،أي المؤوّل دالاّ على معنى مرجوح يقابله معنى راجح،و المجمل دالاّ على معنى مرجوح يقابله مرجوح آخر،و نسبت هذه الطّريقة إلى الشّافعيّة.

قال الشّاطبيّ: فالتّشابه:حقيقيّ و إضافيّ،فالحقيقيّ:

ما لا سبيل إلى فهم معناه،و هو المراد من الآية، و الإضافيّ:ما اشتبه معناه،لاحتياجه إلى مراعاة دليل آخر.فإذا تقصّى المجتهد أدلّة الشّريعة وجد فيها ما يبيّن معناه،و التّشابه بالمعنى الحقيقيّ قليل جدّا في الشّريعة، و بالمعنى الإضافيّ كثير.

و قد دلّت هذه الآية على أنّ من القرآن محكما و متشابها،و دلّت آيات أخر على أنّ القرآن كلّه محكم، قال تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،و قال:

تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ يونس:1،و المراد أنّه أحكم و أتقن في بلاغته.كما دلّت آيات على أنّ القرآن كلّه متشابه،قال تعالى: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً الزّمر:23،و المعنى أنّه تشابه في الحسن و البلاغة و الحقّيّة،و هو معنى: وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82،فلا

ص: 461

تعارض بين هذه الآيات:لاختلاف المراد بالإحكام و التّشابه في مواضعها،بحسب ما تقتضيه المقامات.

و سبب وقوع المتشابهات في القرآن،هو كونه دعوة،و موعظة،و تعليما،و تشريعا باقيا،و معجزة، و خوطب به قوم لم يسبق لهم عهد بالتّعليم و التّشريع، فجاء على أسلوب مناسب لجمع هذه الأمور،بحسب حال المخاطبين الّذين لم يعتادوا الأساليب التّدريسيّة،أو الأمالي العلميّة،و إنّما كانت هجّيراهم الخطابة و المقاولة، فأسلوب المواعظ و الدّعوة قريب من أسلوب الخطابة، و هو لذلك لا يأتي على أساليب الكتب المؤلّفة للعلم،أو القوانين الموضوعة للتّشريع،فأودعت العلوم المقصودة منه في تضاعيف الموعظة و الدّعوة،و كذلك أودع فيه التّشريع،فلا تجد أحكام نوع من المعاملات كالبيع متّصلا بعضها ببعض،بل تلفيه موزّعا على حسب ما اقتضته مقامات الموعظة و الدّعوة،ليخفّ تلقّيه على السّامعين،و يعتادوا علم ما لم يألفوه في أسلوب قد ألفوه،فكانت متفرّقة يضمّ بعضها إلى بعض بالتّدبّر.

ثمّ إنّ إلقاء تلك الأحكام كان في زمان طويل،يزيد على عشرين سنة،ألقي إليهم فيها من الأحكام بمقدار ما دعت إليه حاجتهم،و تحمّلته مقدرتهم.على أنّ بعض تشريعه أصول لا تتغيّر،و بعضه فروع تختلف باختلاف أحوالهم،فلذلك تجد بعضها عامّا،أو مطلقا،أو مجملا، و بعضها خاصّا،أو مقيّدا،أو مبيّنا.فإذا كان بعض المجتهدين يرى تخصيص عموم بعض عموماته بخصوص بعض الخصوصات مثلا،فلعلّ بعضا منهم لا يتمسّك إلاّ بعمومه حينئذ،كالّذى يرى الخاصّ الوارد بعد العامّ ناسخا،فيحتاج إلى تعيين التّاريخ.

ثمّ إنّ العلوم الّتي تعرّض لها القرآن هي من العلوم العليا و هي علوم فيما بعد الطّبيعة،و علوم مراتب النّفوس،و علوم النّظام العمرانيّ،و الحكمة،و علوم الحقوق.و في ضيق اللّغة الموضوعة عن الإيفاء بغايات المرادات في هاته العلوم،و قصور حالة استعداد أفهام عموم المخاطبين لها،ما أوجب تشابها في مدلولات الآيات الدّالّة عليها.

و إعجاز القرآن:منه إعجاز نظميّ و منه إعجاز علميّ،و هو فنّ جليل من الإعجاز بيّنته في المقدّمة العاشرة من مقدّمات هذا التّفسير.

فلمّا تعرّض القرآن إلى بعض دلائل الأكوان و خصائصها،فيما تعرّض إليه،جاء به محكيّا بعبارة تصلح لحكاية حالته على ما هو في نفس الأمر،و ربّما كان إدراك كنه حالته في نفس الأمر مجهولا لأقوام،فيعدّون تلك الآي الدّالّة عليه من المتشابه،فإذا جاء من بعدهم علموا أنّ ما عدّه الّذين قبلهم متشابها ما هو إلاّ محكم.

على أنّ من مقاصد القرآن أمرين آخرين:

أحدهما:كونه شريعة دائمة،و ذلك يقتضي فتح أبواب عباراته لمختلف استنباط المستنبطين،حتّى تؤخذ منه أحكام الأوّلين و الآخرين.

و ثانيهما:تعويد حملة هذه الشّريعة،و علماء هذه الأمّة،بالتّنقيب،و البحث،و استخراج المقاصد من عويصات الأدلّة،حتّى تكون طبقات علماء الأمّة صالحة

ص: 462

في كلّ زمان لفهم تشريع الشّارع و مقصده من التّشريع،فيكونوا قادرين على استنباط الأحكام التّشريعيّة.و لو صيغ لهم التّشريع في أسلوب سهل التّناول لاعتادوا العكوف على ما بين أنظارهم في المطالعة الواحدة.من أجل هذا كانت صلوحيّة عباراته لاختلاف منازع المجتهدين،قائمة مقام تلاحق المؤلّفين في تدوين كتب العلوم،تبعا لاختلاف مراتب العصور.

فإذا علمت هذا،علمت أصل السّبب في وجود ما يسمّى بالمتشابه في القرآن.و بقي أن نذكر لك مراتب التّشابه و تفاوت أسبابها،و أنّها فيما انتهى إليه استقراؤنا الآن عشر مراتب:

أولاها:معان قصد إيداعها في القرآن،و قصد إجمالها:إمّا لعدم قابليّة البشر لفهمها،و لو في الجملة،إن قلنا بوجود المجمل،الّذي استأثر اللّه بعلمه على ما سيأتي،و نحن لا نختاره.و إمّا لعدم قابليّتهم لكنه فهمها، فألقيت إليهم على وجه الجملة،أو لعدم قابليّة بعضهم في عصر،أو جهة،لفهمها بالكنه.و من هذا أحوال القيامة،و بعض شئون الرّبوبيّة،كالإتيان في ظلل من الغمام،و الرّؤية،و الكلام،و نحو ذلك.

و ثانيتها:معان قصد إشعار المسلمين بها،و تعيّن إجمالها،مع إمكان حملها على معان معلومة لكن بتأويلات،كحروف أوائل السّور،و نحو: اَلرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى طه:5، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ البقرة:29.

ثالثتها:معان عالية ضاقت عن إيفاء كنهها اللّغة الموضوعة لأقصى ما هو متعارف أهلها،فعبّر عن تلك المعاني بأقصى ما يقرّب معانيها إلى الأفهام،و هذا مثل أكثر صفات اللّه نحو الرّحمن،الرّءوف،المتكبّر،نور السّماوات و الأرض.

رابعتها:معان قصرت عنها الأفهام في بعض أحوال العصور،و أودعت في القرآن،ليكون وجودها معجزة قرآنيّة عند أهل العلم في عصور قد يضعف فيها إدراك الإعجاز النّظميّ،نحو قوله: وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها يس:38، وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ الحجر:22، يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ الزّمر:5، وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88، تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ المؤمنون:20، زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ النّور:35، وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ هود:7، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فصّلت:11، و ذكر سدّ يأجوج و مأجوج.

خامستها:مجازات و كنايات مستعملة في لغة العرب،إلاّ أنّ ظاهرها أوهم معاني لا يليق الحمل عليها في جانب اللّه تعالى،لإشعارها بصفات تخالف كمال الإلهيّة،و توقّف فريق في محملها تنزيها،نحو: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا الطّور:48، وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريات:47، وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ الرّحمن:27.

و سادستها:ألفاظ من لغات العرب لم تعرف لدى الّذين نزل القرآن بينهم:قريش و الأنصار،مثل:

وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا عبس:31،و مثل: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ النّحل:47، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:

ص: 463

114، وَ لا طَعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ الحاقّة:36.

سابعتها:مصطلحات شرعيّة لم يكن للعرب علم بخصوصها،فما اشتهر منها بين المسلمين معناه،صار حقيقة عرفيّة،كالتّيمّم،و الزّكاة،و ما لم يشتهر بقي فيه إجمال كالرّبا.قال عمر:«نزلت آيات الرّبا في آخر ما أنزل،فتوفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و لم يبيّنها»،و قد تقدّم في سورة البقرة.

ثامنتها:أساليب عربيّة خفيت على أقوام فظنّوا الكلام بها متشابها،و هذا مثل زيادة الكاف في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11،و مثل المشاكلة في قوله: يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ النّساء:142،فيعلم السّامع أنّ إسناد(خادع)إلى ضمير الجلالة إسناد بمعنى مجازيّ اقتضته المشاكلة.

و تاسعتها:آيات جاءت على عادات العرب، ففهمها المخاطبون،و جاء من بعدهم فلم يفهموها، فظنّوها من المتشابه،مثل قوله: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما البقرة:158.

في الموطّأ قال ابن الزّبير:قلت لعائشة-و كنت يومئذ حدثا لم أتفقّه-:لا أرى بأسا على أحد ألاّ يطوف بالصّفا و المروة،فقالت له:ليس كما قلت،إنّما كان الأنصار يهلّون لمناة الطّاغية إلخ.و منه: عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ البقرة:187، لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا المائدة:93 الآية،فإنّ المراد فيما شربوا من الخمر قبل تحريمها.

عاشرتها:أفهام ضعيفة عدّت كثيرا من المتشابه و ما هو منه،و ذلك أفهام الباطنيّة،و أفهام المشبّهة،كقوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ القلم:42.

و ليس من المتشابه ما صرّح فيه بأنّا لا نصل إلى علمه،كقوله: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي الإسراء:85، و لا ما صرّح فيه بجهل وقته،كقوله: لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً الأعراف:187.

و ليس من المتشابه ما دلّ على معنى يعارض الحمل عليه،دليل آخر منفصل عنه؛لأنّ ذلك يرجع إلى قاعدة الجمع بين الدّليلين المتعارضين،أو ترجيح أحدهما على الآخر،مثل قوله تعالى خطابا لإبليس: وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ الإسراء:64،مع ما في الآيات المقتضية: فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ الزّمر:7 و إنّه لا يحبّ الفساد.

و قد علمتم من هذا أنّ ملاك التّشابه هو عدم التّواطؤ بين المعاني و اللّغة:إمّا لضيقها عن المعاني،و إمّا لضيق الأفهام عن استعمال اللّغة في المعنى،و إمّا لتناسي بعض اللّغة،فيتبيّن لك أنّ الإحكام و التّشابه:صفتان للألفاظ،باعتبار فهم المعاني.

و إنّما أخبر عن ضمير آياتٌ مُحْكَماتٌ، و هو ضمير جمع،باسم مفرد ليس دالاّ على أجزاء-و هو (أمّ)،-لأنّ المراد أنّ صنف الآيات المحكمات يتنزّل من الكتاب منزلة أمّه،أي أصله و مرجعه الّذي يرجع إليه في فهم الكتاب و مقاصده.و المعنى:هنّ كأمّ للكتاب.و يعلم منه أنّ كلّ آية من المحكمات أمّ

ص: 464

للكتاب في ما تتضمّنه من المعنى.(3:15)

مغنيّة:تنقسم آيات القرآن بالنّظر إلى الوضوح و الخفاء إلى نوعين:محكم و متشابه:

و المحكم:هو الّذي لا يحتاج إلى تفسير،و يدلّ على المعنى المقصود منه دلالة واضحة قطعيّة،لا تحتمل تأويلا و لا تخصّصا و لا نسخا،و لا تترك مجالا للّذين في قلوبهم مرض أن يضلّلوا و يفتنوا بالتّأويل و التّحريف.

و من أمثلة المحكم قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ الإخلاص:1، وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ النّور:35، لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ النّساء:40، إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ الأعراف:28، أَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها الحجّ:7،و ما إلى ذلك ممّا يستوي في فهمه العالم و الجاهل.

و المتشابه:ضدّ المحكم،و هو على أنواع:

منها:ما يعرف معناه على سبيل الإجمال دون التّفصيل،مثل قوله تعالى: فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا الأنبياء:91،فإنّ منتهى معرفتنا بالرّوح أنّها سرّ إلهيّ يحدث للإنسان بسببه الإدراك و الشّعور،أمّا معرفة هذا السّرّ بكنهه و حقيقته فهو من أمر ربّي،لا يعرفه حتّى العلماء،و ليس الشّرط لصحّة الخطاب بالشّيء أن يعرفه المخاطب بالتّفصيل،بل تكفي المعرفة الإجماليّة.

و منها:أن يدلّ اللّفظ على شيء يأباه العقل،مثل ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ، فلفظ العرش يدلّ على السّرير،و العقل يرفض هذه الدّلالة،لأنّ اللّه سبحانه فوق الزّمان و المكان،فيتعيّن التّأويل،و هو من اختصاص أهل العلم،إذ لا بدّ للتّأويل من دليل صحيح يصرف اللّفظ إلى معنى صحيح،و لا يعرف هذين إلاّ أهل الاختصاص.

و منها:أن يتردّد اللّفظ بين معنيين أو أكثر،مثل قوله تعالى: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ البقرة:228،حيث يطلق القرء على الطّهر و الحيض معا.

و منها:أن يكون اللّفظ عامّا يشمل بظاهره جميع المكلّفين،و لكنّ المراد منه بعض أفراده،لا جميعها،مثل قوله تعالى: وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما المائدة:38،مع العلم بأنّ السّارق لا يقطع،إذا كان أبا لصاحب المال،و لا في سنة المجاعة،و لا إذا كان المسروق في غير حرز،أو كان دون ربع دينار.

و منها:الحكم المنسوخ،كالصّلاة إلى بيت المقدس، حيث دلّ الدّليل على ثبوت هذه القبلة،و استمرار حكمها في بدء الدّعوة،ثمّ جاء دليل النّاسخ،و حوّلها إلى الكعبة.

و ليس من شرط المتشابه أن لا ترجى معرفته إطلاقا،حتّى للعلماء،و بشتّى أنواعه،كلاّ،فإنّ جميع أنواع المتشابه ما عدا النّوع الأوّل يمكن لعلماء الأصول، العارفين بطريق التّأويل،و أحكام الخاصّ و العامّ، و النّاسخ و المنسوخ،و التّرجيح بين المتعارضين أن يستخرجوا الخاصّ من العامّ،و يميّزوا بين النّاسخ و المنسوخ،و الرّاجح و المرجوح،و المعنى المعقول الّذي أوّلت به الدّلالة اللّفظيّة بعد أن رفضها العقل.

ص: 465

و على هذا يكون المتشابه بالنّسبة إلى العالم واضحا،و لكن بعد البحث و الاستقصاء،و عمليّة الموازنة و المقارنة بين المتشابه،و بين ما يتّصل به من القرائن و الدّلائل.أجل،يبقى المتشابه على إشكاله بالنّسبة إلى الجاهل الّذي لا يجوز له أن يؤوّل،أو يأخذ بظاهر يقبل التّخصّص أو النّسخ.

و خلاصة القول:أنّ العلماء يعلمون معاني القرآن، و هو بلاغ مبين بالنّسبة إليهم،إذ لا يجوز بحال أن ينزل اللّه كلاما لا معنى له،أو لا يفهمه أحد،حتّى العلماء، كيف؟و قد أمر اللّه بتدبّر القرآن،و لا يكون التّدبّر و التّعقّل إلاّ للمعقول،و الّذي لا يفهم لا يمكن تدبّره و تعقّله.

و تسأل:أنّ اللّه قد وصف كتابه العزيز بأنّ آياته كلّها محكمة،قال عزّ من قال في الآية:1،من سورة هود : كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ، و أيضا وصف كتابه بأنّ آياته كلّها متشابهة،قال في الآية:23،الزّمر، اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً، و أيضا وصف كتابه بأنّ بعض آياته محكمة،و بعضها متشابهة،قال في الآية الّتي نحن بصددها:«هو الذى نزل اليك الكتاب» الآية،فما هو طريق الجمع بين هذه الآيات؟

الجواب:أنّ المراد بقوله تعالى: أُحْكِمَتْ آياتُهُ أنّها أحكمت في النّظم و الإتقان،و أنّها جميعا فصيحة اللّفظ صحيحة المعنى،و المراد بقوله: كِتاباً مُتَشابِهاً إنّ بعضه يشبه بعضا،في البلاغة و الهداية.

قال أمير المؤمنين[عليه السّلام]:«القرآن ينطق بعضه ببعض، و يشهد بعضه على بعض».

و المراد بقوله: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ... وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ أنّ بعضها واضح المعنى لا يحتاج إلى التّفسير،و بعضها غامض يحتاج فهمه إلى تفسير، و التّفسير يحتاج إلى المعرفة و العلم بالصّناعة،كما أشرنا، فلا تهافت بين الآيات الثّلاث بعد اختلاف الجهة،فهي أشبه بقول القائل:أحبّ السّفر،و لا أحبّ السّفر،ثمّ أوضح مراده بقوله:أحبّ السّفر برّا،و لا أحبّه بحرا.

(2:10)

الطّباطبائيّ: [بحث طويلا،ثمّ لخّصه بما يلي:]

و قد ظهر من جميع ما تقدّم من الأبحاث على طولها أمور:

الأوّل:أنّ الآيات القرآنيّة تنقسم إلى قسمين:

محكم و متشابه،و ذلك من جهة اشتمال الآية وحدها على مدلول متشابه،و عدم اشتمالها.

الثّاني:أنّ لجميع القرآن محكمه و متشابهه تأويلا، و أنّ التّأويل ليس من قبيل المفاهيم اللّفظيّة،بل من الأمور الخارجيّة،نسبته إلى المعارف و المقاصد المبيّنة نسبة الممثّل إلى المثال،و أنّ جميع المعارف القرآنيّة أمثال مضروبة للتّأويل الّذي عند اللّه.

الثّالث:أنّ التّأويل يمكن أن يعلمه المطهّرون و هم راسخون في العلم.

الرّابع:أنّ البيانات القرآنيّة أمثال مضروبة لمعارفها و مقاصدها،و هذا المعنى غير ما ذكرناه في الأمر الثّاني من كون معارفه أمثالا،و قد أوضحناه فيما مرّ.

ص: 466

الخامس:أنّ من الواجب أن يشتمل القرآن على المتشابهات،كما أنّ من الواجب أن يشتمل على المحكمات.

السّادس:أنّ المحكمات امّ الكتاب،إليها ترجع المتشابهات رجوع بيان.

السّابع:أنّ الإحكام و التّشابه وصفان يقبلان الإضافة و الاختلاف بالجهات،بمعنى أنّ آية ما يمكن أن تكون محكمة من جهة،متشابهة من جهة أخرى،فتكون محكمة بالإضافة إلى آية،و متشابهة بالإضافة إلى أخرى و لا مصداق للمتشابه على الإطلاق في القرآن،و لا مانع من وجود محكم على الإطلاق.

الثّامن:أنّ من الواجب أن يفسّر بعض القرآن بعضا.

التّاسع:أنّ للقرآن مراتب مختلفة من المعنى مترتّبة طولا من غير أن تكون الجميع في عرض واحد،فيلزم استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد،أو مثل عموم المجاز و لا هي من قبيل اللّوازم المتعدّدة لملزوم واحد،بل هي معان مطابقيّة،يدلّ على كلّ واحد منها اللّفظ بالمطابقة بحسب مراتب الأفهام.

و لتوضيح ذلك نقول:قال اللّه تبارك و تعالى:

اِتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ آل عمران:102،فأنبأ أنّ للتّقوى الّذي هو الانتهاء عمّا نهى اللّه عنه،و الايتمار بما أمر اللّه به،مرتبة هي حقّ التّقوى،و يعلم بذلك أنّ هناك من التّقوى ما هو دون هذه المرتبة الحقّة،فللتّقوى الّذي هو بوجه العمل الصّالح،مراتب و درجات بعضها فوق بعض.

و قال أيضا: أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ* هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ آل عمران:

163،فبيّن أنّ العمل مطلقا سواء كان صالحا أو طالحا درجات و مراتب،و الدّليل على أنّ المراد بها درجات العمل قوله: وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ.

و نظير الآية قوله تعالى: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ الأحقاف:

19،و قوله تعالى: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ الأنعام:132،و الآيات في هذا المعنى كثيرة،و فيها ما يدلّ على أنّ درجات الجنّة و دركات النّار بحسب مراتب الأعمال و درجاتها.

و من المعلوم أنّ العمل من أيّ نوع كان هو من رشحات العلم،يترشّح من اعتقاد قلبيّ يناسبه.و قد استدلّ تعالى على كفر اليهود،و على فساد ضمير المشركين،و على نفاق المنافقين من المسلمين،و على إيمان عدّة من الأنبياء و المؤمنين،بأعمالهم و أفعالهم في آيات كثيرة جدّا يطول ذكرها،فالعمل كيف كان،يلازم ما يناسبه من العلم و يدلّ عليه.و بالعكس يستلزم كلّ نوع من العمل ما يناسبه من العلم و يحصّله و يركّزه في النّفس،كما قال تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ العنكبوت:69،و قال تعالى: وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ الحجر:99، و قال أيضا: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ

ص: 467

كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ الرّوم:10، و قال: فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ التّوبة:77.

و الآيات في هذا المعنى أيضا كثيرة،تدلّ الجميع على أنّ العمل صالحا كان أو طالحا يولد من أقسام المعارف و الجهالات-و هي العلوم المخالفة للحقّ-ما يناسبه.

و قال تعالى-و هو كالكلمة الجامعة في العمل الصّالح و العلم النّافع-: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ فاطر:10،فبيّن أنّ شأن الكلم الطّيّب و هو الاعتقاد الحقّ أن يصعد إلى اللّه تعالى، و يقرّب صاحبه منه.و شأن العمل الصّالح أن يرفع هذا العلم و الاعتقاد.و من المعلوم أنّ ارتفاع العلم في صعوده إنّما هو بخلوصه من الشّكّ و الرّيب،و كمال توجّه النّفس إليه،و عدم تقسّم القلب فيه و في غيره،و هو مطلق الشّرك،فكلّما كمل خلوصه من الشّكّ و الخطوات اشتدّ صعوده و ارتفاعه.

و لفظ الآية لا يخلو عن دلالة على ذلك،فإنّها عبّرت في الكلم الطّيّب بالصّعود،و وصف العمل بالرّفع،و الصّعود يقابل النّزول كما أنّ الرّفع يقابل الوضع،و هما أعني الصّعود و الارتفاع وصفان يتّصف بهما المتحرّك من السّفل إلى العلو بنسبته إلى الجانبين،فهو صاعد بالنّظر إلى قصده العلوّ و اقترابه منه،و مرتفع من جهة انفصاله من السّفل و ابتعاده منه.فالعمل يبعّد الإنسان و يفصله من الدّنيا،و الإخلاد إلى الأرض بصرف نفسه عن التّعلّق بزخارفها الشّاغلة،و التّشتّت و التّفرّق بهذه المعلومات الفانية غير الباقية.و كلّما زاد الرّفع و الارتفاع زاد صعود الكلم الطّيّب،و خلصت المعرفة عن شوائب الأوهام و قذارات الشّكوك.

و من المعلوم أيضا كما مرّ أنّ العمل الصّالح ذو مراتب و درجات:فلكلّ درجة من العمل الصّالح رفع الكلم الطّيّب،و توليد العلوم و المعارف الحقّة الإلهيّة على ما يناسب حالها،و الكلام في العمل الطّالح و وضعه الإنسان،نظير الكلام في العمل الصّالح و رفعه،و قد مرّ بعض الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الحمد:6.

فظهر أنّ للنّاس بحسب مراتب قربهم و بعدهم منه تعالى،مراتب مختلفة من العمل و العلم،و لازمه أن يكون ما يتلقّاه أهل واحدة من المراتب و الدّرجات، غير ما يتلقّاه أهل المرتبة و الدّرجة الأخرى الّتي فوق هذه أو تحتها،فقد تبيّن أنّ للقرآن معاني مختلفة مترتّبة.

و قد ذكر اللّه سبحانه أصنافا من عباده،و خصّ كلّ صنف بنوع من العلم و المعرفة لا يوجد في الصّنف الآخر:

كالمخلصين،و خصّ بهم العلم بأوصاف ربّهم حقّ العلم،قال تعالى: سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ* إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ الصّافّات:159،160،و خصّ بهم أشياء أخر من المعرفة و العلم،سيجيء بيانها إن شاء اللّه تعالى.

و كالموقنين،و خصّ بهم مشاهدة ملكوت

ص: 468

السّماوات و الأرض،قال تعالى: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ الأنعام:75.

و كالمنيبين،و خصّ بهم التّذكّر قال تعالى: وَ ما يَتَذَكَّرُ إِلاّ مَنْ يُنِيبُ المؤمن:13.

و كالعالمين،و خصّ بهم عقل أمثال القرآن،قال تعالى: وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ العنكبوت:43،و كأنّهم اولو الألباب و المتدبّرون لقوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها محمّد:24،و لقوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82،فإنّ مؤدّى الآيات الثّلاث يرجع إلى معنى واحد و هو العلم بمتشابه القرآن و ردّه إلى محكمه،

و كالمطهّرين،خصّهم اللّه بعلم تأويل الكتاب،قال تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ الواقعة:77-79.

و كالأولياء،و هم أهل الوله و المحبّة للّه،و خصّ بهم أنّهم لا يلتفتون إلى شيء إلاّ اللّه سبحانه،و لذلك لا يخافون شيئا،و لا يحزنون لشيء،قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ يونس:62.

و كالمقرّبين و المجتبين و الصّدّيقين و الصّالحين و المؤمنين،و لكلّ منهم خواصّ من العلم و الإدراك يختصّون بها،سنبحث عنها في المحالّ المناسبة لها.

و نظير هذه المقامات الحسنة مقامات سوء في مقابلها،و لها خواصّ رديئة في باب العلم و المعرفة،و لها أصحاب كالكافرين و المنافقين و الفاسقين و الظّالمين و غيرهم،و لهم أنصباء من سوء الفهم و رداءة الإدراك لآيات اللّه و معارفه الحقّة،طوينا ذكرها إيثارا للاختصار،و سنتعرّض لها في خلال أبحاث هذا الكتاب إن شاء اللّه.

العاشر:أنّ للقرآن اتّساعا من حيث انطباقه على المصاديق و بيان حالها،فالآية منه لا يختصّ بمورد نزولها،بل يجري في كلّ مورد يتّحد مع مورد النّزول ملاكا،كالأمثال الّتي لا تختصّ بمواردها الأول،بل تتعدّاها إلى ما يناسبها،و هذا المعنى هو المسمّى بجري القرآن،و قد مرّ بعض الكلام فيه في أوائل الكتاب.

بحث روائيّ:

في تفسير«العيّاشيّ»:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن المحكم و المتشابه قال:«المحكم:ما يعمل به،و المتشابه:ما اشتبه على جاهله»أقول:و فيه تلويح إلى أنّ المتشابه ممّا يمكن العلم به.

و فيه أيضا عنه عليه السّلام:«أنّ القرآن محكم و متشابه، فأمّا المحكم فتؤمن به و تعمل به و تدين،و أمّا المتشابه فتؤمن به و لا تعمل به،و هو قول اللّه عزّ و جلّ: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ إلى كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، و الرّاسخون في العلم هم آل محمّد».أقول:و سيجيء كلام في معنى قوله عليه السّلام:«و الرّاسخون في العلم هم آل محمّد».

ص: 469

و فيه أيضا عن مسعدة بن صدقة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النّاسخ و المنسوخ،و المحكم و المتشابه، قال:«النّاسخ:الثّابت المعمول به،و المنسوخ:ما قد كان يعمل به،ثمّ جاء ما نسخه،و المتشابه:ما اشتبه على جاهله».قال:و في رواية:«النّاسخ:الثّابت،و المنسوخ:

ما مضى،و المحكم:ما يعمل به،و المتشابه:ما يشبه بعضه بعضا».

و في«الكافي»عن الباقر عليه السّلام في حديث قال:

«فالمنسوخات من المتشابهات».

و في«العيون»عن الرّضا عليه السّلام:«من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم»،ثمّ قال:

«إنّ في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن،فردّوا متشابهها إلى محكمها،و لا تتّبعوا متشابهها فتضلّوا».

أقول:الأخبار كما ترى متقاربة في تفسير المتشابه، و هي تؤيّد ما ذكرناه في البيان السّابق:أنّ التّشابه يقبل الارتفاع،و أنّه إنّما يرتفع بتفسير المحكم له.و أمّا كون المنسوخات من المتشابهات فهو كذلك كما تقدّم،و وجه تشابهها ما يظهر منها من استمرار الحكم و بقائه، و يفسّره النّاسخ ببيان أنّ استمراره مقطوع.

و أمّا ما ذكره عليه السّلام في خبر«العيون»:«أنّ في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن،و محكما كمحكم القرآن»، فقد وردت في هذا المعنى عنهم عليهم السّلام روايات مستفيضة و الاعتبار يساعده،فإنّ الأخبار لا تشتمل إلاّ على ما اشتمل عليه القرآن الشّريف،و لا تبيّن إلاّ ما تعرّض له.

و قد عرفت فيما مرّ أنّ التّشابه من أوصاف المعنى الّذي يدلّ عليه اللّفظ،و هو كونه بحيث يقبل الانطباق على المقصود و على غيره،لا من أوصاف اللّفظ من حيث دلالته على المعنى،نظير الغرابة و الإجمال،و لا من أوصاف الأعمّ من اللّفظ و المعنى.

و بعبارة اخرى إنّما عرض التّشابه لما عرض عليه من الآيات،لكون بياناتها جارية مجرى الأمثال بالنّسبة إلى المعارف الحقّة الإلهيّة،و هذا المعنى بعينه موجود في الأخبار،ففيها متشابه و محكم كما في القرآن،و قد ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّا معاشر الأنبياء نكلّم النّاس على قدر عقولهم».

و في تفسير«العيّاشيّ»عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام:أنّ رجلا قال لأمير المؤمنين عليه السّلام:هل تصف لنا ربّنا نزداد له حبّا و معرفة؟فغضب و خطب النّاس فقال فيما قال:«عليك يا عبد اللّه بما دلّك عليه القرآن من صفته،و تقدّمك فيه الرّسول من معرفته،و استضيء من نور هدايته،فإنّما هي نعمة و حكمة أوتيتها فخذ ما أوتيت،و كن من الشّاكرين،و ما كلّفك الشّيطان عليه ممّا ليس عليك في الكتاب فرضه،و لا في سنّة الرّسول و أئمّة الهدى أمره،فكل علمه إلى اللّه،و لا تقدّر عظمة اللّه.و اعلم يا عبد اللّه،أنّ الرّاسخين في العلم،الّذين أغناهم اللّه عن الاقتحام في السّدد المضروبة دون الغيوب،فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا: آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، و قد مدح اللّه اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما،و سمّي تركهم التّعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عنه

ص: 470

منهم رسوخا،فاقتصر على ذلك،و لا تقدّر عظمة اللّه على قدر عقلك فتكون من الهالكين».

أقول:قوله عليه السّلام:«و اعلم يا عبد اللّه أنّ الرّاسخين في العلم»إلخ ظاهر في أنّه عليه السّلام أخذ الواو في قوله تعالى:

وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ للاستئناف دون العطف،كما استظهرناه من الآية،و مقتضى ذلك،أنّ ظهور الآية لا يساعد على كون الرّاسخين في العلم عالمين بتأويله،لا أنّه يساعد على عدم إمكان علمهم به،فلا ينافي وجود بيان آخر يدلّ عليه-كما تقدّم بيانه-و هو ظاهر بعض الأخبار عن أئمّة أهل البيت كما سيأتي.

و قوله عليه السّلام:«الّذين أغناهم اللّه عن الاقتحام في السّدد المضروبة دون الغيوب»خبر«إنّ»،و الكلام ظاهر في تحضيض المخاطب و ترغيبه أن يلزم طريقة الرّاسخين في العلم،بالاعتراف بالجهل فيما جهله،فيكون منهم،و هذا دليل على تفسيره عليه السّلام الرّاسخين في العلم بمطلق من لزم ما علمه،و لم يتعدّ إلى ما جهله.و المراد بالغيوب المحجوبة بالسّدد،المعاني المرادة بالمتشابهات المخفيّة عن الأفهام العامّة،و لذا أردفه بقوله ثانيا:«فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره»،و لم يقل بجملة ما جهلوا تأويله، فافهم.

و في«الكافي»عن الصّادق عليه السّلام:«نحن الرّاسخون في العلم و نحن نعلم تأويله».

أقول:و الرّواية لا تخلو عن ظهور في كون قوله تعالى: وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، معطوفا على المستثنى في قوله: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ، لكنّ هذا الظّهور يرتفع بما مرّ من البيان،و ما تقدّم من الرّواية،و لا يبعد كلّ البعد أن يكون المراد بالتّأويل هو المعنى المراد بالمتشابه،فإنّ هذا المعنى من التّأويل المساوق لتفسير المتشابه،كان شائعا في الصّدر الأوّل بين النّاس.و أمّا قوله عليه السّلام:«نحن الرّاسخون في العلم»و قد تقدّم في رواية للعيّاشيّ عن الصّادق عليه السّلام قوله:«و الرّاسخون في العلم هم آل محمّد».و هذه الجملة مرويّة في روايات أخر أيضا،فجميع ذلك من باب الجري و الانطباق،كما يشهد بذلك ما تقدّم و يأتي من الرّوايات.

و في«الكافي»أيضا عن هشام بن الحكم قال:قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام إلى أن قال:«يا هشام إنّ اللّه حكى عن قوم صالحين،إنّهم قالوا: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ آل عمران:8،علموا أنّ القلوب تزيغ و تعود إلى عماها و رداها،إنّه لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه.

و من لم يعقل عن اللّه،لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة ينظرها،و يجد حقيقتها في قلبه،و لا يكون أحد كذلك إلاّ من كان قوله لفعله مصدّقا،و سرّه لعلانيته موافقا، لأنّ اللّه عزّ اسمه لم يدلّ على الباطن الخفيّ من العقل،إلاّ بظاهر منه و ناطق عنه».

أقول:قوله عليه السّلام:«لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه»، في معنى قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر:28،و قوله عليه السّلام:«و من لم يعقل عن اللّه»إلخ،أحسن بيان لمعنى الرّسوخ في العلم،لأنّ الأمر ما لم يعقل حقّ التّعقّل لم ينسدّ طرق الاحتمالات فيه،و لم

ص: 471

يزل القلب مضطربا في الإذعان به،و إذا تمّ التّعقّل و عقد القلب عليه،لم يخالفه باتّباع ما يخالفه من الهوى، فكان ما في قلبه هو الظّاهر في جوارحه،و كان ما يقوله هو الّذي يفعله،و قوله:«و لا يكون أحد كذلك»إلخ، بيان لعلامة الرّسوخ في العلم.

و في«الدّرّ المنثور»أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و الطّبرانيّ،عن أنس و أبي أمامة و وائلة بن أسقف و أبي الدّرداء:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سئل عن الرّاسخين في العلم،فقال:«من برّت يمينه و صدق لسانه و استقام قلبه،و من عفّ بطنه و فرجه،فذلك من الرّاسخين في العلم».

أقول:و يمكن توجيه الرّواية بما يرجع إلى معنى الحديث السّابق.و في«الكافي»عن الباقر عليه السّلام:«أنّ الرّاسخين في العلم من لا يختلف في علمه».

أقول:و هو منطبق على الآية،فإنّ الرّاسخين في العلم قوبل به فيها قوله: اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، فيكون رسوخ العلم عدم اختلاف العالم و ارتيابه.

و في«الدّرّ المنثور»:أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و التّرمذيّ و ابن جرير و الطّبرانيّ و ابن مردويه،عن امّ سلمة:«أنّ رسول اللّه كان يكثر في دعائه أن يقول:

اللّهمّ مقلّب القلوب،ثبّت قلبي على دينك»قلت:يا رسول اللّه و إنّ القلوب لتتقلّب؟قال:«نعم،ما خلق اللّه من بشر من بني آدم،إلاّ و قلبه بين إصبعين من أصابع اللّه،فإن شاء أقامه و إن شاء أزاغه»،الحديث.

أقول:و روي هذا المعنى بطرق عديدة عن عدّة من الصّحابة كجابر و نواس بن شمعان و عبد اللّه بن عمر و أبي هريرة،و المشهور في هذا الباب ما في حديث نواس:

«قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرّحمن»و قد روى اللّفظة-فيما أظنّ-الشّريف الرّضي في«المجازات النّبويّة».

و روي عن عليّ عليه السّلام:أنّه قيل له:هل عندكم شيء من الوحي؟قال:«لا و الّذي فلق الحبّة و برأ النّسمة،إلاّ أن يعطي اللّه عبدا فهما في كتابه».

أقول:و هو من غرر الأحاديث،و أقلّ ما يدلّ عليه أنّ ما نقل من أعاجيب المعارف الصّادرة عن مقامه العلميّ الّذي يدهش العقول،مأخوذ من القرآن الكريم.

و في«الكافي»عن الصّادق عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه عليه السّلام:«يا أيّها النّاس إنّكم في دار هدنة،و أنتم على ظهر سفر،و السّير بكم سريع،و قد رأيتم اللّيل و النّهار،و الشّمس و القمر،يبليان كلّ جديد،و يقرّبان كلّ بعيد و يأتيان بكلّ موعود،فأعدّوا الجهاز لبعد المجاز»،قال:فقام المقداد بن الأسود فقال:يا رسول اللّه،و ما دار الهدنة؟فقال:«دار بلاغ و انقطاع، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع اللّيل المظلم،فعليكم بالقرآن،فإنّه شافع مشفّع،و ما حل مصدّق،و من جعله أمامه قاده إلى الجنّة،و من جعله خلفه ساقه إلى النّار، و هو الدّليل يدلّ على خير سبيل،و هو كتاب فيه تفصيل و بيان و تحصيل،و هو الفصل ليس بالهزل و له ظهر و بطن،فظاهره حكم،و باطنه علم،ظاهره أنيق،و باطنه عميق،له تخوم،و على تخومه تخوم،لا تحصى عجائبه

ص: 472

و لا تبلى غرائبه،فيه مصابيح الهدى و منار الحكمة،و دليل على المعرفة لمن عرف الصّفة،فليجل جال بصره، و ليبلغ الصّفة نظره،ينج من عطب،و يخلص من نشب، فإنّ التّفكّر حياة قلب البصير،كما يمشي المستنير في الظّلمات،فعليكم بحسن التّخلّص و قلّة التّربّص».ثمّ نقل روايات أخرى بهذا المعنى و أضاف:

و في الحديث المرويّ من طرق الفريقين عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«أنزل القرآن على سبعة أحرف».

أقول:و الحديث و إن كان مرويّا باختلاف ما في لفظه،لكن معناها مرويّ مستفيضا و الرّوايات متقاربة معنى،روتها العامّة و الخاصّة،و قد اختلف في معنى الحديث اختلافا شديدا،ربّما أنهى إلى أربعين قولا.

و الّذي يهوّن الخطب أنّ في نفس الأخبار تفسيرا لهذه السّبعة الأحرف،و عليه التّعويل.

ففي بعض الأخبار:«نزل القرآن على سبعة أحرف، أمر و زجر و ترغيب و ترهيب و جدل و قصص و مثل»،و في بعضها:«زجر و أمر و حلال و حرام و محكم و متشابه و أمثال».و عن عليّ عليه السّلام:«أنّ اللّه أنزل القرآن على سبعة أقسام،كلّ منها كاف شاف،و هي:أمر و زجر و ترغيب،و ترهيب و جدل و مثل و فصص».

فالمتعيّن حمل السّبعة الأحرف على أقسام الخطاب، و أنواع البيان،و هي سبعة على وحدتها في الدّعوة إلى اللّه و إلى صراطه المستقيم.و يمكن أن يستفاد من هذه الرّواية حصر أصول المعارف الإلهيّة في الأمثال،فإنّ بقيّة السّبعة لا تلائمها إلاّ بنوع من العناية على ما لا يخفى.

بحث آخر روائيّ:

في«الصّافي»عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النّار».

أقول:و هذا المعنى رواه الفريقان،و في معناه أحاديث أخر رووه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.[ثمّ نقل الرّوايات و قال:]

قوله صلّى اللّه عليه و آله:«من فسّر القرآن برأيه»الرّأي هو الاعتقاد عن اجتهاد،و ربّما أطلق على القول عن الهوى و الاستحسان،و كيف كان،لمّا ورد قوله:«برأيه»مع الإضافة إلى الضّمير،علم منه أن ليس المراد به النّهي عن الاجتهاد المطلق في تفسير القرآن،حتّى يكون بالملازمة أمرا بالاتّباع و الاقتصار بما ورد من الرّوايات في تفسير الآيات عن النّبيّ و أهل بيته صلّى اللّه عليه و آله،على ما يراه أهل الحديث،على أنّه ينافي الآيات الكثيرة الدّالّة على كون القرآن عربيّا مبينا،و الآمرة بالتّدبّر فيه.و كذا ينافي الرّوايات الكثيرة الآمرة بالرّجوع إلى القرآن و عرض الأخبار عليه.

بل الإضافة في قوله:«برأيه»تفيد معنى الاختصاص و الانفراد و الاستقلال،بأن يستقلّ المفسّر في تفسير القرآن بما عنده من الأسباب في فهم الكلام العربيّ،فيقيس كلامه تعالى بكلام النّاس،فإنّ قطعة من الكلام من أيّ متكلّم إذا ورد علينا،لم نلبث دون أن نعمل فيه القواعد المعمولة في كشف المراد الكلاميّ، و نحكم بذلك أنّه أراد كذا،كما نجري عليه في الأقارير و الشّهادات و غيرهما،كلّ ذلك لكون بياننا مبنيّا على ما

ص: 473

نعلمه من اللّغة،و نعهده من مصاديق الكلمات حقيقة و مجازا.

و البيان القرآنيّ غير جار هذا المجرى،على ما تقدّم بيانه في الأبحاث السّابقة،بل هو كلام موصول بعضها ببعض في عين أنّه مفصول،ينطق بعضه ببعض،و يشهد بعضه على بعض،كما قاله عليّ عليه السّلام،فلا يكفي ما يتحصّل من آية واحدة،بإعمال القواعد المقرّرة في العلوم المربوطة،في انكشاف المعنى المراد منها،دون أن يتعاهد جميع الآيات المناسبة لها،و يجتهد في التّدبّر فيها، كما يظهر من قوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82،و قد مرّ بيانه في الكلام على الإيجاز و غيره.

فالتّفسير بالرّأي المنهيّ عنه أمر راجع إلى طريق الكشف دون المكشوف،و بعبارة أخرى إنّما نهى عليه السّلام عن تفهّم كلامه على نحو ما يتفهّم به كلام غيره،و إن كان هذا النّحو من التّفهّم ربّما صادف الواقع.و الدّليل على ذلك قوله صلّى اللّه عليه و آله في الرّواية الأخرى:«من تكلّم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ»،فإنّ الحكم بالخطإ مع فرض الإصابة،ليس إلاّ لكون الخطإ في الطّريق،و كذا قوله عليه السّلام في حديث العيّاشيّ:«إن أصاب لم يؤجر».

و يؤيّده ما كان عليه الأمر في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّ القرآن لم يكن مؤلّفا بعد،و لم يكن منه إلاّ سور أو آيات متفرّقة في أيدي النّاس،فكان في تفسير كلّ قطعة قطعة منه،خطر الوقوع في خلاف المراد.

و المحصّل أنّ المنهيّ عنه إنّما هو الاستقلال في تفسير القرآن،و اعتماد المفسّر على نفسه من غير رجوع إلى غيره،و لازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرّجوع إليه.و هذا الغير لا محالة إمّا هو الكتاب أو السّنّة،و كونه هي السّنّة ينافي القرآن،و نفس السّنّة الآمرة بالرّجوع إليه،و عرض الأخبار عليه،فلا يبقى للرّجوع إليه و الاستمداد منه في تفسير القرآن إلاّ نفس القرآن.

و من هنا يظهر حال ما فسّروا به حديث التّفسير بالرّأي،فقد تشتّتوا في معناه على أقوال:

أحدها:أنّ المراد به التّفسير من غير حصول العلوم الّتي يجوز معها التّفسير،و هي خمسة عشر علما على ما أنهاه السّيوطيّ في«الإتقان»:اللّغة،و النّحو، و التّصريف،و الاشتقاق،و المعاني،و البيان،و البديع و القراءة،و أصول الدّين،و أصول الفقه،و أسباب النّزول،و كذا القصص،و النّاسخ و المنسوخ،و الفقه،و الأحاديث المبيّنة لتفسير المجملات و المبهمات،و علم الموهبة،و يعني بالأخير ما أشار إليه الحديث النّبويّ:

«من عمل بما علم ورّثه اللّه علم ما لم يعلم».

الثّاني:أنّ المراد به تفسير المتشابه الّذي لا يعلمه إلاّ اللّه.

الثّالث:التّفسير المقرّر للمذهب الفاسد،بأن يجعل المذهب أصلا و التّفسير تبعا،فيردّ إليه بأيّ طريق أمكن و إن كان ضعيفا.

الرّابع:التّفسير بأنّ مراد اللّه تعالى كذا على القطع، من غير دليل.

ص: 474

الخامس:التّفسير بالاستحسان و الهوى.

و هذه الوجوه الخمسة نقلها ابن النّقيب على ما ذكره السّيوطيّ في«الإتقان»،و هنا وجوه أخر نتبعها بها.

السّادس:أنّ المراد به هو القول في مشكل القرآن بما لا يعرف من مذاهب الأوائل من الصّحابة و التّابعين، ففيه تعرّض لسخط اللّه تعالى.

السّابع:القول في القرآن بما يعلم أنّ الحقّ غيره، نقلهما ابن الأنباريّ.

الثّامن:أنّ المراد به القول في القرآن بغير علم و تثبّت سواء علم أنّ الحقّ خلافه أم لا.

التّاسع:هو الأخذ بظاهر القرآن بناء على أنّه لا ظهور له،بل يتّبع في مورد الآية النّصّ الوارد عن المعصوم،و ليس ذلك تفسيرا للآية بل اتّباعا للنّصّ، و يكون التّفسير على هذا من الشّئون الموقوفة على المعصوم.

العاشر:أنّه الأخذ بظاهر القرآن بناء على أنّ له ظهورا لا نفهمه،بل المتّبع في تفسير الآية هو النّصّ عن المعصوم.

فهذه وجوه عشرة،و ربّما أمكن إرجاع بعضها إلى بعض،و كيف كان فهي وجوه خالية عن الدّليل،على أنّ بعضها ظاهر البطلان،أو يظهر بطلانه بما تقدّم في المباحث السّابقة،فلا نطيل بالتّكرار.

و بالجملة فالمتحصّل من الرّوايات و الآيات الّتي تؤيّدها كقوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، و قوله تعالى: اَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ الحجر:91، و قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ فصّلت:40،و قوله تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ النّساء:46،و قوله تعالى: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ الإسراء:36،إلى غير ذلك،أنّ النّهي في الرّوايات إنّما هو متوجّه إلى الطّريق،و هو أن يسلك في تفسير كلامه تعالى الطّريق المسلوك في تفسير كلام غيره من المخلوقين.

و ليس اختلاف كلامه تعالى مع كلام غيره في نحو استعمال الألفاظ و سرد الجمل،و إعمال الصّناعات اللّفظيّة،فإنّما هو كلام عربيّ روعي فيه جميع ما يراعى في كلام عربيّ،و قد قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ إبراهيم:4،و قال تعالى:

وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ النّحل:103،و قال تعالى:

إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ الزّخرف:3.

و إنّما الاختلاف من جهة المراد و المصداق الّذي ينطبق عليه مفهوم الكلام.

توضيح ذلك:أنّا من جهة تعلّق وجودنا بالطّبيعة الجسمانيّة و قطوننا المعجّل في الدّنيا المادّية،ألفنا من كلّ معنى مصداقه المادّيّ،و اعتدنا بالأجسام و الجسمانيّات، فإذا سمعنا كلام واحد من النّاس الّذين هم أمثالنا،يحكي عن حال أمر من الأمور،و فهمنا منه معناه،حملناه على ما هو المعهود عندنا من المصداق و النّظام الحاكم فيه، لعلمنا بأنّه لا يعني إلاّ ذلك،لكونه مثلنا لا يشعر إلاّ بذلك،و عند ذلك يعود النّظام الحاكم في المصداق يحكم

ص: 475

في المفهوم،فربّما خصّص به العامّ أو عمّم به الخاصّ،أو تصرّف في المفهوم بأيّ تصرّف آخر،و هو الّذي نسمّيه بتصرّف القرائن العقليّة غير اللّفظيّة.

مثال ذلك:أنّا إذا سمعنا عزيزا من أعزّتنا ذا سؤدد و ثروة،يقول:و إن من شيء إلاّ عندنا خزائنه،و تعقّلنا مفهوم الكلام و معاني مفرداته،حكمنا في مرحلة التّطبيق على المصداق،أنّ له أبنية محصورة حصينة،تسع شيئا كثيرا من المظروفات،فإنّ الخزانة هكذا تتّخذ إذا اتّخذت،و أنّ له فيها مقدارا و فرا من الذّهب و الفضّة و الورق و الأثاث و الزّينة و السّلاح،فإنّ هذه الأمور هي الّتي يمكن أن تخزن عندنا و تحفظ حفظا،و أمّا الأرض و السّماء،و البرّ،و البحر،و الكوكب،و الإنسان،فهي و إن كانت أشياء لكنّها لا تخزن و لا تتراكم،و لذلك نحكم بأنّ المراد من الشّيء بعض من أفراده غير المحصورة،و كذا من الخزائن قليل من كثير،فقد عاد النّظام الموجود في المصداق،و هو أنّ كثيرا من الأشياء لا يخزن،و أنّ ما يختزن منها إنّما يختزن في بناء حصين مأمون عن الغيلة و الغارة،أوجب تقييدا عجيبا في إطلاق مفهوم الشّيء و الخزائن.

ثمّ إذا سمعنا اللّه تعالى ينزّل على رسوله قوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ الحجر:21،فإن لم يرق أذهاننا عن مستواها السّاذج الأوّليّ،فسّرنا كلامه بعين ما فسّرنا به كلام الواحد من النّاس،مع أنّه لا دليل لنا على ذلك البتّة،فهو تفسير بما نراه من غير علم.

و إن رقّت أذهاننا عن ذلك قليلا،و أذعنّا بأنّه تعالى لا يخزن المال،و خاصّة إذا سمعناه تعالى يقول في ذيل الآية: وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ، و يقول أيضا:

وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الجاثية:5،حكمنا بأنّ المراد بالشّيء، الرّزق من الخبز و الماء،و أنّ المراد بنزوله نزول المطر، لأنّا لا نشعر بشيء ينزل من السّماء غير المطر،فاختزان كلّ شيء عند اللّه،ثمّ نزوله بالقدر كناية عن اختزان المطر،و نزوله لتهيئة الموادّ الغذائيّة،و هذا أيضا تفسير بما نراه من غير علم؛إذ لا مستند له،إلاّ أنّا لا نعلم شيئا ينزل من السّماء غير المطر،و الّذي بأيدينا هاهنا عدم العلم دون العلم بالعدم.

و إن تعالينا عن هذا المستوى أيضا،و اجتنبنا ما فيه من القول في القرآن بغير علم،و أبقينا الكلام على إطلاقه التّامّ،و حكمنا أنّ قوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ يبيّن أمر الخلقة،غير أنّا لمّا كنّا لا نشكّ في أنّ ما نجده من الأشياء المتجدّدة بالخلقة،كالإنسان و الحيوان و النّبات و غيرها،لا تنزل من السّماء و إنّما تحدث حدوثا في الأرض،حكمنا بأنّ قوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ، كناية عن مطاوعة الأشياء في وجودها لإرادة اللّه تعالى،و أنّ الإرادة بمنزلة مخزن يختزن فيه جميع الأشياء المخلوقة،و إنّما يخرج منه و ينزل من عنده تعالى ما يتعلّق به مشيّته تعالى،و هذا أيضا كما ترى تفسير للآية بما نراه من غير علم،إذ لا مستند لنا فيه سوى أنّا نجد الأشياء غير نازلة من عند اللّه بالمعنى الّذي نعهده من النّزول،و لا علم لنا بغيره.

ص: 476

و إذا تأمّلت ما وصفه اللّه تعالى في كتابه من أسماء ذاته و صفاته و أفعاله و ملائكته و كتبه و رسله،و القيامة و ما يتعلّق بها،و حكم أحكامه و ملاكاتها،و تأمّلت ما نرومه في تفسيرها من إعمال القرائن العقليّة،وجدت أنّ ذلك كلّه من قبيل التّفسير بالرّأي،من غير علم، و تحريف لكلمه عن مواضعها.

و قد تقدّم في الفصل الخامس من البحث في المحكم و المتشابه:أنّ البيانات القرآنيّة بالنّسبة إلى المعارف الإلهيّة كالأمثال،أو هي أمثال بالنّسبة إلى ممثلاتها،و قد فرّقت في الآيات المتفرّقة و بيّنت ببيانات مختلفة،ليتبيّن ببعض الآيات ما يمكن أن يختفي معناه في بعض،و لذلك كان بعضها شاهدا على البعض و الآية مفسّرة للآية.

و لو لا ذلك لاختلّ أمر المعارف الإلهيّة في حقائقها،و لم يمكن التّخلّص في تفسير الآية من القول بغير علم،على ما تقدّم بيانه.

و من هنا يظهر أنّ التّفسير بالرّأي كما بيّنّاه لا يخلو عن القول بغير علم،كما يشير الحديث النّبويّ السّابق:

«من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النّار».

و من هنا يظهر أيضا أنّ ذلك يؤدّي إلى ظهور التّنافي بين الآيات القرآنيّة من حيث إبطاله التّرتيب المعنويّ الموجود في مضامينها،فيؤدّي إلى وقوع الآية في غير موقعها،و وضع الكلمة في غير موضعها،و يلزمها تأويل بعض القرآن أو أكثر آياتها بصرفها عن ظاهرها،كما يتأوّل المجبّرة آيات الاختيار،و المفوّضة آيات القدر،و غالب المذاهب في الإسلام لا يخلو عن التّأوّل في الآيات القرآنيّة،و هي الآيات الّتي لا يوافق ظاهرها مذهبهم،فيتشبّثون في ذلك بذيل التّأويل استنادا إلى القرينة العقليّة،و هو قولهم:إنّ الظّاهر الفلانيّ قد ثبت خلافه عند العقل،فيجب صرف الكلام عنه.

و بالجملة يؤدّي ذلك إلى اختلاط الآيات بعضها ببعض ببطلان ترتيبها،و دفع مقاصد بعضها ببعض، و يبطل بذلك المرادان جميعا؛إذ لا اختلاف في القرآن، فظهور الاختلاف بين الآيات بعضها مع بعض،ليس إلاّ لاختلال الأمر،و اختلاط المراد فيهما معا.

و هذا هو الّذي ورد التّعبير عنه في الرّوايات بضرب بعض القرآن ببعض،كما في الرّوايات التّالية:

في«الكافي»و تفسير«العيّاشيّ»عن الصّادق عن أبيه عليهما السّلام قال:«ما ضرب رجل من القرآن بعضه ببعض إلاّ كفر».و في«المعاني»و«المحاسن»مسندا،و في تفسير «العيّاشيّ»عن الصّادق عليه السّلام[مثله].

قال الصّدوق سألت ابن الوليد عن معنى هذا الحديث،فقال:هو أن تجيب الرّجل في تفسير آية بتفسير آية أخرى.

أقول:ما أجاب به لا يخلو عن إبهام،فإن أراد به الخلط المذكور،و ما هو المعمول عند الباحثين في مناظراتهم من معارضة الآية بالآية،و تأويل البعض بالتّمسّك بالبعض فحقّ،و إن أراد به تفسير الآية بالآية،و الاستشهاد بالبعض للبعض فخطأ،و الرّوايتان التّاليتان تدفعانه.[ثمّ ذكر الرّوايات و قال:]

ص: 477

أقول:و الرّوايات كما ترى يعدّ ضرب القرآن بعضه ببعض مقابلا لتصديق بعض القرآن بعضا،و هو الخلط بين الآيات من حيث مقامات معانيها،و الإخلال بترتيب مقاصدها،كأخذ المحكم متشابها،و المتشابه محكما،و نحو ذلك.

فالتّكلّم في القرآن بالرّأي،و القول في القرآن بغير علم،كما هو موضوع الرّوايات المنقولة سابقا،و ضرب القرآن بعضه ببعضه،كما هو مضمون الرّوايات المنقولة آنفا،يحوم الجميع حول معنى واحد،و هو الاستمداد في تفسير القرآن بغيره.

فإن قلت:لا ريب أنّ القرآن إنّما نزل ليعقله النّاس و يفهموه،كما قال تعالى: إِنّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنّاسِ الزّمر:41،و قال تعالى: هذا بَيانٌ لِلنّاسِ آل عمران:138،إلى غير ذلك من الآيات.و لا ريب أنّ مبيّنه هو الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،كما قال تعالى: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ النّحل:44،و قد بيّنه للصّحابة،ثمّ أخذ عنهم التّابعون،فما نقلوه عنه صلّى اللّه عليه و آله إلينا فهو بيان نبويّ،لا يجوز التّجافي و الإغماض عنه بنصّ القرآن،و ما تكلّموا فيه من غير إسناده إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فهو و إن لم يجر مجرى النّبويّات في حجّيّتها، لكنّ القلب إليه أسكن،فإنّ ما ذكروه في تفسير الآيات، إمّا مسموع من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو شيء هداهم إليه الذّوق المكتسب،من بيانه و تعليمه صلّى اللّه عليه و آله،و كذا ما ذكره تلامذتهم من التّابعين و من يتلوهم،و كيف يخفى عليهم معاني القرآن مع تعرّقهم في العربيّة،و سعيهم في تلقّيها من مصدر الرّسالة،و اجتهادهم البالغ في فقه الدّين، على ما يقصّه التّاريخ من مساعي رجال الدّين في صدر الإسلام.

و من هنا يظهر:أنّ العدول عن طريقتهم و سنّتهم، و الخروج من جماعتهم،و تفسير آية من الآيات بما لا يوجد بين أقوالهم و آرائهم بدعة،و السّكوت عمّا سكتوا عنه واجب.و في ما نقل عنهم كفاية لمن أراد فهم كتاب اللّه تعالى،فإنّه يبلغ زهاء الوف من الرّوايات، و قد ذكر السّيوطيّ أنّه أنهاه إلى سبعة عشر ألف رواية عن النّبيّ و عن الصّحابة و التّابعين.

قلت:قد مرّ فيما تقدّم أنّ الآيات الّتي تدعو النّاس عامّة من كافر أو مؤمن،ممّن شاهد عصر النّزول،أو غاب عنه،إلى تعقّل القرآن و تأمّله،و التّدبّر فيه و خاصّة قوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:

82،تدلّ دلالة واضحة على أنّ المعارف القرآنيّة يمكن أن ينالها الباحث بالتّدبّر و البحث،و يرتفع به ما يتراءى من الاختلاف بين الآيات،و الآية في مقام التّحدّي، و لا معنى لإرجاع فهم معاني الآيات-و المقام هذا المقام- إلى فهم الصّحابة و تلامذتهم من التّابعين حتّى إلى بيان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فإنّ ما بيّنه إمّا أن يكون معنى يوافق ظاهر الكلام،فهو ممّا يؤدّى إليه اللّفظ،و لو بعد التّدبّر و التّأمّل و البحث.و إمّا أن يكون معنى لا يوافق الظّاهر،و لا أنّ الكلام يؤدّي إليه،فهو ممّا لا يلائم التّحدّي و لا تتمّ به الحجّة،و هو ظاهر.

ص: 478

نعم،تفاصيل الأحكام ممّا لا سبيل إلى تلقّيه من غير بيان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،كما أرجعها القرآن إليه في قوله تعالى:

وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الحشر:7،و ما في معناه من الآيات و كذا تفاصيل القصص و المعاد مثلا.

و من هنا يظهر أنّ شأن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في هذا المقام هو التّعليم فحسب،و التّعليم إنّما هو هداية المعلّم الخبير ذهن المتعلّم و إرشاده إلى ما يصعب عليه العلم به و الحصول عليه،لا ما يمتنع فهمه من غير تعليم،فإنّما التّعليم تسهيل للطّريق و تقريب للمقصد،لا إيجاد للطّريق و خلق للمقصد.و المعلّم في تعليمه إنّما يروم ترتيب المطالب العلميّة،و نضدها على نحو يستسهله ذهن المتعلّم و يأنس به،فلا يقع في جهد التّرتيب و كدّ التّنظيم،فيتلف العمر و موهبة القوّة،أو يشرف على الغلط في المعرفة.

و هذا هو الّذي يدلّ عليه أمثال قوله تعالى:

وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ النّحل :44،و قوله تعالى: وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ الجمعة:2،فالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما يعلّم النّاس و يبيّن لهم ما يدلّ عليه القرآن بنفسه،و يبيّنه اللّه سبحانه بكلامه،و يمكن للنّاس الحصول عليه بالآخرة لأنّه صلّى اللّه عليه و آله يبيّن لهم معاني لا طريق إلى فهمها من كلام اللّه تعالى،فإنّ ذلك لا ينطبق البتّة على مثل قوله تعالى: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فصّلت:3،و قوله تعالى: وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ النّحل:103.

على أنّ الأخبار المتواترة عنه صلّى اللّه عليه و آله،المتضمّنة لوصيّته بالتّمسّك بالقرآن و الأخذ به،و عرض الرّوايات المنقولة عنه صلّى اللّه عليه و آله على كتاب اللّه،لا يستقيم معناها إلاّ مع كون جميع ما نقل عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،ممّا يمكن استفادته من الكتاب،و لو توقّف ذلك على بيان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان من الدّور الباطل،و هو ظاهر.

على أنّ ما ورد به النّقل من كلام الصّحابة،مع قطع النّظر عن طرقه لا يخلو عن الاختلاف فيما بين الصّحابة أنفسهم،بل عن الاختلاف فيما نقل عن الواحد منهم، على ما لا يخفى على المتتبّع المتأمّل في أخبارهم.

و القول بأنّ الواجب حينئذ أن يختاروا أحد الأقوال المختلفة المنقولة عنهم في الآية،و يجتنب عن خرق إجماعهم،و الخروج عن جماعتهم،مردود،بأنّهم أنفسهم لم يسلكوا هذا الطّريق،و لم يستلزموا هذا المنهج،و لم يبالوا بالخلاف فيما بينهم،فكيف يجب على غيرهم أن يقفوا على ما قالوا به،و لم يختصّوا بحجّيّة قولهم على غيرهم،و لا بتحريم الخلاف على غيرهم دونهم.

على أنّ هذا الطّريق و هو الاقتصار على ما نقل من مفسّري صدر الإسلام من الصّحابة و التّابعين في معاني الآيات القرآنيّة،يوجب توقّف العلم في سيره،و بطلان البحث في أثره،كما هو مشهود في ما بأيدينا من كلمات الأوائل،و الكتب المؤلّفة في التّفسير في القرون الأولى من الإسلام،و لم ينقل منهم في التّفسير إلاّ معان ساذجة بسيطة خالية عن تعمّق البحث و تدقيق النّظر،فأين ما

ص: 479

يشير إليه قوله تعالى: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ النّحل:89،من دقائق المعارف في القرآن؟

و أمّا استبعاد أن يختفى عليهم معاني القرآن مع ما هم عليه من الفهم و الجدّ و الاجتهاد،فيبطله نفس الخلاف الواقع بينهم في معاني كثير من الآيات و التّناقض الواقع في الكلمات المنقولة عنهم،إذ لا يتصوّر اختلاف و لا تناقض إلاّ مع فرض خفاء الحقّ،و اختلاط طريقه بغيره.

فالحقّ أنّ الطّريق إلى فهم القرآن الكريم غير مسدود،و أنّ البيان الإلهيّ و الذّكر الحكيم بنفسه هو الطّريق الهادي إلى نفسه،أي أنّه لا يحتاج في تبيين مقاصده إلى طريق،فكيف يتصوّر أن يكون الكتاب الّذي عرّفه اللّه تعالى بأنّه هدى و أنّه نور،و أنّه تبيان لكلّ شيء،مفتقرا إلى هاد غيره و مستنيرا بنور غيره و مبيّنا بأمر غيره؟

فإن قلت:قد صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال في آخر خطبة خطبها:«إنّي تارك فيكم الثّقلين،الثّقل الأكبر و الثّقل الأصغر،فأمّا الأكبر فكتاب ربّي،و أمّا الأصغر فعترتي أهل بيتي،فاحفظوني فيهما فلن تضلّوا ما تمسّكتم بهما».رواه الفريقان بطرق متواترة عن جمّ غفير من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنه،أنهى علماء الحديث عدّتهم إلى خمس و ثلاثين صحابيّا.و في بعض الطّرق «لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».و الحديث دالّ على حجّيّة قول أهل البيت عليهم السّلام في القرآن،و وجوب اتّباع ما ورد عنهم في تفسيره،و الاقتصار على ذلك،و إلاّ لزم التّفرقة بينهم و بينه.

قلت:ما ذكرناه في معنى اتّباع بيان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله آنفا جار هاهنا بعينه،و الحديث غير مسوق لإبطال حجيّة ظاهر القرآن،و قصر الحجّيّة على ظاهر بيان أهل البيت عليهم السّلام كيف و هو صلّى اللّه عليه و آله يقول:لن يفترقا،؟فيجعل الحجّيّة لهما معا،فللقرآن الدّلالة على معانيه و الكشف عن المعارف الإلهيّة،و لأهل البيت الدّلالة على الطّريق و هداية النّاس إلى أغراضه و مقاصده.

على أنّ نظير ما ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في دعوة النّاس إلى الأخذ بالقرآن و التّدبّر فيه،و عرض ما نقل عنه عليه،وارد عن أهل البيت عليهم السّلام.

على أنّ جمّا غفيرا من الرّوايات التّفسيريّة الواردة عنهم عليهم السّلام مشتملة على الاستدلال بآية على آية، و الاستشهاد بمعنى على معنى،و لا يستقيم ذلك إلاّ بكون المعنى ممّا يمكن أن يناله المخاطب و يستقلّ به ذهنه لوروده من طريقه المتعيّن له.

على أنّ هاهنا روايات عنهم عليهم السّلام تدلّ على ذلك بالمطابقة،كما رواه في«المحاسن»بإسناده عن أبى لبيد البحرانيّ عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال:«فمن زعم أنّ كتاب اللّه مبهم فقد هلك و أهلك».و يقرب منه ما فيه و في«الاحتجاج»عنه عليه السّلام قال:«إذا حدّثتكم بشيء فاسألوني عنه من كتاب اللّه»الحديث.

و بما مرّ من البيان يجمع بين أمثال هذه الأحاديث الدّالّة على إمكان نيل المعارف القرآنيّة منه،و عدم احتجابها من العقول،و بين ما ظاهره خلافه،كما في

ص: 480

تفسير«العيّاشيّ»عن جابر قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«إنّ للقرآن بطنا و للبطن ظهرا»،ثمّ قال:«يا جابر و ليس شيء أبعد من عقول الرّجال منه،إنّ الآية لتنزل أوّلها في شيء و أوسطها في شيء و آخرها في شيء،و هو كلام متّصل ينصرف على وجوه».و هذا المعنى وارد في عدّة روايات،و قد رويت الجملة أعني قوله:«و ليس شيء أبعد»إلخ،في بعضها عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و قد روي عن عليّ عليه السّلام:«أنّ القرآن حمّال ذو وجوه»الحديث،فالّذي ندب إليه تفسيره من طريقه و الّذي نهي عنه تفسيره من غير طريقه،و قد تبيّن أنّ المتعيّن في التّفسير الاستمداد بالقرآن على فهمه،و تفسير الآية بالآية،و ذلك بالتّدرّب بالآثار المنقولة عن النّبيّ و أهل بيته صلّى اللّه عليه و عليهم،و تهيئة ذوق مكتسب منها ثمّ الورود، و اللّه الهادي.(3:63-87)

خليل ياسين:س-ما معنى المحكم و المتشابه؟

ج-المحكم:ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن به لوضوحه،و المتشابه:ما لا يعلم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن به،و لا دلالة تدلّ على المراد منه، كما في قوله تعالى: وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ فإنّه يفارق قوله: وَ أَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ لأنّ إضلال السّامريّ قبيح،و إضلال اللّه حسن.و بعبارة ثانية،المحكم:ما لم تشتبه معانيه،و المتشابه:ما اشتبهت معانيه.

س-لم أنزل اللّه في القرآن المتشابه،و هلاّ جعله كلّه محكما،

ج-أنّه لو جعله جميعه محكما لاتّكل النّاس كلّهم على الخبر،و استغنوا عن النّظر،و لكان لا يتبيّن فضل العلماء على غيرهم،و لكان لا يحصل لهم ثواب النّظر،و إتعاب الخواطر في استنباط المعاني،و لتعلّق النّاس به لسهولة مأخذه،و لأعرضوا عمّا يحتاجون فيه إلى الفحص و التّأمّل من النّظر و الاستدلال.

س-لقد وصف اللّه سبحانه جميع القرآن بأنّه محكم،بقوله: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،و وصف جميعه بأنّه متشابه بقوله: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً الزّمر:23،و هذا ينافي قوله في هذه الآية: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ الآية؟

ج-معنى الإحكام:الإتقان و المنع،أي هو ممتنع بإتقانه و إحكام معانيه عن اعتراض خلل فيه،فالقرآن كلّه محكم من هذا الوجه،و قوله: مُتَشابِهاً أي يشبه بعضه بعضا في الحسن و الصّدق و الثّواب و البعد عن الخلل و التّناقض،فهو كلّه متشابه من هذا الوجه.

(1:123)

مكارم الشّيرازيّ:يدور الكلام في هذه الآية على الآيات المحكمة و المتشابهة،و كيف يتعامل المؤمنون و غير المؤمنين مع هاتين المجموعتين من الآيات.و لكى نتفهّم المعنى العميق في هذه الآية لا بدّ من ملاحظة النّقاط التّالية:

1-ما المقصود بالآيات المحكمة و المتشابه؟المحكم من الإحكام و هو المنع.و لهذا يقال للمواضيع الثّابتة القويّة:محكمة،أي أنّها تمنع عن نفسها عوامل الزّوال، كما أنّ كلّ قول واضح و صريح لا يعتوره أيّ احتمال

ص: 481

للخلاف،فيقال له:«قول محكم».

و عليه فإنّ الآيات المحكمات هي الآيات ذات المفاهيم الواضحة الّتي لا مجال للجدل و الخلاف بشأنها، كآية: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ الإخلاص:1،و لَيْسَ كَمِثْلِهِ الشّورى:11،و اَللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ الرّعد:

16،و لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ النّساء:11،و آلاف أخرى مثلها،ممّا تتعلّق بالعقائد و الأحكام و المواعظ و التّواريخ،فهى كلّها من المحكمات.هذه الآيات المحكمات تسمّى في القرآن أمّ الكتاب،أي هي الأصل و المرجع و المفسّرة و الموضّحة للآيات الأخرى.

و المتشابهات:هو ما تتشابه أجزاؤه المختلفة، و لذلك فالجمل و الكلمات الّتي معانيها معقّدة و تنطوي على احتمالات مختلفة،توصف بأنّها متشابهة،و هذا هو المقصود من وصف بعض آيات القرآن بأنّها متشابهات، أي الآيات الّتي تبدو معانيها لأوّل وهلة معقّدة و ذات احتمالات متعدّدة،و لكنّها تتّضح معانيها بعرضها على الآيات المحكمات،على الرّغم من أنّ المفسّرين أوردوا احتمالات متعدّدة في تفسير المحكم و المتشابه،و لكن الّذي قلناه يناسب المعنى الأصليّ لهذين المصطلحين،كما يتّفق مع سبب نزول الآية،و كذلك مع الأحاديث الواردة في تفسير هذه الآية،و مع الآية نفسها،ذلك لأنّنا نقرأ بعد ذلك أنّ المغرضين يتّخذون من الآيات المتشابهات وسيلة لإثارة الفتنة.و هم بالطّبع يبحثون لهذا الغرض عن الآيات الّتي يتحمّل ظاهرها تفسيرات متعدّدة.و هذا نفسه يدلّ على أنّ معنى المتشابه هو ذاك الّذي قلناه.

لذكر نماذج من الآيات المتشابهات يمكن إدراج بعض الآيات الّتي تخصّ صفات اللّه و المعاد.مثل: يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ الفتح:10،بشأن قدرة اللّه، وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ التّوبة:98،بشأن علم اللّه،و وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ الأنبياء:47،بشأن طريقة حساب الأعمال.

بديهيّ أنّ اللّه لا يد له بمعنى العضو،و لا أذن بالمعنى نفسه،و لا ميزان مثل موازيننا يزن بها الأعمال.هذه كنايات عن مفاهيم كلّيّة لقدرة اللّه و علمه و ميزانه.

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ كلمتي المحكم و المتشابه قد وردتا في القرآن بمعنى آخر.ففي أوّل سورة هود نقرأ:

كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ فهنا أشير إلى أنّ جميع آيات القرآن محكمات،و القصد هنا هو قوّة التّرابط و التّماسك بينها.و في الآية:23،من سورة الزّمر نقرأ: كِتاباً مُتَشابِهاً، أي الكتاب الّذي كلّ آياته متشابهات، و هي هنا بمعنى التّماثل من حيث صحّتها و حقيقتها.

يتّضح ممّا قلنا بشأن المحكم و المتشابه،أنّ الإنسان الواقعيّ الباحث عن الحقيقة لا بدّ له لفهم كلام اللّه أن يضع الآيات جنبا إلى جنب ثمّ يستخرج منها الحقيقة.

فإذا لاحظ في ظاهر بعض الآيات إبهاما و تعقيدا،فعليه أن يرجع إلى آيات أخر لرفع ذلك الإبهام و التّعقيد ليصل إلى كنهها.

تعتبر الآيات المحكمات في الواقع أشبه بالشّارع الرّئيسيّ،و المتشابهات أشبه بالشّوارع الفرعيّة،لا شكّ

ص: 482

أنّ المرء إذا تاه في شارع فرعيّ سعى للوصول إلى الشّارع الرّئيسيّ،ليتبيّن طريقه الصّحيح فيسلكه.

إنّ التّعبير عن المحكمات ب أُمُّ الْكِتابِ يؤيّد هذه الحقيقة أيضا،إذ أنّ لفظة(امّ)في اللّغة تعني الأصل و الأساس،و إطلاق الكلمة على الأمّ لأنّها أصل الأسرة و العائلة،و الملجأ الّذي يفزع إليه أبناؤها لحلّ مشاكلهم.و على هذا فالمحكمات هي الأساس و الجذر، و الأمّ بالنّسبة للآيات الأخرى.

2-لما ذا تشابهت بعض آيات القرآن؟

إنّ القرآن جاء نورا لهداية عموم النّاس،فما سبب احتوائه على آيات متشابهات،فيها إبهام و تعقيد بحيث يستغلّها المفسدون لإثارة الفتنة؟هذا موضوع مهمّ جدير بكلّ بحث و تدقيق.و على العموم يمكن أن تكون النّقاط التّالية هي السّرّ في وجود المتشابهات في القرآن:

أوّلا:أنّ الألفاظ و الكلمات الّتي يستعملها الإنسان للحوار،إنّما هي لرفع حاجته اليوميّة في التّفاهم،و لكن ما إن نخرج عن نطاق حياتنا المادّيّة و حدودها،كأن نتحدّث عن الخالق الّذي لا يحدّه أيّ لون من الحدود، نجد بوضوح أنّ ألفاظنا تلك لا تستوعب هذه المعاني، فنضطرّ إلى استخدام ألفاظ أخرى،و إن تكن قاصرة لا تفي بالغرض تماما من مختلف الجهات.إنّ هذا القصور في الألفاظ هو منشأ الكثير من متشابهات القرآن.إنّ آيات مثل: يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ الفتح:10،أو اَلرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى طه:5،أو إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيمة:23،الّتي سوف يأتي تفسيرها في موضعه،تعتبر من هذه النّماذج.و هناك أيضا تعبيرات مثل سميع و بصير،و لكن بالرّجوع إلى الآيات المحكمات يمكن تفسيرها بوضوح.

ثانيا:كثير من الحقائق تختصّ بالعالم الآخر،أو بعالم ما وراء الطّبيعة،ممّا هو بعيد عن أفق تفكيرنا، و إنّنا بحكم وجودنا ضمن حدود سجن الزّمان و المكان غير قادرين على إدراك كنهها العميق.قصور أفق تفكيرنا من جهة،و سموّ تلك المعاني من جهة أخرى، سبب آخر من أسباب التّشابه في بعض الآيات،كالّتي تتعلّق بيوم القيامة مثلا.

و هذا أشبه بالّذي يريد أن يشرح لجنين في بطن أمّه مسائل هذا العالم الّذي لم يرده بعد،فهو إذا لم يقل شيئا، يكون مقصّرا،و إذا قال،كان لا بدّ له أن يتحدّث بأسلوب يتناسب مع إدراكه.

ثالثا:من أسرار وجود متشابهات في القرآن إثارة الحركة في الأفكار و العقول،و إيجاد نهضة فكريّة بين النّاس.و هذا أشبه بالمسائل الفكريّة المعقّدة الّتي يعالجها العلماء لتقوية أفكارهم،و لتعميق دقّتهم في المسائل.

رابعا:النّقطة الأخرى الّتي ترد بشأن الوجود المتشابهات في القرآن،و تؤيّدها أخبار أهل البيت عليهم السّلام هي أنّ وجود هذه الآيات في القرآن يصعّد حاجة النّاس إلى القادة الإلهيّين و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأوصياء،فتكون سببا يدعو النّاس إلى البحث عن هؤلاء،و الاعتراف بقيادتهم عمليّا،و الاستفادة من علومهم الأخرى

ص: 483

أيضا.و هذا أشبه ببعض الكتب المدرسيّة الّتي أنيط فيها شرح بعض المواضيع إلى المدرّس نفسه،لكي لا تنقطع علاقة التّلاميذ بأستاذهم،لكي يستمرّوا،بسبب حاجاتهم هذه،في التّزوّد منه على مختلف الأصعدة.

و هذا أيضا مصداق وصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين قال:«إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب اللّه و عترتي:أهل بيتي،و أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»[ثم نقل معنى التّأويل و الرّاسخون في العلم و أدام:]

نتيجة الكلام في تفسير الآية:

من كلّ ما مرّ قوله تفسيرا لهذه الآية نستنتج أنّ آيات القرآن قسمان:قسم معانيها واضحة جدّا بحيث لا يمكن إنكارها،و لا إساءة تأويلها و تفسيرها،و هذه هي الآيات المحكمات.و قسم آخر مواضيعها رفيعة المستوى،أو أنّها تدور حول عوالم بعيدة عن متناول أيدينا،كعلم الغيب،و عالم يوم القيامة،و صفات اللّه، بحيث إنّ معرفة معانيها النّهائيّة و إدراك كنه أسرارها يستلزم مستوى عاليا من العلم،و هذه هي الآيات المتشابهات.

المنحرفون و الشّذّاذ يسعون لاستخدام إبهام هذه الآيات لتفسيرها بحسب أهوائهم و بخلاف الحقّ،لكي يثيروا الفتنة بين النّاس و يضلّوهم عن الطّريق المستقيم.

بيد أنّ اللّه و الرّاسخين في العلم يعرفون أسرار هذه الآيات و يشرحونها للنّاس،فهم بعلمهم الواسع يفهمون المتشابهات كما يفهمون المحكمات،و لذلك فإنّهم يسلّمون لها قائلين:إنّها جميعا من عند اللّه يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا.

و على هذا يكون الرّسوخ في العلم سببا في أن يزداد الإنسان معرفة بأسرار القرآن.و لا شكّ أنّ الّذين رسخوا في العلم أكثر من غيرهم كالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أئمّة الهدى،يعلمون جميع أسرار القرآن،بينما الآخرون يعلمون منها كلّ بقدر سعة علمه.و هذه الحقيقة هي الّتي تدفع النّاس،و حتّى العلماء منهم،للبحث عن المعلّمين الإلهيّين،ليتعلّموا منهم أسرار القرآن.

وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ. تشير هذه الجملة في ختام الآية إلى أنّ هذه الحقائق يعرفها المفكّرون وحدهم،فهم الّذين يدركون لما ذا ينبغي أن يكون في القرآن محكمات و متشابهات،و هم الّذين يعلمون أنّه يجب وضع المتشابهات إلى جانب المحكمات لكشفها.

لذلك فقد نقل عن الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام أنّه قال:«من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم».(2:288-290)

فضل اللّه:المحكم و المتشابه و التّأويل:

لقد دار جدل كثير حول المراد من كلمات«المحكم» و«المتشابه»و«التّأويل»الواردة في الآية الأولى موضوع النّظر و التّأمّل،كما تعدّدت و تنوّعت الآراء حول معانيها،الأمر الّذي أدخلها دائرة الإجمال.و نحن هنا نريد استيحاء الفكرة العامّة للآية من خلال الجوّ الّذي يحيط بها،و السّياق الّذي تتحرّك فيه.

السّياق العامّ للآية:

فقد نلاحظ في ما سبقها من آيات،أنّ الحديث

ص: 484

انطلق في سياق اعتبار الكتاب الّذي أنزل على رسول اللّه هدى للنّاس كغيره من الكتب السّابقة عليه،ممّا يجعله مبيّنا لكلّ المفاهيم الأساسيّة الّتي ذكرت في التّوراة و الإنجيل،لأنّه مصدّق لهما في ذلك كلّه،ذلك هو طابعه العامّ في ما أريد به من تغيير المسار الإنسانيّ على صورته.أمّا في الآيتين اللّتين بعدها،فنلاحظ أنّ هناك دعاء ينبع من أعماق الرّوح الّتي تعيش الإحساس بالقلق،على القلب أن يزيغ في ما يمكن أن يثار أمامه من شبهات في المفاهيم الّتي يقرّرها الكتاب،في ما يقرّره من حقائق العقيدة و الحياة،و من إشكال في بعض الكلمات الّتي قد تختلف دلالتها على المعنى الحقيقيّ،ممّا يوجب السّير في طريق الضّلالة بعد أن انطلقت الخطى في طريق الهدى.

إنّ الدّعاء يبتهل إلى اللّه سبحانه أن يهب للإنسان الرّحمة الّتي تمثّل انفتاح الإنسان على الحقّ و الفهم الواعي البعيد عن تعقيدات الذّات،عند ما تحاول أن تنحرف به عن الاتّجاه الطّبيعيّ في وعي النّصوص،لأنّها قد تعمل على أن تحمّل اللّفظ ما لا يتحمّل من المعنى،و تضعه في جوّ غريب عن الجوّ الّذي يتحرّك فيه،فيختلف الفهم حسب اختلاف ذلك،و يبتعد كثيرا عن معناه.و بذلك كان لا بدّ من رحمة اللّه الّتي تعطي الإنسان شعورا بالمسئوليّة في مجال المعرفة،كما هي المسئوليّة في مجال العمل،حيث تتفايض في القلب كلّ الأفكار الطّيّبة البسيطة،الّتي تواجه الحقيقة ببساطتها من موقع العفويّة لا من موقع التّعقيد و الأفكار المسبقة النّاشئة من أوضاع و ظروف بعيدة عن إطار اللّفظ و المعنى.

تحرير فهم القرآن من الأفكار المسبقة:

إنّنا نستلهم من خلال هذا السّياق الّذي يحيط بالآية،أنّ هناك خطّا أساسيّا يجب اتّباعه في طريقة الاستهداء بالقرآن إلى المعرفة الحقّة،و هو خطّ المسئوليّة الفكريّة و الرّوحيّة الّتي تواجه القرآن،كما لو لم يكن هناك فكر قبله،لتفهمه بعيدا عن ضوضاء الأفكار السّابقة.و بهذا نستطيع أن نضع الآية في هذا الجوّ.

في القرآن نموذجان من الآيات:

فهي تتحدّث عن أنّ الكتاب يشتمل على نموذجين من الآيات،الآيات المحكمة الّتي تمثّل الوضوح في اللّفظ و المعنى،بحيث لا تدع مجالا للشّكّ و الاحتمال،و الآيات المتشابهة الّتي تمثّل نوعا من أنواع الغموض،فيما يمكن أن تحمل عليه ألفاظها،لأنّها تحتمل بعض المعاني الواردة على خلاف ما وضعت له لغة،ممّا يجعل القضيّة متردّدة بين أكثر من مفهوم،و ذلك قد يكون بملاحظة طبيعة اللّفظ،أو بملاحظة طبيعة المعنى.

نموذج القلوب الزّائغة:

ثمّ تثير أمامنا قصّة أولئك الّذين في قلوبهم انحراف عن خطّ الهدى،فهم لا يقرءون الكتاب ليتدبّروه و ليهتدوا به،فيرجعوا متشابهه إلى محكمه،حيث يكون الإحكام هناك دليلا على تفسير التّشابه هنا،بل يحاولون أن يقرءوه قراءة الإنسان المعقّد تجاه الرّسالة و الرّسول و النّاس الّذين آمنوا بهما،فهم يعملون على

ص: 485

إيجاد الارتباك في المفاهيم،بالانحراف بها عن مدلولها الحقيقيّ،لإفساح المجال لفتنة المسلمين عن دينهم باسم الدّين.و لذلك كانوا يتّبعون المتشابه،لا اتّباع العمل و الهدى،بل اتّباع الفرصة السّانحة لتنفيذ المخطّط الضّالّ،لأنّه هو الّذي يمكّنهم من الفتنة بما يفتحه أمامهم من مجالات التّفسير الّذي لا تسمح به الآيات المحكمة لما تشتمل عليه من الوضوح.

و لعلّ ما تقدّم من ذكر أسباب النّزول،بمناسبة الكلام على الآيات 1-6،يوضح الصّورة،فقد نستوحي من القصّة،أنّ هؤلاء كانوا يحاولون أن يختاروا من آيات القرآن،الآيات الّتي تتحدّث عن عيسى بأنّه روح اللّه،و بأنّه كلمة اللّه الّتي ألقاها إلى مريم،و نحو ذلك،ممّا يمكن أن يترك لهم مجالا بأن يلبسوا الأمر على البسطاء في ما تعنيه هذه الكلمات من وجود جزء من الألوهيّة في ذاته،أو ما أشبه هذا من التّأويلات و التّعليلات.و هذا هو شأن كلّ صاحب فكرة أو عقيدة، فإنّه يحاول أن يجرّ الآخرين إليه من خلال الاستفادة من بعض الكلمات الّتي تسمح بالتّفسير الفضفاض الّذي يقف الإنسان معه عند حدّ معيّن واضح،لتضليلهم عن الحقّ،باسم آيات الحقّ.و هذا هو الّذي أوجب الاختلاف في المذاهب الإسلاميّة في الجبر و التّفويض و التّجسيم،و رؤية اللّه و غيرها من المفاهيم الّتي وقعت مجالا للنّزاع بين المسلمين،فحاول كلّ فريق أن يستفيد من بعض الآيات القرآنيّة الّتي قد تفسّر على هذا النّحو أو ذاك،في ما يلائم اللّفظ من تفسير.و هذا ما عبّر عنه الإمام عليّ عليه السّلام في بعض كلامه:«لا تخاصمهم بالقرآن فإنّ القرآن حمّال ذو وجوه».

نموذج الرّاسخين في العلم:

أمّا اَلرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، هؤلاء الّذين أعطاهم اللّه الرّؤية الواضحة للأشياء،فإنّ شأنهم شأن العلماء الّذين لا يصدرون حكما في موضوع إلاّ بعد التّدبّر و التّأمّل و البحث و التّدقيق في جميع وجوهه،الأمر الّذي يجعلهم يقارنون بين مفهوم و آخر،و بين نصّ هنا و نصّ هناك،ممّا قد يوحي بالتّنافي و التّنافر،فيحاولون الجمع بينهما من خلال اكتشاف الحقائق الأساسيّة الواضحة، و إرجاع كلّ الأمور و النّصوص الأخرى إليها في عمليّة تفسير للفظ على الأسس الفنّيّة للكلام،بحيث لا تبتعد عن القواعد العربيّة،و لا تنحرف عن المفهوم السّائد في فهم المعنى من اللّفظ،و بذلك لا يكون التّأويل حملا للفظ على خلاف ظاهره بالطّريقة الّتي تحوّل الكلام إلى ما يشبه الأدب الرّمزيّ الّذي لا يكون اللّفظ فيه قالبا للمعنى،بل يكون التّأويل إرجاعا للفظ إلى معناه،في ما يزعمه هؤلاء من تأويلات الباطل عند ما يرجعونه إلى معانيه الباطلة،أو في ما توحي به الآيات الأخرى الواضحة الدّلالة في ما تقرّره من حقائق العقيدة و الحياة، و ما يكتشفه اَلرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ من معناه الّذي علّمهم اللّه إيّاه.و بهذا يقترب من معنى التّفسير الّذي يضع اللّفظ في موقعه من حيث دلالته على المعنى الّذي لا يختلف مع المعنى الآخر الحقيقيّ.[ثمّ أدام البحث في التّأويل و أضاف:]

ص: 486

المتشابه و المجمل:

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ يا محمّد، اَلْكِتابَ القرآن الّذي أراده اللّه هدى للنّاس،في انفتاح آياته على آفاق المعرفة و حقائق العقيدة و دقائق الأشياء،و في تنوّع أساليب دلالاتها على الفكرة من خلال خصائص اللّغة العربيّة،الّتي تتنوّع دلالات ألفاظها على المعاني، من حيث الوضوح و الخفاء،تبعا لحاجات التّعبير الّتي تختلف فيها الحقيقة عن المجاز،و تتنوّع فيها عناوين الاستعارة و الكناية في الأساليب البلاغيّة الّتي تمنح الكلام رونقا و حلاوة و حركة فنّيّة،قد تتعب الفكر في استجلاء المعنى،و لكنّها تبتعد به عن متاهات الاحتمالات،لأنّها ترتكز على الحقيقة الواضحة في إرجاعها إلى معانيها الأصيلة في الحقائق القرآنيّة الواضحة. مِنْهُ أي من الكتاب، آياتٌ مُحْكَماتٌ واضحات الدّلالة على المعاني،فلا مجال فيها لأيّ لبس في التّفسير و لأيّ غموض في المعنى،أو أيّ احتمال بعيد.

هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أي القاعدة الّتي ترجع إليها كلّ الآيات في معناها،باعتبارها تمثّل الحقيقة الحاسمة الّتي لا ريب فيها،و لا التباس يمكن لأصحاب القلوب الزّائغة استغلالها لحرف النّاس عن جادّة الحقّ و الصّواب.فعند هذه الآيات الأصل تلتقي كلّ حقائق المعرفة،و إليها ترجع كلّ الاحتمالات. وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ لا تملك من الوضوح في الدّلالة على معناها ما تملكه الآيات المحكمات،فقد يتردّد معناها بين نوعين من المعاني من حيث تبادر المعنى الحقيقيّ من اللّفظ عند إطلاقه،فيخيّل للسّامع أنّه المراد منه،و من حيث وجود بعض القرائن الموحية بالمعنى المجازيّ أو الكنائيّ،و ذلك كما في قوله تعالى: اَلرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى طه:5،فإنّ كلمة الاستواء على العرش قد توحي بالجلوس عليه و الاستقرار فوقه بالمعنى المادّيّ بما يدلّ على التّجسيم للذّات الإلهيّة تماما،كبقيّة الأجسام الّتي يعرض عليها القيام و القعود.

و قد يكون المراد به الاستواء المعنويّ بمعنى السّيطرة و الهيمنة على الملك،من حيث استعارته كلمة العرش للملك،و كلمة الاستواء للسّيطرة،فيدور الأمر بينهما، فنرجع إلى الآية المحكمة الّتي لا مجال فيها لأيّ تأويل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11،الّتي تنفي عن اللّه- بكلّ وضوح و صراحة-كلّ مماثل في الذّات،فتنفي عنه مماثلته للمخلوقات في الجسد،فيتعيّن المعنى الثّاني الّذي يبدو واضحا محكما بلحاظ هذه الآية.

و هكذا نلتقي بقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيمة:22،23،فإنّها توحي-في البداية-من خلال معنى الإبصار المنفتح على اللّه بشكل حسّيّ تماما،كما لو كان جسما يرى،لأنّ معنى اللّفظ- بحسب الوضع-هو ذلك،و لكنّنا إذا قارنّاه بقوله تعالى:

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ الأنعام:

103،الّتي تدلّ دلالة واضحة على امتناع إدراك الأبصار له،كانت مفسّرة لتلك الآية،بأنّ المراد بالنّظر إلى اللّه:

النّظر العقليّ أو الرّوحيّ،لا الحسّيّ،أو النّظر إليه من خلال النّظر إلى مواقع عظمته،فيرتفع اللّبس،و تتّضح

ص: 487

الصّورة كأيّ لفظ تحيط به القرينة اللّفظيّة أو العقليّة على إرادة خلاف ظاهره،ليتّخذ اللّفظ لنفسه ظهورا ثانويّا ينسبق معناه إلى الذّهن تماما،كما هو المعنى الحقيقيّ.

و هكذا نتمثّل المسألة في الآية المنسوخة الظّاهرة في امتداد الحكم إلى آخر الزّمان،كحكم حاسم شامل لكلّ امتدادات الزّمن،فإذا جاءت الآية النّاسخة،كانت دليلا على إرادة الحكم المحدود من تلك الآية،و لكن اللّه أخّر تحديدها إلى زمن نزول الآية الأخرى،بحيث تؤدّي المقارنة بينهما إلى وضوح الدّلالة،فتتحوّل الآية المتشابهة في ذاتها إلى آية محكمة بلحاظ الآية المحكمة الأخرى.

معنى التّشابه:

و في ضوء هذا،نعرف أنّ التّشابه لا يعني المجمل الّذي لا يملك أيّ ظهور للفظ في المعنى،كالألفاظ المشتركة وضعا،أو المحاطة بقرائن مجملة توجب إجمالها،بل المراد به اللّفظ الظّاهر في معنى معيّن في الظّهور الأوّليّ،الّذي يراد به معنى آخر ببركة القرينة الواضحة الّتي تمنحه ظهورا ثانويّا،بحيث لا يشكّ السّامع أو القارئ في مدلوله الحقيقيّ بعد ذلك تماما،كما هي قرينة المجاز الّتي تلحق الكلام،فتؤدّي إلى ظهوره في المعنى المجازيّ الجديد.

المراد من إحكام آيات القرآن كلّه:

و على هذا الأساس،نفهم المراد من قوله تعالى:

كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ هود:1،فقد وصف اللّه القرآن كلّه بأنّه الكتاب المحكم في جميع آياته،فيخيّل للقارئ أو السّامع أنّ هذا مناف للآية المذكورة في عرضنا هذا،لأنّها تقسم الكتاب إلى قسمين: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فإنّ المراد من إحكام آيات القرآن كلّه، هو مجموع الآيات الّتي لا تختلف مداليلها،بل تتكامل عند ضمّ بعضها إلى بعض،فيكون بعضها مفسّرا لبعضها الآخر و شارحا له و مبيّنا للمعنى الواقعيّ الّذي أريد منه ما ورد على خلاف ظاهر اللّفظ في معناه الموضوع له، ما يؤدّي به إلى الوضوح في النّتائج الحاسمة في نهاية المطاف،فيكون القرآن كلّه محكما بطريقة مباشرة في بعض آياته،و بطريقة غير مباشرة في البعض الآخر.

معنى قوله تعالى: كِتاباً مُتَشابِهاً:

و بهذا يتبيّن معنى قوله تعالى في وصف الكتاب في آية أخرى بأنّه«متشابه»و ذلك قوله تعالى: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ الزّمر:23،فإنّ المراد بالمتشابه هنا،هو الكتاب المنسّق في آياته،الّذي يشبه بعضه بعضا في تبيان الحقائق، و تركيز المعارف،و دقّة المعانيّ،و تناسق الآيات، و بلاغة الأسلوب،بحيث يفسّر بعضه بعضا و يكمّل بعضه بعضا.

آيات القرآن تتكامل فيما بينها:

و لو لا هذه الملاحظة المذكورة الّتي ترجع المتشابه إلى المحكم،و تجعل من المحكم قاعدة فكريّة تفسيريّة للمتشابه،لكان القرآن في بعض آياته مجملا غامضا لا مجال للاحتجاج به،أو للتّدبّر في آياته،فكيف يكون

ص: 488

نورا و هدى و بيانا و تبيانا لكلّ شيء؟!

و لعلّ الدّراسة الواعية الدّقيقة للقرآن في كلّ موضوعاته الفكريّة و العقيديّة و التّشريعيّة،و مفاهيمه العامّة المنفتحة على حقائق الكون و الحياة و الإنسان و عالم الغيب و الشّهادة،توحي للقارئ الباحث بأنّ آيات القرآن تتكامل في بناء الفكر الإسلاميّ،فإذا كانت هذه الآية توحي بمعنى في بادئ الأمر،فإنّ الآية الأخرى تفسّرها لتلتقي به في معنى واحد،و إذا جاء الحكم الشّرعيّ في بعضها عامّا أو مطلقا،فإنّنا نلتقي في بعضها الآخر بما يخصّصه أو يقيّده،فلا يجد الإنسان فيه اختلافا بين أفكاره،أو تنافرا بين آياته،أو غموضا في معانيه،بل هو الوضوح الّذي يستمدّ طبيعته من طبيعة الألفاظ في معانيها الموضوعة،و من عمق التّدبّر في أغوارها العميقة،و من المقارنة الموضوعيّة بينها في عمليّة التّكامل في حركة الأفكار في بنيتها الأساسيّة.

و هذا هو الّذي أراده اللّه من عباده في الأمر بالتّدبّر للقرآن في قوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:

82،فإنّ إدراك هذه الحقيقة،تفرض على الإنسان أن يدرس القرآن كلّه،في جميع آياته و موضوعاته،ليأخذ الفكرة الكاملة،و أن يتعمّق في دراسته بعيدا عن القراءة السّطحيّة،ليعرف كيف يجعل الآية هنا،مفسّرة للآية هناك،أو يأخذ من هذه الآية جانبا من المعنى،و يأخذ من الأخرى جانبا آخر،و ذلك من خلال الثّقافة الواسعة العميقة في اللّغة العربيّة،الّتي تربّي له ذوقه اللّغويّ،بحيث يفهم المعاني من الألفاظ من خلال أسرار اللّغة في دقائقها و تنوّعاتها،و من خلال الذّهنيّة المنفتحة على حقائق الكون و الحياة و الإنسان؛الأمر الّذي يملك معه فهم القرآن في الجانب اللّغويّ و الفكريّ و العمليّ معا في كلّ آياته المحكمة و المتشابهة.

المنحرفون يفسّرون القرآن بأهوائهم:

و هذا ما يحمي الإنسان من الانحراف في وعي الأسلوب القرآنيّ في الفهم و التّفسير،فيبتعد به عن الطّريقة الّتي يتأوّل بها اللّفظ الدّالّ على معنى في غير الاتّجاه الّذي انطلق فيه،من غير دليل قرآنيّ يوحي به أو يدلّ عليه،لأنّه يريد أن يجعل القرآن حجّة على ما يفكّر به أو ينتمي إليه،فيستغلّ قابليّة اللّفظ له،فيحمله عليه،في الوقت الّذي لا يستطيع القارئ الواعي أن يفهم منه ذلك بطريقة طبيعيّة. فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ و ميل عن خطّ التّوازن في الفكر و الاستقامة في الخطّ،من هؤلاء الّذين يعيشون الارتباك الفكريّ و القلق الرّوحيّ و الضّياع العمليّ،فلا يلجئون إلى ركن وثيق من الحجّة القاطعة الواضحة،و لا ينطلقون من فكر عميق واسع،و من خطّ مستقيم واضح،فهم لا يتحرّكون من موقع إيمانهم بالحقيقة الواقعيّة الّتي تناديهم في إيجاءاتها الفكريّة الإنسانيّة للبحث عنها و السّعي إليها،بل يتحرّكون من خلال تلبية حاجاتهم،و تحريك أطماعهم،و توجيه طموحاتهم نحو الأهداف الخبيثة، فيبحثون عن أيّ مبرّر للحصول على ما يريدون،بعيدا عن الشّروط الأخلاقيّة لذلك،لأنّ المهمّ لديهم أن

ص: 489

يقدّموا بين أيديهم أيّة حجّة في الصّورة الظّاهرة،حتّى لو كانت غير مقنعة،لأنّ قناعة الآخرين ليست الهدف لهم، بل الهدف الأساس هو تضليلهم و توجيههم نحو الانحراف عن الخطّ المستقيم،من أجل إرباك الواقع الإنسانيّ، و إبعاده عن الانسجام مع رسالات الأنبياء و حركات المخلصين،و لهذا،فإنّهم يحاولون أن يلعبوا على الألفاظ، و يتحرّكوا بأساليب الدّسّ و التّشويه و التّهويل ضدّ الرّسل و الرّسالات،فيلجئون في تبرير مواقفهم و أوضاعهم إلى المتشابهات الّتي يمكن أن تثير الجدل بين النّاس لقابليّتها للتّفسير و التّأويل.

فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ للإيحاء بأنّهم يرتكزون على القرآن في ما يطلقونه من أفكار،و ما يخطّطون له من برامج،و ما يثيرونه من قضايا في السّاحة الإنسانيّة العامّة،لإخفاء نيّاتهم الخبيثة ضدّ الإسلام و المسلمين.

اِبْتِغاءَ الْفِتْنَةِ الّتي يحرّكونها في الجانب الفكريّ، لفتنة المؤمنين عن دينهم الحقّ،لينحرفوا عن خطّه المستقيم،ممّا قد يؤدّي إلى الفتنة الاجتماعيّة بينهم،إذا اختلفوا في فهمهم للإسلام من خلال ذلك،فيتفرّقون شيعا و أحزابا،و مذاهب و طوائف في خطّ العصبيّة الّتي تثير الانفعال،و تغذّي الأحقاد،و تقود إلى القتال.

وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ و إرجاعه إلى المصادر الّتي يرتكزون عليها في أفكارهم و معارفهم في استغلال للغموض البدويّ في الآيات المتشابهة،كما فعل اليهود في محاولاتهم،الدّخول على النّصّ القرآنيّ بإثارة التّفاصيل في ما أجمله القرآن،و توجيه التّفسير،في ما يحتاج منه إلى التّفسير،نحو العقائد الّتي يعتقدونها.و قد تركت هذه المداخلات اليهوديّة الكثير من الإرباكات في التّصوّر الإسلاميّ للقرآن،ممّن لم يملكوا المعرفة الواسعة لاكتشاف مواقع الخلل الفكريّ فيها.

و قد جاء في الحديث عن الإمام الباقر عليه السّلام ما مضمونه:أنّ نفرا من اليهود و معهم حييّ بن أخطب و أخوه،جاءوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و احتجّوا بالحروف المقطّعة الم، و قالوا:بموجب حساب الحروف الأبجديّة،فإنّ الألف في الحساب الأبجديّ تساوي الواحد،و اللاّم تساوي 30،و الميم تساوي 40،و بهذه، فإنّ فترة بقاء أمّتك لا تزيد على إحدى و سبعين سنة، فقال لهم رسول اللّه على أساس الحديث ما معناه:لما ذا حسبتم الم وحدها؟أ لم تروا أنّ في القرآن المص و الر و نظائرها من الحروف المقطّعة،فإذا كانت هذه الحروف المقطّعة تدلّ على مدّة بقاء أمّتي،فلما ذا لا تحسبونها كلّها؟و عندئذ نزلت هذه الآية.

فإذا صحّت هذه الرّواية،فإنّنا نستفيد منها أنّ هؤلاء يحاولون النّفاذ من بعض المواقع القابلة للتّأويل، إلى إيجاد بعض الأجواء النّفسيّة اليائسة،ليعيش النّبيّ و المسلمون معه الإحباط في نظرتهم إلى مستقبل الدّين و امتداده في الزّمن،كما أنّهم يحاولون في مواقع أخرى أن يفرضوا مفاهيمهم و أقاصيصهم و شرائعهم على الذّهنيّة الإسلاميّة،من خلال محاولتهم إرجاع بعض الآيات القرآنيّة إلى المصادر،الّتي يؤمنون بها و يرتكزون في

ص: 490

عقائدهم الدّينيّة عليها.

و هذا ما نلاحظه في المحاولات الّتي حاول فيها نصارى نجران-حسب الرّواية السّابقة-الاستفادة من «كلمة اللّه و روحه»الواردة في القرآن،في الحديث عن السّيّد المسيح،للاحتجاج على بعض عقائدهم في «التّثليث»و«ألوهيّة المسيح»،من دون ملاحظة للآيات الأخرى المصرّحة بنفي الألوهيّة و التّثليث معا،و اعتبار الاعتقاد بهما كفرا مرفوضا في الإيمان الإسلاميّ.

و هذا ما يحاوله البعض من علماء النّصارى من اعتبار الإسلام بدعة نصرانيّة،و تأويل النّصوص القرآنيّة لمصلحة العقيدة النّصرانيّة،للإيحاء بأنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله كان نصرانيّا مبتدعا،يستوحي الإنجيل في قرآنه بطريقة معيّنة لا تبتعد عن العقيدة النّصرانيّة الأمّ، و ذلك بالتّلاعب على الألفاظ بتفسيرها بطريقة معيّنة، أو تحويرها لشكل معيّن.

و هذا ما نلاحظه في المداخلات الّتي يقوم بها العلمانيّون المسلمون،الّذين يحاولون إخضاع القرآن للكثير من أفكارهم العلمانيّة و للخطوط الفكريّة الغربيّة الحديثة،بما يبرّر الكثير من التّشريعات و المفاهيم و الخطوط الفكريّة و العمليّة.[إلى أن قال:]

وقفة مع صاحب«الميزان»:

و قد وافقهم في هذا الرّأي صاحب تفسير «الميزان»،الّذي يرى أنّ المعنى في الآية:«أنّ النّاس في الأخذ بالكتاب قسمان:فمنهم من يتّبع ما تشابه منه، و منهم من يقول إذا تشابه عليه شيء منه:آمنّا به،كلّ من عند ربّنا،و إنّما اختلفا لاختلافهم من جهة زيغ القلب و رسوخ العلم».

و لكنّنا نلاحظ على كلامه،بالإضافة إلى ما قدّمناه في صدر تفسير الآية،أنّ الإشكال على حديثه عن سياق الآية جاء على تقسيم النّاس من الكتاب إلى جماعة تتّبع المتشابه لاستغلاله في غير الحقّ،من خلال زيغ قلوبهم و انحرافهم عن خطّ الاستقامة،و جماعة ثابتة على اتّباع المحكم،و الإتيان بالمتشابه لرسوخ في علمهم، و يستفاد من الآية-كما ذكرنا ذلك-أنّ القصد الأوّل في ذكر الرّاسخين في العلم بيان حالهم و طريقتهم في الأخذ بالقرآن،و مدحهم فيه قبال ما ذكر من حال الزّائغين و طريقتهم و ذمّهم،و الزّائد على هذا القدر خارج عن القصد الأوّل،و لا دليل على تشريكهم في العلم بالتّأويل مع ذلك.

و لكنّه لا يمانع من أنّ الرّاسخين في العلم قد يعلمون معنى المتشابه على طريقة الاستثناء من القاعدة،فإنّ «العلم بالتّأويل مقصور في الآية عليه تعالى،و لا ينافي ذلك ورود الاستثناء عليه،كما أنّ الآيات دالّة على انحصار علم الغيب عليه تعالى مع ورود الاستثناء عليه، كما في قوله تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ الجنّ:26،27،و لا ينافيه أيضا كون المستثنى اَلرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ بعينهم؛إذ لا منافاة بين أن تدلّ هذه الآية على شأن من شئون الرّاسخين في العلم،و هو الوقوف عند الشّبهة و التّسليم في مقابل الزّائغين قلبا،و بين أن تدلّ آيات

ص: 491

أخر على أنّهم أو بعضا منهم عالمون بحقيقة القرآن و تأويل آياته».

و خلاصة الإشكال،أنّ السّياق في هذه الآية يتحرّك في دائرة الحديث عن الكتاب و انقسام النّاس حوله،-كما ذكر-و لكن الظّاهر أنّها-في مقام بيان الموقف منه-تؤكّد أنّ هناك من لا يؤمن بالكتاب، و يحاول إضلال النّاس البسطاء باستغلال المتشابه من أجل فتنتهم عن دينهم،و تأويله لمصلحة عقائدهم الباطلة،من دون أن يملكوا علم ذلك،لأنّهم لم ينفتحوا عليه انفتاح المؤمن على كتابه المقدّس،ليتدبّروا آياته و يرجعوا بها إلى معانيها في الواقع،من خلال مصادر العلم لديهم،و منها وحي اللّه و إلهامه في تفسير آياته، فهم لا يجدون أيّة ضرورة أو أيّ حافز لذلك.

وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فإنّهم انطلقوا في إيمانهم من خلال معرفتهم باللّه و بكتابه،و لذلك فإنّهم يواجهون المتشابه من موقع إيمانهم،بأنّ الكتاب من عند اللّه،في محكمه و متشابهه،فلا تختلف آياته،و لا تتنافر معانيه، ممّا يجعل بعضه يفسّر البعض الآخر.و لذلك فإنّهم يستخدمون علمهم من أجل أن يؤكّدوا إيمانهم و إيمان النّاس به،فيعلنونه في موقع حاسم لا مجال للشّكّ فيه، ليقولوا:آمنّا به،كلّ من عند ربّنا الّذي جعل المحكم، الّذي هو أمّ الكتاب و مصدره و مرجعه،دليلا على المتشابه،و جعلهما معا نورا و هدى للنّاس،فليست مسألة تسليم إيمانيّ مجرّد،بل هو تسليم عقليّ واع في الإيمان،و لذلك ضمّ المحكم إلى المتشابه،مع أنّ الإيمان به كان منطلقا من حالة وعي لا من حالة تسليم أعمى، ممّا يؤكّد هذا الوجه الّذي نرتئيه،و يذهب إليه جمهرة من الصّحابة كابن عبّاس و بعض القدماء و الشّافعيّة، و معظم المفسّرين من الشّيعة.

إنّ اعتبار التّأويل في الآية مختصّا باللّه،لا يتناسب مع تفسير العلاّمة الطّباطبائيّ للمتشابه:بأنّه«كون الآية بحيث لا يتعيّن مرادها لفهم السّامع بمجرّد استماعها،بل يتردّد بين معنى و معنى حتّى يرجع محكمات الكتاب، فتعيّن هي معناها و تبيّنها بيانا،فتصير الآية المتشابهة عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة،و الآية المحكمة محكمة بنفسها».فإذا كان المتشابه-في القرآن كلّه- محكما واضحا ببركة المحكم،فكيف يكون ممّا اختصّ اللّه بعلمه،كعلم الغيب،فإنّ الغيب ممّا استأثر اللّه بعلمه، فلا طريق إليه إلاّ من خلاله.أمّا المتشابه،فيمكن للرّاسخين في العلم أن يعرفوه من خلال ردّه إلى المحكم الّذي يملكون علمه.

و قد ذكر الطّبرسيّ صاحب«مجمع البيان»تأييدا للقول بالعطف:«أنّ الصّحابة و التّابعين أجمعوا على تفسير آي القرآن،و لم نرهم توقّفوا على شيء منه و لم يفسّروه بأن قالوا:هذا متشابه لا يعلمه إلاّ اللّه».

و قد ذكر صاحب«الميزان»:أنّ كون الآية ذات تأويل ترجع إليه غير كونها متشابهة ترجع إلى آية محكمة.

و لكن يلاحظ على ذلك،أنّ ذكر التّأويل السّلبيّ لدى الّذين في قلوبهم مرض،إلى جانب الحديث عن

ص: 492

المتشابه،و استغلالهم التّشابه الّذي قد يحتمل معنى آخر، بالإضافة إلى ذكر المحكمات اللاّتي هنّ أمّ الكتاب باعتبارها القاعدة الّتي يرجع إليها كلّ ما في الكتاب حتّى المتشابه،إنّ هذا يوحي بأنّ تأويل الآية يتّصل بإرجاعها إلى معناها الحقيقيّ الّذي قد يتمثّل بالمقارنة بينها و بين الآيات المحكمة الّتي تصرف اللّفظ عن ظاهره الأوّليّ،ليتّخذ لنفسه ظهورا ثانويّا في معناه المجازيّ الوارد على سبيل الاستعارة،و هذا ما يظهر من الرّوايات الواردة في أسباب النّزول،من محاولة النّصارى تأويل الآيات النّازلة في عيسى لمصلحة عقائدهم،أو محاولة المجسّمة حمل الآيات الظّاهرة بدوا في التّجسيم على ما يعتقدونه،بعيدا عن المقارنة بالآيات الأخرى.

و خلاصة الملاحظة:أنّ التّأويل الحقّ الّذي يعلمه اللّه و الرّاسخون في العلم،هو في سياق التّأويل الّذي حاول الّذين في قلوبهم مرض الاستفادة منه لمصلحة عقائدهم،من حيث حمل اللّفظ عليه.(5:216)

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير الحكمة على خمسة وجوه:

فوجه منها:الحكمة يعني المواعظ الّتي في القرآن من الأمر و النّهي،فذلك قوله: وَ ما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ البقرة:231،يعني القرآن،(و الحكمة)يعني المواعظ الّتي في القرآن من الأمر و النّهي و الحلال و الحرام،كقوله: وَ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ النّساء:

113،يعني القرآن.(و الحكمة)يعني الحلال و الحرام الّذي في البقرة،نظيرها: وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ آل عمران:48،يعني المواعظ الّتي في القرآن من الحلال و الحرام،مثلها في آل عمران،كقوله عن يحيى: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:12،يعني الفهم و العلم.

الوجه الثّاني:الحكم:يعني الفهم و العلم،كقوله:

وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ لقمان:12،يعني الفهم و العلم،و قال: وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً الأنبياء:

79،يعني الفهم و العلم،و قال: أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ الأنعام:89،يعني الفهم و العلم.

و الوجه الثّالث:الحكمة:يعني النّبوّة،فذلك قوله:

فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ النّساء:54، و قال: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ ص:20،يعني النّبوّة، وَ فَصْلَ الْخِطابِ، و قال لداود: وَ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ البقرة:251،يعني النّبوّة.

الوجه الرّابع:الحكمة:يعني تفسير القرآن،فذلك قوله: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً البقرة:269.

و الوجه الخامس:الحكمة:يعني القرآن،فذلك قوله: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ النّحل:125، يعني القرآن.(111)

نحوه هارون الأعور(91)،و الدّامغانيّ(250).

الحيريّ:الحكيم:على أربعة أوجه:

أحدها:العالم الّذي ليس في كلامه لغو،و لا في تدبيره خلل،و لا في فعله لعب،كقوله: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ البقرة:32،و قوله: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ

ص: 493

اَلْحَكِيمُ البقرة:129،و قوله: وَ كانَ اللّهُ واسِعاً حَكِيماً النّساء:130.

الثّاني:القرآن،كقوله: الر*تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ يونس:1.

و الثّالث:المحكم،فيه البيان بالحلال و الحرام، كقوله: يس* وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ يس:2.

و الرّابع:الكائن،كقوله: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ الدّخان:4.

الحكمة:على خمسة أوجه:

أحدها:الحلال و الحرام،كقوله: وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ البقرة:129،و آل عمران:164،و الجمعة:2.

و الثّاني:النّبوّة،كقوله: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ النّساء:54.

و الثّالث:الزّبور، وَ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ البقرة:251.

و الرّابع:القرآن،كقوله: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ النّحل:125.

و الخامس:التّعجّب،كقوله: لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلّهِ لقمان:12،و قوله: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ البقرة:269.

قال ابن عبّاس:النّبوّة،و قال مقاتل:تفسير القرآن،و يقال:القرآن،و قال مجاهد:إصابة القول و الفعل،و يقال:الحظّ الحسن،و يقال:الفقه،و يقال:

حسن الورع،و يقال:الخشية،و يقال:السّنّة و الجماعة، و يقال:إلهام الصّدقة.

الحكم:على أربعة أوجه:

أحدها:التّفهّم،كقوله: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ آل عمران:79،و قوله:

وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:12.و قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ الأنعام:89، و قوله: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً الأنبياء:79.

و الثّاني:القضاء،كقوله: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ المائدة:49،و إِنَّ اللّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ المؤمن:48.

و الثّالث:الرّجم،كقوله: فِيها حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ المائدة:43.

و الرّابع:حكم القافة: وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا سورة الرّعد:37،يعني القافة،لأنّ ما من حكم يشترك فيه العرب و غير العرب إلاّ القافة،لأنّها تختصّ بها العرب دون غيرهم.(192)

الفيروزآباديّ:و الحكم وردت في القرآن على نيّف و عشرين وجها:

الأوّل:حكم اللّه تعالى: أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ التّين:8.

الثّاني:حكم نوع في شفاعة النّبيّين: وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ هود:45،و حكم لوط عند استغاثته من جور المجرمين: وَ لُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً الأنبياء:74،و حكم يوسف الصّدّيق عند الخلوة بسيّدة الحسان: آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً يوسف:22،

ص: 494

و حكمه أيضا بتعبير الرّؤيا لأهل الأسجان: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ يوسف:67،و حكم إخوة يوسف عند توقّف بعضهم عن الرّواح إلى كنعان: حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ يوسف:80،و حكم داود لمّا ترافع إليه الخصمان: فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ ص:22،و حكم خلفاء اللّه بين نوع الإنسان: فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ ص:26،و الحكم بين الزّارع و الرّاعي من داود و سليمان: إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ الأنبياء:78، و حكم اليهود بالتّوراة و شرائعها: وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللّهِ المائدة:43،و حكم النّصارى بالإنجيل و أحكامها: وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ المائدة:47،و حكم سيّد الأنبياء بما تضمّنه القرآن:

وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ المائدة:49،و الحكم الجاهليّ الّذي طلبه الجهّال من أهل الكفر و الطّغيان:

أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ المائدة:50،و الحكم الحقّ المنصوص في القرآن: وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً المائدة:50،و الحكم الجزم البتّ في شأن أهل النّفاق و الخذلان: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ النّساء:65،و الحكم المقبول من المؤمنين بواسطة الإيمان،المقابل بالتّذلّل و التّواضع و الإذعان:

وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ النّور:48، و الحكم فى القيامة بين جميع الإنس و الجانّ: وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ النّحل:124،و الحكم بين الرّجال و النّسوان: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها النّساء:35،و حكم بجزاء الصّيد على المحرم عند العدوان: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ المائدة:95،و حكم من اللّه بالحقّ إذا اختلف المختلفان وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ الشّورى:10،و حكم الكفّار في دعوى مساواتهم مع أهل الإيمان: ساءَ ما يَحْكُمُونَ الأنعام:136، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ الصّافّات:154،و حكم بتقديم الأرواح و تأخيرها من الرّحمن: وَ اللّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ الرّعد:41،و حكم بتخليد الكفّار في النّيران:

إِنَّ اللّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ المؤمن:48،و حكم بتخليد ثواب أهل الإيمان في الجنان.

أمّا الحكمة فمن اللّه تعالى:معرفة الأشياء و إيجادها، على غاية الإحكام و الإتقان،و من الإنسان:معرفة الموجودات و فعل الخيرات.

و قد وردت في القرآن على ستّة أوجه:

الأوّل:بمعنى النّبوّة و الرّسالة: وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ آل عمران:48، وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ ص:

20، وَ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ البقرة:251،أي النّبوّة.

الثّاني:بمعنى القرآن و التّفسير و التّأويل و إصابة القول فيه: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً البقرة:269.

الثّالث:بمعنى فهم الدّقائق و الفقه فى الدّين: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:12،أي فهم الأحكام.

الرّابع:بمعنى الوعظ و التّذكير: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ

ص: 495

اَلْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ النّساء:54،أي المواعظ الحسنة، أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ الأنعام:89.

الخامس:آيات القرآن و أوامره و نواهيه: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ النّحل:125.

السّادس:بمعنى حجّة العقل على وفق أحكام الشّريعة: وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ لقمان:12،أي قولا يوافق العقل و الشّرع...

و أمّا الحكيم،فقد ورد في القرآن على خمسة أوجه:

الأوّل:بمعنى الأمور المقضيّة على وجه الحكمة:

فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ الدّخان:4.

الثّاني:بمعنى اللّوح المحفوظ: وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ الزّخرف:4.

الثّالث:بمعنى الكتاب المشتمل على قبول المصالح:

الر*تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ يونس:1،و قيل:

في معناه غير ذلك و قد تقدّم.

الرّابع:بمعنى القرآن العظيم المبيّن لأحكام الشّريعة:

يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ يس:1،2.

الخامس:المخصوص بصفة اللّه عزّ و جلّ تارة مقرونا بالعلوّ و العظمة: إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ الشّورى:51،و تارة مقرونا بالعلم و الدّراية: إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ يوسف:83،و تارة مقرونا بكمال الخبرة: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ هود:1،و تارة مقرونا بكمال العزّة:

وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً النّساء:158.

(بصائر ذوي التّمييز 2:488)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحكمة،و هي حديدة في اللّجام،تكون على أنف الفرس و حنكه،تمنعه من مخالفة راكبه،و الجمع:حكم؛يقال:حكم الفرس يحكمه حكما،و أحكمه بالحكمة،أي جعل للجامه حكمة،فهو فرس محكوم.

و استعيرت الحكمة للإنسان و سائر الدّوابّ أيضا، فهي من الإنسان:أسفل وجهه؛يقال:رفع اللّه حكمته، أي رأسه و شأنه،و فلان عالي الحكمة،و له عندنا حكمة، أي قدر،و حكمة الضّائنة:ذقنها.

و يقال مجازا:حكمت السّفيه و أحكمته،أي أخذت على يده،و حكم الرّجل و حكّمه و أحكمه:منعه ممّا يريد،و حكم الشّيء و أحكمه و حكّمه:منعه من الفساد، و حكم فلان عن الأمر و الشّيء:رجع،و أحكمت فلانا:رجّعته.

و الحكم:العلم و القضاء بالعدل،و الجمع:أحكام؛ يقال:حكم عليه و له بالأمر،و حكم بينهم يحكم حكما،أي قضى بالعدل و الإنصاف،فهو حاكم،و قيل له ذلك،لأنّه يمنع الظّالم من الظّلم،كما تمنع الحكمة الفرس من الجماح،و جمع الحاكم:حكّام،و هو الحكم و الحكيم أيضا؛يقال:حاكمه إلى الحكم،أي دعاه.و المحاكمة:

المخاصمة إلى الحاكم؛يقال:احتكموا إلى الحاكم و تحاكموا،و حاكمنا فلانا إلى اللّه:دعوناه إلى حكم اللّه، و الحكومة:الاسم من الحكم.

و حكّمه في الأمر فاحتكم:جاز فيه حكمه،و حكّمته

ص: 496

في مالي:جعلت إليه الحكم فيه،فاحتكم عليّ في ذلك، و حكّموه بينهم:أمروه أن يحكم،و المحكّم:المنصف من نفسه،و المحكّم:الّذي يحكّم في نفسه.

و الحكم:بلوغ النّهاية في الشّيء؛يقال:حكم الرّجل يحكم حكما،فهو حكيم.و الحكيم:المتقن للأمور،و من أحكمته التّجارب،و أحكمت الشّيء فاستحكم:صار محكما،و أحكمت الأمر:أتقنته.

و الحكمة:عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم،فهي تمنع الإنسان من الجهل،و قد حكم الرّجل، أي صار حكيما،و الحكمة:العدل.

2-و ذهب بعض علماء اللّغات السّاميّة إلى أنّ أصل هذه المادّة في هذه اللّغات الحكم و الحكومة،أمّا معنى العلم فقد حدث بفعل التّطوّر اللّغويّ في السّاميّة الشّماليّة.و ادّعى بعض آخر أنّ لفظي«الحكمة» و«الحكيم»أخذا من الآراميّة؛إذ ورد الحكيم في هذه اللّغة بلفظي«حكيم»و«حكيما»،و الحكمة بلفظ «حاكمتا» (1).

و لكن لو قال قائل عكس ذلك-أي أنّ هذين اللّفظين أخذا من العربيّة-لما كان بعيدا،ما دام أصل هذه اللّغات واحد،اللّهمّ إلاّ أن يدعم بحجّة أو دليل، و إلاّ فالأصل أصيل حيث لا دليل.

الاستعمال القرآنيّ

جاء من المجرّد«الماضي و المضارع و الأمر و اسم الفاعل و الصّفة و المبالغة و التّفضيل و المصدر و اسم المصدر»،و من الإفعال«الماضي المجهول و المضارع المعلوم،و اسم المفعول مؤنّثا مفردا و جمعا،»و من التّفعيل و التّفاعل«المضارع»في 186 آية:

حكم اللّه تشريعا

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ المائدة:1

حكم الجاهليّة
اشارة

2- وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَ هذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَ ما كانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ الأنعام:136

3- يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ

النّحل:59

4- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ العنكبوت:4

5- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ الجاثية:21

6- أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ المائدة:50

7- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ

ص: 497


1- راجع كتاب«المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم».

اَللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ يونس:35

8- أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ* ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ الصّافّات:153،154

9- أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ القلم:35،36

10- أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ القلم:39

حكم اللّه و قضائه في العقيدة

و في الآخرة

11- ...إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ الأنعام:57

12- ...إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ... يوسف:40

13- ...إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ يوسف:67

14- أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ

الأنعام:62

15- ...لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ القصص:70

16- ...كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ القصص:88

17- ...وَ إِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ المؤمن:12

18- ...ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً الكهف:26

19- إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ النّمل:78

20- أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَ هُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ...

الشّورى:9 و 10

21- قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ الأنبياء:112

22- وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ الطّور:48

23- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ... القلم:48

24- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً الدّهر:24

25- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ المؤمن:48

26- ...ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ آل عمران:55

27- ...أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ الزّمر:46

28- ...فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ البقرة:113

29- ...فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ...

النّساء:141

ص: 498

30- ...وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ النّحل:124

31- اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ...

الحجّ:56

32- اَللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ الحجّ:69

33- ...إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ... الزّمر:3

34- ...فَاصْبِرُوا حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنا وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ الأعراف:87

35- وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ اصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ يونس:109

36- فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ يوسف:80

37- رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ هود:45

38- فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ* أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ التّين:7،8

39- ...وَ اللّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ هُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ الرّعد:41

الحكم و القضاء و التّحكيم و التّحاكم

بين النّاس فيما اختلفوا فيه

40- يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى... ص:26

41- ...وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ... النّساء:58

42- إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ... النّساء:105

43- ...وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ... البقرة:213

44- ...يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ... آل عمران:23

45- وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ...

النّور:48

46- إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا... النّور:51

47- ...ذلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الممتحنة:10

48-55 ...فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ* إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ* وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ*... وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ* وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما

ص: 499

بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً...* وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ... المائدة:42-49

الحكم و الحكّام

56- ...يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ... النّساء:60

57- فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ... النّساء:65

58- أَ فَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً... الأنعام:114

59- وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً...

النّساء:35

60- وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:188

الحكم و النّبوّة

61- أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ... الأنعام:89

62- وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ الجاثية:16

63- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللّهِ

آل عمران:79

64- وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يوسف:22

65- وَ لُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً...

الأنبياء:74

66- فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً... الأنبياء:79

67- وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً... القصص:14

68- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم:12

69- فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً الشّعراء:21

70- رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ

الشّعراء:83

71- وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا...

الرّعد:37

إحكام الآيات

72- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ هود:1

73- ...فَيَنْسَخُ اللّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ... الحجّ:52

74- ...فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَ ذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ...

محمّد:20

75- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ

ص: 500

مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ... آل عمران:7

الحكمة

76- رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ...

البقرة:129

77- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ...

الجمعة:2

78- لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ... آل عمران:164

79- ...وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ ما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَ الْحِكْمَةِ... البقرة:321

80- ...وَ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ... النّساء:113

81- ...فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً النّساء:54

82- وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ... آل عمران:81

83- وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ * وَ رَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ... آل عمران:48،49

84- وَ إِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ... المائدة:110

85- ...وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ... البقرة:251

86- ...وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ ص:20

87- وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلّهِ...

لقمان:12

88- وَ لَمّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ...

الزّخرف:63

89- يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً... البقرة:269

90- اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... النّحل:125

91- ذلِكَ مِمّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ...

الإسراء:39

92- حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ القمر:5

93- وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ... الأحزاب:34

الحكيم وصفا للّه تعالى
اشارة

عزيز حكيم

94- فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة:209

95- ...وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

البقرة:220

96- ...وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

البقرة:228

ص: 501

97- ...فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة:240

98- ...ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة:260

99- وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ المائدة:38

100- ...وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الأنفال:10

101- ...وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الأنفال:49

102- وَ لكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

الأنفال:63

103- تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الأنفال:67

104- كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيا وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

التّوبة:40

105- ...أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ التّوبة:71

106- ...ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لقمان:27

107- هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ آل عمران:6

108- ...وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ آل عمران:18

109- ...وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللّهُ وَ إِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ آل عمران:62

110- ...وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ آل عمران:126

111- ...وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ المائدة:118

112- ...فَيُضِلُّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إبراهيم:4

113- ...وَ لِلّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ النّحل:60

114- يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

النّمل:9

115- فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَ قالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ العنكبوت:26

116- إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ العنكبوت:42

117- ...وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الرّوم:27

118- خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لقمان:9

119- ...بَلْ هُوَ اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سبأ:27

120- ...وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فاطر:2

121- تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

الزّمر:1

122 و 123- ...إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

ص: 502

البقرة:129،و المؤمن:8

124- كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الشّورى:3

125- تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

الجاثية:2

126- وَ لَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الجاثية:37

127- تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

الأحقاف:2

128 و 129- سَبَّحَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الحديد:1،و الحشر:1

130- يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الحشر:24

131- ...وَ اغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الممتحنة:5

132- سَبَّحَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الصّفّ:1

133- يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ الجمعة:1

134- وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الجمعة:3

135- عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ التّغابن:18

136- ...لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً النّساء:56

137- بَلْ رَفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً النّساء:158

138- ...لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً النّساء:165

139- وَ لِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً الفتح:7

140- وَ مَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً الفتح:19

حكيم عليم و عليم حكيم

141- ...نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ الأنعام:83

142- خالِدِينَ فِيها إِلاّ ما شاءَ اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ الأنعام:128

143- ...سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ

الأنعام:139

144- وَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ

الحجر:25

145- وَ إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ

النّمل:6

146- وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ الزّخرف:84

147- قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ الذّاريات:30

148- ...فَقَدْ خانُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الأنفال:71

ص: 503

149- ...وَ يَتُوبُ اللّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:15

150- ...وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:28

151- فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

التّوبة:60

152- ...وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:97

153- ...إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:106

154- ...رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:110

155- ...كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يوسف:6

156 و 157- يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ النّور:18 و 58

158- ...كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ النّور:59

159- فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ نِعْمَةً وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

الحجرات:8

160- قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ البقرة:32

161- عَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ يوسف:83

162- ...إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ يوسف:100

163- قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَ اللّهُ مَوْلاكُمْ وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ التّحريم:2

164- ...فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً النّساء:11

165- ...فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً النّساء:17

166- ...وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً النّساء:24

167- ...فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً النّساء:92

168- وَ تَرْجُونَ مِنَ اللّهِ ما لا يَرْجُونَ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً النّساء:104

169- وَ مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً النّساء:111

170- ...وَ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً النّساء:170

171- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً الأحزاب:1

172- ...وَ لِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً الفتح:4

173- وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً الدّهر:30

توّاب حكيم و حكيم حميد

174- وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ وَ أَنَّ اللّهَ

ص: 504

تَوّابٌ حَكِيمٌ النّور:10

175- ...تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فصّلت:42

حكيم خبير

176- وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الأنعام:18

177- ...عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الأنعام:73

178- ...وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ سبأ:1

عليّ حكيم

179- ...أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ الشّورى:51

واسعا حكيما

180- وَ إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَ كانَ اللّهُ واسِعاً حَكِيماً النّساء:130

الحكيم وصفا لغير اللّه:الكتاب و الأمر

181- إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ الزّخرف:3،4

182- ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ آل عمران:58

183- يس* وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ يس:1-3

184- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ

يونس:1

185- الم* تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ

لقمان:1 و 2

186- إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ الدّخان:3،4

يلاحظ أوّلا أنّ هذه المادّة جاءت في القرآن بثلاثة معان:الحكم التّشريعيّ،و القضاء،و الحكمة؛نبحثها في عشرة محاور:اثنان منها(1 و 2)من المعنى الأوّل:

التّشريع،و خمسة منها(3-7)من المعنى الثّاني:

القضاء،و ثلاثة منها(8-10)من المعنى الثّالث:الحكمة.

المحور الأوّل-الحكم التّشريعيّ في الإسلام في آيات تصف عليها خلال البحث:(1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ... إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ و فيها بحوث:

1-إنّ الآية(1)بدأت بالأمر بالوفاء بالعقود،و تلاه ما أحلّ و ما حرّم من الأنعام و البحث فيهما موكول إلى:ع ق د:«العقود»،و ن ع م:«الأنعام»،و ختمت الآية ب إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ، كفذلكة للآية،فعبّر عن التّشريع بالحكم.

2-سياق الآية التّأكيد على أنّ الحكم و التّشريع خاصّ باللّه تعالى،لأنّه عارف بالمصالح و الحكم،و بالخير و الشّرّ،و هو رحيم بعباده،و هو العليم الحكيم فيرشدهم إلى الخير،فلا يحكم إلاّ بالحكمة،و هذا هو الرّابط بين المعاني الثّلاثة للحكم،فكلّها راجع إلى الحكمة و القول المحكم.

3-هناك بحث كلاميّ في أحكام اللّه هي ناشئة عن المصالح أم لا،فمن قال بها طرح لاستنباط الأحكام فيما لا نصّ فيه،بحث(المقاصد الشّرعيّة)كقاعدة،و من

ص: 505

أنكرها،رفض هذه القاعدة.

قال الفخر الرّازيّ(11:127)ذيل هذه الآية:«إنّه تعالى مالك الأشياء و خالقها،فلم يكن على حكمه اعتراض بوجه من الوجوه،و هذا هو الّذي يقوله أصحابنا:[الأشاعرة]أنّ علّة حسن التّكليف هي الرّبوبيّة و العبوديّة،لا ما يقوله المعتزلة من رعاية المصالح».

و الّذي نسبه إلى المعتزلة موافق لما قالته الشّيعة الإماميّة و الزّيديّة و غيرهم،و يشهد به القرآن في آيات:منها آية تحريم الخمر و الميسر: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما...، و للبحث تتمّة،لاحظ ش رع:«التّشريع»،و ك ل ف:«التّكليف»،و ص ل ح:«الإصلاح و المصلحة».

4-و هناك بحث كلاميّ آخر في إرادة اللّه في الآيات، و منها هذه الآية(1): إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ، هل هي من صفات الذّات،أو من صفات الفعل كما هو ظاهر الآيات و الرّوايات عن الأئمّة من آل البيت عليهم السّلام؟ لاحظ:ورد،و ش ي ء.

5-و قد فرّق اللّه بين حكم اللّه و حكم الجاهليّة-كما يأتي-في(6) أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، و يؤكّد أنّ حكمه أحسن من حكم غيره،فهذا تأييد لما سبق من اختصاص الحكم التّشريعيّ باللّه تعالى.

المحور الثّاني:التّشريع في الجاهليّة في 9 آيات(2- 10)و فيها بحوث:

1-هذه الآيات كلّها مكّيّة-سوى(6)-حاكية لما شاع بين المشركين من الرّؤى و العقائد الباطلة،فيما جعلوه نصيبا للّه و للأصنام(2)،و في المولودة و البنات(3 و 8)،و في اختيار حكم الجاهليّة على حكم اللّه(6)، و في الّذين يعملون السّيّئات و المجرمين(4 و 5 و 9)، أنّهم كالمسلمين!!،و في الّذي اهتدى و غير المهتدي (7)،و في أنّ لهم أيمان بالغة على اللّه أنّهم من أهل الجنّة:

(10)فيرفض اللّه جميع ذلك مؤكّدا.

2-عبّر عن جميعها بأنّها ممّا يحكمون هم بها، و ليست حكم اللّه سوى في(6)فعبّر عن حكمهم بحكم الجاهليّة قبال حكم اللّه.و جاء في(47) ذلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ أيضا.

3-جاء التّأكيد في رفضها بثلاثة أنحاء: ساءَ ما يَحْكُمُونَ في أربع:(2-5)،و بالاستفهام الإنكاريّ في أربع أيضا: أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ في(6)،و فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ في(7-9)،و مثلها(10) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا... إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ، فهي في سياق الاستفهام الإنكاريّ أيضا.

4-تختصّ الآية(6)من بينها بأمرين:

أوّلهما:أنّها كما سبق-مدنيّة جاءت بشأن اليهود الّذين سألوا النّبيّ أن يحكم بينهم بحكم المشركين، فأدانهم بأنّهم يبغون حكم الجاهليّة فقط.و تقديم المفعول على الفعل(يبغون)للحصر،و هذا يؤكّد إدانتهم و الرّدّ عليهم.

ص: 506

ثانيهما:أنّها كما يشهد الآيات قبلها،و لا سيّما الآية رقم(49): وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ، أنّ الحكم فيها راجع إلى القضاء فهي بهذا اعتبار من جملة آيات القضاء،لكنّهم أرادوا أن يحكم النّبيّ بينهم بحكم الجاهليّة،و بهذا الاعتبار تدخل في حكم الجاهليّة:

5-إن قيل:لم عنى تعالى أهل الجاهليّة خطابا و اليهود غيابا في آيات سورة المائدة(48 إلى 55)؟

يقال:إنّ مشركي مكّة قومه و عشيرته،و كان يتفانى في هدايتهم،و يخاطبهم كما يخاطب المرء رهطه، حتّى أشفق اللّه عليه،فخاطبه بقوله: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ الشّعراء:3.

و أمّا اليهود فلا يمتّ إليهم بصلة،و كان آيسا من إسلامهم،لعلمه بعنادهم و إصرارهم على ضلالتهم.كما أنّ سورة المائدة كانت من أواخر السّور الّتي نزلت في المدينة-و لا تكون آخرها إطلاقا-و كانت تلك الفترة تمثّل ذروة الصّراع بين المسلمين و اليهود.

المحور الثّالث-حكم اللّه و قضائه في العقيدة في 29 آية:(11-39)،و أكثرها ما يحكم اللّه به في الآخرة بين عباده المؤمنين الصّالحين،و الكافرين المكذّبين،كما جاء في جملة منها: يَوْمَ الْقِيامَةِ، أو سَرِيعُ الْحِسابِ، أو وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أو أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ و نحوها.

و كلّها يناسب الآخرة،و فيها بحوث:

1-قصّر اللّه الحكم على نفسه في ثلاث منها:(11- 13)بسياق النّفي و الاستثناء إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ، و في ثلاث بعدها(14-16)بتقديم الخبر (لَهُ الْحُكْمُ) ،و يبدو أنّ السّياق الأوّل آكد في الحصر من الثّاني.

إلاّ أنّ(14)من بينها بدأت بأداة الاستفتاح(الا) و هي تؤكّد الحصر.و نظيرها أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ الأعراف:54.

أمّا في(17)فجاء بدلها فَالْحُكْمُ لِلّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، و الحصر فيه مستفاد من تعريف المبتدإ و لام الاختصاص،و توصيف الخبر بوصف يختصّ باللّه تعالى، و هو (الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) ،و مثلها(19) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ.

و أمّا في(18)فالحصر مصرّح به بأنّه لا يشرك في حكمه أحدا،و ما قبله تمهيد له: ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً.

و هكذا سائر الآيات،فلا يخلو شيء منها من إفادة اختصاص القضاء و الحكم بين العباد-و لا سيّما في الآخرة-باللّه تعالى،إمّا بتقديم الفاعل على الفعل مثل (27) أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ، و(28 و 29) فَاللّهُ يَحْكُمُ، أو بتمهيد يفيد الحصر مثل(20) فَاللّهُ هُوَ الْوَلِيُّ، و(26) ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، و(31) اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ.

2-و جاء طلب الحكم من اللّه مرّة في(21) رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ و فيها ثلاثة أبحاث:

الأوّل:في قراءتها على وجوه قد حكاها الطّبريّ و قال:«فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: (قل ربّ احكم) أي كما هو شائع الآن،و أيّدها بإجماع الحجّة من القرّاء عليه،و بشذوذ ما خالفها-،خصوصا قراءة الضّحّاك

ص: 507

(ربّى احكم)على وجه الخبر،تفضيلا بأنّ اللّه أحكم بالحقّ من كلّ حاكم-لأنّ فيها زيادة حرف(ي)من (ربّى)على خطّ المصحف،فلاحظ:و المعنى يختلف بحسب القراءات.

الثّاني:في ارتباطها بما قبلها و ما بعدها،فهي مسبوقة بآيات كلّها جاء بلسان النّبيّ عليه السّلام: قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ -إلى أن قال-: وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ، ثمّ قال: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ...، و السّياق دلّ على أنّه تتمّة و امتثال لما قاله بأمر اللّه قبلها فقال دعاء من اللّه: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، ثمّ قال خطابا للمشركين: وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.

الثّالث:في معناها بناء على القراءة المختارة و المعروفة،فقال الطّبريّ:«قل يا محمّد يا ربّ افصل بيني و بين من كذّبني من مشركي قومي،و كفر بك، و عبد غيرك بإحلال عذابك و نقمتك بهم،و ذلك هو الحقّ الّذي أمر اللّه تعالى نبيّه أن يسأل ربّه الحكم به.

و هو نظير: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ الأعراف:89،ثمّ قال:«و قد زعم بعضهم أنّ معناه«ربّ احكم بحكمك الحقّ،ثمّ حذف الحكم الّذي«الحقّ»نعت له،و أقيم الحقّ مقامه، و لذلك وجه،غير أنّ الّذي قلناه أوضح و أشبه بما قاله أهل التّأويل،فلذلك اخترناه»،و لا يختلف الوجه الثّاني عن الأوّل حسب المعنى.

و عن الفخر الرّازيّ و غيره وجهان:اقض بيني و بين قومي بعذابهم،أو بأن تنصرني عليهم.

و عن القرطبيّ: أمر النّبيّ في خاتمة السّورة بتفويض الأمر إلى اللّه،و توقّع الفرج من عنده،و هو انتصاره عليهم،فإنّ الأنبياء كانوا يقولون: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ. فأمر النّبيّ أن يقول: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، فكان إذا لقي العدوّ يقول-و هو يعلم أنّه على الحقّ و عدوّه على الباطل-: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ أي اقض به.

و عن الطّباطبائيّ: «إنّ الآية حكاية قوله عليه السّلام عن دعوتهم إلى الحقّ،و ردّهم له،و تولّيهم عنه،فكأنّه لمّا دعاهم و بلّغ إليهم ما أمر بتبليغه-فأنكروا و شدّدوا فيه- أعرض عنهم إلى ربّه منيبا إليه و قال: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، و تقييد الحكم بالحقّ توضيحيّ لا احترازيّ، فإنّ حكمه لا يكون إلاّ حقّا،فكأنّه قيل:ربّ احكم بحكمك الحقّ،و المراد ظهور الحقّ لمن كان و على من كان، ثمّ التفت إليهم و قال: وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ و كأنّه يشير إلى سبب إعراضه عنهم، و رجوعه إلى اللّه،و سؤاله أن يحكم بالحقّ...».

3-و جاء الأمر بالصّبر لحكم اللّه في خمس آيات:

(22-24).و(34 و 35)،و هو أيضا تأكيد للحصر.

4-جاء الحكم فيها مرّة بصيغة الماضي مثل(25) إِنَّ اللّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ، و مرّة بصيغة الأمر مثل (21) رَبِّ احْكُمْ، و 6 مرّات بصيغة المضارع:(31- 35)و(39).و نظيرها(19): إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ، و هذا صريح في أنّ حكمه في هذه الآيات هو

ص: 508

قضائه بينهم،دون تشريع حكم لهم مع أنّه لا تكليف و لا تشريع في الآخرة،و إنّما هي دار الجزاء،و الدّنيا دار التّكليف و العمل.

و قد جاء الحكم في أكثرها بلفظ المصدر في جملة اسميّة الدّالّة على الدّوام و الحصر كما سبق.

و جاء بصيغة التّفضيل وصفا للّه في خمس آيات:

ثلاث منها(34-36)بلفظ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ، و لها نظير في القرآن،مثل: خَيْرُ الرّازِقِينَ المؤمنون:

73،و سبأ:39،و خَيْرُ النّاصِرِينَ آل عمران:

150.لاحظ خ ي ر:«خير».

و اثنتان منها(37 و 38)بلفظ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ، و نظيرهما أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ الأعراف:151، و الأنبياء:83،و معناهما واحد،و هما آكد في الحصر من غيرهما.

إلاّ أنّ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ جاء في سياقين:خبرا (37) وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ، و استفهاما إقراريّا (38) أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ.

4-و قد تعلّق الحكم في 11 آية منها(19 و 25- 34)ب(بين) يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ أو يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ و نحوهما،تنبيها على أنّ المراد بالحكم فيها القضاء بينهم دون التّشريع لهم،و هو مراد في سائر الآيات الّتي خلت من لفظة(بين)،و يؤيّدها قوله: فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، و نحوها في ستّة منها(26-28)و(30 و 31 و 33).

5-و استثنى منها ثلاث آيات حيث يتراءى أنّها ليست قضاء في الآخرة:

أولاها:(20) وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ، فيتبادر الذّهن إلى أنّ المراد بها اختلافهم في حكم شرعيّ فتعدّ من آيات التّشريع،أو اختلافهم في أمر دنيويّ كالمال فتندرج في آيات القضاء بين النّاس.

لكنّ ما قبلها يشعر بأنّها في حقل العقيدة: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَ هُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ و كذلك بعدها: ذلِكُمُ اللّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ.

ثانيتها:(36)نقلا عن الأخ الأكبر ليوسف-حيث استيأسوا من ردّ أخيهم الّذي أتّهم بالسّرقة،فأخذه يوسف عنده-: قالَ كَبِيرُهُمْ أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللّهِ وَ مِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.

فاختلفوا في تفسير أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي بما لا يمسّ القضاء في الآخرة،فقال الطّبرسيّ(5:254):«يحكم اللّه لي بالخروج و ترك أخي هاهنا.و قيل:بالموت، و قيل:بما يكون عذرا لنا عند أبينا،عن أبي مسلم.

و قيل:بالسّيف حتّى أحارب من حبس أخي،عن الجبّائيّ».

و الظّاهر عندنا حتّى أموت و يحكم اللّه لي بالجنّة أو النّار،و يؤيّده ما بعدها وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ، فهذا السّياق-كما سبق-جاء دائما بشأن الآخرة.

و ثالثها:(37): وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ

ص: 509

اَلْحاكِمِينَ، نقلا عن«نوح»حيث شفع في ابنه أنّه من أهله،و قد وعده اللّه بنجاة أهله،فليس هناك مجال لحمل وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ على القضاء في الآخرة بالجنّة أو بالنّار.

لكن يوجّه حملها عليه أنّ ابنه إذا بقي خارج السّفينة،فمآله إلى الهلاك و النّار في الآخرة،كما قال:

وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ.

6-و هذه الآيات أكثرها مكّيّة،و الحكم و القضاء فيها-كما سبق-في الآخرة بين المشركين و المؤمنين من هذه الأمّة،أو الأمم قبلها،لأنّ مكّة كانت دار تحكيم العقيدة في أصول الدّين:التّوحيد،و النّبوّة،و المعاد، فيقضي اللّه بين المؤمنين و الكافرين بها في الآخرة.

و من بينها ثلاث آيات اختلفوا في أنّ سورها مكّيّة أو مدنيّة:أحدها(24)و هي آية 24 من سورة الدّهر- و هي عند الشّيعة و كثير من غيرهم مدنيّة-و آيتان:

(31 و 32)و هما من سورة الحجّ[لاحظ بحث المكّيّ و المدنيّ من المدخل]إلاّ أنّ سياق هذه الآيات الثّلاث مكّيّ أيضا.

7-القضاء بين العباد في الآخرة لا ينحصر في الحكم بأنّ أيّهم على الحقّ،و أيّهم على الباطل،بل هو قضاء عمليّ أيضا،بأن يثيب المحقّ،و يعذّب المبطل،بل لعلّه المراد في جميع الآيات.

المحور الرّابع-الحكم و القضاء بين النّاس فيما اختلفوا في أمورهم الدّنيويّة في 19 آية:(40 إلى 58)و فيها بحوث:

1-قد تعلّق الحكم في عشرة منها بلفظ(بين) فالمراد بالحكم فيها القضاء بين النّاس:ففي(40)قضاء داود فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ، و في(41)قضاء المؤمنين بين النّاس أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، و في(42)و(49) قضاء النّبيّ عليه السّلام لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ، و إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ و كذا في(48)و(54) و(55)و في(43)و(44)قضاء الكتاب: وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ و يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ و في(51)قضاء الأنبياء:

يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ.

فالحكم فيها جميعا هو حكم اللّه على لسان أنبيائه، و في كتبه بما فيها من أحكام اللّه تعالى.

2-و لم يتعلّق الحكم في غيرها من الآيات ب(بين) مثل(49) وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللّهِ، و(50) إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ...، و كذا في(51)و(52) وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ...

فليس المراد بالحكم فيها القضاء،بل أريد به حكم اللّه و تشريعه الّذي يجب الحكم و القضاء بها بين النّاس، فهي تعدّ-كما سبق-من جملة آيات المحور الأوّل أيضا.

3-و قيّد الحكم و القضاء في ثلاث منها(40)، و(42)،و(43)ب(الحقّ)،و في واحدة(41)ب(العدل)، و أطلق في الباقي،و هو مراد قطعا.و منها يعلم أنّ الحكم بالحقّ هو نفس الحكم بالعدل،و أنّه المراد في القضاء بين النّاس دائما،و غيره ممنوع،كما يأتي في(56)و(57)،

ص: 510

كما أنّه يعلم من(42) لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ أنّ القضاء يحتاج إلى إعمال الرّأي و التّفرّس في تشخيص الحقّ بتوفيق من اللّه و هدايته،حتّى للنّبيّ عليه السّلام،فعلى القضاة استصواب الرّأي من اللّه تعالى.

4-و قد جاء التّحكيم في آيتين:(49) وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ، و(57)«حتى يحكمونك»و جاء التّحاكم في آية(56) يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ، و الأولى في اليهود،و الأخيرتان في المنافقين،و أمّا غيرها من الآيات ففي النّاس و المؤمنين، فلاحظ سياقها.

5-و الآية(57) فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً، دالّة على أشقّ التّكاليف-كما قال أستاذنا الشّيخ هاشم القزوينيّ رضى اللّه عنه- لأنّها قيّدت الإيمان بأن لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضى النّبيّ عليه السّلام،و هذا صعب على النّفوس،فهي تحمل علامة إزالة جرثومة النّفاق رأسا عن النّفوس.

6-و هذه الآيات كلّها مدنيّة سوى(40)الرّاجعة إلى داود النّبيّ عليه السّلام،و الباقي راجع إلى النّبيّ و المؤمنين في المدينة،و لم يحكم النّبيّ عليه السّلام بحكم في مكّة،إذ لم يكن له حكم و ولاية فيها،بل كان له الأمر و النّهي في المدينة، فكانت هي دار الولاية و التّشريع و القضاء و هي من شئون وليّ الأمر،و من بيده زمام الأمور،فالقضاء فرع التّشريع.

مع أنّ آيتين(44 و 45)جاءتا في الحكم بين اليهود، و المنافقين،و قد ابتلي النّبيّ عليه السّلام بكلا الفريقين في المدينة.

7-آيات المائدة(48 إلى 55)نزلت في الحكم بين طائفتين من اليهود:بني قريظة و بني النّضير بالرّجم في الزّنى،أو في دية القتيل على اختلاف و تفصيل عن ابن عبّاس و غيره جاء في النّصوص،فرجعوا إلى النّبيّ عليه السّلام و قد خيّر بين الحكم بالقسط بينهم،و بين الإعراض عنهم في(48) فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.

و بعدها: وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ...، فهذا صريح في أنّ الآيات راجعة إلى اليهود،و قد وردت فيها الأحاديث أيضا منها حديث عن الإمام الباقر عليه السّلام الآتي.

فالعجب من النّخعيّ و الشّعبيّ حيث خصّا هذه الآية بالمشركين،فلاحظ النّصوص.

8-صريح هذه الآية التّخيير بين الحكم بينهم و الإعراض عنهم،لكن عن ابن عبّاس و مجاهد و غيرهما أنّ هذا الحكم منسوخ،و أنّه يجب الحكم بينهم إذا رجعوا إلى المسلمين،و لم يقم شاهد على النّسخ سوى أنّ مقاتل استشهد للنّسخ بقوله في ذيلها(54) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ، مع أنّها متّصل بما قبلها،و ليس فيها نسخ، بل تصريح بأنّه إذا حكم بينهم فليحكم بما أنزل اللّه،و لا يتّبع أهواءهم.

و استصوب الطّبريّ بقاء التّخيير و نفى دلالة ذيلها

ص: 511

على النّسخ،اعتبارا بأنّ النّسخ خاصّ بمكان لا يمكن الجمع بين الحكمين،فلاحظ.

هذا مع أنّهم متسالمون على أنّ سورة المائدة ليس فيها نسخ،بل حديث الإمام الباقر عليه السّلام صريح في استمرار حكم التّخيير حيث قال:«إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التّوراة و أهل الإنجيل يتحاكمون إليه،كان ذلك إليه إن شاء حكم بينهم،و إن شاء تركهم».و قال الطّوسيّ:

«و هو المرويّ عن عليّ عليه السّلام،و الظّاهر في رواياتنا أنّه حكم ثابت و التّخيير حاصل».

و عن الشّافعيّ: «إنّ أهل الذّمّة الّذين قبلوا الجزية و رضوا بجريان أحكامنا عليهم وجب الحكم بينهم إذا تحاكموا إلينا،لأنّ في إمضاء حكم الإسلام عليهم صغارا لهم.و عن أبي حنيفة:«إن احتكموا إلينا حملوا على حكم الإسلام...».

و في نصّ المتأخّرين من الإماميّة مثل مغنيّة و غيره الاتّفاق على أنّ المتخاصمين من غير المسلمين،إذا كانا من غير أهل الذّمّة فللحاكم الخيار،و إنّما الخلاف المتقدّم خاصّ بأهل الذّمّة.

المحور الخامس:جاء(الحكم و الحكّام)في ثلاث آيات:(58)إلى(60)،و فيها بحوث:

1-أنكر في(58)-و هي مكّيّة و الخطاب فيها للمشركين- أَ فَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً طلب غير اللّه حكما من النّاس،و كأنّ المشركين طلبوا من النّبيّ ذلك، للفصل بينه و بينهم فيما دعاهم إليه،و هو الإسلام-كما جاء في بعض الأخبار-و عليه فتدخل الآية في حقل القضاء في العقيدة خطابا للمؤمنين،فلاحظ أ ك ل:

«تاكلوا».

2-يعتبر دور الحكم في(59): وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها، لجمع الشّتات بين الزّوجين برضاهما،فيحكم الحكمان إمّا برأيهما،أو بالرّجوع إلى الزّوجين-على خلاف بين الفقهاء-بالوصال أو بالفراق،فحكمهما نافذ و إصلاح بينهما،و دليله قوله: إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما يريد الطّلاق و الوصال،قال البغويّ:«لأنّ التّوفيق أن يخرج كلّ واحد منهما من الوزر،و ذلك تارة يكون بالفراق،و تارة بإصلاح حالهما في الوصلة».

3-جاء(الحكّام)-جمع حاكم-في(60):

وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ ذمّا،و لكن جاء(الحاكمين) في(34)إلى(38)وصفا للّه تعالى مدحا،و السّبب واضح كما يبدو من السّياق،فلفظ(الحكّام)يدلّ على التّعدّد و الكثرة،و اللّه تعالى منزّه عن ذلك،و(الحاكمين)أضيف إليه لفظا(خير)و(احكم)الدّالاّن على الفرديّة و الوحدانيّة و هو اللّه-كما سبق-.

المحور السّادس:-و به بدء المعنى الثّالث أي الحكمة و يستمرّ إلى المحور العاشر-:إيتاء الحكم و العلم و النّبوّة و الكتاب في(61)إلى(71)و فيها بحوث:

1-لقد جمع الكتاب و الحكم و النّبوّة في ثلاث منها:

(61-63)بهذا التّرتيب أي الكتاب أوّلا و النّبوّة آخرا، و الحكم وسطا،فهل في رعاية هذا التّرتيب في الآيات رمز؟و الجواب:نعم.قال الفخر الرّازيّ: «إشارة إلى

ص: 512

ثلاثة أشياء،و ذكرها على ترتيب في غاية الحسن، و ذلك لأنّ الكتاب السّماويّ ينزل أوّلا،ثمّ يحصل في عقل النّبيّ فهم ذلك الكتاب،و إليه الإشارة بالحكم،فإنّ أهل اللّغة و التّفسير اتّفقوا على أنّ هذا الحكم هو العلم، قال تعالى:(68): وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا يعني العلم و الفهم،ثمّ إذا حصل فهم الكتاب فحينئذ يبلغ ذلك إلى الخلق،و هو النّبوّة،فما أحسن هذا التّرتيب؟»

و قال في موضع آخر:«و اعلم أنّ العطف يوجب المغايرة،فهذه الألفاظ الثّلاثة لا بدّ و أن تدلّ على أمور ثلاثة متغايرة»،ثمّ ذكر أنّ الحكّام على النّاس ثلاث طوائف:

1-الّذين يحكمون على بواطن النّاس و أرواحهم و هم العلماء.

2-الّذين يحكمون على ظواهر الخلق،و هم السّلاطين.

3-الأنبياء الّذين يحكمون بما آتاهم اللّه من العلوم و المعارف على بواطن الخلق و ظواهرهم،فهم الحكّام على الإطلاق.

ثمّ حمل(الكتاب)على العلم الكثير،و(الحكم)على أنّهم حكّام على النّاس نافذي الحكم ظاهرا،و لم يذكر النّبوّة،ثمّ قال:«و للنّاس في هذه الألفاظ الثّلاثة تفسيرات كثيرة،و المختار عندنا ما ذكرناه».

و عندنا أنّ كلامه الأوّل أمثل و أقرب إلى الصّواب.

ثمّ إنّ له كلاما طويلا بين العلم و الحكم أورده في تفسير آية يوسف(64) آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً، يخالف كلامه الأوّل،فلاحظ.

4-المراد بالحكم في هذه الآيات الحكمة الإلهيّة الخاصّة بالأنبياء،كما أنّ المراد بالعلم فيها و في أمثالها أيضا العلم الموهوب لهم،من غير فرق بينهم.

و ليس المراد به القضاء الّذي ادّعى رشيد رضا أنّه خاصّ ببعض الأنبياء.و ردّ عليه سيّد قطب،فلاحظ.

5-و قد قورن الحكم و النّبوّة بالكتاب في ثلاث منها (61-63)كما قورن الحكمة به-كما يأتي في(76)إلى (84)-و هذا شاهد على أنّ مفاهيم هذه الألفاظ جميعا من مميّزات الأنبياء عليهم السّلام.

6-اختصّت الآية(71) وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا، بنبيّنا صلوات اللّه عليه و آله،حيث نزل القرآن عليه بلسان عربيّ مبين،فنصّ اللّه على لسانه تشريفا له،دون غيره من الأنبياء،سوى قوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ إبراهيم:4،كما اختصّت الآية(68)ب(يحيى)عليه السّلام وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، و الآية(64)ب(يوسف)عليه السّلام وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً، و قد خصّت الآيتان(67) و(69)ب(موسى)عليه السّلام فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً و وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً، و زاد فيها: (وَ اسْتَوى) ،و لعلّه من أجل أنّ مسئوليّته أمام فرعون و قومه،ثمّ أمام بني إسرائيل قومه الّذين عصوه،كانت أصعب و أشقّ من مسئوليّة يوسف أمام فرعون،و هذا جاء في توصيف اللّه إيّاه إكراما له،و لم يأت في توصيفه هو نفسه تواضعا.

ص: 513

7-و قد اختلفت كلماتهم في تفسير الحكم-و كذا العلم-في هذه الآيات-حتّى من مفسّر واحد،كما سبق عن الفخر الرّازيّ-حتّى حمل بعضهم الحكم فيها على القضاء،أو التّشريع،أو على الحكم مطلقا لكي يشمل الجميع.

و الحقّ أنّها-كما قلنا-بمعنى الحكمة الإلهيّة الّتي ميّز اللّه بها أنبيائه-كما صرّح به سيّد قطب و مغنيّة و غيرهما -و قد فسّرها الطّباطبائيّ بإصابة النّظر و الرّأي في المعارف الاعتقاديّة و العمليّة و تطبيق العمل عليها.

نعم،هناك آيات-كما سبق-لا تتحمّل سوى التّشريع أو القضاء،فلاحظ النّصوص و قايس بينها.

8-الحكم يؤتى أم يوهب؟لقد استعمل القرآن كلاهما،إلاّ أنّ ما جرى على لسان الأنبياء فهو موهبة كما في(69)،و(70) فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً، و رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً، و ما جرى على لسان اللّه-كما في سائر الآيات-من(61)إلى(68)فهو إيتاء.و السّبب واضح، فالإيتاء منّة من اللّه عليهم،و الهبة اعتراف منهم بمنّه عليهم،و إحسانه إليهم.

و استثنى منها الآية(71): وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا، فجاء فيها أَنْزَلْناهُ بدل(اتينا)و(وهبنا)، لأنّ ضمير المفعول راجع إلى القرآن و هو عربيّ،فإطلاق الحكم عليه مجاز أريد به ذا حكم و حكمة.قال الطّبرسيّ(5:297):«أي كما أنزلنا الكتب إلى من تقدّم من الأنبياء بلسانهم،أنزلنا إليك حكمة عربيّة،أي جارية على مذاهب العرب في كلامهم يعني القرآن.

فالحكم هاهنا بمعنى الحكمة،كما في قوله:(61):

آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ. و قيل:إنّما سمّاه حكما لما فيه من الأحكام في بيان الحلال و الحرام، و سمّاه عربيّا لأنّه أتى به نبيّ عربيّ».

9-يوجد خلال النّصوص اختلاف القراءات،أو المحاولة لربط بعض الآيات بما قبلها،أو تنويع الحكم فيها،كما وقع مرّات في كلمات الفخر الرّازيّ،أو الاحتجاج بمثل(20) وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ، على بطلان القياس-كما جاء عن الفخر الرّازيّ-مع أنّ سياقها الاختلاف في العقيدة دون الشّريعة،و القياس خاصّ بالشّريعة و جاء فيها نحو ذلك من الأبحاث فلاحظ.

المحور السّابع إحكام الآيات في أربع آيات(72- 75)و فيها بحوث:

1-جاء الإحكام مبنيّا للمفعول فعلا ماضيا في(72) كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ، و فعلا مضارعا مبنيّا للفاعل في (73) ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ، و اسم مفعول للمفرد في (74) سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ، و للجمع في(75) آياتٌ مُحْكَماتٌ.

و الإحكام فيها وصف للآيات إلاّ في(74) فللسّورة،باعتبار أنّ السّورة مجموعة من الآيات.و قد سبق الكتاب-و هو القرآن-الآيات في(72)و(75)، و نسبت الآيات فيهما إلى الكتاب كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ، و أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ.

2-أتبع الإحكام في(72)بالتّفصيل: أُحْكِمَتْ

ص: 514

آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ، لاحظ ف ص ل:«فصّلت».

3-طابق بين الإحكام و النّسخ في(73): فَيَنْسَخُ اللّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ. لاحظ ن س خ:«ينسخ»،كما طابق بينه و بين المتشابه في(75) مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، و البحث فيها طويل،لاحظ النّصوص و لا سيّما نصوص رشيد رضا،و الطّباطبائيّ،و فضل اللّه من المتأخّرين، و نصّ الطّوسيّ و الفخر الرّازيّ من القدماء،و لاحظ ش ب ه:«متشابهات».

و مثّل للإحكام بالقتال في(74) فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَ ذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ، لاحظ ق ت ل:

«القتال».

4-استعمل الإحكام في الآيات و السّور فقط،رمزا إلى أنّه تعالى يصونها من التّحريف،و يردع عنها يد التّزييف...و هذا يفصح عن إعجاز القرآن و بلاغته، حيث وضع الألفاظ مواضعها.أ لا ترى أنّه استعمل النّظائر استعمالا مختلفا؟فمن مترادفات الإحكام «الإتقان»حيث جاء في الأشياء: صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ النّمل:88،و منها«الإبرام»و استعمل في «الأمر»: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّا مُبْرِمُونَ الزّخرف:79.

و كذا التّوثيق،و استعمل في العقود و العهود،و منه قوله:

فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى البقرة:256.

المحور الثّامن:الحكمة في 18 آية و فيها بحوث:

1-جاء في تسع منها(76 إلى 84)تعليم الكتاب و الحكمة أو إنزالهما فجاءت الخمس الأولى منها بشأن نبيّنا و القرآن و المؤمنين،فبدأ ثلاثا منها ب يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ، بضمير الغائب عنهم،و خاطبهم في(79) تكريما لهم وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ ما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَ الْحِكْمَةِ، و خاطب النّبيّ في(80) وَ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ، فجاء فيهما(انزل)بدل «يتلوا».

و الآية(79)من دعاء إبراهيم و إسماعيل ببعث النّبيّ فيهم،و الثّلاث بعدها من إعلام اللّه المؤمنين ببعثه النّبيّ فيهم منّا عليهم بلفظ وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ، و لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

و سياقها المنّ عليهم بأنّه بعث فيهم رسولا منهم، أي لا من غيرهم ليشقّ عليهم تحمّله،أو يعمى عليهم حاله و نسبه.

كما أنّ الآية(80)منّ على النّبيّ بإنزال الكتاب و الحكمة عليه،و تعليمه ما لم يكن يعلم.لاحظ ع ل م:

«يعلم».

و جاءت الآية(81)في آل إبراهيم عليه السّلام،استجابة لدعائه لذرّيّته في(76)بإيتائهم الكتاب و الحكمة و الملك.و الآية(82)في أخذ ميثاق النّبيّين-من بني إسرائيل-لإيتاء الكتاب و الحكمة،و الإيمان برسول مصدّق لما معهم.و الآيتان(83 و 84)جاءتا بشأن عيسى عليه السّلام،و أضيف فيهما إلى الكتاب و الحكمة«التّوراة و الإنجيل».

2-و العجب أنّ إبراهيم دعا في(76)لذرّيّته لا لنفسه،و قد أجيب دعائه في(81).

ص: 515

فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً و كذا في وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ كُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا مريم:49،كما وهبه و ابنيه إسحاق و يعقوب الرّحمة في وَ وَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا مريم:

50،و كما جاء بعد تسمية جملة من ذرّيّته في الآيات (84 إلى 88)من سورة الأنعام: أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ.

3-و جاءت التّزكية مع تعليم الكتاب و الحكمة في ثلاث منها(76 إلى 78)بتفاوت بينها،فقد قدّمت التّزكية على التّعليم في(77 و 78): وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ، و أخّرت عنه في(76) وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ، لاحظ ز ك ي:«يزكّيهم».

4-و جاءت الحكمة بدون(الكتاب)في تسع منها (85 إلى 93):ففي(85)و(86)جاء بشأن داود عليه السّلام إيتاء الحكمة و الملك و تعليمه ممّا يشاء وَ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ و تشديد ملكه،و إيتائه الحكمة و فصل الخطاب وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ.

و جاء في(87)بشأن لقمان عليه السّلام وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلّهِ. و في(88)نقلا عن عيسى عليه السّلام قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ.

و جاء في(89)في وصف الحكمة على الإطلاق كموهبة إلهيّة،و كخير كثير لمن يشاء اللّه إكرامه،فوصفها وصفا بليغا،و كرّرت الحكمة فيها مرّتين: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً.

و أمّا في الآيات من(91 إلى 93)فجاءت الحكمة وصفا للقرآن مثل ذلِكَ مِمّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الإسراء:39.

5-لقد قورن فيها الملك بالحكمة ثلاث مرّات:مرّة في آل إبراهيم(81) فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً، و مرّتين بشأن داود (85 و 86) وَ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ، و وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ، فقدّم فيهما الملك على الحكمة، و أخّر عنها في آل إبراهيم موصوفا ب«عظيما».و هذا إن دلّ على شيء يدلّ على أنّ من له الملك و الحكومة،لا بدّ و أن يكون صاحب حكمة مراعيا لها طول حكمه،لأنّ الملك فارغا عن الحكمة لا يدوم،و لا يخلو عن ظلم و جفاء على النّاس المحكوم عليهم.لاحظ م ل ك:

«ملك».

6-لقد أمر النّبيّ في(90)بأن يدعو إلى سبيل ربّه- كمنهاج عامّ-بالحكمة،و ضمّت إليها-كمنهاج لدعوة أصناف النّاس-الموعظة الحسنة لمن لا يقاوم الدّعوة، و الجدال بالأحسن لمن يقاوم.لاحظ و ع ظ:

«الموعظة»،و ج د ل:«الجدال»،و ح س ن:

«الأحسن».

كما وصفت الحكمة في(92)بالبالغة و النّذر حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ، تسجيلا لعدائهم،أي إنّهم لشدّة عدائهم لا تؤثّر فيهم الحكمة البالغة.

و كما ضمّت إلى الحكمة(الآيات)خطابا إلى نساء

ص: 516

النّبيّ في(93) ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ تأكيدا على تلاوتها في بيوتهنّ،و هي نفس بيوت النّبيّ عليه السّلام.

7-و قد أشير في(91) ذلِكَ مِمّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، إلى ما سبقها من الأحكام و الآداب في الآيات من 22 إلى 38 بدء و ختما بالمنع عن الشّرك:

لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ، فاعتبر جميعها حكمة أوحيت إليه،فرأس الحكمة التّوحيد و رفض الشّرك، و باقي الأحكام و الآداب بل العقيدة فرع عليهما.

8-خاطب النّبيّ في(90 و 91)معبّرا عن اللّه ب(ربّك) اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ، و ذلِكَ مِمّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ، مزيدا للّطف إليه.و العناية به عليه السّلام.

9-لقد جاء إعطاء الحكمة بلفظ(التّعليم)في خمس آيات:(76-78)و(83)و(84).و بلفظ(الإيتاء)في ستّ آيات:(81)و(82)و(85-87)و(89).

و بلفظ(الإنزال)في آيتين:(79)و(80)،و مرّة بألفاظ(الوحى)في(91)،و المجيء في(88)،و التّلاوة في (93)،و الدّعوة في(90).

كما جاء إعطاء الحكم-و قد سبق-بلفظ(الإيتاء) في ثمان آيات من(61)إلى(68)،و بلفظ الإنزال في (71)و بلفظ الموهبة في(69)(70).

و تعدّد الألفاظ و التّعابير في كيفيّة الإعطاء يشعر بالاهتمام بالحكم و الحكمة،و بتعدّد الجهات فيهما فتدبّر.

10-الفرق بين الحكم و الحكمة في الآيات أنّ الحكم -كما سبق-جاء بمعان:

الأوّل:الشّريعة و التّشريع في(6)مرّتين،مرّة حكم الجاهليّة و مرّة حكم اللّه أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ...وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً...، و في(49) وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللّهِ.

الثّاني:التّصميم القطعيّ و القضاء في العقيدة و جزاء الآخرة في(11)إلى(39)مصدر و فعلا-و الفعل كثير جدّا-مثل(11)و غيره إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ، و(25) إِنَّ اللّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ. و مثلها ما بعدها إلى (36).

الثّالث:فصل الخصومة في المنازعات بين النّاس في (40)إلى(57)مصدرا مرّة و فعلا مرّات مثل(47) ذلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ.

الرّابع:النبوّة و الحكمة أو الحكومة في(61)إلى (71)،مثل(61): أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ، و 66 وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً.

أمّا(الحكمة)فقد جاءت دائمة بمعنى الكلام أو التّشريع المحكم في(76)إلى(93)مثل(91): ذلِكَ مِمّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ.

المحور التّاسع:«الحكيم»وصفا للّه تعالى 87 مرّة في (94)إلى(180)،و وصفا لغير اللّه 6 مرّات:في(181) إلى(186).

أمّا وصف اللّه به فجاء على ضروب:

أ- عَزِيزٌ حَكِيمٌ في 47 آية من(94)إلى(140) و فيها بحوث:

1-جاء(حكيم)فيها مسبوقا ب(عزيز)،و هما معا

ص: 517

يدلاّن على جمع القوّة و الحكمة.و توصيف اللّه بهما معا في القرآن بهذه الكثرة مشعر بأنّ الجمع بينهما بشكل مطلق خاصّ باللّه تعالى،فإنّه عزيز مطلق لا حدّ لعزّته،و في نفس الوقت حكيم مطلق لا حدّ لحكمته،مع أنّ العزّة بلا حدّ تنتهي طبعا إلى القهر و الغلبة و التّعدّي و الإجحاف بالغير،لكنّ اللّه تعالى منزّه عن ذلك لحكمته المطلقة،فهو عزيز حكيم،و ليس عزيزا جائرا.

2-جاء اللّفظان فيها حسب السّياق على ثلاثة أنحاء:

أوّلا:منكّرين مرفوعين خبرا للفظ الجلالة: اَللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ في 13 آية:(94 إلى 106).

و ثانيا:معرّفين مرفوعين أو مجرورين خبرا أو وصفا للّه في 29 آية:(107 إلى 135) وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، و يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.

و ثالثا:منكّرين منصوبين خبرا ل(كان)في خمس آيات:(136)إلى(140) وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً.

ب- حَكِيمٌ عَلِيمٌ على أنحاء أيضا:

أوّلا:منكّرين مرفوعين خبرا مع تقديم(حكيم)في أربع آيات(141 إلى 144): إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، و إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.

ثانيا:كذلك مجرورين مرّة في(145) مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ.

ثالثا:معرّفين مرفوعين خبرا مرّتين في(146) و(147): وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ، و إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ اَلْعَلِيمُ.

رابعا:منكّرين مرفوعين خبرا مع تقديم(عليم)اثنا عشرة مرّة في(148 إلى 159): وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، و إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، و إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

خامسا:كذلك مرفوعين معرّفين أربع مرّات في (160 إلى 163): إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، و إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، و وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.

سادسا:كذلك منكّرين منصوبين خبرا ل(كان) عشر مرّات في(164 إلى 173): إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً، و وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً.

ج-توّاب حكيم مرّة في(174): وَ أَنَّ اللّهَ تَوّابٌ حَكِيمٌ.

د-حكيم حميد مرّة أيضا في(175): تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.

ه-الحكيم الخبير ثلاث مرّات في(176 إلى 178):

وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.

و-عليّ حكيم مرّتين:مرّة وصفا للّه تعالى:(179):

فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ، و مرّة-كما يأتي-وصفا للقرآن في(181) إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ.

ز-واسعا حكيما مرّة في(180): وَ كانَ اللّهُ واسِعاً حَكِيماً.

و أمّا وصف غير اللّه بالحكيم فعلى ضربين:

الأوّل:جاء وصفا للقرآن بثلاثة أنحاء:

1-(القرآن الحكيم)في(181) إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ

ص: 518

لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ و الضّمير راجع إلى القرآن.

2-(الذّكر الحكيم)في(182).

3-(الكتاب الحكيم)مرّتين في(184)و(185).

الثّاني:وصفا للأمر مرّة في(186): كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ.

و فيها بحوث:

1-(الحكيم في جميعها بمعنى ذات الحكمة،و يفيد المبالغة كغيره من صفات اللّه تعالى،أي إنّه تعالى بالغ في الحكمة إلى ما لا نهاية،و هو صفة مشبّهة،و قد قيل:إنّه صيغة مبالغة.

2-وصف اللّه تعالى مع الحكيم بصفات:

(العزيز)66 مرّة-و هو أكثرها-و قد سبقت البحوث فيها-.

و(عليم)32 مرّة،و هذا قريب من نصف عدد (عزيز).

و(الخبير)3 مرّات.

و(العلىّ)مرّتين.

و(توّاب)،و(حميد)،و(واسعا)كلّ منها مرّة.

فجمع اللّه مع حكمته العزّة،و العلم،و الخبرة، و العلوّ،و كونه توّابا حميدا واسعا.و لكلّ منها أسرار و حكم تبحث في موادّها،و من أهمّها العزّة و العلم.إذ لا حكمة كاملة-كما سبق-إلاّ مقارنة بهما فلاحظ.

3-وصف القرآن 5 مرّات ب(الحكيم)لأنّ كلّها حكمة بالغة،إذ نزل من لدن حكيم عليم.

4-و صفت في(186)اللّيلة المباركة-و هي ليلة القدر-بأنّ اللّه أنزل فيها القرآن،و أنّه يفرق فيها كلّ أمر حكيم.فالقرآن و كلّ أمر من أمور العالم كلاهما وصفا بالحكيم،و لكليهما علاقة بالنّزول في هذه اللّيلة.أمّا القرآن فنزل فيها كلّها دفعة،أو ابتدئ نزوله فيها-على الخلاف-و أمّا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ فيفرّق فيها في كلّ سنة على تفصيل جاء في التّفاسير،فلاحظ ق د ر:«القدر» و ل ي ل:«ليلة».

و يلاحظ أخيرا أنّ هذه المادّة من الموادّ المكثّرة في القرآن عددا و اشتقاقا،فجاءت في 186 آية،و في تسعة مواضيع و قد تمّ البحث فيها.و نرى أنّ تعداد الآيات في كلّ واحد من تلك المواضيع،و كذلك عدد المكّيّة و المدنيّة منها تناسبها تماما،فإنّ آيات التّشريع كلّها مدنيّة،و ليس شيء منها مكّيّة،و بالعكس آيات حكم الجاهليّة كلّها مكّيّ سوى واحدة.و آيات القضاء في العقيدة و في الآخرة 22 آية منها مكّيّة،و 7 آيات منها مدنيّة،و بالعكس آيات القضاء بين النّاس في أمورهم الدّنيويّة 22 آية منها مدنيّة،و المكّيّة منها آيتان فقط.و آيات الحكم و النّبوّة و الكتاب 19 آية منها مكّيّة،و المدنيّة منها آيتان أيضا.و إحكام الآيات ثلاث منها مدنيّة،و واحدة مكّيّة.و آيات الحكمة 12 آية منها مدنيّة،و ستّ مكّيّة.و آيات وصف اللّه بالحكيم 58 آية منها مدنيّة،و 26 آية مكّيّة.و آيات وصف القرآن بالحكيم كلّها مكّيّة سوى واحدة،فسبحان اللّه الحكيم منزل الآيات و مدبّر الأمور.

ص: 519

ص: 520

ح ل ف

اشارة

4 ألفاظ،13 مرّة:1 مكّيّة،12 مدنيّة

في 5 سور:1 مكّيّة،4 مدنيّة

حلفتم 1:-1 ليحلفنّ 1:-1

يحلفون 10:-10 حلاّف 1:1

النّصوص اللّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء:«حضار و الوزن محلفان»، و هما نجمان يطلعان قبل سهيل من مطلعه،فكلّ من رآهما أو أحدهما حلف أنّه سهيل،ثمّ يتبيّن بعد طلوع سهيل أنّه غير سهيل.(الأزهريّ 5:68)

الخليل: الحلف و الحلف لغتان في القسم؛الواحدة:

حلفة.

و يقال:محلوفة باللّه ما قال ذاك،ينصب على ضمير:

يحلف باللّه محلوفة،أي قسما،فالمحلوفة هي القسم.

و رجل حلاّف و حلاّفة:كثير الحلف.

و استحلفته باللّه ما فعل ذاك.

و حالف فلان فلانا،فهو حليفه.

و بينهما حلف،لأنّهما تحالفا بالأيمان أن يفي كلّ لكلّ.

فلمّا لزم ذلك عندهم في الأحلاف الّتي في العشائر و القبائل،صار كلّ شيء لزم شيئا لم يفارقه حليفه حتّى يقال:فلان حليف الجود،و حليف الإكثار،و حليف الإقلال.

و أحلف الغلام:جاوز رهاق الحلم،فهو محلف.

و قال بعضهم:أخلف بالخاء.

و الحلفاء:نبات حمله قصب النّشّاب؛الواحدة:

حلفة؛و الجميع:الحلف،و قياسه:قصباء و قصبة و قصب،و طرفاء و طرفة و طرف،و شجراء و شجرة و شجر سواء.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:231)

سيبويه :الحلفاء واحد و جميع،و كذلك طرفاء، و بهمى،و شكاعى واحدة و جميع.(الأزهريّ 5:69)

ص: 521

الأحمر:حلفت محلوفا مصدر،و كذلك المعقول و الميسور و المعسور.(الأزهريّ 5:66)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحليف من النّصال:

العريض الشّفرة.(الصّاحب 3:104)

أبو زيد :[الحلفاء]واحدتها:حلفة،مثل قصبة و طرفة.(الجوهريّ 4:1347)

الأصمعيّ: [الحلفاء]الواحدة:حلفة.

رجل حليف اللّسان،أي حديد اللّسان،و سنان حليف،أي حديد.(الأزهريّ 5:69)

وصف أعرابيّ رجلا فقال:إنّه لحسن الوجه حليف اللّسان طويل الإمّة.و الحليف:الحديد من كلّ شيء، يقال:لسان حليف و سنان حليف الغرب.[الحدّ]

(القاليّ 1:26)

ابن الأعرابيّ: الأحلاف في قريش خمس قبائل:

عبد الدّار،و جمح،و سهم،و مخزوم،و عديّ بن كعب.

سمّوا بذلك لمّا أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في أيدي بني عبد الدّار من الحجابة و الرّفادة و اللّواء و السّقاية،و أبت بنو عبد الدّار،عقد كلّ قوم على أمرهم حلفا مؤكّدا على ألاّ يتخاذلوا،فأخرجت عبد مناف جفنة مملوءة طيبا، فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة،ثمّ غمس القوم أيديهم فيها و تعاقدوا،ثمّ مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا،فسمّوا المطيّبين،و تعاقدت بنو عبد الدّار و حلفاؤهم حلفا آخر مؤكّدا على ألاّ يتخاذلوا،فسمّوا الأحلاف.

و قال كميت:يذكرهم:

نسبا في المطيّبين و في الأح

لاف حلّ الذّؤابة الجمهورا

و روى ابن عيينة عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال:كنت عند ابن عبّاس فأتاه ابن صفوان فقال:نعم الإمارة إمارة الأحلاف كانت لكم.قال:الّذي كان قبلها خير منها،كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من المطيّبين،و كان أبو بكر من المطيّبين،و كان عمر من الأحلاف يعني إمارة عمر.

و سمع ابن عبّاس نادبة عمر و هي تقول:يا سيّد الأحلاف،فقال ابن عبّاس:نعم،و المحتلف عليهم (1).

(الأزهريّ 5:67)

نحوه الخطّابيّ.(2:477)

الحلفاء:الأمة الصّخّابة.

و يقال:أحلفت الرّجل و استحلفته بمعنى واحد، و مثله أرهبته و استرهبته.

و رجل حلاّف:كثير الحلف،و حالف فلانا بثّه و حزنه،أي لازمه.(الأزهريّ 5:69)

ابن السّكّيت: يقال:إنّه لحليف اللّسان.و سيحفيّ اللّسان و...(677)

الحلف:مصدر حلفت أحلف حلفا.و الحلف:العهد يكون بين القوم.(إصلاح المنطق:13)

الدّينوريّ: أرض حلفة تنبت الحلفاء.

(ابن سيده 3:346)

ابن دريد :و الحلف،من قولهم:حلفت له أحلفش.

ص: 522


1- و هذا القسم باللّه تعالى.لاحظ المصدر:الهامش.

حلفا و حلفا و حلفا،و تحالف القوم محالفة،إذا تحالفوا على النّصرة،و أنا حليف لهم؛و الجمع:حلفاء،و واحد الحلفاء:حليف.

و واحد الحلفاء:حلفة،و هو هذا النّبت.و قال قوم:

حلفة،مثل طرفاء و طرفة؛و قد جمعوا الحلفاء:حلافى.

قال:و رجل حلاّف:كثير الأيمان.

و رجل حليف اللّسان،إذا كان حديد اللّسان فصيحا.

و سنان حليف،أي محدّد.

و عليّ حلفة ألاّ أفعل كذا و كذا،أي يمين.

و قد سمّت العرب حليفا و حليفا.

و الحليفان:أسد و غطفان،اسم لازم لهذين القبيلين.[ثمّ استشهد بشعر](2:176)

يقال:حلف على أحلوفة صدق.(3:379)

الهمذانيّ: تقول:حلفت له بأيمان محرّجة، و أقسمت بالمغلّظة و المؤكّدة.(179)

الأزهريّ: [نقل قول ابن الأعرابيّ و أضاف:]

قلت:و إنّها ذكرت ما اقتصّه ابن الأعرابيّ،لأنّ القتيبيّ ذكر الطّيّبين و الأحلاف،فخلط فيما فسّر،و لم يؤدّ القصّة على وجهها،و أرجو أن يكون ما رواه شمر عن ابن الأعرابيّ صحيحا.

و في الحديث:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حالف بين قريش و الأنصار»،أي آخى بينهم،لأنّه لا حلف في الإسلام.

و قال اللّيث[الخليل]:أحلف الغلام إذا جاوز رهاق الحلم.و قال بعضهم:قد أحلف.

قلت:أحلف الغلام بهذا المعنى خطأ،إنّما يقال:

أحلف الغلام،إذا راهق الحلم فاختلف النّاظرون إليه، فقائل يقول:قد احتلم و أدرك،و يحلف على ذلك، و قائل يقول:غير مدرك،و يحلف على قوله.و كلّ شيء يختلف فيه النّاس و لا يقفون منه على أمر صحيح فهو محلف،و العرب تقول للشّيء المختلف فيه:محلف و محنث.

و يقال:كميت محلف،إذا كان بين الأحوى و الأحمّ حتّى يختلف في كمتته.و كميت غير محلف إذا كان أحوى خالص الحوّة أو أحمّ بيّن الحمّة.و الأنثى كميت محلفة و غير محلفة.

و ناقة محلفة السّنام،إذا كان لا يدرى أ في سنامها شحم أم لا.

الحلفاء:نبت أطرافه محدودة،كأنّها أطراف سعف النّخل و الخوص،ينبت في مغايض الماء و النّزوز؛ الواحدة:حلفة،مثل قصبة و قصباء،و طرفة و طرفاء و شجرة و شجراء،و قد يجمع حلفا و شجرا و قصبا و طرفا.[و حكى قول الأصمعيّ و أضاف:]

أراه جعل حليفا،لأنّه شبّه حدّة طرفه بحدّة أطراف الحلفاء.[و استشهد بالشّعر مرّتين](5:69)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]و غلام محلف:

يتمارى في إدراكه فيحلف عليه.

و كلّ شيء مختلف فيه:محلف.

و الأحلوفة:اليمين الّتي يحلف بها.

و قد أحلف الحلفاء.و الحلاف:جمع الحلفاء.

و واد حلافيّ: ينبت الحلفاء.

ص: 523

و الحليف:الحديد اللّسان.(3:104)

الخطّابيّ: سمعت أنس بن مالك يقول:«حالف رسول اللّه بين المهاجرين و الأنصار في دارنا،فقيل له:

أ ليس قد قال النّبيّ:لا حلف في الإسلام؟فأعادها أنس و قال:حالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في دارنا بين المهاجرين و الأنصار».قال سفيان:فسّر العلماء:حالف:آخى.

(2:212)

الجوهريّ: حلف،أي أقسم،يحلف حلفا و حلفا و محلوفا.و هو أحد ما جاء من المصادر على«مفعول» مثل المجلود و المعقول و الميسور و المعسور.

و أحلفته أنا و حلّفته و استحلفته،كلّه بمعنى.

و الحلف بالكسر:العهد يكون بين القوم.و قد حالفه،أي عاهده،و تحالفوا،أي تعاهدوا.

و في الحديث أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«حالف بين قريش و الأنصار»يعني آخى بينهم،لأنّه لا حلف في الإسلام.

[إلى أن قال:]

و الحليف:المحالف.و يقال لبني أسد و طيّئ:

الحليفان،و يقال أيضا لفزارة و لأسد:حليفان،لأنّ خزاعة لما أجلت بني أسد عن الحرم خرجت فحالفت طيّئا ثمّ حالفت بني فزارة.

و رجل حليف اللّسان،إذا كان حديد اللّسان فصيحا.

و قولهم:«حضار و الوزن محلفان»،و هما نجمان يطلعان قبل سهيل فيظنّ النّاس بكلّ واحد منهما أنّه سهيل،فيحلف واحد أنّه سهيل و يحلف آخر أنّه ليس به.و منه قولهم:كميت محلفة.[ثمّ استشهد بشعر]

ذو الحليفة:موضع.(4:1347)

أبو هلال :الفرق بين القسم و الحلف:أنّ القسم أبلغ من الحلف،لأنّ معنى قولنا:أقسم باللّه،أنّه صار ذا قسم باللّه.و القسم:النّصيب،و المراد أنّ الّذي أقسم عليه من المال و غيره قد أحرزه و دفع عنه الخصم باللّه.

و الحلف من قولك:سيف حليف،أي قاطع ماض، فإذا قلت:حلف باللّه،فكأنّك قلت:قطع المخاصمة باللّه.

فالأوّل أبلغ،لأنّه يتضمّن معنى الآخر مع دفع الخصم،ففيه معنيان.و قولنا:حلف يفيد معنى واحدا، و هو قطع المخاصمة فقط؛و ذلك أنّ من أحرز الشّيء باستحقاق في الظّاهر فلا خصومة بينه و بين أحد فيه، و ليس كلّ من دفع الخصومة في الشّيء فقد أحرزه.

و اليمين:اسم للقسم مستعار؛و ذلك أنّهم كانوا إذا تقاسموا على شيء تصافقوا بأيمانهم،ثمّ كثر ذلك حتّى سمّي القسم يمينا.(42)

ابن فارس: الحاء و اللاّم و الفاء أصل واحد،و هو الملازمة.يقال:حالف فلان فلانا،إذا لازمه.

و من الباب:الحلف.يقال:حلف يحلف حلفا، و ذلك أنّ الإنسان يلزمه الثّبات عليها.و مصدره:الحلف و المحلوف أيضا.

و يقال:هذا شيء محلف،إذا كان يشكّ فيه فيتحالف عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ممّا شذّ عن الباب قولهم:هو حليف اللّسان،إذا كان حديده.

ص: 524

و من الشّاذّ:الحلفاء،نبت؛الواحدة:حلفاءة.

(2:97)

ابن سيده: الحلف و الحلف:القسم،حلف يحلف حلفا و حلفا و حلفا و محلوفا.

و يقولون:محلوفه باللّه ما قال ذاك،على إضمار يحلف.و حلف أحلوفة.

و رجل حالف و حلاّف و حلاّفة:كثير الحلف.و قد استحلفه باللّه،و حلّفه و أحلفه.

و كلّ شيء مختلف فيه فهو محلف،لأنّه داع إلى الحلف،و لذلك قيل:«حضار و الوزن،محلفان»و ذلك أنّهما نجمان يطلعان قبل سهيل فيظنّ النّاس بكلّ واحد منهما أنّه سهيل فيحلف الواحد أنّه ذاك،و يحلف الآخر أنّه ليس به.

و ناقة محلفة:إذا شكّ في سمنها حتّى يدعو ذلك إلى الحلف.

و فرس محلف و محلفة،و هو الكميت الأحمّ و الأحوى،لأنّهما متدانيان حتّى يشكّ فيهما البصيران، فيحلف هذا أنّه كميت أحوى،و يحلف هذا أنّه كميت أحمّ.

و المحلف من الغلمان:المشكوك في احتلامه لأنّ ذلك ربّما دعا إلى الحلف.

و الحلف:العهد،لأنّه لا يعقد إلاّ بالحلف؛و الجمع:

أحلاف.و قد حالفه محالفة و حلافا.و هو حلفه:حليفه.

الحليف:الحالف فيما كان بينه و بينها،ليفينّ؛ و الجمع:أحلاف و حلفاء،و هو من ذلك لأنّهما تحالفا أن يكون أمرهما واحدا بالوفاء.

و الحليفان:أسد و غطفان،صفة لازمة لهما لزوم الاسم.

و الحليف:الجديد من كلّ شيء،و فيه حلافة.

و إنّه لحليف اللّسان،على المثل بذلك.

و الحلف و الحلفاء،من نبات الأغلاث؛واحدتها:

حلفة و حلفة و حلفاء و حلفاة.

قال سيبويه:حلفاء واحدة و حلفاء للجميع.لمّا كان يقع للجميع و لم يكن اسما كسّر عليه الواحد،أرادوا أن يكون الواحد من بناء فيه علامة التّأنيث،كما كان ذلك في الأكثر الّذي ليست فيه علامة التّأنيث و يقع مذكّرا، نحو التّمر و البرّ و الشّعير و أشباه ذلك،و لم يجاوزوا البناء الّذي يقع للجميع؛حيث أرادوا واحدا فيه علامة التّأنيث،لأنّه فيه علامة التّأنيث،فاكتفوا بذلك و بيّنوا الواحدة بأن وصفوها بواحدة،و لم يجيئوا بعلامة سوى الّتي في الجميع ليفرّق بين هذا و بين الاسم الّذي يقع للجميع و ليس فيه علامه التّأنيث،نحو التّمر و البسر.

و أرض حلفة و محلفة:كثيرة الحلفاء.

و حليف و حليف:اسمان.

و ذو الحليفة:موضع.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(3:345)

الطّوسيّ: الحلف:القسم.و منه الحلف،لتحالفهم فيه على الأمر،و حليف الجود و نحوه،لأنّه كالحلف في اللّزوم،أو حلف الغلام،إذا قارب البلوغ.(3:241)

الرّاغب: الحلف:العهد بين القوم،و المحالفة:

ص: 525

المعاهدة،و جعلت للملازمة الّتي تكون بمعاهدة.

و فلان حلف كرم و حلف كرم.و الأحلاف:جمع حليف.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحلف أصله:اليمين الّذي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد،ثمّ عبّر به عن كلّ يمين.

و شيء محلف:يحمل الإنسان على الحلف.

و كميت محلف،إذا كان يشكّ في كميتته و شقرته فيحلف واحد أنّه كميت و آخر أنّه أشقر.

و المحالفة:أن يحلف كلّ للآخر ثمّ جعلت عبارة عن الملازمة مجرّدا،فقيل:حلف فلان و حليفه،و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:

«لا حلف في الإسلام».

و فلان حليف اللّسان،أي حديده،كأنّه يحالف الكلام فلا يتباطأ عنه،و حليف الفصاحة.(129)

الزّمخشريّ: حلف باللّه على كذا حلفا،و هو حلاّف و حلاّفة.و حلف حلفة فاجر،و أحلوفة كاذبة.

و حالفه على كذا،و تحالفوا عليه و احتلفوا.

و حلّف خصمه و أحلفه و استحلفه القاضي.

و وقع الحريق في الحلفاء،و كأنّه أخو الحلفاء،أي الأسد.

و من المجاز:بينهم حلف،أي عهد.و هم حلفاء بني فلان و أحلافهم.و هذا حليفي،و هو حليف النّدى، و حليف السّهر.

و فلان محالف لفلان:لازم له.و سنان حليف.

و رجل حليف اللّسان:يوافق صاحبه على ما يريد لحدّته،كأنّه حليفه.

و سمع الأصمعيّ بعض العرب:إنّ فلانا لحسن الوجه،حليف اللّسان،طويل الإمّة.

و هذا شيء محلف و محنث:للّذي يختلف فيه فيحتلف عليه.يقال:ناقة محلفة السّنام:مشكوك في سمنه.«و حضار و الوزن محلفان»،و هما كوكبان يطلعان قبل سهيل،فيظنّ بكلّ واحد منهما أنّه سهيل،فيقع التّحالف.و كميت محلفة:بين الأحوى و الأحمّ،و كميت غير محلفة:للصّافية الكمتة.

و أحلف الغلام:جاوز رهاق الحلم،فشكّ في بلوغه.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:92)

رجل حليف اللّسان:أي ذربه.(الفائق 1:84)

«من كان حليفا أو عريرا في قوم قد عقلوا عنه و نصروه فميراثه لهم،إذا لم يكن له وارث معلوم» الحليف:المحالف،و هو المعاهد.(الفائق 1:309)

المدينيّ: في الحديث:«أنّ عتبة برز لعبيدة، فقال:من أنت؟قال:أنا الّذي في الحلفاء»أي أنا الأسد، لأنّ مأوى الأسد:الآجام و منابت الحلفاء،و هو نبت؛ واحدته:حلفاءة.

و قيل:هي قصب لم يدرك أناه،فإذا مسّته النّار أسرعت في إحراقه.يقال:نار الحلفاء سريعة الانطفاء.

و قيل:إنّه حشيش يابس؛واحدة:حلفة،كقصبة و قصباء،و قد تكسر لامه.

و قيل:لا يجوز إدخال تاء التّأنيث في الحلفاءة،لأنّ فيها ألف التّأنيث الّتي صارت همزة.و قد أحلف الحلفاء:

ظهر قصبها.

ص: 526

في الحديث:«من حلف على يمين».الحلف هو اليمين،و أصلها:العقد بالعزم و النّيّة،بدليل أنّ يمين اللّغو لا يؤخذ به،فكأنّ معناه:من عزم على عقد يمين فخالف بين اللّفظين تأكيدا لعقده،و إعلاما أنّ لغوه لا يندرج تحته،و اللّه أعلم.(1:486)

ابن الأثير: و في حديث آخر:«لا حلف في الإسلام»أصل الحلف:المعاقدة و المعاهدة على التّعاضد و التّساعد و الاتّفاق،فما كان منه في الجاهليّة على الفتن و القتال بين القبائل و الغارات،فذلك الّذي ورد النّهي عنه في الإسلام،بقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا حلف في الإسلام».و ما كان منه في الجاهليّة على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيّبين و ما جرى مجراه،فذلك الّذي قال فيه صلّى اللّه عليه و سلّم:«و أيّما حلف كان في الجاهليّة لم يزده الإسلام إلاّ شدّة»يريد من المعاقدة على الخير و نصرة الحقّ،و بذلك يجتمع الحديثان.و هذا هو الحلف الّذي يقتضيه الإسلام، و الممنوع منه ما خالف حكم الإسلام.و قيل:المحالفة كانت قبل الفتح.[إلى أن قال:]

و منه حديث حذيفة«قال له جندب:تسمعني أحالفك منذ اليوم،و قد سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فلا تنهاني»أحالفك:أفاعلك،من الحلف:اليمين.

(1:424)

الفيّوميّ: حلف باللّه حلفا بكسر اللاّم و سكونها تخفيف،و تؤنّث الواحدة بالهاء،فيقال:حلفة.

و يقال في التّعدّي:أحلفته إحلافا و حلّفته تحليفا و استحلفته.

و الحليف:المعاهد،يقال منه:تحالفا،إذا تعاهدا و تعاقدا على أن يكون أمرهما واحدا في النّصرة و الحماية.

و بينهما حلف و حلفة بالكسر،أي عهد.

و ذو الحليفة:ماء من مياه بني جشم ثمّ سمّي به الموضع،و هو ميقات أهل المدينة نحو مرحلة عنها، و يقال:على ستّة أميال.

و الحلفاء وزان حمراء:نبات معروف؛الواحدة:

حلفاة.(1:146)

الفيروزآباديّ: حلف يحلف حلفا و يكسر و حلفا ككتف و محلوفا و محلوفة.و يقال:لا و محلوفائه بالمدّ و محلوفة باللّه،أي أحلف محلوفة،أي قسما.

و الأحلوفة«أفعولة»من الحلف.

و الحلف بالكسر:العهد بين القوم،و الصّداقة، و الصّديق يحلف لصاحبه أن لا يغدر به؛جمعه:أحلاف.

[إلى أن قال:]

و الحلفاء و الحلف محرّكة:نبت؛الواحدة:حلفة كفرحة،و خشبة و صحراة.

و واد حلافيّ كغرابيّ: ينبته.

و الحلفاء:الأمة الصّخّابة؛جمعها:ككتب.

و أحلفت الحلفاء:أدركت،و الغلام:جاوز رهاق الحلم،و فلانا:حلّفه.

و قولهم:«حضار و الوزن محلفان»هما نجمان يطلعان قبل سهيل،فيظنّ النّاظر بكلّ منهما أنّه سهيل،و يحلف أنّه سهيل،و يحلف آخر أنّه ليس به.و كلّ ما يشكّ فيه

ص: 527

فيتحالف عليه فهو محلف.و منه:كميت محلف:خالص اللّون.

و حلّفه تحليفا:استحلفه.

و حالفه:عاهده و لازمه،و تحالفوا:تعاهدوا.

(3:133)

الطّريحيّ: [اكتفى بنقل أقوال السّابقين](5:39)

مجمع اللّغة :حلف باللّه يحلف حلفا و حلفا:

أقسم.و الحلاّف:الكثير الحلف.(1:292)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:143)

العدنانيّ: حلف حلفا،و حلفا،و حلفا،و محلوفا، و محلوفة،و محلوفاء

و يخطّئون من يقول:حلف أحمد حلفا،أي أقسم، و يقولون:إنّ الصّواب هو:حلف حلفا.و الحقيقة هي أنّنا نستطيع أن نقول:حلف أحمد يحلف:

أ-حلفا:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح، و الأساس،و النّهاية،و اللّسان،و المصباح«تسكّن اللاّم للتّخفيف»،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

ب-و حلفا:معجم ألفاظ القرآن الكريم، و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

ج-و حلفا:اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

د-و محلوفا:الصّحاح،و المختار،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

ه-و محلوفة:اللّيث بن سعد،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و-و محلوفاء:ابن بزرج،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.

و يطلقون على القسم اسم أحلوفة:اللّحيانيّ، و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن.

و لمّا كان المصدر«حلف»صحيحا،و معروفا في البلاد العربيّة كافّة أكثر من المصادر الأخرى،و أكثر منها دورانا على الألسنة،أرى أن نقبل على استعماله،على أن لا نخطّئ من يستعمل المصادر الأخرى،الّتي تذكرها المعجمات.(164)

المصطفويّ: و الظّاهر من موارد استعمال هذه المادّة في القرآن الكريم و غيره:أنّ الأصل الواحد فيها هو الالتزام مع القسم و بوسيلته،كما أنّ القسم هو مجرّد القسم من دون التزام-راجع«القسم»-،و بمناسبة هذا المعنى تطلق على العهد و الالتزام المطلق المؤكّد.

و أمّا الميسور و المعسور و المعقول ممّا كان مفهوم المصدر و المفعول الّذي هو مورد وقوع الحدث متّحدا في المصداق،فهي من باب تصادق المعنيين و تصادفهما على مورد واحد،لا استعمال صيغة في معنى صيغة أخرى.

ص: 528

فظهر أنّ تطبيق المحلوف على الحلف باعتبار تصادق معنييهما في الخارج،و أمّا استعمال المحلوف في مورد الحلف:إشارة إلى تحقّق الحلف و وقوعه و كونه محقّقا و مسلّما.(2:289)

النّصوص التّفسيريّة

حلفتم

لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. المائدة:89

ابن عبّاس: ثمّ حنثتم.

(100)

مثله الماورديّ(2:63)،و الطّوسيّ(4:16)،و ابن الجوزيّ(2:415)،و البيضاويّ(1:290)، و الشّربينيّ(1:395)،و البروسويّ(2:434).

البغويّ: و حنثتم فإنّ الكفّارة لا تجب إلاّ بعد الحنث.(2:80)

الزّمخشريّ: و حنثتم،فترك ذكر الحنث لوقوع العلم بأنّ الكفّارة إنّما تجب بالحنث في الحلف،لا بنفس الحلف.و التّكفير قبل الحنث لا يجوز عند أبي حنيفة و أصحابه،و يجوز عند الشّافعيّ بالمال إذا لم يعص الحانث.(1:641)

نحوه الطّبرسيّ.(2:238)

ابن عطيّة:معناه ثمّ أردتم الحنث أو وقعتم فيه.

(2:232)

نحوه المراغيّ.(7:16)

الفخر الرّازيّ: إِذا حَلَفْتُمْ فيه دقيقة،و هي التّنبيه على أنّ تقديم الكفّارة قبل اليمين لا يجوز،و أمّا بعد اليمين و قبل الحنث فإنّه يجوز.(12:78)

نحوه أبو حيّان.(4:12)

العكبريّ: العامل في(اذا): كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ لأنّ المعنى:ذلك يكفّر أيمانكم وقت حلفكم.(1:458)

القرطبيّ: أي إذا حلفتم و حنثتم.(6:275)

مثله الطّباطبائيّ.(6:111)

السّمين:[حكى قول الزّمخشريّ و العكبريّ ثمّ قال:]

و لا بدّ من هذا الّذي ذكره الزّمخشريّ،و هو تقدير الحنث،و لذلك عيب على أبي البقاء قوله:«العامل في (اذا)كفّارة أيمانكم،لأنّ المعنى:ذلك يكفّر أيمانكم وقت حلفكم»فقيل له:الكفّارة ليست واقعة في وقت الحلف فكيف يعمل في الظّرف ما لا يقع فيه؟و ظاهر الآية أنّ (اذا)متمحّضة الظّرفيّة،و ليس فيها معنى الشّرط،و هو غير الغالب فيها.

و قد يجوز أن تكون شرطا،و يكون جوابها محذوفا على قاعدة البصريّين،يدلّ عليه ما تقدّم،أو هو نفس المتقدّم عند أبي زيد و الكوفيّين،و التّقدير:إذا حلفتم و حنثتم فذلك كفّارة إثم أيمانكم،كقولهم:«أنت ظالم إن فعلت».(2:603)

ص: 529

يحلفون

1- فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاّ إِحْساناً وَ تَوْفِيقاً.

النّساء:62

ابن عبّاس: يعني حاطبا،حلف باللّه.(73)

الزّمخشريّ: (يحلفون)ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك.(1:536)

العكبريّ: (يحلفون)حال.(1:368)

مثله البيضاويّ(1:227)،و النّسفيّ(1:333)، و أبو السّعود(2:157).

الطّباطبائيّ: ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ حكاية لمعذرتهم أنّهم ما كانوا يريدون بركونهم إلى حكم الطّاغوت سوء،و المعنى-و اللّه أعلم-فإذا كان حالهم هذا الحال كيف صنيعهم إذا أصابهم بفعالهم هذا و باله السّيّئ ثمّ جاءوك يحلفون باللّه،قائلين ما أردنا بالتّحاكم إلى غير الكتاب و الرّسول إلاّ الإحسان و التّوفيق و قطع المشاجرة بين الخصوم.(4:403)

2- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لاَتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.

التّوبة:42

ابن عبّاس: لكم إذا رجعتم من غزوة تبوك عبد اللّه ابن أبيّ و جدّ بن قيس و معتب بن قشير و أصحابهم الّذين تخلّفوا عن غزوة تبوك.(158)

الطّبريّ: و سيحلف لك يا محمّد هؤلاء المستأذنوك في ترك الخروج معك اعتذارا منهم إليك بالباطل،لتقبل منهم عذرهم،و تأذن لهم في التّخلّف عنك باللّه كاذبين.

(10:141)

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّ هؤلاء الّذين ذكرهم يحلفون و يقسمون على وجه الاعتذار إليك و يقولون فيما بعد: لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ. (5:262)

الزّمخشريّ: (باللّه)متعلّق ب(سيحلفون)،أو هو من جملة كلامهم،و القول مراد في الوجهين،أي (سيحلفون)يعني المتخلّفين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين يقولون باللّه...(2:191)

نحوه البيضاويّ(1:416)،و النّسفيّ(2:127)، و الشّربينيّ(1:617)،و الآلوسيّ(10:107)، و المراغيّ(10:126)،و مغنيّة(4:48).

الفخر الرّازيّ: هذه الآية نزلت في المنافقين الّذين تخلّفوا عن غزوة تبوك،و معنى الكلام أنّه لو كانت المنافع قريبة و السّفر قريبا لاتّبعوك طمعا منهم في الفوز بتلك المنافع،و لكن طال السّفر فكانوا كالآيسين من الفوز بالغنيمة،بسبب أنّهم كانوا يستعظمون غزو الرّوم، فلهذا السّبب تخلّفوا.

ثمّ أخبر اللّه تعالى أنّه إذا رجع من الجهاد يجدهم سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ إمّا عند ما يعاتبهم بسبب التّخلّف،و إمّا ابتداء على طريقة إقامة العذر في التّخلّف.ثمّ بيّن تعالى أنّهم يهلكون أنفسهم بسبب ذلك الكذب و النّفاق.و هذا يدلّ على أنّ الأيمان

ص: 530

الكاذبة توجب الهلاك،و لهذا قال عليه الصّلاة و السّلام:

«اليمين الغموس تدع الدّيار بلاقع».(16:72)

نحوه أبو السّعود(3:153)،و البروسويّ(3:

440).

حلاّف

وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ. القلم:10

ابن عبّاس: كذّاب على اللّه.(481)

الطّبريّ: و لا تطع يا محمّد كلّ ذي إكثار للحلف بالباطل.(29:22)

نحوه البغويّ(5:136)،و الميبديّ(10:190)، و ابن الجوزيّ(8:331)،و الشّربينيّ(4:355).

الطّوسيّ: أي من يقسم كثيرا بالكذب.

(10:77)

الزّمخشريّ: كثير الحلف في الحقّ و الباطل،و كفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف،و مثله قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ البقرة:224.(4:142)

مثله الفخر الرّازيّ(30:83)،و البيضاويّ(2:

494)،و النّسفيّ(4:280).

ابن عطيّة: الحلاّف:المردّد لحلفه الّذي قد كثر منه.

(5:347)

الطّبرسيّ: أي كثير الحلف بالباطل لقلّة مبالاته بالكذب.(5:334)

نحوه شبّر.(6:260)

أبو السّعود :كثير الحلف في الحقّ و الباطل.تقديم هذا الوصف على سائر الأوصاف الزّاجرة عن الطّاعة، لكونه أدخل في الزّجر.(6:286)

البروسويّ: كثير الحلف في الحقّ و الباطل،لجهله حرمة اليمين و عدم مبالاته من الحنث،لسوء عقيدته.

و تقديم هذا الوصف على سائر الأوصاف الزّاجرة عن الطّاعة،لكونه أدخل في الزّجر...و أصل الحلف:اليمين الّذي يأخذ بعضهم من بعض بها الحلف،أي العهد،ثمّ عبّر به عن كلّ يمين.(10:110)

الآلوسيّ: كثير الحلف في الحقّ و الباطل،و كفى بهذا مزجرة لمن اعتاد الحلف،لأنّه جعل فاتحة المثالب و أساس الباقي،و هو يدلّ على عدم استشعار عظمة اللّه عزّ و جلّ،و هو أمّ كلّ شرّ عقدا و عملا.

و ذكر بعضهم أنّ كثرة الحلف مذمومة و لو في الحقّ، لما فيها من الجرأة على اسمه جلّ شأنه.و هذا النّهي للتّهييج و الإلهاب أيضا،أي دم على ما أنت عليه من عدم طاعة كلّ حلاّف.(29:27)

المراغيّ: أي و لا تطع المكثار من الحلف بالحقّ و بالباطل.

و الكاذب يتّقي بأيمانه الكاذبة الّتي يجترئ بها على اللّه ضعفه و مهانته أمام الحقّ،و فيه دليل على عدم استشعاره الخوف من اللّه.

و الكذب أسّ كلّ شرّ،و مصدر كلّ معصية،و كفى مزجرة لمن اعتاد الحلف،أن جعله المولى فاتحة المثالب، و أسّ المعايب.(29:31)

مغنيّة:يكثر من الأيمان بلا سبب موجب.(7:388)

ص: 531

الطّباطبائيّ: الحلاّف:كثير الحلف.و لازم كثرة الحلف و الإقسام في كلّ يسير و خطير و حقّ و باطل أن لا يحترم الحالف شيئا ممّا يقسم به،و إذا كان حلفه باللّه فهو لا يستشعر عظمة اللّه عزّ اسمه،و كفى به رذيلة.

(19:371)

مكارم الشّيرازيّ: تقال كلمة(حلاّف)على الشّخص الكثير الحلف،و الّذي يحلف على كلّ صغيرة و كبيرة،و هذا النّموذج في الغالب لا يتّسم بالصّدق، و لذا يحاول أن يطمئنّ الآخرين بصدقه من خلال الحلف و القسم.(18:484)

فضل اللّه :من هؤلاء الّذين يكثرون الحلف على كلّ شيء ممّا يثيرونه أمام الآخرين،أو ممّا يختلفون فيه معهم،من القضايا المتعلّقة بالدّين و بالحياة و بالأوضاع المحيطة بهم،سواء أ كانت حقّا أم باطلا،لأنّهم لا يشعرون بالثّقة في أنفسهم،أو بثقة النّاس بهم،و لذلك فإنّهم يلجئون لتأكيد الثّقة إلى أسلوب الحلف،و لو على حساب المقدّسات الّتي يحلفون بها،كما في الحلف باللّه حيث يسيئون إلى موقع عظمته بالقسم به في قضيّة كاذبة أو باطلة.و إذا حدّقت بهؤلاء في ما يتّصفون به من صفات أخلاقيّة على صعيد الواقع،فسترى المهانة النّفسيّة،و الحقارة العمليّة الّتي توحي بكلّ سقوط و انحطاط.(23:44)

عبد المنعم الجمّال:قيل:إنّ هذه الآيات في الوليد بن المغيرة المخزوميّ.

و لا تطع يا محمّد كلّ شخص يكثر الحلف محقّا أو مبطلا و هو حقير،لأنّ كثرة الحلف دليل على أنّه لا يثق بنفسه،و يشعر أنّ النّاس يحتقرونه.(4:3155)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحلف،و هو نبت أطرافه محدّدة،كأنّها أطراف سعف النّخل و الخوص،ينبت في مغايض الماء و النّزوز؛الواحدة:حلفة،و هو الحلفاء؛ و واحدته حلفاة.و أرض حلفة:تنبت الحلفاء،و أرض حلفة و محلفة:كثيرة الحلفاء.

و سنان حليف:حديد،لأنّه شبّه حدّة طرفه بحدّة أطراف الحلفاء،و إنّه لحليف اللّسان،على المثل بذلك، أي حديد اللّسان فصيح.

و الحلف:العهد يكون بين القوم؛و الجمع:أحلاف.

يقال:حالفه محالفة و حلافا،أي عاهده،و هو حلفه و حليفه،و تحالفوا:تعاهدوا،و الحليف:المحالف،يقال:

حالف فلان فلانا،فهو حليفه.و فلان حليف الجود، و حليف الإكثار،و حليف الإقلال،و حالف فلان بثّه و حزنه:لازمه،كلّ ذلك تشبيه بتماسك عود الحلف و تلازمه.

و منه:الحلف و الحلف:القسم،لأنّه تحالف و تماسك بين طرفين.يقال:حلف يحلف حلفا و حلفا و حلفا و محلوفا،أي أقسم،و رجل حالف و حلاّف و حلاّفة:

كثير الحلف،و أحلفت الرّجل و حلّفته و استحلفته.

و الحليف:الحالف فيما كان بينه و بين صاحبه،لأنّهما تحالفا أن يكون أمرهما واحدا بالوفاء؛و الجمع:أحلاف

ص: 532

و حلفاء.

و المحلف:كلّ شيء مختلف فيه،لأنّه داع إلى الحلف،يقال:ناقة محلفة،إذا شكّ في سمنها حتّى يدعو ذلك إلى الحلف،و ناقة محلفة السّنام:لا يدرى أ في سنامها شحم أم لا؟و كميت محلف،إذا كان بين الأحوى و الأحمّ حتّى يختلف في كمتته،و كميت غير محلف،إذا كان أحوى خالص الحوّة،أو أحمّ بيّن الحمّة.و المحلف من الغلمان:المشكوك في احتلامه؛لأنّ ذلك ربّما دعا إلى الحلف،يقال:أحلف الغلام،إذا راهق الحلم،فاختلف النّاظرون إليه،فقائل يقول:قد احتلم و أدرك،و يحلف على ذلك،و قائل يقول:غير مدرك،و يحلف على قوله.

2-و لم نعثر بعد البحث و الاستقصاء على أحد مشتقّات هذه المادّة في سائر اللّغات السّاميّة،سوى ورود الحلفاء في اللّغة السّريانيّة بلفظي«حلفا» و«حولفا»،و هذا يدلّ على أصالته هنا،كما ذهبنا إليه حيث جعلناه أصلا برأسه.

و قد تأثّرت بعض اللّغات غير السّاميّة باستعمال العربيّة لهذا اللّفظ أيضا،كالفرنسيّة،و كذلك الإنجليزيّة في الآونة الأخيرة؛إذ جاء فيهما بلفظ«ألفا».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الماضي مرّة،و المضارع 11 مرّة،و المبالغة مرّة،في 12 آية:

1- ...فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ... المائدة:89

2- وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى...

التّوبة:107

3- ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاّ إِحْساناً وَ تَوْفِيقاً النّساء:62

4- ...وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ... التّوبة:42

5- وَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَ ما هُمْ مِنْكُمْ...

التّوبة:56

6- يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ... التّوبة:62

7- يَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ... التّوبة:74

8- سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ... التّوبة:95

9- يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ... التّوبة:96

10- ...ما هُمْ مِنْكُمْ وَ لا مِنْهُمْ وَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ المجادلة:14

11- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ... المجادلة:18

12- وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ القلم:10

و يلاحظ أوّلا:أنّ(1)تشريع بلفظ الماضي، و الباقي سوى(12)حكاية حال المنافقين،جاءت بلفظ المضارع إشعارا بدوامها منهم،و ذمّا لهم بأنّهم يسترون نفاقهم بالحلف باللّه كذبا،كما قال في(10): وَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ، و اثنتان منها(4 و 8)إخبار بالغيب عمّا

ص: 533

سيصدر منهم سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ، و واحدة منها(10) إخبار عن حلفهم يوم القيامة للّه كعادتهم في الدّنيا يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ، و واحدة(12)جاءت مبالغة كُلَّ حَلاّفٍ إشعارا بأنّ هؤلاء الحالفين يبالغون في الحلف و يكرّرونه.

ثانيا:الحلف في(2 و 3)واقع على إرادة الحسنى و الإحسان و التّوفيق،و في(4)على الخروج مع المؤمنين،و في(5 و 10)على أنّهم من المؤمنين-و لم يكونوا منهم-و في(6 و 9)لإرضاء المؤمنين،و في(7) على أنّهم ما قالوا كلمة الكفر-و قد قالوها-و في(8) ليعرضوا عنهم.

و أمّا في(11)فلم يذكر ما حلفوا عليه،إلاّ أنّه يعلم ممّا قبلها،و هو أنّهم من المؤمنين: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَ لا مِنْهُمْ وَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ*...* اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ...* يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ....

و أمّا في(12): كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ، فالتّركيز فيها على المبالغة في الحلف دون متعلّقه،فإنّهم يحلفون مهما اقتضى الموقف،مع أنّ الآية مكّيّة نزلت في المشركين دون المنافقين.

ثالثا:جاء الحلف في أكثر الآيات قرينا بالنّفاق، فيخطر بالبال أنّهما حليفان،و أنّ الحلف-و لا سيّما التّكثير منه-آية النّفاق و سمة الكذب إلاّ فيما استثني، فينبغي التّوقّي منه إلاّ عند الضّرورة،مضافا إلى أنّه نوع إهانة باللّه،كما قال: وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ البقرة:224.

قال الآلوسيّ في تفسير كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ:

«و كفى بهذا مزجرة لمن اعتاد الحلف،لأنّه جعل-في الآية-فاتحة المثالب و أساس الباقي،و هو يدلّ على عدم استشعار عظمة اللّه عزّ و جلّ،و هو أمّ كلّ شرّ عقدا و عملا.و ذكر بعضهم أنّ كثرة الحلف مذمومة و لو في الحقّ،لما فيها من الجرأة على اسمه جلّ شأنه...».

رابعا في(1)بحوث:1-جمع فيها بين الأيمان و الحلف ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ و معناهما واحد؟ و وجهه-و اللّه أعلم-أنّ«الأيمان»جمع«يمين»اسم و لم يشتقّ منه الفعل إلاّ نادرا.قال أبو هلال:«و اليمين اسم للقسم مستعار؛و ذلك أنّهم كانوا إذا تقاسموا على شيء تصافقوا بأيمانهم،ثمّ كثر ذلك حتّى سمّي القسم يمينا».

فعبّر عنه ب«الأيمان»،و لمّا أراد اللّه التّعبير عنها بما يصدر في هذا الصّدد من النّاس،أتى بالفعل و قال: إِذا حَلَفْتُمْ، أمّا الكفّارة فلنفس اليمين،كما قال: ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ، و قد كرّرت«الأيمان»في الآية 4 مرّات،فهي محطّ الكلام فيها.[لاحظ ي م ن «الأيمان»]

2-اتّفقوا على أنّ المراد:إذا حلفتم و حنثتم،لأنّ الكفّارة إنّما تجب بالحنث لا بالحلف،و حذف«الحنث» للعلم به،و نظيرها: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ البقرة:184،أي فأفطر.

3-استفاد الفخر الرّازيّ من إِذا حَلَفْتُمْ، أنّ

ص: 534

تقديم الكفّارة قبل اليمين لا يجوز،و أمّا بعد اليمين،و قبل الحنث فيجوز عند الشّافعيّ،و لا يجوز عند أبي حنيفة، و هو الموافق لتقدير«حنثتم»عطفا على(حلفتم).

4-قال أبو البقاء:العامل في(اذا) كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ لأنّ المعنى:ذلك يكفّر أيمانكم وقت حلفكم.

و أشكل عليه«السّمين»بأنّ الكفّارة ليست في وقت الحلف فكيف يعمل في الظّرف ما لا يقع فيه؟ثمّ حلّ هو المشكلة بوجهين:نفي الشّرطيّة عن(اذا)-و هو غير الغالب فيها-و أنّ جوابها محذوف يدلّ عليه ما تقدّم-أو هو نفس المتقدّم عند أبي زيد و الكوفيّين-و التّقدير:إذا حلفتم و حنثتم فذلك كفّارة إثم أيمانكم،كقولهم:«أنت ظالم إن فعلت».و الحقّ أنّ فهم الآية لا يحتاج أصلا إلى طرح هذا البحث،و ليس عندنا بحث في باقي الآيات، فلاحظ النّصوص.

ص: 535

ص: 536

ح ل ق

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مدنيّتين

تحلقوا 1:-1 محلّقين 1:-1

النّصوص اللّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء:حلقة،في الواحد بالتّحريك؛و الجمع:حلق و حلقات.

(الجوهريّ 4:1462)

إنّ«الحلقة»بالفتح لغة في السّكون.

(الفيّوميّ 1:146)

الخليل: الحلق:مساغ الطّعام و الشّراب،و مخرج النّفس من الحلقوم،و موضع المذبح من الحلق أيضا؛ و يجمع على:حلوق.

و حلق فلان فلانا:ضربه فأصاب حلقه.

و الحلق:نبات لورقه حموضة،يخلط بالوسمة للخضاب؛الواحدة:بالهاء.

و الحلقة:من القوم؛و تجمع على:حلق.و منهم من يثقّل،فيقول:حلقة لا يبالي.

و الحلق:الخاتم من فضّة بلا فصّ.

و الحالق:الجبل المنيف المشرف.

و الحالق من الكرم و الشّري و نحوهما:ما التوى منه و تعلّق بالقضبان،لم يعرفوه.

و المحالق:من تعريش الكرم.

و حلق الضّرع يحلق حلوقا فهو حالق:يريد ارتفاعه إلى البطن و انضمامه،و في قول آخر:كثرة لبنه.

و تحلّق القمر:صارت حوله دوّارة.

و المحلّق:موضع حلق الرّأس بمنى.

و حلّق الطّائر تحليقا،إذا ارتفع.

و الحالق:المشئوم يحلق أهله و يقشرهم.

و في شتم المرأة:«حلقى عقرى»،يريد:مشئومة مؤذية.

و المحلّق:اسم رجل.[و استشهد بالشّعر 4

ص: 537

مرّات](3:48)

اللّيث:الحلق:حلق الشّعر.

المحلّق من الإبل:الموسوم بحلقة في فخذه أو في أصل أذنه.و يقال للإبل المحلّقة:حلق.

الحلقة بالتّخفيف:من القوم؛و الجميع:الحلق، و منهم من يقول:حلقة.(الأزهريّ 4:59)

سيبويه :حلاق:معدول عن الحالقة،و إنّما يريد بذلك المنيّة،لأنّها تحلق.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:273)

ابن شميّل: الحالق من الإبل:الشّديدة الحفل، العظيمة الضّرّة،و قد حلقت تحلق حلقا.

(الأزهريّ 4:62)

أبو عمرو الشّيبانيّ: حلّقت عيون الإبل،إذا غارت.(1:149)

المحلق:الوافرة الضّرع.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:200)

الحالق،من الضّأن،و من المعزى:الحافل.(1:

214)

تقول للشّيء،إذا أعجبك و تعجّبت منه:«حلقى عقرى»أيضا،و يقال:احلقي و قومي.(1:215)

حلقة القرط:خرص.

و قال معروف للحلقة:خوق،و هي خوقة و أخواق.

(1:230)

ليس في الكلام حلقة إلاّ قولهم:حلقة للّذين يحلقون المعزى.(الأزهريّ 4:61)

إنّ الواحد:حلقة بالتّحريك؛و الجمع:حلق بالفتح.

(ابن الأثير 1:426)

أبو عبيدة :حلّق ماء الحوض،إذا قلّ و ذهب.

(الأزهريّ 4:63)

أبو زيد :الحلق:موضع الغلصمة و المذبح.

(الأزهريّ 4:58)

حلق قضيب الحمار يحلق حلقا،إذا احمرّ و تقشّر.

(الأزهريّ 4:60)

و قال ثور النّمريّ: يكون ذلك من داء ليس له دواء إلاّ أن يخصى،فربّما سلم و ربّما مات.

نحوه أبو عبيد.(ابن سيده 3:9)

يقال:وفّيت حلقة الحوض توفية،و الإناء كذلك.

و حلقة الإناء:ما بقي بعد أن تجعل فيه من الشّراب و الطّعام إلى نصفه،فما كان فوق النّصف أعلاه فهو الحلقة.

[ثمّ استشهد بشعر]

الحلق:المال الكثير.يقال:جاء فلان بالحلق.

(الأزهريّ 4:61)

عنز محلوقة،و شعر حليق،و لحية حليق،و لا يقال:

حليقة.(الجوهريّ 4:1464)

الأصمعيّ: يقال عند الأمر يعجب منه:خمشى و عقرى و حلقى،كأنّه من العقر و الحلق و الخمش.

يقال:اشتريت كساء محلقا،إذا كان خشنا يحلق الشّعر من الجسد.

حلقة:من النّاس،و من حديد؛و الجميع:حلق، مثل بدرة و بدر،و قصعة و قصع.

ص: 538

الحالق:الجبل المنيف المشرف.

أصبحت ضرّة النّاقة حالقا،إذا قاربت الملء و لم تفعل.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(الأزهريّ 4:59-64)

أبو عبيد: [في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم]لصفيّة ابنة حييّ حين قيل له يوم النّفر:إنّها حائض،فقال:«عقرا حلقا ما أراها إلاّ حابستنا».فأصل هذا معناه:عقرها اللّه و حلقها،و قوله:عقرها اللّه،بمعنى عقر جسدها،و حلقها بمعنى أصابها وجع في حلقها.

هذا كما يقال:قد رأس فلان فلانا،إذا ضرب رأسه،و صدره إذا أصاب صدره،و كذلك حلقه،إذا أصاب حلقه.إنّما هو عندي عقرا و حلقا،و أصحاب الحديث يقولون:عقرى حلقى.(1:258)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا حمى إلاّ في ثلاث:ثلّة البئر،و طول الفرس،و حلقة القوم».

قوله:و حلقة القوم،يعني أن يجلس الرّجل في وسط الحلقة فلهم أن يحموها أن لا يجلس في وسطها أحد.و منه حديث حذيفة:«الجالس في وسط الحلقة ملعون».

و يقال:هو تخطّي الحلقة.(1:359)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 1:172)

أختار في حلقة الحديد،فتح اللاّم و يجوز الجزم، و أختار في حلقة القوم الجزم،و يجوز التّثقيل.

(الأزهريّ 4:60)

الحلقة:اسم يجمع السّلاح و الدّروع و ما أشبهها.

و سكّين حالق و حاذق،أي حديد.

و حلّق المكّوك،إذا بلغ ما يجعل فيه حلقة.

و الدّروع تسمّى:حلقة.(الأزهريّ 4:64)

ابن الأعرابيّ: الحلق:الشّؤم.

الحلقة:الضّروع المرتفعة.

أعطي فلان الحلق،أي خاتم الملك يكون في يده.

[ثمّ استشهد بشعر]

الحلق:الأهوية بين السّماء و الأرض؛واحدها:

حالق.

الحلّق:الضّروع المرتفعة.

«هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أيّها طرفها»يضرب مثلا للقوم إذا كانوا مجتمعين مؤتلفين،كلمتهم و أيديهم واحدة،لا يطمع عدوّهم فيهم،و لا ينال منهم.

حلّق،إذا أوجع،و حلق،إذا وجع.

(الأزهريّ 4:58-64)

في الحديث:«من فكّ حلقة فكّ اللّه عنه حلقة يوم القيامة»أي أعتق مملوكا،مثل قوله تعالى: فَكُّ رَقَبَةٍ البلد:13.(المدينيّ 1:489)

ابن السّكّيت: و الحلق:الواحد من الحلوق، و الحلق:مصدر حلقت الشّيء حلقا.

و الحلق:المال الكثير،و الحلق أيضا:خاتم الملك.

[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:12)

هي حلقة الباب،و حلقة القوم؛و الجمع:حلق و حلاق.(الأزهريّ 4:61)

يقال:قد أكثر فلان من الحولقة،إذا أكثر من قول:

لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه.(الأزهريّ 4:64)

ص: 539

شمر:روى أبو عبيد:عقرا حلقا.فقلت له:لم أسمع هذا إلاّ عقرى حلقى،فقال:لكنّي لم أسمع«فعلى»على الدّعاء.

فقلت له:قال ابن شميّل:إنّ صبيان البادية يلعبون و يقولون:مطّيرى على«فعّيلى»،و هو أثقل من حلقى.

قال:فصيّره في كتابه على وجهين منوّنا و غير منوّن.

[إلى أن قال:]

يقال:أتان حلقيّة،إذا تداولتها الحمر فأصابها داء في رحمها.[إلى أن قال:]

روي عن أنس بن مالك أنّه قال:«كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يصلّي العصر،و الشّمس بيضاء محلّقة،فأرجع إلى أهلي فأقول:صلّوا».

محلّقة،قال أسيد:تحليق الشّمس من أوّل النّهار:

ارتفاعها من المشرق،و من آخر النّهار:انحدارها.

لا أرى التّحليق إلاّ الارتفاع في الهواء.يقال:حلّق النّجم،إذا ارتفع،و حلّق الطّائر في كبد السّماء،إذا ارتفع.

و في حديث آخر:«فحلّق ببصره إلى السّماء»أي رفع البصر إلى السّماء،كما يحلّق الطّائر إذا ارتفع في الهوى،و منه الحالق:الجبل المشرف.

و حلّق الحوض:ذهب ماؤه،و حلّقت عين البعير، إذا غارت.

و حلّق الطّائر،إذا ارتفع في الهواء.[إلى أن قال:]

روي في الحديث:«دبّ إليكم داء الأمم البغضاء و هي الحالقة»قال خالد بن جنبة:الحالقة:قطيعة الرّحم و التّظالم و القول السّيّئ.

و يقال:«وقعت فيهم حالقة لا تدع شيئا إلاّ أهلكته».و الحالقة:السّنة الّتي تحلق كلّ شيء.

و القوم يحلق بعضهم بعضا،إذا قتل بعضهم بعضا.

و المرأة إذا حلقت شعرها عند المصيبة:حالقة و حلقى.و مثل للعرب«لأمّك الحلق و لعينك العبر».

و الحالقة:المنيّة،و تسمّى حلاق.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](الأزهريّ 4:59-64)

الدّينوريّ: يقال:حلّق البسر،و هي الحواليق، بثبات الياء.(ابن سيده 3:5)

و الحلق:شجر ينبت نبات الكرم يرتقي في الشّجر، و له ورق شبيه بورق العنب،حامض يطبخ به اللّحم، و له عناقيد صغار كعناقيد العنب البرّيّ،يحمرّ ثمّ يسودّ فيكون مرّا،و يؤخذ ورقه فيطبخ،و يجعل ماؤه في العصفر فيكون أجود له من حبّ الرّمّان؛واحدته:

حلقة.(ابن سيده 3:10)

الحربيّ: «مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بحمار عقير أصابه عقر و لم يمت».[ثمّ استشهد بشعر]

و قال:«عقرى حلقى».يقال هذا للمرأة إذا وصفت بخلاف،و عند أمر يذمّ،و كأنّ عقرى عقرت في جسدها،و حلقى:أصابها وجع في حلقها،مثل سكرى من السّكر،و عطشى من العطش،و قال اللّه تعالى:

(و ترى النّاس سكرى و ما هم بسكرى).(3:1000)

في الحديث:«أنّه نهى عن حلق الذّهب»هي جمع حلقة،و هي خاتم بلا فصّ.(المدينيّ 1:488)

المبرّد: أختار في حلقة الحديد و حلقة النّاس

ص: 540

التّخفيف،و يجوز فيهما التّثقيل؛و الجمع:حلق.

(الأزهريّ 4:61)

ثعلب :[نقل قول أبي عمرو ابن العلاء ثمّ قال:]

كلّهم يجيزه على ضعفه.[ثمّ استشهد بشعر]

(الجوهريّ 4:1462)

كراع النّمل:و حلق اللّبن:ذهب،و الحالق:الّتي ذهب لبنها.(ابن سيده 3:9)

ابن دريد :و الحلقة:جمع الحالق الّذي يحلق الشّعر و غيره.و الحلق بكسر الحاء:خاتم الملك.

و حلّق الطّائر في الهواء تحليقا،إذا ارتفع.

و هوى من حالق،أي من علو إلى سفل.

و حلّق ضرع النّاقة،إذا ارتفع لبنها فهو حالق.

و حلق غرمول الفرس و الحمار يحلق،إذا كان فيه بياض شبيه بالبرص.

و يقال للسّنة المجدبة:حلاق يا هذا،معدول عن جهته،مثل حذام.و المنيّة أيضا تسمّى حلاق.

و الحلق:معروف،حلق الإنسان و غيره.

و الحلق أيضا مصدر:حلقت الشّيء أحلقه حلقا نحو الشّعر و غيره.

و جاء فلان بالحلق،إذا جاء بالمال الكثير.

و رطبة حلقانة،إذا أرطبت من حلقها.

و رأس حليق،في معنى محلوق.

و المحلّق:رجل معروف،و هو الّذي مدحه الأعشى.

و الحلقة:وسم نعم لبني زرارة.

و حلاقة كلّ شيء:ما سقط منه.

و الحولق:وجع يصيب الإنسان في حلقه،و ليس بثبت.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:180)

«عقرى حلقى»كلمتان يدعى بهما على الإنسان، و قد تكلّم بهما النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بعض مغازيه.(3:367)

أبو مالك:حلقة الحوض:امتلاؤه،و حلقته أيضا:

دون الامتلاء.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:61)

الأزهريّ: يقال:حلق فلان فلانا،إذا ضربه فأصاب حلقه.[إلى أن قال:]

و في حديث آخر:«ليس منّا من سلق أو حلق أو خرق»أي ليس من سنّتنا رفع الصّوت في المصائب و لا حلق الشّعر و لا خرق الثّياب.

و يقال:حلق معزاه،إذا أخذ شعرها،و جزّ ضأنه، و هي معزى محلوقة و حليق.[و نقل قول ابن شميّل ثمّ قال:]

قلت:الحالق من نعت الضّروع،جاء بمعنيين متضادّين:فالحالق المرتفع المنضمّ إلى البطن لقلّة لبنه، و الحالق:الضّرع الممتلئ.[ثمّ استشهد بشعر،و نقل كلام الخليل في معنى الحالق ثمّ قال:]

قلت:كلّ ذلك مأخوذ من استدارته كالحلقة.

و حلّقت عين البعير،إذا غارت.

و حلّق الإناء من الشّراب،إذا امتلأ إلاّ قليلا.

يقال:لا تفعل ذاك أمّك حالق،أي أثكل اللّه أمّك بك حتّى تحلق شعرها.

و يقال:لحية حليق،و لا يقال:حليقة.(4:58)

ص: 541

الصّاحب:الحلق:مساغ الطّعام و الشّراب في المريء و الحلقوم؛و جمعه:حلوق و حلق.

و حلقه:ضربه فأصاب حلقه.

و الحلق:في الشّعر،و جمع حالق الرّأس:حلقة،مثل كاتب و كتبة.

و المحالق من الثّياب:الأكسية الّتي تحلق الشّعر من خشونتها؛الواحد:محلق.

و عنز محلوقة:جزّ شعرها.و هذه حلاقة المعزى.

و المحلّق:موضع حلق الرّأس بمنى.

و الحلق:نبات لورقه حموضة يخلط بالوسمة للخضاب؛الواحدة:حلقة.

و الحالق:المشئوم،و الحالوقة:مثله،يحلق قومه:

يقشرهم.و في الشّتم للمرأة:«عقرى حلقى»أي مشئومة،مؤذية؛و عقرا حلقا-منوّن-و قيل:يراد حلقها اللّه و عقرها.

و«سقوا بكأس حلاق»أي بكأس المنيّة الحالقة.

و لأمّه الحلق:يعني حلق الرّأس.

و الحالوقة:المشئوم أيضا.

و الحلقة بالتّخفيف:حلقة القوم؛و الجميع:الحلق، و منهم من يثقّله.

و قيل:الحلقة:من القوم مخفّفة،و الحلقة:من الحديد مثقّلة.

و كان للنّعمان درع يسمّيها:الحلقة.

و السّلاح كلّه يسمّى:الحلقة.

و الحلاق:جمع حلقة القيد.

و حلقة الباب،و حلقة:لغة لبلحرث.

و الحلق:الخاتم من فضّة بلا فصّ،و هو المال الكثير، و جاء بالحلق.

و حلوق الأرض:مجاريها و أوديتها و مضايقها.

و الحالق:الجبل المنيف،و هو من الكرم:ما تعلّق بالقضبان.

و المحالق:من تعاريش الكرم.

و حلق الضّرع يحلق حلوقا:ارتفع إلى البطن و انضمّ.و الحالق:الضّرع نفسه.

و حلّق الطّائر تحليقا:ارتفع في الهواء.

و تحلّق القمر:صارت فوقه دوّارة.

و وفّيت حلقة الحوض و الإناء،و هو ما بقي منه بعد أن يجعل فيه الماء إلى نصفه فما فوقه،و النّصف إلى أعلاه:

حلقة،و في الإناء:هو البقيّة الصّالحة.

و حلّق الماء:قلص و غار.

و حلق قضيب الحمار يحلق حلقا:احمرّ و تقشّر، و حلق الفرس:سفد فأصابه ذلك،و فرس حلق:منتفخ الخصية.

و رطب محلّق،إذا نضج بعضه و لم ينضج البعض.

و شاة محلّق:مهزولة.

و شربت صواحا فحلّق بي،أي نفخ بطني.

و محلّق:اسم رجل في قول الأعشى.

و الحلق:سمة من سمات الإبل،إبل محلّقة.

و الحلقة:الكرّ الّذي يصعد به النّخل.

و انتزعت حلقته:كأنّه سبقه.

ص: 542

و يقال للصّبيّ المحبوب إذا تجشّأ:حلقة و كبرة و شحمة في السّرّة:أي حلق رأسك حلقة بعد حلقة حتّى تكبر.

و أكثرت من الحولقة،أي من قول:لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه.

و الحولق:من أسماء الدّاهية،و كذلك حيلق.

و سيف حالوقة،و رجل حالوق:ماض.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:354)

الجوهريّ: الحلقة بالتّسكين:الدّروع،و كذلك حلقة الباب،و حلقة القوم؛و الجمع:الحلق،على غير قياس.

و الحلق:الحلقوم؛و الجمع:الحلوق.

و الحلق بالكسر:خاتم الملك (1).

و الحلق أيضا:المال الكثير.يقال:جاء فلان بالحلق و الإحراف.

و تحليق الطّائر:ارتفاعه في طيرانه.

و إبل محلّقة:و سمها الحلق.

و المحلّق بكسر اللاّم:اسم رجل من ولد أبي بكر ابن كلاب،من بني عامر.

و كساء محلق بكسر الميم،إذا كان كأنّه يحلق الشّعر من خشونته.

و الحالق:الضّرع الممتلئ،كأنّ اللّبن فيه إلى حلقه.

و الجمع:حلّق و حوالق.

و الحالق من الكرم:ما التوى منه و تعلّق بالقضبان.

و الحالق:الجبل المرتفع.و يقال:جاء من حالق،أي من مكان مشرف.

و قولهم:لا تفعل ذاك أمّك حالق،أي أثكلها اللّه حتّى تحلق شعرها.

قال أبو نصر أحمد بن حاتم:يقال عند الأمر يعجب منه:خمشى عقرى حلقى!كأنّه من الحلق و العقر و الخمش،و هو الخدش.[إلى أن قال:]

و حلّقوا رءوسهم،شدّد للكثرة.

و الاحتلاق:الحلق.يقال حلق معزه،و لا يقال:

جزّه،إلاّ في الضّأن.

و حلاق:اسم للمنيّة،مثال قطام،بنيت على الكسر،لأنّه حصل فيها العدل و التّأنيث و الصّفة الغالبة،و هي معدولة عن حالقة.

و حلاقة المعزى بالضّمّ:ما حلق من شعره.

و الحلاق أيضا:وجع في الحلق.

و يقال:إنّ رأسه لجيّد الحلاق بالكسر.

و تحلّق القوم:جلسوا حلقة حلقة.

و حلق الفرس و الحمار بالكسر يحلق حلقا،إذا سفد فأصابه فساد في قضيبه من تقشّر و احمرار،فيداوى بالخصاء.

و يوم تحلاق اللّمم:يوم لتغلب على بكر ابني وائل، لأنّ الحلق كان شعارهم يومئذ.

و الحلقان بالضّمّ:البسر إذا بلغ الإرطاب ثلثيه، و كذلك المحلقن.و البسرة الواحدة:حلقانة و محلقنة.لك

ص: 543


1- في كتب اللّغة:خاتم الملك

[و استشهد بالشّعر 9 مرّات](4:1462)

ابن فارس: الحاء و اللاّم و القاف أصول ثلاثة:

فالأوّل:تنحية الشّعر عن الرّأس،ثمّ يحمل عليه غيره.

و الثّاني:يدلّ على شيء من الآلات مستدير.

و الثّالث:يدلّ على العلوّ.

فالأوّل:حلقت رأسي أحلقه حلقا.و يقال للأكسية الخشنة الّتي تحلق الشّعر من خشونتها:محالق.

و يقولون:احتلقت السّنة المال،إذا ذهبت به.

و من المحمول عليه حلق قضيب الحمار،إذا احمرّ و تقشّر.و قيل:إنّما قيل:«حلق»لتقشّره،لا لاحمراره.

و الأصل الثّاني:الحلقة حلقة الحديد.فأمّا السّلاح كلّه فإنّما يسمّى الحلقة.

و الحلق:خاتم الملك،و هو لأنّه مستدير.

و إبل محلّقة:وسمها الحلق.

و الأصل الثّالث:حالق:مكان مشرف.يقال:

حلّق،إذا صار في حالق.

يقال:حلّقت به المغرب،كما يقال:شالت نعامته.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:98)

ابن سيده: الحلق،مساغ الطّعام و الشّراب؛ و الجمع القليل:أحلاق،و الكثير:حلوق و حلق، الأخيرة عزيزة.

و حلقه يحلقه حلقا:أصاب حلقه.و حلق:شكا حلقه،يطّرد عليهما باب.

و الحلقوم:كالحلق،«فعلوم»عند الخليل و«فعلول» عند غيره،و سيأتي.

و حلوق الأرض:مجاريها و أوديتها،على التّشبيه بالحلوق الّتي هي مساوغ الطّعام و الشّراب،و كذلك حلوق الأودية و الحياض.

و حلّق الإناء من الشّراب:امتلأ إلاّ قليلا،كأنّ ما فيه من الماء انتهى إلى حلقه،و وفّى حلقة حوضه،و ذلك إذا قارب أن يملأه إلى حلقه.

و حلق التّمرة و البسرة:منتهى ثلثها،كأنّ ذلك موضع الحلق منها.

و بسرة حلقانة:بلغ الإرطاب حلقها،و قيل:هي الّتي بلغ الإرطاب قريبا من التّفروق من أسفلها؛و الجمع:

حلقان.

و محلقنة:كحلقانة؛و الجمع:محلقن.

و قال أبو حنيفة:يقال:حلّق البسر،و هي الحواليق بثبات الياء.و هذا إنّما هو عندي على النّسب؛إذ لو كان على الفعل لقال:محاليق،و أيضا فإنّي لا أدري ما وجه ثبات الياء في حواليق.

و الحلق في الشّعر من النّاس و المعز،كالجزّ في الصّوف،حلقه يحلق حلقا فهو حالق و حلاّق،و حلّقه و احتلقه.

و رأس حليق:محلوق.

و الحلاقة:ما حلق منه،يكون ذلك في النّاس و المعز.

و الحليق:الشّعر المحلوق؛و الجمع:حلاق.و قد احتلق بالموسى و غيرها.

ص: 544

و المحلق:الكساء الّذي يحلق فيه الشّعر من خشونته.

و ضرع حالق:ضخم يحلق شعر الفخذين من ضخمه.

و قالوا:«بينهم احلقي و قومي»أي بينهم بلاء و شدّة،و هو من حلق الشّعر،كأنّ النّساء يئمن فيحلقن شعورهنّ.

و ممّا يدعى به على المرأة:عقرى حلقى،و عقرا حلقا:فأمّا عقرى و عقرا،فقد تقدّم.و أمّا حلقى و حلقا، فمعناه أنّه دعي عليها بأن تئيم فتحلق شعرها.

و قيل:معناه أوجع اللّه حلقها،و ليس بقويّ.

و قيل:معناه أنّها مشئومة،و لا أحقّه.

و جبل حالق:لا نبات فيه،كأنّه حلق،و هو فاعل بمعنى مفعول.

و قيل:الحالق من الجبال:المنيف المشرف،و لا يكون إلاّ مع عدم نبات.

و الحلقة:كلّ شيء استدار كحلقة الحديد و الفضّة و الذّهب،و كذلك هو من النّاس؛و الجمع:حلاق على الغالب،و حلق على النّادر،كهضبة و هضب.

و الحلق عند سيبويه:اسم للجمع و ليس بجمع،لأنّ «فعلة»ليست ممّا يكسّر على«فعل».

و نظير هذا ما حكاه من قولهم:فلكة و فلك.

و قد حكى سيبويه في«الحلقة»فتح اللاّم،و أنكرها ابن السّكّيت و غيره.فعلى هذه الحكاية«حلق»جمع حلقة،و ليس حينئذ اسم جمع،كما كان ذلك في حلق الّذي هو اسم لجمع حلقة.

و لم يحمل سيبويه حلقا إلاّ على أنّه جمع حلقة بسكون اللاّم،و إن كان قد حكى حلقة بفتحها.

و قال اللّحيانيّ: حلقة الباب و حلقته بإسكان اللاّم و فتحها.و قال كراع:حلقة القوم و حلقتهم.

و حكى الأمويّ: حلقة القوم بالكسر،قال:و هي لغة بني الحارث بن كعب.و جمع الحلقة:حلق و حلق و حلاق.

فأمّا حلق فهو بابه.و أمّا حلق فإنّه اسم لجمع حلقة،كما كان اسما لجمع حلقة.

و أمّا حلاق فنادر،لأنّ«فعالا»ليس ممّا يغلب على جمع«فعلة».

و أمّا قول العرب:«التقت حلقتا البطان»بغير حذف ألف«حلقتا»لسكونها و سكون اللاّم،فإنّهم جمعوا فيه بين ساكنين في الوصل غير مدغم أحدهما في الآخر.

و على هذا قراءة نافع: (محياي و مماتي) بسكون ياء محياي،لكنّها ملفوظ بها ممدودة،و هذا مع كون الأوّل منهما حرف مدّ.

و في الرّحم حلقتان:إحداهما على فم الفرج عند طرفه،و الأخرى الّتي تنضمّ على الماء و تنفتح للحيض، و قيل:إنّما الأخرى الّتي يبال منها.

و حلّق القمر:صار حوله دارة كالحلقة.

و ضربوا بيوتهم حلاقا،أي صفّا واحدا حتّى كأنّها حلقة.

و حلّق الطّائر،إذا ارتفع في الهواء و استدار.

ص: 545

و المحلّق:اسم رجل سمّي بذلك،لأنّ فرسه عضّته في وجهه،فتركت فيه أثرا على شكل الحلقة.

و الحلقة:اسم لجملة السّلاح،و إنّما ذلك لمكان الدّروع،غلّبوا هذا النّوع من السّلاح،أعني الدّروع لشدّة غنائه.

و يدلّك على أنّ المراعى في هذا إنّما هي الدّروع أنّ النّعمان قد سمّى دروعه:حلقة.

و الحلق الخاتم من الفضّة بغير فصّ.و الحلق خاتم الملك.

و الحلق:المال الكثير.

و ناقة حالق:حافل؛و الجمع:حوالق و حلّق.

و الحالق:الضّرع الممتلئ لذلك.و قال أبو عبيد:هو الضّرع،و لم يحلّه.

و عندي أنّه الممتلئ،و الجمع كالجمع.

و حلق الضّرع يحلق حلوقا:ذهب لبنه.و قيل:

حلوقه:ارتفاعه إلى البطن و انضمامه.

و الحالق:الضّامر،و الحالق:السّريع الخفيف.

الحلاق:صفة سوء و هو منه،كأنّ متاع الإنسان يفسد فتعود حرارته إلى ما هنالك.

و الحلاق في الأتان:أن لا تشبع من السّفاد و لا تعلق مع ذلك،و هو منه.

و حلق الشّيء يحلقه حلقا:قشره.

و الحالق:المشئوم على قومه،كأنّه يحلقهم،أي يقشرهم.

و حلاق:المنيّة،معدولة عن الحالقة،لأنّها تحلق، أي تقشر.

و حلاق:السّنة المجدبة،كأنّها تقشر النّبات.

و الحالوق:الموت.لذلك.

و الحلّق:نبات لورقه حموضة،يخلط بالوسمة للخضاب؛الواحدة:حلّقة.

و الحالق من الكرم و نحوه:ما التوى و تعلّق بالقضبان.

و المحالق و المحاليق:ما تعلّق بالقضبان من تعاريش الكرم.

و الحولق و الحيلق:من أسماء الدّاهية.

و الحلائق:مواضع.[و استشهد بالشّعر 14 مرّة]

(3:4)

الطّوسيّ: يقال:حلق يحلق حلقا،و حلّق تحليقا، و انحلق انحلاقا.

و الحلق:مجرى الطّعام،و الشّراب في المريء.

و الحلقة:حلقة القوم،و حلقة الحديد.

و الحلقة:السّلاح،و يقال أيضا بالتّخفيف.

و حلّق الطّائر في الهواء،إذا ارتفع.

و هوى من حالق،أي من علو إلى سفل.

و حلّق ضرع النّاقة،إذا ارتفع لبنها.

و حلاق:المنيّة.

و جاء بالحلق،إذا جاء بالمال الكثير.

و المحلق:محلق الشّعر كالموسى.

و حلوق الأرض:مجاريها في أوديتها.

و المحلّق:موضع حلق الرّأس بمنى.

ص: 546

و أصل الباب:الاستمرار.(2:157)

نحوه الطّبرسيّ.(1:290)

الرّاغب: الحلق:العضو المعروف،و حلقه:قطع حلقه،ثمّ جعل الحلق لقطع الشّعر و جزّه،فقيل:حلق شعره،قال اللّه تعالى: وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ البقرة:

196،و قال تعالى: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ الفتح:27.

و رأس حليق و لحية حليق.

و«عقرى حلقى»في الدّعاء على الإنسان،أي أصابته مصيبة تحلق النّساء شعورهنّ،و قيل:معناه قطع اللّه حلقها.

و قيل للأكسية الخشنة الّتي تحلق الشّعر بخشونتها:

محالق.

و الحلقة سمّيت تشبيها بالحلق في الهيئة.و قيل:

حلقة.و قال بعضهم:لا أعرف الحلقة إلاّ في الّذين يحلقون الشّعر.

و إبل محلّقة:سمتها حلق.

و اعتبر في الحلقة معنى الدّوران فقيل:حلقة القوم.

و قيل:حلّق الطّائر،إذا ارتفع و دار في طيرانه.

(129)

الزّمخشريّ: «هم كالحلقة المفرغة».و حلّق حلقة،إذا أدار دائرة.

و حلق الحلاّق رأسه،و احتلق الرّجل.

و هم حلقة الحمّام.

و رمى بالحلاقة.

و إذا تجشّأ الصّبيّ قالوا:حلقة و كبرة و شحمة في السّرة،أي بقيت حتّى يحلق رأسك و تكبر.و أخذ بحلقه،و بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ الواقعة:83.

و لأمّك الحلق،أي حلق الرّأس،بوزن الثّكل و العبر.

و من المجاز:كساء محلق:خشن،و أكسية محالق.

و احتلقت النّورة الشّعر.

و احتلقت السّنة المال،و حلقتهم حلاق،أي السّنة الحالقة.و سقوا بكأس حلاق،و هو الموت.

و كنت في حلقة القوم.و قعدوا حلقا.و لهم الحلقة.

و الكراع:و الحلقة.

و وقعت النّطفة في حلقة الرّحم،و هي بابها.

وضع رجليك في حلقته،أي استأسر مكانه.

و حلّق على اسم فلان،أي أبطل رزقه.و أعطي الحلق،أي امّر.

و أخذوا في حلوق الطّرق،و هي مضايقها.

و حلّق الطّائر في الهواء.

و حلّق الإناء:دنا من الامتلاء،و هو أن يمتلئ إلى حلقه،يقال:مكّوك واف و محلّق.

و حلّق الحوض،و في الحوض حلقة من ماء.

و يقولون:حلّق ماء الحوض و عرّد،أي ترادّ عن تمام الملء إلى ما دونه.

و ضرع حالق:ممتلئ.

و هوى من حالق،أي هلك.

و الحالق:الجبل المنيف،و هو من تحليق الطّائر،أو

ص: 547

من البلوغ إلى حلق الجوّ.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات]

(أساس البلاغة:93)

و فيه...:«إنّ كفّار قريش كتبوا إلى اليهود إنّكم أهل الحلقة و الحصون...»الحلقة:الدّروع.

(الفائق 2:304)

[نقل كلام أبي عبيد في شرح حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ثمّ قال:]

و قال أبو عبيد:الصّواب«عقرا حلقا»أي عقر جسدها و أصيبت بداء في حلقها.

و قال سيبويه:يقال:عقّرته،أي قلت له:عقرا، و هذا نحو سقّيته و فدّيته.

و يحتمل أن تكونا مصدرين على«فعلى»بمعنى العقر و الحلق،كما قيل:الشّكوى للشّكو،و دغرى لا صفّى، بمعنى دغرا،ادغروا و لا تصفّوا صفّا.(الفائق 3:10)

ابن الأثير: في الحديث:«حلّق الطّائر في جوّ السّماء»أي صعد.

و منه الحديث الآخر:«فحلّق ببصره إلى السّماء»أي رفعه.

و الحديث الآخر:«أنّه نهى عن بيع المحلّقات»أي بيع الطّير في الهواء.

و في حديث المبعث:«فهممت أن أطرح نفسي من حالق»أي من جبل عال.

و في حديث عائشة:«فبعثت إليهم بقميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فانتحب النّاس،قال:فحلّق به أبو بكر إليّ و قال:

تزوّد منه و اطوه (1)»أي رماه إليّ.

و فيه:«أنّه نهى عن الحلق قبل الصّلاة»،و في رواية:«عن التّحلّق».أراد:قبل صلاة الجمعة.

الحلق بكسر الحاء و فتح اللاّم:جمع الحلقة،مثل قصعة و قصع،و هي الجماعة من النّاس مستديرون كحلقة الباب و غيره.و التّحلّق«تفعّل»منها،و هو أن يتعمّدوا ذلك...

و منه الحديث الآخر:«لا تصلّوا خلف النّيام و لا المتحلّقين»أي الجلوس حلقا حلقا.

و منه الحديث:«من أحبّ أن يحلّق جبينه حلقة من نار فليحلّقه حلقة من ذهب».

و منه حديث يأجوج و مأجوج:«فتح اليوم من ردم يأجوج و مأجوج مثل هذه،و حلّق بإصبعيه الإبهام و الّتي تليها،و عقد عشرا»أي جعل إصبعيه كالحلقة.

و عقد العشر من مواضعات الحسّاب،و هو أن يجعل رأس إصبعه السّبّابة في وسط إصبعه الإبهام،و يعملها كالحلقة.

و منه الحديث:«و إنّ لنا أغفال الأرض و الحلقة» و قد تكرّرت في الحديث.

و فيه:«ليس منّا من صلق أو حلق»أي ليس من أهل سنّتنا من حلق شعره عند المصيبة إذا حلّت به.

و منه الحديث:«لعن من النّساء الحالقة و السّالقة و الخارقة».و قيل:أراد به الّتي تحلق وجهها للزّينة.

و منه حديث الحجّ:«اللّهمّ اغفر للمحلّقين،قالها..

ص: 548


1- و الظّاهر كما في«اللّسان»:قالت:...و قال:تزوّدي...

ثلاثا».

المحلّقون:الّذين حلقوا شعورهم في الحجّ أو العمرة.و إنّما خصّهم بالدّعاء دون المقصّرين-و هم الّذين أخذوا من أطراف شعورهم،و لم يحلقوا-لأنّ أكثر من أحرم مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكن معهم هدي،و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد ساق الهدي،و من معه هدي فإنّه لا يحلق حتّى ينحر هديه.فلمّا أمر من ليس معه هدي أن يحلق و يحلّ،وجدوا في أنفسهم من ذلك،و أحبّوا أن يأذن لهم في المقام على إحرامهم حتّى يكملوا الحجّ.و كانت طاعة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أولى لهم،فلمّا لم يكن لهم بدّ من الإحلال كان التّقصير في نفوسهم أخفّ من الحلق،فمال أكثرهم إليه، و كان فيهم من بادر إلى الطّاعة و حلق و لم يراجع، فلذلك قدّم المحلّقين و أخّر المقصّرين.

و فيه«دبّ إليكم داء الأمم قبلكم البغضاء،و هي الحالقة».

الحالقة:الخصلة الّتي من شأنها أن تحلق،أي تهلك و تستأصل الدّين،كما يستأصل الموسى الشّعر.و قيل:

هي قطيعة الرّحم و التّظالم.

و فيه:«أنّه قال لصفيّة:عقرى حلقى»أي عقرها اللّه و حلقها،يعني أصابها وجع في حلقها خاصّة.و هكذا يرويه الأكثرون غير منوّن،بوزن«غضبى»حيث هو جار على المؤنّث.و المعروف في اللّغة:التّنوين،على أنّه مصدر فعل متروك اللّفظ،تقديره:عقرها اللّه عقرا و حلقها حلقا.

و يقال:للأمر يعجب منه:عقرا حلقا،و يقال أيضا للمرأة إذا كانت مؤذية مشئومة.

و من مواضع التّعجّب قول أمّ الصّبيّ الّذي تكلّم:

عقرى!أو كان هذا منه؟!(1:426)

عبد اللّطيف البغداديّ: التّحليق:الارتفاع في الهواء.يقال:حلّق الطّائر في كبد السّماء،إذا استدار كالحلقة،و ارتفع في طيرانه.و حلّق النّجم:ارتفع، و حلّق ببصره نحو السّماء:رفعه.

و الحالق:الجبل المشرف.

و ليس التّحليق رميك الشّيء من علو إلى سفل.(ذيل فصيح ثعلب:7)

الفيّوميّ: حلق:شعره حلقا،من باب«ضرب» و حلاقا بالكسر.و حلّق بالتّشديد مبالغة و تكثير.

و الحلق من الحيوان؛جمعه:حلوق،مثل فلس و فلوس،و هو مذكّر.

قال ابن الأنباريّ: و يجوز في القياس أحلق مثل أفلس،لكنّه لم يسمع من العرب،و ربّما قيل:حلق بضمّتين،مثل رهن و رهن...

و حلقة الباب بالسّكون من حديد و غيره،و حلقة القوم:الّذين يجتمعون مستديرين.و الحلقة:السّلاح كلّه؛و الجمع حلق بفتحتين،على غير قياس.

عن أبي عمرو ابن العلاء:أنّ الحلقة بالفتح لغة في السّكون،و على هذا فالجمع بحذف الهاء قياس،مثل قصبة و قصب.

و جمع ابن السّراج بينهما،و قال:فقالوا:حلق،ثمّ خفّفوا الواحد حين ألحقوه الزّيادة و غيّر المعنى.قال:

ص: 549

و هذا لفظ سيبويه،و في الدّعاء:«حلقا له و عقرا»أي أصابه اللّه بوجع في حلقه و عقر في جسده،و المحدّثون يقولون:«حلقى عقرى»بألف التّأنيث.

و قال السّرقسطيّ: عقرت المرأة قومها:آذتهم، فهي عقرى.فجعلها اسم فاعل بمنزلة:غضبى و سكرى.

و على هذا فالتّنوين لصيغة الدّعاء و هو غير مراد،و ألف التّأنيث لأنّها اسم فاعل،فهما بمعنيين.(1:146)

الفيروزآباديّ: الحلقة:الدّرع،و الحبل،و من الإناء:ما بقي خاليا بعد أن جعل فيه شيء،و من الحوض:امتلاؤه أو دونه،و سمة في الإبل.

و الحلق،محرّكة:الإبل الموسومة بها،كالمحلّقة، و حلقة الباب،و القوم،و قد تفتح لامهما و تكسر،أو ليس في الكلام حلقة،محرّكة،إلاّ جمع حالق،أو لغة ضعيفة.جمعه:حلق،محرّكة،و كبدر و حلقات،محرّكة، و تكسر الحاء.

و للرّحم حلقتان:حلقة على فم الفرج عند طرفه، و الحلقة الأخرى تنضمّ على الماء،و تنفتح للحيض.

و انتزعت حلقته:سبقته.

و قولهم للصّبيّ إذا تجشّأ:حلقة،أي حلق رأسك حلقة بعد حلقة.

و حلق رأسه يحلقه حلقا و تحلاقا:أزال شعره كحلّقه و احتلقه.

و رأس جيّد الحلاق،ككتاب،و لحية حليق لا حليقة.

و كنصره:أصاب حلقه،و الحوض ملأه،كأحلقه، و الشّيء:قدّره.

و حلوق الأرض:مجاريها و أوديتها و مضايقها.

و يوم تحلاق اللّمم لتغلب،لأنّ شعارهم كان الحلق.

و الحالقة:قطيعة الرّحم،و الّتي تحلق شعرها في المصيبة.

و الحالق:الممتلئ،و الضّرع،و من الكرم ما التوى منه،و تعلّق بالقضبان،و الجبل المرتفع،و المشئوم، كالحالقة.

و الحلق:الشّؤم،و الحلقوم،و شجر كالكرم،يجعل ماؤه في العصفر،فيكون أجود من ماء حبّ الرّمّان،أو تجمع عيدانها و تلقى في تنّور سكن ناره،فتصير قطعا سودا كالكشك البابليّ،حامض جدّا،يقمع الصّفراء، و يسكّن اللّهيب.

و سيف حالوقة:ماض،و كذا رجل.

و حلق الفرس و الحمار:كفرح:سفد فأصابه فساد في قضيبه من تقشّر و احمرار.

و أتان حلقيّة،محرّكة:تداولتها الحمر حتّى أصابها داء في رحمها.

و الحولق:وجع في حلق الإنسان،و الدّاهية، كالحيلق،و اسم.

و الحلق،بالضّمّ:الثّكل،و بالكسر:خاتم الملك،أو خاتم من فضّة بلا فصّ،و المال الكثير،لأنّه يحلق النّبات كما يحلق الشّعر.

و كمنبر:الموسى،و الخشن من الأكسية جدّا،كأنّه يحلق الشّعر.

ص: 550

و كقطام و سحاب:المنيّة.

و حلاقة المعزى،بالضّمّ:ما حلق من شعره.

و كغراب:وجع الحلق،و أن لا تشبع الأتان من السّفاد،و لا تعلق على ذلك،و كذا المرأة،و قد استحلقت.

و الحلقان،بالضّمّ و المحلقن و المحلّق:البسر قد بلغ الإرطاب ثلثيه؛الواحدة:بهاء،و قد حلّق تحليقا.

و عقرا حلقا،بالتّنوين،و تركه قليل،أو من لحن المحدّثين:أصابها اللّه تعالى بوجع في حلقها.

و تحليق الطّائر:ارتفاعه في طيرانه.

و حلّق ضرع النّاقة تحليقا:ارتفع لبنها،و عيون الإبل:غارت،و القمر صارت حوله دوّارة،كتحلّق، و النّجم:ارتفع،و بالشّيء إليه:رمى.

و شربت صواحا فحلّق بي،أي:نفخ بطني.

و كمعظّم:موضع حلق الرّأس بمنى،و لقب عبد العزّى بن حنتم،لأنّ حصانا عضّه في خدّه كالحلقة،أو أصابه سهم فكوي بحلقة.

و بكسر اللاّم:الإناء دون الملء،و الرّطب نضج بعضه.و من الشّياه:المهزولة.

و كمعظّمة:فرس عبيد اللّه بن الحرّ.

و تحلّقوا:جلسوا حلقة حلقة.

و ضربوا بيوتهم حلاقا،ككتاب:صفّا.(3:230)

الطّريحيّ: في الدّعاء:«و حلقة بلاء قد فككتها» على الاستعارة،استعيرت للبلاء إذا طافت بالإنسان و استدارت عليه.

و عن بعضهم:ليس في كلام العرب«حلقة»بفتح اللاّم إلاّ حلقة الشّعر فقط؛جمع حالق،كفجرة جمع فاجر.

و الحالق:الجبل المرتفع.و منه قوله:«لأن أسقط من حالق».و جاء من حالق:من مكان مشرف.

و الحلق بالفتح فالسّكون:جزّ الشّعر و استئصاله.

يقال:حلق الرّجل رأسه،من باب«ضرب» و حلقت المرأة رأسها.

و قوله:«إنّه ابن من حلق رءوس من ترون»كأنّه يريد القتل.

و الحلق من الحيوان معروف؛و الجمع:حلوق، كفلس و فلوس.

و«حلق بإصبعه الإبهام و الّتي تليها و عقد عشرا» أي جعل إصبعه كالحلقة.(5:151)

مجمع اللّغة :حلق رأسه يحلقه حلقا:أزال شعره.

و أصل الحلق:قطع الحلق،ثمّ استعمل في قطع الشّعر و جزّه.

و حلّقه تحليقا:يفيد المبالغة و التّكثير في الإزالة:فهو محلّق و هم محلّقون.(1:292)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:143)

العدنانيّ: حلق المعز و جزّ الضّأن.

و يقولون:حلق ضأنه،و الصّواب:جزّ ضأنه،لأنّ للضّأن صوفا.أمّا المعز،فنقول:حلق معزه،لأنّ للمعز شعرا يحلق كشعر الإنسان.

و يحقّ لنا أن نقول:جزّ الصّوف و الشّعر و الحشيش

ص: 551

و النّخل و الزّرع.

و لا يستعمل الفعل«حلق»إلاّ للشّعر.

الحلقة و الحلقة

و يخطّئون من يسمّي كلّ شيء مستدير حلقة، و يقولون:إنّ الصواب هو حلقة،لأنّ أبا يوسف قال:

سمعت أبا عمرو الشّيبانيّ يقول:ليس في كلام العرب حلقة إلاّ في قولهم:هؤلاء قوم حلقة:للّذين يحلقون الشّعر؛جمع:حالق.

و قد أجاز كراع،فابن سيده،فالزّمخشريّ، فالمطرزيّ،فاللّحيانيّ،فالفيّوميّ،فادوردلين،فأحمد رضا تسكين اللاّم و فتحها.

و أنا أوثر«الحلقة»بفتح اللاّم،لأنّها فصيحة، و يتلفّظ بها عامّة النّاس،مع أنّ تسكين اللاّم في قمّة الفصاحة.و الجمع:حلق و حلقات،و أضاف الأصمعيّ جمعا ثالثا هو:حلق.(معجم الأخطاء الشّائعة:69)

المصطفويّ: و الّذي يظهر لنا من تتبّع كلماتهم:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو إزالة شيء زائد،و قطع الشّعر عن الأصل و جزّه.

و بمناسبة مفهوم القطع و الإزالة:تطلق على محلّ الذّبح و النّحر من الحيوان،و يقال:إنّه الحلق،ثمّ يصير مزيدا فيه ليدلّ على امتداد الحلق،فيقال:حلقوم،على وزان«فعلوم».

و الحلقة:عبارة عن قطعة من السّلسلة،و لمّا كانت الحلق مدوّرة و مستديرة:تطلق على:حلق القوم، و حلق الدّرع و حلقة الباب،و بهذا الاعتبار يقال:حلّق الطّائر بالاشتقاق الانتزاعيّ.

و يعتبر في سائر مشتقّاتها واحد من هذه القيود و الاعتبارات.

و التّحليق:«تفعيل»يدلّ على جهة تعلّق الفعل بالمفعول،و حيثيّة الوقوع،ففيه من تأكيد وقوع الفعل ما لا يخفى.(2:291)

النّصوص التّفسيريّة

لا تحلقوا

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ...

البقرة:196

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه:فإن أحصرتم فأردتم الإحلال من إحرامكم،فعليكم ما استيسر من الهدي،و لا تحلّوا من إحرامكم إذا أحصرتم حتّى يبلغ الهدي-الّذي أوجبته عليكم لإحلالكم من إحرامكم الّذي أحصرتم فيه قبل تمامه و انقضاء مشاعره و مناسكه-محلّه؛و ذلك أنّ حلق الرّأس إحلال من الإحرام الّذي كان المحرم قد أوجبه على نفسه،فنهاه اللّه عن الإحلال من إحرامه بحلاقه،حتّى يبلغ الهدي الّذي أباح اللّه له الإحلال جلّ ثناؤه بإهدائه محلّه.

(2:220)

الواحديّ: أي لا تتحلّلوا من إحرامكم حتّى ينحر الهدي.و(محلّه)حيث يحلّ ذبحه و نحره.(1:298)

ص: 552

نحوه الزّمخشريّ(1:344)و الطّبرسيّ(1:290) و البروسويّ(1:311)و شبّر(1:198).

ابن عطيّة: الخطاب لجميع الأمّة محصر و مخلّى، و من العلماء:من يراها للمحصرين خاصّة.[إلى أن قال:]

قال عبد الملك بن الماجشون من أصحابنا:إذا حلق قبل أن ينحر فليهد،و إن حلق رجل قبل أن يرمي، فعليه دم،قولا واحدا في المذهب.(1:267)

ابن الجوزيّ: تحريم حلق الشّعر،سواء وجد به الأذى أو لم يجد حتّى نزل.(1:205)

الفخر الرّازيّ: في الآية حذف،لأنّ الرّجل لا يتحلّل ببلوغ الهدي محلّه،بل لا يحصل التّحلّل إلاّ بالنّحر،فتقدير الآية:حتّى يبلغ الهدي محلّه و ينحر،فإذا نحر فاحلقوا.(5:163)

القرطبيّ: [نحو ابن عطيّة و أضاف:]

أي لا تتحلّلوا من الإحرام حتّى ينحر الهدي.

(2:379)

نحوه النّسفيّ(1:100)و أبو السّعود(1:249).

أبو حيّان :هذا نهي عن حلق الرّأس مغيّا ببلوغ الهدي محلّه،و مفهومه:إذا بلغ الهدي محلّه فاحلقوا رءوسكم.و الضّمير في(تحلقوا)يحتمل أن يعود على المخاطبين بالإتمام،فيشمل المحصر و غيره.و يحتمل أن يعود على المحصرين؛و كلا الاحتمالين قال به قوم.[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و كأنّه رجّح كونه للمحصرين،لأنّه أقرب مذكور و ظاهر قول ابن عطيّة.[إلى أن قال:]

و في قوله: لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ مجاز في الفاعل و في المفعول:

أمّا في الفاعل ففي إسناد الحلق إلى الجميع،و إنّما يحلق بعضهم رأس بعض،و هو مجاز شائع كثير.تقول:

حلقت رأسي،و المعنى أنّ غيره حلقه له.

و أمّا المجاز في المفعول فالتّقدير:شعر رءوسكم،فهو على حذف مضاف،و الخطاب يخصّ الذّكور.و الحلق للنّساء (1)مثله في الحجّ و غيره،و إنّما التّقصير سنّتهنّ.

[ثمّ نقل حديثا إلى أن قال:]

و ظاهر النّهي الحظر و التّحريم حتّى يبلغ الهدي محلّه.فلو نسي فحلق قبل النّحر،فقال أبو حنيفة و ابن الماجشون:هو كالعامد.و قال ابن القاسم:لا شيء عليه.

أو تعمّد،فقال أبو حنيفة و مالك:لا يجوز.و قال الشّافعيّ: يجوز.قالوا:و هو مخالف لظاهر الآية.

(2:74)

ابن كثير :قوله: وَ لا تَحْلِقُوا... معطوف على قوله: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ و ليس معطوفا على قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ... كما زعمه ابن جرير رحمه اللّه،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه عام الحديبيّة لمّا حصرهم كفّار قريش عن الدّخول إلى الحرم،حلقوا و ذبحوا هديهم خارج الحرم،فأمّا في حال الأمن و الوصول إلى الحرم فلا!!

ص: 553


1- في العبارة نقص!!

يجوز الحلق.(1:411)

الآلوسيّ: إنّ حلق الرّأس كناية عن الحلّ الّذي يحصل بالتّقصير بالنّسبة للنّساء،و الخطاب للمحصرين، لأنّه أقرب مذكور.(2:81)

رشيد رضا :النّهي عن الحلق هنا عبارة عن النّهي عن الإحلال قبل بلوغ الهدي إلى المكان الّذي يحلّ ذبحه فيه،و هو في حال الإحصار،حيث يحصر الحاجّ،و إلاّ فالكعبة،لقوله تعالى: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ المائدة:

95.(2:221)

نحوه المراغيّ.(2:97)

مكارم الشّيرازيّ: من مناسك الحجّ حلق الرّأس،و يجب أن لا يكون ذلك قبل ذبح الهدي في المذبح.(2:28)

محلّقين

...لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ... الفتح:27

الفرّاء: لو قيل:محلّقون و مقصّرون،أي بعضكم محلّقون و بعضكم مقصّرون لكان صوابا،كما قال الشّاعر:

*و غودر البقل ملوى و محصود* (3:68)

نحوه الطّبريّ(26:107)،و الطّوسيّ(9:335)، و المراغيّ(26:112).

الطّبرسيّ: أي محرمين يحلق بعضكم رأسه و يقصّر بعض،و هو أن يأخذ بعض الشّعر.و في هذا دلالة على أنّ المحرم بالخيار عند التّحلّل من الإحرام، إن شاء حلق،و إن شاء قصّر.(5:126)

الفخر الرّازيّ: (محلّقين)حال الدّاخلين، و الدّاخل لا يكون الآن محرما،و المحرم لا يكون محلّقا، فقوله: آمِنِينَ ينبئ عن الدّوام فيه إلى الحلق،فكأنّه قال:تدخلونها آمنين متمكّنين من أن تتمّوا الحجّ محلّقين.(28:105)

نحوه ابن كثير.(6:291)

القرطبيّ: و التّحليق و التّقصير جميعا للرّجال، و لذلك غلّب المذكّر على المؤنّث،و الحلق أفضل،و ليس للنّساء إلاّ التّقصير.(16:291)

أبو حيّان :(محلّقين)و(مقصّرين)حال مقدّرة.

(8:101)

الشّربينيّ: أي بعضها،منقسمين بحسب التّحليق و التّقصير إلى قسمين،لا تخشون إلاّ اللّه تعالى.و فيه إشارة إلى أنّهم يتمّون الحجّ من أوّله إلى آخره.فقوله:

(لتدخلنّ)فيه إشارة إلى الأوّل،و قوله:(محلّقين) و(مقصّرين)إشارة إلى الآخر.[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ](4:55)

أبو السّعود :أي محلّقا بعضكم و مقصّرا آخرون.

و قيل:(محلّقين)حال من ضمير(امنين)فتكون متداخلة.(6:107)

شبّر:(محلّقين)محلّقا بعضكم كلّ شعرها و(مقصّرين)مقصّرا بعضكم بعض شعرها.(6:51)

ص: 554

الآلوسيّ: حال-ك(امنين)-من الواو المحذوفة لالتقاء السّاكنين،من قوله تعالى:(لتدخلنّ)،إلاّ أنّ (امنين)حال مقارنة،و هذا مقدّرة،لأنّ الدّخول في حال الإحرام لا في حال الحلق و التّقصير.

و جوّز أن يكون حالا من ضمير(امنين)،و المراد:

محلّقا بعضكم رأس بعض و مقصّرا آخرون.ففي الكلام تقدير،أو فيه نسبة ما للجزء إلى الكلّ،و القرينة عليه أنّه لا يجتمع الحلق و هو معروف،و التّقصير و هو أخذ بعض الشّعر،فلا بدّ من نسبة الكلّ منهما لبعض منهم.

(26:121)

نحوه القاسميّ.(15:5427)

مكارم الشّيرازيّ: جملة مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ إشارة إلى واحد من مناسك العمرة و آدابها،و هو التّقصير،و به يخرج المحرم من إحرامه.

و قد استدلّ بعضهم بالآية في التّخيير عند الخروج من الإحرام،بين التّقصير في تقليم الأظافر أو الحلق،لأنّ الجمع بينهما ليس واجبا قطعا.(16:448)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحلق:العضو المعروف، و قطع الحلق،كما ذهب إلى ذلك الرّاغب،و قال:«ثمّ جعل الحلق لقطع الشّعر و جزّه».و ما وجدنا أحدا قال به،و المشهور فيها الضّرب و الوجع.يقال:حلقه يحلقه حلقا،أي ضربه،فأصاب حلقه،و حلق يحلق حلقا:

شكا حلقه،و الحلاق:وجع الحلق؛و جمع الحلق:أحلاق في القلّة،و حلوق و حلق في الكثرة.

و حلوق الأرض:مجاريها و أوديتها،على التّشبيه بالحلوق الّتي هي مساوغ الطّعام و الشّراب،و كذلك حلوق الآنية و الحياض،يقال:حلّق الإناء من الشّراب،أي امتلأ إلاّ قليلا،كأنّ ما فيه من الماء انتهى إلى حلقه،و حلّق المكّوك،إذا بلغ ما يجعل فيه حلقة، و حلقة الحوض:امتلاؤه.يقال:وفّيت حلقة الإناء توفية.و الحالق:الضّرع الممتلئ لذلك،كأنّ اللّبن فيه إلى حلقه،و ناقة حالق:حافل؛و الجمع:حلّق و حوالق.

و حلق التّمرة و البسرة:منتهى ثلثيها،كأنّ ذلك موضع الحلق منها،يقال:حلّق البسر،و هي الحواليق.

و الحلقة:كلّ شيء استدار،كحلقة الحديد و الفضّة و الذّهب،و كذلك هو في النّاس؛و الجمع:حلاق و حلق.

يقال:تحلّق القوم،أي جلسوا حلقة حلقة،و ضربوا بيوتهم حلاقا،أي صفّا واحدا،كأنّها حلقة،و هم كالحلقة المفرغة،لا يدرى أيّها طرفها،يضرب مثلا للقوم إذا كانوا مجتمعين مؤتلفين،كلمتهم و أيديهم واحدة،لا يطمع عدوّهم فيهم و لا ينال منهم.

و الحلقة:اسم لجملة السّلاح و الدّروع و ما أشبهها، و قيل:الدّروع خاصّة،لشبهها بالحلقة،أو لوجود الحلق فيها.و المحلّق من الإبل:الموسوم بحلقة في فخذه أو في أصل أذنه،و يقال للإبل المحلّقة:حلق.

و الحلق:الخاتم من الفضّة بغير فصّ،و خاتم الملك أيضا،يقال:أعطي فلان الحلق،أي خاتم الملك يكون في يده.

ص: 555

و الحالق من الكرم و الشّري و نحوه:ما التوى منه و تعلّق بالقضبان،و كذا المحلاق.و الجمع:محالق و محاليق؛مأخوذ من استدارته كالحلقة.

و حلّق الطّائر في كبد السّماء:ارتفع و استدار،و حلّق النّجم:ارتفع،و حلّق القمر و تحلّق:صار حوله دارة.

و من المعنى المضادّ للأوّل:الحالق:الضّرع المنضمّ إلى البطن لقلّة لبنه،يقال:حلق الضّرع يحلق حلوقا، أي ذهب لبنه،فهو حالق،و الحالق:الّتي ذهب لبنها، و حلّق الحوض:ذهب ماؤه،و حلّق اللّبن:ذهب.

و جبل حالق:منيف مشرف لا نبات فيه؛و الجمع:

حلق،يقال:جاء من حالق،أي من مكان مشرف.

و منه:الحلق:إزالة الشّعر،يقال:حلق معزاه يحلقها حلقا،أي أخذ شعرها،و هي معزى محلوقة و حليقة، و حلاقة المعزى:ما حلق من شعرها.

و حلق رأسه يحلقه حلقا،فهو حالق و حلاّق، و الرّأس حليق،أي محلوق،يقال:لحية حليق؛و الجمع:

حلاق،و إنّ رأسه لجيّد الحلاق،و حلّق رأسه:مبالغة في الحلق،و الاحتلاق:الحلق،يقال:احتلق بالموسى.

و المحلّق:موضع حلق الرّأس بمنى،و امرأة حالقة و حلقى:تحلق شعرها عند المصيبة.

و المحلق:الكساء الّذي يحلق الشّعر من خشونته، و ضرع حالق:ضخم يحلق شعر الفخذين من ضخمه، و الحلقة:الضّروع المرتفعة.

2-و صاغت بعض المعاجم الحديثة لفظ«الحلاقة» من الحلق،أي إزالة الشّعر،و عدّته حرفة للحلاّق، قياسا بما ورد في اللّغة على وزن«فعالة»بهذا المعنى، كالزّراعة و التّجارة و غيرهما من الحرف.و من هذه المعاجم:المعجم الوجيز،و المعجم الوسيط،و أقرب الموارد و غيرها.و سنتناول هذا الرّأي في مادّة«خ ط ب».

كما أطلق المعاصرون على مكان الحلق لفظ «صالون الحلاقة»،أي بهو الحلاقة،تأثّرا بما اصطلح عليه الأوربيّون.و عربيّته:«المحلق»،قياسا بما ورد في السّماع على وزن«مفعل»لأسماء المكان،مثل:المبرك و المنهل و غيرهما.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(تحلقوا)و(محلّقين)كلّ منهما مرّة،في آيتين:

1- وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ... البقرة:196

2- ...لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ... الفتح:27

يلاحظ أوّلا:أنّ حلق الرّأس في(1)كناية عن التّحلّل عن الإحرام،و فيها بحوث:

1-عطف الطّبريّ جملة وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ على جملة فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ، و المعنى على قوله:لا تحلّوا من إحرامكم إذا أحصرتم حتّى يبلغ الهدي محلّه.

فظاهرة بقائهم على إحرامهم فيرسلوا هديهم إلى محلّ

ص: 556

النّحر بالحرم كما قال بعض،أو محلّه للمحصر حيث أحصر كما قال به آخرون.و عطفها غيره على جملة وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ، و المعنى لا تحلّوا من إحرامكم حتّى يبلغ الهدي محلّه.فهذا حال لغير المحصورين،و الآية ساكتة عن حكم المحصورين.

و قد احتجّ أصحاب الرّأي الأوّل بتأخّر«الإحصار» عن إتمام الحجّ في الآية،فعطف عليه لقربه من جملة وَ لا تَحْلِقُوا. و احتجّ أصحاب الرّأي الثّاني بحلق النّبيّ و أصحابه و ذبحهم خارج الحرم،لمّا حصرتهم قريش عن الدّخول إليه عام الحديبيّة.[لاحظ ح ل ل:«محلّه»]

2-قال أبو حيّان:«في قوله: وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ مجاز في الفاعل و في المفعول:أمّا في الفاعل ففي إسناد الحلق إلى الجميع،و إنّما يحلق بعضهم رأس بعض،و هو مجاز شائع كثير،تقول:حلقت رأسي،و المعنى أنّ غيره حلقه له.و أمّا المجاز في المفعول،فالتّقدير:شعر رءوسكم،فهو على حذف مضاف».

3-قال الفخر الرّازيّ: «في الآية حذف،لأنّ الرّجل لا يتحلّل ببلوغ الهدي محلّه،بل لا يحصل التّحلّل إلاّ بالنّحر،فتقدير الآية:حتّى يبلغ الهدي محلّه و ينحر،فإذا نحر فاحلقوا».

ثانيا:جاء التّحليق في(2)حالا للدّاخلين،أي دخول المسجد الحرام محلّقين بعد إتمام الحجّ،و فيها بحوث:

1-قال الطّبرسيّ: «أي محرمين يحلق بعضكم رأسه و يقصّر بعض،و هو أن يأخذ بعض الشّعر.و في هذا دلالة على أنّ المحرم بالخيار عند التّحلّل من الإحرام، إن شاء حلق و إن شاء قصّر».

2-قال القرطبيّ: «التّحليق و التّقصير جميعا للرّجال،و لذلك غلّب المذكّر على المؤنّث،و الحلق أفضل،و ليس للنّساء إلاّ التّقصير».

3-قال الآلوسيّ: «(محلّقين)حال-ك(امنين)-من الواو المحذوفة،لالتقاء السّاكنين،من قوله:(لتدخلنّ)، إلاّ أنّ(امنين)حال مقارنة و هذا مقدّرة،لأنّ الدّخول في حال الإحرام لا في حال الحلق و التّقصير.و جوّز أن يكون حالا من ضمير(امنين)،و المراد:محلّقا بعضكم رأس بعض و مقصّرا آخرون،ففي الكلام تقدير،أو فيه نسبة ما للجزء إلى الكلّ.و القرينة عليه أنّه لا يجتمع الحلق-و هو معروف-و التّقصير،و هو أخذ بعض الشّعر،فلا بدّ من نسبة الكلّ منهما لبعض منهم».

ثالثا:الآيتان كلاهما مدنيّتان تحملان التّشريع الخاصّ بالمدنيّة.

ص: 557

ص: 558

ح ل ق و م

اشارة

الحلقوم

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحلقمة:قطع الحلقوم؛و الجميع:الحلاقم.

(3:321)

نحوه الصّاحب.(3:251)

الأصمعيّ: يقال رطب محلقن و محلقم،و هي الحلقانة و الحلقامة،و هي الّتي بدأ فيها النّضج من قبل قمعها،فإذا أرطبت من قبل ذنبها فهي التّذنوبة.

(الأزهريّ 5:301)

الزّجّاج: الحلقوم بعد الفم،و هو موضع النّفس، و فيه شعب تتشعّب منه،و هو مجرى الطّعام و الشّراب.

(الفيّوميّ 1:146)

ابن دريد :يقال:حلقمت الرّجل،إذا ضربت حلقومه.(3:330)

الأزهريّ: و الحلقوم و هي الحنجور،و هو مخرج النّفس،لا يجري فيه الطّعام و الشّراب،و الّذي يجري فيه الطّعام و الشّراب يقال له:المريء.و تمام الذّكاة بقطع الحلقوم و المريء و الودجين.(5:301)

الجوهريّ: و الحلق:الحلقوم؛و الجمع:الحلوق.

(4:1462)

الحلقوم:الحلق.و حلقمه،أي قطع حلقومه.

(5:1904)

ابن فارس: باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف...و منه الحلقوم و ليس منحوتا،و لكنّه ممّا زيدت فيه الميم،و الأصل:الحلق،و قد مرّ.

و الحلقمة:قطع الحلقوم.(2:143)

ابن سيده: و الحلقوم:مجرى النّفس و السّعال من الجوف،و هو أطباق غراضيف ليس دونه من ظاهر باطن العنق إلاّ جلد،و طرفه الأسفل في الرّئة،و طرفه

ص: 559

الأعلى في أصل عكدة اللّسان،و منه مخرج النّفس و الرّيح و البصاق و الصّوت.و قولهم:نزلنا في مثل حلقوم النّعامة،إنّما يريدون به الضّيق.

و الحلقمة:قطع الحلقوم.

و حلقمه:ذبحه فقطع حلقومه.

و حلقم التّمر،كحلقن،و زعم يعقوب أنّه بدل.

و حلاقيم البلاد:نواحيها،واحدها حلقوم على القياس.(4:44)

المدينيّ: في حديث الحسن:«في حلاقيم البلاد» أي في أواخرها،كما أنّ حلقوم الرّجل في طرفه.

و الحلقوم:مأخوذ من الحلق،و الواو و الميم مزيدتان.

(1:489)

نحوه ابن الأثير.(1:428)

الفيّوميّ: الحلقوم هو الحلق،و ميمه زائدة؛ و الجمع:حلاقيم بالياء،و حذفها تخفيف.

و حلقمته حلقمة:قطعت حلقومه.(1:146)

الفيروزآباديّ: حلقمه:قطع حلقومه،أي حلقه.

و رطب محلقم بكسر القاف:بدا فيه النّضج من قبل قمعها،و رطبة حلقامة.

و احلنقم:ترك الطّعام.(4:101)

العدنانيّ: الحلقوم لا الحلقوم:التّجويف الّذي يقع خلف تجويف الفم،يسمّونه الحلقوم،لأنّه مأخوذ من الحلق،و لأنّ ميمه زائدة.و الصّواب هو:الحلقوم،قال تعالى في الآية:83،من سورة الواقعة: فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ.

و ممّن ذكر الحلقوم أيضا:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس، و النّهاية،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و المدّ،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و يجمع الحلقوم على:حلاقم و حلاقيم.[ثمّ ذكر حديث الحسن المتقدّم](164)

المصطفويّ: [تقدّم كلامه في«ح ل ق»فلاحظ].

(2:291)

النّصوص التّفسيرية

الحلقوم

فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. الواقعة:83

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فهلاّ إذا بلغت النّفوس عند خروجها من أجسادكم أيّها النّاس حلاقيمكم؟

(27:209)

نحوه المراغيّ.(27:154)

ابن عطيّة: و الحلقوم:مجرى الطّعام،و هذه الحال هي نزاع المرء للموت.(5:253)

النّسفيّ: ممرّ الطّعام و الشّراب.(4:221)

نحوه الآلوسيّ.(27:158)

الشّربينيّ: أي بلغت الرّوح منكم و من غيركم عند الاحتضار الحلقوم.أضمرت من غير ذكر،لدلالة الكلام عليها دلالة ظاهرة.

و في الحديث:«إنّ ملك الموت له أعوان يقطعون

ص: 560

العروق و يجمعون الرّوح شيئا فشيئا حتّى تنتهي إلى الحلقوم،فيتوفّاها ملك الموت».

و الحلقوم:مجرى الطّعام في الحلق،و الحلق:مساغ الطّعام و الشّراب معروف،فكأنّ الحلقوم أدنى الحلق إلى جهة اللّسان.(4:198)

نحوه البروسويّ.(9:339)

شبّر:الحلقوم:الحلق.(6:151)

الطّباطبائيّ: فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ إلى (صادقين)رجوع إلى أوّل الكلام بالتّفريع على تكذيبهم،بأنّكم إن كنتم صادقين في نفيكم للبعث، مصيبين في تكذيبهم لهذا القرآن الّذي ينبّئكم بالبعث، رددتم نفس المحتضر الّتي بلغت الحلقوم؛إذ لو لم يكن الموت بتقدير من اللّه كان من الأمور الاتّفاقيّة الّتي ربما أمكن الاحتيال لدفعها،فإذا لم تقدروا على رجوعها و إعادة الحياة معها،فاعلموا أنّ الموت حقّ مقدّر من اللّه، لسوق النّفوس إلى البعث و الجزاء.

فقوله: فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ تفريع على تكذيبهم بالقرآن و بما أخبر به من البعث و الجزاء، و(لو لا)للتّحضيض تعجيزا و تبكيتا لهم،و ضمير (بلغت)للنّفس،و بلوغ النّفس الحلقوم كناية عن الإشراف التّامّ للموت.(19:138)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحلقوم،أي الحلق،و هو مجرى النّفس و الرّيح و البصاق و الصّوت؛و الجمع:حلاقم و حلاقيم.يقال مجازا:نزلنا في مثل حلقوم النّعامة،يراد به الضّيق.و الحلقمة:قطع الحلقوم.يقال:حلقمه،أي ذبحه فقطع حلقومه.

و حلقم التّمر و حلقن:بدا فيه النّضج من قبل قمعه، و كأنّه بمنزلة الحلقوم منه،فهو رطب محلقم و محلقن،و هو الحلقامة و الحلقانة أيضا؛و الجمع:حلقان،و في الحديث:

«لمّا نزل تحريم الخمر،كنّا نعمد إلى الحلقامة».

2-و الحلقوم«فعلوم»عند الخليل،و«فعلول»عند غيره،فالميم زائدة على القول الأوّل،كزيادتها في «شبرم»،أي القصير،و«سلطم»،أي الطّويل،فهو من الحلق،أي العضو المعروف.

و هي أصليّة على القول الثّاني،كأصالتها في «المدلهمّ»:الأسود،و«العجهوم»:طائر من طير الماء.

فالحلقوم رباعيّ من«ح ل ق م»،و هو أصل برأسه،كما ذهبنا إليه،و لعلّه اختيار الرّاغب في«ح ل ق»؛حيث أشار إلى معناه دون ذكره بقوله:«قطع الحلق»،و ليس قطع ثمّت،كما ذكرنا.

و عدّ ابن السّكّيت حلقم و حلقن ممّا طرأ الإبدال على الميم و النّون فيهما،و نرى الميم هو الأصل،مثل:

الغيم و الغين،و المدى و النّدى،أي الغاية.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(الحلقوم)مرّة في آية:

فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ الواقعة:83،84

ص: 561

يلاحظ أوّلا:أنّ(الحلقوم)وحيد الجذر في القرآن، و جاء في سورة مكّيّة نزلت بشأن القيامة.و فيه بحوث:

1-قال ابن عطيّة في معناه:«الحلقوم:مجرى الطّعام»،و قال النّسفيّ:«ممرّ الطّعام و الشّراب»،و قال الشّربينيّ:«مجرى الطّعام في الحلق،و الحلق:مساغ الطّعام و الشّراب معروف،فكأنّ الحلقوم أدنى الحلق إلى جهة اللّسان»،و لا تبعد هذه الأقوال عمّا جاء في اللّغة.

2-لم يذكر فاعل بَلَغَتِ لدلالة الكلام عليه و نظيره قوله: كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ القيمة:26،أي الرّوح أو النّفس أو القلوب،كما قال: بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ الأحزاب:10،و قدّر الشّربينيّ«منكم» صلة ل(بلغت)،فقال:«أي بلغت الرّوح منكم و من غيركم عند الاحتضار الحلقوم،أضمرت من غير ذكر لدلالة الكلام عليها دلالة ظاهرة».

3-اجتمع في هذه الآية-إضافة إلى الحلقوم-(لو لا) و(اذا)دون غيرها من الآيات،و معنى(لو لا)هنا التّحضيض،جيء بها تعجيزا و تبكيتا للكافرين،كما قال الطّباطبائيّ.و(اذا):ظرف متعلّق بفعل مقدّر،أي ترجعونها،أو أداة شرط جوابه محذوف.و على كلا التّقديرين فإنّ الآية تشدّد على انتباههم إلى حال الميّت عند النّزع بهذه الفرائد.

ثانيا:استعملت ألفاظ خاصّة عند الشّدّة و في المواقف الحرجة كالاحتضار،فقد قرن القلب بالحنجرة،كقوله: بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ الأحزاب:10،و قوله: وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ المؤمن:18.

و النّفس بالموت،كقوله: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها الزّمر:42.

و الصّدر بالضّيق أيضا،كقوله: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ الأنعام:

125.و لكن ما قرن لفظ ب«التّراقي و الحلقوم»،فهل فيه سرّ؟

ص: 562

ح ل ل

اشارة

27 لفظا،51 مرّة:13 مكّيّة،38 مدنيّة

في 21 سورة:9 مكّيّة،12 مدنيّة

حللتم 1:-1 احلّوا 1:-1

يحلّ 8:4-4 احللنا 1:1

يحلل 1:1 احلّ 6:-6

يحلّون 1:-1 احلّت 3:-3

تحلّ 1:-1 يحلّ 1:1

تحلّ 1:-1 فيحلّوا 1:-1

و احلل 1:1 يحلّونه 1:-1

حلّ 4:1-3 تحلّوا 1:-1

حلاّ 1:-1 لاحلّ 1:-1

حلال 1:1 محلّى 1:-1

حلالا 5:2-3 حلائل 1:-1

احلّ 3:-3 تحلّة 1:-1

احلّنا 1:1 محلّة 2:-2

محلّها 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :المحلّ:نقيض المرتحل.

و المحلّ:مصدر كالحلول.

و الحلّ و الحلال و الحلول و الحلل:جماعة الحالّ النّازل.

و المحلّة:منزل القوم.

و أرض محلال،إذا أكثر القوم الحلول بها.و الحلّة:

قوم نزول.

و تقول:حللت العقدة أحلّها حلاّ،إذا فتحتها فانحلّت.

و من قرأ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي طه:81،فمعناه ينزل.و من قرأ(يحلل)يفسّر:يجب،من حلّ عليه الحقّ يحلّ محلاّ.

ص: 563

و كانت العرب في الجاهليّة الجهلاء إذا نظرت إلى الهلال قالت:لا مرحبا بمحلّ الدّين مقرّب الأجل.

و المحلّ:الّذي يحلّ لنا قتله،و المحرم الّذي يحرم علينا قتله.

و يقال:المحلّ الّذي ليس له عهد و لا حرمة، و المحرم:الّذي له حرمة.

و التّحليل و التّحلّة من اليمين،حلّلت اليمين تحليلا و تحلّة.و ضربته ضربا تحليلا،يعني شبه التّعزير غير مبالغ فيه،اشتقّ من تحليل اليمين،ثمّ أجري في سائر الكلام،حتّى يقال في وصف الإبل إذا بركت.

و الحليل و الحليلة:الزّوج و المرأة،لأنّهما يحلاّن في موضع واحد؛و الجميع:حلائل.و حلحلت بالإبل،إذا قلت:حل بالتّخفيف،و هو زجر.

و حلحلت القوم:أزلتهم عن موضعهم.

و يقال:الحلّة إزار و رداء برد أو غيره،و لا يقال لها:

حلّة حتّى تكون ثوبين.و في الحديث تصديقه و هو ثوب يمانيّ.

و يقولون للماء و الشّيء اليسير:محلّل.

و الحلّ:الحلال نفسه،لا هنّ حلّ.

و شاة محلّ:قد أحلّت إذا نزل اللّبن في ضرعها من غير نتاج و لا ولاد؛و غنم محالّ.

و الإحليل:مخرج البول من الذّكر،و مخرج اللّبن من الضّرع.

و الحلّ:الرّجل الحلال الّذي خرج من إحرامه، و الفعل أحلّ إحلالا.

و الحلّ:ما جاوز الحرم.

و الحلاّن:الجدي و يجمع حلالين،و يقال هذا للّذي يشقّ عنه بطن أمّه.

و الحلاحل:السّيّد الشّجاع.

و المحلّ:مبلغ المسافر حيث يريد.

و المحلّ:الموضع الّذي يحلّ نحره يوم النّحر بعد رمي جمار العقبة.

و في الحديث:«أحلّ بمن أحلّ بك»يقول:من ترك الإحرام و أحلّ بك فقاتلك فأحلل أنت به فقاتله.

[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](3:26)

اللّيث:تقول حلّ يحلّ حلولا،و ذلك نزول القوم بمحلّة،و هو نقيض الارتحال.و المحلّ:نقيض المرتحل.

(الأزهريّ 3:435)

الحلّة:قوم نزول.

الحلّ:الحلول و النّزول.

و الحلّ:حلّ العقدة،يقال:حللتها أحلّها حلاّ، فانحلّت.و منه المثل السّائر:«يا عاقد اذكر حلاّ».

[و استشهد بالشّعر مرّتين](الأزهريّ 3:436)

المحالّ:الغنم الّتي ينزل اللّبن في ضروعها من غير نتاج و لا ولاد؛الواحدة:محلّ،يقال:أحلّت الشّاة فهي محلّ.(الأزهريّ 3:442)

الحلّ:الرّجل الحلال الّذي لم يحرم،أو كان أحرم فحلّ من إحرامه،يقال:حلّ من إحرامه حلاّ.

أرض محلال و روضة محلال،إذا أكثر القوم الحلول بها.(الأزهريّ 3:443)

ص: 564

سيبويه:يقال:هو حلّة الغور،أي قصده.

(1:405)

ابن شميّل: أرض محلال،و هي السّهلة اللّيّنة.

و رحبة محلال،أي جيّدة لمحلّ النّاس.

و روضة محلال،إذا أكثر القوم الحلول بها.

الحلاّن:الحمل.(الأزهريّ 3:440)

الحلّة:القميص و الإزار و الرّداء،لا أقلّ من هذه الثّلاثة.(الأزهريّ 3:441)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحلل:النّزول.

(1:150)

نزلنا تحليلا،أي قدر ما مسسنا من الأرض،و ما كان نزولنا إلاّ تحليلا.(1:152)

الحلال،و المعاليق،و النّمط،و المسح،الّذي يكون على الجمل.(1:161)

الحلال:البيت و أدواته.(1:164)

و التّحليل:تقول:ما نزلوا إلاّ تحليلا،يعني شيئا كلا شيء.(1:187)

و ما حلاّ في صدري ما قلت له يحلّئ،أي ما أغضبني.

(1:193)

و الأحلّ:الّذي لا يركب حتّى يغفل،أو شبيه به.

(1:196)

الحلاحل:و هو ذو الفضل من الرّجال.(1:202)

و الحلل:وجع في الرّكبتين.(1:203)

و الحلّة:واحدة؛و جمعها:حلل.

و الاستحالة:أن يتحوّل وتر القوس عن موضعه، و قد استحالت.(1:213)

و المحلّ:الّتي غرزت فأصابت بعد خصبا فأحلّت بلبن،و قال:إنّما أنت عمير مثل شاة غرزت فأصابت بعد خصبا فأحلّت بلبن.(1:214)

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات]

الحلّة:القنبلانيّة و هي الكراخة.

(الأزهريّ 3:438)

الأحلّ:أن يكون منهوس المؤخّر أروح الرّجلين.

(الأزهريّ 3:442)

الفرّاء: إذا كان في عرقوبي البعير ضعف فهو أحلّ و به حلل.

و ذئب أحلّ و به حلل،و ليس بالذّئب عرج،و إنّما يوصف به لخمع يؤنس منه إذا عدا.

(الأزهريّ 3:442)

أبو عبيدة :فرس أحلّ،و حلله:ضعف نساه و رخاوة كعبيه.(الأزهريّ 3:443)

أبو زيد :و حلال:جمع:حلّة،و هي جماعة البيوت.(78)

و قالوا:تحلّل به السّفر تحلّلا،و هو اعتلال الرّجل إذا قدم فيأخذه تكسّر،أو يجد ثقلا من السّفر الّذي سار، و لا يكون إلاّ بعد قدوم الرّجل بلدة يقيم بها.(199)

يقال:ما أحسن حلّة القوم!أي حلولهم حين يحلّون بالمكان فيبنون بيوتهم صفوفا،و ما أقبح حلّتهم!حين لا يجعلونها سطورا.(221)

حللت بالرّجل و حللته،و نزلت به و نزلته.

ص: 565

(الأزهريّ 3:444)

حلّ عليه أمر اللّه يحلّ حلولا،و حلّ الدّار يحلّها حلولا،و حلّ العقدة يحلّها حلاّ،و حلّ له الصّوم يحلّ حلاّ،و أحلّه اللّه إحلالا،و حلّ عليه و حقّي يحلّ محلاّ، و أحلّ الرّجل من إحرامه إحلالا،و حلّ يحلّ حلاّ.

(الطّبرسيّ 4:22)

الأصمعيّ: ولد المعزى حلام و حلاّن.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 3:439)

أحلّ المال فهو يحلّ إحلالا،إذا نزل درّه حين يأكل الرّبيع،يقال:شاة محلّ.(الأزهريّ 3:442)

يقال للنّاقة إذا زجرتها:حل جزم،و حل منوّن، و حلي جزم:لا حليت.(الأزهريّ 3:443)

أحلّ،إذا خرج من شهور الحرم أو من عهد كان عليه.

و يقال للمرأة تخرج من عدّتها:قد حلّت تحلّ حلاّ.

و أحلّ الرّجل بنفسه،إذا استوجب العقوبة.(الأزهريّ 3:444)

اللّحيانيّ: و الحلّة:مجتمع القوم.

(ابن سيده 2:526)

الحلاّن:الحمل الصّغير،يعني الخروف.

(ابن سيده 2:531)

أعط الحالف حلاّن يمينه،أي ما يحلّل يمينه.

(ابن منظور 11:168)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يموت لمؤمن ثلاثة أولاد فتمسّه النّار إلاّ تحلّة القسم»قوله:«تحلّة القسم»:يعني قول اللّه تعالى: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا مريم:71،فلا يردها إلاّ بقدر ما يبرّ اللّه به قسمه فيه.

و في هذا الحديث من العلم أصل للرّجل يحلف:

ليفعلنّ كذا و كذا،فيفعل منه جزء دون جزء،ليبرّ في يمينه،كالرّجل يحلف ليضربنّ مملوكه،فيضربه ضربا دون ضرب،فيكون قد برّ في القليل،كما يبرّ في الكثير.

و منه ما قصّ اللّه تعالى من نبإ أيّوب عليه السّلام حين حلف ليضربنّ امرأته مائة فأمره اللّه تعالى بالضّغث،و لم يكن أيّوب عليه السّلام نواه حين حلف.(1:218)

حليلة الرّجل هي امرأته،و هو حليلها.سمّيا بذلك، لأنّ كلّ واحد منهما يحالّ صاحبه،يعني أنّهما يحلاّن في منزل واحد،و كذلك كلّ من نازلك أو جاورك فهو حليلك.

و يقال أيضا:إنّما سمّيت الزّوجة حليلة،لأنّ كلّ واحد منهما يحلّ إزار صاحبه.(1:343)

في حديث العبّاس و ابنه عبد اللّه رحمهما اللّه في زمزم:

«لا أحلّها لمغتسل و هي لشارب حلّ و بلّ».و إنّما نراه نهى عن هذا أنّه نزّه المسجد أن يغتسل فيه من جنابة.

(2:176)

في حديث إبراهيم في المحرم يعدو عليه السّبع أو اللّصّ قال:«أحلّ بمن أحلّ بك»يقول:من ترك الإحرام و أحلّ بك فقاتلك،فأحلل أنت أيضا به و قاتله،و لا تجعل نفسك محرما عنه،و يدخل في هذا السّبع و اللّصّ، و كلّ من عرض لك.(2:422)

ص: 566

الحلال:جماعات بيوت النّاس؛واحدها:حلّة.

و حيّ حلال،أي كثير.

و الحلال:متاع الرّحل.(الأزهريّ 3:436)

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«خير الكفن الحلّة،و خير الضّحيّة الكبش الأقرن».

الحلل:«برود اليمن من مواضع مختلفة منها،و الحلّة:

إزار و رداء،لا تسمّى حلّة حتّى تكون ثوبين.[ثمّ ذكر حديث عمر](الأزهريّ 3:442)

يقال:ما يتحلحل عن مكانه،أي ما يتحرّك.

يقال تحلحل،إذا تحرّك و ذهب،و تلحلح،إذا قام فلم يتحرّك.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(الأزهريّ 3:441)

ابن الأعرابيّ: الحلاّم و الحلاّن واحد،و هو ما يولد من الغنم صغيرا،و هو الّذي يخطّون على أذنه إذا ولد خطّا،فيقولون:ذكّيناه،فإن مات أكلوه.

(الأزهريّ 3:439)

يقال للإزار و الرّداء:حلّة،و لكلّ واحد منهما على انفراده:حلّة.(الأزهريّ 3:442)

حلّ،إذا سكن،و حلّ،إذا عدا.

و لبس فلان حلّته،أي سلاحه.

الحلّ:الشّيرج.(الأزهريّ 3:444)

ذئب أحلّ و به حلل،و ليس بالذّئب عرج،و إنّما يوصف به لخمع يؤنس منه إذا عدا.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن منظور 11:171)

هي[الحلّة]شجرة إذا أكلتها الإبل سهل خروج ألبانها.(ابن سيده 2:531)

ابن السّكّيت: و يقال:هي حنّته،و حليلته، و عرسه،و طلّته،و قعيدته،و بعله،و بعلته.(356)

و هي حليلته،و الحليلة في غير هذا[الأزواج] جارته الّتي تحالّه،أي تنزل معه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](482)

و المحلّتان:القدر و الرّحى،فإذا قيل:المحلاّت فهي القدر و الرّحى و الدّلو و الشّفرة و الفأس و القدّاحة، أي من كان عنده هذا حلّ حيث شاء،و إلاّ فلا بدّ له من أن يجاور النّاس،يستعير بعض هذه الأشياء منهم.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:398)

شمر:الحلّة عند الأعراب:ثلاثة أثواب.

(الأزهريّ 3:442)

الدّينوريّ: الحلّة:شجرة شاكة تنبت في غلظ الأرض أصغر من الأوسجة،و ورقها صغار و لا ثمر لها، و هي مرعى صدق.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 2:531)

المبرّد: و يقال حيّ حلال،إذا كانوا متجاورين مقيمين.[ثمّ استشهد بشعر](1:39)

قوله:«حلاّ أبا ثور»يقول:استثن.يقال:حلف و لم يتحلّل،أي لم يستثن.(1:363)

الضّرير:ذكر أنّ أهل الجاهليّة كانوا إذا ولّدوا شاة عمدوا إلى السّخلة فشرطوا أذنه،و قالوا-و هم يشرطون-:حلاّن حلاّن،أي حلال بهذا الشّرط أن يؤكل.فإن مات كانت ذكاته عندهم ذلك الشّرط الّذي

ص: 567

تقدّم.و يسمّى حلانا،إذا حلّ من الرّبق،فأقبل و أدبر.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 3:440)

الزّجّاج: و حلّ الرّجل من الإحرام و أحلّ،إذا خرج منه.قال اللّه عزّ و جلّ: وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا المائدة:2.[ثمّ استشهد بشعر](فعلت و أفعلت:10)

ابن دريد :حلّ العقد يحلّه حلاّ،و كلّ جامد أذبته فقد حللته.

و حلّ بالمكان حلولا،إذا نزل به.

و حلّ الدّين محلاّ.

و قالوا:حلّ من إحرامه و أحلّ من إحرامه إحلالا.

و الحلّ:خلاف الحرم.

و محلّ القوم و محلّتهم:موضع حلولهم.

و يقال:فعل ذلك في حلّه و في حرمه،أي في وقت إحلاله و إحرامه.

و الحلّ:الحلال،و منه قولهم:«هذا لك حلّ و بلّ».

و قال بعض أهل اللّغة:بلّ إتباع،و قال آخرون:

البلّ:المباح،لغة حميريّة.(1:64)

الحلل:استرخاء في عصب الدّابّة،و فرس أحلّ بيّن الحلل.(3:189)

و حلّ من إحرامه و أحلّ،و بلّ من مرضه و أبلّ.

(3:440)

و حللت بالقوم و حللتهم،و نزلتهم و نزلت بهم.

(3:495)

الأزهريّ: و يكون المحلّ الموضع الّذي يحلّ به، و يكون مصدرا،و كلاهما بفتح الحاء،لأنّهما من حلّ يحلّ فأمّا المحلّ بكسر الحاء فهو من حلّ يحلّ،أي وجب يجب.

قال اللّه جلّ و عزّ: حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ البقرة:196،أي الموضع الّذي يحلّ فيه نحره،و المصدر من هذا بالفتح أيضا،و المكان بالكسر.

و جمع المحلّ محالّ،و يقال:محلّ و محلّة بالهاء،كما يقال:منزل و منزلة.

محلّ الهدي للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ بمكّة إذا قدمها، و طاف بالبيت،و سعى بين الصّفا و المروة.و محلّ هدي القارن يوم النّحر بمنى.

قالت عائشة:طيّبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لحرمه حين أحرم،و لحلّه حين حلّ من إحرامه.يقال:رجل حلّ و حلال،و رجل حرم و حرام،أي محرم.

و يقال للّذي هو في الأشهر الحرم:محرم،و للّذي خرج منها:محلّ.

و يقال للنّازل في الحرم:محرم،و للخارج منه:محلّ؛ و ذلك أنّه ما دام في الحرم يحرم عليه الصّيد و القتال،و إذا خرج منه حلّ له ذلك.[و ذكر قول أبي عبيد في معنى تحلّة القسم ثمّ قال:]

و قال غير أبي عبيد:لا قسم في قوله جلّ و عزّ:

وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها مريم:71،فكيف يكون له تحلّة،و إنّما التّحلّة للأيمان؟

و معنى قوله[النّبيّ]«إلاّ تحلّة القسم»:إلاّ التّعذير الّذي لا ينداه منه مكروه،و مثله قول العرب:ضربته تحليلا،و وعظته تعذيرا،أي لم أبالغ في ضربه و وعظه.

ص: 568

و أصل هذا من تحليل اليمين،و هو أن يحلف الرّجل، ثمّ يستثني استثناء متّصلا باليمين غير منفصل عنها.

يقال:آلى فلان أليّة لم يتحلّل فيها،أي لم يستثن،ثمّ يجعل ذلك مثلا للتّقليل.

و يقال للرّجل إذا أمعن في وعيد أو أفرط في فخر أو كلام:حلاّ أبا فلان،أي تحلّل في يمينك.جعله في وعيده إيّاه كاليمين،فأمره بالاستثناء.

و يقال أيضا:تحلّل فلان من يمينه،إذا خرج منها بكفّارة،أو حنث يوجب الكفّارة.

و يقال:أعط الحالف حلاّن يمينه.

و روي عن عمر«أنّه قضى في الأرنب إذا قتله المحرم بحلاّن».و فسّر في الحديث أنّه جدي ذكر.

و روي عن عثمان أنّه«قضى في أمّ حبين بحلاّن» و فسّر في الحديث أنّه الحمل.

و قال أبو تراب:قال عرّام:الحلاّم:ما بقرت عنه بطن أمّه،فوجدته قد حمّم و شعّر،فإن لم يكن كذلك فهو غضين،و قد أغضنت النّاقة،إذا فعلت ذلك.

و روى سفيان عن عمرو بن دينار قال:سمعت ابن عبّاس يقول:«هي حلّ و بلّ»يعني زمزم،فسئل سفيان ما حلّ و بلّ؟قال:حلّ محلّل.و يقال:هذا حلّ لك و حلال،كما يقال لضدّه:حرم و حرام،أي محرّم.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«أنّه كسا عليّا حلّة سيراء».

السّيراء:برود يخالطها حرير.

قال شمر:و قال خالد بن جنبة:الحلّة:رداء و قميص تمامها العمامة،و لا يزال الثّوب الجيّد يقال له في الثّياب:

حلّة،فإذا وقع على الإنسان ذهبت حلّته حتّى يجمعن له،إمّا اثنان و إمّا ثلاثة.و أنكر أن تكون الحلّة إزارا و رداء وحده.

و الحلل:الوشي و الحبرة و الخزّ و القزّ،و القوهيّ و المرديّ و الحرير.

و سمعت اليماميّ يقول:الحلّة:كلّ ثوب جيّد جديد تلبسه،غليظ أو رقيق،و لا يكون إلاّ ذا ثوبين.

و في الحديث:«أحلّ بمن أحلّ بك»[ثمّ ذكر قول اللّيث و قال:]

و فيه قول آخر:و هو أنّ المؤمنين حرّم عليهم أن يقتل بعضهم بعضا،أو يأخذ بعضهم مال بعض،فكلّ واحد منهم محرم عن صاحبه.

يقول:فإذا أحلّ رجل ما حرّم عليه منك،فادفعه عن نفسك بما تهيّأ لك دفعه به من سلاح و غيره،و إن أتى الدّفع بالسّلاح عليه.و إحلال البادئ ظلم،و إحلال الدّافع مباح،و هذا تفسير الفقهاء،و هو غير مخالف لظاهر الخبر.

[و نقل قول اللّيث في معنى«المحلال»ثمّ قال:]

لا يقال لها:[أرض]محلال حتّى تمرع و تخصب، و يكون نباتها ناجعا للمال.

و في الحديث:«لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،المحلّل و المحلّل له»و هو أن يطلّق الرّجل امرأته ثلاثا فيتزوّجها رجل، بشرط أن يطلّقها بعد مواقعته إيّاها،لتحلّ للزّوج الأوّل.

و كلّ شيء أباحه اللّه فهو حلال،و ما حرّمه فهو

ص: 569

حرام.

و يقال:أحلّ فلان أهله بمكان كذا و كذا،إذا أنزلهم.

و حلّ الرّجل من إحرامه يحلّ،إذا خرج من حرمه، و أحلّ لغة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:436-444)

الصّاحب:حلّ يحلّ حلولا:نقيض الارتحال.

و المحلّ:نقيض المرتحل،و حللت رحلي و أحللت.

و الحلّة:قوم نزول.

و المحلّة:المكان ينزلون فيه.

و المحلّ:مصدر كالحلول و الحلّ،و في المثل:«يا حامل اذكر حلاّ».

و روضة محلال:أكثر القوم الحلول بها.

و الحلول و الحلال و الحلاّل و الحلّل:جماعة الحالّ.

و هو في حلّة صدق و محلّة صدق.

و حللت العقدة،فانحلّت.

و حلّ الدّين عليه محلاّ:وجب.

و يحلّ الهدي يوم النّحر بمنى.

و حلّت العقوبة تحلّ.

و الحلال و الحليل و الحلّ:الحلال بعينه.

و حلّلت اليمين تحليلا و تحلّة.

و ضربته ضربا تحليلا:شبه التّعزير.

و أعطه حلاّن يمينه،أي ما يحلّل يمينه.

و الحلال:مركب من مراكب النّساء.

و الحلّة:موضع حزن و صخور ببلاد بني ضبّة.

و الحليل و الحليلة:الزّوج و المرأة؛و الجميع:الحلائل و الأحلاّء و الأحلّة.

و الإحليل:مخرج البول من الذّكر،و اللّبن من طبي الفرس،و خلف النّاقة.

و المحالّ:الغنم الّذي ينزل اللّبن في ضرعها من غير نتاج؛الواحدة:محلّ.

و بعير أحلّ:في عرقوبيه حلل،أي ضعف.

و الحلّة:شجرة شاكة أصغر من القتاد.

و المحلاّت:آلات السّفر.

و المحلّ من النّوق:الّتي تنزل درّتها من غير فحل، أحلّت إحلالا.

و الحلّة:القطعة من الحرّة السّوداء.

و الحلاّن:الجدي،و قيل:الحمل؛و الجميع:

الحلالين.

و قتيل حلاّن و حلاّم،أي باطل دمه.

و الحلاّن:أن لا تقدر على ذبح الشّاة و غيرها فتطعنها من حيث تدركها،و قيل:هو البقير الّذي يحلّ لحمه بذبح أمّه.

و الحليل:مثل الحلال.

و الفرس الّذي يدخل بين فرسين في الرّهان:

المحلّل.

و حلّت المرأة:خرجت من العدّة.(2:314)

الخطّابيّ: و قوله:[في قصّة حنين]«أنت محلّ بقومك»يريد أنّك قد أبحت حريمهم و عرّضت بهم للهلاك.يقال:أحلّ الرّجل،إذا خرج من حرمة كان فيها فهو محلّ،و أحرم،إذا اعتصم بحرمة فهو محرم.

(1:334)

ص: 570

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه بعث رجلا على الصّدقة فجاءه بفصيل مخلول أو محلول سيّئ الحال مهزول...» [إلى أن قال:]

و أمّا المحلول:فهو الّذي حلّ عن أوصاله اللّحم فعري منه.(1:387)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه كتب لأهل نجران حين صالحهم:إنّ عليهم ألفي حلّة،في كلّ صفر ألف حلّة...» الحلّة:ثوبان؛إزار و رداء،و لا تكون حلّة إلاّ و هي جديدة،تحلّ عن طيّها فتلبس.(1:497)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«أحلّوا للّه يغفر لكم...»أحلّوا:يريد أسلموا.هكذا سمعته يروى بالحاء،فإن كان محفوظا فمعناه الخروج من خطر الشّرك إلى حلّ الإسلام،من قولهم:أحلّ الرّجل،إذا خرج من الحرم إلى الحلّ،و أحلّ في يمينه،إذا خرج من عهدتها ببرّ،أو كفّارة،أو استثناء،أو نحوها،و كذلك أحلّ في نذره.

و كلّ من خرج من حظر إلى إباحة فهو محلّ،و كان عبد اللّه ابن الزّبير يدعى:المحلّ لاستباحته القتال في الحرم.(1:688)

في حديث أبي بكر:«أنّه مرّ بالنّهديّة إحدى مواليه و هي تطحن لمولاتها،و هي تقول:و اللّه لا أعتقك حتّى تعتقك صباتك،فقال:حلاّ أمّ فلان،و اشتراها و أعتقها».

قوله:حلاّ معناه تحلّلي من يمينك،و استثني فيها.

(2:13)

في حديث عمر:«أنّ عليّا رضى اللّه عنه أرسل أمّ كلثوم إليه و هي صغيرة،فجاءته فقالت:إنّ أبي يقول لك:هل رضيت الحلّة؟فقال:نعم،قد رضيتها».

يكنّي بذلك عنها،و قد يكنى عن النّساء بالثّياب و اللّباس،قال اللّه عزّ و جلّ: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ البقرة:187.(2:100)

في حديث الزّهريّ[في قصّة الفيل قال عبد المطّلب:]

*لاهمّ إنّ المرء يمنع رحله فامنع حلالك* قوله:فامنع حلالك،أي جيران بيتك و سكّان حرمك،يقال:قوم حلّة و حلال،إذا كانوا متجاورين مقيمين.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](3:151،152)

الجوهريّ: حللت العقدة أحلّها حلاّ:فتحتها، فانحلّت.يقال:«يا عاقد اذكر حلاّ».

و حلّ بالمكان حلاّ و حلولا و محلاّ.

و المحلّ أيضا:المكان الّذي تحلّه.

و حللت القوم و حللت بهم بمعنى.

و الحلّ:دهن السّمسم.

و الحلّ بالكسر:الحلال،و هو ضدّ الحرام.

و رجل حلّ من الإحرام،أي حلال.يقال:أنت حلّ،و أنت حرم.

و الحلّ أيضا:ما جاوز الحرم.

و يقال أيضا:حلاّ،أي استثن.و«يا حالف اذكر حلاّ».

و قوم حلّة،أي نزول،و فيهم كثرة.و كذلك حيّ

ص: 571

حلال.

و الحلّة أيضا:مصدر قولك:حلّ الهدي.

و يقال أيضا:هو في حلّة صدق،أي بمحلّة صدق.

و المحلّة:منزل القوم.

و مكان محلال،أي يحلّ به النّاس كثيرا.

و قوله تعالى: حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ البقرة:

169،هو الموضع الّذي ينحر فيه.

و محلّ الدّين أيضا:أجله.

و الحليل:الزّوج،و الحليلة:الزّوجة.

و يقال أيضا:هذا حليله و هذه حليلته،لمن يحالّه في دار واحدة.

و الإحليل:مخرج البول،و مخرج اللّبن من الضّرع و الثّدي.

و حلّ لك الشّيء يحلّ حلاّ و حلالا،و هو حلّ بلّ، أي طلق.

و حلّ المحرم يحلّ حلالا،و أحلّ بمعنى.

و حلّ الهدي يحلّ حلّة و حلولا،أي بلغ الموضع الّذي يحلّ فيه نحره.

و حلّ العذاب يحلّ بالكسر،أي وجب.و يحلّ بالضّمّ،أي نزل.و قرئ بهما قوله تعالى: فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي طه:81،.

و أمّا قوله تعالى: أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ الرّعد:31،فبالضّمّ،أي تنزل.

و حلّ الدّين يحلّ حلولا.

و حلّت المرأة،أي خرجت من عدّتها.

و أحللته،أي أنزلته.

و أحللت له الشّيء،أي جعلته له حلالا.يقال:

أحللت المرأة لزوجها.

و أحلّ المحرم:لغة في حلّ.

و أحلّ،أي خرج إلى الحلّ،أو من ميثاق كان عليه.

و أحللنا،أي دخلنا في شهور الحلّ.و أحرمنا،أي دخلنا في شهور الحرم.

و أحلّت الشّاة،إذا نزل اللّبن في ضرعها من غير نتاج.

و المحلّل في السّبق:الدّاخل بين المتراهنين إن سبق أخذ،و إن سبق لم يغرم.

و المحلّل في النّكاح،هو الّذي يتزوّج المطلّقة ثلاثا حتّى تحلّ للزّوج الأوّل.

و أحلّ بنفسه،أي استوجب العقوبة.

و مكان محلّل،إذا أكثر النّاس به الحلول.

و احتلّ،أي نزل.

و تحلّل في يمينه،أي استثنى.

و استحلّ الشّيء،أي عدّه حلالا.

و حلحلت القوم،أي أزعجتهم عن موضعهم.

و حلحلت بالنّاقة،إذا قلت لها:حل بالتّسكين، و هو زجر للنّاقة.و حوب:زجر للبعير،و حل أيضا بالتّنوين في الوصل.

و الحلاّن:الجدي،نذكره في باب النّون.

و التّحليل:ضدّ التّحريم.تقول:حلّلته تحليلا و تحلّة،كما تقول:غرّر تغريرا و تغرّة.

ص: 572

و قولهم:ما فعلته إلاّ تحلّة القسم،أي لم أفعل إلاّ بقدر ما حلّلت به يميني و لم أبالغ.

و في الحديث:«لا يموت للمؤمن ثلاثة أولاد فتمسّه النّار إلاّ تحلّة القسم»أي قدر ما يبرّ اللّه تعالى قسمه فيه، بقوله تعالى: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا مريم:71،ثمّ قيل لكلّ شيء لم يبالغ فيه:تحليل،يقال:ضربته تحليلا.

و الأحلّ:الّذي في رجله استرخاء،و هو مذموم في كلّ شيء،إلاّ في الذّئب.

و الحلاحل:السّيّد الرّكين؛و الجمع:الحلاحل بالفتح.[و استشهد بالشّعر 11 مرّة](4:1672)

ابن فارس: الحاء و اللاّم له فروع كثيرة و مسائل، و أصلها كلّها عندي فتح الشّيء،لا يشذّ عنه شيء.

يقال:حللت العقدة أحلّها حلاّ،و يقول العرب:«يا عاقد اذكر حلاّ».

و الحلال ضدّ الحرام،و هو من الأصل الّذي ذكرناه، كأنّه من حللت الشّيء،إذا أبحته و أوسعته لأمر فيه.

و حلّ:نزل،و هو من الباب،لأنّ المسافر يشدّ و يعقد،فإذا نزل حلّ،يقال:حللت بالقوم.

و حليل المرأة:بعلها،و حليلة المرء:زوجه.و سمّيا بذلك لأنّ كلّ واحد منهما يحلّ عند صاحبه.و يقال:

سمّيت الزّوجة حليلة،لأنّ كلّ واحد منهما يحلّ إزار الآخر.

و الحلّة:معروفة،و هي لا تكون إلاّ ثوبين.و ممكن أن يحمل على الباب،فيقال:لمّا كانا اثنين كانت فيهما فرجة.

و من الباب الإحليل،و هو مخرج البول،و مخرج اللّبن من الضّرع.

و من الباب تحلحل عن مكانه،إذا زال.

و الحلاحل:السّيّد،و هو من الباب،ليس بمنغلق محرّم كالبخيل المحكم اليابس.

و الحلّة:الحيّ النّزول من العرب.

و المحلّة:المكان ينزل به القوم.

و حيّ حلال:نازلون.

و حلّ الدّين:وجب.

و الحلّ:ما جاوز الحرم.

و رجل محلّ من الإحلال،و محرم من الإحرام.

و حلّ و حلال بمعنى،و كذلك في مقابلته حرم و حرام.و في الحديث:«تزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ميمونة و هما حلالان».

و رجل محلّ:لا عهد له،و محرم:ذو عهد.

و الحلاّن:الجدي يشقّ له عن بطن أمّه،و هو من الباب.

و حلّلت اليمين أحلّلها تحليلا.و فعلت هذا تحلّة القسم،أي لم أفعل إلاّ بقدر ما حلّلت به قسمي أن أفعله و لم أبالغ.

و منه:«لا يموت لمؤمن».[و ذكر الحديث ثمّ قال:]

ثمّ كثر هذا في الكلام حتّى قيل لكلّ شيء لم يبالغ فيه:تحليل،يقال:ضربته تحليلا،و وقعت مناسم هذه النّاقة تحليلا،إذا لم تبالغ في الواقع بالأرض.

ص: 573

و يقال:أحلّت الشّاة،إذا نزل اللّبن في ضرعها من غير نتاج.

و الحلال:متاع الرّحل.

و الحلال:مركب من مراكب النّساء.

و رأيت في بعض الكتب عن سيبويه:هو حلّة الغور، أي قصده.[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](2:20)

أبو هلال :الفرق بين الحلال و المباح:أنّ الحلال هو المباح الّذي علم إباحته بالشّرع.و المباح لا يعتبر فيه ذلك،تقول:المشي في السّوق مباح و لا تقول:حلال.

و الحلال:خلاف الحرام،و المباح:خلاف المحظور، و هو الجنس الّذي لم يرغب فيه.و يجوز أن يقال:هو ما كان لفاعله أن يفعله و لا ينبئ عن مدح و لا ذمّ.

و قيل:هو ما أعلم المكلّف،أو دلّ على حسنه،و أنّه لا ضرر عليه في فعله و لا تركه،و لذلك لا توصف أفعال اللّه تعالى بأنّها مباحة،و لا توصف أفعال البهائم بذلك.

فمعنى قولنا:إنّه على الإباحة أنّ للمكلّف أن ينتفع به و لا ضرر عليه في ذلك،و إرادة المباح و الأمر به قبيح، لأنّه لا فائدة فيه؛إذ فعله و تركه سواء،في أنّه لا يستحقّ عليه ثواب،و ليس كذلك الحلال.(186)

الثّعالبيّ: لا يقال للثّوب:حلّة،إلاّ إذا كان ثوبين اثنين،من جنس واحد.(52)

الحلّة و المحلّة:مكان الحلول.(292)

أبو سهل الهرويّ: و حللت من إحرامي أحلّ بالكسر،أي قضيت فروض الإحرام بالحجّ فصرت حلالا،أي حلّ لي كلّ شيء امتنعت منه في الإحرام.(12)

ابن سيده: حلّ بالمكان يحلّ حلاّ و حلولا،و حللا بفكّ التّخفيف نادر.

و حلّه و احتلّ به و احتلّه:نزل به.

و يقال للرّجل إذا لم يكن عنده غناء:«لا حلّي و لا سيري»كأنّ هذا إنّما قيل أوّل وهلة لمؤنّث فخوطب بعلامة التّأنيث،ثمّ قيل ذلك للمذكّر و الاثنين و الثّنتين و الجماعة محكيّا بلفظ المؤنّث.

و كذلك حلّ بالقوم و حلّهم،و احتلّ بهم و احتلّهم، فإمّا أن تكونا لغتين كلتاهما وضع،و إمّا أن يكون الأصل:حلّ به،ثمّ حذفت الباء و أوصل الفعل إلى ما بعده،فقيل:حلّه.

و رجل حالّ من قوم حلول و حلاّل و حلّل.

و أحلّه المكان و أحلّه به و حلّله إيّاه و حلّ به:جعله يحلّ،عاقبت الباء الهمزة.

و حالّه:حلّ معه.

و حليلة الرّجل:امرأته،و هو حليلها،لأنّ كلّ واحد منهما يحالّ صاحبه.و هو أمثل من قول من قال:إنّما هو من الحلال،أي أنّه يحلّ لها و تحلّ له؛و ذلك لأنّه ليس باسم شرعيّ،إنّما هو من قديم الأسماء.

و قيل:حليلته:جارته،و هو من ذلك،لأنّهما يحلاّن بموضع واحد.و حكي عن أبي زيد:أنّ الحليل يكون للمؤنّث بغير هاء.

و الحلّة:القوم النّزول،اسم للجمع.

و الحلّة:هيئة الحلول.

ص: 574

و الحلّة:جماعة بيوت النّاس،لأنّها تحلّ.قال كراع:

هي مائة بيت؛و الجمع:حلال.

و الحلّة:مجلس القوم،لأنّهم يحلّونه.

و المحلّة:منزل القوم.

و روضة محلال:أكثر النّاس الحلول بها.و عندي أنّها تحلّ النّاس كثيرا،لأنّ«مفعالا»إنّما هي في معنى فاعل لا في معنى مفعول.و كذلك أرض محلال.

و المحلّتان:القدر و الرّحى،فإذا قلت المحلاّت فهي الدّلو و القربة و الجفنة و السّكّين و الفاس و الزّند، لأنّ من كانت هذه معه حلّ حيث شاء.

و تلعة محلّة:تضمّ بيتا أو بيتين.قال أعرابيّ: أصابنا مطير كسيل شعاب السّخبر،روّى التّلعة المحلّة.

و يروى:سيّل شعاب السّخبر،و إنّما شبّهه بشعاب السّخبر و هي منابته،لأنّ عرضها ضيّق،فطولها قدر رمية بحجر.

و حلّ من إحرامه يحلّ حلاّ.

و أحلّ:خرج،و هو حلال،و لا يقال:حالّ،على أنّه القياس.

و فعل ذلك في حلّه و حرمه،أي في وقت إحلاله و إحرامه.

و قوله عزّ و جلّ: حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ البقرة:

196،قيل:محلّ من كان حاجّا يوم النّحر،و محلّ من كان معتمرا يوم يدخل مكّة.

و الحلّ:ما جاوز الحرم.

و رجل محلّ:منتهك للحرام،و قيل:هو الّذي لا يرى للشّهر الحرام حرمة.و في الحديث«أحلّ بمن أحلّ بك».يقول:من ترك الإحرام و أحلّ بك و قاتلك فأحلل به و قاتله،و إن كنت محرما.

و الحلّ و الحلال و الحليل:نقيض الحرام.

حلّ يحلّ حلاّ،و أحلّه اللّه و حلّله،و قوله تعالى:

يُحِلُّونَهُ عاماً وَ يُحَرِّمُونَهُ عاماً التّوبة:37،فسّره ثعلب فقال:هذا هو النّسيء،كانوا في الجاهليّة يجمعون أيّاما حتّى تصير شهرا،فلمّا حجّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«الآن استدار الزّمان كهيئته».

و هذا لك حلّ،أي حلال.يقال:هو لك حلّ و بلّ، و كذلك الأنثى.و من كلام عبد المطّلب:«لا أحلّها لمغتسل،و هي لشارب حلّ و بلّ»بلّ:إتباع،و قيل:

مباح،حميريّة.

و استحلّ الشّيء:اتّخذه حلالا،أو سأله أن يحلّه له.

و الحلو الحلال:الكلام الّذي لا ريبة فيه.

و حلّل اليمين تحليلا و تحلّة و تحلاّ-الأخيرة شاذّة- كفّرها.

و التّحلّة:ما كفّره به،و في التّنزيل: قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ التّحريم:2.

و الاسم من كلّ ذلك:الحلّ.

و حكى سيبويه:لأفعلنّ كذا إلاّ حلّ ذلك أن أفعل كذا،أي و لكن حلّ ذلك،فحلّ مبتدأة و ما بعدها مبنيّ عليها.

عليّ: معناه تحلّة قسمي أو تحليله أن أفعل كذا.

و المحلّل من الخيل:الفرس الثّالث من خيل

ص: 575

الرّهان؛و ذلك أن يضع الرّجلان رهنين بينهما،ثمّ يأتي رجل سواهما فيرسل معهما فرسه،و لا يضع رهنا،فإن سبق أحد الأوّلين أخذ رهنه و رهن صاحبه،و كان حلالا له من أجل الثّالث و هو المحلّل،و إن سبق المحلّل و لم يسبق واحد منهما أخذ الرّهنين جميعا،و إن سبق هو لم يكن عليه شيء،و هذا لا يكون إلاّ في الّذي لا يؤمن أن يسبق.و أمّا إذا كان بليدا بطيئا قد أمن أن يسبقهما فذلك القمار المنهيّ عنه،و يسمّى أيضا الدّخيل.

و ضربه ضربا تحليلا،أي شبه التّعزير،و إنّما اشتقّ ذلك من تحليل اليمين،ثمّ أجري في سائر الكلام حتّى قيل في وصف الإبل إذا بركت.

و حلّ العقدة يحلّها حلاّ:نقضها،فانحلّت.

و كلّ جامد أذيب فقد حلّ.

و المحلّل:الشّيء اليسير.

و كلّ ماء حلّته الإبل فكدّرته:محلّل.

و حلّ عليه أمر اللّه يحلّ حلولا:وجب،و في التّنزيل: أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ طه:86، و من قرأ: (ان يحلّ) فمعناه:أن ينزل.

و أحلّه اللّه عليه:أوجبه.

و حلّ عليه حقّي يحلّ محلاّ.و هو أحد ما جاء من المصادر على مثال«مفعل»بالكسر كالمرجع و المحيض،و ليس ذلك بمطّرد،إنّما يقتصر على ما سمع منه،هذا مذهب سيبويه.فأمّا قوله تعالى: حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ البقرة:196،فقد يكون المصدر و يكون الموضع.

و أحلّت الشّاة و النّاقة و هي محلّ:درّ لبنها،و قيل:

يبس لبنها ثمّ أكلت الرّبيع فدرّت.و عبّر عنه بعضهم بأنّه نزول اللّبن من غير نتاج.و المعنيان متقاربان، و كذلك النّاقة.

و أحلّت النّاقة على ولدها:درّ لبنها،عدّي ب«على» لأنّه في معنى:درّت.

و تحلّل السّفر بالرّجل:اعتلّ بعد قدومه.

و الإحليل و التّحليل:مخرج البول من الإنسان، و مخرج اللّبن من الثّدي و الضّرع.

و امرأة حلاّء:رسحاء،و ذئب أحلّ بيّن الحلل كذلك.

و الحلل:استرخاء عصب الدّابّة،فرس أحلّ.

و خصّ أبو عبيد به الإبل.

و الحلل:رخاوة في الكعب،و قد حللت حللا،و فيه حلّة و حلّة،أي تكسّر و ضعف؛الفتح عن ثعلب، و الكسر عن ابن الأعرابيّ.

و الحلّ:الغرض الّذي يرمى إليه.

و الحلال:متاع الرّحل.

و الحلّة:إزار و رداء برد أو غيره،و لا يقال لها:حلّة حتّى تكون من ثوبين؛و الجمع:حلل و حلال.

و حلّله الحلّة:ألبسه إيّاها.

و الحلاّن:الجدي.و قيل:هو الجدي الّذي يشقّ عليه بطن أمّه فيخرج.

و قيل:الحلاّن لغة في الحلاّم،كأنّ أحد الطّرفين بدل من صاحبه،فإن كان ذلك فهو ثلاثيّ.

ص: 576

و الحلّة:شجرة شاكة أصغر من القتادة،يسمّيها أهل البادية الشّبرق.

و حلحل القوم:أزالهم عن مواضعهم.

و التّحلحل:التّحرّك و الذّهاب.

و حلحلتهم:حرّكتهم.

و تحلحلت عن المكان:كتزحزحت،عن يعقوب.

و الحلاحل:السّيّد الشّجاع الرّكين،و قيل:هو الضّخم المروءة،و قيل:هو الرّزين مع ثخانة.و لا يقال ذلك للنّساء،و ليس له فعل.و حكى ابن جنّيّ:رجل محلحل و ملحلح،في ذا المعنى.

و حلحل بالإبل:قال:حل حل.[و استشهد بالشّعر 11 مرّة](2:526)

الطّوسيّ: و الحلال:هو الجائز من أفعال العباد، مأخوذ من أنّه طلق،لم يعقد بحظر.و المباح هو الحلال بعينه.

و ليس كلّ حسن حلالا،لأنّ أفعاله تعالى حسنة و لا يقال:إنّها حلال؛إذ الحلال:إطلاق في الفعل لمن يجوز عليه المنع.

و تقول:حلّ يحلّ حلالا،و حلّ يحلّ حلولا،و حلّ العقد حلاّ،و أحلّه إحلالا،و استحلّ استحلالا،و تحلّل تحلّلا،و احتلّ احتلالا.و تحالّوا تحالاّ،و حالّه محالّة، و حلّله تحليلا،و انحلّ انحلالا.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن اللّغويّين،و قال:]

و أصل الباب:الحلّ نقيض العقد،و منه أحلّ من إحرامه،لأنّه حلّ عقد الإحرام بالخروج منه،و تحلّة اليمين:أخذ أقلّ القليل،لأنّ عقدة اليمين تنحلّ به.

(2:70)

نحوه الطّبرسيّ.(1:252)

و الإحلال:وضع الشّيء في محلّ،إمّا مجاوره إن كان من قبيل الأجسام،أو مداخله إن كان من قبيل الأعراض.(6:294)

نحوه الطّبرسيّ.(3:313)

و الحلّ:نفي العقد بالفرق،حلّه يحلّه حلاّ،فهو حالّ و الشّيء محلول.و ضدّ الحلّ:العقد،و نظيره الفصل و القطع.(7:169)

نحوه الطّبرسيّ.(4:7)

الرّاغب: أصل الحلّ:حلّ العقدة،و منه قوله عزّ و جلّ: وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي طه:27.

و حللت:نزلت،أصله:من حلّ الأحمال عند النّزول،ثمّ جرّد استعماله للنّزول،فقيل:حلّ حلولا، و أحلّه غيره.قال عزّ و جلّ: أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ الرّعد:31، وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ إبراهيم:28.

و يقال:حلّ الدّين:وجب أداؤه.

و الحلّة:القوم النّازلون،و حيّ حلال مثله.

و المحلّة:مكان النّزول.

و عن حلّ العقدة استعير قولهم:حلّ الشّيء حلاّ.

قال اللّه تعالى: وَ كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً المائدة:88،و قال تعالى: هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ النّحل:116.

ص: 577

و من الحلول:أحلّت الشّاة:نزل اللّبن في ضرعها.

[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و بلغ الأجل محلّه،و رجل حلال،و محلّ،إذا خرج من الإحرام،أو خرج من الحرم.قال عزّ و جلّ: وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا المائدة:2، وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ البلد:2،أي حلال،و قوله عزّ و جلّ: ...تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ التّحريم:2،أي بيّن ما تنحلّ به عقدة أيمانكم من الكفّارة.و روي«لا يموت للرّجل ثلاثة من الأولاد فتمسّه النّار إلاّ قدر تحلّة القسم»أي قدر ما يقول إن شاء اللّه تعالى.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحليل:الزّوج:إمّا لحلّ كلّ واحد منهما إزاره للآخر،و إمّا لنزوله معه،و إمّا لكونه حلالا له،و لهذا يقال لمن يحالّك:حليل.

و الحليلة:الزّوجة؛و جمعها:حلائل،قال اللّه تعالى:

وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ... النّساء:23.

و الحلّة:إزار و رداء،و الإحليل:مخرج البول،لكونه محلول العقدة.(128)

الزّمخشريّ: حلّ له كذا،فهو حلّ و حلال.و حلّ المحرم و أحلّ فهو حلّ و حلال و محلّ.

و أحلّه اللّه و حلّله:ضدّ حرّمه،و استحلّ الحرام.

و حللت الدّار،و حللت بالقوم،و هي محلّة القوم و حلّتهم،و فلان في حلّة صدق.و دار فلان في حلل العرب.و حيّ حلّة و حلال:حالّون في مكان.

و حلّل يمينه،و تحلّل في يمينه،و من يمينه:استثنى.

يقال:تحلّل،و حلاّ أبا فلان.

و أدخل السّابقان بين فرسيهما محلّلا و دخيلا.

و نزلوا و معهم المحلاّت،و هي الأشياء الّتي لا بدّ للنّازل منها:من رحى،و فأس،و قدر،و دلو،و نحوها.

و ذهب حلّة الغور،أي قصده.

و مكان محلال:يحلّ كثيرا،و تحلحل عن المكان.

و رجل حلاحل:سيّد.

و شاة ضيّقة الإحليل و هو مخرج اللّبن.

و حلّ الدّين يحلّ:وجب،و حان محلّ الدّين،و بلغ الهدي محلّه.

و من المجاز:رجل محلّ:لا عهد له،و محرم:له عهد.

و فلان حلاّل للعقد،كاف للمهمّات.

و الكرم في حلّته.و كساه حلل الثّناء.

و لبس المحارب حلّته و بزّته،أي سلاحه.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:93)

عائشة رضي اللّه عنها:قالت لامرأة مرّت بها:«ما أطول ذيلها!فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:اغتبتها،قومي إليها فتحلّليها»التّحلّل و الاستحلال:طلبك إلى الرّجل أن يجعلك في حلّ.

و في الحديث:«من كانت عنده مظلمة من أخيه فليستحلّه».

و في حديث آخر:«من حلّ بك فأحلل به»يقال:

حلّ المحرم:صار حلالا،و أحلّ:دخل في الحلّ.

(الفائق 1:312)

ابن الشّجريّ: في قول أبي الصّلت الثّقفيّ:

ص: 578

اشرب هنيئا عليك التّاج مرتفعا

في رأس غمدان دارا منك محلالا

و محلال من الحلول و هو النّزول،و جاء بلفظ التّذكير،و الدّار اسم مؤنّث،لأنّ ما جاء على«مفعال» يستوي فيه الذّكور و الإناث،كاستوائهما في«فعول» قالوا:امرأة مذكار و مئناث،كما قالوا:امرأة صبور و شكور.(1:162 و 169)

الطّبرسيّ: و الحلائل:جمع الحليلة،و هي بمعنى المحلّلة،مشتقّة من الحلال.و الذّكر:حليل؛و جمعه:

أحلّة،كعزيز و أعزّة.سمّيا بذلك،لأنّ كلّ واحد منهما يحلّ له مباشرة صاحبه.

و قيل:هو من الحلول،لأنّ كلّ واحد منهما يحالّ صاحبه،أي يحلّ معه في الفراش.(2:28)

و الحلول:النّزول للمقام،و هو من الحلّ خلاف الارتحال،و حلول العرض:وجوده في الجوهر من غير شغل حيّز،و المصحّح للحلول:التّحيّز.(3:159)

و الحلول:حصول الشّيء في الشّيء،كحصول العرض في الجوهر و حصول الجوهر في الوعاء.و الأصل الأوّل،و الثّاني مشبّه به.(3:292)

و التّحلّة و التّحليل بمعنى،و هما مصدران،لقولهم:

حلّلت له كذا.

و تحلّة اليمين:فعل ما يسقط التّبعة فيه.(5:312)

الحلّ:الحالّ،و هو السّاكن،و الحلّ:الحلال،و رجل حلّ و حلال،أي محلّ.(5:492)

المدينيّ: [ذكر معاني بعض الآيات و أضاف:]

في حديث عيسى عليه السّلام وقت نزوله:«أنّه يزيد في الحلال»قيل:إنّه لم ينكح حتّى رفع،فإذا نزل تزوّج فزاد فيما أحلّ اللّه تبارك و تعالى له،أي ازداد منه،فحينئذ لا يبقى من أهل الكتاب أحد إلاّ علم أنّه عبد اللّه،و أيقن أنّه بشر.

في الحديث:«أنّه كره التّبرّج بالزّينة لغير محلّها» قيل:هو ما جاءه القرآن وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ النّور:31.(1:490)

ابن الأثير: في حديث عائشة قالت:«طيّبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لحلّه و حرمه».

و في حديث آخر:«لإحلاله حين حلّ».يقال:حلّ المحرم يحلّ حلالا و حلاّ،و أحلّ يحلّ إحلالا،إذا حلّ له ما يحرم عليه من محظورات الحجّ.و رجل حلّ من الإحرام،أي حلال.و الحلال:ضدّ الحرام.و رجل حلال،أي غير محرم و لا متلبّس بأسباب الحجّ.و أحلّ الرّجل،إذا خرج إلى الحلّ عن الحرم.و أحلّ،إذا دخل في شهور الحلّ.

و في حديث العمرة:«حلّت العمرة لمن اعتمر»أي صارت لكم حلالا جائزة؛و ذلك أنّهم كانوا لا يعتمرون في الأشهر الحرم،فذلك معنى قولهم:إذا دخل صفر حلّت العمرة لمن اعتمر.

و في حديث العبّاس و زمزم:«لست أحلّها لمغتسل، و هي لشارب حلّ و بلّ»الحلّ بالكسر:الحلال ضدّ الحرام.

و منه الحديث:«و إنّما أحلّت لي ساعة من نهار»يعني

ص: 579

مكّة يوم الفتح؛حيث دخلها عنوة غير محرم.

و فيه:«إنّ الصّلاة تحريمها التّكبير و تحليلها التّسليم» أي صار المصلّي بالتّسليم يحلّ له ما حرم عليه فيها بالتّكبير من الكلام و الأفعال الخارجة عن كلام الصّلاة و أفعالها،كما يحلّ للمحرم بالحجّ عند الفراغ منه ما كان حراما عليه.

و منه الحديث:«لا يموت لمؤمن ثلاثة أولاد فتمسّه النّار إلاّ تحلّة القسم».قيل:أراد بالقسم قوله تعالى:

وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها مريم:71،تقول العرب:

ضربه تحليلا و ضربه تعذيرا،إذا لم يبالغ في ضربه.و هذا مثل في القليل المفرط في القلّة،و هو أن يباشر من الفعل الّذي يقسم عليه المقدار؛الّذي يبرّ به قسمه،مثل أن يحلف على النّزول بمكان،فلو وقع وقعة خفيفة أجزأه، فتلك تحلّة قسمه.فالمعنى لا تمسّه النّار إلاّ مسّة يسيرة مثل تحلّة قسم الحالف،و يريد بتحلّته؛الورود على النّار و الاجتياز بها.و التّاء في«التّحلّة»زائدة.

و منه الحديث الآخر:«من حرس ليلة من وراء المسلمين متطوّعا لم يأخذه الشّيطان،و لم ير النّار تمسّه إلاّ تحلّة القسم،قال اللّه تعالى: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها».

و منه حديث عمرو بن معدي كرب:«قال لعمر:

حلاّ يا أمير المؤمنين فيما تقول»أي تحلّل من قولك.

و في حديث أبي قتادة:«ثمّ ترك فتحلّل»أي لمّا انحلّت قواه ترك ضمّه إليه،و هو«تفعّل»،من الحلّ نقيض الشّدّ.

و في حديث أنس:«قيل له:حدّثنا ببعض ما سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:و أتحلّل»،أي أستثني.

و فيه:«أنّه سئل:أيّ الأعمال أفضل؟فقال:الحالّ المرتحل،قيل:و ما ذاك؟قال:الخاتم المفتتح،و هو الّذي يختم القرآن بتلاوته،ثمّ يفتتح التّلاوة من أوّله»شبّهه بالمسافر يبلغ المنزل فيحلّ فيه،ثمّ يفتتح سيره،أي يبتدءوه.

و كذلك قرّاء أهل مكّة إذا ختموا القرآن بالتّلاوة ابتدءوا و قرءوا الفاتحة و خمس آيات من أوّل سورة البقرة إلى وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، ثمّ يقطعون القراءة.

و يسمّون فاعل ذلك:الحالّ المرتحل،أي ختم القرآن و ابتدأ بأوّله و لم يفصل بينهما بزمان.

و قيل:أراد بالحالّ المرتحل:الغازي الّذي لا يقفل عن غزو إلاّ عقبه بآخر.

و في حديث بعض الصّحابة:«لا أوتى بحالّ و لا محلّل إلاّ رجمتهما»جعل الزّمخشريّ هذا الأخير حديثا لا أثرا.

و في هذه اللّفظة ثلاث لغات:حلّلت،و أحللت، و حللت؛فعلى الأولى جاء الحديث الأوّل،يقال:حلّل فهو محلّل و محلّل له،و على الثّانية جاء الثّاني،تقول:

أحلّ فهو محلّ و محلّ له،و على الثّالثة جاء الثّالث،تقول:

حللت فأنا حالّ،و هو محلول له.

و قيل:أراد بقوله:«لا أوتى بحالّ»أي بذي إحلال، مثل قولهم:ريح لاقح،أي ذات إلقاح.

و المعنى في الجميع:هو أن يطلّق الرّجل امرأته ثلاثا فيتزوّجها رجل آخر،على شريطة أن يطلّقها بعد وطئها،لتحلّ لزوجها الأوّل.

ص: 580

و قيل:سمّي محلّلا بقصده إلى التّحليل،كما يسمّى مشتريا،إذا قصد الشّراء.

و في حديث مسروق:«في الرّجل تكون تحته الأمة فيطلّقها طلقتين،ثمّ يشتريها،قال:لا تحلّ له إلاّ من حيث حرمت عليه»أي أنّها لا تحلّ له و إن اشتراها حتّى تنكح زوجا غيره.يعني أنّها كما حرمت عليه بالتّطليقتين فلا تحلّ له حتّى يطلّقها الزّوج الثّاني تطليقتين فتحلّ له بهما،كما حرمت عليه بهما.

و فيه:«أن تزاني حليلة جارك»حليلة الرّجل:

امرأته،و الرّجل حليلها،لأنّها تحلّ معه و يحلّ معها.

و قيل:لأنّ كلّ واحد منهما يحلّ للآخر.

و في حديثه[عيسى]أيضا:«فلا يحلّ لكافر يجد ريح نفسه إلاّ مات»أي هو حقّ واجب واقع،لقوله تعالى:

وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ الأنبياء:95،أي حقّ واجب عليها.

و منه الحديث:«حلّت له شفاعتي»و قيل:هي بمعنى غشيته و نزلت به.

فأمّا قوله:«لا يحلّ الممرض على المصحّ»فبضمّ الحاء،من الحلول:النّزول،و كذلك فليحلل بضمّ اللاّم.

و في حديث الهدي:«لا ينحر حتّى يبلغ محلّه»أي الموضع و الوقت الّذي يحلّ فيهما نحره،و هو يوم النّحر بمنى،و هو بكسر الحاء يقع على الموضع و الزّمان.

و منه حديث عائشة:«قال لها:هل عندكم شيء؟ قالت:لا،إلاّ شيء بعثت به إلينا نسيبة من الشّاة الّتي بعثت إليها من الصّدقة،فقال:هات فقد بلغت محلّها»أي وصلت إلى الموضع الّذي تحلّ فيه،و قضي الواجب فيها من التّصدّق بها،فصارت ملكا لمن تصدّق بها عليه، يصحّ له التّصرّف فيها،و يصحّ قبول ما أهدى منها و أكله.و إنّما قال ذلك،لأنّه كان يحرم عليه أكل الصّدقة.

و فيه:«خير الكفن الحلّة».الحلّة:واحدة الحلل، و هي برود اليمن،و لا تسمّى حلّة إلاّ أن تكون ثوبين من جنس واحد.

و منه حديث أبي اليسر:«لو أنّك أخذت بردة غلامك و أعطيته معافريّك،أو أخذت معافريّه و أعطيته بردتك فكانت عليك حلّة و عليه حلّة».

و منه الحديث:«أنّه رأى رجلا عليه حلّة قد ائتزر بأحدهما و ارتدى بالأخرى»أي ثوبين.

و منه حديث ابن عبّاس:«أحمد إليكم غسل الإحليل»أي غسل الذّكر.

و في حديث ابن عبّاس:«إنّ حل لتوطئ النّاس و تؤذي و تشغل عن ذكر اللّه تعالى»حل:زجر للنّاقة إذا حثثتها على السّير،أي إنّ زجرك إيّاها عند الإفاضة عن عرفات يؤدّي إلى ذلك من الإيذاء و الشّغل عن ذكر اللّه تعالى،فسر على هينتك.(1:428-433)

أبو حيّان :الحلال:مقابل الحرام،و مقابل المحرم.

يقال:شيء حلال،أي سائغ الانتفاع به،و شيء حرام:

ممنوع منه،و رجل حلال،أي ليس بمحرم.

قيل:و سمّي حلالا لانحلال عقد المنع منه.

و الفعل منه:حلّ يحلّ بكسر الحاء في المضارع،على قياس الفعل المضاعف اللاّزم.

ص: 581

و يقال:هذا حلّ،أي حلال.و يقال:حلّ بلّ،على سبيل التّوكيد.

و حلّ بالمكان:نزل به،و مضارعه جاء بضمّ الحاء و كسرها.

و حلّ عليه الدّين:حان وقت أدائه.(1:477)

الفيّوميّ: حلّ الشّيء يحلّ بالكسر حلاّ:خلاف حرم،فهو حلال،و حلّ أيضا وصف بالمصدر.و يتعدّى بالهمزة و التّضعيف،فيقال:أحللته و حلّلته،و منه أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ البقرة:275،أي أباحه و خيّر في الفعل و التّرك.

و اسم الفاعل:محلّ و محلّل،و منه المحلّل،و هو الّذي يتزوّج المطلّقة ثلاثا لتحلّ لمطلّقها،و المحلّل في المسابقة أيضا،لأنّه يحلّل الرّهان و يحلّه،و قد كان حراما.

و حلّ الدّين يحلّ بالكسر أيضا حلولا:انتهى أجله، فهو حالّ.

و حلّت المرأة للأزواج:زال المانع الّذي كانت متّصفة به كانقضاء العدّة،فهي حلال.

و حلّ الحقّ حلاّ و حلولا:وجب.

و حلّ المحرم حلاّ بالكسر:خرج من إحرامه.

و أحلّ بالألف مثله،فهو محلّ،و حلّ أيضا تسمية بالمصدر،و حلال أيضا.

و أحلّ:صار في الحلّ،و الحلّ ما عدا الحرم.

و حلّ الهدي:وصل الموضع الّذي ينحر فيه.

و حلّت اليمين:برّت.

و حلّ العذاب يحلّ و يحلّ حلولا.هذه وحدها بالضّمّ مع الكسر،و الباقي بالكسر فقط.

و حللت بالبلد حلولا من باب«قعد»،إذا نزلت به.

و يتعدّى أيضا بنفسه،فيقال:حللت البلد.

و المحلّ بفتح الحاء و الكسر لغة حكاها ابن القطّاع:موضع الحلول.

و المحلّ بالكسر:الأجل.

و المحلّة بالفتح:المكان ينزله القوم.

و حللت العقدة حلاّ من باب«قتل»و اسم الفاعل حلاّل.و منه قيل:حللت اليمين،إذا فعلت ما يخرج عن الحنث،فانحلّت هي؛و حلّلتها بالتّثقيل؛و الاسم:التّحلّة بفتح التّاء.

و فعلته تحلّة القسم،أي بقدر ما تحلّ به اليمين و لم أبالغ فيه،ثمّ كثر هذا حتّى قيل لكلّ شيء لم يبالغ فيه:

تحليل.

و قيل:تحلّة القسم هو جعلها حلالا،إمّا باستثناء، أو كفّارة.

«و الشّفعة كحلّ العقال»قيل:معناه أنّها سهلة لتمكّنه من أخذها شرعا كسهولة حلّ العقال،فإذا طلبها حصلت له من غير نزاع و لا خصومة.

و قيل:معناه مدّة طلبها مثل مدّة حلّ العقال،فإذا لم يبادر إلى الطّلب فاتت؛و الأوّل أسبق إلى الفهم.

و الحليل:الزّوج،و الحليلة:الزّوجة؛سمّيا بذلك لأنّ كلّ واحد يحلّ من صاحبه محلاّ لا يحلّه غيره.و يقال للمجاور و النّزيل:حليل.

ص: 582

و الحلّة بالضّمّ:لا تكون إلاّ ثوبين من جنس واحد؛ و الجمع:حلل،مثل غرفة و غرف.

و الحلّة بالكسر:القوم النّازلون،و تطلق الحلّة على البيوت مجازا،تسمية للمحلّ باسم الحالّ،و هي مائة بيت فما فوقها؛و الجمع:حلال بالكسر،و حلل أيضا، مثل سدرة و سدر.

و الحلاّم و الحلاّن وزان تفّاح:الجدي يشقّ بطن أمّه و يخرج،فالميم و النّون زائدتان.

و الإحليل بكسر الهمزة:مخرج اللّبن من الضّرع و الثّدي،و مخرج البول أيضا.(1:147)

الجرجانيّ: الحلال:كلّ شيء لا يعاقب عليه باستعماله.الحلال:ما أطلق الشّرع فعله،مأخوذ من «الحلّ»و هو الفتح.

الحلول السّريانيّ: عبارة عن اتّحاد الجسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر،كحلول ماء الورد في الورد،فيسمّى السّاري حالاّ و المسرى فيه محلاّ.

الحلول الجواري:عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفا للآخر،كحلول الماء في الكوز.(41)

الفيروزآباديّ: حلّ المكان و به يحلّ و يحلّ حلاّ و حلولا،و حللا محرّكة نادر:نزل به،كاحتلّه و به،فهو حالّ؛جمعه:حلول و حلاّل كعمّال و ركّع.

و أحلّه المكان و به،و حلّله إيّاه،و حلّ به:جعله يحلّ،عاقبت الباء الهمزة.

و حالّه:حلّ معه.

و حليلتك:امرأتك،و أنت حليلها.و يقال للمؤنّث:

حليل أيضا.

و حلّة الشّيء و يكسر:جهته و قصده.

و بالكسر:القوم النّزول،و هيئة الحلول،و جماعة بيوت النّاس،أو مائة بيت،و المجلس،و المجتمع؛ جمعه:حلال،و شجرة شاكة مرعى صدق،و الشّقّة من البواري.

و بالضّمّ:إزار و رداء برد،أو غيره؛و لا تكون حلّة إلاّ من ثوبين،أو ثوب له بطانة،و السّلاح؛جمعه:حلل و حلال.

و روضة محلال تحلّ كثيرا.

و المحلّتان:القدر و الرّحى،و المحلاّت هما، و الدّلو،و القربة،و الجفنة،و السّكّين،و الفأس،و الزّند.

و تلعة محلّة:تضمّ بيتا أو بيتين.

و حلّ من إحرامه يحلّ حلاّ بالكسر.و أحلّ:خرج، فهو حلال لا حالّ،و هو القياس.

و الهدي يحلّ حلّة و حلولا:بلغ الموضع الّذي يحلّ فيه نحره،و المرأة:خرجت من عدّتها.

و فعله في حلّه و حرمه بالكسر و الضّمّ فيهما،أي وقت إحلاله و إحرامه.

و الحلّ بالكسر:ما جاوز الحرم.

و رجل محلّ:منتهك للحرام أو لا يرى للشّهر الحرام حرمة.

و الحلال و يكسر:ضدّ الحرام كالحلّ بالكسر و كأمير،حلّ يحلّ حلاّ بالكسر،و أحلّه اللّه و حلّله،

ص: 583

و حلّ و بلّ في الباء،و استحلّه:اتّخذه حلالا،أو سأله أن يحلّه له.

و الحلو الحلال:الكلام لا ريبة فيه،و بالكسر:

مركب للنّساء،و متاع الرّحل.

و حلّل اليمين تحليلا و تحلّة،و تحلاّ و هذه شاذّة:

كفّرها؛و الاسم:الحلّ بالكسر.و التّحلّة:ما كفّر به.

و تحلّل في يمينه:استثنى.

و أعطه حلاّن يمينه بالضّمّ،أي ما يحلّلها.

و المحلّل:الفرس الثّالث في الرّهان،إن سبق أخذ و إن سبق فما عليه شيء،و متزوّج المطلّقة ثلاثا لتحلّ للزّوج الأوّل.

و ضربه ضربا تحليلا،أي كالتّعزير.

و حلّ:عدا،و العقدة:نقضها فانحلّت.

و كلّ جامد أذيب فقد حلّ،و حلّ المكان:سكن.

و المحلّل كمعظّم:الشّيء اليسير،و كلّ ماء حلّته الإبل فكدّرته.

و حلّ أمر اللّه عليه يحلّ حلولا:وجب.و أحلّه اللّه عليه،و حقّي عليه يحلّ محلاّ:وجب،مصدره كالمرجع، و الدّين:صار حالاّ.

و أحلّت الشّاة:قلّ لبنها أو يبس،فأكلت الرّبيع فدرّت،و هي محلّ.

و تحلّل السّفر بالرّجل:اعتلّ بعد قدومه.

و الإحليل و التّحليل بكسرهما:مخرج البول من ذكر الإنسان،و اللّبن من الثّدي.

و الحلل محرّكة:رخاوة في قوائم الدّابّة،أو استرخاء في العصب مع رخاوة في الكعب،أو يخصّ الإبل،و الرّسح،و وجع في الوركين و الرّكبتين،و قد حللت يا رجل كفرح حللا،و النّعت أحلّ و حلاّء.

و فيه حلّة و يكسر:ضعف و فتور و تكسّر.

و الحلّ بالكسر:الغرض يرمى إليه،و بالضّمّ:جمع الأحلّ من الخيل،و بالفتح:الشّيرج.

و الحلاّن بالضّمّ:الجدي أو الخروف،أو خاصّ بما يشقّ عنه بطن أمّه فيخرج.

و دمه حلاّن:باطل.

و حلحلهم:أزالهم عن مواضعهم و حرّكهم، فتحلحلوا،و بالإبل:قال لها:حل حل منوّنتين،أو حل مسكّنة.

و الحلاحل بالضّمّ:موضع،و السّيّد الشّجاع،أو الضّخم الكثير المروءة،أو الرّزين في ثخانة يخصّ الرّجال،و ما له فعل،جمعه بالفتح.و المحلحل للمفعول بمعناه.

و حلحلة:اسم.

و أحلّ:دخل في أشهر الحلّ،أو خرج إلى الحلّ،أو من ميثاق كان عليه و بنفسه استوجب العقوبة.

(3:370)

الطّريحيّ: و في الحديث:«لا يأخذ المحرم شعر الحلال»أي المحلّ الّذي ليس بمحرم.

و في حديث وصف الصّانع:«لم يحلّ في الأشياء فيقال هو فيها كائن،و لم ينأ عنها فيقال هو منها بائن» قال بعض الشّارحين:نفى بهاتين العبارتين عنه تعالى

ص: 584

صفة الأعراض و الأجسام،لأنّ من صفة الأجسام التّباعد و المباينة،و من صفات الأعراض الكون في الأجسام بالحلول على غير مماسّة.و مباينة الأجساد على تراخي المسافة.[و قد تركنا كثيرا من كلامه حذرا من التّكرار](5:352 و 354)

مجمع اللّغة :1-حلّ العقدة يحلّها:فكّها.

2-و حلّ المكان و بالمكان يحلّ،بضمّ الحاء و كسرها:نزل فيه.

3-حلّ المحرم من إحرامه يحلّ بكسر الحاء:خرج منه،و أبيحت له محظوراته.

4-حلّ عليه الغضب أو العذاب يحلّ بكسر الحاء و ضمّها:نزل به.

5-و حلّ الشّيء يحلّ بكسر الحاء حلاّ:أبيح،فهو حلّ و حلال.

6-أحلّ الشّيء:أباحه،فهو محلّ و هم محلّون.

7-و أحلّه المكان:أنزله فيه.

8-الحليلة:الزّوجة؛و جمعها:حلائل.

9-تحلّة اليمين:ما يزال به إثم اليمين.

10-يقال:بلغ الهدي محلّه،أي الموضع الّذي يحلّ فيه نحره.(1:293)

الطّباطبائيّ: الحلال:مقابل الحرام الممنوع اقتحامه،و الحلّ:مقابل الحرمة،و الحلّ:مقابل الحرم، و الحلّ:مقابل العقد،و هو في جميع موارد استعماله يعطي معنى حرّيّة الشّيء في فعله و أثره.(1:417)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حلّ العقدة:فكّها و نقضها.

حلّ عليه أمر اللّه:وجب.

و حلّ بالمكان و أحلّ به:نزل فيه و سكنه.

و حلّ الشّيء حلاّ:صار حلالا.

و حلّ الدّين:حان وقت وفائه.

حلّل الشّيء تحليلا و تحلّة:جعله حلالا.و التّحلّة:

التّحلّل من الأيمان بالكفّارة.و حلّل اليمين:كفّرها.

و أحلّ:خرج من ميثاق كان عليه،و أبيحت فيه محظوراته.

و الحلال:ضدّ الحرام.

و الحلّ بالبلد:المقيم بها.

و حلّ لك هذا:صار حلالا مباحا.

و الحلائل:الزّوجات،جمع:حليلة.

و محلّي الصّيد:يجعلونه حلالا.و المحلّ:المكان الّذي يحلّ فيه،أو زمانه.و حتّى يبلغ الهدي محلّه:إلى أن تصل الذّبيحة إلى مكان نحرها،و المراد:يوم النّحر بمنى، عبارة عن المكان و الزّمان.(1:143)

العدنانيّ: المحلّ و المحلّ.

و يخطّئون من يسمّي المكان الّذي يحلّ فيه محلاّ، و يقولون:إنّ الصّواب هو المحلّ،اعتمادا على ما جاء في الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و القاموس،و محيط المحيط، و المتن.

و لكنّ:ابن القطّاع،و المصباح،و التّاج في مستدركه،و المدّ،و الوسيط،يقولون:إنّ المحلّ و المحلّ كليهما يعنيان المكان الّذي يحلّ فيه.

ص: 585

و هناك معنيان آخران للمحلّ،هما:

1-الموضع الّذي يحلّ فيه نحر الهدي،ما يهدى إلى الحرم من النّعم.قال تعالى في الآية 196 من سورة البقرة: وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ جاء في تفسير الجلالين:أنّ(المحلّ)هنا يعني حيث يحلّ ذبحه.

و جاء في الآية:25،من سورة الفتح هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ جاء في تفسير الجلالين: أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ مكانه الّذي ينحر فيه عادة،و هو الحرم.

و جاء في الآية:33،من سورة الحجّ: ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ جاء في تفسير الجلالين:(محلّها)المكان الّذي يحلّ فيه نحرها.

و يؤيّد ما جاء في تفسير الجلالين:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح،و ابن الأثير،و المختار، و اللّسان،يقول:إنّ المحلّ هو الموضع و الوقت الّذي يحلّ فيه نحر الهدي،و التّاج،و محيط المحيط.

2-حلّ حقّي عليه محلاّ:وجب،اللّسان،و المحيط، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن.

و المحلّ أيضا هو أحد مصادر الفعل،حلّ بالمكان يحلّ حلولا،و محلاّ،و حلاّ،و حللا.

و المحلّة و الحلّة و الحلّة تعني أيضا المكان الّذي يحلّ فيه.لذا أطلق:

1-المحلّ و المحلّ و المحلّة و الحلّة و الحلّة على المكان الّذي يحلّ فيه.

2-و المحلّ على أ:الموضع أو الوقت الّذي يحلّ فيه نحر الهدي.

ب:مصدر حلّ بمعنى وجب.

الحلّة الكاتمة أو القدر الكاتمة،لا حلّة الضّغط.

وعاء الطّبخ الّذي أحكم غطاؤه لإنضاج الطّعام في أقصر مدّة،بكتم البخار،يطلقون عليه اسم:حلّة الضّغط.

و لكن:جاء في المجلّد التّاسع من مجموعة المصطلحات العلميّة و الفنّيّة،الّتي أقرّتها لجنة ألفاظ الحضارة بمجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،و وافق عليها مؤتمر المجمع،بالاشتراك مع المجمع العلميّ العراقيّ،في الجلسة الخامسة للمؤتمر.بتاريخ 4 شباط 1967،في المادّة رقم:92،أنّ المؤتمر وافق على أن نطلق على ذلك الوعاء اسم:الحلّة الكاتمة،أو القدر الكاتمة.

و عند ما ظهرت الطّبعة الثّانية من المعجم الوسيط، عام:1973،ذكر فيها:أنّ القدر الكاتمة مجمعيّة.

(164)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو رفع العقد و الحرمة،و يدلّ عليه وقوعها في مقابل الحرمة كما في وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا البقرة:275.

[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و قد سبق في«حرم»أنّه عبارة عن الممنوعيّة من الأصل،فالحلّ هو رفع الممنوعيّة.و هكذا استعمالها في موارد تناسب ذلك المعنى،كما في وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي طه:27، وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ

ص: 586

إبراهيم:28،يراد الفتح و رفع المحدوديّة و الممنوعيّة.

و أمّا المعاني الأخر فإنّما تستعمل فيها بمناسبة هذا المعنى،و خصوصيّة الأصل لا بدّ أن تلاحظ في جميع الموارد.

فقيد رفع العقدة و المانع محفوظ في هذه المادّة، بخلاف مادّة الجواز و الإباحة و غيرهما.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و بهذا يظهر الفرق بين المحلّ و المقام و المكان و أمثالها.

(2:293)

النّصوص التّفسيريّة

حللتم،احلّت،لا تحلّوا،محلّي

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ وَ لاَ الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لاَ الْهَدْيَ وَ لاَ الْقَلائِدَ وَ لاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْواناً وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا... المائدة:1 و 2

الطّوسيّ: فأهل الحجاز يقولون:حللت من الإحرام أحلّ،و الرّجل حلال.و كذلك سعد بن بكر و كذا يقولون:حرم الرّجل فهو حرام،إذا صار محرما، و قوم حرم.و أسد و قيس و تميم يقولون:أحلّ من إحرامه فهو محلّ،و أحرم فهو محرم.

معناه إذا حللتم من إحرامكم،فاصطادوا الصّيد الّذي نهيتكم أن تحلّوه و أنتم حرم.(3:423)

نحوه الطّبرسيّ.(2:153)

الفخر الرّازيّ: قرئ (و اذا احللتم) يقال:حلّ المحرم و أحلّ.(11:130)

نحوه البيضاويّ(1:261)،و أبو السّعود(2:

235).

النّسفيّ: خرجتم من الإحرام.(1:269)

النّيسابوريّ: أتممتم مناسك الوصول.(6:62)

الطّريحيّ: هو من حلّ المحرم،بمعنى أحلّ.

(5:352)

الآلوسيّ: من الإحرام المشار إليه بقوله سبحانه:

وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ.. .و قرئ (احللتم) و هو لغة في«حلّ».

(6:55)

القاسميّ: أي خرجتم من الإحرام،أو خرجتم من الحرم إلى الحلّ.(6:1804)

نحوه رشيد رضا(6:128)،و المراغيّ(6:45).

الطّباطبائيّ: و الحلّ و الإحلال-مجرّدا و مزيدا فيه-بمعنى،و هو الخروج من الإحرام.(5:162)

احلّت

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ... المائدة:1

الفخر الرّازيّ: (احلّت لكم...)مجمل،لأنّ الإحلال إنّما يضاف إلى الأفعال،و هاهنا أضيف إلى

ص: 587

الذّات،فتعذّر إجراؤه على ظاهره،فلا بدّ من إضمار فعل،و ليس إضمار بعض الأفعال أولى من بعض، فيحتمل أن يكون المراد:إحلال الانتفاع بجلدها أو عظمها أو صوفها أو لحمها،أو المراد:إحلال الانتفاع بالأكل،و لا شكّ أنّ اللّفظ محتمل للكلّ،فصارت الآية مجملة،إلاّ أنّ قوله تعالى: وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ النّحل:5،دلّ على أنّ المراد بقوله: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إباحة الانتفاع بها من كلّ هذه الوجوه.(11:126)

نحوه النّيسابوريّ.(6:33)

الآلوسيّ: و قال بعض النّاس:الآية مجملة لاحتمال أن يكون المراد:إحلال الانتفاع بجلدها أو عظمها أو صوفها أو الكلّ.و فيه نظر،لأنّ ظهور تقدير الأكل ممّا لا يكاد ينتطح فيه كبشان.(6:50)

لا تحلّوا

لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ. المائدة:2

عبد الجبّار:ربّما قيل في لا تُحِلُّوا... كيف يصحّ أن يحلّ الأماكن و الأوقات؟

و جوابنا:أنّ المراد لا يحلّ ما حرّم في هذه الأماكن و الأوقات،فلا يجري ذلك مجرى الأمور الّتي يحلّ التّصرّف فيها مطلقا.(109)

القرطبيّ: خطاب للمؤمنين حقّا،أي لا تتعدّوا حدود اللّه في أمر من الأمور.(6:37)

أبو السّعود :و إحلالها أن يتهاون بحرمتها،و يحال بينها و بين المتنسّكين بها،و يحدث في أشهر الحجّ ما يصدّ به النّاس عن الحجّ.(2:234)

مغنيّة:و معنى النّهي عن تحليل أحكام دين اللّه، أن لا نحرّفها،و نتصرّف فيها كما نشاء.(3:7)

الطّباطبائيّ: و الإحلال هو الإباحة الملازمة لعدم المبالاة بالحرمة و المنزلة،و يتعيّن معناه بحسب ما أضيف إليه.فإحلال شعائر اللّه:عدم احترامها و تركها،و إحلال الشّهر الحرام:عدم حفظ حرمته و القتال فيه،و هكذا.

(5:162)

محلّى

غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ... المائدة:1

الفرّاء: يقول:أحلّت لكم هذه غير مستحلّين للصّيد وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ، و مثله: إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،و هو بمنزلة قولك-في قولك:أحلّ لك هذا الشّيء-لا مفرطا فيه و لا متعدّيا.فإذا جعلت (غير)مكان(لا)صار النّصب الّذي بعد(لا)في(غير) و لو كان(محلّين الصّيد)نصبت،كما قال اللّه جلّ و عزّ:

وَ لاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ. (1:298)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:معنى ذلك:يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود غير محلّي الصّيد و أنتم حرم،أحلّت لكم بهيمة الأنعام،فذلك على قولهم من المؤخّر الّذي معناه التّقديم، ف(غير)منصوب-على قول قائلي هذه المقالة-على الحال ممّا في قوله:(اوفوا)،من ذكر اَلَّذِينَ آمَنُوا.

ص: 588

و تأويل الكلام على مذهبهم:أوفوا أيّها المؤمنون بعقود اللّه،الّتي عقدها عليكم في كتابه،لا محلّين الصّيد و أنتم حرم.

و قال آخرون:معنى ذلك:أحلّت لكم بهيمة الأنعام الوحشيّة:من الظّباء،و البقر،و الحمر، غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ: غير مستحلّي اصطيادها،و أنتم حرم، إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ف(غير)على قول هؤلاء،منصوب على الحال من الكاف و الميم،اللّتين في قوله: لَكُمْ بتأويل:أحلّت لكم أيّها الّذين آمنوا بهيمة الأنعام، لا مستحلّي اصطيادها،في حال إحرامكم.

و قال آخرون:معنى ذلك:أحلّت لكم بهيمة الأنعام كلّها، إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ: إلاّ ما كان منها وحشيّا، فإنّه صيد،فلا يحلّ لكم و أنتم حرم.فكأنّ من قال ذلك، وجّه الكلام إلى معنى:أحلّت لكم بهيمة الأنعام كلّها، إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ: إلاّ ما يبيّن لكم من وحشيّها، غير مستحلّي اصطيادها في حال إحرامكم،فتكون (غير)منصوبة-على قولهم-على الحال من الكاف و الميم في قوله: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ. [إلى أن قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،على ما تظاهر به تأويل أهل التّأويل في قوله: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ من أنّها الأنعام و أجنّتها و سخالها،و على دلالة ظاهر التّنزيل قول من قال:معنى ذلك:أوفوا بالعقود غير محلّي الصّيد و أنتم حرم،فقد أحلّت لكم بهيمة الأنعام في حال إحرامكم،أو غيرها من أحوالكم،إلاّ ما يتلى عليكم تحريمه،من الميتة منها و الدّم،و ما أهلّ لغير اللّه به؛و ذلك أنّ قوله: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ لو كان معناه إلاّ الصّيد،لقيل:إلاّ ما يتلى عليكم من الصّيد غير محلّيه،و في ترك اللّه وصل قوله: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ بما ذكرت،و إظهار ذكر الصّيد في قوله: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ أوضح الدّليل على أنّ قوله: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ خبر متناهية قصّته،و أنّ معنى قوله: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ منفصل منه،و كذلك لو كان قوله: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ مقصودا به قصد الوحش،لم يكن أيضا لإعادة ذكر الصّيد في قوله: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وجه،و قد مضى ذكره قبل،و لقيل:أحلّت لكم بهيمة الأنعام،إلاّ ما يتلى عليكم،غير محلّيه،و أنتم حرم؛و في إظهاره ذكر الصّيد في قوله: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ أبين الدّلالة على صحّة ما قلنا في معنى ذلك.

فإن قال قائل:فإنّ العرب ربّما أظهرت ذكر الشّيء باسمه،و قد جرى ذكره باسمه؟قيل:ذلك من فعلها ضرورة شعر،و ليس ذلك بالفصيح المستعمل من كلامهم،و توجيه كلام اللّه إلى الأفصح من لغات من نزل كلامه بلغته أولى،ما وجد إلى ذلك سبيل،من صرفه إلى غير ذلك.

فمعنى الكلام إذن:يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بعقود اللّه الّتي عقد عليكم،ممّا حرّم و أحلّ،لا محلّين الصّيد في حرمكم،ففيما أحلّ لكم من بهيمة الأنعام المذكّاة دون ميتتها،متّسع لكم،و مستغنى عن الصّيد،في حال إحرامكم.(6:52)

نحوه الطّوسيّ(30:416)،و الطّبرسيّ(2:152).

ص: 589

البغويّ: و هو نصب على الحال،أي لا محلّي الصّيد، و معنى الآية:أحلّت لكم بهيمة الأنعام كلّها إلاّ ما كان منها وحشيّا،فإنّه صيد لا يحلّ لكم في حال الإحرام، فذلك قوله تعالى: وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ. (2:7)

نحوه الطّباطبائيّ(5:162)،و حسنين مخلوف(1:

182).

الزّمخشريّ: نصب على الحال من الضّمير في (لكم)أي أحلّت لكم هذه الأشياء لا محلّين الصّيد.و عن الأخفش:أنّ انتصابه عن قوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و قوله: وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ حال عن مُحِلِّي الصَّيْدِ كأنّه قيل:أحللنا لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصّيد و أنتم محرمون لئلاّ نحرّج عليكم.(1:591)

ابن عطيّة: نصب(غير)على الحال من الكاف و الميم في قوله: أُحِلَّتْ لَكُمْ. و قرأ ابن أبي عبلة(غير) بالرّفع،و وجهها الصّفة للضّمير في(يتلى)،لأنّ(غير محلّى الصّيد)هو في المعنى بمنزلة غير مستحلّ إذا كان صيدا،أو يتخرّج على الصّفة ل(بهيمة)على مراعاة معنى الكلام،كما ذكرت.

و قد خلط النّاس في هذا الموضع في نصب(غير) و قدّروا فيها تقديمات و تأخيرات،و ذلك كلّه غير مرضيّ،لأنّ الكلام على اطّراده متمكّن استثناء بعد استثناء.(2:145)

أبو البركات: [ذكر وجه انتصاب(غير)على الحاليّة و قال:]

و(محلّى)أصله:محلّين،و أصل محلّين:محللين،إلاّ أنّه لمّا اجتمع حرفان متحرّكان من جنس واحد في كلمة واحدة استثقلوا اجتماعهما،فسكّنوا الأوّل و أدغموه في الثّاني فصار محلّين،و حذفت النّون من محلّين للإضافة.(1:282)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه لمّا ذكر(احلّت لكم...) ألحق به نوعين من الاستثناء،الأوّل قوله: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ...

النّوع الثّاني:من الاستثناء قوله تعالى: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ... و فيه مسائل:

المسألة الأولى:أنّه تعالى لمّا أحلّ بهيمة الأنعام ذكر الفرق بين صيدها و غير صيدها،فعرفنا أنّ ما كان منها صيدا فإنّه حلال في الإحلال دون الإحرام،و ما لم يكن صيدا فإنّه حلال في الحالين جميعا.[إلى أن قال:]

المسألة الرّابعة:[ذكر فيه وجه انتصاب(غير)و قد تقدّم](11:126)

القرطبيّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

قيل:يجوز أن يرجع الإحلال إلى النّاس،أي لا تحلّوا الصّيد في حال الإحرام،و يجوز أن يرجع إلى اللّه تعالى،أي أحللت لكم البهيمة إلاّ ما كان صيدا في وقت الإحرام،كما تقول:أحللت لك كذا غير مبيح لك يوم الجمعة،فإذا قلت:يرجع إلى النّاس،فالمعنى:غير محلّين الصّيد،فحذفت النّون تخفيفا.(6:36)

البيضاويّ: حال من الضّمير في(لكم)،و قيل:

من واو(اوفوا)،و قيل:استثناء،و فيه تعسّف.

(1:260)

ص: 590

أبو حيّان:[ذكر وجه انتصاب(غير)على الحاليّة و أقوال المتقدّمين فيه،ثمّ ردّ عليهم فقال:]

و قال ابن عطيّة:«و قد خلط النّاس في هذا الموضع في نصب(غير)و قدّروا تقديمات و تأخيرات و ذلك كلّه غير مرضيّ،لأنّ الكلام على اطراده متمكّن استثناء بعد استثناء».و هو أيضا ممّن خلط على ما سنوضّحه.

فأمّا قول الأخفش ففيه الفصل بين ذي الحال و الحال بجملة اعتراضيّة،بل هي منشئة أحكاما،و ذلك لا يجوز،و فيه تقييد الإيفاء بالعقود بانتفاء إحلال الموفين الصّيد و هم حرم،و هم مأمورون بإيفاء العقود بغير قيد، و يصير التّقدير:أوفوا بالعقود في حال انتفاء كونكم محلّين الصّيد و أنتم حرم،و هم قد أحلّت لهم بهيمة الأنعام أنفسها.

و إن أريد به الظّباء و بقر الوحش و حمره،فيكون المعنى:و أحلّ لكم هذه في حال انتفاء كونكم محلّين الصّيد و أنتم حرم،و هذا تركيب قلق معقّد ينزّه القرآن أن يأتي فيه مثل هذا،و لو أريد بالآية هذا المعنى لجاء على أفصح تركيب و أحسنه.

و أمّا قول من جعله حالا من الفاعل و قدّره:و أحلّ اللّه لكم بهيمة الأنعام غير محلّ لكم الصّيد و أنتم حرم، قال:كما تقول:أحللت لك كذا غير مبيحة لك يوم الجمعة،فهو فاسد،لأنّهم نصّوا على أنّ الفاعل المحذوف في مثل هذا التّركيب يصير نسيا منسيّا،و لا يجوز وقوع الحال منه،لو قلت:أنزل المطر للنّاس مجيبا لدعائهم؛إذ الأصل:أنزل اللّه المطر مجيبا لدعائهم لم يجز،و خصوصا على مذهب الكوفيّين و من وافقهم من البصريّين،لأنّ صيغة الفعل المبنيّ للمفعول صيغة وضعت أصلا كما وضعت صيغته مبنيّا للفاعل،و ليست مغيّرة من صيغة بنيت للفاعل،و لأنّه يتقيّد إحلاله تعالى بهيمة الأنعام إذا أريد بها ثمانية الأزواج بحال انتفاء إحلاله الصّيد و هم حرم،و هو تعالى قد أحلّها في هذه الحال و في غيرها.

و أمّا ما نقله القرطبيّ عن البصريّين،فإن كان النّقل صحيحا فهو يتخرّج على ما سنوضّحه إن شاء اللّه تعالى.

فنقول:إنّما عرض الإشكال في الآية من جعلهم غير محلّي الصّيد حالا من المأمورين بإيفاء العقود،أو من المحلّل لهم،أو من المحلّل و هو اللّه تعالى،أو من المتلوّ عليهم.و غرّهم في ذلك كونه كتب(محلّي)بالياء، و قدّروه هم أنّه اسم فاعل من أحلّ،و أنّه مضاف إلى الصّيد إضافة اسم الفاعل المتعدّي إلى المفعول،و أنّه جمع حذف منه النّون للإضافة،و أصله:غير محلّين الصّيد و أنتم حرم إلاّ في قول من جعله حالا من الفاعل المحذوف،فلا يقدّر فيه حذف النّون بل حذف التّنوين.

و إنّما يزول الإشكال و يتّضح المعنى بأن يكون قوله:

مُحِلِّي الصَّيْدِ من باب قولهم:حسان النّساء،و المعنى:

النّساء الحسان،و كذلك هذا أصله:غير الصّيد المحلّ، و المحلّ صفة للصّيد لا للنّاس و لا للفاعل المحذوف.

و وصف الصّيد بأنّه محلّ على وجهين:

أحدهما:أن يكون معناه دخل في الحلّ،كما تقول:

أحلّ الرّجل،أي دخل في الحلّ،و أحرم:دخل في الحرم.

و الوجه الثّاني:أن يكون معناه صار ذا حلّ،أي

ص: 591

حلالا بتحليل اللّه،و ذلك أنّ الصّيد على قسمين حلال و حرام،و لا يختصّ الصّيد في لغة العرب بالحلال،أ لا ترى أنّ قول بعضهم:إنّه ليصيد الأرانب حتّى الثّعالب، لكنّه يختصّ به شرعا،و قد تجوّزت العرب فأطلقت الصّيد على ما لا يوصف بحلّ و لا حرمة.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و إذا تقرّر أنّ الصّيد يوصف بكونه محلاّ باعتبار أحد الوجهين المذكورين،من كونه بلغ الحلّ أو صار ذا حلّ، اتّضح كونه استثناء من استثناء،إذ لا يمكن ذلك لتناقض الحكم،لأنّ المستثنى من المحلّل محرّم و المستثنى من المحرّم محلّل بل إن كان المعنى بقوله: بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ الأنعام أنفسها فيكون استثناء منقطعا،و إن كان المراد الظّباء و بقر الوحش و حمره و نحوها،فيكون استثناء متّصلا على أحد تفسيري(المحلّ)استثنى الصّيد الّذي بلغ الحلّ في حال كونهم محرمين.

فإن قلت:ما فائدة الاستثناء بقيد بلوغ الحلّ و الصّيد الّذي في الحرم لا يحلّ أيضا؟قلت:الصّيد الّذي في الحرم لا يحلّ للمحرم و لا لغير المحرم،و إنّما يحلّ لغير المحرم الصّيد الّذي في الحلّ،فنبّه بأنّه إذا كان الصّيد الّذي في الحلّ يحرم على المحرم و إن كان حلالا لغيره،فأحرى أن يحرم عليه الصّيد الّذي هو بالحرم.

و على هذا التّفسير يكون قوله: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ إن كان المراد به ما جاء بعده من قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ الآية استثناء منقطعا؛إذ لا يختصّ الميتة و ما ذكر معها بالظّباء و حمر الوحش و بقره و نحوها،فيصير لكن ما يتلى عليكم أي تحريمه،فهو محرّم.

و إن كان المراد ببهيمة الأنعام:الأنعام و الوحوش، فيكون الاستثناءان راجعين إلى المجموع على التّفصيل، فيرجع إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ إلى ثمانية الأزواج و يرجع غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ إلى الوحوش؛إذ لا يمكن أن يكون الثّاني استثناء من الاستثناء الأوّل،و إذا لم يمكن ذلك و أمكن رجوعه إلى الأوّل بوجه ما جاز.

و قد نصّ النّحويّون على أنّه إذا لم يمكن استثناء بعض المستثنيات من بعض،كانت كلّها مستثنيات من الاسم الأوّل،نحو قولك:قام القوم إلاّ زيدا إلاّ عمرا إلاّ بكرا.

فإن قلت:ما ذكرته من هذا التّخريج الغريب،و هو أن يكون المحلّ من صفة الصّيد لا من صفة النّاس،و لا من صفة الفاعل المحذوف يعكر عليه كونه كتب في رقم المصحف بالياء،فدلّ ذلك على أنّه من صفات النّاس؛ إذ لو كان من صفة الصّيد لم يكتب بالياء،و بكون الفرّاء و أصحابه وقفوا عليه بالياء يأبى ذلك.

قلت:لا يعكر على هذا التّخريج،لأنّهم كتبوا كثيرا رسم المصحف على ما يخالف النّطق،نحو(باييد)بياءين بعد الألف،و كتبهم(أولئك)بواو بعد الألف و بنقصهم منه ألفا،و كتابتهم(الصّلحت)و نحوه بإسقاط الألفين، و هذا كثير في الرّسم،و أمّا وقفهم عليه بالياء فلا يجوز، لأنّه لا يوقف على المضاف دون المضاف إليه،و إنّما قصدوا بذلك الاختبار أو ينقطع النّفس،فوقفوا على الرّسم كما وقفوا على سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ العلق:18،

ص: 592

من غير واو اتّباعا للرّسم.

على أنّه يمكن توجيه كتابته ب(الياء)و الوقف عليه ب(ياء)بأنّه جاء على لغة الأزد؛إذ يقفون على بزيد بزيدي،بإبدال التّنوين ياء،فكتب(محلّي)بالياء على الوقف على هذه اللّغة،و هذا توجيه شذوذ رسميّ، و رسم المصحف ممّا لا يقاس عليه.

و قرأ ابن أبي عبلة (غير) بالرّفع،و أحسن ما يخرّج عليه أن يكون صفة لقوله: بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ و لا يلزم من الوصف بغير أن يكون ما بعدها مماثلا للموصوف في الجنسيّة،و لا يضرّ الفصل بين النّعت و المنعوت بالاستثناء،و خرّج أيضا على الصّفة للضّمير في(يتلى).

قال ابن عطيّة:لأنّ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ هو في المعنى بمنزلة غير مستحلّ إذا كان صيدا،انتهى..و لا يحتاج إلى هذا التّكلّف على تخريجنا مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ جملة حاليّة،و(حرم)جمع حرام،و يقال:أحرم الرّجل.إذا دخل في الإحرام بحجّ أو بعمرة أو بهما،فهو محرم و حرام،و أحرم الرّجل:دخل في الحرم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يحتمل الوجهين قوله: وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ إذ الصّيد يحرم على من كان في الحرم و على من كان أحرم بالحجّ و العمرة و هو قول الفقهاء.

و قال الزّمخشريّ: وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ حال عن مُحِلِّي الصَّيْدِ كأنّه قيل:أحللنا لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصّيد و أنتم محرمون لئلاّ يتحرّج عليكم، انتهى.و قد بيّنّا فساد هذا القول بأنّ الأنعام مباحة مطلقا،لا بالتّقييد بهذه الحال.(3:415)

وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا تضمّن آخر قوله:

أُحِلَّتْ لَكُمْ تحريم الصّيد حالة الإحرام،و آخر قوله:

لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ النّهي عن إحلال آمي البيت.

فجاءت هذه الجملة راجعا حكمها إلى الجملة الأولى، و جاء ما بعدها من قوله: وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ راجعا إلى الجملة الثّانية،و هذا من بليغ الفصاحة.

فليست هذه الجملة اعتراضا بين قوله: وَ لاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ و قوله: وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ بل هي مؤسّسة حكما لا مؤكّدة مسدّدة،فتكون اعتراضا،بل أفادت حلّ الاصطياد في حال الإحرام،و لا تقديم و لا تأخير هنا،فيكون أصل التّركيب:غير محلّي الصّيد و أنتم حرم فإذا حللتم فاصطادوا،و في الآية الثّانية يكون أصل التّركيب:و لا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربّهم و رضوانا و لا يجرمنّكم،كما ذهب إليه بعضهم،و جعل من ذلك قصّة ذبح البقرة،فقال:وجه النّظر أن يقال:

وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً البقرة:72 الآية،ثمّ يقال: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ البقرة:69.

و كثيرا ما ذكر هذا الرّجل التّقديم و التّأخير في القرآن،و العجب منه أنّه يجعله من علم البيان و البديع.

و هذا لا يجوز عندنا إلاّ في ضرورة الشّعر،و هو من أقبح الضّرائر،فينبغي بل يجب أن ينزّه القرآن عنه.

قال:و السّبب في هذا أنّ الصّحابة لمّا جمعوا القرآن لم يرتّبوه على حكم نزوله،و إنّما رتّبوه على تقارب المعاني و تناسق الألفاظ.

ص: 593

و هذا الّذي قاله ليس بصحيح،بل الّذي نعتقد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم هو الّذي رتّبه لا الصّحابة،و كذلك نقول في سوره،و إن خالف في ذلك بعضهم.(3:421)

السّمين:قوله تعالى:(غير)في نصبه خمسة أوجه:

أحدها:أنّه حال من الضّمير المجرور في(لكم)و هذا قول الجمهور،و إليه ذهب الزّمخشريّ و ابن عطيّة و غيرهما،و قد ضعّف هذا الوجه بأنّه يلزم منه تقييد إحلال بهيمة الأنعام لهم بحال كونهم غير محلّي الصّيد و هم حرم،إذ يصير معناه:«أحلّت لكم بهيمة الأنعام في حال كون انتفاء كونكم تحلّون الصّيد و أنتم حرم»، و الغرض أنّهم قد أحلّت لهم بهيمة الأنعام في هذه الحال و في غيرها،هذا إذا أريد ببهيمة الأنعام الأنعام نفسها، و أمّا إذا عني بها الظّباء و حمر الوحش و بقره على ما فسّره بعضهم،فيظهر للتّقييد بهذه الحال فائدة؛إذ يصير المعنى:أحلّت لكم هذه الأشياء حال انتفاء كونكم تحلّون الصّيد و أنتم حرم،فهذا معنى صحيح.و لكن التّركيب الّذي قدّرته لك فيه قلق.و لو أريد هذا المعنى من الآية الكريمة لجاءت به على أحسن تركيب و أفصحه.

الوجه الثّاني:-و هو قول الأخفش و جماعة-أنّه حال من فاعل(اوفوا)،و التّقدير:أوفوا بالعقود في حال انتفاء كونكم محلّين الصّيد و أنتم حرم.و قد ضعّفوا هذا المذهب من وجهين:

الأوّل:أنّه يلزم منه الفصل بين الحال و صاحبها بجملة أجنبيّة،و لا يجوز الفصل إلاّ بجمل الاعتراض، و هذه الجملة و هي قوله: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ليست اعتراضيّة،بل هي منشئة أحكاما و مبيّنة لها، و جملة الاعتراض إنّما تفيد تأكيدا و تسديدا.

و الثّاني:أنّه يلزم منه تقييد الأمر بإيفاء العقود بهذه الحالة،فيصير التّقدير كما تقدّم،و إذا اعتبرنا مفهومه يصير المعنى:فإذا انتفت هذه الحال فلا توفوا بالعقود، و الأمر ليس كذلك،فإنّهم مأمورون بالإيفاء بالعقود على كلّ حال من إحرام و غيره.

الوجه الثّالث:أنّه منصوب على الحال من الضّمير المجرور في(عليكم)أي إلاّ ما يتلى عليكم حال انتفاء كونكم محلّين الصّيد.و هو ضعيف أيضا بما تقدّم من أنّ المتلوّ عليهم لا يقيّد بهذه الحال دون غيرها،بل هو متلوّ عليهم في هذه الحال و في غيرها.

الوجه الرّابع:أنّه حال من الفاعل المقدّر،يعني الّذي حذف و أقيم المفعول مقامه في قوله تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ، فإنّ التّقدير عنده:أحلّ اللّه لكم بهيمة الأنعام غير محلّ لكم الصّيد و أنتم حرم.فحذف الفاعل و أقام المفعول مقامه،و ترك الحال من الفعل باقية.و هذا الوجه فيه ضعف من وجوه:

الأوّل:أنّ الفاعل المنوب عنه صار نسيا منسيّا غير ملتفت إليه،نصّوا على ذلك،لو قلت:«أنزل الغيث مجيبا لدعائهم»و تجعل«مجيبا»حالا من الفاعل المنوب عنه، فإنّ التّقدير:«أنزل اللّه الغيث حال إجابته لدعائهم»لم يجز فكذلك هذا،و لا سيّما إذا قيل:بأنّ بنية الفعل المبنيّ للمفعول بنية مستقلّة غير محلولة من بنية مبنيّة للفاعل،

ص: 594

كما هو قول الكوفيّين و جماعة من البصريّين.

الثّاني:أنّه يلزم منه التّقييد بهذه الحال إذا عنى بالأنعام الثّمانية الأزواج،و تقييد إحلاله تعالى لهم هذه الثّمانية الأزواج بحال انتفاء إحلاله الصّيد و هم حرم، و اللّه تعالى قد أحلّ لهم هذه مطلقا.

و الثّالث:أنّه كتب(محلّى)بصيغة الجمع،فكيف يكون حالا من اللّه؟و كأنّ هذا القائل زعم أنّ اللّفظ «محلّ»من غير ياء،و سيأتي ما يشبه هذا القول.

الوجه الخامس:أنّه منصوب على الاستثناء المكرّر، يعني أنّه هو و قوله: إِلاّ ما يُتْلى مستثنيان من شيء واحد،و هو بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ نقل ذلك بعضهم عن البصريّين قال:«و التّقدير:إلاّ ما يتلى عليكم إلاّ الصّيد و أنتم محرمون،بخلاف قوله تعالى: إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ الحجر:58،على ما يأتي بيانه».قال هذا القائل:«و لو كان كذلك لوجب إباحة الصّيد في الإحرام، لأنّه مستثنى من الإباحة.و هذا وجه ساقط،فإذن معناه:أحلّت لكم بهيمة الأنعام غير محلّي الصّيد و أنتم حرم إلاّ ما يتلى عليكم سوى الصّيد»انتهى.[ثمّ ذكر قول أبي حيّان و ردّ عليه فقال:]

و هذا الّذي ذكره و اختاره و غلّط النّاس فيه ليس بشيء،و ما ذكره من توجيه ثبوت الياء خطأ و وقفا، فخطأ محض؛لأنّه على تقدير تسليم ذلك في تلك اللّغة فأين التّنوين الّذي في«محلّ»؟و كيف يكون فيه تنوين و هو مضاف حتّى يقول:إنّه قد يوجّه بلغة الأزد،و ما ذكره من كونه يحتمل ممّا يكونون قد كتبوه كما كتبوا تلك الأمثلة المذكورة فشيء لا يعوّل عليه،لأنّ خطّ المصحف سنّة متّبعة لا يقاس عليه،فكيف يقول:

يحتمل أن يقاس هذا على تلك الأشياء؟و أيضا فإنّهم لم يعربوا(غير)إلاّ حالا،حتّى نقل بعضهم الإجماع على ذلك،و إنّما اختلفوا في صاحب الحال،فقوله:إنّه استثناء ثان مع هذه الأوجه الضّعيفة خرق للإجماع،إلاّ ما تقدّم نقله عن بعضهم من أنّه استثناء ثان،و عزاه للبصريّين، لكن لا على هذا المدرك الّذي ذكره الشّيخ.و قديما و حديثا استشكل النّاس هذه الآية،قال ابن عطيّة:

«و قد خلط النّاس في هذا الموضع في نصب(غير) و قدّروا تقديمات و تأخيرات،و ذلك كلّه غير مرض، لأنّ الكلام على اطّراده فيمكن استثناء بعد استثناء».

و هذه الآية ممّا اتّضح للفصحاء البلغاء فصاحتها و بلاغتها،حتّى يحكى أنّه قيل للكنديّ:«أيّها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن»فقال:«نعم أعمل لكم مثل بعضه»،فاحتجب أيّاما كثيرة،ثمّ خرج فقال:«و اللّه لا يقدر أحد على ذلك،إنّني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة فإذا هو قد نطق بالوفاء و نهى عن النّكث و حلّل تحليلا عامّا ثمّ استثنى استثناء،بعد استثناء ثمّ أخبر عن قدرته و حكمته في سطرين».

و الجمهور على نصب(غير)،و قرأ ابن أبي عبلة برفعه،و فيه وجهان:

أظهرهما:أنّه نعت ل(بهيمة الانعام)و الموصوف ب(غير)لا يلزم فيه أن يكون مماثلا لما بعدها في جنسه، تقول:«مررت برجل غير حمار»هكذا قالوه،و فيه نظر،

ص: 595

و لكن ظاهر هذه القراءة يدلّ لهم.

و الثّاني:أنّه نعت للضّمير في(يتلى).قال ابن عطيّة:

«لأنّ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ في المعنى بمنزلة غير مستحلّ إذا كان صيدا»و فيه تكلّف.(2:477)

البروسويّ: و هو نصب على الحاليّة من ضمير (لكم)و معنى عدم إحلالهم له تقرير حرمته عملا و اعتقادا،و هو شائع في الكتاب و السّنّة.[إلى أن قال:]

و فائدة تقييد إحلال بهيمة الأنعام بما ذكر من عدم إحلال الصّيد حال الإحرام،إتمام النّعمة و إظهار الامتنان بإحلالها بتذكير احتياجهم إليه،فإنّ حرمة الصّيد في حالة الإحرام من مظانّ حاجتهم إلى إحلال غيره حينئذ،كأنّه قيل:أحلّت لكم الأنعام مطلقا حال كونكم ممتنعين عن تحصيل ما يغنيكم عنها في بعض الأوقات، محتاجين إلى إحلالها.(2:337)

الآلوسيّ: حال من الضّمير في(لكم)على ما عليه أكثر المفسّرين.[إلى أن قال:]

و محصّل المعنى:أحلّت لكم هذه الأشياء لا محلّين الاصطياد،أو أكل الصّيد في الإحرام،و فسّر الزّمخشريّ عدم إحلال الصّيد في حالة الإحرام بالامتناع عنه و هم محرمون؛حيث قال:كأنّه قيل:أحللنا لكم بعض الأنعام في حالة امتناعكم عن الصّيد وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ لئلاّ يكون عليكم حرج،و لم يحمل الإحلال على اعتقاد الحلّ ظنّا منه أنّ تقييد الإحلال بعدم اعتقاد الحلّ غير موجّه،و قد يقال:إنّ الأمر كذلك لو كان المراد مطلق اعتقاد الحلّ، أمّا لو كان المراد عدم اعتقاد ناشئ من الشّرع و مترتّب منه فلا،لأنّ حاله إن لم يكن عين حال الامتناع فليس بالأجنبيّ عنه،كما لا يخفى على المتدبّر،و أشار إليه شيخ مشايخنا جرجيس أفندي الأربليّ رحمة اللّه تعالى عليه.

و اعترض في«البحر»على ما ذهب إليه الأكثرون بأنّه يلزم منه تقييد إحلال بهيمة الأنعام بحال انتفاء حلّ الصّيد و هم حرم،و هي قد أحلّت لهم مطلقا،فلا يظهر له فائدة إلاّ إذا أريد ب بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ الصّيود المشبّهة بها كالظّباء و بقر الوحش و حمره،و دفع بأنّه مع عدم اطّراد اعتبار المفهوم يعلم منه غيره بالطّريق الأولى، لأنّها إذا أحلّت في عدم الإحلال لغيرها و هم محرمون لدفع الحرج عنهم،فكيف في غير هذه الحال؟فيكون بيانا لإنعام اللّه تعالى عليهم بما رخّص لهم من ذلك، و بيانا لأنّهم في غنية عن الصّيد،و انتهاك حرمة الحرم.

و عبارة الزّمخشريّ كالصّريحة في ذلك،و دفعه العلاّمة الثّاني بأنّ المراد من(الانعام)ما هو أعمّ من الإنسيّ و الوحشيّ مجازا،أو تغليبا،أو دلالة،أو كيفما شئت،و إحلالها على عمومها مختصّ بحال كونكم غير محلّين الصّيد في الإحرام؛إذ معه يحرم البعض و هو الوحش.و لا يخفى أنّه توجيه وحشيّ لا ينبغي لحمزة- غابة التّنزيل-أن يقصده من مراصد عباراته.و ذهب الأخفش إلى أنّ انتصاب(غير)على الحاليّة من ضمير (اوفوا)و ضعّف بأنّ فيه الفصل من الحال و صاحبها بجملة ليست اعتراضيّة؛إذ هي مبيّنة،و تخلّل بعض أجزاء المبيّن بين أجزاء المبيّن مع ما يجب فيه من تخصيص العقود بما هو واجب أو مندوب في الحجّ،و إلاّ

ص: 596

فلا يبقى للتّقييد بتلك الحال-مع أنّهم مأمورون بمطلق العقود مطلقا-وجه.

و زعم العلاّمة أنّه أقرب من الأوّل معنى و إن كان أبعد لفظا،و استدلّ عليه بما هو على طرف الثّمام،ثمّ قال:و منهم من جعله حالا من فاعل«أحللنا»المدلول عليه بقوله تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ و يستلزم جعل وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ أيضا حالا من مقدّر،أي حال كوننا غير محلّين الصّيد في حال إحرامكم،و ليس ببعيد،إلاّ من جهة انتصاب حالين متداخلين من غير ظهور ذي الحال في اللّفظ.

و تعقّبه أبو حيّان بأنّه فاسد،لأنّهم نصّوا على أنّ الفاعل المحذوف في مثل هذا يصير نسيا منسيّا،فلا يجوز وقوع الحال منه،فقد قالوا:لو قلت:أنزل الغيث مجيبا لدعائهم،على أنّ«مجيبا»حال من فاعل الفعل المبنيّ للمفعول لم يجز،لا سيّما على مذهب القائلين بأنّ المبنيّ للمفعول صيغة أصليّة ليست محوّلة عن المعلوم،على أنّ في التّقييد أيضا مقالا،و جعله بعضهم حالا من الضّمير المجرور في(عليكم)و يردّه أنّ الّذي(يتلى)لا يتقيّد بحال انتفاء إحلالهم الصّيد و هم حرم،بل هو يتلى عليهم في هذه الحال و في غيرها.

و نقل العلاّمة البيضاويّ عن بعض:أنّ النّصب على الاستثناء،و ذكر أنّ فيه تعسّفا،و بيّنه مولانا شيخ الكلّ في الكلّ صبغة اللّه أفندي الحيدريّ عليه الرّحمة بأنّه لو كان استثناء،لكان إمّا من الضّمير في(لكم)أو في (اوفوا)إذ لا جواز لاستثنائه من بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ، و على الأوّل يجب أن يخصّ البهيمة بما عدا الأنعام ممّا يماثلها،أو تبقى على العموم،لكن بشرط إدارة المماثل فقط في حيّز الاستثناء،و أن يجعل قوله تعالى: وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ من تتمّة المستثنى،بأن يكون حالا عمّا استكن في (محلّى)ليصحّ الاستثناء،إذ لا صحّة له بدون هذين الاعتبارين،فسوق العبارة يقتضي أن يقال:و هم حرم، لأنّ الاستثناء أخرج المحلّين من زمرة المخاطبين،و اعتبار الالتفات هنا بعيد،لكونه رافعا فيما هو بمنزلة كلمة واحدة،و على الثّاني يجب تخصيص العقود بالتّكاليف الواردة في الحجّ،و تأويل الكلام الطّلبيّ بما يلزمه من الخبر مع ما يلزمه من الفصل بين المستثنى و المستثنى منه بالأجنبيّ،و كلّ ذلك تعسّف أيّ تعسّف انتهى.

و كأنّه رحمه اللّه لم يذكر احتمال كون الاستثناء من الاستثناء،مع أنّ القرطبيّ نقله عن البصريّين،لأنّ ذلك فاسد-كما قاله القرطبيّ.و أبو حيّان-لا متعسّف إذ يلزم عليه إباحة الصّيد في الحرم،لأنّ المستثنى من المحرّم حلال،نعم ذكر أبو حيّان أنّه استثناء من بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ على وجه عيّنه؛و أنفه التّكلّف و التّعسّف فقد قال رحمه اللّه:إنّما عرض الإشكال في الآية حتّى اضطرب النّاس في تخريجها من كون رسم(محلّى)بالياء فظنّوا أنّه اسم فاعل من أحلّ،و أنّه مضاف إلى الصّيد إضافة اسم الفاعل المتعدّي إلى المفعول،و أنّه جمع حذف منه النّون للإضافة،و أصل:غير محلّين الصّيد.

و الّذي يزول به الإشكال و يتّضح المعنى أن يجعل قوله تعالى: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ من باب قولهم:حسان

ص: 597

النّساء،و المعنى النّساء الحسان،و كذا هذا أصله غير الصّيد المحلّ،و المحلّ صفة للصّيد لا للنّاس،و وصف الصّيد بأنّه محلّ،إمّا بمعنى داخل في الحلّ،كما تقول:أحلّ الرّجل،أي دخل في الحلّ،و أحرم،أي دخل في الحرم.

أو بمعنى صار ذا حلّ أي حلالا بتحليل اللّه تعالى.[إلى أن قال:]

و تعقّبه السّفاقسيّ بمثل ما قدّمناه من حيث زيادة الياء،و فيها التباس المفرد بالجمع،و هم يفرّون من زيادة أو نقصان في الرّسم،فكيف يزيدون زيادة ينشأ عنها لبس؟و من حيث إضافة الصّفة للموصوف و هو غير مقيس.و قال الحلبيّ:إنّ فيه خرقا للإجماع،فإنّهم لم يعربوا(غير)إلاّ حالا،و إنّما اختلفوا في صاحبها.

ثمّ قال السّفاقسيّ: و يمكن فيه تخريجان:

أحدهما أن يكون(غير)استثناء منقطعا،و(محلّى) جمع على بابه،و المراد به النّاس الدّاخلون حلّ الصّيد، أي لكن إن دخلتم حلّ الصّيد،فلا يجوز لكم الاصطياد.

و الثّاني أن يكون متّصلا من بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ، و في الكلام حذف مضاف،أي أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ صيد الدّاخلين حلّ الاصطياد وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ فلا يحلّ.

و يحتمل أن يكون على بابه من التّحليل،و يكون الاستثناء متّصلا و المضاف محذوف،أي إلاّ صيد محلّي الاصطياد وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ، و المراد بالمحلّين:الفاعلون فعل من يعتقد التّحليل فلا يحلّ،و يكون معناه أنّ صيد الحرم كالميتة لا يحلّ أكله مطلقا،و يحتمل أن يكون حالا من ضمير(لكم)،و حذف المعطوف للدّلالة عليه و هو كثير،و تقديره:غير محلّي الصّيد محلّيه،كما قال تعالى:

تَقِيكُمُ الْحَرَّ النّحل:81،أي و البرد،و هو تخريج حسن.هذا،و لا يخفى أنّ يد اللّه تعالى مع الجماعة،و أنّ ما ذكره غيرهم لا يكاد يسلم من الاعتراض.(6:51)

يحلّ

1- فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ. هود:39

الطّوسيّ: ينزل عليه.(5:554)

مثله الميبديّ(4:386)،و الطّبرسيّ(3:160).

الزّمخشريّ: يَحِلُّ عَلَيْهِ حلول الدّين و الحقّ اللاّزم لا انفكاك له عنه.(2:269)

نحوه البيضاويّ.(1:468)

ابن عطيّة: و حكى الزّهراويّ أنّه يقرأ(و يحلّ) بضمّ الحاء،و يقرأ(يحلّ)بكسرها،بمعنى و يجب.

(3:170)

الفخر الرّازيّ: أي يجب عليه و ينزل به.

(17:225)

مثله القرطبيّ.(9:33)

البروسويّ: حلول الدّين الّذي لا انفكاك عنه، ففي الكلام استعارة مكنيّة؛حيث شبّه العذاب الأخرويّ الّذي قضى اللّه تعالى به في حقّهم بالدّين المؤجّل الواجب الحلول،و أثبت له الحلول الّذي هو من لوازمه.

(4:126).

حسنين مخلوف:يجب عليه عذاب دائم.يقال:

ص: 598

حلّ عليه أمر اللّه يحلّ حلولا:وجب.(1:364)

يحلّ-يحلل

2- كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى.

طه:81

قتادة :فينزل عليكم غضبي.

(الطّبريّ 16:193)

الفرّاء: قوله: فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي الكسر فيه أحبّ إليّ من الضّمّ،لأنّ الحلول ما وقع من يحلّ،و يحلّ:

يجب،و جاء التّفسير بالوجوب لا بالوقوع،و كلّ صواب إن شاء اللّه.

و الكسائيّ جعله على الوقوع،و هي في قراءة القرّاء بالضّمّ مثل الكسائيّ سئل عنه فقاله،و في قراءة عبد اللّه أو أبيّ(إن شاء اللّه)(و لا يحلّنّ عليكم غضبى و من يحلل عليه)مضمومة.

و أمّا قوله: أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ طه:86، فهي مكسورة و هي مثل الماضيتين،و لو ضمّت كان صوابا،فإذا قلت:حلّ بهم العذاب كانت يحلّ بالضّمّ لا غير،فإذا قلت:«على»أو قلت:يحلّ لك كذا و كذا، فهو بالكسر.(2:188)

أبو عبيدة :يقال:حلّ يحلّ،إذا وجب.و حلّ يحلّ،إذا نزل.(القرطبيّ 11:231)

نحوه الماورديّ.(3:416)

الطّبريّ: فينزل عليكم عقوبتي.

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الحجاز و المدينة و البصرة و الكوفة (فيحلّ...) بكسر الحاء (و من يحلل) بكسر اللاّم.و وجّهوا معناه إلى:

فيجب عليكم غضبي.و قرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة (فيحلّ...)بضمّ الحاء،و وجّهوا تأويله إلى ما ذكرنا عن قتادة من أنّه:فيقع و ينزل عليكم غضبي.

و الصّواب من القول في ذلك:أنّهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء، و قد حذّر اللّه الّذين قيل لهم هذا القول من بني إسرائيل وقوع بأسه بهم و نزوله،بمعصيتهم إيّاه إن هم عصوه، و خوّفهم وجوبه لهم،فسواء قرئ ذلك بالوقوع أو بالوجوب،لأنّهم كانوا قد خوّفوا المعنيين كليهما.

(16:193)

نحوه أبو زرعة(460)،و الطّوسيّ(7:195)، و البغويّ(3:270)،و ابن عطيّة(4:56)،و القرطبيّ (11:231)،و الفخر الرّازيّ(22:96).

الزّمخشريّ: و قرئ (فيحلّ) و عن عبد اللّه (لا يحلّنّ)(و من يحلل)المكسور في معنى الوجوب،من:

حلّ الدّين يحلّ،إذا وجب أداؤه،و منه قوله تعالى:

حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ البقرة:196،و المضموم في معنى النّزول.(2:547)

الطّبرسيّ: و قرأ الكسائيّ فيحلّ بضمّ الحاء (و من يحلل) بضمّ اللاّم،و الباقون بالكسر في موضعين:

و حجّة من قرأ (يحلّ) بكسر الحاء أنّه روي في زمزم أنّه لشارب حلّ،أي مباح له غير محظور عليه و لا ممنوع

ص: 599

عنه،فالحلّ و الحلال في المعنى مثل المباح،فهو خلاف الحظر و الحجر و الحرام و الحرم،فهذه الألفاظ معناها المنع،و المباح من قولهم:باح بالسّرّ و الأمر يبوح به،إذا لم يجعل دونه حظرا،فمعنى يحلّ عليكم ينزل بكم و ينالكم بعد ما كان ذا حظر و حجر و منع عنكم.

و وجه قراءة من قرأ (يحلّ عليكم غضبي) أنّ الغضب لمّا كان تتبعه العقوبة و العذاب،جعله بمنزلة العذاب،فقال:(يحلّ)أي ينزل،فجعله بمنزلة قولهم:

حلّ بالمكان يحلّ،و على هذا جاء: تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ الرّعد:31،فكما أنّ هذا عذاب قد أخبر عنه بأنّه يحلّ،كذلك أخبر عن الغضب بمثله و جعله بمنزلته،لأنّه يتبعه و يتّصل به.

(4:22)

البيضاويّ: فيلزمكم عذابي و يجب لكم،من حلّ الدّين،إذا وجب أداؤه.

و قرأ الكسائيّ: (يحلّ) و (يحلل) بالضّمّ من حلّ يحلّ،إذا نزل.(2:57)

نحوه النّسفيّ(3:61)،و النّيسابوريّ(16:147)، و أبو السّعود(4:299)،و البروسويّ(5:411).

أبو حيّان :قرأ الجمهور (فَيَحِلَّ) بكسر الحاء، (و من يحلل) بكسر اللاّم،أي فيجب و يلحق.و قرأ الكسائيّ بضمّ الحاء،و لام(يحلل)أي ينزل،و هي قراءة قتادة و أبي حيوة،و الأعمش،و طلحة،و وافق ابن عتيبة في(يحلل)فضمّ.

و في«الإقناع»لأبي عليّ الأهوازيّ ما نصّه:«ابن غزوان عن طلحة(لا يحلّنّ عليكم غضبى)بلام و نون مشدّدة،و فتح اللاّم و كسر الحاء،أي لا تتعرّضوا للطّغيان فيه،فيحلّ عليكم غضبي،من باب:لا أرينّك هنا».

و في كتاب«اللّوامح»:«قتادة و عبد اللّه بن مسلم بن يسار و ابن وثّاب و الأعمش(فيحلّ)بضمّ الياء و كسر الحاء من الإحلال،فهو متعدّ من حلّ بنفسه،و الفاعل فيه مقدّر ترك لشهرته،و تقديره:فيحلّ به طغيانكم غضبي عليكم».(6:265)

الفاضل المقداد:و قرئ (يحلّ) بضمّ الحاء،أي ينزل،و بكسرها من الحلال،أي الحلال العقليّ.و قيل:

بمعنى الوجوب،من قولهم:حلّ الدّين،أي وجب أداؤه.

(2:9)

الآلوسيّ: جواب للنّهي،أي فيلزمكم غضبي و يجب لكم،من حلّ الدّين يحلّ بكسر الحاء،إذا وجب أداؤه.و أصله من الحلول و هو في الأجسام،ثمّ استعير لغيرها و شاع،حتّى صارت حقيقة فيه.[ثمّ ذكر اختلاف القراءة كما تقدّم عن أبي حيّان و قال:]

و وصف ذلك بالحلول حقيقة على بعض الاحتمالات،و مجاز على بعض آخر،و في«الانتصاف»:

أنّ وصفه بالحلول لا يتأتّى على تقدير أن يراد به إرادة العقوبة،و يكون ذلك بمنزلة قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«ينزل ربّنا إلى السّماء الدّنيا»على التّأويل المعروف،أو عبّر عن حلول أثر الإرادة بحلولها تعبيرا عن الأثر بالمؤثّر،كما يقول النّاظر إلى عجيب من مخلوقات اللّه تعالى»انظر إلى قدرة

ص: 600

اللّه تعالى يعني أثر القدرة لا نفسها.(16:239)

يحلّون

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ... فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا... الممتحنة:10

ابن زيد :و فرّق بينهما النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إن لم يطلّق المشرك.(الطّوسيّ 9:585)

نحوه الطّبرسيّ.(5:274)

الطّبريّ: لا المؤمنات حلّ للكفّار و لا الكفّار يحلّون للمؤمنات.(28:69)

نحوه الزّجّاج(5:159)،و المراغيّ(28:72).

الفخر الرّازيّ: ما الفائدة في قوله: وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ و يمكن أن يكون في أحد الجانبين دون الآخر؟

نقول:هذا باعتبار الإيمان من جانبهنّ و من جانبهم؛ إذ الإيمان من الجانبين شرط للحلّ،و لأنّ الذّكر من الجانبين مؤكّد لارتفاع الحلّ،و فيه من الإفادة ما لا يكون في غيره.

فإن قيل:هب أنّه كذلك لكن يكفي قوله: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لأنّه لا يحلّ أحدهما للآخر،فلا حاجة إلى الزّيادة عليه،و المقصود هذا لا غير؟

نقول:التّلفّظ بهذا اللّفظ لا يفيد ارتفاع الحلّ من الجانبين،بخلاف التّلفّظ بذلك اللّفظ،و هذا ظاهر.

(29:306)

القرطبيّ: أي لم يحلّ اللّه مؤمنة لكافر،و لا نكاح مؤمن لمشركة.

و هذا أدلّ دليل على أنّ الّذي أوجب فرقة المسلمة من زوجها إسلامها لا هجرتها.و قال أبو حنيفة:الّذي فرّق بينهما هو اختلاف الدّارين.و إليه إشارة في مذهب مالك بل عبارة.

و الصّحيح الأوّل،لأنّ اللّه تعالى قال: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ فبيّن أنّ العلّة عدم الحلّ بالإسلام،و ليس باختلاف الدّار،و اللّه أعلم.

و قال أبو عمر:لا فرق بين الدّارين لا في الكتاب، و لا في السّنّة،و لا في القياس،و إنّما المراعاة في ذلك الدّينان،فباختلافهما يقع الحكم و باجتماعهما،لا بالدّار، و اللّه المستعان.(18:63)

البيضاويّ: و التّكرير للمطابقة و المبالغة،أو الأوّل لحصول الفرقة،و الثّاني للمنع عن الاستئناف.

(2:471)

النّسفيّ: أي لا حلّ بين المؤمنة و المشرك،لوقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة.(4:249)

أبو حيّان :و قرأ طلحة (لا هنّ يحلاّن لهم) و انعقد التّحريم بهذه الجملة،و جاء قوله: وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ على سبيل التّأكيد و تشديد الحرمة،لأنّه إذا لم تحلّ المؤمنة للكافر علم أنّه لا حلّ بينهما البتّة.

و قيل:أفاد قوله: وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ استمرار الحكم بينهم فيما يستقبل،كما هو في الحال ما داموا على الإشراك و هنّ على الإيمان.(8:256)

ص: 601

الشّربينيّ: [ذكر أقوال السّابقين](4:266)

أبو السّعود :إنّه تعليل للنّهي عن رجعهنّ إليهم، و التّكرير إمّا لتأكيد الحرمة،أو لأنّ الأوّل لبيان زوال النّكاح الأوّل،و الثّاني لبيان امتناع النّكاح الجديد.

(6:238)

نحوه البروسويّ.(9:482)

الآلوسيّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و يشعر بذلك التّعبير بالاسم في الأولى و الفعل في الثّاني.

و قال الطّيّبيّ في وجه اختلاف التّعبيرين:إنّه أسندت الصّفة المشبّهة إلى ضمير(المؤمنات)في الجملة الأولى،إعلاما بأنّ هذا الحكم،يعني نفي الحلّ ثابت فيهنّ،لا يجوز فيه الإخلال و التّغيير من جانبهنّ، و أسند الفعل إلى ضمير(الكفّار)إيذانا بأنّ ذلك الحكم مستمرّ الامتناع في الأزمنة المستقبلة،لكنّه قابل للتّغيير باستبدال الهدى بالضّلال.

و جوّز أن يكون ذلك تكريرا للتّأكيد و المبالغة في الحرمة و قطع العلاقة،و فيه من أنواع البديع ما سمّاه بعضهم بالعكس و التّبديل،كالّذي في قوله تعالى: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ البقرة:187.

و لعلّ الأوّل أولى:و استدلّ بالآية على أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع كما في«الانتصاف»و القول بأنّ المخاطب في حقّ المؤمنة هي،و في حقّ الكافر الأئمّة،بمعنى أنّهم مخاطبون بأن يمنعوا ذلك الفعل من الوقوع لا يخفى حاله.و قرأ طلحة: (لا هنّ يحللن لهم) .(28:76)

مغنيّة:إن سأل سائل أنّ قوله تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ يغني عن قوله: وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ فما هي فائدة التّكرار؟

قلنا في جوابه:من الجائز أن يكون التّكرار للإشارة إلى أنّه لا أثر لاعتقاد المشرك أنّها ما زالت في عصمته، و أيضا يجوز أن يكون لمجرّد التّأكيد.(7:307)

الطّباطبائيّ: مجموع الجملتين كناية عن انقطاع علقة الزّوجيّة،و ليس من توجيه الحرمة إليهنّ و إليهم في شيء.(19:240)

الصّابونيّ: فيه إشارة إلى أنّه لا صلة بين الإيمان و الكفر،فإذا أسلمت الزّوجة و زوجها كافر،حرمت عليه لعدم التّجانس بينهما،فهي مؤمنة و هو كافر،و قد قطعت العلاقة بينهما.و هذا يدلّ على أنّ رابطة العقيدة أقوى من رابطة النّسب،فتدبّره.(2:557)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ النّقاط الّتي تختصّ بالنّساء المهاجرات هي...[ذكر نقطتين و قال:]

في ثالث نقطة تؤكّدها الآية الكريمة،الّتي هي في الحقيقة دليل على الحكم السّابق يضيف تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ.

و هكذا تنفصل الإرادتان و تتميّز الألوان،فالإيمان و الكفر لا يجتمعان في مكان واحد،لأنّ عقد الزّواج المقدّس لا يمكن أن يربط بين محورين و خطّين متضادّين، خطّ الإيمان من جهة،و الكفر من جهة أخرى؛إذ لا بدّ أن يكون عقد الزّواج يشكل نوعا من الوحدة و التّجانس و الانسجام بين الزّوجين،و هذا ما لا يمكن أن يتحقّق

ص: 602

نتيجة الاختلاف و التّضادّ الّتي سيكون عليها الزّوجان، في حالة كون أحدهما مؤمنا و الآخر كافرا.

إلاّ أنّنا نلاحظ في بداية صدر الإسلام حالات زوجيّة لزوجين أحدهما مؤمن و الآخر كافر،و لم ينه عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؛حيث لم يزل المجتمع الإسلاميّ قلقا و غير مستقرّ بعد،إلاّ أنّه عند ما تأصّلت جذور العقيدة الإسلاميّة و ترسّخت مبادئها،أعطى أمرا بالانفصال التّامّ بين الزّوجين بلحاظ معتقدهما،و خاصّة بعد صلح الحديبيّة،و الآية-مورد البحث-هي إحدى أدلّة هذا الموضوع.(18:241)

حلّ

وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ. البلد:2

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ اللّه حرّم مكّة يوم خلق السّماوات و الأرض،فهي حرام إلى أن تقوم السّاعة،لم تحلّ لأحد قبلي و لا يحلّ لأحد بعدي،و لم يحلّ لي إلاّ ساعة من نهار،فلا يعضد شجرها و لا نختلي خلالها و لا نفرّ صيدها و لا تحلّ لقطتها إلاّ لمنشد».(الثّعلبيّ 10:206)

ابن عبّاس: قد أحلّ اللّه لك في هذا البلد ما لا يحلّ لأحد قبلك و لا بعدك،و يقال:و أنت حلّ نازل بهذا البلد،و يقال:و أنت في حلّ ممّا صنعت في هذا البلد.(511)

نحوه الفرّاء.(3:263)

يعني بذلك نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أحلّ اللّه له يوم دخل مكّة أن يقتل من شاء،و يستحيي من شاء،فقتل يومئذ ابن خطل صبرا و هو آخذ بأستار الكعبة،فلم تحلّ لأحد من النّاس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يقتل فيها حراما حرّمه اللّه، فأحلّ اللّه له ما صنع بأهل مكّة،أ لم تسمع أنّ اللّه قال في تحريم الحرم: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ... آل عمران:97،يعني بالنّاس أهل القبلة.

(الطّبريّ 30:194)

مجاهد :أحلّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ما صنع فيه ساعة.

[و في رواية]أحلّ له أن يصنع فيه ما شاء.

(الطّبريّ 30:194)

لا تؤاخذ بما عملت فيه،و ليس عليك فيه ما على النّاس.(الطّبريّ 30:194)

الضّحّاك: أنت حلّ بالحرم،فاقتل إن شئت،أو دع.(الطّبريّ 30:195)

الحسن :و أنت فيه محسن و أنا عنك راض.

(الطّوسيّ 10:350)

فأنت محلّ بهذا البلد غير محرم في دخوله،يعني عام الفتح.

مثله عطاء.(ابن الجوزيّ 9:127)

عطاء:إنّ اللّه حرّم مكّة،لم تحلّ لنبيّ إلاّ نبيّكم ساعة من نهار.(الطّبريّ 30:195)

قتادة :أنت به حلّ لست بآثم.

بريء عن الحرج و الإثم.(الطّبريّ 30:195)

شرحبيل:يحرّمون أن يقتلوا بها صيدا و يعضدوا بها شجرة؛و يستحلّون إخراجك و قتلك.

(الزّمخشريّ 4:255)

ص: 603

السّدّيّ: أنت في حلّ ممّن قاتلك أن تقتله.

(القرطبيّ 20:60)

الإمام الصّادق عليه السّلام:كانت قريش تعظّم البلد و تستحلّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله فيه،فقال: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ* وَ أَنْتَ حِلٌّ... البلد:1،2.(الطّبرسيّ 5:493)

ابن زيد :لم يكن بها أحد حلاّ غير النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،كلّ من كان بها حراما،لم يحلّ لهم أن يقاتلوا فيها و لا يستحلّوا حرمه،فأحلّه اللّه لرسوله.فقاتل المشركين فيه.(الطّبريّ 30:195)

الطّبريّ: و أنت يا محمّد حلّ بهذا البلد،يعني بمكّة، يقول:أنت به حلال تصنع فيه من قتل من أردت قتله، و أسر من أردت أسره،مطلق ذلك لك.يقال منه:هو حلّ،و هو حلال،و هو حرم،و هو حرام،و هو محلّ، و هو محرم،و أحللنا و أحرمنا.(30:194)

الزّجّاج: أحلّت مكّة للنّبيّ عليه السّلام ساعة من النّهار، و لم تحلّ لأحد قبله و لا لأحد بعده.و معنى أحلّت له:

أحلّ له صيدها،و أن يختلي خلالها،و أن يعضد شجرها.

يقال:رجل حلّ و حلال و محلّ،و كذلك رجل حرام و حرم و محرم.(5:327)

أبو مسلم الأصفهانيّ: معناه لا أقسم بهذا البلد و أنت حلّ فيه منتهك الحرمة،مستباح العرض لا تحترم، فلم يبق للبلد حرمة حيث هتكت حرمتك.

(الطّبرسيّ 5:493)

القمّيّ: كانت قريش لا يستحلّون أن يظلموا أحدا في هذا البلد،و يستحلّون ظلمك فيه.(2:422)

ابن خالويه: وَ أَنْتَ حِلٌّ الواو واو الحال و الابتداء،و(انت)رفع بالابتداء،و لا علامة فيه للرّفع لأنّه مكنيّ،و(حلّ)خبر الابتداء.يقال:حلّ و حلال، و حرم و حرام بمعنى واحد.و حلّ في المكان،إذا نزل فيه يحلّ حلولا فهو حالّ،و المكان محلول فيه.

و أمّا قوله عزّ و جلّ: أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ طه:86،فمعناه أن ينزل عليكم،هذا بضمّ الحاء على مذهب الكسائيّ،و من قرأ (ان يحلّ) بكسر الحاء فمعناه يجب.(87)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:قول ابن عبّاس و مجاهد.

الثّاني:قول الحسن و عطاء.

الثّالث:أن يستحلّ المشركون فيه حرمتك و حرمة من اتّبعك،توبيخا للمشركين.

و يحتمل رابعا:و أنت حالّ،أي نازل في هذا البلد، لأنّها نزلت عليه و هو بمكّة لم يفرض عليه الإحرام و لم يؤذن له في القتال،و كانت حرمة مكّة فيها أعظم، و القسم بها أفخم.(6:274)

الطّوسيّ: قيل:معناه أنت حلّ بهذا البلد،أي أنت فيه مقيم،و هو محلّل.و المعنيّ بذلك التّنبيه على شرف البلد بشرف من حلّ فيه من الرّسول الدّاعي إلى تعظيم اللّه و إخلاص عبادته،المبشّر بالثّواب و المنذر بالعقاب.

و يقال:رجل حلّ،أي حلال،و قالوا:حلّ معناه حالّ، أي ساكن.(10:350)

نحوه البغويّ(5:254)،و الميبديّ(10:496).

ص: 604

الزّمخشريّ: أقسم سبحانه بالبلد الحرام و بما بعده على أنّ الإنسان خلق مغمورا في مكابدة المشاقّ و الشّدائد،و اعترض بين القسم و المقسم عليه بقوله:

وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ يعني و من المكابدة أنّ مثلك على عظم حرمتك يستحلّ بهذا البلد الحرام،كما يستحلّ الصّيد في غير الحرم.[ثمّ ذكر قول شرحبيل و قال:]

و فيه تثبيت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و بعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكّة،و تعجيب من حالهم في عداوته،أو سلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالقسم ببلده على أنّ الإنسان لا يخلو من مقاساة الشّدائد.

و اعترض بأنّ وعده فتح مكّة تتميما للتّسلية و التّنفيس عنه،فقال: وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ يعني و أنت حلّ به في المستقبل،تصنع فيه ما تريد من القتل و الأسر؛و ذلك أنّ اللّه فتح عليه مكّة و أحلّها له،و ما فتحت على أحد قبله و لا أحلّت له،فأحلّ ما شاء و حرّم ما شاء،قتل ابن خطل و هو متعلّق بأستار الكعبة، و مقيس بن صبابة و غيرهما،و حرّم دار أبي سفيان.[ثمّ ذكر حديث النّبيّ و قال:]

فإن قلت:أين نظير قوله: وَ أَنْتَ حِلٌّ في معنى الاستقبال؟

قلت:قوله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ الزّمر:

30،و مثله واسع في كلام العباد،تقول لمن تعده الإكرام و الحباء:أنت مكرم محبوّ،و هو في كلام اللّه أوسع،لأنّ الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة،و كفاك دليلا قاطعا على أنّه للاستقبال و أنّ تفسيره بالحالّ محال، أنّ السّورة بالاتّفاق مكّيّة،و أين الهجرة عن وقت نزولها،فما بال الفتح.(4:255)

نحوه القرطبيّ(20:60)،و النّسفيّ(4:358)، و الشّربينيّ(4:537)،و أبو السّعود(6:430).

ابن عطيّة: و اختلف في معنى قوله: وَ أَنْتَ حِلٌّ... فقال ابن عبّاس و جماعة:معناه و أنت حلال بهذا البلد يحلّ لك فيه قتل من شئت،و كان هذا يوم فتح مكّة؛و على هذا يتركّب قول من قال:السّورة مدنيّة نزلت عام الفتح،و يتركّب على التّأويل قول من قال:

(لا)نافية،أي إنّ هذا البلد لا يقسم اللّه به،و قد جاء أهله بأعمال توجب إحلال حرمته،و يتّجه أيضا أن تكون(لا)غير نافية.

و قال بعض المتأوّلين: وَ أَنْتَ حِلٌّ... معناه حالّ ساكن بهذا البلد،و على هذا يجيء قول من قال:هي مكّيّة،و المعنى على إيجاب القسم بيّن،و على نفيه أيضا يتّجه على معنى القسم ببلد أنت ساكنه،على أذى هؤلاء القوم و كفرهم.(5:483)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و هذا وعد من اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يحلّ له مكّة حتّى يقاتل فيها و يفتحها على يده،و يكون بها حلاّ يصنع بها ما يريد القتل و الأسر،و قد فعل سبحانه ذلك،فدخلها غلبة و كرها،و قتل ابن أخطل و هو متعلّق بأستار الكعبة،و مقبس بن سبابة و غيرهما.[ثمّ ذكر قول أبي مسلم الأصفهانيّ و قال:]

و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.[و قد تقدّم]

ص: 605

يريد أنّهم استحلّوك فيه فكذّبوك و شتموك،و كانوا لا يأخذ الرّجل منهم فيه قاتل أبيه،و يتقلّدون لحاء شجر الحرم فيأمنون بتقليدهم إيّاه،فاستحلّوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما لم يستحلّوا من غيره،فعاب اللّه ذلك عليهم.

(5:493)

ابن الجوزيّ: قال المفسّرون:و المعنى أنّ اللّه تعالى وعد نبيّه أن يفتح مكّة على يديه بأن يحلّها له، فيكون فيها حلاّ.(9:127)

الفخر الرّازيّ: فأمّا قوله: وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ فالمراد منه أمور:

أحدها:و أنت مقيم بهذا البلد،نازل فيه،حالّ به، كأنّه تعالى عظّم مكّة من جهة أنّه عليه الصّلاة و السّلام مقيم بها.

و ثانيها:الحلّ بمعنى الحلال،أي أنّ الكفّار يحترمون هذا البلد و لا ينتهكون فيه المحرّمات،ثمّ إنّهم مع ذلك و مع إكرام اللّه تعالى إيّاك بالنّبوّة يستحلّون إيذاءك،و لو تمكّنوا منك لقتلوك،فأنت حلّ لهم في اعتقادهم لا يرون لك من الحرمة ما يرونه لغيرك.[ثمّ ذكر قول شرحبيل و قال نحو ما ذكر عن الزّمخشريّ و أضاف:]

و رابعها: وَ أَنْتَ حِلٌّ... أي و أنت غير مرتكب في هذا البلد ما يحرم عليك ارتكابه،تعظيما منك لهذا البيت،لا كالمشركين الّذين يرتكبون فيه الكفر باللّه، و تكذيب الرّسل.

و خامسها:أنّه تعالى لمّا أقسم بهذا البلد دلّ ذلك على غاية فضل هذا البلد،ثمّ قال: وَ أَنْتَ حِلٌّ... أي و أنت من حلّ هذه البلدة المعظّمة المكرّمة،و أهل هذا البلد يعرفون أصلك و نسبك و طهارتك و براءتك طول عمرك عن الأفعال القبيحة،و هذا هو المراد بقوله تعالى:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ الجمعة:9، و قال: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ التّوبة:128، و قوله: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ يونس:16، فيكون الغرض شرح منصب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بكونه من هذا البلد.(31:180)

البيضاويّ: قيل:(حلّ)مستحلّ تعرّضك فيه كما يستحلّ تعرّض الصّيد في غيره،أو حلال لك أن تفعل فيه ما تريد ساعة من النّهار،فهو وعد بما أحلّ له عام الفتح.(2:559)

النّيسابوريّ: و قوله: وَ أَنْتَ حِلٌّ... اعتراض بين القسمين،كأنّه تعالى عظّم مكّة من جهة أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم حلّ بها و أقام فيها.و قيل:الحلّ بمعنى الحلال،كأنّه سبحانه عجب من اعتقاد أهل مكّة كيف يؤذون أشرف الخلق في موضع محرّم!

و قال قتادة: أَنْتَ حِلٌّ أي لست بأثيم،و حلال لك أن تقتل بمكّة من شئت،كما في الحديث:«و لم تحلّ لي إلاّ ساعة من نهار».فإن كانت السّورة مكّيّة أو مدنيّة قبل الفتح،فقوله:(حلّ)بمعنى الاستقبال،نحو: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ الزّمر:30،و كثيرا ما تبرز الأفعال المستقبلة في القرآن في صيغ المضيّ لتحقّق الوقوع،و إن كان حال الفتح أو بعده،فظاهر.و على الأوّل يكون فيه إخبار بالغيب،و قد يسّر اللّه له فتح مكّة كما وعد،

ص: 606

فيكون معجزا.(30:98)

أبو حيّان : وَ أَنْتَ حِلٌّ جملة حاليّة تفيد تعظيم المقسم به،أي فأنت مقيم به،و هذا هو الظّاهر.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و ردّ عليه فقال:]

و حمله على أنّ الجملة اعتراضيّة لا يتعيّن،و قد ذكرنا أوّلا أنّها جملة حاليّة،و بيّنّا حسن موقعها،و هي حال مقارنة لا مقدّرة و لا محكيّة،فليست من الإخبار بالمستقبل.و أمّا سؤاله و الجواب فهذا لا يسأله من له أدنى تعلّق بالنّحو،لأنّ الاخبار قد تكون بالمستقبلات، و أنّ اسم الفاعل و ما يجري مجراه حالة إسناده أو الوصف به لا يتعيّن حمله على الحال،بل يكون للماضي تارة و للحال أخرى و للمستقبل أخرى،و هذا من مبادئ علم النّحو.

و أمّا قوله:«و كفاك دليلا قاطعا...»إلخ فليس بشيء،لأنّا لم نحمل وَ أَنْتَ حِلٌّ على أنّه يحلّ لك ما تصنع في مكّة من الأسر و القتل في وقت نزولها بمكّة فتنافيا،بل حملناه على أنّه مقيم بها خاصّة،و هو وقت النّزول كان مقيما بها ضرورة.

و أيضا فما حكاه من الاتّفاق على أنّها نزلت بمكّة فليس بصحيح،و قد حكى الخلاف فيها عن قول ابن عطيّة،و لا يدلّ قوله: وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ على ما ذكروه من أنّ المعنى يستحلّ إذ ذاك،و لا على أنّك تستحلّ فيه أشياء،بل الظّاهر ما ذكرناه أوّلا من أنّه تعالى أقسم بها لما جمعت من الشّرفين:شرفها بإضافتها إلى اللّه تعالى،و شرفها بحضور رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و إقامته فيها،فصارت أهلا لأن يقسم بها.(8:474)

البروسويّ: وَ أَنْتَ حِلٌّ... حال من المقسم به،و(انت)خطاب للنّبيّ عليه السّلام...و الحلّ بمعنى الحالّ من الحلول و هو النّزول،أي و الحال أنّك يا محمّد حالّ في مكّة نازل بها.

قيّد إقسامه تعالى بمكّة بحلوله عليه السّلام فيها،إظهارا لمزيد فضلها،فإنّها بعد أن كانت شريفة بنفسها،زاد شرفها بحلول النّبيّ العظيم الشّريف فيها،فما لا شرف فيه يحصل له شرف بشرف المكين،و ما فيه شرف ذاتيّ يحصل له بشرف شرف زائد،فمحلّ قدمي النّبيّ عليه السّلام كمكّة و المدينة و غيرهما،ينبغي أن يحافظ على حرمته.

و قد سمّى عليه السّلام المدينة:طابة،لأنّها طابت به و بمكانه،و فيه تعريض لأهل مكّة بأنّهم لجهلهم يرون أن يخرجوا منها من به مزيد شرفها،و يؤذوه.

(10:433)

نحوه المراغيّ.(30:156)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و نقل أقوال بعض المفسّرين ثمّ قال:]

و في تعظيم المقسم به و توكيد المقسم عليه بالإقسام توكيد لما سيق له الكلام،و هو على ما ذكر أنّ عاقبة الاحتمال و المكابدة إلى الفتح و الظّفر،و الغرض تسليته صلّى اللّه عليه و سلّم،ثمّ ترشيحها بالتّصريح بما سيكون من الغلبة،و تعظيم البلد يدلّ على تعظيم من أحلّ له،و في الإقسام به توطئة للتّسلية،لأنّ تعظيم البلد تعظيم

ص: 607

للسّاكن فيه.

و جوّز أن يكون«الحلّ»على نحو ما ذكر في هذا الوجه،لكنّ المعنى و أنت حلّ بهذا البلد ممّا يقترفه أهله من المآثم متخرّج بريء منها.

و المعنى في الإقسام ب(البلد)تعظيمه،و في الاعتراض ترشيح التّعظيم و التّشريف،بكون مثله صلّى اللّه عليه و سلّم في جلالة القدر و منصب النّبوّة ساكنا فيه،مباينا لما عليه الغاغة و الهمج،و الفائدة فيه تأكيد المقسم عليه بأنّهم من أهل الطّبع،فلا ينفعهم شرف مكان و المتمكّن فيه، كأنّه قيل:أقسم بهذا البلد الطّيّب بنفسه و بمن سكن فيه،أنّ أهله لفي مرض قلب و شكّ لا يقادر قدره.

و قيل:«الحلّ»صفة أو مصدر بمعنى الحالّ،يقال:

حلّ،أي نزل يحلّ حلاّ و حلولا.و يقال أيضا:هو حلّ بموضع كذا،كما يقال:حالّ به.و القول بأنّ الصّفة من الحلول حالّ لا حلّ-و مصدر حلّ بمعنى نزل الحلول، و الحلّ بفتح الحاء و الحلل فقط-ناشئ من قلّة التّتبّع.

و الاعتراض لتشريفه صلّى اللّه عليه و سلّم بجعل حلوله عليه الصّلاة و السّلام مناطا لإعظام البلد بالإقسام به.

و جعل بعض الأجلّة الجملة على هذا الوجه حالا من هذَا الْبَلَدِ و كذا جعلها بعضهم حاليّة على الوجهين قبل،إلاّ أنّ الحال على ثانيهما مقارنة،و على أوّلهما مقدّرة أو مقارنة إن قيل:إنّ النّزول ساعة أحلّت مكّة.و جعلها ابن عطيّة حالا على الوجه الأوّل أيضا، أعني كون الحلّ بمعنى المستحلّ،لكن قيّده بكون(لا) نافية غير زائدة فتأمّل.

و أيّا ما كان ففي الإشارة و إقامة الظّاهر مقام الضّمير من تعظيم البلد ما فيهما.(30:133)

محمّد عبده:إنّ حلاّ هنا بمعنى الحلال لا بمعنى الحلول،أي إنّ أهل مكّة استحلّوا إيذاء الرّسول في البلد الأمين حتّى اضطرّوه إلى الهجرة منه.(مغنيّة 7:566)

عزّة دروزة :تعدّدت أقوال المفسّرين في تأويل الكلمة،من أنّها بمعنى الحالّ المقيم،و أنّ الآية بسبيل التّنويه بشرف مكّة بحلول النّبيّ عليه السّلام أو بعثته فيها.و من ذلك التّحليل ضدّ التّحريم،و أنّ الآية بسبيل التّنديد بأهل مكّة الّذين يستحلّون أذى النّبيّ و المؤمنين و إخراجهم،و مناوأة دعوة اللّه في البلد الّذي حرّم فيه الظّلم.و من ذلك أنّ النّبيّ في حلّ ممّا يفعله في مكّة،ممّا هو محرّم على غيره من قتال.

و نحن نرجّح المعنى الأوّل،لأنّه متساوق مع مفهوم القسم الّذي بدأت به السّورة،فاللّه سبحانه يقسم بمكّة الّتي شرّفها اللّه بحلول النّبيّ أو بعثته فيها،أمّا الرّأي الثّالث فقد ذكره معظم المفسّرين ناقلا بعضهم عن بعض على الأغلب،و رغم ذلك نراه غريبا،فإنّ تحليل اللّه القتال لنبيّه في مكّة كان في السّنة الثّامنة للهجرة في سياق فتحها،و بين هذه السّورة و ذلك الحادث سنون طويلة.

(2:49)

مغنيّة:الخطاب لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله،و(حلّ)أي حالّ و مقيم،و الواو للحال،و عليه يكون القسم بمكّة مقيّدا بإقامة الرّسول فيها،إشعارا بأنّ مكّة زادت رفعة بمولده و إقامته.[ثمّ ذكر قول عبده و قال:]

ص: 608

و هذا المعنى صحيح في نفسه،و لكنّه بعيد عن مدلول اللّفظ،فإنّ المتبادر إلى الأفهام من أَنْتَ حِلٌّ... هو أنت مقيم فيه،لا أنت حلال فيه.(7:566)

الطّباطبائيّ: و الحلّ:مصدر كالحلول،بمعنى الإقامة و الاستقرار في مكان،و المصدر بمعنى الفاعل، و المعنى أقسم بهذا البلد و الحال أنّك حالّ به مقيم فيه.

و في ذلك تنبيه على تشرّف مكّة بحلوله صلّى اللّه عليه و آله فيها، و كونها مولده و مقامه.

و قيل:الجملة معترضة بين القسم و المقسم به، و المراد ب«الحلّ»:المستحلّ الّذي لا حرمة له.[ثمّ ذكر كلام الكشّاف و قال:]

و محصّله تفسير الحلّ بمعنى المحلّ ضدّ المحرم، و المعنى:و سنحلّ لك يوم فتح مكّة حينا فتقاتل (1)و تقتل فيه من شئت.(20:289)

بنت الشّاطئ:و آية لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ مرتبطة كما قلنا بالآية بعدها وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ من ناحيتين:واو الحال،و هي قيد للجملة الأولى،ثمّ تكرار هذَا الْبَلَدِ توكيدا للصّلة بين الآيتين.

و في معنى(حلّ)خلاف بين المفسّرين:

1-قيل:هو من استحلال حرمة الرّسول في البلد الحرام الّذي يأمن فيه الطّير و الوحش و الجاني.و ممّن قال بهذا ابن القيّم في«التّبيان»،و الشّيخ محمّد عبده في تفسير جزء«عمّ»،كما أورده أبو حيّان في«البحر»، و الزّمخشريّ في«الكشّاف»،مع أقوال أخرى في تفسير (حلّ).

و قد واجهتهم هنا مشكلة؛إذ كيف يستقيم القسم بمكّة،حال استحلال أهلها لحرمة الرّسول في البلد الحرام،و القسم هنا على وجهه للتّعظيم؟

و خروجا من المأزق،قال أبو حيّان في«البحر»:إنّ (لا)نافية للقسم الّذي هو تعظيم،و قال ابن القيّم:المعنى متضمّن تعظيم بيت اللّه و رسوله،و قال الشّيخ محمّد عبده:«و معنى كونه حلاّ،أنّه استحلّ لأهل مكّة:

استحلّوا إعناته و مطاردته،و استباحوا حرمة الأمن في ذلك البلد الأمين حتّى اضطرّوه إلى الهجرة...ليفيد أنّ مكّة عظيم شأنها جليل قدرها في جميع الأحوال،حتّى في هذه الحالة الّتي لم يرع أهلها تلك الحرمة الّتي خصّها اللّه بها».

2-و قيل:إنّ«الحلّ»هنا بمعنى إحلال اللّه لرسوله أن يفعل بمكّة و أهلها ما شاء«فأنت حلّ به في المستقبل، تصنع فيه ما تريد من القتل و الأسر،و ذلك أنّ اللّه فتح عليه مكّة و أحلّها له،و ما فتحت على أحد قبله،و لا أحلّت له،فأحلّ ما شاء و حرّم ما شاء»قاله الزّمخشريّ،و ذكره أبو حيّان ثمّ رفضه.

و الآية مكّيّة باتّفاق و قد نزلت قبل فتح مكّة بسنين،فاحتاجوا إلى تبرير هذا التّأويل،فقال الزّمخشريّ يجيب عن سؤال طرحه في هذا الموقف:إنّ المستقبل هنا كالحاضر المشاهد،و نظيره قوله عزّ و جلّ:

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ الزّمر:30.!!

ص: 609


1- في الأصل:فنقاتل،بالنّون!!

و ما كان به حاجة إلى مثل هذا التّبرير،فالإخبار بالماضي عن المستقبل مألوف في العربيّة و في القرآن، و أبو حيّان معذور حين يردّ على الزّمخشريّ هنا بقوله:

«و أمّا سؤاله و الجواب فهذا لا يسأله من له أدنى تعلّق بالنّحو،لأنّ الأخبار قد تكون بالمستقبلات».

ثمّ قال أبو حيّان:لم نحمل وَ أَنْتَ حِلٌّ على أنّه يحلّ لك ما تصنع في مكّة من الأسر و القتل،بل حملناه على أنّه مقيم بها خاصّة،و هو وقت النّزول كان مقيما بها ضرورة.

3-و في الآية قول ثالث،هو أن يكون(حلّ)من الإحلال ضدّ الإحرام،ذكره ابن القيّم في«التّبيان».

4-و قول رابع:أنّه من الحلول بمعنى الإقامة ضدّ الظّعن،ذكره الرّاغب في«المفردات»،و كذلك ابن القيّم، و أبو حيّان-مطمئنّا إليه-و وجّهوا الآية أيضا بتأثير فكرة التّعظيم؛فقالوا:«قسم بحرمة المكان،و بحلول الرّسول فيه،قسم بخير البقاع،و قد اشتمل على خير العباد».

و قال أبو حيّان في«البحر»:أقسم بها لما جمعت من الشّرفين:شرفها بإضافتها إلى اللّه تعالى،و شرفها بحضور رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيها و إقامته بها،فصارت أهلا لأن يقسم بها».

و الحلّ لغة يحتمل أكثر الأقوال الّتي ذكرها المفسّرون،فيكون من الحلول ضدّ الظّعن،أو من الإحلال ضدّ الإحرام،أو من استحلال الحرمة و انتهاكها.و ربّما كان آصل معنى فيه،هو حلّ العقدة، و منه قوله تعالى: وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي ثمّ قيل:

حللت،أي نزلت،من حلّ الأحمال عند النّزول.

و جاء الحلّ بمعنى الإحلال و الاستحلال متأخّرا، ملحوظا فيه المدلول الأصيل للمادّة،و هو حلّ العقدة و فكّ القيد،و بهذا المعنى-أي الحلال-جاءت كلمة «حلّ»في القرآن،في أربع مرّات من خمس،هي كلّ ما في الكتاب الكريم من صيغة«حلّ».

و المواضع الأربعة هي:

وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ المائدة:5، لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ الممتحنة:10، كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ آل عمران:93،و كلّها آيات مدنيّة.

و المرّة الخامسة،الّتي استعمل فيها القرآن صيغة «حلّ»في آية البلد،و هي وحدها المكّيّة.

و أكثر ما تدور المادّة في القرآن،على معنى الحلال:

ضدّ الحرام.على أنّها جاءت بمعنى الإحلال:ضدّ الإحرام،في آية المائدة:2، وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا و هي مدنيّة.كما جاءت بمعنى الحلول،أي الإقامة في آيات:

أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ الرّعد:31.

وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ إبراهيم:28.

اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ فاطر:35.

و أصالة معنى الحلول في حلّ،تجعلنا نطمئنّ إلى تفسير آية البلد به-و هو المختار عند أبي حيّان-و المعنى

ص: 610

يستقيم بهذا التّفسير،مع ملحظ من مدلول الاستحلال لحرمة الرّسول في هذا البلد،لافت إلى الأحوال الشّاخصة لهذا البلد و أهله،فكلّ ما يقع على الرّسول من إيذاء حاضر مشهود،يعانيه صلّى اللّه عليه و سلّم و يكابده؛إذ هو موضع الأذى و الاضطهاد بمكّة،و هو مقيم بها.و إنّها،لكما قال المصطفى يوم الهجرة:«لأحبّ أرض اللّه إلى اللّه و رسوله».

و بهذا الفهم نستبعد معنى الإحلال ضدّ الإحرام لظهور ضعفه؛إذ ليس له سياق و لا مناسبة،و لا الأذهان متّجهة إليه في هذا المقام.

كما نستبعد أن يكون حلّ بمعنى مستحلّ له هذا البلد يفعل به بعد الفتح ما شاء،لظهور تكلّفه،فضلا عن كون الصّيغة لا تقبل هذا المعنى لغويّا؛إذ يقتضي أن يكون محلّ من حلّ،و ليس الاشتقاق.

و تفسير الحلّ بالإقامة،و هو المعنى المتبادر،أو بجعل أذى الرّسول حلالا-و هو أكثر استعمال القرآن للمادّة- يبدو قويّ الصّلة بالآيات التّالية،على وجه لا نضطرّ معه إلى تمزيق السّياق أو الإبعاد في التّكلّف،و بخاصّة حين تحمل آية وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ على الحاليّة،و هو ما ذهب إليه أبو حيّان؛و ليس على الاعتراض كما قال الزّمخشريّ،و تابعه على ذلك الشّيخ محمّد عبده فقال:

«و اعترض بها بين العاطف و المعطوف،ليفيد أنّ مكّة عظيم شأنها جليل قدرها في جميع الأحوال».

و القول بهذا الاعتراض يغيب عنه ما في الحاليّة من قوّة الرّبط و تقرير الصّلة بين الآيتين؛إذ تكون الثّانية قيدا للأولى،و وصلا لها بالآية التّالية.(1:176)

حلاّ

كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ... آل عمران:93

ابن عبّاس: كلّ طعام حلال اليوم على محمّد و أمّته،كان حلالا على بني إسرائيل أولاد يعقوب.(52)

ابن قتيبة :أي حلالا لِبَنِي إِسْرائِيلَ و مثله:

الحرم و الحرام،و اللّبس و اللّباس.(107)

نحوه ابن عطيّة(1:472)،و القرطبيّ(4:134).

الزّمخشريّ: و الحلّ:مصدر،يقال:حلّ الشّيء حلاّ،كقولك:ذلّت الدّابّة ذلاّ،و عزّ الرّجل عزّا.و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:«كنت أطيّبه لحلّه و حرمه»و لذلك استوى في الوصف به المذكّر و المؤنّث، و الواحد و الجمع،قال اللّه تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ. (1:445)

نحوه البيضاويّ(1:171)،و النّسفيّ(1:169)، و النّيسابوريّ(4:7)،و أبو حيّان(3:3)،و الشّربينيّ (1:232)،و أبو السّعود(2:3).

الفخر الرّازيّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و الوصف بالمصدر يفيد المبالغة،فهاهنا الحلّ و الحلال و المحلّل واحد،قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما في زمزم:هي حلّ و بلّ،رواه سفيان بن عيينة.

فسأل سفيان:ما حلّ؟فقال:محلّل.(8:148)

ص: 611

البروسويّ: أي حلالا لهم،و المراد:أكله؛إذ لا يوصف بنحو الحلّ و الحرمة إلاّ أفعال المكلّف لا الأعيان،فشرب الخمر حرام بالذّات،و نفسها حرام بالعرض.(2:64)

نحوه الآلوسيّ.(4:2)

الطّباطبائيّ: و الحلّ مقابل الحرمة،و كأنّه مأخوذ من«الحلّ»مقابل العقد و العقل،فيفيد معنى الإطلاق.

(3:345)

عزّة دروزة :(حلاّ):مصدر بمعنى مباح أو حلال.

(8:128)

حلالا

1- يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً...

البقرة:168

ابن عبّاس: الحلال الّذي لا تبعة فيه في الدّنيا و لا و بال في الآخرة.(أبو حيّان 1:479)

الحسن :الحلال الطّيّب هو ما لا يسأل عنه يوم القيامة.(أبو حيّان 1:479)

الطّبريّ: و معنى قوله:(حلالا)طلقا،و هو مصدر من قول القائل:قد حلّ لك هذا الشّيء،أي صار لك مطلقا،فهو يحلّ لك حلالا و حلاّ،من كلام العرب:هو لك حلّ،أي طلق.(2:76)

البغويّ: و الحلال:ما أحلّه الشّرع.(1:198)

الزّمخشريّ: (حلالا)مفعول(كلوا)أو حال مِمّا فِي الْأَرْضِ. (1:327)

مثله النّسفيّ(1:87)،و الشّربينيّ(1:111).

ابن عطيّة: (حلالا)حال من الضّمير العائد على (ما).

و قال مكّيّ: نعت لمفعول محذوف،تقديره:شيئا حلالا.و هذا بعيد،و كذلك مقصد الكلام لا يعطي أن يكون(حلالا)مفعولا ب(كلوا)،و تأمّل.(1:237)

الطّبرسيّ: لمّا أباح الأكل بيّن ما يجب أن يكون عليه من الصّفة،لأنّ في المأكول ما يحرم و فيه ما يحلّ، فالحرام يعقب الهلكة،و الحلال يقوّي على العبادة.و إنّما يكون حلالا بأن لا يكون ممّا تناوله الحظر،و لا يكون لغير الآكل فيه حقّ،و هو يتناول جميع المحلّلات.

(1:252)

الفخر الرّازيّ: [بيّن المعنى اللّغويّ للحلال،ثمّ قال:]

و اعلم أنّ الحرام قد يكون حراما لخبثه كالميتة و الدّم و الخمر،و قد يكون حراما لا لخبثه،كملك الغير إذا لم يأذن في أكله؛فالحلال هو الخالي عن القيدين.و قوله:

حَلالاً طَيِّباً إن شئت نصبته على الحال مِمّا فِي الْأَرْضِ و إن شئت نصبته على أنّه مفعول.(5:2)

نحوه النّيسابوريّ.(2:64)

القرطبيّ: (حلالا)حال،و قيل:مفعول.و سمّي الحلال حلالا لانحلال عقدة الحظر عنه.

قال سهل بن عبد اللّه:النّجاة في ثلاثة:أكل الحلال، و أداء الفرائض،و الاقتداء بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قال أبو عبد اللّه السّاجي و اسمه سعيد بن يزيد:

ص: 612

خمس خصال بها تمام العلم،و هي:معرفة اللّه عزّ و جلّ، و معرفة الحقّ،و إخلاص العمل للّه،و العمل على السّنّة، و أكل الحلال؛فإن فقدت واحدة لم يرفع العمل.

قال سهل:و لا يصحّ أكل الحلال إلاّ بالعلم،و لا يكون المال حلالا حتّى يصفو من ستّ خصال:الرّبا، و الحرام،و السّحت-و هو اسم مجمل-و الغلول، و المكروه،و الشّبهة.(2:208)

أبو حيّان :(حلالا)حال من الضّمير المستقرّ في الصّلة المنتقل من العامل فيها إليها.

و قال مكّيّ بن أبي طالب:(حلالا)نعت لمفعول محذوف،تقديره:شيئا حلالا.قال ابن عطيّة:و هذا بعيد،و لم يبيّن وجه بعده،و بعده أنّه ممّا حذف الموصوف و صفته غير خاصّة،لأنّ الحلال يتّصف به المأكول و غير المأكول،و إذا كانت الصّفة هكذا لم يجز حذف الموصول و إقامتها مقامه.

و أجاز قوم أن ينتصب(حلالا)على أنّه مفعول ب(كلوا)،و به ابتدأ الزّمخشريّ،و يكون على هذا الوجه (من)لابتداء الغاية متعلّقة ب(كلوا)أو متعلّقة بمحذوف فيكون حالا،و التّقدير:كلوا حلالا ممّا في الأرض،فلمّا قدّمت الصّفة صارت حالا فتعلّقت بمحذوف،كما كانت صفة تتعلّق بمحذوف.[إلى أن قال:]

و قال السّجاونديّ: (حلالا)مطلق الشّرع، (طيّبا)مستلذّ الطّبع.و قال في«المنتخب»ما ملخّصه:

الحلال:الّذي انحلّت عنه عقدة الحظر،إمّا لكونه حراما لجنسه كالميتة،و إمّا لا لجنسه كملك الغير إذ لم يأذن في أكله،و الطّيّب لغة الطّاهر،و الحلال يوصف بأنّه طيّب، كما أنّ الحرام يوصف بأنّه خبيث...

و قيل:الحلال:ما يجوّزه المفتي،و الطّيّب:ما يشهد له القلب بالحلّ.و قد استدلّ من قال بأنّ الأصل في الأشياء الحظر بهذه الآية،لأنّ الأشياء ملك اللّه تعالى، فلا بدّ من إذنه فيما يتناول منها،و ما عدا ما لم يأذن (1)فيه يبقى على الحظر.

و ظاهر الآية أنّ ما جمع الوصفين الحلّ و الطّيّب ممّا في الأرض،فهو مأذون في أكله،إمّا تملّكه و التّصدّق به أو ادّخاره أو سائر الانتفاعات به غير الأكل،فلا تدلّ عليه الآية،فإمّا أن يجوز ذلك بنصّ آخر أو إجماع عند من لا يرى القياس،أو بالقياس على الأكل عند من يقول بالقياس.(1:478)

البروسويّ: حال من الموصول،أي حال كونه حلالا،و هو ما انحلّ عنه عقد الحظر.(طيّبا)طاهرا من جميع الشّبه صفة،(حلالا)أو الحلال:ما يستطيبه الشّرع،و الطّيّب ما يستطيبه الشّهوة المستقيمة،أي يستلذّه الطّبع.[إلى أن قال:]

و في«التّأويلات النّجميّة»:الحلال:ما أباح اللّه أكله،و الطّيّب ما لم يكن مشوبا بشبهة حقوق الخلق،و لا بسرف حظوظ النّفس،و كلّ طيّب حلال و ليس كلّ حلال طيّبا،و لهذا قال النّبيّ عليه السّلام:«إنّ اللّه طيّب و لا يقبل إلاّ الطّيّب»يعني غير مشوب بعيب أو شبهة.قيل:و لاه.

ص: 613


1- كذا،و الظّاهر:ما أذن فيه.

يقال:إنّ اللّه حلال.

و اعلم أنّ أكل الحلال الطّيّب يورث القيام بطاعة اللّه و الاجتناب عن خطوات الشّيطان،فالعمل الصّالح نتيجة اللّقمة الطّيّبة...و طلب الحلال بالكسب المشروع سنّة الأنبياء عليهم السّلام.(1:271)

الآلوسيّ: (حلالا)إمّا مفعول(كلوا)أو حال من الموصول،أي كلوه حال كونه حلالا،أو صفة لمصدر مؤكّد،أي أكلا حلالا.و(من)على التّقديرين الأخيرين للتّبعيض ليكون مفعولا به ل(كلوا).و على التّقدير الأوّل يجوز أن تكون ابتدائيّة متعلّقة ب(كلوا)أو حالا من (حلالا)و قدّم عليه لتنكيره،و أن تكون ابتدائيّة،بل هي متعيّنة كما في«الكشف»على مذهب من جعل الأصل في الأشياء الإباحة،و أن تكون تبعيضيّة بناء على ما ارتضاه الرّضيّ من أنّ التّبعيضيّة في الأصل ابتدائيّة إلاّ أن يكون هناك شيء ظاهر أو مقدّر هو بعض المجرور ب(من)و لا يلزم صحّة إقامة لفظ البعض مقامها.

و العلاّمة التّفتازانيّ منع كونها تبعيضيّة على هذا التّقدير،لأنّها في موقع المفعول به حينئذ،و الفعل لا ينصب مفعولين و هو مبنيّ-على ما في«التّسهيل» و غيره-أنّ التّبعيض معنى حقيقيّ ل(من)و علامته صحّة إقامة لفظ البعض مقامها.(2:38)

رشيد رضا :الحلال هو غير الحرام الّذي نصّ عليه في قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ... الأنعام:145،فما عدا هذا فكلّه مباح بشرط أن يكون طيّبا،أي غير خبيث.(2:87)

المراغيّ: الحلال:هو ما أباحه الشّارع،و الحرام:

ضدّه.(2:41)

الطّباطبائيّ: الحلال مقابل الحرام الممنوع اقتحامه،و الحلّ مقابل الحرمة،و الحلّ مقابل الحرم، و الحلّ مقابل العقد،و هو في جميع موارد استعماله يعطي معنى حرّيّة الشّيء في فعله و أثره.(1:417)

مخلوف:الحلال،المباح الّذي انحلّت عقدة الحظر عنه،من الحلّ الّذي هو نقيض العقد.(1:55)

مكارم الشّيرازيّ: تكرّر في القرآن طلب الاستفادة من الأطعمة،و ورد الطّلب عادة مقيّدا بالحلال و بالطّيّب.

و الحلال:ما أبيح تناوله،و الطّيّب:ما طاب و وافق الطّبع السّليم،و يقابله الخبيث الّذي يشمئزّ منه الإنسان.

[إلى أن قال:]

أصل الحلّيّة:

هذه الآية تدلّ على أنّ الأصل في كلّ الأغذية الموجودة على ظهر الأرض الحلّيّة،و المستثناة هي الأغذية المحرّمة،من هنا فإنّ الحرمة تحتاج إلى دليل لا الحلّيّة،و هذا ما يقتضيه أيضا طبيعة الخليقة؛إذ لا بدّ من وجود تنسيق بين القوانين التّشريعيّة و القوانين التّكوينيّة.

و بعبارة أوضح،ما خلقه اللّه لا بدّ أن ينطوي على فائدة لعباده،و من هنا فلا معنى أن يكون الأصل الأوّلي

ص: 614

للأطعمة على ظهر الأرض التّحريم،فكلّ غذاء إذن حسب هذه الآية الكريمة حلال،ما لم تثبت حرمته بدليل صحيح،و ما دام لا يشكّل ضررا على الفرد و المجتمع.

(1:416)

فضل اللّه :(حلالا)جائزا،و أصله:الحلّ نقيض العقد،و إنّما سمّي المباح حلالا لانحلال عقد الحظر عنه.

و الحلال:إطلاق في الفعل لمن يجوز عليه المنع،و لهذا لا يسمّى كلّ حسن حلالا،لأنّ أفعاله تعالى حسنة،و لا يقال:إنّها حلال.(3:165)

2- وَ كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً... المائدة:88

ابن المبارك:الحلال ما أخذته من وجهه، و الطّيّب:ما غذّى و أنمى،فأمّا الجوامد كالطّين و التّراب و ما لا يغذّي فمكروه إلاّ على وجه التّداوي.

(البغويّ 2:78)

الطّوسيّ: [بيّن معنى الرّزق بأنّه لا يكون إلاّ حلالا ثمّ قال:]

فإن قيل:إذا كان الرّزق لا يكون إلاّ حلالا فلم قال:

(حلالا)؟

قيل:ذكر ذلك على وجه التّأكيد،كما قال: وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً النّساء:164،و قد أطلق في موضع آخر على جهة المدح وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ البقرة:3.(4:11)

نحوه الطّبرسيّ.(2:236)

الزّمخشريّ: (حلالا)حال مِمّا رَزَقَكُمُ اَللّهُ. (1:640)

الفخر الرّازيّ: حَلالاً طَيِّباً يحتمل أن يكون متعلّقا بالأكل،و أن يكون متعلّقا بالمأكول؛فعلى الأوّل يكون التّقدير:كلوا حلاّ طيّبا ممّا رزقكم اللّه،و على التّقدير الثّاني:كلوا من الرّزق الّذي يكون حلالا طيّبا.

أمّا على التّقدير الأوّل:فإنّه حجّة المعتزلة على أنّ الرّزق لا يكون إلاّ حلالا؛و ذلك لأنّ الآية على هذا التّقدير دالّة على الإذن في أكل كلّ ما رزق اللّه تعالى، و إنّما يأذن اللّه تعالى في أكل الحلال فيلزم أن يكون كلّ ما كان رزقا كان حلالا.

و أمّا على التّقدير الثّاني:فإنّه حجّة لأصحابنا على أن الرّزق قد يكون حراما،لأنّه تعالى خصّص إذن الأكل بالرّزق الّذي يكون حلالا طيّبا،و لو لا أنّ الرّزق قد لا يكون حلالا،و إلاّ لم يكن لهذا التّخصيص و التّقييد فائدة.(12:72)

البيضاويّ: أي كلوا ما حلّ لكم و طاب ممّا رزقكم اللّه،فيكون(حلالا)مفعول(كلوا)و(ممّا)حال منه،تقدّمت عليه لأنّه نكرة.و يجوز أن تكون(من) ابتدائيّة متعلّقة ب(كلوا)،و يجوز أن تكون مفعولا، و(حلالا)حال من الموصول أو العائد المحذوف،أو صفة لمصدر محذوف،و على الوجوه لو لم يقع الرّزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة زائدة.(1:289)

نحوه أبو السّعود(2:315)،و البروسويّ(2:

431)،و الآلوسيّ(7:9).

النّيسابوريّ: [ذكر قول الفخر الرّازيّ و أضاف:]

ص: 615

أقول:هذا فرق ضعيف،و لهذا قال في«الكشّاف»:

(حلالا)حال مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ مع أنّه من المعتزلة.

(7:18)

الطّباطبائيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و ربّما استدلّ بعضهم بقوله:(حلالا)على أنّ الرّزق يشمل الحلال و الحرام معا،و إلاّ لغي القيد.

و الجواب:أنّه ليس قيدا احترازيّا لإخراج ما هو رزق غير حلال و لا طيّب،بل قيد توضيحيّ مساو لمقيّده،و النّكتة في الإتيان به بيان أنّ كونه حلالا طيّبا لا يدع عذرا لمعتذر في الاجتناب و الكفّ عنه،على ما تقدّم.(6:109)

3- فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. الأنفال:69

الطّوسيّ: و الفرق بين الحلال و المباح:أنّ الحلال من حلّ العقد في التّحريم،و المباح من التّوسعة في الفعل، و إن اجتمعا في الحلّ.(5:186)

الزّمخشريّ: (حلالا)نصب على الحال من المغنوم،أو صفة للمصدر،أي أكلا حلالا.(2:169)

البروسويّ: حال من المغنوم،و فائدته:إزاحة ما وقع في نفوسهم من عدم حلّ المغنوم بسبب تلك المعاتبة، فإنّ من سمع العقاب المذكور،وقع في قلبه اشتباه في أمر حلّه.(3:374)

الآلوسيّ: حال من(ما)الموصولة،أو من عائدها المحذوف،أو صفة للمصدر،أي أكلا حلالا،و فائدة ذكره و كذا ذكر قوله تعالى:(طيّبا)تأكيد الإباحة لما في العقاب من الشّدّة.(10:36)

فضل اللّه :الحلال:وصف من الحلّ مقابل العقد و الحرمة،كأنّ الشّيء الحلال كان معقودا عليه محروما منه،فحلّ بعد ذلك.(10:421)

4- فَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَ اشْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ... النّحل:114

الميبديّ: الحلال الطّيّب:ما يتناوله العبد على شريطة الإذن بشاهد الذّكر على قضيّة الأدب في ترك الشّره.(5:464)

الطّباطبائيّ: فَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ... تفريع على ما تحصل من المثل نتيجة،و التّقدير إذا كان الحال هذا الحال،و كان في كفران هذا الرّزق الرّغد عذاب،و في تكذيب الدّعوة عذاب،فكلوا ممّا رزقكم اللّه حال كونه حلالا طيّبا،أي لستم بممنوعين منه،و أنتم تستطيبونه، فكلوا منه و اشكروا نعمة اللّه إن كنتم إيّاه تعبدون.و قد ظهر بذلك:

أوّلا:أنّ الآية مسوقة لتحليل طيّبات الرّزق مطلقا، فلا سبيل إلى ما ذكره بعضهم أنّ المراد:فكلوا ممّا رزقكم اللّه من الغنائم رزقا حلالا طيّبا،بناء على أنّ الآية نزلت بعد وقعة بدر،و المثل السّابق مثل مضروب لأهل مكّة،و المراد ب«الرّسول»الّذي كذّبوه هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و ب«العذاب»الّذي أخذهم هو القتل الذّريع لصناديدهم يوم بدر.

و هذا كلّه ممّا لا دليل عليه من طريق لفظ الآيات،

ص: 616

على أنّه قد تأيّد سابقا أنّها مكّيّة.

و ثانيا:أنّ المراد ب«الحلّ»و«الطّيّب»كون الرّزق بحيث لم يحرم منه الإنسان طبعا و طبعه يستطيبه،أي الحلّ و الطّيّب بحسب الطّبع؛و ذلك ملاك الحلّيّة الشّرعيّة الّتي تتّبع الحلّيّة بحسب الفطرة،فإنّ الدّين فطريّ،لأنّ اللّه سبحانه فطر الإنسان مجهّزا بجهاز التّغذية،و جعل أشياء أرضيّة من الحيوان و النّبات ملائمة لقوامه،يميل إليها طبعه من غير نفرة،فله أن يأكل منها و هو الحلّ.

(12:363)

احلّ

...أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا... البقرة:275

راجع ر ب و:«الرّبوا».

احلّوا

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. إبراهيم:28

الطّبريّ: و أنزلوا قومهم من مشركي قريش دار البوار.(13:219)

الطّوسيّ: أي أنزلوا قومهم...و الإحلال:وضع الشّيء في محلّ،إمّا مجاوره إن كان من قبيل الأجسام،أو مداخله إن كان من قبيل الأعراض.(6:294)

السّيوطيّ: نسب الإحلال إليهم لتسبّبهم في كفرهم بأمرهم إيّاهم به.(3:121)

أبو السّعود :أي أنزلوا قومهم بإرشادهم إيّاهم إلى طريقة الشّرك و الضّلال،و عدم التّعرّض لحلولهم لدلالة الإحلال عليه؛إذ هو فرع الحلول،كقوله تعالى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ هود:98.

(3:485)

نحوه الآلوسيّ.(13:218)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و أسند الإحلال و هو فعل اللّه إلى أكابرهم،لأنّ سببه كفرهم،و سبب كفرهم أمر أكابرهم إيّاهم بالكفر.

(4:418)

الطّباطبائيّ: و ذكر إحلالهم قومهم دار البوار يستلزم إحلال أنفسهم فيها،لأنّهم أئمّة الضّلال،ضلّوا ثمّ أضلّوا و التّبعة تبعة الضّلال،و نظير الآية في هذا المعنى قوله في فرعون: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ هود:98.

و المعنى أ لم تنظر إلى الأئمّة و الرّؤساء من الأمم السّابقة و من أمّتك الّذين بدّلوا شكر نعمة اللّه كفرا و اتّبعتهم قومهم فحلّوا و أحلّوا قومهم دار الهلاك،و هو الشّقاء و النّار.(12:56)

احللنا

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ... الأحزاب:50

الميبديّ: في تحليل اللّه عزّ و جلّ النّساء لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم بعد قوله: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ الأحزاب:52،للعلماء مذهبان:قال بعضهم:آية

ص: 617

التّحريم متأخّرة لم ينكح بعدها امرأة.و قال بعضهم:هي منسوخة بهذه الآية،و قد نكح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بعدها ميمونة بنت الحارث الهلاليّة،خالة ابن عبّاس.

(8:67)

القرطبيّ: و الإحلال يقتضي تقدّم حظر.

و زوجاته اللاّتي في حياته لم يكنّ محرّمات عليه،و إنّما كان حرّم عليه التّزويج بالأجنبيّات،فانصرف الإحلال إليهنّ،و لأنّه قال في سياق الآية: وَ بَناتِ عَمِّكَ وَ بَناتِ عَمّاتِكَ و معلوم أنّه لم يكن تحته أحد من بنات عمّه و لا من بنات عمّاته،و لا من بنات خاله و لا من بنات خالاته،فثبت أنّه أحلّ له التّزويج بهذا ابتداء، و هذه الآية و إن كانت مقدّمة في التّلاوة فهي متأخّرة النّزول على الآية المنسوخة بها،كآيتي الوفاة في البقرة.

(14:206)

البيضاويّ: و تقييد الإحلال له بإعطائها [الأجور]معجّلة،لا لتوقّف الحلّ عليه بل لإيثار الأفضل له،كتقييد إحلال المملوكة بكونها مسبيّة، بقوله: وَ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمّا أَفاءَ اللّهُ عَلَيْكَ الأحزاب:

50،فإنّ المشتراة لا يتحقّق بدء أمرها و ما جرى عليها، و تقييد القرائب بكونها مهاجرات معه في قوله: وَ بَناتِ عَمِّكَ وَ بَناتِ عَمّاتِكَ... اَللاّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ يحتمل تقييد الحلّ بذلك في حقّه خاصّة،و يعضده قول أمّ هاني بنت أبي طالب:خطبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فاعتذرت إليه فعذرني،ثمّ أنزل اللّه هذه الآية فلم أحلّ له،لأنّي لم أهاجر معه كنت من الطّلقاء.(2:249)

نحوه أبو السّعود(5:232)،و البروسويّ(7:

202)،و الآلوسيّ(22:52)،و القاسميّ(13:4885).

الصّابونيّ: الإحلال معناه الإباحة و الحلّ، و إسناده إلى اللّه جلّ جلاله: أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ دالّ على أنّ التّحليل و التّحريم خاصّ به سبحانه، و التّشريع للّه وحده،و الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم مبلّغ عن اللّه،و لا يملك أحد سلطة التّشريع إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ يوسف:40.(2:304)

حلائل

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ... وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ... النّساء:23

الطّبريّ: و أزواج أبنائكم الّذين من أصلابكم، و هي جمع حليلة،و هي امرأته.

و قيل:سمّيت امرأة الرّجل حليلته،لأنّها تحلّ معه في فراش واحد،و لا خلاف بين جميع أهل العلم أنّ حليلة ابن الرّجل حرام عليه نكاحها بعقد ابنه عليها النّكاح،دخل بها أو لم يدخل بها.

فإن قال قائل:فما أنت قائل في حلائل الأبناء من الرّضاع،فإنّ اللّه تعالى إنّما حرّم حلائل أبنائنا من أصلابنا؟

قيل:إنّ حلائل الأبناء من الرّضاع،و حلائل الأبناء من الأصلاب سواء في التّحريم،و إنّما قال: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ لأنّ معناه و حلائل

ص: 618

أبنائكم الّذين ولدتموهم،دون حلائل أبنائكم الّذين تبنّيتموهم.(4:323)

نحوه المراغيّ.(4:222)

الزّجّاج: إنّها[حلائل]من لفظة الحلال،فهي حليلة بمعنى محلّلة.(القرطبيّ 5:113)

الجصّاص :الحليلة:اسم يختصّ بالزّوجة دون المملوكة بملك اليمين.حليلة الابن هي زوجته.و يقال:

إنّما سمّيت حليلة،لأنّها تحلّ معه في فراش،و قيل:لأنّه يحلّ له منها الجماع بعقد النّكاح.

و الأمة و إن استباح فرجها بالملك لا تسمّى حليلة، و لا تحرم على الأب ما لم يطأها.و عقد نكاح الابن عليها يحرمها على أبيه تحريما مؤبّدا،و هذا يدلّ على أنّ الحليلة اسم يختصّ بالزّوجة دون ملك اليمين.

و لمّا علّق حكم التّحريم بالتّسمية دون ذكر الوطء، اقتضى ذلك تحريمهنّ بالعقد دون شرط الوطء،لأنّا لو شرطنا الوطء لكان فيه زيادة في النّصّ،و مثلها يوجب النّسخ،لأنّها تبيح ما حظرته الآية،و هذا لا خلاف فيه بين المسلمين.(2:163)

نحوه القرطبيّ(5:113)،و أبو حيّان(3:212).

الطّوسيّ: يعني نساء البنين للصّلب،دخل بهنّ البنون أو لم يدخلوا،و يدخل في ذلك أولاد الأولاد من البنين و البنات،و إنّما قال: مِنْ أَصْلابِكُمْ لئلاّ يظنّ أنّ امرأة من يتبنّى به تحرم عليه.[ثمّ ذكر شأن نزول الآية و قال:]

فأمّا حلائل الأبناء من الرّضاعة فمحرّمات، بقوله صلّى اللّه عليه و آله:«يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب».

و إنّما سمّيت المرأة حليلة لأمرين:أحدهما:لأنّها تحلّ معه في فراش،الثّاني:لأنّه يحلّ له وطؤها.

(3:158)

البغويّ: يعني أزواج أبنائكم؛واحدتها:حليلة، و الذّكر:حليل،سمّيا بذلك،لأنّ كلّ واحد منهما حلال لصاحبه.و قيل:سمّيا بذلك،لأنّ كلّ واحد منهما يحلّ حيث يحلّ صاحبه من الحلول،و هو النّزول.و قيل:لأنّ كلّ واحد منهما يحلّ إزار صاحبه من الحلّ و هو ضدّ العقل،[أي العقد].

و جملته:أنّه يحرم على الرّجل حلائل أبنائه و أبناء أولاده و إن سفلوا من الرّضاع و النّسب بنفس العقد.

(1:593)

نحوه الميبديّ(2:465)،و ابن الجوزيّ(2:47)، و الشّربينيّ(1:293)،و أبو السّعود(2:118)، و البروسويّ(2:187)،و الصّابونيّ(1:446).

ابن عطيّة: و الحلائل:جمع حليلة،و هي الزّوجة، لأنّها تحلّ مع الرّجل حيث حلّ،فهي«فعيلة»بمعنى «فاعلة».(2:33)

الفخر الرّازيّ: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ... و فيه مسائل:

المسألة الأولى:قال الشّافعيّ رحمه اللّه:لا يجوز للأب أن يتزوّج بجارية ابنه،و قال أبو حنيفة رضى اللّه عنه:إنّه يجوز، احتجّ الشّافعيّ فقال:جارية الابن حليلة،و حليلة الابن محرّمة على الأب،أمّا المقدّمة الأولى فبيانها بالبحث عن

ص: 619

الحليلة،فنقول:

الحليلة:«فعيلة»فتكون بمعنى الفاعل،أو بمعنى المفعول،ففيه وجهان:

أحدهما:أن يكون مأخوذا من الحلّ الّذي هو الإباحة،فالحليلة تكون بمعنى المحلّة،أي المحلّلة،و لا شكّ أنّ الجارية كذلك،فوجب كونها حليلة له.

الثّاني:أن يكون ذلك مأخوذا من الحلول،فالحليلة عبارة عن شيء يكون محلّ الحلول،و لا شكّ أنّ الجارية موضع حلول السّيّد،فكانت حليلة له.

أمّا إذا قلنا:الحليلة بمعنى الفاعل،ففيه وجهان أيضا:

الأوّل:أنّها لشدّة اتّصال كلّ واحد منهما بالآخر، فكأنّهما يحلاّن في ثوب واحد،و في لحاف واحد،و في منزل واحد،و لا شكّ أنّ الجارية كذلك.

الثّاني:أنّ كلّ واحد منهما كأنّه حالّ في قلب صاحبه و في روحه،لشدّة ما بينهما من المحبّة و الألفة،فثبت بمجموع ما ذكرناه أنّ جارية الابن حليلة.

و أمّا المقدّمة الثّانية:و هي أنّ حليلة الابن محرّمة على الأب،لقوله تعالى: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ.

لا يقال:إنّ أهل اللّغة يقولون:حليلة الرّجل:

زوجته،لأنّا نقول:إنّا قد بيّنّا بهذه الوجوه الأربعة من الاشتقاقات الظّاهرة أنّ لفظ الحليلة يتناول الجارية، فالنّقل الّذي ذكر تموه لا يلتفت إليه،فكيف و هو شهادة على النّفي؟

فإنّا لا ننكر أنّ لفظ الحليلة يتناول الزّوجة،و لكنّا نفسّره بمعنى يتناول الزّوجة و الجارية،فقول من يقول:

إنّه ليس كذلك شهادة على النّفي و لا يلتفت إليه.[إلى أن قال:]

المسألة الثّالثة:ظاهر قوله: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ... لا يتناول حلائل الأبناء من الرّضاعة، فلمّا قال في آخر الآية: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ لزم من ظاهر الآيتين حلّ التّزوّج بأزواج الأبناء من الرّضاع،إلاّ أنّه عليه السّلام قال:«يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب»فاقتضى هذا تحريم التّزوّج بحليلة الابن من الرّضاع،لأنّ قوله: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ... يتناول الرّضاع و غير الرّضاع،فكان قوله:«يحرم من الرّضاع...»أخصّ منه،فخصّصوا عموم القرآن بخبر الواحد،و اللّه أعلم.

المسألة الرّابعة:اتّفقوا على أنّ حرمة التزوّج بحليلة الابن تحصل بنفس العقد،كما أنّ حرمة التّزوّج بحليلة الأب تحصل بنفس العقد؛و ذلك لأنّ عموم الآية يتناول حليلة الابن،سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن.

أمّا ما روي أنّ ابن عبّاس سئل عن قوله: حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ أنّه تعالى لم يبيّن أنّ هذا الحكم مخصوص بما إذا دخل الابن بها أو غير مخصوص بذلك،فقال ابن عبّاس:

«أبهموا ما أبهمه اللّه».فليس مراده من هذا الإبهام كونها مجملة مشتبهة،بل المراد من هذا الإبهام التّأييد.أ لا ترى أنّه قال في السّبعة المحرّمة من جهة النّسب:إنّها من المبهمات،أي من اللّواتي تثبت حرمتهنّ على سبيل التّأييد،فكذا هاهنا،و اللّه أعلم.

ص: 620

المسألة الخامسة:اتّفقوا على أنّ هذه الآية تقتضي تحريم حليلة ولد الولد على الجدّ،و هذا يدلّ على أنّ ولد الولد يطلق عليه أنّه من صلب الجدّ،و فيه دلالة على أنّ ولد الولد منسوب إلى الجدّ بالولادة.(10:34)

نحوه النّيسابوريّ.(5:11)

البيضاويّ: زوجاتهم،سمّيت الزّوجة حليلة، لحلّها أو لحلولها مع الزّوج.(1:212)

نحوه النّسفيّ.(1:218)

الفاضل المقداد:حلائل الأبناء:جمع حليلة،إمّا من الحلّ ضدّ الحرمة،لأنّه يحلّ له وطؤها،أو من الحلول،لأنّها تحلّ معه في فراشه،أو من الحلّ ضدّ العقد، لأنّه يحلّ إزارها عند الجماع،ف«فعيل»على الثّاني «فاعل»،و على الثّالث«مفعول».(2:184)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(3:155)

الآلوسيّ: [نحو الفاضل المقداد و أضاف:]

و التّاء في«حليلة»لإجرائها مجرى الجوامد،و لو جعل«فعيل»في جانب الزّوج بمعنى«فاعل»و في جانب الزّوجة بمعنى«مفعول»كان فيه نوع لطافة لا تخفى.

و الآية ظاهرة في تحريم الزّوجة فقط،و أمّا حرمة من وطئها الابن ممّن ليس بزوجة فبدليل آخر.

و قال ابن الهمام:إن اعتبروا الحليلة من حلول الفراش،أو حلّ الإزار،تناول الموطوءة بملك اليمين أو شبهة أو زنى،فيحرم الكلّ على الآباء،و هو الحكم الثّابت عندنا،و لا يتناول المعقود عليها للابن أو بنيه و إن سفلوا قبل الوطء،و الفرض أنّها بمجرّد العقد تحرم على الآباء؛و ذلك باعتباره من الحلّ بالكسر،و قد قام الدّليل على حرمة المزني بها للابن على الأب،فيجب اعتباره في أعمّ من الحلّ و الحلّ،ثمّ يراد بالأبناء الفروع،فتحرم حليلة الابن السّافل على الجدّ الأعلى،و كذا ابن البنت و إن سفل.

و الظّاهر من كلام اللّغويّين أنّ الحليلة:الزّوجة كما أشرنا إليه،و اختار بعضهم إرادة المعنى الأعمّ الشامل لملك اليمين،ليكون السّرّ في التّعبير بها هنا دون الأزواج أو النّساء،أنّ الرّجل ربّما يظنّ أنّ مملوكة ابنه مملوكة له، بناء على أنّ الولد و ماله لأبيه،فلا يبالي بوطئها و إن وطئها الابن،فنبّهوا على تحريمها بعنوان صادق عليها، و على الزّوجة صدق العامّ على أفراده للإشارة إلى أنّه لا فرق بينهما،فتدبّر،و حكم الممسوسات و نحوهنّ حكم اللاّتي وطئهنّ الأبناء.(4:259)

ابن عاشور :الحلائل:جمع الحليلة«فعيلة»بمعنى «فاعلة»و هي الزّوجة،لأنّها تحلّ معه.و قال الزّجّاج:

هي«فعيلة»بمعنى«مفعولة»،أي محلّلة؛إذ أباحها أهلها له،فيكون من مجيء«فعيل»للمفعول من الرّباعي في قولهم:حكيم،و العدول عن أن يقال:و ما نكح أبناؤكم، أو و نساء أبنائكم إلى قوله: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ تفنّن لتجنّب تكرير أحد اللّفظين السّابقين،و إلاّ فلا فرق في الإطلاق بين الألفاظ الثّلاثة.

و قد سمّي الزّوج أيضا بالحليل،و هو يحتمل الوجهين كذلك،و تحريم حليلة الابن واضح العلّة كتحريم حليلة الأب.(4:82)

ص: 621

مغنيّة:و الحلائل:جمع الحليلة،أي المحلّلة من الحلال،و المراد بها الزّوجة.(2:284)

تحلّة

قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَ اللّهُ مَوْلاكُمْ وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. التّحريم:2

مقاتل:قد بيّن اللّه لكم كفّارة أيمانكم في سورة المائدة.(الطّبرسيّ 5:315)

الفرّاء: يعني كفّارة أيمانكم،فأعتق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم رقبة و عاد إلى مارية.(3:165)

الطّوسيّ: و تحلّة اليمين هو فعل ما يسقط تبعته في اليمين،إمّا بكفّارة أو بتناول شيء من المحلوف عليه،فمن حلف ألاّ يأكل من هذا الطّعام،فمتى أكله حنث و لزمته كفّارة،و ينحلّ اليمين بها،و من حلف أنّه يأكل من هذا الطّعام و أكل منه شيئا قليلا فقد انحلّت يمينه،فلذلك سمّي تحلّة اليمين.(10:46)

الميبديّ: و التّحلّة:التّحليل،و التّعلّة:التّعليل، و كذلك التّبصرة و التّذكرة،و هذا الفرض هو التّحليل بما في سورة المائدة،و هو الإطعام و الكسوة و العتق و الصّوم،و قوله: تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ أي كفّارة أيمانكم، سمّيت الكفّارة تحلّة،لأنّها تحلّل الحرج.(10:157)

الزّمخشريّ: فيه معنيان:

أحدهما:قد شرع لكم الاستثناء في أيمانكم،من قولك:حلّل فلان في يمينه،إذا استثنى فيها،و منه حلاّ (1)أبيت اللّعن،بمعنى استثن في يمينك إذ أطلقها؛و ذلك أن يقول:إن شاء اللّه عقيبها،حتّى لا يحنث.

و الثّاني:قد شرع اللّه لكم تحلّتها بالكفّارة،و منه قوله عليه السّلام:«لا يموت لرجل ثلاثة أولاد فتمسّه النّار إلاّ تحلّة القسم».[ثمّ استشهد بشعر](4:125)

نحوه البيضاويّ(2:486)،و النّسفيّ(4:269)، و النّيسابوريّ(28:80)،و الشّربينيّ(4:325).

الطّبرسيّ: أي قد قدّر اللّه تعالى لكم ما تحلّلون به أيمانكم إذا فعلتموها،و شرّع لكم الحنث فيها،لأنّ اليمين ينحلّ بالحنث،فسمّي ذلك تحلّة.

و قيل:معناه قد بيّن اللّه لكم كفّارة أيمانكم في سورة المائدة...و قيل:معناه فرض اللّه عليكم كفّارة أيمانكم، كما قال: وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها الإسراء:7،أي فعليها، فسمّي الكفّارة تحلّة،لأنّها تجب عند انحلال اليمين.و في هذا دلالة على أنّه قد حلف و لم يقتصر على قوله:هي عليّ حرام،لأنّ هذا القول ليس بيمين.(5:315)

ابن الجوزيّ: قال المفسّرون:و أصل(تحلّة) تحللة على وزن«تفعلة»فأدغمت،و المعنى:قد بيّن اللّه لكم تحليل أيمانكم بالكفّارة،فأمره اللّه أن يكفّر يمينه، فأعتق رقبة.(8:306)

الفخر الرّازيّ: أي تحليلها بالكفّارة،و تحلّة على وزن«تفعلة»و أصله:تحللة.

و تحلّة القسم على وجهين:أحدهما:تحليله بالكفّارة كالّذي في هذه الآية.و ثانيهما:أن يستعمل

ص: 622


1- كذا و الظّاهر حلّ

بمعنى الشّيء القليل،و هذا هو الأكثر،كما روي في الحديث:«لن يلج النّار إلاّ تحلّة القسم»يعني زمانا يسيرا.و قرئ (كفّارة أيمانكم) .(30:43)

القرطبيّ: تحليل اليمين:كفّارتها.أي إذا أحببتم استباحة المحلوف عليه،و هو قوله تعالى في سورة المائدة:

89، فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ. و يتحصّل من هذا أنّ من حرّم شيئا من المأكول و المشروب لم يحرم عليه عندنا،لأنّ الكفّارة لليمين لا للتّحريم،على ما بيّنّاه.[إلى أن قال:]

و قيل:أي قد فرض اللّه لكم تحليل ملك اليمين، فبيّن في قوله تعالى: ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللّهُ لَهُ الأحزاب:38،أي فيما شرّعه له في النّساء المحلّلات،أي حلّل لكم ملك الأيمان،فلم تحرّم مارية على نفسك مع تحليل اللّه إيّاها لك.

و قيل:تحلّة اليمين:الاستثناء،أي فرض اللّه لكم الاستثناء المخرج عن اليمين.[ثمّ قال:]

و تحلّة اليمين تحليلها بالكفّارة،و الأصل:تحللة، فأدغمت.و«تفعلة»من مصادر«فعّل»،كالتّسمية و التّوصية،فالتّحلّة:تحليل اليمين،فكأنّ اليمين عقد، و الكفّارة حلّ.

قيل:التّحلّة:الكفّارة،أي إنّها تحلّ للحالف ما حرّم على نفسه،أي إذا كفّر صار كمن لم يحلف.(18518)

أبو حيّان :تحلّة مصدر حلّل،كتكرمة من كرّم، و ليس مصدرا مقيسا،و المقيس:التّحليل و التّكريم،لأنّ قياس«فعّل»الصّحيح العين غير المهموز هو التّفعيل، و أصل هذا:تحللة فأدغم.(8:290)

أبو السّعود :أي شرع لكم تحليلها،و هو حلّ ما عقده بالكفّارة،أو بالاستثناء متّصلا حتّى لا يحنث، و الأوّل هو المراد منها.(6:267)

البروسويّ: [ذكر نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ و أبي حيّان و أضاف:]

قال في«تاج المصادر»قوله:فعلته تحلّة القسم،أي لم أفعله إلاّ بقدر ما حللت به يميني أن لا أفعله و لم أبالغ،ثمّ قيل لكلّ شيء لم يبالغ فيه:(تحليل)،يقال:ضربته تحليلا،و الباب يدلّ على فتح الشّيء.[ثمّ قال:]

و معنى الآية شرّع اللّه لكم تحليل أيمانكم و بيّن لكم ما تنحلّ به عقدتها من الكفّارة،و هي المرادة هاهنا لا الاستثناء،أي أن يقول:إن شاء اللّه متّصلا حتّى لا يحنث،فإنّ الاستثناء المتّصل ما كان مانعا من انعقاد اليمين جعل كالحلّ،فالتّحليل لما عقدته الأيمان بالكفّارة أو بالاستثناء.(10:50)

الآلوسيّ: أي قد شرّع لكم تحليلها،و هو حلّ ما عقدته الأيمان بالكفّارة.[ثمّ ذكر مثل أبي حيّان و أضاف:]

و هو من الحلّ ضدّ العقد،فكأنّه باليمين على الشّيء لالتزامه عقد عليه،و بالكفّارة يحلّ ذلك،و يحلّ أيضا بتصديق اليمين،كما في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يموت لرجل ثلاثة أولاد فتمسّه النّار إلاّ تحلّة القسم»يعني وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها مريم:71،و تحليله بأقلّ ما يقع عليه الاسم، كمن حلف أن ينزل يكفي فيه إلمام خفيف،فالكلام كناية عن التّقليل،أي قدر الاجتياز اليسير،و كذا يحلّ

ص: 623

بالاستثناء،أي بقول الحالف:إن شاء اللّه تعالى،بشرطه المعروف في الفقه.

و يفهم من كلام«الكشّاف»أنّ التّحليل يكون بمعنى الاستثناء،و معناه كما في«الكشف»تعقيب اليمين عند الإطلاق بالاستثناء حتّى لا تنعقد،و منه حلاّ أبيت اللّعن.

(28:148)

القاسميّ: أي شرّع تحليلها-و هو حلّ ما عقدته- بالكفّارة،و التّحلّة:مصدر بمعنى التّحليل.[إلى أن قال:]

قال تقيّ الدّين ابن تيميّة:التّحلّة:مصدر حلّلت الشّيء تحليلا و تحلّة،كما يقال:كرّمته تكريما و تكرمة، و هذا المصدر يسمّى به المحلّل نفسه،الّذي هو الكفّارة.

فإن أريد المصدر،فالمعنى فرض اللّه لكم تحليل اليمين، و هو حلّها الّذي هو خلاف العقد.

و لهذا استدلّ من استدلّ من أصحابنا و غيرهم كأبي بكر عبد العزيز،بهذه الآية على التّكفير قبل الحنث،لأنّ التّحلّة لا تكون بعد الحنث،فإنّه بالحنث ينحلّ اليمين، و إنّما تكون التّحلّة إذا أخرجت قبل الحنث لينحلّ اليمين، و إنّما هي بعد الحنث كفّارة،لأنّها كفّرت ما في الحنث من سبب الإثم،لنقض عهد اللّه.(16:5856)

الطّباطبائيّ: و التّحلّة:أصلها تحللة،على وزن تذكرة و تكرمة،مصدر كالتّحليل...

فالمعنى قد قدّر اللّه لكم-كأنّه قدّره نصيبا لهم حيث لم يمنعهم عن حلّ عقدة اليمين-تحليل أيمانكم بالكفّارة، و اللّه وليّكم الّذي يتولّى تدبير أموركم بالتّشريع و الهداية و هو العليم الحكيم.

و في الآية دلالة على أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان قد حلف على التّرك،و أمر له بتحلّة يمينه.(19:330)

محلّه

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ...

البقرة:196

ابن مسعود:أنّه الحرم.

مثله مجاهد و أبو حنيفة،و هو المرويّ عن عليّ عليه السّلام.

(الماورديّ 1:255)

مثله ابن عبّاس و الحسن و عطاء(الطّبرسيّ 1:

290)،و طاوس و ابن سيرين و الثّوريّ(ابن الجوزيّ 1:205).

ابن عمر:حيث أحصر من حلّ أو حرم.

مثله مسور بن مخرمة،و هارون بن الحكم، و الشّافعيّ.(الماورديّ 1:255)

و نحوه أحمد بن حنبل.(ابن الجوزيّ 1:205)

ابن عبّاس: إنّ(محلّه)أن يتحلّل (1)من إحرامه بادئا نسكه،و المقام على إحرامه إلى زوال إحصاره، و ليس للمحرم أن يتحلّل بالإحصار بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

فإن كان إحرامه بعمرة لم يفت،و إن كان بحجّ قضاه بالفوات بعد الإحلال منه.

مثله مالك و عائشة.(الماورديّ 1:255)

ص: 624


1- في الهامش:و السّياق يقتضي أن تكون العبارة:أن لا يتحلّل.

مالك:إنّه الموضع الّذي صدّ فيه،و هو المكان الّذي يحلّ نحره فيه،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نحر الهدي،و أمر أصحابه فنحروا بالحديبيّة.(الطّوسيّ 2:158)

ابن قتيبة :هو من حلّ يحلّ،و المحلّ:الموضع الّذي يحلّ به نحره.(78)

الطّبريّ: اختلف أهل العلم في محلّ الهدي الّذي عناه اللّه جلّ اسمه،الّذي متى بلغه كان للمحصر الإحلال من إحرامه الّذي أحصر فيه،فقال بعضهم:

محلّ هدي المحصر الّذي يحلّ به،و يجوز له ببلوغه إيّاه حلق رأسه،إذا كان إحصاره من خوف عدوّ منعه،ذبحه إن كان ممّا يذبح،أو نحره إن كان ممّا ينحر،في الحلّ ذبح أو نحر،أو في الحرم.و إن كان من غير خوف عدوّ فلا يحلّ حتّى يطوف بالبيت،و يسعى بين الصّفا و المروة، و هذا قول من قال:الإحصار إحصار العدوّ دون غيره...

و قال بعضهم:محلّ هدي المحصر الحرم،لا محلّ له غيره.

و أولى الأقوال بالصّواب في تأويل هذه الآية قول من قال:إنّ اللّه عزّ و جلّ عنى بقوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ... كلّ محصر في إحرام،بعمرة كان إحرام المحصر أو بحجّ،و جعل محلّ هديه الموضع الّذي أحصر فيه،و جعل له الإحلال من إحرامه ببلوغ هديه محلّه.

و تؤوّل بالمحلّ:المنحر أو المذبح،و ذلك حين حلّ نحره أو ذبحه،في حرم كان أو في حلّ،و ألزمه قضاء ما حلّ منه من إحرامه قبل إتمامه،إذا وجد إليه سبيلا؛ و ذلك لتواتر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أنّه صدّ عام الحديبيّة عن البيت،و هو محرم و أصحابه بعمرة،فنحر هو و أصحابه بأمره الهدي،و حلّوا من إحرامهم قبل وصولهم إلى البيت،ثمّ قضوا إحرامهم الّذي حلّوا منه في العام الّذي بعده.و لم يدّع أحد من أهل العلم بالسّير و لا غيرهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و لا أحدا من أصحابه أقام على إحرامه انتظارا للوصول إلى البيت،و الإحلال بالطّواف به،و بالسّعي بين الصّفا و المروة،و لا يخفى وصول هديه إلى الحرم.

فأولى الأفعال أن يقتدى به فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؛إذ لم يأت بحظره خبر،و لم تقم بالمنع منه حجّة،فإذا كان ذلك كذلك،و كان أهل العلم مختلفين فيما اخترنا من القول في ذلك،فمن متأوّل معنى الآية تأويلنا،و من مخالف ذلك، ثمّ كان ثابتا بما قلنا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم النّقل،كان الّذي نقل عنه أولى الأمور بتأويل الآية؛إذ كانت هذه الآية لا يتدافع أهل العلم أنّها يومئذ نزلت في حكم صدّ المشركين إيّاه عن البيت أوحيت (1).(2:220-227)

الزّجّاج: قالوا في(محلّه):من كان حاجّا محلّه يوم النّحر،و لمن كان معتمرا يوم يدخل مكّة.(1:268)

الجصّاص:و اختلف السّلف في المحلّ ما هو، فقال عبد اللّه بن مسعود و ابن عبّاس و عطاء و طاوس و مجاهد و الحسن و ابن سيرين:«هو الحرم»و هو قول أصحابنا و الثّوريّ.و قال مالك و الشّافعيّ: «محلّه الموضعا.

ص: 625


1- في الهامش:قوله:«اوحيت»كذا في 43 م تفسير.و في 42«أوجبت»و اللّفظة قلقة في مكانها.

الّذي أحصر فيه فيذبحه و يحلّ».و الدّليل على صحّة القول الأوّل أنّ المحلّ اسم لشيئين:يحتمل أن يراد به الوقت،و يحتمل أن يراد به المكان؛أ لا ترى أنّ محلّ الدّين هو وقته الّذي تجب المطالبة به؟و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لضباعة بنت الزّبير:«اشترطي في الحجّ و قولي محلّي حيث حبستني»فجعل المحلّ في هذا الموضع اسما للمكان.فلمّا كان محتملا للأمرين-و لم يكن هدي الإحصار في العمرة موقّتا عند الجميع و هو لا محالة مراد بالآية-وجب أن يكون مراده المكان،فاقتضى ذلك أن لا يحلّ حتّى يبلغ مكانا غير مكان الإحصار،لأنّه لو كان موضع الإحصار محلاّ للهدي لكان بالغا محلّه بوقوع الإحصار،و لأدّى ذلك إلى بطلان الغاية المذكورة في الآية،فدلّ ذلك على أنّ المراد بالمحلّ هو الحرم،لأنّ كلّ من لا يجعل موضع الإحصار محلاّ للهدي فإنّما يجعل المحلّ الحرم،و من جعل محلّ الهدي موضع الإحصار أبطل فائدة الآية و أسقط معناها.

و من جهة أخرى،و هو أنّ قوله: وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ الحجّ:30،إلى قوله:

لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحجّ:33،و دلالته على صحّة قولنا في المحلّ من وجهين:أحدهما عمومه في سائر الهدايا،و الآخر:ما فيه من بيان معنى المحلّ الّذي أجمل ذكره في قوله:

حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فإذا كان اللّه قد جعل المحلّ البيت العتيق،فغير جائز لأحد أن يجعل المحلّ غيره.

و يدلّ عليه قوله في جزاء الصّيد: هَدْياً بالِغَ اَلْكَعْبَةِ المائدة:95،فجعل بلوغ الكعبة من صفات الهدي،فلا يجوز شيء منه دون وجوده فيه.كما أنّه لمّا قال في الظّهار و في القتل: فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ النّساء:92،فقيّدهما بفعل التّتابع،لم يجز فعلهما إلاّ على هذا الوجه.و كذلك قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ النّساء:92،لا يجوز إلاّ على الصّفة المشروطة.و كذلك قال أصحابنا في سائر الهدايا الّتي تذبح إنّها لا تجوز إلاّ في الحرم.

و يدلّ عليه أيضا قوله في سياق الخطاب بعد ذكر الإحصار: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ البقرة:

196،فأوجب على المحصر دما و نهاه عن الحلق حتّى يذبح هديه،فلو كان ذبحه في الحلّ جائزا لذبح صاحب الأذى هديه عن الإحصار و حلّ به و استغنى عن فدية الأذى،فدلّ ذلك على أنّ الحلّ ليس بمحلّ الهدي.

فإن قيل:هذا فيمن لا يجد هدي الإحصار.قيل له:

لا يجوز أن يكون ذلك خطابا فيمن لا يجد الدّم،لأنّه خيّره بين الصّيام و الصّدقة و النّسك،و لا يكون مخيّرا بين الأشياء الثّلاثة إلاّ و هو واجد لها،لأنّه لا يجوز التّخيير بين ما يجد و بين ما لا يجد،فثبت بذلك أنّ محلّ الهدي هو الحرم دون محلّ الإحصار.

و من جهة النّظر،لمّا اتّفقوا في جزاء الصّيد أنّ محلّه الحرم و أنّه لا يجزي في غيره،وجب أن يكون كذلك حكم كلّ دم تعلّق وجوبه بالإحرام،و المعنى الجامع بينهما تعلّق وجوبهما بالإحرام.

ص: 626

فإن قيل:قال اللّه تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ الفتح:25،و ذلك في شأن الحديبيّة،و فيه دلالة على أنّ النّبيّ عليه السّلام و أصحابه نحروا هديهم في غير الحرم،لو لا ذلك لكان بالغا محلّه.

قيل له:هذا من أدلّ شيء على أنّ محلّه الحرم،لأنّه لو كان موضع الإحصار هو الحلّ محلاّ للهدي لما قال:

وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، فلمّا أخبر عن منعهم الهدي عن بلوغ محلّه دلّ ذلك على أنّ الحلّ ليس بمحلّ له؛و هذا يصلح أن يكون ابتداء دليل في المسألة.

فإن قيل:فإن لم يكن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه ذبحوا الهدي في الحلّ،فما معنى قوله: وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ؟

قيل له:لمّا حصل أدنى منع،جاز أن يقال:إنّهم منعوا،و ليس يقتضي ذلك أن يكون أبدا ممنوعا؛أ لا ترى أنّ رجلا لو منع رجلا حقّه جاز أن يقال:منعه حقّه،كما يقلّل حبسه و لا يقتضي ذلك أن يكون أبدا محبوسا، فلمّا كان المشركون منعوا الهدي بديا من الوصول إلى الحرم،جاز إطلاق الاسم عليهم بأنّهم منعوا الهدي عن بلوغ محلّه و إن أطلقوا بعد ذلك؛أ لا ترى أنّه قد وصف المشركين بصدّ المسلمين عن المسجد الحرام و إن كانوا قد أطلقوا لهم بعد ذلك الوصول إليه في العام القابل،و قال اللّه عزّ و جلّ: قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ يوسف:

63،و إنّما منعوه في وقت و أطلقوه في وقت آخر،فكذلك منعوا الهدي بديا،ثمّ لمّا وقع الصّلح بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و بينهم أطلقوه حتّى ذبحه في الحرم.و قيل:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ساق البدن ليذبحها بعد الطّواف بالبيت،فلمّا منعوه من ذلك قال اللّه تعالى: وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ لقصوره عن الوقت فيه ذبحه،و يحتمل أن يريد به المحلّ المستحبّ فيه الذّبح،و هو عند المروة بمنى،فلمّا منع ذلك أطلق ما فيه ما وصفت.و قد ذكر المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم أنّ الحديبيّة بعضها في الحلّ و بعضها في الحرم،و أنّ مضرب النّبيّ عليه السّلام كان في الحلّ و مصلاّه كان في الحرم،فإذا أمكنه أن يصلّي في الحرم فلا محالة قد كان الذّبح ممكنا فيه.و قد روي أنّ ناجية بن جندب الأسلميّ قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:ابعث معي الهدي حتّى آخذ به في الشّعاب و الأودية فأذبحها بمكّة.ففعل.و جائز أن يكون بعث معه بعضه و نحر هو بعضه في الحرم،و اللّه أعلم.(1:330)

الثّعلبيّ: و اختلفوا في المحلّ الّذي يحلّ المحصر بلوغ هديه إليه،فقال بعضهم:هو ذبحه أو نحره بالموضع الّذي يحصر فيه،سواء كان في الحلّ أو الحرم،و معنى (محلّه):حين يحلّ ذبحه و أكله و الانتفاع به،كقوله صلّى اللّه عليه و سلّم في اللّحم الّذي تصدّق به عليه بريرة قال:«قرّبوه فقد بلغ محلّه»يعني فقد بلغ محلّ طيبه و حلاله بالهديّة إلينا بعد إن كانت صدقة على بريرة،و هذا على قول من جعل الإحصار إحصار العدوّ.

يدلّ عليه فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه بالحديبيّة حتّى صدّوا عن البيت و نحروا هديهم بها،و الحديبيّة ليست من الحرم.[ثمّ أيّده برواية و قال:]

ص: 627

و قال بعضهم:محلّ هدي المحصر لا يحلّ له غيره، فإن كان حاجّا فمحلّه يوم النّحر،و إن كان معتمرا يوم مبلغ هديه الحرم.(2:100)

نحوه البغويّ.(1:247)

الطّوسيّ: قيل:في محلّ الهدي قولان:أحدهما:

أنّه الحرم،و هو قول ابن مسعود.و الثّاني:[قول مالك المتقدّم ثمّ قال:]

و عندنا أنّ الأوّل حكم المحصر بالمرض،و الثّاني حكم المحصور بالعدوّ،و روي أيضا أنّ محلّه منى إن كان في الحجّ،و إن كان في العمرة فمكّة.(2:158)

نحوه الطّبرسيّ.(1:290)

الزمخشريّ: فإن قلت:أين و متى ينحر هدي المحصر؟

قلت:إن كان حاجّا فبالحرم متى شاء،عند أبي حنيفة،يبعث به و يجعل للمبعوث على يده يوم أمار (1)، و عندهما في أيّام النّحر،و إن كان معتمرا فبالحرم في كلّ وقت عندهم جميعا...(محلّه)أي مكانه الّذي يجب نحره فيه،و محلّ الدّين:وقت وجوب قضائه،و هو ظاهر على مذهب أبي حنيفة.

فإن قلت:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم نحر هديه حيث أحصر.

قلت:كان محصره طرف الحديبيّة الّذي إلى أسفل مكّة،و هو من الحرم.(1:344)

ابن العربيّ: المسألة السّادسة عشرة:إذا حلّ المحصر نحر هديه حيث حلّ،كما فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالحديبيّة،لأنّ الهدي تابع للمهديّ و المهديّ حلّ بموضعه،فالهدي أيضا يحلّ معه.

فإن قيل:فقد قال اللّه تعالى: حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ و محلّه:البيت العتيق،و قال اللّه تعالى في قصّة الحديبيّة: وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ.

قلنا:كذلك كان صاحب الهدي،و هو المهديّ معكوفا أن يبلغ منسكه،و لكن حلّ في موضعه،كذلك هديه يجب أن يحلّ معه.

فإن قيل فقد روي أنّ ناجية بن جندب صاحب بدن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«ابعث معي الهدي أنحره في الحرم»قال:فكيف تصنع به؟قال:أخرجه في أودية لا يقدرون عليه،فانطلق به حتّى نحره في الحرم.

قلنا:هذا حديث لم يصحّ.(1:122)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ لا تَحْلِقُوا...

ففيه مسائل:

المسألة الأولى:في الآية حذف،لأنّ الرّجل لا يتحلّل ببلوغ الهدي محلّه بل لا يحصل التّحلّل إلاّ بالنّحر،فتقدير الآية:حتّى يبلغ الهدي محلّه و ينحر،فإذا نحر فاحلقوا.

المسألة الثّانية:قال الشّافعيّ رضى اللّه عنه:يجوز إراقة دم الإحصار لا في الحرم،بل حيث حبس.و قال أبو حنيفة رضى اللّه عنه:لا يجوز ذلك إلاّ في الحرم،و منشأ الخلاف البحث في تفسير هذه الآية،فقال الشّافعيّ رضى اللّه عنه:المحلّ في هذه الآية اسم للزّمان الّذي يحصل فيه التّحلّل،و قال..

ص: 628


1- لاحظ نصّ أبي السّعود الآتي.قال ابن منظور:الأمار و الأمارة:العلامة،و قيل:الأمار:جمع الأمارة...

أبو حنيفة:إنّه اسم للمكان.

حجّة الشّافعيّ رضى اللّه عنه من وجوه:

الأوّل:أنّه عليه الصّلاة و السّلام أحصر بالحديبيّة و نحر بها،و الحديبيّة ليست من الحرم.قال أصحاب أبي حنيفة:إنّه إنّما أحصر في طرف الحديبيّة الّذي هو أسفل مكّة،و هو من الحرم.قال الواقديّ:الحديبيّة على طرف الحرم على تسعة أميال من مكّة.أجاب القفّال رحمه اللّه في تفسيره عن هذا السّؤال،فقال:الدّليل على أنّ نحر ذلك الهدي ما وقع في الحرم قوله تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ فبيّن تعالى أنّ الكفّار منعوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن إبلاغ الهدي محلّه الّذي كان يريده،فدلّ هذا على أنّهم نحروا ذلك الهدي في غير الحرم.

الحجّة الثّانية:أنّ المحصر سواء كان في الحلّ أو في الحرم فهو مأمور بنحر الهدي،فوجب أن يتمكّن في الحلّ و الحرم من نحر الهدي.

بيان المقام الأوّل:أنّ قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ يتناول كلّ من كان محصرا سواء كان في الحلّ أو في الحرم،و قوله بعد ذلك: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ معناه فما استيسر من الهدي نحره واجب،أو معناه فانحروا ما استيسر من الهدي.و على التّقديرين ثبت أنّ هذه الآية دالّة على أنّ نحر الهدي واجب على المحصر، سواء كان محصرا في الحلّ أو في الحرم.و إذا ثبت هذا وجب أن يكون له الذّبح في الحلّ و الحرم،لأنّ المكلّف بالشّيء أوّل درجاته أن يجوز له فعل المأمور به،و إذا كان كذلك وجب أن يكون المحصر قادرا على إراقة الدّم حيث أحصر.

الحجّة الثّالثة:أنّ اللّه سبحانه إنّما مكّن المحصر من التّحلّل بالذّبح،ليتمكّن من تخليص النّفس عن خوف العدوّ في الحال،فلو لم يجز النّحر إلاّ في الحرم و ما لم يحصل النّحر لا يحصل التّحلّل بدلالة الآية.فعلى هذا التّقدير وجب أن لا يحصل التّحلّل في الحال،و ذلك يناقض ما هو المقصود من شرع هذا الحكم،و لأنّ الموصل للنّحر إلى الحرم إن كان هو فقد نفى الخوف،و كيف يؤمن بهذا الفعل مع قيام الخوف،و إن كان غيره فقد لا يجد ذلك الغير فما ذا يفعل؟حجّة أبي حنيفة رضى اللّه عنه من وجوه:

الأوّل:أنّ المحلّ بكسر عين الفعل عبارة عن المكان،كالمسجد و المجلس،فقوله: حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ يدلّ على أنّه غير بالغ في الحال إلى مكان الحلّ، و هو عندكم بالغ محلّه في الحال.

جوابه:المحلّ عبارة عن الزّمان،و أنّ من المشهور أن محلّ الدّين هو وقت وجوبه.

الثّاني:هب أنّ لفظ المحلّ يحتمل المكان و الزّمان،إلاّ أنّ اللّه تعالى أزال هذا الاحتمال بقوله: ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحجّ:33،و في قوله: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ المائدة:95،و لا شكّ أنّ المراد منه الحرم،فإنّ البيت عينه لا يراق فيه الدّماء.

جوابه:قال الشّافعيّ رضى اللّه عنه:كلّ ما وجب على المحرم في ماله من بدنة و جزاء هدي فلا يجزي إلاّ في الحرم لمساكين أهله،إلاّ في موضعين:أحدهما:من ساق هديا

ص: 629

فعطب في طريقه،ذبحه و خلّى بينه و بين المساكين.

و الثّاني:دم المحصر بالعدوّ فإنّه ينحر حيث حبس، فالآيات الّتي ذكرتموها في سائر الدّماء فلم قلتم:إنّها تتناول هذه الصّورة.

الثّالث:قالوا:الهدي سمّى هديا لأنّه جار مجرى الهديّة الّتي يبعثها العبد إلى ربّه،و الهديّة لا تكون هديّة إلاّ إذا بعثها المهدي إلى دار المهدى إليه،و هذا المعنى لا يتصوّر إلاّ بجعل موضع الهدي هو الحرم.

جوابه:هذا التّمسّك بالاسم ثمّ هو محمول على الأفضل عند القدرة.

الرّابع:أنّ سائر دماء الحجّ كلّها قربة كانت أو كفّارة لا تصحّ إلاّ في الحرم،فكذا هذا.

جوابه:أنّ هذا الدّم إنّما وجب لإزالة الخوف،و زوال الخوف إنّما يحصل إذا قدر عليه حيث أحصر،أمّا لو وجب إرساله إلى الحرم لا يحصل هذا المقصود،و هذا المعنى غير موجود في سائر الدّماء،فظهر الفرق.

(5:163)

نحوه النّيسابوريّ(2:156)،و القرطبيّ(2:

379)،و البيضاويّ ملخّصا(1:107).

الفاضل المقداد:عند الشّافعيّ: حيث صدّ و أحصر،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذبح هديه في الحديبيّة،و هي من الحلّ.و عند أبي حنيفة(محلّه)الحرم مطلقا لصدّ و حصر،و عند أصحابنا لا يراعى للصّدّ زمان و لا مكان، و أمّا الحصر فمكّة إن كان في عمرة،و منى إن كان في حجّ، و لا خلاف في أنّه يجب القضاء في حجّ الفرض إلاّ في رواية عن مالك،و أمّا حجّ النّدب فعندنا لا يجب،و به قال مالك و الشّافعيّ.و قال أبو حنيفة يجب،و لأحمد قولان.

و المحلّ بالكسر من الحلّ،أي لا تحلقوا حتّى يذبح حيث يحلّ ذبحه فيه،و لو كان من الحلول لقال:محلّه بفتح الحاء.(1:289)

النّسفيّ: أي مكانه الّذي يجب نحره فيه و هو الحرم،و هو حجّة لنا في أنّ دم الإحصار لا يذبح إلاّ في الحرم،عن الشّافعيّ رحمه اللّه إذ عنده يجوز في غير الحرم.

(1:100)

أبو حيّان :[نقل أقوال المتقدّمين ثمّ قال:]

و المحلّ هنا:المكان،و لم يقرأ إلاّ بكسر الحاء فيما علمنا،و يجوز الفتح،أعني إذا كان يراد به المكان.و فرّق الكسائيّ هنا فقال:الكسر هو الإحلال من الإحرام، و الفتح هو موضع الحلول من الإحصار.(2:75)

مثله السّمين.(1:485)

أبو السّعود :و المعنى أنّ المحرم إذا أحصر و أراد أن يتحلّل تحلّل بذبح هدي ممّا تيسّر عليه من بدنة أو بقرة أو شاة،حيث أحصر عند الأكثر.و عندنا يبعث به إلى الحرم و يجعل للمبعوث بيده يوم أمار،فإذا جاء اليوم و ظنّ أنّه ذبح تحلّل،لقوله تعالى: وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ أي لا تحلّوا حتّى تعلموا أنّ الهدي المبعوث إلى الحرم بلغ مكانه الّذي يجب أن ينحر فيه، و حمل الأوّلون بلوغ الهدي محلّه على ذبحه فيه،حلاّ كان أو حرما،و مرجعهم في ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ذبح عام

ص: 630

الحديبيّة بها،و هي من الحلّ.

قلنا:كان محصره عليه السّلام طرف الحديبيّة الّذي إلى أسفل مكّة،و هو من الحرم.و عن الزّهريّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:نحر هديه في الحرم.و قال الواقديّ: الحديبيّة هي طرف الحرم على تسعة أميال من مكّة.و المحلّ بالكسر يطلق على المكان و الزّمان.(1:249)

نحوه الآلوسيّ.(2:81)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و المحلّ بالكسر من الحلول و هو النّزول،يطلق على الزّمان و المكان،فمحلّ الدّين:وقت وجوب قضائه،و محلّ الهدي:المكان الّذي يحلّ فيه ذبحه،و هو الحرم عندنا،لقوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحجّ:33،و المراد الحرم كلّه،لأنّ كلّه يتبع البيت،و هذا الحكم عامّ لجميع الحاجّ من المفرد و القارن و المتمتّع و المعتمر.(1:311)

رشيد رضا :[ذكر وجه استدلال الحنفيّة على عدم جواز ذبح الهدي في محلّ الإحصار و قال:]

و المحلّ بكسر الحاء اسم مكان من حلّ يحلّ حلاّ أي صار حلالا،ضدّ حرم يحرم،إذا صار حراما.

(1:221)

عزّة دروزة :المكان الّذي يذبح فيه،أو المكان و الزّمان معا.و في سورة الحجّ آية تفيد المكان و هو الكعبة ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ و أمّا الزّمان فقد عيّنته السّنّة و هو بعد الحجّ،أو بعد العمرة.(7:303)

الصّابونيّ: المحلّ بكسر الحاء:الموضع الّذي يحلّ به نحر الهدي و هو الحرم،أو مكان الإحصار.[إلى أن ذكر قول الشّافعيّ و مالك و أحمد و أبو حنيفة،و رجّح رأي الجمهور أنّ المحصر ينحر حيث يحلّ في حرم كان أو في حلّ](1:238-250)

و بهذا المعنى جاء(محلّه)في سورة الفتح:25،في أكثر التّفاسير.

محلّها

لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. الحجّ:33

مجاهد :يعني محلّ البدن حين تسمّى إلى البيت العتيق.(الطّبريّ 17:160)

ابن زيد :حين تنقضي تلك الأيّام،أيّام الحجّ إلى البيت العتيق.(الطّبريّ 17:160)

الشّافعيّ: الحرم كلّه محلّ لها.(الماورديّ 4:24)

الفرّاء: ما كان من هدي للعمرة أو للنّذر فإذا بلغ البيت نحر،و ما كان للحجّ نحر بمنى،جعل ذلك بمنى لتطهر مكّة.(2:225)

الطّبريّ: الّذين قالوا عني ب«الشّعائر»في هذا الموضع البدن:معنى ذلك ثمّ محلّ البدن إلى أن تبلغ مكّة، و هي الّتي بها البيت العتيق.

و قال آخرون:معنى ذلك ثمّ محلّكم أيّها النّاس من مناسك حجّكم إلى البيت العتيق أن تطوفوا به يوم النّحر،بعد قضائكم ما أوجبه اللّه عليكم في حجّكم.

و قال آخرون:معنى ذلك،ثمّ محلّ منافع أيّام الحجّ

ص: 631

إلى البيت العتيق بانقضائها.

و أولى هذه الأقوال عندي بالصّواب قول من قال:

معنى ذلك ثمّ محلّ الشّعائر-الّتي لكم فيها منافع إلى أجل مسمّى-إلى البيت العتيق،فما كان من ذلك هديا أو بدنا، فبموافاته الحرم،في الحرم،و ما كان من نسك فالطّواف بالبيت.(17:159،160)

الماورديّ: إن قيل:إنّ الشّعائر هي مناسك الحجّ ففي تأويل قوله: ثُمَّ مَحِلُّها... وجهان:أحدهما:مكّة و هو قول عطاء،و الثّاني:[قول الشّافعيّ.و قد تقدّم]

و إن قيل:إنّ الشّعائر هي الدّين كلّه فيحتمل تأويل قوله: ثُمَّ مَحِلُّها... أنّ محلّ ما اختصّ منها بالأجر له، هو البيت العتيق.(4:24)

الطّوسيّ: معناه أنّ محلّ الهدي و البدن إلى الكعبة.

و عند أصحابنا:إن كان الهدي في الحجّ فمحلّه منى،و إن كان في العمرة المفردة فمحلّه مكّة قبالة الكعبة بالخرورة.

و قيل:الحرم كلّه محلّ لها.

و الظّاهر يقتضي أنّ المحلّ البيت العتيق،و هو الكعبة.(7:314)

البغويّ: و من قال:«الشّعائر»المناسك،قال:

معنى قوله: ثُمَّ مَحِلُّها... أي محلّ النّاس من إحرامهم إلى البيت العتيق،أي أن يطوفوا به طواف الزّيارة يوم النّحر.(3:340)

الميبديّ: موضع نحرها عند البيت العتيق يريد أرض الحرم كلّها،كما قال: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ التّوبة:28،يعني الحرم كلّه.(6:366)

الزّمخشريّ: أي وجوب نحرها أو وقت وجوب نحرها في الحرم منتهية إلى البيت،كقوله: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ المائدة:95،و المراد نحرها في الحرم الّذي هو في حكم البيت،لأنّ الحرم هو حريم البيت،و مثل هذا في الاتّساع قولك:«بلغنا البلد»،و إنّما شارفتموه و اتّصل مسيركم بحدوده.(3:14)

الطّبرسيّ: من قال:إنّ شعائر اللّه هي البدن قال معناه...[ذكر نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و من قال:إنّ الشّعائر مناسك الحجّ،قال:معناه ثمّ محلّ الحجّ و العمرة و الطّواف بالبيت العتيق و إنّ منتهاها إلى البيت العتيق،لأنّ التّحلّل يقع بالطّواف،و الطّواف يختصّ بالبيت.

و من قال:إنّ الشّعائر هي الدّين كلّه،فيحتمل أن يكون معناه إنّ محلّ ما اختصّ منها بالإحرام هو البيت العتيق،و ذلك الحجّ و العمرة في القصد له و الصّلاة في التّوجّه له.

و يحتمل أن يكون معناه:إنّ أجرها على ربّ البيت العتيق.(4:84)

الفخر الرّازيّ: فالمعنى أنّ لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم و دينكم،و أعظم هذه المنافع محلّها إلى البيت العتيق،أي وجوب نحرها،أو وقت وجوب نحرها منتهية إلى البيت،كقوله: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ.

و بالجملة:فقوله:(محلّها)يعني حيث يحلّ نحرها، و أمّا اَلْبَيْتِ الْعَتِيقِ فالمراد به:الحرم كلّه،و دليله قوله تعالى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ

ص: 632

هذا التّوبة:28،أي الحرم كلّه؛فالمنحر على هذا القول كلّ مكّة،و لكنّها تنزّهت عن الدّماء إلى منى، و منى من مكّة.قال عليه السّلام:«كلّ فجاج مكّة منحر و كلّ فجاج منى منحر».

قال القفّال:هذا إنّما يختصّ بالهدايا الّتي بلغت منى، فأمّا الهدي المتطوّع به إذا عطب قبل بلوغ مكّة فإنّ محلّه موضعه.(23:34)

البيضاويّ: أي لكم فيها منافع درّها و نسلها و صوفها و ظهرها إلى أن تنحر،ثمّ وقت نحرها منتهية إلى البيت،أي ما يليه من الحرم،و(ثمّ)تحتمل التّراخي في الوقت،و التّراخي في الرّتبة،أي لكم فيها منافع دنيويّة إلى وقت النّحر،و بعده منافع دينيّة أعظم منها.

و هو على الأوّلين إمّا متّصل بحديث الأنعام و الضّمير فيه لها،أو المراد على الأوّل لكم فيها منافع دينيّة تنتفعون بها إلى أجل مسمّى هو الموت،ثمّ محلّها منتهية إلى البيت العتيق الّذي ترفع إليه الأعمال،أو يكون فيه ثوابها و هو البيت المعمور أو الجنّة.

و على الثّاني لكم فيها منافع التّجارات في الأسواق إلى وقت المراجعة،ثمّ وقت الخروج منها منتهية إلى الكعبة بالإحلال بطواف الزّيارة.(2:91)

نحوه أبو السّعود.(4:381)

أبو حيّان :[اكتفى بذكر أقوال الزّمخشريّ،و الفخر الرّازيّ،و ابن عطيّة](6:368)

الشّربينيّ: أي مكان حلّ نحرها.[ثمّ ذكر نحو البغويّ](2:552)

البروسويّ: المحلّ:اسم زمان بتقدير المضاف، من حلّ الدّين،إذا وجب أداؤه،معطوف على قوله:

(منافع)،و إِلَى الْبَيْتِ حال من ضمير(فيها)و العامل في الحال الاستقرار الّذي تعلّق به كلمة«في».[ثمّ ذكر نحو الفخر الرّازيّ](6:32)

الآلوسيّ: أي وجوب نحرها،على أن يكون(محلّ) مصدرا ميميّا بمعنى الوجوب،من حلّ الدّين،إذا وجب، أو وقت نحرها على أن يكون اسم زمان،و هو على الاحتمالين معطوف على(منافع)،و الكلام على تقدير مضاف.[ثمّ ذكر بحوثا تقدّمت في أقوال المتقدّمين]

(17:152)

الطّباطبائيّ: المحلّ بكسر الحاء:اسم زمان بمعنى وقت حلول الأجل،و ضمير(فيها)للشّعائر، و المعنى على تقدير كون المراد:بالشّعائر:بدن الهدي،أنّ لكم في هذه الشّعائر و هي البدن منافع من ركوب ظهرها و شرب ألبانها عند الحاجة إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هو وقت نحرها، ثُمَّ مَحِلُّها أي وقت حلول أجلها للنّحر منته إلى البيت العتيق،أو بانتهائها إليه،و الجملة في معنى قوله:

هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ هذا على تفسير أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.

و أمّا على القول بكون المراد بالشّعائر:مناسك الحجّ، فقيل:المراد بالمنافع:التّجارة إلى أجل مسمّى،ثمّ محلّ هذه المناسك و منتهاها إلى البيت العتيق،لأنّ آخر ما يأتي به من الأعمال الطّواف بالبيت.(14:374)

ص: 633

احلّ

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ... النّساء:24

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ، فقرأ ذلك بعضهم (و احلّ لكم) بفتح الألف من«أحلّ»بمعنى:كتب اللّه عليكم،و أحلّ لكم ما وراء ذلكم.

و قرأه آخرون وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ، اعتبارا بقوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ...

و الّذي نقول في ذلك،أنّهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة الإسلام،غير مختلفتي المعنى،فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب الحقّ.(4:12)

نحوه البغويّ(1:595)،و ابن عطيّة(2:36)، و البيضاويّ(1:213).

الزّمخشريّ: إن قلت:علام عطف قوله:(و احلّ لكم)؟

قلت:على الفعل المضمر الّذي نصب كِتابَ اللّهِ أي كتب اللّه عليكم تحريم ذلك و أحلّ لكم ما وراء ذلكم.و يدلّ عليه قراءة اليمانيّ(كتب اللّه عليكم و أحلّ لكم).و روي عن اليمانيّ(كتب اللّه عليكم)على الجمع و الرّفع،أي هذه فرائض اللّه عليكم.و من قرأ وَ أُحِلَّ لَكُمْ على البناء للمفعول فقد عطفه على(حرّمت).

(1:518)

أبو حيّان :و قرأ حمزة و الكسائيّ و حفص (و احلّ) مبنيّا للمفعول و هو معطوف على قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ. و قرأ باقي السّبعة (و احلّ) مبنيّا للفاعل، و الفاعل ضمير يعود على اللّه تعالى،و هو أيضا معطوف على قوله:(حرّمت).و لا فرق في العطف بين أن يكون الفعل مبنيّا للفاعل أو للمفعول،و لا يشترط المناسبة و لا يختار،و إن اختلف الفاعل المحذوف لقيام المفعول مقامه و الفاعل الّذي أسند إليه الفعل المبنيّ للفاعل،فكيف إذا اتّحد كهذا،لأنّه معلوم أنّ الفاعل المحذوف في(حرّمت) هو اللّه تعالى،و هو الفاعل المضمر في(احلّ)المبنيّ للفاعل.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

ففرّق في العطف بين القراءتين،و ما اختاره من التّفرقة غير مختار،لأنّ انتصاب كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إنّما هو انتصاب المصدر المؤكّد لمضمون الجملة السّابقة،من قوله:(حرّمت)،فالعامل فيه و هو«كتب»إنّما هو تأكيد لقوله:(حرّمت)فلم يؤت بهذه الجملة على سبيل التّأسيس للحكم إنّما التّأسيس حاصل بقوله:(حرّمت)، و هذه جيء بها على سبيل التّأكيد لهذه الجملة المؤسّسة، و ما كان سبيله هكذا فلا يناسب أن يعطف عليه الجملة المؤسّسة للحكم،إنّما يناسب أن يعطف على جملة مؤسّسة مثلها لا سيّما و الجملتان متقابلتان؛إذ إحداهما للتّحريم و الأخرى للتّحليل،فناسب أن يعطف هذه على هذه.و قد أجاز الزّمخشريّ ذلك في قراءة من قرأ (و احلّ) مبنيّا للمفعول،فكذلك يجوز فيه مبنيّا للفاعل، و مفعول(احلّ)هو ما وَراءَ ذلِكُمْ. (3:216)

أبو السّعود :[نقل اختلاف القراءات و أضاف:]

ص: 634

فإنّهما جملتان متقابلتان مؤسّستان للتّحريم و التّحليل المنوطين بأمر اللّه تعالى،و لا ضير في اختلاف المسند إليه بحسب الظّاهر،لا سيّما بعد ما أكّدت الأولى بما يدلّ على أنّ المحرّم هو اللّه تعالى.(2:122)

[و فيها مباحث أخرى حول اختلاف القراءات بين المفسّرين،و حول كلمة(وراء)فراجع و ر ي:

«وراء».]

و احلل

وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي. طه:27

ابن عبّاس: ابسط رتّة من لساني.(261)

أبو عبيدة :مجاز العقدة في اللّسان:كلّ ما لم ينطلق بحرف أو كانت منه مسكة من تمتمة أو فأفأة.(182)

الطّبريّ: يقول:أطلق لساني بالمنطق.(8:410)

الزّمخشريّ: اختلف في زوال العقدة بكمالها، فقيل:ذهب بعضها و بقي بعضها،لقوله تعالى: وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً القصص:34،و قوله تعالى: وَ لا يَكادُ يُبِينُ الزّخرف:52،و كان في لسان الحسين ابن عليّ رضي اللّه عنهما رتّة،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«ورثها من عمّه موسى»،و قيل:زالت بكمالها لقوله تعالى: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى طه:36.

(2:535)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في أنّه عليه السّلام لم طلب حلّ تلك العقدة على وجوه:

أحدها:لئلاّ يقع في أداء الرّسالة خلل البتّة.

و ثانيها:لإزالة التّنفير،لأنّ العقدة في اللّسان قد تفضي إلى الاستخفاف بقائلها،و عدم الالتفات إليه.

و ثالثها:إظهارا للمعجزة،فكما أنّ حبس لسان زكريّا عليه السّلام عن الكلام كان معجزا في حقّه،فكذا إطلاق لسان موسى عليه السّلام معجز في حقّه.

و رابعها:طلب السّهولة،لأن إيراد مثل هذا الكلام على مثل فرعون في جبروته و كبره عسر جدّا،فإذا انضمّ إليه تعقّد اللّسان بلغ العسر إلى النّهاية،فسأل ربّه إزالة تلك العقدة تخفيفا و تسهيلا.(22:48)

راجع ع ق د:«عقدة».

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الحلّ على وجهين:

أحدهما:الحلال،كقوله: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ آل عمران:93،و قوله: وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ المائدة:5.

و الثّاني:النّازل،كقوله: وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ البلد:4.(212)

الدّامغانيّ: حلّ و أحلّ على ثمانية أوجه:تجب، البسط،النّزول،الخروج،اللّبس،الرّخص،استحلّ الحلال.

فوجه منها:و يحلّ يعني و يجب،قوله في سورة طه:

81 فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي يقول:يجب سخطي، كقوله: وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي و من يجب عليه، مثلها في هود:39 وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ يعني و يجب عليه،

ص: 635

عَذابٌ مُقِيمٌ.

و الوجه الثّاني:احلل،يقول:ابسط،قوله في سورة طه:27: وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يقول:ابسط رتّة من لساني.

و الوجه الثّالث:تحلّ،أي تنزل،قوله في سورة الرّعد:33: أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ أي تنزل أنت و أصحابك من دارهم،كقوله في فاطر:35: اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ يعني أنزلنا،و أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ إبراهيم:28،أي أنزلوا،و نحوه كثير.

و الوجه الرّابع:حللتم يقول خرجتم من الحرم إلى الحلّ،كقوله في المائدة:3: وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا يقول:إذا خرجتم من الحرم بعد أيّام التّشريق فاصطادوا.

و الوجه الخامس:حلّوا أي البسوا،قوله في سورة الدّهر:21: وَ حُلُّوا أَساوِرَ يقول:البسوا أساور(من فضّة)،مثلها في سورة الكهف:31: يُحَلَّوْنَ فِيها، مثلها في الحجّ:23،و نحوه كثير.

و الوجه السّادس:يحلّ،يقول:يرخّص،قوله في سورة المائدة:5: اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ يقول:

رخّص لكم،مثلها في الأعراف:157: وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ يقول:يرخّص.

و الوجه السّابع:أحلّ يقول:استحلّ،قوله في التّوبة:37: يُحِلُّونَهُ أي يستحلّونه عاماً وَ يُحَرِّمُونَهُ عاماً، نظيرها في المائدة:2: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ أي لا تستحلّوا ترك المناسك.

و الوجه الثّامن: حِلٌّ لَكُمْ يعني حلالا،قوله في سورة المائدة:5: وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ الآية.(287)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحلّ،أي فتح العقدة.

يقال:حلّ العقدة يحلّها حلاّ،أي فتحها و نقضها فانحلّت،و في المثل:«يا عاقد اذكر حلاّ»،أي إذا تحمّلت فلا تؤرّب ما عقدت.و كلّ جامد أذيب فقد حلّ.

و الحلّ:الحلول و النّزول،لأنّ المسافر يشدّ و يعقد.

يقال:حلّ بالمكان يحلّ،و حلّه يحلّه حلولا و محلاّ و حلاّ و حللا،و احتلّ به و احتلّه:نزل به،و كذا حلّ بالقوم و حلّهم و احتلّ بهم و احتلّهم،فهو رجل حالّ من قوم حلول و حلاّل و حلّل،و أحلّه المكان و أحلّه به و حلّله به:جعله يحلّ.يقال:أحلّ فلان أهله بمكان كذا،أي أنزلهم،و حالّه:حلّ معه،و المحلّ:الموضع الّذي يحلّ فيه؛و الجمع:محالّ،و هو المحلّ أيضا،و المحلّة:

المحلّ و منزل القوم،و مكان محلّل،إذا أكثر النّاس به الحلول.

و الحلّة:القوم النّزول.يقال:حيّ حلّة،أي نزول و فيهم كثرة،و الحلّة:جماعة بيوت النّاس،لأنّها تحلّ؛ و الجمع:حلال.يقال:حيّ حلال،أي كثير،و هم القوم المقيمون المتجاورون.و الحلال:متاع الرّحل،أو مركب من مراكب النّساء.

و روضة محلال،إذا أكثر النّاس الحلول بها،و رحبة

ص: 636

محلال:جيّدة لمحلّ الناس،و أرض محلال:سهلة ليّنة.

و تلعة محلّة:تضمّ بيتا أو بيتين،و المحلّتان:القدر و الرّحى،لأنّهما تحلاّن النّاس،و المحلاّت:القدر و الرّحى و الدّلو و القربة و الجفنة و السّكّين و الفأس و الزّند،لأنّ من كانت هذه معه حلّ حيث شاء.

و حليل المرأة:بعلها،و هي حليلته،سمّيا بذلك لأنّ كلّ واحد منهما يحالّ صاحبه،أي يحلّ معه،و حليلة الرّجل:جارته،لأنّهما يحلاّن بموضع واحد؛و الجمع:

حلائل.

و الحلّة:الإزار و الرّداء،أو الإزار و الرّداء و القميص،لأنّ بينها فرجة؛و الجمع حلل و حلال.

يقال:حلّلته الحلّة،أي ألبسته إيّاها،و لبس فلان حلّته:

سلاحه،و الحلل:برود اليمن.

و الإحليل:مخرج البول من الإنسان،و مخرج اللّبن من الثّدي و الضّرع؛و الجمع:أحاليل،لأنّه يفتح و يشدّ.

يقال:أحلّت النّاقة على ولدها،أي درّ لبنها،و أحلّ المال يحلّ إحلالا:نزل درّه حين يأكل الرّبيع،و أحلّت الشّاة و النّاقة:درّ لبنها،أو نزل لبنها من غير نتاج،فهي محلّ؛و الجمع:محالّ.

و الحلل:استرخاء عصب الدّابّة،لأنّه فتح بعد شدّ.

يقال:فرس أحلّ،و حلله ضعف نساه و رخاوة كعبه، و قد حللت حللا،و الحلل في البعير ضعف في عرقوبه، فهو أحلّ بيّن الحلل،و فيه حلّة و حلّة:تكسّر و ضعف، و ذئب أحلّ و به حلل.

و الحلال:نقيض الحرام.يقال:رجل حلال،أي ليس بمحرم و لا متلبّس بأسباب الحجّ،لأنّه يحلّ حريمه، أي ثوبه،و رجل حلّ من الإحرام:حلال،و قد حلّ من إحرامه يحلّ حلاّ و حلالا،إذا خرج من حرمه،و أحلّ:

خرج من الحرم إلى الحلّ،فهو محلّ.

و الحلال:ضدّ الحرام،كأنّه-كما قال ابن فارس- من حللت الشّيء،إذا أبحته و أوسعته لأمر فيه.يقال:

حلّ يحلّ حلاّ،و أحلّه اللّه و حلّله،و هو الحلال و الحليل و الحلّ أيضا.يقال:هذا لك حلّ،أي حلال،و أحللت له الشّيء:جعلته له حلالا،و أحللت المرأة لزوجها، و استحلّ الشّيء:اتّخذه حلالا،أو سأله أن يحلّه له، و تحلّلته و استحللته:سألته أن يجعلني في حلّ من قبله.

و حلّت المرأة:خرجت من عدّتها،أي حلّ لها ما كان محرّما في عدّتها،كالزّواج.

و الإحلال:الخروج من الأشهر الحرم أو من عهد.

يقال:أحلّ الرّجل،فهو محلّ،أي الّذي خرج من الأشهر الحرم،أو الّذي لا عهد له و لا حرمة.

و التّحليل:تكفير اليمين،لأنّ الحالف يحلّ يمينه بالتّكفير.يقال:حلّل اليمين تحليلا و تحلّة و تحلاّ،أي كفّرها،و التّحلّة:ما كفّر به،و تحلّل فلان من يمينه:خرج منها بكفّارة أو حنث يوجب الكفّارة،و تحلّل في يمينه:

استثنى،و ضربه ضربا تحليلا:شبه التّعزير،من تحليل اليمين،ثمّ أجري في سائر الكلام.

و حلّ عليه حقّي يحلّ محلاّ:وجب،و أحلّه اللّه عليه:

أوجبه،و أحلّ الرّجل بنفسه:استوجب العقوبة.و هو من هذا الباب أيضا،لأنّ من وجب عليه شيء لا ينقضه

ص: 637

و لا يتحلّل منه إلاّ بأدائه.

2-و كثيرا ما يستعمل المولّدون اليوم قولهم:حلّ المسألة،أي أبان لبسها،و حلّ المشكلة،أي ذلّلها، و فلان حلاّل المشكلات أو المشاكل،أي المرجع عند الملمّات و المعضلات.و وضع فلان حلولا لهذه الأمور،جمع حلّ،خلافا للسّماع و القياس أيضا،لأنّ الحلّ مصدر،و المصادر لا تجمع.

و ممّا استعمل بكثرة اليوم من هذه المادّة لفظ الاحتلال،و يعني لغة:النّزول بالمكان،من قولهم:احتلّ المكان و به،أي نزل به،و اصطلاحا:استيلاء دولة على بلاد دولة أخرى أو جزء منها قهرا،كما فعل الإفرنج قبل قرون،و لا زالوا يفعلون،فما من منطقة أو قارّة من قارّات العالم،إلاّ و لهم فيها محلّ أو موطئ قدم،و منها قارّتهم«أو ربّا»،حيث لا يزال الإنجليز يحتلّون إيرلندا.

و نشهد هذه الأيّام احتلال العراق احتلالا مباشرا من قبل الإنجليز و حلفائهم،متذرّعين بمكافحة الإرهاب و القضاء على أسلحة الدّمار الشّامل.و لكنّهم-في الحقيقة -يضمرون للمسلمين نوايا خبيثة؛أفشوا بعضها، و كتموا بعضها و من أظهر مصاديق الاحتلال سيطرة الصّهيونيّة على فلسطين الحبيبة منذ سنين،و للّه الأمر من قبل و من بعد.انظر مادّتي(رهب)و(ع م ر)أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت من المجرّد الماضي مرّة،و المضارع 12 مرّة، و الأمر مرّة،و وصفا جمعا مرّة،و اسم مصدر(حلّ) 5 مرّات،و اسم مكان 4 مرّات،و من باب الإفعال الماضي معلوما و مجهولا 6 مرّات،و المضارع 14 مرّة، و من باب التّفعيل المصدر 7 مرّات،في 44 آية:

إحلال النّكاح و الطّلاق و ما يتعلّق بالزّوجين من الأحكام

1- فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا البقرة:230

2- ...وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ البقرة:228

3- ...وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً... البقرة:229

4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً... النّساء:19

5- ...إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ... فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ... الممتحنة:10

6- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ... الأحزاب:50

7- لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ... الأحزاب:52

8- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ

التّحريم:1

9- ...وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ...

النّساء:23

ص: 638

10- ...وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ... النّساء:24

11- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ...

البقرة:187

إحلال الطّعام و تحريمه

12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ... المائدة:87

13- ...وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ الأعراف:157

14- يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ... المائدة:4

15- اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ... المائدة:5

16- أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ... المائدة:1

17- وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ...

الحجّ:30

18- ...وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ المائدة:5

19- يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً (البقرة:168)

20- وَ كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً...

المائدة:88

21- فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَ اتَّقُوا اللّهَ...

الأنفال:69

22- فَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَ اشْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ... النّحل:114

23- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً... يونس:59

24- وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ... النّحل:116

25- كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ... آل عمران:93

26- فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ... النّساء:160

27- ...وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ...

آل عمران:50

28- أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ... المائدة:96

تحلّة الأيمان

29- قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَ اللّهُ مَوْلاكُمْ... التّحريم:2

إحلال البيع

30- وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا...

البقرة:275

محلّ الهدى و الحلّ من الإحرام و الحرم

31- وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ

البقرة:196

32- هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ الفتح:25

33- لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحجّ:33

ص: 639

34- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ وَ لاَ الشَّهْرَ الْحَرامَ... وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا المائدة:2

35- يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَ يُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللّهُ... التّوبة:37

الحلول و الإحلال في شيء

36 و 37- فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ هود:39

الزّمر:40

38- كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى

طه:81

39- أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي طه:86

40- ...تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ... الرّعد:31

41- لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ* وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ البلد:1،2

42- اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ...

فاطر:35

43- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ إبراهيم:28

حلّ العقدة

44- وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي طه:27

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه المادّة جاءت بأربعة معان:

الحلّ ضدّ الحرمة،و الحلول و الإحلال،و الحلّ ضدّ العقد، و الحلّ ضدّ الإحرام،ففيها أربعة محاور:

المحور الأوّل:الحلّ ضدّ الحرمة و جاء في مواضع:

الموضع الأوّل:إحلال النّساء للرّجال و ما يتعلّق بهنّ(1-11)ففيه بحثان:

البحث الأوّل:في النّكاح نفسه،و فيها 7 آيات:

أ- فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ و فيها بحوث:

1-جاءت هذه الآية بعد اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ... فيعدّ فَإِنْ طَلَّقَها تطليقة ثالثة عند الأكثر،و خالفهم بعض بأنّها تفسير ل تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ فليست ثالثة،و الحقّ الأوّل.

2-نكاحها بعد التّطليقة الثّالثة للزّوج الأوّل ليس حراما مؤبّدا-كما هو كذلك بعد تسع تطليقات-بل موقّت إلى أن تنكح زوجا غيره،فإن نكحته و طلّقها تحلّ للأوّل،كما قال: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا.

3-نسب النّكاح في حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ إلى الزّوجة،فهي الّتي تنكح الزّوج،كما هو المعمول به في عقد النّكاح دون العكس،و إن صحّ أيضا،و هذا مزيّة للنّساء أيّ مزيّة فأمر النّكاح بيد النّساء،و أمر الطّلاق بيد الرّجال،و النّكاح مطلوب مرغوب إليه،و الطّلاق مبغوض مرغوب عنه.

ص: 640

4-دلّ حَتّى تَنْكِحَ على أنّ النّكاح لها بغير وليّ جائز،لأنّها ثيّبة،بخلاف الباكرة.

5-و فيها نكتة لطيفة لم ينبّهوا لها،و هي أنّ دوام نشوزها لزوجها حتّى انتهى إلى ثلاث تطليقات ربّما يكشف عن ميلها إلى رجل آخر تستحيي إظهاره، و بعدها تترك لتنكح من لها ميل إليه؛فإن بقيت معه،فهو و إلاّ فلها الرّجوع إلى زوجها الأوّل،فلا يجوز للزّوج الأوّل إجبارها على النّكاح بمن يريد هو ليحلّلها لنفسه، كما قد يصدر عن النّاس.

6-قال الطّبرسيّ(1:330):«و إنّما أوجب اللّه ذلك لعلمه بصعوبة تزوّج المرأة على الرّجل حتّى لا يعجلوا بالطّلاق،و أن يتثبّتوا.قال أبو مسلم:و هذا من الكنايات الفصيحة و الإيجاز العجيب».

7-قال الطّبرسيّ أيضا(1:331):«و تدلّ الآية على أنّه إذا طلّقها الثّالثة فلا تحلّ له إلاّ بعد شرائط:

الزّوج الثّاني،و وطؤه في القبل،و فرقته،و انقضاء عدّتها،و صفة الزّوج الّذي يحلّل المرأة للزّوج الأوّل أن يكون بالغا و يعقد عليها عقدا صحيحا».

و عندنا أنّ هذه الشّرائط مستفادة من الشّروط العامّة للزّواج دون هذه الآية،و يضاف إليها شرط إتمام العدّة من الزّوج الأوّل المستفاد منها شرط الزّوج الثّاني صراحة،و«أن يجامعها»على خلاف.قال الطّبرسيّ:

«اختلف في ذلك،فقيل:العقد علم بالكتاب،و الوطء بالسّنّة عن الجبّائيّ.و قيل:بل كلاهما علم بالكتاب،لأنّ لفظ«النّكاح»يطلق عليهما،فكأنّه قيل:حتّى يتزوّج و يجامعها الزّوج،و لأنّ العقد مستفاد بقوله: زَوْجاً غَيْرَهُ و النّكاح مستفاد بقوله: حَتّى تَنْكِحَ».

و فيه أوّلا:أنّ النّكاح يأتي بمعنى العقد أو الوطء متفرّقا لا مجتمعا،فلا يجوز حمل(لا تنكح)على العقد و الوطء معا.

و ثانيا:أنّ(تنكح)منسوب إلى المرأة،و الجماع إلى الرّجل،فلا يجوز حمله على الجماع.مع أنّنا في غنى عن هذا البحث بعد العلم باشتراط الوطء بالسّنّة.و للفخر الرّازيّ(5:112)فيه كلام طويل مع ما فيه من النّظر.

لاحظ ن ك ح:«تنكح».

8-و اختلفوا في كفاية«التّحليل»بدل النّكاح على أقوال،و لا مجال له أصلا،لأنّ«التّحليل»خاصّ بالإماء دون الحرائر،و لأنّ(تنكح)منصرف إلى عقد النّكاح دون التّحليل.

9-عبّر عن النّكاح بالزّوج الأوّل بعد التّطليقات الثّلاث بلفظ أَنْ يَتَراجَعا ترغيبا إلى الصّلح بينهما بتذكار ما كان بينهما من الوداد و الأنس سابقا،و ليس المراد منه صرف الرّجوع بلا عقد جديد كما في المعتدّة رجعيّا.و«التّراجع»للمشاركة كالتّصالح،و هذا كاشف عن اختيارهما الرّجوع بحرّيّة و حزم،بلا ضغط لأحدهما على الآخر،و عن تحكيم روح السّلم و السّلام عليها،ندما على ما سبق بينهما من الخصومة و الشّقاق و الطّلاق.و في الآية بحوث أخرى،لاحظ«ن ك ح،و، ط ل ق».

ب-(5) إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ

ص: 641

و فيها بحوث أيضا:

1-إنّهنّ حرام على أزواجهنّ الكفّار،و إن لم يطلّقوهنّ فقد فرّق النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بينهما بلا طلاق.

2-لما ذا كرّر عدم الحلّ من الجانبين: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ مع أنّ أحدهما يكفي عن الآخر؛إذ الحرمة من جانب تلازم الحرمة من الجانب الآخر؟

و أجيب:بأنّ فائدته التّصريح بأنّ الإيمان من الجانبين شرط في الحلّيّة،فبانتفائه من جانب ينتفي الحلّيّة من الجانب الآخر،و بأنّ التّكرير للمطابقة و المبالغة و التّأكيد،أو لبيان استمرار الحكم فيما يستقبل ما لم يؤمن أزواجهنّ،أو الأوّل لحصول الفرقة و زوال النّكاح الأوّل،و الثّاني للمنع عن الاستئناف بنكاح جديد،أو للإشارة إلى أنّه لا أثر لاعتقاد المشرك أنّها ما زالت في عصمته.

و فيه من أنواع البديع ما سمّاه بعضهم ب«العكس و التّبديل»مثل هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ البقرة:187.

قال الطّباطبائيّ: «مجموع الجملتين كناية عن انقطاع علقة الزّوجيّة،و ليس من توجيه الحرمة إليهنّ و إليهم في شيء».

3-قيل:قوله: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ يكفى عن هاتين الجملتين؟

و أجيب بأنّه لا يفيد ارتفاع الحلّيّة من الجانبين، فجاء بهما تصريحا بالمقصود،و رفعا للإبهام.

4-ما وجه الاختلاف بين الجملتين وصفا و فعلا:

حِلٌّ لَهُمْ و يَحِلُّونَ لَهُنَّ؟

و أجيب بما مرّ من أنّ الوصف لثبوت زوال النّكاح السّابق،و الفعل المضارع لاستمرار الحكم فيما يستقبل.

5-قال الصّابونيّ: «فيه إشارة إلى أنّه لا صلة بين الإيمان و الكفر،فإذا أسلمت الزّوجة و زوجها كافر حرّمت عليه لعدم التّجانس بينهما،فهي مؤمنة و هو كافر.

6-قالوا:لو آمن أزواجهنّ بعدهنّ لرجعن إليهم بالنّكاح الأوّل،كما ردّ النّبيّ عليه السّلام زينب ابنته إلى زوجها بعد أن آمن بلا عقد جديد.

7-يبدو أنّ هذا الحكم نسخت ما كان قبله في أوّل الأمر من استمرار العلقة بين زوجين مؤمن و كافر،أو أنّه خاصّ بالمؤمنات المهاجرات دون الّتي لم تهاجر كما يأتي.

8-هذا الحكم كالاستثناء ممّا عاهد النّبيّ المشركين في الحديبيّة بأنّ من أتاه من أهل مكّة ردّه عليهم،و نزلت الآية بشأن سبيعة بنت الحارث.لاحظ الطّبرسيّ(4:

273).

9-جاء في إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ أمران:الإيمان و الهجرة،فهل الباعث على الفرقة الإيمان أو الهجرة،أو هما معا؟اختار أبو حنيفة،الثّاني،و قال:

الّذي فرّق بينهما اختلاف الدّارين،أي الهجرة.و قال بعضهم بالأوّل،لأنّه ظاهر الآية،و لا فرق بين الدّارين لا في الكتاب،و لا في السّنّة،و لا في القياس،إنّما الملاك الإيمان.

ص: 642

و لو قيل:إنّ الفارق بينهما مجموع الإيمان و الهجرة كان موافقا لظاهر الآية إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ، مضافا إلى أنّه عليه السّلام لم يفرّق بين زوجين بقيا بمكّة أحدهما مؤمن و الآخر كافر،لا قبل الهجرة و لا بعدها.لاحظ ه ج ر:«المهاجرات».

ج-(9) وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ و فيها بحوث أيضا:

1-هذه عطف على ما قبلها في الآية من النّساء المحرّمات،أي يحرم نكاحهنّ على الأب.

2-(حلائل)جمع حليلة،فهي«فعيلة»بمعنى فاعلة أو مفعولة.و سمّيت زوجة الابن حليلة،لأنّها إمّا من الحلّ ضدّ الحرمة؛حيث يحلّ له منها الجماع،فهي بمعنى المحلّلة.

و إمّا من«الحلول»لشدّة اتّصال كلّ منهما بالآخر و كأنّهما يحلاّن في ثوب واحد،أو كلّ منهما حالّ في قلب صاحبه و في روحه،أو تحلّ معه في فراش واحد أو في منزل واحد،أو تحلّ معه حيث حلّ،و عليه فهي بمعنى الحالّة،و الذّكر«حليل»فهما حليلان.

و إمّا من الحلّ ضدّ العقد،لأنّ كلّ واحد منهما يحلّ إزار صاحبه.

هذه مجموع ما ذكروه في وجه التّسمية.و عندنا أنّ الأوّل،أي المحلّلة هو الأقرب إلى الأمر المبحوث عنه في الآية من حرمة النّكاح،و الوجوه الأخرى لا تخلو عن تكلّف.

3-قالوا بشمولها لأبناء الأبناء و إن سفلوا،لأنّهم أبناء الرّجل،و أمّا حلائل الأبناء من الرّضاعة فتحرمنّ بعموم«يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب»لا بهذه الآية،فإنّها خاصّة بالنّسب؛حيث قال: اَلَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ، و تخرج بها امرأة من يتبنّاه الأب،لأنّه ليس من صلبه.

4-قالوا بحرمتها عليه تحريما مؤبّدا بنفس العقد، سواء دخل بها الابن أو لم يدخل،لإطلاق الآية-مع أنّه قيّد به في الرّبائب-و لم يقيّد بالسّنّة أيضا.

5-اختلفوا في نكاح الأب جارية الابن فأجازه أبو حنيفة لاختصاص الآية بالزّوجة،و الجارية ليست زوجة،و منعه الشّافعيّ،لأنّها حليلة أيضا،و كذلك الفخر الرّازيّ مصرّحا بأنّه لا فرق بين أن تكون الحليلة من الحلال بمعنى المحلّلة،لأنّ الجارية محلّلة على الابن،أو من«الحلول»إذ لا شكّ أنّ الجارية محلّ حلول سيّدها- بكلّ ما تقدّم من الوجوه-.

و الحقّ أنّ الحليلة لغة هي الزّوجة،فلا تعمّ الجارية إلاّ أن تكون الجارية موطوءة الابن ملكا أو نكاحا أو زناء،فهي حرام على الأب بالسّنّة،لا بالآية،على تأمّل في النّكاح؛إذ لا فرق في المنكوحة بين كونها حرّة أو أمة.

و لقائل أن يقول التّعبير ب«الحلائل»دون الزّوجة لتشمل الجارية،كما ذهب إليه الشّافعيّ.

6-قال ابن عاشور في وجه العدول عن(ما نكح أبناؤكم)أو(نساء أبنائكم)إلى (حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) :«إنّها تفنّن لتجنّب تكرير اللّفظين السّابقين-حيث قال قبلها:

وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ و أُمَّهاتُ

ص: 643

نِسائِكُمْ -و إلاّ فلا فرق في الإطلاق بين الألفاظ الثّلاثة،و قد سمّي الزّوج أيضا بالحليل،و هو يحتمل الوجهين-أي أن تكون بمعنى الفاعل أو المفعول-كذلك، و تحريم حليلة الابن واضح العلّة كتحريم حليلة الأب».

و نقول:الألفاظ في هذه الآية و ما قبلها و ما بعدها- ممّا تحمل حكم النّكاح-وقعت موقعها بكمال الدّقّة، و هذا التّعبير(حلائل ابنائكم)يعمّ بظاهره كلّ من حلّ للابن وطؤها من النّساء و لا يختصّ بالزّوجة-كما سبق- و لعلّه الباعث على التّبديل المشار إليه.و هذا يؤيّد القول بشمولها للجارية-كما قالوا بالتّعميم في ما نَكَحَ آباؤُكُمْ -على خلاف بينهم في المراد بالنّكاح فيها أ هو العقد،أو الوطء،أو هما معا؟لاحظ«ن ك ح».

د-(10) وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ و فيها بحوث أيضا:

1-اختلفت القرّاء في(احلّ)معلوما و مجهولا،و هما قراءتان مستفيضتان غير مختلفي المعنى عند الطّبريّ.

2-اختلفوا في المعطوف عليه فيها على قولين:

أحدهما:عن الزّمخشريّ حيث فرّق بين المعلوم و المجهول،فقال:إن قرئ(احلّ)معلوما فهو عطف على «كتب»المقدّر في كتاب اللّه،أي كتب كتاب اللّه و أحلّ ما وراء ذلك،مستشهدا بقراءة اليمانيّ: (كتب اللّه) بدل كِتابَ اللّهِ، و إن قرئ(احلّ)مجهولا،فهو عطف على صدر الآية قبلها حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ.

و ثانيهما:القول بعدم الفرق بينهما،و أنّها عطف على (حرّمت)في صدر الآية.قال أبو حيّان ردّا على الزّمخشريّ: «و لا فرق في العطف بين أن يكون الفعل مبنيّا للفاعل أو للمفعول،و لا يشترط المناسبة-أي بين المعطوف و المعطوف عليه في كونهما معلوما أو مجهولا-إلى أن قال:إنّ انتصاب كِتابَ اللّهِ إنّما هو انتصاب المصدر المؤكّد لمضمون الجملة السّابقة،من قوله:

(حرّمت)فالعامل فيه و هو«كتب»إنّما هو تأكيد لقوله:

(حرّمت)فلم يؤت بهذه الجملة على سبيل التّأسيس للحكم...».

و نقول:من نظر في الآيتين 23 و 24 من سورة النّساء ابتداء ب حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ، و انتهاء ب وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ لا يشكّ في أنّ اللّه أحصى المحرّمات فردا أو جمعا في أربع عشرة صنفا،ثمّ قال:

كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ أي من ذكرت من المحرّمات كتاب من اللّه،أي فرض و حتم،و بذلك انتهت المحرّمات،ثمّ قال: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ و هو عطف على (حرّمت)سواء قرئ(احلّ)معلوما أو مجهولا،و إن كان المجهول أنسب ب(حرّمت)،و وجها لترجيح القراءة مجهولا.

3-ذيل الآية: ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ... راجع إلى شروط النّكاح و الإحصان.لاحظ«ن ك ح،و،ح ص ن».

ه-(6-8)ثلاث آيات فيمن حلّت أو حرّمت من النّساء على النّبيّ عليه السّلام:

الأولى:(6) إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ... و فيها بحوث:

ص: 644

1-هذه إحدى الآيتين جاءتا في سورة الأحزاب فيما أحلّت له من النّساء أو حرّمت عليه،و الأخرى جاءت بعدها لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ... فاختلفوا فيهما على قولين:

أحدهما:أنّ آية التّحريم متأخّرة عنها حكما،كما أنّها متأخّرة عنها قراءة،و هذا ما يقتضيه السّياق، و عليه فلا بدّ أن لا يكون النّبيّ نكح بعدها امرأة.

ثانيهما:أنّ آية التّحريم متقدّمة نزولا،و هذه متأخّرة عنها،نسخت حكم التّحريم بشهادة ما جاء في السّنّة،من أنّ نكاح النّساء أحلّت له إلى آخر حياته، و قد نكح بعدها«ميمونة»بنت الحارث الهلاليّة خالة ابن عبّاس.و العهدة في ذلك على ما جاء في سيرته بشأن أزواجه،كما في كتاب«الطّبقات»لابن سعد(ج 1:

499)و غيره من كتب المغازي و السّير،فلاحظ.

و أضاف القرطبيّ«أنّ الإحلال يقتضي تقدّم حظر، و لم تكن زوجاته محرّمات عليه في حياته،و لأنّه جاء في الآية وَ بَناتِ عَمِّكَ وَ بَناتِ عَمّاتِكَ... و لم تكن تحته واحدة منهنّ،فهذا دليل على أنّها متأخّرة حكما عن آية التّحريم»فلاحظ.

2-أضاف البيضاويّ أنّ تقييد الإحلال بإعطائها الأجور أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ليس لتوقّف الحلّ عليه،بل لإيثار الأفضل،و هو التّعجيل في إعطاء أجورهنّ،كتقييد إحلال المملوكة في هذه الآية بما أفاء اللّه عليه: وَ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمّا أَفاءَ اللّهُ عَلَيْكَ لغلبة ذلك على ما ملكت يداه،لا لاختصاص الحكم بها.

و كذلك تقييد بنات عمّه و غيرها فيها بكونها مهاجرات:

اَللاّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ لا لاختصاص الإحلال بهنّ.

و يحتمل الاختصاص بهنّ لحديث أمّ هاني بنت أبي طالب؛حيث دلّت أنّها كانت محلّلة للنّبيّ عليه السّلام ثمّ حرّمت عليه ب اَللاّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ، لاحظ نصّ البيضاويّ.

3-إسناد الإحلال-و معناه الإباحة و الحلّ-إلى اللّه أَحْلَلْنا لَكَ دالّ على أنّ التّحريم و التّحليل و كلّ تشريع خاصّ باللّه،كما قال: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يوسف:40،و يحتمل أنّه تشريف و فضل للنّبيّ عليه السّلام، بأنّ اللّه زوّجهنّ إيّاه،و هذا قريب.

الثّانية(7): لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ... و قد مضى الكلام فيها آنفا.و الكلام في ذيلها: وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ موكول إلى«ب د ل-تبدّل».

الثّالثة(8): لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ، و قد سبق الكلام فيها في«ح ر م-تحرّم».لاحظ«ز و ج،و،ن س ء-أزواج النّبيّ و نساءه».

هذا كلّه في البحث الأوّل من آيات إحلال النّساء.

البحث الثّاني فيما يتعلّق بنكاح النّساء من الأحكام،و هي 4 آيات:

الأولى(2): لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ هذه من جملة أحكام الطّلاق في وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ... لاحظ ط ل ق:«المطلّقات»، و ك ت م:«يكتمن»،و،ر ح م:«ارحامهنّ».

ص: 645

الثّانية(3): وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً، هذه أيضا من جملة أحكام الطّلاق، متعلّقة بالمهر،تقول:لا يجوز للزّوج أخذ شيء من مهرها إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه،فيأخذ ما أفدت به.و هذا خاصّ بطلاق الخلع.لاحظ«ط ل ق،و«ح د د».

الثّالثة(4): لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً، اختلفوا في معناها حسب اختلاف شأن النّزول.قال الطّبرسيّ(2:24):«أي نكاح النّساء(كرها)على كره منهنّ-أي ترثوا أصل نكاحهنّ بعد موت زوجها-.

و قيل:ليس لكم أن تحبسوهنّ على كره منهنّ طمعا في ميراثهنّ.و قيل:ليس لكم أن تسيئوا صحبتهنّ ليفتدين بما لهنّ،أو بما سقتم إليهنّ من مهورهنّ،أو ليمتن فترثوهنّ».

و عندنا أنّ شيئا ممّا نقل في نزولها لم يثبت،و الأوّل و هو إرث نكاح النّساء أضعف الوجوه،و الظّاهر أنّها نزلت ترغيبا إلى حسن معاشرة الزّوج زوجتها،و لا يجحف بها،بأن يعاملها بسوء لتموت و يرثها.

و الثّاني أي حبسهنّ طمعا في ميراثهنّ.هو الأوفق للسّياق.

و أمّا الثّالث فهو مذكور بعدها وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ، و ذيل الآية شاهد على ما ذكرنا وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً لاحظ ع ش ر:«عاشروهنّ».

الرّابعة(11): أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ لاحظ ص و م:«الصّيام»و،ر ف ث:

«الرّفث».

الموضع الثّاني:إحلال الطّعام و تحريمه(12- 27)و هي أمور:

1-أحلّت الطّيّبات 5 مرّات(12-15 و 26)و قد جاءت الطّيّبات مقابل تحريم الخبائث في(13)و هي كالتّفسير للطّيّبات.لاحظ ط ي ب:

«الطّيّبات»و خ ب ث:«الخبائث».

2-أحلّ أكل ما في الأرض أو ما غنمتم حلالا طيّبا 4 مرّات:(19-22)و هي مؤيّدة لآيات الطّيّبات.

لاحظ ح ر م:«ما حرّم من الطّعام».

3-أحلّت الأنعام مرّتين(17 و 18)لاحظ ن ع م:

«الأنعام».

4-أحلّ طعام أهل الكتاب كما أحلّ طعام المسلمين لأهل الكتاب.و البحث في طعام أهل الكتاب طويل، لاحظ النّصوص.

5-جاءت إدانة المشركين على تشريع الحلال و الحرام كذبا في آيتين(23 و 24).

6-جاء ما حرّم على بني إسرائيل و ما أحلّ لهم في 3 آيات(25-27).

7-أحلّ صيد البحر و طعامه على المحرم في(28).

الموضع الثّالث:تحلّة الأيمان(29) قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ و فيها بحوث:

1-«التّحلّة»كالتّحليل مصدر،نظير تعلّة و تعليل، و تذكرة و تذكير،و تبصرة و تبصير،و تكرمة و تكريم.

ص: 646

و أصلها:تحللة.

2-و هي إمّا بمعنى التّحليل ضدّ التّحريم؛إذ بها تحلّ ما حرّم باليمين،أو بمعنى الانحلال،لأنّها كفّارة اليمين و تنحلّ بها اليمين.و قد فسّروها بكفّارة أيمانكم،فقيل:

إنّها إشارة إلى كفّارة الأيمان في سورة المائدة:89 فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ، و يؤيّدها قراءة (كفّارة ايمانكم،) و هذا أحد معنيين لها عند الزّمخشريّ.

و ثانيهما عنده:أنّها الاستثناء في اليمين بقوله:«إن شاء اللّه»عقيبها حتّى لا يحنث،من قولك:«حلّل فلان في يمينه،إذا استثنى فيها».

و احتمل الفخر الرّازيّ أنّها بمعنى الشّيء القليل،كما ورد في الحديث:«لن يلج النّار إلاّ تحلّة القسم»أي زمانا يسيرا.و لكن هذا المعنى لا يستقيم في الآية،و الأوّل هو الأقرب،كما روي أنّ النّبيّ أعتق رقبة و عاد إلى«مارية» و قد حرّمها عليه باليمين،فأحلّ بالكفّارة ما حرّمه باليمين.

الموضع الرّابع:إحلال البيع،لاحظ ب ي ع:

«البيع»،و،ر ب و:«تحريم الرّبا».

المحور الثّاني:الحلول و الإحلال جاءا في مواضع أيضا:

الموضع الأوّل:حلول العذاب آيتان(36 و 37) بلفظ واحد وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ و فيهما بحوث:

1-أنّ الآيتين مكّيّتان،جاءت الأولى في سورة هود نقلا عن نوح لقومه،خلال آيات بدءا ب 25 وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ...، و انتهاء ب 49 تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ.... حيث قال:39 فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ. و جاءت الثّانية في سورة الزّمر:39، 40،نقلا عن نبيّنا عليه السّلام قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ.

2-كلتا الآيتين احتجاج منهما على قومهما بإزاء ما صدر منهم في حقّهما،فقوم نوح كانوا يسخرون منه وَ يَصْنَعُ الْفُلْكَ وَ كُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنّا فَإِنّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ... هود:38،39.

و قوم النّبيّ عليه السّلام كانوا يخوّفونه بالأصنام اللاّتي كانوا يعبدونها: وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ -إلى أن قال- قُلْ أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ* قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ... الزّمر:36-39.

3-هناك فرق بين الآيتين-مع وحدة لفظهما-في أنّ قوله: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ في الأولى وقع صدرا للآية، و في الثّانية ذيلا لما قبلها،ثمّ ابتدأت الآية بعدها ب مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ، من غير فرق في المعنى،فإنّ مَنْ يَأْتِيهِ مفعول ل(تعلمون)فيهما.

و لا نرى وجها لهذا الانفصال سوى رعاية رويّ الآيات في الزّمر حسب الأغلب،و لا سيّما فيما قبلها:

اَلْمُتَوَكِّلُونَ.

ص: 647

4-قد نرى فيهما أنّ نوح و النّبيّ-أوّل الرّسل و آخرهم-عليه السّلام خاطبا قومهما بخطاب واحد،إشعارا بوحدة الكلمة و المرمى و المصير بينهما و بين قومهما أيضا.

و كم له من نظير بين الأنبياء عليهم السّلام من التّركيز على اشتراكهم قولا و عملا و هدفا في القرآن.لاحظ سورة الشّعراء الآيات رقم 105-176: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ...

كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ...

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ...

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ...

كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ...

و هذا إن دلّ على شيء يدلّ على أنّ دين اللّه واحد، و أنّ الرّسل جميعا يدعون إلى هذا الدّين الواحد،و يقفون صفّا واحدا أمام أممهم،و كذلك أممهم أمامهم.

5-قرأت في آية هود(يحلّ)بكسر الحاء و بضمّها- و لم يصلنا الخلاف في آية الزّمر-.قال أبو عبيدة في(38) فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي...، يقال:«حلّ يحلّ»إذا وجب،و«حلّ يحلّ»إذا نزل،و قال الفخر الرّازيّ هنا:

«أي يجب عليه و نزل به».فكأنّه فسّرها على القراءتين معا.

و قال الزّمخشريّ: «إنّ العذاب يحلّ عليه حلول الدّين،و الحقّ اللاّزم لا انفكاك له عنه».و زاد البروسويّ:«ففي الكلام استعارة مكنيّة حيث شبّه العذاب الأخرويّ-الّذي قضى اللّه تعالى به في حقّهم- بالدّين المؤجّل الواجب الحلول،و أثبت له الحلول الّذي هو من لوازمه».

6-و قد كرّر فيهما«عذاب»منكّرا مرّتين موصوفا بوصفين(يخزيه)و(مقيم)،و فاعلا لفعلين يَأْتِيهِ عَذابٌ و يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ كلّ ذلك لمزيد التّهويل و تشديد العذاب.لاحظ ع ذ ب:«العذاب».

الموضع الثّاني:حلول الغضب 3 مرّات في آيتين:(38 و 39)و فيهما بحوث:

1-كلتاهما في سورة طه المكّيّة خطابا إلى بني إسرائيل.

أولاهما:خطاب إليهم من اللّه بعد دخولهم الصّحراء و قبل صعود موسى الطّور: يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى* كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى.

و أخراهما:خطاب إليهم من قبل موسى عليه السّلام بعد نزوله من الطّور،و رجوعه إليهم: فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي.

ص: 648

2-فإذا طابقنا بين الآيتين نرى أنّ فيهما وعدا من اللّه(39) وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ، و(40) يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً، و الأوّل نصّ الوعد بلسان اللّه،و الثّاني خبر عنه بلسان موسى.و في ذيل الثّانية وعد آخر من موسى أيضا فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي... فهل هذا نفس وعد اللّه نسبه موسى إلى نفسه،لأنّه بلّغه إليهم،أو هو وعد آخر وعدهم موسى من عند نفسه استلهاما من وعد اللّه؟لاحظ و ع د:

«واعدنا و موعدى».

3-جاء حلول الغضب في الثّانية مرّة يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ، و في الأولى مرّتين فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي، في صورة قياس مركّب من صغرى و كبرى تأكيدا و تهويلا،و هي الأصل للثّانية -كما سبق-فهي تعبير عن تلك فتضمن تلك التّأكيد و التّهويل أيضا.

و هذا عكس«الوعد»حيث جاء في الأولى مرّة، و في الثّانية مرّتين توافقا بين الوعد و الغضب،و إشعارا بإيفاء الوعد من اللّه من دون خلف،نقضا لخلفهم في فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي.

4-اختلفت القراءة بكسر الحاء و ضمّها في(يحلّ)، و بكسر اللاّم و ضمّها في(يحلل)و معناهما يجب و ينزل- كما سبق-في(37 و 38).قال الفرّاء في فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي: «الكسر فيه أحبّ إليّ من الضّمّ»،مستدلاّ بأنّ معنى(يحلّ)بالضّمّ الوقوع،و بالكسر الوجوب.

«و قد جاء التّفسير بالوجوب لا بالوقوع،و كلّ صواب إن شاء اللّه.و في قراءة (و لا يحلّنّ عليكم غضبى و من يحلل عليه) مضمومة-إلى أن قال-فإذا قلت:حلّ بهم العذاب،كانت يحلّ بالضّمّ لا غير،فإذا قلت:(على)أو قلت:(يحلّ لك)كذا و كذا،فهو بالكسر».

و قد صوّب الطّبريّ القراءتين،لأنّهما قراءتان مشهورتان،و قال:«فسواء قرئ ذلك بالوقوع أو بالوجوب،لأنّهم كانوا قد خوّفوا المعنيين كليهما».

و ذكر الطّبرسيّ في الحجّة على القراءتين-الكسر و الضّمّ-ما حاصله في الكسر:أنّ«حلّ»بمعنى المباح خلاف«الحظر»،فمعنى(يحلّ عليكم):ينزل بكم و ينالكم بعد ما كان ذا حظر و حجر و منع،و في الضّمّ:أنّ الغضب لمّا تتبعه العقوبة و العذاب جعله بمنزلة العذاب، فقال:(يحلّ)أي ينزل،بمنزلة قولهم:«حلّ بالمكان»كما قال: أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ الرّعد:31،فكما أخبر عن العذاب بأنّه يحلّ بهم،كذلك أخبر عن الغضب بمثله،و جعله بمنزلته،لأنّه يتبعه و يتّصل به.

و قال الآلوسيّ: «أصله من الحلول،و هو في الأجسام،ثمّ استعير لغيرها،و شاع حتّى صارت حقيقة فيه-إلى أن قال-:و وصف ذلك بالحلول،حقيقة على بعض الاحتمالات،و مجاز على بعض آخر».

و قد حكى عن«الانتصاف»ما حاصله:أنّ وصفه بالحلول لا يتأتّى على تقدير أن يراد إرادة العقوبة، و يكون بمنزلة قوله عليه السّلام:«ينزل ربّنا إلى السّماء الدّنيا» أي أثر ربّنا،أو عبّر عن حلول أثر الإرادة بحلولها تعبيرا عن الأثر بالمؤثّر،نظير انظر إلى قدرة اللّه يعني أثر

ص: 649

القدرة.

و عندنا أنّ حلول الغضب بهم سواء كان حقيقة أو مجازا دالّ على اللّزوم و القرار،مثل استقرار شيء في شيء،فيفيد التّأكيد البليغ من غير فرق بين القراءتين.

و كذلك حلول العذاب تأكيد للزومه.

الموضع الثّالث الحلول في المكان و نحوه،و آياته صنفان:صنف من باب الإفعال صريح في هذا المعنى، و صنف من المجرّد مردّد بينه و بين غيره.

و الصّنف الأوّل آيتان:(43 و 44)إحداهما:فضل من اللّه للمؤمنين في الجنّة،و الأخرى:هلاك من قبل النّاس للكافرين في النّار،فكلتاهما وصف للدّار الآخرة.

فالأولى حكاية قول أهل الجنّة بعد دخولها:

وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ* اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ فاطر:

34-35.

و الأخرى وصف لأهل النّار من الّذين أحلّوا قومهم دار البوار: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ إبراهيم 28 و 29.و فيهما بحوث:

1-قال الطّبرسيّ(3:312):«الإحلال وضع الشّيء في محلّ إمّا بمجاورة إن كان من قبيل الأجسام،أو بمداخلة إن كان من قبيل الأعراض».و حيث إنّ الإحلال في الآيتين تعلّق بالمؤمنين و الكافرين،و بالجنّة و النّار،فالإحلال فيهما من قبيل وضع الأجسام بمجاورة،لا من قبيل وضع الأعراض بمداخلة،و إن شئت قلت-نظرا إلى ما تقدّم في معنى الحلول-:إنّه في الآيتين حقيقة،و ليس مجازا.

2-و كيف كان الأمر فالإحلال فيهما دالّ على النّزول اللاّزم الّذي لا يزول،و يومئ إليه دارَ الْمُقامَةِ في الأولى،و بِئْسَ الْقَرارُ في الثّانية،أي كلّ من الفريقين مستقرّ في الدّارين قرارا لازما و دائما.

3-(احلّ)فيهما متعدّ إلى مفعولين،و المفعول الأوّل فيهما ضمير(نا)و(قومهم)،و المفعول الثّاني(دار)مضافة إلى(المقامة)و(البوار)،فكلّ من الفريقين ينزل في دار تناسبه.فالدّاران تختلفان و تضادّان نعمة و نقمة،و راحة و عذابا،حسب حال الفريقين.

4-أمّا الفاعل للفعل(احلّ)فمتفاوت تماما أيضا كالمفعولين،فهو في الأولى الضّمير الرّاجع إلى(الّذي)أو هو وصف للّه ربّهم الموصوف بأنّه أذهب عنهم الحزن، و أنّه غفور شكور،و في الثّانية الضّمير الرّاجع إلى اَلَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً.

5-سياق الأولى نقلا عن المؤمنين حمد و ثناء و شكر للّه و تفضّل منه عليهم،و نفي للنّصب و اللّغوب عنهم، و سياق الثّانية عكس الأولى تماما،فهي إنذار من اللّه للكافرين و تبديل نعمة اللّه و كفران و كفر منهم و بوار، و قرار في جهنّم لهم.

6-لاحظ حسن أدب الفريق الأوّل في جنب اللّه؛ حيث يحمدون اللّه على نعمائه و يصفونه بأنّه غفور

ص: 650

للذّنوب،و شكور للصّالحات،و يعدّون إحلالهم(دار المقامة)من فضل اللّه،لا عن استحقاق منهم.و في المقابل سوء معاملة الفريق الثّاني حيث بدّلوا نعمة اللّه كفرا و كفرانا،و أحلّوا قومهم دار البوار.

الصّنف الثّاني-و هو الحلول من المجرّد-أربع آيات:

الأولى(41) وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ و فيها بحوث:

1-ذكروا في معناها وجوها:

أحدها:عن ابن عبّاس:«أنت نازل بهذا البلد»، و قال الطّوسيّ: «أي أنت فيه مقيم و هو محلّل،و المعنى بذلك،التّنبيه على شرف البلد بشرف من حلّ فيه من الرّسول الدّاعي إلى تعظيم اللّه و إخلاص عبادته،المبشّر بالثّواب،و المنذر بالعقاب،و يقال:رجل حلّ أي حلال،و قالوا:حلّ معناه حالّ أي ساكن»و نحوه الطّبرسيّ و البغويّ و الميبديّ و غيرهم.

و قال ابن خالويه قبل الطّوسيّ: «حلّ في المكان،إذا نزل فيه،يحلّ حلولا فهو حالّ،و المكان محلول فيه».

و قال الماورديّ في رابع وجوه ذكرها:«و أنت حلّ، أي نازل في هذا البلد،لأنّها نزلت عليه و هو بمكّة،لم يفرض عليه الإحرام،و لم يؤذن له في القتال،و كانت حرمة مكّة فيها أعظم و القسم بها أفخم».

و قال ابن عطيّة:«قال بعض المتأوّلين:معناه حالّ ساكن بهذا البلد،و على هذا يجيء قول من قال:هي مكّيّة،و المعنى على إيجاب القسم بيّن-بأن يكون«لا» زائدة-و على نفيه أيضا يتّجه على معنى القسم ببلد أنت ساكنه على أذى هؤلاء القوم و كفرهم،أي لا أقسم بمثل هذا البلد».

و قال الفخر الرّازيّ: «المراد منه أمور،أحدها:

و أنت مقيم بهذا البلد نازل فيه حالّ به،كأنّه تعالى عظّم مكّة من جهة أنّه عليه الصّلاة و السّلام مقيم بها».

و نحوه النّيسابوريّ و البروسويّ،و أضاف هذا:

«قيّد إقسامه بمكّة بحلوله عليه السّلام فيها إظهارا لمزيد فضله، فإنّها بعد أن كانت شريفة بنفسها،زاد شرفها بحلول النّبيّ العظيم الشّريف فيها،فما لا شرف فيه يحصل له شرف بشرف المكين،و ما فيه شرف ذاتيّ يحصل له بشرف شرف زائد،فمحلّ قدمي النّبيّ عليه السّلام كمكّة و المدينة و غيرهما،ينبغي أن يحافظ على حرمته،و قد سمّى عليه السّلام المدينة:طابة،لأنّها طابت به و بمكانه،و فيه تعريض لأهل مكّة،بأنّهم لجهلهم يرون أن يخرجوا منها من به مزيد شرفها،و يؤذوه».

و هذا المعنى-كما قال أبو حيّان-هو الظّاهر،لأنّ السّورة مكّيّة،فهي وصف له عليه السّلام في الحال دون الاستقبال،كما جاء في بعض الوجوه.

ثانيها-عن ابن عبّاس أيضا-:«أحلّ اللّه لك في هذا البلد ما لا يحلّ قبلك و لا بعدك.أحلّ اللّه له يوم دخل مكّة أن يقتل من شاء و يستحيي من شاء،فقتل يومئذ ابن خطل صبرا،و هو آخذ بأستار الكعبة،فلم تحلّ لأحد من النّاس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يقتل فيها حراما حرّمه اللّه...»،و قاله كثير منهم.

ص: 651

و عليه فالآية تعني المستقبل دون الحال.

و عند الزّمخشريّ أنّها في ذلك نظير: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ الزّمر:30،قال:«و مثله واسع في كلام العباد،تقول لمن تعده الإكرام و الحباء:أنت مكرم محبوّ، و هو في كلام اللّه أوسع،لأنّ الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة.و كفاك دليلا قاطعا على أنّه للاستقبال،و أنّ تفسيره بالحالّ محال،أنّ السّورة بالاتّفاق مكّيّة،و أين الهجرة عن وقت نزولها فما بال الفتح؟».

و ردّ عليه أبو حيّان بأنّ هذا لا يسأله من له أدنى تعلّق بالنّحو،و أنّ اسم الفاعل و نحوه لا يتعيّن حمله على الحال،بل يكون للماضي تارة،و للحال أخرى، و للمستقبل أخرى،و أنّ قوله:«و كفاك دليلا قاطعا» ليس بشيء،لأنّا حملناه على أنّه مقيم بها وقت النّزول، لا على أنّه يحلّ لك ما تصنع فيها فيما بعد،و أنّ ما حكاه من الاتّفاق على أنّها نزلت بمكّة فليس بصحيح.و قد حكي الخلاف فيها عن قول ابن عطيّة-إلى أن قال-:

«بل الظّاهر ما ذكرناه أوّلا من أنّه تعالى أقسم بها لما جمعت من الشّرفين:شرفها بإضافتها إلى اللّه تعالى، و شرفها بحضور رسول اللّه و إقامته فيها،فصارت أهلا لأن يقسم بها».

ثالثها:الحلّ بمعنى الحلال أي أنّ الكفّار يحترمون هذا البلد و لا ينتهكون فيه المحرّمات،ثمّ إنّهم مع ذلك و مع إكرام اللّه إيّاك بالنّبوّة يستحلّون إيذاءك،و لو تمكّنوا منك لقتلوك،فأنت حلّ لهم في اعتقادهم لا يرون لك من الحرمة ما يرونه لغيرك.قاله الفخر الرّازيّ،و قال أبو مسلم الأصفهانيّ: «...و أنت حلّ فيه منتهك الحرمة مستباح العرض،لا تحترم،فلم يبق للبلد حرمة حيث هتكت حرمتك».

و قال الزّمخشريّ: «أقسم سبحانه بالبلد الحرام و بما بعده على أنّ الإنسان خلق مخمورا في مكابدة المشاقّ و الشّدائد-إلى أن قال-و من المكابدة أنّ مثلك على عظم حرمتك يستحلّ بهذا البلد الحرام،كما يستحلّ الصّيد في غير الحرم».

و قال القمّيّ: «كانت قريش لا يستحلّون أن يظلموا أحدا في هذا البلد،و يستحلّون ظلمك فيه»،و قال عبده:«إنّ حلاّ هنا بمعنى الحلال لا بمعنى الحلول،أي إنّ أهل مكّة استحلّوا إيذاء الرّسول في البلد الأمين حتّى اضطرّوه إلى الهجرة».

و قد روى الطّبرسيّ هذا المعنى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و اختاره كثير منهم،و هذا المعنى ينسجم أيضا مع كون السّورة مكّيّة،و يحمل على الحال دون المستقبل كالوجه الأوّل.

رابعها:و أنت غير مرتكب في هذا البلد ما يحرم عليك ارتكابه،تعظيما منك لهذا البيت لا كالمشركين الّذين يرتكبون فيه الكفر باللّه،و تكذيب الرّسل.قاله الفخر الرّازيّ،و يحمل أيضا على الحال.

و قد أضاف الفخر الرّازيّ وجها خامسا قريبا من الوجه الأوّل:«أي و أنت من حلّ هذه البلدة المعظّمة و أهل هذا البلد،يعرفون أصلك و نسبك و طهارتك

ص: 652

و براءتك طول عمرك عن الأفعال القبيحة،كما قال:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ الجمعة:2، و لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ التّوبة:128، و فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ يونس:16.

و عندنا أنّ الوجه الأوّل هو الأظهر سياقا و أشرف و أسدّ معنى.و اختاره عزّة دروزة،و مغنية، و الطّباطبائيّ،و بنت الشّاطئ في نصّها الطّويل قائلة:«إنّ الحلول هو المعنى الأصليّ للمادّة»فلاحظ.

2-عندهم خلاف معروف في أنّ القسم في لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ إيجاب أو نفي،فعلى الأوّل(لا) زائدة أي أقسم،و هذا معمول في القسم يقال:(لا و اللّه)،و على الثّاني لها معنى أي لا أقسم به لعظمته،فهذا البلد أعظم و أكبر من أن أقسم به لا سيّما و أنت مقيم به فازدادت عظمته بك،أو لا أقسم به فإنّ أمره آكد و أظهر من أن أقسم به.لاحظ ق س م:«لا اقسم».

3-قال الزّمخشريّ في وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ إنّه اعتراض بين المقسم و المقسم عليه و تبعه النّيسابوريّ.

و أشكل عليه أبو حيّان بأنّ كونها اعتراضيّة لا يتعيّن، و رجّح كونها حاليّة تفيد تعظيم المقسم به،و هو الظّاهر.

هذا تمام الكلام في الآية الأولى من الحلول،و بقيت منها ثلاث آيات(31-33)،و قد جاءت فيها كلمة (محلّ)للهدي في الحجّ: حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، و لكن حكى الفخر الرّازيّ و غيره الخلاف في الأولى،فهو عند الشّافعيّ للزّمان و عند أبي حنيفة للمكان،و قال فيها الفاضل المقداد:«المحلّ بالكسر من الحلّ أي لا تحلقوا حتّى يذبح حيث يحلّ ذبحه،و لو كان من الحلول لقال:(محلّه)بفتح الحاء».

و يظهر من ابن قتيبة و غيره أنّ(محلّ)من حلّ يحلّ،أي الموضع الّذي يحلّ به نحره.و حكى أبو حيّان عن الكسائيّ: «الكسر(محلّ)هو الإحلال من الإحرام، و الفتح هو موضع الحلول من الإحصار،ففيها ثلاثة أقوال.

و عندنا أنّ سياق الآيات الثّلاث واحد،فهو إمّا من الحلّيّة،أو الإحلال،أو الحلول فيها جميعا،و أريد به المكان،و الأخير-أي الحلول-هو الظّاهر.

2-لا خلاف في الأخيرة: ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، و استشهدوا بالثّانية: وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، و هي إشارة إلى حصر الحديبيّة أيضا؛حيث دلّت على أنّ الهدي لم يبلغ محلّه حين ذاك.

لكن يظهر من الزّمخشريّ و غيره أنّ الحديبيّة أسفل مكّة،و هو من الحرم،فليست هذه الآية كالمستثنى من الثّالثة.

3-و بناء على هذا الخلاف يجوز للمحصر عند الشّافعيّ الذّبح في غير الحرم حيث حبس،احتجاجا بأنّ (المحلّ)فيها اسم للزّمان.و عند أبي حنيفة لا يجوز إلاّ في الحرم،لأنّه اسم مكان،فيجب عنده إرسال الهدي إلى الحرم.و الخلاف بين أتباعهما طويل،فلاحظ النّصوص لا سيّما نصّ الجصّاص و الفخر الرّازيّ.

ص: 653

و قال الطّوسيّ: «و عندنا أنّ محلّ الهدي في المحصور بالمرض الحرم،و في المحصور بالعدوّ حيث أحصر».

المحور الثّالث:الحلّ في الحجّ و في الشّعائر، مقابل الإحرام و الحرم،و فيه آيتان:

الأولى:و هي صريحة في معناها(34): يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ وَ لاَ الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لاَ الْهَدْيَ وَ لاَ الْقَلائِدَ وَ لاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْواناً وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَ تَعاوَنُوا... و فيها بحوث:

1-جاء فيها الإحلال و الحلّ مرّتين،و الحرام وصفا للبيت و المسجد ثلاث مرّات،و البحث في(الحرام)مضى في«ح ر م»فراجع،و البحث في الآية هنا في كلمتين:

(لا تحلّوا)،و(اذا حللتم).

2-(لا تحلّوا)قال الطّوسيّ:«أهل الحجاز يقولون:

حللت من الإحرام أحلّ،و الرّجل حلال.و كذلك سعد ابن بكر.و كذا يقولون:حرم الرّجل فهو حرام إذا صار محرما،و قوم حرم.و أسد و قيس و تميم يقولون:أحلّ من إحرامه فهو محلّ و أحرم فهو محرم...»،و نحوه الطّبرسيّ.

و قال أبو السّعود:«و إحلالها أن تتهاون بحرمتها و يحال بينها و بين المتنسّكين بها،و يحدث في أشهر الحجّ ما يصدّ به النّاس عن الحجّ».

و قال القرطبيّ: «أي لا تتعدّوا حدود اللّه في أمر من الأمور».

و قال مغنيّة:«و معنى النّهي عن تحليل أحكام دين اللّه أن نحرّفها و نتصرّف فيها كما نشاء».

و قال الطّباطبائيّ: «الحلّ و الإحلال مجرّدا و مزيدا فيه بمعنى،و هو الخروج من الإحرام».

و قال أيضا:«و الإحلال هو الإباحة الملازمة لعدم المبالات بالحرمة و المنزلة،و يتعيّن معناه بحسب ما أضيف إليه،فإحلال شعائر اللّه:عدم احترامها و تركها،و إحلال الشّهر الحرام:عدم حفظ حرمته و القتال فيه و هكذا».

فنرى أنّهم ترجموا الإحلال تارة بمعناه المصطلح و هو الخروج من الإحرام،و أخرى بمعنى تحليل الحرام و الإباحة الملازمة لعدم المبالات بالحرمة،و كأنّهم قصدوا بذلك إرجاع المصطلح،أي الخروج من الإحرام و هتك حرمة الشّعائر إلى معناه الأصليّ و هو الحلال ضدّ الحرام،و لا بأس به.

3- وَ إِذا حَلَلْتُمْ قال الطّوسيّ:«معناه إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا الصّيد الّذي نهيتكم أن تحلّوه و أنتم حرم».

و قال الفخر الرّازيّ: قرئ (و اذا احللتم) يقال:حلّ المحرم و أحلّ.

و قال النّسفيّ: «خرجتم من الإحرام».

و قال النّيسابوريّ: «أتممتم مناسك الوصول».

و قال أبو السّعود:«تصريح بما أشير إليه بقوله:

وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ من انتهاء حرمة الصّيد بانتفاء موجبها، و الأمر للإباحة بعد الحظر،كأنّه قيل:إذا حللتم فلا جناح عليكم في الاصطياد.و قرئ (احللتم) و هو لغة في«حلّ».و قرئ بكسر الفاء بإلقاء حركة همزة الوصل

ص: 654

عليها،و هو ضعيف».

فنرى أنّهم تارة ترجموا(حللتم)بمعناه المصطلح و هو الخروج من الإحرام و أخرى بلازمه،و هو إتمام مناسك الحجّ.و ذكروا القراءة ب«حلّ و أحلّ»كليهما كما نبّهوا على أنّ الأمر عقيب الحظر للإباحة.

4- وَ إِذا حَلَلْتُمْ كما نبّه عليه الفخر الرّازيّ و أبو حيّان راجع إلى الآية قبلها غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ، أي غير محلّي الصّيد و أنتم حرم،فإذا حللتم فاصطادوا.

5-و لأبي حيّان بحث في نظم هذه الآية ردّا و تشديدا على من ادّعى فيها التّقديم و التّأخير-و لم نعرف من هو-فلاحظ نصّه.

المحور الرّابع:حلّ العقد،آية واحدة(44)نقلا عن موسى عليه السّلام في سورة طه(24-28) اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى* قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي و فيها بحوث:

1-قالوا في معنى(عقدة):رتّة،و هي آفة في اللّسان لم ينطلق معها بحرف من الحروف الهجائيّة،أو كانت مسكة من تمتمة أو فأفأة في اللّسان.لاحظ ع ق د:

«عقدة».

2-قالوا في معنى(احلل)«أبسط رتّة من لساني»، أطلق لساني بالمنطق.و المراد إزالة تلك الآفة عن لسانه.

3-تحدّث الفخر الرّازيّ(22:46)عن فضيلة النّطق بوجوه خمسة،و عن فضيلة الصّمت بوجوه أربعة.

لاحظ«ن ط ق،ل س ن،ص م ت».

4-و تحدّث أيضا(22:47)عن تلك العقدة هل كانت خلقة اللّه في لسانه،فسأل إزالته،أو بسبب أخذه الجمرة و جعلها في فيه،لمّا اختبره فرعون بتوصية زوجته«آسية»حين أخذ موسى لحيته و هو طفل، فلاحظ شرح القصّة.

5-و تحدّث أيضا بتفصيل تبعا للزّمخشريّ عن أنّه هل زالت تلك العقدة بكمالها احتجاجا بقوله: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى طه:36،أو بقي بعضها بشهادة قول موسى: وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً القصص:34،و قول فرعون فيه: وَ لا يَكادُ يُبِينُ الزّخرف:52 و احتجاجا بما روي من أنّه كان في لسان الحسين عليه السّلام رتّة،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ورثها من عمّه موسى».

6-و تحدّث أيضا عن سبب طلبه حلّ تلك العقدة على أربعة وجوه،فلاحظ.و لكن يبدوا الاستغناء عنها بما جاء بعده: يَفْقَهُوا قَوْلِي.

و يلاحظ أخيرا أنّه جاء من هذه المادّة-كما سبق- 27 لفظا 52 مرّة 13 مكّيّة و 38 مدنيّة،فالمدنيّة حوالي ثلاثة أضعاف المكّيّة،و هذا يوافق طبيعة هذه المادّة إذ أصلها-و هي الحلّيّة مقابل الحرمة و بقيّة المعاني ترجع إليها-فيرتبط بالتّشريع،و المدنيّة-كما قلنا مرارا-هي دار التّشريع الإسلاميّ،كما أنّ مكّة كانت دار ترسيخ العقيدة الإسلاميّة.فالانتظام تماما،و المناسبة كاملة قد روعيت فيها فلاحظ و تأمّل.

ص: 655

ص: 656

ح ل م

اشارة

7 ألفاظ،21 مرّة:9 مكّيّة،12 مدنيّة

في 16 سورة:7 مكّيّة،9 مدنيّة

الحلم 2:-2 حليم 11:3-8

أحلام 2:2 الحليم 1:-1

الأحلام:1:1 حليما 3:2-1

أحلامهم 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحلم:الرّؤيا.يقال:حلم يحلم،إذا رأى في المنام.

و في الحديث:«من تحلّم ما لم يحلم»أي تكلّف حلما لم يره.

و الحلم:الاحتلام؛و يجمع على الأحلام،و الفاعل حالم و محتلم.

و الحلم:الأناة؛و يجمع على الأحلام.

و الحلاّم:الجدي.

و أحلام القوم:حلماؤهم؛و الواحد:حليم.و قد حلم الرّجل يحلم فهو حليم.

و الحليم في صفة اللّه تعالى معناه الصّبور.

و من أسماء الرّجال محلّم،و هو الّذي يعلّم غيره الحلم.

و أحلمت المرأة:ولدت الحلماء.

و الأحلام:الأجسام.

و الحلمة-و الجميع:الحلم-ما عظم من القراد.

و أديم حلم:قد أفسده الحلم قبل أن يسلخ،و قد حلم حلما.

و البعير حلم:أفسده الحلم.

و عناق حلمة و تحلمة:أفسد جلدها الحلم.

و حلّمت الإبل:أخذت عنها الحلم.

و الحلمة:شجرة السّعدان،من أفضل المراعي.

ص: 657

و الحلمة:رأس الثّدي في وسط السّعدانة.

و يوم حليمة:وقعة كانت في الجاهليّة.

و محلّم:نهر باليمامة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(3:246)

سيبويه :إذا أراد الرّجل أن يدخل نفسه في أمر حتّى يضاف إليه و يكون من أهله،فإنّك تقول:تفعّل، و ذلك تشجّع،و تبصّر،و تحلّم،و تجلّد،و تمرّأ.(714)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و التّحلّم:السّمن.[ثمّ استشهد بشعر](1:204)

تحلّم الصّبيّ،إذا أقبل شحمه.(الأزهريّ 5:108)

الأخفش: يقال:حلم الأديم يحلم حلما فهو حلم،إذا فسد و تثقّب.[ثمّ استشهد بشعر]

(أبو زيد:224)

أبو زيد :يقال:حلم الرّجل في نومه فهو يحلم حلما،و حلم في الحلم يحلم حلما.(224)

الأصمعيّ: القراد أوّل ما يكون صغيرا قمقامة، ثمّ يصير حمنانة،ثمّ يصير قرادا،ثمّ يصير حلمة.

(الأزهريّ 5:108)

ولد المعز:حلاّم و حلاّن.(الأزهريّ 5:109)

و الحلمة:دودة تقع في جلد الشّاة الأعلى و جلدها الأسفل.(الجوهريّ 5:1903)

الحلاّم و الحلاّن بالميم و النّون:صغار الغنم.(الجوهريّ 5:1904)

نحوه ابن السّكّيت.(الإبدال:78)

الحلمة:نبت من العشب فيه غبرة،له مسّ أخشن، أحمر الثّمرة.(ابن سيده 3:366)

حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما:«إنّه كان ينهى أن تنزع الحلمة عن دابّته».هي القراد الكبير الّذي يكون في الإبل،و الحلمة أيضا:الدّودة تكون بين جلدي الشّاة حيّة،و منه يقال:حلم الأديم،و جلد حلم.

حديث مكحول:«في حلمة ثدي المرأة ربع ديتها» هي رأس الثّدي من الرّجل و المرأة،و هي الهنأة النّاتئة منها.(المدينيّ 1:492)

اللّحيانيّ: و الحلاّم:هو الجدي،و الحمل الصّغير.

(ابن سيده 3:365)

أبو عبيد: الحلم:أن يقع في الأديم دوابّ،فلم يخصّ الحلم.(ابن سيده 3:365)

ابن الأعرابيّ: و حليمات:موضع.

(ابن سيده 3:366)

ابن السّكّيت: و يقال:قتيل حلاّم،أي فرغ باطل.(276)

و قد حلم الرّجل في منامه يحلم حلما.و قد حلم الأديم يحلم حلما،إذا كان فيه الحلمة،و هي دودة في الجلد.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(إصلاح المنطق:199)

الجاحظ:يقال:تحلّم الصّبيّ،إذا بدأ في السّمن، فإذا زاد على المقدار قيل:قد ضبّب،أي سمن سمنا متناهيا.(5:254)

يقال:في الضّبّ حلاّم،و في اليربوع جفرة.

و الجفرة:الّتي قد انتفخ جنباها و شدنت.و الحلاّم:

ص: 658

فوق الجدي،و قد صلح أن يذبح للنّسك.(6:141)

أبو الهيثم:و في الحديث:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أمر معاذا أن يأخذ من كلّ حالم دينارا».أراد بالحالم كلّ من بلغ الحلم،حلم أو لم يحلم،و يقال:حلم في نومه يحلم حلما و حلما؛و احتلم بمعناه.(الأزهريّ 5:107)

الدّينوريّ: الحلمة دون الذّراع،لها ورقة غليظة و أفنان و زهرة كزهرة شقائق النّعمان،إلاّ أنّها أكبر و أغلظ.الحليم:الشّحم المقبل.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 3:365)

الحربيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الرّؤيا من اللّه، و الحلم من الشّيطان».

و جعل الحسن:الرّؤيا و الحلم قبيحا،و قد روي عنه في القبيح رؤيا.قوله:«رأيت كأنّ رأسي قطع»و لم يقل:

حلمت،فأجابه و لم ينكر ذلك.(2:765)

المبرّد: و كان الأحنف بن قيس يقول:«لا تزال العرب عربا ما لبست العمائم و تقلّدت السّيوف،و لم تعدد الحلم ذلاّ،و لا التّواهب فيما بينها ضعة.[إلى أن قال:]

و قوله:و لم تعدّ الحلم ذلاّ يقول:ما عرفت موضع الحلم،و تأويل ذلك أنّ الرّجل إذا أغضى للسّلطان أو أغضى عن الجواب و هو مأسور،لم يقل:حلم،و إنّما يقال:حلم،إذا ترك أن يقول الشّيء لصاحبه منتصرا و لا يخاف عاقبة يكرهها،فهذا الحلم المحض،فإذا لم يفعل ذلك و رأى أنّ تركه الحلم ذلّ،فهو خطأ و سفه.(1:104)

ابن دريد :حلم الرّجل يحلم حلما،و الحلم:ضدّ الطّيش،و الرّجل حليم.

و حلم في نومه حلما،إذا رأى الأحلام.

و حلم أيضا،إذا أجنب.

و غلام حالم،إذا بلغ الحلم.و في الحديث:«غسل الجمعة واجب على كلّ حالم».

و حلم الأديم يحلم حلما،إذا نغل و وقع فيه الحلم؛ واحدته:حلمة،و هي دويبّة تقع في الأديم فتأكله قبل الدّباغ،فإذا وقع لم ينتفع به.

و الحلمة:واحدة الحلم،و هي القردان العظام.

و حلمتا الثّدي:النّاتئتان في طرفه،و هما القرادان أيضا.

و الحلمة:ضرب من النّبت.

و بنو محلمة:بطن من العرب.

و تحلّمت الضّباب،إذا سمنت،و كذلك اليرابيع و ما أشبهها.

و بنو محلّم:قبيلة من العرب.

و الحلاّم:الجدي الصّغير،و هو الحلاّن أيضا.

و حليمة:موضع،و يوم حليمة:يوم مشهور من أيّام العرب بين ملوك الشّام و ملوك العراق،قتل فيه المنذر:إمّا جدّ النّعمان،أو أبوه.

و محلّم:موضع نهر.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(2:188)

و حلاّن و حلاّم،و هو الجدي أو الحمل.[ثمّ استشهد بشعر](3:410)

ابن خالويه :أحلام نائم:ثياب غلاظ.

(ابن منظور 12:145)

ص: 659

الأزهريّ: و في الحديث:«الغسل يوم الجمعة واجب على كلّ حالم»أي على كلّ بالغ،إنّما هو على من بلغ الحلم،أي بلغ أن يحتلم،أو احتلم قبل ذلك.و روي «على كلّ محتلم»أي على كلّ بالغ احتلم أو لم يحتلم.

قال اللّيث:الحلمة:هي شجرة السّعدان،و هي من أفاضل المرعى.

قلت:ليست الحلمة من شجر السّعدان في شيء.

السّعدان:بقل له حسك مستدير ذو شوك كثير إذا يبس آذى واطئه.و الحلمة لا شوك لها،و هي من الجنبة و قد رأيتها،و يقال:للحلمة:الحماطة.

و قال اللّيث:الحلمة:رأس الثّدي في وسط السّعدانة.

قلت:الحلمة الهنيّة الشّاخصة من ثدي المرأة و ثندوة الرّجل،و هي القراد.و أمّا السّعدانة فما أحاط بالقراد ممّا خالف لونه لون الثّدي،و اللّوعة:السّواد حول الحلمة.

و قال اللّيث:محلّم نهر بالبحرين.

قلت أنا:محلّم عين فوّارة بالبحرين،و ما رأيت عينا أكثر ماء منها،و ماؤها حارّ في منبعه،و إذا برد فهو ماء عذب.و لهذه العين إذا جرت في نهرها خلج كثيرة تتخلّج منها،تسقي نخيل جؤاثا و عسلّج،و قريّات من قرى هجر.و أرى محلّما اسم رجل نسبت العين إليه.

و يوم حليمة:أحد أيّام العرب المشهورة،و العرب تضرب به المثل في كلّ أمر متعالم مشهور،فتقول:«ما يوم حليمة بسرّ»و قد يضرب مثلا للرّجل النّابه الذّكر الشّريف.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال ابن الكلبيّ: هي حليمة ابنة الحارث بن أبي شمر،وجّه أبوها جيشا إلى المنذر بن ماء السّماء فأخرجت حليمة لهم مركنا من طيب و طيّبتهم.

قال الأصمعيّ: ولد المعز:حلاّم و حلاّن.

قلت:و الأصل:حلاّن و هو«فعلان»من التّحليل، فقلبت النّون ميما.

شاة حليمة:سمينة.

و يقال:حلمت خيال فلانه فهو محلوم.(5:106)

الصّاحب:و أحلام نائم:ثياب غلاظ مخطّطة.

و بعير حلم:كثير الحلم.و أديم حلم.

و عناق تحلمة-و جمعه تحالم-:كثر عليها الحلم.و في المثل:«أبطأ من حلمة»و«أقطف من حلمة».

و دم حلاّم،أي هدر.

و حلام:حيّ من عدوان.

و الحالوم:اللّبن الّذي يجمّد كالجبن.

و شاة حليمة:سمينة،و تحلّمت الإبل:سمنت.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:121)

الخطّابيّ: و يروى عن بعض الحكماء أنّه سئل:ما الحلم؟فقال:أن تكون ذا أناة،و أن تلاين الولاة.

(1:340)

الجوهريّ: الحلم بالضّمّ:ما يراه النّائم.تقول منه:

حلم بالفتح و احتلم.

و تقول:حلمت بكذا و حلمته أيضا.

و الحلم بالكسر:الأناة.تقول منه:حلم الرّجل

ص: 660

بالضّمّ،و تحلّم:تكلّف الحلم.

و تحالم:أرى من نفسه ذلك و ليس به.

و الحلم بالتّحريك:أن يفسد الإهاب في الغمل، و يقع فيه دود فيتثقّب.تقول منه:حلم الأديم، بالكسر.

و الحلمة:رأس الثّدي،و هما حلمتان.

و الحلمة أيضا:ضرب من النّبت.قال الأصمعيّ:

هي الحلمة و الينمة.

و تحلّم الصّبيّ و الضّبّ،أي سمن و اكتنز.

و بعير حليم،أي سمين.

و الحلمة:القراد العظيم،و هو مثل العلّ؛و جمعها:

حلم.

و الحلمة أيضا:دودة تقع في جلد الشّاة الأعلى و جلدها الأسفل؛هذا لفظ الأصمعيّ،فإذا دبغ لم يزل ذلك الموضع رقيقا.يقال منه:تعيّن الجلد،و حلم الأديم.

و حليمات بضمّ الحاء:موضع،و هنّ أكمات ببطن فلج.

و حلّمت الرّجل تحليما:جعلته حليما.

و الحلاّم:الجدي يؤخذ من بطن أمّه.

و الحالوم:لبن يغلظ فيصير شبيها بالجبن الرّطب و ليس به.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](5:1903)

ابن فارس: الحاء و اللاّم و الميم،أصول ثلاثة:

الأوّل:ترك العجلة،و الثّاني:تثقّب الشّيء،و الثّالث:

رؤية الشّيء في المنام.و هي متباينة جدّا،تدلّ على أنّ بعض اللّغة ليس قياسا،و إن كان أكثره منقاسا.

فالأوّل:الحلم خلاف الطّيش.يقال:حلمت عنه أحلم فأنا حليم.

و الأصل الثّاني:قولهم:حلم الأديم،إذا تثقّب و فسد؛و ذلك أن يقع فيه دوابّ تفسده.

و الثّالث:قد حلم في نومه حلما و حلما.

و الحلم:صغار القردان.

و الحلمة:دويبّة.

و المحمول على هذا حلمتا الثّدي.فأمّا قولهم:تحلّم إذا سمن،فإنّما هو امتلأ كأنّه قراد ممتلئ.

و الحالوم:شيء شبيه بالأقط.و ما أراه عربيّا صحيحا.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:93)

أبو هلال :الفرق بين الصّبر و الحلم:أنّ الحلم هو الإمهال بتأخير العقاب المستحقّ.

و الحلم من اللّه تعالى عن العصاة في الدّنيا،فعل ينافي تعجيل العقوبة من النّعمة و العافية،و لا يجوز الحلم إذا كان فيه فساد على أحد من المكلّفين،و ليس هو التّرك لتعجيل العقاب،لأنّ التّرك لا يجوز على اللّه تعالى،لأنّه فعل يقع في محلّ القدرة يضادّ المتروك،و لا يصحّ الحلم إلاّ ممّن يقدر على العقوبة و ما يجري مجراها من التّأديب بالضّرب،و هو ممّن لا يقدر على ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا يقال لتارك الظّلم:حليم،إنّما يقال:حلم عنه، إذا أخّر عقابه أو عفا عنه،و لو عاقبه كان عادلا.

و قال بعضهم:ضدّ الحلم السّفه،و هو جيّد،لأنّ السّفه خفّة و عجلة،و في الحلم أناة و إمهال.

ص: 661

و قال المفضّل:السّفه في الأصل:قلّة المعرفة بوضع الأمور مواضعها،و هو ضعف الرّأي.

قال أبو هلال:و هذا يوجب أنّه ضدّ الحلم،لأنّ الحلم من الحكمة،و الحكمة وجود الفعل على جهة الصّواب.

قال المفضّل:ثمّ أجري السّفه على كلّ جهل و خفّة، يقال:سفه رأيه سفها.و قال الفرّاء:سفه غير متعدّ،و إنّما ينصب«رأيه»على التّفسير،و فيه لغة أخرى سفه يسفه سفاهة.

و قيل:السّفيه في قوله تعالى: فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً البقرة:282 هو الصّغير،و هذا يرجع إلى أنّه القليل المعرفة.و الدّليل على أنّ الحلم أجري مجرى الحكمة نقيضا للسّفه قول المتلمّس:

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا.

*و ما علم الإنسان إلاّ ليعلما

أي لذي المعرفة و التّمييز.

و أصل السّفه:الخفّة،ثوب سفيه،أي خفيف.

و أصل الحلم في العربيّة:اللّين،و رجل حليم،أي ليّن في معاملته في الجزاء على السّيّئة بالأناة،و حلم في النّوم، لأنّ حال النّوم حال سكون و هدوء.و احتلم الغلام و هو محتلم و حالم يرجع إلى قولهم:حلم في النّوم.

و حلمة الثّدي:النّاتئ في طرفه لما يخرج منها من اللّبن الّذي يحلم الصّبيّ.و حلم الأديم:ثقل بالحلم،و هو قردان عظيمة ليّنة الملمس.و تحلّم الرّجل:تكلّف الحلم.

و الصّبر:حبس النّفس لمصادفة المكروه،و صبر الرّجل:حبس نفسه عن إظهار الجزع،و الجزع:إظهار ما يلحق المصاب من المضض و الغمّ.

و في الحديث:«يصبر الصّابر و يقتل القاتل» و الصّابر هاهنا هو الّذي يصبّر النّفس عن القتل،و لا تجوز الصّفة على اللّه تعالى بالصّبر،لأنّ المضارّ لا تلحقه، و تجوز الصّفة عليه بالحلم،لأنّه صفة مدح و تعظيم.

و إذا قال قائل:اللّهمّ حلمك عن العصاة،أي إمهالك،فذلك جائز على شرائط الحكمة،من غير أن يكون فيه مفسدة،و إمهال اللّه تعالى إيّاهم مظاهرة عليهم.(164)

الفرق بين الحلم و الإمهال:أنّ كلّ حلم إمهال، و ليس كلّ إمهال حلما،لأنّ اللّه تعالى لو أمهل من أخذه لم يكن هذا الإمهال حلما،لأنّ الحلم صفة مدح و الإمهال على هذا الوجه مذموم،و إذا كان الأخذ و الإمهال سواء في الاستصلاح فالإمهال تفضّل، و الانتقام عدل؛و على هذا يجب أن يكون ضدّ الحلم السّفه،إذا كان الحلم واجبا،لأنّ ضدّه استفساد،فلو فعله لم يكن ظلما،إلاّ أنّه لم يكن حكمة.

أ لا ترى أنّه قد يكون الشّيء سفها،و إن لم يكن ضدّه حلما،و هذا نحو صرف الثّواب عن المستحقّ إلى غيره،لأنّ ذلك يكون ظلما من حيث حرمة من استحقّه،و يكون سفها من حيث وضع في غير موضعه، و لو أعطي مثل ثواب المطيعين من لم يطع لم يكن ذلك ظلما لأحد،و لكن كان سفها،لأنّه وضع الشّيء في غير موضعه.

ص: 662

و ليس يجب أن تكون إثابة المستحقّين حلما،و إن كان خلاف ذلك سفها،فثبت بذلك أنّ الحلم يقتضي بعض الحكمة،و أنّ السّفه يضادّ ما كان من الحلم واجبا، لا ما كان منه تفضّلا،و أنّ السّفه نقيض الحكمة في كلّ وجه.و قولنا:اللّه حليم،من صفات الفعل،و يكون من صفات الذّات،بمعنى أهل لأن يحلم إذا عصي.

و يفرق بين الحلم و الإمهال من وجه آخر،و هو أنّ الحلم لا يكون إلاّ عن المستحقّ للانتقام،و ليس كذلك الإمهال،أ لا ترى أنّك تمهل غريمك إلى مدّة،و لا يكون ذلك منك حلما.و قال بعضهم:لا يجوز أن يمهل أحد غيره في وقت إلاّ ليأخذه في وقت آخر.(165)

الفرق بين الحلم و الوقار:أنّ الوقار هو الهدوء و سكون الأطراف و قلّة الحركة في المجلس،و يقع أيضا على مفارقة الطّيش عند الغضب،مأخوذ من الوقر و هو الحمل،و لا تجوز الصّفة به على اللّه سبحانه و تعالى.

(166)

الفرق بين الحلم و الأناة:أنّ الأناة هي البطء في الحركة و في مقاربة الخطو في المشي،و لهذا يقال للمرأة البدينة:أناة.قال الشّاعر:

رمته أناة من ربيعة عامر

نؤم الضّحى في مأتم أيّ مأثم

و يكون المراد بها في صفات الرّجال المتمهّل في تدبير الأمور و مفارقة التّعجّل فيها،كأنّه يقاربها مقاربة لطيفة،من قولك:أنى الشّيء إذا قرب،و تأنّى،أي تمهّل ليأخذ الأمر من قرب.

و قال بعضهم:الأناة:السّكون عند الحالة المزعجة.(167)

أبو سهل الهرويّ: تقول:حلمت في النّوم بفتح اللاّم،أحلم بضمّها،حلما و حلما بضمّ الحاء و سكون اللاّم و ضمّها،و أنا حالم،أي رأيت رؤيا،أو أصابتني جنابة.

و حلمت عن الرّجل بضمّ اللاّم،حلما بكسر الحاء،أي تغافلت عن عقوبته،و أنا حليم.

و حلم الأديم بكسر اللاّم،يحلم حلما بفتحها،إذا تثقّب،و هو حلم.(33)

ابن سيده: الحلم و الحلم:الرّؤيا؛و الجمع:أحلام.

و قد حلم في نومه يحلم حلما،و احتلم و انحلم.

و تحلّم الحلم:استعمله.و حلم به،و حلم عنه، و تحلّم عنه:رأى له رؤيا،أو رآه في النّوم.

و الحلم و الاحتلام:الجماع و نحوه في النّوم؛و الاسم الحلم.و في التّنزيل: وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ النّور:

58،و الفعل كالفعل.

و الحلم:الأناة و العقل؛و جمعه:أحلام و حلوم.و في التّنزيل: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا الطّور:32.

و رجل حليم،من قوم أحلام و حلماء.و حلم حلما:صار حليما.و حلم عنه و تحلّم،سواء.و تحلّم:

تكلّف الحلم.و حلّمه:جعله حليما.

و قيل:حلّمه:أمره بالحلم.

و أحلمت المرأة:ولدت الحلماء.

و الأحلام:الأجسام،لا أعرف واحدها.

ص: 663

و الحلمة:الصّغيرة من القردان،و قيل:الضّخم منها،و قيل:هو آخر أسنانها.

و حلم البعير حلما فهو حلم:كثر عليه الحلم.

و عناق حلمة و تحلمة،و حلمة (1):نزع عنها الحلم.

و الحلمة:دودة تكون بين جلد الشّاة الأعلى و جلدها الأسفل.و قيل:الحلمة:دود يقع في الجلد فيأكله،فإذا دبغ و هي موضع الأكل (2)؛و الجمع من ذلك كلّه:حلم.و قد حلم الأديم حلما.[ثمّ نقل قول أبي عبيد و قال:]

و هذا منه إغفال.

و أديم حلم و حليم:فيه الحلم.

و حلمتا الثّديين:طرفاهما.

و الحلمة:الثّؤلول الّذي في وسط الثّدي.

و تحلّم المال،سمن.

و تحلّم الصّبيّ و الضّبّ و اليربوع و الجرذ و القراد:

أقبل شحمه.

و قتيل حلاّم:ذهب باطلا.

و الحلاّم أيضا:ولد المعز.و قال اللّحيانيّ: هو الجدي و الحمل الصّغير،يعني بالحمل:الخروف.

و الحالوم:ضرب من الأقط.

و الحلمة:نبات ينبت بنجد في الرّمل،في جعيثنة لها زهر،و ورقها أخيشن،و عليه شوك كأنّه أظافير الإنسان،تطنى الإبل و تزلّ أحناكها إذا رعته،من العيدان اليابسة.

و الحلمة:شجرة السّعدان،و هي من أفاضل المرعى.

و محلّم:نهر باليمامة.

و بنو محلّم،و بنو حلمة:قبيلتان.

و حليمة:اسم امرأة.

و يوم حليمة:يوم معروف.

و أحلام نائم:ضرب من الثّياب،و لا أحقّها.

و الحلام:اسم قبائل.

و حليمة على لفظ التّصغير:موضع.

و محلّم:نهر بالبحرين.[و استشهد بالشّعر 8 مرّات]

(3:363)

الحلمة:هي من الثّدي ما نشز منه و طال.

(الإفصاح 1:84)

الحلمة:الصّغيرة من القردان،و الحلمة:الضّخمة منه،ضدّ؛و الجمع:حلم.

حلم البعير يحلم حلما:كثر حلمه فهو حلم.

و حلم الأديم:وقعت فيه الحلمة،و هي دودة تقع فيه فتأكله.

و حلم البعير و الجلد يحلمه حلما:نزع عنه حلمه.

(الإفصاح 2:858)

الحلمة:شجيرة ترتفع دون الذّراع،لها ورقة غليظة،و أفنان كثيرة،و زهرة مثل زهرة شقائق النّعمان، إلاّ أنّها أكبر و أغلظ،و هي كثيرة البراعيم،كأنّا.

ص: 664


1- و في اللّسان:عناق حلمة و تحلمة:قد أفسد جلدها. الحلم...و حلّمه:نزع عنه الحلم.
2- زاد اللّسان:فبقي رقيقا.

براعيمها حلم الضّروع.

و قيل:الحلمة:نبت من العشب فيه غبرة،له مسّ أخشن،أحمر الثّمرة.(الإفصاح 2:1117)

الطّوسيّ: الحلم:الإمهال بتأخير العقاب على الذّنب،تقول:حلم حلما و تحلّم تحلّما،و حلّمه تحليما.و حلم في نومه حلما،إذا رأى الأحلام،و منه:

أَضْغاثُ أَحْلامٍ يوسف:44،و الحلم:الرّؤيا في النّوم،و منه الاحتلام.

و الحلم:ما عظم من القردان؛و الواحد:حلمة،لأنّه كحلمة الثّدي،لأنّها تحلم المرتضع.

و الحلمة:شجرة السّعدان،و هي من أفضل المرعى.

و تحلّمت الضّباب،إذا سمنت،لأنّه يكسبها دعة كدعة الحلم.

و الحلاّم:الجدي.

و أصل الباب:الحلم:الأناة.و أمّا حلم الأديم،إذا نغل،فلأنّه وقع فيه الحلم.(2:230)

نحوه الطّبرسيّ.(1:323)

و الأحلام:جمع حلم،و هو الرّؤيا في النّوم،و قد يقال:جاء بالحلم،أي الشّيء الكثير،كأنّه جاء بما لا يرى إلاّ في النّوم لكثرته.

و الحلم:الأناة،حلم حلما،إذا كان ذا أناة و إمهال.

و الحلم ضدّ الطّيش،و منه: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ هود:75.

و الحليم:من له ما يصحّ به الأناة دون الخرق و العجلة.و اللّه الحليم الكريم.

و الحلم:بضمّ اللاّم ما يرى في المنام،لأنّها حال أناة و سكون و دعة،تقول:حلم يحلم حلما بسكون اللاّم، إذا أردت المصدر.

و الحلمة:رأس الثّدي،لأنّها تحلم الطّفل.

و الحلاّم:الجدي الذي قد حلمه الرّضاع،ثمّ كثر حتّى قيل لكلّ جدي.(6:146)

نحوه الطّبرسيّ(3:237)،و القرطبيّ(9:200).

الرّاغب: الحلم:ضبط النّفس و الطّبع عن هيجان الغضب؛و جمعه:أحلام.قال اللّه تعالى: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ الطّور:33،قيل:معناه عقولهم.

و ليس الحلم في الحقيقة هو العقل،لكن فسّروه بذلك لكونه من مسبّبات العقل،و قد حلم،و حلّمه العقل،و تحلّم.

و أحلمت المرأة:ولدت أولادا حلماء.

قال اللّه تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ هود:

75،و قوله تعالى: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ الصّافّات:

101،أي وجدت فيه قوّة الحلم،و قوله عزّ و جلّ:

وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ النّور:59،أي زمان البلوغ،و سمّي الحلم لكون صاحبه جديرا بالحلم.

و يقال:حلم في نومه يحلم حلما و حلما،و قيل:

حلما نحو ربع.و تحلّم،و احتلم.

و حلمت به في نومي،أي رأيته في المنام،قال تعالى:

قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ يوسف:44.

و الحلمة:القراد الكبير،قيل:سمّيت بذلك لتصوّرها بصورة ذي الحلم لكثرة هدوئها،فأمّا حلمة الثّدي

ص: 665

فتشبيها بالحلمة من القراد في الهيئة،بدلالة تسميتها بالقراد في قول الشّاعر.[ثمّ استشهد بشعر]

و حلم الجلد:وقعت فيه الحلمة،و حلمت البعير:

نزعت عنه الحلمة،ثمّ يقال:حلّمت فلانا،إذا داريته ليسكن و تتمكّن منه،تمكّنك من البعير إذا سكّنته بنزع القراد عنه.(129)

الزّمخشريّ: حلم الغلام و احتلم،و غلام حالم و محتلم،و بلغ الحلم.و رأى في حلمه كذا.و هو من أضغاث الأحلام.و حلمت بفلانة،و حلمتها.

و تحلّم فلان ما لم يحلم،إذا قال:حلمت بكذا و هو كاذب.

و حلم فلان،فهو حليم،و فيه حلم،أي أناة و عقل.

و هو من ذوي الأحلام،و لهم أحلام عاد.و تحلّم:تكلّف الحلم.

و حلم عن السّفيه.و اللّه حليم عن العصاة:

لا يعاجلهم بالعقاب.

و قد حلم الأديم:وقع فيه الحلم.و حلّمت بعيري و قرّدته.

و من المجاز:اسودّت حلمتا ثدييه،و قرادا ثدييه.

و حلم الأديم،أي فسد الأمر.

و هذه أحلام نائم:للأمانيّ الكاذبة.و لأهل المدينة ثياب غلاظ مخطّطة تسمّى أحلام نائم.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:93)

المدينيّ: و الحلم:ما رأى من القبيح.قال اللّه تعالى: أَضْغاثُ أَحْلامٍ.

في الحديث:«من تحلّم كلّف أن يعقد بين شعيرتين» أي تكذّب بما لم يره في منامه.يقال:حلم يحلم حلما، إذا رأى.و تحلّم،إذا ادّعى كاذبا.(1:492)

ابن برّيّ: سمّي الجدي حلاّما،لملازمته الحلمة يرضعها.[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 12:148)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الحليم»هو الّذي لا يستخفّه شيء من عصيان العباد،و لا يستفزّه الغضب عليهم،و لكنّه جعل لكلّ شيء مقدارا فهو منته إليه.

و في حديث صلاة الجماعة:«ليلني منكم أولو الأحلام و النّهى»أي ذوو الألباب و العقول؛واحدها:

حلم بالكسر،و كأنّه من الحلم:الأناة و التّثبّت في الأمور،ذلك من شعار العقلاء.

و في الحديث:«الرّؤيا من اللّه و الحلم من الشّيطان».

الرّؤيا و الحلم عبارة عمّا يراه النّائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرّؤيا على ما يراه من الخير و الشّيء الحسن،و غلب الحلم على ما يراه من الشّرّ و القبيح.

و منه قوله تعالى: أَضْغاثُ أَحْلامٍ، و يستعمل كلّ واحد منهما موضع الآخر،و تضمّ لام الحلم و تسكّن.

و منه الحديث:«من تحلّم كلّف أن يعقد بين شعيرتين»أي قال:إنّه رأى في النّوم ما لم يره.يقال:

حلم بالفتح إذا رأى،و تحلّم إذا ادّعى الرّؤيا كاذبا.

إن قيل:إنّ كذب الكاذب في منامه لا يزيد على كذبه في يقظته،فلم زادت عقوبته و وعيده،و تكليفه عقد الشّعيرتين؟

قيل:قد صحّ الخبر«إنّ الرّؤيا الصّادقة جزء من

ص: 666

النّبوّة»و النّبوّة لا تكون إلاّ وحيا،و الكاذب في رؤياه يدّعي أنّ اللّه تعالى أراه ما لم يره،و أعطاه جزء من النّبوّة لم يعطه إيّاه،و الكاذب على اللّه تعالى أعظم فرية ممّن كذب على الخلق أو على نفسه.

و في حديث عمر:«أنّه قضى في الأرنب يقتله المحرم بحلاّم»جاء تفسيره في الحديث أنّه الجدي، و قيل:إنّه يقع على الجدي و الحمل حين تضعه أمّه، و يروى بالنّون،و الميم بدل منها.و قيل:هو الصّغير الّذي حلّمه الرّضاع،أي سمّنه،فتكون الميم أصليّة.

و في حديث خزيمة،و ذكر السّنة:«و بضّت الحلمة» أي درّت حلمة الثّدي،و هي رأسه.و قيل:الحلمة:

نبات ينبت في السّهل،و الحديث يحتملهما.(1:433)

الفيّوميّ: حلم يحلم من باب«قتل»حلما بضمّتين،و إسكان الثّاني تخفيف.

و احتلم:رأى في منامه رؤيا.

و حلم الصّبيّ و احتلم:أدرك و بلغ مبالغ الرّجال، فهو حالم و محتلم.

و حلم بالضّمّ حلما بالكسر:صفح و ستر،فهو حليم.

و حلّمته بالتّشديد:نسبته إلى الحلم،و باسم الفاعل سمّي الرّجل،و منه محلّم بن جثّامة و هو الّذي قتل رجلا بذحل (1)الجاهليّة بعد ما قال:لا إله إلاّ اللّه،فقال عليه السّلام:

اللّهمّ لا ترحم محلّما،فلمّا مات و دفن لفظته الأرض ثلاث مرّات.

و الحلم:القراد الضّخم؛الواحدة:حلمة،مثل قصب و قصبة.و قيل لرأس الثّدي و هي اللّحمة النّاتئة:حلمة على التّشبيه بقدرها.(148)

الفيروزآباديّ: الحلم بالضّمّ و بضمّتين:الرّؤيا؛ جمعه:أحلام،حلم في نومه و احتلم و تحلّم و انحلم.

و تحلّم الحلم:استعمله.

و حلم به و عنه:رأى له رؤيا،أو رآه في النّوم.

و الحلم بالضّمّ و الاحتلام:الجماع في النّوم؛و الاسم:

الحلم كعنق.

و الحلم بالكسر:الأناة و العقل؛و الجمع:أحلام و حلوم،و منه: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا الطّور:

32،و هو حليم؛و الجمع:حلماء و أحلام،و قد حلم بالضّمّ حلما،و تحلّم:تكلّفه،و المال:سمن،و الصّبيّ و الضّبّ و الجراد:أقبل شحمه.

و حلّمه تحليما و حلاّما ككذّاب:جعله حليما أو أمره بالحلم.

و أحلمت:ولدت الحلماء.

و ذو الحلم:عامر بن الظّرب.

و الأحلام:الأجسام،بلا واحد.

و أحلم بضمّ اللاّم:ابن عبيد البخاريّ و عمر بن حفص بن احلم،محدّثان.

و الحلمة محرّكة:الثؤلول في وسط الثّدي،و شجرة السّعدان،و نبات آخر،و الصّغيرة من القردان أو الضّخمة ضدّ.ر.

ص: 667


1- الذّحل:الحقد،و الثّار.

و حلم البعير كفرح:كثر حلمه فهو حلم.

و عناق حلمة و تحلمة من تحالم.

و دودة تقع في الجلد فتأكله،فإذا دبغ و هي موضع الأكل (1)،الجمع:حلم،و حيّ،و الهدر من الدّماء..

و حلم الجلد كفرح:وقع فيه الحلم.

و حلمه و حلّمه:نزعه عنه.

و الحلاّم كزنّار:الجدي و الخروف.

و دم حلاّم:هدر.

و الحالوم:ضرب من الأقط،أو لبن يغلظ فيصير شبيها بالجبن الطّريّ.

و الحليم:الشّحم المقبل،و البعير المقبل السّمن.

و كحيدر:دوابّ صغار.(4:100)

الطّريحيّ: و ذوو الأحلام و النّهى:ذوو الأناة و العقول.

و في حديث عليّ عليه السّلام:«حلومهم كحلوم الأطفال» شبّه عقولهم بعقول الأطفال الّذين لا عقل لهم.

و الحلم بالضّمّ:واحد الأحلام في النّوم،و حقيقته على ما قيل:إنّ اللّه تعالى يخلق بأسباب مختلفة في الأذهان عند النّوم صورا علميّة،منها مطابق لما مضى و لما يستقبل،و منها غير مطابق.و قد مرّ في«رأى»أنّ منها ما يكون من الشّيطان.

و في الحديث:«لم تكن الأحلام قبل و إنّما حدثت» و العلّة في ذلك أنّ اللّه عزّ ذكره بعث رسولا إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة اللّه و طاعته،فقالوا:إن فعلنا ذلك فما لنا؟

فقال:إن أطعتموني أدخلكم اللّه الجنّة،و إن عصيتم أدخلكم النّار!

فقالوا:و ما الجنّة و ما النّار؟

فوصف لهم ذلك،فقالوا:متى نصير إلى ذلك؟

فقال:إذا متّم،فقالوا:لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما و رفاتا!و ازدادوا تكذيبا،و به استخفافا، فأحدثت الأحلام فيهم،فأتوه و أخبروه بما رأوا و ما أنكروا من ذلك.

فقال:إنّ اللّه تعالى أراد أن يحتجّ عليكم بهذا،هكذا تكون أرواحكم إذا متّم و أزيلت أبدانكم،تصير الأرواح إلى عقاب حتّى تبعث الأبدان.

يستفاد من هذا الحديث أمور:

منها:أنّ الأحلام حادثة،و منها:أنّ عالم البرزخ يشبه عالم الأحلام،و منها:أنّ الأرواح تعذّب قبل أن تبعث الأبدان.

و حلم بالفتح و احتلم.و الاحتلام:رؤية اللّذّة في النّوم،أنزل أم لم ينزل.و منه:«احتلمت»أي رأت في النّوم أنّها تجامع.[و قد تركنا بعض كلامه حذرا من التّكرار](6:49)

مجمع اللّغة :حلم في نومه يحلم حلما و حلما:

رأى في منامه رؤيا.

و حلم الصّبيّ يحلم حلما و احتلم:أدرك و بلغ مبلغ الرّجال.ا.

ص: 668


1- زاد اللّسان:فبقي رقيقا.

و الحلم:هو ما يراه النّائم؛و جمعه:أحلام.

و الحلم:الإدراك و بلوغ مبلغ الرّجال.

و الحلم بكسر الحاء:العقل؛و جمعه:أحلام و حلوم.

الحلم:ضبط النّفس عند الغضب،حلم يحلم حلما فهو حليم.

و الحليم في أسماء اللّه تعالى:لا يعاجل بالعقوبة.

(1:295)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:144)

العدنانيّ: الحالوم لا الحلّوم

و يسمّون الجبن الطّريّ اللّذّ بالحلّوم،و الصّواب هو الحالوم كما قال الصّحاح،و المختار،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و دوزيّ، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و ممّا قاله الصّحاح:«الحالوم:لبن يغلظ فيصير شبيها بالجبن الرّطب،و ليس به».و نقل ذلك عنه:

المختار،و اللّسان،و التّاج،و المدّ،و أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.

و قال اللّسان و التّاج:إنّه جبن يصنعه أهل مصر.

و قال القاموس و المتن:إنّه نوع من الجبن الطّريّ،أو شبيه به.

و قال محيط المحيط و دوزيّ: إنّ العامّة تسمّيه الحلّوم.

الحلم و الحلم لا الحلم.

و يخطّئون من يقول:رأيت في الحلم كذا و كذا، الحلم:ما يراه النّائم،و يقولون:إنّ الصّواب هو:رأيت في الحلم...اعتمادا على ما جاء في الأساس،و محيط المحيط، و الوسيط.

و لكن:

أجاز استعمال الكلمتين الحلم و الحلم كلّ من معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح الّذي ذكر الحلم في حاشيته،و معجم مقاييس اللّغة،و النّهاية.و المختار، و اللّسان.و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و أقرب الموارد،و المتن.

و انفرد الرّاغب الأصفهانيّ في«مفرداته»بإجازته استعمال الحلم،و الحلم،و الحلم؛و قد أخطأ في زيادة الحلم.

و فعله هو:حلم يحلم حلما و حلما:رأى في نومه.

و هنالك ثلاثة أفعال تحمل معنى حلم،هي:

1-احتلم:الصّحاح،و ابن سيده،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

2-و انحلم:ابن سيده،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

3-و تحلّم:مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و اللّسان، و القاموس،و المدّ،و المتن.

أمّا حلم الصّبيّ يحلم حلما و حلما،و احتلم فمعناهما:أدرك و بلغ مبلغ الرّجال.قال تعالى في الآية:

58،من سورة النّور: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ

ص: 669

ثَلاثَ مَرّاتٍ. و قال الرّاغب الأصفهانيّ:«سمّي الحلم لكون صاحبه جديرا بالحلم».و الحلم هو التّسامح و الصّفح و السّتر،و فعله:حلم يحلم حلما.

و قد يأتي الحلم بمعنى العقل؛و جمعه:أحلام.قال تعالى في الآية:32،من سورة الطّور: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ. (165)

حلم في نومه كذا أو بكذا.

و يقولون:حلم في نومه كذا و بكذا،و الصّواب:حلم بفتح اللاّم و في نومه كذا و بكذا،يحلم حلما و حلما.

حلمه،و حلم به،و حلم عنه:رآه في المنام،أو رأى له رؤيا.

و لو لا حلم اليقظة في علم النّفس،لاقترحت على مجامعنا اللّغويّة،أن تحذف من المعاجم شبه الجملة«في نومه»بعد الفعل حلم،الّذي يعني:رأى في نومه.

(معجم الأخطاء الشّائعة:69)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الحلم بمعنى انضباط النّفس و الطّبع عن هيجان الغضب و عن الإحساسات،و حصول حالة السّكون و الطّمأنينة و الصّبر،في مقابل ما لا يلائم الطّبع في مقابل العجلة و الطّيش و النّزق و الغضب.

و لمّا كان هذا الانضباط و الطّمأنينة و السّكون حاصلة في حالة النّوم،فإنّ النّائم لا طيش و لا هيجان له،فيطلق عليه الحلم،أي الحالة المنسلخة عن الطّيش و الهيجان و الإحساسات الّتي في حالة اليقظة،ثمّ يتراءى له في هذه الحالة ما لا يلائم نفسها،و هذا حقيقة مفهوم الحلم.

و أمّا الحلم بمعنى البلوغ:و هو عبارة عن حصول حالة فيها تنضبط النّفس و تتخلّص عن الطّيش و الاضطراب و هيجان زمان الطّفولة.

و يناسب هذا المعنى حصول حالة السّكون و التّسليم للأديم في مقابل دوابّ تفسده،فيتحصّل له التّثقّب.[إلى أن قال:]

فظهر لطف التّعبير بهذه المادّة في هذه الموارد،و ليس لها إلاّ أصل واحد،كما بيّنّاه،و الفروع يرجع إليه.

(2:295)

النّصوص التّفسيريّة

الحلم

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ... النّور:58

مجاهد :لم يحتلموا من أحراركم.

(الطّبريّ 18:162)

البغويّ: من الأحرار،و ليس المراد منهم الأطفال الّذين لم يظهروا على عورات النّساء،بل الّذين عرفوا أمر النّساء،و لكن لم يبلغوا.(3:428)

مثله الميبديّ.(6:563)

الطّبرسيّ: من أحراركم،و أراد به الصّبيّ الّذي يميّز بين العورة و غيرها.(4:154)

ص: 670

النّسفيّ: أي الأطفال الّذين لم يحتلموا من الأحرار.و قرئ بسكون اللاّم تخفيفا.(3:153)

أبو حيّان : وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ عامّ في الأطفال عبيدا كانوا أو أحرارا،و قرأ الحسن و أبو عمرو في رواية و طلحة(الحلم)بسكون اللاّم،و هي لغة تميم.

و قيل:(منكم)أي من الأحرار ذكورا كانوا أو أناثا.

(6:472)

نحوه الآلوسيّ.(18:211)

المراغيّ: (الحلم)بسكون اللاّم و ضمّها،أي وقت البلوغ،إمّا بالاحتلام،و إمّا ببلوغ الخامسة عشرة سنة، من حلم بفتح اللاّم.(18:129)

مغنيّة:و الحلم:البلوغ.(5:438)

فضل اللّه :من المميّزين من الأطفال الّذين يعيشون أجواء المعاني الجنسيّة للعلاقات؛بحيث يميّزون بين وظائف الأعضاء،و يفهمون طبيعة ذلك كلّه.

(16:359)

[و فيها مباحث لاحظ«ب ل غ:«لم يبلغوا»]

2- وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ... النّور:59

البغويّ: أي الاحتلام،يريد الأحرار الّذين بلغوا.

(3:429)

الميبديّ: و(الحلم):رؤيا البالغ،و منه سمّي البلوغ حلما،و المحتلم و الحالم:البالغ،و الحالم:النّائم، و المحتلم:الّذي يرى الرّؤيا.

و في الخبر:من تحلّم في منامه فلا يخبرنا بتلعّب الشّيطان به.و معنى الآية:إذا بلغ الأطفال من أحراركم و أرادوا الدّخول عليكم،فليستأذنوا في جميع الأوقات.

(6:564)

القرطبيّ: قرأ الحسن: (الحلم) فحذف الضّمّة لثقلها.و المعنى:أنّ الأطفال أمروا بالاستئذان في الأوقات الثّلاثة المذكورة،و أبيح لهم الأمر في غير ذلك كما ذكرنا.(12:308)

النّسفيّ: أي الاحتلام،أي إذا بلغوا و أرادوا الدّخول عليكم.(3:154)

الصّابونيّ: (الحلم)بضمّ اللاّم:الاحتلام،و معناه الرّؤيا في النّوم،و الحلم بكسر الحاء:الأناة و العقل.

تقول:حلم الرّجل بالضّمّ،إذا صار حليما.[ثمّ ذكر قول القاموس و الرّاغب و قال:]

و الصّحيح أنّ(الحلم)هنا بمعنى الجماع في النّوم،و هو الاحتلام المعروف،و أنّ الكلام كناية عن البلوغ و الإدراك.يقال:بلغ الصّبيّ الحلم،أي أصبح في سنّ البلوغ و التّكليف.(2:202)

المصطفويّ: أي زمان انضباط النّفس و حصول حالة السّكون و الاستقرار و التّعقّل.

و التّعبير بهذه الصّفة دون العقل،فإنّها المناط و المنظورة،و بينهما عموم و خصوص من وجه.و قد يوجد العقل بلا حالة الطّمأنينة،كما في حالة الغضب و الطّيش.(2:296)

ص: 671

مكارم الشّيرازيّ: و كلمة(الحلم)على وزن «الكتب»بمعنى العقل،و الكناية عن البلوغ الّذي يعتبر توأما لطفرة عقليّة و فكريّة،و مرحلة جديدة في حياة الإنسان.

و قيل:إنّ(الحلم)بمعنى الرّؤيا،فهي كناية عن احتلام الشّباب حين البلوغ.(11:138)

فضل اللّه :و هم البالغون من الرّجال و النّساء الأحرار،لأنّ هناك حواجز شرعيّة تمنعهم من الدّخول بدون إذن.(16:360)

احلام-الاحلام

قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ. يوسف:44

الطّبريّ: و الأحلام:جمع حلم،و هو ما لم يصدق من الرّؤيا.(12:226)

الثّعلبيّ: و الأحلام:جمع الحلم،و هو الرّؤيا، و الفعل منه حلمت و أحلم،بفتح العين في الماضي.

(5:226)

الماورديّ: و الأحلام:جمع حلم،و الحلم:الرّؤيا في النّوم،و أصله:الأناة،و منه الحلم ضدّ الطّيش،فقيل لما يرى في النّوم:حلم،لأنّها حال أناة و سكون.

(3:42)

نحوه الطّبرسيّ.(3:237)

البغويّ: و الأحلام:جمع الحلم،و هو الرّؤيا، و الفعل منه حلمت أحلم بفتح اللاّم في الماضي و ضمّها في المغاير حلما و حلما،مثقّلا و مخفّفا.(2:494)

نحوه الميبديّ.(5:76)

الزّمخشريّ: تخاليطها و أباطيلها و ما يكون منها من حديث نفس أو وسوسة شيطان.[إلى أن قال:]

فإن قلت:ما هو إلاّ حلم واحد،فلم قالوا:

أَضْغاثُ أَحْلامٍ فجمعوا؟

قلت:هو كما تقول:فلان يركب الخيل و يلبس عمائم الخزّ،لمن لا يركب إلاّ فرسا واحدا و ما له إلاّ عمامة فردة تزيّدا في الوصف،فهؤلاء أيضا تزيّدوا في وصف الحلم بالبطلان،فجعلوه أَضْغاثُ أَحْلامٍ.

و يجوز أن يكون قد قصّ عليهم مع هذه الرّؤيا رؤيا غيرها وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ إمّا أن يريدوا ب(الاحلام):المنامات الباطلة خاصّة،فيقولوا:

ليس لها عندنا تأويل،فإنّ التّأويل إنّما هو للمنامات الصّحيحة الصّالحة،و إمّا أن يعترفوا بقصور علمهم و أنّهم ليسوا في تأويل الأحلام بنحارير.(2:324)

نحوه البيضاويّ(1:497)،و النّسفيّ(2:224)، و أبو السّعود(3:399)،و البروسويّ(4:267).

ابن عطيّة: إنّما نفوا عن أنفسهم عبر الأحلام لا عبر الرّؤيا على الإطلاق،و قد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الرّؤيا من اللّه و الحلم من الشّيطان»و قال للّذي كان يرى رأسه يقطع ثمّ يردّه فيرجع:«إذا لعب الشّيطان بأحدكم في النّوم فلا يحدّث بذلك».

فالأحلام و حدثان النّفس ملغاة،و الرّؤيا هي الّتي تعبّر و يلتمس علمها.و الباء في قولهم:(بعالمين)

ص: 672

للتّأكيد،و في قولهم:(بتاويل)للتّعدية،و هي متعلّقة بقولهم:(بعالمين).

و الأحلام:جمع حلم.يقال:حلم الرّجل بفتح اللاّم،يحلم،إذا خيّل إليه في منامه.و الأحلام ممّا أثبتته الشّريعة.و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«الرّؤيا من اللّه،و هي المبشّرة،و الحلم المحزن من الشّيطان،فإذا رأى أحدكم ما يكره،فليتفل على يساره ثلاث مرّات،و ليقل:أعوذ باللّه من شرّ ما رأيت،فإنّها لا تضرّه»و ما كان عن حديث النّفس في اليقظة،فإنّه لا يلتفت إليه.

(3:248)

ابن الجوزيّ: و الأحلام:جمع حلم،و هو ما يراه الإنسان في نومه،ممّا يصحّ و ممّا يبطل.(4:230)

القرطبيّ: و الأحلام:الرّؤيا المختلطة.(9:199)

أبو حيّان :و(اضغاث):جمع ضغث،أي تخاليط أحلام،و هي ما يكون من حديث النّفس،أو وسوسة الشّيطان،أو مزاج الإنسان.و أصله:أخلاط النّبات استعير للأحلام.

و جمعوا الأحلام و أنّ رؤياه واحدة،إمّا باعتبار متعلّقاتها؛إذ هي أشياء،و إمّا باعتبار جواز ذلك،كما تقول:فلان يركب الخيل و إن لم يركب إلاّ فرسا واحدا، تعليقا بالجنس،و إمّا بكونه قصّ عليهم مع هذه الرّؤيا غيرها.

و«الأحلام»:جمع حلم،و(اضغاث):خبر مبتدإ محذوف،أي هي أضغاث أحلام.و الظّاهر أنّهم نفوا عن أنفسهم العلم بتأويل الأحلام،أي لسنا من أهل تعبير الرّؤيا.

و يجوز أن تكون«الأحلام»المنفيّ علمها،أرادوا بها الموصوفة بالتّخليط و الأباطيل،أي و ما نحن بتأويل الأحلام الّتي هي أضغاث بعالمين،أي لا يتعلّق علم لنا بتأويل تلك،لأنّه لا تأويل لها،إنّما التّأويل للمنام الصّحيح،فلا يكون في ذلك نفي للعلم بتأويل المنام الصّحيح،و لا قصور علمهم.(5:313)

الشّربينيّ: و الأحلام:جمع حلم،بضمّ الحاء و إسكان اللاّم و ضمّها،و هو الرّؤيا،فقيّدوها بالأضغاث،و هو ما يكون من الرّؤيا باطلا،لكونه من حديث النّفس و وسوسة الشّيطان،لكونها تشبه أخلاط النّبات الّتي لا تناسب بينها،لأنّ الرّؤيا تارة تكون من الملك و هي الصّحيحة،و تارة تكون من تحزين الشّيطان و تخليطاته،و تارة من حديث النّفس.ثمّ قالوا:(و ما نحن)أي بأجمعنا بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ أي المنامات الباطلة(بعالمين).(2:111)

الآلوسيّ: و الأحلام:جمع حلم بضمّة و بضمّتين:

المنامات الباطلة على ما نصّ عليه جمع.و قال بعضهم:

الرّؤيا و الحلم عبارة عمّا يراه النّائم مطلقا،لكن غلبت الرّؤيا على ما يراه من الخير و الشّيء الحسن،و غلب الحلم على خلافه،و في الحديث:«الرّؤيا من اللّه تعالى و الحلم من الشّيطان».

و قال التّوربشتي:الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرّؤيا،و التّفريق من الاصطلاحات الّتي سنّها الشّارع صلّى اللّه عليه و سلّم للفصل بين الحقّ و الباطل،كأنّه كره أن

ص: 673

يسمّي ما كان من اللّه تعالى و ما كان من الشّيطان باسم واحد،فجعل الرّؤيا عبارة عن القسم الصّالح،لما فيها من الدّلالة على مشاهدة الشّيء بالبصر و البصيرة، و جعل الحلم عبارة عمّا كان من الشّيطان،لأنّ أصل الكلمة لم تستعمل إلاّ فيما يخيّل للحالم في منامه من قضاء الشّهوة بما لا حقيقة له،انتهى.

و هو كلام حسن،و ممّا يشهد له في دعوى كون الحلم يستعمل عند العرب استعمال الرّؤيا،البيت الّذي أنشده المبرّد كما لا يخفى.

رأيت رؤيا ثمّ عبّرتها و كنت للأحلام عبّارا

(12:251)

شبّر:أباطيلها و أخلاطها،أو هذه منامات كاذبة و وساوس شيطانيّة.(3:283)

رشيد رضا :و الأحلام:جمع حلم بضمّتين و يسكّن للتّخفيف،و هو ما يرى في النّوم.يقال:حلم كنصر و احتلم،و منه بلوغ الحلم.و الحلم قد يكون واضح المعنى كالأفكار الّتي تكون في اليقظة،و قد يكون -و هو الأكثر-مشوّشا مضطربا لا يفهم له معنى،و هو الّذي يشبّه بالتّضاغيث،كأنّه مؤلّف من حزم مختلفة من العيدان و الحشائش الّتي لا تناسب بينها،و هو ما تبادر إلى أفهامهم من نوعي البقرة و السّنابل.(12:317)

مغنيّة:الأحلام و نظريّة فرويد

الأحلام:ظاهرة نفسيّة،و قد تناولها بالبحث و التّمحيص علماء النّفس،و كثير غيرهم من كلّ مذهب،و تكلّموا عنها كثيرا،و ما أتوا بضابط كلّيّ يمكن الاعتماد عليه في تفسير الأحلام بشتّى أنواعها.

أجل،لقد اهتدوا إلى المصدر الأوّل لنوع من الأحلام،و فسّروه تفسيرا صحيحا،و اكتشفوا منه بعض الأمراض العصبيّة،لأنّه انعكاس عنها،و لكن هناك أحلاما تتكلّم بغير لغة الحالم و نفسه و حياته،و عجز العلماء عن تفسيرها.

و حاول«فرويد»أن يفرض التّفسير الجنسيّ على جميع الأحلام،بل و على كلّ شيء في هذه الحياة أو على أكثر أشيائها،فالأحلام عنده كلّها رموز جنسيّة،دون استثناء،و الأمراض العصبيّة سببها كبت الغريزة الجنسيّة،و حبّ الولد لوالدته ناشئ عن التّفكير فيها و غيرته من أبيه عليها،و كذلك تعشّق البنت أباها، و تغار من أمّها عليه،بل كذلك جميع الصّداقات و الأشواق،حتّى فكرة التّديّن،و الضّمير مصدرها الخوف من مضاجعة المحارم،و على هذه فقس ما سواها.

و ردّ العارفون هذه النّظريّة بأنّ الإنسان مسيّر بالعديد من الغرائز،لا بغريزة الجنس فقط،و ألّف «جاسترو»البولنديّ كتابا في جزءين ردّا على فرويد، و أسماه:الأحلام و الجنس،و ترجمه فوزي الشّتويّ.و ممّا جاء فيه:أنّ العلماء درسوا بضعة آلاف من الأحلام لبضع مئات من النّاس،فوجدوا أنّ أقلّ من(50)بالمائة منها لا يمكن تفسيرها بنظريّة فرويد،و أنّ هذه النّظريّة تترك كثيرا من الأسئلة بغير إجابة.

و قال أديب ذكيّ معاصر:«إنّ نظريّة فرويد لا تدين سوى صاحبها،فهو صاحب الخيال الجنسيّ الّذي يرى

ص: 674

في كلّ شيء مستدير عضوا أنثويّا،و في كلّ مستطيل عضوا مذكّرا،أمّا الإنسانيّة فهي بريئة من هذا الرّأي.إنّ هذه النّظريّة الضّيّقة لا يمكن أن تكون صادقة،فالإنسان ليس عبدا للجنس فقط،و إنّما هو عبد لأكثر من لذّة،لذّة الجنس،و لذّة الحبّ،و لذّة الصّداقة،و لذّة الجمال،و لذّة المعرفة،و لذّة السّيطرة،و لذّة القوّة،و لذّة الحرّيّة، و السّعادة هي ائتلاف هذه اللّذّات في حياة منسجمة، و في نظرة رحبة واسعة الأفق».

و الّذي نراه أنّ الأحلام على أنواع:

منها:ما هو انعكاس لعادات الإنسان و تفكيره، كالفيلسوف يرى أنّه يناقش أفلاطون و أرسطو، و المسلم يصلّي في المسجد،و المسيحيّ يصلّب في الكنيسة،و الفلّاح يزرع،و الباني يبني،و ما أشبه ذلك.

و هذا النّوع واضح و لا يختلف فيه اثنان،لأنّه يحمل تفسيره معه.

و منها:ما هو غريب عن حياة الحالم و تفكيره، كرؤيا الملك البقرات و السّنبلات و ما هو فلاّح،و لا براعي بقر،و جاءت رؤياه إنذارا بما حدث من الجدب بعد الخصب.

و منها:ما يقع في اليقظة تماما،كما رآه الإنسان في منامه دون زيادة أو نقصان.و هذا نادر جدّا،و لكنّه حدث قطعا،و حتّى الآن لم يهتد العلم إلى تفسير هذا النّوع و النّوع الّذي قبله،و قد يهتدي إليه في المستقبل القريب أو البعيد.و فسّرهما البعض بالصّدقة،و ليس من شكّ أنّ الصّدقة هي ملجأ العجزة.و قال آخر:إنّهما نتيجة لحاسّة في الإنسان نجهل كنهها،و هذا أيضا من العجز.

و في سنة(1956)رأيت فيما يرى النّائم المرحوم أخي الشّيخ عبد الكريم،و كان قد مضى على وفاته عشرون سنة،و أخبرني عمّا سيحدث و عيّن الوقت، فكان كما قال...و بعد هذا بسنوات رأيت رؤيا فصدقت،و كانت سوء كالأولى،فقلت لصديق لي مداعبا:إنّ رؤيا الشّرّ تصدق،دون رؤيا الخير.و حين وصلت في التّفسير إلى أوّل سورة يوسف،قرأت هذه العبارة للرّازيّ:«اعلم أنّ الحكماء يقولون:إنّ الرّؤيا الرّديئة يظهر تفسيرها عن قريب»فتعجّبت،و تذكّرت قول الشّاعر البائس:

فإن أر خيرا في المنام فنازح

و إن أر شرّا فهو منّي مقرّب

و الخلاصة:أنّه لا يوجد ضابط كلّيّ يمكن الاعتماد عليه في تفسير الأحلام بكاملها،لأنّها أنواع متضادّة متباينة،فمنها:صدى لوساوس النّفس و ظروفها،و هذا النّوع واضح بوضوح مصدره.و منها:ما هو صورة طبق الأصل عن الحادث الّذي يقع في اليقظة بعد الحلم،و هذا النّوع نجهل سرّه و مصدره.و منها:ما هو رموز و إشارات مسبقة إلى الواقع المحسوس قبل وقوعه،كالكواكب الّتي سجدت ليوسف،و الخبز الّذي حمله الفتى المسجون فوق رأسه،و البقرات و السّنبلات الّتي رآها ملك مصر،و هذا كسابقه لا نعرف له سرّا و لا مصدرا.أمّا من قال:بأنّ هذا النّوع و الّذي قبله بشرى من اللّه،أو حاسّة في

ص: 675

الإنسان،فقد ادّعى لنفسه العلم بالغيب،و لا يرضى أن ينسب إلى الجهل،حتّى بما حجب اللّه علمه عن عباده.

(4:319)

الطّباطبائيّ: الأحلام:جمع حلم بضمّتين،و قد يسكّن وسطه،هو ما يراه النّائم في منامه،و كأنّ الأصل في معناه ما يتصوّر للإنسان من داخل نفسه من غير توصّله إليه بالحسّ،و منه تسمية العقل حلما،لأنّه استقامة التّفكّر،و منه أيضا الحلم لزمان البلوغ،قال تعالى: وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ أي زمان البلوغ،بلوغ العقل،و منه الحلم بكسر الحاء بمعنى الأناة ضدّ الطّيش،و هو ضبط النّفس و الطّبع عن هيجان الغضب،و عدم المعاجلة في العقوبة،فإنّه إنّما يكون عن استقامة التّفكّر.(11:187)

بنت الشّاطئ:الرّؤيا و الحلم.

في آيتي يوسف مثلا: أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ* قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ يوسف:43،44.

المعاجم تفسّر الحلم بالرّؤيا.

فهل كان العرب الخلّص في عصر المبعث بحيث يضعون أحد اللّفظين بديلا للآخر،حين تحدّاهم القرآن أن يأتوا بسورة من مثله،فيقال مثلا:أفتوني في حلمي إن كنتم للحلم تعبرون؟كلاّ،لا يقولها عربيّ يجد حسّ لغته،سليقة و فطرة.و نستقرئ مواضع ورود اللّفظين في القرآن فلا يترادفان.

استعمل القرآن«الأحلام»ثلاث مرّات،يشهد سياقها بأنّها الأضغاث المشوّشة و الهواجس المختلطة، و تأتي في المواضع الثّلاثة بصيغة الجمع،دلالة على الخلط و التّشوّش،لا يتميّز فيه حلم عن آخر بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ الأنبياء:5.

و على لسان الملأ من قوم العزيز حين سألهم أن يفتوه في رؤياه قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ يوسف:44.

أمّا الرّؤيا فجاءت في القرآن سبع مرّات،كلّها في الرّؤيا الصّادقة،و هو لا يستعملها إلاّ بصيغة المفرد،دلالة على التّميّز و الوضوح و الصّفاء.

و من بين المرّات السّبع جاءت«الرّؤيا»خمس مرّات للأنبياء،فهي من صدق الإلهام القريب من الوحي.رؤيا إبراهيم عليه السّلام في آية الصّافّات:104، 105، وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ و رؤيا يوسف إذ يقول له أبوه: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ يوسف:5، نتابع سياقها في السّورة فنراها قد صدقت و تحقّقت وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ... يوسف:100،و رؤيا المصطفى عليه السّلام في الإسراء:60، وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ و رؤياه في الفتح:27، لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ....

ص: 676

فهذه خمس مرّات من استعمال القرآن للرّؤيا من الأنبياء.و المرّتان الأخريان في رؤيا العزيز و قد صدقت، و في آيتها عبّر عنها القرآن مرّتين على لسان الملك بالرّؤيا،لوضوحها في منامه و جلائها و صفائها،و إن بدت للملإ من قومه هواجس أوهام و أضغاث أحلام، وَ قالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ...* قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ يوسف:43،44،و تمضي القصّة في سياقها القرآنيّ، فإذا رؤيا الملك صادقة الإلهام،و ليست كما بدت للملإ من قومه أضغاث أحلام.(الإعجاز البيانيّ:198)

المصطفويّ: أي أمور مشوّشة متفرّقة تتراءى في النّوم،و يراها النّائم حين اطمأنّ و استراح عن اضطراب اليقظة،يريد أنّ هذه الرّؤيا بمقتضى حصول حالة السّكون و الطّمأنينة،ثمّ انتقاش الصّور المتشتّة في النّفس.و هذا المعنى هو الموجب في هذا التّعبير دون كلمة رؤيا النّائم،فإنّ منها الرّؤيا الصّادقة.(2:296)

مكارم الشّيرازيّ: الأحلام:جمع حلم،على وزن«رخم»معناه الطّيف و الرّؤيا،فيكون معنى أَضْغاثُ أَحْلامٍ هو الأطياف المختلطة،فكأنّها متشكّلة من مجموعة مختلفة و متفاوتة من الأشياء، و جاءت كلمة(الاحلام)في جملة وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ مسبوقة بالألف و اللاّم العهديّة،و هي إشارة إلى أنّ المعبّرين غير قادرين على تأويل مثل هذه الأحلام.

و من اللاّزم ذكر هذه المسألة الدّقيقة،و هي:أنّ إظهار عجز أولئك في الحقيقة كان من أجل أنّ المفهوم الواقعيّ لهذه الرّؤيا عندهم غير واضح،و لذلك عدوّها ضمن الأحلام المختلطة و الأضغاث حيث قسّموا الأحلام إلى قسمين:

أحلام ذات معنى،و هي قابلة للتّعبير.

و أحلام مختلطة لا معنى لها لم يجدوا لها تعبيرا و تأويلا.و كانوا يعدّون هذا النّوع نتيجة قوّة الخيال، على العكس من النّوع الأوّل الّذي يعدّونه نتيجة اتّصال الرّوح بعالم الغيب.

كما أنّ هناك احتمالا آخر واردا،و هو أنّهم توقّعوا أن تقع حوادث مزعجة في المستقبل،و ما اعتاد عليه حاشية الملوك و الطّغاة هو ذكر المسائل المريحة لهم فحسب،و كما يصطلح عليه ما فيه طيب الخاطر، و يمتنعون عن ذكر ما يزعجهم،و هذا أحد أسباب سقوط مثل هذه الحكومات المتجبّرة.

هنا يرد سؤال،و هو:كيف تجرّأ هؤلاء أمام السّلطان،بقولهم جوابا لسؤاله عن رؤياه:إنّها أَضْغاثُ أَحْلامٍ في حين أنّ المعروف عند حاشية السّلطان أن تفلسف كلّ حركة منه و لو كانت بغير معنى، و يفسّرونها تفسيرا مقبولا؟!

من الممكن أنّهم رأوا الملك مهموما من هذه الرّؤيا، و كان من حقّه ذلك،لأنّه رأى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ يوسف:43،ألاّ يدلّ ذلك على أنّ من الممكن أنّ أفرادا ضعافا يتسلّمون السّلطة من يده على

ص: 677

حين غرّة،لذلك قالوا له: أَضْغاثُ أَحْلامٍ ليرفعوا الكدورة عن خاطره،أي لا تتأثّر فما هنالك أمر مهمّ، و هذه الأحلام لا يمكن أن تكون دليلا على أيّ شيء.

و هناك احتمال آخر يذكره المفسّرون،و هو أنّ مرادهم من أَضْغاثُ أَحْلامٍ لم يكن أنّ هذه الأحلام لا تأويل لها،بل المراد أنّ مثل هذه الأحلام ملتوية و مجموعة من أمور مختلفة،و هم غير قادرين على تأويل.مثل هذه الأحلام،فهم لم ينكروا إمكان وجود أستاذ ماهر و قادر على تأويل هذه الرّؤيا،و إنّما أظهروا عجزهم عن التّعبير و التّأويل فحسب.(7:199)

فضل اللّه :هل للأحلام حقيقة في الواقع؟و ربّما كان في هذا الفهم بعض الصّواب نستوحيه من قصّة يوسف الّتي توحي بأنّ للأحلام عمقا في حركة الواقع الإنسانيّ، و مدلولا حقيقيّا في ما يعنيه الرّمز الحيّ،للحاضر و المستقبل،و في ما نفهمه من أنّ معرفة أسرارها تحتاج إلى إلهام ربّانيّ،يلهم اللّه فيه بعض عباده،ما يستطيعون به تحليل تفاصيلها،و توضيح مبهماتها،فقد يعطي اللّه بعضهم سعة المعرفة في ذلك كلّه،و قد يمنح البعض القليل من ذلك،و ربّما لا يستطيع الإنسان الجزم دائما،بأنّ هناك قواعد ثابتة لمعرفة طبيعة الرّمز و علاقته بالواقع،على الشّكل المطلق،فقد تختلف القضيّة حسب اختلاف الأجواء المحيطة بالرّمز،و دلالته من حيث الشّخص و الزّمان و المكان،في ما يتّسع فيه الأمر لأكثر من احتمال.

و لكن هل معنى ذلك،أنّ للمسألة بعدا كلّيّا يفرض وجود حقيقة مع كلّ حلم،أو أنّ للمسألة بعدا جزئيّا في هذا المجال؟فقد تكون بعض الأحلام،ردّ فعل لحالة نفسيّة،أو غذائيّة أو عمليّة،أو استذكارا لأوضاع ماضية في حياته،ممّا يجعلها صورة لما تختزنه النّفس من مشاعر،و أفكار و انفعالات،أو لما يعيشه الجسد من حاجات.

ليس لدينا ما يؤكّد الشّموليّة الكلّيّة للمسألة،بل قد نجد أنّ العكس هو الصّحيح في ما نراه من عدم الصّدق في الكثير من الأحلام،و ارتباط بعضها بالعوامل الذّاتيّة الخاصّة.

أمّا حول طبيعة القاعدة العمليّة الّتي تخضع لها الرّؤيا،و تصلح مقياسا لصدقها أو كذبها،فإنّنا لم نقف لها على أساس ثابت،بل ليس هناك سوى الحدس و التّخمين،أو التّعليلات المنطلقة من إخضاع الإنسان لنظريّة العامل الواحد،كما نلاحظ في التّعليل الّذي يقدّمه فرويد،و الّذي يعطي الأحلام مداليل جنسيّة، تتحوّل فيها رموز الأحلام إلى رموز للأعضاء التّناسليّة، أو الحالات الجنسيّة و ما إلى ذلك،ارتكازا على نظريّته.

و لكن مثل هذه الاحتمالات أو النّظريّات لا ترتكز على أساس قطعيّ لها،يجعلها في دائرة الحقيقة العلميّة، كما لا تنطلق من حجج علميّة مقنعة تجعلها في نطاق النّظريّة العلميّة المعقولة،و لهذا فإنّنا لا نستطيع الجزم بشيء من هذا القبيل،تجاه ما نشاهده أو ينقل إلينا من أحلام،إلاّ من خلال النّتائج الّتي نواجهها في المستقبل، ممّا يتطابق مع صورة المنام،أو نجدها في واقعنا الحاضر.

ص: 678

إنّها لون من ألوان الغيب الدّاخليّ في عالم النّفس الّذي لم نستطع أن نبلغ فيه المدى الواسع من آفاته،لأنّنا لم نعرف طريقة النّفس،أو الرّوح،في إدراكها للمستقبل، ممّا يدخل في عالم النّبوءات من خلال الفكر أو الإلهام،أو من خلال الأحلام،و ربّما يكشف اللّه للإنسان في المستقبل بعض الوسائل الّتي تقوده إلى معرفة بعض حقائقه،بطريقة أو بأخرى.

و لكنّ ذلك كلّه لا يمنع الإنسان من محاولة استيحاء رموز و دلائل أحلام الآخرين،خاصّة ما يمكن أن يفتح قلبه على آفاق الإيمان،أو يدفعه إلى تصحيح خطأ من الأخطاء،أو يمنعه من السّير في طريق منحرف،فإنّ ذلك يعتبر أسلوبا من أساليب التّوعية،و وسيلة من وسائل الهداية.و هذا ما ينبغي أن يستفيد الدّعاة إلى اللّه منه لدى سماع ما يرويه الآخرون من أحلامهم،لأنّ الأحلام باب واسع من أبواب الدّعوة.(12:217)

احلامهم

أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ.

الطّور:32

ابن زيد :كانوا يعدّون في الجاهليّة أهل الأحلام، فقال اللّه:أم تأمرهم أحلامهم بهذا أن يعبدوا أصناما بكما صمّا،و يتركوا عبادة اللّه،فلم تنفعهم أحلامهم حين كانت لدنياهم،و لم تكن عقولهم في دينهم،لم تنفعهم أحلامهم.(الطّبريّ 27:32)

الفرّاء: الأحلام في هذا الموضع:العقول و الألباب.(3:93)

ابن قتيبة :أي تدلّهم عقولهم عليه،لأنّ الحلم يكون من العقل،فكنّي عنه به.

(تأويل مشكل القرآن:152)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:أ تأمر هؤلاء المشركين أحلامهم بأن يقولوا لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:هو شاعر،و أنّ ما جاء به شعر.(27:32)

الشّريف الرّضيّ: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ...

و هذه استعارة،أي كانوا حكماء عقلاء كما يدّعون، فكيف تحملهم أحلامهم و عقولهم على أن يرموا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالسّحر و الجنون،و قد علموا بعده عنهما و مباينته لهما؟و هذا القول منهم سفه و كذب،و هاتان الصّفتان منافيتان لأوصاف الحلماء و مذاهب الحكماء.

و مخرج قوله: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ مخرج التّبكيت لهم،و الإزراء عليهم،و نظير هذا الكلام قوله سبحانه حاكيا عن قوم شعيب عليه السّلام: قالُوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا هود:87،أي دينك و ما جئت به من شريعتك الّتي فيها الصّلوات و غيرها من العبادات،تحملك على أمرنا بترك ما يعبد آباؤنا.(189)

الثّعلبيّ: عقولهم(بهذا)و أنّهم كانوا يعدّون في الجاهليّة أهل الأحلام،و يوصفون بالعقل.و قيل لعمرو بن العاص:ما بال قومك لم يؤمنوا و قد وصفهم اللّه سبحانه بالعقول؟فقال:تلك عقول كادها اللّه،أي لم يصحبها التّوفيق.(9:131)

ص: 679

نحوه ابن الجوزيّ.(8:54)

الطّوسيّ: (احلامهم)أي عقولهم تأمرهم به، و تدعوهم إليه.و الأحلام:جمع الحلم،و هو الإمهال الّذي يدعو إليه العقل و الحكمة،فاللّه تعالى حليم كريم، لأنّه يمهل العصاة بما تدعو إليه الحكمة،يقال:هذه أحلام قريش،أي عقولهم.(9:413)

البغويّ: عقولهم(بهذا)و ذلك أنّ عظماء قريش كانوا يوصفون بالأحلام و العقول،فأزرى اللّه بعقولهم حين لم يتميّز لهم معرفة الحقّ من الباطل.(4:294)

نحوه الطّبرسيّ.(5:168)

الميبديّ: أي عقولهم،و الحلم،أي العقل.و قيل:

الحلم أشرف فيوصف اللّه سبحانه بالحلم و لا يوصف بالعقل،و قد ينفى الحلم عمّن يوصف بالعقل.و قيل:

الحلم:الإمهال الّذي يدعو إليه الحكمة.[ثمّ ذكر مثل الثّعلبيّ](9:338)

الزّمخشريّ: عقولهم و ألبابهم،و منه قولهم:أحلام عاد،و المعنى:أ تأمرهم أحلامهم بهذا التّناقض في القول، و هو قولهم:كاهن و شاعر مع قولهم:مجنون،و كانت قريش يدعون أهل الأحلام و النّهى أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ مجاوزون الحدّ في العناد مع ظهور الحقّ لهم.

فإن قلت:ما معنى كون الأحلام آمرة؟

قلت:هو مجاز لأدائها إلى ذلك،كقوله تعالى:

أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا هود:87.

(4:25)

نحوه البيضاويّ(2:426)،و النّسفيّ(4:192)، و النّيسابوريّ(27:20)،و أبو حيّان(8:151)، و أبو السّعود(6:147).

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:[ثمّ ذكر الأولى و الثّانية ثمّ قال:]

المسألة الثّالثة:ما الأحلام؟نقول:جمع حلم و هو العقل،و هما من باب واحد من حيث المعنى،لأنّ العقل يضبط المرء،فيكون كالبعير المعقول لا يتحرّك من مكانه،و الحلم من الحلم،و هو أيضا سبب وقار المرء و ثباته،و كذلك يقال للعقول:النّهى من النّهي،و هو المنع.

و فيه معنى لطيف،و هو أنّ الحلم في أصل اللّغة هو ما يراه النّائم فينزل و يلزمه الغسل،و هو سبب البلوغ، و عنده يصير الإنسان مكلّفا،و كأنّ اللّه تعالى من لطف حكمته قرن الشّهوة بالعقل،و عند ظهور الشّهوة كمل العقل،فأشار إلى العقل بالإشارة إلى ما يقارنه و هو الحلم،ليعلم أنّه نذير كمال العقل،لا العقل الّذي به يحترز الإنسان تخطّي الشّرك و دخول النّار.و على هذا ففيه تأكيد لما ذكرنا أنّ الإنسان لا ينبغي أن يقول كلّ معقول، بل لا يقول إلاّ ما يأمر به العقل الرّزين الّذي يصحّح التّكليف.

المسألة الرّابعة:(هذا)إشارة إلى ما ذا؟نقول:فيه وجوه:

الأوّل:أن يكون هذا إشارة مبهمة،أي بهذا الّذي يظهر منهم قولا و فعلا؛حيث يعبدون الأصنام و الأوثان، و يقولون الهذيان من الكلام.

ص: 680

الثّاني:(هذا)إشارة إلى قولهم:هو كاهن،هو شاعر،هو مجنون.

الثّالث:(هذا)إشارة إلى التّربّص،فإنّهم لمّا قالوا:

(نتربّص)،قال اللّه تعالى:أ عقولهم تأمرهم بتربّص هلاكهم،فإنّ أحدا لم يتوقّع هلاك نبيّه إلاّ و هلك.

المسألة الخامسة:هل يصحّ أن تكون(ام)في هذا الموضع بمعنى«بل»؟

نقول:نعم،تقديره:يقولون:إنّه شاعر قولا بل يعتقدونه عقلا،و يدخل في عقولهم ذلك،أي ليس ذلك قولا منهم من غير عقل،بل يعتقدون كونه كاهنا و مجنونا،و يدلّ عليه قراءة من قرأ (بل هم قوم طاغون).

لكن(بل)هاهنا واضح،و في قوله:(بل تامرهم احلامهم)خفيّ.(28:257)

نحوه الشّربينيّ.(4:117)

القرطبيّ: أي عقولهم.[إلى أن قال:]

و قيل:(احلامهم)أي أذهانهم،لأنّ العقل لا يعطى للكافر،و لو كان له عقل لآمن.و إنّما يعطى الكافر الذّهن،فصار عليه حجّة،و الذّهن يقبل العلم جملة، و العقل يميّز العلم و يقدّر المقادير لحدود الأمر و النّهي.

[ثمّ ذكر حديثا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله](17:73)

البروسويّ: أي دع تفوّههم بهذه الأقوال الزّائغة المتناقضة،و فيهم ما هو أقبح من ذلك،و هو أنّهم سفهاء ليسوا من أهل التّمييز،و الأحلام:العقول[ثمّ ذكر قول الرّاغب و أضاف:]

و أمر الأحلام بذلك مجاز عن أدائها إلى التّناقض بعلاقة السّببيّة،كقوله: أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا هود:87،لا أنّه جعلت الأحلام آمرة على الاستعارة المكنيّة.و في«الكواشي»:جعلت الحلوم آمرة مجازا،و لضعفها جمعت جمع القلّة.(9:201)

الآلوسيّ: أي عقولهم،و كانت قريش يدعون أهل الأحلام و النّهى-و ذلك على ما قال الجاحظ-لأنّ جميع العالم يأتونهم و يخالطونهم،و بذلك يكمل العقل،و هو يكمل بالمسافرة و زيادة رؤية البلاد المختلفة و الأماكن المتباينة،و مصاحبة ذوي الأخلاق المتفاوتة،و قد حصل لهم الغرض بدون مشقّة.[إلى أن قال:]

و أمر الأحلام بذلك مجاز عن التّأدية إليه بعلاقة السّببيّة كما قيل.و قيل:جعلت الأحلام آمرة على الاستعارة المكنيّة فتشبّه الأحلام بسلطان مطاع تشبيها مضمرا في النّفس،و تثبت له الأمر على طريق التّخييل.

(27:36)

مغنيّة:و المراد ب(احلامهم):عقولهم البالية، و أمانيهم الخادعة.(7:167)

ابن عاشور :إضراب انتقال دعا إليه ما في الاستفهام الإنكاريّ المقدّر بعد(ام)من معنى التّعجيب من حالهم،كيف يقولون مثل ذلك القول السّابق، و يستقرّ ذلك في إدراكهم و هم يدّعون أنّهم أهل عقول لا تلتبس عليهم أحوال النّاس.فهم لا يجهلون أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم ليس بحال الكهّان و لا المجانين و لا الشّعراء.

و قد أبى عليهم الوليد بن المغيرة أن يقول مثل ذلك في قصّة معروفة.[إلى أن قال:]

ص: 681

و الحلم:العقل،قال الرّاغب:المانع من هيجان الغضب.و في«القاموس»:هو الأناة.و في«معارج النّور»:و الحلم ملكة غريزيّة تورث لصاحبها المعاملة بلطف و لين لمن أساء أو أزعج اعتدال الطّبيعة.

و معنى إنكار أن تأمرهم أحلامهم بهذا،أنّ الأحلام الرّاجحة لا تأمر بمثله،و فيه تعريض بأنّهم أضاعوا أحلامهم حين قالوا ذلك،لأنّ الأحلام لا تأمر بمثله،فهم كمن لا أحلام لهم،و هذا تأويل ما روي:أنّ الكافر لا عقل له.قالوا:و إنّما للكافر الذّهن،و الذّهن يقبل العلم جملة،و العقل يميّز العلم و يقدّر المقادير لحدود الأمر و النّهي.(27:75)

مكارم الشّيرازيّ: و كان سراة قريش يعرفون بين قومهم بذوي الأحلام،أي أصحاب العقول، فالقرآن يقول:أيّ عقل هذا الّذي يدّعي-بأنّ وحي السّماء الّذي فيه دلائل الحقّ و الصّدق،و هو واضح في جميع محتواه-بأنّ هذا الوحي شعر أو كهانة،و أن يزعم حامله«النّبيّ»الّذي عرف بالصّدق و الأمانة منذ عهد بعيد،بأنّه شاعر أو مجنون و ما إلى ذلك!؟

فبناء على ذلك ينبغي أن يستنتج أنّ هذه التّهم و الافتراءات ليست ممّا تقول به عقولهم و تأمرهم به،بل أساسها طغيانهم و تعصّبهم،و روح العصيان المتمرّد عليهم أو فيهم،فما أن وجدوا منافعهم غير المشروعة في خطر حتّى ودّعوا العقل،و لوّوا رءوسهم نحو الطّغيان عنادا عن اتّباع الحقّ.

و الأحلام:جمع حلم و معناه العقل،و لكن كما يقول الرّاغب في«مفرداته»:إنّ الحلم في الحقيقة بمعنى ضبط النّفس و التّجلّد عند الغضب،و هو واحد من دلائل العقل و الدّراية،و يشترك مع الحلم على زنة العلم في «الجذر».

و هذه الكلمة«الحلم»قد تأتي بمعنى الرّؤيا و المنام، و لا يبعد مثل هذا التّفسير في هذه الآية،فكأنّ كلماتهم ناتجة عن أطيافهم و رؤياهم.(17:169)

حليم

1- لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ. البقرة:225

ابن قتيبة :و من صفاته ما جاء على«فعيل» لا يكون منها غير لفظها،نحو:قريب و جليل و حليم و عظيم و كبير و كريم،و هو الصّفوح عن الذّنوب.(17)

عبد الجبّار:[في بيان معاني أسماء اللّه و أوصافه]

و منها الحليم،و فائدته أنّه لا يتعجّل العقوبة خشية الفوت،كما يفعله أحدنا.(492)

الماورديّ: غفور لعباده فيما لغوا من أيمانهم،حليم في تركه مقابلة أهل حسنته بالعقوبة على معاصيهم.

(1:287)

الميبديّ: يؤخّر العقوبة عن الكافرين و العصاة، و الحلم من النّاس:التّثبّت و الأناة،و من اللّه:الإمهال.

(1:604)

ابن عطيّة: صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة؛إذ هو باب رفق و توسعة.(1:302)

ص: 682

مثله القرطبيّ.(3:102)

الطّبرسيّ: يمهل العقوبة على الذّنب و لا يعجل بها.

(1:323)

ابن الجوزيّ: «الحليم»:ذو الصّفح الّذي لا يستفزّه غضب،فيعجل،و لا يستخفّه جهل جاهل مع قدرته على العقوبة.

قال أبو سليمان الخطّابيّ: و لا يستحقّ اسم الحليم من سامح مع العجز عن المجازاة،إنّما الحليم الصّفوح مع القدرة،المتأنّي الّذي لا يعجل بالعقوبة.

و قد أنعم بعض الشّعراء أبياتا في هذا المعنى فقال:

لا يدرك المجد أقوام و إن كرموا

حتّى يذلّوا و إن عزّوا لأقوام

و يشتموا فترى الألوان مسفرة

لا صفح ذلّ،و لكن صفح أحلام

قال:و يقال:حلم الرّجل يحلم حلما بضمّ اللاّم في الماضي و المستقبل.و حلم في النّوم،بفتح اللاّم يحلم حلما،اللاّم في المستقبل و الحاء في المصدر مضمومتان.

(1:255)

الفخر الرّازيّ: فاعلم أنّ الحلم في كلام العرب:

الأناة و السّكون.يقال:ضع الهودج على أحلم الجمال، أي على أشدّها تؤدة في السّير،و منه:الحلم،لأنّه يرى في حال السّكون،و حلمة الثّدي.و معنى«الحليم»في صفة اللّه الّذي لا يعجل بالعقوبة،بل يؤخّر عقوبة الكفّار و الفجّار.(6:84)

البيضاويّ: (حليم)حيث لم يعجل بالمؤاخذة على يمين الجدّ تربّصا للتّوبة.(1:119)

مثله الشّربينيّ.(1:146)

الخازن :يعني في ترك معاجلة أهل العصيان بالعقوبة.قال الحليميّ في معنى الحليم:إنّه الّذي لا يحبس إنعامه و أفضاله عن عباده لأجل ذنوبهم،و لكنّه يرزق العاصي كما يرزق المطيع،و يبقيه و هو منهمك في معاصيه،كما يبقي البرّ المتّقي.و قد يقيه الآفات و البلايا و هو غافل لا يذكره،فضلا عن أن يدعوه،كما يقيها النّاسك الّذي يدعوه و يسأله.(1:186)

أبو حيّان :جاءت هاتان الصّفتان غَفُورٌ حَلِيمٌ تدلاّن على توسعة اللّه على عباده؛حيث لم يؤاخذهم باللّغو في الأيمان.و في تعقيب الآية بهما إشعار بالغفران و الحلم عن من أوعده تعالى بالمؤاخذة،و إطماع في سعة رحمته،لأنّ من وصف نفسه بكثرة الغفران و الصّفح مطموع في ما وصف به نفسه،فهذا الوعيد الّذي ذكره تعالى مقيّد بالمشيئة،كسائر وعيده تعالى.(2:180)

أبو السّعود :حيث لم يعجل بالمؤاخذة،و الجملة اعتراض مقرّر لمضمون قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ...

و فيه إيذان بأنّ المراد بالمؤاخذة:المعاقبة لا إيجاب الكفّارة؛إذ هي الّتي يتعلّق بها المغفرة و الحلم دونه.

(1:270)

البروسويّ: [ذكر مثل أبي السّعود و أضاف:]

و الفرق بين الحليم و الصّبور:أنّه الّذي لا يشمئزّ من الأمر،ثمّ لا يستفزّه غضب،و لا يعتريه غيظ،و لا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة

ص: 683

و طيش،كما قال اللّه تعالى: وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ النّحل:61.

و حظّ العبد من وصف الحليم ظاهر،فالحلم من محاسن خصال العباد،و في الحديث:«إنّ الرّجل المسلم ليدرك بالحلم مرتبة الصّائم القائم».(1:350)

الآلوسيّ: حيث لم يعجل بالمؤاخذة على يمين الجدّ.

و الجملة تذييل للجملتين السّابقتين،و فائدته الامتنان على المؤمنين.و شمول الإحسان لهم.

و الحليم:من حلم بالضّمّ يحلم،إذا أمهل بتأخير العقاب؛و أصل الحلم:الأناة.

و أمّا حلم الأديم فبالكسر يحلم بالفتح،إذا فسد.

و أمّا حلم،أي رأى في نومه فبالفتح،و مصدر الأوّل:

الحلم بالكسر،و مصدر الثّاني:الحلم بفتح اللاّم، و مصدر الثّالث:الحلم بضمّ الحاء،مع ضمّ اللاّم و سكونها.(2:129)

رشيد رضا :لا يتعجّل بالعقوبة على هذا اللّمم الّذي يضعف العبد عن التّوقّي منه،و لذلك لم يكلّف عباده ما يشقّ عليهم فيما لم تقصده قلوبهم و لم تتعمّده نفوسهم،لأنّه ممّا لا يدخل تحت سلطة الاختيار.

(2:367)

نحوه المراغيّ.(2:161)

المصطفويّ: ثمّ إنّ صفة الحلم المنتسبة إلى اللّه المتعال ذكرت في القرآن الكريم مقرونة بصفات أخرى على ما يقتضيها المقام:غفور حليم،غنىّ حليم،عليم حليم،شكور حليم.

و إذا نسبت إلى فرد من الإنسان فهي من أشرف الصّفات،و من محامد الغرائز البشريّة،الّتي يرتقي بها الإنسان إلى أعلى المقامات،و يتمكّن في السّلوك إلى اللّه العزيز بالسّكون و الطّمأنينة إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114، فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ الصّافّات:101.

(2:296)

2- قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَ اللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ. البقرة:263

ابن عبّاس: الحليم:الّذي قد كمل في حلمه.

(الطّبريّ 3:64)

الطّبريّ: حليم حين لا يعجل بالعقوبة على من يمنّ بصدقته منكم،و يؤذي فيها من يتصدّق بها عليه.

(3:64)

نحوه الثّعلبيّ(2:261)،و البغويّ(1:360).

الطّوسيّ: و الحلم:الإمهال بتأخير العقوبة للإنابة، و لو وقع موقع«حليم»«حميد»أو«عليم»لما حسن، لأنّه تعالى لمّا نهاهم أن يتبعوا الصّدقة بالمنّ،بيّن أنّهم إن خالفوا ذلك فهو غنيّ عن طاعتهم،حليم في أن لا يعاجلهم بالعقوبة.(2:335)

نحوه الطّبرسيّ.(1:375)

الزّمخشريّ: عن معاجلته بالعقوبة،و هذا سخط منه و وعيد له.(1:394)

مثله البيضاويّ(1:138)،و النّسفيّ(1:133)، و النّيسابوريّ(3:44)،و أبو حيّان(2:308)،

ص: 684

و أبو السّعود(1:308)،و البروسويّ(1:421)، و الآلوسيّ(3:34)،و المراغيّ(3:33).

الطّباطبائيّ: و الحلم:السّكوت عند المكروه من قول أو فعل...(حليم)لا يتعجّل في المؤاخذة على السّيّئة،و لا يغضب عند كلّ جهالة.(2:389)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ العبارات القصيرة الّتي تأتي في ختام الآيات عادة،و تورد بعض صفات اللّه تعالى ترتبط حتما بمضمون الآية نفسها.و على هذا فمن الممكن أن يكون المقصود من وَ اللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ هو أنّ الإنسان ظالم بالطّبع،و لذلك فإنّه إذا نال منصبا و حصّل ثروة،حسب نفسه غنيّا،و لم يعد بحاجة إلى الآخرين، و قد تحدو به هذه الحالة إلى استعمال الخشونة و التّهجّم ضدّ المحرومين و المحتاجين.لذلك يقول القرآن:إنّ الغنيّ بذاته هو اللّه،فاللّه هو وحده الغنيّ الّذي لا يحتاج شيئا، أمّا إحساس البشر بأنّه غنيّ فسراب خادع،لا ينبغي أن يؤدّي إلى الطّغيان و التّعالي على الفقراء.

ثمّ إنّ اللّه حليم بالنّسبة للّذين لا يشكرون،فعلى المؤمنين أن يكونوا كذلك أيضا.

و قد تكون الآية إشارة إلى أنّ اللّه غنيّ عن إنفاقكم، و أنّ ما تنفقونه إنّما هو لخيركم أنفسكم،فلا تمنّوا على أحد.ثمّ إنّ اللّه حليم باتّجاه خشونتكم و لا يتعجّل معاقبتكم،لعلّكم تستيقظون و تصلحون أنفسكم.

(2:211)

3- ...وَصِيَّةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ. النّساء:12

الطّبريّ: ذو حلم على خلقه،و ذو أناة في تركه معاجلتهم بالعقوبة،على ظلم بعضهم بعضا في إعطائهم الميراث لأهل الجلد و القوّة من ولد الميّت و أهل الغناء و البأس منهم،دون أهل الضّعف و العجز،من صغار ولده و إناثهم.(4:289)

الطّوسيّ: (حليم)بإمهال من يعصيه،فلا يغترّ مغترّ بإمهال.(3:137)

الزّمخشريّ: (حليم)عن الجائر لا يعاجله،و هذا وعيد.(1:510)

رشيد رضا :لا يسمح لكم بأن تعجلوا بعقوبة من تستاءون منه و مضارّته بالوصيّة،كما أنّه لم يسمح لكم بحرمان النّساء و الأطفال من الإرث،و هو لا يعجل بالعقاب في أحكامه،و لا في الجزاء على مخالفتها،عسى أن يتوب المخالف.

بعد كتابة ما تقدّم رأيت في كرّاسة لبعض تلاميذ الأستاذ الإمام كلاما نقله من درسه،في تفسير وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ هذا مثاله بتصرّف في المعنى،و اختلاف في الأسلوب:

هذا تحريض على أخذ وصيّة اللّه تعالى و أحكامه بقوّة،و تنبيه إلى أنّه تعالى فرضها و هو يعلم ما فيها من الخير و المصلحة لنا وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ و إذا كنّا نعلم أنّه تعالى شأنه أعلم منّا بمصالحنا و منافعنا،فما علينا إلاّ أن نذعن لوصاياه و فرائضه،و نعمل بما ينزله علينا من هدايته.

و كما يشير اسم«العليم»هنا إلى وضع تلك

ص: 685

الأحكام على قواعد العلم بمصلحة العباد و منفعتهم، يشير أيضا إلى وجوب مراقبة الوارثين و القوّام على التّركات للّه تعالى في عملهم بتلك الأحكام،لأنّه عليم لا يخفى عليه حال من يلتزم الحقّ في ذلك،و يقف عند حدود اللّه عزّ و جلّ،و حال من يتعدّى تلك الحدود بأكل شيء من الوصايا أو الدّين،أو حقّ صغار الوارثين أو النّساء،الّذي فرضه اللّه لهم كما كانت تفعل الجاهليّة؛ و لذلك قال في الآية السّابقة: إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً. فللتّذكير بعلمه تعالى هنا فائدتان:فائدة تتعلّق بحكمة التّشريع،و فائدة تتعلّق بكيفيّة التّنفيذ.

و قد يخطر في البال أنّ المناسب الظّاهر في هذه الآية أن يقرن وصف العلم بوصف الحكمة كالآية الأخرى، فيقال: وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فما هي النّكتة في إيثار الوصف بالحلم على الوصف بالحكمة،و المقام مقام تشريع،و حثّ على اتّباع الشّريعة،لا مقام حثّ على التّوبة فيؤتى فيه بالحلم،الّذي يناسب العفو و الرّحمة؟

و الجواب عن ذلك:أنّ التّذكير بعلم اللّه تعالى لمّا كان متضمّنا لإنذار من يتعدّى حدوده تعالى فيما تقدّم من الوصيّة و الدّين و الفرائض و وعيده،و كان تحقّق الإنذار و الوعيد بعقاب معتدي الحدود و هاضم الحقوق قد يتأخّر عن الذّنب،و كان ذلك مدعاة غرور الغافل، ذكّرنا تعالى هنا بحلمه،لنعلم أنّ تأخّر نزول العقاب لا ينافي ذلك الوعيد و الإنذار،و لا يصحّ أن يكون سببا للجراءة و الاغترار.فإنّ الحليم هو الّذي لا تستفزّه المعصية إلى التّعجيل بالعقوبة،و ليس في الحلم شيء من معنى العفو و الرّحمة،فكأنّه يقول:لا يغرّنّ الطّامع في الاعتداء،و أكل الحقوق تمتّع بعض المعتدين بما أكلوا بالباطل،فينسى علم اللّه تعالى بحقيقة حالهم،و وعيده لأمثالهم،فيظنّ أنّهم بمفازة من العذاب،فيتجرّأ على مثل ما تجرّءوا عليه من الاعتداء،و لا يغرّنّ المعتدي نفسه، تأخّر نزول الوعيد به،فيتمادى في المعصية،بدلا من المبادرة إلى التّوبة،لا يغرّنّ هذا و لا ذاك تأخير العقوبة، فإنّه إمهال يقتضيه الحلم،لا إهمال من العجز أو عدم العلم.

و فائدة المذنب من حلم الحليم القادر أنّه يترك له وقتا للتّوبة و الإنابة بالتّأمّل في بشاعة الذّنب و سوء عاقبته،فإذا أصرّ المذنب على ذنبه،و لم يبق للحلم فائدة في إصلاح شأنه،يوشك أن يكون عقاب الحليم له أشدّ من عقاب السّفيه على البادرة عند حدوثها.

و من الأمثال في ذلك:«اتّقوا غيظ الحليم»ذلك بأنّ غيظه لا يكون إلاّ عند آخر درجات الحلم إذا لم تبق الذّنوب منه شيئا،و عند ذلك يكون انتقامه عظيما.نعم إنّ حلم اللّه تعالى لا يزول،و لكنّه يعامل به كلّ أحد بقدر معلوم وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ الرّعد:8،فلا ينبغي للعاقل أن يغترّ بحلمه تعالى،كما أنّه لا ينبغي له أن يغترّ بكرمه يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* اَلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ الانفطار:6-8.(4:425)

4- وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ

ص: 686

وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ. التّوبة:114

ابن عبّاس: حليم عن الجهل.(167)

الحليم:السّيّد.(البغويّ 2:396)

الطّبريّ: حليم عمّن سبّه و ناله بالمكروه؛و ذلك أنّه صلوات اللّه عليه وعد أباه بالاستغفار له،و دعاء اللّه له بالمغفرة عند وعيد أبيه إيّاه،و تهدّده له بالشّتم بعد ما ردّ عليه نصيحته في اللّه.(11:51)

نحوه الثّعلبيّ(5:103)،و البغويّ(2:396).

الطّوسيّ: الحليم:هو الممهل على وجه حسن.

و الحلم:الإمهال على ما تقتضيه الحكمة،و هي صفة مدح،و اللّه حليم عن العصاة بإمهاله لهم،مع قدرته على تعجيل عقوبتهم.(5:358)

الميبديّ: الحليم:الواسع العقل،المستقيم الخلق، القويّ القلب،الرّزين الصّبر.(4:223)

ابن عطيّة: صابر محتمل عظيم العقل،و الحلم:

العقل.(3:92)

الطّبرسيّ: يقال:بلغ من حلم إبراهيم عليه السّلام أنّ رجلا قد أذاه و شتمه،فقال له:هداك اللّه.و أصله:أنّه الصّبور على الأذى،الصّفوح عن الذّنب.(3:77)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى إنّما وصفه بهذين الوصفين لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ في هذا المقام،لأنّه تعالى وصفه بشدّة الرّقّة و الشّفقة و الخوف و الوجل،و من كذلك فإنّه تعظم رقّته على أبيه و أولاده،فبيّن تعالى أنّه مع هذه العادة تبرّأ من أبيه،و غلظ قلبه عليه،لمّا ظهر له إصداره على الكفر،فأنتم بهذا المعنى أولى،و كذلك وصفه أيضا بأنّه حليم،لأنّ أحد أسباب الحلم رقّة القلب،و شدّة العطف،لأنّ المرء إذا كان حاله هكذا اشتدّ حلمه عند الغضب.(16:211)

نحوه النّيسابوريّ.(11:31)

القرطبيّ: الحليم:الكثير الحلم،و هو الّذي يصفح عن الذّنوب،و يصبر على الأذى.

و قيل:الّذي لم يعاقب أحدا قطّ إلاّ في اللّه،و لم ينتصر لأحد إلاّ للّه،و كان إبراهيم عليه السّلام كذلك،و كان إذا قام يصلّي سمع وجيب (1)قلبه على ميلين.(8:276)

البيضاويّ: صبور على الأذى،و الجملة لبيان ما حمله على الاستغفار له،مع شكاسته عليه.(1:434)

مثله الشّربينيّ.(1:655)

النّسفيّ: هو الصّبور على البلاء،الصّفوح عن الأذى،لأنّه كان يستغفر لأبيه،و هو يقول:

لَأَرْجُمَنَّكَ. (2:148)

نحوه البروسويّ(3:523)،و القاسميّ(8:

3281).

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ و أضاف:]

و فيه إيذان بأنّ إبراهيم عليه السّلام كان أوّاها حليما، فلذلك صدر عنه ما صدر من الاستغفار قبل التّبيّن، فليس لغيره أن يأتسي به في ذلك،و تأكيد لوجوب الاجتناب عنه بعد التّبيّن بأنّه عليه السّلام تبرّأ منه بعد التّبيّن،ه.

ص: 687


1- وجيب القلب:خفقانه و اضطرابه.

و هو في كمال رقّة القلب و الحلم،فلا بدّ أن يكون غيره أكثر منه اجتنابا و تبرّؤا.(3:198)

رشيد رضا :هذه الجملة المؤكّدة بوصف إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم بالمبالغة في خشية اللّه و الخشوع له،و بالحلم و الثّبات في أموره كلّها،تعليل لامتناعه عن الاستغفار لأبيه بعد العلم برسوخه في الشّرك،و عداوة اللّه عزّ و جلّ...[ثمّ ذكر معنى الأوّاه و قال:]

و الحليم:الّذي لا يستفزّه الغضب و لا يعبث به الطّيش،و لا يستخفّه الجهل أو هوى النّفس،و من لوازمه الصّبر و الثّبات،و الصّفح و التّأنّي في الأمور، و اتّقاء العجلة في كلّ من الرّغب و الرّهب.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ](11:60)

فضل اللّه :(حليم)في قلبه المفتوح و روحه الكبيرة،يعفو عند المقدرة،و يفتح قلبه للنّاس.

(11:225)

5- إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ. هود:75

الطّبريّ: إنّ إبراهيم لبطيء الغضب متذلّل لربّه، خاشع له،منقاد لأمره.(12:80)

الطّوسيّ: هو الّذي يمهل صاحب الذّنب،فلا يعاجله بالعقوبة.و قيل:كان إبراهيم ذا احتمال لمن آذاه و خنا عليه،لا يتسرّع إلى المكافأة،و إن قوي عليه.

و الأناة:السّكون عند الحال المزعجة من المبادرة، و كذلك التّأنّي:التّسكّن عند الحال المزعجة من الغضب.

و يوصف اللّه تعالى بأنّه حليم،من حيث لا يعاجل العصاة بالعقاب الّذي يستحقّونه،لعلمه بما في العجلة من صفة النّقص.(6:36)

الميبديّ: أي رزين عاقل وقور.(4:416)

الزّمخشريّ: غير عجول على كلّ من أساء إليه.

(2:282)

نحوه البيضاويّ(1:475)،و النّيسابوريّ(12:

47)،و أبو السّعود(3:335)،و البروسويّ(4:165)، و الآلوسيّ(12:104)،و القاسميّ(9:3468)،و شبّر (3:234)،و الطّباطبائيّ(10:326).

ابن عطيّة: و في هذه النّازلة وصف إبراهيم بالحلم قيل:إنّه لم يغضب قطّ لنفسه إلاّ أن يغضب للّه-و الحلم:

العقل-إلاّ إذا انضاف إليه أناة و احتمال.(3:192)

الفخر الرّازيّ: و هذا مدح عظيم من اللّه تعالى لإبراهيم،أمّا الحليم فهو الّذي لا يتعجّل بمكافأة غيره، بل يتأنّى فيه،فيؤخّر و يعفو،و من هذا حاله فإنّه يحبّ من غيره هذه الطّريقة،و هذا كالدّلالة على أنّ جداله كان في أمر متعلّق بالحلم و تأخير العقاب.

ثمّ ضمّ إلى ذلك ما له تعلّق بالحلم،و هو قوله: أَوّاهٌ مُنِيبٌ لأنّ من يستعمل الحلم في غيره،فإنّه يتأوّه إذا شاهد وصول الشّدائد إلى الغير،فلمّا رأى مجيء الملائكة لأجل إهلاك قوم لوط،عظم حزنه بسبب ذلك،و أخذ يتأوّه عليه،فلذلك وصفه اللّه تعالى بهذه الصّفة.

(18:30)

نحوه الشّربينيّ.(2:70)

النّسفيّ: غير عجول على كلّ من أساء إليه،أو

ص: 688

كثير الاحتمال ممّن آذاه،صفوح عمّن عصاه.(2:198)

سيّد قطب :الحليم:الّذي يحتمل أسباب الغضب، فيصبر و يتأنّى و لا يثور.(4:1913)

مغنيّة:الحليم:الّذي يصبر على جهل الغير و أذاه، و لا يعالجه بالعقوبة.(4:250)

6- فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ. الصّافّات:101

الحسن :ما سمعت اللّه يجلّ عباده شيئا أجلّ من الحلم.(الماورديّ 5:60)

الطّبريّ: يعني بغلام ذي حلم إذا هو كبر،فأمّا في طفولته في المهد فلا يوصف بذلك.(23:76)

الزّجّاج: و هذه البشارة تدلّ على أنّه غلام،و أنّه يبقى حتّى يوصف بالحلم.(4:310)

الماورديّ: أي وقور.(5:60)

الطّوسيّ: أي حليما لا يعجل في الأمور قبل وقتها،و في ذلك بشارة له على بقاء الغلام حتّى يصير حليما.(8:515)

الكرمانيّ: قوله: بِغُلامٍ حَلِيمٍ، و في الذّاريات:

28،عليم،و كذلك في الحجر:53،لأنّ التّقدير:بغلام حليم في صباه،عليم في كبره.

و خصّت هذه السّورة ب(حليم)لأنّه عليه السّلام حليم فاتّقاه و أطاعه،و قال: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ الصّافّات:102.

و الأظهر أنّ الحليم إسماعيل،و العليم إسحاق، لقوله: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها الذّاريات:29،قال مجاهد:العليم و الحليم في السّورتين إسماعيل.و قيل:هما في السّورتين إسحاق،و هذا عند من زعم أنّ الذّبيح إسحاق،و ذكر ذلك بشرحه في موضعه.(169)

الميبديّ: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ، و قال في موضع آخر: وَ بَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ.

قيل:بغلام حليم في صغره،عليم في كبره،ففيه بشارة أنّه ابن،و أنّه يعيش و ينتهي في السّنّ حتّى يوصف بالعلم.

و قيل:ما أثنى اللّه عزّ و جلّ في القرآن على بشر بالحلم إلاّ على إبراهيم و ابنه،و خصّت هذه السّورة بحليم،لأنّه عليه السّلام حلم و انقاد و أطاع،و قال: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ... (8:287)

الزّمخشريّ: و قد انطوت البشارة على ثلاث:على أنّ الولد غلام ذكر،و أنّه يبلغ أوان الحلم،و أنّه يكون حليما،و أيّ حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذّبح،فقال: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ ثمّ استسلم لذلك.

و قيل:ما نعت اللّه الأنبياء عليهم السّلام بأقلّ ممّا نعتهم بالحلم،و ذلك لعزّة وجوده،و لقد نعت اللّه به إبراهيم في قوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ هود:75،لأنّ الحادثة شهدت بحلمهما جميعا.(3:347)

نحوه الفخر الرّازيّ(26:151)،و البيضاويّ(2:

296)،و النّسفيّ(4:24)،و النّيسابوريّ(23:61)،

ص: 689

و أبو حيّان(7:369)،و الشّربينيّ(3:385)، و أبو السّعود(5:333)،و الآلوسيّ(23:127)، و المراغيّ(23:72).

الطّبرسيّ: و الحليم:الّذي لا يعجل في الأمر قبل وقته مع القدرة عليه،و قيل:الّذي لا يعجل بالعقوبة.

(4:452)

البروسويّ: و الحليم:من لا يعجل في الأمور، و يتحمّل المشاقّ،و لا يضطرب عند إصابة المكروه،و لا يحرّكه الغضب بسهولة.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ]

(7:473)

القاسميّ: أي متّسع الصّدر،حسن الصّبر و الإغضاء في كلّ أمره،و الحلم:رأس الصّلاح و أصل الفضائل.(14:5049)

مكارم الشّيرازيّ: في الواقع أنّ ثلاثة بشائر جمعت في هذه الآية:الأولى:ولادة زوجته لطفل ذكر، و الثّانية:أنّه يبلغ سنّ الفتوّة،أمّا الثّالثة:فهي أنّ صفته حليم.

و كلمة(حليم)تعني الّذي لا يعجل في الأمر قبل وقته مع القدرة عليه،و قيل:الّذي لا يعجل بالعقوبة، و الّذي له روح كبيرة،و هو متسلّط على أحاسيسه.

و قال الرّاغب في«مفرداته»:«إنّ كلمة(حليم)تعني الضّابط نفسه في لحظة الإثارة و الغضب»و بسبب كون هذه الحالة تنشأ من العقل و الإدراك،فإنّ كلمة(حليم) تعني أحيانا:العقل و الإدراك.

و لكنّ المعنى الحقيقيّ لكلمة(حليم)هو المعنى الأوّل الّذي ذكرناه.

و يمكن الاستفادة من هذا الوصف أنّ اللّه بشّر عبده إبراهيم بأنّه سيعطي ابنه إسماعيل عمرا يمكن وصفه فيه بالحليم،كما أنّ الآيات التّالية ستوضّح أنّ إسماعيل بيّن مرتبة حلمه أثناء قضيّة الذّبح،مثلما وضّح أبوه إبراهيم حلمه في أثناء قضيّة الذّبح،و أثناء إحراقه بالنّار.

و كلمة(حليم)كرّرت(15)مرّة في القرآن المجيد، و أغلبها وردت وصفا للّه،عدا مرّتين:إحداهما جاءت في وصف إبراهيم و ابنه إسماعيل من قبل القرآن الكريم، و الأخرى جاءت في وصف شعيب،و على لسان الآخرين.(14:330)

الحليم

قالُوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ. هود:87

ابن عبّاس: يعني الأحمق السّفيه بلغة مدين.

(اللّغات في القرآن:29)

معناه أنّك لست بحليم و لا رشيد،على وجه النّفي.

(الماورديّ 2:497)

أرادوا السّفيه الغاوي،السّفيه الضّالّ استهزاء به.

(190)

إنّهم قالوا ذلك على وجه الهزؤ و التّهكّم،و أرادوا به ضدّ ذلك،أي السّفيه الغاوي.(الطّبرسيّ 3:188)

ص: 690

نحوه الثّوريّ.(الميبديّ 4:434)

الحسن :قالوا ذلك على وجه الاستهزاء.

مثله ابن جريج،و ابن زيد.(الطّوسيّ 6:49)

نحوه قتادة(الماورديّ 2:496)،و الفرّاء(2:26).

ابن زيد :المستهزءون يستهزءون بأنّك لأنت الحليم الرّشيد.(الطّبريّ 12:103)

المؤرّج السّدوسيّ: اَلْحَلِيمُ الرَّشِيدُ معناه الأحمق السّفيه بلغة هذيل.(الطّوسيّ 6:50)

أبو سليمان الدّمشقيّ: إنّهم سبّوه بأنّه ليس بحليم و لا رشيد،فأثنى اللّه عزّ و جلّ عليه فقال:بل إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ لا كما قال لك الكافرون.

(ابن الجوزيّ 4:150)

الطّبريّ: قالوا ذلك له استهزاء به،و إنّما سفّهوه و جهّلوه بهذا الكلام.(12:103)

الزّجّاج: قيل:كنّى بذا عن أنّهم قالوا له:إنّك السّفيه الجاهل،و قيل:إنّهم قالوا له هذا على وجه السّخريّ.(3:73)

نحوه الواحديّ.(2:586)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّهم اعترفوا له بالحلم و الرّشد على وجه الحقيقة،و قالوا:أنت حليم رشيد فلم تنهانا أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟

و الحلم و الرّشد لا يقتضي منع المالك من فعل ما يشاء في ماله.(الماورديّ 2:497)

الثّعلبيّ: قال ابن عبّاس:السّفيه الغاوي.

قال القاضي:و العرب تصف الشّيء بضدّه للتّطيّر و الفأل،كما قيل للّديغ:سليم،و للفلاة:مفازة.

و قيل:هو على الاستهزاء،كقولهم للحبشيّ:

أبو البيضاء،و للأبيض:أبو الجون.و منه قول خزنة النّار لأبي جهل: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ الدّخان:

49.

و قيل:معناه الحليم الرّشيد بزعمك و عندك (1)، و مثله في صفة أبي جهل.

و قال ابن كيسان:هو على الصّحّة،أي إنّك يا شعيب لنا حليم رشيد،فليس يجمل بك شقّ عصا قومك و لا مخالفة دينهم،كقول قوم صالح له: يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا هود:62.(5:186)

مثله البغويّ(2:462)،و نحوه الميبديّ(4:

434).

الطّوسيّ: إنّهم أرادوا لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ عند قومك،فلا يليق هذا الأمر بك...و الحليم:الّذي لا يعاجل مستحقّ العقوبة بها،و الرّشيد:المرشد.

(6:50)

نحوه الطّبرسيّ.(3:188)

الزّمخشريّ: أرادوا بقولهم: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ نسبته إلى غاية السّفه و الغيّ،فعكسوا ليتهكّموا به،كما يتهكّم بالشّحيح الّذي لا يبضّ حجره، فيقال له:لو أبصرك حاتم لسجد لك.

و قيل:معناه أنّك للمتواصف بالحلم و الرّشد في!!

ص: 691


1- في الأصل:عندكنّ!!

قومك،يعنون أنّ ما تأمر به لا يطابق حالك و ما شهرت به.(2:287)

نحوه النّيسابوريّ(12:55)،و الشّربينيّ(2:74)، و المراغيّ(12:73).

ابن عطيّة: و اختلف في قولهم: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ... فقيل:إنّما كانت ألفاظهم:إنّك لأنت الجاهل السّفيه،فكنّى اللّه عن ذلك.

و قيل:المعنى إنّك لأنت الحليم الرّشيد عند نفسك.

و قيل:بل قالوه على جهة الحقيقة،و أنّه اعتقادهم فيه،فكأنّهم فنّدوه،أي أنّه حليم رشيد،فلا ينبغي لك أن تأمرنا بهذه الأوامر.و يشبه هذا المعنى قول اليهود من بني قريظة،حين قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«يا إخوة القردة»يا محمّد ما علمناك جهولا.

و الشّبه بين الأمرين إنّما هو المناسبة بين كلام شعيب و تلطّفه،و بين ما بادر به محمّد عليه السّلام بني قريظة.

(3:201)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

الوجه الثّالث:أنّه عليه السّلام كان مشهورا عندهم بأنّه حليم رشيد،فلمّا أمرهم بمفارقة طريقهم قالوا له:إنّك لأنت الحليم الرّشيد المعروف الطّريقة في هذا الباب، فكيف تنهانا عن دين ألفيناه من آبائنا و أسلافنا.

و المقصود استبعاد مثل هذا العمل ممّن كان موصوفا بالحلم و الرّشد؛و هذا الوجه أصوب الوجوه.(18:44)

نحوه أبو حيّان.(5:253)

القرطبيّ: يعنون عند نفسك بزعمك،و مثله في صفة أبي جهل ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ الدّخان:

49،أي عند نفسك بزعمك.

و قيل:قالوه على وجه الاستهزاء و السّخريّة،قاله قتادة.و منه قولهم للحبشيّ:أبو البيضاء،و للأبيض أبو الجون،و منه قول خزنة جهنّم لأبي جهل: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ. و قال سفيان بن عيينة:العرب تصف الشّيء بضدّه للتّطيّر و التّفاؤل،كما قيل للّديغ:

سليم،و للفلاة:مفازة.

و قيل:هو تعريض أرادوا به السّبّ.

و أحسن من هذا كلّه،و يدلّ ما قبله على صحّته، أي إنّك أنت الحليم الرّشيد حقّا،فكيف تأمرنا أن نترك ما يعبد آباؤنا،و يدلّ عليه أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ...

أنكروا لمّا رأوا من كثرة صلاته و عبادته،و أنّه حليم رشيد بأن يكون يأمرهم بترك ما كان يعبد آباؤهم.

و بعده أيضا ما يدلّ عليه قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي... هود:88،أي أ فلا أنهاكم عن الضّلال؟!و هذا كلّه يدلّ على أنّهم قالوه على وجه الحقيقة،و أنّه اعتقادهم فيه.(9:87)

البيضاويّ: تهكّموا به و قصدوا وصفه بضدّ ذلك، أو علّلوا إنكار ما سمعوا منه و استبعاده بأنّه موسوم بالحلم و الرّشد المانعين عن المبادرة إلى أمثال ذلك.(4781)

النّسفيّ: أي السّفيه الضّالّ،و هذه تسمية على القلب استهزاء،أو إنّك حليم رشيد عندنا،و لست تفعل بنا ما يقتضيه حالك.(2:201)

أبو السّعود :[ذكر نحو البيضاويّ و أضاف:]

ص: 692

و أمّا وصفه بهما على الحقيقة فيأباه مقام الاستهزاء، اللّهمّ إلاّ أن يراد بالصّلاة الدّين،كما قيل.(3:342)

البروسويّ: الأحمق السّفيه بلغة مدين،كما في «ربيع الأبرار».و قال في«الكواشي»:تتعاطى الحلم و الرّشد و لست كذلك،أي ما أنت بحليم و لا رشيد فيما تأمرنا و ترشدنا إليه.

و قال أكثر أهل التّفسير:أرادوا السّفيه الضّالّ الغاوي،فتهكّموا به كما يتهكّم بالشّحيح،فيقال:لو أبصرك حاتم لتعلّم منك الجود.و بالمستجهل و المستخفّ،فيقال:يا عالم يا حليم.فهو إذا من قبيل الاستعارة التّبعيّة،نزّلوا التّضادّ منزلة التّناسب على سبيل الهزؤ،فاستعاروا الحلم و الرّشد للسّفه و الغواية، ثمّ سرت الاستعارة منهما إلى الحليم الرّشيد.(4:174)

الآلوسيّ: وصفوه عليه السّلام بهذين الوصفين الجليلين على طريقة الاستعارة التّهكّميّة،فالمراد بهما ضدّ معناهما،و هذا هو المرويّ عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،و إليه ذهب قتادة و المبرّد.

و جوّز أن يكونوا وصفوه بذلك بناء على الزّعم، و الجملة تعليل لما سبق من استبعاد ما ذكروه،كأنّهم قالوا:كيف تكلّفنا بما تكلّفنا مع أنّك أنت الحليم الرّشيد بزعمك.

و قيل:يجوز أن يكون تعليلا باقيا على ظاهره،بناء على أنّه عليه السّلام كان موصوفا عندهم بالحلم و الرّشد،و كان ذلك بزعمهم مانعا من صدور ما صدر منه عليه السّلام.

و رجّح الأوّل بأنّه الأنسب بما قبله،لأنّه تهكّم أيضا،و رجّح الأخير بأنّه يكون الكلام عليه نظير ما مرّ في قصّة صالح عليه السّلام،من قولهم له: قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا هود:62.(12:118)

رشيد رضا :الحليم:العاقل الكامل في أناته و تروّيه،فلا يتعجّل بأمر قبل الثّقة من صحّته.

و الرّشيد:الرّاسخ في هدايته و هديه،فلا يأمر إلاّ بما استبان له من الخير و الرّشد.و وصفه بهما وصفا مؤكّدا بالجملة الاسميّة،و«إنّ»و«اللاّم»في تعليل إنكارهم لما أمرهم به و ما نهاهم عنه،كلاهما صريح في الاستهزاء به، و التّعريض بما يعتقدون من اتّصافه بضدّهما،و هو الجهالة و السّفه في الرّأي،و الغواية في الفعل بهوس الصّلاة.

(12:144)

الطّباطبائيّ: إنّ قولهم: أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ...

إلى قوله: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ مبنيّ على التّهكّم و الاستهزاء،إلاّ أنّ التّهكّم في تعليقهم أمر الصّلاة شعيبا على تركهم ما يعبد آباؤهم،و كذا في نسبة الأمر إلى الصّلاة لا غير.

و أمّا نسبة الحلم و الرّشد إليه فليس فيها تهكّم و استهزاء،و لذلك أكّد قوله: إِنَّكَ لَأَنْتَ... ب«إنّ» و«اللاّم»و إتيان الخبر جملة اسميّة،ليكون أقوى في إثبات الحلم و الرّشد له،فيصير أبلغ في ملامته و الإنكار عليه،و أنّ الّذي لا شكّ في حلمه و رشده قبيح عليه أن يقدم على مثل هذا الأمر السّفهيّ،و ينتهض على سلب حرّيّة النّاس و استقلالهم،في الشّعور و الإرادة.

و ظهر بذلك أنّ ما ذكره كثير منهم أنّهم وصفوه

ص: 693

بالحلم و الرّشد على سبيل الاستهزاء،يعنون به أنّه موصوف بضدّهما،و هو الجهالة و الغيّ،ليس بصواب.

(10:366)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ قولهم لشعيب: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ... هل كان كلاما واقعيّا من منطلق الإيمان به،أم هو على سبيل الاستهزاء و السّخريّة؟

احتمل المفسّرون الوجهين،و لكن مع ملاحظة أسلوب سؤالهم: أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ الّذي يستبطن الاستهزاء،يظهر أنّ هذه الجملة على نحو الاستهزاء، و هي إشارة إلى أنّ الإنسان الحليم الرّشيد هو من لم يتعجّل القول أو الرّأي في أمر،دون أن يسبر غوره و يعرف كنهه،و الإنسان العاقل الرّشيد هو من لم يستحقّ سنن قومه تحت رجليه،و يسلب حرّيّتهم في التّصرّف بأموالهم،فيظهر أنّك لم تسبر غور الأمور، و ليس لديك عقل و فكر عميق،لأنّ الفكر العميق و العقل يوجبان على الإنسان ألاّ يرفع يده عن طريقة الصّالحين،و لا يسلب من الآخرين الاختيار،و حرّيّة العمل.(7:38)

حليما

إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً.

فاطر:41

الطّوسيّ: يعني القادر الّذي لا يعاجل واحدا بالعقوبة،و لا يحلم إلاّ قادر،لأنّ من ليس بقادر لا يصحّ أن يعاقب،فلا يحلم،و إنّما حلمه أناة بمن استحقّ العقوبة.

(8:437)

البغويّ: فإن قيل:فما معنى ذكر الحلم هاهنا؟

قيل:لأنّ السّماوات و الأرض همّت بما همّت به من عقوبة الكفّار،فأمسكهما اللّه تعالى عن الزّوال لحلمه و غفرانه أن يعاجلهم بالعقوبة.(3:700)

الزّمخشريّ: غير معاجل بالعقوبة حيث يمسكهما، و كانتا جديرتين بأن تهدّا هدّا لعظم كلمة الشّرك،كما قال: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ... مريم:90.(3:312)

نحوه الشّربينيّ(3:332)،و أبو السّعود(5:287).

الفخر الرّازيّ: كان حليما ما ترك تعذيبهم إلاّ حلما منه،و إلاّ كانوا يستحقّون إسقاط السّماء و انطباق الأرض عليهم،و إنّما أخّر إزالة السّماوات إلى قيام السّاعة حلما.(26:33)

البروسويّ: الفرق بين الحليم و الصّبور:أنّ المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصّبور كما يأمنها في صفة الحليم،يعني أنّ الصّبور يشعر بأنّه يعاقب في الآخرة بخلاف الحليم،كما في«المفاتيح»،و لعلّ هذا بالنّسبة إلى المؤمنين دون الكفّار.

قال في«بحر العلوم»:الحليم مجازيّ،أي يفعل بعباده فعل من يحلم على المسيء،و لا يعاجلهم بالعقوبة مع تكاثر ذنوبهم.

و في«شرح الأسماء»للإمام الغزاليّ رحمه اللّه:الحليم هو الّذي يشاهد معصية العصاة و يرى مخالفة الأمر،ثمّ

ص: 694

لا يستفزّه غضب،و لا يعتريه غيظ،و لا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة و طيش.

فعلى العاقل أن يتخلّق بهذا الاسم،بأن يفصح عن الجنايات و يسامح في المعاملات،بل يجازي الإساءة بالإحسان،فإنّه من كمالات الإنسان.(7:358)

الطّباطبائيّ: قوله: إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً فهو لحلمه لا يعجل إلى أمر،و لمغفرته (1)يستر جهات العدم في الأشياء.و مقتضى الاسمين أن يمسك السّماوات و الأرض أن تزولا إلى أجل مسمّى.(17:56)

الأصول اللّغويّة

1-لهذه المادّة ثلاثة أصول،تدلّ عليها حركة «الحاء»:الأوّل:الحلم،أي القراد،و الثّاني:الحلم أو الحلم،أي الرّؤيا،و الثّالث:الحلم،أي الأناة و ضبط النّفس.

فمن الأوّل قولهم:حلم البعير يحلم حلما فهو حلم، أي كثر عليه الحلم؛واحدة:حلمة،و حلّمته:نزعت حلمه،و عناق حلمة و تحلمة:قد أفسد جلدها الحلم؛ و جمعه:حلاّم.

و الحلمة:دودة تقع في الجلد فتأكله.يقال:تعيّب الجلد،و حلم الأديم يحلم حلما،و أديم حلم و حليم:

أفسده الحلم قبل أن يسلخ.

و الحلمة أيضا:رأس الثّدي،و هما حلمتان،تشبيها بالحلم.

و تحلّم الصّبيّ و الضّبّ و اليربوع و الجرذ و القراد:

أقبل شحمه و سمن و اكتنز،تشبيها بالحلمة أيضا.

و الحليم:الشّحم المقبل،و بعير حليم:سمين،و شاة حليمة:سمينة.يقال:تحلّم المال،أي سمن.و تحلّمت القربة:امتلأت ماء،و حلّمتها:ملأتها.

و من الثّاني قولهم:حلم في نومه يحلم حلما و احتلم و انحلم،أي رأى رؤيا،و حلم به و حلم عنه و تحلّم عنه:

رأى له رؤيا،أو رآه في المنام،و تحلّم،إذا ادّعى الرّؤيا كاذبا،و حلم الرّجل بالمرأة:حلم في نومه أنّه يباشرها.

و الحلم:الاحتلام،و الحلم و الاحتلام:الجماع و نحوه في النّوم؛و الاسم:الحلم،و الجمع:أحلام و حلوم.

و من الثّالث قولهم:حلم الرّجل يحلم حلما،أي صار حليما،و هم قوم أحلام و حلماء،و حلم عنه و تحلّم:سواء،و تحلّم:تكلّف الحلم،و تحالم:أرى من نفسه ذلك و ليس به،و حلّمه تحليما:جعله حليما،أو أمره بالحلم،و أحلمت المرأة:ولدت الحلماء.

2-و قد شذّ عن هذه الأصول الثّلاثة في حركة «الحاء»الحلاّم و الحلاّن،أي الحمل الصّغير،أو الجدي الّذي يشقّ عليه بطن أمّه فيخرج.و هو(فعّال)من «ح ل م»،و«نون»حلاّن مبدلة من«الميم»،و سمّي حلاّما لأنّه يكثر من رضاع الحلمة.فحركة«الحاء»فيه عارضة و ليست أصلا؛إذ أصلها الفتحة،أي من الحلم، و لكنّ صيغة(فعّال)-الّتي تفيد المبالغة-حالت دون ذلك،و مع هذا فهو يوافق الاشتقاق.

ص: 695


1- في الأصل:لغفرة!!

3-و قد التزم ابن فارس فيها بالأصول الثّلاثة أيضا،إلاّ أنّه جعلها تثقّب الشّيء و رؤية الشّيء في المنام،و ترك العجلة،و الأخيران ينطبقان على ما قلناه في الثّاني و الثّالث.أمّا الأوّل و هو تثقّب الشّيء،فلا ينطبق على ما قلناه أوّلا،و هو كثرة الحلم؛حيث اتّخذ ثقب رأس الثّدي أصلا،دون حلمه،فلاحظ.

و أمّا المصطفويّ فقد التزم فيها-كعادته في سائر اللّغات-بأصل واحد و هو الحلم باعتبار السّكون و الطّمأنينة فيه تبعا للماورديّ،ثمّ سرّاه إلى الباقي،و هذا لا يخلو عن تكلّف.و تعدّد الأصول مع اختلاف الحركات -كما قلنا-جائز،كما يجوز مع اختلاف الحروف.

و لنا أن نرجع«الحلم»إلى«الأحلام»لكونها جمعا له،و لاشتراكهما في التّخيّل حالة النّوم،و يشهد به التّعبير عن الحلم بالاحتلام عند تخيّل الجماع في النّوم.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها«الحلم»مرّتين و«الأحلام»3 مرّات، و«حليم أو الحليم أو حليما»15 مرّة،في 20 آية:

1:الحلم و البلوغ

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ... النّور:58

2- وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ... النّور:59

2:الأحلام

3- قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ يوسف:44

4- بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ... الأنبياء:5

5- أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ

الطّور:32

3:اللّه حليم

6- ...وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ البقرة:225

7- ...وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ البقرة:235

8- ...وَ لَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ

آل عمران:155

9- ...عَفَا اللّهُ عَنْها وَ اللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ

المائدة:101

10- ...وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً الإسراء:44

11- ...وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً فاطر:41

12- قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَ اللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ البقرة:263

13- لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَ إِنَّ اللّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ الحجّ:59

14- ...وَصِيَّةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ

النّساء:12

ص: 696

15- ...وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَلِيماً الأحزاب:51

16- ...وَ اللّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ التّغابن:17

4:حلم شعيب

17- ...إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ هود:87

5:حلم إبراهيم و إسحاق

18- ...فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114

19- إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ هود:75

20- فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ الصّافّات:101

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه المادّة جاءت بثلاثة محاور:

المحور الأوّل:الحلم في(1)و(2): وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ و وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ و كلاهما وردا بشأن الاستئذان،و فيهما بحثان:

1-كنّي عن البلوغ بالحلم،و هو جماع البالغ في النّوم،و يقال:حلم بسكون اللاّم أيضا،و هي لغة تميم، و بها قرأ الحسن.

2-خصّ بعضهم الأمر بالاستئذان بالأحرار ذكورا كانوا أو إناثا،و عمّمه آخرون،أي عبيدا كانوا أو أحرارا.لاحظ أذن:«استأذن».

المحور الثّاني:الأحلام

أ-جمع حلم في(3)و(4): أَضْغاثُ أَحْلامٍ و فيهما بحوث:

1-في الحلم وجهان:أحدهما:ما لم يكن له تأويل و لا تفسير،و الثّاني:هو الرّؤية الكاذبة.و إليهما ذهب المفسّرون في تفسير الآية(3)،و لكنّ واحدا منهم ذهب مذهبا آخر،فقال:«غني عن البيان أنّ تأويل هذه الرّؤيا بسيط جدّا،و لكنّ هؤلاء(الملأ)لا يريدون أن يبيّنوا التّأويل لهذا الملك الغريب المغتصب،و لم يكونوا يريدون نصحه و الإخلاص له،لمكان الاختلاف بينه و بينهم في اللّغة و العنصر و الوطن و الدّين،فلغتهم و جرثومتهم قبطيّة،و لكنّ الملك الرّيّان ساميّ في لغته و جرثومته،و أمّا وطنهم فإفريقيّة و هو من آسية،و أمّا معبوداتهم فهي قطعا غير معبوداته،و إن كان كلّ من الفريقين و ثنيّا (1)».

2-قال الزّمخشريّ في(3):«فإن قلت:ما هو إلاّ حلم واحد،فلم قالوا: أَضْغاثُ أَحْلامٍ فجمعوا؟

قلت:هو كما تقول:فلان يركب الخيل و يلبس عمائم الخزّ،لمن لا يركب إلاّ فرسا واحدا و ما له إلاّ عمامة فردة،تزيّدا في الوصف،فهؤلاء أيضا تزيّدوا في وصف الحلم بالبطلان،فجعلوه أضغاث أحلام.و يجوز أن يكون قد قصّ عليهم مع هذه الرّؤيا رؤيا غيرها».

و قال آخر:«جاء هنا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بصفة الجمع،و المقصود ضغثا أحلام،لأنّهما ضغثان اثنان فقط، و لكن من سنن العرب إذا ذكرت اثنين أن تجريهما مجرى الجمع،كما تقول عند ذكر الحسنين:كرّم اللّه وجوههما، و كما قال عزّ و جلّ: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما التّحريم:4،و لم يقل:قلباكما (2)».

ص: 697


1- راجع كتاب مؤتمر تفسير سورة يوسف(2:804).
2- المصدر السّابق(2:803).

3-قال الآلوسيّ: «قال بعضهم:الرّؤيا و الحلم عبارة عمّا يراه النّائم مطلقا،لكن غلبت الرّؤيا على ما يراه من الخير و الشّيء الحسن،و غلب الحلم على خلافه».

و قالت بنت الشّاطئ:«استعمل القرآن الأحلام ثلاث مرّات،يشهد سياقها بأنّها الأضغاث المشوّشة و الهواجس المختلطة،و تأتي في المواضع الثّلاثة بصيغة الجمع،دلالة على الخلط و التّشوّش،لا يتميّز فيه حلم عن آخر...أمّا الرّؤيا فجاءت في القرآن سبع مرّات، كلّها في الرّؤيا الصّادقة،و هو لا يستعملها إلاّ بصيغة المفرد،دلالة على التّميّز و الوضوح و الصّفاء».

4-قال الزّمخشريّ في(4):«أضربوا عن قولهم:هو سحر إلى أنّه تخاليط أحلام،ثمّ إلى أنّه كلام مفترى من عنده،ثمّ إلى أنّه قول شاعر.و هكذا الباطل لجلج، و المبطل متحيّر رجّاع،غير ثابت على قول واحد.

و يجوز أن يكون تنزيلا من اللّه تعالى لأقوالهم في درج الفساد،و أنّ قولهم الثّاني أفسد من الأوّل،و الثّالث أفسد من الثّاني،و كذلك الرّابع من الثّالث».

ب-جمع حلم في(5): أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا و فيها بحوث:

1-قال الشّريف الرّضيّ: «هذه استعارة،أي كانوا حكماء عقلاء كما يدّعون،فكيف تحملهم أحلامهم و عقولهم على أن يرموا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالسّحر و الجنون،و قد علموا بعده عنهما و مباينته لهما؟و هذا القول منهم سفه و كذب،و هاتان الصّفتان منافيتان لأوصاف الحلماء و مذاهب الحكماء.

و مخرج قوله: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ مخرج التّبكيت لهم و الإزراء عليهم،و نظير هذا الكلام قوله سبحانه حاكيا عن قوم شعيب عليه السّلام: قالُوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا هود:87».

2-قال الزّمخشريّ: «فإن قلت:ما معنى كون الأحلام آمرة؟قلت:هو مجاز،لأدائها إلى ذلك،كقوله تعالى: أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا.

3-قال الفخر الرّازيّ: «ما الأحلام؟نقول:جمع حلم و هو العقل،و هما من باب واحد من حيث المعنى، لأنّ العقل يضبط المرء،فيكون كالبعير المعقول لا يتحرّك من مكانه.و الحلم من الحلم،و هو أيضا سبب وقار المرء و ثباته،و كذلك يقال للعقول:النّهى من النّهي،و هو المنع.

و فيه معنى لطيف،و هو أنّ الحلم في أصل اللّغة هو ما يراه النّائم فينزل و يلزمه الغسل،و هو سبب البلوغ، و عنده يصير الإنسان مكلّفا.و كأنّ اللّه تعالى من لطف حكمته قرن الشّهوة بالعقل،و عند ظهور الشّهوة كمل العقل،فأشار إلى العقل بالإشارة إلى ما يقارنه و هو الحلم،ليعلم أنّه نذير كمال العقل».

4-فسّر القرطبيّ الأحلام بالأذهان،و علّله قوله بقوله:«لأنّ العقل لا يعطى للكافر،و لو كان له عقل لآمن،و إنّما يعطى الكافر الذّهن،فصار عليه حجّة.

و الذّهن يقبل العلم جملة،و العقل يميّز العلم،و يقدّر المقادير لحدود الأمر و النّهي».

ص: 698

و احتمل مكارم الشّيرازيّ أن تكون«الأحلام»هنا بمعنى الرّؤية و المنام،و فسّر الآية حسب هذا الاحتمال بقوله:«فكأنّ كلماتهم ناتجة عن أطيافهم و رؤياهم».

المحور الثّالث:الحليم صفة للّه و لغيره:

أ-اللّه في(11)آية:(6-16):و فيها بحوث:

1-قال القاضي عبد الجبّار:«لا يتعجّل العقوبة خشية الفوت،كما يفعله أحدنا».

و قال الماورديّ: «حليم في تركه مقابلة أهل حسنته بالعقوبة على معاصيهم».

و قال الميبديّ: «يؤخّر العقوبة عن الكافرين و العصاة،و الحلم من النّاس التّثبّت و الأناة،و من اللّه الإمهال».

و روى الخازن عن الحليميّ في معنى الحليم،قال:

«الّذي لا يحبس إنعامه و إفضاله عن عباده لأجل ذنوبهم،و لكنّه يرزق العاصي كما يرزق المطيع،و يبقيه و هو منهمك في معاصيه كما يبقي البرّ المتّقي،و قد يقيه الآفات و البلايا و هو غافل لا يذكره-فضلا عن أن يدعوه-كما يقيها النّاسك الّذي يدعوه و يسأله».

و مآلها شيء واحد،و هو الإمهال و عدم العجلة، و إن شئت قلت:هو الالتزام بالحلم،أي العقل.

2-قرن الحليم بصفة أخرى من صفات اللّه في جميع المواضع،و هي:الغفور ستّ مرّات،و الغنيّ مرّة واحدة، و العليم ثلاث مرّات،و الشّكور مرّة واحدة.

و قد جاء الحليم متأخّرا عن هذه الصّفات في السّور المدنيّة و متقدّما عليها في(10)و(11)المكّيّتين،و علّة تقدّمه فيهما-كما يبدو-رعاية لرويّ الآيات،كما روعي في(6)و(14)و(15)أيضا.

3-قال أبو حيّان في اقتران الحلم بالغفران:«جاءت هاتان الصّفتان تدلاّن على توسعة اللّه على عباده...و في تعقيب الآية بهما إشعار بالغفران،و الحلم عن من أوعده تعالى بالمؤاخذة،و إطماع في سعة رحمته،لأنّ من وصف نفسه بكثرة الغفران و الصّفح مطموع في ما وصف به نفسه».

4-و قال الطّوسيّ في(12):«لو وقع موقع«حليم» حميد أو عليم لما حسن،لأنّه تعالى لمّا نهاهم أن يتبعوا الصّدقة بالمنّ،بيّن أنّهم إن خالفوا ذلك فهو غنيّ عن طاعتهم،حليم في أن لا يعاجلهم بالعقوبة».

5-قال محمّد رشيد رضا نقلا عن أستاذه في(14):

«قد يخطر في البال أنّ المناسب الظّاهر في هذه الآية أن يقرن وصف العلم بوصف الحكمة كالآية الأخرى، فيقال: وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، فما هي النّكتة في إيثار الوصف بالحلم على الوصف بالحكمة،و المقام مقام تشريع و حثّ على اتّباع الشّريعة،لا مقام حثّ على التّوبة،فيؤتى فيه بالحلم الّذي يناسب العفو و الرّحمة؟

و الجواب عن ذلك:أنّ التّذكير بعلم اللّه تعالى لمّا كان متضمّنا لإنذار من يتعدّى حدوده تعالى فيما تقدّم من الوصيّة و الدّين و الفرائض و وعيده،و كان تحقّق الإنذار و الوعيد بعقاب معتدي الحدود و هاضم الحقوق قد يتأخّر عن الذّنب،و كان ذلك مدعاة غرور الغافل، ذكّرنا تعالى هنا بحلمه،لنعلم أنّ تأخّر نزول العقاب

ص: 699

لا ينافي ذلك الوعيد و الإنذار.

و لا يصحّ أن يكون سببا للجرأة و الاغترار،فإنّ الحليم هو الّذي لا تستفزّه المعصية إلى التّعجيل بالعقوبة.

و ليس في الحلم شيء من معنى العفو و الرّحمة،فكأنّه يقول:لا يغرّنّ الطّامع في الاعتداء،و أكل الحقوق تمتّع بعض المعتدين بما أكلوا بالباطل،فينسى علم اللّه تعالى بحقيقة حالهم و وعيده لأمثالهم،فيظنّ أنّهم بمفازة من العذاب،فيتجرّأ على مثل ما تجرّءوا عليه من الاعتداء.

و لا يغرّنّ المعتدي نفسه تأخّر نزول الوعيد به، فيتمادى في المعصية بدلا من المبادرة إلى التّوبة،لا يغرّنّ هذا و ذاك تأخير العقوبة،فإنّه إمهال يقتضيه الحلم، لا إهمال من العجز أو عدم العلم.و فائدة المذنب من حلم الحليم القادر أنّه يترك له وقتا للتّوبة و الإنابة بالتّأمّل في بشاعة الذّنب و سوء عاقبته،فإذا أصرّ المذنب على ذنبه، و لم يبق للحلم فائدة في إصلاح شأنه،يوشك أن يكون عقاب الحليم له أشدّ من عقاب السّفيه على البادرة عند حدوثها».

ب-شعيب في(17): إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ و فيها بحثان:

1-قال الزّمخشريّ: «أرادوا بقولهم: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ نسبته إلى غاية السّفه و الغيّ،فعكسوا ليتهكّموا به كما يتهكّم بالشّحيح الّذي لا يبضّ حجره، فيقال له:لو أبصرك حاتم لسجد لك.و قيل معناه:إنّك للمتواصف بالحلم و الرّشد في قومك،يعنون أنّ ما تأمر به لا يطابق حالك و ما شهرت به».

و ذكر الفخر الرّازيّ وجها آخر،فقال:«كان مشهورا عندهم بأنّه حليم رشيد،فلمّا أمرهم بمفارقة طريقتهم،قالوا له: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ المعروف الطّريقة في هذا الباب،فكيف تنهانا عن دين ألفيناه من آبائنا و أسلافنا،و المقصود استبعاد مثل هذا العمل ممّن كان موصوفا بالحلم و الرّشد،و هذا الوجه أصوب الوجوه».

و قال الآلوسيّ: «رجّح الأوّل بأنّه الأنسب بما قبله، لأنّه تهكّم أيضا،و رجّح الأخير بأنّه يكون الكلام عليه نظير ما مرّ في قصّة صالح عليه السّلام من قولهم له:(قد كنت فينا مرجوّا قبل هذا)هود:62».

و قال صاحب«المنار»:«وصفه بهما وصفا مؤكّدا بالجملة الاسميّة و«إنّ»و«اللاّم»في تعليل إنكارهم،لما أمرهم به و ما نهاهم عنه،كلاهما صريح في الاستهزاء به و التّعريض بما يعتقدون من اتّصافه بضدّهما،و هو الجهالة و السّفه في الرّأي،و الغواية في الفعل بهوس الصّلاة،قال ابن عبّاس:يقولون:إنّك لست بحليم و لا رشيد».

و لكنّ صاحب«الميزان»قال:بأنّه ليس تهكّما و لا استهزاء،و علّل تأكيده ب«إنّ»و«اللاّم»و إتيان الخبر جملة اسميّة بقوله:«ليكون أقوى في إثبات الحلم و الرّشد له،فيصير أبلغ في ملامته و الإنكار عليه،و أنّ الّذي لا شكّ في حلمه و رشده قبيح عليه أن يقدم على مثل هذا الأمر السّفهيّ،و ينتهض على سلب حرّيّة النّاس و استقلالهم في الشّعور و الإرادة.

و ظهر بذلك أنّ ما ذكره كثير منهم أنّهم وصفوه

ص: 700

بالحلم و الرّشد على سبيل الاستهزاء-يعنون به أنّه موصوف بضدّهما،و هو الجهالة و الغيّ-ليس بصواب».

2-سبق(الحليم)قرينه(الرّشيد)و تقدّم عليه، خلافا لسائر الصّفات المتقدّمة،عدا الآيتين(10) و(11)المكّيّتين،و هذه الآية مكّيّة أيضا و ليس للرّويّ دخل في التّقديم و التّأخير فيها.كما امتازت هذه الآية على سائر الآيات بمجيء صفتيها بالألف و اللاّم أيضا.

و هذا يؤيّد شهرته بهما،و أنّهم عوّلوا على ذلك في قولهم مؤكّدا: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ.

ج-إبراهيم في(18)و(19): إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ و إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ و فيهما بحثان:

1-فسّر الحليم هنا بالسّيّد،و الممهل على وجه حسن،و الواسع العقل،المستقيم الخلق،القويّ القلب، الرّزين الصّبر،و صابر محتمل،عظيم العقل،و الّذي يصفح عن الذّنوب،و يصبر على الأذى،و الّذي لا يستفزّه الغضب،و لا يعبث به الطّيش،و لا يستخفّه الجهل أو هوى النّفس.

2-اقترنت بلفظ الحليم في(19)صفتان: أَوّاهٌ مُنِيبٌ خلافا لجميع الآيات،و تقدّم عليهما أيضا مثلما تقدّم في سائر السّور المكّيّة.لاحظ أ و ه:«اوّاه».

د-إسحاق في(20): فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ و فيها بحثان أيضا:

1-قال الكرمانيّ: «في الذّاريات:28(و بشّروه بغلام عليم)،و كذلك في الحجر:53 (إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)، لأنّ التّقدير:بغلام حليم في صباه،عليم في كبره.

و خصّت هذه السّورة ب(حليم)لأنّه عليه السّلام حليم،فاتّقاه و أطاعه و قال: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ الصّافّات:102.

و الأظهر أنّ الحليم إسماعيل،و العليم إسحاق، لقوله: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها الذّاريات:29،قال مجاهد:العليم و الحليم في السّورتين إسماعيل،و قيل:هما في السّورتين إسحاق،و هذا عند من زعم أنّ الذّبيح إسحاق».لاحظ«إسماعيل، و إسحاق».

2-قال الميبديّ: «قيل:ما أثنى اللّه عزّ و جلّ في القرآن على بشر بالحلم إلاّ على إبراهيم و ابنه،و خصّت هذه السّورة ب(حليم)-دون عليم-لأنّه عليه السّلام حلم و انقاد و أطاع،و قال: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ الصّافّات:102».

ثانيا:لم يستعمل فعل من هذه المادّة خلافا للرّؤيا؛ حيث جاءت منها أفعال في سورتي يوسف و الصّافّات، كما سيأتي في«رأي»،و كأنّ الرّؤيا أوسع أفقا من الحلم، و أقرب إلى الحقّ منه.

ثالثا:جاءت في سياق المدح وصفا للّه تعالى أو لأنبيائه 15 مرّة و أكثرها مدنيّة،و في سياق التّشريع في سورة مدنيّة أيضا مرّتين،و ثلاث مرّات في سياق الذّمّ في ثلاث سور مكّيّة.فسبعة منها مكّيّة،و واحدة و هي سورة الحجّ مردّدة بين المكّيّ و المدنيّ،و الباقي-و هي 12 سورة-مدنيّ.و يستشعر منها أنّ المؤمنين في حالة القدرة و الغلبة-و هي دورهم في المدينة-كانوا أمسّ حاجة إلى الحلم.و اللّه تعالى أعلم.

ص: 701

ص: 702

ح ل ي

اشارة

5 ألفاظ،9 مرّات:6 مكّيّة،3 مدنيّة

في 8 سور:5 مكّيّة،3 مدنيّة

حلية 3:2-1 حلّوا 1:-1

الحلية 1:1 يحلّون 3:2-1

حليّهم 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :و الحلي:كلّ حلية حلّيت به امرأة أو سيفا أو نحوه؛و الجميع:حليّ.

و حليت المرأة-لغة-أي لبسته.

و الحلي للمرأة و ما سواها،فلا يقال إلاّ حلية للسّيف و نحوه.

و الحلية:تحليتك وجه الرّجل إذا وصفته.

و يقال:حلي منه بخير يحلى حلى مقصور،إذا أصاب خيرا.

و الحليّ: يبيس النّصيّ،و كلّ نبات يشبه نبات الزّرع.[ثمّ استشهد بشعر].

و يقال:ما أحلى فلان و لا أمرّ،أي ما تكلّم بحلو و لا مرّ.

و امرأة حالية و متحلّية.(3:296)

الفرّاء: ...و قد حليت بعيني و صدري،و في عيني و صدري،و قد حلا يحلو.(إصلاح المنطق:141)

الأصمعيّ: يقال للبعير إذا زجرته:حوب و حوب و حب (1)،و للنّاقة:حل،جزم،و حلي،جزم لا حليت.

(الأزهريّ 5:236)

حلي في عيني بالكسر،و حلا في فمي بالفتح.

(الجوهريّ 6:2318)

و الحليّ كغنيّ: الخشبة الطّويلة بين الثّورين،

ص: 703


1- و ذكر اللّسان:حوب

يمانيّة.(الزّبيديّ 10:98)

اللّحيانيّ: حليت الجارية بعيني و في عيني و بقلبي و في قلبي،و هي تحلى حلاوة.

و يقال أيضا:حلت الجارية بعيني و في عيني،تحلو حلاوة.و احلوليت الجارية،و احلولت هي[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:حلا الشّيء في فمي يحلو حلاوة،و يقال:

حلوت الفاكهة تحلو حلاوة.

و حليت العيش أحلاه،أي استحليته.

و يقال:أحليت هذا المكان و استحليته و حليت بهذا المكان.

و يقال:ما حليت منه شيئا حليا،أي ما أصبت.

و جمع الحلي:حليّ و حليّ،و جمع حلية الإنسان حلى و حلى.(الأزهريّ 5:236)

ابن الأعرابيّ: احلولى الرّجل؛إذا حسن خلقه، و احلولى،إذا خرج من بلد إلى بلد.

(الأزهريّ 5:234)

حليته العين.[ثمّ استشهد بشعر].

(ابن سيده 3:442)

ابن السّكّيت: يقال:هذه امرأة حالية،إذا كان عليها حلي.و قد حليت تحلى حليا؛و الجمع:حليّ.

(655)

و يقال:حليت المرأة فأنا أحليها،إذا جعلت لها حليا.و بعضهم يقول:حلوتها،في هذا المعنى.

(إصلاح المنطق:139)

و قد حليت المرأة أحليها،إذا حلّيتها.

(إصلاح المنطق:187)

أبو الهيثم:يقال في زجر النّاقة:حل حل،فإذا أدخلت في الزّجر ألفا و لا ما جرى بما يصيبه من الإعراب.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:336)

كراع النّمل:و الحلا:بثر يخرج بأفواه الصّبيان.

(ابن سيده 3:442)

ابن دريد :...و قد تكون الحلاوة بالذّوق و بالنّظر و بالقلب،إلاّ أنّهم فصلوا،فقالوا:حلا الشّيء يحلو في فمي،و حلي يحلى بعيني حلاوة،و هو حلو في كلا المعنيين.

و قال قوم من أهل اللّغة:ليس حلي من حلا في شيء،هذه لغة على حدتها،كأنّها مشتقّة من«الحلي» الملبوس،لأنّه حسن في عينك كحسن الحلي.

(2:192)

الحلي و الحلي و الحليّ و الحليّ:معروف.و قد قرئ (من حليهم) و (حليّهم) .و أما حليّ فجمع الحلي،كما قالوا:ثدي و ثديّ،و سبي و سبيّ.

و الحلي:ما لبس من ذهب أو فضّة أو جوهر.

و الحلّي:يبيس النّصبيّ،هو نبت.

و حلية الرّجل:صورته،بكسر الحاء لا غير، و كذلك حلية السّيف.و لا يقال:حلي السّيف،فصلوا بينهما.

و حلية:موضع باليمن،و الحلاوة:موضع،و الحلاة أيضا:أرض نبت ذكور البقل،لغة يمانيّة.

و الحلاة أيضا:أن يحكّ حجر على حجر،أو حديدة

ص: 704

على حجر،فتكحل بحكاكتهما عين الأرمد.(2:194)

الأزهريّ: و يقال:تحلّت المرأة،إذا اتّخذت حليّا أو لبسته.و حلّيتها،أي ألبستها،و اتّخذته لها.

و الحليّ: نبت بعينه،و هو من مرتع للنّعم و الخيل،إذا ظهرت ثمرته أشبه الزّرع إذا أسبل.[و نقل كلام اللّيث في الحليّ:يبس النّصيّ،ثمّ قال: (1)]

قوله:«هو كلّ نبت يشبه نبات الزّرع»خطأ،إنّما الحليّ اسم نبت واحد بعينه،و لا يشبهه شيء من الكلإ.

(5:236)

الفارسيّ: و قد يجوز أن يكون الحلي جمعا،و تكون الواحدة:حلية،كشرية و شري،و هدية و هدي.

و الحلية كالحلي؛و الجمع:حلى و حلى.

[و حكي]حلاة في حلية،و هذا في المؤنّث كشبه و شبه في المذكّر.(ابن سيده:3:441)

ابن جنّيّ: يحتمل«حليّة»،الحرفين جميعا،يعني الواو و الياء،و لا أبعد أن يكون تحقير حلية،و يجوز أن تكون همزة مخفّفة من لفظ:حلّأت الأديم،كما تقول في تخفيف الحطيئة:الحطيّة.(ابن سيده 3:443)

الجوهريّ: و الحلي:حلي المرأة؛و جمعه:حليّ،مثل ثدي و ثديّ،و هو«فعول»،و قد تكسر الحاء لمكان الياء،مثل عصيّ.و قرئ: (من حليّهم عجلا جسدا) بالضّمّ و الكسر.

و حلية السّيف:جمعها حلى،مثل لحية و لحى،و ربّما ضمّ.

و حلية الرّجل:صفته.

و حلية بالفتح:مأسدة بناحية اليمن.

و الحليّ على«فعيل»:يبيس النّصيّ؛و الجمع:

أحلية.

و حليت المرأة أحليها حليا و حلوتها،إذا جعلت لها حليّا.

و يقال:حلي فلان بعيني بالكسر و في عيني، و بصدري و في صدري،يحلى حلاوة،إذا أعجبك.

و كذلك حلا فلان بعيني و في عيني يحلوا حلاوة.

و يقال أيضا:حليت المرأة،أي صارت ذات حليّ، فهي حليّة و حالية.و نسوة حوال.

و حلّيتها تحلية،و منه سيف محلّى.

و حلّيت الرّجل تحلية أيضا،أي و صفت حليته.

و حلّيت الشّيء في عين صاحبه.

و حلّيت الطّعام:جعلته حلوا.

و تحلّى بالحلي،أي تزيّن به.

و قولهم:لم يحل منه بطائل،أي لم يستفد منه كبير فائدة.و لا يتكلّم به إلاّ مع الجحد.[و استشهد بالشّعر مرّتين](6:2318)

نحوه الرّازي.(170)

ابن فارس: الحاء و اللاّم و ما بعدها معتلّ،ثلاثة أصول...و يقال:حلي بعيني يحلى.و تحالت المرأة،إذا أظهرت حلاوة،كما يقال:تباكى و تعالى،و هو إبداؤه للشّيء لا يخفى مثله.[ثمّ استشهد بشعر]ا.

ص: 705


1- و قاله الخليل أيضا.

الحليّ: حليّ المرأة،و هو جمع حلي،كما يقال:ثدي و ثديّ،و ظبي و ظبيّ.

و حلّيت المرأة.و هذه حلية الشّيء،أي صفته.

و يقال:حلية السّيف،و لا يقال:حليّ السّيف...

(2:94)

راجع ح ل و:«حلاوة».

أبو هلال :الفرق بين التّحلية و الصّفة:أنّ التّحلية في الأصل فعل المحلّي،و هو تركيب الحلية على الشّيء، مثل السّيف و غيره،و ليس هي من قبيل القول.

و استعمالها في غير القول مجاز،و هو أنّه قد جعل ما يعبّر عنه بالصّفة صفة،كما أنّ الحقيقة من قبيل القول،ثمّ جعل ما يعبّر عنه بالحقيقة حقيقة و هو الذّات،إلاّ أنّه كثر به الاستعمال حتّى صار كالحقيقة.(20)

الفرق بين الحلية و الهيئة:أنّ الحلية هيئة زائدة على الهيئة الّتي لا بدّ منها،كحلية السّكّين و السّيف،إنّما هي هيئة زائدة على هيئة السّكّين و السّيف.و تقول:حليته، إذا هيّأته هيئة لم تشمله،بل تكون كالعلامة فيه،و من ثمّ سمّي الحلي الملبوس:حليا.(132)

أبو سهل الهرويّ: حلا الشّيء في فمي يحلو،إذا صار فيه حلوا،و هو ضدّ المرّ.و حلي بعينى بكسر اللاّم، إذا حسن،يحلى بفتحها حلاوة،فيهما جميعا.(18)

ابن سيده: الحلي:ما تزيّن به من مصوغ المعدنيّات أو الحجارة.و الجمع:حليّ.

قال بعضهم:يقال:حلية السّيف و حليه،و كره آخرون:حلي السّيف،و قالوا:هي حليته.

و حليت المرأة حليا،و هي حال و حالية:استفادت حليا أو لبسته.

و حليت:صارت ذات حلي.

و تحلّت:لبست حليا.

و حلاّها:ألبسها حليا،أو اتّخذه لها.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«كان يحلّينا رعاثا من ذهب و لؤلؤ».و حلّى السّيف كذلك.

و حلي في عيني و صدري،قيل:ليس من الحلاوة، و إنّما هي مشتقّة من الحلي الملبوس،لأنّه حسن في عينك كحسن الحلي.

و الحلية:الخلقة.

و الحلية:الصّفة و الصّورة.

و التّحلية:الوصف.

و تحلاّه:عرف صفته.

و الحلا:بثر يخرج بأفواه الصّبيان،عن«كراع».

و إنّما قضينا بأنّ لامه ياء لما تقدّم من أنّ اللاّم ياء أكثر منها واوا.

و الحليّ: ما ابيضّ من يبيس السّبط و النّصيّ؛ واحدته:حليّة.

و حلية:موضع.

و حليّة:موضع.

و إحليّاء:موضع.

[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](3:441)

الرّاغب: الحليّ:جمع الحلي نحو ثدي و ثديّ.[ثمّ ذكر الآيات](130)

ص: 706

الزّمخشريّ: و حليت المرأة و هي حال.و لها حلي و حليّ و حلية و حلى.

و هذه حلية السّيف،و حلية المصحف.

و عرفته بحليته،أي بهيئته،و عرفتهم بحلاهم.

و حلّيت الرّجل:بيّنت حليته.

و من المجاز:حلي فلان في صدري و في عيني.[ثمّ استشهد بشعر]

و حلّيت الشّيء في عين صاحبه.و هو حلو اللّقاء و حلو الكلام.

و استحليت هذه الجارية،و احلولت لي،و جارية حلوة المنظر،و حلوة العينين.

و تحالى الرّجل،و تحالت المرأة:أظهرت حلاوتها، و تحلّى فلان بما ليس فيه.(94)

[و في حديث]:كان يتوضّأ إلى نصف السّاق و يقول:«إنّ الحلية تبلغ مواضع الوضوء».

أراد بالحلية:التّحجيل يوم القيامة من أثر الوضوء، من قوله صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ أمّتي يوم القيامة غرّ من السّجود، محجّلون من أثر الوضوء».(الفائق 1:310)

الطّبرسيّ: و الحلي:ما اتّخذ للزّينة من الذّهب و الفضّة.و يقال:حلي الشّيء في عيني يحلى حلى،و حلا في فمي يحلوا حلاوة.

و حلّيت الرّجل تحلية،إذا وصفته بما ترى منه.

و تحلّى بكذا:تزيّن به و تحسّن.(2:479)

ابن برّيّ: و قولهم:لم يحل بطائل،أي لم يظفر و لم يستفد منه كبير فائدة،لا يتكلّم به إلاّ مع الجحد.و ما حلت بطائل لا يستعمل إلاّ في النّفي،و هو من معنى الحلي و الحلية و هما من الياء،لأنّ النّفس تعدّ الحلية ظفرا، و ليس هو من الواو.(الزّبيديّ 10:98)

ابن الأثير: [و في الحديث]:«أنّه جاءه رجل و عليه خاتم من حديد،فقال:ما لي عليك حلية أهل النّار».

الحلي:اسم لكلّ ما يتزيّن به من مصاغ الذّهب و الفضّة؛و الجمع:حليّ،بالضّمّ و الكسر.

و جمع الحلية حلى،مثل لحية و لحى،و ربّما ضمّ.

و تطلق الحلية على الصّفة أيضا،و إنّما جعلها حلية أهل النّار،لأنّ الحديد زيّ بعض الكفّار،و هم أهل النّار.

و قيل:إنّما كرهه لأجل نتنه و زهوكته...

يقال:حلّيته أحلّيه تحلية،إذا ألبسته الحلية.

و في حديث عليّ: «لكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم».

يقال:حلي الشّيء بعيني يحلى،إذا استحسنته،و حلا بفمي يحلو.

و في حديث قسّ:«و حليّ و أقاح».الحليّ على «فعيل»:يبيس النّصيّ من الكلإ.(1:435)

الفيّوميّ: و حلي الشّيء بعينى و بصدري يحلى من باب تعب،حلاوة:حسن عندي و أعجبني.

و حليت المرأة حليا،ساكن اللاّم:لبست الحلي؛ و جمعه:حليّ.و الأصل على«فعول»مثل فلس و فلوس.

و الحلية بالكسر:الصّفة؛و الجمع:حليّ مقصور، و تضمّ الحاء و تكسر.

ص: 707

و حلية السّيف:زينته.قال ابن فارس:و لا تجمع.

و تحلّت المرأة:لبست الحليّ أو اتّخذته.

و حلّيتها بالتّشديد:ألبستها الحليّ،أو اتّخذته لها لتلبسه.

و حلّيت السّويق:جعلت فيه شيئا حلوا حتّى حلا.

(1:149)

الفيروزآباديّ: الحلي بالفتح:ما يزيّن به من مصوغ المعدنيّات أو الحجارة؛جمعه:حليّ كدليّ،أو هو جمع و الواحد:حلية كظبية.

و الحلية بالكسر:الحلي؛جمعه:حلى.

و حلي و حلى السّيف و حلاته:حليته.

و حليت المرأة كرضي حليا،فهي حال و حالية:

استفادت حليا أو لبسته كتحلّت،أو صارت ذات حلي.

و حلاّها تحلية:ألبسها حليا،أو اتّخذه لها،أو وصفها و نعتها.

و حلي في عيني قيل:من الحلي.

و الحلية بالكسر:الحلقة و الصّورة و الصّفة؛ و بالفتح:ثلاثة مواضع.

و إحلياء بالكسر:موضع.

و كغنيّ: ما ابيضّ من يبيس النّصيّ؛الواحدة:حليّة.

و الحليّا كالحميّا:نبت و طعام لهم.(4:321)

الطّريحيّ: و حلاّه تحلية:وصفه و نعته.و منه:

«ما نبيّ سلف إلاّ كان موصيا باتّباع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و محلّيه عند قومه».(1:106)

مجمع اللّغة :الحلية:ما يتزيّن به من الذّهب و الفضّة و الحجارة.

و الحليّ: ما يتزيّن به أيضا من الذّهب و الفضّة و الحجارة.

و حلاّه يحلّيه تحلية:ألبسه الحليّ.(1:296)

نحوه محمّد إسماعيل.(144)

العدنانيّ: استحلى الشّيء،و احلولاه،و تحلاّه، و حليه

و يظنّون أنّ قول العامّة:استحليت الشّيء:عددته حلوا،هو قول غير فصيح،و بعض الظّنّ إثم لغويّ؛إذ إنّ عددا كبيرا من أعلام اللّغة،و مؤلّفي معاجمها يقولون:إنّ استحلاه جملة فصيحة:اللّيث بن سعد،و الصّحاح، و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس،و المختار،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.و اللّحيانيّ،و هذه المصادر عينها،ما عدا معجم مقاييس اللّغة،يقولون:إنّ معنى جملة:احلولى الشّيء،كمعنى جملة:استحلاه،و انشد اللّحيانيّ:

فلو كنت تعطي حين تسأل سامحت

لك النّفس و احلولاك كلّ خليل

و اكتفى«الأساس»بذكر الفعل احلولى اللاّزم،الّذي ذكرته جلّ المعاجم.و استشهد«اللّسان»بقول قيس بن الخطيم:

أمرّ على الباغي،و يغلظ جانبي

و ذو القصد أحلولي له و ألين

و زاد على هذين الفعلين فعلا متعدّيا ثالثا يحمل

ص: 708

معناهما،هو الفعل«تحلاّه»،كلّ من:اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط.و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن،و الوسيط زادوا فعلا متعدّيا رابعا يحمل المعنى ذاته أيضا،هو:حلي الشّيء.

و قال الصّحاح و اللّسان و التّاج:لم يجئ«افعوعل» متعدّيا إلاّ هذا الحرف أي كلمة(احلولى)،و حرف (كلمة)آخر،هو الفعل اعرورى،فنقول:اعروريت الفرس:ركبته عريانا.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و لم يذكر المصباح من هذه الأفعال المتعدّية الأربعة إلاّ الفعل:استحلاه.

أمّا فعله فهو كما يقول«اللّسان»:حلي و حلا و حلو حلاوة،و حلوا،و حلوانا،و احلولى.و هذا البناء للمبالغة في الأمر.(167)

المصطفويّ: ظهر أنّ مادّة«حلي»بالياء حقيقة في الزّينة الظّاهريّة الّتي يحسّن بها الشّيء.

و«الحلو»بالواو:

الطّيب في الطّعام،و هو ما يقابل المرّ.

و الفرق بينه و بين الزّينة:أنّ«الحلي»يستعمل في الزّينة العرضيّة الظّاهريّة،و الزّينة أكثر استعمالها في ما يتظاهر و يتراءى من نفس الشّيء.

و قد اشتبه الواويّ و اليائيّ على بعضهم،كما أنّه اشتبه معنى الزّينة على أكثر المفسّرين و الفقهاء في وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ حيث فسّروها بالحلية العرضيّة، و حكموا بما حكموا...راجع«الزّين».(2:298)

النّصوص التّفسيريّة

حلية

1- أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ... الرّعد:17

ابن عبّاس: (حلية)تلبسونها.(207)

الحسن : اِبْتِغاءَ حِلْيَةٍ: الذّهب و الفضّة.

(الطّبريّ 13:135)

نحوه الزّجّاج(3:145)،و الماورديّ(3:106)، و الطّوسيّ(6:240)،و الواحديّ(3:12)،و ابن الجوزيّ(4:322)،و القرطبيّ(9:305).

الفرّاء: اِبْتِغاءَ حِلْيَةٍ يبتغون به الحليّ.

(2:62)

ابن قتيبة : اِبْتِغاءَ حِلْيَةٍ أي حلي.(227)

نحوه البيضاويّ.(1:517)

الطّبريّ: و مثل آخر للحقّ و الباطل،مثل فضّة أو ذهب يوقد عليها النّاس في النّار،طلب حلية يتّخذونها.

(13:134)

البغويّ: أي لطلب زينة،و أراد الذّهب و الفضّة، لأنّ الحلية تطلب منهما.(3:14)

نحوه الطّبرسيّ(3:287)،و أبو السّعود(3:449)،

ص: 709

و الآلوسيّ(13:131).

الزّمخشريّ: فإن قلت:فما فائدة قوله: اِبْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ؟

قلت:الفائدة فيه كالفائدة في قوله: بِقَدَرِها لأنّه جمع الماء و الفلزّ في النّفع،في قوله: وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ لأنّ المعنى:و أمّا ما ينفعهم من الماء و الفلزّ.

فذكر وجه الانتفاع بما يوقد عليه منه و يذاب،و هو الحلية و المتاع،و قوله: وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ عبارة جامعة لأنواع الفلزّ،مع إظهار الكبرياء في ذكره على وجه التّهاون به،كما هو هجّيرى (1)الملوك،نحو ما جاء في ذكر الآجرّ: فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ القصص:38.(2:356)

ابن عربيّ: زينة النّفس،و بهجتها بها،لكونها كمالات لها.(1:638)

النّسفيّ: أي زينة من الذّهب و الفضّة.

(2:247)

الخازن :[نحو البغويّ ثمّ قال:]

و الضّمير في قوله:(عليه)يعود على الذّهب و الفضّة و إن لم يكونا مذكورين،لأنّ الحلية لا تطلب إلاّ منهما.(4:13)

أبو حيّان :و الحلية:ما يعمل للنّساء ممّا يتزيّن به من الذّهب و الفضّة.(5:382)

2- وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها... النّحل:14

ابن عبّاس: (حلية)زهرة من اللّؤلؤ و غيره.

(222)

قتادة :هذا اللّؤلؤ.(الطّبريّ 14:88)

نحوه الميبديّ.(5:362)

الطّبريّ: هو اللّؤلؤ و المرجان.(14:88)

[و مثله أكثر المفسّرين فراجع]

الطّوسيّ: يعني اللّؤلؤ و المرجان الّذي يخرج من البحار.(6:367)

الواحديّ: يريد الدّرّ و اللّؤلؤ و المرجان.(3:58)

مثله ابن الجوزيّ.(4:434)

ابن عطيّة: (البحر)هنا اسم جنس،و إذا كان كذلك فمنه أكل اللّحم الطّريّ،و منه استخراج الحلية، و أكل اللّحم يكون من ملحه و عذبه،و إخراج الحلية إنّما يكون فيما عرف من الملح فقط،و ممّا عرف من ذلك اللّؤلؤ و المرجان و الصّدف و الصّوف البحريّ،و قد يوجد في العذب لؤلؤ لا يلبس إلاّ قليلا،و إنّما يتداوى به، و يقال:إنّ في الزّمرّد بحريّا.و قد خطئ الهذليّ في وصف الدّرّة.[ثمّ ذكر شعرا](3:383)

نحوه القرطبيّ(10:86)،و أبو حيّان(5:479).

أبو الفتوح الرّازيّ: زينة مغطّاة من اللّؤلؤ و المرجان و أنواع الجواهر المستخرجة من البحر.

(12:15)

نحوه البحراني(5:539)،و فضل اللّه(13:205).ب.

ص: 710


1- العادة و الدّأب.

السّمين:(حلية)اسم لما يتحلّى به،و أصلها، الدّلالة على الهيئة،كالعمّة،و الخمرة.(4:317)

البروسويّ: (حلية)الحلية الزّينة من ذهب أو فضّة،و المراد بها في الآية:اللّؤلؤ و الحجر الأحمر الّذي يقال له:المرجان.(5:19)

الآلوسيّ: كاللّؤلؤ و المرجان...و الحلية إنّما تخرج من الملح.و قيل:إنّ العذب يخرج منه لؤلؤ أيضا إلاّ أنّه لا يلبس إلاّ قليلا،و الكثير التّداوي به،و لم نر من ذكر ذلك في أكثر الكتب المصنّفة لذكر مثل ذلك.

(14:114)

المراغيّ: ...اللّؤلؤ:المخلوق في صدفه العائش في البحار،و لا سيّما المحيط الهنديّ،و المرجان:الّذي ينبت في قيعانها،و توجد حقول من المرجان في البحر الأبيض المتوسّط،أمام تونس و الجزائر...(14:61)

راجع ل ب س:«تلبسونها».

الحلية

أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ.

الزّخرف:18

ابن عبّاس: فِي الْحِلْيَةِ: حلية الذّهب و الفضّة.

(412)

يعني النّساء،جعل زيّهنّ غير زيّ الرّجال.

(النّحّاس 6:343)

نحوه القرطبيّ.(16:71)

زيد بن عليّ: هنّ النّساء،فرّق بين زيّهنّ و زيّ الرّجال،و نقصهنّ في الميراث و الشّهادة،و أمرهنّ بالقعدة،و سمّاهنّ:«الخوالف».(365)

أبو عبيدة :يعني الحلى و هذه الجواري.

(2:203)

البغويّ: في الزّينة،يعني النّساء.(4:156)

الزّمخشريّ: يعني في الزّينة و النّعمة.(3:482)

نحوه الخازن.(6:110)

ابن عطيّة: الحلي من الذّهب و الفضّة و الأحجار.

(5:49)

الطّبرسيّ: أي في زينة النّساء للّه عزّ و جلّ،يعني البنات.(5:43)

أبو حيّان :و هي الحلي الّذي لا يليق إلاّ بالإناث دون الفحول،لتزيّنهنّ بذلك لأزواجهنّ.(8:8)

البروسويّ: و الحلية:ما يتحلّى به الإنسان و يتزيّن،و بالفارسيّة:«آرايش».(8:358)

عزّة دروزة :الحلية هي ما تتزيّن به النّساء، و معنى الجملة ينشأ في الزّينة،و هو شأن النّساء بوجه الإجمال.و القصد من الجملة التّنديد بهم،لأنّهم جعلوا النّساء اللاّتي يقتضين حياتهنّ في التّزيّن و اللّهو أندادا للّه تعالى.(5:202)

حليّهم

وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ... الأعراف:148

الحسن :استعار بنو إسرائيل حليّ القبط ليوم

ص: 711

الزّينة،فلمّا أمر موسى أن يسري بهم ليلا تعذّر عليهم ردّ العواري.(ابن عطيّة 2:455)

الأخفش: مِنْ حُلِيِّهِمْ قال بعضهم:(حليّهم) و(حليهم).(2:532)

الزّجّاج: مِنْ حُلِيِّهِمْ و(من حليّهم).فمن قرأ (من حليهم)فالحلي اسم لما يحسّن به من الذّهب و الفضّة.و من قرأ مِنْ حُلِيِّهِمْ بضمّ الحاء،فهو جمع حلي على حليّ،مثل حقو و حقيّ.و من كسر الحاء فقال:

(من حليّهم)أتبع الحاء كسر اللاّم.(2:376)

نحوه ابن الجوزيّ(3:261)،و العكبريّ(1:

595).

النّحّاس: مِنْ حُلِيِّهِمْ يقال لما حسن من الذّهب و الفضّة:حلي؛و الجمع:حليّ،و حليّ.(3:80)

أبو زرعة:قرأ حمزة و الكسائيّ (من حليّهم) بكسر الحاء،و قرأ الباقون:بالضّمّ.و حجّتهم أنّ الضّمّ هو الأصل،و فيه علم الجمع؛و ذلك أنّ الحليّ جمع «حلي»مثل حقو و حقيّ،و الأصل«حلوي»،مثل قلب و قلوب،فلمّا سبقت الواو الياء قلب الواو ياء،فأدغمت في الياء،فصارت«حليّ»بضمّ الحاء و اللاّم،فاجتمعت ضمّتان و بعدهما ياء مشدّدة،فكان ذلك أشدّ ثقلا، فكسرت اللاّم لمجيء الياء،فصارت«حليّ»بضمّ الحاء و كسر اللاّم.

و حجّة من كسر الحاء،هي أنّه استثقل ضمّة الحاء بعد كسر اللاّم و بعدها ياء،فكسر الحاء لمجاورة كسرة اللاّم.و أخرى أنّهم قد أجمعوا على قوله:(من عصيّهم) فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه.(296)

نحوه القيسيّ(1:331)،و أبو البركات(1:375).

الطّوسيّ: و الحلي ما اتّخذ للزّينة من الذّهب و الفضّة،يقال:حلي بعيني يحلى،و حلا في فمي يحلو حلاوة،و حلّيت الرّجل تحلية،إذا وضعته بما يرى منه.

و قد تحلّى بكذا،أي تحسّن به.(4:578)

الزّمخشريّ: [أشار إلى القراءات ثمّ قال:]

و الحلي:اسم لما يتحسّن به من الذّهب و الفضّة.

فإن قلت:لم قال مِنْ حُلِيِّهِمْ و لم يكن الحليّ لهم إنّما كانت عواري في أيديهم؟

قلت:الإضافة تكون بأدنى ملابسة،و كونها عواري في أيديهم كفى به ملابسة،على أنّهم قد ملكوها بعد المهلكين،كما ملكوا غيرها من أملاكهم،أ لا ترى إلى قوله عزّ و جلّ: فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* وَ كُنُوزٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ* كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ الشّعراء:57-59.(2:118)

نحوه الشّربينيّ(1:517)،و البروسويّ(3:

242)،و القاسميّ(7:2857).

ابن عطيّة: و أضاف الحليّ إلى بني إسرائيل و إن كان مستعارا من القبط؛إذ كانوا قد تملّكوه:إمّا بأن نفلوه، كما روي،و حكى يحيى بن سلاّم عن الحسن[و ذكر قول الحسن]و أيضا فخشوا أن يفتضح سرّهم،ثمّ إنّ اللّه نفلهم إيّاه.و يحتمل أن يضاف الحليّ إلى بني إسرائيل من حيث تصرّفت أيديهم فيه بعد غزو آل فرعون.

(2:455)

ص: 712

نحوه البيضاويّ ملخّصا.(1:369)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ إلى أن قال:]

مِنْ حُلِيِّهِمْ الّتي استعاروها من قوم فرعون.

و كانت بنو إسرائيل بمنزلة أهل الجزية في القبط،و كان لهم يوم عيد يتزيّنون فيه،و يستعيرون من القبط الحليّ، فوافق ذلك عيدهم فاستعاروا حليّ القبط،فلمّا أخرجهم اللّه من مصر و غرق فرعون بقيت تلك الحليّ في أيديهم، فاتّخذ السّامريّ منها(عجلا).(2:480)

نحوه الخازن.(2:238)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

و قرأ بعضهم مِنْ حُلِيِّهِمْ على التّوحيد،و الحلي:

اسم ما يتحسّن به من الذّهب و الفضّة.(15:6)

نحوه النّيسابوريّ.(9:49)

النّسفيّ: مِنْ حُلِيِّهِمْ و إنّما نسبت إليهم مع أنّها كانت عواري في أيديهم،لأنّ الإضافة تكون لأدنى ملابسة.و فيه دليل على أنّ من حلف أن لا يدخل دار فلان فدخل دارا استعارها،يحنث على أنّهم قد ملكوها بعد المهلكين،كما ملكوا غيرها من أملاكهم.

و فيه دليل على أنّ الاستيلاء على أموال الكفّار، يوجب زوال ملكهم عنها.نعم المتّخذ هو السّامريّ و لكنّهم رضوا به،فأسند الفعل إليهم.

و الحليّ: جمع حلي،و هو اسم ما يتحسّن به من الذّهب و الفضّة.(حليّهم)حمزة و عليّ للإتباع.

(2:77)

أبو حيّان :[ذكر القراءات إلى أن قال:]

و قرأ يعقوب (من حليهم) بفتح الحاء و سكون اللاّم، و هو مفرد يراد به الجنس أو اسم جنس،مفرده:حلية:

كتمر و تمرة.

و إضافة«الحليّ»إليهم إمّا لكونهم ملكوه من ما كان على قوم فرعون،حين غرقوا و لفظهم البحر،فكان كالغنيمة،و لذلك أمر هارون بجمعه،حتّى ينظر موسى -إذا رجع-في أمره،أو ملكوه إذ كان من أموالهم الّتي اغتصبها القبط بالجزية الّتي كانوا وضعوها عليهم، فتحيّل بنو إسرائيل على استرجاعها إليهم بالعارية.

و إمّا لكونهم لم يملكوه لكن تصرّفت أيديهم فيه بالعارية،فصحّت الإضافة إليهم،لأنّها تكون بأدنى ملابسته.

روى يحيى بن سلاّم عن الحسن:أنّهم استعاروا الحليّ من القبط لعرس،و قيل:ليوم زينة،و لمّا هلك فرعون و قومه بقي الحليّ معهم،و كان حراما عليهم، و أخذ بنو إسرائيل في بيعه و تمحيقه،فقال السّامريّ لهارون:إنّه عارية و ليس لنا،فأمر هارون مناديا بردّ العارية ليرى فيها موسى رأيه إذا جاء،فجمعه و أودعه هارون عند السّامريّ،و كان صائغا،فصاغ لهم صورة عجل من الحليّ.

و قيل:منعهم من ردّ العارية خوفهم أن يطّلع القبط على سراهم؛إذ كان تعالى أمر موسى أن يسري بهم.

(4:392)

أبو السّعود : مِنْ حُلِيِّهِمْ متعلّق ب(اتّخذ)كالجارّ الأوّل لاختلاف معنييهما،فإنّ الأوّل للابتداء و الثّاني

ص: 713

للتّبعيض أو للبيان،أو الثّاني متعلّق بمحذوف وقع حالا ممّا بعده؛إذ لو تأخّر لكان صفة له.

و إضافة«الحليّ إليهم مع أنّها كانت للقبط لأدنى الملابسة؛حيث كانوا استعاروها من أربابها قبيل الغرق، فبقيت في أيديهم.و أمّا أنّهم ملكوها بعد الغرق،فذلك منوط بتملّك بني إسرائيل غنائم القبط و هم مستأمنون فيما بينهم،فلا يساعده قولهم.(3:31)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]

و الجارّ و المجرور متعلّق ب(اتّخذ)كذا مِنْ بَعْدِهِ من قبله،و لا ضير في ذلك،لاختلاف معنى الجارّين،فإنّ الأوّل للابتداء،و الثّاني للتّبعيض.و قيل:للابتداء أيضا، و تعلّقه بالفعل بعد تعلّق الأوّل به،و اعتباره معه.[إلى أن قال:]

قال الإمام:روي أنّه تعالى لمّا أراد إغراق فرعون و قومه،لعلمه أنّه لا يؤمن أحد منهم،أمر موسى عليه السّلام بني إسرائيل أن يستعيروا حليّ القبط،ليخرجوا خلفهم، لأجل المال،أو لتبقى أموالهم في أيديهم.

و استشكل ذلك بكونه أمرا بأخذ مال الغير بغير حقّ،و إنّما يكون غنيمة بعد الهلاك،مع أنّ الغنائم لم تكن حلالا لهم،لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي أحلّت لي الغنائم»الحديث،على أنّ ما نقل عن القوم في سورة طه:87،من قولهم: حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ يقتضي عدم الحلّ أيضا.

و أجيب:بأنّ ذلك أن تقول:إنّهم لمّا استعبدوهم بغير حتّى و استخدموهم،و أخذوا أموالهم،و قتلوا أولادهم،ملّكهم اللّه تعالى أرضهم و ما فيها،فالأرض للّه تعالى يورثها من يشاء من عباده،و كان ذلك بوحي من اللّه تعالى لا على طريق الغنيمة،و يكون ذلك على خلاف القياس،و كم في الشّرائع مثله...(9:63)

حلّوا

...وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً. الدّهر:21

ابن عبّاس: ألبسوا.(499)

نحوه مغنيّة.(7:484)

الزّمخشريّ: وَ حُلُّوا عطف على وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الدّهر:19.(4:199)

نحوه البيضاويّ(2:527)،و أبو السّعود(6:

344).

ابن عطيّة: أي جعل لهم حليّ.(5:414)

الشّربينيّ: حُلُّوا أي المخدوم و الخادم.

(4:458)

البروسويّ: و حُلُّوا... عطف على وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ و هو ماض لفظا و مستقبل معنى،و(اساور) مفعول ثان ل(حلّوا)بمعنى:و يحلّون.و التّحلية:التّزيين بالحليّ-بالفارسيّة:با حلي زيور كردن-و فيه تعظيم لهم بالنّسبة إلى أن يقال:و تحلّوا.[ثمّ قال نحو البيضاويّ]

(10:275)

راجع س و ر:«أساور».

ص: 714

يحلّون

1- أُولئِكَ لَهُمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ... الكهف:31

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لو أنّ أدنى أهل الجنّة حلية،عدلت حليته بحلية أهل الدّنيا جميعا،لكان ما يحلّيه اللّه به في الآخرة،أفضل من حلية أهل الدّنيا جميعا».

(الواحديّ 3:147)

ابن عبّاس: يلبسون في الجنّة.(246)

نحوه الطّبريّ.(15:243)

سعيد بن جبير: يحلّى كلّ واحد منهم ثلاثة من الأساور:واحد من فضّة،و واحد من ذهب،و واحد من لؤلؤ و يواقيت.(الواحديّ 3:147)

الفرّاء: يُحَلَّوْنَ فلو قال قائل:يحلون لجاز، لأنّ العرب تقول:امرأة حالية،و قد حليت فهي تحلى، إذا لبست الحليّ،فهي تحلى حليّا و حليا.(2:141)

الطّوسيّ: أي يجعل لهم فيها حليّا من زينة مِنْ أَساوِرَ... (7:40)

مثله الطّبرسيّ.(3:467)

الفخر الرّازيّ: إنّ لباس أهل الدّنيا:إمّا لباس التّحلّي،و إمّا لباس التّستّر.أمّا لباس التّحلّي،فقال تعالى في صفته: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ، و المعنى أنّه يحلّيهم اللّه تعالى ذلك،أو تحلّيهم الملائكة.

و قال بعضهم:على كلّ واحد منهم ثلاثة أسورة:

سوار من ذهب لأجل هذه الآية،و سوار من فضّة لقوله تعالى: وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ الدّهر:21،و سوار من لؤلؤ،لقوله تعالى وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ الحجّ:23.

و أمّا لباس التّستّر فقوله وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً... [إلى أن قال:]

فإن قيل:ما السّبب في أنّه تعالى قال في الحليّ:

يُحَلَّوْنَ على فعل ما لم يسمّ فاعله،و قال في السّندس و الاستبرق: وَ يَلْبَسُونَ فأضاف اللّبس إليهم؟

قلنا:يحتمل أن يكون اللّبس إشارة إلى ما استوجبوه بعملهم،و أن يكون الحليّ إشارة إلى ما تفضّل اللّه عليهم، ابتداء من زوائد الكرم.(21:122)

ابن عربيّ: أي يزيّنون فيها بأنواع الحليّ من حقائق التّوحيد الذّاتيّ،و معاني التّجلّيات العينيّة الأحديّة؛إذ الذّهبيّات من الحليّ هي العينيّات، و الفضّيّات هي الصّفاتيّات النّورانيّات،كقوله: وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ الدّهر:21...(1:762)

أبو حيّان :و قدّمت التّحلية على اللّباس،لأنّ الحليّ في النّفس أعظم،و إلى القلب أحبّ،و في القيمة أغلى،و في العين أحلى.و بناء فعله للمفعول الّذي لم يسمّ فاعله إشعارا بأنّهم يكرمون بذلك،و لا يتعاطون ذلك بأنفسهم.[ثمّ استشهد بشعر].(6:122)

الشّربينيّ: يُحَلَّوْنَ فِيها و بني الفعل للمجهول،لأنّ المقصود وجود التّحلية،و هي لعزّتها إنّما يؤتى بها من الغيب فضلا من اللّه تعالى،و لمّا كانت نعم اللّه لا تحصى نوع منها.قال تعالى مبعّضا: مِنْ أَساوِرَ...

(2:374)

ص: 715

البروسويّ: يُحَلَّوْنَ فِيها أي في تلك الجنّات من:حليت المرأة،إذا لبست الحليّ،و هي ما تتحلّى به من ذهب و فضّة و غير ذلك من الجوهر.(5:243)

نحوه مغنيّة.(5:124)

2- ...يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ. الحجّ:23

ابن عبّاس: يلبسون في الجنّة.(279)

نحوه الطّوسيّ(7:304)،و الطّبرسيّ(4:78)، و أبو الفتوح الرّازيّ(13:315).

من حليت المرأة.(الزّمخشريّ 3:9)

نحوه البيضاويّ.(2:89)

الزّجّاج: و(لؤلؤا)يقرءان جميعا،فمن قرأ(و لؤلؤا) فعلى معنى يحلّون فيها أساور من ذهب و يحلّون لؤلؤا، و من قرأ(و لؤلؤ)أراد و من لؤلؤ.

و جائز أن يكون(اساور من ذهب و لؤلؤ)فيكون ذلك فيها خلطا من الصّنفين.و يقرأ (يحلون فيها) على معنى قولك:حلي يحلى،إذا صار ذا حلي.(3:420)

ابن جنّيّ: يُحَلَّوْنَ من حلي يحلى.يقال:لم أحل منه بطائل،أي لم أظفر.و يجوز أن يكون من قولهم:

امرأة حالية،أي ذات حلي.(الطّبرسيّ 4:77)

القشيريّ: التّحلية تحصين لهم،و ستر لأحوالهم، فهم للجنّة زينة،و ليس لهم بالجنّة زينة:

و إذا الدّرّ زان حسن وجوه

كان للدّرّ حسن وجهك زينا

(4:208)

ابن عطيّة: و قرأ ابن عبّاس (يحلون) بفتح الياء و اللاّم و تخفيفها.[ثمّ ذكر نحو الزّجّاج و ابن جنّيّ]

(4:115)

الفخر الرّازيّ: الحلية:و هو قوله: يُحَلَّوْنَ فِيها... فبيّن تعالى أنّه موصلهم في الآخرة إلى ما حرّمه عليهم في الدّنيا من هذه الأمور،و إن كان من أحلّه لهم أيضا شاركهم فيه،لأنّ المحلّل للنّساء في الدّنيا يسير بالإضافة إلى ما سيحصل لهم في الآخرة.(23:22)

العكبريّ: يُحَلَّوْنَ يقرأ بالتّشديد من التّحلية بالحليّ،و يقرأ بالتّخفيف من قولك:أحلي:ألبس الحليّ، و هو من حليت المرأة تحلى،إذا لبست الحليّ.و يجوز أن يكون من حلي بعيني كذا،إذا حسن،و تكون(من) زائدة،أو يكون المفعول محذوفا.(2:938)

ابن عربيّ: الأخلاق،و الفضائل المصوغة مِنْ ذَهَبٍ العلوم العقليّة،و الحكمة العمليّة...(2:100)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة ثمّ أضاف:]

قال أبو الفضل الرّازيّ: يجوز أن يكون من حلي بعيني يحلى،إذا استحسنته.قال:فتكون(من)زائدة، فيكون المعنى:يستحسنون فيها الأساور الملبوسة، انتهى.

و هذا ليس بجيّد لأنّه جعل«حلي»فعلا متعدّيا، و لذلك حكم بزيادة(من)في الواجب،و ليس مذهب البصريّين.و ينبغي على هذا التّقدير أن لا يجوز،لأنّه لا يحفظ لازما.فإن كان بهذا المعنى كانت(من)للسّبب،

ص: 716

أي بلباس أساور الذّهب يحلّون بعين من يراهم،أي يحلى بعضهم بعين بعض.

قال أبو الفضل الرّازيّ: و يجوز أن تكون من:حليت به،إذا ظفرت به،فيكون المعنى يحلّون فيها بأساور، فتكون(من)بدلا من الباء،و الحليّة من ذلك.فأمّا إذا أخذته من:حليت به،فإنّه من الحلية و هو من الياء،و إن أخذته من حلي بعيني،فإنّه من الحلاوة من الواو،انتهى.

و من معنى الظّفر قولهم:لم يحل فلان بطائل،أي لم يظفر،و الظّاهر أنّ(من)في مِنْ أَساوِرَ للتّبعيض، و في مِنْ ذَهَبٍ لابتداء الغاية،أي أنشئت من ذهب.

(6:361)

السّمين:العامّة على ضمّ الياء و فتح اللاّم مشدّدة، من:حلاّه تحلية،إذا ألبسه الحلي.و قرئ بسكون الحاء و فتح اللاّم مخفّفة،و هو بمعنى الأوّل،كأنّهم عدّوه تارة بالتّضعيف و تارة بالهمزة.[ثمّ ذكر نحو أبي حيّان و قال:]

و اعلم أنّ«حلي»بمعنى لبس الحلية أو بمعنى ظفر، من مادّة«الياء»لأنّهما من الحلية.و أمّا حلي بعيني كذا، فإنّه من مادّة الواو،لأنّه من الحلاوة،و إنّما قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.(5:136)

الشّربينيّ: من حليت المرأة،إذا لبست الحلي،في مقابلة ما يزال من بواطن الكفرة و ظواهرهم.

(2:545)

أبو السّعود :على البناء للمفعول بالتّشديد من التّحلية.و قرئ بالتّخفيف من الإحلاء،بمعنى الإلباس، أي يحلّيهم الملائكة بأمره تعالى.و قرئ يحلّون من حلية المرأة،إذا لبست حليتها.(4:376)

البروسويّ: من حليت المرأة،إذا ألبست الحلي، و هو ما يتحلّى به من ذهب أو فضّة،أي تحلّيهم الملائكة بأمره تعالى و تزيّنهم.(6:20)

الشّوكانيّ: قرأ الجمهور يُحَلَّوْنَ بالتّشديد و البناء للمفعول،و قرئ مخفّفا،أي يحلّيهم اللّه أو الملائكة بأمره.(3:556)

نحوه الآلوسيّ.(17:135)

المراغيّ: أي يلبسون في أيديهم حلية من ذهب، و في رءوسهم تيجانا من لؤلؤ.(17:104)

3- جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ. فاطر:33.

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إذا دخل المؤمن منازله في الجنّة وضع على رأسه تاج الملك و الكرامة و ألبس حلل الذّهب و الفضّة و الدّرّ و الياقوت منظوما في الإكليل تحت التّاج، و ألبس سبعين حلّة حرير بألوان مختلفة،منسوجة بالذّهب و الفضّة و اللّؤلؤ و الياقوت الأحمر؛و ذلك قوله تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ....

(الكاشانيّ 4:240)

الزّمخشريّ: من حليت المرأة فهي حال.

(3:310)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى سرعة الدّخول،فإنّ التّحلية لو وقعت خارجا لكان فيه تأخير الدّخول، فقال: يَدْخُلُونَها و فيها تقع تحليتهم.(26:26)

ص: 717

نحوه النيسابوريّ.(22:81)

ابن عربيّ: صوّر كمالات الأخلاق،و الفضائل، و الأحوال،و المواهب المصوغة بالأعمال،من ذهب العلوم الرّوحانيّة،و لؤلؤ المعارف،و الحقائق الكشفيّة الذّوقيّة،فلباسهم فيها حرير الصّفات الإلهيّة.

(2:319)

البيضاويّ: يُحَلَّوْنَ فِيها خبر ثان أو حال مقدّرة.و قرئ يحلون،من حليت المرأة فهي حالية.

(2:273)

مثله أبو السّعود(5:283)،و نحوه البروسويّ(7:

351).

الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و قيل:إنّها لقرب الوقوع بعد الدّخول تعدّ مقارنة.

(22:198)

عبد الكريم الخطيب :هو حال من الفاعل في قوله تعالى: يَدْخُلُونَها.

و هذه الحليّ الّتي يلبسها المؤمنون في جنّات عدن، هي من بعض ما كانوا يشتهون في دنياهم،أو ممّا كانوا يتمتّعون به،و يجدون المسرّة منه.فيكون من تمام النّعمة عليهم أن ينالوا كلّ شيء كان مشتهى لهم في دنياهم، و قصرت عنه أيديهم،أو كان متعة من متعهم في هذه الدّنيا.

و ليس هذا كلّ نعيم أهل الجنّة،بل هو شيء لا يكاد يذكر إلى ما هناك من نعيم لم تره عين،و لم تسمعه أذن، و لم يخطر على قلب بشر.و لكنّه من شهوات النّفس في دنياها،فلا يحرم منه إذا هي نزلت منزل الإحسان المطلق،و النّعيم الشّامل.تماما كما يجيء إنسان من أقاصي الرّيف إلى مدينة كالقاهرة.إنّ كلّ ما في نفسه أن ينال شيئا ممّا كان يراود خياله،و يطرق أمله،كأن يدخل«السّينما»أو يجلس في مطعم فيأكل حتّى يشبع،أو يلبس بدلة،أو نحو هذا.إنّ آماله و هو في عيشه الضّيق الضّنك،لا تتّسع لأكثر من هذا.

و لك في هذا مثل تجده في طوارق الأحلام،إنّ كلّ إنسان يقع له في أحلامه،ما يشتهيه في يقظته،و تقصر عنه يده.

و في عالم الأحلام متّسع لكلّ شيء،و مع هذا فإنّ المحروم من الشّيء لا يكاد يحلم إلاّ به،و إن كان عند غيره تافها لا يلتفت إليه في يقظة أو منام.و في المثل:

«الجوعان يحلم بالرّغيف»

فمخطئ أولئك الّذين يتّهمون الإسلام من هذا الجانب،و يحقّرون الجنّة الّتي وعد اللّه المتّقين بها، و يقولون:إنّها جنّة حسّيّة،تستجيب لشهوات الجسد، أكثر من استجابتها لمطالب الرّوح.ثمّ إنّها من جهة أخرى جنّة تافهة،لا تستحقّ أنّه يعمل لها الإنسان في دنياه هذا العمل الشّاقّ الطّويل،كي يلبس حريرا،أو يحلّى بذهب أو لؤلؤ،أو يشرب من نهر خمر،أو لبن،أو عسل،أو ينال من لحم طير أو نحوه.إنّ ذلك كلّه موجود في الدّنيا،بل هو أقلّ ما يوجد فيها،هكذا يقولون!

و يردّ على هذا من وجوه:

فأوّلا:ليس هذا هو كلّ نعيم الجنّة الّتي وعد به

ص: 718

المتّقون،و إنّما هو-كما قلنا-شيء قليل قليل إلى كثير كثير،لا حصر له،ممّا لم تره عين في هذه الدّنيا،و لم تسمع به أذن،و لم يخطر على قلب بشر.

و ثانيا:أنّ هذا الّذى يساق إلى أهل الجنّة من نعيم الدّنيا،ليس فرضا عليهم،و إلزاما لهم،بل هو استجابة لمطلب كان لهم في الدّنيا،و عزّ عليهم الحصول عليه.

و أنّه لكي تتمّ سعادتهم،و لكي يدركوا أنّ ما فاتهم في دنياهم لم يكن إلاّ شيئا تافها إلى هذا النّعيم الّذي أعدّه اللّه لهم،كان وضع هذا المتاع الدّنيويّ بين أيديهم،إزاء ما في الجنّة من نعيم.

و ثالثا:ليس هذا النّعيم جسديّا،بل إنّ الرّوح لتجد راحتها و سعادتها في حصولها على ما حرمت منه،و لو كان أمرا مادّيّا في ذاته،كما يقع ذلك للرّوح في عالم الأحلام.إنّ ما يقع في الأحلام من أمور تستجيب لرغبة الإنسان،هي ممّا يسعد نفسه،و يرضي مشاعره.

(11:890)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحلي،و هو ما يتزيّن به من مصوغ المعدن و الحجارة؛و الجمع:حليّ.يقال:

حليت المرأة حليا،أي استفادت حليا أو لبسته،فهي حال و حالية،و هنّ حوال،و تحلّت:لبست حليا أو اتّخذته،فهي متحلّية.و حليتها أحليها حليا و حلوتها:

جعلت لها حليّا،و حلّيتها:ألبستها حليا أو اتّخذته لها، و تحلّى الرّجل بالحلي:تزيّن.

و الحلية:الحلي؛و الجمع:حلى و حلى.يقال:حلّيت السّيف،أي جعلت له حلية،و هو سيف محلّى،و حلّيت الرّجل:و صفت حليته.

و من المجاز:حلي الشّيء في عيني و صدري يحلى:

استحسنته،تشبيها بحسن الحلي في العين،و حلي فلان بعيني و في عيني و بصدري و في صدري يحلى حلاوة:

أعجبني،و حليت المرأة في عيني و في صدري و في قلبي و بها تحلى حلاوة،و حلت تحلو حلاوة:أعجبتني.و كذا حلّيت الشّيء في عين صاحبه،و تحالت المرأة،إذا أظهرت حلاوة و عجبا.

و الحلو:نقيض المرّ،و قد حلي الشّيء في فمي و حلا و حلو حلاوة و حلوا و حلوانا،تشبيها بحلي المعدنيّات في العين.و احلولى صار حلوا،و حلي الشّيء و استحلاه و تحلاّه،و احلولاه يحلوليه احليلاء:عدّه حلوا،و حلّى الشّيء:جعله ذا حلاوة،و أحلاه:جعله حلوا،و حلّيت الطّعام:جعلته حلوا.

و الحلواء:كلّ ما عولج بحلو من الطّعام،و الفاكهة الحلوة.يقال:حلوت الفاكهة تحلو حلاوة.

و الحلوى:نقيض المرّى.يقال:خذ الحلوى و أعطه المرّى.

و الحلوان:الحباء و العطاء،و كأنّه اختصّ بالحلواء، ثمّ عمّم في كلّ عطاء،كالرّشوة،و أجرة الدّلاّل،و أجرة الكاهن،و مهر المرأة،و ما كان يأخذه الرّجل من مهر ابنته لنفسه،و هذا عار عند العرب.يقال:حلوته أحلوه حلوانا،إذا حبوته،و حلوت فلانا على كذا مالا أحلوه

ص: 719

حلوا و حلوانا:وهبت له شيئا على شيء يفعله لك غير الأجرة،و حلا الرّجل الشّيء:أعطاه إيّاه،و حلوت:

رشوت،و لأحلونّك:لأجزينّك جزاءك،و حلا الرّجل حلوا و حلوانا:زوّجه ابنته أو أخته أو امرأة ما بمهر مسمّى،و احتلى فلان لنفقة امرأته و مهرها،و هو أن يتمحّل لها و يحتال،أخذ من الحلوان.يقال:احتل فتزوّج.

و من المجاز:قول حليّ يحلولي في الفم،و ما يمرّ و لا يحلي،و ما أمرّ و لا أحلى:ما يتكلّم بحلو و لا مرّ،و لا يفعل فعلا حلوا و لا مرّا.و الحلو:الرّجل الّذي يستخفّه النّاس و يستحلّونه و تستحلّيه العين؛و الجمع:حلوون، و الأنثى:حلوة؛و الجمع:حلوات.و الحلو الحلال:الرّجل الّذي لا ريبة فيه،على المثل؛لأنّ ذلك يستحلى منه.

2-و في هذا الباب ألفاظ من مادّة(ح ل أ)،كقولهم:

لم يحل بطائل،أي لم يظفر و لم يستفد منها كبير فائدة، و ما حليت بطائل،و أصله ما حلئت منه بطائل،بالهمز.

و الحلو و الحلاوة:ما يحكّ بين حجرين فيكتحل به، و هو الحلوء و الحلاءة.يقال:حلأه يحلؤه حلأ،و أحلأه، أي كحله بالحلوء.

و الحلى:بثر يخرج بأفواه الصّبيان،و هو الحلأ بالهمز.يقال:حلئت شفتي تحلأ حلأ،أي بثرت.

و ممّا شذّ عن هذا الباب:حلاوة القفا و حلاوته و حلواؤه و حلاواه و حلاءته و حلاواه:وسطه.يقال:

ضربه على حلاوة القفا،أي على وسطه،و سقط على حلاوى القفا:على وسطه.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من المجرّد«حلية»4 مرّات و«حلىّ»مرّة، و من باب التّفعيل الماضي مجهولا مرّة،و المضارع مجهولا 3 مرّات،في 9 آيات:

حلّوا-يحلّون

1- ...وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً الدّهر:21

2- يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ... الكهف:31

3- يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ الحجّ:23

4- جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ فاطر:33

حلية-حليّ

5- ...وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ الرّعد:17

6- وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها... النّحل:14

7- ...وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها... فاطر:12

8- أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ الزّخرف:18

9- وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ... الأعراف:148

يلاحظ أوّلا:أنّه جاءت من مشتقّات هذه المادّة

ص: 720

أفعال أربعة في الآيات الأربع الأولى،و فيها بحوث:

1-تناسقت الآيات الأربع بنسق واحد؛إذ أفعالها مضارعة مبنيّة للمجهول،و تلتها فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ. إلاّ الآية(1)؛إذ فعلها ماض مجهول،و تلته عبارة أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ، و لعلّ خلوّها من(فيها) العائد على الجنّة لبعد هذا اللّفظ عن هذه الآية؛حيث ذكرت في الآيات المتقدّمة.لفظها،و كرّر ضميرها:

(فيها)فاستغني عن تكرارها هنا.

و قد اقتضى إضماره في سائر الآيات لذكر لفظ (جنّات)فيها دون فصل،و عدم تكرار ضميرها.

و لعلّ علّة تعدية الفعل دون(من)في(1)مجيئه ماضيا،و إن كان بمعنى المضارع،فكأنّ هذا الأمر قد وقع أو أنّه قريب الوقوع،و نظيره قوله: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ النّحل:1.

أو أنّ(من)في الثّلاثة الأخيرة للتّبعيض،إشارة إلى أنّ بعض أساورهنّ من ذهب،بخلاف الأولى فكلّ أساورهم فيها من فضّة،فرقا بين الذّهب و الفضّة لقلّة الأولى و غلائها،و كثرة الثّانية و رخصها.

و تقدّم ذكر الثّياب على التّحلية في هذه الآية خلافا لسائر الآيات؛إذ جاء بلفظ ثياب أيضا في(2)بعد مِنْ ذَهَبٍ، و بلفظ(لباسهم)في(3)و(4)بعد(لؤلؤا).

و قال أبو حيّان في علّة تقديم التّحلية على اللّباس:«لأنّ الحليّ في النّفس أعظم،و إلى القلب أحبّ،و في القيمة أغلى،و في العين أحلى».

و ذكرت فيها الحلية بأنّها أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ، و ليس أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ كما في سائر الآيات،قال سعيد بن جبير:«يحلّى كلّ واحد منهم ثلاثة من الأساور:واحد من فضّة،و واحد من ذهب،و واحد من لؤلؤ و يواقيت».

2-قال الفخر الرّازيّ: «فإن قيل:ما السّبب في أنّه تعالى قال في الحليّ:(يحلّون)على فعل ما لم يسمّ فاعله، و قال في السّندس و الإستبرق:(و يلبسون)فأضاف اللّبس إليهم؟قلنا:يحتمل أن يكون اللّبس إشارة إلى ما استوجبوه بعملهم،و أن يكون الحليّ إشارة إلى ما تفضّل اللّه عليهم ابتداء من زوائد الكرم».

3-و يلحظ التّفنّن في الآيات ترغيبا إلى الجنّة، حيث قرن في(2)سندس و استبرق منكّرين بلفظ «ثيابا»منكّرا أيضا-و في التّنكير إكبار لها و تعمية-، و قرن«حرير»منكّرا بلفظ«لباسهم»مع تغيير الأسلوب في(3 و 4)حيث جاء به في جملة: وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ، و لم يعطف على ما قبله كما عطف«اللّؤلؤ» فيهما على«ذهب».لاحظ:حرير،و ذهب،و فضّة، و لؤلؤ،و لباس،و ثياب.

4-قرئ (يحلون) بفتح الياء و اللاّم و تخفيفها.قال الزّجّاج:«على معنى قولك:حلي يحلى،إذا صار ذا حلي».و قال ابن جنّيّ:«يحلون من:حلي يحلى.يقال:لم أحل منه بطائل،أي لم أظفر.و يجوز أن يكون من قولهم:

امرأة حالية،أي ذات حلي».

و قال أبو حيّان:«قال أبو الفضل الرّازيّ: يجوز أن يكون من:حلي بعيني يحلى،إذا استحسنته،قال:

ص: 721

فتكون(من)زائدة،فيكون المعنى:يستحسنون فيها الأساور الملبوسة»انتهى.

و هذا ليس بجيّد،لأنّه جعل حلي فعلا متعدّيا، و لذلك حكم بزيادة(من)في الواجب،و ليس هذا مذهب البصريّين.و ينبغي على هذا التّقدير أن لا يجوز، لأنّه لا يحفظ لازما،فإن كان بهذا المعنى كانت(من) للسّبب أو للتّبعيض-كما قلنا-أي بلباس أساور الذّهب،أو بعضها من ذهب يحلون بعين من يراهم،أي يحلى بعضهم بعين بعض.

قال أبو الفضل الرّازيّ: و يجوز أن تكون من:حليت به،إذا ظفرت به،فيكون المعنى:يحلون فيها بأساور، فتكون(من)بدلا من الباء،و الحلية من ذلك.فأمّا إذا أخذته من:حليت به،فإنّه من الحلية،و هو من الياء، و إن أخذته من:حلي بعيني،فإنّه من الحلاوة،و هو من الواو،انتهى.

و من معنى الظّفر قولهم:لم يحل فلان بطائل،أي لم يظفر.و الظّاهر أنّ(من)في مِنْ أَساوِرَ للتّبعيض، و في مِنْ ذَهَبٍ لابتداء الغاية،أي أنشئت من ذهب.

أو بالعكس،فالأولى للابتداء و الثّانية للتّبعيض-كما سبق-و هذا هو الأولى.

ثانيا:جاء من مشتقّات هذه المادّة أيضا الحلية و الحليّ في سائر الآيات الخمس،و فيها بحوث:

1-لم يذكر نوع الحلية و جنسها في هذه الآيات كما ذكرا في آيات أهل الجنّة،غير أنّه يمكن تشخيص جنسها و أصلها من بعض القرائن،فيراد بها في(5) الذّهب و الفضّة،لأنّها تطلب منهما،و في(6)و(7)اللّؤلؤ و المرجان،لأنّهما يخرجان من البحار،و في(8)و(9) كلاهما،أي الذّهب و الفضّة و الأحجار.

2-قال الزّمخشريّ في(5):«فإن قلت:فما فائدة قوله: اِبْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ؟ قلت:الفائدة فيه كالفائدة في قوله: فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها لأنّه جمع الماء و الفلزّ في النّفع،في قوله: وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ لأنّ المعنى:و أمّا ما ينفعهم من الماء و الفلزّ،فذكر وجه الانتفاع بما يوقد عليه منه و يذاب،و هو الحلية و المتاع.

و قوله: وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ عبارة جامعة لأنواع الفلزّ مع إظهار الكبرياء في ذكره على وجه التّهاون به،كما هو هجّيرى الملوك،نحو ما جاء في ذكر الآجرّ فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ القصص:38».

3-و قال أيضا في(9):«فإن قلت:لم قال: مِنْ حُلِيِّهِمْ و لم يكن الحليّ لهم إنّما كانت عواري في أيديهم؟ قلت:الإضافة تكون بأدنى ملابسة،و كونها عواري في أيديهم،كفى به ملابسة على أنّهم قد ملكوها بعد المهلكين،كما ملكوا غيرها من أملاكهم».

و قال النّسفيّ: «فيه دليل على أنّ الاستيلاء على أموال الكفّار يوجب زوال ملكهم عنها».

و قال الآلوسيّ: «استشكل ذلك بكونه أمرا بأخذ مال الغير بغير حقّ،و إنّما يكون غنيمة بعد الهلاك،مع أنّ الغنائم لم تكن حلالا لهم.

و أجيب بأنّ ذلك أن تقول:إنّهم لمّا استعبدوهم بغير

ص: 722

حقّ،و استخدموهم و أخذوا أموالهم و قتلوا أولادهم، ملّكهم اللّه تعالى أرضهم و ما فيها».

4-قرئ (حليّهم) إتباعا لكسرة اللاّم،لأنّه يستثقل ضمّ الحاء في هذه الحال.و قرئ أيضا (حليهم) بفتح الحاء و سكون اللاّم،و الحلي:اسم ما يتحسّن به من الذّهب و الفضّة.

5-يتعلّق مِنْ حُلِيِّهِمْ ب(اتّخذ)و كذلك مِنْ بَعْدِهِ، إلاّ أنّ معنى مِنْ حُلِيِّهِمْ التّبعيض أو البيان، و معنى مِنْ بَعْدِهِ الابتداء.و ذهب أبو السّعود في أحد قوليه إلى أنّ مِنْ حُلِيِّهِمْ متعلّق بمحذوف وقع حالا ممّا بعده؛إذ لو تأخّر لكان صفة له.و هذا القول بعيد عن الصّواب،لأنّ فيه تقديرا و محذورا.

ثالثا:الآيات الأربع الأولى جاءت بشأن حلية أهل الجنّة،فهي خاصّة بالآخرة،و سياقها مدح و تفضّل، و الفعل فيها مجهول و صريح في الإكرام من قبل اللّه تعالى.

و الآيات الخمس بعدها جاءت بشأن حلية النّاس في الحياة الدّنيا و لسانها إنعام و امتنان سوى الأخيرة فسياقها ذمّ،حيث و صفت قوم موسى بأنّهم اتّخذوا من حليّهم عجلا عبدوه،و قد جاء فيها-بدل الفعل-حلية و حلّي بلا تشريف و إكرام.

و أيضا كلّها مكّيّة،سوى سورتي الدّهر و الحجّ مختلف فيهما،و سياقهما أشبه بالمكّيّات.فيبدو أنّ التّذكير بنعم الدّنيا و الآخرة في مكّة كان له علاقة بترسيخ العقيدة في جانبي المبدا و المعاد.

ص: 723

ص: 724

ح م أ

اشارة

لفظان،4 مرّات:3 مكّيّة،1 مدنيّة في سورتين مكّيّتين

حمأ 3:3 حمئة 1:-1

النّصوص اللّغويّة

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث]:«إيّاكم و الدّخول على النّساء،فقال رجل من الأنصار:يا رسول اللّه أ فرأيت الحمء؟فقال:الحمء:الموت».(الزّبيديّ 1:58)

الخليل: الحمو:أبو الزّوج،و أخو الزّوج،و كلّ من ولي الزّوج من ذي قرابته،فهم أحماء المرأة.

و أمّ زوجها:حماتها.

و في الحمو ثلاث لغات:حماها مثل عصاها،و حموها مثل أبوها،و حمؤها مقصور مهموز مثل كمؤها.و تقول العرب:حمأة حامية و كنّة كاوية.و تقول:هذا حموك و مررت بحميك و رأيت حماك مخفّف بلا همز.و الهمز لغة رديئة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا بالهمز فتقول:هذا حمؤك،و رأيت حمأك، و مررت بحمئك،مخفّف مهموز.

و الحماة:لحمة منتبرة في باطن السّاق.

و الحمأ:الطّين الأسود المنتن.و في التّنزيل: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ الحجر:26،و المسنون:المصبوب.

و يسمّى الطّين الّذي نبث من النّهر:الحمأة.

و قول اللّه عزّ و جلّ: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ الكهف:86،أي ذات حمأة.(3:311)

اليزيديّ: حمأت البئر،إذا أخرجت حمأتها، و أحمأتها:جعلت فيها حمأة.(الأزهريّ 5:276)

الفرّاء: حمئت عليه حمأ،مهموز و غير مهموز،أي غضبت.(الأزهريّ 5:277)

نحوه الأمويّ(الجوهريّ 1:45)،و اللّحيانيّ (الزّبيديّ 1:58).

و كلّ شيء من قبل الزّوج مثل الأب و الأخ فهم الأحماء؛واحدهم:حما.و فيه أربع لغات:حما مثل قفا،

ص: 725

و حمو مثل أبو،و حمء مثل آب،و حمء ساكنة الميم مهموزة.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 6:2319)

الحمأة:نبت ينبت بنجد في الرّمل و في السّهل.و إنّه لحمئ العين،مثل نجيء العين.(الصّغانيّ 1:17)

أبو عبيدة :واحدة الحمأ حمأة،كقصبة واحدة القصب.(ابن سيده 3:411)

أبو زيد :حمأت الرّكيّة:جعلتها حمئة.

(الأزهريّ 5:276)

الأصمعيّ: [الحمو]فيه ثلاث لغات:هو حماها مثل قفاها،و حموها مثل أبوها،و حمؤها مهموز مقصور.(أبو عبيد 2:85)

يقال:حمئت الرّكيّة فهي تحمأ حمأ،إذا صارت ذات حمأ،و أحمأتها أنا إحماء،إذا نقّيتها من حمأتها، و حمأتها،إذا ألقيت فيها الحمأة.(الأزهريّ 5:276)

اللّحيانيّ: حميت في الغضب أحمى حميّا، و بعضهم:حمئت في الغضب بالهمز.

(الأزهريّ 5:277)

ابن السّكّيت: و قد أحمأت البئر،إذا ألقيت فيها الحمأة،و حمأتها،إذا نزعت حمأتها.

(إصلاح المنطق:229)

نحوه الزّجّاج.(فعلت و أفعلت:196)

ابن دريد :و حمئت الرّكيّة حمأ،إذا كثرت حمأتها.

و قد قرئ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ أي ذات حمأة،و اللّه أعلم.

و أحمأتها،إذا جعلت فيها الحمأة.(3:280)

ابن الأنباريّ: و الأختان:أهل المرأة،و الأحماء:

أهل الرّجل،و الأصهار يقع على الأختان و الأحماء.

(القاليّ: 2:311)

الأزهريّ: ...و حمأتها،إذا ألقيت فيها الحمأة.

قلت:ذكر هذا الأصمعيّ في كتاب«الأجناس»كما رواه اللّيث،و ليس بمحفوظ.و الصّواب ما أخبرنا المنذريّ عن الحرّانيّ عن ابن السّكّيت.[و ذكر قوله و قول اليزيديّ ثمّ قال:]

وافق قول ابن السّكّيت قول أبي عبيد عن اليزيديّ.(5:276)

الصّاحب:[نحو الخليل إلاّ أنّه قال:]

و احمومى الشّيء:اسودّ،و منهم من يهمزه.

و الحمأة؛و الجميع:الأحماء:الطّين الأسود المنتن.

و عين حمئة:ذات حمأة.

و حمأت البئر:أخرجت حمأتها.

و أحمأتها:جعلت فيها الحمأة.

و الحمأة:نبت ينبت بنجد في الرّمل و السّهل.

(3:229)

الجوهريّ: الحمأ:الطّين الأسود،قال تعالى:

مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ الحجر:26.

و كذلك الحمأة بالتّسكين،تقول منه:حمأت البئر حمأ،بالتّسكين،إذا نزعت حمأتها.

و الحمء:كلّ من كان من قبل الزّوج،مثل الأخ و الأب،و فيه أربع لغات:حمء بالهمز.[ثمّ استشهد بشعر]

و حما مثل قفا،و حمو مثل أبو،و حم مثل أب؛

ص: 726

و الجمع:الأحماء.(1:45)

ابن سيده: الحمأة و الحمأ:الطّين الأسود المنتن...و قيل:حمأ اسم لجمع حمأة،كحلق اسم جمع حلقة.

و حمئ الماء حمأ و حمأ:خالطته الحمأة،فكدر و تغيّرت رائحته.

و عين حمئة:فيها حمأة...و كذلك البئر.

و أحمأها:جعل فيها الحمأة.

و حمأها يحمؤها حمأ:أخرج حمأتها و ترابها.

و الحمء و الحمأ:أبو زوج المرأة.و قيل:الواحد من أقارب الزّوج و الزّوجة،و هي أقلّهما؛و الجمع:أحماء.

و حمئ:غضب،عن اللّحيانيّ،و المعروف عند أبي عبيد:جمئ بالجيم.(3:411)

الطّوسيّ: و تقول العرب:حمأت البئر،إذا أخرجت منها الحمأة،و أحمأتها،إذا طرحت فيها الحمأة.

و حمئت تحمأ،و معنى حمئت:صار فيها الحمأة.

فأمّا قولهم:هذا حم لفلان،ففيه أربع لغات:حما، و حمو،و حم،و حمء.

و ذكر اللّحيانيّ لغة خامسة و سادسة:الحمو:مثل العفو،و الحمأ:مثل الخطأ.

و كلّ قرابة من قبل الزّوج،فهم الأحماء،و كلّ قرابة من قبل النّساء فهم الأختان،و الصّهر يجمعهما،و أمّ الرّجل:ختنه،و أبوه:ختنه،و أمّ الزّوج:حماة،و أبوها:

حمو.[ثمّ استشهد بشعر](7:85)

الرّاغب: ...و أحماء المرأة:كلّ من كان من قبل زوجها؛و ذلك لكونهم حماة لها.

و قيل:حماها و حموها و حميها.و قد همز في بعض اللّغات،فقيل:حمء،نحو كمء.و الحمأة و الحمأ:طين أسود منتن...

و يقال:حمأت البئر:أخرجت حمأتها،و أحمأتها:

جعلت فيها حمأ.و قد قرئ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ: ذات حماء.(133)

الزّمخشريّ: عين حمئة:كثيرة الحمأة،و قد حمئت.

و حمأت البئر:نزعت حمأها.و أحمأتها:ألقيته فيها،و نظيره:قذيت العين و أقذيتها،و نظير الحمأة و الحمأ:الحلقة و الحلق.(أساس البلاغة:94)

حمئة:ذات حمأة.[في معنى تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ]الفائق 1:320)

الفيّوميّ: الحمأة:طين أسود،و حمئت البئر حمأ، من باب«تعب»:صار فيها الحمأة.

و حماة المرأة وزان حصاة:أمّ زوجها،لا يجوز فيها غير القصر.

و كلّ قريب للزّوج مثل الأب و الأخ و العمّ،ففيه أربع لغات:حما مثل عصا،و حم مثل يد،و حموها مثل أبوها يعرب بالحروف،و حمء بالهمزة مثل خبء.و كلّ قريب من قبل المرأة فهم الأختان...

و حمء الرّجل:أبو زوجته أو أخوها أو عمّها، فحصل من هذا أنّ الحمء يكون من الجانبين كالصّهر، و هكذا نقله الخليل عن بعض العرب.

ص: 727

و الحمة،محذوفة اللاّم:سمّ كلّ شيء يلدغ أو يلسع.(1:153)

الفيروزآباديّ: الحمأة:الطّين الأسود المنتن كالحمإ محرّكة.

و حمئ الماء كفرح حمأ و حمأ:خالطته فكدر،و زيد:

غضب.

و أحمأت البئر:ألقيتها فيها،و حمأتها كمنعت:

نزعت حمأتها.

و الحمء و يحرّك،و الحما،و الحمو،و الحم:أبو زوج المرأة أو الواحد من أقارب الزّوج و الزّوجة؛جمعه:أحماء و الحمأة:نبت.

و رجل حمئ العين كخجل:عيون.(1:13)

الزّبيديّ: [في حديث النّبيّ«إيّاكم و الدّخول على النّساء...]فمعناه أنّ حماها الغاية في الشّرّ و الفساد، فشبّهه بالموت،لأنّه قصارى كلّ بلاء و شدّة؛و ذلك أنّه شرّ من الغريب من حيث إنّه آمن مدل،و الأجنبيّ متخوّف مترقّب.(1:59)

مجمع اللّغة :الحمأ و الحمأة:الطّين الأسود.

حمئ الماء يحمأ حمأ و حمأ:خالطته الحمأة،فهو حمئ و هي حمئة.(1:296)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الحمأ:الطّين الّذي اسودّ من طول مجاورته للماء،و عين حمئة:ذات طين أسود،أي كأنّها مظلمة لمن يراها من بعد.(1:145)

العدنانيّ: الحمو.الحمو.الحما،الحم،الحمء، الحمأ:

أبو الزّوج و من كان من قبله من الرّجال.

و أبو الزّوجة و من كان من قبله من الرّجال.يخطّئون من يقول:إنّه حماه،أو حماها.و يقولون:الصّواب هو:إنّه حموه أو حموها؛لأنّ الأسماء الخمسة ترفع بالواو.

و لكن:

نستطيع أن نقول:إنّه:

أ-حموه:الخليل و ابن السّكّيت في«إصلاح المنطق».و التّهذيب،و الصّحاح«هو أصل حم»، و المحكم،و أبو عبيد البكريّ،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و تذكرة علي راتب،و الوسيط.

ب-و حموه:في الحديث:«لا يخلونّ رجل بمغيبة و إن قيل:حموها،أ لا حموها الموت».و المعنى:إذا كان رأيه هذا في أبي الزّوج-و هو محرم-فكيف بالغريب؟

و ممّن قال هذا حموه أيضا:الأصمعيّ،و ابن السّكّيت،و التّهذيب،و الصّحاح،و أبو عبيد البكريّ، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و النّهاية،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و أقرب الموارد،و المتن.

ج-و حماه تعرب بالحركات المقدّرة على الألف للتّعذّر:الأصمعيّ،و ابن السّكّيت.و التّهذيب، و الصّحاح،و أبو عبيد البكريّ،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المغرب،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

ص: 728

د-و حمه:الفرّاء،و الأصمعيّ،و ابن السّكّيت، و التّهذيب،و الصّحاح،و أبو عبيد البكريّ،و النّهاية، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

ه-و حمؤه(الحمء):الفرّاء.و التّهذيب.و الصّحاح، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ.و المختار.و اللّسان الّذي استشهد هو و الصّحاح بقول الشّاعر:

قلت لبوّاب لديه دارها

تيذن فإنّي حمؤها و جارها

و المصباح،و القاموس.و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

و-و حمأه(الحمأ):اللّسان.و القاموس،و التّاج، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.(172)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة مهموزا:هو التّراب المرطوب المنتن،و هذا هو الفارق بينه و بين التّراب و الطّين-فراجعهما.

ثمّ إنّ الأصل في هذه المادّة:اللّزوم،و هي من باب «تعب»و الحمئة:صفة مشبّهة كخشن.

و أمّا حمئت عليه بمعنى غضبت،فراجعة إلى هذا الأصل،فكأنّه قد ملئ من الكدورة،و صار ذا حمأ.

وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ الحجر:26،27،مقابلة الحمأ بالنّار تدلّ على الظّلمة و الكدورة.و لا يخفى أنّ تكوّن الإنسان مرجعه إلى الحمإ، فإنّ مرجع الحيوان إلى النّبات،و مرجع النّبات إلى الحمإ.

(2:301)

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

1- وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. الحجر:26

2- وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. الحجر:28

3- قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. الحجر:33

ابن عبّاس: الحمأ:المنتنة.

مثله مجاهد و الضّحّاك،و نحوه قتادة.

(الطّبريّ 14:29)

من طين رطب.(الطّبريّ 14:30)

السّدّيّ: بلّ التّراب حتّى صار طينا،ثمّ ترك حتّى أنتن و تغيّر.(ابن الجوزيّ 4:397)

الإمام الصّادق عليه السّلام:«الطّينات ثلاث:طينة الأنبياء،و المؤمن من تلك الطّينة،إلاّ أنّ الأنبياء من صفوتها،هم الأصل و لهم فضلهم،و المؤمنون الفرع من طين لازب،كذلك لا يفرّق اللّه عزّ و جلّ بينهم و بين شيعتهم.و طينة النّاصب مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. و أمّا المستضعفون فمن تراب،لا يتحوّل مؤمن عن إيمانه،و لا ناصب عن نصبه،و للّه المشيئة فيهم».

(البحرانيّ 5:446)

أبو عبيدة :أي من طين متغيّر،و هو جمع حمأة.

(1:351)

ابن قتيبة :جمع حمأة،و تقديرها:حلقة و حلق و بكرة الدّلو و بكر؛و هذا جمع قليل.(238)

ص: 729

الطّبريّ: جمع حمأة،هو الطّين المتغيّر إلى السّواد.

(14:28)

مثله السّجستانيّ(101)،و نحوه الطّوسيّ(6:

331)،و الطّبرسيّ(3:335)،و ابن عاشور(13:

234).

الحوفيّ: مِنْ حَمَإٍ هو بدل ممّا قبله[أي من صلصال]بإعادة الجارّ،فكأنّه قيل:خلقناه مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (الآلوسيّ 14:33)

الواحديّ: الحمأ:الطّين الأسود المنتن.(3:44)

الميبديّ: (من حمإ):جمع حمأة و هي الطّين، يطول جريان الماء عليه،فينتن و يسودّ.(5:306)

نحوه أبو الفتوح الرّازيّ.(11:321)

الزّمخشريّ: الطّين الأسود المتغيّر...(من حمإ) صفة ل(صلصال)،أي خلقه من صلصال كائن من حمإ.

(2:390)

نحوه شبّر(3:380)،و القاسميّ(10:3754)، و طنطاوي(8:7).

ابن عطيّة: فجعلوا[المفسّرون]معنى(صلصال) و معنى(حمإ)في لزوم«أنتن»شيئا واحدا...و الحمأ:

جمع حمأة،و هو الطّين الأسود المنتن يخالطه ماء.

(3:359)

أبو البركات: لا خلاف أنّ الحمأ:الطّين الأسود المتغيّر الرّيح.(ابن الجوزيّ 4:397)

البيضاويّ: [نحو الميبديّ إلاّ أنّه قال:]

و هو صفة(صلصال)أي كائن من حمإ.(1:540)

نحوه أبو السّعود(4:16)،و البروسويّ(4:457).

أبو حيّان :و الحمأ:طين أسود منتن؛واحده:حمأة بتحريك الميم.(5:452)

نحوه الطّباطبائيّ(12:151)،و فضل اللّه(13:

157).

السّمين:قوله:(من حمإ)فيه وجهان:

أحدهما:أنّه في محلّ جرّ صفة ل(صلصال)فيتعلّق بمحذوف.

و الثّاني:أنّه بدل من(صلصال)بإعادة الجارّ.

و الحمأ:الطّين المنتن.قال اللّيث:واحده:حمأة، بتحريك العين،جعله اسم جنس،و قد غلط في ذلك، فإنّ أهل اللّغة قالوا:لا يقال إلاّ حمأة بالإسكان،و لا يعرف التّحريك.نصّ عليه أبو عبيدة و جماعة.[ثمّ استشهد بشعر]

فلا يكون الحمأة واحدة الحمإ،لاختلاف الوزنين.(4:295)

نحوه الآلوسيّ.(14:33)

عبد الكريم الخطيب :و الحمأ:الطّين المتعفّن، و هو الّذي تخمّر في ظروف معيّنة،و بدأ يأخذ بحكم هذا التّخمّر صورا و أشكالا.(7:232)

مكارم الشّيرازيّ: «الحمإ المسنون و روح اللّه»:

يستفاد من الآيات أنّ خلق الإنسان تمّ بشيئين متغايرين:أحدهما في أعلى درجات الشّرف،و الآخر في أدنى الدّرجات،بقياس ظاهر القيمة.

ص: 730

فالطّين المتعفّن خلق منه الجانب المادّيّ من الإنسان،في حين جانبه الرّوحيّ و المعنويّ خلق بشيء سمّي:روح اللّه.

و بديهيّ أنّ اللّه سبحانه منزّه عن الجسميّة،و ليس له روح،و إنّما أضيف لفظ«الرّوح»إلى لفظ الجلالة، لإضفاء التّشريف عليها،و للدّلالة على أنّها روح ذات شأن جليل،قد أودعت في بدن الإنسان،بالضّبط كما تسمّى الكعبة:بيت اللّه،لجلالة قدرها،و شهر رمضان المبارك:شهر اللّه،لبركته...(8:63)

حمئة

حَتّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً... الكهف:86

كعب الأحبار:في ثأط.

مثله مجاهد.(الطّبريّ 16:11)

طينة سوداء.

نحوه ابن عبّاس.(الطّبريّ 16:11)

ابن عبّاس: حارّة.(251)

ذات حمأة.

مثله مجاهد و قتادة.(الطّبريّ 16:11)

و مثله ابن قتيبة(270)،و الماورديّ(3:338).

عين سوداء.(الفرّاء 2:158)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 16:11)

(فى عين حامية)قال:في عين حارّة.

مثله الحسن.(الطّبريّ 16:12)

أبو عبيدة: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ تقديرها:فعلة و مرسة و هي مهموزة،لأنّ مجازها:مجاز ذات حمأة.[ثمّ استشهد بشعر]

و من لم يهمزها جعل مجازه مجاز فعلة من الحرّ الحامي،و موضعها حامية.(1:413)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأه بعض قرّاء المدينة و البصرة فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ بمعنى أنّها تغرب في عين ماء ذات حمأة،و قرأته جماعة من قرّاء المدينة،و عامّة قرّاء الكوفة (فى عين حامية) يعني أنّها تغرب في عين ماء حارّة.

و اختلف أهل التّأويل في تأويلهم ذلك على نحو اختلاف القرّاء في قراءته...و قال آخرون:بل هي تغيب في عين حارّة.[إلى أن قال:]

و الصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال:إنّهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار،و لكلّ واحدة منهما وجه صحيح و معنى مفهوم،و كلا وجهيه غير مفسد أحدهما صاحبه؛و ذلك أنّه جائز أن تكون الشّمس تغرب في عين حارّة ذات حمأة و طين،فيكون القارئ(فى عين حامية)بصفتها الّتي هي لها،و هي الحرارة،و يكون القارئ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وصفها بصفتها الّتي هي بها،و هي أنّها ذات حمأة و طين...(16:12)

نحوه الزّجّاج(3:308)،و السّجستانيّ(116) ملخّصا،و النّحّاس(4:287)،و البغويّ(3:212)، و الزّمخشريّ(2:497)،و الطّبرسيّ(3:490) ملخّصا،و القرطبيّ(11:49)،و البيضاويّ(2:23)،

ص: 731

و النّسفيّ(3:24)،و النّيسابوريّ(16:23)،و السّمين (4:480)،و القاسميّ(11:4100).

الفارسيّ: من قرأ حمئة بغير ألف فهي«فعلة»، و من قرأ(حامية)فهي«فاعلة»من:حميت فهي حامية.

(الطّوسيّ 7:85)

الماورديّ: قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو و حفص (حمئة)و فيها وجهان:

أحدهما:عين ماء ذات حمأة،قاله مجاهد و قتادة.

الثّاني:يعني طينة سوداء،قاله كعب.

و قرأ ابن الزّبير و الحسن (فى عين حامية) و هي قراءة الباقين،يعني حارّة؛فصار قولا ثالثا.و ليس بممتنع أن يكون ذلك صفة للعين أن تكون حمئة سوداء حامية.(3:338)

الطّوسيّ: [ذكر قولي أبي عبيد و الفارسيّ و قال:]

و يجوز فيمن قرأ(حامية)أن تكون«فاعلة»من الحمأة،فخفّف الهمزة و قلبها ياء،على قياس قول أبي الحسن.و إن خفّف الهمزة على قول الخليل،كانت بين بين.(7:85)

ابن عطيّة: ...و من قرأ (حامئة) ،وجّهها إلى الحرارة...فهذا يدلّ على أنّ العين هنالك حارّة، و (حامية) هي قراءة طلحة بن عبيد اللّه،و عمرو بن العاص و ابنه،و ابن عمر.

و ذهب الطّبريّ إلى الجمع بين الأمرين:فيقال:

يحتمل أن تكون العين حارّة ذات حمأة،فكلّ قراءة وصف بصفة من أحوالها.و ذهب بعض البغداديّين إلى أنّ (في)بمنزلة«عند»،كأنّها مسامتة من الأرض فيما يرى الرّائي ل عَيْنٍ حَمِئَةٍ.

و قال بعضهم:قوله: فِي عَيْنٍ إنّما المراد أنّ ذا القرنين كان فيها،أي هي آخر الأرض.

و ظاهر هذه الأقوال تخيّل،و اللّه أعلم.قال أبو حاتم:و قد يمكن أن تكون(حاميئة)مهموزة،بمعنى ذات حمأة،فتكون القراءتان بمعنى واحد.(3:539)

نحوه أبو حيّان.(6:159)

الفخر الرّازيّ: [نحو الطّبريّ إلاّ أنّه قال:]

و الحمئة ما فيه ماء،و حمأة سوداء.(21:166)

العكبريّ: قوله تعالى:(حمئة)يقرأ بالهمز من غير ألف،و هو من حمئت البئر تحمأ،إذا صارت فيها حمأة، و هو الطّين الأسود،و يجوز تخفيف الهمزة.

و يقرأ بالألف من غير همز،و هو مخفّف من المهموز أيضا.و يجوز أن يكون من حمي الماء،إذا اشتدّ حرّه، كقوله تعالى: ناراً حامِيَةً الغاشية:4.(2:859)

ابن عربيّ: (...حمئة)أي مختلطة بالحمأة،و هي المادّة البدنيّة الممتزجة من الأجسام الغاسقة،كقوله:

مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ... الدّهر:2.(1:774)

ابن جزيّ: [نحو الطّبريّ إلاّ أنّه قال:]

و معنى(حامية)حارّة.و يحتمل أن يكون بمعنى «حمية»و لكن مهّلت همزته،و يتّفق معنى القراءتين.

و قد قيل:يمكن أن يكون فيها حمئة و تكون حارّة لحرارة الشّمس،فتكون جامعة للموضعين،و يجتمع معنى القراءتين.(2:195)

ص: 732

ابن كثير:أي رأى الشّمس في منظره تغرب في البحر المحيط،و هذا شأن كلّ من انتهى إلى ساحله،يراها كأنّها تغرب فيه،و هي لا تفارق الفلك الرّابع الّذي هي مثبتة فيه لا تفارقه.

و الحمئة مشتقّة على إحدى القراءتين من الحمأة و هو الطّين،كما قال تعالى: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ أي طين أملس.[ثمّ ذكر الأقوال إلى أن ذكر كلام الطّبريّ في صحّة القراءتين و أضاف:]

قلت:و لا منافاة بين معنييهما؛إذ قد تكون حارّة لمجاورتها وهج الشّمس عند غروبها و ملاقاتها الشّعاع بلا حائل،و حمئة في ماء و طين أسود،كما قال كعب الأحبار و غيره.(4:420)

أبو السّعود :أي ذات حمأة،و هي الطّين الأسود، من حمئت البئر،إذا كثرت حمأتها.و قرئ (حامية) أي حارّة.[إلى أن قال:]

و ليس بينهما منافاة قطعيّة لجواز كون«العين» جامعة بين الوصفين،و كون«الياء»في الثّانية منقلبة عن الهمزة لانكسار ما قبلها.(4:214)

نحوه الكاشانيّ(3:261)،و المشهديّ(6:115)، و البروسويّ(5:292)،و شبّر(4:98).

الآلوسيّ: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ أي ذات حمأة و هي الطّين الأسود،من حمئت البئر تحمأ حمأ،إذا كثرت حمأتها.

و قرأ عبد اللّه،و طلحة بن عبيد اللّه،و عمرو بن العاص،و ابنه عبد اللّه،و ابن عمر،و معاوية،و الحسن، و زيد بن عليّ،و ابن عامر،و حمزة،و الكسائيّ(حامية) بالياء،أي حارّة،و أنكر هذه القراءة ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما أوّل ما سمعها.

فقد أخرج عبد الرّزّاق،و سعيد بن منصور،و ابن جرير،و ابن المنذر،و ابن أبي حاتم،من طريق عثمان بن أبي حاضر:أنّ ابن عباس ذكر له أنّ معاوية قرأ (فى عين حامية) فقال له:ما نقرؤها إلاّ (حمئة) .فسأل معاوية عبد اللّه بن عمرو كيف تقرأها؟فقال:كما قرأتها،فقلت:

في بيتي نزل القرآن،فأرسل إلى كعب،فقال له:أين تجد الشّمس تغرب في التّوراة؟فقال كعب:سل أهل العزيمة فإنّهم أعلم بها،و أمّا أنا فإنّي لم أجد الشّمس تغرب في التّوراة في ماء و طين،و أشار بيده إلى المغرب.قال ابن أبي حاضر:لو أنّي عند كما أيّدتك بكلام تزاد به بصيرة في(حمئة)،قال ابن عبّاس:و ما هو؟قلت:قول«تبّع» فيما ذكر به ذا القرنين في تكلّفه بالعلم و اتّباعه إيّاه:قد كان ذو القرنين إلى آخر الأبيات الثّلاثة،و محلّ الشاهد قوله:

فرأى مغيب الشّمس عند غروبها

في عين ذي خلب و ثأط حرمد

فقال ابن عبّاس:ما الخلب؟قال ابن أبي حاضر:

الطّين بكلامهم،فقال:فما الثّأط؟قال:الحمأة،فقال:فما الحرمد؟قال:الأسود،فدعا ابن عبّاس غلاما فقال:

أكتب ما يقول هذا الرّجل.

و لا يخفى أنّه ليس بين القراءتين منافاة قطعيّة لجواز

ص: 733

كون«العين»جامعة بين الوصفين،بأن تكون ذات طين أسود و ماؤها حارّ،و لجواز كون القراءة بالياء أصلها من المهموز،قلبت همزته ياء لانكسار ما قبلها.و إن كان ذلك إنّما يطّرد إذا كانت الهمزة ساكنة،كذا قيل.و تعقّب بأنّه يأباه ما جرى بين ابن عبّاس،و معاوية.

و أجيب بأنّه إذا-سلم صحّته-فمبناه السّماع و التّحكيم لترجيح إحدى القراءتين،و ظاهر ما سمعت ترجيح قراءة ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،و كأنّ رجوع معاوية لقراءة ابن عبّاس على ما ذكره القرطبيّ كان لذلك.

نعم،ما أخرجه ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن مردويه و الحاكم،و صحّحه عن أبي ذرّ،قال:

كنت ردف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو على حمار فرأى الشّمس حين غربت،فقال:أ تدري حيث تغرب؟قلت:اللّه و رسوله أعلم،قال:فإنّها (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) -غير مهموزة-يوافق قراءة معاوية،و يدلّ على أنّ (فِي عَيْنٍ) متعلّق ب (تَغْرُبُ) كما هو الظّاهر.

و قول بعض المتعسّفين بأنّه متعلّق بمحذوف وقع حالا من فاعل(وجدها)،ممّا لا ينبغي أن يلتفت إليه، و كأنّ الّذي دعاه إلى القول بذلك،لزوم إشكال على الظّاهر،فإنّ جرم الشّمس أكبر من جسم الأرض بأضعاف مضاعفة،فكيف يمكن دخولها في عين ماء في الأرض.

و هو مدفوع بأنّ المراد وجدها في نظر العين كذلك؛ إذ لم ير هناك إلاّ الماء لا أنّها كذلك حقيقة،و هذا كما أنّ راكب البحر يراها كأنّها تطلع من البحر و تغيب فيه إذا لم ير الشّطّ،و الّذي في أرض ملساء واسعة يراها أيضا كأنّها تطلع من الأرض و تغيب فيها.

و لا يرد على هذا أنّه عبّر بوجد،و الوجدان يدلّ على الوجود،لما أنّ وجد يكون بمعنى رأى،كما ذكره الرّاغب،فليكن هنا بهذا المعنى.ثمّ المراد بالعين الحمئة:

إمّا عين في البحر أو البحر نفسه،و تسميته«عينا»ممّا لا بأس به،خصوصا و هو بالنّسبة لعظمة اللّه تعالى كقطرة،و إن عظم عندنا.

و زعم بعض البغداديّين:أنّ(فى)بمعنى«عند»أي تغرب عند عين.و من النّاس من زعم أنّ الآية على ظاهرها،و لا يعجز اللّه تعالى شيء و نحن نقرّ بعظم قدرة اللّه عزّ و جلّ،و لا نلتفت إلى هذا القول.

و مثله ما نقله الطّرطوشيّ من أنّها يبلعها حوت،بل هذا كلام لا يقبله إلاّ الصّبيان و نحوهم،فإنّها قد تبقى طالعة في بعض الآفاق ستّة أشهر و غاربة كذلك،كما في أفق عرض تسعين،و قد تغيب مقدار ساعة و يظهر نورها من قبل المشرق في بعض العروض،كما في بلغار في بعض أيّام السّنة،فالشّمس على ما هو الحقّ لم تزل سائرة طالعة على قوم،غاربة على آخرين بحسب آفاقهم بل قال إمام الحرمين:لا خلاف في ذلك.

و يدلّ على ما ذكر ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره،و أبو الشّيخ في«العظمة»عن ابن عبّاس،قال:

الشّمس بمنزلة السّاقية تجري بالنّهار في السّماء في فلكها، فإذا غربت جرت اللّيل في فلكها تحت الأرض حتّى

ص: 734

تطلع من شرقها،و كذلك القمر.

و كذا ما أخرجه ابن عساكر عن الزّهريّ:أن خزيمة ابن حكيم السّلميّ سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن سخونة الماء في الشّتاء و برده في الصّيف،فقال:إنّ الشّمس إذا سقطت تحت الأرض سارت حتّى تطلع من مكانها،فإذا طال اللّيل كثر لبثها في الأرض فيسخن الماء لذلك،فإذا كان الصّيف مرّت مسرعة لا تلبث تحت الأرض لقصر اللّيل،فثبت الماء على حاله باردا.و لا يخفى أنّ هذا السّير تحت الأرض تختلف فيه الشّمس من حيث المسامتة بحسب الآفاق و الأوقات،فتسامت الأقدام تارة و لا تسامتها أخرى.

فما أخرجه أبو الشّيخ عن الحسن-قال:إذا غربت الشّمس دارت في فلك السّماء ممّا يلي دبر القبلة،حتّى ترجع إلى المشرق الّذي تطلع منه،و تجري منه في السّماء من شرقها إلى غربها،ثمّ ترجع إلى الأفق ممّا يلي دبر القبلة إلى شرقها،كذلك هي مسخّرة في فلكها،و كذلك القمر-لا يكاد يصحّ.

و يشكل على ما ذكر ما أخرجه البخاريّ عن أبي ذرّ قال:كنت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في المسجد عند غروب الشّمس، فقال:يا أبا ذرّ أ تدري أين تغرب الشّمس؟قلت:اللّه و رسوله أعلم،قال:فإنّها تذهب حتّى تسجد تحت العرش،فذلك قوله تعالى: وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها يس:38.

و أجيب بأنّ المراد أنّها تذهب تحت الأرض حتّى تصل إلى غاية الانحطاط،و هي عند وصولها دائرة نصف النّهار في سمت القدم بالنّسبة إلى أفق القوم الّذين غربت عنهم،و ذلك الوصول أشبه شيء بالسّجود،بل لا مانع أن تسجد هناك سجودا حقيقيّا لائقا بها،فالمراد من تحت العرش:مكانا مخصوصا مسامتا لبعض أجزاء العرش،و إلاّ فهي في كلّ وقت تحت العرش و في جوفه.

و هذا مبنيّ على أنّه جسم كريّ محيط بسائر الأفلاك و الفلكيّات،و به تحدّد الجهات.و هذا قول الفلاسفة.

و سيأتي إن شاء اللّه تعالى في سورة طه ما يتعلّق بذلك.

و على ما ذكر فالمراد بمستقرها:محلّ انتهاء انحطاطها،فهي تجري عند كلّ قوم لذلك المحلّ ثمّ تشرع في الارتفاع.و قال الخطّابيّ: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش إنّها تستقرّ تحته استقرارا لا نحيط به نحن،و ليس في سجودها كلّ ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها.انتهى.و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تمام الكلام في ذلك في سورة يس.

و بالجملة لا يلزم على هذا التّأويل خروج الشّمس عن فلكها الممثّل بل و لا عن خارج المركز،و إن اختلف قربها و بعدها من العرش بالنّسبة إلى حركتها في ذلك الخارج.

نعم ورد في بعض الآثار ما يدلّ على خروجها عن حيّزها،فعن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما:أنّ الشّمس إذا غربت رفع بها إلى السّماء السّابعة في سرعة طيران الملائكة،و تجلس تحت العرش،فتستأذن من أين تؤمر بالطّلوع،ثمّ ينطلق بها ما بين السّماء السّابعة و بين أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة،

ص: 735

فتنحدر حيال المشرق من سماء إلى سماء،فإذا وصلت إلى هذه السّماء.فذلك حين ينفجر الصّبح،فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السّماء فذلك حين تطلع الشّمس.و هو و إن لم تأباه قواعدنا من شمول قدرة اللّه تعالى سائر الممكنات،و عدم امتناع الخرق و الالتئام على الفلك مطلقا،إلاّ أنّه لا يتسنّى مع تحقّق غروبها عند قوم و طلوعها عند آخرين،و بقائها طالعة نحو ستّة أشهر في بعض العروض إلى غير ذلك ممّا لا يخفى،فلعلّ الخبر غير صحيح.

و قد نصّ الجلال السّيوطيّ على أنّ أبا الشّيخ رواه بسند واه.ثمّ إنّ الظّاهر على رواية البخاريّ و رواية ابن أبي شيبة و من معه أنّ أبا ذرّ رضى اللّه عنه سئل مرّتين،إلاّ أنّه ردّ العلم في الثّانية إلى اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،طلبا لزيادة الفائدة،و مبالغة في الأدب مع الرّسول عليه الصّلاة و السّلام،و اللّه تعالى أعلم.(16:31)

الطّباطبائيّ: ذكروا أنّ المراد بالعين الحمئة:العين ذات الحمأة،و هي الطّين الأسود،و أنّ المراد بالعين:

البحر،فربّما تطلق عليه،و أنّ المراد بوجدان الشّمس تغرب في عين حمئة،أنّه وقف على ساحل بحر لا مطمع في وجود برّ وراءه،فرأى الشّمس كأنّها تغرب في البحر،لمكان انطباق الأفق عليه.قيل:و ينطبق هذه العين الحمئة على المحيط الغربيّ،و فيه الجزائر الخالدات الّتي كانت مبدأ الطّول سابقا ثمّ غرقت.

و قرئ (فى عين حامية) أي حارّة،و ينطبق على النّقاط القريبة من خطّ الاستواء من المحيط الغربيّ المجاورة لإفريقيّة.و لعلّ ذا القرنين في رحلته الغريبة بلغ سواحل إفريقيّة.(13:360)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحمأة،أي الطّين الأسود المنتن،و هو الحمأ أيضا.يقال:حمئت البئر حمأ،أي صارت فيها الحمأة و كثرت،فهي حمئة،و حمأتها أحمؤها حمأ:أخرجت حمأتها و ترابها،و أحمأتها إحماء:

جعلت فيها الحمأة،و أحمأتها أيضا:نقّيتها من حمأتها، ضدّ،و مثله:حمأتها:ألقيت فيها الحمأة،و أخرجت حمأتها أيضا.و حمئ الماء حمأ و حمأ:خالطته الحمأة فكدر،و تغيّرت رائحته.

2-و قولهم:حمئت عليه،أي غضبت عليه،من حمي يحمى.و قالوا أيضا:جمئت عليه،بالجيم.و الحمء و الحمأ:الواحد من أقارب الزّوج و الزّوجة،من«ح م و»،بدون همز،كما في سائر اللّغات السّاميّة.

و الهمز لغة،قال ابن السّكّيت:«قالوا:استلأمت الحجر،و إنّما هو من السّلام،و هي الحجارة،و كان الأصل استلمت.و قالوا:حلّأت السّويق،و إنّما هو من الحلاوة... (1)».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظان:(حمإ)،و(حمئة)في 4 آيات:

ص: 736


1- إصلاح المنطق(157).

1-3- وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ* وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ* قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ* قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ

الحجر:26-33

4- حَتّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ... الكهف:86

يلاحظ أوّلا:أنّه قرن الحمأ بالصّلصال،و وصف بالمسنون في ثلاث آيات من سورة الحجر،و فيها بحوث:

1-فسّر الصّلصال بالطّين اليابس،و الحمأ بالطّين الأسود المنتن،و المسنون بالمتغيّر،و(من حمإ)بدل من مِنْ صَلْصالٍ بإعادة الجارّ،و التّقدير:خلقناه من حمإ مسنون.و قيل:هو في محلّ جرّ صفة لصلصال،فيتعلّق بمحذوف.

فإن قيل:ما فائدة ذكر الحمأ إن كان بمعنى الصّلصال،فهو يغني عنه؟نقول:هو مبيّن لجنس الصّلصال،كقولهم:أخذت هذا من رجل من العرب.

2-جاءت هذه الآيات في سورة مكّيّة بنسق واحد، أي خلق الإنسان من صلصال من حمإ مسنون.فذكر أوّلا بنحو الإجمال خلقة الإنسان-و هو مجموع الجسم و الرّوح-في قبال خلقة الجانّ-و هو أيضا مجموع الجسم و الرّوح-إلاّ أنّه ركّز مادّة جسمهما فرقا بينهما،فمادّة جسد الإنسان هو صلصال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ و مادّة جسد الجانّ هو نارِ السَّمُومِ خلقه قبل خلقة الإنسان.

ثمّ بدأ بالتّفصيل:و هو أنّه قال للملائكة:إنّه يخلق بشرا،أي جسدا من صلصال من حمأ مسنون،فعبّر عنه ب(بشرا)لأنّه أراد به خلق جسده،ثمّ ضمّ إليه نفخ روحه فيه،ناسبا«الرّوح»إلى نفسه تشريفا له،فأمر الملائكة بالسّجود له بعد خلقه سويّا-أي إنسانا تماما- فسجدوا كلّهم له إلاّ إبليس فلم يسجد،فلمّا قال اللّه له:

ما لك لا تسجد؟اعتذر بأنّه لا يسجد لبشر خلقه من صلصال من حمأ مسنون،فعبّر عنه-و هو حينئذ كان إنسانا ذا جسد و روح-ب«بشر»و نسبه إلى مادّة جسمه فقط،تحقيرا له و تجنّبا عن عدّه إنسانا سويّا نفخ اللّه فيه من روحه.

و هذا نموذج من مغالطات الشّيطان؛حيث جعل نفسه أعلى من أن يسجد لبشر خلقه من صلصال من حمإ مسنون،و قال: لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ... أي لم يكن من شأني قديما و حديثا مثل هذا السّجود.

فاستوجب بذلك الرّجم و اللّعن الدّائم إلى يوم الدّين،كما جاء في الآيات بعدها.

3-و يبدو أيضا أنّ ألفاظ:الطّين،و المسنون، و الحمأ،و الصّلصال كانت أعرف في مكّة من المدينة، لأنّها استعملت في مكّة فقط،إلاّ«صلصال»،فقد جاء

ص: 737

في سورة مدنيّة مرّة واحدة،و هو قوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ الرّحمن:14،لاحظ ص ل ص ل:«صلصال».

ثانيا:جاءت(حمئة)في(4) تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ في سورة مكّيّة أيضا،في قصّة ذي القرنين،و فيها بحثان:

1-قالوا في معناها:عين ماء ذات حمأة،أي طين أسود،أو عين حارّة،و هذا المعنى على قراءة من قرأ (فى عين حامية) .و لفّق الطّبريّ بين المعنيين،فقال:«جائز أن تكون الشّمس تغرب في عين حارّة ذات حمأة و طين».و كذا فعل صاحب«الجواهر»،فقال واصفا رحلة ذي القرنين:«ثمّ سار حتّى وصل إلى بلاد مراكش،و وصل إلى ذلك البحر،فوجد الشّمس تغرب في البحر رأي العين،و كلّ بحر فيه ماء و طين،أو ماؤه حارّ لإلحاح الشّمس عليه».

و لكنّ(حامية)على هذه القراءة من«ح م ي»،إلاّ أن يكون أصلها«حامئة»على وزن«فاعلة»من الحمأة، و ليس من الحمي،أي الحرارة،فخفّفت الهمزة و قلبت ياء.

2-قال ابن عطيّة:«ذهب بعض البغداديّين إلى أنّ (فى)بمنزلة«عند»،كأنّها مسامتة من الأرض فيما يرى الرّائي ل عَيْنٍ حَمِئَةٍ. و قال بعضهم:قوله:(فى عين)إنّما المراد أنّ ذا القرنين كان فيها،أي هي آخر الأرض.

و ظاهر هذه الأقوال تخيّل،و اللّه أعلم».لاحظ ق ر ن:

«ذي القرنين».

ص: 738

ح م د

اشارة

12 لفظا،68 مرّة:47 مكّيّة،21 مدنيّة

في 44 سورة:30 مكّيّة،14 مدنيّة

يحمدوا 1:-1 أحمد 1:-1

الحامدون 1:-1 حمد 10:8-2

محمودا 1:-1 الحمد 28:27-1

حميد 6:4-2 بحمده 4:3-1

الحميد 10:5-5 بحمدك 1:-1

حميدا 1:-1 محمّد 4:-4

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحمد:نقيض الذّمّ.يقال:بلوته فأحمدته،أي وجدته حميدا محمود الفعال.

و حمدته على ذلك،و منه المحمدة.

و حماداك أن تفعل كذا،أي حمدك،و حماداك أن تنجو من فلان رأسا برأس.

و التّحميد:كثرة حمد اللّه بحسن المحامد.

و أحمد الرّجل:أي فعل فعلا يحمد عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحمد:الثّناء.

و خمسة من الأنبياء ذو و اسمين:أحمد و محمّد-صلّى اللّه عليه و آله -و عيسى و المسيح،و ذو الكفل و إلياس،و إسرائيل و يعقوب،و يونس و ذو النّون عليهم السّلام و على غيرهم من أنبيائه.

و قولهم:أحمد إليك اللّه،أي معك،و يقال:إنّما هو كقولك:أشكو إليك.

و قوله:إنّي أحمد إليكم غسل الإحليل،أي أرضى لكم ذلك.(3:188)

نحوه الصّاحب.(3:47)

سيبويه :حمده و جزاه و قضاه حقّه،و أحمده:

استبان أنّه مستحقّ للحمد.(ابن سيده 3:267)

ص: 739

ابن شميّل:أحمد إليكم غسل الإحليل،أي أرضاه لكم،أقام«إلى»مقام اللاّم الزّائدة.

(الأزهريّ 4:436)

الفرّاء: للنّار حمدة،و يوم محتمد و محتدم:شديد الحرّ.(الأزهريّ 4:436)

يقال:للنّار:حمدة-بمنزلة حدمة-لصوت التهابها.

و يوم محتمد.(الصّاحب 3:47)

الأخفش: الحمد للّه:الشّكر للّه،و الحمد أيضا:

الثّناء.(الأزهريّ 4:435)

أبو زيد :حمدته و أحمدته بمعنى.

(ابن القطّاع 1:219)

الأصمعيّ: حبابك أن تفعل ذاك،و مثله حماداك.(الأزهريّ 4:435)

اللّحيانيّ: الحمد:الشّكر.

حماداك أن تفعل كذا،و حمدك،أي مبلغ جهدك.(ابن سيده 3:267)

ابن الأعرابيّ: رجل حمد و امرأة حمد و حمدة:

محمودان-وصفا بالمصدر كما قيل:رجل عدل و امرأة عدل،و منزل حمد.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 3:267)

و حمادي أن أفعل كذا،أي غايتي و قصاري.

(ابن سيده 3:268)

المبرّد: حمدته،أي شكرته و أحمدته،أي صادفته محمودا.(1:198)

ثعلب :الحمد يكون عن يد و عن غير يد،و الشّكر لا يكون إلاّ عن يد.(ابن سيده 3:267)

الزّجّاج: و حمدت الرّجل،إذا شكرته،و أحمدته:

وجدته محمودا.(فعلت و أفعلت:13)

ابن دريد :و الحمد:خلاف الذّمّ،حمدت الرّجل أحمده حمدا،إذا رأيت منه فعلا محمودا.

و أحمدت المواضع أحمدها إحمادا،إذا رضيت سكناها أو مرعاها.

و تقول العرب:حماداك أن تفعل كذا و كذا و حماداك أيضا،في معنى قصاراك.(2:125)

«محمّد»النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:مشتقّ من الحمد،و هو«مفعّل»، و مفعّل صفة تلزم من كثر منه فعل ذلك الشّيء.

روى بعض نقلة العلم:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا ولد،أمر عبد المطّلب بجزور فنحرت،و دعا رجال قريش و كانت سنّتهم في المولود و إذا ولد في استقبال اللّيل كفئوا عليه قدرا حتّى يصبح،ففعلوا ذلك بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فأصبحوا و قد انشقّت هذه القدر و هو شاخص إلى السّماء.فلمّا حضرت رجال قريش و طعموا قالوا لعبد المطّلب:ما سمّيت ابنك هذا؟قال:سمّيته محمّدا،قالوا:ما هذا من أسماء آبائك،قال:أردت أن يحمد في السّماوات و الأرض.

فمحمّد«مفعّل»لأنّه حمد مرّة بعد مرّة،كما تقول:

كرّمته و هو مكرّم و عظّمته و هو معظّم،إذا فعلت ذلك به مرارا.

و الحمد و الشّكر متقاربان في المعنى و ربّما تباينا،أ لا ترى أنّك تقول:حمدت فلانا على فعله و شكرته له

ص: 740

فعله،و قد اشتبها في هذا الموضع،و تقول:جاورت بني فلان فحمدتهم و لا تقول:شكرتهم،و تقول أتيت أرض بني فلان فحمدتها و لا تقول:شكرتها،و تقول:فلان محمود في العشيرة و لا تقول مشكور في العشيرة؛و الدّليل على أنّ محمودا حمد مرّة واحدة،و محمّدا حمد مرّة بعد مرّة.

و قد سمّت العرب في الجاهليّة رجالا من أبنائها محمّدا،منهم محمّد بن حمران الجعفيّ الشّاعر،و كان في عصر امرئ القيس بن حجر،و سمّاه شويعرا.

و محمّد بن بلال بن أحيحة بن الجلاح،و أحيحة كان زوج سلمى بنت عمرو بن لبيد النّجّاريّة،فخلف عليها بعده هاشم بن عبد مناف فولدت له عبد المطّلب بن هاشم،فهي جدّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و محمّد بن سفيان بن مجاشع بن دارم،و محمّد بن مسلمة الأنصاريّ سمّي في الجاهليّة محمّدا.

و قد سمّت العرب في الجاهليّة أحمد؛منهم أحمد بن ثمامة بن جدعاء بطن من طيّئ،و أحمد بن دومان بن بكيل بطن من همدان،و أبو محمّد مسعود بن أوس بن زيد ابن ثعلبة شهد بدرا،و محمّد بن خولى،و خولى بطن من همدان،و أحمد بن زيد بن خداش بطن من السّكاسك؛ و بنو أحمد بطن من طيّئ؛و يحمد بطن من الأزد،و يحمد بطين من قضاعة.

و سمّوا حامدا،و حميدا،فحميد يمكن أن يكون تصغير حمد أو تصغير أحمد،من الباب الّذي يسمّيه النّحويّون ترخيم التّصغير،كما صغّروا أسود سويدا، و أخضر خضيرا.

و سمّوا حميدان و حمّادا.

و يقولون:حماداك أن تفعل كذا و كذا في معنى قصاراك،و لفلان عندي محمدة و محمدة لغتان،إذا كانت له عندك يد تحمده عليها.و المحامد للّه تبارك و تعالى أياديه و تعضّله.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(الاشتقاق:153)

السّيرافيّ: و اليحامد:جمع قبيلة يقال لها:يحمد، و قبيلة يقال لها:اليحمد.(ابن سيده 3:268)

الأزهريّ: [نقل كلام الأخفش ثمّ قال:]

قلت:الشّكر لا يكون إلاّ ثناء ليد أوليتها،و الحمد قد يكون شكرا للصّنيعة و يكون ابتداء للثّناء على الرّجل،فحمد اللّه:الثّناء عليه،و يكون شكرا لنعمه الّتي شملت الكلّ.

و قالت أمّ سلمة:«حماديات النّساء:غضّ الطّرف و قصر الوهازة»معناه:غاية ما يحمد منهنّ هذا.

و قيل:غناماك،بمعنى حماداك،و عناناك مثله.

(4:435)

و يقال:هل تحمد لي هذا الأمر،أي هل ترضاه لي.

حمدت على فلان حمدا و ضمدت ضمدا،إذا غضبت،و كذلك أرمت أرما.

و قول المصلّي:«سبحانك اللّهمّ و بحمدك»المعنى و بحمدك أبتدئ،و كذلك الجالب للباء في «بسم اللّه» الابتداء،كأنّك قلت:بدأت باسم اللّه،و لم تحتجّ إلى ذكر بدأت،لأنّ الحال أنبأت أنّك مبتدئ.

ص: 741

و الحميد من صفات اللّه بمعنى المحمود،و رجل حمدة:

كثير الحمد،و رجل حمّاد مثله.

و من أمثالهم:«من أنفق ماله على نفسه فلا يتحمّد به إلى النّاس»،المعنى:أنّه لا يحمد على إحسانه إلى نفسه،إنّما يحمد على إحسانه إلى النّاس.(4:436)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«الحمد رأس الشّكر ما شكر اللّه عبد لا يحمده».

الحمد:نوع،و الشّكر:جنس.فكلّ حمد شكر، و ليس كلّ شكر حمدا.[ثمّ ذكر مراتب الشّكر فراجع إلى أن قال:]

و يقال:إنّ الحمد ما كان على غير مقابلة و الشّكر عن مقابلة.(1:346)

الجوهريّ: الحمد:نقيض الذّمّ.تقول:حمدت الرّجل أحمده حمدا و محمدة،فهو حميد و محمود.

و التّحميد أبلغ من الحمد،و الحمد أعمّ من الشّكر.

و المحمّد:الّذي كثرت خصاله المحمودة.

و المحمدة:خلاف المذمّة.

و أحمد:صار أمره إلى الحمد.و أحمدته:وجدته محمودا.تقول:أتيت موضع كذا فأحمدته،أي صادفته محمودا موافقا،و ذلك إذا رضيت سكناه أو مرعاه.

و قولهم في المثل:«العود أحمد»أي أكثر حمدا.

و قولهم:حماد لفلان،أي حمدا له و شكرا.و إنّما بني على الكسر لأنّه معدول عن المصدر.

و فلان يتحمّد عليّ،أي يمنّ.يقال:من أنفق ماله على نفسه فلا يتحمّد به على النّاس.

و رجل حمدة،مثال همزة:يكثر حمد الأشياء، و يقول فيها أكثر ممّا فيها.

و حمدة النّار،بالتّحريك:صوت التهابها.

و احتمد الحرّ:قلب احتدم.

و قولهم:حماداك أن تفعل كذا،أي قصاراك و غايتك.

و يحمد:بطن من الأزد.

و محمود:اسم الفيل المذكور في القرآن.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:466)

أبو هلال :الفرق بين الشّكر و الحمد:أنّ الشّكر هو الاعتراف بالنّعمة على جهة التّعظيم للمنعم،و الحمد:

الذّكر بالجميل على جهة التّعظيم المذكور به أيضا،و يصحّ على النّعمة و غير النّعمة،و الشّكر:لا يصحّ إلاّ على النّعمة.

و يجوز أن يحمد الإنسان نفسه في أمور جميلة يأتيها و لا يجوز أن يشكرها،لأنّ الشّكر يجري مجرى قضاء الدّين و لا يجوز أن يكون للإنسان على نفسه دين، فالاعتماد في الشّكر على ما توجبه النّعمة و في الحمد على ما توجبه الحكمة.و نقيض الحمد:الذّمّ إلاّ على إساءة.

و يقال:الحمد للّه على الإطلاق،و لا يجوز أن يطلق إلاّ للّه،لأنّ كلّ إحسان فهو منه في الفعل أو التّسبيب.

و الشّاكر هو الذّاكر بحقّ المنعم بالنّعمة على جهة التّعظيم.و يجوز في صفة اللّه شاكر مجازا،و المراد:أنّه يجازي على الطّاعة جزاء الشّاكرين على النّعمة.و نظير ذلك قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً

ص: 742

حَسَناً البقرة:245،و هذا تلطّف في الاستدعاء إلى النّفقة في وجوه البرّ،و المراد:أنّ ذلك بمنزلة القرض في إيجاب الحقّ.

و أصل الشّكر:إظهار الحال الجميلة،فمن ذلك:دابّة شكور،إذا ظهر فيه السّمن مع قلّة العلف.و أشكر الضّرع،إذا امتلأ،و أشكرت السّحابة:امتلأت ماء.

و الشّكير:قضبان غضّة تخرج رخصة بين القضبان العاسية.و الشّكير من الشّعر و النّبات:صغار نبت خرج بين الكبار مشبهة بالقضبان الغضّة.

و الشّكر:بضع المرأة.و الشّكر على هذا الأصل:

إظهار حقّ النّعمة لقضاء حقّ المنعم،كما أنّ الكفر:تغطية النّعمة،لإبطال حقّ المنعم.

فإن قيل:أنت تقول:الحمد للّه شكرا،فتجعل الشّكر مصدرا للحمد،فلو لا اجتماعهما في المعنى لم يجتمعا في اللّفظ.

قلنا:هذا مثل قولك:قتلته صبرا و أتيته سعيا، و القتل غير الصّبر،و الإتيان غير السّعي.و قال سيبويه:

هذا باب ما ينصب من المصادر،لأنّه حال وقع فيها الأمر؛و ذلك كقولك:قتلته صبرا،و معناه أنّه لمّا كان القتل يقع على ضروب و أحوال بين الحال الّتي وقع فيها القتل و الحال الّتي وقع فيها الحمد،فكأنّه قال:قتلته في هذه الحال.

و الحمد للّه شكرا،أبلغ من قولك:الحمد للّه حمدا، لأنّ ذلك للتّوكيد و الأوّل لزيادة معنى،و هو أي أحمده في حال إظهار نعمه عليّ.

الفرق بين الحمد و الإحماد:أنّ الحمد من قبيل الكلام على ما ذكرناه،و الإحماد معرفة تضمرها،و لذلك دخلته الألف،فقلت:أحمدته،لأنّه بمعنى أصبته و وجدته،فليس هو من الحمد في شيء.

الفرق بين الحمد و المدح:أنّ الحمد لا يكون إلاّ على إحسان،و اللّه حامد لنفسه على إحسانه إلى خلقه، فالحمد مضمّن بالفعل،و المدح يكون بالفعل و الصّفة؛ و ذلك مثل أن يمدح الرّجل بإحسانه إلى نفسه و إلى غيره و أن يمدحه بحسن وجهه و طول قامته،و يمدحه بصفات التّعظيم من نحو:قادر و عالم و حكيم.و لا يجوز أن يحمده على ذلك و إنّما يحمده على إحسان يقع منه فقط.(35)

ابن فارس: الحاء و الميم و الدّال كلمة واحدة و أصل واحد،يدلّ على خلاف الذّمّ.يقال:حمدت فلانا أحمده.و رجل محمود و محمّد،إذا كثرت خصاله المحمودة غير المذمومة.

و يقول العرب:حماداك أن تفعل كذا،أي غايتك و فعلك المحمود منك غير المذموم.

و يقال:أحمدت فلانا،إذا وجدته محمودا،كما يقال:

أبخلته إذا وجدته بخيلا،و أعجزته إذا وجدته عاجزا.

و هذا قياس مطّرد في سائر الصّفات.و أهيجت المكان، إذا وجدته هائجا قد يبس نباته.

فإن سأل سائل عن قولهم في صوت التهاب النّار:

الحمدة،قيل له:هذا ليس من الباب،لأنّه من المقلوب، و أصله:حدمة،و قد ذكرت في موضعها[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:100)

ص: 743

دخول الألف في الأفعال لوجوه:

و الوجه السّابع:أن يكون دالاّ على وجود شيء بصفة،نحو:أحمدت الرّجل،إذا وجدته محمودا.

(الصّاحبيّ: 102)

أبو سهل الهرويّ: حمدت الرّجل بالكسر،إذا شكرت له صنيعه.و أحمدته بالألف،إذا أصبته محمودا، أي مرضيّ الطّريقة.(التّلويح:22)

الماورديّ: أمّا(الحمد للّه)فهو الثّناء على المحمود بجميل صفاته و أفعاله،و الشّكر:الثّناء عليه بإنعامه.

فكلّ شكر حمد،و ليس كلّ حمد شكرا،فهذا فرق ما بين الحمد و الشّكر،و لذلك جاز أن يحمد اللّه تعالى نفسه،و لم يجز أن يشكرها.

فأمّا الفرق بين الحمد و المدح،فهو أنّ الحمد لا يستحقّ إلاّ على فعل حسن،و المدح قد يكون على فعل و غير فعل.فكلّ حمد مدح و ليس كلّ مدح حمدا، و لهذا جاز أن يمدح اللّه تعالى على صفته،بأنّه عالم قادر، و لم يجز أن يحمد به،لأنّ العلم و القدرة من صفات ذاته، لا من صفات أفعاله.و يجوز أن يمدح و يحمد على صفته، بأنّه خالق رازق،لأنّ الخلق و الرّزق من صفات فعله لا من صفات ذاته.(1:54)

ابن سيده: الحمد:نقيض الذّمّ.[إلى أن قال:]

و قد حمده حمدا و محمدا و محمدة و محمدا و محمدة -نادر-فهو محمود و حميد؛و الأنثى:حميدة.أدخلوها فيها الهاء و إن كان في معنى مفعول،تشبيها لها ب«رشيدة»، شبّهوا ما هو في معنى مفعول بما هو في معنى فاعل، لتقارب المعنيين.

و حمده و حمده و أحمده،كلّه:وجده محمودا.

و أحمد الأرض:صادفها حميدة،فهذه اللّغة الفصيحة،و قد يقال:حمدها.

و قال بعضهم:أحمد الرّجل،إذا رضي فعله و مذهبه و لم ينشره للنّاس.

و أحمد الرّجل:فعل ما يحمد عليه.و أحمد أمره:

صار عنده محمودا.

و طعام ليست له محمدة،أي لا يحمد.

و التّحميد:حمدك اللّه مرّة بعد مرّة.و إنّه لحمّاد للّه و محمّد-هذا الاسم منه كأنّه حمد مرّة بعد أخرى-و أحمد إليك اللّه:أشكره عندك.[ثمّ استشهد بشعر]

و من كلامهم:أحمد إليك عسل الإكليل،أي أرضاه.

و حماداك أن تفعل كذا و كذا،أي غايتك.و قيل:

معناه:قصارك.

و حماداك أن تنجو منه رأسا برأس،أي قصرك و غايتك.

و قد سمّت محمّدا و أحمد و حامدا و حمّادا و حميدا و حمدا و حميدا.

و يحمد:أبو بطن من الأزد.[و نقل قول السّيرافيّ ثمّ قال:]

و الّذي عندي أنّ اليحامد في معنى اليحمديّين و اليحمديّين،فكان يجب أن تلحقه الهاء عوضا من ياء النّسب كالمهالبة،و لكنّه شذّ،أو جعل كلّ واحد منهم يحمد أو يحمد،و ركّبوا هذا الاسم فقالوا:حمدويه،و قد

ص: 744

تقدّم تعليله في عمرويه.

و حمدة النّار:صوت التهابها،كحدمتها.

و يوم محتمد:شديد الحرّ،كمحتدم.(3:266)

الرّاغب: الحمد للّه تعالى:الثّناء عليه بالفضيلة، و هو أخصّ من المدح و أعمّ من الشّكر.فإنّ المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره،و ممّا يقال منه و فيه بالتّسخير،فقد يمدح الإنسان بطول قامته و صباحة وجهه،كما يمدح ببذل ماله و سخائه و علمه،و الحمد يكون في الثّاني دون الأوّل.

و الشّكر لا يقال إلاّ في مقابلة نعمة،فكلّ شكر حمد و ليس كلّ حمد شكرا،و كلّ حمد مدح و ليس كلّ مدح حمدا.

و يقال:فلان محمود إذا حمد،و محمّد إذا كثرت خصاله المحمودة،و محمّد إذا وجد محمودا.(131)

ابن القطّاع:و حمدت الرّجل حمدا:ضدّ ذممته، و أيضا أثنيت عليه بما فيه من خصال السّؤدد.

و أحمدته:وجدته محمودا،و الأرض:سرّك نباتها.

و أحمد:فعل ما يحمد عليه.(1:219)

الزّمخشريّ: أحمد اللّه تعالى بجميع محامده.

و أحمد إليك اللّه.و أحمدت فلانا:وجدته محمودا.

و أحمد الرّجل:جاء بما يحمد عليه،ضدّ أذمّ.و اللّه محمود و حميد.

و رجل حمدة:كثير الحمد.و حمّدت اللّه و مجّدته.

و هو أهل التّحميد و التّحاميد.

و تحمّد فلان:تكلّف الحمد.تقول:وجدته متحمّدا متشكّرا.

و من أنفق ماله على نفسه،فلا يتحمّد به على النّاس.

و استحمد اللّه إلى خلقه بإحسانه إليهم و إنعامه عليهم.

و من المجاز:أحمدت صنيعه.و أحمدت الأرض:

رضيت سكناها.و الرّعاة يتحامدون الكلأ.

و جاورته فأحمدت جواره.و أفعاله حميدة.و هذا طعام ليست عنده محمدة،أي لا يحمده آكله.[و استشهد بالشّعر مرتين](أساس البلاغة:94)

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«الحمد رأس الشّكر،ما شكر اللّه عبد إلاّ بحمده».

الشّكر لا يكون إلاّ على نعمة،و هو مقابلتها قولا و عملا و نيّة؛و ذلك أن يثني على المنعم بلسانه،و يدئب نفسه في الطّاعة له،و يعتقد أنّه وليّ النّعمة.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو من قولهم:شكرت الإبل،إذا أصابت مرعى فعزرت عليه.و فرس شكور،إذا علف فسمن.

و أمّا الحمد فهو المدح و الوصف بالجميل،و هو شعبة واحدة من شعب الشّكر،و إنّما كان رأسه،لأنّ فيه إظهار النّعم و النّداء عليها،و الإشارة بها.

في كتابه صلّى اللّه عليه و آله:«أمّا بعد فإنّى أحمد إليك اللّه الّذي لا إله إلاّ هو»أي أنهي إليك أنّ اللّه محمود.

و منه حديث ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما:«إنّي أحمد إليكم غسل الإحليل».معناه:أرضاه لكم،و أفضي

ص: 745

إليكم بأنّه فعل محمود مرضيّ.(الفائق 1:314)

[في حديث عبد اللّه بن الزّبير]«...آثر عليّ الحميدات و التّويتات و الأسامات...»الحميدات و غيرها:بنو حميد و تويت و أسامة:قبائل من أسد بن عبد العزّى.(الفائق 1:335)

[في حديث عائشة]«...حماديات النّساء غضّ الأطراف...».يقال:حماداك أن تفعل كذا،أي قصاراك و غاية أمرك الّذي تحمد عليه.(الفائق 2:170)

الطّبرسيّ: محمّد أخذ من الحمد،و التّحميد فوق الحمد،فمعناه المستغرق لجميع المحامد،لأنّ التّحميد لا يستوجبه إلاّ المستولي على الأمر في الكمال،فأكرم اللّه عزّ اسمه نبيّه و حبيبه صلّى اللّه عليه و آله باسمين مشتقّين من اسمه تعالى:محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و أحمد.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:512)

الحمد:هو الوصف بالجميل على جهة التّعظيم، و نقيضه:الذّمّ،و هو الوصف بالقبيح على جهة التّحقير، ثمّ ينقسم فمنه ما هو أعلى و منه ما هو أدنى.و الأعلى ما يقع على وجه العبادة و لا يستحقّها إلاّ اللّه سبحانه،لأنّ إحسان اللّه عزّ اسمه لا يوازيه إحسان أحد من المخلوقين، و يستحقّ الحمد على الإحسان و الإنعام،فلا يستحقّ أحد من المخلوقين مثل ما يستحقّه سبحانه.(4:376)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى:«الحميد»أي المحمود على كلّ حال،فعيل بمعنى مفعول.و الحمد و الشّكر متقاربان،و الحمد أعمّهما،لأنّك تحمد الإنسان على صفاته الذّاتيّة و على عطائه،و لا تشكره على صفاته.

و منه الحديث:«الحمد رأس الشّكر،ما شكر اللّه عبد لا يحمده»كما أنّ كلمة الإخلاص رأس الإيمان.و إنّما كان رأس الشّكر،لأنّ فيه إظهار النّعمة و الإشادة بها، و لأنّه أعمّ منه،فهو شكر و زيادة.

و في حديث الدّعاء:«سبحانك اللّهمّ و بحمدك»أي و بحمدك أبتدئ.و قيل:بحمدك سبّحت.و قد تحذف الواو و تكون الباء للتّسبيب،أو للملابسة،أي التّسبيح مسبّب بالحمد،أو ملابس له.

و منه الحديث:«لواء الحمد بيدي»يريد به انفراده بالحمد يوم القيامة و شهرته به على رءوس الخلق.

و العرب تضع اللّواء موضع الشّهرة.

و منه الحديث:«و ابعثه المقام المحمود الّذي وعدته» أي الّذي يحمده فيه جميع الخلق لتعجيل الحساب، و الإراحة من طول الوقوف.و قيل:هو الشّفاعة.

و في كتابه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أمّا بعد فإنّي أحمد إليك اللّه»أي أحمده معك،فأقام«إلى»مقام«مع».و قيل:معناه أحمد إليك نعمة اللّه بتحديثك إيّاها.(1:436)

الفيّوميّ: حمدته على شجاعته و إحسانه حمدا:

أثنيت عليه.و من هنا كان الحمد غير الشّكر،لأنّه يستعمل لصفة في الشّخص و فيه معنى التّعجّب،و يكون فيه معنى التّعظيم للممدوح و خضوع المادح،كقول المبتلى:الحمد للّه؛إذ ليس هنا شيء من نعم الدّنيا، و يكون في مقابلة إحسان يصل إلى الحامد.

و أمّا الشّكر فلا يكون إلاّ في مقابلة الصّنيع،فلا

ص: 746

يقال:شكرته على شجاعته،و قيل غير ذلك.

و أحمدته بالألف:وجدته محمودا،و في الحديث:

«سبحانك اللّهمّ و بحمدك»التّقدير:سبحانك اللّهمّ و الحمد لك.

و يقرب منه ما قيل في قوله تعالى: وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ البقرة:30،أي نسبّح حامدين لك أو و الحمد لك.و قيل:التّقدير:و بحمدك نزّهتك و أثنيت عليك فلك المنّة و النّعمة على ذلك.

و هذا معنى ما حكي عن الزّجّاج،قال:سألت أبا العبّاس محمّد بن يزيد عن ذلك،فقال:سألت أبا عثمان المازنيّ عن ذلك،فقال:المعنى سبحانك اللّهمّ بجميع صفاتك و بحمدك سبّحتك.

و قال الأخفش:المعنى سبحانك اللّهمّ و بذكرك.

و على هذا فالواو زائدة كزيادتها في«ربّنا و لك الحمد» و المعنى بذكرك الواجب لك من التّمجيد و التّعظيم،لأنّ الحمد ذكر.

و قال الأزهريّ: سبحانك اللّهمّ و أبتدئ بحمدك.

و إنّما قدّر فعلا،لأنّ الأصل في العمل له،و تقول:«ربّنا لك الحمد»أي لك المنّة على ما ألهمتنا،أو لك الذّكر و الثّناء لأنّك المستحقّ لذلك.و في«ربّنا لك الحمد»دعاء خضوع و اعتراف بالرّبوبيّة،و فيه معنى الثّناء و التّعظيم و التّوحيد،و تزاد الواو فيقال:«و لك الحمد».

قال الأصمعيّ: سألت أبا عمر و ابن العلاء عن ذلك، فقال:كانوا إذا قال الواحد.بعني يقولون و هو لك، و المراد هو لك،و لكنّ الزّيادة توكيد.و تقول في الدّعاء:

«و ابعثه المقام المحمود»بالألف و اللاّم إن جعل الّذي وعدته صفة له،لأنّهما معرفتان،و المعرفة توصف بالمعرفة.

و لا يجوز أن يقال:مقاما محمودا،لأنّ النّكرة لا توصف بالمعرفة.و لا يجوز أن يكون على القطع،لأنّ القطع لا يكون إلاّ في نعت،و لا نعت هنا.

نعم يجوز ذلك إن قيل:في الكلام حذف،و التّقدير:

هو الّذي،و تكون الجملة صفة للنّكرة،و مثله قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ* اَلَّذِي جَمَعَ مالاً الهمزة:1،2،و المعرّف أولى قياسا لسلامته من المجاز، و هو المحذوف المقدّر في قولك:هو الّذي،و لأنّ جري اللّسان على عمل واحد من تعريف أو تنكير أخفّ من الاختلاف.

فإن لم يوصف ب«الّذي»،جاز التّعريف،و منه في الحديث:«يوم يبعثه اللّه المقام المحمود»و تكون اللاّم للعهد و جاز التّنكير لمشاكلة الفواصل أو غيره.

و المحمدة بفتح الميم:نقيض المذمّة،و نصّ ابن السّرّاج و جماعة على الكسر.(1:149)

الجرجانيّ: الحمد:هو الثّناء على الجميل من جهة التّعظيم من نعمة و غيرها.

الحمد القوليّ: هو حمد اللّسان و ثناؤه على الحقّ بما أثنى به نفسه على لسان أنبيائه.

الحمد الفعليّ: هو الإتيان بالأعمال البدنيّة ابتغاء لوجه اللّه تعالى.

الحمد الحاليّ: هو الّذي يكون بحسب الرّوح

ص: 747

و القلب،كالاتّصاف بالكمالات العلميّة و العمليّة، و التّخلّق بالأخلاق الإلهيّة.

الحمد اللّغويّ: هو الوصف بالجميل على جهة التّعظيم و التّبجيل باللّسان وحده.

الحمد العرفيّ: فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما أعمّ من أن يكون فعل اللّسان أو الأركان.(41)

الفيروزآباديّ: الحمد:الشّكر و الرّضا و الجزاء و قضاء الحقّ،حمده كسمعه حمدا و محمدا و محمدا و محمدة و محمدة،فهو حمود و حميد،و هي حميدة.

و أحمد:صار أمره إلى الحمد أو فعل ما يحمد عليه، و الأرض:صادفها حميدة كحمدها،و فلانا:رضي فعله و مذهبه و لم ينشره للنّاس،و أمره:صار عنده محمودا.

و رجل و منزل حمد و امرأة حمدة:محمودة.

و التّحميد:حمد اللّه مرّة بعد مرّة،و إنّه لحمّاد للّه عزّ و جلّ،و منه محمّد كأنّه حمد مرّة بعد مرّة.

و أحمد إليك اللّه:أشكره.

و حماد له كقطام،أي حمدا و شكرا.

و حماداك و حماديّ بضمّهما:غايتك و غايتي.

و سمّت أحمد و حامدا و حمّادا و حميدا و حميدا و حمدا و حمدون و حمدين و حمدان و حمدى و حمّودا كتنّور و حمدويه.

و يحمد كيمنع،و كيعلم-آتي أعلم-:أبو قبيلة؛ الجمع:اليحامد.

و حمدة النّار محرّكة:صوت التهابها.

و يوم محتمد:شديد الحرّ.

و كحمامة:ناحية باليمامة.

و المحمّديّة:قرية بنواحي بغداد،و بلدة ببرقة من ناحية الإسكندريّة،و بلدة بنواحي الزّاب،و بلدة بكرمان،و قرية قرب تونس،و محلّة بالرّيّ،و اسم مدينة المسيلة بالمغرب أيضا،و قرية باليمامة.

و هو يتحمّد عليّ يمتنّ.

و كهمزة يكثر الحمد للأشياء.

و كفرح:غضب.

و العود أحمد،أي أكثر حمدا،لأنّك لا تعود إلى الشّيء غالبا إلاّ بعد خبرته،أو معناه أنّه إذا ابتدأ المعروف جلب الحمد لنفسه،فإذا عاد كان أحمد،أي أكسب للحمد له.

أو هو أفعل من المفعول،أي الابتداء محمود و العود أحقّ بأن يحمدوه.[ثمّ ذكر قصّة خداش بن حابس في الرّباب إلى أن قال:]

و محمود:اسم الفيل المذكور في القرآن العزيز.

(1:299)

الطّريحيّ: و الحمد هو الثّناء بالجميل على قصد التّعظيم و التّبجيل للممدوح،سواء النّعمة و غيرها، و الشّكر:فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما،سواء كان باللّسان أو بالجنان أو بالأركان.[ثمّ استشهد بشعر]

فالحمد أعمّ من جهة المتعلّق و أخصّ من جهة المورد،و الشّكر بالعكس.

و في الحديث:«الحمد رأس الشّكر».و إنّما جعله رأس الشّكر،لأنّ ذكر النّعمة باللّسان و الثّناء على موليها

ص: 748

أشيع لها و أدلّ على مكانها من الاعتقاد،لخفاء عمل القلب و ما في عمل الجوارح من الاحتمال،بخلاف عمل اللّسان الّذي هو النّطق المفصح عن كلّ خفيّ،كذا في «الكشّاف».

و فيه:«الحمد للّه الواصل الحمد بالنّعم و النّعم بالشّكر».قال بعض الشّارحين:يعني أنّه تعالى أنعم على سبيل التّفضّل أوّلا ثمّ أمر المكلّفين أن يحمدوه على نعمه،كما هو مركوز في بداية العقول،ثمّ زادهم على حمدهم نعما أخرى،كما قال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ. و يمكن أن يقال:إنّه تعالى تفضّل بالنّعم أوّلا،ثمّ أوصل ذلك بنعمة الحمد بأن ألهم عباده الحمد عليها،ثمّ أوصل النّعم بالشّكر،حيث قال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ إبراهيم:7.

و حمده:بالغ في تحميده،مثل فرجه.

و الحميد:من أسمائه تعالى،«فعيل»بمعنى«مفعول»، أي المحمود على كلّ حال.

و«ابعثه المقام المحمود»الضّمير للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أي الّذي يحمده فيه جميع الخلائق،كتعجيل الحساب و الإراحة من طول الوقوف،و قيل:هو الشّفاعة.

و الحميد من الأباريق:الكبير في الغاية.و منه حديث الميّت:«يبدأ بيديه فيغسلهما بثلاث حميديّات بماء السّدر».

و«حميدة البربر»أمّ موسى الكاظم عليه السّلام،و تسمّى المصفّاة.

و«أحمد»اسم نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله في الإنجيل،لحسن ثناء اللّه عليه في الكتاب بما حمد من أفعاله.و ذكر ابن الأعرابيّ:

أنّ للّه تعالى ألف اسم و للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ألف اسم،و من أحسنها:محمّد و محمود و أحمد.

و المحمّد:كثير الخصال المحمودة.قيل:لم يسمّ به أحد قبل نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله،ألهم اللّه أهله أن يسمّوه به.

و«محمّد»اسمه صلّى اللّه عليه و آله في القرآن سمّي به،لأنّ اللّه و ملائكته و جميع أنبيائه و رسله و جميع أممهم يحمدونه و يصلّون عليه.(3:39)

الجزائريّ: الحمد هو الثّناء باللّسان على الجميل، سواء تعلّق بالفضائل كالعلم أم بالفواضل كالبرّ.

و الشّكر:فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لأجل النّعمة، سواء كان نعتا باللّسان أو اعتقادا أو محبّة بالجنان،أو عملا و خدمة بالأركان.[ثمّ استشهد بشعر]

فالحمد أعمّ مطلقا،لأنّه يعمّ النّعمة و غيرها، و أخصّ موردا؛إذ هو اللّسان فقط.و الشّكر بالعكس إذ متعلّقه النّعمة فقط و مورده اللّسان و غيره،فبينهما عموم و خصوص من وجه،فهما يتصادقان في الثّناء باللّسان على الإحسان و يتفارقان في صدق الحمد فقط على النّعت بالعلم مثلا،و صدق الشّكر فقط على المحبّة بالجنان لأجل الإحسان.

و أمّا الفرق بين الحمد و المدح فمن وجوه:

منها:أنّ المدح للحيّ و لغير الحيّ كاللّؤلؤ و اليواقيت الثّمينة،و الحمد للحيّ فقط.

و منها:أنّ المدح قد يكون قبل الإحسان و قد يكون بعده،و الحمد إنّما يكون بعد الإحسان.

ص: 749

و منها:أنّ المدح قد يكون منهيّا عنه قال صلّى اللّه عليه و آله:

«احثوا التّراب على وجوه المدّاحين»و الحمد مأمور به مطلقا قال صلّى اللّه عليه و آله:«من لم يحمد النّاس لم يحمد اللّه».

و منها:أنّ المدح عبارة عن القول الدّالّ على أنّه مختصّ بنوع من أنواع الفضائل باختياره و بغير اختياره، و الحمد قول دالّ على أنّه مختصّ بفضيلة من الفضائل معيّنة،و هي فضيلة الإنعام إليك و إلى غيرك.و لا بدّ أن يكون على جهة التّفضيل لا على التّهكّم و الاستهزاء.

و منها:أنّ الحمد نقيضه الذّمّ،و لهذا قيل:الشّعير يؤكل و يذمّ،و المدح نقيضه الهجاء.و الزّمخشريّ لم يفرّق بينهما،قال في«الكشّاف»:الحمد و المدح أخوان بمعنى واحد.(89)

مجمع اللّغة :حمده يحمده حمدا،أثنى عليه بالجميل،فهو حامد و هم حامدون،و اسم المفعول:

محمود.

و الحمد للّه:الثّناء عليه بتمجيده و تعظيمه.

و الحميد في صفات اللّه معناه المحمود.

و أحمد:علم منقول من أفعل التّفضيل،بمعنى الأكثر حمدا.

و محمّد:علم من معنى:من كثرت خصاله المحمودة.

(1:297)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حمد اللّه حمدا:أثنى عليه ثناء بتمجيده و تعظيمه.

و الحمد:نقيض الذّمّ،و هو أعمّ من الشّكر، و الحامد:الشّاكر للنّعمة.

و محمّد و أحمد و محمود و حميد:أسماء مشتقّة من «حمد»و معنى كلّ منها:الشّخص الّذي كثرت خصاله المحمودة.

و الحميد:اسم من أسماء اللّه الحسنى بمعنى المحمود الّذي يستحقّ كلّ حمد و شكر على ما ينعم به دائما،و على كلّ حال.

و محمّد و أحمد من أسماء الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.

و سبّح بحمد ربّك:افزع إليه بالتّسبيح و التّحميد إذا ضاق صدرك.

و المقام المحمود:مقام الشّفاعة.(1:145)

حفني محمّد شرف:[الكلام في ألفاظ مقاربة المعنى مع تفاوت بينها]

و كذلك كلمتا:الحمد و الشّكر،فقد يشتركان أيضا:

الحمد للّه على نعمه،أي الشّكر للّه عليها.ثمّ قد يتميّز الشّكر عن الحمد في أشياء،فيكون الحمد ابتداء بمعنى الثّناء،و لا يكون الشّكر إلاّ على الجزاء.تقول:حمدت هذا،إذا أثنيت عليه في أخلاقه و نواهيه،و إن لم يكن سبق إليك منه معروف،و شكرت زيدا،إذا أردت جزاءه على معروف ابتدأه إليك.ثمّ قد يكون الشّكر قولا كالحمد،و يكون فعلا كقوله جلّ و عزّ: اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً سبأ:13.

و إذا أردت أن تبيّن حقيقة الفرق بينهما اعتبرت كلّ واحد منهما بضدّه؛و ذلك أنّ ضدّ الحمد:الذّمّ،و ضدّ الشّكر:الكفران،و قد يكون الحمد على المحبوب و المكروه و لا يكون الشّكر إلاّ على محبوب.

ص: 750

و حاصل الفرق بين الحمد و الشّكر:أنّ بينهما عموما و خصوصا وجهيّا،و بيان ذلك أنّ الحمد لا يكون إلاّ قولا باللّسان،فهو من هذه الجهة خاصّ لكنّه عامّ من جهة أنّه لا يتعيّن أن يكون جزاء على معروف،بل يصحّ أن يكون ابتداء.

و الشّكر بالعكس،أي أنّه عامّ من جهة أنّه يكون قولا باللّسان و عملا بالجوارح،و خاصّ من جهة أنّه لا يكون إلاّ جزاء على معروف،و لهذا كان ضدّ الكفران المقتضي كفران النّعمة و جحودها.قال تعالى:

وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ البقرة:152،بخلاف الذّمّ الّذي هو ضدّ الحمد فإنّه لا يقتضي ذلك.و من أجل هذا التّشابه تهيب كثير من الصّحابة و التّابعين تفسير القرآن حذرا و تحفّظا،و من هؤلاء:أبو بكر،و عمر و جندب بن عبد اللّه،و سعيد بن المسيّب،و عروة بن الزّبير،و القاسم بن محمّد،و نافع مولى ابن عمر،و عبيدة السّلمانيّ مع علمهم باللّغة و الدّين.و ها هو ذا الأصمعيّ-مع إمامته في اللّغة-لا يفسّر شيئا من غريب القرآن.(62)

العدنانيّ: حمد اللّه،لا حمده.

و يقولون:حمد تميم اللّه على نعمه الكثر،و الصّواب:

حمده،كما تقول المعجمات كلّها يحمده حمدا،و محمدا، و محمدا،و محمدة،و محمدة.

و معنى حمده كما جاء في«الوسيط»:

1-أثنى عليه.

2-حمد فلانا:جزاه و قضى حقّه.

3-حمد الشّيء:رضي عنه و استراح إليه.

4-أحمد إليك اللّه:أحمد نعمة اللّه معك.

أمّا الفعل أحمد فمن معانيه:

1-أحمد الرّجل و غيره:

أ:صار محمودا.

ب:فعل ما يحمد عليه.

2-أحمد الرّجل و غيره:وجده محمودا و سرّ به.

3-أحمد باهرا:رضي فعله أو مذهبه.(167)

المصطفويّ: الحمد في مقابل الذّمّ،و يعبّر عنه بالفارسيّة بكلمة«ستايش»،و عن الشّكر بكلمة «سپاس».

ثمّ إنّ الحمد يلازم التّسبيح،كما أنّ نسبة الصّفات الثّبوتيّة إلى اللّه تعالى يلازم نفي الصّفات السّلبيّة أوّلا، و بهذا اللّحاظ قد استعملا مقارنين فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ الحجر:98، يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ الزّمر:75، وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ البقرة:30، اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ الإسراء:111، وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ الرّعد:13، وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44.

و الجارّ و المجرور(بحمده)متعلّق بمقدّر،فيكون مستقرّا في محلّ حال،أي فسبّح اللّه كائنا و مستقرّا بالتّحميد.أو متعلّق بالتّسبيح،و المعنى:فسبّح بإلصاق الحمد و بسبب التّحميد،فكأنّ التّحميد،هو الموجب لتحقّق التّسبيح،و به يتحقّق و يثبت.

و بما قلنا ظهر سبب استعمال اسم الحميد في اللّه تعالى قرين اسم العزيز و الغنيّ و الوليّ و المجيد و الحكيم،ممّا

ص: 751

يدلّ على نفي الصّفات السّلبيّة المطلقة،في كلّ مورد بما يناسبه فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ إبراهيم:8، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ هود:73، إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ إبراهيم:1، وَ هُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ الشّورى:28، مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فصّلت:42،فهو الّذي ثبت له الحمد،و له الغنى و المجد و العزّة و الحكم و الولاية،و ليس فيه ضعف و لا نقص و لا احتياج و لا محكوميّة.

ثمّ إنّه إذا كان المنظور مطلق الاستناد إلى مفهوم اللّفظ فيؤتى به مجرّدا عن اللاّم فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ إبراهيم:8،و أمّا إذا كان المنظور حصر المفهوم فيؤتى به بلام الجنس وَ هُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ، لَهُ الْحَمْدُ، اَلْحَمْدُ لِلّهِ.

وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ الصّفّ:6،يطلق عليه أحمد باعتبار كونه في نفسه حميد الخصال،و محمّد باعتبار كونه موردا للحمد.

إنجيل يوحنّا:14،إن كنتم تحبّونني فاحفظوا وصاياي 16 و أنا أطلب من الأب فيعطيكم معزّيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد 17 روح الحقّ الّذي لا يستطيع العالم أن يقبله،لأنّه لا يراه و لا يعرفه،و أمّا أنتم فتعرفونه لأنّه ماكث معكم و يكون فيكم.

و يقول في 15-26 و متى جاء المعزّي الّذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحقّ الّذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي.

و في بعض النّسخ:مسلّيا آخر.و في بعضها:

فارقليط.

و يقول في 16:7،و لكنّي أقول لكم الحقّ إنّه خير لكم أن أنطلق،لأنّه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي،و لكن إن ذهبت أرسله إليكم.

8-و متى جاء ذاك يبكّت العالم على خطيّة و على برّ و على دينونة.

9-أمّا على خطيّة فلأنّهم لا يؤمنون بي.

10-و أمّا على برّ فلأنّي ذاهب إلى أبي و لا ترونني أيضا.

11-و أمّا على دينونة فلأنّ رئيس هذا العالم قد دين.

12-إنّ لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم،و لكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن.

13-و أمّا متى جاء ذاك روح الحقّ فهو يرشدكم إلى جميع الحقّ،لأنّه لا يتكلّم من نفسه بل كلّ ما يسمع يتكلّم به و يخبركم بأمور آتية.

[قاموس كتاب مقدّس]-المسلّي:يقال له باليونانيّة:فارقليط،بمعنى المعلّم و الشّفيع و مؤتي الرّاحة.

[قاموس عبريّ عربيّ]-فرقليط-المحامي، المدّعي العامّ.

و في يوحنّا طبع لندن-لپساي-1882-م-يقول (بالفارسيّة)ما ترجمته:الباب الرّابع عشر في تسلّي الرّسل و الوعد إلى فارقليط،و هكذا يقول في عنوان الباب الخامس عشر و السّادس عشر.

و يقال:إنّ أصل هذه الكلمة باليونانيّ-پركليت-

ص: 752

و معناه الأحمد(پسنديده)،ثمّ حرّف بكلمة پركليت، و معناه المعزّي.

فليراجع إلى القواميس اليونانيّة المفصّلة.

و لا يخفى أنّ هذه الجملات صريحة في إثبات نبوّة خاتم النّبيّين صلّى اللّه عليه و آله و لا نحتاج إلى التّحقيق في أصل كلمة فارقليط.

فليلاحظ هذه الجملات المذكورة-معزّيا آخر-أي رسولا آخر و شخصا غير عيسى و هو بمرتبته و نظيره- ليمكث معكم إلى الأبد-إشارة إلى دوام دينه و خاتميّة شريعته-روح الحقّ الّذي...إشارة إلى علوّ مرتبته و سموّ مقامه؛بحيث إنّه يحيط النّاس معرفة و كمالا و لا يحاط-أنتم فتعرفونه-لأنسهم بالرّوحانيّة و المعارف و الحقائق الدّينيّة الإلهيّة-من عند الأب ينبثق-و هو مرسل من عند اللّه و مستخرج منه-يشهد لي-و في القرآن شهادات و تعظيم و تنزيه له-لا يتكلّم من نفسه- إشارة إلى كونه ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى النّجم:3،و هكذا بقيّة الإشارات.

فيستنتج من هذه البشارات المسلّمة الواقعة في هذه الأناجيل الموجودة فيما بين أيدينا،مع تحريفات جزئيّة قطعا فيها:أنّ المسيح عليه السّلام يبشّر بمجيء إنسان مثله، و هو على هذه الصّفات.

و من المقطوع المسلّم الّذي لا ريب فيه:أنّ كلمة أحمد أو ما يدلّ عليه كانت واردة و مضبوطة في الأناجيل الموجودة زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمقتضى الآية السّابقة:

الصّفّ:6،و إلاّ فقد كانت واقعة في مورد الاعتراض الشّديد و الإنكار الصّريح من المخالفين من أهل الكتاب، و كان هذا أحسن مستمسك لهم على الإسلام و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و ليعلم أنّ البشارة بالنّبيّ الأكرم مع التّصريح باسمه واقعة في الإنجيل للقدّيس برنابا،و قد طبعت و عرّبت أخيرا،و هو من أحسن الكتب في المعارف و الأخلاق و لطائف الحقائق الإلهيّة.

إنجيل برنابا فصل:97،قال اللّه اصبر يا محمّد لأنّي لأجلك أريد أن أخلق الجنّة و العالم...و متى أرسلتك إلى العالم أجعلك رسولي للخلاص و تكون كلمتك الصّادقة.

و في فصل:220-و سيبقى هذا إلى أن يأتي محمّد رسول اللّه الّذي متى جاء كشف هذا الخداع للّذين يؤمنون بشريعة اللّه.(2:303)

النّصوص التّفسيريّة

الحامدون

اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ. التّوبة:112

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: اَلْحامِدُونَ الّذين يحمدون اللّه على كلّ حال في الشّدّة و الرّخاء.(العروسيّ 2:271)

أوّل من يدعى إلى الجنّة يوم القيامة الّذي يحمدون اللّه في السّرّاء و الضّرّاء.(البغويّ 2:392)

نحوه الشّوكانيّ.(2:511)

ص: 753

ابن عبّاس: الشّاكرون.(167)

الحسن :الّذين حمدوا اللّه على أحايينهم كلّها،في السّرّاء و الضّرّاء.(الطّبريّ 11:37)

نحوه سهل بن كثير(الماورديّ 2:407)،و البغويّ (2:392)،و مغنيّة(4:106).

الحامدون على الإسلام.(الطّبريّ 11:37)

نحوه النّسفيّ.(2:147)

قتادة :قوم حمدوا اللّه على كلّ حال.

(الطّبريّ 11:37)

مثله الواحديّ.(2:527)

الطّبريّ: فإنّهم الّذين يحمدون اللّه على كلّ ما امتحنهم به من خير و شرّ.(11:37)

الطّوسيّ: يعني الشّاكرون لنعم اللّه عليهم على وجه الإخلاص له.(5:354)

مثله الطّبرسيّ.(3:75)

القشيريّ: هم الشّاكرون له على وجود أفضاله، المثنون عليه عند شهود جلاله و جماله.

و يقال:الحامدون بلا اعتراض على ما يحصل بقدرته،و بلا انقباض عمّا يجب من طاعته.

و يقال:الحامدون له على منعه و بلائه كما يحمدونه على نفعه و عطائه.

و يقال:الحامدون إذا اشتكى من لا فتوّة له المادحون إذا بكى من لا مروءة له.

و يقال:الشّاكرون له إن أدناهم،الحامدون له إن أقصاهم.(3:67)

ابن عطيّة:معناه:الذّاكرون للّه بأوصافه الحسنى في كلّ حال و على السّرّاء و الضّرّاء،و حمده لأنّه أهل لذلك،و هو أعمّ من الشّكر،إذ الشّكر إنّما هو على النّعم الخاصّة بالشّاكر.(3:89)

الفخر الرازيّ: اَلْحامِدُونَ و هم الّذين يقومون بحقّ شكر اللّه تعالى على نعمه دينا و دنيا،و يجعلون إظهار ذلك عادة لهم،و قد ذكرنا التّسبيح و التّهليل و التّحميد صفة الّذين كانوا يعبدون اللّه قبل خلق الدّنيا،و هم الملائكة،لأنّه تعالى أخبر عنهم أنّهم قالوا قبل خلق آدم:و نحن نسبّح بحمدك و هو صفة الّذين يعبدون اللّه بعد خراب الدّنيا،لأنّه تعالى أخبر عن أهل الجنّة بأنّهم يحمدون اللّه تعالى،و هو وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10،و هم المرادون بقوله:

اَلْحامِدُونَ. (16:203)

نحوه النّيسابوريّ.(11:27)

القرطبيّ: أي الرّاضون بقضائه،المصرفون نعمته في طاعته،الّذين يحمدون اللّه على كلّ حال.

(8:269)

البيضاويّ: اَلْحامِدُونَ لنعمائه أو لما نابهم من السّرّاء و الضّرّاء.(1:434)

مثله أبو السّعود(3:197)،و القاسميّ(8:3274).

الشّربينيّ: و هم الّذين يقومون بحقّ شكر اللّه تعالى على نعمه دينا و دنيا،و يجعلون إظهار ذلك عادة لهم.(1:653)

البروسويّ: أي المثنون عليه بآلائه الشّاكرون له

ص: 754

على نعمائه،المادحون له بصفاته و أسمائه.

و عمّم بعضهم الحمد فأوجبه على النّعم الدّينيّة و الدّنيويّة،و كذا على الشّدائد و المصائب في الدّنيا في أهل أو نفس أو مال،لأنّها نعم بالحقيقة،بدليل أنّها تعرض العبد لمثوبات جزيلة،حتّى ما يقاسيه الأطفال عند الموت من الكرب الشّديد ترجع فائدته إلى الوليّ الصّابر.و قد صحّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«الحمد للّه على ما ساء و سرّ»كما في«منهاج العابدين».

و ممّا ينبغي أن يعلم أنّ التّوفيق للتّوحيد نعمة عظيمة من اللّه تعالى،فليقل المؤمن دائما:الحمد للّه على دين الإسلام و توفيق الإيمان.قال مجاهد في تفسير قوله تعالى: أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ الأنعام:53، يعني بالشّاكرين على التّوحيد،فإذا عرفت هذا فلا يغرّنّك قول من قال:إنّ نفس الدّين و كذا الإسلام و الإيمان ليس بنعمة فكيف يحمد عليه.(3:518)

الآلوسيّ: أي الّذين يحمدون اللّه تعالى على كلّ حال،كما روي عن غير واحد من السّلف،فالحمد بمعنى الوصف بالجميل مطلقا،و قيل:هو بمعنى الشّكر،فيكون في مقابلة النّعمة،أي الحامدون لنعمائه تعالى،و أنت تعلم أنّ الحمد في كلّ حال أولى،و فيه تأسّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم [إلى أن قال:]

و جاء عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها قالت:«كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا أتاه الأمر يسرّه قال:الحمد للّه الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات،و إذا أتاه الأمر يكرهه قال:الحمد للّه على كلّ حال.(11:31)

نحوه المراغيّ.(11:33)

رشيد رضا : اَلْحامِدُونَ للّه ربّهم في السّرّاء و الضّرّاء بالثّناء عليه بلفظ الحمد و غيره من الذّكر المشروع الدّالّ على الرّضاء منه تعالى،و مهما يصب الإنسان من مصائب الدّنيا فإنّه يبقى له من النّعم فيها و في الدّين،بل يبقى له من اللّطف الإلهيّ في نفس المصائب ما يجب عليه أن يحمد اللّه و يشكره عليه.(11:52)

ابن عاشور :المعترفون للّه تعالى بنعمه عليهم الشّاكرون له.(10:211)

مكارم الشّيرازيّ: و هم يحمدون و يشكرون كلّ نعم اللّه المادّيّة و المعنويّة.(6:214)

فضل اللّه :الّذي يحمدون اللّه على ما أولاهم من فضله و نعمه اعترافا بآلائه.(11:218)

محمودا

وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. الإسراء:79

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:يحشر النّاس يوم القيامة،فأكون أنا و أمّتي على تلّ،فيكسوني ربّي عزّ و جلّ حلّة خضراء ثمّ يؤذن لي،فأقول ما شاء اللّه أن أقول،فذلك المقام المحمود.ذاك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلا،فيكون أوّل من يكسى إبراهيم عليه السّلام،فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما،ثمّ يقعد مستقبل العرش،ثمّ أوتى بكسوتي فألبسها،فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه غيري،يغبطني فيه الأوّلون و الآخرون،ثمّ يفتح نهر من الكوثر إلى

ص: 755

الحوض.(الطّبريّ 15:146)

ابن عمر: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّ الشّمس لتدنو حتّى يبلغ العرق نصف الأذن،فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السّلام فيقول:لست صاحب ذلك،ثمّ بموسى عليه السّلام، فيقول كذلك،ثمّ بمحمّد،فيشفع بين الخلق،فيمشي حتّى يأخذ بحلقة الجنّة،فيومئذ يبعثه اللّه مقاما محمودا.(الطّبريّ 15:146)

حذيفة بن اليمان: يجمع النّاس في صعيد واحد، فيسمعهم الدّاعي،و ينفذهم البصر،حفاة عراة كما خلقوا،قياما لا تكلّم نفس إلاّ بإذنه،ينادى:يا محمّد، فيقول:لبّيك و سعديك،و الخير في يديك،و الشّرّ ليس إليك،و المهديّ من هديت،عبدك بين يديك،و بك و إليك لا ملجأ و لا منجى منك إلاّ إليك،تباركت و تعاليت،سبحانك ربّ البيت،فهذا المقام المحمود الّذي ذكره اللّه تعالى.(الطّبريّ 15:144)

سلمان الفارسيّ: هو الشّفاعة،يشفعه اللّه في أمّته،فهو المقام المحمود.

نحوه أبو هريرة و ابن عبّاس و مجاهد و الحسن و قتادة.(الطّبريّ 15:144،145)

الإمام عليّ عليه السّلام: [و قد ذكر أهل المحشر]ثمّ يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمّد صلّى اللّه عليه و آله و هو المقام المحمود،فيثني على اللّه تبارك و تعالى بما لم يثن عليه أحد قبله،ثمّ يثني على كلّ مؤمن و مؤمنة،يبدأ بالصّدّيقين و الشّهداء،ثمّ بالصّالحين،فتحمده أهل السّماوات و أهل الأرض،فذلك قوله عزّ و جلّ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً فطوبى لمن كان في ذلك اليوم له حظّ و نصيب،و ويل لمن لم يكن له في ذلك اليوم حظّ و لا نصيب.(العروسيّ 3:206)

ابن عبّاس: أن يقيمك ربّك مقاما محمودا مقام الشّفاعة محمودا يحمدك الأوّلون و الآخرون.(240)

(عسى)من اللّه واجبة،يريد أعطاك اللّه يوم القيامة مقاما محمودا يحمدك فيه الأوّلون و الآخرون،تشرف على جميع الخلائق،فتسأل فتعطى،و تشفع فتشفّع، و ليس أحد إلاّ تحت لوائك.(الواحديّ 3:122)

أنس بن مالك:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مقبلا على عليّ بن أبي طالب-صلوات اللّه عليه-و هو يتلو هذه الآية...فقال:يا عليّ: إنّ ربّي عزّ و جلّ ملّكني بالشّفاعة في أهل التّوحيد من أمّتي،و حظر ذلك عمّن ناصبك أو ناصب ولدك من بعدك.(العروسيّ 3:207)

و هناك أحاديث أخرى فراجع.

مجاهد :يجلسه معه على عرشه.[و قد أبطله الطّبري و بسط الكلام فيه](الطّبريّ 15:145)

الطّبريّ: أقم الصّلاة المفروضة يا محمّد في هذه الأوقات الّتي أمرتك بإقامتها فيها،و من اللّيل فتهجّد، فرضا فرضته عليك،لعلّ ربّك أن يبعثك يوم القيامة مقاما تقوم فيه محمودا تحمده،و تغبط فيه.

ثمّ اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك المقام المحمود، فقال أكثر أهل العلم:ذلك هو المقام الّذي هو يقومه صلّى اللّه عليه و سلم يوم القيامة للشّفاعة للنّاس،ليريحهم ربّهم من عظيم ما هم فيه من شدّة ذلك اليوم.

ص: 756

و قال آخرون:بل ذلك المقام المحمود الّذي وعد اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يبعثك إيّاه،هو أن يقاعده معه على عرشه.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب ما صحّ به الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.[ثمّ نقل رواية الّتي تفسّرها بالشّفاعة]

(15:144)

الماورديّ: [نقل قول حذيفة و مجاهد ثمّ قال:]

الثّالث:أنّه إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة.

و يحتمل قولا رابعا:أن يكون المقام المحمود شهادته على أمّته بما أجابوه من تصديق أو تكذيب،كما قال تعالى: وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً النّساء:41.

(3:266)

نحوه الطّوسيّ.(6:512)

الواحديّ: إجماع المفسّرين على أنّ المقام المحمود هو مقام الشّفاعة.(3:122)

القشيريّ: و المقام المحمود هو المخاطبة في حال الشّهود،و يقال:الشّهود.

و يقال:هو الشّفاعة لأهل الكبائر.و يقال:هو انفراده يوم القيامة بما خصّ به صلّى اللّه عليه و سلّم بما لا يشاركه فيه أحد.(4:37)

الزّمخشريّ: نصب على الظّرف،أي عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاما محمودا،أو ضمّن (يبعثك)معنى يقيمك.

و يجوز أن يكون حالا بمعنى أن يبعثك ذا مقام محمود، و معنى المقام المحمود:المقام الّذي يحمده القائم فيه،و كلّ من رآه و عرفه،و هو مطلق في كلّ ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات.

و قيل:المراد الشّفاعة و هي نوع واحد ممّا يتناوله.

(2:462)

ابن عطيّة: عزّة من اللّه عزّ و جلّ لرسوله،و هو أمر الشّفاعة الّذي يتدافعه الأنبياء حتّى ينتهي إليه عليه السّلام، و الحديث بطوله في البخاريّ و مسلم،فلذلك اختصرناه، و لأجل ذلك الاعتمال الّذي له في مرضاة جميع العالم مؤمنهم و كافرهم قال:«أنا سيّد ولد آدم و لا فخر».

و(عسى)من اللّه واجبة،و(مقاما)نصب على الظّرف،و من غريب حديث الشّفاعة اقتضابه المعنى، و ذلك أنّ صدر الحديث يقتضي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يستنهض للشّفاعة في أن يحاسب النّاس و ينطلقون من الموقف، فيذهب لذلك،و ينصّ بإثر ذلك على أنّه شفع في إخراج المذنبين من النّار،فمعناه الاقتضاب و الاختصار،لأنّ الشّفاعة في المذنبين لم تكن إلاّ بعد الحساب و الزّوال من الموقف،و دخول قوم الجنّة و دخول قوم النّار،و هذه الشّفاعة لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون و يشفع العلماء.

[ثمّ ذكر كلام أبي هريرة]

و ينبغي أن يتأوّل هذا على ما قلناه لأمّته و غيرها، أو يقال:إنّ كلّ مقام منها محمود.

قال النّقّاش:لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثلاث شفاعات:

شفاعة العامّة،و شفاعة السّبق إلى الجنّة،و شفاعة في أهل الكبائر،و المشهور أنّهما شفاعتان فقط.

و حكى الطّبريّ عن فرقة منها مجاهد أنّها قالت:

«المقام المحمود»هو أنّ اللّه عزّ و جلّ يجلس محمّدا معه

ص: 757

على عرشه،و روت في ذلك حديثا،و عضد الطّبريّ جواز ذلك بشطط من القول،و هو لا يخرج إلاّ على تلطّف في المعنى و فيه بعد،و لا ينكر مع ذلك أن يروى،و العلم يتأوّله،و قد ذكر النّقّاش عن أبي داود السّجستانيّ أنّه قال:من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متّهم ما زال أهل العلم يتحدّثون بهذا.(3:478)

الطّبرسيّ: [نحو ابن عبّاس و أضاف:]

و قد أجمع المفسّرون على أنّ المقام المحمود هو مقام الشّفاعة،و هو المقام الّذي يشفع فيه للنّاس،و هو المقام الّذي يعطي فيه لواء الحمد فيوضع في كفّه و يجتمع تحته الأنبياء و الملائكة،فيكون صلّى اللّه عليه و آله أوّل شافع و أوّل مشفّع.

(3:435)

الفخر الرّازيّ: و قوله: مَقاماً مَحْمُوداً فيه بحثان:

البحث الأوّل:في انتصاب قوله:(محمودا) وجهان:

الأوّل:أن يكون انتصابه على الحال من قوله:(يبعثك) أي يبعثك محمودا،و الثّاني:أن يكون نعتا للمقام،و هو ظاهر.

البحث الثّاني:في تفسير المقام المحمود أقوال:الأوّل:

أنّه الشّفاعة.قال الواحديّ: أجمع المفسّرون على أنّه مقام الشّفاعة،كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في هذه الآية:«هو المقام الّذي أشفع فيه لأمّتي».

و أقول:اللّفظ مشعر به،و ذلك لأنّ الإنسان إنّما يصير محمودا إذا حمده حامد،و الحمد إنّما يكون على الإنعام،فهذا المقام المحمود يجب أن يكون مقاما أنعم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيه على قوم فحمدوه على ذلك الإنعام، و ذلك الإنعام لا يجوز أن يكون هو تبليغ الدّين و تعليم الشّرع،لأنّ ذلك كان حاصلا في الحال.و قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً تطميع،و تطميع الإنسان في الشّيء الّذي وعده في الحال محال،فوجب أن يكون ذلك الإنعام الّذي لأجله يصير محمودا إنعاما سيصل منه،حصل له بعد ذلك إلى النّاس،و ما ذاك إلاّ شفاعته عند اللّه.

فدلّ هذا على أنّ لفظ الآية و هو قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً يدلّ على هذا المعنى.

و أيضا التّنكير في قوله: مَقاماً مَحْمُوداً يدلّ على أنّه يحصل للنّبيّ عليه السّلام في ذلك المقام حمد بالغ عظيم كامل، و من المعلوم أنّ حمد الإنسان على سعيه في التّخليص عن العقاب أعظم من حمده في السّعي في زيادة من الثّواب لا حاجة به إليها،لأنّ احتياج الإنسان إلى دفع الآلام العظيمة عن النّفس فوق احتياجه إلى تحصيل المنافع الزّائدة الّتي لا حاجة به إلى تحصيلها.

و إذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله:

عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً هو الشّفاعة في إسقاط العقاب على ما هو مذهب أهل السّنّة.و لمّا ثبت أنّ لفظ الآية مشعر بهذا المعنى إشعارا قويّا ثمّ وردت الأخبار الصّحيحة في تقرير هذا المعنى وجب حمل اللّفظ عليه.

و ممّا يؤكّد هذا الوجه الدّعاء المشهور:«و ابعثه المقام المحمود الّذي وعدته يغبطه به الأوّلون و الآخرون»

ص: 758

و اتّفق النّاس على أنّ المراد منه الشّفاعة.

و القول الثّاني:[قول حذيفة المتقدّم]:

و أقول:القول الأوّل أولى،لأنّ سعيه في الشّفاعة يفيده إقدام النّاس على حمده فيصير محمودا.و أمّا ذكر هذا الدّعاء فلا يفيد إلاّ الثّواب،أمّا الحمد فلا.

فإن قالوا:لم لا يجوز أن يقال:إنّه تعالى يحمده على هذا القول؟

قلنا:لأنّ الحمد في اللّغة مختصّ بالثّناء المذكور في مقابلة الإنعام فقط،فإن ورد لفظ«الحمد»في غير هذا المعنى فعلى سبيل المجاز.

القول الثّالث:المراد مقام تحمد عاقبته،و هذا أيضا ضعيف للوجه الّذي ذكرناه في القول الثّاني.

القول الرّابع:قال الواحديّ:روي عن ابن مسعود أنّه قال:«يقعد اللّه محمّدا على العرش».و عن مجاهد أنّه قال:يجلسه معه على العرش،ثمّ قال الواحديّ:و هذا قول رذل موحش فظيع،و نصّ الكتاب ينادي بفساد هذا التّفسير،و يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:أنّ البعث ضدّ الإجلاس.يقال:بعثت النّازل و القاعد فانبعث.و يقال:بعث اللّه الميّت،أي أقامه من قبره.فتفسير البعث بالإجلاس تفسير للضّدّ بالضّدّ و هو فاسد.

و الثّاني:أنّه تعالى قال: مَقاماً مَحْمُوداً و لم يقل:

مقعدا،و المقام:موضع القيام لا موضع القعود.

و الثّالث:لو كان تعالى جالسا على العرش بحيث يجلس عنده محمّد عليه السّلام لكان محدودا متناهيا،و من كان كذلك فهو محدث.

و الرّابع:يقال:إنّ جلوسه مع اللّه على العرش ليس فيه كثير إعزاز،لأنّ هؤلاء الجهّال و الحمقى يقولون في كلّ أهل الجنّة:إنّهم يزورون اللّه تعالى،و إنّهم يجلسون معه،و إنّه تعالى يسألهم عن أحوالهم الّتي كانوا فيها في الدّنيا،و إذا كانت هذه الحالة حاصلة عندهم لكلّ المؤمنين لم يكن لتخصيص محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بها مزيد شرف و رتبة.

و الخامس:أنّه إذا قيل:السّلطان بعث فلانا فهم منه أنّه أرسله إلى قوم لإصلاح مهمّاتهم،و لا يفهم منه أنّه أجلسه مع نفسه.

فثبت أنّ هذا القول كلام رذل ساقط،لا يميل إليه إلاّ إنسان قليل العقل عديم الدّين،و اللّه أعلم.(21:31)

نحوه النّيسابوريّ.(15:70)

القرطبيّ: اختلف في المقام المحمود على أربعة أقوال:

الأوّل-و هو أصحّها-:الشّفاعة للنّاس يوم القيامة، قاله حذيفة بن اليمان.[ثمّ ذكر الرّوايات:]

إذا ثبت أنّ المقام المحمود هو أمر الشّفاعة الّذي يتدافعه الأنبياء عليهم السّلام حتّى ينتهي الأمر إلى نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فيشفع هذه الشّفاعة لأهل الموقف ليعجّل حسابهم و يراحوا من هول موقفهم،و هي الخاصّة به صلّى اللّه عليه و سلّم؛ و لأجل ذلك قال:«أنا سيّد ولد آدم و لا فخر».

قال النّقّاش:لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثلاث شفاعات:

العامّة،و شفاعة في السّبق إلى الجنّة،و شفاعة في أهل

ص: 759

الكبائر.

ابن عطيّة: و المشهور أنّهما شفاعتان فقط:العامّة، و شفاعة في إخراج المذنبين من النّار.و هذه الشّفاعة الثّانية لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون و يشفع العلماء.

و قال القاضي أبو الفضل عياض:شفاعات نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم يوم القيامة خمس شفاعات:[الأولى]العامّة.

و الثّانية:في إدخال قوم الجنّة دون حساب.

الثّالثة:في قوم من موحّدي أمّته استوجبوا النّار بذنوبهم فيشفع فيهم نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم،و من شاء اللّه أن يشفع و يدخلون الجنّة.

و هذه الشّفاعة هي الّتي أنكرتها المبتدعة الخوارج و المعتزلة،فمنعتها على أصولهم الفاسدة،و هي الاستحقاق العقليّ المبنيّ على التّحسين و التّقبيح.

الرّابعة:فيمن دخل النّار من المذنبين،فيخرجون بشفاعة نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم و غيره من الأنبياء و الملائكة و إخوانهم المؤمنين.

الخامسة:في زيادة الدّرجات في الجنّة لأهلها و ترفيعها،و هذه لا تنكرها المعتزلة و لا تنكر شفاعة الحشر الأوّل.

قال القاضي عياض:و عرف بالنّقل المستفيض سؤال السّلف الصّالح لشفاعة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و رغبتهم فيها، و على هذا لا يلتفت لقول من قال:إنّه يكره أن تسأل اللّه أن يرزقك شفاعة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم؛لأنّها لا تكون إلاّ للمذنبين، فإنّها قد تكون كما قدّمنا لتخفيف الحساب و زيادة الدّرجات.ثمّ كلّ عاقل معترف بالتّقصير،محتاج إلى العفو،غير معتدّ بعمله،مشفق أن يكون من الهالكين، و يلزم هذا القائل ألاّ يدعو بالمغفرة و الرّحمة،لأنّها لأصحاب الذّنوب أيضا،و هذا كلّه خلاف ما عرف من دعاء السّلف و الخلف.

روى البخاريّ عن جابر بن عبد اللّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«من قال حين يسمع النّداء:اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة و الصّلاة القائمة آت محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم الوسيلة و الفضيلة و ابعثه مقاما محمودا الّذي وعدته حلّت له شفاعتي يوم القيامة».

القول الثّاني:أنّ المقام المحمود:إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة.

قلت:و هذا القول لا تنافر بينه و بين الأوّل فإنّه يكون بيده لواء الحمد و يشفع.روى التّرمذيّ عن أبي سعيد الخدريّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة و لا فخر،و بيدي لواء الحمد و لا فخر، و ما من نبيّ يومئذ آدم فمن سواه إلاّ تحت لوائي»الحديث.

القول الثّالث:ما حكاه الطّبريّ عن فرقة،منها مجاهد،أنّها قالت:المقام المحمود هو أن يجلس اللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم معه على كرسيّه؛و روت في ذلك حديثا.

و عضد الطّبريّ جواز ذلك بشطط من القول،و هو لا يخرج إلاّ على تلطّف في المعنى،و فيه بعد.و لا ينكر مع ذلك أن يروى،و العلم يتأوّله.و ذكر النّقّاش عن أبي داود السّجستانيّ أنّه قال:من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متّهم،ما زال أهل العلم يتحدّثون بهذا،من أنكر جوازه على تأويله.قال أبو عمر و مجاهد:و إن كان أحد

ص: 760

الأئمّة يتأوّل القرآن فإنّ له قولين مهجورين عند أهل العلم:أحدهما:هذا،و الثّاني:في تأويل قوله تعالى:

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيمة:22، 23،قال:تنتظر الثّواب،ليس من النّظر.

قلت:ذكر هذا في باب ابن شهاب في حديث التّنزيل.و روى عن مجاهد أيضا في هذه الآية قال:

يجلسه على العرش.و هذا تأويل غير مستحيل؛لأنّ اللّه تعالى كان قبل خلقه الأشياء كلّها و العرش قائما بذاته، ثمّ خلق الأشياء من غير حاجة إليها،بل إظهارا لقدرته و حكمته،و ليعرف وجوده و توحيده و كمال قدرته و علمه بكلّ أفعاله المحكمة،و خلق لنفسه عرشا استوى عليه كما شاء من غير أن صار له مماسّا،أو كان العرش له مكانا.قيل:هو الآن على الصّفة الّتي كان عليها من قبل أن يخلق المكان و الزّمان؛فعلى هذا القول سواء في الجواز أقعد محمّد على العرش أو على الأرض،لأنّ استواء اللّه تعالى على العرش ليس بمعنى الانتقال و الزّوال و تحويل الأحوال من القيام و العقود و الحال الّتي تشغل العرش، بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف.

و ليس إقعاده محمّدا على العرش موجبا له صفة الرّبوبيّة أو مخرجا له عن صفة العبوديّة،بل هو رفع لمحلّه و تشريف له على خلقه.و أمّا قوله في الأخبار:«معه» فهو بمنزلة قوله: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ الأعراف:

206،و رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ التّحريم:

11، وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ العنكبوت:69،و نحو ذلك.كلّ ذلك عائد إلى الرّتبة و المنزلة و الحظوة و الدّرجة الرّفيعة،لا إلى المكان.

الرّابع:إخراجه من النّار بشفاعته من يخرج؛قاله جابر بن عبد اللّه،ذكره مسلم.و قد ذكرناه في كتاب «التّذكرة»،و اللّه الموفّق.

اختلف العلماء في كون القيام باللّيل سببا للمقام المحمود على قولين:

أحدهما:أنّ البارئ تعالى يجعل ما شاء من فعله سببا لفضله من غير معرفة بوجه الحكمة فيه،أو بمعرفة وجه الحكمة.

الثّاني:أنّ قيام اللّيل فيه الخلوة مع البارئ و المناجاة دون النّاس،فأعطى الخلوة به و مناجاته في قيامه و هو المقام المحمود.و يتفاضل فيه الخلق بحسب درجاتهم، فأجلّهم فيه درجة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم؛فإنّه يعطى ما لا يعطى أحد و يشفع ما لا يشفع أحد.و(عسى)من اللّه عزّ و جلّ واجبة.و(مقاما)نصب على الظّرف،أي في مقام أو إلى مقام.و ذكر الطّبريّ عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«المقام المحمود هو المقام الّذي أشفع فيه لأمّتي».

فالمقام:الموضع الّذي يقوم فيه الإنسان للأمور الجليلة كالمقامات بين يدي الملوك.(10:309)

البيضاويّ: مقاما يحمده القائم فيه و كلّ من عرفه،و هو منطلق في كلّ مقام يتضمّن كرامة،و المشهور أنّه مقام الشّفاعة.[إلى أن قال:]

و لإشعاره بأنّ النّاس يحمدونه لقيامه فيه و ما ذاك إلاّ مقام الشّفاعة.و انتصابه على الظّرف بإضمار فعله،أي فيقيمك مقاما،أو بتضمين(يبعثك)معناه أو الحال بمعنى

ص: 761

أن يبعثك ذا مقام.(1:594)

نحوه النّسفيّ.(2:325)

أبو حيّان :[ذكر الأقوال الماضية و نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و هذا قول حسن،و لذلك نكّر مَقاماً مَحْمُوداً فلم يتناول مقاما مخصوصا،بل كلّ مقام محمود صدق عليه إطلاق اللّفظ.[إلى أن ذكر كلام الواحديّ في الرّدّ على مجاهد و قال:]

و فيه بعض تلخيص.و لمّا أمره تعالى بإقامة الصّلاة و التّهجّد و وعده بعثه مقاما محمودا-و ذلك في الآخرة- أمره بأن يدعوه بما يشمل أموره الدّنيويّة و الأخرويّة.(6:72)

أبو السّعود :(محمودا)عندك و عند جميع النّاس، و فيه تهوين لمشقّة قيام اللّيل.[ثمّ ذكر بعض أقوال المتقدّمين](4:152)

البروسويّ: عندك و عند جميع النّاس،و هو مقام الشّفاعة العامّة لأهل المحشر،يغبطه به الأوّلون و الآخرون،لأنّ كلّ من قصد من الأنبياء للشّفاعة يحيد عنها،و يحيل على غيره حتّى يأتوا محمّدا للشّفاعة، فيقول أنالها ثمّ يشفع فيشفع فيمن كان من أهلها.

و الآية ردّ على المعتزلة المنكرين للشّفاعة زعما أنّها تبليغ غير المستحقّ للثّواب إلى درجة المستحقّين للثّواب،و ذلك ظلم.و لم يعلموا أنّ المستحقّ للثّواب و العقاب من جعله اللّه لذلك مستحقّا بفضله و عدله،و لا واجب لأحد على اللّه بل هو يتصرّف في عباده على حكم مراده،فإن قالت المعتزلة:رويتم عن النّبيّ عليه السّلام:

«شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي».

فعلى هذا،المستحقّ للشّفاعة إنّما هو من قتل النّفس و زنى و شرب الخمر،فإنّ أصحاب الكبائر هؤلاء،و هذا إغراء ظاهر لخلق اللّه على مخالفة أوامره.فالجواب أنّه ليس فيه إغراء و إنّما فيه أنّ صاحب الكبائر مع قربه من عذاب اللّه و استحقاقه عقوبته،تستدركه شفاعتي، و تنجيه عنايتي،و ينقذه أرحم الرّاحمين بحرمتي و مكانتي،ففيه مدح الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم نفسه بما له عند اللّه تعالى من الدّرجة الرّفيعة و الوسيلة،فإذا كان حكم صاحب الكبائر هذا فكيف ظنّك بصاحب الصّغيرة، و دعواهم بأن يكون ظلما؟

قلت:أ ليس خلقه اللّه و خلق له القدرة على ارتكاب الكبائر،و مكّنه منها،و لم يكن ذلك إغراء منه على ارتكاب الكبائر،كذلك في حقّ الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم كذا في الأسئلة المقحمة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](5:192)

الآلوسيّ: [نقل بعض الرّوايات المتقدّمة ثمّ قال:] و أنت تعلم أنّ الحمد على أكثر ما في هذه الرّوايات مجاز عند من يقول:إنّه مختصّ بالثّناء على الإنعام،و أمّا عند من يقول بعدم الاختصاص فلا مجاز.و تعقّب الواحديّ القول:بأنّ المقام المحمود إجلاسه صلّى اللّه عليه و سلّم معه عزّ و جلّ على العرش.[كما تقدّم عن الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و أبو عمر لم يطّلع إلاّ على رواية ذلك عن مجاهد، فقال:إنّ مجاهدا و إن كان أحد الأئمّة بتأويل القرآن حتّى قيل:إذا جاءك التّأويل عن مجاهد فحسبك إلاّ أنّ

ص: 762

له قولين مهجورين عند أهل العلم،أحدهما:تأويل المقام المحمود بهذا الإجلاس،و الثّاني:تأويل إلى ربّها ناظرة بانتظار الثّواب.

و ذكر النّقّاش عن أبي داود السّجستانيّ أنّه قال:

من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متّهم،فما زال أهل العلم يحدّثون به،قال ابن عطيّة:أراد من أنكره على تأويله فهو متّهم،و قد يؤوّل قوله صلّى اللّه عليه و سلّم يجلسني معه على رفع محلّه و تشريفه على خلقه كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ الأعراف:206،و قوله سبحانه حكاية: اِبْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً التّحريم:11،و قوله تعالى: وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ العنكبوت:69،إلى غير ذلك ممّا هو كناية عن المكانة لا عن المكان.

و أنت تعلم أنّه لا ينبغي لمجاهد و لا لغيره أن يفسّر المقام المحمود بالإجلاس على العرش حسبما سمعت،من غير أن يثبت عنده ذلك الإجلاس في خبر،كخبر الدّيليّ عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في قوله سبحانه: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ إلخ يجلسني معه على السّرير»فإن تمسّك المفسّر بهذا أو نحوه لم يناظر إلاّ بالطّعن في صحّته،و بعد إثبات الصّحة لا مجال للمؤمن إلاّ التّسليم،و ما ذكره الواحديّ لا يستلزم عدم الصّحّة،فكم.

و كم من حديث نصّوا على صحّته و يلزم من ظاهره المحال،كحديث أبي سعيد الخدريّ المشتمل على رؤية المؤمنين اللّه عزّ و جلّ،ثمّ إتيانه إيّاهم في أدنى صورة من الّتي رأوه فيها،و قوله تعالى لهم: أَنَا رَبُّكُمْ و قولهم:

نعوذ باللّه تعالى منك حتّى يكشف لهم عن ساق فيسجدون ثمّ يرفعون رءوسهم و قد تحوّل في صورته الّتي رأوه فيها أوّل مرّة،و هو في الصّحيحين،و حديث لقيط بن عامر المشتمل على قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«تلبثون ما لبثتم ثمّ يتوفّى نبيّكم ثمّ تلبثون ما لبثتم ثمّ تبعث الصّائحة-لعمر إلهك-لا تدع على ظهرها شيئا إلاّ مات و الملائكة الّذين مع ربّك عزّ و جلّ،فأصبح ربّك يطوف في الأرض و خلت عليه البلاد»الحديث،و قد رواه أئمّة السّنّة في كتبهم و تلقّوه بالقبول و قابلوه بالتّسليم و الانقياد إلى ما لا يحصى من هذا القبيل،و مذاهب المحدّثين و أهل الفكر من العلماء في الكلام على ذلك ممّا لا تخفى،و متى أجريت هناك فلتجر هنا فالكلّ قريب من قريب.

و الصّوفيّة يقولون:إنّ للّه عزّ و جلّ الظّهور فيما يشاء على ما يشاء،و هو سبحانه في حال ظهوره.باق على إطلاقه حتّى عن قيد الإطلاق،فإنّه العزيز الحكيم،و متى ظهر جلّ و علا في صورة أجريت عليه سبحانه أحكامها من حيث الظّهور،فيوصف عزّ مجده عندهم بالجلوس و نحوه من تلك الحيثيّة،و ينحلّ بذلك أمور كثيرة إلاّ أنّه مبنيّ على ما دون إثباته خرط القتاد.

و يردّ على ما ذكره الواحديّ في الوجه الثّالث أنّ المقام و إن كان في الأصل بمعنى محلّ القيام،إلاّ أنّه شاع في مطلق المحلّ و يطلق على الرّتبة و الشّرف،و على ما ذكره في الوجه الأوّل أنّه ليس هناك إلاّ تفسير المقام المحمود بالإجلاس.لا تفسير البعث بالإجلاس».نعم فيه مسامحة،و المراد أنّ إحلاله في المحلّ المحمود هو إجلاسه

ص: 763

على العرش،و هذا المعنى يتأتّى بإبقاء البعث على معناه و تقدير«فيقيمك»بمعنى فيحلّك و بتفسيره بالإقامة بمعنى الإحلال،و قد يقال:لا مسامحة،و المراد من المقام:

الرّتبة،و البعث متضمّن معنى الإعطاء،أي عسى يعطيك ربّك رتبة محمودة و هي إجلاسه إيّاك على عرشه باعثا.

و ما ذكره في الوجه الثّاني حقّ لو أريد من الجلوس على العرش ظاهره،إن أريد معنى آخر فلا نسلّم اللاّزم، و باب التّأويل واسع،و قد أوّل الإجلاس معه على رفع المحلّ و التّشريف و هو مقول بالتّشكيك،فمتى صحّ أنّ أهل الجنّة كلّهم يجلسون معه آمنا به مع إثبات المزيّة للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،فاندفع ما ذكره في الوجه الرّابع،و يردّ على ما في الوجه الخامس:أنّ الإجلاس معه لم يفهم من مجرّد البعث،و ما ادّعى أحد ذلك فكون بعث السّلطان فلانا يفهم منه أنّه أرسله إلى قوم لإصلاح مهمّاتهم،و لا يفهم منه أنّه أجلسه مع نفسه لا يضرّنا،كما لا يخفى على منصف.

و بالجملة كلّ ما قيل أو يقال لا يصغى إليه إن صحّ التّفسير عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لكن يبقى حينئذ أنّه يلزم التّعارض بين ظواهر الرّوايات،و من هنا قال بعضهم:

المراد بالمقام المحمود:ما ينتظم كلّ مقام يتضمّن كرامة له صلّى اللّه عليه و سلّم،و الاقتصار في بعض الرّوايات على بعض لنكتة نحو ما مرّ.

و وصفه بكونه(محمودا)إمّا باعتبار أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم يحمد اللّه تعالى عليه أبلغ الحمد،أو باعتبار أنّ كلّ من يشاهده يحمده،و لم يشترط أن يكون الحمد في مقابلة النّعمة، و يدخل في هذا كلّ مقام له صلّى اللّه عليه و سلّم محمود في الجنّة.

و كذا يدخل فيه ما جوّز مفتي الصّوفيّة سيّدي شهاب الدّين السّهرورديّ أن يكون المقام المحمود و هو إعطاؤه عليه السّلام مرتبة من العلم لم تعط لغيره من الخلق أصلا،فإنّه ذكر في رسالة له في العقائد أنّ علم عوامّ المؤمنين يكون يوم القيامة كعلم علمائهم في الدّنيا، و يكون علم العلماء إذ ذاك كعلم الأنبياء عليهم السّلام و يكون علم الأنبياء كعلم نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم،و يعطى نبيّنا عليه السّلام من العلم ما لم يعط أحد من العالمين،و لعلّه المقام المحمود،و لم أر ذلك لغيره عليه الرّحمة و اللّه تعالى أعلم.

ثمّ هذا الاختلاف في المقام المحمود هنا لم يقع فيه في دعاء الأذان،بل ادّعى العلاّمة ابن حجر الهيتميّ أنّه فيه مقام الشّفاعة العظمى لفصل القضاء اتّفاقا،فتأمّل في هذا المقام،و اللّه تعالى وليّ الإنعام و الإفهام.(15:142)

المراغيّ: [ذكر الرّوايات في الشّفاعة ثمّ قال:]

و سرّ هذا أنّ الهداة في الأرض،و هم الأنبياء و من سلك نهجهم من الأئمّة و العلماء،لا تشرق قلوبهم إلاّ بتوجّههم إلى اللّه في أوقات الصّلوات،فإذا قاموا للخلق داعين أشرقت مرايا نفوسهم الصّافية على ما يدعونهم من العباد،فتضيء نفوسهم،فيستجيبون لدعوتهم، و يكون لهم المقام المحمود بينهم،و الثّناء العظيم الّذي هم له أهل،إلى أنّهم يحسّون في أنفسهم سرورا و لذّة و بهجة و رضا،فيحمدون مقامهم كما حمدهم النّاس من حولهم، و اللّه و الملائكة من فوقهم.

لا جرم أنّ هذا المقام المحمود بالرّشد و الإرشاد يتبعه

ص: 764

مقام الشّفاعة؛إذ لا شفاعة في الآخرة إلاّ على مقدار ما أوتي المشفوع له في الدّنيا من علم و خلق،و للّه في الشّفاعة ما يشاء من غفران و إعلاء درجات.

(15:84)

الطّباطبائيّ: و قد وصف سبحانه مقامه بأنّه محمود،و أطلق القول من غير تقييد،و هو يفيد أنّه مقام يحمده الكلّ و لا يثني عليه الكلّ إلاّ إذا استحسنه الكلّ و انتفع به الجميع،و لذا فسّروا المقام المحمود بأنّه المقام الّذي يحمده عليه جميع الخلائق،و هو مقام الشّفاعة الكبرى له صلّى اللّه عليه و آله يوم القيامة.و قد اتّفقت على هذا التّفسير الرّوايات من طرق الفريقين عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.(13:176)

مكارم الشّيرازيّ: و لا ريب فإنّ المقام المحمود هو مقام مرتفع جدّا،بحيث يحتاج إلى الحمد؛حيث إنّ «محمود»مأخوذة من«الحمد».و بما أنّ هذه الكلمة وردت بشكل مطلق،لذا فقد تكون إشارة إلى أنّ حمد الأوّلين و الآخرين يشملك.

الرّوايات الإسلاميّة الواردة عن طريق أهل البيت عليهم السّلام أو عن طريق أهل السّنّة،تشير إلى أنّ المقام المحمود هو مقام الشّفاعة الكبرى.فالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله هو أكبر الشّفعاء في ذلك العالم،و شفاعته تشمل الّذين يستحقّونها.[إلى أن قال:]

المقام المحمود-كما هو واضح من اسمه-له معنى واسع بحيث يشمل كلّ مقام يستحقّ الحمد،و لكن لا بدّ و أن يكون المقصود به هنا،هو الإشارة إلى المقام الممتاز و الخاصّ الّذي اختصّ به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بسبب عباداته اللّيليّة و دعائه في وقت السّحر.

و المعروف بين المفسّرين-كما قلنا سابقا-أنّ هذا المقام هو مقام الشّفاعة الكبرى للرّسول صلّى اللّه عليه و آله.و هذا التّفسير ورد في روايات متعدّدة،ففي تفسير العيّاشي عن الإمام الصّادق أو الباقر عليهما السّلام،نقرأ في تفسير قوله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً أنّه قال:

«هي الشّفاعة».

و قد حاول بعض المفسّرين:الوصول إلى هذه الحقيقة من مفهوم الآية نفسها،فهم يعتقدون أنّ جملة عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ هي دليل على أنّ اللّه سوف يعطيك هذا المقام في المستقبل.المقام الّذي سوف يحمده الجميع، لأنّ فائدته سوف تنال الجميع،لأنّ محمود في الجملة أعلاه جاءت مطلقة غير مقيّدة بشرط.إضافة إلى ذلك فإنّ الحمد في مقابل عمل معيّن هو أمر اختياريّ، و الشّيء الّذي يحتوي على جميع هذه الصّفات لا يمكن أن يكون سوى الشّفاعة الكبرى و العامّة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و هناك احتمال أن يكون المقام المحمود هو أقصى القرب من الخالق عزّ و جلّ،و الّذي تكون إحدى آثاره هي الشّفاعة الكبرى،فتأمّل ذلك.

و بالرّغم من أنّ المخاطب في هذه الآية-ظاهرا-هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلاّ أنّه يمكن تعميم الحكم و القول بأنّ جميع الأشخاص المؤمنين الّذين يقومون ببرنامج التّلاوة و صلاة اللّيل لهم نصيب في هذا المقام المحمود،و سوف يقتربون من السّاحة الإلهيّة بمقدار إيمانهم و عملهم،

ص: 765

و بنفس المقدار سوف يقومون بالشّفاعة للآخرين.

إنّنا نعلم أنّ أيّ مؤمن و بمقدار إيمانه له نصيب من مقام الشّفاعة،إلاّ أنّ المصداق الأتمّ و الأكمل لهذه الآية هو شخص الرّسول صلّى اللّه عليه و آله.(9:81)

فضل اللّه :أي موقعا من مواقع الحمد،أو مكانا مميّزا محمودا في موقعه و في ثوابه...و ربّما كان ذلك نظرا إلى مقام الشّفاعة الّذي جعله اللّه للرّسول صلّى اللّه عليه و آله في يوم القيامة،بما يحمده عليه جميع الخلائق لو كان الخطاب موجّها للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أمّا إذا كان موجّها إلى كلّ إنسان فإنّ المراد به-و اللّه العالم-هو المقام الّذي يناله المؤمن المخلص في صلاته،و ذلك لما يمنحه اللّه من الثّواب و الكرامة و الرّضوان عنده.(14:204)

حميد

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ. البقرة:267

ابن عبّاس: محمود في فعاله،و يقال:يشكر اليسير و يجزي الجزيل.نزلت هذه الآية في رجل بالمدينة صاحب الحشف.(39)

الحسن :معناه مستحمدا إلى خلقه بما يعطون من النّعم لعباده،أي مبتدع لهم إلى ما يوجب لهم الحمد.

(الطّوسيّ 2:346)

الطّبريّ: إنّه محمود عند خلقه بما أولاهم من نعمه، و بسط لهم من فضله.(3:87)

الطّوسيّ: فيه ثلاثة أقوال:أحدهما:أنّه مستحقّ للحمد على نعمه.

الثّاني:موجب للحمد على طاعته.

الثّالث:[نقل كلام الحسن و أضاف:]

و(حميد)في هذا الموضع أليق من حليم،كما أنّ حليما أليق بالآية المتقدّمة من حميد،لما بيّنّاه.و إنّما قلنا ذلك لأنّه لمّا أمرهم بالإنفاق من طيّب ما كسبوه بيّن أنّه غنيّ عن ذلك،و أنّه يحمدهم على ما يفعلونه إذا فعلوه على ما أمرهم به،و معناه أنّه يجازيهم عليه.(2:346)

نحوه الطّبرسيّ.(1:381)

الواحديّ: (حميد)على إحسانه و إنعامه.

(1:383)

البغويّ: محمود في أفعاله.(1:372)

ابن عطيّة: معناه محمود في كلّ حال،و هي صفة ذات.(1:363)

نحوه القرطبيّ.(3:328)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّه غنيّ عن صدقاتكم، و معنى(حميد)أي محمود على ما أنعم بالبيان.و فيه وجه آخر،و هو أنّ قوله:(غنىّ)كالتّهديد على إعطاء الأشياء الرّديئة في الصّدقات،و(حميد)بمعنى حامد أي أنا أحمدكم على ما تفعلونه من الخيرات،و هو كقوله:

فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً الإسراء:19.

(7:68)

نحوه الخازن.(1:244)

ص: 766

البيضاويّ: (حميد)بقبوله و إثابته.(1:140)

النّسفيّ: مستحقّ للحمد أو محمود.(1:135)

نحوه البروسويّ.(1:430)

النّيسابوريّ: محمود على ما أنعم من البيان و التّكليف بما تحوذون به النّعيم الأبديّ،أو حامد شاكر على إنفاقكم،كقوله: فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً الإسراء:19.(3:54)

أبو حيّان :الحميد:المحمود،فعيل بمعنى مفعول،و لا ينقاس.(2:315)

الشّربينيّ: أي يجازي المحسن أفضل الجزاء،على أنّه لم يزل محمودا و لا يزال عذّب أو أثاب.(1:180)

نحوه القاسميّ.(3:684)

شبّر:(حميد)بقبوله،عن عليّ عليه السّلام:نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشف،فيدخلونه في تمر الصّدقة.و في النّبويّ: أنّ اللّه يقبل الصّدقات،و لا يقبل منها إلاّ الطّيّب.(1:273)

الآلوسيّ: أي مستحقّ للحمد على نعمه،و من جملة الحمد اللاّئق بحلاله تحرّي إنفاق الطّيّب ممّا أنعم به.

و قيل:حامد بقبول الجيّد و الإثابة عليه.(3:40)

نحوه المراغيّ.(3:40)

الطّباطبائيّ: أي راقبوا في إنفاقكم غناه و حمده، فهو في عين غناه يحمد إنفاقكم الحسن فأنفقوا من طيّب المال،أو أنّه غنيّ محمود لا ينبغي يواجهوه بما لا يليق بجلاله جلّ جلاله.(2:493)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(2:220)

2- قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. هود:73

ابن عبّاس: (حميد)بأعمالكم.(188)

أبو الهيثم:أي تحمد أفعاله.

(الآلوسيّ 12:102)

الطّبريّ: يقول:إنّ اللّه محمود في تفضّله عليكم بما تفضّل به من النّعم عليكم و على سائر خلقه.

(12:77)

الفارسيّ: يحمد المؤمنين من عباده.

(الطّوسيّ 6:34)

الطّوسيّ: معناه مستحمد إلى عباده.(6:34)

الواحديّ: تحمد فعاله و هو بمعنى المحمود.

(2:582)

نحوه البغويّ(2:457)،و القرطبيّ(9:71).

الزّمخشريّ: فاعل ما يستوجب به الحمد من عباده.(2:282)

مثله البيضاويّ(1:475)،و أبو السّعود(3:

334)،و البروسويّ(4:164).

ابن عطيّة: أي أفعاله تقتضي أن يحمد.

(3:192)

الطّبرسيّ: أي محمود على أفعاله.و قيل:الحميد الّذي يحمده عباده على الطّاعات.(3:180)

الفخر الرّازيّ: و الحميد،هو المحمود و هو الّذي تحمد أفعاله،و المجيد الماجد،و هو ذو الشّرف و الكرم.

و من محامد الأفعال إيصال العبد المطيع إلى مراده

ص: 767

و مطلوبه،و من أنواع الفضل و الكرم أن لا يمنع الطّالب عن مطلوبه.فإذا كان من المعلوم أنّه تعالى قادر على الكلّ،و أنّه حميد مجيد،فكيف بين هذا التّعجّب في نفس الأمر؟فثبت أنّ المقصود من ذكر هذه الكلمات إزالة التّعجّب.(18:28)

الشّربينيّ: أي محمود على كلّ حال،أو فاعل ما يستوجب به الحمد.(2:70)

الآلوسيّ: [نقل قول أبي الهيثم و الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و جوّز الرّاغب أن يكون(حميد)هنا بمعنى الحامد، و لعلّ الأوّل أولى.(12:102)

رشيد رضا :إنّه جلّ جلاله مستوجب لأنواع الثّناء و الحمد.(12:130)

نحوه المراغيّ.(12:60)

الطّباطبائيّ: في مقام التّعليل لقوله: رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ أي إنّه تعالى مصدر كلّ فعل محمود،و منشأ كلّ كرم وجود،يفيض من رحمته و بركاته على من يشاء من عباده.(10:326)

مكارم الشّيرازيّ: و في الواقع فإنّ ذكر هاتين الصّفتين بالنّسبة للّه دليل على الجملة السّابقة،لأنّ كلمة (حميد)تعني من له أعمال ممدوحة،و تستوجب الثّناء و الحمد،و هذا الاسم الّذي جاء صفة للّه،يشير إلى نعمه الكثيرة على عباده ليحمد عليها.و أمّا كلمة(مجيد) فتطلق على من يهب النّعم حتّى قبل استحقاقها.

ترى هل من العجيب على ربّ له هذه الصّفات أن يعطي مثل هذه النّعمة الأبناء السّعداء لأهل بيت النّبوّة؟

(7:12)

3- الر*كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. إبراهيم:1

ابن عبّاس: (الحميد)لمن وحّده،و يقال:المحمود في فعاله.(210)

الطّبريّ: و الحميد:«فعيل»،صرف من مفعول إلى فعيل،و معناه:المحمود بآلائه،و أضاف تعالى ذكره:

إخراج النّاس من الظّلمات إلى النّور،بإذن ربّهم لهم بذلك،إلى نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو الهادي خلقه،و الموفّق من أحبّ منهم للإيمان؛إذ كان منه دعاؤهم إليه،و تعريفهم ما لهم فيه و عليهم،فبيّن بذلك صحّة قول أهل الإثبات، الّذين أضافوا أفعال العباد إليهم كسبا،و إلى اللّه جلّ ثناؤه إنشاء و تدبيرا،و فساد قول أهل القدر،الّذين أنكروا أن يكون للّه في ذلك صنع.(13:179)

الزّجّاج: (الحميد)خفض من صفة(العزيز)و يجوز الرّفع على معنى الحميد اللّه،و يرتفع الحميد بالابتداء، و قولك:(اللّه)خبر الابتداء،و يجوز أن يرفع اللّه و يخفض (الحميد)على ما وصفنا،و يكون اسم اللّه يرتفع بالابتداء.(3:154)

الطّوسيّ: المحمود في أفعاله الّتي أنعم بها على عباده،الّذي له التّصرّف في جميع ما في السّماوات و الأرض،على وجه ليس لأحد الاعتراض عليه(6:271)

ص: 768

نحوه الطّبرسيّ(3:303)،و النّسفيّ(2:254).

البغويّ: (الحميد)هو المستحقّ للحمد.(3:29)

الفخر الرّازيّ: قالت المعتزلة:الفاعل إنّما يكون آتيا بالصّواب و الصّلاح،تاركا للقبيح و العبث،إذا كان قادرا على كلّ المقدورات،عالما بجميع المعلومات،غنيّا عن كلّ الحاجات،فإنّه إن لم يكن قادرا على الكلّ فربّما فعل القبيح بسبب العجز،و إن لم يكن عالما بكلّ المعلومات فربّما فعل القبيح بسبب الجهل،و إن لم يكن غنيّا عن كلّ الحاجات فربّما فعل القبيح بسبب الحاجة.أمّا إذا كان قادرا على الكلّ،عالما بالكلّ،غنيّا عن الكلّ،امتنع منه الإقدام على فعل القبيح،فقوله:

(العزيز)إشارة إلى كمال القدرة،و قوله:(الحميد)إشارة إلى كونه مستحقّا للحمد في كلّ أفعاله،و ذلك إنّما يحصل إذا كان عالما بالكلّ،غنيّا عن الكلّ.

فثبت بما ذكرنا أنّ صراط اللّه إنّما كان موصوفا بكونه شريفا رفيعا عاليا،لكونه صراطا مستقيما للإله الموصوف بكونه عزيزا حميدا،فلهذا المعنى:وصف اللّه نفسه بهذين الوصفين في هذا المقام.

إنّما قدّم ذكر(العزيز)على ذكر(الحميد)لأنّ الصّحيح أنّ أوّل العلم باللّه العلم بكونه تعالى قادرا،ثمّ بعد ذلك العلم بكونه عالما،ثمّ بعد ذلك العلم بكونه غنيّا عن الحاجات،و(العزيز)هو القادر و(الحميد)هو العالم الغنيّ،فلمّا كان العلم بكونه تعالى قادرا متقدّما على العلم بكونه عالما بالكلّ غنيّا عن الكلّ،لا جرم قدّم اللّه ذكر (العزيز)على ذكر(الحميد).و اللّه أعلم.(19:75)

القرطبيّ: أي المحمود بكلّ لسان.(9:338)

النّيسابوريّ: (الحميد)هو الكامل في خصائص الحمد من العلم و الغنى و غير ذلك،و لا ريب أنّ من هذه صفته كان سبيله الّذي نهج لعباده مفضيا إلى صلاح حالهم دينا و دنيا؛إذ لا حاجة به إلى ارتكاب عبث أو قبيح.(13:102)

الشّربينيّ: أي المحمود على كلّ حال المستحقّ لجميع المحامد.(2:167)

البروسويّ: (الحميد):المحمود،الّذي يستوجب بذلك الحمد من عباده...

و هو الحميد الّذي يستحقّ من كماليّة جماله و جلاله أن يحتجب بحجب العزّة و الكبرياء و العظمة.

(4:394)

الآلوسيّ: [نقل قول الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و لم نر تفسير(الحميد)بما ذكر لغيره.و في «المواقف»و شرح أسماء اللّه تعالى الحسنى لحجّة الإسلام الغزاليّ و غيرهما أنّ(الحميد)هو المحمود المثنى عليه، و هو سبحانه محمود بحمده لنفسه أزلا،و بحمد عباده له تعالى أبدا،و بين هذا و ما ذكره الإمام بعد بعيد،و أمّا ما ذكره في(العزيز)فهو قول لبعضهم،و قيل:هو الّذي لا مثل له.

و ربّما يقال على هذا:إنّ التّقديم للاعتناء بالصّفات السّلبيّة كما يؤذن به قولهم:«التّخلية أولى من التّحلية»، و كذا قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الشّورى:11،و لعلّ كلامه قدّس سرّه بعد

ص: 769

لا يخلو عن نظر.[و قد تقدّم بحثه في مادّة أ ل ه:اللّه، فراجع](13:182)

المراغيّ: المحمود في جميع أفعاله و أقواله و أمره و نهيه.(13:123)

الطّباطبائيّ: و(الحميد)فعيل بمعنى المفعول من الحمد،و هو الثّناء على الجميل الاختياريّ،و إذ كان كلّ جمال ينتهي إليه سبحانه،كان جميع الحمد له،كما قال:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الفاتحة:1،و من غريب القول ما عن الإمام الرّازيّ على ما سننقله:إنّ(الحميد)معناه العالم الغنيّ.(12:11)

مكارم الشّيرازيّ: و(الحميد)دالّة على نعمه و مواهبه غير المتناهية،لأنّ الحمد و الثّناء دائما تكون في مقابل النّعم و المواهب.(7:396)

حسنين مخلوف:هو المحمود بكلّ لسان،الممجّد في كلّ مكان.(1:409)

4- وَ قالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ. إبراهيم:8

عليّ عليه السّلام:مستحمد إليهم.(الطّبريّ 13:187)

ابن عبّاس: (حميد)لمن وحّده.(211)

الطّبريّ: ذو حمد إلى خلقه بما أنعم به عليهم.

(13:187)

الطّوسيّ: و«الحميد»:الكبير،لاستحقاق الحمد بعظم إنعامه،و هي صفة مبالغة في الحمد،و قد يكون كفر النّعمة بأن يشبّه اللّه بخلقه،أو يجور في حكمه،أو يردّ على نبيّ من أنبيائه،أو كان بمنزلة واحد منها في عظم الفاحشة،لأنّ اللّه تعالى منعم بجميع ذلك،من حيث أقام الأدلّة الواضحة على صحّة جميع ذلك،و غرضه بالنّظر في جميعها الثّواب الجزيل،فلذلك كان منعما بها إن شاء.

(6:277)

نحوه الطّبرسيّ.(3:305)

الواحديّ: في أفعاله،لأنّه إمّا متفضّل بفعله،أو عادل.(3:24)

مثله البغويّ(3:31)،و ابن الجوزيّ(4:347)، و الخازن(4:28)،و الشّربينيّ(2:171).

الزّمخشريّ: مستوجب للحمد بكثرة أنعمه و أياديه،و إن لم يحمده الحامدون.(2:368)

ابن عطيّة: يتضمّن توبيخهم،و ذلك أنّه صفة يستوجب المحامد كلّها،دائم كذلك في ذاته لم يزل و لا يزال،فكفركم أنتم بإله هذه حاله غاية التّخلّف و الخذلان.و في قوله أيضا:(حميد)ما يتضمّن أنّه ذو آلاء عليكم،أيّها الكافرون به كان يستوجب بها حمدكم،فكفركم به مع ذلك أذهب في الضّلال،و هذا توبيخ بيّن.(3:325)

القرطبيّ: أي المحمود بكلّ لسان.(9:338)

البيضاويّ: مستحقّ للحمد في ذاته،محمود تحمده الملائكة،و تنطق بنعمه ذرّات المخلوقات.فما ضررتم بالكفران إلاّ أنفسكم،حيث حرمتموها مزيد الإنعام، و عرضتموها للعذاب الشّديد.(1:525)

نحوه النّسفيّ.(2:256)

ص: 770

أبو حيّان:«الحميد»المستوجب الحمد على ما أسبغ من نعمه و إن لم يحمده الحامدون،فثمرة شكركم إنّما هي عائدة إليكم.و(انتم)خطاب لقومه،و قال:(و من فى الارض)يعني النّاس كلّه،لأنّ من كان في العالم العلويّ و هم الملائكة لا يدخلون في مَنْ فِي الْأَرْضِ، و جواب إِنْ تَكْفُرُوا محذوف لدلالة المعنى.

التّقدير:فإنّما ضرر كفركم لاحق بكم،و اللّه تعالى متّصف بالغنيّ المطلق و الحمد،سواء كفروا أم شكروا، و في خطابه لهم تحقير لشأنهم و تعظيم للّه تعالى،و كذلك في ذكر هاتين الصّفتين.(5:407)

أبو السّعود :مستوجب للحمد بذاته،لكثرة ما يوجبه من أياديه و إن لم يحمده أحد،أو محمود يحمده الملائكة،بل كلّ ذرّة من ذرّات العالم ناطقة بحمده.

و الحمد حيث كان بمقابلة النّعمة و غيرها من الفضائل،كان أدلّ على كمال سبحانه،و هو تعليل لما حذف من جواب(ان)،أي إن تكفروا لم يرجع و باله إلاّ عليكم،فإنّ اللّه تعالى لغنيّ عن شكر الشّاكرين.

و لعلّه عليه الصّلاة و السّلام إنّما قاله عند ما عاين منهم دلائل العناد،و مخايل الإصرار على الكفر و الفساد،و تيقّن أنّه لا ينفعهم التّرغيب و لا التّعريض بالتّرهيب،أو قاله غبّ تذكيرهم بما ذكر من قول اللّه عزّ سلطانه تحقيقا لمضمونه،و تحذيرا لهم من الكفران.

(3:474)

نحوه الآلوسيّ.(13:191)

البروسويّ: محمود في ذاته و صفاته و أفعاله، لا تفاوت له بإيمان أحد و لا كفر.(4:401)

شبّر:أهل للحمد،محمود في الملأ الأعلى،مستحقّ للحمد في ذاته وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44.(3:348)

القاسميّ: المحمود بأجلّ المحامد.(10:3711)

الطّباطبائيّ: إنّ الحمد هو إظهار الحامد بلسانه ما لفعل المحمود من الجمال و الحسن،و فعله تعالى حسن جميل من كلّ جهة،فهو جميل ظاهر الجمال،يمتنع خفاؤه و إخفاؤه،فهو تعالى محمود،سواء حمده حامد باللّسان أو لم يحمد.

على أنّ كلّ شيء يحمده بتمام وجوده حتّى الكافر بنعمته،كما قال تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44،فهو تعالى محمود،سواء حمده النّاس بألسنتهم أو لم يحمدوه،و له كلّ الحمد،سواء قصد به هو أو قصد به غيره.(12:23)

5- وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ. الحجّ:24

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:ما أحد أحبّ إليه الحمد من اللّه عزّ و جلّ.(الطّوسيّ 7:305)

ابن عبّاس: المحمود في فعاله.(279)

الحسن :المستحمد إلى عباده بنعمه.

(الطّوسيّ 7:305)

الطّبريّ: (الحميد):«فعيل»صرف من مفعول إليه،و معناه:أنّه محمود عند أوليائه من خلقه،ثمّ صرف

ص: 771

من محمود إلى حميد.(17:136)

الطّوسيّ: (الحميد):هو اللّه المستحقّ الحمد.

و قيل:المستحمد إلى عباده بنعمه.(7:305)

ابن عطيّة: يحتمل أن يريد ب(الحميد)نفس الطّريق فأضاف إليه على حدّ إضافته في قوله:(دار الآخرة)الأنعام:32،يوسف:109،النّحل:30.

(4:115)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ(الحميد)وصف للّه تعالى.

(6:361)

الآلوسيّ: أي المحمود جدّا،و إضافة(صراط)إليه قيل:بيانيّة.و المراد به:الإسلام،فإنّه صراط محمود من يسلكه،أو محمود هو نفسه أو عاقبته.

و قيل:الجنّة،و إطلاق(الصّراط)عليها باعتبار أنّها طريق للفوز بما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا حظر على قلب بشر.

و قيل:(الحميد)هو الجنّة و الإضافة على ظاهرها، و المراد بصراطها:الإسلام أو الطّريق المحسوس الموصل إليها يوم القيامة.

و استظهر أنّ المراد من(الحميد)هو اللّه عزّ و جلّ المستحقّ لذاته لغاية الحمد.و المراد بصراطه تعالى:

الإسلام،فإنّه طريق إلى رضوانه تعالى.

و قيل:الجنّة فإنّها طريق للفوز بما تقدّم،و أضيفت إليه تعالى للتّشريف.

و حاصل ما قالوه هنا:أنّ الهداية تحتمل أن تكون في الآخرة،و أن تكون في الدّنيا،و أنّ المراد ب(الحميد)إمّا الحقّ تعالى شأنه،و إمّا الجنّة،و إمّا الصّراط نفسه، و ب(صراط)إمّا الإسلام،و إمّا الجنّة،و إمّا الطّريق المحسوس الموصل إليها يوم القيامة.(17:137)

6- وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.

البروج:8

الطّبريّ: يقول:المحمود بإحسانه إلى خلقه.

(30:136)

نحوه القرطبيّ(19:293)،و القاسميّ(17:

6115).

الطّوسيّ: معناه المستحقّ للحمد على جميع أفعاله.

(10:318)

الفخر الرّازيّ: (الحميد)و هو الّذي يستحقّ الحمد و الثّناء على ألسنة عباده المؤمنين،و إن كان بعض الأشياء لا يحمده بلسانه فنفسه،شاهدة على أنّ المحمود في الحقيقة هو هو،كما قال: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44،و ذلك إشارة إلى العلم،لأنّ من لا يكون عالما بعواقب الأشياء لا يمكنه أن يفعل الأفعال الحميدة،ف(الحميد)يدلّ على العلم التّامّ من هذا الوجه.[إلى أن قال:]

و أشار بقوله:(الحميد)إلى أنّ المعتبر عنده سبحانه من الأفعال عواقبها،فهو و إن كان قد أمهل لكنّه ما أهمل،فإنّه تعالى يوصل ثواب أولئك المؤمنين إليهم، و عقاب أولئك الكفرة إليهم،و لكنّه تعالى لم يعاجلهم بذلك،لأنّه لم يفعل إلاّ على حسب المشيئة أو المصلحة

ص: 772

على سبيل التّفضّل.(31:121)

البيضاويّ: منعما يرجى ثوابه.(2:551)

مثله أبو السّعود(6:406)،و البروسويّ(10:

390)،و الآلوسيّ(30:90).

النّسفيّ: منعما يجب له الحمد على نعمته و يرجى ثوابه.(4:346)

نحوه أبو حيّان.(8:451)

الشّربينيّ: أي المحيط بجميع صفات الكمال،فهو يثيب من أطاعه أعظم ثواب،و ينتقم ممّن عصاه بأشدّ العذاب.و هذا استثناء على طريقة قول القائل:

و لا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب

(4:513)

احمد

وَ إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ. الصّفّ:6

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:اسمي في التّوراة أحيد،لأنّي أحيد أمّتي عن النّار،و اسمي في الزّبور الماحي،محا اللّه بي عبادة الأصنام،و اسمي في الإنجيل أحمد،و اسمي في القرآن محمّد،لأنّي محمود في أهل السّماء و الأرض.

(الماورديّ 5:529)

لي خمسة ألفاظ،أنا محمّد،و أنا أحمد،و أنا الماحي الّذي يمحو اللّه بي الكفر،و أنا الحاشر الّذي يحشر النّاس على قدميّ،و أنا العاقب آخر الأنبياء.

(الميبديّ 10:87)

الإمام الحسن عليه السّلام:جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسأله أعلمهم فيما سأله،فقال:لأيّ شيء سمّيت محمّدا و أحمد و أبا القاسم و بشيرا و نذيرا و داعيا؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أمّا محمّد فإنّي محمود في الأرض،و أمّا أحمد فإنّي محمود في السّماء...(العروسيّ 5:315)

الإمام الباقر عليه السّلام:إنّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عشرة أسماء:خمسة في القرآن و خمسة ليست في القرآن،فأمّا الّتي في القرآن فمحمّد و أحمد و عبد اللّه و يس و ن.

(العروسيّ 5:313)

الإمام الصّادق عليه السّلام:فلمّا أن بعث اللّه عزّ و جلّ المسيح عليه السّلام قال المسيح عليه السّلام:إنّه سوف يأتي من بعدي نبيّ اسمه أحمد،من ولد إسماعيل عليه السّلام،يجيء بتصديقي و تصديقكم و عذري و عذركم.(العروسيّ 5:315)

الإمام الرّضا عليه السّلام:[في حديث و قام إليه آخر و سأله عن ستّة من الأنبياء لهم اسمان؟فقال:]

يوشع بن نون و هو ذو الكفل،و يعقوب و هو إسرائيل،و الخضر و هو حليقا،و يونس و هو ذو النّون، و عيسى و هو المسيح،و محمّد و هو أحمد صلوات اللّه عليهم أجمعين.(العروسيّ 5:312)

ابن هشام:لا يعرف في العرب من تسمّى بهذا الاسم قبله صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ ثلاثة،طمع آباؤهم-حين سمعوا بذكر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و بقرب زمانه،و أنّه يبعث في الحجاز-أن

ص: 773

يكون ولدا لهم.ذكرهم ابن فورك في كتاب«الفصول»، و هم:محمّد بن سفيان بن مجاشع،جدّ جدّ الفرزدق الشّاعر،و الآخر:محمّد بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جمحى بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف ابن مالك بن الأوس،و الآخر:محمّد بن حمران بن ربيعة، و كان آباء هؤلاء الثّلاثة قد وفدوا على بعض الملوك، و كان عنده علم من الكتاب الأوّل،فأخبرهم بمبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و باسمه،و كان كلّ واحد منهم قد خلّف امرأته حاملا،فنذر كلّ واحد منهم:إن ولد له ذكر أن يسمّيه محمّدا،ففعلوا ذلك.

قال المؤلّف:و هذا الاسم منقول من الصّفة، فالمحمّد في اللّغة هو الّذي يحمد حمدا بعد حمد،و لا يكون«مفعّل»مثل:مضرّب و ممدّح إلاّ لمن تكرّر فيه الفعل مرّة بعد مرّة.

و أمّا أحمد فهو اسمه صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي سمّي به على لسان عيسى و موسى-عليهما السّلام-،فإنّه منقول أيضا من الصّفة الّتي معناها التّفضيل،فمعنى أحمد،أي أحمد الحامدين لربّه،و كذلك هو المعني؛لأنّه تفتح عليه في المقام المحمود محامد لم تفتح على أحد قبله،فيحمد ربّه بها؛و لذلك يعقد له لواء الحمد.

و أمّا محمّد فمنقول من صفة أيضا،و هو في معنى:

محمود.و لكن فيه معنى المبالغة و التّكرار،فالمحمّد هو الّذي حمد مرّة بعد مرّة،كما أنّ المكرّم من أكرم مرّة بعد مرّة،و كذلك:الممدّح،و نحو ذلك.فاسم محمّد مطابق لمعناه،و اللّه سبحانه و تعالى سمّاه به قبل أن يسمّي به نفسه،فهذا علم من أعلام نبوّته؛إذ كان اسمه صادقا عليه،فهو محمود عليه السّلام في الدّنيا بما هدى إليه،و نفع به من العلم و الحكمة،و هو محمود في الآخرة بالشّفاعة،فقد تكرّر معنى الحمد كما يقتضي اللّفظ،ثمّ إنّه لم يكن محمّدا، حتّى كان أحمد حمّد ربّه فنبّأه و شرّفه؛فلذلك تقدّم اسم أحمد على الاسم الّذي هو محمّد،فذكره عيسى صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:اسمه أحمد،و ذكره موسى صلّى اللّه عليه و سلّم حين قال له ربّه:

تلك أمّة أحمد،فقال:اللّهمّ اجعلني من أمّة أحمد،فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمّد؛لأنّ حمده لربّه كان قبل حمد النّاس له،فلمّا وجد و بعث،كان محمّدا بالفعل.

و كذلك في الشّفاعة يحمد ربّه بالمحامد الّتي يفتحها عليه،فيكون أحمد الحامدين لربّه،ثمّ يشفع فيحمد على شفاعته.فانظر:كيف ترتّب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذّكر و الوجود،و في الدّنيا و الآخرة تلح لك الحكمة الإلهيّة في تخصيصه بهذين الاسمين،و انظر:كيف أنزلت عليه سورة الحمد و خصّ بها دون سائر الأنبياء، و خصّ بلواء الحمد،و خصّ بالمقام المحمود،و انظر:كيف شرع لنا سنّة و قرآنا أن نقول عند اختتام الأفعال، و انقضاء الأمور:الحمد للّه ربّ العالمين.قال اللّه سبحانه و تعالى: وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الزّمر:75.و قال أيضا: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10.تنبيها لنا على أنّ الحمد مشروع لنا عند انقضاء الأمور.و سنّ صلّى اللّه عليه و سلّم الحمد بعد الأكل و الشّرب،و قال عند انقضاء السّفر:آئبون تائبون عابدون لربّنا حامدون.

ص: 774

ثمّ انظر لكونه عليه السّلام خاتم الأنبياء،و مؤذنا بانقضاء الرّسالة،و ارتفاع الوحي،و نذيرا بقرب السّاعة و تمام الدّنيا،مع أنّ الحمد كما قدّمنا مقرون بانقضاء الأمور، مشروع عنده،تجد معاني اسميه جميعا،و ما خصّ به من الحمد و المحامد مشاكلا لمعناه،مطابقا لصفته،و في ذلك برهان عظيم،و علم واضح على نبوّته،و تخصيص اللّه له بكرامته،و أنّه قدّم له هذه المقدّمات قبل وجوده تكرمة له،و تصديقا لأمره صلّى اللّه عليه و سلّم و شرف و كرم.

(1:162)

الماورديّ: و في تسمية اللّه له ب«أحمد»وجهان:

أحدهما:لأنّه من أسمائه،فكان يسمّى أحمد و محمّدا،قال حسّان:

صلّى الإله و من يحفّ بعرشه

و الطّيّبون على المبارك أحمد

الثّاني:أنّه مشتقّ من اسمه محمود،فصار الاشتقاق اسما،كما قال حسّان:

شقّ له من اسمه ليجلّه

فذو العرش محمود و هذا محمّد

(5:529)

الطّوسيّ: (احمد)عبارة عن الشّخص.و(الاسم) قول،و القول لا يكون الشّخص،و خبر المبتدإ ينبغي أن يكون هو المبتدأ،إذا كان مفردا.و الوجه فيه أن يقدّر فيه «قول»فكأنّه قال:اسمه قول أحمد،كما تقول:اللّيلة الهلال،و أنت تريد اللّيلة طلوع الهلال،فتحذف المضاف و تقيم المضاف إليه مقامه.(9:593)

البغويّ: و الألف فيه للمبالغة في الحمد،و له وجهان:

أحدهما:أنّه مبالغة من الفاعل،أي الأنبياء كلّهم حمّادون للّه عزّ و جلّ،و هو أكثر حمدا للّه من غيره.

و الثّاني:أنّه مبالغة من المفعول،أي الأنبياء كلّهم محمودون لما فيهم من الخصال الحميدة،و هو أكثر مبالغة و أجمع للفضائل و المحاسن الّتي يحمد بها.(5:80)

مثله الميبديّ(10:87)،و نحوه الطّبرسيّ(5:

280).

الفخر الرّازيّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

و لنذكر الآن بعض ما جاء به عيسى عليه السّلام،بمقدم سيّدنا محمّد عليه السّلام في الإنجيل في عدّة مواضع:

أوّلها في الإصحاح الرّابع عشر من إنجيل يوحنّا هكذا:«و أنا أطلب لكم إلى أبي حتّى يمنحكم،و يعطيكم الفارقليط حتّى يكون معكم إلى الأبد،و الفارقليط هو روح الحقّ اليقين»هذا لفظ الإنجيل المنقول إلى العربيّ، و ذكر في الإصحاح الخامس عشر هذا اللّفظ:«و أمّا الفارقليط روح القدس يرسله أبي باسمي،و يعلّمكم و يمنحكم جميع الأشياء،و هو يذكّركم ما قلت لكم»ثمّ ذكر بعد ذلك بقليل«و إنّي قد خبّرتكم بهذا قبل أن يكون حتّى إذا كان ذلك تؤمنون».

و ثانيها:ذكر في الإصحاح السّادس عشر هكذا «و لكن أقول لكم الآن حقّا يقينا انطلاقي عنكم خير لكم،فإن لم أنطلق عنكم إلى أبي لم يأتكم الفارقليط، و إن انطلقت أرسلته إليكم،فإذا جاء هو يفيد أهل العالم،

ص: 775

و يدنيهم و يمنحهم و يوقفهم على الخطيئة و البرّ و الدّين.

و ثالثها:ذكر بعد ذلك بقليل هكذا«فإنّ لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم،و لكن لا تقدرون على قبوله و الاحتفاظ له،و لكن إذا جاء روح الحقّ إليكم يلهمكم و يؤيّدكم بجميع الحقّ،لأنّه ليس يتكلّم بدعة من تلقاء نفسه»هذا ما في الإنجيل.

فإن قيل:المراد بفارقليط إذا جاء يرشدهم إلى الحقّ و يعلّمهم الشّريعة،هو عيسى يجيء بعد الصّلب؟

نقول:ذكر الحواريّون في آخر الإنجيل أنّ عيسى لمّا جاء بعد الصّلب ما ذكر شيئا من الشّريعة،و ما علّمهم شيئا من الأحكام،و ما لبث عندهم إلاّ لحظة،و ما تكلّم إلاّ قليلا،مثل أنّه قال:«أنا المسيح فلا تظنّوني ميّتا،بل أنا ناج عند اللّه ناظر إليكم،و إنّي ما أوحي بعد ذلك إليكم»فهذا تمام الكلام.(29:313)

الرّازيّ: إن قيل:كيف قال عيسى عليه السّلام: مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ و لم يقل محمّد و محمّد أشهر أسماء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم؟.

قلنا:إنّما قال:(أحمد)لأنّه مذكور في الإنجيل بعبارة تفسيرها أحمد،لا محمّد و إنّما كان كذلك،لأنّ اسمه في السّماء أحمد و في الأرض محمّد.فنزل في الإنجيل اسمه السّماويّ.

و قيل:إنّ أحمد أبلغ في معنى الحمد من محمّد،من جهة كونه مبنيّا على صيغة التّفضيل.

و قيل:محمّد أبلغ من جهة كونه على صيغة التّفضيل الّذي هو للتّكثير.(مسائل الرّازيّ: 343)

القرطبيّ: (احمد)اسم نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم.و هو اسم علم منقول من صفة لا من فعل،فتلك الصّفة«أفعل»الّتي يراد بها التّفضيل،فمعنى(احمد)أي أحمد الحامدين لربّه.

و الأنبياء صلوات اللّه عليهم كلّهم حامدون اللّه،و نبيّنا أحمد أكثرهم حمدا.

و أمّا محمّد فمنقول من صفة أيضا،و هي في معنى محمود،و لكن فيه معنى المبالغة و التّكرار.فالمحمّد هو الّذي حمد مرّة بعد مرّة.كما أنّ المكرّم من أكرم مرّة بعد مرّة.و كذلك الممدّح و نحو ذلك،فاسم محمّد مطابق لمعناه،و اللّه سبحانه سمّاه قبل أن يسمّي به نفسه.فهذا علم من أعلام نبوّته؛إذ كان اسمه صادقا عليه،فهو محمود في الدّنيا لما هدى إليه،و نفع به من العلم و الحكمة، و هو محمود في الآخرة بالشّفاعة.فقد تكرّر معنى الحمد كما يقتضي اللّفظ.

ثمّ إنّه لم يكن محمّدا حتّى كان أحمد،حمد ربّه فنبّأه و شرّفه،فلذلك تقدّم اسم أحمد على الاسم الّذي هو محمّد،فذكره عيسى عليه السّلام فقال: اِسْمُهُ أَحْمَدُ. و ذكره موسى عليه السّلام حين قال له ربّه:تلك أمّة أحمد،فقال:اللّهمّ اجعلني من أمّة أحمد.فبأحمد ذكره قبل أن يذكره بمحمّد لأنّ حمده لربّه كان قبل حمد النّاس له،فلمّا وجد و بعث كان محمّدا بالفعل.و كذلك في الشّفاعة يحمد ربّه بالمحامد الّتي يفتحها عليه،فيكون أحمد النّاس لربّه ثمّ يشفع فيحمد على شفاعته.(18:83)

البيضاويّ: يعني محمّدا عليه الصّلاة و السّلام، و المعنى:أنّ ديني التّصديق بكتب اللّه و أنبيائه،فذكر أوّل

ص: 776

الكتب المشهورة الّذي حكم به النّبيّون،و النّبيّ الّذي هو خاتم المرسلين.(2:473)

نحوه أبو السّعود.(6:244)

أبو حيّان :(أحمد)علم منقول من المضارع للمتكلّم أو من أحمد أفعل التّفضيل.

صلّى الإله و من يحفّ بعرشه

و الطّيّبون على المبارك أحمد

(8:262)

الشّربينيّ: [نقل قول البغويّ و أضاف:]

و على كلا الوجهين منعه من الصّرف للعلميّة و الوزن الغالب،إلاّ أنّه على الاحتمال الأوّل يمتنع معرفة و ينصرف نكرة،و على الثّاني يمتنع تعريفا و تنكيرا،لأنّه يخلف العلميّة الصّفة،و إذا نكّر بعد كونه علما جرى فيه خلاف سيبويه و الأخفش،و هي مسألة مشهورة بين النّحاة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا محمّد فمنقول من صفة أيضا،و هو في معنى محمود،و لكن في معنى المبالغة و التّكرار،فأحمد هو الّذي حمد مرّة بعد مرّة.[ثمّ نقل قول القرطبيّ و أضاف:]

فدلّ ذلك على أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم أشرف الأنبياء فاتحا لهم و خاتما عليهم.(4:276)

البروسويّ: اِسْمُهُ أَحْمَدُ أي محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم يريد أنّ ديني التّصديق بكتب اللّه و أنبيائه جميعا ممّن تقدّم و تأخّر،فذكر أوّل الكتب المشهورة الّذي يحكم به النبيّون و النّبيّ الّذي هو خاتم النّبيّين.

و عن أصحاب رسول اللّه أنّهم قالوا:أخبرنا يا رسول اللّه عن نفسك قال:أنا دعوة إبراهيم و بشرى عيسى،و رأت امّي رؤيا حين حملتني أنّه خرج منها نور أضاء لها قصور بصرى في أرض الشّأم-و بصرى كحبلى بلد بالشّام-و كذا بشّر كلّ نبيّ قومه بنبيّنا محمّد عليه السّلام.

و اللّه تعالى أفرد عيسى عليه السّلام بالذّكر في هذا الموضع،لأنّه آخر نبيّ قبل نبيّنا،فبيّن أنّ البشارة به عمّت جميع الأنبياء واحدا بعد واحد حتّى انتهت إلى عيسى،كما في «كشف الأسرار».

و قال بعضهم:كان بين رفع المسيح و مولد النّبيّ عليه السّلام خمسمائة و خمس و أربعون سنة تقريبا،و عاش المسيح إلى أن رفع ثلاثا و ثلاثين سنة،و بين رفعه و الهجرة الشّريفة خمسمائة و ثمان و تسعون سنة،و نزل عليه جبريل عشر مرّات،و أمّته النّصارى على اختلافهم، و نزل على نبيّنا عليه السّلام أربعا و عشرين مرّة،و أمّته أمّة مرحومة جامعة لجميع الملكات الفاضلة.

قيل:قال الحواريّون لعيسى:يا روح اللّه هل بعدنا من أمّة؟قال:نعم،أمّة محمّد حكماء علماء أبرار أتقياء، كأنّهم من الفقه أنبياء،يرضون من اللّه باليسير من الرّزق،و يرضى اللّه منهم باليسير من العمل.

و(أحمد)اسم نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم.قال حضرة الشّيخ الأكبر قدّس سرّه الأطهر في كتاب«تلقيح الأذهان»:سمّي من حيث تكرّر حمده محمّدا،و من حيث كونه حامل لواء الحمد أحمد،انتهى.

قال«الرّاغب»:أحمد إشارة للنّبيّ عليه السّلام باسمه،تنبيها على أنّه كما وجد اسمه أحمد يوجد جسمه و هو محمود في

ص: 777

أخلاقه و أفعاله و أقواله.و خصّ لفظة(أحمد)فيما بشّر به عيسى تنبيها أنّه أحمد منه و من الّذين قبله،انتهى.

و يوافقه ما في«كشف الأسرار»من أنّ الألف فيه للمبالغة في الحمد،و له وجهان:

أحدهما:أنّه مبالغة من الفاعل،أي الأنبياء كلّهم حامدون للّه تعالى،و هو أكثر حمدا من غيره.

و الثّاني:أنّه مبالغة من المفعول،أي الأنبياء كلّهم محمودون،لما فيهم من الخصال الحميدة،و هو أكثر مناقب و أجمع للفضائل و المحاسن الّتي يحمد بها،انتهى.

ز صد هزار محمّد كه در جهان آيد

يكى به منزلت و فضل مصطفى نرسد

قال ابن الشّيخ في حواشيه:يحتمل أن يكون أحمد منقولا من الفعل المضارع،و أن يكون منقولا من صفة، و هي أفعل التّفضيل،و هو الظّاهر،و كذا محمّد فإنّه منقول من الصّفة أيضا،و هو في معنى محمود،و لكن فيه معنى المبالغة و التّكرار،فإنّه محمود في الدّنيا بما هدى إليه و نفع به من العلم و الحكمة،و محمود في الآخرة بالشّفاعة.

و قال الإمام السّهيليّ في كتاب«التّعريف و الأعلام»:أحمد اسم علم منقول من صفة لا من فعل، و تلك الصّفة«أفعل»الّتي يراد بها التّفضيل،فمعنى(أحمد) أحمد الحامدين لربّه عزّ و جلّ،و كذلك قال هو في المعنى، لأنّه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد لم تفتح على أحد قبله،فيحمد ربّه بها،و كذلك يعقد لواء الحمد.

و أمّا محمّد فمنقول من صفة أيضا،و هو في معنى محمود،و لكن فيه معنى المبالغة و التّكرار،فمحمّد هو الّذي حمد مرّة بعد مرّة،كما أنّ المكرّم من أكرم مرّة بعد مرّة،و كذلك الممدّح و نحو ذلك.فاسم محمّد مطابق لمعناه،و اللّه تعالى سمّاه به قبل أن يسمّي به نفسه،فهذا علم من أعلام نبوّته إذ كان اسمه صادقا عليه،فهو محمود في الدّنيا بما هدى إليه و نفع به من العلم و الحكمة،و هو محمود في الآخرة بالشّفاعة،فقد تكرّر معنى الحمد كما يقتضي اللّفظ.

ثمّ إنّه لم يكن محمّدا حتّى كان حمد ربّه فنبّأه و شرّفه، و لذلك تقدّم اسم أحمد على الاسم الّذي هو محمّد، فذكره عيسى عليه السّلام فقال: اِسْمُهُ أَحْمَدُ و ذكره موسى عليه السّلام حين قال له ربّه:تلك أمّة أحمد،فقال:اللّهمّ اجعلني من أمّة أحمد.فبأحمد ذكره قبل أن يذكره بمحمّد، لأنّ حمده لربّه كان قبل حمد النّاس،فلمّا وجد و بعث كان محمّدا بالفعل.و كذلك في الشّفاعة يحمد ربّه بالمحامد الّتي يفتحها عليه،فيكون أحمد النّاس لربّه ثمّ يشفع،فيحمد على شفاعته.

فانظر كيف كان ترتّب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذّكر،و في الوجود،و في الدّنيا،و في الآخرة تلح لك الحكمة الإلهيّة في تخصيصه بهذين الاسمين،و انظر كيف أنزلت عليه سورة الحمد و خصّ بها دون سائر الأنبياء، و خصّ بلواء الحمد،و خصّ بالمقام المحمود،و انظر كيف شرّع له سنّة و قرآنا أن يقول عند اختتام الأفعال و انقضاء الأمور:الحمد للّه ربّ العالمين.قال اللّه تعالى:

وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الزّمر:75،و قال أيضا: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ

ص: 778

رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10،تنبيها لنا على أنّ الحمد مشروع عند انقضاء الأمور.

و سنّ عليه السّلام الحمد بعد الأكل و الشّرب،و قال عند انقضاء السّفر:آئبون تائبون لربّنا حامدون،ثمّ انظر لكونه عليه السّلام خاتم الأنبياء،و مؤذنا بانفصال الرّسالة و انقطاع الوحي،و نذيرا بقرب السّاعة،و تمام الدّنيا،مع أنّ الحمد كما قدّمنا مقرون بانقضاء الأمور،مشروع، عندها تجد معاني اسمه جميعا،و ما خصّ به من الحمد و المحامد مشاكلا لمعناه،مطابقا لصفته،و في ذكره برهان عظيم،و علم واضح على نبوّته،و تخصيص اللّه له بكرامته،و أنّه قدّم له هذه المقامات قبل وجوده تكرمة له و تصديقا لأمره عليه السّلام،انتهى كلام السّهيليّ.

يقول الفقير:الّذي يلوح بالبال أنّ تقدّم الاسم أحمد على الاسم محمّد من حيث إنّه عليه السّلام كان إذ ذاك في عالم الأرواح،متميّزا عن الأحد بميم الإمكان،فدلّ قلّة حروف اسمه على تجرّده التّامّ الّذي يقتضيه موطن عالم الأرواح،ثمّ إنّه لمّا تشرّف بالظّهور في عالم العين الخارج، و خلع اللّه عليه من الحكمة خلعة أخرى زائدة على الخلع الّتي قبلها،ضوعف حروف اسمه الشّريف،فقيل:محمّد على ما يقتضيه موطن العين و نشأة الوجود الخارجيّ، و لا نهاية للأسرار و الحمد للّه تعالى.

قال حضرة الشّيخ الأكبر قدّس سرّه الأطهر في كتاب «مواقع النّجوم»:ما انتظم من الوجود شيء بشيء،و لا انضاف منه شيء إلى شيء،إلاّ لمناسبة بينهما ظاهرة أو باطنة،فالمناسبة موجودة في كلّ الأشياء حتّى بين الاسم و المسمّى.

و لقد أشار أبو يزيد السّهيليّ،و إن كان أجنبيّا عن أهل هذه الطّريقة إلى هذا المقام في كتاب«المعارف و الأعلام»له في اسم النّبيّ عليه السّلام محمّد و أحمد.و تكلّم على المناسبة الّتي بين أفعال النّبيّ عليه السّلام و أخلاقه،و بين معاني اسميه محمّد و أحمد.انتهى كلام الشّيخ.أشار رضي اللّه عنه إلى ما قدّمناه من كلام السّهيليّ.

و قال بعض العارفين:سمّي عليه السّلام بأحمد لكون حمده أتمّ،و اشتمل من حمد سائر الأنبياء و الرّسل؛إذ محامدهم للّه إنّما هي بمقتضى توحيد الصّفات و الأفعال،و حمده عليه السّلام إنّما هو بحسب توحيد الذّات المستوعب لتوحيد الصّفات و الأفعال،انتهى.

قال في«فتح الرّحمن»:لم يسمّ بأحمد أحد غيره، و لا دعي به مدعوّ قبله،و كذلك محمّد أيضا لم يسمّ به أحد من العرب،و لا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده عليه السّلام و ميلاده،أي من الكهّان و الأحبار أنّ نبيّا يبعث اسمه محمّد،فسمّى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو،و هم محمّد بن أحيحة بن الجلاح الأوسيّ،و محمّد بن مسلمة الأنصاريّ، و محمّد بن البراء البكريّ،و محمّد بن سفيان بن مجاشع، و محمّد بن حمدان الجعفيّ،و محمّد بن خزاعة السّلميّ،فهم ستّة لا سابع لهم،ثمّ حمى اللّه كلّ من تسمّى به أن يدّعي النّبوّة أو يدّعيها أحد له،أو يظهر عليه سبب يشكّك أحدا في أمره،حتّى تحقّقت السّمتان له عليه السّلام،و لم ينازع فيهما،انتهى.

ص: 779

و اختلف في عدد أسماء للنّبيّ عليه السّلام فقيل:له عليه السّلام ألف اسم،كما أنّ للّه تعالى ألف اسم،و ذلك فإنّه عليه السّلام مظهر تامّ له تعالى،فكما أنّ أسماءه تعالى أسماء له عليه السّلام من جهة الجمع،فله عليه السّلام أسماء أخر من جهة الفرق،على ما تقتضيه الحكمة في هذا الموطن.

فمن أسمائه محمّد،أي كثير الحمد،لأنّ أهل السّماء و الأرض حمدوه في الدّنيا و الآخرة.

و منها:أحمد،أي أعظم حمدا من غيره،لأنّه حمد اللّه تعالى بمحامد لم يحمد بها غيره.

و منها:المقفّي،بتشديد الفاء و كسره،لأنّه أتى عقيب الأنبياء و في قفاهم،و في«التّكملة»هو الّذي قفا على أثر الأنبياء أي اتّبع آثارهم.

و منها:نبيّ التّوبة،لأنّه كثير الاستغفار و الرّجوع إلى اللّه،أو لأنّ التّوبة في أمّته صارت أسهل،أ لا ترى أنّ توبة عبدة العجل كانت بقتل النّفس،أو لأنّ توبة أمّته كانت أبلغ من غيرهم حتّى يكون التّائب منهم كمن لا ذنب له،لا يؤاخذ به في الدّنيا و لا في الآخرة،و غيرهم يؤاخذ في الدّنيا لا في الآخرة.

و منها:نبي الرّحمة،لأنّه كان سبب الرّحمة و هو الوجود،لقوله تعالى[في حديث القدسيّ]:«لولاك لما خلقت الأفلاك».و في كتاب«البرهان»للكرمانيّ:

«لولاك يا محمّد لما خلقت الكائنات»خاطب اللّه النّبيّ عليه السّلام بهذا القول،انتهى.

قيل:الأولى أن يحترز عن القول بأنّه لو لا نبيّنا عليه السّلام لما خلق اللّه آدم،و إن كان هذا شيئا يذكره الوعّاظ على رءوس المنابر،يرون به تعظيم محمّد عليه السّلام،لأنّ النّبيّ عليه السّلام و إن كان عظيم المرتبة عند اللّه لكن لكلّ نبيّ من الأنبياء مرتبة و منزلة و خاصّيّة ليست لغيره،فيكون كلّ نبيّ أصلا لنفسه،كما في«التّاتارخانية».

كان عليه السّلام نبيّ الرّحمة،لأنّه هو الأمان الأعظم ما عاش و ما دامت سنّته باقية على وجه الزّمان،قال تعالى: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ الأنفال:33.

قال أمير المؤمنين عليّ رضى اللّه عنه:كان في الأرض أمانان:

فرفع أحدهما و بقي الآخر،فأمّا الّذي رفع فهو رسول اللّه عليه السّلام،و أمّا الّذي بقي فالاستغفار،و قرأ بعد هذه الآية.

و منها:نبيّ الملحمة،أي الحرب،لأنّه بعث بالقتال.

فإن قلت:المبعوث بالقتال كيف يكون رحمة؟

قلت:كان أمم الأنبياء يهلكون في الدّنيا إذا لم يؤمنوا بهم بعد المعجزات،و نبيّنا عليه السّلام بعث بالسّيف ليرتدعوا به عن الكفر و لا يستأصلوا،و في كونه عليه السّلام نبيّ الحرب رحمة.

و منها:الماحي،و هو الّذي محا اللّه به الكفر أو سيّئات من اتّبعه.

و منها:الحاشر،و هو الّذي يحشر النّاس على قدمه،أي على أثره،و يجوز أن يراد بقدمه:عهده و زمانه،فيكون المعنى أنّ النّاس يحشرون في عهده،أي في دعوته من غير أن تنسخ و لا تبدل.

و منها:العاقب،و هو الّذي ليس بعده نبيّ لا مشرعا و لا متابعا،أي قد عقب الأنبياء فانقطعت النّبوّة.

ص: 780

قال عليه السّلام:«يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»أي بالنّبوّة العرفيّة بخلاف النّبوّة التّحقيقيّة الّتي هي الإنباء عن اللّه،فإنّها باقية إلى يوم القيامة،إلاّ أنّه لا يجوز أن يطلق على أهلها النّبيّ،لإيهامه النّبوّة العرفيّة الحاصلة بمجيء الوحي بواسطة جبرائيل عليه السّلام.

و منها:الفاتح،فإنّ اللّه فتح به الإسلام.

و منها:الكافّ،قيل:معناه الّذي أرسل إلى النّاس كافّة.

و ليس هذا بصحيح،لأنّ كافّة لا يتصرّف منه فعل فيكون منه اسم فاعل،و إنّما معناه الّذي كفّ النّاس عن المعاصي كذا في«التّكملة».

هذا إذا كان«الكاف»مشدّدا،و أمّا إذا كان مخفّفا فيجوز أن يشار به إلى المعنى الأوّل.كما قال تعالى:

(يس)أي يا سيّد البشر.

و منها:صاحب السّاعة،لأنّه بعث مع السّاعة نذيرا للنّاس بين يدي عذاب شديد.

و منها:الرّءوف و الرّحيم،و الشّاهد و المبشّر، و السّراج المنير،و طه و يس،و المزّمّل و المدّثّر،و عبد اللّه و قثم،أي الجامع للخير.

و منها:(ن)إشارة إلى اسم النّور و النّاصر.

و منها:المتوكّل و المختار و المحمود و المصطفى،و إذا اشتقت أسماؤه من صفاته كثرت جدّا.

و منها:الخاتم بفتح التّاء،أي أحسن الأنبياء خلقا و خلقا،فكأنّه جمال الأنبياء كالخاتم الّذي يتجمّل به، أي لمّا أتقنت به النّبوّة و كملت كان كالخاتم الّذي يختم به الكتاب عند الفراغ منه،و أمّا الخاتم بكسر التّاء فمعناه أنّه آخر الأنبياء،فهو اسم فاعل من ختم.

و منها:راكب الجمل،سمّاه به شعيا النّبيّ عليه السّلام.فإن قلت:لم خصّ بركوب الجمل و قد كان يركب غيره كالفرس و الحمار؟

قلت:كان عليه السّلام من العرب لا من غيرهم،كما قال:

أحبّ العرب لثلاث،لأنّي عربيّ،و القرآن عربيّ، و لسان أهل الجنّة عربيّ،و الجمل مركب العرب مختصّ بهم،لا ينسب إلى غيرهم من الأمم،و لا يضاف لسواهم.

و منها:صاحب الهراوة،سمّاه به سطيح الكاهن.

و الهراوة بالكسر:العصا.

فإن قلت:لم خصّ بالعصا و قد كان غيره من الأنبياء يمسكها؟قلت:العصا كثيرا ما تستعمل في ضرب الإبل و تخصّ بذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:هي إشارة إلى قوله في الحديث في صفة الحوض أذود النّاس عنه بعصاي.

و منها:روح الحقّ سمّاه به عيسى عليه السّلام في الإنجيل، و سمّاه أيضا المنخنا بمعنى محمّد-أو المرسل بعد المسيح- و في«التّكملة»هو بالسّريانيّة.

و منها:حمياطي بالعبرانيّة و برقليطس بالرّوميّة بمعنى محمّد،و ماذماذ بمعنى طيب طيب،و فارقليطا مقصورا بمعنى أحمد،و روي فارقلبط بالباء،و قيل:معناه الّذي يفرق بين الحقّ و الباطل،و روي أنّ معناه بلغة

ص: 781

النّصارى ابن الحمد،فكأنّه محمّد و أحمد.

و روي أنّه عليه السّلام قال:«اسمي في التّوراة أحيد،لأنّي أحيد أمّتي عن النّار.و اسمي في الزّبور الماحي،محا اللّه بي عبدة الأوثان،و اسمي في الإنجيل أحمد،و في القرآن محمّد،لأنّي محمود في أهل السّماء و الأرض.

فإن قلت:قال رسول اللّه عليه السّلام:«لي خمسة أسماء، فذكر محمّدا و أحمد و الماحي و الحاشر و العاقب»و قد بلغت أكثر من ذلك؟

قلت:تخصيص الوارد لا ينافي ما سواه،فقد خصّ الخمسة إمّا لعلم السّامع بما سواها،فكأنّه قال:لي خمسة زائدة على ما تعلم،أو لفضل فيها،كأنّه قال:لي خمسة أسماء فاضلة معظّمة،أو لشهرتها كأنّه قال:لي خمسة أسماء مشهورة،أو لغير ذلك ممّا يحتمله اللّفظ من المعاني.و قيل:لأن الموحى إليه في ذلك الوقت كان هذه الأسماء،و قيل:كانت هذه الأسماء معروفة عند الأمم السّالفة،و مكتوبة في الكتب المتقدّمة،و فيه أنّ أسماءه الموجودة في الكتب المتقدّمة تزيد على الخمسة،كما في «التّكملة»لابن عسكر.(9:498)

الآلوسيّ: و هذا الاسم الجليل علم لنبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و عليه قول حسّان:صلّى الإله...

و هو منقول من المضارع للمتكلّم،أو من أفعل التّفضيل من الحامديّة،و جوّز أن يكون من المحموديّة بناء على أنّه قد سمع«أحمد»اسم تفضيل منها،نحو «العود أحمد»و إلاّ فأفعل من المبنيّ للمفعول ليس بقياسيّ.(28:86)

ابن عاشور:و لا يحمل قوله: اِسْمُهُ أَحْمَدُ على ما يتبادر من لفظ اسم،من أنّه العلم المجهول،للدّلالة على ذات معيّنة،لتميّزه من بين من لا يشاركها في ذلك الاسم،لأنّ هذا الحمل يمنع منه و أنّه ليس بمطابق للواقع،لأنّ الرّسول الموعود به لم يدعه النّاس أحمد،فلم يكن أحد يدعو النّبيّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم باسم أحمد،لا قبل نبوّته و لا بعدها،و لا يعرف ذلك.

و أمّا ما وقع في الموطّأ و الصّحيحين عن محمّد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«لي خمسة أسماء:أنا محمّد،و أنا أحمد،و أنا الماحي الّذي يمحو اللّه به الكفر،و أنا الحاشر الّذي يحشر النّاس على قدمي و أنا العاقب»فتأويله أنّه أطلق الأسماء على ما يشمل الاسم العلم و الصّفة الخاصّة به على طريقة التّغليب.و قد رويت له أسماء غيرها استقصاها أبو بكر ابن العربيّ في «العارضة و القبس».

فالّذي نوقن به أنّ محمل قوله: اِسْمُهُ أَحْمَدُ يجري على جميع ما تحمله جزء هذه الجملة من المعاني.[إلى أن قال:]

و نحن نجري على أصلنا في حمل ألفاظ القرآن على جميع المعاني الّتي يسمح بها الاستعمال الفصيح،كما في المقدّمة التّاسعة من مقدّمات هذا التّفسير،فنحمل الاسم في قوله: اِسْمُهُ أَحْمَدُ على ما يجمع بين هذه الاستعمالات الثّلاثة،أي مسمّاه أحمد،و ذكره أحمد، و علمه أحمد،و لنحمل لفظ أحمد على ما لا يأباه واحد من استعمالات اسم الثّلاثة إذا قرن به،و هو أنّ أحمد اسم

ص: 782

تفضيل يجوز أن يكون مسلوب المفاضلة معنيا به القوّة فيم هو مشتقّ منه،أي الحمد و هو الثّناء،فيكون أحمد هنا مستعملا في قوّة مفعوليّة الحمد،أي حمد النّاس إيّاه، و هذا مثل قولهم:«العود أحمد»،أي محمود كثيرا، فالوصف ب(أحمد)بالنّسبة للمعنى الأوّل في اسم أنّ مسمّى هذا الرّسول و نفسه موصوفة بأقوى ما يحمد عليه محمود،فيشمل ذلك جميع صفات الكمال النّفسانيّة و الخلقيّة و الخلقيّة و النّسبيّة و القوميّة،و غير ذلك ممّا هو معدود من الكمالات الذّاتيّة و الغرضيّة.

و يصحّ اعتبار(احمد)تفضيلا حقيقيّا في كلام عيسى عليه السّلام،أي مسمّاه أحمد منّي،أي افضل،أي في رسالته و شريعته.و عبارات الإنجيل تشعر بهذا التّفضيل،ففي إنجيل يوحنّا في الإصحاح الرّابع عشر:

«و أنا أطلب من الأب-أي من ربّنا-فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد روح الحقّ الّذي لا يستطيع العالم أن يقبله،لأنّه لا يراه و لا يعرفه.ثمّ قال:و أمّا الفارقليط الرّوح القدس الّذي سيرسله الأب اللّه باسمي فهو يعلّمكم كلّ شيء و يذكّركم بكلّ ما قلته لكم»،أي في جملة ما يعلّمكم أن يذكّركم بكلّ ما قلته لكم.و هذا يفيد تفضيله على عيسى بفضيلة دوام شريعة،المعبّر عنها بقول الإنجيل:«ليثبت معكم إلى الأبد»و بفضيلة عموم شرعه للأحكام،المعبّر عنه بقوله:«يعلّمكم كلّ شيء».

و الوصف ب(احمد)على المعنى الثّاني في الاسم.أنّ سمعته و ذكره في جيله،و الأجيال بعده موصوف بأنّه أشدّ ذكر محمود و سمعة محمودة.

و هذا معنى قوله في الحديث:«أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة»و أنّ اللّه يبعثه مقاما محمودا.

و وصف(احمد)بالنّسبة إلى المعنى الثّالث في الاسم رمز إلى أنّه اسمه العلم يكون بمعنى:أحمد،فإنّ لفظ محمّد اسم مفعول من حمّد المضاعف الدّالّ على كثرة حمد الحامدين إيّاه،كما قالوا:فلان ممدّح،إذا تكرّر مدحه من مادحين كثيرين.

فاسم محمّد يفيد معنى:المحمود حمدا كثيرا،و رمز إليه بأحمد.

و هذه الكلمة الجامعة الّتي أوحى اللّه بها إلى عيسى عليه السّلام،أراد اللّه بها أن تكون شعارا لجماع صفات الرّسول الموعود به صلّى اللّه عليه و سلّم،صيغت بأقصى صيغة تدلّ على ذلك إجمالا بحسب ما تسمح اللّغة بجمعه من معاني.

و وكّل تفصيلها إلى ما يظهر من شمائله قبل بعثته و بعدها، ليتوسّمها المتوسّمون،و يتدبّر مطاويها الرّاسخون عند المشاهدة و التّجربة.

جاء في إنجيل متّى في الإصحاح الرّابع و العشرين قول عيسى:«و يقوم أنبياء كذبة كثيرون و يضلّون كثيرا،و لكن الّذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص و يكرز ببشارة الملكوت هذه في كلّ المسكونة،شهادة لجميع الأمم،ثمّ يكون المنتهى»،و معنى«يكرز»يدعو و ينبئ، و معنى«يصير إلى المنتهى»يتأخّر إلى قرب السّاعة.

و في إنجيل يوحنّا في الإصحاح الرّابع عشر:«إن كنتم تحبّونني فاحفظوا وصاياي و أنا أطلب من الأب

ص: 783

فيعطيكم فارقليط آخر يثبت معكم إلى الأبد».

و فارقليط كلمة روميّة،أي بوانية تطلق بمعنى المدافع أو المسلّي،أي الّذي يأتي بما يدفع الأحزان و المصائب،أي يأتي رحمة،أي رسول مبشّر،و كلمة«آخر»صريحة في أنّه رسول مثل عيسى.

و في الإصحاح الرّابع عشر:«و الكلام الّذي تسمعونه ليس لي بل الّذي أرسلني.و بهذا كلّمتكم و أنا عندكم،أي مدّة وجودي بينكم،و أمّا الفارقليط الرّوح القدسيّ الّذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلّمكم كلّ شيء و يذكّركم بكلّ ما قلته»و معنى«باسمي»أي بصفة الرّسالة،لا أتكلّم معكم كثيرا،لأنّ رئيس هذا العالم يأتي و ليس له فيّ شيء،و لكن ليفهم العالم أنّي أحبّ الأب، و كما أوصاني الأب أفعل.

و في الإصحاح الخامس عشر منه:«و متى جاء الفارقليط الّذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحقّ الّذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي».

و في هذه الأخبار إثبات أنّ هذا الرّسول المبشّر به تعمّ رسالته جميع الأمم في جميع الأرض،و أنّه الخاتم، و أنّ لشريعته ملكا لقول إنجيل متّى«هو يكرز ببشارة الملكوت»و الملكوت هو الملك،و أنّ تعاليمه تتعلّق بجميع الأشياء العارضة للنّاس،أي شريعته تتعلّق أحكامها بجميع الأحوال البشريّة،و جميعها ممّا تشمله الكلمة الّتي جاءت على لسان عيسى عليه السّلام،و هي كلمة اِسْمُهُ أَحْمَدُ فكانت من الرّموز الإلهيّة،و لكونها مرادة لذلك، ذكرها اللّه تعالى في القرآن تذكيرا و إعلانا.

و ذكر القرآن تبشير عيسى بمحمّد عليهما الصّلاة و السّلام إدماج في خلال المقصود الّذي هو تنظير ما أوذي به موسى من قومه،و ما أوذي به عيسى من قومه،إدماجا يؤيّد به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و يثبّت فؤاده و يزيده تسلية.و فيها تخلّص إلى أنّ ما لقيه من قومه نظير ما لقيه عيسى من بني إسرائيل.(28:163)

مغنيّة:يعني محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و في آية ثانية: اَلنَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ الأعراف:157،و في ثالثة: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ البقرة:146.

أعلن القرآن و أصرّ على أنّ التّوراة الّتي أنزلت على موسى،و الإنجيل الّذي أنزل على عيسى،قد بشّرا بنبوّة محمّد،و جابه بهذه الحقيقة علماء اليهود و النّصارى و تحدّاهم أن يكذّبوا،و ما ذكر التّاريخ أنّ أحدا منهم كذّب و أنكر،بل أثبت أنّ المنصفين منهم اعترفوا و أسلموا كعبد اللّه بن سلاّم و غيره مع العلم أنّهم كانوا ينصبون العداء لرسول اللّه،و يبحثون جاهدين عن زلّة يدينونه بها.

(7:314)

الطّباطبائيّ: و قوله: اِسْمُهُ أَحْمَدُ دلالة السّياق على تعبير عيسى عليه السّلام عنه صلّى اللّه عليه و آله بأحمد،و على كونه اسما له يعرف به عند النّاس،كما كان يسمّى بمحمّد ظاهرة لا سترة عليها.

و يدلّ عليه قول حسّان:*صلّى الإله...*

و من أشعار أبي طالب قوله:

ص: 784

و قالوا لأحمد أنت امرؤ

خلوف اللّسان ضعيف السّبب

ألا إنّ أحمد قد جاءهم

بحقّ و لم يأتهم بالكذب

و قوله مخاطبا للعبّاس و حمزة و جعفر و عليّ يوصيهم بنصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

كونوا فدى لكم أمّي و ما ولدت

في نصر أحمد دون النّاس أتراسا

و من شعره فيه صلّى اللّه عليه و آله و قد سمّاه باسمه الآخر محمّد:

أ لم تعلموا أنّا وجدنا محمّدا

نبيّا كموسى خطّ في أوّل الكتب

و يستفاد من البيت أنّهم عثروا على وجود البشارة به صلّى اللّه عليه و آله في الكتب السّماويّة الّتي كانت عند أهل الكتاب يومئذ ذاك.

و يؤيّده أيضا إيمان جماعة من أهل الكتاب من اليهود و النّصارى،و فيهم قوم من علمائهم كعبد اللّه ابن سلاّم و غيره،و قد كانوا يسمعون هذه الآيات القرآنيّة الّتي تذكر البشارة به صلّى اللّه عليه و آله،و ذكره في التّوراة و الإنجيل، فتلقّوه بالقبول و لم يكذبوه،و لا أظهروا فيه شيئا من الشّكّ و التّرديد.

و أمّا خلوّ الأناجيل الدّائرة اليوم عن بشارة عيسى بما فيها من الصّراحة فالقرآن-و هو آية معجزة باقية- في غنى عن تصديقها.(19:253)

مكارم الشّيرازيّ: ممّا لا شكّ فيه أنّ التّوراة و الإنجيل اللّذين بأيدي اليهود و النّصارى ليسا من الكتب السّماويّة الّتي نزّلت على الرّسولين الإلهيّين العظيمين موسى و عيسى عليهما السّلام،إذ أنّها كتب ألّفها و جمعها قسم من أصحابهم،أو من أتى بعدهم.

إنّ مطالعة إجماليّة لها تكشف هذه الحقيقة بوضوح، كما أنّ اليهود و المسيحيّين لا ينكرون ذلك،و ممّا لا شكّ فيه أنّ قسما من تعاليم موسى و عيسى عليهما السّلام قد ثبتت في هذه الكتب من خلال أقوال أتباعهم و حواريّيهم، و لذا فلا يمكن اعتبار كلّ ما ورد في العهد القديم،التّوراة و الكتب الأخرى المتعلّقة به،و كذلك العهد الجديد، الإنجيل و ما يرتبط به،مقبولا و صحيحا،كما لا يمكن رفض و إنكار جميع ما ورد فيها أيضا.

و الموقف المناسب ممّا ورد فيهما،هو اعتبار ما جاء فيها من التّعاليم،خليطا من تعاليم النّبيّين،موسى و عيسى عليهما السّلام،و أفكار أتباعهما الآخرين.

و على كلّ حال،فإنّنا نلاحظ تعبيرات عديدة فيها حول البشارة بظهور رجل عظيم لا تنطبق أوصافه و علاماته إلاّ على نبيّ الإسلام الكريم.

و ممّا هو جدير بالذّكر بالإضافة إلى ما تقدّم من وجود النّبوءات الّتي وردت في هذه الكتب و الّتي تنطبق على شخص الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله،فقد وردت في إنجيل،يوحنّا،كلمة«فارقليط»ثلاث مرّات،و حينما ترجمت كانت بمعنى المعزّي.لنقرأ النّصّ في إنجيل يوحنّا:

«و أنا أطلب من الأب فيعطيكم معزّيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد».

و جاء في الباب الّذي بعده:«و متى جاء المعزّي

ص: 785

الّذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحقّ الّذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي».

و جاء في الباب الّذي يليه ما نصّه:«لكنّي أقول لكم الحقّ أنّه خير لكم أن أنطلق،لأنّه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي،و لكن إن ذهبت أرسله إليكم».

و الجدير بالذّكر،أنّ في المتن السّريانيّ للأناجيل المأخوذة من الأصل اليونانيّ،جاء بدل المسلّي پارقليطا.

أمّا في المتن اليونانيّ،فلقد جاء پيركلتوس،و هو بمعنى الشّخص الممتدح من منظور الثّقافة اليونانيّة،و تعادل محمّد،أحمد.

لقد شعر أسياد المعابد و الكنيسة،أنّ انتشار هذه اللّفظة يوجّه ضربة قاصمة و شديدة إلى كيانهم و مؤسّساتهم،لذا،فقد كتبوا پاراكلتوس بدل پيركلتوس و الّتي هي بمعنى المسلّي.و مع هذا التّحريف الواضح الّذي غيّروا فيه هذا النّصّ الحيّ،إلاّ أنّهم لم يستطيعوا إلغاء البشارة الصّريحة بظهور نبيّ عظيم في المستقبل.

و قد ذكرنا في تفسيرنا هذا،شهادة حيّة لأحد القساوسة المعروفين،و الّذي أسلم بعد مدّة،و قد أكّد بأنّ هذه البشائر كانت حول شخص باسم أحمد و محمّد.

و هنا يجدر الانتباه إلى نصّ ما ورد في هذا الصّدد،في دائرة المعارف الفرنسيّة المترجمة حيث يقول:

محمّد مؤسّس دين الإسلام و رسول اللّه و خاتم الأنبياء،إنّ معنى كلمة«محمّد»تعني المحمود كثيرا،و هي مشتقّة من الحمد و الّتي هي بمعنى التّجليل و التّمجيد، و تشاء الصّدفة العجيبة أن يذكر له اسم آخر من نفس الأصل الحمد ترادف لفظ محمّد يعني أحمد،و يحتمل احتمالا قويّا أنّ مسيحيّي الحجاز كانوا يطلقون لفظ أحمد بدلا عن فارقليطا.

و أحمد يعني:الممدوح و المجلّل كثيرا،و هو ترجمة لفظ:پيركلتوس و الّذي وضع بديلا عنه لفظ پاراكلتوس اشتباها،و لهذا،فإنّ الكتّاب المسلمين الملتزمين قد أشاروا مرارا إلى أنّ المراد من هذا اللّفظ هو البشارة بظهور نبيّ الإسلام،و قد أشار القرآن الكريم- أيضا-بوضوح،إلى هذا الموضوع في سورة الصّفّ الآية:

6.

و خلاصة الحديث أنّ المقصود ب«فارقليطا»ليس روح القدس أو المسلّي،بل هو معادل لمفهوم أحمد،لذا يرجى الانتباه إلى ذلك.

3-هل أنّ اسم رسول الإسلام كان أحمد؟

إنّ الاسم المعروف للرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله هو محمّد، و السّؤال الّذي يطرح هنا،أنّ الآيات مورد البحث قد ذكرته باسم أحمد.فكيف يمكن التّوفيق بين هذين الاسمين؟

و للإجابة على هذا السّؤال يجدر الالتفات إلى النّقاط التّالية:

أ-جاء في كتب التّأريخ أنّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اسمين منذ الطّفولة،حتّى أنّ النّاس كانوا يخاطبونه بهما، أحدهما:حمد،و الآخر:محمّد،الأوّل اختاره له جدّه عبد المطّلب،و الآخر اختارته أمّه آمنة.

و قد ذكر هذا الأمر بصورة تفصيليّة في سيرة الحلبيّ.

ص: 786

ب-و المعروف أنّ من جملة الأشخاص الّذين كانوا ينادون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله باسم أحمد هو عمّه أبو طالب؛ حيث نجد في كتاب ديوان أبي طالب أشعارا كثيرة،يذكر فيها الرّسول الكريم صلّى اللّه عليه و آله بهذا الاسم،كما في الأبيات التّالية:

أرادوا بقتل أحمد ظالموهم

و ليس بقتله فيهم زعيم

و قال:

و إن كان أحمد قد جاءهم

بحقّ و لم يأتهم بالكذب

و لأبي طالب شعر آخر في مدح رسول اللّه،نقله ابن عساكر في تاريخه:

لقد أكرم اللّه النّبيّ محمّدا

فأكرم خلق اللّه في النّاس أحمد

ج-كما يلاحظ هذا التّعبير في شعر حسّان بن ثابت، الشّاعر المعروف في عصر الرّسول صلّى اللّه عليه و آله كقوله:

مفجعة قد شفها فقد أحمد

فظلّت لآلاء الرّسول تعدّد

إنّ الشّعر الّذي ورد فيه ذكر اسم أحمد بدلا عن محمّد كثير،و لا يوجد مجال لنقله جميعا،لذا،فإنّنا سننهي بحثنا بما ورد من شعر عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

أ تأمرني بالصّبر في نصر أحمد

و و اللّه ما قلت الّذي قلت جازعا

سأسعى لوجه اللّه في نصر أحمد

نبيّ الهدى المحمود طفلا و يافعا

د-إنّ المتتبّع للرّوايات الّتي جاءت حول معراج الرّسول صلّى اللّه عليه و آله كثيرا ما يلاحظ،أنّ اللّه سبحانه قد خاطب رسول الإسلام صلّى اللّه عليه و آله في تلك اللّيلة الكريمة ب«أحمد»، و من هنا يمكن القول أنّه صلّى اللّه عليه و آله قد اشتهر في السّماء ب«أحمد»،و في الأرض ب«محمّد».

و جاء في حديث عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام في هذا الشّأن:و كانت لرسول اللّه عشرة أسماء،خمسة منها وردت في القرآن الكريم:محمّد،و أحمد و عبد اللّه و يس و ن.

ه-عدم اعتراض أهل الكتاب-و خاصّة النّصارى منهم-على النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله من هذه النّاحية،حيث لم يقولوا له:بعد سماع المشركين و سماعهم آيات سورة الصّفّ.

إنّ الإنجيل قد بشّر بمجيء أحمد،و أنت اسمك محمّد.

إنّ عدم الاعتراض هذا دليل على شهرة هذا الاسم بينهم،و لو وجد مثل هذا الاعتراض لنقل لنا،خاصّة أنّ مختلف الاعتراضات قد دوّنت في كتب التّأريخ حتّى الأساسيّة و الحسّاسة منها.

لذا،فإنّنا نستنتج عن مجموع ما تقدّم في هذا البحث،أنّ اسم«أحمد»كان أحد الأسماء المعروفة لرسول الإسلام صلّى اللّه عليه و آله.(18:269)

الحمد
اشارة

1- اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. فاتحة الكتاب:1

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّ اللّه تعالى منّ عليّ بفاتحة الكتاب

ص: 787

إلى قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ دعوى أهل الجنّة حين شكروا اللّه حسن الثّواب.(العروسيّ 1:15)

إذا قلت: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فقد شكرت اللّه،فزادك.(الطّبريّ 1:60)

ليس شيء أحبّ إليه الحمد من اللّه تعالى،و لذلك أثنى على نفسه،فقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ. (الطّبريّ 1:60)

كعب الأحبار: اَلْحَمْدُ لِلّهِ ثناء على اللّه.

مثله ابن كعب القرظيّ.(الطّبريّ 1:60)

الإمام عليّ عليه السّلام:من قال إذا عطس:الحمد للّه ربّ العالمين على كلّ حال،لم يجد وجع الأذنين و الأضراس.(العروسيّ 1:16)

اَلْحَمْدُ لِلّهِ هو أن عرّف عباده بعض نعمه عليهم جملا؛إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتّفصيل،لأنّها أكثر من أن تحصى أو تعرف،فقال لهم:قولوا:الحمد للّه.

على ما أنعم به علينا ربّ العالمين،و هم الجماعات من كلّ مخلوق من الجمادات و الحيوانات.فأمّا الحيوانات:فهو يقلّبها في قدرته و يغذوها من رزقه،و يحوطها بكنفه، و يدبّر كلاّ منها بمصلحته،و أمّا الجمادات،فهو يمسكها بقدرته،و يمسك المتّصل منها أن يتهافت،و يمسك المتهافت منها أن يتلاصق،و يمسك السّماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه،و يمسك الأرض أن تنخسف إلاّ بأمره، إنّه بعباده رءوف رحيم.

[قال عليه السّلام:]و رَبِّ الْعالَمِينَ مالكهم و خالقهم و سائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون و من حيث لا يعلمون،فالرّزق مقسوم،و هو يأتي ابن آدم على أيّ سيرة سارها من الدّنيا؛ليس تقوى متّق بزائده،و لا فجور فاجر بناقصه،و بينه و بينه ستر و هو طالبه،فلو أنّ أحدكم يفرّ من رزقه لطلبه رزقه كما يطلبه الموت،فقال اللّه جلّ جلاله:قولوا:الحمد للّه على ما أنعم به علينا، و ذكرنا به من خير في كتب الأوّلين قبل أن تكون،ففي هذا إيجاب على محمّد و آل محمّد صلوات اللّه عليهم، و على شيعتهم أن يشكروه بما فضّلهم.

[و هذا تأويل من باب تطبيق الآية على أبرز مصاديقها،و ليس المراد أنّها خاصّة بمحمّد و آله.و له نظائر،كثيرة في الرّوايات التّأويليّة]

(العروسيّ 1:17)

ابن عبّاس: يقول:الشّكر للّه،و هو أن صنع إلى خلقه فحمدوه.(2)

قال جبريل لمحمّد:قل يا محمّد: اَلْحَمْدُ لِلّهِ.

(الطّبريّ 1:60)

اَلْحَمْدُ لِلّهِ: هو الشّكر،و الاستخذاء للّه، و الإقرار بنعمته،و هدايته،و ابتدائه،و غير ذلك.

(الطّبريّ 1:60)

الإمام السّجّاد عليه السّلام:و من قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ فقد أدّى شكر كلّ نعمة اللّه تعالى.(العروسيّ 1:15)

الإمام الصّادق عليه السّلام:ما أنعم اللّه على عبد بنعمة صغرت أو كبرت،فقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ، إلاّ أدّى شكرها.من قال أربع مرّات إذا أصبح: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فقد أدّى شكر يومه،و من قالها إذا أمسى:

فقد أدّى شكر ليلته.(العروسيّ 1:15)

ص: 788

الإمام الرّضا عليه السّلام:و اَلْحَمْدُ لِلّهِ إنّما هو أداء لما أوجب اللّه عزّ و جلّ على خلقه من الشّكر،و شكر لما وفّق عبده من الخير.(العروسيّ 1:15)

الفرّاء: اجتمع القرّاء على رفع(الحمد).و أمّا أهل البدو فمنهم من يقول:(الحمد للّه).و منهم من يقول:(الحمد للّه).و منهم من يقول:(الحمد للّه)فيرفع الدّال و اللاّم.

فأمّا من نصب فإنّه يقول:(الحمد)ليس باسم إنّما هو مصدر؛يجوز لقائله أن يقول:أحمد اللّه،فإذا صلح مكان المصدر«فعل أو يفعل»جاز فيه النّصب؛من ذلك قول اللّه تبارك و تعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ محمّد:4،يصلح مكانها في مثله من الكلام أن يقول:فاضربوا الرّقاب.و من ذلك قوله: مَعاذَ اللّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ يوسف:78،يصلح أن تقول في مثله من الكلام:نعوذ باللّه.و منه قول العرب:

«سقيا لك»،و«رعيا لك»؛يجوز مكانه:سقاك اللّه، و رعاك اللّه.

و أمّا من خفض الدّال من اَلْحَمْدُ فإنّه قال:هذه كلمة كثرت على ألسن العرب حتّى صارت كالاسم الواحد؛فثقل عليهم أن يجتمع في اسم واحد من كلامهم ضمّة بعدها كسرة،أو كسرة بعدها ضمّة،و وجدوا الكسرتين قد تجتمعان في الاسم الواحد مثل«إبل»؛ فكسروا الدّال ليكون على المثال من أسمائهم.

و أمّا الّذين رفعوا اللاّم فإنّهم أرادوا المثال الأكثر من أسماء العرب،الّذي يجتمع فيه الضّمّتان مثل:الحلم و العقب.

و لا تنكرنّ أن تجعل الكلمتان كالواحدة،إذا كثر بهما الكلام.و من ذلك قول العرب:«بأبا»إنّما هو«بأبي» الياء من المتكلّم ليست من الأب،فلمّا كثر بهما الكلام توهّموا أنّهما حرف واحد،فصيّروها ألفا،ليكون على مثال،حبلى و سكرى،و ما أشبهه من كلام العرب.

(1:3)

الأخفش: و أمّا قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ فرفعه على الابتداء.و ذلك أنّ كلّ اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلا من بعده فهو مرفوع،و خبره إن كان هو هو فهو أيضا مرفوع،نحو قوله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ الفتح:29، و ما أشبه ذلك.و هذه الجملة تأتي على جميع ما في القرآن من المبتدإ فافهمها.فإنّما رفع المبتدأ ابتداؤك إيّاه، و الابتداء هو الّذي رفع الخبر في قول بعضهم،و كما كانت «أنّ»تنصب الاسم و ترفع الخبر،فكذلك رفع الابتداء الاسم و الخبر.و قال بعضهم:رفع المبتدأ خبره و كلّ حسن،و الأوّل أقيس.

و بعض العرب يقول:(الحمد للّه)فينصب على المصدر،و ذلك أنّ أصل الكلام عنده على قوله:حمدا للّه يجعله بدلا من اللّفظ بالفعل،كأنّه جعله مكان أحمد، و نصبه على أحمد،حتّى كأنّه قال:أحمد حمدا،ثمّ أدخل الألف و اللاّم على هذه.

و قد قال بعض العرب:(الحمد للّه)فكسره، و ذلك أنّه جعله بمنزلة الأسماء الّتي ليست بمتمكّنة، و ذلك أنّ الأسماء الّتي ليست بمتمكّنة تحرّك أواخرها

ص: 789

حركة واحدة لا تزول علّتها،نحو«حيث»جعلها بعض العرب مضمومة على كلّ حال،و بعضهم يقول:

«حوث»و«حيث»ضمّ و فتح.و نحو«قبل»و«بعد» جعلتا مضمومتين على كلّ حال.[و قد أطال هذا البحث فلاحظ:«ق ب ل»](1:155)

الطّبريّ: معنى اَلْحَمْدُ لِلّهِ الشّكر خالصا للّه جلّ ثناؤه،دون سائر ما يعبد من دونه و دون كلّ ما برأ من خلقه،بما أنعم على عباده من النّعم الّتي لا يحصيها العدد، و لا يحيط بعددها غيره أحد،في تصحيح الآلات لطاعته،و تمكين جوارح أجسام المكلّفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرّزق،و غذاهم به من نعيم العيش،من غير استحقاق منهم لذلك عليه،و مع ما نبّههم عليه،و دعاهم إليه من الأسباب المؤدّية إلى دوام الخلود،في دار المقام في النّعيم المقيم،فلربّنا الحمد على ذلك كلّه أوّلا و آخرا.

و لا تمانع بين أهل المعرفة بلغات العرب من الحكم، لقول القائل:(الحمد للّه)شكرا بالصّحّة،فقد تبيّن؛إذ كان ذلك عند جميعهم صحيحا أنّ الحمد للّه قد ينطق به في موضع الشّكر،و أنّ الشّكر قد يوضع موضع الحمد،لأنّ ذلك لو لم يكن كذلك،لما جاز أن يقال:«الحمد للّه شكرا»،فيخرج من قول القائل: اَلْحَمْدُ لِلّهِ مصدر «أشكر»،لأنّ الشّكر لو لم يكن بمعنى الحمد،كان خطأ أن يصدر من الحمد غير معناه و غير لفظه.

فإن قال لنا قائل:و ما وجه إدخال الألف و اللاّم في الحمد؟و هلاّ قيل:حمدا للّه ربّ العالمين؟

قيل:إنّ لدخول الألف و اللاّم في الحمد معنى لا يؤدّيه قول القائل:«حمدا»،بإسقاط الألف و اللاّم، و ذلك أنّ دخولهما في الحمد منبئ على أنّ معناه جميع المحامد،و الشّكر الكامل للّه.و لو أسقطتا منه،لما دلّ إلاّ على أنّ حمد قائل ذلك للّه،دون المحامد كلّها،إذ كان معنى قول القائل:«حمدا للّه»أو«حمد اللّه»:أحمد اللّه حمدا، و ليس التّأويل في قول القائل: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ تاليا سورة أمّ القرآن أحمد اللّه،بل التّأويل في ذلك ما وصفنا قبل،من أنّ جميع المحامد للّه بألوهيّته و إنعامه على خلقه،بما أنعم به عليهم من النّعم،الّتي لا كفاء لها في الدّين و الدّنيا،و العاجل و الآجل.

و لذلك من المعنى،تتابعت قراءة القرّاء،و علماء الأمّة،على رفع(الحمد)من اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ دون نصبها،الّذي يؤدّي إلى الدّلالة على أنّ معنى تاليه كذلك،أحمد للّه حمدا،و لو قرأ قارئ ذلك بالنّصب،لكان عندي محيلا معناه،و مستحقّا العقوبة على قراءته إيّاه كذلك،إذا تعمّد قراءته كذلك،و هو عالم بخطئه و فساد تأويله.

فإن قال لنا قائل:و ما معنى قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ:

أحمد اللّه نفسه جلّ ثناؤه فأثنى عليها،ثمّ علّمناه لنقول ذلك.كما قال و وصف به نفسه؟فإن كان ذلك كذلك،فما وجه قوله تعالى ذكره إذا: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ؟ و هو عزّ ذكره معبود لا عابد؟أم ذلك من قيل:جبريل،أو محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؟فقد بطل أن يكون ذلك للّه كلاما.

ص: 790

قيل:بل ذلك كلّه كلام اللّه جلّ ثناؤه،و لكنّه جلّ ذكره،حمد نفسه و أثنى عليها،بما هو له أهل،ثمّ علّم ذلك عباده،و فرض عليهم تلاوته،اختبارا منه لهم و ابتلاء،فقال لهم:قولوا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و قولوا: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ؛ فقوله: إِيّاكَ نَعْبُدُ، ممّا علّمهم جلّ ذكره،أن يقولوه و يدينوا له بمعناه،و ذلك موصول بقوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و كأنّه قال:قولوا:هذا و هذا.

فإن قال:و أين قوله:«قولوا»فيكون تأويل ذلك ما ادّعيت؟

قيل:قد دلّلنا فيما مضى أنّ العرب من شأنها،إذا عرفت مكان الكلمة،و لم تشكّ أنّ سامعها يعرف بما أظهرت من منطقها ما حذفت،حذف ما كفى منه الظّاهر من منطقها،و لا سيّما إن كانت تلك الكلمة الّتي حذفت قولا أو تأويل قول.[ثمّ استشهد بشعر]

فكذلك ما حذف من قول اللّه تعالى ذكره اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. لمّا علم بقوله جلّ و عزّ: إِيّاكَ نَعْبُدُ ما أراد بقوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ من معنى أمره عباده،أغنت دلالة ما ظهر عليه من القول عن إبداء ما حذف.

و قد روينا الخبر الّذي قدّمنا ذكره مبتدأ في تأويل قول اللّه: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ عن ابن عبّاس،و أنّه كان يقول:إنّ جبريل قال لمحمّد:قل يا محمّد: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، و بيّنّا أنّ جبريل إنّما علّم محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم ما أمر بتعليمه إيّاه،و هذا الخبر ينبئ عن صحّة ما قلنا في تأويل ذلك.(1:59)

الزّجّاج: معنى الحمد:الشّكر و الثّناء على اللّه تعالى.

(الحمد)رفع بالابتداء،و قوله:(للّه)إخبار عن الحمد،و الاختيار في الكلام الرّفع،فأمّا القرآن فلا يقرأ فيه(الحمد)إلاّ بالرّفع،لأنّ السّنّة تتّبع في القرآن،و لا يلتفت فيه إلى غير الرّواية الصّحيحة الّتي قد قرأ بها القرّاء المشهورون بالضّبط و الثّقة،و الرّفع القراءة، و يجوز في الكلام أن تقول:(الحمد)تريد أحمد اللّه الحمد فاستغنيت عن ذكر«أحمد»لأنّ حال الحمد يجب أن يكون عليها الخلق،إلاّ أنّ الرّفع أحسن و أبلغ في الثّناء على اللّه عزّ و جلّ.

و قد روي عن قوم من العرب:(الحمد للّه)و(الحمد للّه)،و هذه لغة من لا يلتفت إليه و لا يتشاغل بالرّواية عنه.

و إنّما تشاغلنا نحن برواية هذا الحرف لنحذّر النّاس من أن يستعملوه،أو يظنّ جاهل أنّه يجوز في كتاب اللّه عزّ و جلّ،أو في كلام،و لم يأت لهذا نظير في كلام العرب و لا وجه له.(1:46)

الطّوسيّ: أجمع القرّاء على ضمّ الدّال من (الحمد)و كسر اللاّم الأولى من(للّه)و كان يجوز أن يفتح الدّال مع كسر اللاّم،و يكسر الدّال و اللاّم،لكن لم يقرأ به إلاّ أهل البوادي.و من نصب فعلى المصدر،و من كسرهما اتّبع كسرة الدّال كسرة اللاّم،و من ضمّهما اتّبع ضمّ الدّال بضمّة اللاّم.[إلى أن قال:]

ص: 791

و معنى اَلْحَمْدُ لِلّهِ الشّكر للّه خالصا دون سائر ما يعبد بما أنعم على عباده من ضروب النّعم الدّينيّة و الدّنياويّة،و قال بعضهم: اَلْحَمْدُ لِلّهِ ثناء عليه بأسمائه و صفاته،و قوله:«الشّكر للّه»ثناء على نعمه و أياديه،و الأوّل أصحّ في اللّغة،لأنّ الحمد و الشّكر يوضع كلّ واحد منهما موضع صاحبه.و يقال أيضا:

الحمد للّه شكرا،فنصب شكرا على المصدر،و لو لم يكن في معناه لما نصبه،و دخول الألف و اللاّم فيه لفائدة الاستيعاب،فكأنّه قال:جميع الحمد للّه،لأنّ التّالي مخبر بذلك،و لو نصبه فقال:«حمدا للّه»أفاد أنّ القائل هو الحامد فحسب،و ليس ذلك المراد،و لذلك اجتمعت القرّاء على ضمّ الدّال على ما بيّنّاه،و التّقدير:قولوا الحمد للّه.

و إذا كان الحمد هو الشّكر،و الشّكر هو الاعتراف بالنّعمة على ضرب من التّعظيم،فالمدح ليس من الشّكر في شيء،و إنّما هو القول المنبئ عن عظم حال الممدوح مع القصد إليه.(1:30)

البغويّ: اَلْحَمْدُ لِلّهِ لفظه خبر،كأنّه يخبر أنّ المستحقّ للحمد هو اللّه عزّ و جلّ،و فيه تعليم الخلق، تقديره:قولوا الحمد للّه،و الحمد يكون بمعنى الشّكر على النّعمة،و يكون بمعنى الثّناء عليه بما فيه من الخصال الحميدة،يقال:حمدت فلانا على ما أسدى إليّ من نعمة، و حمدته على علمه و شجاعته،و الشّكر لا يكون إلاّ على النّعمة،و الحمد أعمّ من الشّكر؛إذ لا يقال:شكرت فلانا على علمه،فكلّ حامد شاكر،و ليس كلّ شاكر حامدا.

و قيل:الحمد باللّسان قولا،و الشّكر بالأركان فعلا، قال اللّه تعالى: وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الإسراء:111،و قال: اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً سبأ:

13،يعني:اعملوا الأعمال لأجل الشّكر ف(شكرا) مفعولا له و انتصب ب(اعملوا).(1:73)

الزّمخشريّ: الحمد و المدح أخوان،و هو الثّناء و النّداء على الجميل من نعمة و غيرها،تقول:حمدت الرّجل على إنعامه،و حمدته على حسبه و شجاعته،و أمّا الشّكر فعلى النّعمة خاصّة،و هو بالقلب و اللّسان و الجوارح.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحمد:باللّسان وحده،فهو إحدى شعب الشّكر، و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«الحمد رأس الشّكر، ما شكر اللّه عبد لم يحمده»،و إنّما جعله رأس الشّكر،لأنّ ذكر النّعمة باللّسان و الثّناء على موليها أشيع لها و أدلّ على مكانها من الاعتقاد و آداب الجوارح،لخفاء عمل القلب و ما في عمل الجوارح من الاحتمال،بخلاف عمل اللّسان،و هو النّطق الّذي يفصح عن كلّ خفيّ و يجلي كلّ مشتبه.

و الحمد:نقيضه الذّمّ،و الشّكر نقيضه الكفران، و ارتفاع(الحمد)بالابتداء،و خبره الظّرف الّذي هو (للّه)،و أصله النّصب الّذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله،على أنّه من المصادر الّتي تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معنى الإخبار،كقولهم:شكرا و كفرا و عجبا و ما أشبه ذلك،و منها«سبحانك»و«معاذ اللّه»ينزلونها منزلة أفعالها و يسدّون بها مسدّها،و لذلك لا يستعملونها

ص: 792

معها،و يجعلون استعمالها كالشّريعة المنسوخة،و العدل بها عن النّصب إلى الرّفع على الابتداء،للدّلالة على ثبات المعنى و استقراره،و منه قوله تعالى: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ هود:69،رفع السّلام الثّاني،للدّلالة على أنّ إبراهيم عليه السّلام حيّاهم بتحيّة أحسن من تحيّتهم،لأنّ الرّفع دلّ على معنى ثبات السّلام لهم دون تجدّده و حدوثه.و المعنى:نحمد اللّه حمدا،و لذلك قيل: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ لأنّه بيان لحمدهم له،كأنّه قيل:

كيف تحمدون؟فقيل:إيّاك نعبد.

فإن قلت:ما معنى التّعريف فيه؟

قلت:هو نحو التّعريف في:أرسلها العراك،و هو تعريف الجنس،و معناه الإشارة إلى ما يعرفه كلّ أحد من أنّ الحمد ما هو و العراك ما هو،من بين أجناس الأفعال و الاستغراق،الّذي يتوهّمه كثير من النّاس و هم منهم.

و قرأ الحسن البصريّ (الحمد للّه) بكسر الدّال، لاتّباعها اللاّم.و قرأ إبراهيم بن أبي عبلة: (الحمد للّه) بضمّ اللاّم،لاتّباعها الدّال،و الّذي جسرهما على ذلك، و الاتّباع إنّما يكون في كلمة واحدة كقولهم:منحدر الجبل،و معيرة تنزل الكلمتين منزلة كلمة،لكثرة استعمالها مقترنتين.

و أشفّ القراءتين قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائيّة تابعة للإعرابيّة،الّتي هي أقوى،بخلاف قراءة الحسن.(1:49)

الفخر الرّازيّ: اَلْحَمْدُ لِلّهِ و فيه وجوه:

الأوّل:هاهنا ألفاظ ثلاثة:الحمد،و المدح، و الشّكر،فنقول:الفرق بين الحمد و المدح من وجوه:

الأوّل:أنّ المدح قد يحصل للحيّ و لغير الحيّ،أ لا ترى أنّ من رأى لؤلؤة في غاية الحسن،أو ياقوتة في غاية الحسن،فإنّه قد يمدحها،و يستحيل أن يحمدها، فثبت أنّ المدح أعمّ من الحمد.

الوجه الثّاني:في الفرق:أنّ المدح قد يكون قبل الإحسان،و قد يكون بعده،أمّا الحمد:فإنّه لا يكون إلاّ بعد الإحسان.

الوجه الثّالث:في الفرق:أنّ المدح قد يكون منهيّا عنه،قال عليه الصّلاة و السّلام:«احثوا التّراب في وجوه المدّاحين»،أمّا الحمد:فإنّه مأمور به مطلقا،قال صلّى اللّه عليه و سلّم:

«من لم يحمد النّاس لم يحمد اللّه».

الوجه الرّابع:أنّ المدح:عبارة عن القول الدّالّ على كونه مختصّا بنوع من أنواع الفضائل،و أمّا الحمد:فهو القول الدّالّ على كونه مختصّا بفضيلة معيّنة،و هي فضيلة الإنعام و الإحسان،فثبت بما ذكرنا أنّ المدح أعمّ من الحمد.

و أمّا الفرق بين الحمد و بين الشّكر:فهو أنّ الحمد يعمّ ما إذا وصل ذلك الإنعام إليك،أو إلى غيرك،و أمّا الشّكر:فهو مختصّ بالإنعام الواصل إليك.

إذا عرفت هذا فنقول:قد ذكرنا أنّ المدح حاصل للحيّ و لغير الحيّ،و للفاعل المختار و لغيره،فلو قال:

المدح للّه،لم يدلّ ذلك على كونه تعالى فاعلا مختارا،أمّا لمّا قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ فهو يدلّ على كونه مختارا، فقوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ يدلّ على كون هذا القائل مقرّا

ص: 793

بأنّ إله العالم ليس موجبا بالذّات كما تقول الفلاسفة،بل هو فاعل مختار.

و أيضا فقوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ أولى من قوله:الشّكر للّه،لأنّ قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ، ثناء على اللّه بسبب كلّ إنعام صدر منه و وصل إلى غيره،و أمّا الشّكر للّه،فهو ثناء بسبب إنعام وصل إلى ذلك القائل،و لا شكّ أنّ الأوّل أفضل،لأنّ التّقدير كأنّ العبد يقول:سواء أعطيتني أو لم تعطني فإنعامك واصل إلى كلّ العالمين، و أنت مستحقّ للحمد العظيم.

و قيل:الحمد على ما دفع اللّه من البلاء،و الشّكر على ما أعطى من النّعماء.

فإن قيل:النّعمة في الإعطاء أكثر من النّعمة في دفع البلاء،فلما ذا ترك الأكثر و ذكر الأقلّ؟

قلنا:فيه وجوه:

الأوّل:كأنّه يقول:أنا شاكر لأدنى النّعمتين فكيف لأعلاهما!

الثّاني:المنع غير متناه،و الإعطاء متناه،فكان الابتداء بشكر دفع البلاء الّذي لا نهاية له أولى.

الثّالث:أنّ دفع الضّرر أهمّ من جلب النّفع،فلهذا قدّمه.

الفائدة الثّانية:أنّه تعالى لم يقل:أحمد اللّه و لكن قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ و هذه العبارة الثّانية أولى لوجوه:

أحدها:أنّه لو قال:أحمد اللّه،أفاد ذلك كون ذلك القائل قادرا على حمده،أمّا لمّا قال اَلْحَمْدُ لِلّهِ فقد أفاد ذلك أنّه كان محمودا قبل حمد الحامدين،و قبل شكر الشّاكرين،فهؤلاء سواء حمدوا أو لم يحمدوا،و سواء شكروا أو لم يشكروا،فهو تعالى محمود من الأزل إلى الأبد بحمده القديم،و كلامه القديم.

و ثانيها:أنّ قولنا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ، معناه أنّ الحمد و الثّناء حقّ للّه و ملكه،فإنّه تعالى هو المستحقّ للحمد بسبب كثرة أياديه و أنواع آلائه على العباد،فقولنا:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ معناه أنّ الحمد للّه حقّ يستحقّه لذاته، و لو قال:أحمد اللّه لم يدلّ ذلك على كونه مستحقّا للحمد لذاته.و معلوم أنّ اللّفظ الدّالّ على كونه مستحقّا للحمد أولى من اللّفظ الدّالّ على أنّ شخصا واحدا حمده.

و ثالثها:أنّه لو قال:أحمد اللّه،لكان قد حمد،لكن لا حمدا يليق به،و أمّا إذا قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ فكأنّه قال:من أنا حتّى أحمده؟لكنّه محمود بجميع حمد الحامدين،مثاله:ما لو سألت هل لفلان عليك نعمة؟فإن قلت:نعم،فقد حمدته،و لكن حمدا ضعيفا،و لو قلت في الجواب:بل،نعمه على كلّ الخلائق،فقد حمدته بأكمل المحامد.

و رابعها:أنّ الحمد عبارة عن صفة القلب،و هي اعتقاد كون ذلك المحمود متفضّلا،منعما،مستحقّا للتّعظيم و الإجلال،فإذا تلفّظ الإنسان بقوله:أحمد اللّه، مع أنّه كان قلبه غافلا عن معنى التّعظيم اللاّئق بجلال اللّه،كان كاذبا،لأنّه أخبر عن نفسه بكونه حامدا مع أنّه ليس كذلك،أمّا إذا قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ سواء كان غافلا أو مستحضرا لمعنى التّعظيم،فإنّه يكون صادقا، لأنّ معناه أنّ الحمد حقّ للّه و ملكه،و هذا المعنى حاصل

ص: 794

سواء كان العبد مشتغلا بمعنى التّعظيم و الإجلال،أو لم يكن،فثبت أنّ قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ أولى من قوله:

«أحمد اللّه»و نظيره قولنا:«لا إله إلاّ اللّه»فإنّه لا يدخله التّكذيب،بخلاف قولنا:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه»لأنّه قد يكون كاذبا في قوله:أشهد،و لهذا قال تعالى في تكذيب المنافقين: وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ المنافقون:1،و لهذا السّرّ أمر في الأذان بقوله:«أشهد» ثمّ وقع الختم على قوله:«لا إله إلاّ اللّه».

الفائدة الثّالثة:اللاّم في قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ يحتمل وجوها كثيرة:

أحدها:الاختصاص اللاّئق،كقولك:الجلّ للفرس.

و ثانيها:الملك،كقولك:الدّار لزيد.

و ثالثها:القدرة و الاستيلاء،كقولك:«البلد للسّلطان»،و اللاّم في قولك: اَلْحَمْدُ لِلّهِ يحتمل هذه الوجوه الثّلاثة،فإن حملته على الاختصاص اللاّئق،فمن المعلوم أنّه لا يليق الحمد إلاّ به،لغاية جلاله و كثرة فضله و إحسانه.و إن حملته على الملك فمعلوم أنّه تعالى مالك للكلّ،فوجب أن يملك منهم كونهم مشتغلين بحمده.و إن حملته على الاستيلاء و القدرة،فالحقّ سبحانه و تعالى كذلك،لأنّه واجب لذاته،و ما سواه ممكن لذاته، و الواجب لذاته مستول على الممكن لذاته.

فالحمد للّه بمعنى أنّ الحمد لا يليق إلاّ به،و بمعنى أنّ الحمد ملكه و ملكه،و بمعنى أنّه هو المستولي على الكلّ و المستعلي على الكلّ.

الفائدة الرّابعة:قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ ثمانية أحرف، و أبواب الجنّة ثمانية،فمن قال:هذه الثّمانية عن صفاء قلبه استحقّ ثمانية أبواب الجنّة.

الفائدة الخامسة:(الحمد)لفظة مفردة دخل عليها حرف التّعريف،و فيه قولان:

الأوّل:أنّه إن كان مسبوقا بمعهود سابق انصرف إليه،و إلاّ يحمل على الاستغراق صونا للكلام عن الإجمال.

و القول الثّاني:أنّه لا يفيد العموم،إلاّ أنّه يفيد الماهيّة و الحقيقة فقط.

إذا عرفت هذه فنقول:قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ إن قلنا بالقول الأوّل:أفاد أنّ كلّ ما كان حمدا و ثناء فهو للّه و حقّه و ملكه.و حينئذ يلزم أن يقال:إنّ ما سوى اللّه فإنّه لا يستحقّ الحمد و الثّناء البتّة،و إن قلنا بالقول الثّاني:كان معناه أنّ ماهيّة الحمد حقّ للّه تعالى و ملك له، و ذلك ينفي كون فرد من أفراد هذه الماهيّة لغير اللّه،فثبت على القولين أنّ قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ ينفي حصول الحمد لغير اللّه.

فإن قيل:أ ليس أنّ المنعم يستحقّ الحمد من المنعم عليه،و الأستاذ يستحقّ الحمد من التّلميذ،و السّلطان العادل يستحقّ الحمد من الرّعيّة،و قال عليه السّلام:من لم يحمد النّاس لم يحمد اللّه؟

قلنا:إنّ كلّ من أنعم على غيره بإنعام فالمنعم في الحقيقة هو اللّه تعالى،لأنّه لو لا أنّه تعالى خلق تلك الدّاعية في قلب ذلك المنعم،و إلاّ لم يقدم على ذلك الإنعام،و لو لا أنّه تعالى خلق تلك النّعمة،و سلّط ذلك

ص: 795

المنعم عليها،و مكّن المنعم عليه من الانتفاع،لما حصل الانتفاع بتلك النّعمة.فثبت أنّ المنعم في الحقيقة هو اللّه تعالى.

الفائدة السّادسة:أنّ قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ كما دلّ على أنّه لا محمود إلاّ اللّه،فكذلك العقل دلّ عليه،و بيانه من وجوه:

الأوّل:أنّه تعالى لو لم يخلق داعية الإنعام في قلب المنعم لم ينعم،فيكون المنعم في الحقيقة هو اللّه الّذي خلق تلك الدّاعية.

و ثانيها:أنّ كل من أنعم على الغير فإنّه يطلب بذلك الإنعام عوضا،إمّا ثوابا أو ثناء،أو تحصيل حقّ،أو تخليصا للنّفس من خلق البخل،و طالب العوض لا يكون منعما،فلا يكون مستحقّا للحمد في الحقيقة.

أمّا اللّه سبحانه و تعالى فإنّه كامل لذاته،و الكامل لذاته لا يطلب الكمال،لأنّ تحصيل الحاصل محال،فكانت عطاياه جودا محضا و إحسانا محضا،فلا جرم كان مستحقّا للحمد،فثبت أنّه لا يستحقّ الحمد إلاّ اللّه تعالى.

و ثالثها:أنّ كلّ نعمة فهي من الموجودات الممكنة الوجود،و كلّ ممكن الوجود فإنّه وجد بإيجاد الحقّ،إمّا ابتداء،و إمّا بواسطة،ينتج أنّ كلّ نعمة فهي من اللّه تعالى،و يؤكّد ذلك بقوله تعالى: وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ النّمل:53،و(الحمد)لا معنى له إلاّ الثّناء على الإنعام فلمّا كان لا إنعام إلاّ من اللّه تعالى،وجب القطع بأنّ أحدا لا يستحقّ الحمد إلاّ اللّه تعالى.

و رابعها:النّعمة لا تكون كاملة إلاّ عند اجتماع أمور ثلاثة:

أحدها:أن تكون منفعة.و الانتفاع بالشّيء مشروط بكونه حيّا مدركا،و كونه حيّا مدركا لا يحصل إلاّ بإيجاد اللّه تعالى.

و ثانيها:أنّ المنفعة لا تكون نعمة كاملة إلاّ إذا كانت خالية عن شوائب الضّرر و الغمّ،و إخلاء المنافع عن شوائب الضّرر لا يحصل إلاّ من اللّه تعالى.

و ثالثها:أنّ المنفعة لا تكون نعمة كاملة إلاّ إذا كانت آمنة من خوف الانقطاع،و هذا الأمر لا يحصل إلاّ من اللّه تعالى،إذا ثبت هذا،فالنّعمة الكاملة لا تحصل إلاّ من اللّه تعالى.فوجب أن لا يستحقّ الحمد الكامل إلاّ اللّه تعالى، فثبت بهذه البراهين صحّة قوله تعالى: اَلْحَمْدُ لِلّهِ.

الفائدة السّابعة:قد عرفت أنّ الحمد عبارة عن مدح الغير بسبب كونه منعما متفضّلا،و ما لم يحصل شعور الإنسان بوصول النّعمة إليه،امتنع تكليفه بالحمد و الشّكر.إذا عرفت هذا،فنقول:وجب كون الإنسان عاجزا عن حمد اللّه و شكره،و يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:أنّ نعم اللّه على الإنسان كثيرة لا يقوى عقل الإنسان على الوقوف عليها،كما قال تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها النّمل:18،إذا امتنع وقوف الإنسان عليها،امتنع اقتداره على الحمد و الشّكر و الثّناء اللاّئق بها.

الثّاني:أنّ الإنسان إنّما يمكنه القيام بحمد اللّه و شكره، إذا أقدره اللّه تعالى على ذلك الحمد و الشّكر،و إذا خلق في قلبه داعية إلى فعل ذلك الحمد و الشّكر،و إذا زال عنه

ص: 796

العوائق و الحوائل،فكلّ ذلك إنعام من اللّه تعالى،فعلى هذا لا يمكنه القيام بشكر اللّه تعالى إلاّ بواسطة نعم عظيمة من اللّه تعالى عليه،و تلك النّعم أيضا توجب الشّكر، و على هذا التّقدير:فالعبد لا يمكنه الإتيان بالشّكر و الحمد،إلاّ عند الإتيان به مرارا لا نهاية لها،و ذلك محال،و الموقوف على المحال محال،فكان الإنسان يمتنع منه الإتيان بحمد اللّه و بشكره على ما يليق به.

الثّالث:أنّ الحمد و الشّكر ليس معناه مجرّد قول القائل بلسانه: اَلْحَمْدُ لِلّهِ؛ بل معناه علم المنعم عليه بكون المنعم موصوفا بصفات الكمال و الجلال،و كلّ ما خطر ببال الإنسان من صفات الكمال و الجلال،فكمال اللّه و جلاله أعلى و أعظم من ذلك المتخيّل و المتصوّر، و إذا كان كذلك،امتنع كون الإنسان آتيا بحمد اللّه و شكره و بالثّناء عليه.

الرّابع:أنّ الاشتغال بالحمد و الشّكر معناه:أنّ المنعم عليه يقابل الإنعام الصّادر من المنعم بشكر نفسه و بحمد نفسه،و ذلك بعيد لوجوه:

أحدها:أنّ نعم اللّه كثيرة لا حدّ لها،فمقابلتها بهذا الاعتقاد الواحد،و بهذه اللّفظة الواحدة،في غاية البعد.

و ثانيها:أنّ من اعتقد أنّ حمده و شكره يساوي نعم اللّه تعالى فقد أشرك،و هذا معنى قول الواسطيّ:الشّكر شرك.

و ثالثها:أنّ الإنسان محتاج إلى إنعام اللّه في ذاته و في صفاته و في أحواله،و اللّه تعالى غنيّ عن شكر الشّاكرين و حمد الحامدين،فكيف يمكن مقابلة نعم اللّه بهذا الشّكر و بهذا الحمد؟فثبت بهذه الوجوه أنّ العبد عاجز عن الإتيان بحمد اللّه و بشكره،فلهذه الدّقيقة لم يقل:

«احمدوا اللّه»بل قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ لأنّه لو قال:

«احمدوا اللّه»فقد كلّفهم ما لا طاقة لهم به،أمّا لمّا قال:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ كان المعنى أنّ كمال الحمد حقّه و ملكه، سواء قدر الخلق على الإتيان به أو لم يقدروا عليه.

و نقل أنّ داود عليه السّلام قال:يا ربّ كيف أشكرك، و شكري لك لا يتمّ إلاّ بإنعامك عليّ،و هو أن توفّقني لذلك الشّكر؟فقال:يا داود،لمّا علمت عجزك عن شكري فقد شكرتني بحسب قدرتك و طاقتك.

الفائدة الثّامنة:عن النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام أنّه قال:«إذا أنعم اللّه على عبده نعمة فيقول العبد:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ، فيقول اللّه تعالى:انظروا إلى عبدي، أعطيته ما لا قدر له،فأعطاني ما لا قيمة له».

و تفسيره أنّ اللّه إذا أنعم على العبد كان ذلك الإنعام أحد الأشياء المعتادة،مثل أنّه كان جائعا فأطعمه،أو كان عطشانا فأرواه،أو كان عريانا فكساه،أمّا إذا قال العبد: اَلْحَمْدُ لِلّهِ كان معناه أنّ كلّ حمد أتى به أحد من الحامدين فهو للّه،و كلّ حمد لم يأت به أحد من الحامدين و أمكن في حكم العقل دخوله في الوجود فهو للّه،و ذلك يدخل فيه جميع المحامد الّتي ذكرها ملائكة العرش و الكرسيّ و ساكنو أطباق السّماوات،و جميع المحامد الّتي ذكرها جميع الأنبياء من آدم إلى محمّد صلوات اللّه عليهم،و جميع المحامد الّتي ذكرها جميع الأولياء و العلماء و جميع الخلق،و جميع المحامد الّتي

ص: 797

سيذكرونها إلى وقت قولهم: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10.

ثمّ جميع هذه المحامد متناهية،و أمّا المحامد الّتي لا نهاية لها هي الّتي سيأتون بها أبد الآباد و دهر الدّاهرين،فكلّ هذه الأقسام الّتي لا نهاية لها داخلة تحت قول العبد: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فلهذا السّبب قال تعالى:انظروا إلى عبدي،قد أعطيته نعمة واحدة لا قدر لها،فأعطاني من الشّكر ما لا حدّ له و لا نهاية له.

أقول:هاهنا دقيقة أخرى،و هي أنّ نعم اللّه تعالى على العبد في الدّنيا متناهية،و قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ حمد غير متناه،و معلوم أنّ غير المتناهي إذا سقط منه المتناهي بقي الباقي غير متناه،فكأنّه تعالى يقول:

عبدي،إذا قلت: اَلْحَمْدُ لِلّهِ في مقابلة تلك النّعمة، فالّذي بقي لك من تلك الكلمة طاعات غير متناهية،فلا بدّ من مقابلتها بنعمة غير متناهية،فلهذا السّبب يستحقّ العبد الثّواب الأبديّ و الخير السّرمديّ.فثبت أنّ قول العبد: اَلْحَمْدُ لِلّهِ يوجب سعادات لا آخر لها، و خيرات لا نهاية لها.

الفائدة التّاسعة:لا شكّ أنّ الوجود خير من العدم، و الدّليل عليه أنّ كلّ موجود حيّ،فإنّه يكره عدم نفسه، و لو لا أنّ الوجود خير من العدم،و إلاّ لما كان كذلك، و إذا ثبت هذا،فنقول:وجود كلّ شيء ما سوى اللّه تعالى،فإنّه حصل بإيجاد اللّه وجوده و فضله و إحسانه، و قد ثبت أنّ الوجود نعمة،فثبت أنّه لا موجود في عالم الأرواح و الأجسام و العلويّات و السّفليّات،إلاّ و للّه عليه نعمة و رحمة و إحسان،و النّعمة و الرّحمة و الإحسان،موجبة للحمد و الشّكر.فإذا قال العبد:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ فليس مراده الحمد للّه على النّعم الواصلة إليّ،بل المراد الحمد للّه على النّعم الصّادرة منه،و قد بيّنّا أنّ إنعامه واصل إلى كلّ ما سواه،فإذا قال العبد:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ كان معناه الحمد للّه على إنعامه على كلّ مخلوق خلقه،و على كلّ محدث أحدثه،من نور و ظلمة، و سكون و حركة،و عرش و كرسيّ،و جنّيّ و إنسيّ، و ذات و صفة،و جسم و عرض،إلى أبد الآباد و دهر الدّاهرين،و أنا أشهد أنّها بأسرها حقّك و ملكك، و ليس لأحد معك فيها شركة و منازعة.

الفائدة العاشرة:لقائل أن يقول:التّسبيح مقدّم على التّحميد،لأنّه يقال:سبحان اللّه و الحمد للّه،فما السّبب هاهنا في وقوع البداية بالتّحميد؟

و الجواب أنّ التّحميد يدلّ على التّسبيح دلالة التّضمّن،فإنّ التّسبيح يدلّ على كونه مبرّأ في ذاته و صفاته عن النّقائص و الآفات،و التّحميد يدلّ مع حصول تلك الصّفة على كونه محسنا إلى الخلق،منعما عليهم،رحيما بهم،فالتّسبيح إشارة إلى كونه تعالى تامّا،و التّحميد يدلّ على كونه تعالى فوق التّمام،فلهذا السّبب كان الابتداء بالتّحميد أولى،و هذا الوجه مستفاد من القوانين الحكميّة.

و أمّا الوجه اللاّئق بالقوانين الأصوليّة،فهو أنّ اللّه

ص: 798

تعالى لا يكون محسنا بالعباد،إلاّ إذا كان عالما بجميع المعلومات،ليعلم أصناف حاجات العباد،و إلاّ،إذا كان قادرا على كلّ المقدورات،ليقدر على تحصيل ما يحتاجون إليه،و إلاّ،إذا كان غنيّا عن كلّ الحاجات،إذ لو لم يكن كذلك،لكان اشتغاله بدفع الحاجة عن نفسه يمنعه عن دفع حاجة العبد،فثبت أنّ كونه محسنا لا يتمّ إلاّ بعد كونه منزّها عن النّقائص و الآفات،فثبت أنّ الابتداء بقوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ أولى من الابتداء بقوله:سبحان اللّه.

الفائدة الحادية عشرة: اَلْحَمْدُ لِلّهِ له تعلّق بالماضي و تعلّق بالمستقبل،أمّا تعلّقه بالماضي،فهو أنّه يقع شكرا على النّعم المتقدّمة،و أمّا تعلّقه بالمستقبل،فهو أنّه يوجب تجدّد النّعم في الزّمان المستقبل،لقوله تعالى:

لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ إبراهيم:7.و العقل أيضا يدلّ عليه،و هو أنّ النّعم السّابقة توجب الإقدام على الخدمة،و القيام بالطّاعة،ثمّ إذا اشتغل بالشّكر،انفتحت على العقل و القلب أبواب نعم اللّه تعالى،و أبواب معرفته و محبّته،و ذلك من أعظم النّعم.

فلهذا المعنى كان الحمد بسبب تعلّقه بالماضي،يغلق عنك أبواب النّيران،و بسبب تعلّقه بالمستقبل،يفتح لك أبواب الجنان.فتأثيره في الماضي سدّ أبواب الحجاب عن اللّه تعالى؛و تأثيره في المستقبل فتح أبواب معرفة اللّه تعالى.

و لمّا كان لا نهاية لدرجات جلال اللّه،فكذلك لا نهاية للعبد في معارج معرفة اللّه،و لا مفتاح لها إلاّ قولنا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ فلهذا السّبب سمّيت سورة الحمد بسورة الفاتحة.

الفائدة الثّانية عشرة: اَلْحَمْدُ لِلّهِ كلمة شريفة جليلة،لكن لا بدّ من ذكرها في موضعها،و إلاّ لم يحصل المقصود منها.

قيل للسّريّ السّقطي:كيف يجب الإتيان بالطّاعة؟ قال:أنا منذ ثلاثين سنة،أستغفر اللّه عن قولي مرّة واحدة: اَلْحَمْدُ لِلّهِ. فقيل:كيف ذلك؟قال:وقع الحريق في بغداد و احترقت الدّكاكين و الدّور، فأخبروني أنّ دكّاني لم يحترق،فقلت: اَلْحَمْدُ لِلّهِ و كان معناه أنّي فرحت ببقاء دكّاني حال احتراق دكاكين النّاس،و كان حقّ الدين و المروءة أن لا أفرح بذلك،فأنا في الاستغفار منذ ثلاثين سنة عن قولي:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ.

فثبت بهذا أنّ هذه الكلمة و إن كانت جليلة القدر، إلاّ أنّه يجب رعاية موضعها.

ثمّ إنّ نعم اللّه على العبد كثيرة،إلاّ أنّها بحسب القسمة الأولى محصورة في نوعين:نعم الدّنيا،و نعم الدّين،و نعم الدّين أفضل من نعم الدّنيا لوجوه كثيرة.

و قولنا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ كلمة جليلة شريفة،فيجب على العاقل إجلال هذه الكلمة،من أن يذكرها في مقابلة نعم الدّنيا،بل يجب أن لا يذكرها إلاّ عند الفوز بنعم الدّين.

ثمّ نعم الدّين قسمان:أعمال الجوارح،و أعمال القلوب،و القسم الثّاني أشرف.

ص: 799

ثمّ نعم الدّنيا قسمان:تارة تعتبر تلك النّعم من حيث هي نعم،و تارة تعتبر من حيث إنّها عطيّة المنعم، و القسم الثّاني أشرف.

فهذه مقامات يجب اعتبارها حتّى يكون ذكر قولنا:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ موافقا لموضعه لائقا بسببه.

الفائدة الثّالثة عشرة:أوّل كلمة ذكرها أبونا آدم هو قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ. و آخر كلمة يذكرها أهل الجنّة هو قولنا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ.

أمّا الأوّل فلأنّه لمّا بلغ الرّوح إلى سرّته عطس فقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

و أمّا الثّاني:فهو قوله تعالى: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10،ففاتحة العالم مبنيّة على الحمد،و خاتمته مبنيّة على الحمد،فاجتهد حتّى يكون أوّل أعمالك و آخرها مقرونا بهذه الكلمة،فإنّ الإنسان عالم صغير،فيجب أن تكون أحواله موافقة لأحوال العالم الكبير.

الفائدة الرّابعة عشرة:من النّاس من قال:تقدير الكلام قولوا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ و هذا عندي ضعيف،لأنّ الإضمار إنّما يصار إليه ليصحّ الكلام،و هذا الإضمار يوجب فساد الكلام،و الّذي يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:أنّ قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ إخبار عن كون الحمد حقّا له و ملكا له،و هذا كلام تامّ في نفسه،فلا حاجة إلى الإضمار.

الثّاني:أنّ قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ يدلّ على كونه تعالى مستحقّا للحمد بحسب ذاته،و بحسب أفعاله، سواء حمدوه أو لم يحمدوه،لأنّ ما بالذّات أعلى و أجلّ ممّا بالغير.

الثّالث:ذكروا مسألة في الواقعات،و هي أنّه لا ينبغي للوالد أن يقول لولده:اعمل كذا و كذا،لأنّه يجوز أن يمتثل أمره فيأثم،بل يقول:إنّ كذا و كذا يجب أن يفعل،ثمّ إذا كان الولد كريما فإنّه يجيبه و يطيعه،و إن كان عاقّا لم يشافهه بالرّدّ،فيكون إثمه أقلّ،فكذلك هاهنا،قال اللّه تعالى: اَلْحَمْدُ لِلّهِ فمن كان مطيعا حمده،و من كان عاصيا كان إثمه أقلّ.

الفائدة الخامسة عشرة:تمسّكت الجبريّة و القدريّة بقوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ: أمّا الجبريّة فقد تمسّكوا به من وجوه:

الأوّل:أنّ كلّ من كان فعله أشرف و أكمل،و كانت النّعمة الصّادرة عنه أعلى و أفضل،كان استحقاقه للحمد أكثر،و لا شكّ أنّ أشرف المخلوقات هو الإيمان،فلو كان الإيمان فعلا للعبد،لكان استحقاق العبد للحمد أولى و أجلّ من استحقاق اللّه له،و لمّا لم يكن كذلك،علمنا أنّ الإيمان حصل بخلق اللّه لا بخلق العبد.

الثّاني:أجمعت الأمّة على قولهم:الحمد للّه على نعمة الإيمان،لو كان الإيمان فعلا للعبد،و ما كان فعلا للّه،لكان قولهم:الحمد للّه على نعمة الإيمان باطلا،فإنّ حمد الفاعل على ما لا يكون فعلا له باطل قبيح،لقوله تعالى:

وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا آل عمران:188.

الثّالث:أنّا قد دلّلنا على أنّ قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ يدلّ ظاهره على أنّ كلّ الحمد للّه،و أنّه ليس لغير اللّه

ص: 800

حمدا أصلا،و إنّما يكون كلّ الحمد للّه،لو كان كلّ النّعم من اللّه،و الإيمان أفضل النّعم،فوجب أن يكون الإيمان من اللّه.

الرّابع:أنّ قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ مدح منه لنفسه، و مدح النّفس مستقبح فيما بين الخلق،فلمّا بدأ كتابه بمدح النّفس،دلّ ذلك على أنّ حاله بخلاف حال الخلق،و أنّه يحسن من اللّه ما يقبح من الخلق؛و ذلك يدلّ على أنّه تعالى مقدّس عن أن تقاس أفعاله على أفعال الخلق،فقد تقبح أشياء من العباد،و لا تقبح تلك الأشياء من اللّه تعالى.و هذا يهدم أصول الاعتزال بالكلّيّة.

و الخامس:أنّ عند المعتزلة أفعاله تعالى يجب أن تكون حسنة،و يجب أن تكون لها صفة زائدة على الحسن،و إلاّ كانت عبثا،و ذلك في حقّه محال.و الزّائدة على الحسن إمّا أن تكون واجبة،و إمّا أن تكون من باب التّفضّل:أمّا الواجب،فهو مثل إيصال الثّواب و العوض إلى المكلّفين،و أمّا الّذي يكون من باب التّفضّل فهو مثل أنّه يزيد على قدر الواجب على سبيل الإحسان.فنقول:

هذا يقدح في كونه تعالى مستحقّا للحمد،و يبطل صحّة قولنا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ.

و تقريره أن نقول:أمّا أداء الواجبات،فإنّه لا يفيد استحقاق الحمد،أ لا ترى أنّ من كان له على غيره دين دينار،فأدّاه،فإنّه لا يستحقّ الحمد،فلو وجب على اللّه فعل لكان ذلك الفعل مخلصا له عن الذّمّ،و لا يوجب استحقاقه للحمد.

و أمّا فعل التّفضّل فعند الخصم أنّه يستفيد بذلك مزيد حمد،لأنّه لو لم يصدر عنه ذلك الفعل،لما حصل له ذلك الحمد،و إذا كان كذلك،كان ناقصا لذاته مستكملا بغيره،و ذلك يمنع من كونه تعالى مستحقّا للحمد و المدح.

السّادس:قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ يدلّ على أنّه تعالى محمود،فنقول:استحقاقه الحمد و المدح إمّا أن يكون أمرا ثابتا له لذاته،أو ليس ثابتا له لذاته.

فإن كان الأوّل،امتنع أن يكون شيء من الأفعال موجبا له استحقاق المدح،لأنّ ما ثبت لذاته امتنع ثبوته لغيره،و امتنع أيضا أن يكون شيء من الأفعال موجبا له استحقاق الذّمّ،لأنّ ما ثبت لذاته امتنع ارتفاعه بسبب غيره.و إذا كان كذلك،لم يتقرّر في حقّه تعالى وجوب شيء عليه،فوجب أن لا يجب للعباد عليه شيء من الأعواض و الثّواب،و ذلك يهدم أصول المعتزلة.

و أمّا القسم الثّاني:و هو أن يكون استحقاق الحمد للّه ليس ثابتا له لذاته،فنقول:فيلزم أن يكون ناقصا لذاته،مستكملا بغيره،و ذلك على اللّه محال.

أمّا المعتزلة فقالوا:إنّ قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ لا يتمّ إلاّ على قولنا،لأنّ المستحقّ للحمد على الإطلاق هو الّذي لا قبيح في فعله،و لا جور في أقضيته،و لا ظلم في أحكامه.و عندنا أنّ اللّه تعالى كذلك،فكان مستحقّا لأعظم المحامد و المدائح.

أمّا على مذهب الجبريّة لا قبيح إلاّ و هو فعله،و لا جور إلاّ و هو حكمه،و لا عبث إلاّ و هو صنعه،لأنّه يخلق الكفر في الكافر،ثمّ يعذّبه عليه،و يؤلم الحيوانات من

ص: 801

غير أن يعوّضها،فكيف يعقل على هذا التّقدير كونه مستحقّا للحمد؟و أيضا فذلك الحمد الّذي يستحقّه اللّه تعالى بسبب الإلهيّة،إمّا أن يستحقّه على العبد،أو على نفسه،فإن كان الأوّل،وجب كون العبد قادرا على الفعل،و ذلك يبطل القول بالجبر،و إن كان الثّاني،كان معناه أنّ اللّه يجب عليه أن يحمد نفسه،و ذلك باطل، قالوا:فثبت أنّ القول بالحمد للّه لا يصحّ إلاّ على قولنا.

الفائدة السّادسة عشرة:اختلفوا في أنّ وجوب الشّكر ثابت بالعقل أو بالسّمع:من النّاس من قال:إنّه ثابت بالسّمع،لقوله تعالى: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15،و لقوله تعالى: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ النّساء:165،و منهم من قال:إنّه ثابت قبل مجيء الشّرع و بعد مجيئه على الإطلاق،و الدّليل عليه قوله تعالى: اَلْحَمْدُ لِلّهِ و بيانه من وجوه:

الأوّل:أنّ قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ يدلّ أنّ هذا الحمد حقّه و ملكه على الإطلاق،و ذلك يدلّ على ثبوت هذا الاستحقاق قبل مجيء الشّرع.

الثّاني:أنّه تعالى قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و قد ثبت في أصول الفقه أنّ ترتيب الحكم على الوصف المناسب يدلّ على كون ذلك الحكم معلّلا بذلك الوصف، فهاهنا أثبت الحمد لنفسه،و وصف نفسه بكونه تعالى ربّا للعالمين،رحمانا رحيما بهم،مالكا لعاقبة أمرهم في القيامة،فهذا يدلّ على أنّ استحقاق الحمد إنّما يحصل لكونه تعالى مربّيا لهم،رحمانا رحيما بهم،و إذا كان كذلك،ثبت أنّ استحقاق الحمد ثابت للّه تعالى في كلّ الأوقات،سواء كان قبل مجيء النّبيّ،أو بعده.

الفائدة السّابعة عشرة:يجب علينا أن نبحث عن حقيقة الحمد و ماهيّته،فنقول:تحميد اللّه تعالى ليس عبارة عن قولنا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ، لأنّ قولنا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ إخبار عن حصول الحمد،و الإخبار عن الشّيء مغاير للمخبر عنه،فوجب أن يكون تحميد اللّه مغايرا لقولنا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ، فنقول:حمد المنعم عبارة عن كلّ فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما.و ذلك الفعل:إمّا أن يكون فعل القلب،أو فعل اللّسان،أو فعل الجوارح.

أمّا فعل القلب،فهو أن يعتقد فيه كونه موصوفا بصفات الكمال و الإجلال.

و أمّا فعل اللّسان،فهو أن يذكر ألفاظا دالّة على كونه موصوفا بصفات الكمال.

و أمّا فعل الجوارح،فهو أن يأتي بأفعال دالّة على كون ذلك المنعم موصوفا بصفات الكمال و الإجلال،فهذا هو المراد من الحمد.

و اعلم أنّ أهل العلم افترقوا في هذا المقام فريقين:

الفريق الأوّل:الّذين قالوا:إنّه لا يجوز أن يأمر اللّه عبيده بأن يحمدوه،و احتجّوا عليه بوجوه:

الأوّل:أنّ ذلك التّحميد إمّا أن يكون بناء على إنعام وصل إليهم أوّلا،و بناء عليه،فالأوّل باطل،لأنّ هذا يقتضي أنّه تعالى طلب منهم على إنعامه جزاء و مكافأة، و ذلك يقدح في كمال الكرم،فإنّ الكريم إذا أنعم لم يطلب

ص: 802

المكافأة،و أمّا الثّاني فهو إتعاب للغير ابتداء،و ذلك يوجب الظّلم.

الثّاني:قالوا:الاشتغال بهذا الحمد متعب للحامد، و غير نافع للمحمود،لأنّه كامل لذاته،و الكامل لذاته يستحيل أن يستكمل بغيره،فثبت أنّ الاشتغال بهذا التّحميد عبث و ضرر،فوجب أن لا يكون مشروعا.

الثّالث:أنّ معنى الإيجاب هو أنّه لو لم يفعل لاستحقّ العقاب،فإيجاب حمد اللّه تعالى معناه أنّه قال:لو لم تشتغل بهذا الحمد لعاقبتك،و هذا الحمد لا نفع له في حقّ اللّه،فكان معناه أنّ هذا الفعل لا فائدة فيه لأحد،و لو تركته لعاقبتك أبد الآباد،و هذا لا يليق بالحكيم الكريم.

الفريق الثّاني:قالوا:الاشتغال بحمد اللّه سوء أدب من وجوه:

الأوّل:أنّه يجري مجرى مقابلة إحسان اللّه بذلك الشّكر القليل.

و الثّاني:أنّ الاشتغال بالشّكر لا يتأتّى إلاّ مع استحضار تلك النّعم في القلب،و اشتغال القلب بالنّعم يمنعه من الاستغراق في معرفة المنعم.

الثّالث:أنّ الثّناء على اللّه تعالى عند وجدان النّعمة يدلّ على أنّه إنّما أثنى عليه،لأجل الفوز بتلك النّعم؛ و ذلك يدلّ على أنّ مقصوده من العبادة و الحمد و الثّناء، الفوز بتلك النّعم،و هذا الرّجل في الحقيقة معبوده و مطلوبه إنّما هو تلك النّعمة و حظّ النّفس،و ذلك مقام نازل،و اللّه أعلم.(1:218)

أمّا لطائف قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ فأربع نكت:

النّكتة الأولى:روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ إبراهيم الخليل عليه السّلام سأل ربّه و قال:يا ربّ،ما جزاء من حمدك، فقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ؟ فقال تعالى: اَلْحَمْدُ لِلّهِ فاتحة الشّكر و خاتمته.قال أهل التّحقيق:لمّا كانت هذه الكلمة فاتحة الشّكر جعلها اللّه فاتحة كلامه،و لمّا كانت خاتمته جعلها اللّه خاتمة كلام أهل الجنّة،فقال: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10.

و روي عن عليّ عليه السّلام،أنّه قال:«خلق اللّه العقل من نور مكنون مخزون من سابق علمه،فجعل العلم نفسه، و الفهم روحه،و الزّهد رأسه،و الحياء عينه،و الحكمة لسانه،و الخير سمعه،و الرّأفة قلبه،و الرّحمة همّه، و الصّبر بطنه،ثمّ قيل له:تكلّم،فقال:الحمد للّه الّذي ليس له ندّ،و لا ضدّ،و لا مثل،و لا عدل،الّذي ذلّ كلّ شيء لعزّته،فقال الرّبّ:و عزّتي و جلالي،ما خلقت خلقا أعزّ عليّ منك».

و أيضا نقل أنّ آدم عليه السّلام لمّا عطس فقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ، فكان أوّل كلامه ذلك.

إذا عرفت هذا،فنقول:أوّل مراتب المخلوقات هو العقل،و آخر مراتبها آدم،و قد نقلنا أوّل كلام العقل هو قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ و أوّل كلام آدم هو قوله:(الحمد)، فثبت أنّ أوّل كلام لفاتحة المحدثات هو هذه الكلمة، و أوّل كلام لخاتمة المحدثات هو هذه الكلمة،فلا جرم جعلها اللّه فاتحة كتابه،فقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

و أيضا ثبت أنّ أوّل كلمات اللّه قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ، و آخر أنبياء اللّه محمّد رسول اللّه،و بين الأوّل

ص: 803

و الآخر مناسبة،فلا جرم جعل قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ أوّل آية من كتاب محمّد رسوله،و لمّا كان كذلك،وضع لمحمّد عليه السّلام من كلمة الحمد اسمان:أحمد و محمّد؛و عند هذا قال عليه السّلام:«أنا في السّماء أحمد،و في الأرض محمّد»،فأهل السّماء في تحميد اللّه،و رسول اللّه أحمدهم،و اللّه تعالى في تحميد أهل الأرض،كما قال تعالى: فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً الإسراء:19،و رسول اللّه محمّدهم.

و النّكتة الثّانية:أنّ الحمد لا يحصل إلاّ عند الفوز بالنّعمة و الرّحمة،فلمّا كان الحمد أوّل الكلمات وجب أن تكون النّعمة و الرّحمة أوّل الأفعال و الأحكام،فلهذا السّبب قال:سبقت رحمتي غضبي.

النّكتة الثّالثة:أنّ الرّسول اسمه أحمد،و معناه أنّه أحمد الحامدين أي،أكثرهم حمدا،فوجب أن تكون نعم اللّه عليه أكثر،لما بيّنّا أنّ كثرة الحمد بحسب كثرة النّعمة و الرّحمة،و إذا كان كذلك لزم أن تكون رحمة اللّه في حقّ محمّد عليه السّلام أكثر منها في حقّ جميع العالمين،فلهذا السّبب قال: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:107.

النّكتة الرّابعة:أنّ المرسل له اسمان مشتقّان من الرّحمة،و هما الرّحمن الرّحيم،و هما يفيدان المبالغة، و الرّسول له أيضا اسمان مشتقّان من الرّحمة،و هما محمّد و أحمد،لأنّا بيّنّا أنّ حصول الحمد مشروط بحصول الرّحمة،فقولنا:محمّد و أحمد جار مجرى قولنا:مرحوم و أرحم.و جاء في بعض الرّوايات أنّ من أسماء الرّسول:

الحمد،و الحامد،و المحمود،فهذه خمسة أسماء للرّسول دالّة على الرّحمة.

إذا ثبت هذا،فنقول:إنّه تعالى قال: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الحجر:49،فقوله:(نبّئ)إشارة إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو مذكور قبل العباد،و الياء في قوله:

(عبادى)ضمير عائد إلى اللّه تعالى،و الياء في قوله:

(انّى)عائد إليه،و قوله:(انا)عائد إليه،و قوله: اَلْغَفُورُ الرَّحِيمُ، صفتان للّه،فهي خمسة ألفاظ دالّة على اللّه الكريم الرّحيم،فالعبد يمشي يوم القيامة و قدّامه الرّسول عليه الصّلاة و السّلام مع خمسة أسماء تدلّ على الرّحمة، و خلفه خمسة ألفاظ من أسماء اللّه تدلّ على الرّحمة، و رحمة الرّسول كثيرة،كما قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ و رحمة اللّه غير متناهية،كما قال تعالى:

وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فكيف يعقل أن يضيع المذنب مع هذه البحار الزّاخرة العشرة المملوءة من الرّحمة؟(1:284)

العكبريّ: الجمهور على رفع(الحمد)بالابتداء، و(للّه)الخبر،و اللاّم متعلّقة بمحذوف،أي واجب أو ثابت.

و يقرأ (الحمد) بالنّصب على أنّه مصدر فعل محذوف،أي أحمد الحمد،و الرّفع أجود،لأنّ فيه عموما في المعنى.

و يقرأ بكسر الدّال،إتباعا لكسرة اللاّم،كما قالوا:

المعيرة و رغيف،و هو ضعيف في الآية،لأنّ فيه إتباع الإعراب البناء،و في ذلك إبطال للإعراب.

و يقرأ بضمّ الدّال و اللاّم على إتباع اللاّم الدّال،و هو ضعيف أيضا،لأنّ لام الجرّ متّصل بما بعده،منفصل عن

ص: 804

الدّال،و لا نظير له في حروف الجرّ المفردة،إلاّ أنّ من قرأ به فرّ من الخروج من الضّمّ إلى الكسر،و أجراه مجرى المتّصل،لأنّه لا يكاد يستعمل الحمد منفردا عمّا بعده.

(1:5)

القرطبيّ: الباب الرّابع فيما تضمّنته الفاتحة من المعاني و القراءات و الإعراب و فضل الحامدين،و فيه ستّ و ثلاثون مسألة:[إلى أن قال:]

الثّانية:اختلف العلماء أيّما أفضل؛قول العبد:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أو قول:«لا إله إلاّ اللّه»؟ فقالت طائفة:قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أفضل؛ لأنّ في ضمنه التّوحيد،الّذي هو لا إله إلاّ اللّه؛ففي قوله:

توحيد و حمد؛و في قوله:لا إله إلاّ اللّه توحيد فقط.

و قالت طائفة:«لا إله إلاّ اللّه»أفضل؛لأنّها تدفع الكفر و الإشراك،و عليها يقاتل الخلق،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا:لا إله إلاّ اللّه».و اختار هذا القول ابن عطيّة قال:و الحاكم بذلك قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أفضل ما قلت أنا و النّبيّون من قبلي:

لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له».

الثّالثة:أجمع المسلمون على أنّ اللّه محمود على سائر نعمه،و أنّ ممّا أنعم اللّه به الإيمان؛فدلّ على أنّ الإيمان فعله و خلقه؛و الدّليل على ذلك قوله: رَبِّ الْعالَمِينَ.

و العالمون جملة المخلوقات،و من جملتها الإيمان،لا كما قال القدريّة:إنّه خلق لهم؛على ما يأتي بيانه.

الرّابعة:(الحمد)في كلام العرب معناه الثّناء الكامل؛ و الألف و اللاّم لاستغراق الجنس من المحامد،فهو سبحانه يستحقّ الحمد بأجمعه،إذ له الأسماء الحسنى و الصّفات العلى؛و قد جمع لفظ الحمد جمع القلّة.

فالحمد نقيض الذّمّ،تقول:حمدت الرّجل أحمده حمدا فهو حميد و محمود؛و التّحميد أبلغ من الحمد.

و الحمد أعمّ من الشّكر،و المحمّد:الّذي كثرت خصاله المحمودة.قال الشّاعر:

إلى الماجد القرم الجواد المحمّد

و بذلك سمّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.و قال الشّاعر:

فشقّ له من اسمه ليجلّه

فذو العرش محمود و هذا محمّد

و المحمدة:خلاف المذمّة.و أحمد الرّجل:صار أمره إلى الحمد.و أحمدته:وجدته محمودا؛تقول:أتيت موضع كذا فأحمدته،أي صادفته محمودا موافقا،و ذلك إذا رضيت سكناه و مرعاه.و رجل حمدة مثل همزة:يكثر حمد الأشياء،و يقول فيها أكثر ممّا فيها.و حمدة النّار بالتّحريك:صوت التهابها.

الخامسة:ذهب أبو جعفر الطّبريّ و أبو العبّاس المبرّد إلى أنّ الحمد و الشّكر بمعنى واحد سواء،و ليس بمرضيّ.

و حكاه أبو عبد الرّحمن السّلميّ في كتاب«الحقائق»له عن جعفر الصّادق و ابن عطاء.قال ابن عطاء:معناه الشّكر للّه؛إذ كان منه الامتنان على تعليمنا إيّاه حتّى حمدناه.

و استدلّ الطّبريّ على أنّهما بمعنى بصحّة قولك:

الحمد للّه شكرا.قال ابن عطيّة:و هو في الحقيقة دليل على خلاف ما ذهب إليه،لأنّ قولك:شكرا،إنّما

ص: 805

خصّصت به الحمد،لأنّه على نعمة من النّعم.

قال بعض العلماء:إنّ الشّكر أعمّ من الحمد،لأنّه باللّسان و بالجوارح و القلب؛و الحمد إنّما يكون باللّسان خاصّة.و قيل:الحمد أعمّ،لأنّ فيه معنى الشّكر و معنى المدح،و هو أعمّ من الشّكر،لأنّ الحمد يوضع موضع الشّكر و لا يوضع الشّكر موضع الحمد.

و روي عن ابن عبّاس أنّه قال:الحمد للّه كلمة كلّ شاكر،و إنّ آدم عليه السّلام قال حين عطس:الحمد للّه.و قال اللّه نوح عليه السّلام: فَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ المؤمنون:28،و قال إبراهيم عليه السّلام: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إبراهيم:

39،و قال في قصّة داود و سليمان: وَ قالاَ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ النّمل:

15،و قال لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم: وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الإسراء:111.و قال أهل الجنّة: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ فاطر:34، وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10،فهي كلمة كلّ شاكر.

قلت:الصّحيح أنّ الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان،و الشّكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان.و على هذا الحدّ قال علماؤنا:الحمد أعمّ من الشّكر،لأنّ الحمد يقع على الثّناء و على التّحميد و على الشّكر؛و الجزاء مخصوص إنّما يكون مكافأة لمن أولاك معروفا؛فصار الحمد أعمّ في الآية،لأنّه يزيد على الشّكر.و يذكر الحمد بمعنى الرّضا؛يقال:بلوته فحمدته، أي رضيته.و منه قوله تعالى: مَقاماً مَحْمُوداً.

و قال عليه السّلام:«أحمد إليكم غسل الإحليل»أي أرضاه لكم.و يذكر عن جعفر الصّادق في قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ من حمده بصفاته كما وصف نفسه فقد حمد،لأنّ الحمد حاء و ميم و دال؛فالحاء من الوحدانيّة،و الميم من الملك، و الدّال من الدّيموميّة؛فمن عرفه بالوحدانيّة و الدّيموميّة و الملك فقد عرفه،و هذا هو حقيقة الحمد للّه.

و قال شقيق بن إبراهيم في تفسير: اَلْحَمْدُ لِلّهِ قال:هو على ثلاثة أوجه:أوّلها:إذا أعطاك اللّه شيئا تعرف من أعطاك.و الثّاني:أن ترضى بما أعطاك.

و الثّالث:ما دامت قوّته في جسدك ألاّ تعصيه؛فهذه شرائط الحمد.

السّادسة:أثنى اللّه سبحانه بالحمد على نفسه، و افتتح كتابه بحمده،و لم يأذن في ذلك لغيره؛بل نهاهم عن ذلك في كتابه و على لسان نبيّه عليه السّلام،فقال: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى النّجم:32.

و قال عليه السّلام:«احثوا في وجوه المدّاحين التّراب»رواه المقداد.و سيأتي القول فيه في«النّساء»إن شاء اللّه تعالى.

فمعنى اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي سبق الحمد منّي لنفسي قبل أن يحمدني أحد من العالمين،و حمدي نفسي لنفسي في الأزل لم يكن بعلّة،و حمدي الخلق مشوب بالعلل.قال علماؤنا:فيستقبح من المخلوق الّذي لم يعط الكمال أن يحمد نفسه ليستجلب لها المنافع و يدفع عنها المضارّ.و قيل:لمّا علم سبحانه عجز عباده عن

ص: 806

حمده،حمد نفسه بنفسه لنفسه في الأزل؛فاستفراغ طوق عباده هو محلّ العجز عن حمده.أ لا ترى سيّد المرسلين كيف أظهر العجز بقوله:«لا أحصي ثناء عليك» و أنشدوا:

إذا نحن أثنينا عليك بصالح

فأنت كما نثني و فوق الّذي نثني

و قيل:حمد نفسه في الأزل،لما علم من كثرة نعمه على عباده،و عجزهم عن القيام بواجب حمده،فحمد نفسه عنهم؛لتكون النّعمة أهنأ لديهم،حيث أسقط عنهم به ثقل المنّة.

السّابعة:و أجمع القرّاء السّبعة و جمهور النّاس على رفع الدّال من اَلْحَمْدُ لِلّهِ. و روي عن سفيان ابن عيينة و رؤبة بن العجّاج(الحمد للّه)بنصب الدّال؛ و هذا على إضمار فعل.و يقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ بالرّفع مبتدأ و خبر،و سبيل الخبر أن يفيد؛فما الفائدة في هذا؟

فالجواب أنّ سيبويه قال:إذا قال الرّجل:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ بالرّفع ففيه من المعنى مثل ما في قولك:

حمدت اللّه حمدا،إلاّ أنّ الّذي يرفع الحمد،يخبر أنّ الحمد منه و من جميع الخلق للّه؛و الّذي ينصب الحمد،يخبر أنّ الحمد منه وحده للّه.و قال غير سيبويه:إنّما يتكلّم بهذا تعرّضا لعفو اللّه و مغفرته و تعظيما له و تمجيدا،فهو خلاف معنى الخبر،و فيه معنى السّؤال.و في الحديث:

«من شغل بذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين».و قيل:إنّ مدحه عزّ و جلّ لنفسه و ثناءه عليها ليعلّم ذلك عباده؛فالمعنى على هذا:قولوا الحمد للّه.

قال الطّبريّ: اَلْحَمْدُ لِلّهِ ثناء أثنى به على نفسه، و في ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه،فكأنّه قال:قولوا:

الحمد للّه؛و على هذا يجيء قولوا:إيّاك.و هذا من حذف العرب ما يدلّ ظاهر الكلام عليه،كما قال الشّاعر:

و أعلم أنّني سأكون رمسا

إذا صار النّواعج لا يسير

فقال السّائلون لمن حفرتم

فقال القائلون لهم وزير

و روي عن ابن أبي عبلة(الحمد للّه)بضمّ الدّال و اللاّم على إتباع الثّاني الأوّل؛و ليتجانس اللّفظ،و طلب التّجانس في اللّفظ كثير في كلامهم،نحو:أجوؤك،و هو منحدر من الجبل،بضمّ الدّال و الجيم.

و روي عن الحسن بن أبي الحسن و زيد بن عليّ:

(الحمد للّه)بكسر الدّال على إتباع الأوّل الثّاني.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:131)

البيضاويّ: الحمد هو الثّناء على الجميل الاختياريّ من نعمة أو غيرها،و المدح هو الثّناء على الجميل مطلقا،تقول:حمدت زيدا على علمه و كرمه، و لا تقول:حمدته على حسنه،بل مدحته و قيل:هما أخوان،و الشّكر مقابلة النّعمة قولا و عملا و اعتقادا.[ثمّ استشهد بشعر]

فهو أعمّ منهما من وجه و أخصّ من آخر،و لمّا كان الحمد من شعب الشّكر أشيع للنّعمة،و أدلّ على مكانها، لخفاء الاعتقاد،و ما في آداب الجوارح من الاحتمال جعل

ص: 807

رأس الشّكر و العمدة فيه،فقال عليه الصّلاة و السّلام:

«الحمد رأس الشّكر،ما شكر اللّه من لم يحمده»و الذّمّ نقيض الحمد،و الكفران نقيض الشّكر.

و رفعه بالابتداء،و خبره(للّه)و أصله النّصب و قد قرئ،و إنّما عدل عنه إلى الرّفع ليدلّ على عموم الحمد و ثباته له،دون تجدّده و حدوثه،و هو من المصادر الّتي تنصب بأفعال مضمرة لا تكاد تستعمل معها،و التّعريف فيه للجنس،و معناه الإشارة إلى ما يعرفه كلّ أحد أنّ الحمد ما هو،أو للاستغراق؛إذ الحمد في الحقيقة كلّه له، إذ ما من خير إلاّ و هو موليه بوسط أو بغير وسط،كما قال: وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ النّحل:53،و فيه إشعار بأنّه تعالى حيّ قادر مريد عالم؛إذ الحمد لا يستحقّه إلاّ من كان هذا شأنه.

و قرئ (الحمد لله) بإتباع الدّال اللاّم و بالعكس تنزيلا لهما من حيث إنّهما يستعملان معا منزلة كلمة واحدة.(7:1)

النّسفيّ: (الحمد):الوصف بالجميل على جهة التّفضيل،و هو رفع بالابتداء،و أصله النّصب،و قد قرئ بإضمار فعله على أنّه من المصادر المنصوبة بأفعال مضمرة في معنى الإخبار،كقولهم:شكرا و كفرا،و العدول عن النّصب إلى الرّفع للدّلالة على ثبات المعنى و استقراره، و الخبر(للّه)و اللاّم متعلّق بمحذوف،أي واجب أو ثابت.

و قيل:الحمد و المدح أخوان،و هو الثّناء و النّداء على الجميل من نعمة و غيرها،تقول:حمدت الرّجل على إنعامه،و حمدته على شجاعته و حسبه،و أمّا الشّكر فعلى النّعمة خاصّة،و هو بالقلب و اللّسان و الجوارح.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الحمد باللّسان وحده و هو إحدى شعب الشّكر، و منه الحديث:«الحمد رأس الشّكر،ما شكر اللّه عبد لم يحمده»و جعله رأس الشّكر،لأنّ ذكر النّعمة باللّسان أشيع لها من الاعتقاد و آداب الجوارح،لخفاء عمل القلب و ما في عمل الجوارح من الاحتمال،و نقيض الحمد الذّمّ،و نقيض الشّكر الكفران.

و قيل:المدح ثناء على ما هو له من أوصاف الكمال، ككونه باقيا قادرا عالما أبديّا أزليّا،و الشّكر ثناء على ما هو منه من أوصاف الأفضال،و الحمد يشملها،و الألف و اللاّم فيه للاستغراق عندنا،خلافا للمعتزلة،و لذا قرن باسم اللّه،لأنّه اسم ذات فيستجمع صفات الكمال، و هو بناء على مسألة خلق الأفعال و قد حقّقته في مواضع.(1:6)

أبو حيّان :(الحمد)الثّناء على الجميل من نعمة أو غيرها باللسان وحده،و نقيضه الذّمّ،و ليس مقلوب مدح خلافا لابن الأنباريّ؛إذ هما في التّصريفات متساويان،و إذ قد يتعلّق المدح بالجماد فتمدح جوهرة، و لا يقال:تحمد و الحمد و الشّكر بمعنى واحد،أو الحمد أعمّ،و الشّكر ثناء على اللّه تعالى بأفعاله،و الحمد ثناء بأوصافه.ثلاثة أقوال أصحّها أنّه أعمّ،فالحامد قسمان:

شاكر و مثن بالصّفات.(1:18)

الشّربينيّ: الحمد اللّفظيّ لغة:الثّناء باللّسان على الجميل الاختياريّ على قصد التّبجيل،أي التّعظيم،

ص: 808

سواء أتعلّق بالفضائل و هي النّعم القاصرة،أم بالفواضل و هي النّعم المتعدّية،فدخل في«الثّناء»الحمد و غيره، و خرج«باللّسان»الثّناء بغيره كالحمد النّفسيّ.

و ب«الجميل»الثّناء باللّسان على غير الجميل،إن قلنا برأي ابن عبد السّلام:إنّ الثّناء حقيقة في الخير و الشّرّ، و إن قلنا برأي الجمهور و هو الظّاهر:إنّه حقيقة في الخير فقط،ففائدة ذلك تحقيق الماهيّة،أو دفع توهّم إرادة الجمع بين الحقيقة و المجاز عند من يجوّزه، و ب«الاختياريّ»المدح،فإنّه يعمّ الاختياريّ و غيره، تقول:مدحت اللّؤلؤة على حسنها دون حمدتها،و ظاهر قول الزّمخشريّ: الحمد و المدح أخوان أنّهما مترادفان، و به صرّح في«الفائق»لكنّ الأوفق ما عليه الأكثر أنّهما غير مترادفين،بل متشابهان معنى أو اشتقاقا كبيرا.

و الاشتقاق ثلاثة أقسام:كبير و أكبر و أصغر،و قد يعبّر عنه بالصّغير.فالكبير:أن يشترك اللّفظان في الحروف الأصول من غير ترتيب كالحمد و المدح.

و الأكبر:أن يشتركا في أكثر الحروف الأصول كالفلق و الفلج و الفلذ مع اتّحاد في المعنى أو تناسب.و الأصغر:

أن يشتركا في الحروف الأصول المرتّبة كضرب و الضّرب،و بعلى قصد التّبجيل ما كان على قصد الاستهزاء و السّخريّة،نحو قوله تعالى: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ الدّخان:49،و تناول الظّاهر و الباطن، إذ لو تجرّد«الثّناء على الجميل»عن مطابقة الاعتقاد،أو خالفه أفعال الجوارح لم يكن حمدا،بل تهكّم أو تمليح، و هذا لا يقتضي دخول الجنان و الأركان في التعريف،لأنّ المطابقة و عدم المخالفة اعتبرا فيه شرطا لا شطرا،و عرفا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم؛من حيث إنّه منعم على الحامد أو غيره،سواء كان ذكرا باللّسان أم اعتقادا و محبّة بالجنان،أم عملا و خدمة بالأركان[ثمّ استشهد بشعر]

فمورد اللّغويّ هو اللّسان وحده،و متعلّقه يعمّ النّعمة و غيرها،و مورد العرفيّ يعمّ اللّسان و غيره،و متعلّقه يكون النّعمة وحدها،فاللّغويّ أعمّ باعتبار المتعلّق، و أخصّ باعتبار المورد.و العرفيّ بالعكس.

و الشّكر لغة هو الحمد عرفا.و عرفا صرف العبد جميع ما أنعم اللّه تعالى به عليه من السّمع و غيره إلى ما خلق لأجله.

و المدح لغة:الثّناء باللّسان على الجميل مطلقا،على جهة التّعظيم،و عرفا:ما يدلّ على اختصاص الممدوح بنوع من الفضائل،فالشّكر أعمّ من الحمد و المدح من وجه،لأنّه لا يختصّ باللّسان،و أخصّ منهما من وجه آخر،لأنّه يختصّ بالثّناء على الإنعام،و ضدّ الحمد الذّمّ، و ضدّ الشّكر الكفران،و ضدّ المدح الهجو.

و جملة اَلْحَمْدُ لِلّهِ خبريّة لفظا إنشائيّة معنى، لحصول الحمد بالتّكلّم بها مع الإذعان لمدلولها،و يجوز أن تكون موضوعة شرعا للإنشاء.و قيل:خبريّة لفظا و معنى،قال بعضهم:و هو التّحقيق،إذ ليس معنى كونها إنشائيّة إلاّ أنّها جملة إنشاء الحامد الثّناء بها،و ذلك لا ينافي كونها خبريّة معنى.

و لام(للّه)للملك،أو الاستحقاق،أو الاختصاص.

و قيل:للتّعليل،و الأولى أنّها للاختصاص بالمعنى الأعمّ

ص: 809

الصّادق بالملك و بالاستحقاق،لا بالمعنى الأخصّ المقابل لهما،و على كلّ،فهي متعلّقة بمحذوف هو الخبر حقيقة.

فالحمد مختصّ باللّه كما أفادته الجملة الاسميّة،سواء أ جعلت لام التّعريف فيه للاستغراق كما عليه الجمهور، و هو ظاهر،أم للجنس كما عليه الزّمخشريّ،لأنّ لام (للّه)للاختصاص كما مرّ،فلا فرد منه لغيره،أم للعهد كالّتي في قوله تعالى: إِذْ هُما فِي الْغارِ التّوبة:40،كما نقله ابن عبد السّلام،و أجازه الواحديّ،على معنى أنّ الحمد-الّذي حمد اللّه به نفسه و حمده به أنبياؤه و أولياؤه -مختصّ به.

و العبرة بحمد من ذكر،فلا فرد منه لغيره،و أولى الثّلاثة الجنس،زاد بعضهم أو للكمال،كما أفاده سيبويه في الدّاخلة على الصّفات كالرّحمن الرّحيم.قال البيضاويّ: إذ الحمد في الحقيقة كلّه له؛إذ ما من خير إلاّ و هو موليه بوسط أو بغير وسط،كما قال: وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ النّحل:53،انتهى.

فإن قيل:بل هو موليه مطلقا بغير وسط.

أجيب بأنّ المراد بالوسط من تصل إليه النّعمة أوّلا، ثمّ تنتقل منه إلى غيره،لا أنّه وسط في التّأثير.

فإن قيل:لم خصّ الحمد باللّه و لم يقل:الحمد للخالق أو نحوه من بقيّة الصّفات؟

أجيب بأن لا يتوهّم اختصاص استحقاق الحمد بوصف دون وصف.(1:7)

أبو السّعود :الحمد هو النّعت بالجميل على الجميل،اختياريّا كان أو مبدأ له،على وجه يشعر بتوجيهه إلى المنعوت،و بهذه الحيثيّة يمتاز عن المدح، فإنّه خال عنها.يرشدك إلى ذلك ما ترى بينهما من الاختلاف في كيفيّة التّعلّق بالمفعول في قولك:حمدته و مدحته،فإنّ تعلّق الثّاني بمفعوله،على منهاج تعلّق عامّة الأفعال بمفعولاتها،و أمّا الأوّل فتعلّقه بمفعوله منبئ عن معنى الإنهاء،كما في قولك:كلّمته،فإنّه معرب عمّا تفيده لام التّبليغ في قولك:قلت له،و نظيره شكرته و عبدته و خدمته،فإن تعلّق كلّ منها منبئ عن المعنى المذكور.

و تحقيقه:أنّ مفعول كلّ فعل في الحقيقة هو الحدث الصّادر عن فاعله،و لا يتصوّر في كيفيّة تعلّق الفعل به- أيّ فعل كان-اختلاف أصلا.و أمّا المفعول به الّذي هو محلّه و موقعه،فلمّا كان تعلّقه به و وقوعه عليه على أنحاء مختلفة حسبما تقتضيه خصوصيّات الأفعال بحسب معانيها المختلفة،فإنّ بعضها يقتضي أن يلابسه ملابسة تامّة مؤثّرة فيه كعامّة الأفعال،و بعضها يستدعي أن يلابسه أدنى ملابسة.إمّا بالانتهاء إليه كالإعانة مثلا،أو بالابتداء منه كالاستعانة مثلا،اعتبر في كلّ نحو من أنحاء تعلّقه به كيفيّة لائقة بذلك النّحو،مغايرة لما اعتبر في النّحوين الأخيرين.

فنظم القسم الأوّل من التّعلّق،في سلك التّعلّق بالمفعول الحقيقيّ،مراعاة لقوّة الملابسة،و جعل كلّ واحد من القسمين الأخيرين من قبيل التّعلّق بواسطة الجارّ المناسب له،فإنّ قولك أعنته:مشعر بانتهاء الإعانة إليه، و قولك استعنته:بابتدائها منه،و قد يكون لفعل واحد

ص: 810

مفعولان،يتعلّق بأحدهما على الكيفيّة الأولى،و بالآخر على الثّانية أو الثّالثة،كما في قولك:حدّثني الحديث، و سألني المال،فإنّ التّحديث مع كونه فعلا واحدا قد تعلّق بك على الكيفيّة الثّانية،و بالحديث على الأولى، و كذا السّؤال،فإنّه فعل واحد،و قد تعلّق بك على الكيفيّة الثّانية و بالمال على الأولى.

و لا ريب في أنّ اختلاف هذه الكيفيّات الثّلاث، و تباينها و اختصاص كلّ من المفاعيل المذكورة بما نسب إليه منها،ممّا لا يتصوّر فيه تردّد و لا نكير،و إن كان لا يتّضح حقّ الاتّضاح،إلاّ عند التّرجمة و التّفسير،و أنّ مدار ذلك الاختلاف ليس إلاّ اختلاف الفعل أو اختلاف المفعول،و إذ لا اختلاف في مفعول الحمد و المدح،تعيّن أنّ اختلافهما في كيفيّة التّعلّق،لاختلافهما في المعنى قطعا.

هذا،و قد قيل:المدح مطلق عن قيد الاختيار، يقال:مدحت زيدا على حسنه و رشاقة قدّه،و أيّا ما كان فليس بينهما ترادف،بل أخوّة من جهة الاشتقاق الكبير،و تناسب تامّ في المعنى كالنّصر و التّأييد،فإنّهما يتناسبان معنى من غير ترادف،لما ترى بينهما من الاختلاف في كيفيّة التّعلّق بالمفعول،و إنّما مرادف النّصر الإعانة،و مرادف التّأييد التّقوية،فتدبّر.

ثمّ إنّ ما ذكر من التّفسير هو المشهور من معنى الحمد،و اللاّئق بالإرادة في مقام التّعظيم،و أمّا ما ذكر في كتب اللّغة من معنى الرّضا مطلقا،كما في قوله تعالى:

عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً الإسراء:79، و في قولهم:لهذا الأمر عاقبة حميدة،و في قول الأطبّاء:

بحران محمود،ممّا لا يختصّ بالفاعل فضلا عن الاختيار، فبمعزل عن استحقاق الإرادة هاهنا استقلالا،أو استتباعا بحمل الحمد على ما يعمّ المعنيين،إذ ليس في إثباته له عزّ و جلّ فائدة يعتدّ بها.

و أمّا الشّكر فهو مقابلة النّعمة بالثّناء و إدآب الجوارح،و عقد القلب على وصف المنعم بنعت الكمال.

[ثمّ استشهد بشعر]فإذن هو أعمّ منهما من جهة، و أخصّ من أخرى.و نقيضه الكفران،و لمّا كان الحمد من بين شعب الشّكر أدخل في إشاعة النّعمة و الاعتداد بشأنها،و أدلّ على مكانها لما في عمل القلب من الخفاء، و في أعمال الجوارح من الاحتمال،جعل الحمد رأس الشّكر،و ملاكا لأمره في قوله عليه السّلام:«الحمد رأس الشّكر،ما شكر اللّه عبد لم يحمده».

و ارتفاعه بالابتداء،و خبره الظّرف،و أصله النّصب،كما هو شأن المصادر المنصوبة بأفعالها المضمرة الّتي لا تكاد تستعمل معها،نحو شكرا و عجبا،كأنّه قيل:

نحمد اللّه حمدا بنون الحكاية،ليوافق ما في قوله تعالى:

إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ الفاتحة:4،لاتّحاد الفاعل في الكلّ.

و أمّا ما قيل من أنّه بيان لحمدهم له تعالى،كأنّه قيل:كيف تحمدون؟فقيل:إيّاك نعبد،فمع أنّه لا حاجة إليه ممّا لا صحّة له في نفسه،فإنّ السّؤال المقدّر لا بدّ أن يكون بحيث يقتضيه انتظام الكلام و تنساق إليه الأذهان و الأفهام،و لا ريب في أنّ الحامد بعد ما ساق حمده تعالى على تلك الكيفيّة اللاّئقة،لا يخطر ببال أحد أن يسأل عن

ص: 811

كيفيّته،على أنّ ما قدّر من السّؤال غير مطابق للجواب، فإنّه مسوق لتعيين المعبود،لا لبيان العبادة.حتّى يتوهّم كونه بيانا لحمدهم،و الاعتذار بأنّ المعنى نخصّك بالعبادة،و به يتبيّن كيفيّة الحمد،تعكيس للأمر،و تمحّل لتوفيق المنزّل المقرّر بالموهوم المقدّر.

و بعد اللّتيا و الّتي إن فرض السّؤال من جهته عزّ و جلّ فاتت نكتة الالتفات الّتي أجمع عليها السّلف و الخلف،و إن فرض من جهة الغير يختلّ النّظام لابتناء الجواب على خطابه تعالى.

و بهذا يتّضح فساد ما قيل:إنّه استئناف،جوابا لسؤال يقتضيه إجراء تلك الصّفات العظام على الموصوف بها،فكأنّه قيل:ما شأنكم معه و كيف توجّهكم إليه،فأجيب بحصر العبادة و الاستعانة فيه، فإنّ تناسي جانب السّائل بالكلّيّة،و بناء الجواب على خطابه عزّ و علا ممّا يجب تنزيه ساحة التّنزيل عن أمثاله.

و الحقّ الّذي لا محيد عنه أنّه استئناف صدر عن الحامد بمحض ملاحظة اتّصافه تعالى بما ذكر من النّعوت الجليلة الموجبة للإقبال الكلّيّ عليه،من غير أن يتوسّط هناك شيء آخر كما ستحيط به خبرا.

و إيثار الرّفع على النّصب الّذي هو الأصل،للإيذان بأنّ ثبوت الحمد له تعالى لذاته لا لإثبات مثبت،و أنّ ذلك أمر دائم مستمرّ لا حادث متجدّد،كما تفيده قراءة النّصب،و هو السّرّ في كون تحيّة الخليل للملائكة عليهم التّحيّة و السّلام،أحسن من تحيّتهم له في قوله تعالى:

قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ هود:69.

و تعريفه للجنس،و معناه الإشارة إلى الحقيقة من حيث هي حاضرة في ذهن السّامع،و المراد تخصيص حقيقة الحمد به تعالى،المستدعي لتخصيص جميع أفرادها به سبحانه على الطّريق البرهانيّ،لكن لا بناء على أنّ أفعال العباد مخلوقة له تعالى،فتكون الأفراد الواقعة بمقابلة ما صدر عنه من الأفعال الجميلة،راجعة إليه تعالى،بل بناء على تنزيل تلك الأفراد و دواعيها في المقام الخطابيّ منزلة العدم كيفا و كمّا.

و قد قيل:للاستغراق الحاصل بالقصد إلى الحقيقة من حيث تحقّقها في ضمن جميع أفرادها،حسبما يقتضيه المقام،و قرئ: (الحمد للّه) بكسر«الدّال»إتباعا لها باللاّم،و بضمّ اللاّم إتباعا لها بالدّال،بناء على تنزيل الكلمتين لكثرة استعمالهما مقترنتين،منزلة كلمة واحدة،مثل المغيرة و منحدر الجبل.(1:19)

صدر المتألهين :قيل:الحمد و المدح و الشّكر ألفاظ متقاربة المعنى،كما أنّ مقابلاتها و هي الذّمّ و الهجاء و الكفران كذلك.و قيل:الأوّلان مترادفان.و قيل:بل الحمد أخصّ منه،لأنّه مختصّ بالاختياريّ.و قيل:

الأخيران مترادفان،فيقال:الحمد للّه شكرا،فنصبه على المصدريّة يقتضي وضع أحدهما موضع الثّاني،فإذا كان الحمد يقع موقع الشّكر،فالشّكر هو الاعتراف بالنّعمة مع ضرب من التّعظيم.

و الحقّ أنّ بين الحمد و الشّكر تعاكسا في العموم و الخصوص،بحسب المورد و المتعلّق،فإنّ«مورد الحمد»

ص: 812

هو اللّسان،سواء كان بإزاء النّعمة الواصلة أم لا،و أمّا الشّكر فهو على النّعمة خاصّة،و مورده يعمّ الجنان و اللّسان و الأركان.[ثمّ استشهد بشعر]

فالحمد إحدى شعب الشّكر بوجه،و إنّما جعل رأس الشّكر و العمدة فيه-كما في قوله صلّى اللّه عليه و آله:الحمد رأس الشّكر.و قوله عليه السّلام:ما شكر اللّه من لم يحمده-لكونه أشيع للنّعمة و أدلّ على مكانها،و أنطق للإفصاح عن بعض خفيّاتها في عالم الحسّ،لخفاء عمل القلب و عقائده،و لما في آداب الجوارح من الاحتمال.

و لمّا كان الحمد من المصادر الّتي ينصب بأفعال مضمرة لا يكاد يستعمل معها،فأصله النّصب،و الجملة فعليّة،و إنّما عدل به إلى الرّفع بالابتدائيّة،و الظّرف خبره،و الجملة اسميّة،للدّلالة على ثبات الحمد و دوامه دون تجدّده و حدوثه،و منه قوله تعالى: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ هود:69،للدّلالة على أنّ إبراهيم عليه السّلام حيّاهم تحيّة أحسن من تحيّتهم،لكون الاسميّة دالّة على معنى الثّبات دون الفعليّة.

و قرأ الحسن: (الحمد للّه) بإتباع الدّال اللاّم،و ابن عبلة بالعكس،و الباعث لهما تنزيل الكلمتين المستعملتين معا منزلة كلمة واحدة.

ما مرّ من تخصيص الحمد باللّسان،و كون الثّناء باللّسان عمدة أفراد الشّكر،إنّما هو في نظر الحسّ كما أومأنا إليه،و بحسب ما هو المتعارف عند المحجوبين،و أمّا في عرف المكاشفين،فالحمد نوع من الكلام،و قد مرّ أنّ الكلام غير مختصّ الوقوع باللّسان،و لهذا حمد اللّه و أثنى على ذاته بما هو أهله و مستحقّه،كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

«لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».

و كذا يحمده و يسبّحه كلّ شيء كما في قوله تعالى:

وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ الإسراء:44،فحقيقة«الحمد»عند العارفين المحقّقين،إظهار الصّفات الكماليّة،و ذلك قد يكون بالقول،كما هو المشهور عند الجمهور،و قد يكون بالفعل،و هو كحمد اللّه ذاته،و حمد جميع الأشياء له، و هذا القسم أقوى،لأنّ دلالة اللّفظ من حيث هو لفظ دلالة وضعيّة،قد يتخلّف عنها مدلولها،و دلالة الفعل كدلالة آثار الشّجاعة على الشجاعة،و آثار السّخاوة على السّخاوة،عقليّة قطعيّة،لا يتصوّر فيها تخلّف، فحمد اللّه ذاته و هو أجلّ مراتب الحمد هو إيجاده كلّ موجود من الموجودات،فاللّه جلّ ثناؤه حيث بسط بساط الوجود على ممكنات لا تعدّ و لا تحصى،و وضع عليه موائد كرمه الّتي لا تتناهى،فقد كشف عن صفات كماله و نعوت جلاله،و أظهرها بدلالات عقليّة تفصيليّة غير متناهية.فإنّ كلّ ذرّة من ذرّات الوجود يدلّ عليها، و لا يتصوّر في العبارة مثل هذه الدّلالات،كما وقع التّنبيه عليه في الحديث المنقول سابقا،فإيجاده تعالى كلّ موجود هو الحمد بالمعنى المصدريّ بمنزلة التّكلّم بالكلام الدّالّ على الجميل،و نفس ذلك الموجود هو الحمد بالمعنى الحاصل بالمصدر؛فإطلاق«الحمد»على كلّ موجود صحيح بهذا المعنى،و كما أنّ كلّ موجود حمد فهو حامد أيضا،لاشتماله على مقوّم عقليّ و جوهر نطقيّ،كأرباب

ص: 813

الأنواع و ملائكة الطّباع و غيرهم،كما تقرّر في موضعه، و لذلك عبّر في القرآن عن تلك الدّلالة العقليّة منه بالنّطق في قوله تعالى: أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ فصّلت:21.

و كذلك جميع الموجودات من حيث نظامه الجمليّ حمد واحد و حامد واحد،لما قد ثبت أنّ الجميع بمنزلة إنسان واحد كبير،له حقيقة واحدة و صورة واحدة و عقل واحد،و هو العقل الأوّل الّذي هو صورة العالم و حقيقته،و هو الحقيقة التّماميّة المحمّديّة،فأجلّ مراتب الحمد و أعظمها هي المرتبة الختميّة المحمّديّة القائمة بوجود الخاتم صلّى اللّه عليه و آله،من حيث وصوله إلى المقام المحمود الموعود في قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً الإسراء:79،فذاته المقدّسة أقصى مراتب الحمد الّتي حمد اللّه بها ذاته،و لذلك خصّ بلواء الحمد،و سمّي بالحمّاد و الأحمد و المحمود من مشتقّات الحمد،كما قيل.

و لا يخفى عليك،إنّ القول بأنّ حقيقته صلّى اللّه عليه و آله أقصى مراتب الحمد،لا ينافي كونه بحسب وجوده العنصريّ أحد أجزاء العالم الكبير،من حيث إنّ دلالة جميع الموجودات على جميل صفات اللّه (1)تعالى،أقوى من دلالة موجود واحد هو جزء العالم،عليه،و ذلك لأنّ الإنسان الكامل له أطوار متفاوتة و نشآت متنوّعة، فله صلّى اللّه عليه و آله جميع المقامات و النّشئات،ففي وقت و مقام له أن يقول: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ الكهف:110،و في وقت و مقام أن يقول:لي مع اللّه وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل.و قوله:من أطاعني فقد أطاع اللّه، و من أبغضني فقد أبغض اللّه.

و كونه أقصى مراتب الحمد إنّما يتحقّق في مقامه الجمعيّ الأخرويّ،الّذي هو المقام المحمود،و لهذا قال كما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله:فيلهمني اللّه محامد أحمده بها، لا يحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد.

لمّا تقرّر أنّ جميع مراتب الموجودات روحا و جسما،عقلا و حسّا،بجميع الألسنة قولا و فعلا و حالا،يحمدونه تعالى و يسبّحونه و يمجّدونه في الدّنيا و الآخرة بحسب الفطرة الأصليّة،و مقتضى الدّاعية الذّاتيّة،و لا شكّ أنّ لكلّ فعل غريزيّ غاية ذاتيّة، و باعثا أصليّا،و قد تقرّر أنّ ذاته تعالى غاية الغايات و نهاية الرّغبات،فعلى هذا قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ يمكن أن يكون إشارة إلى مبدإ الوجود و غايته،سواء كانت اللاّم في(للّه)للغاية،أو للاختصاص،فمعناه على الأوّل أنّ حقيقة الوجود و جنسه،إذا كان التّعريف في الحمد للجنس،أو الوجود كلّه،إذا كان للاستغراق،كما قيل:

لأجل استكمالها بمعرفته تعالى و وصولها إليه.

و معناه على الثّاني أنّ حقيقة الوجود أو جميع أفراده للّه تعالى،و إذا كانت هي له تعالى كان هو تعالى لها أيضا، لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«من كان للّه كان اللّه له»،فذاته تعالى علّة تماميّة كلّ شيء و غاية كمال كلّ موجود،إمّا بلا واسطة، كما للحقيقة المحمّديّة الّتي هي صورة نظام العالم و أصله و منشؤه،و إمّا بواسطة فيضه الأقدس و وجوده المقدّس،ه.

ص: 814


1- على جميع صفات اللّه.

كما لسائر الموجودات،و فيه سرّ الشّفاعة و لواء الحمد.

(1:73)

البروسويّ: اَلْحَمْدُ لِلّهِ لامه للعهد،أي الحمد الكامل،و هو حمد اللّه للّه،أو حمد الرّسل،أو كمّل أهل الولاء،أو للعموم و الاستغراق،أي جميع المحامد و الأثنية للمحمود أصلا،و الممدوح عدلا،و المعبود حقّا،عينيّة كانت تلك المحامد أو عرضيّة،من الملك،أو من البشر أو من غيرهما،كما قال تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44،و الحمد عند الصّوفيّة إظهار كمال المحمود،و كماله تعالى صفاته و أفعاله و آثاره.

قال الشّيخ داود القيصريّ: «الحمد قوليّ و فعليّ و حاليّ».

أمّا القوليّ فحمد اللّسان و ثناؤه عليه بما أثنى به الحقّ على نفسه على لسان أنبيائه عليهم السّلام.

و أمّا الفعليّ فهو الإتيان بالأعمال البدنيّة من العبادات و الخيرات،ابتغاء لوجه اللّه تعالى،و توجّها إلى جنابه الكريم،لأنّ الحمد كما يجب على الإنسان باللّسان كذلك يجب عليه بحسب كلّ عضو،بل على كلّ عضو كالشّكر،و عند كلّ حال من الأحوال،كما قال النّبيّ عليه السّلام:«الحمد للّه على كلّ حال»،و ذلك لا يمكن إلاّ باستعمال كلّ عضو فيما خلق لأجله على الوجه المشروع،عبادة للحقّ تعالى،و انقيادا لأمره،لا طلبا لحظوظ النّفس و مرضاتها.

و أمّا الحاليّ فهو الّذي يكون بحسب الرّوح و القلب، كالاتّصاف بالكمالات العلميّة و العمليّة،و التّخلّق بالأخلاق الإلهيّة،لأنّ النّاس مأمورون بالتّخلّق بأخلاق اللّه تعالى بلسان الأنبياء عليهم السّلام لتصير الكمالات ملكة نفوسهم و ذواتهم،و في الحقيقة هذا حمد الحقّ أيضا نفسه في مقامه التّفصيليّ المسمّى بالمظاهر،من حيث عدم مغايرتها له.

و أمّا حمده ذاته في مقامه الجمعيّ الإلهيّ قولا،فهو ما نطق به في كتبه و صحفه من تعريفاته نفسه بالصّفات الكماليّة،و فعلا فهو إظهار كمالاته الجماليّة و الجلاليّة من غيبه إلى شهادته،و من باطنه إلى ظاهره،و من علمه إلى عينه،في مجالي صفاته و محالّ ولاية أسمائه،و حالا فهو تجلّيّاته في ذاته بالفيض الأقدس الأولى و ظهور النّور الأزليّ،فهو الحامد و المحمود جمعا و تفصيلا.

لقد كنت دهرا قبل أن يكشف الغطا

اخا لك إنّي ذاكر لك شاكر

فلمّا أضاء اللّيل أصبحت شاهدا

بأنّك مذكور و ذكر و ذاكر

و كلّ حامد بالحمد القوليّ يعرف محموده بإسناد صفات الكمال إليه،فهو يستلزم التّعريف،انتهى كلامه.

و الحمد شامل للثّناء و الشّكر و المدح،و لذلك صدر كتابه بأن حمد نفسه بالثّناء في(للّه)و الشّكر في رَبِّ الْعالَمِينَ و المدح في اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.

ثمّ ليس للعبد أن يحمده بهذه الوجوه الثّلاثة حقيقة، بل تقليدا و مجازا:أمّا الأوّل:فلأنّ الثّناء و المدح-بوجه يليق بذاته أو بصفاته-فرع معرفة كنههما،و قد قال اللّه

ص: 815

تعالى: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110، وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الأنعام:91.

و أمّا الثّاني:فكما أنّ النّبيّ عليه السّلام لمّا خوطب ليلة المعراج بأن أثن عليّ قال:«لا أحصي ثناء عليك»و علم أن لا بدّ من امتثال الأمر و إظهار العبوديّة،فقال:«أنت كما أثنيك على نفسك»فهو ثناء بالتّقليد،و قد أمرنا أيضا أن نحمده بالتّقليد بقوله: قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الإسراء:

111،كما قال: فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التّغابن:16.

كذا في«التّأويلات النّجميّة»قال السّعديّ قدّس سرّه:

عطاييست هر موى از او بركنم

چه گونه بهر موى شكرى كنم

و ذكر الشّيخ الإمام حجّة الإسلام الغزاليّ رحمه اللّه في «منهاج العابدين»:أنّ الحمد و الشّكر آخر العقبات السّبع،الّتي لا بدّ للسّالك من عبورها ليظفر بمبتغاه،فأوّل ما يتحرّك العبد لسلوك طريق العبادة يكون بخطرة سماويّة و توفيق خاصّ إلهيّ».و هو الّذي أشار إليه صاحب الشّرع صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:«إنّ النّور إذا دخل قلب العبد انفتح و انشرح»فقيل:يا رسول اللّه:هل لذلك من علامة يعرف بها؟فقال:«التّجافي عن دار الغرور، و الإنابة إلى دار الخلود،و الاستعداد للموت قبل نزوله» فإذا خطر بقلب العبد أوّل كلّ شيء أنّ له منعما بضروب من النّعم،و قال:إنّه يطالبني بشكره و خدمته، فلعلّه إن غفلت يزيل نعمته و يذيقني نقمته،و قد بعث إليّ رسولا بالمعجزات،و أخبرني بأنّ لي ربّا عالما قادرا على أن يثيب بطاعته،و يعاقب بمعصيته،و قد أمر و نهى، فيخاف على نفسه عنده،فلم يجد في طريق الخلاص من هذا النّزاع سبيلا سوى الاستدلال بالصّنعة على الصّانع، فيحصل له اليقين بوجود ربّه الموصوف بما ذكر،فهذه عقبة العلم و المعرفة استقبلته في أوّل الطّريق،ليكون في قطعها على بصيرة بالتّعلّم و السّؤال من علماء الآخرة، فإذا حصل له اليقين بوجود ربّه بعثته المعرفة على التّشمّر للخدمة،و لكنّه لا يدري كيف يعبده،فيتعلّم ما يلزمه من الفرائض الشّرعيّة ظاهرا و باطنا،فلمّا استكمل العلم و المعرفة بالفرائض،انبعث للعبادة،فنظر، فإذا هو صاحب ذنوب،كما هو حال أكثر النّاس، فيقول:كيف أقبل على الطّاعة و أنا مصرّ متلطّخ بالمعاصي،فيجب أن أتوب إليه ليخلصني من أسرها، و أتطهّر من أقذارها،فأصلح للخدمة،فيستقبله هاهنا عقبة التّوبة،فلمّا حصلت له إقامة التّوبة الصّادقة بحقوقها و شرائطها،نظر للسّلوك،فإذا حوله عوائق من العبادة محدقة به،فتأمّل.

فإذا هي أربع:الدّنيا و الخلق و الشّيطان و النّفس، فاستقبلته عقبة العوائق،فيحتاج إلى قطعها بأربعة أمور:

التّجرّد عن الدّنيا،و التّفرّد عن الخلق و المحاربة مع الشّيطان و النّفس،و هي أشدّها؛إذ لا يمكنه التّجرّد عنها، و لا أن يقهرها بمرّة كالشّيطان؛إذ هي المطيّة و الآلة،و لا مطمع أيضا في موافقتها على الإقبال على العبادة؛إذ هي مجبولة على ضدّ الخير كالهوى و اتّباعها له.

نمى تازد اين نفس سركش چنان

كه عقلش تواند گرفتن عنان

ص: 816

كه با نفس و شيطان برآيد بزور

مصاف پلنگان نيايد زمور

فاحتاج إلى أن يلجمها بلجام التّقوى لتنقاد، فيستعملها في المراشد،و يمنعها عن المفاسد،فلمّا فرغ من قطعها وجد عوارض تعترضه و تشغله عن الإقبال على العبادة،فنظر فإذا هي أربعة:

رزق تطلبه النّفس و لا بدّ.

و إخطار من كلّ شيء يخافه أو يرجوه أو يريده أو يكرهه،و لا يدري إصلاحه في ذلك أم فساده.

و الثّالث:الشّدائد و المصائب،تنصبّ عليه من كلّ جانب،لا سيّما و قد انتصب لمخالفة الخلق،و محاربة الشّيطان،و مضارّة النّفس.

و الرّابع:أنواع القضاء،فاستقبلته هاهنا عقبة العوارض الأربعة،فاحتاج إلى قطعها بأربعة:بالتّوكّل على اللّه في الرّزق،و التّفويض إليه في موضع الخطر، و الصّبر عند الشّدائد،و الرّضى بالقضاء،فإذا قطعها نظر،فإذا النّفس فاترة كسلى،لا تنشط و لا تنبعث لخير كما يحقّ و ينبغي،و إنّما ميلها إلى غفلة و دعة و بطالة،بل إلى سرف و فضول،فاحتاج إلى سائق يسوقها إلى الطّاعة،و زاجر يزجرها عند المعصية،و هما الرّجاء و الخوف،فالرّجاء في حسن ما وعد من الكرامات، و الخوف من صعوبة ما أوعد من العقوبات و الإهانات، فهذه عقبة البواعث استقبلته،فاحتاج إلى قطعها بهذين المذكورين،فلمّا فرغ منها لم ير عائقا و لا شاغلا،و وجد باعثا و داعيا فعانق العبادة بلزام الشّوق.

فنظر فإذا تبدو بعد كلّ ذلك آفتان عظيمتان،هما الرّياء و العجب،فتارة يرائي بطاعته النّاس،و تارة يستعظم ذلك و يكرم نفسه،فاستقبلته هاهنا عقبة القوادح،فاحتاج إلى قطعها بالإخلاص و ذكر المنّة،فإذا قطعها بحسن عصمة الجبّار و تأييده،حصلت العبادة له، كما يحقّ و ينبغي.

و لكنّه نظر فإذا هو غريق في بحور نعم اللّه من إمداد التّوفيق و العصمة،فخاف أن يكون منه إغفال للشّكر فيقع في الكفران،و ينحطّ عن تلك المرتبة الرّفيعة الّتي هي مرتبة أغذية الخالصين،فاستقبلته هاهنا عقبة الحمد و الشّكر فقطعها بتكثيرهما.

فلمّا فرغ منها فإذا هو بمقصوده و مبتغاه،فيتنعّم في طيب هذه الحالة بقيّة عمره،بشخص في الدّنيا،و قلب في العقبى،ينتظر البريد يوما فيوما،و يستقذر الدّنيا فاستكمل الشّوق إلى الملإ الأعلى،فإذا هو برسول ربّ العالمين يبشّره بالرّضوان من عند ربّ غير غضبان، فينقلونه في طيبة النّفس و تمام البشر و الأنس من هذه الدّنيا الفانية إلى الحضرة الإلهيّة،و مستقرّ رياض الجنّة، فيرى لنفسه الفقيرة نعيما و ملكا عظيما.(1:10)

الآلوسيّ: الحمد على المشهور هو الثّناء باللّسان على الجميل،سواء تعلّق بالفضائل أم بالفواضل،قالوا:

و لا بدّ لتحقّقه من خمسة أمور:محمود به،و محمود عليه، و حامد و محمود،و ما يدلّ على اتّصاف المحمود بصفة.

فالأوّل:صفة تظهر اتّصاف الشّيء بها على وجه مخصوص،و يجب كونه صفة كمال و لو ادّعاء؛إذ المناط

ص: 817

التّعظيم،و لا فرق عند الإمام الرّازيّ قدّس سرّه بين كونه ثبوتيّا أو سلبيّا،متعدّيا أو غير متعدّ،بل و لا بين كونه صادرا عن المحمود باختياره.أو لا،كما قرّره العلاّمة الدّوانيّ و صدر الأفاضل في حواشي«التّجريد»و«المطالع» و جزم به المحقّق الملاّ خسرو و ادّعى أنّه الأشهر.إلاّ أنّ العلاّمة في شرح«التّهذيب»نقل عن البعض وجوب كونه اختياريّا،و اختاره كما في المحمود عليه،فكما لم يسمع الحمد على رشاقة القدّ،و صباحة الخدّ،لم يسمع الحمد بهما،و عدم حمد اللّؤلؤة كما يمكن كونه من جهة حال المحمود عليه،يمكن كونه من جهة المحمود،فجعله دليلا على أحدهما فقط تحكّم.

الثّاني:ما يقع الثّناء بإزائه و يقابله،بمعنى أنّ المثنى عليه لمّا اتّصف به أظهر كماله،و لولاه لم يتحقّق ذلك، فهو كالعلّة الباعثة.

و قد يكون الشّيء الواحد محمودا به و عليه معا،كأن رأى من ينعم أو يصلّي فأظهر اتّصافه بذلك،فهناك فيتحقّق الأمران لحيثيّتين،و يجب أن يكون كمالا على نحو ما سبق.و ظاهر كلام الجمهور أنّه أعمّ من كونه فعلا صادرا من المحمود أو كيفيّة قائمة به،و يفهم كلام الامام اختيار الأوّل،و اشترط أن يكون حصوله من المحمود باختياره.

و استشكل الحمد على صفاته تعالى الذّاتيّة،سواء جعلت عين ذاته أو زائدة عليها،و أجيب بأنّ الحمد عليها.بتنزيلها منزلة الاختياريّ،لكون ذاته كافية فيها،أو بأنّ المراد بالفعل الاختياريّ المنسوب إلى الفاعل المختار،سواء كان مختارا فيه أو لا.

و قيل:إنّها صادرة بالاختيار،بمعنى إن شاء فعل و إن لم يشأ لم يفعل،لا بمعنى صحّة الفعل و التّرك،أو بمعناه و الصّفات صادرة بالاختيار و سبقه عليها ذاتيّ،فلا يلزم حدوثها.

و قيل:إنّه بالنّظر إلى حمد البشر،فالمراد ما جنسه اختياريّ كما قيل في قيد اللّسان.

و أورد على الأوّل مع ما فيه،أنّه إنّما يحسن إذا كان المعتاد في الأفعال الاختياريّة كون فاعلها مستقلاّ في إيجادها من غير احتياج إلى شيء آخر،من آلة و غيرها،ليظهر استقامة التّنزيل،و ليس كذلك،فإنّ العمل الاختياريّ يحتاج إلى العلم و القدرة،و الكثير إلى آلة و أسباب.

و على الثّاني أنّه خلاف المتبادر.

و على الثّالث أنّ هذا المعنى ادّعاه الحكماء حين قالوا بقدم العالم للإيجاب،فلزمهم أن لا يكون لموجده إرادة.و قالوا:إنّ صدق الشّرطيّة لا يقتضي وجود مقدّمها و لا عدمه،فمقدّم الأولى بالنّسبة إلى وجود العالم دائم الوقوع،و مقدّم الثّانية دائم اللاّوقوع (1)،و لهذا أطلق عليه الصّانع و هو من له الإرادة،و هو صرح ممرّد من قوارير،لأنّ ما بالإرادة يصحّ وجوده بالنّظر إلى ذات الفاعل،فإن أريد بالدّوام الدّوام مع صحّة وقوع النّقيض،فهو مخالف لما صرّحوا به من إيجاب العالم،».

ص: 818


1- الصّواب:عدم الوقوع،لأنّ«أل»التّعريف لا يدخل على الحرف«لا».

بحيث لا يصحّ عدم وقوعه منه،و إن أريد مع امتناع الوقوع،فليس هناك من الإرادة إلاّ لفظها و متعلّقها لا محيص عن حدوثه،و العالم عندهم قديم.

و اختيار الشّقّ الأوّل،ثمّ القول بأنّ الصّادر عن الموجب بالذّات ليس واجبا كذلك،بل ممكن بذاته، و القدم زمانيّ لا ذاتيّ،و صحّة وقوع النّقيض لا يقتضي الوقوع،إذا أحجم القلم عنه إنّما يظهر في العالم و يبقى ما نحن فيه من الصّفات،و لا أقدم على إطلاق القول بإمكانها،لاحتياجها للذّات و استنادها إليها.

و على الرّابع أنّ اتّصاف الصّفات بالصّدور لو انشرحت لتوجيهه الصّدور،يبقى الإشكال في صفة القدرة،و لا قدرة لدعوى صدورها بالاختيار،و إلاّ لزم تقدّم الشّيء على نفسه فلا حسم.

و على الخامس أنّ هاتيك الصّفات مقدّسة عن أن تشرك مع صفة البشر في جنس،و أين الأزليّ من الزّائل؟!على أنّه على ما فيه خلاف المنساق إلى الذّهن، و لكثرة المقال و القيل،لم يشترط بعضهم في المحمود عليه أن يكون اختياريّا،لأنّه الباعث على الحمد،و أيّ مانع من أن لا يكون كذلك،و من ذلك عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً الإسراء:79،و عند الصّباح يحمد القوم السّرى،و جاورته فما حمدت جواره.

و الصّبر يحمد في المواطن كلّها

إلاّ عليك فإنّه مذموم

و الحقّ الحقيق بالاتّباع أنّ الحمد اللّغويّ لا يكون إلاّ على الأفعال الاختياريّة،و الحمد على الصّفات الذّاتيّة إمّا لغويّ راجع لما يترتّب عليها من الآثار الاختياريّة، أو عرفيّ و لا ضرر في تعلّقه بها،و ما ذكر من الأمثلة و نحوها فالحمد فيها مجاز عن الرّضا،و يقال:في الآية زيادة عليه.

إنّ(محمودا)حال من الضّمير المنصوب،أو نعت ل(مقاما)و المعنى محمودا فيه النّبيّ لشفاعته،أو اللّه تعالى لتفضّله عليه بالإذن،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تحقيقه.

و الثّالث:و هو من يتحقّق منه الحمد،و شرطه أن يكون معظّما بثنائه للمحمود ظاهرا و باطنا كما حقّقه الصّدر،نعم لا يلزم اعتقاد اتّصاف المحمود بالجميل عند المحقّقين،بل الشّرط عدم اقترانه ثبوت تحقير،فيدخل الوصف بما قطع بانتفائه،و لا يناقضه-كما قال الدّوانيّ- توجيه الشّريف اشتراط التّعظيمين،بأنّه إذا عري عن مطابقة الاعتقاد لم يكن حمدا،بل سخريّة،لأنّه أراد بالاعتقاد لازمه،و هو إنشاء التّعظيم لا معناه الحقيقيّ، فإنّ الحمد قد يكون إنشائيّا،و لا معنى لمطابقة الاعتقاد فيه،لأنّ ما لا يتعلّق به الاعتقاد لا يوصف حقيقة بمطابقته؛إذ المتبادر منها الاتّحاد في الإيجاب و السّلب،أو ما يستلزمه أو يؤول إليه،و ذا لا يوجد إلاّ في القضايا، و لذا لا تسمع أحدا يقول:إنّ التّصوّر يطابقه،بل لو قال قائل:إنّ مفهوم«اضرب»يطابق الاعتقاد ضرب عنه صفحا،و ربّما نسب لما يكره،و حمل المطابقة على هذا أقرب من التزام اتّصاف التّصوّرات بالمطابقة و اللاّمطابقة (1)ة.

ص: 819


1- الصّواب:عدم المطابقة.

،إذ ليس فيه سوى ذكر الملزوم و إرادة اللاّزم، مع أنّ أهل العرف العامّ قد يطلقون الاعتقاد بهذا المعنى فيقولون:فلان له اعتقاد في فلان،و يريدون ما أردنا و لا بعد فيه،لأنّ النّاس يعدّون الوصف بالجميل المعلوم الانتفاء،إذا كان كذلك مدحا و حمدا،كما في كثير من القصائد.

و أمّا الجواب:بأنّ الواصف يعتقد الاتّصاف،و بأنّ المراد معان مجازيّة،و اتّصاف المنعوت بها معتقد،فيردّه أنّ الأوّل خلاف البديهة،و الثّاني خلاف الواقع.

و الجواب عن الأوّل بأنّه لو كان خلاف البديهة لم يقصد العقلاء إفادته،و لم يكن اللّفظ مستعملا في معناه الحقيقيّ،و عن الثّاني بأنّه لو كان خلاف الواقع لما كان مستعملا في معناه المجازيّ،فيلزم أن لا يكون ذلك الكلام حقيقة و لا مجازا.

كلام نشأ من ضيق الصّدر؛إذ لا يلزم من عدم اعتقاد المدلول أن لا يكون الكلام مستعملا فيه، فالإخبار غير المعتقدة كقول السّنّيّ الخفيّ حاله:العبد خالق لأفعاله مستعمل في حقيقته غير معتقد،بل جميع الأكاذيب الّتي يعتمدها أهلها كذلك.

ثمّ إنّ المجيب حمل أنّ الأوّل خلاف البديهة،على أنّ مضمون تلك الأخبار خلافها،و فرّع عليه أنّه يلزم أن لا يقصد العقلاء إفادته.و يردّ عليه المنع،فإنّ الأكاذيب الّتي يعتمدها العاقل قد تخالف البديهة مع قصد إفادتها لغرض ما،كالتّغليط أو التّنكيت أو الامتحان،أو للتّخيّل كما في كثير من القضايا،حتّى قال بعض المحقّقين:

لا يلزم أن يكون ذلك الكلام حقيقة و لا مجازا،و فيه تأمّل.

الرّابع:المحمود و قد علمت ما يشترط فيه.

الخامس:و هو ذكر ما يدلّ على اتّصاف المحمود بالمحموديّة،و قد اشتهر تقييده باللّسان و أريد به جارحة النّطق،و لمّا كان الواقع كون آلة التّكلّم في الغالب هي تلك الجارحة خصّوه بها،فلو فقد إنسان لسانه فأثنى بحروفه الشّفويّة،أو خلق النّطق في بعض جوارحه فأثنى به-كما شوهد في مقطوع جميع اللّسان-فهو حمد، و قضيّة التّقييد أن لا يكون الصّادر عمّن لا جارحة له حمدا،و قد قال تعالى:

وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44.

و أمّا حمد اللّه تعالى نفسه نفسه مثلا فذهب الأكثر إلى أنّه إخبار باستحقاق الحمد و أمر به،أو مقول على ألسنة العباد،أو مجاز عن إظهار الصّفات الكماليّة الّذي هو الغاية القصوى من الحمد،و مال السّيّد إلى الأخير.و قال الدّوانيّ: كون الحمد في حقّه سبحانه مجازا بعيد عن قاعدة أهل الحقّ من إثبات الكلام له حقيقة،و القول مساوق للكلام.

فالأظهر أنّ الحصر في اللّسان إضافيّ لمقابلة الجنان و الأركان،و المراد الأمر الّذي مصدره اللّسان غالبا،أو هو قيد غالبيّ يسوغ الاستعمال فيه،و اللّفظ قد يكون موضوعا في أصل اللّغة لعامّ و يشتهر في بعض مخصوص؛ بحيث يصير فيه حقيقة عرفيّة،و سبب الاشتهار إمّا كثرة تداول ذلك الفرد كما في الدّابّة،و إمّا عدم الاطّلاع

ص: 820

على فرد آخر،فيستعمله أهل اللّسان في ذلك الفرد، حتّى إذا استمرّ و لم يطّلع على إطلاقه على فرد آخر ظنّ أنّه موضوع لخصوصه،كما في«الميزان»،فإنّه في الأصل موضوع لآلة الوزن،ثمّ من لم يطّلع إلاّ على ماله لسان و عمود ربّما يجزم بأنّه موضوع له فقط،و لا يدري أنّ وراء ذلك موازين.

و مثل هذا يجري في كثير من الألفاظ و الأمر في المشتقّات،لا يكاد يخفى على من له أدنى فطنة،لظهوره بالرّجوع إلى قاعدة الاشتقاق،و في غيرها ربّما يشتبه على الجماهير،و بذلك يفوت كثير من حقائق الكتاب و السّنّة،فإنّ أكثرهما وارد على أصل اللّغة.

و على ذلك فقس الحمد،فإنّ حقيقته عندهم إظهار صفات الكمال،و لمّا كان الإظهار القوليّ أظهر أفراده و أشهرها عند العامّة،شاع استعمال لفظ الحمد فيه،حتّى صار كأنّه مجاز في غيره،مع أنّه بحسب الأصل أعمّ،بل الإظهار الفعليّ أقوى و أتمّ،فهو بهذا الاسم أليق و أولى، كما هو شأن القول بالتّشكيك.

و فرّقوا بين الحمد و المدح بأمور:

أحدها:أنّ الحمد يختصّ بالثّناء على الفعل الاختياريّ لذوي العلم،و المدح يكون في الاختياريّ و غيره و لذوي العلم و غيرهم،كما يقال:مدحت اللّؤلؤة على صفائها.

و ثانيها و ثالثها:أنّ الحمد يشترط صدوره عن علم لا ظنّ،و أن تكون الصّفات المحمودة صفات كمال.

و المدح قد يكون عن ظنّ و بصفة مستحسنة و إن كان فيها نقص ما.

و رابعها:أنّ في الحمد من التّعظيم و الفخامة ما ليس في المدح،و هو أخصّ بالعقلاء و العظماء،و أكثر إطلاقا على اللّه تعالى.

و خامسها:أنّ الحمد إخبار عن محاسن الغير مع المحبّة،و الإجلال و المدح إخبار عن المحاسن،و لذا كان الحمد إخبارا يتضمّن إنشاء،و المدح خبرا محضا.

و سادسها:أنّ الحمد مأمور به مطلقا،ففي الأثر:

«من لم يحمد النّاس لم يحمد اللّه»و المدح ليس كذلك «احثوا في وجوه المدّاحين التّراب».

و يشعر كلام الزّمخشريّ في«الكشّاف»و«الفائق» بترادفهما،ففي الأوّل أنّهما أخوان،و جعل فيه نقيض المدح-أعني الذّمّ-نقيضا للحمد،و في الثّاني الحمد المدح و الوصف بالجميل،فالمدح عنده مخصوص بالاختياريّ.

و تأوّل المدح بالجمال و صباحة الوجه،و احتمال أن يراد من الأخوين ما يكون بينهما اشتقاق كبير بأن يشتركا في الحروف الأصول من غير ترتيب كجبذ و جذب،و أنّ الأدباء يجوّزون التّعريف بالأعمّ، و النّقيض هناك بالمعنى اللّغويّ،و يجوز أن يكون شيء واحد نقيضا لشيئين بينهما عموم و خصوص بهذا المعنى.

لا ينفي ما قلناه،بل إذا أنصفت تكاد تجزم،بأنّ الزّمخشريّ قائل بالتّرادف،و لا تستفزّك هذه الاحتمالات،لأنّها كسراب بقيعة،نعم هذا القول بعيد منه و هو شيخ العربيّة و فتاها.

فالحقّ الّذي لا ينبغي العدول عنه،أنّ المدح يكون

ص: 821

على غير الاختياريّ،و كأنّه لذلك لم يقل عزّ شأنه:

المدح للّه-كما قالوا إظهارا-لأنّ اللّه تعالى فاعل مختار، و في ذلك من التّرغيب و التّرهيب المناسبين لمقام البعثة و التّبليغ ما لا يخفى.

و أمّا الشّكر فهو أيضا مغاير للحمد،إلاّ أنّ بعضهم خصّه بالعمل و الحمد بالقول،و بعض جعله على النّعم الظّاهرة،و الآخر على النّعم الباطنة.و ادّعى آخرون اختصاصه بفعل اللّسان كالحمد في المشهور،إلاّ أنّه على النّعمة-و إليه يشير كلام الرّاغب-و المعروف أنّه ما كان في مقابلتها قولا باللّسان،و عملا و خدمة بالأركان، و اعتقادا و محبّة بالجنان.

و قول الطّيّبيّ: إنّ هذا عرف أهل الأصول،فإنّهم يقولون:شكر المنعم واجب،و يريدون منه وجوب العبادة،و هي لا تتمّ إلاّ بهذه الثّلاثة،و إلاّ فالشّكر اللّغويّ ليس إلاّ باللّسان.

غير طيّب،فإنّ ظاهر الكتاب و السّنّة إطلاق الشّكر على غير اللّسان،قال تعالى: اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً سبأ:13.

و روى الطّبرانيّ عن النّواس بن سمعان:«أنّ ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الجدعاء سرقت،فقال:لئن ردّها اللّه تعالى عليّ لأشكرن ربّي،فلمّا ردّت قال:الحمد للّه، فانتظروا هل يحدث صوما أو صلاة،فظنّوا أنّه نسي فقالوا له:فقال:أ لم أقل:الحمد للّه؟!»فلو لم يفهموا رضي اللّه تعالى عنهم إطلاق الشّكر على العمل لم ينتظروه.

و زاد بعضهم في أقسام الشّكر رابعا،و هو شكر اللّه تعالى باللّه،فلا يشكره حقّ شكره إلاّ هو،ذكره صاحب «التّجريد»و أنشد:

و شكري ذوي الإحسان بالقلب تارة

و بالقول أخرى ثمّ بالعمل الاثني

و شكري لربّي لا بقلبي و طاعتي

و لا بلساني بل به شكرنا عنّا

و الّذي أطبق عليه النّاس التّثليث،و على كلّ حال بينه و بين الحمد عموم و خصوص من وجه،و الحمد أقوى شعبة،لأنّ حقيقته إشاعة النّعمة و الكشف عنها، كما أنّ كفرانها إخفاؤها و سترها،و تلك بالقول أتمّ،لأن الاعتقاد أمر خفيّ في نفسه،و عمل الجوارح و إن كان ظاهرا إلاّ أنّه يحتمل خلاف ما قصد به،و كم فرّق بين حمدت اللّه و شكرته و مجّدته و عظّمته،و بين أفعال العبادة،و هي كلّها موافقة للعادة،و لسان الحال أنطق من لسان المقال أمر ادّعائيّ،كما هو المعروف في أمثاله،و لهذا قال صلّى اللّه عليه و سلّم فيما رواه ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما:«الحمد رأس الشّكر،ما شكر اللّه تعالى عبد لا يحمده»و هو و إن كان فيه انقطاع إلاّ أنّ له شاهدا يتقوّى به و إن كان مثله، فحيث كان النّطق يجلي كلّ مشتبه،و كان الحمد أظهر الأنواع و أشهرها،حتّى إذا فقد،كان ما عداه بمنزلة العدم،شبّهه صلّى اللّه عليه و سلّم بالرّأس الّذي هو أظهر الأعضاء و أعلاها،و الأصل لها و العمدة في بقائها،و كأنّه لهذا أتى به الرّبّ سبحانه،ليكون الرّأس للرّئيس،و يفتتح النّفيس بالنّفيس،أو لأنّه لو قال جلّ شأنه:الشّكر للّه، كان ثناء عليه تعالى بسبب إنعام وصل إلى ذلك القائل،

ص: 822

و الحمد للّه ليس كذلك،فهو أعلى كعبا و أظهر عبوديّة.

و يمكن أن يقال:إنّ الشّكر على الإعطاء و هو متناه، و الحمد يكون على المنع و هو غير متناه.فالابتداء بشكر دفع البلاء الّذي لا نهاية له على جانب من الحسن لا نهاية له،و دفع الضّرّ أهمّ من جلب النّفع،فتقديمه أحرى.

و أيضا مورد الحمد في المشهور خاصّ و متعلّقه عامّ، و الشّكر بالعكس موردا و متعلّقا،ففي إيراده دونه إشارة قدسيّة،و نكتة على ذوي الكثرة خفيّة،و إلى اللّه ترجع الأمور.

و كأنّه لمراعاة هذه الإشارة لم يأت بالتّسبيح،مع أنّه مقدّم على التّحميد؛إذ يقال:سبحان اللّه و الحمد للّه، على أنّ التّسبيح داخل في التّحميد دون العكس،فإنّ الأوّل يدلّ على كونه سبحانه و تعالى مبرّأ في ذاته و صفاته عن النّقائص.و الثّاني يشير إلى كونه محسنا إلى العباد،و لا يكون محسنا إليهم إلاّ إذا كان عالما قادرا غنيّا،ليعلم مواقع الحاجات فيقدر على تحصيل ما يحتاجون إليه،و لا يشغله حاجة نفسه عن حاجة غيره.

و إن أبيت-و لا أظنّ-قلنا:كلّ تسبيح حمد و ليس كلّ حمد تسبيحا،لأنّ التّسبيح يكون بالصّفات السّلبيّة فحسب،و الحمد بها و بالثّبوتيّة على ما سلف،فهو أعمّ منه بذلك الاعتبار،فافتتح به،لأنّه لجمعيّته و شموله أوفق بحال القرآن،و تقديم التّسبيح هناك لغرض آخر.

و لكلّ مقام مقال،و التّعريف هنا للجنس،و معناه الإشارة إلى ما يعرفه كلّ أحد من أنّ الحمد ما هو مثله.

و عليه جمع منهم الزّمخشريّ حتّى قال:و الاستغراق الّذي يتوهّمه كثير من النّاس وهم.

و قد صار هذا معترك الأفهام و مزدحم أفكار العلماء الأعلام،فقيل:إنّه مبنيّ على مسألة خلق الأعمال،فإنّ أفعال العباد لمّا كانت مخلوقة لهم عند المعتزلة،كانت المحامد عليها راجعة إليهم،فلا يصحّ تخصيص المحامد كلّها به تعالى.

و ردّ بأنّ اختصاص الجنس يستلزم اختصاص أفراده أيضا؛إذ لو وجد فرد منه لغيره ثبت الجنس له في ضمنه و صحّ هذا عندهم،لأنّ الأفعال الحسنة الّتي يستحقّ بها الحمد إنّما هي بإقدار اللّه تعالى و تمكينه،فبهذا الاعتبار يرجع الأمر إليه كلّه،و أمّا حمد غيره فاعتداد بأنّ النّعمة جرت على يده.

و قيل:إنّه جعل الجنس في المقام الخطابي منصرفا إلى الكامل كأنّه كلّ الحقيقة.و ردّ بأنّه يجوز في الاستغراق أيضا،بأن يجعل ما عدا محامده كالعدم،فلا فرق بين اختصاص الجنس و الاستغراق في منافاتهما ظاهرا لمذهبه و دفعهما بالعناية.

و قيل:مبناه على أنّ المصادر نائبة مناب الأفعال، و هي لا تعدو دلالتها عن الحقيقة إلى الاستغراق.

و ردّ بأنّ ذلك لا ينافي قصد الاستغراق بمعونة القرائن.

و قيل:إنّما اختاره بناء على أنّه المتبادر الشّائع، لا سيّما في المصادر و عند خفاء القرائن.و ردّ بأنّ المحلّى بلام الجنس في المقامات الخطابيّة يتبادر منه الاستغراق

ص: 823

و هو الشّائع هناك مطلقا،و أيّ مقام أولى بملاحظة الشّمول و الاستغراق من مقام تخصيص الحمد به سبحانه تعظيما،فقرينة الاستغراق كنار على علم.

فالحقّ أنّ سبب الاختيار هو أنّ اختصاص الجنس مستفاد من جوهر الكلام و مستلزم لاختصاص جميع الأفراد،فلا حاجة في تأدية المقصود من إثبات الحمد له تعالى،و انتفائه عن غيره إلى أن يلاحظ بمعونة الأمور الخارجيّة،بل نقول:على ما اختاره يكون اختصاص الأفراد بطريق برهانيّ،فيكون أقوى من إثباته ابتداء.

و فيه أنّ فهم اختصاص الجنس من جوهر الكلام يدلّ على سرعته و هو معنى التّبادر-و قد ردّه،و أيضا إذا كان الاختصاص بطريق برهانيّ فلا شبهة في خفائه، فأين النّار و أين العلم؟!و قيل غير ذلك.

و لا يبعد أن يقال:إنّ اختيار الزّمخشريّ كون التّعريف للجنس،و كون القول بالاستغراق وهم،لا يبعد أن يكون رعاية لنزغة اعتزاليّة و أن يكون لنكتة عربيّة، لأنّه جعل أصل المعنى نحمد اللّه حمدا.و زعم أنّ إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ بيان لحمدهم،كأنّه قيل:كيف تحمدوني؟فقيل:إيّاك نعبد،ثمّ يسأل و أجاب،فقيل في توجيه ذلك:أنّه لمّا كان معناه نحمد اللّه حمدا،كان إخبارا عن ثبوت حمد غير معيّن من المتكلّم له تعالى على أنّ المصدر للعدد،فاتّجه أن يقال:كيف تحمدونه أي بيّنوا كيفيّة حمدكم،فإنّها غير معلومة،فبيّن بقوله تعالى:

إِيّاكَ نَعْبُدُ... أي نقول هذه الكلمات و نحمده بهذا الحمد،فورد السّؤال عن التّعريف،لأنّ المناسب للإبهام ثمّ البيان التّنكير.و أجاب أنّه لتعريف الجنس من حيث وجوده في فرد غير معيّن و لذا بيّن.

و قيل:لمّا كان المعنى نحمد حمدا كان المصدر للتّأكيد، فيكون دالاّ على الحقيقة من غير دلالة على الفرديّة و السّؤال المقدّر عن كيفيّة صدور تلك الحقيقة.و الجواب أنّا نحمد حمدا مقارنا لفعل الجوارح و فعل القلب،و لا نقتصر على مجرّد القول.

ثمّ أورد بأنّه يكفي لإفادة هذا المصدر المنكّر فما فائدة التّعريف؟فأجاب بأنّه تعريف للجنس للإشارة إلى الماهيّة المعلومة للمخاطب من حيث هي،و على هذين التّوجيهين يكون اختياره الجنس و منعه الاستغراق لرعاية مذهبه،و الاختصاص على الأوّل اختصاص الفرد،و على الثّاني اختصاص الجنس باعتبار الكمال.

و لا يخفى سقوط اعتراض السّعد حينئذ،بأنّ الاختصاصين متلازمان و كلّ منهما مخالف لمذهبه ظاهرا موافق له تأويلا،فلا يكون رعاية المذهب موجبا لاختيار الجنس دون الاستغراق،و لا يرد ما أورد السّيّد على الثّاني-من أنّه كما يجوز الحمل على الجنس باعتبار الكمال على مذهبه،يجوز الحمل على الاستغراق باعتبار تنزيل محامد غيره منزلة العدم-لأنّ فيه تطويل المسافة و الالتجاء إلى معونة المقام من غير حاجة.و قيل:

حاصل الجواب عن كيفيّة صدور تلك الحقيقة بتخصيص العبادة المشتملة على الحمد و غيره،لأنّ انضمام غيره معه نوع بيان لكيفيّته،أي حال حمدنا أنّا

ص: 824

نجمعه بسائر عبادات الجوارح،و الاستعانة في المهمّات و نخصّ مجموعها بك،و تقدير السّؤال و الجواب بحاله، و حينئذ لا يصحّ أن يكون الاختيار للرّعاية،لأنّ الاختصاصين متلازمان،بل لأنّ الحمد مصدر سادّ مسدّ الفعل،و هو لا يدلّ إلاّ على الحقيقة،فكذا ما ينوب منابه و إن كان معرفة ليصحّ بيانه ب إِيّاكَ نَعْبُدُ، و الحمل على الاستغراق يبطل النّيابة؛إذ يصير الكلام مسوقا لبيان العموم و لا يصحّ البيان،و هذا الاختيار مستفاد من جعل إِيّاكَ نَعْبُدُ بيانا لحمدهم.

و لعلّ الّذي دعاه إليه ترك العاطف فظنّ أنّه لذلك لا يكون إلاّ بيانا،و هو من التّعكيس،لأنّ جعل الصّدر متبوعا للعجز أولى من العكس،فالمحقّقون المحقّون على تعميم الحمد،و أنّ الفصل[و هو ترك العاطف]لأنّ الكلام الأوّل جار على المدح للغائب بسبب استحقاقه كلّ الحمد،و الثّاني جار على الحكاية عن نفس الحامد و بيان أحواله،بين يدي الباطن الظّاهر،و الأوّل الآخر، فترك العطف للتّفرقة بين الحالتين لا للبيان.

و يدلّ على ذلك أنّ أحسن الالتفات أن يكون النّقل من إحدى الصّيغتين إلى الأخرى في سياق واحد لمعلوم واحد،و لا بيان له على البيان على أن جعل إِيّاكَ نَعْبُدُ بيانا.

ربّما يناقض ما ادّعاه من أنّ الشّكر بالقلب و الجوارح و اللّسان،و الحمد بالأخير،لأنّ العبادة تكون بها كلّها فيلزم أن يكون الحمد كذلك.

و أيضا الذّهاب إلى فسحة الالتفات،و القول بأنّ قوله:(الحمد...)وارد على الشّكر اللّسانيّ،و إِيّاكَ نَعْبُدُ مشعر بالشّكر بالجوارح،و إِيّاكَ نَسْتَعِينُ مؤذن بالشّكر القلبيّ،أولى من الفرار إلى مضيق القول بالبيان.

و أيضا في تعقيب هذه الصّفات للحمد إشعار بأنّ استحقاقه له لاتّصافه بها،و قد تقرّر أنّ في اقتران الوصف المناسب بالحكم إشعارا بالعلّيّة،و هاهنا الصّفات بأسرها تضمّنت العموم،فينبغي أن يكون العموم في الحمد أيضا،لأنّ الشّكر يقتضي المنعم و المنعم عليه و النّعمة،فالمنعم هو اللّه تعالى،و الاسم الأعظم جامع لمعاني الأسماء الحسنى ما علم منها و ما لم يعلم،و المنعم عليه العالمون،و قد اشتمل على كلّ جنس ممّا سمّي به، و موجب النّعم اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و قد استوعب ما استوعب،فإذن لا يستدعي تخصيص الحكم بالبعض سوى التّحكّم أو التّوهّم،هذا.

و أنا لو خلّيت و طبعي لا أمنع أن تكون أل للحقيقة من حيث هي،كما في قولهم:«الرّجل خير من المرأة» أوّلها من حيث وجودها في فرد غير معيّن،كما في«ادخل السّوق»أوّلها في جميع الأفراد و هو الاستغراق كما في إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ العصر:2.

و القول بأنّ هذا المقام آب عن الاستغراق،لأنّ اختصاص حقيقة الحمد به تعالى أبلغ من اختصاص أفرادها جمعا و فرادى،لاستلزام الأوّل الثّاني،و سلوك طريقة البرهان أقضى لحقّ البلاغة،و أيضا أصل الكلام نحمد اللّه تعالى حمدا،و حمدنا بعض لا كلّ،و في

ص: 825

اختصاص الجنس إشعار بأنّ حمد كلّ حامد لكلّ محمود حمد للّه تعالى على الحقيقة،لأنّه إنّما حمده على الصّفات الكماليّة المفاضة عليه من الفيّاض الحقّ جلّ و علا،فهو فعله على الحقيقة و الحمد على الفعل الجميل،و المعتزليّ و إن قال بالاستقلال لا يمنع أنّ الأقدار و التّمكين منه تعالى،فيمكنه من هذا الوجه أن يعمّم عند المقتضي له.

و قد صرّح بهذا الزّمخشريّ أوّل«التّغابن»فقال في قوله تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ قدّم الظّرفان ليدلّ بتقديمهما على معنى اختصاص الملك و الحمد باللّه تعالى،ثمّ قال:و أمّا حمد غيره فاعتداد بأنّ نعمة اللّه تعالى جرت على يده،و قد يقال أيضا:على أصله أنّ الحمد المستغرق لا يجوز أن يختصّ،بل الحمد الحقيقيّ الكامل الّذي يقتضيه إجراء هذه الصّفات فاللاّم للحقيقة،و يراد أكمل أنواعها،فهو من باب ذلك الكتاب،و حاتم الجود،لأنّه الّذي يحقّ أن يطلق عليه الحقيقة حتّى كأنّه كلّها،لا لأنّها للاستغراق في المقام الخطابيّ،و تنزيل غير ذلك منزلة العدم،فإنّه تطويل للمسافة مع قصرها كلام لا أقبله و إن جلّ قائله، و يعرف الرّجال بالحقّ،لا الحقّ بالرّجال،كيف،و من سنّة اللّه تعالى الّتي لا تبديل لها إجراء الكلام على سبيل الخطابة و إن كان برهانيّا،فهي أكثر تأثيرا في النّفوس و أنفع لعوام النّاس،كما سيأتي تحقيقه إن شاء اللّه تعالى عند قوله تعالى: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ النّحل:125،فالتّحرّز عن الاستغراق احترازا عن المقام الخطابيّ،ذهول عن مقرئ كلام اللّه تعالى.

ثمّ لمّا كان المقام مقتضيا لدقائق النّعم و روادفها،لم يكن تنزيل الحمد غير الكامل منزلة العدم من مقتضيات المقام،و تصريح الزّمخشريّ في«التّغابن» بالتّعميم ممنوع،للتّفرقة بين استغراق أفراد الحمد الخارجيّة،و الذّهنيّة الحقيقيّة،و المجازيّة الكاملة و غير الكاملة،و بين اختصاص حقيقة الحمد كما يشعر به قوله،و ذلك لأنّ الملك على الحقيقة له،و كذلك الحمد، فكما أنّه لا ينفي الملك عن غيره مطلقا فكذلك لا ينفي الحمد عنه كذلك،فإنّ من أصل المعتزلة أنّ نعمة اللّه تعالى جارية على يد العبد لكنّه موجد لإنعامه فله حمد يليق بإيجاده،و للّه تعالى حمد يليق بتمكينه و إفاضته، و هو الحمد الكامل المختصّ به عزّ شأنه لا ذاك.و في «الكشّاف»ما يؤيّد ما قلناه لمن أمعن النّظر.

و أمّا حديث إنّ اختصاص حقيقة الحمد أبلغ من اختصاص الأفراد،لاستلزام الأوّل الثّاني،فيجاب عنه، بأنّ اختصاص الأفراد الخارجيّة و الذّهنيّة-كما قرّرنا- مستلزم لاختصاص الحقيقة أيضا،إذ لم يبق لها فرد غير مختصّ فأين توجد،فالاستلزام متعاكس،على أنّ حقيقة الحمد يصدق عليها الحمد،فهي فرد من أفراده، كما قال الدّامغانيّ،فإذا خصّص جميع أفراد الحمد به اختصّ حقيقته أيضا،و كون الأصل نحمد اللّه تعالى حمدا ليس بقاطع احتمال الاستغراق الآن،فقد تغيّر الحال، و أنت إذا تأمّلت بعد،يرتفع عنك سجاف الإشكال.

و لست أقول:إنّ الحمد أينما وقع يفيد ذلك،بل إذا

ص: 826

دعا المقام إليه أجبناه،و لهذا فرّقوا بين هذا الحمد و حمد الأنعام،إذ عموم الرّبوبيّة،و شمول الرّحمة،و استمرار الملك هنا تقتضي استغراق الأفراد توفية لحقّ هذه السّورة،و حرصا على التئام نظمها،بخلاف ما في تلك السّورة،فإنّ العمومات مفقودة فيها.

و من الغريب أنّ بعضهم جعلها للعهد،قال الفاكهيّ:

سمعت شيخنا أبا العبّاس المرسيّ يقول:قلت لابن النّحّاس:ما تقول في الألف و اللاّم في الحمد:أ جنسيّة هي أم عهديّة؟فقال يا سيّدي:قالوا:إنّها جنسيّة،فقلت له:

الّذي أقول:إنّها عهديّة،و ذلك أنّ اللّه تعالى لمّا علم عجز خلقه عن كنه حمده حمد نفسه بنفسه في أزله،نيابة عن خلقه قبل أن نحمده،فقال:أشهدك أنّها للعهد، و استأنس له بما صحّ عنه صلّى اللّه عليه و سلّم من قوله:«اللّهمّ لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».و أغرب من هذا ما ذهب إليه بعض ساداتنا الصّوفيّة قدّس اللّه تعالى أسرارهم،و ليس بالغريب عندهم أنّ الحمد للّه على حدّ الكبرياء للّه، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ الأعراف:54، فهو الحامد و المحمود و الجميع شئونه،و لهم كلام غير هذا،و الكلّ يسقي بماء واحد.

و عن إمامنا الماتريديّ روّح اللّه تعالى روحه أنّه جعل هذا حمدا من اللّه تعالى لنفسه،قال:و إنّما حمد نفسه ليعلم الخلق و لا ضير في ذلك،لأنّه سبحانه هو المستحقّ لذاته و الحقيق بما هنالك؛إذ لا عيب يمسّه و لا آفة تحلّ به.

ثمّ إنّ(الحمد)فيما تواتر مرفوع،و هو مبتدأ خبره (للّه)و قرأ الحسن البصريّ و زيد بن عليّ (الحمد للّه) بإتباع الدّال اللاّم.و إبراهيم بن عبلة و أهل البادية بالعكس،و جاز ذلك استعمالا،مع أنّ الاتباع إنّما يكون في كلمة واحدة،لتنزيلهما-لكثرة استعمالهما مقترنين- منزلة الكلمة الواحدة،و اختلف في التّرجيح مع الإجماع على الشّذوذ،فقيل:قراءة إبراهيم أسهل لأمرين:

أحدهما:أنّ إتباع الثّاني للأوّل أيسر من العكس و إن ورد،كما في مدّ و شدّ و أقبل و أدخل،لأنّه جار مجرى السّبب و المسبّب،و ينبغي أن يكون السّبب أسبق رتبة من المسبّب.

و ثانيهما:أنّ ضمّة الدّال إعراب و كسرة اللاّم بناء، و حرمة الإعراب أقوى من حرمة البناء،و المطّرد غلبة الأقوى الأضعف.

و قيل:إنّ قراءة الحسن أحسن،لأنّ الأكثر جعل الثّاني متبوعا،لأنّ ما مضى فات،و لأنّ جعل غير اللاّزم تابعا للاّزم أولى،و الاستقامة عين الكرامة،و كأنّه لتعارض التّرجيح قال الزّمخشريّ:و أشفّ القراءتين قراءة إبراهيم،فعبّر بأشفّ و هو من الأضداد.

و قرأ هارون بن موسى (الحمد للّه) بالنّصب و عامّة بني تميم و كثير من العرب ينصبون المصادر بالألف و اللاّم،و هو بفعل محذوف قدّروه«نحمد»بنون الجماعة، لأنّه مقول على ألسنة العباد،و مناسب ل(نعبد) و(نستعين)،لا بنون العظمة،لعدم مناسبته لمقام العبادة المقتضي لغاية التّذلّل و الخضوع،و يجوز أن يكون من باب:

ص: 827

و إن حدثوا عنها فكلى مسامع

و كلى إذا حدثتهم ألسن تتلو

و حمل الغزاليّ قدّس سرّه حديث«صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بسبع و عشرين درجة»على ذلك،و أرفع القراءات قراءة الرّفع،لدلالة الجملة الاسميّة على الثّبوت و الدّوام بقرينة المقام،بخلاف الفعليّة،فإنّها تدلّ على التّجدّد و الحدوث و إن كان هناك ظرف،فإن قدّر متعلّقه اسما فهو ظاهر،و إلاّ فقد قيل:الخبر الفعليّ إنّما يفيد الحدوث إذا كان مصرّحا به على أنّه قيل:لا تقدير،و ما ذكره النّحاة لأمر صناعيّ اقتضاه كقولهم:الظّرفيّة اختصار الفعليّة.

و قيل:إنّ الجملة الاسميّة بمجرّدها لا تدلّ على ذلك، بل مع انضمام العدول،و إن أعجبك فالتزمه،فقد قيل:

بالعدول هنا،و لكن ليس هذا في كلام الشّيخ عبد القاهر،بل من تدبّر كلامه في بحث الحال من الدّلائل دفع بأقوى دليل الحال الّذي عرض للنّاظرين،و قولهم:

المضارع يفيد الاستمرار أرادوا به الاستمرار التّجدّديّ في المستقبل،لا في جميع الأزمنة،فلا ينافي ما قلنا، و اختار الجملة الاسميّة هاهنا إجابة لداعي المقام.

و قد قال غير واحد:إنّ أصل هذا المصدر النّصب، لأنّ المصادر أحداث متعلّقة بمحالّها،فيقتضي أن تدلّ على نسبتها إليها،و الأصل في بيان النّسبة في المتعلّقات الأفعال،فينبغي أن تلاحظ معها،و يؤيّد ذلك كثرة النّصب في بعضها و التزامه في بعض آخر،و قد تنزل منزلة أفعالها فتسدّ مسدّها و تستوفي حقّها لفظا و معنى، فيكون ذكرها معها كالشّريعة المنسوخة،يستنكرها المتديّن بعقائد اللّغة.

و بقى هاهنا أمور:

الأوّل:اختلف في جملة(الحمد)هل هي إخباريّة أم إنشائيّة؟فالّذي عليه معظم العلماء أنّها إخباريّة،كما يقتضيه الظّاهر،لما يلزم على الإنشاء من انتفاء الاتّصاف بالجميل قبل حمد الحامد،ضرورة أنّ الإنشاء يقارن معناه لفظه في الوجود،و اللاّزم باطل،فالملزوم مثله،و لا يرد أنّ القصد إحداث الحمد لا الإخبار بثبوته، لأنّ الإخبار بثبوت جميع المحامد للّه تعالى هو عين الحمد، كما أنّ قولك:اللّه واحد،عين التّوحيد،و ألّف العلاّمة البخاريّ في«الانتصار»لذلك،و ردّ من زعم أنّها إنشائيّة و أطال فيه.

و اهتمّ بردّه ابن الهمام و ذكر أنّ ما ذكر باطل،لأنّ اللاّزم من المقارنة انتفاء وصف الواصف لا الاتّصاف؛إذ الحمد إظهار الصّفات لا ثبوتها،و أيضا المخبر بالحمد لا يقال له:حامد؛إذ لا يصاغ لغة للمخبر عن غيره من متعلّق إخباره اسم قطعا،فلا يقال لقائل زيد له القيام:

قائم،فلو كان الحمد إخبارا محضا لم يقل لقائل:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ حامد،و هو باطل،نعم يتراءى لزوم أن يكون كلّ مخبر منشئا حيث كان واصفا للواقع و مظهرا له،و هو توهّم،فإنّ الحمد مأخوذ فيه مع ذكر الواقع كونه على وجه التّعظيم،و هذا ليس جزء ماهيّة الخبر، فاختلفت الحقيقتان،فالجملة إنشائيّة لا محالة.

و قال الملاّ خسرو:هي و أمثالها إخباريّة لغة،و نقلها

ص: 828

الشّارع للإنشاء لمصلحة الأحكام،و اعترض على إنشائيّتها بأنّ الاستغراق ينافيه،و يستلزم كون الحامد منشئا لكلّ حمد،و من المحال إنشاء الحمد القائم بغيره.

و أجيب:بأنّه لا منافاة و لا استلزام،و يكفي كونه منشئا للإخبار بأنّ كلّ حمد ثابت له و محمود به.و الّذي أرتضيه أنّها إخباريّة كما عليه المعظم،و يد اللّه تعالى مع الجماعة،و المراد الإخبار بأنّ اللّه تعالى مستحقّ الحمد، كما قال سبحانه: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ القصص:70،و المتكلّم بها عن اعتقاد واصف ربّه سبحانه بالجميل و معظّم له جلّ شأنه،فيقال له:حامد لذلك،لا لمحض الإخبار بما فيه لفظ الحمد،بل إذا غيّر الصّيغة إلى ما ليس فيها ذلك اللّفظ ممّا هو مشتمل على الوصف بالجميل بقصد التّعظيم قيل له أيضا:حامد.

فللحمد صيغ شتّى و عبارات كثيرة،حتّى جعل منها الإقرار بالعجز عن الحمد،و قد نقل أنّ داود عليه السّلام قال:يا ربّ كيف أشكرك و الشّكر من آلائك؟فقال:يا داود لمّا علمت عجزك عن شكري فقد شكرتني.

فما ذكره ابن الهمام أوّلا من أنّ المخبر بالحمد لا يقال له:حامد،إن أراد أنّ المخبر من حيث إنّه مخبر لا يقال له ذلك،فمسلّم،و الدّليل تامّ،لكنّا بمعزل عن هذه الدّعوى، و إن أراد أنّ المخبر مطلقا و لو قصد التّعظيم لا يقال له ذلك،فممنوع،و لا تقريب في الدّليل كما لا يخفى،و ما ذكره ثانيا من قوله نعم إلخ يعلم دفعه من خبايا زوايا كلامنا.

و ما ذكره الملاّ خسرو يردّ عليه:أنّ النّقل في أمثال ما نحن فيه بلا ضرورة ممنوع،و لا تظنّ من كلامي هذا أنّي أمنع أن يكون الحمد بجملة إنشائيّة رأسا،معاذ اللّه، و لكنّي أقول:إنّ الجملة هنا إخباريّة و أنّ الحمد يصحّ بها بناء على ما ذكرناه،و البحث بعد محتاج إلى تحرير.و لعل اللّه تعالى يوفّقه لنا في مظانّه،و الظّن باللّه تعالى حسن.

الثّاني:أنّه شاع السّؤال عن معنى كون حمد العباد للّه تعالى مع أنّ حمدهم حادث و هو سبحانه القديم،و لا يجوز قيام الحادث به.

و أجيب:بأنّ المراد تعلّق الحمد به تعالى،و لا يلزم من التّعلّق القيام كتعلّق العلم بالمعلومات،فلا يتوجّه الإشكال أصلا.و قيل:إنّ الحمد مصدر بناء المجهول، فيكون الثّابت له عزّ شأنه هو المحموديّة،و صيغة المصدر تحتمل ذلك و غيره،و لهذا جعل بعضهم في اَلْحَمْدُ لِلّهِ أوائل الكتب،اثنين و أربعين احتمالا.و قيل:و هو من الغرابة بمكان أنّ اللاّم للتّعليل أي الحمد ثابت لأجل اللّه تعالى.

الثّالث:أنّه أتى باسم الذّات في الحمدلة،لئلاّ يتوهّم لو اقتصر على الصّفة اختصاص استحقاقه الحمد بوصف دون وصف،و ذلك لأنّ اللاّم-على ما قيل- للاستحقاق،فإذا قيل:(الحمد للّه)يفيد استحقاق الذّات له،و إذا علّق بصفة أفاد استحقاق الذّات الموصوفة بتلك الصّفة له،و الاختصاص إفادة التّعريف،و لكون الاختصاص كذلك حكما باطلا في نفسه جعل متوهّما،لا لأنّ تعليق الحكم بالوصف يدلّ على العلّيّة لا على الاختصاص،لأنّه مستفاد من تعريف المسند إليه.

ص: 829

و معنى الاستحقاق الذّاتيّ ما لا يلاحظ معه خصوصيّة صفة حتّى الجميع،لا ما يكون الذّات البحت مستحقّا له،فإنّ استحقاق الحمد ليس إلاّ على الجميل،و سمّي ذاتيّا لملاحظة الذّات فيه من غير اعتبار خصوصيّة صفة،أو لدلالة اسم الذّات عليه،أو لأنّه لمّا لم يكن مستندا إلى صفة من الصّفات المخصوصة كان مسندا إلى الذّات.

و قد قسّم بعض ساداتنا قدّس اللّه تعالى أسرارهم (الحمد)باعتبار صدوره إلى قسمين،فمصدره باعتبار الفرق من محلّين و منبعه من عينين،فإن وجد من الحقّ و صدر من الوجود المطلق،فتارة يكون على الذّات بانفرادها و وحدتها و غيبتها في عماء هويّتها،و تارة بكمال إطلاقها في وجودها،و تارة بتنزّلاتها إلى حظيرات شهودها،و تارة بكمال أوصافها و نعوتها، و تارة بكمال آثارها و أفعالها،و تارة يثنى على أوصافها من حيث الجملة،و تارة من حيث التّفصيل،فيثنى على العلم من حيث إحاطته بكلّ معلوم من حقّ و خلق، و غيب و شهادة،و ملك و ملكوت،و برزخ و جبروت، و استقلاله بالوجود من غير مدّة و لا مادّة،و لا معلم و لا مفيد،و تقدّسه عن النّقص،و تنزّهه عمّا يخطر في الوهم، و كذلك على سائر الصّفات بما يليق بها و يجب لها.

و إن وجد من الخلق و الوجود المقيّد،فتارة يكون على ذات الحقّ،و تارة على صفاته،و تارة على أسمائه، و مرّة على أفعاله،و طورا على أسراره،و كرّة على لطيف صنعه،و خفيّ حكمته في أفعاله و آثاره،و ذلك بحسب مبلغ النّاس في العلم و منتهاهم في العقل و الفهم وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الأنعام:91، وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ الصّافّات:180،و إذا اعتبر الجمع كان الكلّ منه و إليه وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى النّجم:42،فلا حامد و لا محمود سواه.

و هناك يرتفع كلّ إشكال و ينقطع كلّ مقال،و إنّما قدّم الحمد على الاسم الكريم،لاقتضاء المقام مزيد اهتمام به،لكونه بصدد صدور مدلوله فهو نصب العين، و إن كان ذكر اللّه تعالى أهمّ في نفسه،و الأهمّيّة تقتضي التّقديم،إلاّ أنّ المقتضي العارض بحسب المقام أقوى عند المتكلّم،و تأخير ما قدّم هنا في نحو قوله تعالى: وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ الرّوم:18،لغرض آخر،سيأتيك مع أمور أخر في محلّه إن شاء اللّه تعالى.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:67)

رشيد رضا :قالوا:إنّ معنى الحمد الثّناء باللّسان، و قيّدوه بالجميل،لأنّ كلمة«ثناء»تستعمل في المدح و الذّمّ جميعا،يقال:أثنى عليه شرّا،كما يقال أثنى عليه خيرا.و يقولون:إنّ«أل»الّتي في(الحمد)هي للجنس في أيّ فرد من أفراده،لا للاستغراق و لا للعهد المخصوص، لأنّه لا يسار إلى كلّ منهما في فهم الكلام إلاّ بدليل،و هو غير موجود في الآية.و معنى كون الحمد للّه تعالى بأيّ نوع من أنواعه،هو أنّ أيّ شيء يصحّ الحمد عليه فهو مصدره و إليه مرجعه،فالحمد له على كلّ حال.

و هذه الجملة خبريّة و لكنّها استعملت لإنشاء

ص: 830

الحمد.

فأمّا معنى الخبريّة فهو إثبات أنّ الثّناء الجميل في أيّ أنواعه تحقّق فهو ثابت له تعالى و راجع إليه،لأنّه متّصف بكلّ ما يحمد عليه الحامدون،فصفاته أجلّ الصّفات، و إحسانه عمّ جميع الكائنات،و لأنّ جميع ما يصحّ أن يتوجّه إليه الحمد ممّا سواه فهو منه جلّ ثناؤه؛إذ هو مصدر الكون كلّه،فيكون له ذلك الحمد أوّلا و بالذّات.

و الخلاصة أنّ أيّ حمد يتوجّه إلى محمود ما فهو للّه تعالى، سواء لاحظه الحامد أو لم يلاحظه.

و أمّا معنى الإنشائيّة فهو أنّ الحامد جعلها عبارة عمّا وجّهه من الثّناء إلى اللّه تعالى في الحال.

هذا ملخّص ما قاله الأستاذ الإمام،و أقول الآن:

التّعريف المشهور بين العلماء للحمد أنّه الثّناء باللّسان على الجميل الاختياريّ،أي الفعل الجميل الصّادر عن فاعله باختياره،أي سواء أسدى هذا الجميل إلى الحامد أم لا،انتهى.

و أزيد عليهم أنّه قد يحمد غير الفاعل المختار تنزيلا له منزلة الفاعل في نفعه،و منه:«إنّما يحمد السّوق من ربح».و هذا هو المتبادر من استعمال اللّغة.و حذف بعضهم قيد الاختيار،ليدخل في الحمد الثّناء على صفات الكمال،و لذلك وصف بعضهم الجميل الاختياريّ بقوله:سواء كان من الفضائل-أي الصّفات الكماليّة لصاحبها-أو الفواضل-و هي ما يتعدّى أثره من الفضل إلى غير صاحب الفضل.

و الظّاهر أنّ الحمد على الفضائل و صفات الكمال إنّما يكون باعتبار ما يترتّب عليها من الأفعال الاختياريّة، و ما عدا هذا من الثّناء تسمّيه العرب مدحا.يقال:مدح الرّياض و مدح المال و مدح الجمال،و لا يطلق الحمد على مثل هذه الأشياء،و قيل:هما مترادفان.

و المقام المحمود للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم هو ما يحمد فيه لما يناله النّاس كلّهم من خير دعائه و شفاعته على المشهور.

و سيأتي تفسيره في موضعه إن شاء اللّه تعالى.

و قد يقال:إنّ ما ذكر هو الحمد الّذي يكون من بعض النّاس لبعض،و أمّا اللّه عزّ و جلّ فإنّه يحمد لذاته باعتبار أنّها مصدر جميع الوجود الممكن،و ما فيه من الخيرات و النّعم،أو مطلقا خصوصيّة له؛إذ ليست ذات أحد من الخلق كذاته.و يحمد لصفاته باعتبار تعلّقها و آثارها،كما سترى بيانه في تفسير(الرّبّ)و(الرّحمن) و(الرّحيم).(1:49)

الطّنطاويّ: [بعد البسملة قال:]

فالحمد إذن إنّما يكون له سبحانه،فإذا مدحنا الوالدين،و حمدنا الشّجعان،و شكرنا العلماء و الأنبياء، فالحمد و المدح و الشّكر للّه،لأنّه مولى هذه الرّحمة،و إذا تمتّعنا بنعمة السّحاب،و المطر،و ماء الأنهار،و معادن الجبال،و نور الشّمس،فالحمد و الشّكر لمسديها،و هو اللّه،فكأنّ القارئ يقول:ها أنا ذا عرفت أنّ الرّحمة الواصلة للعباد مرجعها اللّه،فليكن كلّ حمد صادر من الألسنة راجعا للّه عزّ و جلّ،لأنّه هو المختصّ بالرّحمة الّتي كانت سببا في الثّناء.

من مدح المحسنين و الملوك،و اختصاص الحمد

ص: 831

و العبادة باللّه إطلاقا للحرّيّة و المساواة.

اعلم أنّ العرب كان من عادتهم أن ينصتوا للشّعراء، و يسمعوا المدائح،و يصغوا لمن هم في كلّ واد يهيمون الّذين يقولون ما لا يفعلون،و ما كان أكبر سلطان الشّعر عليهم و ما أقساه و أقواه و أملكه لقلوبهم و أسماعهم و أبصارهم و مشاعرهم،و لقد كان الشّاعر يقول البيت من الشّعر مدحا،فيرفع القبيلة الوضيعة المنزلة،و يشيد بذكرها،و يقول:بيتا ذمّا،فيضع القبيلة الرّفيعة،و يميت ذكرها،فمن الأوّل ما قاله الشّاعر في بني أنف النّاقة.

قوم هم الأنف و الأذناب غيرهم

و من يسوّي بأنف النّاقة الذّنبا

و من الثّاني قول جرير:

فغضّ الطّرف إنّك من نمير

فلا كعبا بلغت و لا كلابا

و لقد كان ذكر بني أنف النّاقة ممّا يعير به،فلمّا قيل هذا البيت رفعوا رءوسهم و فخروا بلقبهم و شرفوا بنسبهم،و كان الرّجل منهم إذا سئل يقول:أنا من بني أنف النّاقة،و يميل صوته عجبا و تيها و افتخارا،و كذلك بنو نمير كانوا قبل هذا البيت يتكبّرون و يفخرون بنسبهم،فلمّا أن شاع البيت طأطئوا رءوسهم و غضّوا من صوتهم،و انخذلوا أمام عدوّهم،و صغروا في المحافل، و لقد كانت هذه حال العرب.[إلى أن قال:]

الحمد يكون على مقدار علم الحامد،ألا و إنّ الحامد كلّما كان أعرف بصفات المحمود كان أصدق حمدا،و كلّما كان قليل العلم بها كان أقرب إلى الكذب في حمده، و لذلك نجد النّاس إذا أرادوا تأبين ميّت أو تكريم حيّ جمعوا من الكتب ما كان له من محمدة،و إذا أرادوا ذمّا نقبوا عن الأعمال السّيّئة فهكذا هنا،لن يعرف المسلمون محامد اللّه حتّى يقرءوا نظام الطّبيعة،لأنّها أفعاله و آثاره و عجائب صنعه،و هي كتاب التّاريخ الّذي حفظ في سجل الدّهر،فإذا أراد المسلمون أن يحمدوا اللّه حقّ حمده فليقرأ عقلاؤهم نظام الطّبيعة،و ليعقلوها و ليفهموا دقائق التّكوين،فلا يتركون علما إلاّ درسوه،و لا فنّا إلاّ عرفوه،و حينئذ يحمدون اللّه حقّ حمده،كما تحمد الأمم رجالها و تمدح شجعانها،بذكر مآثرهم الّتي انتفعوا بها.

فإذا قالوا:الحمد للّه،كان ذلك على الحقيقة و الواقع لا بمجرّد اللّفظ.و لعلّك تقول:ها أنا ذا قد عرفت،أنّه لا بدّ من معرفة نعم اللّه حتّى أكون حامدا له حقّ حمده، بحسب طاقتي البشريّة،فما مجامع تلك النّعم؟أقول:كلّ العلوم مجامع الحمد و سأفصّلها لك في التّفسير،بل كلّ ما أشار له القرآن هو ما أثر تربية العالمين الّتي تستوجب الحمد.

أسباب الحمد:زيادة إيضاح لما سبق من قبل فيها:

اعلم أنّ لكلّ حمد سببا كما أشرنا إليه آنفا،فالجائع يقول:الحمد للّه الّذي غذّاني،و الظّمآن يقول:الّذي أرواني،و الفقير يقول:الّذي أغناني،و الجاهل يقول:

الّذي علّمني،و في القرآن على لسان إبراهيم: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إبراهيم:

39،و فيه على لسان يوسف: وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ يوسف:100،و هذه الجملة حمد

ص: 832

على نعمة الخروج من السّجن و لمّ شمل أسرة يوسف عليه السّلام.

فأمّا الحمد في هذه السّورة فسببه أنّ اللّه مربّي جميع العوالم،فإذا قال إبراهيم الخليل :أنا أحمد اللّه،لأنّه أعطاني ولدا أيّام كبري،يقول المسلم في صلاته:أنا أثني على اللّه،لأنّه هو الّذي ربّى جميع العوالم من العلويّات و السّفليّات،إنّ إبراهيم يعرف نعمة اللّه في ابنه،و الجائع يعرف نعمة اللّه في أكله،و المسلم يجب أن يعرف نعمة اللّه في تربية العوالم.و ليس معنى هذا أن يكون جميع المسلمين حكماء فلاسفة،و إنّما المراد أن يكون فيهم طائفة تقوم بجميع العلوم كالفرنجة أو أكثر،أ لا تراه يقول: إِيّاكَ نَعْبُدُ و لم يقل«أعبد»للإشارة إلى أنّ المقصود الجماعة.

و إذا بقي المسلمون على ما هم عليه من الجهل بنظام اللّه في العالم،فلا حظّ لهم من حمد اللّه و شكره إلاّ حظّ الجائع من النّسيم،و لمّا عزّ الحامدون الحقيقيّون الشّاكرون العاقلون قال اللّه: وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ سبأ:13.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(1:5،13،16)

المراغيّ: الحمد لغة هو المدح على فعل حسن صدر عن فاعله باختياره،سواء أسداه إلى الحامد أو إلى غيره.

و المدح يعمّ هذا و غيره،فيقال:مدح المال،و مدح الجمال،و مدح الرّياض.

و الثّناء يستعمل في المدح و الذّمّ على السّواء،فيقال:

أثنى عليه شرّا،كما يقال أثنى عليه خيرا.

و الشّكر هو الاعتراف بالفضل إزاء نعمة صدرت من المشكور بالقلب أو باللّسان أو باليد أو غيرها من الأعضاء.[ثمّ استشهد بشعر]

يريد أنّ يدي و لساني و قلبي لكم،فليس في القلب إلاّ نصحكم و محبّتكم،و لا في اللّسان إلاّ الثّناء عليكم و مدحكم،و لا في اليد و سائر الجوارح و الأعضاء إلاّ مكافأتكم و خدمتكم.

و ورد في الأثر:«الحمد رأس الشّكر،ما شكر اللّه عبد لم يحمده»و قد جعله رأس الشّكر،لأنّ ذكر النّعمة باللّسان و الثّناء على من أسداها،يشهرها بين النّاس و يجعل صاحبها القدوة المؤتسى به،أمّا الشّكر بالقلب فهو خفيّ قلّ من يعرفه،و كذلك الشّكر بالجوارح منهم لا يستبين لكثير من النّاس.(1:29)

سيّد قطب :و عقب البدء باسم اللّه الرّحمن الرّحيم يجيء التّوجّه إلى اللّه بالحمد،و وصفه بالرّبوبيّة المطلقة للعالمين: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

و اَلْحَمْدُ لِلّهِ هو الشّعور الّذي يفيض به قلب المؤمن بمجرّد ذكره للّه،فإنّ وجوده ابتداء ليس إلاّ فيضا من فيوضات النّعمة الإلهيّة الّتي تستجيش الحمد و الثّناء.

و في كلّ لمحة،و في كلّ لحظة،و في كلّ خطوة،تتوالى آلاء اللّه و تتواكب و تتجمّع،و تغمر خلائقه كلّها،و بخاصّة هذا الإنسان.و من ثمّ كان الحمد للّه ابتداء،و كان الحمد للّه ختاما،قاعدة من قواعد التّصوّر الإسلاميّ المباشر:

«و هو اللّه لا إله إلاّ هو،له الحمد في الأولى و الآخرة...».

ص: 833

و مع هذا يبلغ من فضل اللّه-سبحانه-و فيضه على عبده المؤمن،أنّه إذا قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ كتبها له حسنة ترجّح كلّ الموازين.في سنن ابن ماجه عن ابن عمر -رضي اللّه عنهما-أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حدّثهم أنّ عبدا من عباد اللّه قال:«يا ربّ لك الحمد،كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك».فعضلت الملكين فلم يدريا كيف يكتبانها.فصعدا إلى اللّه فقالا:يا ربّنا،إنّ عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها.قال اللّه-و هو أعلم بما قال عبده-:«و ما الّذي قال عبدي؟»قالا:يا ربّ،إنّه قال:«لك الحمد يا ربّ كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك».فقال اللّه لهما:«اكتباها كما قال عبدي حتّى يلقاني فأجزيه بها».

و التّوجّه إلى اللّه بالحمد يمثّل شعور المؤمن الّذي يستجيشه مجرّد ذكره للّه-كما أسلفنا-أمّا شطر الآية الأخير: رَبِّ الْعالَمِينَ فهو يمثّل قاعدة التّصوّر الإسلاميّ،فالرّبوبيّة المطلقة الشّاملة هي إحدى كليّات العقيدة الإسلاميّة.و الرّبّ هو المالك المتصرّف،و يطلق في اللّغة على السّيّد و على المتصرّف للإصلاح و التّربية.

و التّصرّف للإصلاح و التّربية يشمل العالمين،أي جميع الخلائق،و اللّه سبحانه لم يخلق الكون ثمّ يتركه هملا،إنّما هو يتصرّف فيه بالإصلاح و يرعاه و يربّيه و كلّ العوالم و الخلائق تحفظ و تتعهّد برعاية اللّه ربّ العالمين،و الصّلة بين الخالق و الخلائق،دائمة ممتدّة قائمة،في كلّ وقت و في كلّ حالة.(1:22)

الطّباطبائيّ: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الحمد على ما قيل:هو الثّناء على الجميل الاختياريّ،و المدح أعمّ منه،يقال:

حمدت فلانا أو مدحته لكرمه،و يقال:مدحت اللّؤلؤ على صفائه و لا يقال:حمدته على صفائه.و اللاّم فيه للجنس أو الاستغراق،و المآل هاهنا واحد،و ذلك انّ اللّه سبحانه يقول: ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ المؤمن:62،فأفاد أنّ كلّ ما هو شيء فهو مخلوق للّه سبحانه.

و قال: اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ السّجدة:

7،فأثبت الحسن لكلّ شيء مخلوق من جهة أنّه مخلوق له منسوب إليه،فالحسن يدور مدار الخلق و بالعكس، فلا خلق إلاّ و هو حسن جميل بإحسانه،و لا حسن إلاّ و هو مخلوق له منسوب إليه،و قد قال تعالى: هُوَ اللّهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ الزّمر:4.و قال: وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ طه:111،فإنباء أنّه لم يخلق ما خلق بقهر قاهر،و لا يفعل ما فعل بإجبار من مجبر،بل خلقه عن علم و اختيار،فما من شيء إلاّ و هو فعل جميل اختياريّ له.فهذا من جهة الفعل،و أمّا من جهة الاسم فقد قال تعالى: اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى طه:8،و قال تعالى: وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ الأعراف:180، فهو تعالى جميل في أسمائه و جميل في أفعاله،و كلّ جميل منه.

فقد بان أنّه تعالى محمود على جميل أسمائه و محمود على جميل أفعاله،و أنّه ما من حمد يحمده حامد لأمر محمود إلاّ كان للّه سبحانه حقيقة،لأنّ الجميل الّذي

ص: 834

يتعلّق به الحمد منه سبحانه،فللّه سبحانه جنس الحمد و له سبحانه كلّ حمد.

ثمّ إنّ الظّاهر من السّياق و بقرينة الالتفات الّذي في قوله: إِيّاكَ نَعْبُدُ إنّ السّورة من كلام العبد،و إنّه سبحانه في هذه السّورة يلقّن عبده حمد نفسه،و ما ينبغي أن يتأدّب به العبد عند نصب نفسه في مقام العبوديّة، و هو الّذي يؤيّده قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ.

و ذلك أنّ الحمد توصيف،و قد نزّه سبحانه نفسه عن وصف الواصفين من عباده؛حيث قال: سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ* إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ الصّافّات:

159،160،و الكلام مطلق غير مقيّد،و لم يرد في كلامه تعالى ما يؤذن بحكاية الحمد عن غيره،إلاّ ما حكاه عن عدّة من أنبيائه المخلصين،قال تعالى في خطابه لنوح عليه السّلام: فَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ المؤمنون:28،و قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السّلام: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إبراهيم:39،و قال تعالى لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله في بضعة مواضع من كلامه: وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ النّمل:93،و قال تعالى حكاية عن داود و سليمان عليهما السّلام: وَ قالاَ الْحَمْدُ لِلّهِ النّمل:15،و إلاّ ما حكاه عن أهل الجنّة و هم المطهّرون من غلّ الصّدور، و لغو القول و التّأثيم،كقوله: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10.

و أمّا غير هذه الموارد فهو تعالى و إن حكى الحمد عن كثير من خلقه بل عن جميعهم،كقوله تعالى:

وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ الشّورى:5، و قوله: وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ الرّعد:13،و قوله:

وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44.

إلاّ أنّه سبحانه شفّع الحمد في جميعها بالتّسبيح،بل جعل التّسبيح هو الأصل في الحكاية و جعل الحمد معه، و ذلك أنّ غيره تعالى لا يحيط بجمال أفعاله و كمالها،كما لا يحيطون بجمال صفاته و أسمائه،الّتي منها جمال الأفعال، قال تعالى: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110،فما وصفوه به فقد أحاطوا به،و صار محدودا بحدودهم مقدّرا بقدر نيلهم منه،فلا يستقيم ما أثنوا به من ثناء،إلاّ من بعد أن ينزّهوه و يسبّحوه عن ما حدّوه و قدّروه بأفهامهم،قال تعالى: إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ النّحل:74.

و أمّا المخلصون من عباده تعالى فقد جعل حمدهم حمده،و وصفهم وصفه،حيث جعلهم مخلصين له،فقد بان أنّ الّذي يقتضيه أدب العبوديّة أن يحمد العبد ربّه بما حمد به نفسه،و لا يتعدّى عنه،كما في الحديث الّذي رواه الفريقان عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»فقوله في أوّل هذه السّورة:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ، تأديب بأدب عبوديّ،ما كان للعبد أن يقوله لو لا أنّ اللّه تعالى قاله نيابة و تعليما لما ينبغي الثّناء به.(1:19)

مكارم الشّيرازيّ: و لفهم عمق هذه العبارة و عظمتها يلزمنا توضيح الفرق بين«الحمد»و«المدح» و«الشّكر»و النّتائج المترتّبة على ذلك:

ص: 835

1-الحمد في اللّغة:الثّناء على عمل أو صفة طيّبة مكتسبة عن اختيار،أي حينما يؤدّي شخص عملا طيّبا عن وعي.أو يكتسب عن اختيار صفة تؤهّله لأعمال الخير،فإنّنا نحمده و نثني عليه.

و المدح هو الثّناء بشكل عامّ،سواء كان لأمر اختياريّ أو غير اختياريّ،كمدحنا جوهرة ثمينة جميلة.

و مفهوم المدح عامّ،بينما مفهوم الحمد خاصّ.

أمّا مفهوم الشّكر فأخصّ من الاثنين،و يقتصر على ما نبديه تجاه نعمة تغدق علينا من منعم عن اختيار.

و لو علمنا أنّ الألف و اللاّم في(الحمد)هي لاستغراق الجنس،لعلمنا أنّ كلّ حمد و ثناء يختصّ باللّه سبحانه دون سواه.

ثناؤنا على الآخرين ينطلق من ثنائنا عليه،لأنّ مواهب الواهبين كالأنبياء و المصلحين و الصّالحين و المعلّمين و الأطبّاء المعالجين،إنّما هي في الأصل من ذاته المقدّسة.و بعبارة أخرى حمد هؤلاء هو حمد للّه،و الثّناء عليهم ثناء على اللّه تعالى.

و هكذا الشّمس حين تغدق علينا بأشعّتها، و السّحب بأمطارها،و الأرض ببركاتها،كلّ ذلك منه سبحانه،و لذلك فكلّ الحمد له.

بعبارة أخرى،جملة اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، إشارة إلى توحيد الذّات،و الصّفات،و الأفعال،تأمّل بدقّة.

2-وصف(اللّه)بأنّه رَبِّ الْعالَمِينَ هو من قبيل ذكر الدّليل بعد ذكر الادّعاء.و كأنّ سائلا يقول:لم كان كلّ حمد للّه؟فيأتي الجواب لأنّه رَبِّ الْعالَمِينَ.

و في موقع آخر يقول القرآن عن البارئ سبحانه:

اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ... السّجدة:7.و يقول أيضا: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُها هود:6.

3-يستفاد من(الحمد)أنّ اللّه سبحانه واهب النّعم عن إرادة و اختيار،خلافا لأولئك القائلين:إنّ اللّه كالشّمس مجبر على أن يفيض بالعطاء.

4-جدير بالذّكر أنّ الحمد ليس هو بداية كلّ عمل، بل هو نهاية كلّ عمل أيضا،كما يعلمنا القرآن.يقال سبحانه بشأن أهل الجنّة: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10.(1:36)

فضل اللّه :هذه هي الآية الأولى من سورة الفاتحة الّتي يبدأ فيها الإنسان المؤمن بالتّعبير عن عمق إحساسه باللّه،من خلال ما يختزنه في داخل عقله الإيمانيّ، و شعوره الرّوحيّ،و تصوّره الفكريّ،و حسّه الوجدانيّ، من معنى الحمد للّه،الّذي يتحدّث اللّغويّون و المفسّرون عنه،ليضعوا أمام كلمته كلمة«المدح»أو«ضدّ اللّوم».

فهي تعبّر عن مدح الإنسان لربّه في ما يعتقده من عظمة صفاته،و يعرفه من امتداد نعمه،و رجوع كلّ خير إليه، و انطلاق كلّ وجود من وجوده.

و لكن الكلمة،في ملامحها الإيحائية،توحي ببعض الإيحاءات النّفسيّة،و الإحساسات الشّعورية،الّتي تجعل للكلمة معنى يتّصل بالشّكر.فكأنّ الإنسان عند ما

ص: 836

ينفتح على المدح،يتحسّس موقع العظمة المنفتح على النّعمة من حيث امتزاج المعنيين أو تداخلهما،باعتبار ارتباط مواقع الوجود ببعضها البعض.و لهذا نجد أنّ كلمة «الحمد»تلتقي في استعمالاتها،بمواقع كلمة«الشّكر».

و هذا ما نراه في أغلب الكلمات المترادفة الّتي قد تتّفق في المعنى من حيث المبدإ،و لكنّها تختلف من حيث الإيحاءات،ممّا يجعل لكلّ كلمة موقعا يختلف عن موقع الكلمة الأخرى،فنجد كلمة«بشر»مثلا توضع في مقابل كلمة الملك،بينما توضع كلمة«الإنسان»في مقابل كلمة«الحيوان»،مع أنّ معناهما،أي البشر و الإنسان، واحد.

لما ذا الحمد للّه وحده؟

و هذه الجملة واردة في مورد الحصر،باعتبار أنّ للّه وحده الحمد كلّه،باعتباره مالكا للوجود كلّه،و الأمر كلّه.فإذا كان بعض خلقه مستحقّا للحمد من خلال صفاته العظيمة،أو أفعاله الحسنة،فإنّ اللّه هو الّذي وهبه ذلك،و مكّنه منه.فهو الّذي هيّأ له الظّروف و الوسائل و الإمكانات الّتي جعلت منه إنسانا محمودا،ممّا يجعل من محامد خلقه امتدادا لمحامده،باعتبار أنّ ذلك من فعله و من إرادته.

إنّ الخلق كلّه يمثل بالنّسبة إلى اللّه الظّلّ و الصّدى و امتداد الشّعاع،فلا وجود لهم إلاّ من خلال وجوده، و لا حمد لهم إلاّ من خلال حمده.

و إذا كانت الكلمة تنطلق من عمق الإحساس بالعظمة و النّعمة،فلا بدّ من أن تطوف بالإنسان في رحاب اللّه،في صفات الجلال و الكمال،ليعيش مع اللّه في ذلك الجوّ كلّه،ممّا يجعل الكلمة تجتذب آلاف الكلمات، كما ينطلق التّصوّر في معنى الحمد الممتدّ في كلّ مواقع الحمد،ليلتقي بآلاف التّصوّرات في ما يحمله اسم الجلالة من كلّ المعاني العظيمة و الصّفات الحسنى.

و هذا هو التّصوّر الأوّل في السّورة فيما يتصوّره المؤمن من تصوّراته العقيديّة للّه،لتلتقي صفة اللّه المحمود، مع مشاعر المؤمن الحامد.(1:47)

2- اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ.

الأنعام:1

ابن عبّاس: يقول:الشّكر و الألوهيّة للّه.(105)

افتتح اللّه الخلق بالحمد،فقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ و ختمه بالحمد،فقال:

وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أي بين الخلائق وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الزّمر:75.(البغويّ 2:108)

الطّبريّ: الحمد الكامل للّه وحده لا شريك له، دون جميع الأنداد و الآلهة،و دون ما سواه ممّا تعبده كفرة خلقه من الأوثان و الأصنام.و هذا كلام مخرجه مخرج الخبر،ينحى به نحو الأمر،يقول:أخلصوا الحمد و الشّكر للّذي خلقكم أيّها النّاس،و خلق السّماوات و الأرض، و لا تشركوا معه في ذلك أحدا شيئا،فإنّه المستوجب عليكم الحمد بأياديه عندكم،و نعمه عليكم،لا من تعبدونه من دونه،و تجعلونه له شريكا من خلقه.و قد

ص: 837

بيّنّا الفصل بين معنى الحمد و الشّكر بشواهده فيما مضى قبل.(7:143)

الماورديّ: اَلْحَمْدُ لِلّهِ جاء على صيغة الخبر و فيه معنى الأمر؛و ذلك أولى من أن يجيء بلفظ الأمر؛ فيقول:احمد اللّه،لأمرين:

أحدهما:أنّه يتضمّن تعليم اللّفظ و المعنى،و في الأمر المعنى دون اللّفظ.

و الثّاني:أنّ البرهان إنّما يشهد بمعنى الخبر دون الأمر.(2:91)

البغويّ: حمد اللّه نفسه تعليما لعباده،أي:احمدوا اللّه الّذي خلق السّماوات و الأرض،خصّهما بالذّكر، لأنّهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد،و فيهما العبر و المنافع للعباد.(2:108)

ابن عطيّة: هذا تصريح بأنّ اللّه تعالى هو الّذي يستحقّ الحمد بأجمعه،لأنّ الألف و اللاّم في(الحمد) لاستغراق الجنس،فهو تعالى له الأوصاف السّنيّة و العلم و القدرة و الإحاطة و الإنعام،فهو أهل للمحامد على ضروبها،و له الحمد الّذي يستغرق الشّكر المختصّ بأنّه على النّعم،و لمّا ورد هذا الإخبار تبعه ذكر بعض أوصافه الموجبة للحمد،و هي الخلق للسّماوات و الأرض؛قوام النّاس و أرزاقهم.(2:265)

الطّبرسيّ: بدأ اللّه تعالى هذه السّورة بالحمد لنفسه،إعلاما بأنّه المستحقّ لجميع المحامد،لأنّ أصول النّعم و فروعها منه تعالى،و لأنّ له الصّفات العلى،فقال:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ يعني اخترعهما بما اشتملا عليه من عجائب الصّنعة و بدائع الحكمة.

و قيل:إنّه في لفظ الخبر و معناه الأمر،أي احمدوا اللّه،و إنّما جاء على صيغة الخبر و إن كان فيه معنى الأمر، لأنّه أبلغ في البيان من حيث إنّه يجمع الأمرين.

(2:272)

الفخر الرّازيّ: المسألة الأولى في الفرق بين:المدح و الحمد و الشّكر.

اعلم أنّ المدح أعمّ من الحمد،و الحمد أعمّ من الشّكر.

أمّا بيان أنّ المدح أعمّ من الحمد،فلأنّ المدح يحصل للعاقل و لغير العاقل،أ لا ترى أنّه كما يحسن مدح الرّجل العاقل على أنواع فضائله،فكذلك قد يمدح اللّؤلؤ لحسن شكله و لطافة خلقته،و يمدح الياقوت على نهاية صفائه و صقالته،فيقال:ما أحسنه و ما أصفاه!و أمّا الحمد:فإنّه لا يحصل إلاّ للفاعل المختار على ما يصدر منه من الإنعام و الإحسان،فثبت أنّ المدح أعمّ من الحمد.

و أمّا بيان أنّ الحمد أعمّ من الشّكر،فلأنّ الحمد عبارة عن تعظيم الفاعل لأجل ما صدر عنه من الإنعام، سواء كان ذلك الإنعام واصلا إليك أو إلى غيرك.

و أمّا الشّكر فهو عبارة عن تعظيمه،لأجل إنعام وصل إليك و حصل عندك.فثبت بما ذكرنا أنّ المدح أعمّ من الحمد،و هو أعمّ من الشّكر.

إذا عرفت هذا فنقول:إنّما لم يقل:المدح للّه،لأنّا بيّنّا أنّ المدح كما يحصل للفاعل المختار،فقد يحصل لغيره.أمّا

ص: 838

الحمد فإنّه لا يحصل إلاّ للفاعل المختار.فكان قوله:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ تصريحا بأنّ المؤثّر في وجود هذا العالم فاعل مختار خلقه بالقدرة و المشيئة.و ليس علّة موجبة له إيجاب العلّة لمعلولها،و لا شكّ أنّ هذه الفائدة عظيمة في الدّين.و إنّما لم يقل:الشّكر للّه،لأنّا بيّنّا أنّ الشّكر عبارة عن تعظيمه بسبب إنعام صدر منه و وصل إليك، و هذا مشعر بأنّ العبد إذا ذكر تعظيمه بسبب ما وصل إليه من النّعمة،فحينئذ يكون المطلوب الأصليّ له وصول النّعمة إليه،و هذه درجة حقيرة.فأمّا إذا قال:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ فهذا يدلّ على أنّ العبد حمده لأجل كونه مستحقّا للحمد،لا لخصوص أنّه تعالى أوصل النّعمة إليه،فيكون الإخلاص أكمل،و استغراق القلب في مشاهدة نور الحقّ أتمّ،و انقطاعه عمّا سوى الحقّ أقوى و أثبت.

المسألة الثّانية:(الحمد):لفظ مفرد محلّى بالألف و اللاّم فيفيد أصل الماهيّة.

إذا ثبت هذا فنقول:قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ يفيد أنّ هذه الماهيّة للّه؛و ذلك يمنع من ثبوت الحمد لغير اللّه،فهذا يقتضي أنّ جميع أقسام الحمد و الثّناء و التّعظيم ليس إلاّ للّه سبحانه.

فإن قيل:إنّ شكر المنعم واجب،مثل شكر الأستاذ على تعليمه،و شكر السّلطان على عدله،و شكر المحسن على إحسانه،كما قال عليه السّلام:«من لم يشكر النّاس لم يشكر اللّه».

قلنا:المحمود و المشكور في الحقيقة ليس إلاّ اللّه، و بيانه من وجوه:

الأوّل:صدور الإحسان من العبد يتوقّف على حصول داعية الإحسان في قلب العبد،و حصول تلك الدّاعية في القلب ليس من العبد،و إلاّ لافتقر في حصولها إلى داعية أخرى،و لزم التّسلسل،بل حصولها ليس إلاّ من اللّه سبحانه.فتلك الدّاعية عند حصولها يجب الفعل، و عند زوالها يمتنع الفعل،فيكون المحسن في الحقيقة ليس إلاّ اللّه،فيكون المستحقّ لكلّ حمد في الحقيقة هو اللّه تعالى.

و ثانيها:أنّ كلّ من أحسن من المخلوقين إلى الغير، فإنّه إنّما يقدم على ذلك الإحسان إمّا لجلب منفعة،أو دفع مضرّة:أمّا جلب المنفعة:فإنّه يطمع بواسطة ذلك الإحسان بما يصير سببا لحصول السّرور في قلبه،أو مكافأة بقليل أو كثير في الدّنيا،أو وجدان ثواب في الآخرة.و أمّا دفع المضرّة فهو أنّ الإنسان إذا رأى حيوانا في ضرّ أو بليّة فإنّه يرقّ قلبه عليه،و تلك الرّقّة ألم مخصوص يحصل في القلب،عند مشاهدة وقوع ذلك الحيوان في تلك المضرّة.فإذا حاول انقاذ ذلك الحيوان من تلك المضرّة،زالت تلك الرّقّة عن القلب،و صار فارغ القلب طيّب الوقت،فذلك الإحسان كأنّه سبب أفاد تخليص القلب عن ألم الرّقّة الحسّيّة،فثبت أنّ كلّ من سوى الحقّ فإنّه يستفيد بفعل الإحسان،إمّا جلب منفعة،أو دفع مضرّة،أمّا الحقّ سبحانه و تعالى،فإنّه يحسن و لا يستفيد منه جلب منفعة،و لا دفع مضرّة، و كان المحسن الحقيقيّ ليس إلاّ اللّه تعالى،فبهذا السّبب

ص: 839

كان المستحقّ لكلّ أقسام الحمد هو اللّه،فقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ.

و ثالثها:أنّ كلّ إحسان يقدم عليه أحد من الخلق، فالانتفاع به لا يكمل إلاّ بواسطة إحسان اللّه،أ لا ترى أنّه لو لا أنّ اللّه تعالى خلق أنواع النّعمة،و إلاّ لم يقدر الإنسان على إيصال تلك الحنطة و الفواكه إلى الغير، و أيضا فلو لا أنّه سبحانه أعطى الإنسان الحواسّ الخمس الّتي بها يمكنه الانتفاع بتلك النّعم،و إلاّ لعجز عن الانتفاع بها.و لو لا أنّه سبحانه أعطاه المزاج الصّحيح و البنية السّليمة،و إلاّ لما أمكنه الانتفاع بها،فثبت أنّ كلّ إحسان يصدر عن محسن سوى اللّه تعالى،فإنّ الانتفاع به لا يكمل إلاّ بواسطة إحسان اللّه تعالى.و عند هذا يظهر أنّه لا محسن في الحقيقة إلاّ اللّه،و لا مستحقّ للحمد إلاّ اللّه،فلهذا قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ.

و رابعها:أنّ الانتفاع بجميع النّعم لا يمكن إلاّ بعد وجود المنتفع،بعد كونه حيّا قادرا عالما،و نعمة الوجود و الحياة و القدرة و العلم ليست إلاّ من اللّه سبحانه.

و التّربية الأصليّة و الأرزاق المختلفة لا تحصل إلاّ من اللّه سبحانه من أوّل الطّفوليّة إلى آخر العمر.ثمّ إذا تأمّل الإنسان في آثار حكمة الرّحمن في خلق الإنسان، و وصل إلى ما أودع اللّه تعالى في أعضائه من أنواع المنافع و المصالح،علم أنّها بحر لا ساحل له،كما قال تعالى:

وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها النّحل:18، فبتقدير:أن نسلّم أنّ العبد يمكنه أن ينعم على الغير،إلاّ أنّ نعم العبد كالقطرة،و نعم اللّه لا نهاية لها أوّلا و آخرا، و ظاهرا و باطنا.فلهذا السّبب كان المستحقّ للحمد المطلق و الثّناء المطلق ليس إلاّ اللّه سبحانه،فلهذا قال:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ.

المسألة الثّالثة:إنّما قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ و لم يقل:

أحمد اللّه،لوجوه:

أحدها:أنّ الحمد صفة القلب،و ربّما احتاج الإنسان إلى أن يذكر هذه اللّفظة حال كونه غافلا بقلبه عن استحضار معنى الحمد و الثّناء،فلو قال في ذلك الوقت:

أحمد اللّه،كان كاذبا،و استحقّ عليه الذّمّ و العقاب، حيث أخبر عن دعوى شيء مع أنّه ما كان موجودا.أمّا إذا قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ، فمعناه:أنّ ماهيّة الحمد و حقيقته مسلّمة للّه تعالى.و هذا الكلام حقّ و صدق، سواء كان معنى الحمد و الثّناء حاضرا في قلبه،أو لم يكن،و كان تكلّمه بهذا الكلام عبادة شريفة و طاعة رفيعة.فظهر الفرق بين هذين اللّفظين.

و ثانيها:روي أنّه تعالى أوحى إلى داود عليه السّلام يأمره بالشّكر،فقال داود:يا ربّ و كيف أشكرك؟و شكري لك لا يحصل إلاّ أن توفّقني لشكرك،و ذلك التّوفيق نعمة زائدة،و إنّها توجب الشّكر لي أيضا؛و ذلك يجرّ إلى ما لا نهاية له،و لا طاقة لي بفعل ما لا نهاية له.فأوحى اللّه تعالى إلى داود:لمّا عرفت عجزك عن شكري فقد شكرتني.

إذا عرفت هذا فنقول:لو قال العبد:«أحمد اللّه»كان دعوى أنّه أتى بالحمد و الشّكر،فيتوجّه عليه ذلك السّؤال.أمّا لو قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ فليس فيه ادّعاء أنّ

ص: 840

العبد أتى بالحمد و الثّناء،بل ليس فيه إلاّ أنّه سبحانه مستحقّ للحمد و الثّناء،سواء قدر على الإتيان بذلك الحمد أو لم يقدر عليه،فظهر التّفاوت بين هذين اللّفظين من هذا الوجه.

و ثالثها:أنّه لو قال:«أحمد اللّه»،كان ذلك مشعرا بأنّه ذكر حمد نفسه،و لم يذكر حمد غيره.أمّا إذا قال:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ، فقد دخل فيه حمده و حمد غيره من أوّل خلق العالم إلى آخر استقرار المكلّفين في درجات الجنان و دركات النّيران،كما قال تعالى: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10،فكان هذا الكلام أفضل و أكمل.

المسألة الرّابعة:اعلم أنّ هذه الكلمة مذكورة في أوّل سور خمس،أوّلها:الفاتحة،فقال اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

و ثانيها:في أوّل هذه السّورة،فقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ و الأوّل أعمّ،لأنّ العالم عبارة عن كلّ موجود سوى اللّه تعالى،فقوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يدخل فيه كلّ موجود سوى اللّه تعالى.

أمّا قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لا يدخل فيه إلاّ خلق السّماوات و الأرض و الظّلمات و النّور،و لا يدخل فيه سائر الكائنات و المبدعات، فكان التّحميد المذكور في أوّل هذه السّورة كأنّه قسم من الأقسام الدّاخلة تحت التّحميد المذكور في سورة الفاتحة،و تفصيل لتلك الجملة.

و ثالثها:سورة الكهف،فقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ و ذلك أيضا تحميد مخصوص بنوع خاصّ من النّعمة،و هو نعمة العلم و المعرفة و الهداية و القرآن،و بالجملة:النّعم الحاصلة بواسطة بعثة الرّسل.

و رابعها:سورة سبأ و هي قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ، و هو أيضا قسم من الأقسام الدّاخلة تحت قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

و خامسها:سورة فاطر،فقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و ظاهر أيضا أنّه قسم من الأقسام الدّاخلة تحت قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، فظهر أنّ الكلام الكلّيّ التّامّ هو التّحميد المذكور في أوّل الفاتحة،و هو قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

و ذلك لأنّ كلّ موجود فهو إمّا واجب الوجود لذاته، و إمّا ممكن الوجود لذاته.و واجب الوجود لذاته واحد؛ و هو اللّه سبحانه و تعالى،و ما سواه ممكن،و كلّ ممكن.

فلا يمكن دخوله في الوجود إلاّ بإيجاد اللّه تعالى و تكوينه، و الوجود نعمة،فالإيجاد إنعام و تربية،فلهذا السّبب قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، و أنّه تعالى المربّي لكلّ ما سواه،و المحسن إلى كلّ ما سواه،فذلك الكلام هو الكلام الكلّيّ الوافي بالمقصود.أمّا التّحميدات المذكورة في أوائل هذه السّور،فكان كلّ واحد منها قسم من أقسام ذلك التّحميد،و نوع من أنواعه.(12:142)

القرطبيّ: بدأ سبحانه فاتحتها بالحمد على نفسه، و إثبات الألوهيّة،أي أنّ الحمد كلّه له فلا شريك له.

فإن قيل:فقد افتتح غيرها بالحمد للّه،فكان

ص: 841

الاجتزاء بواحدة و يغني عن سائره،فيقال:لأنّ لكلّ واحدة منه معنى في موضعه لا يؤدّي عنه غيره من أجل عقده بالنّعم المختلفة،و أيضا فلما فيه من الحجّة في هذا الموضع على الّذين هم بربّهم يعدلون.(6:384)

البيضاويّ: أخبر بأنّه سبحانه و تعالى حقيق بالحمد،و نبّه على أنّه المستحقّ له على هذه النّعم الجسام،حمد أو لم يحمد،ليكون حجّة على الّذين هم بربّهم يعدلون.(1:301)

النّسفيّ: تعليم اللّفظ و المعنى مع تعريض الاستغناء أي الحمد له و إن لم تحمدوه.(2:2)

الشّربينيّ: (الحمد)هو الوصف بالجميل ثابت (للّه)و هل المراد،الإعلام بذلك للإيمان به أو الثّناء به أو هما؟احتمالات.(1:409)

أبو السّعود :تعليق«الحمد»المعرّف بلام الحقيقة أوّلا باسم الذّات،عليه يدور كافّة ما يوجبه من صفات الكمال،و إليه يؤول جميع نعوت الجلال و الجمال، للإيذان بأنّه عزّ و جلّ هو المستحقّ له بذاته،لما مرّ من اقتضاء اختصاص الحقيقة به سبحانه،لاختصار جميع أفرادها عليه بالطّريق البرهانيّ،و وصفه تعالى ثانيا بما ينبئ عن تفصيل بعض موجباته المنتظمة في سلك الإجمال من عظائم الآثار و جلائل الأفعال.(2:345)

البروسويّ: الألف و اللاّم في(الحمد)لاستغراق الجنس،و اللاّم في(للّه)للاختصاص،لأنّه تعالى قال:

بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ و دفع تسويتهم بربّهم ممّا جعل مقصودا بالذّات.و في«التّأويلات النّجميّة»:اللاّم لام التّمليك،يعني كلّ حمد يحمده أهل السّماوات و الأرض في الدّنيا و الآخرة و ملك له،و هو الّذي أعطاهم استعداد الحمد،ليحمدوه بآثار قدرته على قدر استعدادهم و استطاعتهم،لكن حمد الخلق له مخلوق فان،و حمده لنفسه قديم باق.

فإن قيل:أ ليس شكر المنعم واجبا مثل شكر الأستاذ على تعليمه،و شكر السّلطان على عدله،و شكر المحسن على إحسانه،قال عليه السّلام:«من لم يشكر النّاس لم يشكر اللّه»؟

فالجواب:أنّ الحمد و التّعظيم المتعلّق بالعبد المنعم نظرا إلى وصول النّعمة من قبله،و هو في الحقيقة راجع إليه تعالى،لأنّه تعالى لو لم يخلق نفس تلك النّعمة،و لو لم يحدث داعية الإحسان في قلب العبد المحسن،لما قدر ذلك العبد على الإحسان و الإنعام،فلا محسن في الحقيقة إلاّ اللّه،و لا مستحقّ للحمد إلاّ هو تعالى.و في تعليق الحمد باسم الذّات المستجمع لجميع الصّفات،إشارة إلى أنّه المستحقّ له بذاته،سواء حمده حامد أو لم يحمده.

(3:2)

الآلوسيّ: جملة خبريّة أو إنشائيّة.و عيّن بعضهم الأوّل،لما في حملها على الإنشاء من إخراج الكلام عن معناه الوضعيّ من غير ضرورة،بل لما يلزم على كونها إنشائيّة من انتفاء الاتّصاف بالجميل قبل حمد الحامد، ضرورة أنّ الإنشاء يقارن معناه لفظه في الوجود.

و آخرون الثّاني،لأنّه لو كانت جملة الحمد إخبارا،يلزم أن لا يقال لقائل اَلْحَمْدُ لِلّهِ: حامد،إذ لا يصاغ

ص: 842

للمخبر عن غيره لغة من متعلّق إخباره اسم قطعا،فلا يقال لقائل:«زيد له القيام»:قائم،و اللاّزم باطل، فيبطل الملزوم.و لا يلزم هذا على تقدير كونها إنشائيّة، فإنّ الإنشاء يشتقّ منه اسم فاعل صفة للمتكلّم به، فيقال لمن قال:بعت:بائع.

و اعترض بأنّه لا يلزم من كلّ إنشاء في ذلك،و إلاّ لقيل:لقائل ضرب:ضارب و اللّه تعالى شانه القائل:

وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ البقرة:233،مرضع، بل إنّما يكون ذلك،إذا كان إنشاء لحال من أحوال المتكلّم،كما في صيغ العقود.و لا فرق حينئذ بينه و بين الخبر فيما ذكر.

و الّذي عليه المحقّقون جواز الاعتبارين في هذه الجملة،و أجابوا عمّا يلزم كلاّ من المحذور.

نعم رجّح هنا اعتبار الخبريّة،لما أنّ السّورة نزلت لبيان التّوحيد و ردع الكفرة،و الإعلام بمضمونها على وجه الخبريّة يناسب المقام،و جعلها لإنشاء الثّناء لا يناسبه.

و قيل:إنّ اعتبار خبريّتها هنا ليصحّ عطف ما بعد (ثمّ)الآتي عليها.و من اعتبر الإنشائيّة و لم يجوّز عطف الإنشاء على الإخبار،جعل العطف على صلة الموصول أو على الجملة الإنشائيّة،بجعل المعطوف لإنشاء الاستبعاد و التّعجّب.و لا يخفى ما في ذلك من التّكلّف و الخروج عن الظّاهر.

و في تعليق الحمد أوّلا باسم الذّات،و وصفه تعالى ثانيا بما وصف به سبحانه،تنبيه على تحقّق الاستحقاقين،تحقّق استحقاقه عزّ و جلّ الحمد باعتبار ذاته جلّ شأنه،و تحقّق استحقاقه سبحانه و تعالى باعتبار الإنعام المؤذن به ما في حيّز الموصول الواقع صفة.و معنى استحقاقه-سبحانه و تعالى-الذّاتيّ عند بعض،استحقاقه جلّ و علا الحمد بجميع أوصافه و أفعاله،و هو معنى قولهم:إنّه تعالى يستحقّ العبادة لذاته،و أنكر هذا صحّة توجّه التّعظيم و العبادة إلى الذّات من حيث هي.

و قد صرّح الإمام في شرح«الإشارة»عند ذكر مقامات العارفين،أنّ النّاس في العبادة ثلاث طبقات:

فالأولى:في الكمال و الشّرف،الّذين يعبدونه سبحانه و تعالى لذاته لا لشيء آخر.و الثّانية:و هي الّتي تلي الأولى في الكمال،الّذين يعبدونه لصفة من صفاته، و هي كونه تعالى مستحقّا للعبادة.

و الثّالثة:و هي آخر درجات المحقّقين،الّذين يعبدونه لتكمل نفوسهم في الانتساب إليه.و لا يشكل تصوّر تعظيم الذّات من حيث هي،لأنّه-كما قال الشّهاب-لو وقع ذلك ابتداء قبل التّعقّل بوجوه الكمال كان مشكلا،أمّا بعد معرفة المحمود جلّ جلاله بسمات الجمال،و تصوّره بأقصى صفات الكمال،فلا بدع أن يتوجّه إلى تمجيده تعالى و تحميده عزّ شأنه مرّة أخرى بقطع النّظر عمّا سوى الذّات بعد الصّعود بدرجات المشاهدات.و لذا قال أهل الظّاهر:

صفاته لم تزد معرفة

لكنّها لذّة ذكرناها

ص: 843

فما بالك بالعارفين الغارقين في بحار العرفان،و هم القوم كلّ القوم.و الّذي حقّقه السّالكوتيّ و جرينا عليه في الفاتحة،أنّ الاستحقاق الذّاتيّ ما لا يلاحظ معه خصوصيّة صفة حتّى الجميع،لا ما يكون الذّات البحت مستحقّا له،فإنّ استحقاق الحمد ليس إلاّ على الجميل.

و سمّي ذاتيّا لملاحظة الذّات فيه من غير اعتبار خصوصيّة صفة،أو لدلالة اسم الذّات عليه،أو لأنّه لمّا لم يكن مسندا إلى صفة من الصّفات المخصوصة كان مسندا إلى الذّات.

و ذكر بعض محقّقي المتأخّرين كلاما في هذا المقام ردّ به فيما عنده على كثير من العلماء الأعلام.

و حاصله:أنّ اللاّم الجارّة في(للّه)لمطلق الاختصاص دون الاختصاص القصريّ على التّعيين، بدليل أنّهم قالوا في مثل«له الحمد»:إنّ التّقديم للاختصاص القصريّ،فلو أنّ اللاّم الجارّة تفيده أيضا لما بقي فرق بين:الحمد للّه،و له الحمد،غير كون الثّاني أوكد من الأوّل في إفادة القصر.و المصرّح به التّفرقة بإفادة أحدهما القصر دون الآخر،و أنّ الاختصاصات على أنحاء،و تعيين بعضها موكول إلى العلّة الّتي يترتّب عليها الحكم،و تجعل محمودا عليه غالبا و غيرها من القرائن، فإذا رأيت الحكم على أوصافه تعالى المختصّة به سبحانه و تعالى،وجب كون الحمد مقصورا عليه تعالى،فيحمل الحكم المعلّل على القصر ليطابق المعلول علّته.

و مع ذلك،إذا كانت الأوصاف المختصّة به عزّ و جلّ ممّا يدلّ على كونه عزّ شأنه منعما على عباده،وجب كون الحمد حقّا للّه تعالى واجبا على عباده سبحانه، فيحمل الحكم المعلّل على الاستيجاب للتّطابق أيضا، و إذا لم يعلّل الحكم بشيء،أو قطع النّظر عن العلّة الّتي رتّب عليها الحكم،فإنّما يثبت في الحكم أدنى مراتب الاختصاص الّذي هو كونه تعالى حقيقا بالحمد،مجرّدا عن القصر و الاستيجاب.

و يعضد ما أشير إليه اختلاف عبارات العلاّمة البيضاويّ في بيان مدلولات جمل الحمد،و أنّ المراد من الاستيجاب الّذي جعله بعض النّحاة من معاني اللاّم،ما هو بمنزلة مطلق الاختصاص الّذي قرّره،لا المعنى الّذي رمز إليه،فعلى هذا يكون مفهوم جملة اَلْحَمْدُ لِلّهِ فيما نحن فيه،أنّه تعالى حقيق بالحمد،و لا دلالة فيها من حيث هي هي،مع قطع النّظر عن المحمود عليه الّذي هو علّة الحكم على قصر الحقيقيّة بالحمد عليه سبحانه و تعالى،و لا على بلوغها حدّ الاستيجاب.

نعم في ترتّب الحكم على ما في حيّز الصّفة،تنبيه على كون الحمد حقّا للّه تعالى،واجبا على عباده،مختصّا به عزّ شأنه،مقصورا عليه سبحانه؛حيث إنّ ترتّب الحكم-كما قالوا-على الوصف،يشعر بمنطوقه بعلّيّة الوصف للحكم،و بمفهومه بانتفاء الحكم عمّن ينتفي عنه الوصف.

ثمّ قال:و بالجملة إنّ جملة اَلْحَمْدُ لِلّهِ مدّعى و مدلول.و قوله سبحانه و تعالى: اَلَّذِي خَلَقَ إلخ دليل و علّة،و ليس هناك إلاّ حمد واحد معلّل بما في حيّز الوصف،لاحمد معلّل بالذّات المستجمع لجميع الصّفات،

ص: 844

أو بالذّات البحت أوّلا على ما قيل،و بالوصف ثانيا حتّى يكون بمثابة حمدين باعتبار العلّتين،لأنّ لفظ الجلالة علم شخصيّ و لا دلالة له على الأوصاف بإحدى الدّلالات الثّلاث،فكيف يكون محمودا عليه،و علّة لاستحقاق الحمد،و لذلك لا يكاد يقع الحكم باستحقاق الحمد،إلاّ معلّلا بالأمور الواضحة الدّالّة على صفاته- سبحانه و تعالى-الجليلة،و أفعاله الجميلة،و لا يكتفى باسم الذّات،اللّهمّ إلاّ في تسبيحات المؤمنين و تحميداتهم،لا في محاجّة المنكرين الّتي نحن بصدد بيانها،و أيضا اقتضاء الذّات البحت من حيث هو الذّات،ما ذا يفيد في الاحتجاج على القوم الّذين عامّتهم لا يبصرون و لا يسمعون،إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضلّ.

و أمّا ما يقال:إنّما قيل: اَلْحَمْدُ لِلّهِ بذكر اسم الذّات المستجمع لجميع الصّفات،و لم يقل:للعالم أو للقادر إلى غير ذلك من الأسماء الدّالّة على الجلال أو الإكرام،لئلاّ يتوهّم اختصاص الحمد بوصف دون وصف،فكلام مبنيّ على ما ظهر لك فساده،من كون الذّات محمودا عليه.

و قد يقال:إنّ ذكر اسم الذّات ليس إلاّ،لأنّ المشركين المحجوجين الجهّال لا يعرفونه تعالى و لا يذكرونه فيما بينهم،و لا عند المحاجّة إلاّ باسمه سبحانه العليم،لا بالصّفات،كما يدلّ على ذلك أنّه تحكي أجوبتهم بذكر ذلك الاسم الشّريف في عامّة السّؤالات، إلاّ ما قلّ،حيث كان جوابهم فيه بغير اسم الذّات، كقوله تعالى: لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الزّخرف:9.

على أنّ البعض جعل هذا لازم مقولهم،و ما يدلّ عليه إجمالا أقيم مقامه،فكأنّهم قالوا:اللّه،كما حكى عنهم في مواضع،و حينئذ فكأنّه قيل:الإله الّذي يعرفونه و يذكرونه بهذا الاسم هو المستحقّ للحمد، لكونه خالق السّماوات و الأرض،و لكونه كذا و كذا.

و إذا عرفت أنّ الذّات لا يلائم أن يكون محمودا عليه،و إنّما الحقيق لأن يكون محمودا عليه هو الصّفات، و أنّ ما يترتّب عليه الحمد في كلّ موضع بعض الصّفات بحسب اقتضاء المقام،لا جميع الصّفات،عرفت أنّ من ادّعى أنّ ترتيب الحمد على بعض الصّفات دون بعض، يوهم اختصاص استحقاق الحمد بوصف دون وصف، يلزم عليه أن يقع في الورطة الّتي فرّ منها،كما لا يخفى.

فالحقّ أنّ المحمود عليه هو الوصف الّذي رتّب عليه استحقاق الحمد،و أنّ تخصيص بعض الأوصاف لأن يترتّب عليه استحقاق الحمد في بعض المواقع،إنّما هو باقتضاء ذلك المقام إيّاه.

فإن قلت:فما الرّأي في الحمد باعتبار الذّات البحت، أو باعتبار استجماعه جميع الصّفات-على ما قيل-:هل له وجه أم لا؟

قلت:أمّا كون الذّات الصّرف محمودا عليه،و كذا كون الذّات محمودا عليه باستجماعه جميع الصّفات في أمثال هذه المواضع الّتي نحن فيها،فلا وجه له.

و أمّا ما ذكروه في شرح خطب بعض الكتب،من أنّ

ص: 845

الحمد باعتبار الذّات المستجمع لجميع الصّفات،فلعلّ منشأه هو أنّ الحمد لمّا اقتضى وصفا جميلا صالحا،لأن يترتّب عليه الحكم باستحقاق الحمد،و يكون محمودا عليه،فحيث لم يذكر معه وصف كذلك،و لم يدلّ عليه قرينة،بل اكتفى بذكر الذّات المتّصف بجميع الصّفات الجميلة،ثبت اعتبار الوصف الجميل هناك اقتضاء.

ثمّ من أجل أنّ تعيين البعض بالاعتبار دون البعض الآخر لا يخلو عن لزوم التّرجيح بلا مرجّح،يلزم اعتبار الصّفات الجميلة برمّتها،فيكون الحمد باعتبار جميعها، و حيث ذكر معه وصف جميل صالح لأن يكون محمودا عليه،و دلّ عليه بعينه قرينة،استغني عن ذلك الاعتبار، لأنّ المصير إليه كان عن ضرورة،و لا ضرورة حينئذ، كما لا يخفى.

و من لم يهتد إلى الفرق بين ما وقع في القرآن المجيد لمقاصد،و ما وقع في خطب الكتب لمجرّد التّيمّن،و لا إلى الفرق بين ما ذكر فيه المحمود عليه صريحا،أو دلّت عليه بعينه قرينة،و بين ما لم يكن كذلك،ركب متن عمياء، و خبط خبط عشواء،فخلط مقتضيات بعض المقامات ببعض،و لم يدر أنّ كلام اللّه تعالى على أيّ شرف،و كلام غيره في أيّ واد.

و قصارى الكلام،أنّ ترتّب الحكم الّذي تضمّنته جملة اَلْحَمْدُ لِلّهِ هنا،على الوصف المختصّ به سبحانه من خلق السّماوات و الأرض و ما عطف عليه، يفيد الاختصاص القصريّ على الوجه الّذي تقدّم، و يشير إلى ذلك كلام العلاّمة البيضاويّ في تفسيره الآية لمن أمعن النّظر.

إلاّ أنّ ما ذكره عليه الرّحمة في أوّل سبأ من الفرق بين اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ و بين وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ سبأ:1،ممّا محصّله أنّ جملة لَهُ الْحَمْدُ جيء بها بتقديم الصّلة، ليفيد القصر،لكون الإنعام بنعم الآخرة مختصّا به تعالى، بخلاف جملة اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَهُ إلخ فإنّها لم يجئ بها بتقديم الصّلة حتّى لا يفيد القصر،لعدم كون الإنعام مختصّا به تعالى مطلقا،بحيث لا مدخل فيه للغير؛إذ يكون بتوسّط الغير،فيستحقّ ذلك لغير الحمد بنوع استحقاق بسبب وساطته آب عنه.إذ حاصل ما ذكره في تلك السّورة،هو أنّه لا قصر في جملة اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَهُ بخلاف جملة لَهُ الْحَمْدُ.

و حاصل ما أشار إليه في هذه،و كذا في الفاتحة،هو أنّ جملة اَلْحَمْدُ لِلّهِ إذا رتّب على الأوصاف المختصّة كالخلق و الجعل المذكورين مفيد للقصر أيضا،غاية ما في البال،أنّ طريق إفادة القصر في البابين متغاير،ففي إحداهنّ تقديم الصّلة و في الأخرى مفهوم العلّة،فتدبّر ذاك،و اللّه تعالى يتولّى هداك.(7:77)

رشيد رضا :افتتح اللّه تعالى كتابه بالحمد،ثمّ افتتح به أربع سور مكّيّات أخرى،مشتملة كلّ منها على دعوة الإسلام و محاجّة المشركين فيها،الأولى الأنعام، و هي آخر سورة كاملة في آخر الرّبع الأوّل من القرآن، و الكهف،و هي أوّل سورة في أوّل الرّبع الثّالث،و سبأ، و فاطر،و هما آخر الرّبع الثّالث،و ليس في الرّبع الثّاني

ص: 846

و لا الثّالث سورة مفتتحة بالحمد.

و قد قرن الحمد في الأولى بخلق السّماوات و الأرض و جعل الظّلمات و النّور،و في الثّانية بإنزال القرآن على عبده،و كلّ منهما سمّي نورا،بل هما أعظم أنوار الهداية، و في الثّالثة بخلق السّماوات و الأرض،و بحمده تعالى في الآخرة،و بصفات الحكمة و الخبرة و العلم بما ينزل من السّماء و ما يعرج فيها،و الرّابعة بخلق السّماوات و الأرض،و جعل الملائكة رسلا أولي أجنحة،و وصفه بسعة القدرة،و الملائكة من الأنوار الإلهيّة الّتي تنزل من السّماء و تعرج فيها.فظهر بهذا أنّ السّور الثّلاث مفصّلة لما أجمل في الأولى«الأنعام»ممّا حمد اللّه عليه،كما أنّها مؤيّدة لما فيها من إثبات التّوحيد و الرّسالة و البعث.

اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ، الحمد هو الثّناء الحسن و الذّكر بالجميل،-كما تقدّم شرحه في سورة الفاتحة-و إسناد (الحمد)إلى اللّه تعالى خبر منه تعالى على المختار،و العبد يحكيه بالتّلاوة مؤمنا به،فيكون حامدا لمولاه،و يذكره في غير التّلاوة إنشاء للحمد و تذكّرا له.

و يجوز أن يكون الحمد هنا إنشاء منه تعالى؛و أنّ إنشاء الحمد بالجملة الخبريّة جمع بين الخبر و الإنشاء، أثنى سبحانه على نفسه بما علم به عباده الثّناء عليه، فأثبت أنّ كلّ ثناء حسن ثابت له بالاستحقاق،و بما هو متّصف به من الخلق و الإيجاد و الإعداد و الإمداد،فذاته تعالى متّصفة بجميع صفات الكمال وجوبا،فالكمال الأعلى داخل في مفهوم حقيقتها أو لازم بيّن من لوازمه.

و قد وصف تعالى نفسه في مقام هذا الحمد بصفتين،من صفاته الفعليّة الّتي هي من موجبات الحمد له،و هما خلق السّماوات و الأرض،و جعل الظّلمات و النّور.

(7:291)

مغنيّة:و معنى الحمد الثّناء،و قوله تعالى:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ يريد به التّعليم،أي قولوا يا عبادي:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ، و الثّناء على اللّه حسن على كلّ حال، حتّى عند الضّرّاء،لأنّه أهل للتّقديس و التّعظيم،فإن أصابتك مصيبة،و قلت عندها: اَلْحَمْدُ لِلّهِ فإنّك تعبّر بذلك عن صبرك على الشّدائد،و إيمانك القويّ الرّاسخ الّذي لا يزعزعه شيء،و يتأكّد حسن الحمد و رجحانه عند السّرّاء و دفع البلاء،لأنّه شكر للّه على ما أسبغ و أنعم.(3:158)

الطّباطبائيّ: افتتح بالثّناء على اللّه،و هو كالمقدّمة لما يراد بيانه من معنى التّوحيد،و ذلك بتضمين الثّناء ما هو محصّل غرض السّورة،ليتوسّل بذلك إلى الاحتجاج عليه تفصيلا،و تضمينه العجب منهم و لومهم على أن عدلوا به غيره،و الامتراء في وحدته،ليكون كالتّمهيد على ما سيورد من جمل الوعظ و الإنذار و التّخويف.

(7:6)

3- اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ. سبأ:1

ابن عبّاس: يقول:الشّكر للّه و هو أن صنع إلى خلقه فحمدوه...

ص: 847

وَ لَهُ الْحَمْدُ: المنّة.(358)

الطّبريّ: الشّكر الكامل،و الحمد التّامّ كلّه، للمعبود الّذي هو مالك جميع ما في السّماوات السّبع،و ما في الأرضين السّبع،دون كلّ ما يعبدونه،و دون كلّ شيء سواه،لا مالك لشيء من ذلك غيره،فالمعنى:الّذي هو مالك جميعه وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ يقول:و له الشّكر الكامل في الآخرة،كالّذي هو له ذلك في الدّنيا العاجلة،لأنّ منه النّعم كلّها،على كلّ من في السّماوات و الأرض في الدّنيا،و منه يكون ذلك في الآخرة،فالحمد للّه خالصا،دون ما سواه في عاجل الدّنيا و آجل الآخرة، لأنّ النّعم كلّها من قبله،لا يشركه فيها أحد من دونه، و هو الحكيم في تدبيره خلقه و صرفه إيّاهم في تقديره، خبير بهم،و بما يصلحهم و بما عملوا،و ما هم عاملون، محيط بجميع ذلك.(22:58)

النّقّاش:يعني أنّ له الحمد في السّماوات و في الأرضين،لأنّه خلق السّماوات قبل الأرضين فصارت هي الأولى،و الأرضون هي الآخرة.

(الماورديّ 4:431)

الرّمانيّ: هو حمد أهل الجنّة من غير تكلف، فسرورهم بحمده كقولهم: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ الزّمر:74، اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ فاطر:34.(الماورديّ 4:431)

الماورديّ: [بعد قول النّقّاش و الرّمّانيّ قال:]

الثّالث:له الحمد في الآخرة على الثّواب و العقاب، لأنّه عدل منه،قاله بعض المتأخّرين.(4:431)

الطّوسيّ: و الحمد هو الشّكر،و الشّكر هو الاعتراف بالنّعمة مع ضرب من التّعظيم.و الحمد هو الوصف بالجميل على جهة التّعظيم،و نقيضه الذّمّ،و هو الوصف بالقبيح على جهة التّحقير،و لا يستحقّ الحمد إلاّ على الإحسان،فلمّا كان إحسان اللّه لا يوازيه إحسان أحد من المخلوقين،فكذلك لا يستحقّ الحمد أحد من المخلوقين مثل ما يستحقّه،و كذلك يبلغ شكره إلى حدّ العبادة،و لا يستحقّ العبادة سوى اللّه تعالى،و إن استحقّ بعضنا على بعض الشّكر و الحمد.

و معنى قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ أي قولوا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ معناه الّذي يملك التّصرّف في جميع ما في السّماوات،و جميع ما في الأرض،و ليس لأحد منعه منه و لا الاعتراض عليه وَ لَهُ الْحَمْدُ في الأولى،يعني بما أنعم عليه من فنون الإحسان،و فِي الْآخِرَةِ بما يفعل بهم من الثّواب و العوض و ضروب التّفضّل في الآخرة.و الآخرة و إن كانت ليست دار تكليف،فلا يسقط فيها الحمد و الاعتراف بنعم اللّه تعالى،بل العباد ملجئون إلى فعل ذلك،لمعرفتهم الضّروريّة بنعم اللّه تعالى عليهم،و ما يفعل من العقاب بالمستحقّين فيه أيضا إحسان للمكلّفين به في دار الدّنيا،من الألطاف و الزّجر عن المعاصي، و يفعل اللّه العقاب بهم،لكونه مستحقّا على معاصيه في دار الدّنيا،و من حمد أهل الجنّة قولهم: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ الزّمر:74،و قولهم: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا الأعراف:43،و قيل:إنّما يحمده أهل

ص: 848

الآخرة من غير تكليف على وجه السّرور به.

(8:373)

نحوه الطّبرسيّ.(4:376)

الزّمخشريّ: ما في السّماوات و الأرض كلّه نعمة من اللّه،و هو الحقيق بأن يحمد و يثنى عليه من أجله.و لمّا قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ ثمّ وصف ذاته بالإنعام بجميع النّعم الدّنيويّة،كان معناه أنّه المحمود على نعم الدّنيا،كما تقول:

«أحمد أخاك الّذي كساك و حملك»تريد أحمده على كسوته و حملانه،و لمّا قال: وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ علم أنّه المحمود على نعم الآخرة و هو الثّواب.

فإن قلت:ما الفرق بين الحمدين؟

قلت:أمّا الحمد في الدّنيا فواجب،لأنّه على نعمة متفضّل بها،و هو الطّريق إلى تحصيل نعمة الآخرة و هي الثّواب،و أمّا الحمد في الآخرة فليس بواجب،لأنّه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقّها،إنّما هو تتمّة سرور المؤمنين و تكملة اغتباطهم يلتذّون به،كما يلتذّ العطاش بالماء البارد.(3:278)

ابن عطيّة: الألف و اللاّم في(الحمد)لاستغراق الجنس،أي(الحمد)على تنوّعه هو(للّه)تعالى من جميع جهات الفكرة،ثمّ جاء بالصّفات الّتي تستوجب المحامد، و هي ملكه جميع ما في السّماوات و الأرض،و علمه المحيط بكلّ شيء و خبرته بالأشياء؛إذ وجودها إنّما هو به جلّت قدرته و رحمته بأنواع خلقه،و غفرانه لمن سبق في علمه أن يغفر له من مؤمن.

و قوله تعالى: وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ يحتمل أن تكون الألف و اللاّم للجنس أيضا،و تكون الآية خبرا، أي أنّ الحمد في الآخرة هو له وحده،لإنعامه و إفضاله و تغمّده و ظهور قدرته و غير ذلك من صفاته،و يحتمل أن تكون الألف و اللاّم فيه للعهد،و الإشارة إلى قوله تعالى: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10،أو إلى قوله: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ الزّمر:74.(4:404)

نحوه القرطبيّ.(14:259)

الفخر الرّازيّ: السّور المفتتحة ب(الحمد)خمس سور:سورتان منها في النّصف الأوّل،و هما الأنعام و الكهف،و سورتان في الأخير،و هما هذه السّورة و سورة الملائكة،و الخامسة و هي فاتحة الكتاب تقرأ مع النّصف الأوّل و مع النّصف الأخير.

و الحكمة فيها أنّ نعم اللّه مع كثرتها و عدم قدرتنا على إحصائها منحصرة في قسمين:نعمة الإيجاد،و نعمة الإبقاء،فإنّ اللّه تعالى خلقنا أوّلا برحمته،و خلق لنا ما نقوم به،و هذه النّعمة توجد مرّة أخرى بالإعادة،فإنّه يخلقنا مرّة أخرى و يخلق لنا ما يدوم،فلنا حالتان، الابتداء و الإعادة،و في كلّ حالة له تعالى علينا نعمتان، نعمة الإيجاد و نعمة الإبقاء،فقال في النّصف الأوّل:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ إشارة إلى الشّكر على نعمة الإيجاد،و يدلّ عليه قوله تعالى فيه: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ الأنعام:2،إشارة إلى الإيجاد الأوّل،و قال في السّورة الثّانية و هي الكهف:2: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَنْزَلَ

ص: 849

عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً إشارة إلى الشّكر على نعمة الإبقاء،فإنّ الشّرائع بها البقاء،و لو لا شرع ينقاد له الخلق لاتّبع كلّ واحد هواه،و لو وقعت المنازعات في المشتبهات و أدّى إلى التّقاتل و التّفاني.

ثمّ قال في هذه السّورة: اَلْحَمْدُ لِلّهِ إشارة إلى نعمة الإيجاد الثّاني،و يدلّ عليه قوله تعالى: وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ و قال في الملائكة: اَلْحَمْدُ لِلّهِ إشارة إلى نعمة الإبقاء،و يدلّ عليه قوله تعالى: جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً، و الملائكة بأجمعهم لا يكونون رسلا إلاّ يوم القيامة،يرسلهم اللّه مسلمين،كما قال تعالى: وَ تَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ الأنبياء:103،و قال تعالى عنهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ الزّمر:73،و فاتحة الكتاب لمّا اشتملت على ذكر النّعمتين بقوله تعالى:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ إشارة إلى النّعمة العاجلة، و قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إشارة إلى النّعمة الآجلة قرئت في الافتتاح و في الاختتام،ثمّ فيها مسائل:

المسألة الأولى:(الحمد)شكر،و الشّكر على النّعمة، و اللّه تعالى جعل ما في السّماوات و ما في الأرض لنفسه بقوله: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ و لم يبيّن أنّه لنا حتّى يجب الشّكر؟

نقول جوابا عنه:الحمد يفارق الشّكر في معنى،و هو أنّ الحمد أعمّ،فيحمد من فيه صفات حميدة و إن لم ينعم على الحامد أصلا،فإنّ الإنسان يحسن منه أن يقول في حقّ عالم لم يجتمع به أصلا:إنّه عالم عامل،بارع كامل، فيقال له:إنّه يحمد فلانا،و لا يقال:إنّه يشكره،إلاّ إذا ذكر نعمه أو ذكره على نعمه،فاللّه تعالى محمود في الأزل، لاتّصافه بأوصاف الكمال و نعوت الجلال،و مشكور، و لا يزال على ما أبدى من الكرم و أسدى من النّعم،فلا يلزم ذكر النّعمة للحمد بل يكفي ذكر العظمة،و في كونه مالك ما في السّماوات و ما في الأرض عظمة كاملة،فله الحمد.

على أنّا نقول قوله: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ يوجب شكرا أتمّ ممّا يوجبه قوله تعالى: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ، و ذلك لأنّ ما في السّماوات و الأرض إذا كان للّه و نحن المنتفعون به لا هو،يوجب ذلك شكرا لا يوجبه كون ذلك لنا.

المسألة الثّانية:قد ذكرتم أنّ(الحمد)هاهنا إشارة إلى النّعمة الّتي في الآخرة،فلم ذكر اللّه السّماوات و الأرض؟

فنقول:نعم الآخرة غير مرئيّة فذكر اللّه النّعم المرئيّة،و هي ما في السّماوات و ما في الأرض،ثمّ قال:

وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ليقاس نعم الآخرة بنعم الدّنيا، و يعلم فضلها بدوامها و فناء العاجلة،و لهذا قال: وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ إشارة إلى أن خلق هذه الأشياء بالحكمة و الخير،و الحكمة صفة ثابتة للّه لا يمكن زوالها، فيمكن منه إيجاد أمثال هذه مرّة أخرى في الآخرة.

(25:238)

نحوه الشّربينيّ.(7:257)

البيضاويّ: خلقا و نعمة،فله الحمد في الدّنيا لكمال قدرته على تمام نعمته، وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ

ص: 850

لأنّ ما في الآخرة أيضا كذلك.و ليس هذا من عطف المقيّد على المطلق،فإنّ الوصف بما يدلّ على أنّه المنعم بالنّعم الدّنيويّة قيّد الحمد بها،و تقديم الصّلة للاختصاص،فإنّ النّعم الدّنيويّة قد تكون بواسطة من يستحقّ الحمد لأجلها،و لا كذلك نعم الآخرة.

(2:254)

النّسفيّ: (الحمد)إن أجري على المعهود فهو بما حمد به نفسه محمود،و إن أجري على الاستغراق فله لكلّ المحامد الاستحقاق،(للّه)بلام التّمليك لأنّه خالق ناطق الحمد أصلا،فكان بملكه مالك الحمد للتّحميد أهلا... وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ كما هو له في الدّنيا،إذ النّعم في الدّارين من المولى،غير أنّ الحمد هنا واجب، لأنّ الدّنيا دار تكليف و ثمّ لا،لعدم التّكليف،و إنّما يحمد أهل الجنّة سرورا بالنّعيم و تلذّذا بما نالوا من الأجر العظيم بقولهم: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ الزّمر:

74، اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ فاطر:34.

(3:316)

أبو حيّان : اَلْحَمْدُ لِلّهِ مستغرق لجميع المحامد.

وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ظاهره الاستغراق،و لمّا كانت نعمة الآخرة مخبرا بها غير مرئيّة لنا في الدّنيا ذكرها، ليقاس نعمها بنعم الدّنيا قياس الغائب على الشّاهد،و إن اختلفا في الفضيلة و الدّيمومة.(7:257)

أبو السّعود :أي له تعالى خلقا و ملكا و تصرّفا بالإيجاد و الإعدام،و الإحياء و الإماتة،جميع ما وجد فيهما داخلا في حقيقتهما أو خارجا عنهما متمكّنا فيهما، فكأنّه قيل:له جميع المخلوقات كما مرّ في آية الكرسيّ.

و وصفه تعالى بذلك،لتقرير ما أفاده تعليق الحمد المعرّف بلام الحقيقة بالاسم الجليل،من اختصاص جميع أفراده به تعالى،على ما بيّن في فاتحة الكتاب ببيان تفرّده تعالى و استقلاله بما يوجب ذلك،و كون كلّ ما سواه من الموجودات الّتي من جملتها الإنسان تحت ملكوته تعالى، ليس لها في حدّ ذاتها استحقاق الوجود،فضلا عمّا عداه من صفاتها،بل كلّ ذلك نعم فائضة عليها من جهته عزّ و جلّ،فما هذا شأنه فهو بمعزل من استحقاق الحمد،الّذي مداره الجميل الصّادر عن القادر باختيار.فظهر اختصاص جميع[ما]أراده به تعالى.

و قوله تعالى: وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ بيان لاختصاص الحمد الأخرويّ به تعالى،إثر بيان اختصاص الدّنيويّ به،على أنّ الجارّ متعلّق إمّا بنفس (الحمد)أو بما تعلّق به الخبر من الاستقرار،و إطلاقه عن ذكر ما يشعر بالمحمود عليه،ليس للاكتفاء بذكر كونه في الآخرة عن التّعيين،كما اكتفى فيما سبق بذكر كون المحمود عليه في الدّنيا عن ذكر كون الحمد أيضا فيها،بل ليعمّ النّعم الأخرويّة،كما في قوله تعالى: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ الزّمر:

74،و قوله تعالى: اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ فاطر:35،و ما يكون ذريعة إلى نيلها من النّعم الدّنيويّة،كما في قوله تعالى: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا الأعراف:43،أي لما جزاؤه هذا من الإيمان و العمل الصّالح.

ص: 851

و الفرق بين الحمدين مع كون نعمتي الدّنيا و الآخرة بطريق التّفضّل،أنّ الأوّل على نهج العبادة،و الثّاني على وجه التّلذّذ و الاغتباط.(5:244)

البروسويّ: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الألف و اللاّم لاستغراق الجنس،و اللاّم للتّمليك و الاختصاص،أي جميع أفراد المدح و الثّناء و الشّكر من كلّ حامد،ملك للّه تعالى و مخصوص به،لا شركة لأحد فيه،لأنّه الخالق و المالك، كما قال: اَلَّذِي لَهُ خاصّة،خلقا و ملكا و تصرّفا بالإيجاد و الإعدام،و الإحياء و الإماتة، ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ أي جميع الموجودات،فإليه يرجع الحمد لا إلى غيره.و كلّ مخلوق أجري عليه اسم المالك فهو مملوك له تعالى في الحقيقة،و إنّ الزّنجيّ لا يتغيّر عن لونه لأن سمّي كافورا،و المراد على نعمه الدّنيويّة،فإنّ السّماوات و الأرض و ما فيها خلقت لانتفاعنا،فكلّها نعمة لنا دينا و دنيا،فاكتفى بذكر كون المحمود عليه في الدّنيا عن ذكر كون الحمد أيضا فيها، و قد صرّح في موضع آخر كما قال: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ و هذا القول أي الحمد للّه إلخ و إن كان حمدا لذاته بذاته،لكنّه تعليم للعباد كيف يحمدونه.

وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ بيان لاختصاص الحمد الأخرويّ به تعالى،إثر بيان اختصاص الدّنيويّ به.على أنّ الجارّ متعلّق إمّا بنفس(الحمد)أو بما تعلّق به الخبر من الاستقرار،و إطلاقه عن ذكر ما يشعر بالمحمود عليه، ليعمّ النّعم الأخرويّة،كما في قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ الزّمر:74،و قوله: اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ فاطر:35،و ما يكون ذريعة إلى نيلها من النّعم الدّنيويّة،كما في قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا الأعراف:43،أي لما جزاؤه هذا من الإيمان و العمل الصّالح.

يقال:يحمده أهل الجنّة في ستّة مواضع:

أحدها:حين نودي وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ يس:59،فإذا يميّز المؤمنون من الكافرين يقولون: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ المؤمنون:28،كما قال نوح عليه السّلام حين أنجاه اللّه من قومه.

و الثّاني:حين جاوزوا الصّراط قالوا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ فاطر:34.

و الثّالث:لمّا دنوا إلى باب الجنّة،و اغتسلوا بماء الحياة،و نظروا إلى الجنّة قالوا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا.

و الرّابع:لمّا دخلوا الجنّة،و استقبلتهم الملائكة بالتّحيّة قالوا: اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ.

و الخامس:حين استقرّوا في منازلهم قالوا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ.

و السّادس:كلّما فرغوا من الطّعام قالوا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. و الفرق بين الحمدين مع كون نعمتي الدّنيا و الآخرة بطريق التّفضّل،أن الأوّل على نهج العبادة،و الثّاني على وجه التّلذّذ،كما يتلذّذ العطشان بالماء البارد،لا على وجه الفرض و الوجوب.و قد ورد

ص: 852

في الخبر:«أنّهم يلهمون التّسبيح كما يلهمون النّفس».

يقول الفقير:فيه نظر،لأنّ الآخرة المطلقة كالعاقبة الجنّة،مع أنّ المقام يقتضي أن يكون ذلك من ألسنة أهل الفضل؛إذ لا اعتبار بحال أهل العدل،كما لا يخفى.

(7:258)

الآلوسيّ: أي له عزّ و جلّ خلقا و ملكا و تصرّفا بالإيجاد،و الإعدام،و الإحياء،و الإماتة،جميع ما وجد فيهما داخلا في حقيقتهما أو خارجا عنهما متمكّنا فيهما، فكأنّه قيل:له هذا العالم بالأسر.[ثمّ نقل كلام أبي السّعود و أضاف:]

فظهر اختصاص جميع أفراده به تعالى،و في الوصف بما ذكر أيضا إيذان بأنّه تعالى المحمود على نعم الدّنيا، حيث عقّب(الحمد)بما تضمّن جميع النّعم الدّنيويّة، فيكون الكلام نظير قولك:احمد أخاك الّذي حملك و كساك،فإنّك تريد به أحمده على حملانه و كسوته،و في عطف قوله تعالى: وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ على الصّلة كما هو الظّاهر،إيذان بأنّه سبحانه المحمود على نعم الآخرة،ليتلاءم الكلام.

و في تقييد الحمد فيه بأنّ محلّه الآخرة،إيذان بأنّ محلّ الحمد الأوّل الدّنيا لذلك أيضا،فتفيد الجملتان،أنّه عزّ و جلّ المحمود على نعم الدّنيا فيها.

و أنّه تبارك و تعالى المحمود على نعم الآخرة فيها، و جوّز أن يكون في الكلام صنعة الاحتباك،و أصله الحمد لله إلخ في الدّنيا،و له ما في الآخرة و الحمد فيها، فأثبت في كلّ منهما ما حذف من الآخر.[ثمّ نقل كلام أبي السّعود و أضاف:]

و أنت تعلم أنّ المتبادر إلى الذّهن هو ما قرّر أوّلا، و الفرق بين الحمدين مع كون نعم الدّنيا و نعم الآخرة بطريق التّفضّل،أنّ الأوّل على نهج العبادة،و الثّاني على وجه التّلذّذ و الاغتباط،و قد ورد في الخبر:«إنّ أهل الجنّة يلهمون التّسبيح كما يلهمون النّفس».

و قول الزّمخشريّ: إنّ الأوّل واجب لأنّه على نعمة متفضّل بها،و الثّاني ليس بواجب لأنّه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقّها،مبنيّ على رأي المعتزلة،على أنّ قوله:لأنّه على نعمة واجبة الإيصال ليس على إطلاقه عندهم،لأنّ ما يعطي اللّه تعالى العباد في الآخرة ليس مقصورا على الجزاء عندهم،بل بعض ذلك تفضّل، و بعضه أجر،و تقديم الخبر في الجملة الثّانية لتأكيد الحصر المستفاد من اللاّم-على ما هو الشّائع-اعتناء بشأن نعم الآخرة.

و قيل:للاختصاص،لأنّ النّعم الدّنيويّة قد تكون بواسطة من يستحقّ الحمد لأجلها،و لا كذلك نعم الآخرة،و كأنّه أراد لتأكيد الاختصاص،أو بنى الأمر على أنّ الاختصاص المستفاد من اللاّم بمعنى الملابسة التّامّة،لا الحصر،كما فصّله الفاضل اليمنيّ،و أمّا أنّه أراد لاختصاص الاختصاص فكما ترى،و يردّ على قوله:

و لا كذلك نعم الآخرة عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً الإسراء:79،فتأمّل.(22:103)

نحوه القاسميّ(14:4937)،و المراغيّ(22:55).

مغنيّة:اللّه سبحانه هو المستحقّ للحمد في

ص: 853

الدّارين،و مالك الكون و مدبّره بما فيه على مقتضى علمه و حكمته.و في نهج البلاغة خ:182:نحمده على عظيم إحسانه،و نيّر برهانه،و نوامي فضله و امتنانه،حمدا يكون لحقّه قضاء،و لشكره أداء،و إلى ثوابه مقرّبا، و لحسن مزيده موجبا.(6:247)

الطّباطبائيّ: اَلْحَمْدُ لِلّهِ... ثناء عليه على ملكه المنبسط على كلّ شيء؛بحيث له أن يتصرّف في كلّ شيء بما شاء و أراد.

و قوله: وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ تخصيص الحمد بالآخرة،لما أنّ الجملة الأولى تتضمّن الحمد في الدّنيا، فإنّ النّظام المشهود في السّماوات و الأرض نظام دنيويّ، كما يشهد به قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ إبراهيم:48.(16:356)

مكارم الشّيرازيّ: خمس سور من القرآن الكريم افتتحت ب«حمد اللّه»،و ارتبط(الحمد)في ثلاثة منها ب خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ، و هي:سبأ،و فاطر، و الأنعام،بينما كان مقترنا في سورة الكهف بنزول القرآن على قلب الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله،في حال أنّه جاء في سورة الفاتحة تعبيرا جامعا شاملا لكلّ هذه الاعتبارات اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الفاتحة:2.

على كلّ حال،الحمد و الشّكر للّه تعالى في مطلع سورة سبأ هو في قبال مالكيّته و حاكميّته تعالى في الدّنيا و الآخرة.

لذا فإنّ الحاكميّة و المالكيّة في العالمين له سبحانه، و كلّ موهبة،و كلّ نعمة،و منفعة و بركة.و كلّ خلقة سويّة عجيبة مذهلة،تتعلّق به تعالى،و لذا فإنّ(الحمد) الّذي حقيقته الثّناء على فعل اختياريّ حسن،كلّه يعود إليه تعالى،و إذا كان من المخلوقات من يليق به الحمد و الثّناء،فلأنّه شعاع من وجوده عزّ و جلّ،و لأنّ أفعاله و صفاته قبس من أفعاله و صفاته تعالى.و عليه فكلّ مدح و ثناء يصدر من أحد على شيء في هذا العالم،فإنّ مرجعه في النّهاية إلى اللّه سبحانه و تعالى.(13:349)

فضل اللّه : اَلْحَمْدُ لِلّهِ في مواقع الحمد في رحاب الكون الواسع الّذي أبدعه اللّه بقدرته،و أداره بحكمته، و يسّر فيه سبل الحياة للمخلوقات،بحيث تتحرّك فيه بيسر و سهولة،ممّا يجعل من الحمد في الفكر و اللّسان حالة وجدانيّة،تستمدّ مفرداتها من جولة الإنسان في رحاب الكون كلّه،حيث يعيش مع اللّه اَلَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ فليس هناك شيء إلاّ و هو مملوك له،خاضع لتدبيره و إرادته في كلّ ما يتّصل به من كلّ نواحي الحياة و الموت،و في كلّ تفاصيل الحركة في شئونه العامّة و الخاصّة،فكيف يكون ما هو مملوك له شريكا له في الألوهيّة،أو في الطّاعة و العبادة؟

وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ الّتي يجتمع فيها الخلق في ساحاتها في دائرة المسئوليّة بين يدي اللّه،ليحاسبهم جميعا،من موقع إحاطته بكلّ أمورهم الماضية الخفيّة و العلنيّة،و ليجزيهم جميعا من موقع قدرته المتحرّكة في آفاق عدله و رحمته،ليجد الجميع مواقع حمده في ذلك كلّه،فهو أهل الحمد في كلّ شيء.(19:10)

ص: 854

بحمده

يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً. الإسراء:52

ابن عبّاس: فتستجيبون داعي اللّه بأمره.(238)

مثله ابن جريج.(الطّبريّ 15:101)

سعيد بن جبير: يخرجون من قبورهم و ينفضون التّراب عن رءوسهم و يقولون:سبحانك و بحمدك.

(الفخر الرّازيّ 20:227)

قتادة :أي بمعرفته و طاعته.(الطّبريّ 15:101)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:قل:عسى أن يكون بعثكم أيّها المشركون قريبا،ذلك يوم يدعوكم ربّكم بالخروج من قبوركم إلى موقف القيامة،فتستجيبون بحمده.[ثمّ نقل الأقوال و قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال:معناه فتستجيبون للّه من قبوركم بقدرته،و دعائه إيّاكم،و للّه الحمد في كلّ حال،كما يقول القائل:فعلت ذلك الفعل بحمد اللّه،يعني:للّه الحمد على كلّ ما فعلته.[ثمّ استشهد بشعر](15:101)

الزّجّاج: تستجيبون مقرّين بأنّه خالقكم.

(3:245)

أبو سهل الهرويّ: أي و الحمد للّه.[ثمّ استشهد بشعر](القرطبيّ 10:275)

الماورديّ: و في قوله: فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ أربعة أوجه:

أحدها:فتستجيبون حامدين للّه تعالى بألسنتكم.

الثّاني:فتستجيبون على ما يقتضي حمد اللّه من أفعالكم.

الثّالث:معناه فتستقيمون من قبوركم بحمد اللّه لا بحمد أنفسكم.

الرّابع:[قول ابن عبّاس المتقدّم](3:249)

نحوه الطّوسيّ.(6:489)

الزّمخشريّ: حال منهم أي حامدين،و هي مبالغة في انقيادهم البعث،كقولك لمن تأمره بركوب ما يشقّ عليه فيتأبّى و يمتنع:ستركبه و أنت حامد شاكر،يعني أنّك تحمل عليه و تقسر قسرا حتّى أنّك تلين لين المسمح،الرّاغب فيه،الحامد عليه.(2:453)

ابن عطيّة: [نقل قول ابن عبّاس و قتادة و أضاف:]

و هذا كلّه تفسير لا يعطيه اللّفظ،و لا شكّ أنّ جميع ذلك بأمر اللّه تعالى،و إنّما معنى(بحمده)إمّا أنّ جميع العالمين-كما قال ابن جبير-يقومون و هم يحمدون اللّه و يحمدونه لما يظهر لهم من قدرته،و إمّا أنّ قوله:(بحمده) هو كما تقول لرجل خصمته و حاورته في علم:قد أخطأت بحمد اللّه،فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول لهم في هذه الآيات:«عسى أنّ السّاعة قريبة،يوم تدعون فيقومون بخلاف ما تعتقدون الآن،و ذلك بحمد اللّه على صدق خبري»نحا هذا المنحى الطّبريّ و لم يخلصه.(3:463)

الطّبرسيّ: أي حامدين للّه على نعمه و أنتم موحّدون،و هذا كما يقول القائل:«جاء فلان بغضبه»

ص: 855

أي جاء غضبان.و قيل:معنى(تستجيبون بحمده)إنّكم تستجيبون معترفين بأنّ الحمد للّه على نعمه لا تنكرونه، لأنّ المعارف هناك ضروريّة.(3:420)

الفخر الرّازيّ: [ذكر قول قتادة و أضاف:]

و توجيه هذا القول،أنّهم لمّا أجابوا بالتّسبيح و التّحميد كان ذلك معرفة منهم و طاعة،و لكنّهم لا ينفعهم ذلك في ذلك اليوم،فلهذا قال المفسّرون:

حمدوا حين لا ينفعهم الحمد،و قال أهل المعاني:

(تستجيبون بحمده)أي تستجيبون حامدين،كما يقال:

«جاء بغضبه»أي جاء غضبان،و«ركب الأمير بسيفه» أي و سيفه معه.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ](20:227)

العكبريّ: فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ في موضع الحال،أي فتستجيبون حامدين،و يجوز أن تتعلّق الباء ب(يدعوكم).(2:824)

نحوه النّسفيّ.(2:317)

القرطبيّ: أي باستحقاقه الحمد على الإحياء.

[إلى أن قال:]

و قيل:المعنى بقدرته.و قيل:بدعائه إيّاكم.قال علماؤنا:و هو الصّحيح،فإنّ النّفخ في الصّور إنّما هو سبب لخروج أهل القبور،و بالحقيقة إنّما هو خروج الخلق بدعوة الحقّ،قال اللّه تعالى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ فيقومون يقولون:سبحانك اللّهمّ و بحمدك.

قال:فيقوم القيامة يوم يبدأ بالحمد و يختم به،قال اللّه تعالى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ و قال في آخره: وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ الزّمر:75.(10:275)

البيضاويّ: حال منهم،أي حامدين اللّه تعالى على كمال قدرته،كما قيل:إنّهم ينفضون التّراب عن رءوسهم و يقولون:سبحانك اللّهمّ و بحمدك،أو منقادين لبعثه انقياد الحامدين عليه.(1:588)

أبو حيّان :و قيل:معنى(بحمده)أنّ الرّسول قائل ذلك،لا أنّهم يكون بحمده حالا منهم،فكأنّه قال:

عسى أن تكون السّاعة قريبة،يوم يدعوكم فتقومون بخلاف ما تعتقدون الآن،و ذلك بحمد اللّه على صدق خبري،كما تقول لرجل خصمته أو حاورته في علم:

«قد أخطأت بحمد اللّه»فبحمد اللّه ليس حالا من فاعل أخطأت،بل المعنى«أخطأت»و الحمد للّه،و هذا معنى متكلّف نحا إليه الطّبريّ،و كان(بحمده)يكون اعتراضا، إذ معناه و الحمد للّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و وقع في لفظ ابن عطيّة حين قرّر هذا المعنى قوله:

عسى أنّ السّاعة قريبة،و هو تركيب لا يجوز،لا تقول:

عسى أنّ زيدا قائم،بخلاف عسى أن يقوم زيد،و على أن يكون(بحمده)حالا من ضمير(فتستجيبون).قال المفسّرون:حمدوا حين لا ينفعهم الحمد.(6:47)

أبو السّعود :حال من ضمير(تستجيبون)أي منقادين له،حامدين لما فعل بكم غير مستعصين،أو حامدين له تعالى على كمال قدرته عند مشاهدة آثارها و معاينة أحكامها.(4:137)

شبّر:حامدين له،أو مطاوعين لبعثه مطاوعة الحامد له.(4:29)

ص: 856

الآلوسيّ: (بحمده)حال من ضمير المخاطبين و هم الكفّار كما هو الظّاهر،و الباء للملابسة،أي فتستجيبون ملتبسين بحمده،أي حامدين له تعالى على كمال قدرته.

و قيل:المراد معترفين بأنّ الحمد له على النّعم لا تنكرون ذلك،لأنّ المعارف هناك ضروريّة.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

فكأنّه قيل:منقادين لبعثه انقياد الحامدين له، و تعلّق الجارّ ب(يدعوكم)ليس بشيء.(15:93)

القاسميّ: أي و له الحمد على ما أحضركم للجزاء و تحقّق وعده الصّدق.(10:3939)

المراغيّ: و للّه الحمد في كلّ حال،و هذا كما يقول القائل:فعلت هذا بحمد اللّه،أي و للّه الحمد على كلّ ما فعلت.(15:57)

مغنيّة:أي طائعين منقادين، وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51.

(5:53)

الطّباطبائيّ: (بحمده)حال من فاعل (تستجيبون)،و التّقدير:تستجيبون متلبّسين بحمده، أي حامدين له،تعدّون البعث و الإعادة منه فعلا جميلا يحمد فاعله و يثنى عليه،لأنّ الحقائق تنكشف لكم اليوم،فيتبيّن لكم أنّ من الواجب في الحكمة الإلهيّة أن يبعث النّاس للجزاء،و أن تكون بعد الأولى أخرى.(13:117)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: و هو على ثمانية أوجه:

أحدها:الشّكر،كقوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الفاتحة:1،و قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا الأعراف:43،و قوله: أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10،و قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إبراهيم:39،و قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ المؤمنون:28،و قوله: وَ قالاَ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ النّمل:

15،و قوله: قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى النّمل:59.

و الثّاني:الثّناء،كقوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ الأنعام:1،و قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ سبأ:1، و قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فاطر:

1.

و الثّالث:المدح،كقوله: وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الإسراء:111.

و الرّابع:الأمر،كقوله: وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ البقرة:30،و قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السّاجِدِينَ الحجر:98،و قوله: وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ الطّور:48،و قوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44.

ص: 857

و الخامس:الذّكر،كقوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ النّصر:3،و قال بعضهم:فأكثر ذكر ربّك.

و السّادس:القول،كقوله: وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا آل عمران:188،أي يحبّون أن يقال ما لم يكن.

و السّابع:الحمد يعني الإجابة،كقوله: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ الإسراء:52.

و الثّامن:الصّلاة،كقوله: وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الرّوم:18.(184)

الدّامغانيّ: الحمد على خمسة أوجه:الأمر،المنّة، الصّلوات الخمس،الثّناء و الحمد،الشّكر.

فوجه منها:الحمد يعنى الأمر،قوله تعالى: وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ البقرة:30،يعني بأمرك مثلها.

يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ الإسراء:52، أي بأمره.

و الوجه الثّاني:الحمد يعني المنّة،قوله: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ الزّمر:74،يعني المنّة للّه الّذي صدقنا وعده،كقوله: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ فاطر:34،يعني المنّة للّه،و نحوه كثير.

و الوجه الثّالث:الحمد يعني الصّلوات الخمس، قوله: وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ عَشِيًّا وَ حِينَ تُظْهِرُونَ الرّوم:18،يعني الصّلوات الخمس.

و الوجه الرّابع:الحمد يعني الثّناء و الذّكر،قوله:

وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا آل عمران:188، يعني أن يثنى عليهم،كقوله: مَقاماً مَحْمُوداً الإسراء:

79،يعني الحمد و الثّناء.

و الوجه الخامس:الحمد يعني الشّكر،قوله:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الفاتحة:2،يعني الشّكر للّه، مثلها في الأنعام:1،و سبأ:1،و فاطر:1.(253)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحمد:الثّناء.يقال:حمده على فعله يحمده حمدا و محمدا و محمدة و محمدا و محمدة، أي أثنى عليه،فهو محمود و حميد،و الأنثى:حميدة، و الحميد:المحمود،من صفات اللّه تعالى،و رجل حمدة و حمّاد:كثير الحمد،و فلان يتحمّد النّاس بجوده:يريهم أنّه محمود.و أحمد الرّجل:فعل ما يحمد عليه،و أحمد:

صار أمره إلى الحمد،و أحمد أمره:صار عنده محمودا.

و حمده و حمده و أحمده:وجده محمودا.يقال:أتينا فلانا فأحمدناه أو أذممناه،أي وجدناه محمودا أو مذموما، و أحمده:استبان أنّه مستحقّ للحمد.

و أتيت موضع كذا فأحمدته:صادفته محمودا موافقا، و ذلك إذا رضيت سكناه أو مرعاه،و أحمد الأرض:

صادفها حميدة،و منزل حمد:محمود،و منزلة حمد:

محمودة.

و التّحميد:كثرة حمد اللّه سبحانه بالمحامد الحسنة.

يقال:إنّه لحمّاد للّه،و منه اسم نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله،كأنّه حمد مرّة بعد أخرى؛لأنّ المحمّد مبالغة في الحمد،و هو من كثرت خصاله المحمودة.

ص: 858

و حماد لفلان:حمدا له و شكرا،و حمادي أن أفعل ذاك:غايتي و قصاراي،و حماداك أن تفعل كذا و كذا:

مبلغ جهدك.و أحمد إليك اللّه:أشكر إليك أياديه و نعمه، و العود أحمد:أكثر حمدا.

2-و قولهم:حمدت على فلان حمدا،أي غضبت، هو من:عمد عليه،أي غضب عليه،و هو العمد و الأمد أيضا،على الإبدال.و حمدة النّار:صوت التهابها،من:

حدم النّار و حدمها،أي شدّة احتراقها.يقال:احتدمت النّار و الحرّ،على القلب،و يوم محتمد:مقلوب محتدم.

يقال منه:احتدم الحرّ،أي اشتدّ.

3-و الحمدلة:لفظ منحوت من قولك:الحمد للّه، كالبسملة و الحسبلة و غيرهما،و قد ذكره المتأخّرون كالفيروزآباديّ،و زعم الزّبيديّ أنّ الصّاغانيّ ذكره أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(يحمدوا)و(الحامدون)،و(محمودا)كلّ منها مرّة،و(حميد)وصفا للّه 14 مرّة،و(احمد و محمّد) اسما للنّبيّ عليه السّلام:(احمد)مرّة،و(محمّد)4 مرّات، و«التّسبيح بحمده»15 مرّة،و«الحمد لربّ العالمين» 6 مرّات،و«لخلقه السّماوات و الأرض»6 مرّات أيضا، و لسائر نعمائه 16 مرّة،في 66 آية:

1-يحمدون،الحامدون،محمودا

1- ...وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ... آل عمران:188

2- اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ...

التّوبة:112

3- وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً الإسراء:79

2-غنيّ حميد،الغنيّ الحميد.

4- ...وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ البقرة:267

5- وَ قالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ إبراهيم:8

6- ...وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ لقمان:12

7- ...فَكَفَرُوا وَ تَوَلَّوْا وَ اسْتَغْنَى اللّهُ وَ اللّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ التّغابن:6

8- ...فَإِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيداً النّساء:131

9- لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الحجّ:64

10- لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ لقمان:26

11- يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فاطر:15

12- وَ مَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

الحديد:24 و الممتحنة:6

3-حميد مجيد

13- ...رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ

ص: 859

إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ هود:73

4-العزيز الحميد

14- ...لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* اَللّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ... إبراهيم:1،2

15- ...وَ يَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

سبأ:6

16- وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ البروج:8

5-الولىّ الحميد

17- وَ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَ هُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ الشّورى:28

6-حكيم حميد

18- لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فصّلت:42

7-صراط الحميد

19- وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ الحجّ:24

8-احمد و محمّد

20- ...وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ... الصّفّ:6

21- وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ... آل عمران:144

22- ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ... الأحزاب:40

23- وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ... محمّد:2

24- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ... الفتح:29

9-التّسبيح بحمده

25- وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ... الرّعد:13

26- ...وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ... الإسراء:44

27- وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ الفرقان:58

28- فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوّاباً النّصر:3

29- وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ الطّور:48

30- ...وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ق:39

31- ...وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها... طه:130

32- وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ

المؤمن:55

33- فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السّاجِدِينَ

الحجر:98

34- ...أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ البقرة:30

35- تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ

ص: 860

وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ الشّورى:5

36- اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا...

المؤمن:7

37- وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... الزّمر:75

38- ...خَرُّوا سُجَّداً وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ السّجدة:15

10-الاستجابة بحمده

39- يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً الإسراء:52

11-الحمد للّه ربّ العالمين

40- اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الفاتحة:1

41- فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الأنعام:45

42- ...وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الزّمر:75

43- ...وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10

44- ...فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ المؤمن:65

45- وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الصّافّات:181،182

12-الحمد لخلق السّماوات و الأرض و في الآخرة.

46- فَلِلّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَ رَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ الجاثية:36

47- اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ... الأنعام:1

48- وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ عَشِيًّا وَ حِينَ تُظْهِرُونَ الرّوم:18

49- وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ

لقمان:25

50- اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ... سبأ:1

51- اَلْحَمْدُ لِلّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً... فاطر:1

13-الحمد للّه على صفاته

52- وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً... الإسراء:111

14-الحمد للّه على نعمائه

53- ...وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا...

الأعراف:43

54- اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ... إبراهيم:39

55- اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً الكهف:1

ص: 861

56- ...فَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ المؤمنون:28

57- ...وَ قالاَ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ النّمل:15

58- وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ...

فاطر:34

59- وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ الزّمر:74

60- ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً... اَلْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ النّحل:75

61- ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَ رَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الزّمر:29

62- وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ العنكبوت:63

63- وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ النّمل:93

64- قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى... النّمل:59

15:له الحمد

65- ...لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ التّغابن:1

66- لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ القصص:70

يلاحظ أوّلا:أنّ مشتقّات هذه المادّة جاءت كما يلي:

أ-يحمدوا،و الحامدون،و محمودا في(1-3)على التّرتيب،و فيها بحوث:

1-إنّ الفعل في(1): وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا و اسم الفاعل في(2): اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ و اسم المفعول على وزن(مفعول) في(3): عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً، جاء كلّ منها-كما سبق-مرّة واحدة.

2-نسب اللّه الحمد إلى نفسه في مواضع كثيرة، و بألفاظ مختلفة في سائر الآيات:الحمد للّه،له الحمد،اللّه غنيّ حميد،اللّه حميد مجيد،و إلى رسوله،نحو: اِسْمُهُ أَحْمَدُ الصّفّ:6،و إلى المؤمنين: اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ التّوبة:112،و إلى المقام: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً الإسراء:79.

و لكنّ اليهود نسبوا الحمد إلى أنفسهم في(1):

وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا رغبة في مدح النّاس لهم دون شيء فعلوه،حتّى يستحقّوا أن يحمدوا عليه.و قيل:عنى بذلك المشركين.

3-اختلفوا في المحمود في(3): عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً على أقوال منها الشّفاعة،و هو أشهرها،قال الطّبرسيّ:«و قد أجمع المفسّرون على أنّ المقام المحمود هو مقام الشّفاعة،و هو المقام الّذي يشفع فيه للنّاس».و عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه «الصّادق»عليه السّلام،قال:سأله رجل عن قول رسول

ص: 862

اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أنا سيّد ولد آدم و لا فخر»،قال:«نعم، يأخذ حلقة من باب الجنّة فيفتحها،فيخرّ ساجدا، فيقول اللّه:ارفع رأسك،اشفع تشفّع،اطلب تعط، فيرفع رأسه ثمّ يخرّ ساجدا،فيقول اللّه:ارفع رأسك، اشفع تشفّع،و اطلب تعط،ثمّ يرفع رأسه فيشفع يشفّع، و يطلب فيعطى».

ب-الحميد في(4-19)،صفة على الأغلب:

فجاء غَنِيٌّ حَمِيدٌ و اَلْغَنِيُّ الْحَمِيدُ و غَنِيًّا حَمِيداً في(4-12)،و فيها بحوث:

1-تقدّم لفظ الجلالة الصّفة و الموصوف غَنِيٌّ حَمِيدٌ في الجميع مسبوقا ب«أنّ»في(4)أو ب«إنّ»في (5-8)و(10)،و بالواو في(9)و(11)،و ب«كان» في(12).

و كان الموصوف فيها هو اللّه تعالى بلفظ(غنىّ)،أي كلّ أحد محتاج إليه،و هو لا يحتاج إلى أحد أبدا.و وصف ب(الحميد)ليمتاز بغناه عمّن يتّصف به من العباد و هو ذميم،أي أنّ اللّه غنيّ محمود،و ليس غنيّا ذميما كسائر خلقه.

2-جاءت الصّفة و الموصوف غَنِيٌّ حَمِيدٌ بعد ذكر العلم في(4)،و الكفر في(5)و(7)و(11)،و الملك في (6)و(8)و(12)،و الفقر في(9)،و التّولّي في(10).فما جاء بعد العلم و الفقر فهو تهديد،و ما جاء بعد الكفر و التّولّي فهو تهديد و توبيخ،و ما جاء بعد الملك فهو محاججة.

3-إن قيل:لم قدّم الغنيّ على الحميد،و لم يقل:حميد غنيّ؟

يقال:قدّم الغنيّ و أخّر الحميد لأمرين:الأوّل:أنّ الغنيّ صفة مشبّهة،و هي تفيد الثّبات،و الحميد صفة متغيّرة،فقدّم الثّابت على المتغيّر،كما في وَ اللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ البقرة:263،و وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ النّمل:40.

و الثّاني:أنّ الحميد جاء مؤخّرا رعاية لرءوس الآيات في جميع المواضع إلاّ موضعا،و هو إمّا صفة كما هو الغالب،أو مضاف إليه،كما جاء في موضع واحد:

وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ الحجّ:24.

و جاء حَمِيدٌ مَجِيدٌ في(13): إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، و فيها بحثان:

1-وصف(حميد)-و هو(فعيل)بمعنى(مفعول)- بأنّه(مجيد)،و هو(فعيل)بمعنى(فاعل)،و قدّم هنا دون سائر الآيات،لأنّه أكّد بما هو أقوى منه،إذ(مجيد)يفيد المبالغة كالرّحيم،و نحوه قوله: وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الشّعراء:9.

2-قال الفارسيّ في(حميد)هنا:«يحمد المؤمنين من عباده»،يريد أنّه بمعنى الحامد.و لعلّه لحظ المجيد بمعنى الماجد،فحمل الحميد عليه،و إليه ذهب الرّاغب أيضا في أحد قوليه:«يصحّ أن يكون في معنى المحمود،و أن يكون في معنى الحامد».و لكنّ معنى المفعول فيه أظهر.

و جاء(العزيز الحميد)في(14-16)،و فيها بحوث:

1-ورد(الحميد)في الآيات الثّلاث صفة للعزيز، و تأخّر عنه رعاية للرّويّ.و قد تمحّل الفخر الرّازيّ في

ص: 863

علّة ذلك،فقال:«لأنّ الصّحيح أنّ أوّل العلم باللّه العلم بكونه تعالى قادرا،ثمّ بعد ذلك العلم بكونه عالما،ثمّ بعد ذلك العلم بكونه غنيّا عن الحاجات،و العزيز هو القادر، و الحميد هو العالم الغنيّ».

و استبعد قوله الآلوسيّ،و علّل ذلك بقوله:

«للاعتناء بالصّفات السّلبيّة،كما يؤذن به قولهم:التّخلية أولى من التّحلية».

2-جوّز الزّجّاج رفع(الحميد)على الابتداء في (14) صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* اَللّهِ الَّذِي، و رفع لفظ الجلالة فيما بعده خبرا له.فيجوز على قوله:الوقف على (العزيز)،و يكون(الحميد)استئنافا.و جاء بعدها قوله:

اَللّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ وَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ* اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا...

و لكن هذا خلاف الاستعمال؛إذ جاء الحميد معرّفا و منكّرا رويّا-كما في هذه الآية-أو فاصلا بين الآيات دائما،سوى الآية(13).كما أنّه يحسن وصل«الحميد» -على قول الزّجّاج-بلفظ الجلالة«اللّه»-و هو يعيد- و يستحبّ-أي لا يجب على قوله أيضا-الوقف على (شديد)في الآية الثّانية لاتّصالها بما بعدها.و نظيره قوله:

فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ شَيْئاً* جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ مريم:60 و 61.

3-فسّر الفخر الرّازيّ(الحميد)في(14)بالعالم الغنيّ،و أنكره الآلوسيّ،فقال:«و لم نر تفسير(الحميد) بما ذكر لغيره».و استغربه الطّباطبائيّ أيضا.

كما فسّره في(16) إِلاّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ بالعلم،و علّل ذلك بقوله:«لأنّ من لا يكون عالما بعواقب الأشياء،لا يمكنه أن يفعل الأفعال الحميدة، فالحميد يدلّ على العلم التّامّ من هذا الوجه».و هذا لا يوجب تفسيره بالعلم،لأنّه لازم له لا عينه.

و جاء اَلْوَلِيُّ الْحَمِيدُ في(17): وَ هُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ:

وصف(الولىّ)-و هو اللّه-بلفظ(الحميد)،و ما وصف(الولىّ)-و هو يعنيه تعالى-بوصف إلاّ في هذه الآية.و اقترن(الحميد)بلفظ(الولىّ)هنا لتقدّم نزول الغيث بعد القنوط،و نزول الرّحمة عليه،لأنّ(الوليّ) وحده دون وصف و إضافة قد استعمل في الوعيد و التّهديد،في كثير من الآيات،مثل وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ البقرة:107.فكأنّ(الحميد) هنا قوام البركة و الرّحمة.

و جاء حَكِيمٍ حَمِيدٍ في(18): لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ:

وصف اللّه القرآن بأنّ ما أخبر به عن الماضي و عن المستقبل ليس باطلا-و هذا أحد الأقوال في معنى الآية- ثمّ أخبر بأنّه تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، أي تنزيل من عالم مستحقّ للحمد،لأنّه أنعم به على خلقه،فاستحقّ بذلك الحمد و الشّكر.

و جاء صِراطِ الْحَمِيدِ في(19): وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ مضافا إليه:

و اختلف فيه،فقيل:هو اللّه تعالى،و قيل:الجنّة،

ص: 864

و قيل:هو الصّراط نفسه،فأضيف إليه،كما في قوله:

وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ النّحل:30.

و الأوّل أولى،لأنّ(الحميد)يراد به اللّه في جميع المواضع،فينبغي حمل هذا عليها أيضا.

ج-أحمد،و محمّد في(20)إلى(24)،و فيها بحوث:

1-وردت هذه الآيات الخمس في سور مدنيّة، و قرن الاسمان(أحمد)و(محمّد)بلفظ(رسول اللّه)،سوى (23)فإنّها قرنت بالإيمان برسالته: وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ، و هما سيّان.و ينبئ هذا الاستعمال عن محاججة أهل الكتاب الّذين يسكنون المدينة في نبوّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،طمعا في إسلامهم.

2-جاء اسم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أحمد في(20)على لسان المسيح عليه السّلام،و هو كذلك في العهد الجديد المكتوب بالسّريانيّة،إذ ورد فيه بلفظ«پارقليطا».و أصله في اليونانيّة«پيركلتوس»،أي الأحمد و المحمّد،ثمّ حرّف إلى لفظ«پاراكلتوس»،أي المسلّي،و ترجم من اليونانيّة إلى السّريانيّة بهذا المعنى أيضا.

3-إن قيل:أيّ أبلغ في الحمد:أحمد أم محمّد؟

يقال:هما سيّان في هذا المعنى،لأنّ(أحمد)مبالغة من«حامد»أو«محمود»أو«يحمد»،إلاّ أنّه يفوقها بالحمد.و(محمّد)مبالغة في شدّة الحمد و تكرار له،أي يحمد حمدا بعد حمد.ففي الأوّل زيادة في الحمد،و في الثّاني شدّة و تكرار فيه،و كلاهما واحد،كما ترى.

د-التّسبيح بحمده في(25)إلى(38):

جاء(الحمد)في هذه الآيات مصدرا مجرورا بالباء و مضافا و مردفا بفعل التّسبيح،سوى(25)،حيث فصل(الرّعد)بين التّسبيح و الحمد-بدل الضّمير المستتر في فعل التّسبيح كفاعل له في الباقي-و قد سبّح بحمد اللّه الرّعد و الملائكة في(25)،و الملائكة وحدهم في (34-37)،و الأشياء في(26)،و النّبيّ في(27-33) ائتمارا بأمر اللّه،و المؤمنون في(38).

كما اقترن تسبيح الملائكة بحمد الرّبّ بالتّقديس للّه في(34)،و الاستغفار لمن في الأرض في(35)،و الإيمان باللّه و الاستغفار للمؤمنين في(36).و اقترن تسبيح النّبيّ كذلك بالتّوكّل في(27)،و الاستغفار في(28)،و القيام في(29)،و الوقت قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ في(30)،و الوقت أيضا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها في(31)،و كذا الوقت بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ في(32)،و بالسّجود في(33).

فيبدو منها العلاقة بين التّسبيح بحمد اللّه و بين التّقديس له و التّوكّل عليه،و الاستغفار منه.

و كان فعل تسبيح المؤمنين ماضيا،و تسبيح الرّعد و الأشياء و الملائكة حالا،و تسبيح النّبيّ أمرا.

ه-الاستجابة بحمده في(39): يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ، و فيها بحوث:

1-ذهب أغلب المفسّرين إلى أنّ(بحمده)حال من ضمير(تستجيبون)،أي فتستجيبون حامدين للّه.

و جعله بعضهم متعلّقا بحال من فاعل(فتستجيبون)، و تقديره:مقرّين بحمده كما قال الزّجّاج،أو معترفين كما نقل الطّبرسيّ ذلك عن بعض،أو ملتبسين به كما قال

ص: 865

الطّباطبائيّ.

و لعلّ الأولى من جميع ذلك أن تكون(الباء) للإلصاق متعلّقه ب(فتستجيبون)و(الفاء)جواب الشّرط المستفاد من يَوْمَ يَدْعُوكُمْ أي لو يدعوكم يوم القيامة فتستجيبون بحمده و تقولون:نحمدك يا ربّ.

(أو الفاء)للتّرتيب باتّصال،أي تجيبونه فورا من شدّة ذلّكم و عجزكم.

2-قال العكبريّ: «يجوز أن تتعلّق(الباء) ب(يدعوكم)،فتقدير الكلام على قوله:يوم يدعوكم بحمده فتستجيبون.و هو موافق للّغة،و عليه ظاهر قول ابن عبّاس:فتستجيبون داعي اللّه بأمره».

غير أنّ الآلوسيّ قال:«تعلّق الجارّ ب(يدعوكم) ليس بشيء»،و لعلّه أراد الفصل بين الفعل وصلته بفاصل،و هو(فتستجيبون).

3-حمل الطّبريّ قوله:(بحمده)على قول القائل:

فعلت ذلك الفعل بحمد اللّه،أي فعلته-و الحمد للّه- فجعله معترضا يتمّ المعنى بدونه،فيكون من قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و ليس حالا من الكافرين،كما تقدّم.و ذهب إلى هذا القول أبو سهل الهرويّ و ابن عطيّة و غيرهما، و ردّه أبو حيّان قائلا:«هذا معنى متكلّف».

4-أمّا الفرق بين الإجابة و الاستجابة فقد سبق في (ج و ب)ذيل(الاستعمال القرآنيّ)فلاحظ.

و- اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ في(40-45)،و فيها بحوث:

1-قرن الحمد بلفظ الجلالة-بما فيه من الأبّهة و العظمة-في هذه الآيات لتأكيده له إذا كان مبدلا من رَبِّ الْعالَمِينَ، أو لتبيينه له دون سواه إذا كان موصوفا له.و لو حذف المبدل منه أو الموصوف،و ذلك بأن يقال:الحمد لربّ العالمين،لانتفى تأكيد الحمد و تبيينه،فيكون كقولهم:حمدت فلانا على فعله.

2-جاء هذا الكلام في صدر الآيات بعد البسملة في آية مستقلّة كما في(40)،و في آخرها مقولا للقول كما في (42)،و في آخرها أيضا،إلاّ أنّها آية مستقلّة كما في (45).و قد وقعت هذه الآيات السّتّ رويّا لما قبلها أو بعدها من الآيات.

3-جاء(الحمد)في(40-43)مدحا،و جاء في (44)و(45)تعليما،إذ مدح اللّه نفسه في(40) و(41)،و مدحه أهل الجنّة في(42)و(43).و قال الطّبرسيّ في(42):«قيل:إنّه من كلام اللّه تعالى،فقال في ابتداء الخلق: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ الأنعام:1،و قال بعد إفناء الخلق،ثمّ بعد بعثهم و استقرار أهل الجنّة في الجنّة: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، فوجب الأخذ بأدبه في ابتداء كلّ أمر بالحمد و ختمه بالحمد».

و علّم اللّه عباده حمد نعمه في(44)و(45)،قال الإمام عليّ عليه السّلام:«عرّف عباده بعض نعمه عليهم جملا، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتّفصيل،لأنّها أكثر من أن تحصى أو تعرف،فقال لهم:قولوا:الحمد للّه على ما أنعم به علينا ربّ العالمين».

4-هل اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ خبر عنه

ص: 866

و توصيف له فحسب،أو هو إنشاء الحمد في جميع آياته أي المتكلّم به يريد إنشاء الحمد مثل من قال:(سبحان اللّه)ينشأ التّسبيح و لا يخبر به و هذا هو الأولى.

5-بحث المفسّرون في هذه الجملة هل هي مدح للّه أو شكر له؟كما فرّقوا بين الحمد و الشّكر.

و لا شكّ أنّ(الحمد)جاء بمعنيين،كما تقدّم في الأصول اللّغويّة،و لا مانع من كونها مدحا و شكرا معا.

قال الزّمخشريّ: «تقول:حمدت الرّجل على إنعامه، و حمدته على حسبه و شجاعته،و أمّا الشّكر فعلى النّعمة خاصّة،و هو بالقلب و اللّسان و الجوارح،و الحمد باللّسان وحده،فهو إحدى شعب الشّكر،و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«الحمد رأس الشّكر،ما شكر اللّه عبد لم يحمده»و قد أطال في شرحه فلاحظ.

6-لقد أطالوا في(أل)من(الحمد للّه)هل هي للاستغراق؟أي كلّ حمد من أيّ حامد لأيّ محمود فهو راجع إلى اللّه تعالى و خاصّ به،لأنّ كلّ ما هو قابل للحمد فهو مخلوق للّه تبارك و تعالى،أو هي للجنس؟كما قال الزّمخشريّ:«و هو تعريف للجنس و معناه الإشارة إلى ما يعرفه كلّ أحد من أنّ الحمد ما هو،و العراك«من المعركة بمعنى النّزاع»ما هو من بين أجناس الأفعال.

و الاستغراق الّذي يترجمه كثير من النّاس وهم منهم».

7-كان أستاذنا الأكبر آية اللّه البروجرديّ رحمه اللّه يقول:سورة الفاتحة وضعت بلسان العباد ليخاطبوا بها اللّه تعالى في صلاتهم،كما يشهد به إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ* اِهْدِنَا و يؤيّده ما جاء عن ابن عبّاس،أي قولوا:الحمد للّه.

و نضيف إليه أنّها جاءت بصيغة الجمع لصلاة الجماعة،فكأنّ الأصل في الصّلاة هي صلاة الجماعة، و صلاة الفرادى إنّما تجزي تسهيلا و تخفيفا للنّاس.

8-قد صدّر اللّه سورة الفاتحة و ستّ سور أخرى- و هي الأنعام،و الأعراف،و إبراهيم،و الكهف،و سبأ، و فاطر-ب اَلْحَمْدُ لِلّهِ و كلّها مكّيّة،و محتواها التّوحيد و النّبوّة و المعاد،و ما يرجع إليها من أركان الدّين الحنيف،و ليس فيها تشريع.

ز-الحمد للّه ربّ السّماوات و الأرض و خالقهما و فاطرهما و مالكهما في(46-50)،و فيها بحوث:

1-ذهب الطّبريّ و كثير من المفسّرين إلى أنّ سياق الآية(47)الخبر و معناه الإنشاء،أي احمدوا اللّه الّذي خلق السّماوات و الأرض،و جعل الظّلمات و النّور.

و ذهب بعض إلى الأصل و ظاهر السّياق،أي الخبر،لأنّ معنى الإنشاء لا ينتظم مع سياق الآيات التّالية.

و الحقّ أنّ(الحمد)في جميع الآيات-كما سبق- إنشاء للحمد سواء كان بلسان اللّه أو بلسان العباد.

2-ورد(الحمد)في(50)مرّتين،فالأوّل عامّ لما في السّماوات و الأرض،أي لما في الدّنيا،و الثّاني خاصّ بما في الآخرة من أعماله و نعمائه،و تقديم اللاّم في وَ لَهُ الْحَمْدُ مزيد في اختصاص الحمد به،و ينبئ هذا المعنى عن إحاطته تعالى وسعة علمه،فتلاه قوله دون فصل:

يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها وَ هُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ سبأ:2،

ص: 867

لأنّ جملة(يعلم)حال من لفظ الجلالة،كما ذهب إلى ذلك من تكلّم في إعراب القرآن،كابن الأنباريّ و القيسيّ و جمّ غفير من المفسّرين.

3-قال الطّباطبائيّ: «النّظام المشهود في السّماوات و الأرض نظام دنيويّ،كما يشهد به قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ إبراهيم:48.

و لكنّ في السّماوات جنّة المأوى،كما جاء في الأخبار،و هي من النّظام الأخرويّ.فلا جرم أنّ المراد بتبدّل الأرض و السّماوات،تغيير صورتها و هيئتها أو مادّتها و جرمها.

4-فهذه الآية نظير الآية(66) لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ من حيث الجمع بين الدّنيا و الآخرة في إنشاء الحمد له تعالى.

ح-أمر اللّه عباده في(52)بقول: اَلْحَمْدُ لِلّهِ على أنّه لم يتّخذ ولدا و لم يكن له شريك و لا وليّ من الذّلّ، و تلاه الأمر بتكبيره تكبيرا بالغا،و قد كرّر(و لم يكن)في نفي اتّخاذ الولد و نفي الشّريك مبالغة و تأكيدا.فهذا من قبيل الحمد للّه على صفاته العليا.

ط-الحمد للّه على نعمائه في(53-64):

وردت هذه الآيات كلّها في سور مكّيّة،و كذا كلّ آية قرن فيها(الحمد)بلفظ الجلالة،و منها قوله: فَلِلّهِ الْحَمْدُ في(46)بتقديم لفظ الجلالة على الحمد أيضا.

كما سبق اَلْحَمْدُ لِلّهِ بفعل القول دون فصل في هذه الآيات،سوى(52)،فقد تقدّم قوله: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً إبراهيم:35،عليه بثلاث آيات.و سبقه هَلْ يَسْتَوُونَ في(59)،و هَلْ يَسْتَوِيانِ في(61).

ي- لَهُ الْحَمْدُ في(65)و(66):

قدّمت الصّلة(له)على(الحمد)للحصر،و تفيد اللاّم الاختصاص،أي أنّ الحمد يليق به تعالى،أو الملك،أي أنّ الحمد ملكه دون سواه،أو الهيمنة و القدرة،أي أنّه تعالى مهيمن على من سواه.

و الغالب على(الحمد)أن يتقدّم على صلته إذا كانت الصّلة لفظ الجلالة،و يتأخّر عنها إذا كانت متّصلة بالضّمير،كما في هاتين الآيتين و الآية(48).

ص: 868

ح م ر

اشارة

5 ألفاظ،6 مرّات،في 6 سور:4 مكّيّة،2 مدنيّتان

حمر 1:1 حمر 1:1

الحمار 1:-1 الحمير 2:2

حمارك 1:-1

النّصوص اللّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء:أتاني كلّ أسود منهم و أحمر،و لا يقال:أبيض.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:56)

الخليل: الحمرة:لون الأحمر.تقول:قد احمرّ الشّيء احمرارا،إذا لزم لونه فلم يتغيّر من حال إلى حال،و احمارّ يحمارّ احميرارا،إذا كان عرضا حادثا لا يثبت،كقولك:جعل يحمارّ مرّة و يصفارّ مرّة.

و الحمر:داء يعتري الدّابّة من كثرة الشّعير،تقول :حمر يحمر حمرا،و برذون حمر.

و الحمرة:داء يعتري النّاس فتحمرّ مواضعها،يعالج بالرّقية.

و الحمار:العير الأهليّ و الوحشيّ،و العدد:أحمرة؛ و الجميع:الحمير و الحمر و الحمرات؛و الأنثى:حمارة و أتان.

و الحميرة:الأشكزّ:معرّب و ليس بعربيّ،و سمّيت حميرة لأنّها تحمر،أي:تقشر.و كلّ شيء قشرته فقد حمرته،فهو محمور و حمير.

و الخشبة الّتي يعمل عليها الصّيقل يقال لها:الحمار.

و حمارة القدم:هي المشرفة بين مفصلها و أصابعها من فوق.

و الحمار:خشبة في مقدّم الرّحل تقبض عليها المرأة، و هي في مقدّم الإكاف أيضا.

و حمار قبّان:دويبّة صغيرة لازقة بالأرض ذات قوائم كثيرة.

و في الحديث:«غلبتنا عليك هذه الحمراء»يعني

ص: 869

العجم و الموالي،لسمرة ألوان العرب و حمرة ألوان العجم.

و فرس محمر؛و جمعه:محامر،و محامير أي:يجري جري الحمار من بطئه.

و الحمّرة:ضرب من الطّير كالعصافير،و بعض يجعل العصافير الحمّرة.

و حمارّة الصّيف:شدّة وقت الحرّ،و لم أسمع على «فعالّة»غير هذه و الزّعارّة،ثمّ سمعت بخراسان:صبارّة الشّتاء،و سمعت:إنّ وراءك لقرّا حمرّا.

و الأحمران:الزّعفران و الذّهب.

و موت أحمر،و ميتة حمراء،أى شديدة.

و سنة حمراء،أي شديدة[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](3:226)

الكسائيّ: أتيته في حمارّة القيظ،و في صبارّة الشّتاء بالصّاد و هما شدّة الحرّ و البرد.

(الأزهريّ 5:58)

الأحمر:أتيته على حبالّة ذاك،أي على حين ذاك، و ألقى فلان عليّ عبالّته أي ثقله.

مثله الأمويّ و اليزيديّ.(الأزهريّ 5:58)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال الأكوعيّ:هذا رجل أحمر،أي ليس له سلاح،و إن كان أشدّ سوادا من القار، و جاء يعدو أحمر،أي ليس له سلاح.(1:144)

التّحمير:أن يعطن الجلد في التّمر.(1:147)

حمرت الأديم،و هو أن تقشر صوفه،أو شعره،أو وبره بالمدية،يحمر حمرا.(1:148)

حمار قبّان:الصّغير من الخنافس.(1:184)

تقول:إذا زجرت الحمار:حيه.(1:190)

المحمر:البطيء المقرف:اللّئيم من الخيل.

(1:207)

الحمارة:عود يعوّج ثمّ يجعل في وسط البيت،و ينقب وسطه ثمّ يجعل فيه العمود الأوسط.

و المحمر من الإبل:الّتي يلتوي ولدها في بطنها فلا يخرج حتّى تموت.(1:210)

التّحمير:أن تقطع اللّحم كهيئة الهبر.(1:213)

و الحمراء:من المعزى،لا يدعى من الضّأن:حمراء.

(1:214)

ظلّ حماره يرتابه،أي يسير به.رتا به،و أرتيته أنا.

(1:222)

إنّه لعاتك الحمرة،إذا كان شديد الحمرة.

(2:230)

قوله:«بعثت إلى الأحمر و الأسود»معناه:بعثت إلى الأسود و الأبيض.

و امرأة حمراء،أي بيضاء،و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لعائشة«يا حميراء».

و الأحمر:الّذي لا سلاح معه.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](الأزهريّ 5:55)

الفرّاء: حمرت المرأة جلدها تحمره.و الحمر في الوبر و الصّوف،و قد انحمر ما على الجلد،و أتاهم اللّه بغيث حمرّ يحمر الأرض حمرا،أي يقشرها.

(الأزهريّ 5:59)

أبو زيد :المحمر:الفرس الّذي يشبّه بالحمار و هو

ص: 870

أيضا اللّئيم من الرّجال.(81)

الأصمعيّ: في حديثه[عليّ عليه السّلام]:«كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه».

يقال:هو الموت الأحمر و الموت الأسود،و معناه الشّديد.و أرى أصله مأخوذا من ألوان السّباع،يقول:

كأنّه من شدّته سبع إذا أهوى إلى الإنسان،هوى.

(أبو عبيد 2:154)

الحمائر:حجارة تنصب حول قترة الصّائد؛ واحدها:حمارة.(الأزهريّ 5:55)

يقال:جاء بغنمه حمر الكلى،و جاء بها سود البطون،معناهما المهازيل.(الأزهريّ 5:56)

يقال:هذه وطأة حمراء،إذا كانت جديدة،و وطأة دهماء،إذا كانت دارسة.(أبو عبيد 2:155)

من أمثالهم:«كان حمارا فاستأتن»يضرب مثلا للرّجل يهون بعد العزّ.[و استشهد بالشّعر 3 مرات]

(القاليّ 2:53)

أبو عبيد: [في حديث عليّ عليه السّلام]:«كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم...»فكأنّ عليّا أراد بقوله:

«احمرّ البأس»،أنّه صار في الشّدّة و الهول مثل ذلك.

و من هذا حديث عبد اللّه بن الصّامت:«أسرع الأرض خرابا البصرة و مصر،قيل:و ما يخربهما؟قال:

القتل الأحمر و الجوع الأغبر».[إلى أن قال:]

فكأنّ المعنى في هذين الحديثين الموت الجديد مع ما يشبّه به من ألوان السّباع.(2:155)

ابن الأعرابيّ: الحمائر:حجارة تجعل حول الحوض تردّ الماء إذا طغى.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:55)

في قولهم:«الحسن أحمر»أي شاقّ،أي من أحبّ الحسن احتمل المشقّة و كذلك موت أحمر،الحمرة في الدّم و القتال.

يقول:يلقى منه المشقّة كما يلقى من القتال.

(الأزهريّ 5:56)

في قولهم:«الحسن أحمر»يريدون إن تكلّفت التّحسّن و الجمال فاصبر فيه على الأذى و المشقّة.

و حمرت الجلد،إذا قشرته و حلقته.(الأزهريّ 5:58)

الأحمران:النّبيذ و اللّحم.[ثمّ استشهد بالشّعر مرّتين](الأزهريّ 5:59)

ابن السّكّيت: حمارّة القيظ و حمرّه:أشدّ:ما يكون من القيظ.(384)

سمعت الكلابيّ يقول:أتيته في حمراء الظّهيرة،و هو شدّة حرّها.(386)

الحمرة بسكون الميم نبت.و يقال للحمّر،و هو طائر:حمر بالتّخفيف؛الواحدة:حمّرة و حمرة.

و حمّرات:جمع.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(الأزهريّ 5:54)

حمر الخارز السّير يحمره حمرا إذا ما سحا باطنه و دهنه ثمّ خرز به،و حمر الشّاة،إذا ما سمطها.

و أذن الحمار:نبت عريض الورق،كأنّه شبّه بأذن الحمار.(الأزهريّ 5:60)

ص: 871

شمر:قوله عليه السّلام:«زويت لي الأرض فرأيت مشارقها و مغاربها،و أعطيت الكنزين الأحمر و الأبيض» أراد:الذّهب و الفضّة.

عن أنس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«أرسلت إلى كلّ أحمر و أسود»يعني العرب و العجم،و الغالب على ألوان العرب السّمرة و الأدمة،و على ألوان العجم البياض و الحمرة.

قوله:«بعثت إلى الأسود و الأحمر»يريد بالأسود:

الجنّ،و بالأحمر:الإنس،سمّي بالأحمر للدّم الّذي فيهم، و اللّه أعلم.(الأزهريّ 5:55)

يقال:حمر فلان على فلان عليّ يحمر حمرا،إذا تحرّق عليك غضبا و غيظا،و هو رجل حمر من قوم حميرين.

و حمرّ القيظ و الشّتاء:أشدّه.

و العرب إذا ذكرت شيئا بالمشقّة و الشّدّة و صفته بالحمرة.و منه قيل:سنة حمراء للجدبة.

(الأزهريّ 5:58)

الجاحظ:يقال:إنّ الحمر الوحشيّة-و بخاصّة الأخدريّة-أطول الحمير أعمارا.و إنّما هي من نتاج الأخدر،فرس كان لأردشير بن بابك صار وحشيّا، فحمى عدّة عانات فضرب فيها،فجاء أولاده منها أعظم من سائر الحمر و أحسن.و خرجت أعمارها عن أعمار الخيل و سائر الحمر أعني حمر الوحش فإنّ أعمارها تزيد على الأهليّة مرارا عدّة.(1:139)

[و له أبحاث أخر راجع 2:255 و 7:88]

الدّينوريّ: إذا أخلفت الجبهة فهي السّنة الحمراء.

(ابن سيده 2:332)

أبو سعيد البغداديّ: [في معنى شعر الأعشى] الحمار:العود الّذي يحمل عليه الأقتاب،و الأسرات:

النّساء اللّواتي يؤكّدن الرّحال بالقدّ و يوثّقنها.

(الأزهريّ 5:55)

الحربيّ: قوله:«أعطيت الكنزين الأحمر:

و الأبيض»فالأحمر:ملك الشّام،و الأبيض:ملك فارس.

و إنّما قيل لملك فارس:الكنز الأبيض لبياض ألوانهم،و لذلك قيل لهم:بنو الأحرار،يعني البيض، و لأنّ الغالب على كنوزهم الورق و هي بيض.و قال في الشّام:الكنز الأحمر،لأنّ الغالب على ألوانهم الحمرة، و على كنوزهم الذّهب و هو أحمر.(الأزهريّ 5:56)

المبرّد: يقال:«إنّ الحسن أحمر»يقال ذلك للرّجل يميل إلى هواه،و يختصّ بمن يحبّ،كما يقال:الهوى غالب،و كما يقال:إنّ الهوى يميل باست الرّاكب إذا آثر من يهواه على غيره.(الأزهريّ 5:60)

ابن دريد :حمر الفرس يحمر حمرا،إذا سنق،أي بشم فأنتن فوه.

و فرس محمر،و هو الهجين.

و الحمار من هذا اشتقاقه،لهجنته و ثقله؛و الجمع:

حمر و حمير و أحمرة.

و حمار الرّحل و السّرج:الّذي يوضع عليه.

و الحماران:حجران يطرح عليهما حجر رقيق يسمّى

ص: 872

العلاة،يجفّف عليها الأقط.

و غيث حمرّ:شديد.و بنو حمرّ:قبيلة،و بنو حميريّ:بطن من العرب،و ربّما قالوا:بنو أحمري، و حمير:حيّ عظيم من العرب.

و الحمائر:حجارة عراض توضع على القبر؛ واحدتها:حمارة.

و رجل أحمر من قوم حمر و أحامر،فإذا أردت اللّون المصبوغ بالحمرة لم يكن فيه إلاّ أحمر بيّن الحمرة،من ثياب حمر.

و حمارّة القيظ:أشدّ ما يكون من الحرّ.

و أحامر:موضع،و حامر:موضع.و قد سمّت العرب :حمران و أحمر و حميرا.

و الأحمران:الذّهب و الزّعفران،و قالوا:اللّحم و الخمر.

و الأحامرة:قوم.قال أبو حاتم:خرج قوم من العجم في أوّل الإسلام،فتفرّقوا في بلاد العرب:

فالأساورة بالبصرة،و الأحامرة بالكوفة،و الجرامجة بالشّام،و الخضارمة بالجزيرة منهم.

و الحمّر طائر؛و الواحدة:حمّرة.و ربما خفّف فقيل:

حمرة،و الأصل:التّثقيل.

و ابن لسان الحمّرة:أحد خطباء العرب.

و تقول العرب:ما يخفى ذلك على السّوداء و الحمراء، و على الأحمر و الأسود.

فالحمراء:العجم،لأنّ الحمرة و الشّقرة أغلب الألوان عليهم،و السّوداء:العرب،لأنّ السّواد أعمّ فيهم.

و حمار قبّان:دويبّة شبيهة،بالجرادة أو أغلظ منها.و الحمارة:حرّة معروفة،و حمراء الأسد:موضع معروف،و حمير:موضع.

و اليحمور:طائر معروف.[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](2:143)

الأزهريّ: الحمرة:ورم من جنس الطّواعين،نعوذ باللّه منها.

و قال غيره[اللّيث]الحمار:ثلاث خشبات أو أربع، تعرض عليها خشبة و تؤسر بها.

[و ذكر قول أبي عمرو ابن العلاء ثمّ قال:]و يقال:

كلّمته فما ردّ عليّ سوداء و لا بيضاء،أي كلمة رديئة و لا حسنة.

قلت:و القول ما قال أبو عمرو:إنّهم الأسود و الأبيض،لأنّ هذين النّعتين يعمّان الآدميّين أجمعين.

و هذا كقوله:«بعثت إلى النّاس كافّة».

و كانت العرب تقول للعجم الّذين يكون البياض غالبا على ألوانهم مثل الرّوم و الفرس و من صاقبهم:إنّهم الحمراء.

و منه حديث عليّ عليه السّلام،حين قال له سراة من أصحابه العرب:غلبتنا عليك هذه الحمرة،فقال:

«ليضربنّكم على الدّين عودا كما ضربتموهم عليه بدء».

أرادوا بالحمراء:الفرس و الرّوم و العرب إذا قالوا:

فلان أبيض و فلانة بيضاء،فمعناها الكرم في الأخلاق،لا

ص: 873

لون الخلقة.و إذا قالوا:فلان أحمر و فلانة حمراء:عنت بياض اللّون...

قيل:لسني القحط:حمراوات،لاحمرار الآفاق فيها.

و يروى عن عبد اللّه بن الصّامت أنّه قال:أسرع الأرض خرابا البصرة،قيل:و ما يخربها؟قال:القتل الأحمر و الجوع الأغبر.

قلت:و الحمر بمعنى القشر،يكون باللّسان و السّوط و الحديد.و المحمر و المحلأ:هو الحديد أو الحجر الّذي يحلأ به تحلؤ الإهاب و ينتف.

و يقال:للهجين:محمر،و لمطيّة السّوء:محمر، و رجل محمرّ،لا يعطي إلاّ على الكدّ،و الإلحاح عليه.

قال اللّيث:لم أسمع كلمة على تقدير«فعالّة»غير الحمارّة و الزّعارّة و هكذا.

قلت:و قد جاءت أحرف أخر على وزن«فعالّة».

و قال القنانيّ: أتوني بزرافّتهم،يعني جماعتهم.

و سمعت العرب تقول:كنّا في حمراء القيظ على ماء شفيّة،و هي ركيّة عذبة.

قال اللّيث:في قولهم:«أهلك النّساء الأحمران» يعنون الذّهب و الزّعفران.

و عن أبي عبيدة:الأحمران:الخمر و اللّحم.

و قال أبو عبيدة:الأصفران:الذّهب و الزّعفران.

قلت:و الصّواب في الأحمرين ما قاله أبو عبيدة، و الّذي قاله اللّيث يضاهي الخبر المرويّ فيه.

و قال غيره:[اللّيث]:الخيل الحمّارة مثل المحامر سواء.

و روي عن شريح أنّه كان يردّ الحمّارة من الخيل.

قلت:أراد شريح بالحمّارة أصحاب الحمير،كأنّه ردّهم فلم يلحقهم بأصحاب الخيل في السّهام.و قد يقال لأصحاب البغال:البغّالة،و لأصحاب الجمال:

الجمّالة.

و رجل حامر،و حمّار:ذو حمار،كما يقال:فارس لذي فرس.

حمير اسم،و قيل:هو أبو ملوك اليمن،و إليه تنتهي القبيلة.و مدينة ظفار كانت لحمير.

و حمّر الرّجل،إذا تكلّم بالحميريّة،و لهم ألفاظ و لغات تخالف لغات سائر العرب.

و قال بعض ملوكهم:من دخل ظفار حمّر،أي تعلّم الحميريّة.

و يقال:للّذين يحمّرون راياتهم خلاف زيّ المسوّدة من بني هاشم:المحمّرة،كما يقال للحروريّة:المبيّضة، لأنّ راياتهم في الحروب كانت بيضاء.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات].(5:54-60)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

يقولون:«الحسن أحمر»أي من طلب الجمال تجشّم فيه المشقّة.

و الحمورة:الحمرة.

و الأحمران:الخمر و اللحم.

و الأحامرة:الزّعفران،و اللّحم و الخمر.

و الحمرة:تعتري الإنسان.

ص: 874

و فرس محمر:يجري مجرى الحمار؛و الجميع:المحامر و المحامير.و المحموراء:جمع الحمار.

و يقولون:«أدنى حماريك فازجري»أي عليك بأدنى أمرك ثمّ تناولي الأبعد.

و الحماران:حجران يجفّف عليهما الأقط.

و الحمّرة:ضرب من الطّير،و كذلك الحمرة،على وزن الزّهرة.

و حمارّة القيظ:شدّته،و حمرّه:مثله.

و حمّر الغيث:معظمه و أشدّه.

و الحمائر:حجارة تنصب حول القترة؛واحدتها:

حميرة.

و حمرت الأديم حمرا:قشرت عنه الشّعر و التّحلى.

و حمر شاته:نتفها،فهو محمور.

و الحمرّ بلغة أهل الحجاز:الغيم الّذي يحمر وجه الأرض،أي يقشره.و سيل حمرّ:شديد.

و يقال لهبرية الرّأس:الحمارّة.

و تحمير الرّجل:ساء خلقه،و كذلك إذا تكلّم بالحميريّة،و حمّر:كذلك.و منه:«من دخل ظفار حمّر».

و الحمرة:شجرة هي أحبّ شيء إلى الحمير.

و رطب ذو حمرة:شديد الحلاوة.

و أثر أحمر،أي حديث العهد طريّ.

و الأحمر:صنف من أصناف التّمر.

و الوطأة الحمراء:الجديدة،و السّوداء:الدّارسة.

و اليحمور:ضرب من الطّير.

و يقولون:حمّرنا للذّئب فنحن محمّرون:و هو حيلة لهم في قتله.

و المحمّرات من الغنم:البهم الصّغار،سمّيت بذلك لأنّها ترعى قرب الحيّ شبه الحمر،لا تبعد.

و المحمر:البطيء؛و جمعه:محامر.[ثمّ استشهد بشعر].

و فرس محمر:هجين.و من السّمك:صغير،و لا أحقّه.

و رجل حمران:لا سلاح عليه،و رجل أحمر.

و جاء فلان بغنمه حمر الكلى،أي مهازيل.(3:97)

الخطّابيّ: اللّون الخالص كالحمرة و البياض و نحوهما،فالفعل منه احمرّ و ابيضّ،هذا إذا أردت أنّه قد تمكّن و استقرّ.فإذا أردت التّغيّر و الاستحالة قلت:

احمارّ و اصفارّ،كقولك:ما زال يحمارّ وجهه و يصفارّ.

فمن هذا حديث عبد اللّه قال:«أتيت رسول اللّه و هو نائم في ظلّ الكعبة،فاستيقظ محمارّا وجهه»و في رواية أخرى:«فاحمارّ وجهه حتّى صار كأنّه الصّرف»و هو شيء أحمر يصبغ به الأديم.(1:241)

في حديث المسور:«...و أنّها خرجت في سنة حمراء...»

السّنة الحمراء،هي القحطة المجدبة.يقال:سنة حمراء،و شهباء،و برشاء،بمعنى واحد.(2:507)

في حديث الأسود:«أنّه كان يصوم في اليوم الشّديد الحرّ الّذي إنّ الجمل الجلد الأحمر ليريح فيه من الحرّ»...

و إنّما ضرب المثل بالجمل الأحمر لأنّه من أصبر

ص: 875

الإبل.قال الأمويّ: عبد اللّه بن سعيد:قيل لابن لسان الحمّرة:أخبرنا عن الإبل،فقال:حمراها صبراها...

(3:15)

في حديث الحجّاج«...بلى أكفر من حمار»لم يرد بالحمار هاهنا العير،و إنّما هو رجل كان في الزّمان الأوّل كفر باللّه بعد الإيمان به،و انتقل إلى عبادة الأصنام،فصار مثلا.[ثمّ ذكر الأقوال حول القصّة](3:183)

الجوهريّ: الحمرة:لون الأحمر،و قد احمرّ الشّيء و احمارّ بمعنى.و إنّما جاز ادغام احمارّ،لأنّه ليس بملحق، و لو كان له في الرّباعيّ مثال لما جاز إدغامه،كما لا يجوز إدغام اقعنسس لمّا كان ملحقا باحرنجم.

و رجل أحمر؛و الجمع:الأحامر.

فإن أردت المصبوغ بالحمرة قلت:أحمر،و الجمع:

حمر.

و الحمراء:العجم،لأنّ الشّقرة أغلب الألوان عليهم.

و الأحامرة:قوم من العجم سكنوا بالكوفة.و مضر الحمراء بالإضافة،يفسّر في«م ض ر».

و أهلك الرّجال الأحمران:اللحم و الخمر.فإذا قلت:

الأحامرة دخل فيه الخلوق.

و يقال:أتاني كلّ أسود منهم و أحمر،و لا يقال:

أبيض،يحكيها عن أبي عمرو ابن العلاء.

معناه:جميع النّاس عربهم و عجمهم.

و موت أحمر،يوصف بالشّدّة.و منه الحديث:«كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم».

و وطأة حمراء:جديدة،و وطأة دهماء:دارسة.

و سنة حمراء،أي شديدة.

و أحمر ثمود:لقب قدار بن سالف عاقر ناقة صالح عليه السّلام،و إنّما قال زهير:«كأحمر عاد»لإقامة الوزن لمّا لم يمكنه أن يقول ثمود،أو وهم فيه.قال أبو عبيد:و قد قال بعض النّسّاب:إنّ ثمودا من عاد.

و الحمار:العير؛و الجمع:حمير و حمر و حمرات و أحمرة.و ربما قالوا للأتان:حمارة.

و توبة بن الحميّر:صاحب ليلى الأخيليّة،و هو في الأصل تصغير الحمار.

و اليحمور:حمار الوحش.

و الحمارة:حجارة تنصب حول الحوض لئلاّ يسيل ماؤه،و تنصب أيضا حول بيت الصّائد.

و حمار قبّان:دويبّة.

و الحماران:حجران ينصبان،و يوضع فوقهما حجر، و هو العلاة يجفّف عليها الأقط.

و قولهم:«أكفر من حمار»هو رجل من عاد مات له أولاد بصاعقة،فكفر كفرا عظيما،فلا يمرّ بأرضه أحد إلاّ دعاه إلى الكفر،فإن أجابه و إلاّ قتله.

و الحمّر:ضرب من الطّير كالعصفور،الواحدة:

حمّرة.و قد يخفّف فيقال:حمر و حمرة.

و ابن لسان الحمّرة:أحد خطباء العرب.

و الحمّارة:أصحاب الحمير في السّفر؛الواحد:

حمّار.مثل جمّال و بغّال.

و المحمّرة:فرقة من الخرّميّة؛الواحد:منهم:محمّر

ص: 876

،و هم يخالفون المبيّضة.

و حمارّة القيظ،بتشديد الرّاء:شدّة حرّه.و ربّما خفّف في الشّعر للضّرورة؛و الجمع:حمارّ.

و قولهم:«من دخل ظفار حمّر»أي تكلّم بكلام حمير.فأخرج مخرج الخبر و هو أمر،أي فليحمّر.

و المحمر بكسر الميم:الفرس الهجين،و هو بالفارسيّة «پالاني»؛و الجمع:المحامر.

و أحامر بضمّ الهمزة:بلد.

و الحمير و الحميرة:الأشكزّ،و هو سير أبيض مقشور ظاهره،تؤكّد به السّروج.يقال:حمرت السّير أحمره بالضّمّ،إذا سحوت قشره.و قال يعقوب:حمر الخارز سيره،و هو أن يسحا باطنه و يدهنه ثمّ يخرز به فيسهل.

و الحمر أيضا:النّتق.يقال:حمر شاته يحمرها،إذا نتقها،أي سلخها.

و حمير:أبو قبيلة من اليمن،و هو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان،و منهم كانت الملوك في الدّهر الأوّل.و اسم حمير:العرنجج.

و الحمر:بالتّحريك:سنق يصيب الدّابّة من الشّعير فينتن فوه.يقال:حمر البرذون بالكسر،يحمر حمرا.

و غيث حمرّ،مثال فلزّ،أي شديد يقشر الأرض.

[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](2:636)

ابن فارس: الحاء و الميم و الرّاء أصل واحد عندي،و هو من الّذي يعرف بالحمرة.و قد يجوز أن يجعل أصلين:

أحدهما:هذا،و الآخر جنس من الدّوابّ.

فالأوّل:الحمرة في الألوان،و هي معروفة.

و العرب تقول:«الحسن أحمر»يقال ذلك لأنّ النّفوس كلّها لا تكاد تكره الحمرة.و تقول:رجل أحمر، و أحامر.فإن أردت اللّون قلت:حمر.

و أمّا الأصل الثّاني:فالحمار معروف،يقال:حمار و حمير و حمر و حمرات،كما يقال:صعيد و صعد و صعدات.

و ممّا يحمل على هذا الباب قولهم لدويبّة:حمار قبّان.

و منه الحمار،و هو شيء يجعل حول الأرض لئلاّ يسيل ماؤه؛و الجمع:حمائر.

و أمّا قولهم للفرس الهجين:محمر فهو من الباب.

و من الباب:الحماران،و هما حجران يجفّف عليهما الأقط يسمّيان مع الّذي فوقهما العلاة.

و الحمارة:حجارة تنصب حول البيت؛و الجمع:

حمائر.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](2:101)

ابن سيده: الحمرة من الألوان:المتوسّطة، معروفة،تكون في الحيوان و الثّياب و غير ذلك ممّا يقبلها،و حكاها ابن الأعرابيّ في الماء أيضا.و قد احمرّ و احمارّ.و كلّ«افعلّ»من هذا الضّرب،فمحذوف من «افعالّ»،و«افعلّ»فيه أكثر لخفّته.

و قد أجدت استقصاء هذا الضّرب عند تحديد قوانين المصادر،في الكتاب«المخصّص».

و الأحمر من الأبدان:ما كان لونه الحمرة.

ص: 877

و الأحمران:الذّهب و الزّعفران،و قيل:الخمر و اللّحم.فإذا قلت:الأحامرة ففيها الخلوق.

و الأحمر:الأبيض،تطيّرا بالأبرص.و في الحديث:

«بعثت إلى الأحمر و الأسود».و قال عليه الصّلاة و السّلام لعائشة:«إيّاك أن تكونيها يا حميراء»أي يا بيضاء.

و بعير أحمر:لونه مثل لون الزّعفران إذا أجسد الثّوب به.و قيل:بعير أحمر،إذا لم يخالط حمرته شيء.

قال أبو نصر النّعاميّ: هجّر بحمراء و اسر بورقاء و صبّح القوم على صهباء.

قيل له:و لم ذلك؟قال:لأنّ الحمراء أصبر على الهواجر،و الورقاء أصبر على طول السّرى،و الصّهباء أشهر و أحسن حين ينظر إليها.و العرب تقول:خير الإبل حمرها و صهبها.و منه قول بعضهم:ما أحبّ أن لي بمعاريض الكلم حمر النّعم.

و الحمراء من المعز:الخالصة اللّون.

و الحمراء:العجم،لبياضهم.

و الأحامرة:قوم من العجم نزلوا البصرة.

السّنة الحمراء:الشّديدة،لأنّها واسطة بين البيضاء و السّوداء.

و المحمّرة:الّذين علامتهم الحمرة،كالمبيّضة و المسوّدة.

و الموت الأحمر:موت القتل،و ذلك لما يحدث عن القتل من الدّم و ربما كنوا به عن الموت الشّديد،كأنّه يلقى منه ما يلقى من الحرب.

و قالوا:«الحسن أحمر»،أي أنّه يلقى ما يلقى صاحب الحرب من الحرب.

و الحمرة:داء يعتري النّاس فيحمرّ موضعها.

و الوطأة الحمراء:الجديدة.[إلى أن قال:]

و حمارّة القيظ و حمارته:شدّته،التّخفيف عن اللّحيانيّ،و قد حكيت في الشّتاء،و هي قليلة.

و حمرّة الصّيف:كحمارّته.

و حمرّة كلّ شيء و حمرّه:شدّته.

و قرب حمرّ:شديد و حمرّ الغيث:معظمه و شدّته و غيث حمرّ:شديد يقشر وجه الأرض.

و حمر الشّاة يحمرها حمرا:نتقها.

و حمر الخارز سيره يحمره حمرا:سحا بطنه بحديدة، ثمّ ليّنه بالدّهن،ثمّ خرز به فسهل.

و حمر رأسه:حلقه.

و الحمار:النّهّاق من ذوات الأربع،أهليّا كان أو وحشيّا؛و جمعه:أحمرة و حمر و حمير و حمور،و حمرات:

جمع الجمع،كجرزات و طرقات؛و الأنثى:حمارة.

و مقيّدة الحمار:الحرّة،لأنّ الحمار الوحشيّ يعتقل فيها،فكأنّه مقيّد.

و بنو مقيّدة الحمار:العقارب،لأنّ أكثر ما تكون في الحرّة.

و قوم حمّارة و حامرة:أصحاب حمير.و مسجد الحامرة،منه.

و فرس محمر:لئيم يشبه الحمار في جريه من بطئه.

و تسمّى الفريضة المشتركة:الحماريّة سمّيت بذلك لأنّهم قالوا:هب أنّ أبانا كان حمارا.

ص: 878

و رجل محمر:لئيم.

و حمر الفرس حمرا فهو حمر:سنق من أكل الشّعير، و قيل:تغيّرت رائحة فيه منه.

و حمارة القدم:المشرفة بين أصابعها و مفاصلها من فوق.

و الحمارة:حجر ينصب حول بيت الصّائد.و الحمارة أيضا الصّخرة العظيمة.و الحمائر أيضا:ثلاث خشبات يوثقن و يجعل عليهنّ الوطب لئلاّ يقرضه الخرقوص؛ واحدتها:حمارة.

و الحمارة:خشبة تكون في الهودج.

و الحمارة:خشبة في مقدّم الرّحل،تقبض عليها المرأة،و هي في مقدّم الإكاف.

و الحمار:الخشبة الّتي يعمل عليها الصّيقل.

و حمار الطّنبور:معروف.

و حمار قبّان:دويبّة لازقة بالأرض،ذات قوائم كثيرة.

و الحماران:حجران يطرح عليهما حجر رقيق يسمّى العلاة،يجفّف عليه الأقط.و الحمائر:حجارة تنصب على القبر؛واحدتها:حمارة.

و الحمر و الحومر-و الأولى أعلى-:التّمر الهنديّ، و هو بالسّراة كثير،و كذلك ببلاد عمان.و ورقة مثل ورق الخلاف،و الّذي يقال له:البلخي.قال أبو حنيفة:

و قد رأيته فيما بين المسجدين،و يطبخ به النّاس،و شجره عظام مثل شجر الجوز،و ثمره قرون مثل ثمر القرظ.

و الحمرة و الحمّرة:طائر من العصافير؛و جمعها:

الحمر و الحمّر،و التّشديد أعلى.

و قيل:الحمّرة:القبّرة.

و اليحمور:طائر.

و اليحمور أيضا:دابّة تشبه العنز.

و حامر و أحامر:موضعان،لا نظير له من الأسماء إلاّ أجارد،و هو موضع.

و حمراء الأسد:أسماء مواضع.

و الحمارة:حرّة معروفة.

و حمير:أبو قبيلة،ذكر ابن الكلبي أنّه كان يلبس حللاّ حمرا،و ليس ذلك بقويّ.

و حمرّ الرّجل:تكلّم بكلام حمير،و منه:قول الملك الحميريّ،ملك ظفار،و قد دخل عليه رجل من العرب، فقال له الملك:ثب.و ثب بالحميريّة:اجلس.فوثب الرّجل فاندقّت رجلاه،فضحك الملك،و قال:ليست عندنا عربيّت،من دخل ظفار حمّر.هذه حكاية ابن جنّيّ يرفع ذلك إلى الأصمعيّ.و أمّا ابن السّكّيت فإنّه قال:فوثب الرّجل فتكسّر،بدل قوله:فاندقّت رجلاه.

و قد سمّت أحمر و حميرا و حمران و حمراء و حمارا.

و بنو حمرّي:بطن من العرب،و ربّما قالوا:

بنو حميريّ.

و ابن لسان الحمّرة:من خطباء العرب.

و حمرّ:موضع.[و استشهد بالشّعر 12 مرّة].

(3:331)

الطّوسيّ: الحمار يقال للوحشيّ،و الأهليّ لأنّ الحمرة أغلب على الوحشيّ ثمّ صار لكلّ حمار تشبيها

ص: 879

بالوحشيّ.

و الحمرة:لون أحمر،تقول:احمرّ احمرارا و احمارّ احميرارا.

و المحمر:فرس هجين،لأنّه كالحمار في التّقصير.

و حمارّة القيظ:شدّة حرّه،و حمار السّرج الّذي يركبه السّرج.

و حمر فو الفرس يحمر حمرا،إذا أنتن.

و الحمارة:حجارة عريضة توضع على اللّحد لركوب التّراب عليها كالحمار؛و جمعها:حمائر.

و ما يخفى على الأسود و الأحمر،أي العرب و العجم، لأنّ السّواد أغلب على لون العرب،كما الحمرة أغلب علي العجم.و موت أحمر:شديد مشبه بحمرة النّار في شدّة الإيقاد.و غيث حمرّ:شديد.

و أصل الباب:الحمرة.و منه الحمّرة طائر كالعصفور،لأنّه تغلب عليه الحمرة.(2:324)

نحوه الطّبرسيّ.(1:369)

الرّاغب: الحمار:الحيوان المعروف؛و جمعه:حمير و أحمرة و حمر،قال تعالى: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ النّحل:8.

و يعبّر عن الجاهل بذلك،كقوله تعالى: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) الجمعة:5،و قال: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) المدّثّر:50.

و حمار قبّان:دويبّة.

و الحماران:حجران يجفّف عليهما الأقط،شبّه بالحمار في الهيئة.

و المحمّر:الفرس الهجين المشبّه بلادته ببلادة الحمار.

و الحمرة:في الألوان.و قيل:الأحمر و الأسود:

للعجم و العرب،اعتبارا بغالب ألوانهم،و ربّما قيل:حمراء العجان.

و الأحمران:اللّحم و الخمر اعتبارا بلونيهما.

و الموت الأحمر:أصله فيما يراق فيه الدّم.

و سنة حمراء:جدبة للحمرة العارضة في الجوّ منها، و كذلك حمرّة القيظ لشدّة حرّها.

و قيل:وطأة حمراء إذا كانت جديدة،و وطأة دهماء دارسة.(131)

الزّمخشريّ: ركب محمرا أي فرسا هجينا،و ركبوا محامر.

و هو أشقى من أشقر ثمود،و أحمر ثمود.

و أتاني منهم كلّ أسود و أحمر،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مبعوث إلى الأسود و الأحمر.و ليس في الحمراء مثله،أي في العجم.و نحن من أهل الأسودين لا من أهل الأحمرين،أي من أهل التّمر و الماء،لا من أهل اللّحم و الخمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:جاء بغنم حمر الكلى و سود البطون،أي مهازيل.

و موت أحمر.و احمرّ البأس:اشتدّ و سنة حمراء.

و منه:خرجوا في حمارّة القيظ،أي في شدّته.

و وطأة حمراء و دهماء،أي جديدة واضحة بيضاء، و دارسة غير بيّنة.

و رجل أحمر:لا سلاح معه،و رجال

ص: 880

حمر.(أساس البلاغة:94)

[في حديث]:«إنّ قوما من أصحابه صلّى اللّه عليه و سلّم أخذوا فرخي حمّرة فجاءت الحمّرة فجعلت تفرّش».

هي طائر بعظم العصفور و تكون دهساء و كدراء و رقشاء.(الفائق 1:316)

المدينيّ: في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«يقطع السّارق من حمارّة القدم»حمارّة القدم:ما أشرف بين مفصلها و أصابعها من فوق.

و في حديث جابر رضي اللّه عنه«على حمارة من جريد»و هي ثلاثة أعواد تشدّ أطرافها بعضها إلى بعض، و يخالف بين أرجلها،تعلّق عليها الإداوة.

و كذا حمارة الصّيقل،و حمارة السّرج،و حمارة الحلاّج:ما ينصب لهم يعملون عليها،و يضعون عليها أمتعتهم.

في حديث أمّ سلمة رضي اللّه عنها:«كانت لنا داجن فحمرت من عجين فماتت».الحمر:داء يعتري الدّابّة من أكل الشّعير.يقال:حمر حمرا و كلّ حمر أبخر.

في الحديث:«ما تعلمون ما في هذه الأمّة من الموت الأحمر»يعني:القتل،سمّي بذلك لما فيه من حمرة الدّم.

و في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«في حمارّة القيظ» القيظ:الصّيف،و حمارّته،بتشديد الرّاء:اشتداد حرّه و احتدامه.

و هذا الوزن قد جاء في أحرف منها:صبارّة الشّتاء، و هي وسطه،و في خلقه زعارّة،و ألقى عليّ عبالّته، و جاء على حبالّة ذلك،أي أثره،و جاءوا بزرافّتهم،أي جملتهم.و منهم من يخفّف بعض ذلك.

و يجوز أن تسمّى حمارّة،لأنّها تحمّر الوجوه من الحرّ،أو تحمرها،:أي تقشرها.

و في حديثه صلّى اللّه عليه و سلّم«بعثت إلى الأحمر و الأسود».

سئل ثعلب:لم خصّ الأحمر دون الأبيض؟قال:

لأنّ العرب لا تقول:رجل أبيض،من بياض اللّون،إنّما الأبيض عندهم الطّاهر النّقيّ من العيوب.

و قد يسمّى الأحمر الأبيض،لأنّ الحمرة تبدو في البياض،و لا تبدو في السّواد.

و الأحامرة من الفرس بالكوفة،كالأساورة بالبصرة،و الأبناء باليمن.(1:495)

ابن الأثير: في الحديث:«أعطيت الكنزين الأحمر و الأبيض»هي ما أفاء اللّه على أمّته من كنوز الملوك، فالأحمر:الذّهب،و الأبيض:الفضّة.و الذّهب كنوز الرّوم،لأنّه الغالب على نقودهم،و الفضّة كنوز الأكاسرة،لأنّها الغالب على نقودهم.

و قيل:أراد العرب و العجم جمعهم اللّه على دينه و ملّته.

و فيه:«أهلكهنّ الأحمران»يعني الذّهب و الزّعفران.و الضّمير للنّساء،أي أهلكهنّ حبّ الحليّ و الطّيب.

و يقال للّحم و الشّراب أيضا:الأحمران،و للذّهب و الزّعفران:الأصفران،و للماء و اللّبن:الأبيضان، و للتّمر و الماء:الأسودان.

و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه قال:«كنّا إذا احمرّ

ص: 881

البأس اتّقينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم»أي إذا اشتدّت الحرب استقبلنا العدوّ به،و جعلنا لنا وقاية.

و قيل:أراد إذا اضطرمت نار الحرب و تسعّرت،كما يقال في الشّرّ بين القوم:اضطرمت نارهم،تشبيها بحمرة النّار.و كثيرا ما يطلقون الحمرة على الشّدّة.

و منه حديث طهفة:«أصابتنا سنة حمراء»أي شديدة الجدب،لأنّ آفاق السّماء تحمرّ في سني الجدب و القحط.

و فيه:«خذوا شطر دينكم من الحميراء»يعني عائشة،كان يقول لها أحيانا:يا حميراء،تصغير الحمراء، يريد البيضاء.

و في حديث ابن عبّاس:«قدمنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ليلة جمع على حمرات»هي جمع صحّة لحمر،و حمر:جمع حمار.

و في حديث شريح:«أنّه كان يردّ الحمّارة من الخيل» الحمّارة:أصحاب الحمير،أي لم يلحقهم بأصحاب الخيل في السّهام من الغنيمة.

و في حديث عليّ: «في حمارّة القيظ»أي شدّة الحرّ، و قد تخفّف الرّاء.

و في حديث عائشة:«ما تذكر من عجوز حمراء الشّدقين»وصفتها بالدّرد،و هو سقوط الأسنان من الكبر،فلم يبق إلاّ حمرة اللّثاة.

و في حديث عليّ: «عارضه رجل من الموالي،فقال:

اسكت يا ابن حمراء العجان»أي يا ابن الأمة،و العجان:

ما بين القبل و الدّبر،و هي كلمة تقولها العرب في السّبّ و الذّمّ.[و قد تركنا كثيرا من الأحاديث في كلامه حذرا من التّكرار](1:438)

القزوينيّ: حمار:حيوان خدر الأعضاء من غاية البرودة،كدر القوى إلى الحافظة،فإنّه إذا مشى بطريق لا ينساه بعد ذلك،و إذا ضلّ المكاري طريقه قدّم حمارا قارحا يخلّي سبيله يمشي،كما أراد يمينا و شمالا،فإنّه يعثر بالطّريق و إذا وقع بالطّريق يحرّك رأسه و أذنيه،و ذنبه يعني إذا أصاب الطّريق.

و زعموا:أنّ الكلب إذا سمع نهيق الحمار يتألّم ظهره، و إذا سدّ اذناه لا ينهق،و إذا رأى الأسد وقف مكانه، و ربّما عدا إليه،يحسب أنّ ذلك ينفعه من سطوته،كما أنّ الشّاة إذا تسلّمها الذّئب فإنّها تعدو مع الذّئب،تحسب أنّ ذلك ينفعها من سطوته.[ثمّ استشهد بشعر و ذكر بعض خواصّه](عجائب المخلوقات:244)

أبو حيّان :الحمار هو الحيوان المعروف،و يجمع في القلّة على«أفعلة»قالوا:أحمرة،و في الكثرة على«فعل» قالوا:حمر،و على«فعيل»قالوا:حمير.(2:286)

الفيّوميّ: الحمران:من ألوان معروفة،و الذّكر:

أحمر،و الأنثى:حمراء؛و الجمع:حمر.و هذا إذا أريد به المصبوغ،فإن أريد بالأحمر:ذو الحمرة؛جمع على:

الأحامر،لأنّه اسم لا وصف.

و احمرّ البأس:اشتدّ،و احمرّ الشّيء:صار أحمر.

و حمرّته بالتّشديد:صبغته بالحمرة.

و الحمار الذّكر و الأنثى:أتان،و حمارة بالهاء نادر؛ و الجمع:حمير و حمر بضمّتين،و أحمرة.

ص: 882

و حمار أهليّ بالتّنوين،و جعل أهليّ وصفا و بالإضافة.

و حمار قبّان:دويبّة تشبه الخنفساء،و هي أصغر منها،ذات قوائم كثيرة،إذا لمسها أحد اجتمعت كالشّيء المطويّ،و أهل الشّام يسمّونها قفل قفيلة.

و الحمّر بضمّ الهاء و فتح الميم،و تشديدها أكثر من التّخفيف:ضرب من العصافير؛الواحدة:حمّرة.قال السّخاويّ: الحمّر هو القبّر،و قال في المجرّد:و أهل المدينة يسمّون البلبل:النّغرة و الحمّرة.و حمر النّعم،ساكن الميم:

كرائمها،و هو مثل في كلّ نفيس.و يقال:إنّه جمع أحمر، و إنّ أحمر من أسماء الحسن.(1:150)

الدّميريّ: الحمار:جمعه حمير و حمر و أحمرة.و ربما قالوا للأتان:حمارة،و تصغيره:حمير.

و يقال للحمارة:أمّ محمود،و أمّ تولب،و أمّ جحش، و أمّ نافع،و أمّ وهب.

و ليس في الحيوان ما ينزو على غير جنسه و يلقح إلاّ الحمار و الفرس،و هو ينزو إذا تمّ له ثلاثون شهرا.

و منه نوع يصلح لحمل الأثقال،و نوع ليّن الأعطاف سريع العدو،يسبق براذين الخيل.و من عجيب أمره أنّه إذا شمّ رائحة الأسد رمى نفسه عليه من شدّة الخوف،يريد بذلك الفرار منه.[ثمّ استشهد بشعر،و فيه مطالب أخرى فلاحظ].(1:339)

الفيروزآباديّ: الأحمر:ما لونه الحمرة،و من لا سلاح معه؛جمعه:حمر و حمران.و تمر،و الأبيض، ضدّ،و منه الحديث:«يا حميراء»،و الذّهب،و الزّعفران، و اللّحم،و الخمر.

و الأحامرة:قوم من العجم نزلوا بالبصرة،و اللّحم، و الخمر،و الخلوق.

و الموت الأحمر:القتل،أو الموت الشّديد.و قولهم:

«الحسن أحمر»أي:يلقى العاشق منه ما يلقى من الحرب.

و الحمراء:العجم،و السّنة الشّديدة،و شدّة الظّهيرة،و مدينة لبلة،و موضع بفسطاط مصر، و بالقدس،و قرية باليمن.

و حمراء الأسد:موضع على ثمانية أميال من المدينة، و ثلاث قرى بمصر.

و الحمار:معروف،و يكون وحشيّا،جمعه:أحمرة و حمر و حمير و حمور و حمرات و محموراء،و خشبة في مقدّم الرّحل،و الخشبة يعمل عليها الصّيقل،و ثلاث خشبات تعرض عليها خشبة و تؤسر بها،و واد باليمن.

و بهاء:الأتان،و حجر ينصب حول بيت الصّائد، و الصّخرة العظيمة،و خشبة في الهودج،و حجر عريض يوضع على اللّحد؛جمعه:حمائر،و حرّة،و من القدم:

المشرفة فوق أصابعها،و الفريضة المشرّكة (1):

الحماريّة.

و حمار قبّان:دويبّة.

و الحماران:حجران يطرح عليهما آخر،يجفّف عليه الأقط.

و«هو أكفر من حمار»هو ابن مالك،أو مويلع،كانة.

ص: 883


1- و جاء عند ابن سيده:المشتركة.

مسلما أربعين سنة في كرم وجود،فخرج بنوه عشرة للصّيد،فأصابتهم صاعقة،فهلكوا،فكفر و قال:لا أعبد من فعل ببنيّ هذا،فأهلكه اللّه تعالى،و أخرب واديه، فضرب بكفره المثل.

و ذو الحمار:الأسود العنسيّ الكذّاب المتنبّئ،كان له حمار أسود معلّم،يقول له:أسجد لربّك،فيسجد له، و يقول له:أبرك،فيبرك.

و أذن الحمار:نبت.

و الحمر،كصرد:التّمر الهنديّ،كالحومر،و طائر، و تشدّد الميم؛واحدتهما:بهاء.

و اليحمور:الأحمر،و دابّة،و طائر،و حمار الوحش.

و الحمّارة،كجبّانة:الفرس الهجين،كالمحمّر، فارسيّته:«پالاني»،و أصحاب الحمير،كالحامرة.

و بتخفيف الميم و تشديد الرّاء،و قد تخفّف في الشّعر:

شدّة الحرّ.

و الحمير و الحميرة:الأشكزّ:لسير في السّرج.

و حمر السّير:سحا قشره،و الشّاة:سلخها، و الرّأس:حلقه.

و غيث حمرّ،كفلزّ:يقشر الأرض.

و الحمرّ من حرّ القيظ:أشدّه،و من الرّجل:شرّه.

و بنو حمرّى،كزمكّى:قبيلة.

و المحمر،كمنبر:المحلأ،و الّذي لا يعطي إلاّ على الكدّ،و اللّئيم.

و حمر الفرس،كفرح:سنق من أكل الشّعير،أو تغيّرت رائحة فيه،و الرّجل:تحرّق غضبا،و الدّابّة:

صارت من السّمن كالحمار بلادة.

و أحامر،بالضّمّ:جبل،و موضع بالمدينة،يضاف إلى البغيبغة.و بهاء:ردهة.

و الحمرة:اللّون المعروف،و شجرة تحبّها الحمر، و ورم من جنس الطّواعين.

و رطب ذو حمرة:حلوة.

و أحمر:ولد له ولد أحمر،و الدّابّة:علفها حتّى تغيّر فوها.

و حمّره تحميرا:قال له:يا حمار،و قطع كهيئة الهبر، و تكلّم بالحميريّة،كتحمير.

و دخل أعرابيّ على ملك لحمير،فقال له و كان على مكان عال:ثب،أي:اجلس بالحميريّة،فوثب الأعرابيّ،فتكسّر،فسأل الملك عنه،فأخبر بلغة العرب،فقال:ليس عندنا عربيّت،من دخل ظفار حمّر، أي:فليحمّر.

و التّحمير أيضا:دبغ رديء.

و تحمير:ساء خلقه.

و احمرّ احمرارا:صار أحمر،كاحمارّ،و البأس:

اشتدّ.

و المحمر:النّاقة يلتوي في بطنها ولدها،فلا يخرج حتّى تموت.

و المحمّرة،مشدّدة:فرقة من الخرّميّة يخالفون المبيّضة؛واحدهم:محمّر.

و سمّوا حمارا و حمران و حمراء و حميراء.

ص: 884

و الحميراء:موضع قرب المدينة.و مضر الحمراء:

لأنّه أعطي الذّهب من ميراث أبيه،و ربيعة أعطي الخيل،أو لأنّ شعارهم كان في الحرب الرّايات الحمر.

(2:13)

الطّريحي:[اكتفى بنقل أقوال السّابقين]

(3:276)

مجمع اللّغة :الحمرة:اللّون المعروف.و الشّيء أحمر، و هي حمراء؛و يجمعان على حمر.

الحمار:حيوان معروف؛و جمعه:حمير و حمر.

(1:298)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الحمار:حيوان معروف من دوابّ الحمل،منه الوحشيّ و منه المستأنس؛ و الجمع:حمير و حمر.و الأحمر؛ذو اللّون الأحمر، و الجمع:حمر.(1:146)

العدنانيّ: الأقدام الحمر:و يقولون:الأقدام الحمر.و الصّواب:الأقدام الحمر؛لأنّ الصّفة إذا كانت من باب«أفعل»«فعلاء»،فقياس جمعها على«فعل».

مثل:أعرج و عرجاء،و جمعهما:عرج.و أحمر و حمراء، و جمعهما:حمر.

و يجوز أن نجمع أحمر على أحامر؛لأنّه أخرج مخرج الأسماء،مثل الأجدل«الصّقر»جمعه:أجادل.

أمّا الأحمر(المصبوغ بالحمرة)فجمعه:حمر و حمران؛ لأنّه مأخوذ مأخذ الصّفات.

و ليس في اللّغة العربيّة«حمر»إلاّ جمع«حمار».

و يجوز-لضرورة شعريّة-ضمّ الحرف الثّاني السّاكن من هذا الجمع،على أن يكون صحيحا و غير مضعّف،و أن يكون الحرف الثّالث صحيحا كذلك؛مثل:

النّجل بدلا من النّجل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد لجأ الشّاعر عمر أبو ريشة إلى هذه الضّرورة، في قصيدته الّتي أبّن بها الأخطل الصّغير،فقال:

خصاصة العيش ما مدّت لنا يدها

إلاّ و أقدامنا من سعينا حمر

و لا أنصح باللّجوء إلى هذه الضّرورة في مثل كلمة «حمر»،لكي لا يظنّ بعضهم أنّ الأقدام قد صارت حميرا.

قلى الدّجاجة أو حمّرها؛و يخطّئون من يقول:حمرّ الطّاهي الدّجاجة.و يقولون إنّ الصّواب هو:قلى الطّاهي الدّجاجة أو شواها.

و لكن:جاء في«الوسيط»:حمّر اللّحم:قلاه بالسّمن و نحوه«مجاز».و من معاني حمرّ:

1-حمّره:صبغه بالحمرة.و الدّجاج يحمرّ بالقلي أو الشّيء.

2-حمّره:قال له:يا حمار.

3-حمّره:قطعه كهيئة الهبر.

4-حمرّ:تكلّم بالحميريّة،و هي تخالف لغة سائر العرب في ألفاظ كثيرة.

5-حمّر:ركب محمرا«المحمر هو الفرس الهجين».

(معجم الأخطاء الشّائعة:69)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو اللّون المخصوص،و منه اشتقاق الكلمة.و أمّا

ص: 885

معنى الحمار:فإنّه مأخوذ من العبريّة.

و لا يبعد أن يكون الإطلاق بمناسبة كونه أحمر،كما أنّ الأحمرين يطلق على اللّحم و الخمر،و الحمار بلون اللّحم.(2:308)

النّصوص التّفسيريّة

حمارك

...وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ...

البقرة:259

ابن عبّاس: إلى عظام حمارك كيف تلوح بيضاء.

(37)

الضّحّاك: بل قيل له:و انظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه شيء مائة سنة،و إنّما العظام الّتي نظر إليها عظام نفسه،و أعمى اللّه العيون عن أرميا و حماره،طول هذه المدّة.

مثله وهب بن منبّه.(ابن عطيّة 1:350)

وهب بن منبّه:و انظر إلى اتّصال عظامه و إحيائه جزء جزء.(ابن عطيّة 1:350)

مقاتل:انظر إليه،و قد ابيضّت عظامه،و تفرّقت أوصاله،فأعاده اللّه.(ابن الجوزيّ 1:311)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:

وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ فقال بعضهم:معنى ذلك:و انظر إلى إحيائي حمارك،و إلى عظامه كيف أنشزها،ثمّ أكسوها لحما.

ثمّ اختلف متأوّلو ذلك في هذا التّأويل،فقال بعضهم:قال اللّه تعالى ذكره ذلك له،بعد أن أحياه خلقا سويّا،ثمّ أراد أن يحيي حماره،تعريفا منه تعالى ذكره له كيفيّة إحيائه القرية الّتي رآها خاوية على عروشها، فقال: أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:259، مستنكرا إحياء اللّه إيّاها.(3:39)

الثّعلبيّ: قال أكثر العلماء:في الآية تقديم و تأخير،أي و انظر إلى طعامك و شرابك لم يتسنّه، و لنجعلك آية للنّاس و انظر إلى حمارك،و يحتمل أن يكون المعنى:فانظر إلى طعامك و شرابك لم يتسنّه و انظر إلى حمارك.(2:247)

الواحديّ: أراه اللّه علامة مكثه مائة سنة ببلى عظام حماره.(1:373)

البغويّ: فنظر إليه فإذا هو عظام بيض،فركّب اللّه تعالى العظام بعضها على بعض،فكساه اللّحم و الجلد، و أحياه و هو ينظر.(1:355)

الزّمخشريّ: كيف تفرّقت عظامه و نخرت،و كان له حمار قد ربطه.و يجوز أن يراد:و انظر إليه سالما في مكانه كما ربطته،و ذلك من أعظم الآيات أن يعيشه مائة عام من غير علف و لا ماء،كما حفظ طعامه و شرابه من التّغيّر.(1:390)

نحوه البيضاويّ(1:136)،و النّسفيّ(1:131)، و الكاشانيّ(1:264)،و شبّر(1:265)،و رشيد رضا (3:50).

ابن عطيّة: [نقل قول وهب بن منبّه و قال:]

ص: 886

و يروى أنّه أحياه اللّه كذلك حتّى صار عظاما ملتئمة،ثمّ كساه لحما حتّى كمل حمارا،ثمّ جاء ملك فنفخ في أنفه الرّوح،فقام الحمار ينهق.[و بعد قول الضّحّاك قال:]

و كثّر أهل القصص في صورة هذه النّازلة تكثيرا، اختصرته لعدم صحّته.(1:350)

الطّبرسيّ: معناه انظر إليه كيف تفرّق أجزاؤه و تبدّد عظامه،ثمّ انظر كيف يحييه اللّه.و إنّما قال له ذلك ليستدلّ بذلك على طول مماته.(1:370)

الشّربينيّ: كيف هو فرآه ميّتا و عظامه بيض، و كان له حمار قد ربطه،و قيل:رآه حيّا مكانه كما ربطه، حفظ بلا ماء و لا علف كما حفظ الطّعام و الشّراب من التّغيّر.(1:173)

نحوه القاسمي.(3:670)

أبو السّعود :كيف نخرت عظامه و تفرّقت و تقطّعت أوصاله و تمزّقت،ليتبيّن لك ما ذكر من لبثك المديد، و تطمئنّ به نفسك.(1:302)

نحوه البروسويّ(1:413)،و المراغيّ(3:24)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و كون المراد:انظر إليه سالما في مكانه كما ربطته، حفظناه بلا ماء و علف كما حفظنا الطّعام و الشّراب،ليس بشيء و لا يساعده المأثور.(3:23)

ابن عاشور :قيل:كان حماره قد بلى فلم تبق إلاّ عظامه،فأحياه اللّه أمامه.و لم يؤت مع قوله: وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ بذكر الحالة الّتي هي محلّ الاعتبار،لأنّ مجرّد النّظر إليه كاف،فقد رآه عظاما ثمّ رآه حيّا،و لعلّه هلك فبقي بتلك السّاحة الّتي كان فيها حزقيال بعيدا عن العمران،و قد جمع اللّه له أنواع الإحياء؛إذ أحيا جسده بنفخ الرّوح عن غير إعادة،و أحيا طعامه بحفظه من التّغيّر،و أحيا حماره بالإعادة،فكان آية عظيمة للنّاس الموقنين بذلك.و لعلّ اللّه أطلع على ذلك الإحياء بعض الأحياء من أصفيائه.(2:510)

الطّباطبائيّ: دفع اللّه تعالى هذا الّذي يمكن أن يخطر بباله،بأمره أن ينظر إلى طعامه و شرابه لم يتغيّر شيء منهما عمّا كان عليه،و أن ينظر إلى الحمار و قد صار عظاما رميمة.فحال الحمار يدلّ على طول مدّة المكث، و حال الطّعام و الشّراب يدلّ على إمكان أن يبقى طول هذه المدّة على حال واحد،من غير أن يتغيّر شيء من هيئته عمّا هي عليه.

و من هنا يظهر أنّ الحمار أيضا قد أميت و كان رميما و كأنّ السّكوت عن ذكر إماتته معه لما عليه القرآن من الأدب البارع.(2:364)

مكارم الشّيرازيّ: لم يذكر القرآن عن حماره شيئا في الآيات السّابقة،إلاّ أنّ الآيات التّالية تشير إلى أنّ حماره قد تلاشى تماما بمضيّ الزّمان،و لو لا ذلك لما كان هناك ما يشير إلى انقضاء مائة سنة،و هذا أمر عجيب أيضا،لأنّ حيوانا معروفا بطول العمر يتلاشى على هذه الصّورة،بينما الّذي يطرأ عليه التّفسّخ السّريع كالفاكهة و عصيرها لم يتغيّر،لا في الرّائحة و لا في الطّعم، و هذا منتهى الإظهار لقدرة اللّه.(2:194)

ص: 887

فضل اللّه:الّذي كان معك كيف تفرّقت أجزاؤه، و تقطّعت أوصاله،و تبدّدت عظامه؟و كيف نعيدها من جديد؟!(5:75)

الحمير

وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ. النّحل:8

راجع ر ك ب:«لتركبوا».

الحمار

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً... الجمعة:5

ابن عبّاس: كتبا لا ينتفع بحمله،كذلك اليهود لا ينتفعون بالتّوراة،كما لا ينتفع الحمار بما عليه من الكتب.(471)

و الأسفار:الكتب،فجعل اللّه مثل الّذي يقرأ الكتاب و لا يتّبع ما فيه،كمثل الحمار يحمل كتاب اللّه الثّقيل،لا يدري ما فيه.(الطّبريّ 28:98)

نحوه مجاهد و قتادة(الطّبريّ 28:97)،و الفرّاء(3:

155)،و ابن قتيبة(465).

الضّحّاك: كتبا،و الكتاب بالنّبطيّة يسمّى سفرا.

ضرب اللّه هذا مثلا للّذين أعطوا التّوراة ثمّ كفروا.

(الطّبريّ 28:98)

الإمام الصّادق عليه السّلام:الحمار يحمل الكتب و لا يعلم ما فيها و لا يعمل بها،كذلك بنو إسرائيل قد حملوا مثل الحمار لا يعلمون ما فيه و لا يعملون به.(القمّيّ 2:366)

ابن زيد:الأسفار:التّوراة الّتي يحملها الحمار على ظهره،كما تحمل المصاحف على الدّوابّ،كمثل الرّجل يسافر فيحمل مصحفه فلا ينتفع الحمار بها،حين يحملها على ظهره،كذلك لم ينتفع هؤلاء بها حين لم يعلموا بها و قد أوتوها،كما لم ينتفع بها هذا و هي على ظهره.

(الطّبريّ 28:98)

الطّبريّ: مثل الّذين أوتوا التّوراة من اليهود و النّصارى،فحمّلوا العمل بها ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها يقول:

ثمّ لم يعملوا بما فيها،و كذّبوا بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و قد أمروا بالإيمان به فيها،و اتّباعه و التّصديق به كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً يقول:كمثل الحمار يحمل على ظهره كتبا من كتب العلم لا ينتفع بها و لا يعقل ما فيها،فكذلك الّذين أوتوا التّوراة الّتي فيها بيان أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم مثلهم إذا لم ينتفعوا بما فيها كمثل الحمار الّذي يحمل أسفارا فيها علم، فهو لا يعقلها و لا ينتفع.(28:97)

نحوه الواحديّ(4:295)،و ابن الجوزيّ(8:260)

الزّجّاج: الأسفار:الكتب الكبار؛واحدها:سفر، فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّ اليهود مثلهم في تركهم استعمال التّوراة و الإيمان بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي يجدونه مكتوبا عندهم فيها كمثل الحمار يحمل أسفارا.(5:170)

الطّوسيّ: إنّما مثّلهم بالحمار،لأنّ الحمار الّذي يحمل كتب الحكمة على ظهره لا يدري بما فيها،و لا يحسّ بها، كمثل من يحفظ الكتاب و لا يعمل به.و على هذا من تلا القرآن و لم يفهم معناه و أعرض عن ذلك إعراض من لا يحتاج إليه،كان هذا المثل لاحقا به.و إنّ من حفظه

ص: 888

و هو طالب لمعناه و قد تقدّم حفظه،فليس من أهل هذا المثل.(10:5)

نحوه الطّبرسي.(5:285)

الزّمخشريّ: شبّه اليهود في أنّهم حملة التّوراة و قرّاؤها و حفّاظ ما فيها،ثمّ إنّهم غير عاملين بها و لا منتفعين بآياتها؛و ذلك أنّ فيها نعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و البشارة به و لم يؤمنوا به،بالحمار حمل أسفارا،أي كتبا كبارا من كتب العلم،فهو يمشي بها و لا يدري منها إلاّ ما يمرّ بجنبيه و ظهره من الكدّ و التّعب،و كلّ من علم و لم يعمل بعلمه فهذا مثله،و بئس المثل.(4:103)

مثله النّسفيّ(4:255)،و الشّربينيّ(4:384)، و القاسميّ(14:5800)،و المراغيّ(28:98).

ابن عطيّة: كان كلّ حبر لم ينتفع بما حمل كمثل حمار عليه أسفار،فهي عنده و الزّبل و غير ذلك بمنزلة واحدة...و في مصحف ابن مسعود(كمثل حمار)بغير تعريف.(5:307)

الفخر الرّازيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

هاهنا مباحث:

البحث الأوّل:ما الحكمة في تعيين الحمار من بين سائر الحيوانات؟نقول لوجوه:

منها أنّه تعالى:خلق وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً النّحل:8،و الزّينة في الخيل أكثر و أظهر،بالنّسبة إلى الرّكوب،و حمل الشّيء عليه،و في البغال دون،و في الحمار دون البغال،فالبغال كالمتوسّط في المعاني الثّلاثة،و حينئذ يلزم أن يكون الحمار في معنى الحمل أظهر و أغلب بالنّسبة إلى الخيل و البغال،و غيرهما من الحيوانات.

و منها:أنّ هذا التّمثيل لإظهار الجهل و البلادة، و ذلك في الحمار أظهر.

و منها:أنّ في الحمار من الذّلّ و الحقارة ما لا يكون في الغير،و الغرض من الكلام في هذا المقام تعيير القوم بذلك و تحقيرهم،فيكون تعيين الحمارة أليق و أولى.

و منها:أنّ حمل الأسفار على الحمار أتمّ و أعمّ و أسهل و أسلم،لكونه ذلولا،سلس القياد،ليّن الانقياد ،يتصرّف فيه الصّبيّ الغبيّ من غير كلفة و مشقّة،و هذا من الجملة ما يوجب حسن الذّكر بالنّسبة إلى غيره.

و منها:أنّ رعاية الألفاظ و المناسبة بينها من اللّوازم في الكلام،و بين لفظي الأسفار و الحمار مناسبة لفظيّة لا توجد في الغير من الحيوانات فيكون ذكره أولى.

(30:5)

القرطبيّ: قال ميمون بن مهران:الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبيل،فهكذا اليهود.و في هذا تنبيه من اللّه تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلّم معانيه و يعلم ما فيه لئلاّ يلحقه من الذّمّ ما لحق هؤلاء.[ثمّ ذكر اشعارا في وصف الحمار](18:94)

البيضاويّ: كتبا من العلم يتعب في حملها و لا ينتفع بها،و(يحمل)حال،و العامل فيه معنى المثل أو صفة؛إذ ليس المراد من الحمار معيّنا.(2:476)

نحوه أبو السّعود(6:247)،و الكاشانيّ(5:173)، و شبّر(6:215)،و الآلوسيّ(28:95).

ص: 889

ابن كثير:يقول تعالى ذامّا لليهود،الّذين أعطوا التّوراة و حمّلوها للعمل بها ثمّ لم يعملوا بها،مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا،أي كمثل الحمار إذا حمل كتبا لا يدري ما فيها،فهو يحملها حملا حسّيّا لا يدري ما عليه،و كذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الّذي أوتوه حفظوه لفظا و لم يتفهّموه و لا عملوا بمقتضاه بل أوّلوه و حرّفوه و بدّلوه،فهم أسوأ حالا من الحمير،لأنّ الحمار لا فهم له و هؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها،و لهذا قال تعالى في الآية الأخرى: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ الأعراف:179.(7:8)

البروسويّ: الكاف فيه زائدة،كما في «الكواشي».و الحمار:حيوان معروف يعبّر به عن الجاهل،كقولهم:هو أكفر من الحمير،أي أجهل،لأنّ الكفر من الجهالة،فالتّشبيه به لزيادة التّحقير و الإهانة، و لنهاية التّهكّم و التّوبيخ بالبلادة؛إذ الحمار يذكر بها.

و البقر و إن كان مشهورا بالبلادة إلاّ أنّه لا يلائم الحمل.

تعلم يا فتى فالجهل عار و لا يرضى به إلاّ حمار

(9:516)

ابن عاشور :بعد أن تبيّن أنّه تعالى آتى فضله قوما أمّيّين،أعقبه بأنّه قد آتى فضله أهل الكتاب،فلم ينتفع به هؤلاء الّذين قد اقتنعوا من العلم،بأن يحملوا التّوراة دون فهم،و هم يحسبون أنّ ادّخار أسفار التّوراة و انتقالها من بيت إلى بيت كاف في التّبجّح بها،و تحقير من لم تكن التّوراة بأيديهم،فالمراد:اليهود الّذين قاوموا دعوة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و ظاهروا المشركين.

و قد ضرب اللّه لهؤلاء مثلا بحال حمار يحمل أسفارا، لا حظّ له منها إلاّ الحمل دون علم و لا فهم.

ذلك أنّ علم اليهود بما في التّوراة أدخلوا فيه ما صيّره مخلوطا بأخطاء و ضلالات،و متّبعا فيه هوى نفوسهم و ما لا يعدو نفعهم الدّنيويّ،و لم يتخلّقوا بما تحتوي عليه من الهدى و الدّعاء إلى تزكية النّفس،و قد كتموا ما في كتبهم من العهد،باتّباع النّبيّ الّذي يأتي لتخليصهم من ربقة الضّلال.

فهذا وجه ارتباط هذه الآية بالآيات الّتي قبلها، و بذلك كانت هي كالتّتمّة لما قبلها.و قال في«الكشّاف» عن بعضهم:افتخر اليهود بأنّهم أهل كتاب و العرب لا كتاب لهم،فأبطل اللّه ذلك بشبههم بالحمار يحمل أسفارا.

[ثمّ ذكر معنى(حمّلوا)و قال:]

و هذا التّمثيل مقصود منه تشنيع حالهم،و هو من تشبيه المعقول بالمحسوس المتعارف،و لذلك ذيّل بذمّ حالهم: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ الجمعة:5.(28:191)

الطّباطبائيّ: ضرب اللّه لهم مثل الحمار يحمل أسفارا،و هو لا يعرف ما فيها من المعارف و الحقائق فلا يبقى له من حملها إلاّ التّعب بتحمّل ثقلها.

(19:266)

مكارم الشّيرازيّ: الحمار الّذي يحمل الأسفار:

جاء في بعض الرّوايات أنّ اليهود قالوا:«إذا كان محمّد صلّى اللّه عليه و آله قد بعث برسالة فإنّ رسالته لا تشملنا»فردّت عليهم الآية مورد البحث في أوّل بيان لها،بأنّ رسالته قد

ص: 890

أشير إليها في كتابكم السّماويّ،لو أنّكم قرأتموه و عملتم به.

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً...

لا يشعر هذا الحيوان بما يحمل من كتب إلاّ بثقلها، و لا يميّز بين أن يكون المحمول على ظهره خشب أو حجر أو كتب فيها أدقّ أسرار الخلق،و أحسن منهج في الحياة.

لقد اقتنع هؤلاء القوم بتلاوة التّوراة و اكتفوا بذلك، دون أن يعملوا بموجبها.

هؤلاء مثلهم كمثل الحمار الّذي يضرب به المثل في الغباء و الحماقة؛و ذلك أوضح مثال يمكن أن يكشف عن قيمة العلم و أهمّيّته.

و يشمل هذا الخطاب جميع المسلمين الّذين يتعاملون بألفاظ القرآن دون إدراك أبعاده و حكمه الثّمينة.و ما أكثر هؤلاء بين المسلمين.

و هناك تفسير آخر:هو أنّ اليهود لمّا سمعوا تلك الآيات و الآيات المشابهة في السّور الأخرى الّتي تتحدّث عن نعمة بعث الرّسول،قالوا:نحن أهل كتاب أيضا،و نفتخر ببعثة سيّدنا موسى عليه السّلام كليم اللّه،فردّ عليهم القرآن أنّكم جعلتم التّوراة خلف ظهوركم و لم تعملوا بما جاء فيها.

على أيّ حال يعتبر ذلك تحذيرا للمسلمين كافّة، من أن ينتهوا إلى ما انتهى إليه اليهود،فقد شملتهم الرّحمة الإلهيّة و نزل عليهم القرآن الكريم،لا لكي يضعوه على الرّفوف يعلوه الغبار،أو يحملوه كما تحمل التّعاويذ أو ما إلى ذلك.و قد لا يتعدّى اهتمام بعض المسلمين بالقرآن أكثر من تلاوته بصوت جميل،في أغلب الأحيان.

(18:299)

حمر

كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ المدّثّر:50

ابن عبّاس: يريد:الحمر الوحشيّة.

(الفخر الرّازيّ 30:212)

نحوه النّسفيّ.(4:312)

الطّبريّ: فما لهؤلاء المشركين باللّه عن التّذكرة معرضين مولّين عنها تولية الحمر المستنفرة.

(29:168)

الطّوسيّ: أي مثلهم في النّفور عمّا تدعوهم إليه من الحقّ و إعراضهم،مثل الحمر إذا نفرت و مرّت على وجهها.(10:187)

نحوه الواحديّ(4:388)،و الطّبرسيّ(5:392).

الزّمخشريّ: شبّههم في إعراضهم عن القرآن و استماع الذّكر و الموعظة و شرادهم عنه،بحمر جدّت في نفارها ممّا أفزعها،و في تشبيههم بالحمر مذمّة ظاهرة و تهجين لحالهم بيّن،كما في قوله تعالى: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً الجمعة:5،و شهادة عليم بالبله و قلّة العقل.و لا ترى مثل نفار حمير الوحش و اطّرادها في العدو إذا رابها رائب،و لذلك كان أكثر تشبيهات العرب في وصف الإبل و شدّة سيرها بالحمر و عدوها،إذا وردت ماء فأحسّت عليه بقانص.(4:187)

ص: 891

نحوه الشّربينيّ(4:437)،و ابن عاشور(29:

306).

ابن عطيّة: إثبات لجهالتهم،لأنّ الحمر من جاهل الحيوان جدّا.و قرأ الأعمش (حمر) بإسكان الميم.

(5:399)

ابن الجوزيّ: شبّههم في نفورهم عنه بالحمر، فقال تعالى: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (8:412)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:212)،و القرطبيّ(19:

87)،و البيضاويّ(2:520)،و القاسميّ(16:5958)، و ابن عاشور(29:306).

أبو السّعود :حال من المستكنّ في(معرضين) بطريق التّداخل،أي مشبّهين بحمر النّافرة.(6:333)

نحوه البروسويّ(10:241)،و شبّر(6:319)، و الآلوسيّ(29:134).

المراغيّ: أي كأنّ هؤلاء المشركين في فرارهم من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،حمر وحشيّة هاربة من رماة يرمونها و يتعقّبونها لصيدها و افتراسها.

و في هذا إيماء إلى أنّهم مع موجبات الإقبال إلى الدّاعي و الاتّعاظ بما جاء به،يعرضون عنه بغير سبب ظاهر،فأيّ شيء حصل لهم حتّى أعرضوا عنه؟[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](29:141)

الطّباطبائيّ: تشبيه لهم من حيث حالهم في الإعراض عن التّذكرة.و الحمر:جمع حمار،و المراد:

الحمر الوحشيّة.

و المعنى:معرضين عن التّذكرة،كأنّهم حمر وحشيّة نفرت من أسد أو من الصّائد.(20:99)

مكارم الشّيرازيّ: حمر:جمع حمار،و المراد هنا:

الحمار الوحشيّ؛و ذلك بقرينة فرارهم من قبضة الأسد و الصّيّاد.و بعبارة أخرى:أنّ لهذه الكلمة مفهوما واسعا؛ حيث يشمل الحمار الوحشيّ و الأهليّ.

و المشهور أنّ الحمار الوحشيّ يخاف جدّا من الأسد، حتّى أنّه عند ما يسمع صوته يستولي عليه الرّعب، فيركض إلى كلّ الجهات كالمجنون.خصوصا إذا ما حمل الأسد على فصيل منها،فإنّها تتفرّق في كلّ الجهات؛ بحيث يعجب النّاظر من رؤيتها.

و هذا الحيوان بحكمه وحشيّ،فإنّه يخاف من كلّ شيء،فكيف به إذا وصل إلى الأسد السّفّاك.

على كلّ حال،فإنّ هذه الآية تعبير بالغ عن خوف المشركين،و فرارهم من الآيات القرآنيّة المربّية للرّوح، فشبّههم بالحمار الوحشيّ،لأنّهم عديمو العقل و الشّعور، و كذلك لتوحّش الفارّين من كلّ شيء،و في الوقت الّذي لم يتّخذ لهم شيئا إلاّ التّذكرة.(19:173)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحمار:الحيوان المعروف، الأهليّ و الوحشيّ؛و الجمع:أحمرة و حمر و حمير و حمر و حمور،و الحمارة:أنثى الحمار.و رجل حامر و حمّار:

ذو حمار،و قوم حمّارة و حامرة:أصحاب حمير، و الحمّارة:أصحاب الحمير في السّفر،و مقيّدة الحمار:

الحرّة؛لأنّ الحمار الوحشيّ يعتقل فيها،فكأنّه مقيّد،

ص: 892

و بنو مقيّدة الحمار:العقارب،لأنّ أكثر ما تكون في الحرّة.

و اليحمور:حمار الوحش.

و قالوا على التّشبيه:فرس محمر،أي لئيم،يشبه الحمار في جريه من بطئه؛و الجمع:محامر و محامير، و المحمر:الهجين،و مطيّة السّوء،و رجل محمر:لئيم.

و حمار قبّان:دويبّة صغيرة لازقة بالأرض،ذات قوائم كثيرة،و الحمّرة و الحمرة:ضرب من الطّير كالعصافير؛و الجمع:حمر و حمّر.

و الحمار:العود الّذي يحمل عليه الأقتاب،و خشبة يصقل عليها الحديد،و الحمارة:خشبة تكون في الهودج، و الحمارة أيضا:الصّخرة العظيمة،و حجر ينصب حول الحوض لئلاّ يسيل ماؤه،و ينصب حول بيت الصّائد، و على القبر؛و الجمع:حمائر.و الحماران:حجران ينصبان،يطرح عليهما حجر رقيق يسمّى العلاة،يجفّف عليه الأقط.

و حمارّة القدم:المشرفة بين أصابعها و مفاصلها من فوق.

و الحمر:داء يعتري الدّابّة من كثرة الشّعير،فينتن فوهها،تشبيها برائحة في الحمار،يقال:حمر الفرس و البرذون يحمر حمرا،أي تغيّرت رائحة فيه من أكل الشّعير،فهو حمر.

و منه:الحمرة من الألوان،و الأحمر:ما لونه الحمرة، لأنّه اللّون الغالب على الحمير،و قد احمرّ الشّيء يحمرّ احمرارا:لزم لونه فلم يتغيّر من حال إلى حال،و احمارّ يحمارّ احميرارا،إذا كان عرضا حادثا لا يثبت.

و الأحمران:الذّهب و الزّعفران،يقال:أهلك النّساء الأحمران،أي أهلكهنّ حبّ الحلي و الطّيب،و الأحمران أيضا:اللّحم و الخمر.يقال:أهلك الرّجال الأحمران.

و بعير أحمر:لونه مثل لون الزّعفران إذا أجسد الثّوب به،و الحمراء من المعز:الخالصة اللّون.

و الأحمر:العجميّ،و الحمراء:العجم،لبياضهم، و لأنّ الشّقرة أغلب الألوان عليهم.يقال:أتاني كلّ أسود منهم و أحمر،أي جميع النّاس عربهم و عجمهم.

و الموت الأحمر:موت القتل؛و ذلك لما يحدث عن القتل من الدّم،الحمرة:داء يعتري النّاس فيحمرّ موضعها.و تغالب بالرّقية،و المحمّرة:الّذين يحمّرون راياتهم.

و الحسن أحمر:شاقّ.لأنّه يلقى من المشقّة و الشّدّة كما يلقى من القتال.

و السّنة الحمراء:الشّديدة،لاحمرار الآفاق فيها، و حمراء الظّهيرة:شدّتها،و وطأة حمراء:شديدة.

و حمارة القيظ و حمارّته،و حمرّ الصّيف و حمرّته:

شدّته؛لأنّ العرب إذا ذكرت شيئا بالمشقّة و الشّدّة و صفته بالحمرة.

و غيث حمرّ:شديد،يقشر وجه الأرض.يقال:

أتاهم اللّه بغيث حمرّ،يحمر الأرض حمرا،أي يقشرها.

و الحمر:القشر،يكون باللّسان و السّوط و الحديد.

يقال:حمرت الجلد،أي قشرته و حلقته،و حمرت المرأة جلدها تحمره،و حمر رأسه:حلقه،و الحمر في الوبر و الصّوف،و قد انحمر ما على الجلد.

ص: 893

و الحمير و الحميرة:الأشكزّ،و هو سير أبيض مقشور ظاهره،تؤكّد به السّروج،لأنّها تحمّر،أي تقشر،فهو محمور و حمير،و حمر الخارز سيره يحمره حمرا:سحا بطنه بحديدة،ثمّ ليّنه بالدّهن،ثمّ خرز به فسهل.

و الحمر:النّتق.يقال:حمر الشّاة يحمرها حمرا:

نتقها،أي سلخها،و المحمر و المحلأ:هو الحديد و الحجر الّذي يحلأ به الإهاب،و ينتق به.

و حمير:أبو قبيلة من اليمن،و لهم ألفاظ و لغات تخالف لغات سائر العرب.يقال:حمّر الرّجل،أي تكلّم بكلام حمير.

2-و لم يؤثر عن العرب أنّهم استعملوا فعلا من لفظ الحمار،رغم أنّه رأس هذه المادّة،كما ذهبنا إليه،و هو كذلك في سائر اللّغات السّاميّة،كالعبريّة و الآراميّة و السّريانيّة و غيرها.و لا عبرة بقول بعض أدباء هذا العصر:استحمر فلان فلانا،أي عدّه حمارا،لأنّه مولّد، فهو قاسه بقولهم:استرخص الشّيء،أي عدّه رخيصا.

3-اختار ابن فارس أوّلا أنّها أصل واحد و هو الحمرة،ثمّ قال:«و قد يجوز أن يجعل أصلين:فذكر الحمرة و الحمار.و لمّا لم يأت فعل من«حمار»و جاء من الحمرة،فربّما يرجّح القول بأنّها الأصل دون«الحمار».

و اختاره المصطفويّ أيضا؛حيث قال:«و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو اللّون المخصوص،و منه اشتقاق الكلمة».و اعتقد أنّ«الحمار»مأخوذ من العبريّة،فلاحظ.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها«الحمار»و«الحمير»كلّ منهما مرّتين، و«حمر»و«حمر»كلّ منهما مرّة،في 6 آيات:

1-الحمار و الحمير و الحمر

1- مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً... الجمعة:5

2- ...وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ... البقرة:259

3- وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً... النّحل:8

4- ...وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ لقمان:19

5- كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ* فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ

المدّثّر:50،51

2-حمر

6- وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها... فاطر:27

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه المادّة جاءت على محورين:

الأوّل:الحمار مفردا و جمعا:

أ-(1): كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً و فيها بحثان:

1-قال الزّمخشريّ: «شبّه اليهود-في أنّهم حملة التّوراة و قرّاؤها و حفّاظ ما فيها،ثمّ إنّهم غير عاملين بها،و لا منتفعين بآياتها؛و ذلك أنّ فيها نعت رسول

ص: 894

اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و البشارة به،و لم يؤمنوا به-بالحمار حمل أسفارا، أي كتبا كبارا من كتب العلم،فهو يمشي بها و لا يدري منها إلاّ ما يمرّ بجنبيه و ظهره من الكدّ و التّعب،و كلّ من علم و لم يعمل بعلمه،فهذا مثله و بئس المثل».

و روى القرطبيّ عن ميمون بن مهران،قال:«الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبيل؟فهكذا اليهود».ثمّ عقّب قائلا:«و في هذا تنبيه من اللّه تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلّم معانيه و يعلم ما فيه،لئلاّ يلحقه من الذّمّ ما لحق هؤلاء».

و بهذا المعنى قال الطّوسيّ و الطّبرسيّ:«و على هذا فمن تلا القرآن و لم يفهم معناه،و أعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه،كان هذا المثل لا حقا به،و إن حفظه و هو لطالب لمعناه،فليس من أهل هذا المثل».

2-قرئ (كمثل الحمار يحمّل اسفارا) بتنكير الحمار و تشديد ميم(يحمل)مبنيّا للمفعول،و قراءة الجمهور أصحّ و أظهر،قال الآلوسيّ:«تخصيص الحمار بالتّشبيه به لأنّه كالعلم في الجهل».

ب-(2): وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ و فيها بحثان أيضا:

1-قال الزّمخشريّ: «وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ كيف تفرّقت عظامه و نخرت،و كان له حمار قد ربطه.و يجوز أن يراد:و انظر إليه سالما في مكانه كما ربطته؛و ذلك من أعظم الآيات أن يعيشه مائة عام من غير علف و لا ماء، كما حفظ طعامه و شرابه من التّغيّر».

2-قال الطّباطبائيّ: «فحال الحمار يدلّ على طول مدّة المكث،و حال الطّعام و الشّراب يدلّ على إمكان أن يبقى طول هذه المدّة على حال واحد من غير أن يتغيّر شيء من هيئته عمّا هي عليه.

و من هنا يظهر أنّ الحمار أيضا قد أميت و كان رميما، و كأنّ السّكوت عن ذكر إماتته معه لما عليه القرآن من الأدب البارع».

ج-(5): كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ و فيها بحثان أيضا:

1-قال الطّوسيّ: «مثلهم في النّفور عمّا تدعوهم إليه من الحقّ و إعراضهم مثل الحمر إذا نفرت و مرّت على وجهها».و يراد بها الوحشيّة منها.

2-قال ابن عطيّة:«قرأ الأعمش (حمرا) بإسكان الميم»،و هو جمع آخر للحمار،كما تقدّم.

الثّاني:حمر في(6): وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ و فيها بحثان أيضا:

1-أي من الجبال قطع أو خطط بيض و حمر، و الحمر:جمع أحمر.و الواو من جملة وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ استئنافيّة،و وَ مِنَ الْجِبالِ خبر مقدّم، و جُدَدٌ مبتدأ مؤخّر،و بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ صفات الخبر(جدد).

2-لعلّ المراد من جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ القطع من الجبال ذات المعادن،و هما الحديد و الذّهب،إذ يطلق البياض على الحديد و الحمار على الذّهب.يقال:كتيبة بيضاء،أي عليها بياض الحديد،و أهلك النّساء الأحمران،أي أهلكهنّ حبّ الحلي و الطّيب.

ص: 895

و نرى في عصرنا فرق التّنقيب عن المعادن-و منها الذّهب و الحديد-تقتطع صخور الجبال و تفتّتها بحثا عن هذين الفلزّين و غيرهما.فتفسير الآية بهذا المعنى ليس ببعيد.

و ثانيا:أنّ خمسا منها من المحور الأوّل ذكر فيها الحمار مفردا مرّتين،و جمعا ثلاث مرّات بصيغتين:

(حمير)مرّتين،و(حمر)مرّة،و المفرد خاصّ بسورتين مدنيّتين:«الجمعة»،و«البقرة»،و الجمع بقسميه خاصّ بثلاث سور مكّيّة،كما أنّ لفظ واحد(حمر)من المحور الثّاني مكّيّة أيضا،فالمكّيّات ضعف المدنيّات.

و قد غلب على المحور الأوّل ذمّ من شابه الحمار في البلادة من الكفّار في ثلاث منها:(1)و هي مدنيّة-و(4) و(5)-و هما مكّيّتان-فالمكّيّة منها ضعف المدنية كمّا و كيفا.و يشعر ذلك زيادة و شدّة البلادة في كفّار مكّة- و هم مشركون-على كفّار المدينة-و هم اليهود- و كذلك.كانوا-.

ص: 896

ح م ل

اشارة

45 لفظا،64 مرّة:38 مكّيّة،26 مدنيّة

في 29 سورة:21 مكّيّة،8 مدنيّة

حمل 1:1 يحملنّ 1:1

حملها 1:-1 ليحملوا 1:1

حملت 2:2 يحملوها 1:-1

حملته 3:2-1 تحمله 2:1-1

حملته 1:-1 يحملنها 1:-1

حملنا 3:2-1 تحمل 7:5-2

حملناه 1:1 لتحملهم 1:-1

حملناهم 1:1 احمل 1:1

حملناكم 1:1 احملكم 1:-1

حملت 1:1 و لنحمل 1:1

يحمل 3:2-1 يحمل 1:1

يحملون 2:2 تحملون 2:2

احمل 1:1 حمّلتم 1:-1

بحاملين 1:1 حمّلنا 1:-1

فالحاملات 1:1 تحمّلنا 1:-1

حمّالة 1:1 احتمل 2:-2

حمل 2:-2 احتملوا 1:-1

حملا 1:1 حمل 1:1

حمله 1:-1 حملا 1:1

حملها 1:-1 حملها 1:1

حملهنّ 2:-2 حمولة 1:1

الاحمال 1:-1

حمّل 1:-1

حمّلوا 1:-1

ص: 897

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحمل:الخروف؛و الجميع:الحملان.

و الحمل:برج من البروج الاثني عشر.

و الفعل:حمل يحمل حملا و حملانا.

و يكون الحملان أجرا لما يحمل.

و الحملان:ما يحمل عليه من الدّوابّ في الهبة خاصّة.

و تقول:إنّي لأحمله على أمر فما يتحمّل،و أحمّله أمرا فما يتحمّل،و إنّه ليحتمل الصّنيعة و الإحسان،و حمّلت فلانا فلانا،و تحمّلت به عليه في الشّفاعة و الحاجة.

و تحاملت في الشّيء،إذا تكلّفته على مشقّة.

و استحملت فلانا نفسي،أي حمّلته أموري و حوائجي.

و حملت عنه،أي حلمت عنه.

و الحمل:ما في البطن،و الحمل:ما على الظّهر.

و أمّا حمل الشّجر فيقال:ما ظهر فهو حمل،و ما بطن فهو حمل.

و بعض يقول:حمل الشّجر،و يحتجّون فيقولون:ما كان لازما فهو حمل،و ما كان بائنا فهو حمل.

و الحميل:المنبوذ يحمل فيربّى.

و حميل السّيل:ما يحمل من الغثاء،و في الحديث:

«فيخرجون من النّار فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل».

و الحميل:الولد في بطن الأمّ إذا أخذت من أرض الشّرك.

و الحمالة و المحمل:علاقة السّيف.

و المحمل:الشّقّان على البعير يحمل فيهما نفسان.

و رجل حمول:صاحب حلم.

و الحمالة:الدّية يحملها قوم عن قوم،و قد تحذف منها الهاء.

و تقول:ما على فلان محمل من تحميل الحوائج،و ما على البعير محمل من ثقل الحمل.

و الحمولة:الإبل تحمل عليها الأثقال.و الحمول:

الإبل بأثقالها.

و المحمل من النّساء:الّتي ينزل لبنها من غير حبل، تقول:أحملت المرأة،و كذلك النّاقة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:240)

اللّيث:الحمل:برج من بروج السّماء،أوّله الشّرطان و هما قرنا الحمل،ثمّ البطين ثلاثة كواكب،ثمّ الثّريّا و هي ألية الحمل،هذه النّجوم على هذه الصّفة تسمّى حملا.(الأزهريّ 5:90)

سيبويه :يقولون للمكان:هذا متحاملنا، و يقولون:ما فيه متحامل،أي ما فيه تحامل.(4:95)

و حمّله الأمر تحميلا و حمّالا،فتحمّله تحمّلا و تحمالا، أرادوا في«الفعّال»أن يجيئوا به على«الإفعال»فكسروا أوّله و ألحقوا الألف قبل آخر حرف فيه،و لم يريدوا أن يبدلوا حرفا مكان حرف،كما كان ذلك في:«أفعل» و«استفعل».(ابن سيده 3:367)

و قال بعض اللّغويّين:ما كان لازما للشّيء فهو حمل،و ما كان بائنا فهو حمل؛و جمع الحمل:أحمال

ص: 898

و جملهما.(ابن سيده 3:368)

الكسائيّ: حملت به حمالة:كفلت به،و في الحديث:«لا تحلّ المسألة إلاّ لثلاثة».ذكر منهم:«رجلا تحمّل بحمالة بين قوم»و هو أن يقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدّماء،فيتحمّل رجل تلك الدّيات ليصلح بينهم،و يسأل النّاس فيها.و قتادة صاحب الحمالة سمّي بذلك،لأنّه بحمالة كثيرة فسأل فيها و أدّاها.

(الأزهريّ 5:92)

أبو عمرو الشّيبانيّ: حمل الرّجل حمالة فبدح بها،أي عجز عنها.(1:65)

حمل على بعيره حتّى بتّه،أي قطعه.(1:82)

حملت على بعيرك حتّى تمّمته،أي كسّرته.

(1:98)

و الحوامل:حوامل الرّجل،عصبة بين السّاق و الفخذ.

و الحوامل:العروق الّتي تحمل الأنثيين.

و الحميلة،تقول:صار فلان حميلة على آل فلان، إذا تكلّفوا مئونته.و قال:صاحبت فلانا فصار حميلة عليّ.(1:140)

الحميل:الرّجل يكون مع القوم،يحملونه، و يتكلّفون مئونته.(1:158)

و قال:إنّ فلانا لحميلة عليّ،إذا كان يحمل مئونته عليك و ليس به غناء،و هو عيال عليك،من نساء أو رجال.(1:169)

المحاملة:المكافأة بالمعروف.(1:188)

الحميل:الأسود البالي من الثّمام.(1:198)

الحميل:الأسود الّذي قد أحال.(1:207)

الفرّاء: المحامل:الّذي يقدر على جوابك فيدعه إبقاء على مودّتك،و المجامل:الّذي لا يقدر على جوابك فيتركه،و يحقد عليك إلى وقت ما.و يقال:فلان لا يحمل،أي يظهر غضبه.

الحمل:النّوء،و هو الطّليّ.يقال:مطرنا بنوء الحمل و بنوء الطّليّ.(الأزهريّ 5:90)

يقال:امرأة حامل و حاملة،إذا كان في بطنها ولد.

فمن قال:حامل بغير هاء،و هذا نعت،لا يكون إلاّ للمؤنّث.و من قال:حاملة،بناه على حملت فهي حاملة.

فإذا حملت المرأة شيئا على ظهرها أو على رأسها فهي حاملة لا غير،لأنّ هذا قد يكون للذّكر.

و حمل اسم رجل بعينه.

و حمل اسم جبل بعينه.

احتمل الرّجل،إذا غضب،و يكون بمعنى حلم.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](الأزهريّ 5:94)

أبو زيد :الحمولة:ما احتمل عليه الحيّ، و الحمولة:الأثقال.

الحمولة:الحمول؛واحدها:حمل،و هي الهوادج أيضا،كان فيها نساء أولا.

الحمولة:ما احتمل عليه الحيّ من بعير أو حمار أو غيره،كان عليها أحمال أو لم تكن.(الأزهريّ 5:91)

المحمل:المرأة الّتي ينزل لبنها من غير حبل،و قد أحملت.و يقال ذلك للنّاقة أيضا.(الأزهريّ 5:92)

ص: 899

يقال:حملت على بني فلان،إذا أرّشت بينهم.

و حمل على نفسه في السّير،أي جهدها فيه.

(الجوهريّ 4:1677)

الأصمعي:في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«في قوم يخرجون من النّار،فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل».

الحميل:ما حمله السّيل من كلّ شيء،و كلّ محمول فهو حميل،كما يقال للمقتول:قتيل.(أبو عبيد 1:50)

الحمول:الإبل و ما عليها،و الحمول أيضا:ما يكون على البعير.(الأزهريّ 5:91)

الحمالة:الغرم تحمل عن القوم.

الحمالة بكسر الحاء:علاقة السّيف؛و الجميع:

الحمائل،و كذلك المحمل:علاقة السّيف؛و جمعه:

محامل.[ثمّ استشهد بشعر]

الحميل:الكفيل.(الأزهريّ 5:92)

غضب فلان حتّى احتمل.و يقال:حمل عليه حملة منكرة،و شدّ عليه شدّة منكرة.

و رجل حمّال يحمل الكلّ عن النّاس،و رأيت جبلا في البادية اسمه حمّال.

و حمل:اسم جبل فيه جبلان،يقال لهما:طمرّان.

(الأزهريّ 5:94)

حمائل السّيف،لا واحد لها من لفظها،و إنّما واحدها:

محمل.(الجوهريّ 4:1678)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«...في حميل السّيل».[ذكر معناه عن الأصمعيّ و قال:]

و منه قول عمر في الحميل:«لا يورّث إلاّ ببيّنة».

سمّي حميلا لأنّه يحمل من بلاده صغيرا و لم يولد في الإسلام.

و في«الحميل»تفسير آخر هو أجود من هذا،يقال:

إنّما سمّي الحميل الّذي قال عمر حميلا،لأنّه محمول النّسب،و هو أن يقول الرّجل:هذا أخي أو أبي أو ابني، فلا يصدّق عليه إلاّ ببيّنة،لأنّه يريد بذلك أن يدفع ميراث مولاه الّذي أعتقه،و لهذا قيل للدّعيّ: حميل.[ثمّ استشهد بشعر](1:50)

و قيل في الحمل:إنّه المطر الّذي يكون بنوء الحمل.

(الأزهريّ 5:94)

ابن الأعرابيّ: شهر مستحمل:يحمل أهله في مشقّة،لا يكون كما ينبغي أن يكون العرب تقول إذا نحر هلال شمالا:كان شهرا مستحملا.

و امرأة حامل و حاملة،على النّسب و على الفعل.

و قالوا:حملت الشّاة و السّبعة،و ذلك في أوّل حملها.

(ابن سيده 3:368)

و الحمل:برج من بروج السّماء.يقال:هذا حمل طالعا،تحذف منه الألف و اللاّم و أنت تريدها،و يبقى الاسم على تعريفه،و كذلك جميع أسماء البروج لك أن تثبت فيها الألف و اللاّم،و لك أن تحذفها و أنت تنويها، فتبقى الأسماء على تعريفها الّذي كانت عليه.

(ابن سيده 3:371)

ابن السّكّيت: يقال:قد احتمل الرّجل،إذا غضب.[ثمّ استشهد بشعر](80)

الحمل:ما كان في بطن أو على رأس شجرة؛و جمعه:

ص: 900

أحمال.

و الحمل:ما حمل على ظهر أو رأس.

(إصلاح المنطق:3)

نحوه الطّوسيّ(5:61)،و الطّبرسيّ(4:69).

و حمولتهم:ما يحملون عليه.و قال اللّه جلّ و عزّ:

وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً الأنعام:142، فالحمولة:ما حمل الأثقال من كبار الإبل.و الفرش:

صغارها.(إصلاح المنطق:335)

أبو الهيثم:الحمولة من الإبل:الّتي تحمل الأحمال على ظهورها،بفتح الحاء.و الحمولة بضمّ الحاء هي الأحمال الّتي تحمل عليها؛واحدها:حمل و أحمال و حمول و حمولة.فأمّا الحمر و البغال فلا تدخل في الحمولة.(الأزهريّ 5:91)

الدّينوريّ: الحميل:بطن السّيل،و هو لا ينبت.

الحمالة للقوس بمنزلتها للسّيف،يلقيها المتنكّب في منكبه الأيمن و يخرج يده اليسرى منها،فتكون القوس في ظهره.(ابن سيده 3:369)

نحوه ابن سيده.(الإفصاح 1:604)

و المحمولة:حنطة غبراء كأنّها حبّ القطن،ليس في الحنطة أكبر منها حبّا،و لا أضخم سنبلا،و هي كثيرة الرّيع،غير أنّها لا تحمد في اللّون و لا في الطّعم.

(ابن سيده 3:371)

ثعلب :الحميل:الّذي يحمل من بلاد الشّرك إلى بلاد الإسلام،فلا يورّث إلاّ ببيّنة.(ابن سيده 3:369)

ابن دريد :الحمل من الضّأن معروف،و هو الجذع فما دونه؛و الجمع:حملان و أحمال.و به سمّيت الأحمال من بني تميم،و هي بطون.

و الحمل:السّحاب الكثير الماء.و إنّما سمّي حملا لكثرة حمله للماء.

و الحمل:ما كان في البطن،و الحمل:ما على الظّهر، فلذلك اختلفوا في حمل النّخلة فكسر بعضهم و فتح بعضهم.

و يقال:حمالة السّيف و حميلته معروفتان؛و الجمع:

الحمائل.

و المحامل:الحمائل؛واحدها:محمل.

و المحمل:محمل السّيف.

فأمّا محامل الحاجّ فواحدها:محمل (1)،و أوّل من أحدثها الحجّاج.

و كانت المحامل فيما مضى تسمّى الملابن؛الواحد:

ملبن.

و الحمالة:ما تحمله القوم من الدّيات حتّى يؤدّوها.

و قد سمّت العرب:حملا و حميلا.

و الحميل:الكفيل،أنا حميل بذا،أي كفيل به،و قد حملت به حمالة،كما تقول:كفلت به كفالة و زعمت به زعامة.

و الحميل أيضا:الغريب في القوم لا يعرف نسبه، فلان حميل في بني فلان.

و حميل السّيل:غثاؤه و ما حمله،و في الحديث:ّ.

ص: 901


1- ذكره الجوهريّ:محمل،واحد محامل الحاجّ.

«مثل ما تنبت الحبّة في حميل السّيل».

و امرأة حامل من نسوة حوامل،و كلّ حبلى من النّاس و غيرهم فهي حامل و حوامل.

و حومل:موضع،الواو زائدة،ذكره امرؤ القيس، فقال:

*بين الدّخول فحومل*

و حملت فلانا على فلان،إذا أرّشته عليه.يقال:

أرّشته و حرّشته بمعنى.

و حومل:امرأة يضرب بكلبتها المثل،يقال:أجوع من كلبة حومل،و لها حديث.[يأتي في نصّ القاليّ و استشهد بالشّعر 9 مرّات](2:188)

القاليّ: زعيم ضامن،و كذلك قبيل و حميل و كفيل و ضمين واحد.

و قال غيره:حمل الشّجر و حمله.(1:129)

الأزهريّ: [نقل كلام ابن السّكّيت في الحمل و الحمل ثمّ قال:]

و قال غيره:حمل الشّجر و حمله،و قال بعضهم:ما ظهر فهو حمل و ما بطن فهو حمل.و قيل:ما كان لازما للشّيء فهو حمل و ما كان بائنا فهو حمل.و الصّواب ما قال ابن السّكّيت.(5:90)

سعيد بن جبير عن أبيه:أنّ أبا بكر شيّع قوما،فقال لهم:«تراحموا ترحموا و تحاملوا تحملوا»،معناه:أبقوا على غيركم يبق عليكم،و هابوا النّاس تهابوا.

و المحمل الّذي يركب عليه،بكسر الميم أيضا.

و المحمل بفتح الميم:المعتمد.يقال:ما عليه محمل،أي معتمد.

و يقال للدّعيّ أيضا:حميل.(5:91-92)

و يجيء الرّجل الرّجل إذا انقطع به في سفر،فيقول له:احملني فقد أبدع بي،أي أعطني ظهرا أركبه.و إذا قال الرّجل للرّجل:أحملني بقطع الألف،فمعناه أعنّي على حمل ما أحمله.(5:93)

يقال:حمل فلان الحقد على فلان،إذا أكنّه في نفسه و اضطغنه.و يقال للرّجل إذا استخفّه الغضب:قد احتمل و أقلّ.

و يقال للّذي تحلّم عمّن يسبّه:قد احتمل فهو محتمل.(5:94)

الصّاحب:الحمل:الخروف،و برج في السّماء.

و من الحمل:حمل يحمل حملا و حملانا.

و الحملان:أجر ما يحمل،و هو أيضا:ما يحمل عليه من الدّوابّ في الهبة.

و حمّلته أمري فما تحمّل.

و حمّلت فلانا و تحمّلت به عليه:في الشّفاعة.

و تحاملت في المشي:تكلّفته على مشقّة و إعياء.

و تحاملت عليه:كلّفته ما لا يطيق.

و استحملت فلانا نفسي،أي حمّلته حوائجي و أموري.

و حملت عن فلان،إذا حلمت عنه.و رجل حمول:

صاحب حلم.

و المحمل:الاحتمال.

و أحملني فلان:أعانني على ما أحمل.

ص: 902

و الحمل:ما تحمل الإناث في بطونها من الأولاد.

و الحمل:ما يحمل على الظّهر.

فأمّا حمل الشّجر:فمنهم من يكسر منه الحاء و يقولون:ما ظهر فهو حمل و ما بطن فهو حمل.

و يقال:امرأة حاملة و حامل.

و الحميل:المنبوذ يحمله قوم فيربّونه.

و حميل السّيل:ما يحمل من الغثاء.

و يقال للدّعيّ: حميل،و كذلك الولد في بطن الأمّ إذا أخذت من بلاد الشّرك:حميلا.

و فلان حميلة على النّاس،أي كلّ عليهم و عيال.

و الحميل:الكفيل،بيّن الحمالة؛و جمعه:حملاء.

و الحمالة:علاقة السّيف،و هو المحمل،و الجميع:

الحمائل و المحامل.

و المحمل (1):شقّان على البعير.و ما على البعير محمل.

و الحمالة:الدّية الّتي يحملها قوم عن قوم،و يقال:

حمال أيضا.

و الحمولة:الإبل الّتي تحمل عليها الأثقال.

و الحمول:الإبل بأثقالها.

و الحومل:السّحاب الأسود،و سحاب ذو حومل:

إذا حمل الماء.و كذلك الإبل السّود.

و حومل كلّ شيء:أوّله.

و الحوامل في الذّراع:عصبها و رواهشها؛ و الواحدة:حاملة.و هو في الضّروع:عروق اللّبن.

و المحمل:المرأة الّتي ينزل لبنها من غير حبل،قد أحملت إحمالا.و مثلها من الشّاء:التّحلبة.

و حاملت الرّجل محاملة،أي كافأت.

و احتمل الرّجل:غضب.

و احتمل لونه و امتقع:واحد.

و رجل محمول:مجدود من ركوب الفره.

و الحمالة:اسم فرس.

و يقولون:«أجوع من كلبة حومل».(3:114)

الخطّابيّ: يقال:ابغني كذا،أي أطلبه لي.و أبغني بقطع الألف،أي أعنّي على طلبه،و مثله أحملني،أي أعنّي على حمولتي،و كذلك أحلبني على الحلب،و مثله كثير.(1:118)

الجوهريّ: حملت الشّيء على ظهري أحمله حملا.

و حملت المرأة و الشّجرة حملا.

فإذا حملت شيئا على ظهرها أو على رأسها فهي حاملة لا غير،لأنّ الهاء إنّما تلحق للفرق،فأمّا ما لا يكون للمذكّر فقد استغني فيه عن علامة التّأنيث،فإن أتى بها فإنّما هو على الأصل.

هذا قول أهل الكوفة،و أمّا أهل البصرة فإنّهم يقولون:هذا غير مستمرّ،لأنّ العرب تقول:رجل أيّم و امرأة أيّم،و رجل عانس و امرأة عانس،مع الاشتراك، و قالوا:امرأة مصبية و كلبة مجرية،مع غير الاشتراك.

قالوا:و الصّواب أن يقال:قولهم:حامل و طالق و حائض و أشباه ذلك،من الصّفات الّتي لا علامة فيهال.

ص: 903


1- عند الخليل :محمل.

للتّأنيث،فإنّما هي أوصاف مذكّرة وصف بها الإناث،كما أنّ الرّبعة و الرّاوية و الخجأة أوصاف مؤنّثة وصف بها الذّكران.

و الحملة بالتّحريك:جمع الحامل.يقال:هم حملة العرش و حملة القرآن.

و حمل عليه في الحرب حملة.

و حملت به حمالة بالفتح،أي كفلت.

و حملت إذ لا له و احتملت بمعنى.

و الحمل:البرق؛و الجمع:الحملان،و الحمل:أوّل البروج.

و أحملته،أي أعنته على الحمل.

و أحملت النّاقة فهي محمل،إذا نزل لبنها من غير حبل،و كذلك المرأة.

و استحملته،أي سألته أن يحملني.

و حمّلته الرّسالة،أي كلّفته حملها.

و تحمّل الحمالة،أي حملها.

و تحمّلوا و احتملوا بمعنى،أي ارتحلوا.و تحامل عليه،أي مال.

و تحاملت على نفسي،إذا تكلّفت الشيء على مشقّة.

و المتحامل قد يكون موضعا و مصدرا.تقول في المكان:هذا متحاملنا.و تقول في المصدر:ما في فلان متحامل،أي تحامل.

و يقال:ما على فلان محمل،مثال مجلس،أي معتمد.

و المحمل أيضا:واحد محامل الحاجّ.

و المحمل،مثال المرجل:علاقة السّيف،و هو السّير الّذي يقلّده المتقلّد.و قد سمّى ذو الرّمّة عرق الشّجر بذلك،و هو على التّشبيه.

و الحمالة بالفتح:ما تتحمّله عن القوم من الدّية أو الغرامة.

و الحمالة بالكسر:اسم فرس لطليحة الأسديّ.

[إلى أن قال:]

و الحمولة بالفتح:الإبل الّتي تحمل،و كذلك كلّ ما احتمل عليه الحيّ من حمار أو غيره،سواء كانت عليه الأحمال أو لم تكن.و فعول تدخله الهاء إذا كان بمعنى مفعول به.[إلى أن قال:]

و الحميل:الّذي يحمل من بلده صغيرا و لم يولد في الإسلام.و الحميل:ما حمله السّيل من الغثاء.و الحميل:

الكفيل،و الحميل:الدّعيّ.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات]

(4:1676)

ابن فارس: الحاء و الميم و اللاّم أصل واحد يدلّ على إقلال الشّيء.يقال:حملت الشّيء أحمله حملا.

و الحمل:ما كان في بطن أو على رأس شجر.يقال:

امرأة حامل و حاملة.فمن قال:حامل،قال:هذا نعت لا يكون إلاّ للإناث.و من قال:حاملة بناه على حملت فهي حاملة.

و الحمل:ما كان على ظهر أو رأس.

و الحمالة:أن يحمل الرّجل دية ثمّ يسعى عليها، و الضّمان:حمالة،و المعنى واحد،و هو قياس الباب.

ص: 904

و ممّا هو مضاف إلى هذا المعنى:المرأة المحمل،و هي الّتي تنزل لبنها من غير حبل.يقال:أحملت تحمل إحمالا،و يقال ذلك للنّاقة أيضا.

و الحمول:الهوادج،كان فيها نساء أو لم يكن.

و تحاملت،إذا تكلّفت الشّيء على مشقّة.

و قال ابن السّكّيت في قول الأعشى:

لا أعرفنّك إن جدّت عداوتنا

و التمس النّصر منكم عوض تحتمل

إنّ الاحتمال الغضب.قال:و يقال:احتمل،إذا غضب.و هذا قياس صحيح،لأنّهم يقولون:احتمله الغضب.و أقلّه الغضب،و ذلك إذا أزعجه.

و الحمالة و المحمل:علاقة السّيف.

و الحمولة:الإبل تحمل عليها الأثقال،كان عليها ثقل أو لم يكن.و الحمولة:الإبل بأثقالها،و الأثقال أنفسها حمولة.و يقال:أحملت فلانا،إذا أعنته على الحمل.

و حميل السّيل:ما يحمله من غثائه.و في الحديث:

«يخرج من النّار قوم فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل».فالحميل:ما حمله السّيل من غثاء،و لذلك يقال للدّعيّ: حميل.

فأمّا قولهم:الأحمال-و هم من بني يربوع،و هم ثعلبة و عمرو و الحارث أبو سليط و صبير-فيقال:إنّ أمّهم حملتهم على ظهر في بعض أيّام الفزع،فسمّوا الأحمال.

و يقال:أدلّ عليّ فحملت إدلاله و احتملت إدلاله، بمعنى.و القياس مطّرد في جميع ما ذكرناه.

فأمّا البرق فيقال له:حمل،و هو مشتقّ من الحمل، كأنّه يقال:حملت الشّاة حملا،و المحمول حمل و حمل،كما يقال:نفضت الشّيء نفضا و المنفوض نفض،و حسبت الشّيء حسبا،و المحسوب حسب،و هو باب مستقيم.ثمّ يشبّه بهذا،فيقال لبرج من بروج السّماء:حمل.

[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](2:106)

أبو هلال :الفرق بين الصّبر و الاحتمال:أنّ الاحتمال للشّيء يفيد كظم الغيظ فيه،و الصّبر على الشّدّة يفيد حبس النّفس عن المقابلة عليه بالقول و الفعل،و الصّبر عن الشّيء يفيد حبس النّفس عن فعله.و صبرت على خطوب الدّهر،أي حبست النّفس عن الجزع عندها، و لا يستعمل الاحتمال في ذلك،لأنّك لا تغتاظ منه.

(165)

الفرق بين الضّمين و الحميل:أنّ الحمالة ضمان الدّية خاصّة،تقول:حملت حمالة و أنا حميل.و قال بعض العرب:حملت دماء عوّلت فيها على مالي و آمالي، فقدّمت مالي و كنت من أكبر آمالي،فإن حملتها فكم من غمّ شفيت و همّ كفيت،و إن حال دون ذلك حائل لم أذمّ يومك و لم أيأس من غدك.

و الضّمان يكون في ذلك و في غيره.(171)

الثّعالبيّ: فصل جزئيّ في الأولاد:ولد الشّاة:

حمل.(113)

فإذا فصل[ولد الشّاة]عن أمّه،فهو حمل، و خروف.(115)

ص: 905

فإذا كان ينزل لبنها[المرأة]من غير حبل،فهي:

محمل.(168)

أبو سهل الهرويّ: الحمل بكسر الحاء:ما كان على الظّهر للإنسان و الدّابّة.

و الحمل بالفتح:حمل المرأة،و هو جنينها الّذي في بطنها.

و حمل النّخلة و الشّجرة يفتح و يكسر،و هو ثمرها الّذي يكون عليها.(التّلويح:56)

و حمالة السّيف بالكسر:سيره الّذي يحمل به و يتقلّد.

و الحمالة بالفتح:ما لزمك من غرم في دية.

(التّلويح:58)

الحمولة بالضّمّ:الأحمال،و الحمولة بالفتح:الإبل الّتي يحمل عليها،و تكون من غير الإبل أيضا.

(التّلويح:63)

و امرأة حامل،إذا أردت حبلى،فإن أردت أنّها تحمل شيئا ظاهرا قلت:حاملة.(التّلويح:74)

ابن سيده: حمل الشّيء يحمله حملا و حملانا.فهو محمول و حميل،و احتمله.و قول النّابغة:

*فحملت برّة و احتملت فجار*

عبّر عن البرّ بالحمل و عن الفجرة بالاحتمال،حمل البرّة بالإضافة إلى احتمال الفجرة أمر يسير و مستصغر.

[إلى أن قال:]

و الحمل:ما حمل؛و الجمع:أحمال.و حمله على الدّابّة يحمله حملا.

و الحملان:ما يحمل عليه من الدّوابّ في الهبة خاصّة.

و حمله على الأمر يحمله حملا فانحمل:أغراه به.

و حمّله الأمر تحميلا و حمّالا،فتحمّله تحمّلا و تحمالا.

[إلى أن قال:]

و احتمل الصّنيعة:تقلّدها و شكرها،و كلّه من الحمل.

و حمل فلانا،و تحمّل به و عليه،في الشّفاعة و الحاجة:اعتمد.

و تحامل في الأمر،و به:تكلّفه على مشقّة و إعياء.

و تحامل عليه:كلّفه ما لا يطيق.

و استحمله نفسه:حمّله حوائجه و أموره.

و ما عليه محمل،أي موضع لتحميل الحوائج.

و حمل عنه،حلم.و رجل حمول:صاحب حلم.

و الحمل:ما يحمل في البطن من الأولاد في جميع الحيوان؛و الجمع:حمال و أحمال.و في التّنزيل:

وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ الطّلاق:4.

و حملت المرأة تحمل حملا:علقت.قال ابن جنّيّ:

حملته و لا يقال:حملت به،إلاّ أنّه كثر:و حملت المرأة بولدها.

و قد قال اللّه سبحانه: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً الأحقاف:15،و كأنّه إنّما جاز:حملت به،لمّا كان في معنى علقت به.و نظيره قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ البقرة:187،لمّا كان في معنى الإفضاء،عدّي ب«إلى».

ص: 906

و الحمل:ثمر الشّجرة،و الكسر فيه لغة.و شجر حامل.

و قال بعضهم:ما ظهر من ثمر الشّجرة فهو حمل،و ما بطن فهو حمل.و قيل:الحمل:ما كان في بطن أو على رأس شجرة،و الحمل:ما حمل على ظهر أو رأس،و هذا هو المعروف في اللّغة.

و جمع الحمل:حمال.و في الحديث:هذا الحمال لا حمال خيبر؛يعني ثمرة الجنّة أنّه لا ينفد.

و شجرة حاملة:ذات حمل.

و الحمّال:حامل الأحمال،و حرفته الحمالة.

و حميل السّيل:ما يحمل من الغثاء.و في الحديث،في وصف قوم:«يخرجون من النّار فيلقون في نهر في الجنّة فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل».

و الحومل:السّيل الصّافي،عن الهجريّ.

و حميل الضّعة و الثّمام و الوشيج و الطّريفة و السّبط:

الدّويل الأسود منه.

و الحميل:المنبوذ يحمله قوم فيربّونه.و الحميل:

الدّعيّ.

و الحميل:الولد في بطن أمّه إذا أخذت من أرض الشّرك.

و الحميل:الغريب.

و الحمالة و الحميلة:علاقة السّيف،و هو المحمل.

و المحمل:شقّان على البعير يحمل فيهما العديلان.

و المحمل و الحاملة:الزّبيل الّذي يحمل فيه العنب إلى الجرين.

و احتمل القوم و تحمّلوا:ذهبوا.

و الحمولة:ما احتمل عليه الحيّ من بعير أو حمار أو غير ذلك،كانت عليها أثقال أو لم تكن،و في التّنزيل:

وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً الأنعام:142،يكون ذلك للواحد فما فوقه.

و الحمول و الحمولة:الّتي عليها الأثقال خاصّة.

و الحمولة:الأحمال بأعيانها.

و الحمول:الهوادج كان فيها النّساء أو لم يكنّ؛ واحدها:حمل،و لا يقال:حمول من الإبل إلاّ لما عليه الهودج.

و أحمله الحمل:أعانه عليه،و حمّله:فعل ذلك به.

و ناقة محمّلة:مثقّلة.

و الحمالة:الدّية الّتي يحملها قوم عن قوم،و قد تطرح منها الهاء.

و الحوامل:الأرجل.

و حوامل القدم و الذّراع:عصبها؛واحدتها حاملة.

و محامل الذّكر و حمائله:العروق الّتي في أصله و جلده،و به فسّر الهرويّ قوله في الحديث:«يضغط المؤمن في هذا-يريد القبر-ضغطة تزول منها حمائله».

و حمل به حمالة:كفل.

و احتمل الرّجل:غضب.

و المحمل من النّساء و الإبل:الّتي ينزل لبنها من غير حبل.و قد أحملت.

و الحمل:الخروف.و قيل:هو من ولد الضّأن الجذع فما دونه؛و الجمع:حملان و أحمال،و به سمّيت الأحمال،

ص: 907

و هي بطون من بني تميم.

و الحمل:السّحاب الكثير الماء.

و الحمل:برج من بروج السّماء...[إلى أن قال:]

و حمل:موضع بالشّام،و حومل:موضع.

و حومل:اسم امرأة يضرب بكلبتها المثل،يقال:

أجوع من كلبة حومل.

و قد سمّت:حملا و حميلا.

و بنو حميل:بطن.

و الحمالة:فرس طليحة بن خويلد الأسديّ.

[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](3:366)

حملت الأنثى تحمل حملا:علقت بولدها،فهي حامل و حاملة.(الإفصاح 2:831)

الحمل:أوّل أبراج السّماء.(الإفصاح 2:910)

الرّاغب: الحمل:معنى واحد اعتبر في أشياء كثيرة،فسوّي بين لفظه في«فعل»و فرّق بين كثير منها في مصادرها،فقيل في الأثقال المحمولة في الظّاهر كالشّيء المحمول على الظّهر:حمل،و في الأثقال المحمولة في الباطن:حمل،كالولد في البطن و الماء في السّحاب،و الثّمرة في الشّجرة،تشبيها بحمل المرأة.قال تعالى: وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ فاطر:18،يقال:حملت الثّقل و الرّسالة و الوزر حملا.

[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و يقال:حمّلته كذا فتحمّله و حمّلت عليه كذا فتحمّله و احتمله و حمله،و قال تعالى: فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً الرّعد:17.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و حملت المرأة:حبلت،و كذا حملت الشّجرة، يقال:حمل و أحمال،قال عزّ و جلّ: وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ الطّلاق:4.[إلى أن قال:]

و الأصل في ذلك:الحمل على الظّهر،فاستعير للحبل بدلالة قولهم:و سقت النّاقة،إذا حملت.و أصل الوسق:الحمل المحمول على ظهر البعير.

و قيل:الحمولة لما يحمل عليه كالقتوبة و الرّكوبة، و الحمولة لما يحمل.

و الحمل:للمحمول،و خصّ الضّأن الصّغير بذلك، لكونه محمولا لعجزه أو لقربه من حمل أمّه إيّاه؛و جمعه:

أحمال و حملان.و بها شبّه السّحاب فقال عزّ و جلّ:

فَالْحامِلاتِ وِقْراً الذّاريات:2.

و الحميل:السّحاب الكثير الماء،لكونه حاملا للماء.

و الحميل:ما يحمله السّيل و الغريب تشبيها بالسّيل و الولد في البطن.

و الحميل:الكفيل،لكونه حاملا للحقّ مع من عليه الحقّ.

و ميراث الحميل:لمن لا يتحقّق نسبه.

و حَمّالَةَ الْحَطَبِ اللّهب:4،كناية عن النّمّام، و قيل:فلان يحمل الحطب الرّطب،أي ينمّ.(131)

الزّمخشريّ: امرأة و شجرة ذات حمل.و على ظهره حمل.و امرأة حامل.

و حملت الشّيء،و حمّلنيه غيري فاحتملته و تحمّلته.و هذه حمال محمّلة.

و حامله الشّيء.تقول:حاملني هذا العكم،و قد

ص: 908

تحاملاه.

و أحملني يا فلان:أعنّي على الحمل.و حمل على قرنه حملة:صادقة.

و مرّت الحمولة،و هي الإبل الّتي يحمل عليها وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً الأنعام:142.

و مرّت و عليها حمول و حمولة،أي أحمال،و التّاء كالّتي في الحزونة و السّهولة.

و مرّت الحمول،أي الهوادج،كانت فيها نساء أو لم تكن.

و احتمل الحيّ و تحمّلوا:ارتحلوا.

و حمل حمالة،و تحمّلها و هي الدّية،و عليهم حمالات يؤدّونها بالفتح.

و تقلّد محمل السّيف و حمالته بالكسر،و عليهم المحامل و الحمالات.

و ركب في المحمل،و هم في المحامل،و في حداء المكارين.

و تقول:هذا محمل،ما عليه محمل.

و حمل به حمالة نحو كفل به كفالة،و هو حميل،و هم حملاء.

و الشّيخ يتحامل في مشيه.

و تحاملت الشّيء:احتملته على مشقّة.و تحامل عليّ فلان:لم يعدل.

و هو حميل السّيل:لغثائه.و فلان حميل:دعيّ.

و أجازه بخلعة و حملان،و هو الفرس يحمل عليه.

و أعط الحمّال حمالته،أي جعله.

و قلب حملاقيه و حماليقه،و هو باطن الجفنين، و قيل:ما يغطّي الجفن من بياض المقلة.

و من المجاز:حملت إدلاله عليّ و احتملته.

و احتمل ما كان منه و لا تعاتبه.و فلان حليم حمول.

و أنا أحمله على أمر فلا يتحمّل عليه.

و هذه الآية تحتمل وجهين.و القرآن حمّال ذو وجوه.

و استحمله الرّسالة،و حمّله إيّاه،و تحمّلها مغلغلة.

و حملت فلانا على صاحبه،إذا أرّشته عليه.و حمل على نفسه في السّير و في غيره.

و حملت الحقد عليه،إذا أضمرته.

و فلان حمل على أهله،إذا كان ثقيل المرض.

و ما عليه محمل،أي معتمد و معوّل.

و استحملت فلانا نفسي،أي حمّلته حوائجي.

و تحمّلت بفلان على فلان في الشّفاعة.

و قلت له كلمة فاحتمل منها،أي استفزّ و غضب.

و فلان محتمل و ليس بمحتمل.و يقولون للرّجل عند كلمة تسوءه:محتملا لها لا محتملا منها،أي احتملها و لا تستخفّنّك.

و احتمل لونه:تغيّر.[و استشهد بالشعر 6 مرّات]

(أساس البلاغة:95)

الطّبرسيّ: الحمولة:الإبل يحمل عليه الأثقال، و لا واحد لها من لفظها كالرّكوبة و الجزورة.و الحمولة بضمّ الحاء هي الأحمال،و هي الحمول أيضا.(3762)

و الاحتمال:رفع الشّيء على الظّهر بقوّة الحامل له.

ص: 909

و يقال:علا صوته على فلان فاحتمله و لم يغضبه.

(3:286)

المدينيّ: في حديث ابن عمر،رضي اللّه عنهما:

«أنّه كان لا يرى بأسا في السّلم بالحميل».الحميل:

الكفيل؛و جمعه:حملاء،و حملت به حمالة:كفلت.

في حديث قيس قال:«تحمّلت بعليّ على عثمان، رضي اللّه عنهما،في أمر»أي استشفعت به إليه،و كذلك حملته على فلان.

في الحديث:«حتّى استحمل ذبحته فتصدّقت به»أي حين قوي على الحمل و أطاقه.

و في الحديث:قال:«انطلق إلى السّوق فتحامل»أي تكلّف الحمل بالأجرة،ليكتسب ما يتصدّق به، و تحاملت:تكلّفت الشّيء على مشقّة،و تحاملت عليه:

كلّفته ما لا يطيق.

و في الحديث:«إذا كان الماء قلّتين لم يحمل خبثا»أي لم يظهره و لم يغلب الخبث عليه.من قولهم:فلان يحمل غضبه،أي لا يظهره،و حمل الإثم إثم،أي لم تصحبه النّجاسة و لم ينجس،لأنّ كلّ من حمل شيئا فقد صحبه ذلك الشّيء.(1:499)

ابن برّيّ: أمّا حمل البطن فلا خلاف فيه أنّه بفتح الحاء،و أمّا حمل الشّجر ففيه خلاف،منهم من يفتحه تشبيها بحمل البطن،و منهم من يكسره يشبّهه بما يحمل على الرّأس.

فكلّ متّصل حمل و كلّ منفصل حمل،فحمل الشّجرة مشبّه بحمل المرأة لاتّصاله،فلهذا فتح،و هو يشبه حمل الشّيء على الرّأس لبروزه،و ليس مستبطنا كحمل المرأة؛و جمع الحمل:أحمال.(ابن منظور 11:177)

ابن الأثير: في الحديث:«الحميل غارم»الحميل:

الكفيل،أي الكفيل ضامن.

و في حديث القيامة:«ينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل»و هو ما يجيء به السّيل من طين أو غثاء و غيره،«فعيل»بمعنى«مفعول»،فإذا اتّفقت فيه حبّة و استقرّت على شطّ مجرى السّيل فإنها تنبت في يوم و ليلة،فشبّه بها سرعة عود أبدانهم و أجسامهم إليهم بعد إحراق النّار لها.[إلى أن قال:]

و منه حديث عبد الملك في هدم الكعبة و ما بنى ابن الزّبير منها:«وددت أنّي تركته و ما تحمّل من الإثم في نقض الكعبة و بنائها».

و منه الحديث الآخر:«كنّا نحامل على ظهورنا»أي نحمل لمن يحمل لنا،من«المفاعلة»أو هو من التّحامل.

و في حديث تبوك:«قال أبو موسى:أرسلني أصحابي إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أسأله الحملان».الحملان مصدر حمل يحمل حملانا؛و ذلك أنّهم أرسلوه يطلب منه شيئا يركبون عليه.

و منه تمام الحديث:«قال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:ما أنا حملتكم و لكنّ اللّه حملكم»أراد إفراد اللّه تعالى بالمنّ عليهم.

و قيل:أراد لمّا ساق اللّه إليه هذه الإبل وقت حاجتهم كان هو الحامل لهم عليها.

و قيل:كان ناسيا ليمينه أنّه لا يحملهم،فلمّا أمر لهم بالإبل قال:ما أنا حملتكم،و لكنّ اللّه حملكم،كما قال

ص: 910

للصّائم الّذي أفطر ناسيا:«أطعمك اللّه و سقاك».

و في حديث بناء مسجد المدينة:

*هذا الحمال لا حمال خيبر*

الحمال بالكسر من الحمل.و الّذي يحمل من خيبر التّمر،أي إنّ هذا في الآخرة أفضل من ذاك و أحمد عاقبة،كأنّه جمع حمل أو حمل،و يجوز أن يكون مصدر حمل أو حامل.

و منه حديث عمر:«فأين الحمال؟»يريد منفعة الحمل و كفايته،و فسّره بعضهم بالحمل الّذي هو الضّمان.

و فيه:«من حمل علينا السّلاح فليس منّا»أي من حمل السّلاح على المسلمين لكونهم مسلمين فليس بمسلم،فإن لم يحمله عليهم لأجل كونهم مسلمين فقد اختلف فيه:فقيل:معناه:ليس مثلنا.و قيل:ليس متخلّقا بأخلاقنا و لا عاملا بسنّتنا.

و في حديث الطّهارة:«إذا كان الماء قلّتين لم يحمل خبثا»أي لم يظهره و لم يغلب عليه الخبث،من قولهم:

فلان يحمل غضبه،أي لا يظهره.و المعنى:أنّ الماء لا ينجس بوقوع الخبث فيه إذا كان قلّتين.

و قيل:معنى لم يحمل خبثا:أنّه يدفعه عن نفسه،كما يقال:فلان لا يحمل الضّيم،إذا كان يأباه و يدفعه عن نفسه.

و قيل:معناه أنّه إذا كان قلّتين لم يحتمل أن تقع فيه نجاسة،لأنّه ينجس بوقوع الخبث فيه؛فيكون على الأوّل قد قصد أوّل مقادير المياه الّتي لا تنجس بوقوع النّجاسة فيها،و هو ما بلغ القلّتين فصاعدا.و على الثّاني قصد آخر المياه الّتي تنجس بوقوع النّجاسة فيها،و هو ما انتهى في القلّة إلى القلّتين.و الأوّل هو القول،و به قال من ذهب إلى تحديد الماء بالقلّتين،و أمّا الثّاني فلا.

و في حديث عليّ: «لا تناظر و هم بالقرآن فإنه حمّال ذو وجوه»أي يحمل عليه كلّ تأويل فيحتمله.

و ذو وجوه،أي ذو معان مختلفة.

و في حديث تحريم الحمر الأهليّة:«قيل:لأنّها كانت حمولة النّاس»الحمولة بالفتح:ما يحتمل عليه النّاس من الدّوابّ،سواء كانت عليها الأحمال أو لم تكن كالرّكوبة.

و منه حديث قطن:«و الحمولة المائرة لهم لاغية» أي الإبل الّتي تحمل الميرة.

و منه الحديث:«من كانت له حمولة يأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه».الحمولة بالضّمّ:الأحمال، يعني أنّه يكون صاحب أحمال يسافر بها،و أمّا الحمول بلا هاء فهي الإبل الّتي عليها الهوادج،كان فيها نساء أو لم يكن.(1:442)

ابن منظور :الحمل:برج من بروج السّماء،هو أوّل البروج،أوّله الشّرطان و هما قرنا الحمل،ثمّ البطين ثلاثة كواكب،ثمّ الثّريّا و هي ألية الحمل،هذه النّجوم على هذه الصّفة تسمّى حملا.و هذه المنازل و البروج قد انتقلت،و الحمل في عصرنا هذا أوّله من أثناء الفرغ المؤخّر،و ليس هذا موضع تحرير درجه و دقائقه.

(11:181)

الفيّوميّ: [نحو المتقدّمين و أضاف:]

ص: 911

و احتملت:ما كان منه بمعنى العفو و الإغضاء.

و الاحتمال في اصطلاح الفقهاء و المتكلّمين يجوز استعماله بمعنى الوهم و الجواز فيكون لازما،و بمعنى الاقتضاء و التّضمّن فيكون متعدّيا،مثل احتمل أن يكون كذا، و احتمل الحال وجوها كثيرة.[إلى أن قال:]

حمالة السّيف و غيره،بالكسر؛و الجمع:حمائل، و يقال لها:محمل أيضا وزان مقود؛و الجمع:محامل.

و الحمل بفتحتين:ولد الضّائنة في السّنة الأولى؛ و الجمع:حملان.

و المحمل وزان مجلس:الهودج،و يجوز:محمل وزان مقود.

و الحمولة بالفتح:البعير يحمل عليه.و قد يستعمل في الفرس و البغل و الحمار،و قد تطلق الحمولة على جماعة الإبل.(1:152)

الفيروزآباديّ: حمله يحمله حملا و حملانا،فهو محمول و حميل و احتمله.

و الحمل بالكسر:ما حمل؛جمعه:أحمال.

و الحملان بالضّمّ:ما يحمل عليه من الدّوابّ في الهبة خاصّة،و في اصطلاح الصّاغة:ما يحمل على الدّراهم من الغشّ.

و حمله على الأمر يحمله فانحمل:أغراه به.

و الحملة:الكرّة في الحرب،و بالكسر و الضّمّ:

الاحتمال من دار إلى دار.

و حمّله الأمر تحميلا و حمّالا ككذّاب فتحمّله تحمّلا و تحمالا.

و قوله تعالى: فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ الأحزاب:72،أي يخنّها و خانها الإنسان.

و الإنسان هنا:الكافر و المنافق.

و احتمل الصّنيعة تقلّدها و شكرها.

و تحامل في الأمر و به:تكلّفه على مشقّة،و عليه:

كلّفه ما لا يطيق.

و استحمله نفسه:حمّله حوائجه و أموره.

و شهر مستحمل:يحمل أهله في مشقّة.

و حمل عنه:حلم فهو حمول ذو حلم.

و الحمل:ما يحمل في البطن من الولد؛جمعه:حمال و أحمال،و بلا لام:قرية باليمن،و حملان كعثمان أخرى بها.

و حملت المرأة تحمل:علقت،و لا يقال:حملت به أو قليل،و هي حامل و حاملة.

و الحمل:ثمر الشّجر و يكسر،أو الفتح:لما بطن من ثمره،و الكسر:لما ظهر،أو الفتح:لما كان في بطن أو على رأس شجرة،و الكسر:لما على ظهر أو رأس،أو ثمر الشّجر بالكسر ما لم يكبر و يعظم،فإذا كبر فبالفتح؛ جمعه:أحمال و حمول و حمال،و منه:هذا الحمال لا حمال خيبر،يعني ثمر الجنّة،و أنّه لا ينفد،و شجرة حاملة.

و كشدّاد:حامل الأحمال،و ككتابة:حرفته.

و كأمير:الدّعيّ،و الغريب،و الشّراك،و الكفيل، و الولد في بطن أمّه إذا أخذت من أرض الشّرك،و من السّيل الغثاء،و من الثمام و الوشيج:الدّابل الأسود، و بطن المسيل و هو لا ينبت،و المنبوذ يحمله قوم

ص: 912

فيربّونه.

و المحمل كمجلس:شقّان على البعير يحمل فيهما العديلان؛جمعه:محامل،و إلى بيعها نسب أبو الحسن أحمد ابن محمّد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل المحامليّ،و ولده محمّد و يحيى حفيده و أخوه أبو القاسم الحسين،و الزّنبيل يحمل فيه العنب إلى الجرين كالحاملة.

و كمنبر:علاقة السّيف كالحميلة و الحمالة بالكسر، و عرق الشّجر.

و الحمولة:ما احتمل عليه القوم من بعير و حمار و نحوه،كانت عليه أثقال أو لم تكن،و الأحمال بعينها.

و الحمول بالضّمّ الهوادج أو الإبل عليها الهوادج؛الواحد:

حمل بالكسر و يفتح.

و أحمله الحمل:أعانه عليه،و حمله:فعل ذلك به.

و كسحابة:الدّية يحملها قوم عن قوم كالحمال؛ جمعه:حمل ككتب.

و الحوامل:الأرجل،و من القدم و الذّراع عصبها؛ الواحدة:حاملة.

و محامل الذّكر و حمائله:عروق في أصله،و جلده.

و حمل به يحمل حمالة:كفل،و الغضب:أظهره، قيل:و منه لم يحمل خبثا،أي لم يظهر فيه الخبث.

و احتمل لونه للمفعول:غضب و امتقع.

و كمحسن:المرأة ينزل لبنها من غير حبل و قد أحملت.

و الحمل محرّكة:الخروف،أو هو الجذع من أولاد الضّأن فما دونه؛جمعه:حملان و أحمال،و السّحاب الكثير الماء،و برج في السّماء،وثقا من رمل عالج،و جبل آخر فيه جبلان يقال لهما طمرّان.

و الحومل:السّيل الصّافي،و من كلّ شيء أوّله، و السّحاب الأسود من كثرة مائه،و امرأة كانت لها كلبة تجيعها بالنّهار و هي تحرسها باللّيل،حتّى أكلت ذنبها جوعا،فقيل:أجوع من كلبة حومل،و موضع.

و الأحمال:بطون من تميم.

و المحمولة:حنطة غبراء كثيرة الحبّ.

و بنو حميل كأمير:بطن.

و رجل محمول:مجدود من ركوب الفرّة.

و الحميلية بالضّمّ:قرية من نهر الملك.

و هو حميلة علينا:كلّ و عيال.و احتمل:اشترى الحميل للشّيء المحمول من بلد إلى بلد.

و حومل:حمل الماء.(3:372)

الطّريحيّ: في الحديث:«و لقد حملت على مثل حمولة الرّبّ»و كأنّه أراد ما حمل عليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين الإسراء،و المعنى:أنا مشارك له في هذه الفضيلة لا غيري.

و في دعاء سفر الحجّ:«اللّهمّ إنّي عبدك و هذه حملانك»،الحملان:المتاع و أسباب السّفر.

و في حديث صفات المؤمن:«أن لا يتحمّل على الأصدقاء»أي لا يرمي كلّه على أصدقائه.

و في عبارة أخرى:«و من صفات المؤمن أن لا يتحامل للأصدقاء»كأنه من تحاملت الشّيء:تكلّفته

ص: 913

على مشقّة،أي يتكلّف لهم ما يشقّ عليه و يضرّ بحاله.

و الحمل محرّكة:الخروف إذا بلغ ستّة أشهر.

و قيل:هو ولد الضّأن،الجذع فما دونه؛و الجمع:

حملان و أحمال.

و حمل:أحد البروج الاثني عشر.

و حمل عليه في الحرب حملة،يعني من غير تراخ.

و حمل على نفسه في السّير،أي أجهدها فيه.

و حملت إدلاله و احتملت بمعنى.

و الحملة بالتّحريك:جمع الحامل.و منه حملة القرآن.

و حملة العرش،و هم اليوم أربعة:

واحد منهم على صورة الدّيك يسترزق اللّه للطّير.

و واحد منهم على صورة الأسد يسترزق اللّه للسّباع.

و واحد منهم على صورة الثّور يسترزق اللّه للبهائم.

و واحد منهم على صورة ابن آدم يسترزق اللّه لولد آدم.

فإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية.قال اللّه تعالى:

وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ الحاقّة:17.

و في حديث عليّ عليه السّلام:«إنّ هاهنا علما جمّا لو أصبت له حملة»أي من يكون أهلا له.و جواب«لو» محذوف أي لبذلته.

و في الدّعاء:«و القبول من حملتها»أي ناقلوها.

و قوله:«و التّسليم لروّاتها»عطف بيان للتّوضيح.

نبّه عليه بعض الأفاضل.

و في الحديث:«من حمل مؤمنا على شسع نعل حمله اللّه على ناقة دمكاء حين يخرج من قبره».قيل:كأنّ المراد أعانه به عند الحاجة إليه للنّعل.(5:356)

مجمع اللّغة :أصل الحمل:أن يكون في الأثقال المحسوسة،و حمل الأوزار و الذّنوب تشبيه له بالأثقال الّتي تنوء بها الظّهور.

حمل الشّيء يحمله حملا:أقلّه و رفعه.

و حملت المرأة:حبلت.و حملته:حبلت به.

و حملت الشّجرة:أثمرت.

و حمله:جعل له ما يركبه.

و حمله على الدّابّة أو السّفينة و نحوهما:أركبه عليها.

و حمل عليه في الحرب و نحوها:كرّ عليه و شدّ.

و حمل على الشّيء:جعله يحمله.

حمّله الشّيء:تحميلا:جعله يحمله،أو كلّفه حمله.

احتمل الشّيء:حمله و أقلّه،سواء كان الشّيء حسّيّا أو معنويّا.

الحمل بكسر الحاء:هو الشّيء المحمول حسّيّا كان أو معنويّا.

الحمولة:ما يحمل عليه من الدّوابّ.(1:299)

نحوه محمد إسماعيل إبراهيم.(1:146)

العدنانيّ: حامل و حاملة

و يخطّئون من يقول:فلانة حاملة،إذا كانت حبلى، و يقولون:إنّ الصواب هو:فلانة حامل.و الحقيقة هي أنّ كلتا الكلمتين«حامل و حاملة»صحيحتان،كما قال ابن السّكّيت،في باب نعوت النّساء في ولادتهنّ و حملهنّ،

ص: 914

و التّهذيب،و الصّحاح،و العباب،و المختار،و اللّسان، و المصباح،ربّما قيل:حاملة،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و ممّا قاله التّهذيب،و الصّحاح،و العباب،و المختار، و اللّسان،و التّاج،و محيط المحيط:«يقال:امرأة حامل و حاملة،إذا كانت حبلى.

فمن قال:حامل،قال:هذا نعت لا يكون إلاّ للإناث، أي لا حاجة إلى تأنيثه لفظا بالتّاء المربوطة،لأنّه مؤنّث في المعنى،لاختصاصه بالإناث،فيكتفى به.

و من قال:حاملة بناه على:حملت فهي حاملة،أي أخذ فيه بقياس الصّفات المشتقّة من الفعل،كقامت فهي قائمة و أنشد الشّيبانيّ لعمرو بن حسّان:

تمخّضت المنون له بيوم

أنى،و لكلّ حاملة تمام

أنى:حان وقته و قرب.و ليس«أتى»كما جاء في التّاج و محيط المحيط.

و يروى هذا البيت لخالد بن حقّ.

و يروى الكوفيّون:أنّ المرأة إذا حملت على رأسها أو ظهرها شيئا،فهي:حاملة لا غير،لأنّ الهاء إنّما تلحق للفرق،فأمّا ما لا يكون للمذكّر،فقد استغني فيه عن علامة التّأنيث،فإن أتي بها،فإنّما هو على الأصل.

و أمّا أهل البصرة فإنّهم يقولون:هذا غير مستمرّ، لأنّ العرب تقول:رجل أيّم و امرأة أيّم،و رجل عانس و امرأة عانس،مع الاشتراك،و قالوا:امرأة مصبية و كلبة مجربة،مع غير الاشتراك.قالوا:و الصّواب أن يقال:قولهم:حامل و طالق و حائض،و أشباه ذلك من الصّفات الّتي لا علامة فيها للتّأنيث،و إنّما هي أوصاف مذكّرة وصف بها الإناث،كما أنّ الرّبعة«الوسيط القامة» و الرّاوية و الخجأة«الأحمق.السّمين الثّقيل»أوصاف مؤنّثة وصف بها الذّكران.

و قال المصباح:«إذا أريد الوصف الحقيقيّ،قيل:

حامل بغير هاء».

الحمالة لا الحمّالة

و يسمّون علاقة السّيف و القوس و نحوهما:حمّالة، و هي في الحقيقة«الحمالة»كما قال الخليل بن أحمد الفراهيديّ،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و الأساس،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و يسمّون النّسيج الّذي نحمل به الذّراع المكسورة:

حمّالة أيضا،و يستحسن أن نسمّيها:حمالة أيضا؛لأنّنا نحمل بها الذّراع المكسورة كما نحمل السّيف.

و تسمّى الحمالة محملا،قال امرؤ القيس في معلّقته:

ففاضت دموع العين منّي صبابة

على النّحر،حتّى بلّ دمعي محملي

و تجمع الحمالة على:حمائل.و أنكر الأصمعيّ الحمالة،و قال:إنّ حمائل السّيف لا واحد لها من لفظها، و إنّما واحدها:محمل.

و للحمالة معنى آخر،هو حرفة الحمّال،كما يقول اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،

ص: 915

و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.(169)

محمود شيت:[نحو المتقدّمين و أضاف:]

أ-حمل عليه:كرّ.

ب-الحملة:الصّولة.و في تدريب الحراب:الصّولة.

ميدان الحملة:ميدان الصّولة.و القتال.

ج-احتمل الجيش:ارتحل.يقال:احتمل الجيش من معسكره إلى المرحلة الثّانية.

د-الحمالة:علاقة السّيف.و البندقيّة:علاقتها.

ه-الحمل:ما يحمل على الدّابّة و نحوها،جمعه:

أحمال و حمول.

و-المحمل:العدلان على جانبي الدّابّة يحمل فيهما.

و المحمل:ما يحمل عليه.يقال:محمل السّلاح:ما يحمل عليه السّلاح في المشجب.(1:198)

المصطفويّ: المعنى في مشتقّات هذه المادّة واحد، و هو مفهوم كلّيّ عامّ،و هو أعمّ من أن يكون الحامل إنسانا وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ الأحزاب:72، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ لقمان:14،أو حيوانا إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما الأنعام:146، وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ النّحل:7، أو نباتا:حملت الشّجرة ثمرة.أو جمادا أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ يس:41، فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها الأحزاب:72،أو ملائكة تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ البقرة:

248، وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ الحاقّة:17،و سواء كان الحمل أمرا مادّيّا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ لقمان:14، يَحْمِلُ أَسْفاراً الجمعة:5،أو أمرا معنويّا مَنْ حَمَلَ ظُلْماً طه:111، وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً العنكبوت:13، اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ المؤمن:7،و الحمل أعمّ أيضا من أن يكون على ظهر إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما الأنعام:146، وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ الأنعام:131، أو على رأس أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي يوسف:36،أو على بطن وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى فاطر:11، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ لقمان:14،أو على رقبة وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ العنكبوت:12، وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً طه:

111،أو غيرها.(2:309)

النّصوص التّفسيريّة

حمل

وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً. طه:111

الفخر الرّازيّ: من وافى بالظّلم و لم يتب عنه.

(22:120)

[لاحظ خ ي ب:«خاب»]

حملها-يحملنها

إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً. الأحزاب:72

ابن عبّاس: يَحْمِلْنَها بالثّواب و العقاب...

وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ آدم بالثّواب و العقاب.(358)

ص: 916

الحسن: حَمَلَهَا معناه خان فيها،و الآية في الكافر و المنافق.(ابن عطيّة 4:402)

السّدّيّ: هي ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده و أهله،و خيانته إيّاه في قتل أخيه.(387)

الزّجّاج: أعلمنا اللّه أنّ السّماوات و الأرض و الجبال لم تحتمل الأمانة،أي أدّتها،و كلّ من خان الأمانة فقد احتملها،و كذلك كلّ من أثم فقد احتمل الإثم،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ العنكبوت:13.

فأعلم اللّه أنّ من باء بالإثم يسمّى حاملا للإثم، فالسّماوات و الأرض و الجبال أبين أن يحملن الأمانة و أدّينها،و أداؤها:طاعة اللّه فيما أمر به،و العمل به، و ترك المعصية.

وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ قال الحسن:الكافر و المنافق حملا الأمانة و لم يطيعا،فهذا المعنى،و اللّه أعلم.و من أطاع من الأنبياء و الصّدّيقين و المؤمنين فلا يقال:كان ظلوما جهولا،و تصديق ذلك ما يتلو هذه الآية من قوله: لِيُعَذِّبَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ... الأحزاب:73.

(4:238)

الطّوسيّ: قيل:معنى حَمَلَهَا الْإِنْسانُ أي خانها،لأنّ من خان الأمانة فقد حملها،و كذلك كلّ من أثم فقد حمل الإثم،كما قال تعالى: وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ العنكبوت:13.

و حمل الإنسان الأمانة هو ضمانة القيام بها و أداء الحقّ فيها،لأنّ ذلك طاعة منه للّه،و اتّباع لأمره،و اللّه لا يعتب على طاعته و ما أمر به و دعا إليه.لكن معنى (حملها)أنّه احتملها ثمّ خانها و لم يؤدّ الحقّ فيها،كأنّه حملها فذهب بها و احتمل وزرها،كما يقولون:فلان أكل أمانته،أي خان فيها.[إلى أن قال:]

و الإباء على وجوه:فمنه الامتناع و إن لم يكن قصد لذلك.و منه ألاّ يصلح لما يريده،تقول:أردت سلّ سيفي فأبى عليّ.و تقول:هذه الأرض تأبى الزّرع و الغرس، أي لا تصلح لهما.

فعلى هذا يكون معنى قوله: فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها أي لا تصلح لحملها،و ليس في طباعها حمل ذلك،لأنّه لا يصلح لحمل الأمانة إلاّ من كان حيّا عالما قادرا سميعا بصيرا،بل لا يلزم أن يكون سميعا بصيرا،و إنّما يكفي أن يكون حيّا عالما قادرا.(8:368)

الزّمخشريّ: ...و أمّا حمل الأمانة،فمن قولك:

فلان حامل للأمانة و محتمل لها،تريد أنّه لا يؤدّيها إلى صاحبها حتّى تزول عن ذمّته و يخرج عن عهدتها،لأنّ الأمانة كأنّها راكبة للمؤتمن عليها و هو حاملها،أ لا تراهم يقولون:ركبته الدّيون و لي عليه حقّ،فإذا أدّاها لم تبق راكبة له و لا هو حاملا لها،و نحوه قولهم:لا يملك مولى لمولى نصرا،يريدون:أنّه يبذل النّصرة له و يسامحه بها،و لا يمسكها كما يمسكها الخاذل.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قولهم:أبغض حقّ أخيك،لأنّه إذا أحبّه لم يخرجه إلى أخيه و لم يؤدّه،و إذا أبغضه أخرجه و أدّاه،

ص: 917

فمعنى فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ: فأبين إلاّ أن يؤدّينّها،و أبى الإنسان إلاّ أن يكون محتملا لها لا يؤدّيها.(3:277)

نحوه أبو حيّان.(7:254)

ابن عطيّة: حمل الإنسان الأمانة،أي التزم القيام بحقّها،و هو في ذلك ظلوم لنفسه جهول بقدر ما دخل فيه،و هذا هو تأويل ابن عبّاس و ابن جبير.

و قال الحسن: حَمَلَهَا معناه خان فيها،و الآية في الكافر و المنافق،و العصاة على قدرهم.

و قال ابن عبّاس و الضّحّاك و غيره: اَلْإِنْسانُ آدم تحمّل الأمانة،فما تمّ له يوم حتّى عصى المعصية الّتي أخرجته من الجنّة.

و روي أنّ اللّه تعالى قال له:«يا آدم إنّي عرضت الأمانة على السّماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها،فتحمّلها أنت بما فيها».قال:و ما فيها؟قال:«إن أحسنت أجرت و إن أسأت عوقبت»، قال:نعم قد حملتها.قال ابن عبّاس:فما بقي له قدر ما بين الأولى إلى العصر حتّى عصى ربّه.(4:402)

الطّبرسيّ: أي فأبى أهلهنّ أن يحملوا تركها و عقابها و المآثم فيها.[ثمّ نقل قول الزّجّاج و الحسن و أضاف:]

و أنشد بعضهم في حمل الأمانة بمعنى الخيانة قول الشّاعر:

إذا أنت لم تبرح تؤدّي أمانة

و تحمل أخرى أفرحتك الودائع

و أقول:إنّ الظّاهر لا يدلّ على ذلك،لأنّه يجوز أن يكون المراد بالحمل هنا:قبول الأمانة،لأنّ الشّاعر جعله في مقابلة الأداء،فكأنّه قال:إذا كنت لا تزال تقبل أمانة و تؤدّي أخرى،شغلت نفسك بقبول الودائع و أدائها فأثقلتك.(4:373)

الفخر الرّازيّ: و في الآية مسائل:[إلى أن قال:]

المسألة السّادسة:كيف حملها الإنسان و لم تحملها هذه الأشياء؟فيه جوابان:

أحدهما:بسبب جهله بما فيها و علمهنّ،و لهذا قال تعالى: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً.

و الثّاني:أنّ الأشياء نظرت إلى أنفسهنّ فرأين ضعفهنّ فامتنعن،و الإنسان نظر إلى جانب المكلّف، و قال:المودع عالم قادر لا يعرض الأمانة إلاّ على أهلها، و إذا أودع لا يتركها بل يحفظها بعينه و عونه فقبلها، و قال: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ. و قوله تعالى:[إلى أن قال:]

قوله تعالى: فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها، و قوله تعالى:

وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إشارة إلى أنّ فيه مشقّة،بخلاف ما لو قال:فأبين أن يقبلنها و قبلها الإنسان.و من قال لغيره:افعل هذا الفعل فإن لم يكن في الفعل تعب يقابل بأجرة،فإذا فعله لا يستحقّ أجرة،فقال تعالى:

وَ حَمَلَهَا إشارة إلى أنّه ممّا يستحقّ الأجر عليه،أي على مجرّد حمل الأمانة،و أمّا على رعايتها حقّ الرّعاية فيستحقّ الزّيادة.

فإن قيل:فالكلّ حملوها،غاية ما في الباب أنّ

ص: 918

الكافر لم يأت بشيء زائد على الحمل،فينبغي أن يستحقّ الأجر على الحمل.

فنقول:الفعل إذا كان على وفق الإذن من المالك الآمر يستحقّ الفاعل الأجرة،أ لا ترى أنّه لو قال:احمل هذا إلى الضّيعة الّتي على الشّمال،فحمل و نقلها إلى الضّيعة الّتي على الجنوب لا يستحقّ الأجرة،و يلزمه ردّها إلى الموضع الّذي كان فيه،كذلك الكافر حملها على غير وجه الإذن،فغرم،و زالت حسناته الّتي عملها بسببه.(25:235-237)

القرطبيّ: أي التزم القيام بحقّها،و هو في ذلك ظلوم لنفسه.[ثمّ ذكر بعض أقوال المتقدّمين]

(14:257)

البيضاويّ: قيل:المراد بحملها:الخيانة فيها و الامتناع عن أدائها،و منه قولهم:حامل الأمانة و محتملها لمن لا يؤدّيها فتبرأ ذمّته،فيكون الإباء عنه:

إتيانا بما يمكن أن يتأتّى منه.[إلى أن قال:]

و لعلّ المراد بالأمانة:العقل أو التّكليف،و بعرضها عليهنّ:اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهنّ،و بإبائهنّ الإباء الطّبيعيّ،الّذي هو عدم اللّياقة و الاستعداد، و بحمل الإنسان قابليّته و استعداده لها،و كونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوّة الغضبيّة و الشّهويّة.

و على هذا يحسن أن يكون علّة للحمل عليه،فإنّ من فوائد العقل أن يكون مهيمنا على القوّتين حافظا لهما عن التّعدّي و مجاوزة الحدّ،و معظم مقصود التّكليف تعديلهما و كسر سورتهما.(2:254)

نحوه الشّربينيّ.(3:276)

النّسفيّ: هو يريد بالأمانة:الطّاعة للّه،و بحمل الأمانة:الخيانة.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]يعني أنّ هذه الأجرام العظام من السّماوات و الأرض و الجبال قد انقادت لأمر اللّه انقياد مثلها،و أمّا الإنسان فلم تكن حاله فيما يصحّ منه من الطّاعة و يليق به من الانقياد لأوامر اللّه و نواهيه-و هو حيوان عاقل صالح للتّكليف- مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منها و يليق بها من الانقياد و عدم الامتناع.و هذا معنى قوله فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها أي أبين الخيانة فيها،و أن لا يؤدّينها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ أي خان فيها و أبى أن يؤدّيها.

(3:315)

أبو السّعود :عبّر عن قبولها[الأمانة]بالحمل لتحقيق معنى الصّعوبة المعتبرة فيها،بجعلها من قبيل الأجسام الثّقيلة الّتي يستعمل فيها القوى الجسمانيّة الّتي أشدّها و أعظمها ما فيهنّ من القوّة و الشّدّة.

و المعنى:أنّ تلك الأمانة في عظم الشّأن؛بحيث لو كلّفت هاتيك الأجرام العظام الّتي هي مثل في القوّة و الشّدّة مراعاتها،و كانت ذات شعور و إدراك،لأبين قبولها و أشفقن منها.و لكن صرف الكلام عن سننه بتصوير المفروض بصورة المحقّق،روما لزيادة تحقيق المعنى المقصود بالتّمثيل.

و توضيحه وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ أي عند عرضها عليه إمّا باعتبارها بالإضافة إلى استعداده،أو بتكليفه إيّاها يوم الميثاق،أي تكلّفها و التزمها مع ما فيه من

ص: 919

ضعف البنية و رخاوة القوّة،و هو إمّا عبارة عن قبوله لها بموجب استعداده الفطريّ،أو عن اعترافه بقوله:بلى.

(5:242)

نحوه الآلوسيّ(22:96)،و القاسميّ(13:4924).

الكاشانيّ: و المراد بحمل الإنسان إيّاها[الأمانة]:

تحمّله لها من غير استحقاق تكبّرا على أهلها،و مع تقصيره بحسب وسعه في أدائها،و بكونه ظلوما جهولا ما غلب عليه من القوّة الغضبيّة و الشّهويّة،و هو وصف للجنس باعتبار الأغلب.فهذه حقائق معانيها الكلّيّة، و كلّ ما ورد في تأويلها في مقام التّخصيص يرجع إلى هذه الحقائق،كما يظهر عند التّدبّر،و التّوفيق من اللّه.

[و تقدّم كثير من كلامه في أ م ن:«الأمانة»فلاحظ]

(4:208)

الطّباطبائيّ: إباؤها عن حملها و إشفاقها منها:

عدم اشتمالها على صلاحيّة التّلبّس و تجافيها عن قبولها.

و في التّعبير«بالحمل»إيماء إلى أنّها ثقيلة ثقلا لا يتحمّلها السّماوات و الأرض و الجبال.

و وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ أي اشتمل على صلاحيّتها و التّهيّؤ للتّلبّس بها على ضعفه و صغر حجمه. إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً. أي ظالما لنفسه جاهلا بما تعقبه هذه الأمانة لو خانها،من و خيم العاقبة و الهلاك الدّائم.

و بمعنى أدقّ:لكون الإنسان خاليا بحسب نفسه عن العدل و العلم،قابلا للتّلبّس بما يفاض عليه من ذلك، و الارتقاء من حضيض الظّلم و الجهل إلى أوج العدل و العلم.(16:350)

حملت

1- ...وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ...

الأنعام:146

ابن عبّاس: يعني ما علق بالظّهر من الشّحوم.

(الطّبريّ 8:75)

مثله القاسميّ(6:2539)،و نحوه البيضاويّ(1:

336)،و أبو السّعود(2:455)،و الكاشانيّ(2:168)، و المشهديّ(3:408)،و عبد الكريم الخطيب(4:

332)،و مغنيّة(3:277).

قتادة :ما علق بالظّهر و الجنب من داخل بطونهما.

(ابن الجوزيّ 3:142)

مثله البغويّ(2:168)،و الشّربينيّ(1:456).

السّدّيّ: الأليات.(254)

نحوه أبو صالح(الطّبريّ 8:75)،و ابن قتيبة (163).

الطّبريّ: يعني:إلاّ شحوم الجنب،و ما علق بالظّهر،فإنّها لم تحرم عليهم.(8:75)

مثله الماورديّ.(2:184)

القمّيّ: و حرّم عليهم الشّحوم و كانوا يحبّونها إلاّ ما كان على ظهور الغنم،أو في جانبه خارجا من البطن.

(1:220)

الزّمخشريّ: يعني إلاّ ما اشتمل على الظّهور و الجنوب من السّحفة.(2:58)

مثله النّسفيّ.(2:38)

ص: 920

ابن عطيّة:يريد ما اختلط باللّحم في الظّهر و الأجناب و نحوه.[إلى أن قال:]

فهي في موضع نصب عطفا على المنصوب بالاستثناء.(2:358)

الطّبرسيّ: من الشّحم،و هو اللّحم السّمين،فإنّه لم يحرم عليهم.(2:379)

الفخر الرّازيّ: [نقل قول ابن عبّاس و قتادة ثمّ قال:]

و أقول:ليس على الظّهر و الجنب شحم إلاّ اللّحم الأبيض السّمين الملتصق باللّحم الأحمر،على هذا التّقدير:فذلك اللّحم السّمين الملتصق مسمّم بالشّحم، و بهذا التّقدير:لو حلف لا يأكل الشّحم،وجب أن يحنث بأكل ذلك اللّحم السّمين.(13:223)

النّيسابوريّ: قيل:إلاّ ما اشتمل على الظّهور و الجنوب من السّحفة،و هي الشّحمة الّتي على الظّهر الملتزقة بالجلد فيما بين الكتفين إلى الوركين،و هي بالحقيقة لحم سمين،لأنّه يحمر عند الهزال،و لهذا لو حلف لا يأكل الشّحم فأكل من ذلك اللّحم السّمين لم يحنث على الأصحّ.(8:48)

نحوه البروسويّ.(3:115)

الآلوسيّ: أي ما علق بظهورهما،و الاستثناء منقطع أو متّصل من الشّحوم.و إلى الانقطاع ذهب الإمام الأعظم رضي اللّه تعالى عنه،فقد نقل عنه:لو حلف لا يأكل شحما،يحنث بشحم البطن فقط.و خالفه في ذلك صاحباه،فقالا:يحنث بشحم الظّهر أيضا،لأنّه شحم و فيه خاصيّة الذّوب بالنّار.و أيّد ذلك بهذا الاستثناء بناء على أنّ الأصل فيه الاتّصال.

و للإمام رضي اللّه تعالى عنه أنّه لحم حقيقة،لأنّه ينشأ من الدّم،و يستعمل كاللّحم في اتّخاذ الطّعام و القلايا و يؤكل كاللّحم،و لا يفعل ذلك بالشّحم،و لهذا يحنث بأكله لو حلف لا يأكل لحما،و بائعه يسمّى لحّاما لا شحّاما.

و الاتّصال و إن كان أصلا في الاستثناء إلاّ أنّ هنا ما يدلّ على الانقطاع،و هو قوله تعالى: أَوِ الْحَوايا فإنّه عطف على المستثنى و ليس بشحم،بل هو بمعنى المباعر...(8:47)

مكارم الشّيرازيّ: الشّحوم الموجودة في موضع الظّهر.(4:462)

فضل اللّه :من الشّحم،و هو المتّصل باللّحم السّمين في الظّهر.(9:357)

2- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ... الأعراف:189

لاحظ خ ف ف:«خفيفا».

حملته

1- فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا. مريم:22

أبيّ بن كعب:الّذي خاطبها[مريم]هو الّذي حملته،و دخل من فيها.(ابن الجوزيّ 5:218)

ص: 921

دخل الرّوح المنفوخ من فمها.(ابن عطيّة 4:10)

ابن عبّاس: فَحَمَلَتْهُ مريم و كان حمله تسعة أشهر.(255)

فاطمأنّت[مريم]إلى قوله:[جبرئيل]،فدنا منها، فنفخ في جيب درعها،فوصلت النّفخة إلى بطنها فحملت.(الزّمخشريّ 2:506)

ما هو إلاّ أن حملت فوضعت،و لم يكن بين الحمل و الانتباذ إلاّ ساعة،لأنّ اللّه تعالى لم يذكر بينهما فصلا.

(الثّعلبيّ 6:210) أبو العالية :كان مدّة الحمل سبعة أشهر.

مثله الضّحّاك و عطاء.(الزّمخشريّ 2:506)

سعيد بن جبير: [كان مقدار الحمل]تسعة أشهر.

مثله الكلبيّ.(ابن الجوزيّ 5:219)

مجاهد :كانت[مريم]بنت خمس عشرة سنة.

مثله وهب.(أبو حيّان 6:181)

الحسن :إنّها حملته تسع ساعات،و وضعت من يومها.(ابن الجوزيّ 5:219)

الإمام الباقر عليه السّلام:إنّه تناول جيب مدرعتها فنفخ فيه نفخة،فكمل الولد في الرّحم من ساعته،كما يكمل الولد في أرحام النّساء تسعة أشهر،فخرجت من المستحمّ و هي حامل مجح (1)مثقل،فنظرت إليها خالتها فأنكرتها،و مضت مريم على وجهها مستحية من خالتها و من زكريّا.(الطّبرسيّ 3:511)

السّدّيّ: طرحت عليها جلبابها،لمّا قال جبريل ذلك،فأخذ جبريل بكمّيها فنفخ في جيب درعها،و كان مشقوقا من قدّامها،فدخلت النّفخة صدرها،فحملت.

(339)

الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّ مريم حملت بعيسى تسع ساعات كلّ ساعة شهر.(الكاشانيّ 3:277)

ابن جريج:نفخ في كمّها فحملت.

(الطّبرسيّ 3:511)

مقاتل بن سليمان:حملته أمّه في ساعة واحدة و صوّر في ساعة،و أرضعته في ساعة حين زالت الشّمس من يومها،و قد كانت حاضت حيضتين قبل حمله.

(2:624)

الزّجّاج: و اختلف في حمل عيسى عليه السّلام،فقيل:إنّها حملت به و ولدته في وقتها،و قيل:إنّه ولد في ثمانية أشهر،و تلك آية له،لأنّه لا يعرف أنّه يعيش مولود ولد لثمانية أشهر غيره.و قوله عزّ و جلّ: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ مريم:23،يدلّ على مكث الحمل،و اللّه أعلم.(3:324)

القمّيّ: فنفخ في جيبها فحملت بعيسى عليه السّلام باللّيل،فوضعته بالغداة،و كان حملها تسع ساعات من النّهار،جعل اللّه لها الشّهور ساعات.(2:49)

الثّعلبيّ: فَحَمَلَتْهُ و ذلك أنّ جبرئيل عليه السّلام رفع درعها فنفخ في جيبه،فحملت حين لبسته.و قيل:نفخ جبرئيل من بعيد نفخا فوصل الرّيح إليها فحملت.[إلى أن قال:]ح.

ص: 922


1- أجحت المرأة:حملت فاقتربت فهي مجح.

و اختلفوا في مدّة حملها و وقت وضعها،فقال بعضهم:كان مقدار حملها تسعة أشهر كحمل سائر النّساء،و منهم من قال:ثمانية أشهر،و كان ذلك آية أخرى،لأنّه لم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غير عيسى،و قيل:ستّة أشهر،و قيل:ثلاث ساعات، و قيل:ساعة واحدة.(6:210)

الماورديّ: اختلفوا في مدّة حملها على أربعة أقاويل:أحدها:[قول سعيد بن جبير].

الثّاني:ستّة أشهر.حكى لي ذلك أبو القاسم الصّيمريّ.

الثّالث:يوما واحدا.

الرّابع:ثمانية أشهر،و كان هذا آية عيسى،فإنّه لم يعش مولودا لثمانية أشهر سواه.(3:362)

الطّوسيّ: فَحَمَلَتْهُ يعني حملت عيسى في بطنها،و الحمل:رفع الشّيء من مكانه،و قد يكون رفع الإنسان في مجلسه،فيخرج عن حدّ الحمل،و يقال له:

حمل،بكسر الحاء،لما يكون على الظّهر،و بالفتح لما يكون في البطن.(7:116)

البغويّ: [اكتفى بنقل أقوال السّابقين].

(3:299)

الزّمخشريّ: [نقل بعض أقوال السّابقين ثمّ قال:]

و قيل:حملته في ساعة و صوّر في ساعة و وضعته في ساعة،حين زالت الشّمس من يومها...و قالوا:ما من مولود إلاّ يستهلّ غيره.(2:506)

الطّبرسيّ: فَحَمَلَتْهُ أي فحملت مريم بعيسى، فحبلت في الحال.قيل:إنّ جبرائيل أخذ ردن قميصها بإصبعه فنفخ فيه،فحملت مريم من ساعتها،و وجدت حسّ الحمل.(3:511)

ابن الجوزيّ: في مقدار حملها سبعة أقوال:[نقل قول ابن عبّاس:أنّها حين حملت وضعت،و قال:]

و المعنى:أنّه ما طال حملها،و ليس المراد أنّها وضعته في الحال،لأنّ اللّه تعالى يقول: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ، و هذا يدلّ على أنّ بين الحمل و الوضع وقتا يحتمل الانتباذ به.(5:219)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في كيفيّة ذلك النّفخ على أقوال:[و ذكرها ثمّ قال:]

إذا عرفت هذا ظهر أنّ في الكلام حذفا،و هو:و كان أمرا مقضيّا فنفخ فيها فحملته.[ثمّ نقل بعض الأقوال في مقدار عمرها و قال:]

و ليس في القرآن ما يدلّ على شيء من هذه الأحوال.(21:201)

نحوه الشّربينيّ.(2:419)

البيضاويّ: فَحَمَلَتْهُ بأن نفخ في درعها فدخلت النّفخة في جوفها.(2:31)

نحوه الكاشانيّ(3:277)،و المشهديّ(6:172)، و شبّر(4:113).

النّيسابوريّ: [نقل قول الزّجّاج:إنّه لم يعش مولود لثمانية إلاّ عيسى ثمّ قال:]

قال أهل التّنجيم:إنّما لا يعيش لأنّه يعود إلى تربية القمر و هو مغير معفن بسرعة حركته و غلبة التّبريد،

ص: 923

و التّرطيب عليه.(16:47)

الآلوسيّ: [نقل الأقوال في كيفيّة النّفخ و مقدار عمرها ثمّ قال:]

و في رواية أخرى عن ابن عبّاس:أنّها كانت ساعة واحدة،كما حملته نبذته،و استدلّ لذلك بالتّعقيب الآتي [فحملته فانتبذت]و بأنّه سبحانه قال في وصفه: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ آل عمران:59،فإنّه ظاهر في أنّه عزّ و جلّ قال له:كن فيكون،فلا يتصوّر فيه مدّة الحمل.

[ثمّ نقل الأقوال في مدّة الحمل و كلام النّيسابوريّ إلى أن قال:]

و قد يعيش المولود لثمان إلاّ أنّه قليل،فليس ذلك من خواصّه عليه السّلام إن صحّ.و لم يصحّ عندي شيء من هذه الأقوال المضطربة المتناقضة،بيد أنّي أميل إلى أوّلها:

[تسعة أشهر كسائر النّساء]،و الاستدلال للثّاني:

[ساعة واحدة]ممّا سمعت لا يخلو عن نظر.(16:79)

مكارم الشّيرازيّ: مريم في خضم أشدّ عواصف الحياة

و أخيرا حملت مريم،و استقرّ ذلك الولد الموعود في رحمها فَحَمَلَتْهُ و لم يتحدّث القرآن عن كيفيّة نشوء و تكوّن هذا المولود،فهل أنّ جبرئيل قد نفخ في ثوبها،أم في فمها؟و ذلك لعدم الحاجة إلى هذا البحث،بالرّغم من أنّ كلمات المفسّرين مختلفة في هذا الشّأن.

و على كلّ حال،فإنّ هذا الأمر قد تسبّب في أن تبتعد عن بيت المقدس فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا مريم:22.

لقد كانت تعيش في حالة بين الخوف و الأمل،حالة من القلق و الاضطراب المشوب بالسّرور،فهي تفكّر أحيانا بأنّ هذا الحمل سيفشو أمره في النّهاية،فالأفضل أن أبقى بعيدة عن أولئك الّذين يعرفونني عدّة أيّام أو أشهر،و أعيش في هذا المكان بصورة مجهولة،و ما ذا سيحدث في النّهاية؟

فمن الّذي سيقتنع بأنّ امرأة لا زوج لها تحمل إلاّ أن تكون قد تلوّثت بالرّذيلة،فما ذا سأفعل تجاه هذا الاتّهام، و الحقّ أنّ من المؤلم جدّا بالنّسبة لفتاة كانت لسنين طويلة نموذجا و قدوة للطّهارة و العفّة و التّقوى و الورع،و مثالا في العبادة و العبوديّة للّه،و كان زهّاد بني إسرائيل يفتخرون بكفالتها منذ الطّفولة،و قد تربّت و ترعرعت في ظلّ نبيّ كبير،و قد شاع أمر سجاياها و صوت قداستها في كلّ مكان،أن تحسّ في يوم ما أنّ كلّ هذا الرّصيد المعنويّ مهدّد بالخطر،و ستكون غرضا و مرمى لاتّهام يعتبر أسوء و أقبح اتّهام،و كانت هذه هي المصيبة الثّالثة الّتي وقعت عليها.

إلاّ أنّها من جهة أخرى كانت تحسّ أنّ هذا المولود، نبيّ اللّه الموعود،تحفة سماويّة نفيسة،فإنّ اللّه الّذي بشّرني بمثل هذا الغلام،و خلقه بهذه الصّورة الإعجازيّة كيف سيذرني وحيدة؟فهل من المعقول أن لا يدافع عنّي في مقابل مثل هذا الاتّهام؟أنا الّتي رأيت و جرّبت لطفه على الدّوام،و أحسست بيد رحمته على رأسي.

و هناك بحث بين المفسّرين في مدّة حمل مريم،

ص: 924

بالرّغم من أنّه ذكر في القرآن بصورة مخفيّة و مبهمة، فبعضهم حسبه ساعة واحدة،و آخر تسع ساعات، و ثالث ستّة أشهر،و رابع سبعة،و آخر ثمانية،و آخر تسعة أشهر كسائر النّساء،إلاّ أنّ هذا الموضوع ليس له ذلك التّأثير في هدف هذه القصّة.و الرّوايات الواردة في هذا المجال مختلفة أيضا.(9:380)

2- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ... لقمان:14

لاحظ و ه ن:«وهنا».

3- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً... الأحقاف:15

لاحظ ك ر ه:«كرها».

حملته-تحمل-تحمّلنا

رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ...

البقرة:286

ابن عبّاس: كَما حَمَلْتَهُ: حرّمته... وَ لا تُحَمِّلْنا أي لا تحمل علينا أيضا.(42)

الضّحّاك: رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ أي لا تكلّفنا من الأعمال ما لا نطيق.(الثّعلبيّ 2:308)

مثله قتادة و السّدّيّ و ابن زيد(الثّعلبيّ 2:308)، و ابن كثير(1:609).

عطاء:أي لا تمسخنا قردة و خنازير.

(الماورديّ 1:364)

مثله ابن جريج.(ابن عطيّة 1:394)

قتادة : وَ لا تُحَمِّلْنا لا تشدّد علينا كما شدّدت على من كان قبلنا.(ابن عطيّة 1:394)

الزّجّاج: وَ لا تَحْمِلْ المعنى:لا تمتحنّا بمحنة تثقل.

كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا نحو ما أمر به بنو إسرائيل من قتل أنفسهم.(1:370)

نحوه الشّربينيّ.(1:192)

الزّمخشريّ: و في قراءة أبيّ (و لا تحمّل علينا) بالتّشديد.فإن قلت:أيّ فرق بين هذه التّشديدة و الّتي في وَ لا تُحَمِّلْنا؟

قلت:هذه للمبالغة في حمل عليه،و تلك لنقل حمله من مفعول واحد إلى مفعولين وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ من العقوبات النّازلة بمن قبلنا،طلبوا الإعفاء عن التّكليفات الشّاقّة الّتي كلّفها من قبلهم،ثمّ عمّا نزل عليهم من العقوبات على تفريطهم في المحافظة عليها.

و قيل:المراد به الشّاقّ الّذي لا يكاد يستطاع من التّكاليف،و هذا تكرير لقوله: وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً. (1:408)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:[في معنى الإصر].

المسألة الثّانية:ذكر أهل التّفسير فيه[و لا تحمل] وجهين:

ص: 925

الأوّل:لا تشدّد علينا في التّكاليف كما شدّدت على من قبلنا من اليهود.قال المفسّرون:إنّ اللّه تعالى فرض عليهم خمسين صلاة،و أمرهم بأداء ربع أموالهم في الزّكاة،و من أصاب ثوبه نجاسة أمر بقطعها،و كانوا إذا نسوا شيئا عجّلت لهم العقوبة في الدّنيا،و كانوا إذا أتوا بخطيئة حرّم عليهم من الطّعام بعض ما كان حلالا لهم.

قال اللّه تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ النّساء:160،و قال تعالى: وَ لَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ النّساء:66،و قد حرّم على المسافرين من قوم طالوت الشّرب من النّهر،و كان عذابهم معجّلا في الدّنيا،كما قال: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً النّساء:

47،و كانوا يمسخون قردة و خنازير.

قال القفّال:و من نظر في السّفر الخامس من التّوراة الّتي تدّعيها هؤلاء اليهود،وقف على ما أخذ عليهم من غلظ العهود و المواثيق،و رأى الأعاجيب الكثيرة، فالمؤمنون سألوا ربّهم أن يصونهم عن أمثال هذه التّغليظات،و هو بفضله و رحمته قد أزال ذلك عنهم.قال اللّه تعالى في صفة هذه الأمّة: وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ الأعراف:157، و قال عليه السّلام:«رفع عن أمّتي المسخ و الخسف و الغرق» و قال اللّه تعالى: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ الأنفال:33،و قال عليه الصّلاة و السّلام:«بعثت بالحنيفيّة السّهلة السّمحة»و المؤمنون إنّما طلبوا هذا التّخفيف،لأنّ التّشديد مظنّة التّقصير.و التّقصير موجب للعقوبة،و لا طاقة لهم بعذاب اللّه تعالى،فلا جرم طلبوا السّهولة في التّكاليف.

و القول الثّاني:لا تحمل علينا عهدا و ميثاقا يشبه ميثاق من قبلنا في الغلظ و الشّدّة،و هذا القول يرجع إلى الأوّل في الحقيقة.لكن بإضمار شيء زائد على الملفوظ، فيكون القول الأوّل أولى.

المسألة الثّالثة:لقائل أن يقول:دلّت الدّلائل العقليّة و السّمعيّة على أنّه أكرم الأكرمين و أرحم الرّاحمين،فما السّبب في أن شدّد التّكليف على اليهود حتّى أدّى ذلك إلى وقوعهم في المخالفات و التّمرّد؟

قالت المعتزلة:من الجائز أن يكون الشّيء مصلحة في حقّ إنسان،مفسدة في حقّ غيره،فاليهود كانت الفظاظة و الغلظة غالبة على طباعهم،فما كانوا ينصلحون إلاّ بالتّكاليف الشّاقّة و الشّدّة،و هذه الأمّة كانت الرّقّة و كرم الخلق غالبا على طباعهم،فكانت مصلحتهم في التّخفيف و ترك التّغليظ.

أجاب الأصحاب بأنّ السّؤال الّذي ذكرناه في المقام الأوّل ننقله إلى المقام الثّاني،فنقول:و لما ذا خصّ اليهود بغلظة الطّبع و قسوة القلب و دناءة الهمّة حتّى احتاجوا إلى التّشديدات العظيمة في التّكاليف؟و لما ذا خصّ هذه الأمّة بلطافة الطّبع و كرم الخلق و علوّ الهمّة حتّى صار يكفيهم التّكاليف السّهلة في حصول مصالحهم؟

و من تأمّل و أنصف علم أنّ هذه التّعليلات عليلة فجلّ جناب الجلال،عن أن يوزن بميزان الاعتزال،و هو

ص: 926

سبحانه و تعالى يفعل ما يشاء،و يحكم ما يريد لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ الأنبياء:23.

رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. اعلم أنّ هذا النّوع الثّالث من دعاء المؤمنين و فيه مسائل:المسألة الأولى و الثّانية[في معنى الطّاقة و صحّة تكليف ما لا يطاق و عدمه.]

المسألة الثّالثة:اعلم أنّه بقي في الآية سؤالات:

السّؤال الأوّل:لم قال في الآية الأولى: لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً و قال في هذه الآية: لا تُحَمِّلْنا خصّ ذلك بالحمل و هذا بالتّحميل؟

الجواب:أنّ الشّاقّ يمكن حمله،أمّا ما لا يكون مقدورا لا يمكن حمله،فالحاصل فيما لا يطاق هو التّحميل فقط.

أمّا الحمل فغير ممكن،و أمّا الشّاقّ فالحمل و التّحميل يمكنان فيه،فلهذا السّبب خصّ الآية الأخيرة بالتّحميل.

السّؤال الثّاني:أنّه لمّا طلب أن لا يكلّفه بالفعل الشّاقّ قوله: لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كان من لوازمه أن لا يكلّفه ما لا يطاق،و على هذا التّقدير كان عكس هذا التّرتيب أولى.

و الجواب الّذي أتخيّله فيه-و العلم عند اللّه تعالى- أنّ للعبد مقامين:أحدهما:قيامه بظاهر الشّريعة، و الثّاني:شروعه في بدء المكاشفات؛و ذلك هو أن يشتغل بمعرفة اللّه و خدمته و طاعته و شكر نعمته.

ففي المقام الأوّل طلب ترك التّشديد،و في المقام الثّاني قال:لا تطلب منّي حمدا يليق بجلالك،و لا شكرا يليق بآلائك و نعمائك،و لا معرفة تليق بقدس عظمتك، فإنّ ذلك لا يليق بذكري و شكري و فكري،و لا طاقة لي بذلك،و لمّا كانت الشّريعة متقدّمة على الحقيقة،لا جرم كان قوله: وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً مقدّما في الذّكر على قوله: لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ.

السّؤال الثّالث:أنّه تعالى حكى عن المؤمنين هذه الأدعية بصيغة الجمع،بأنّهم قالوا: لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ فما الفائدة في هذه الجمعيّة وقت الدّعاء؟

و الجواب:المقصود منه بيان أنّ قبول الدّعاء عند الاجتماع أكمل؛و ذلك لأنّ للهمم تأثيرات،فإذا اجتمعت الأرواح و الدّواعي على شيء واحد كان حصوله أكمل.(7:156)

نحوه النّيسابوريّ.(3:111)

أبو السّعود : رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ عطف على ما قبله،و استعفاء عن العقوبات الّتي لا تطاق بعد الاستعفاء عمّا يؤدّي إليه التّفريط فيه،من التّكاليف الشّاقّة الّتي لا يكاد من كلّفها يخلو عن التّفريط فيها، كأنّه قيل:لا تكلّفنا تلك التّكاليف و لا تعاقبنا بتفريطنا في المحافظة عليها؛فيكون التّعبير عن إنزال العقوبات بالتّحميل،باعتبار ما يؤدّي إليها.

و قيل:هو تكرير للأوّل و تصوير للإصر بصورة ما لا يستطاع مبالغة.

و قيل:هو استعفاء عن التّكليف بما لا تفي به الطّاقة

ص: 927

البشريّة حقيقة،فيكون دليلا على جوازه عقلا،و إلاّ لما سئل التّخلّص عنه،و التّشديد هاهنا لتعدية الفعل إلى مفعول ثان.(1:328)

نحوه البروسويّ(1:449)،و الآلوسيّ(3:70).

مغنيّة:[ذكر معنى الإصر ثمّ قال:]

و عليه يكون معنى: لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً لا تكلّفنا بما يثقل علينا حمله.و تسأل:أنّ قوله تعالى:

وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ يفيد هذا المعنى بالذّات، مع العلم بأنّ هذه الجملة معطوفة على وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً و العطف يقتضي المغايرة؛حيث لا يجوز عطف الشّيء على نفسه؟

الجواب:لو نظرنا إلى قوله: وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ مستقلاّ عن السّياق،لكان الأمر كما قلت،لأنّ المعنى الظّاهر هو أن لا تكلّفنا بما يشقّ علينا،أمّا إذا نظرنا إليه مع ملاحظة السّياق فيتعيّن أن يكون المراد:لا تعاقبنا عقوبة لا نطيقها،فعبّر عن العقوبة بما تؤدّي إليه من عدم إطاقتها و الصّبر عليها.

قال الشّيخ مرتضى الأنصاريّ في كتابه المعروف ب«الرّسائل»،باب البراءة:«لا يبعد أن يراد بما لا يطاق في الآية:العذاب و العقوبة،فمعنى لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ لا تورد علينا ما لا نطيقه من العقوبة».(1:457)

مكارم الشّيرازيّ: يطلب المؤمنون من اللّه في هذه الآية طلبين:

الأوّل أن يرفع عنهم الفروض الثّقيلة الّتي قد تمنع الإنسان من إطاعة اللّه،و هذا هو ما ورد على لسان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بشأن التّعاليم الإسلاميّة؛إذ قال:«بعثت بالشّريعة السّهلة السّمحة».

هنا قد يسأل سائل:إذا كانت السّهولة و السّماحة في الدّين جيّدة،فلما ذا لم يكن للأقوام السّابقة مثلها؟

في الجواب لا بدّ أن نقول:تفيد آيات في القرآن أنّ التّكاليف الشّاقّة لم تكن موجودة في أصل شرائع الأديان السّابقة،بل فرضت كعقوبات على أثر عصيان تلك الأقوام و عدم إطاعتها،كحرمان بني إسرائيل من أكل بعض اللّحوم المحلّلة بسبب عصيانهم المتكرّر.

و في الطّلب الثّاني:يريدون منه أن يعفيهم من الامتحانات الصّعبة و العقوبات الّتي لا تطاق وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ نرى في الفقرة السّابقة صيغة لا تَحْمِلْ و هنا نرى عبارة لا تَحْمِلْ، فالأولى تستعمل عادة في المشاكل،و الثّانية فيما لا يطاق.

(2:266)

حملنا

1- ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً.

الإسراء:3

2- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ. مريم:58

3- وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. يس:41

لاحظ ذ ر ر:«ذرّيّة».

ص: 928

حملناهم

وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ...

الإسراء:70

الطّبريّ: فِي الْبَرِّ: على ظهور الدّوابّ و المراكب،و في اَلْبَحْرِ: في الفلك الّتي سخّرناها لهم.

(15:125)

نحوه الواحديّ(3:118)،و البغويّ(3:145)، و الطّبرسيّ(3:429)،و ابن كثير(4:329).

القشيريّ: سخّر البحر لهم حتّى ركبوا في السّفن، و سخّر البرّ لهم حتّى قال:لا تسجدوا للشّمس و لا للقمر.

و يقال:محمول الكرام لا يقع،فإن وقع وجد من يأخذ بيده.

و يقال:الإشارة في حملهم في البرّ:ما أوصل إليهم جهرا،و الإشارة بحديث البحر:ما أفردهم به من لطائف الأحوال سرّا.

و يقال:لمّا حمل بنو آدم الأمانة حملناهم في البرّ، فحمل هو جزاء حمل،حمل هو فعل من لم يكن،و حمل هو فضل من لم يزل.(4:33)

ابن عطيّة: و حملهم فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ، ممّا لا يصلح لحيوان سوى بني آدم أن يكون يحمل بإرادته و قصده و تدبيره.(3:473)

ابن الجوزيّ: وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ على أكباد رطبة،و هي:الإبل و الخيل و البغال و الحمير،و في اَلْبَحْرِ على أعواد يابسة،و هي:السّفن.(5:63)

البيضاويّ: على الدّوابّ و السّفن من حملته حملا إذا جعلت له ما يركبه أو حملناهم فيهما حتّى لم نخسف بهم الأرض و لم يغرقهم الماء.(1:592)

مثله الشّربينيّ(2:322)،و المشهديّ(5:561)، و نحوه الكاشانيّ(3:205).

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ و أضاف:]

و أنت خبير بأنّ الأوّل هو الأنسب بالتّكريم إذ جميع الحيوانات كذلك.(4:146)

مكارم الشّيرازيّ: الملاحظة الّتي تلفت النّظر هنا،هي:لما ذا اختار اللّه قضيّة الحركة على اليابسة و في البحار،و أشار إليها أوّلا من بين جميع المواهب الأخرى الّتي وهبها للإنسان؟

قد يكون ذلك بسبب أنّ الاستفادة من الطّيّبات و أنواع الأرزاق لا يحدث بدون الحركة؛حيث إنّ حركة الإنسان على سطح الكرة الأرضيّة تحتاج إلى وسيلة نقل؛إذ إنّ الحركة هي مقدّمة لأيّ بركة.

أو أنّ السّبب قد يكون لإظهار سلطة الإنسان على الكرة الأرضيّة الواسعة،بما في ذلك البحار و الصّحاري؛ إذ إنّ لكلّ نوع من أنواع الموجودات سلطة على جزء محدود من الأرض،أمّا الإنسان فإنّه بحكم الكرة الأرضيّة ببحارها و صحاريها و هوائها.(9:58)

فضل اللّه :فسخّرنا لهم قطع البراري و القفار، و تسلّق الجبال،و ركوب البحار،بالوسائل الّتي أعدّها اللّه للرّكوب،أو الّتي ألهم الإنسان لمعرفتها و القيام بصنعها،للتّخفيف من عناء التّنقّل و حمل الأثقال،

ص: 929

و اختصار الزّمن،و الوصول إلى الغايات الكبرى في الحياة من أقرب طريق.

و هذا مظهر حيّ من مظاهر تكريم اللّه للإنسان،لأنّه لا يريد له الوقوع في الجهد و المشقّة الّتي تثقل وضعه، و تعطّل كثيرا من حركته في الوجود.(14:181)

حملناكم

إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ. الحاقّة:11

ابن عبّاس: حَمَلْناكُمْ يا أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و سائر الخلق في أصلاب آبائكم.(483)

حملنا آباءكم في السّفينة.

مثله ابن زيد.(الطّبرسيّ 5:345)

الطّبريّ: قيل: حَمَلْناكُمْ فخاطب الّذين نزل فيهم القرآن،و إنّما حمل أجدادهم نوحا و ولده،لأنّ الّذين خوطبوا بذلك،ولد الّذين حملوا في الجارية،فكان حمل الّذين حملوا فيها من الأجداد،حملا لذرّيّتهم،على ما قد بيّنّا من نظائر ذلك،في أماكن كثيرة من كتابنا هذا.

(29:55)

الماورديّ: في قوله: حَمَلْناكُمْ وجهان:

أحدهما:حملنا آباءكم الّذين أنتم من ذرّيّتهم.

الثّاني:أنّهم في ظهور آبائهم المحمولين،فصاروا معهم.[ثمّ استشهد بشعر](6:79)

الطّوسيّ: أي حملنا آباءكم نوحا و من كان معه من ولده و المؤمنين في السّفينة.(10:97)

الواحديّ: حملنا آباءكم و أنتم في أصلابهم.

(4:345)

مثله البغويّ(5:145)،و ابن الجوزيّ(8:348)، و القرطبيّ(18:263)،و البيضاويّ(2:499)، و الكاشانيّ(5:218).

الزّمخشريّ: حملنا آباءكم فِي الْجارِيَةِ: في سفينة،لأنّهم إذا كانوا من نسل المحمولين النّاجين كان حمل آبائهم منّة عليهم،و كأنّهم هم المحمولون،لأنّ نجاتهم سبب ولادتهم.(4:150)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:106)،و الشّربينيّ(4:

370).

أبو السّعود :أي في أصلاب آبائكم، فِي الْجارِيَةِ: في سفينة نوح عليه السّلام،و المراد بحملهم فيها:

رفعهم فوق الماء إلى انقضاء أيّام الطّوفان،لا مجرّد رفعهم إلى السّفينة،كما يعرب عنه كلمة(فى)فإنّها ليست بصلة للحمل بل متعلّقة بمحذوف هو حال من مفعوله،أي رفعناكم فوق الماء و حفظناكم حال كونكم في السّفينة الجارية بأمرنا و حفظنا.و فيه تنبيه على أنّ مدار نجاتهم محض عصمته تعالى،إنّما السّفينة سبب صوريّ.

(6:294)

الآلوسيّ: أي في أصلاب آبائكم،أو حملنا آباءكم و أنتم في أصلابهم،على أنّه بتقدير مضاف.

و قيل:على التّجوّز في المخاطبين بإرادة آبائهم المحمولين بعلاقة الحلول،و هو بعيد.[ثمّ أدام نحو

ص: 930

أبي السّعود](29:42)

المراغيّ: حملنا آباءكم من مؤمني قوم نوح في السّفينة،لننجيهم من الغرق الّذي عمّ هؤلاء الكافرين جميعا.و المشهور أنّ النّاس كلّهم من سلائل نوح و ذرّيّته.(29:53)

نحوه مغنيّة.(7:402)

الطّباطبائيّ: و عد المخاطبين محمولين في سفينة نوح،و المحمول في الحقيقة أسلافهم،لكون الجميع نوعا واحدا،ينسب حال البعض منه إلى الكلّ.(19:394)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ التّعبير ب حَمَلْناكُمْ كناية عن حمل و إنقاذ أسلافنا و أجدادنا من الغرق؛حيث لو لم تكن النّجاة لتشملهم ما كنّا في العالم موجودين.

(18:526)

فضل اللّه : حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ يا أيّها المؤمنون،لأنّ اللّه أراد للحياة أن تبدأ عهدا جديدا في خطّ الإيمان به و برسله،و باليوم الآخر.(23:70)

حملت

وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً.

الحاقّة:14

الواحديّ: رفعت من أماكنها.(4:345)

مثله الطّبرسيّ(5:346)،و الكاشانيّ(5:219)، و المراغيّ(29:53)،و نحوه النّسفيّ(4:287).

الزّمخشريّ: وَ حُمِلَتِ و رفعت من جهاتها بريح بلغت من قوّة عصفها أنّها تحمل الأرض و الجبال،أو بخلق من الملائكة،أو بقدرة اللّه من غير سبب.و قرئ (و حمّلت) بحذف المحمّل و هو أحد الثّلاثة.(4:151)

نحوه البيضاويّ(2:500)،و النّيسابوريّ(29:

36).

ابن عطيّة: قرأ جمهور القرّاء (وَ حُمِلَتِ) بتخفيف الميم،بمعنى حملتها الرّياح و القدرة.و قرأ ابن عبّاس فيما روي عنه (و حمّلت) بشدّ الميم،و ذلك يحتمل معنيين:

أحدهما:أنّها حاملة حملت قدرة و عنفا و شدّة نفثها،فهي محمّلة حاملة،و الآخر أن يكون محمولة حملت ملائكة أو قدرة.(5:359)

الفخر الرّازيّ: رفعت الأرض و الجبال،إمّا بالزّلزلة الّتي تكون في القيامة،و إمّا بريح بلغت من قوّة عصفها أنّها تحمل الأرض و الجبال،أو بملك من الملائكة:

أو بقدرة اللّه من غير سبب.(30:107)

نحوه أبو السّعود.(6:295)

القرطبيّ: قراءة العامّة بتخفيف الميم،أي رفعت من أماكنها.(18:264)

أبو حيّان :قرأ الجمهور (حُمِلَتِ) بتخفيف الميم، و ابن أبي عبلة و ابن مقسم و الأعمش و ابن عامر في رواية يحيى بتشديدها،فالتّخفيف على أن تكون الأرض و الجبال حملتها الرّيح العاصف أو الملائكة أو القدرة،من غير واسطة مخلوق.و يبعد قول من قال:إنّها الزّلزلة،لأنّ الزّلزلة ليس فيها حمل إنّما هي اضطراب، و التّشديد على أن تكون للتّكثير،أو يكون التّضعيف للنّقل.

ص: 931

فجاز أن تكون الأرض و الجبال المفعول الأوّل أقيم مقام الفاعل،و الثّاني محذوف،أي ريحا تفتّتها أو ملائكة أو قدرة.و جاز أن يكون الثّاني أقيم مقام الفاعل و الأوّل محذوف،و هو واحد من الثّلاثة المقدّرة.(8:323)

ابن كثير :أي فمدّت مدّ الأديم العكاظيّ و تبدّلت الأرض غير الأرض.(7:102)

الآلوسيّ: رفعتا من أحيازهما بمجرّد القدرة الإلهيّة من غير واسطة مخلوق أو بتوسّط،نحو ريح أو ملك.

قيل:أو بتوسّط الزّلزلة،أي بأن يكون لها مدخل في الرّفع،لا أنّها رافعة لهما حاملة إيّاهما،ليقال:إنّها ليس فيها حمل و إنّما هي اضطراب.

و قيل:يجوز أن يخلق اللّه تعالى من الأجرام العلويّة ما فيه قوّة جذب الجبال و رفعها عن أماكنها،أو أن يكون في الأجرام الموجودة اليوم ما فيه قوّة ذلك،إلاّ أنّ في البين مانعا من الجذب و الرّفع،و أنّه يزول بعد فيحصل الرّفع.

و كذا يجوز أن يعتبر مثل ذلك بالنّسبة إلى الأرض و أن تكون قوّتا الجاذبين مختلفتين،فإذا حصل رفع كلّ إلى غاية يريدها اللّه تعالى حدث في ذلك الجاذب ما لم يبق معه ذلك الجذب من زوال مسامّته و نحوه،و حصل بين الجبال و الأرض ما يوجب التّصادم.

و يجوز أيضا أن يحدث في الأرض من القوى ما يوجب قذفها للجبال،و يحدث للأرض نفسها ما يوجب رفعها عن حيّزها،و كون القوى منها ما هو متنافر، و منها ما هو متحابّ ممّا لا يكاد ينكر.

و قيل:يمكن أن يكون رفعهما بمصادمة بعض الأجرام كذوات الأذناب،على ما قيل فيها جديدا للأرض،فتنفصل الجبال و ترتفع من شدّة المصادمة و رفع الأرض من حيّزها.

و لا يخفى أنّ كلّ هذا على ما فيه لا يحتاج إليه، و يكفينا القول بأنّ الرّفع بالقدرة الإلهيّة الّتي لا يتعاصاها شيء.

و قرأ ابن أبي عبلة و ابن مقسم و الأعمش و ابن عامر في رواية يحيى (و حمّلت) بتشديد الميم،و حمّل على التّكثير.و جوّز أن يكون تضعيفا للنّقل،فيكون الأرض و الجبال المفعول الأوّل،أقيم مقام الفاعل،و المفعول الثّاني محذوف،أي قدرة أو ريحا أو ملائكة،أو يكون المفعول الثّاني أقيم مقام الفاعل،و الأوّل محذوف،و هو أحد المذكورات.(29:44)

عبد الكريم الخطيب :أي رفعت الأرض و الجبال،فكانتا كيانا واحدا.و حمل الأرض و جبالها، هو ظهورها معلّقة في الفضاء،كما هي عليه في حقيقتها الّتي هي أشبه بكرة معلّقة في فلك الكون.هكذا يراها الإنسان يوم القيامة بما عليها من جبال و بحار،حين يكون محلّقا في سماوات عالية،فوق هذه الأرض.

(15:1132)

الطّباطبائيّ: حمل الأرض و الجبال:إحاطة القدرة بها.(19:397)

ص: 932

يحمل

1- مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً.

طه:100

الآلوسيّ: قرأت فرقة منهم داود بن رفيع (يحمّل) مشدّد الميم مبنيّا للمفعول،لأنّه يكلّف ذلك لا أنّه يحمله طوعا،و يكون وِزْراً على هذا مفعولا ثانيا.

(16:259)

2- وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ.

الحاقّة:17

لاحظ ع ر ش:«عرش».

3- مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً... الجمعة:5

ابن عبّاس: حُمِّلُوا التَّوْراةَ أمروا أن يعملوا بما في التّوراة،أي أمروا أن يظهروا صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و نعته في التّوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها لم يعملوا بما أمروا فيها،أي لم يظهروا محمّدا عليه الصّلاة و السّلام و نعته في التّوراة.

(471)

الثّعلبيّ: حُمِّلُوا التَّوْراةَ أي كلّفوا العمل بها، ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها و لم يعملوا بما فيها،و لم يؤدّوا حقّها.

(9:307)

نحوه ابن الجوزيّ.(8:260)

الطّوسيّ: يعني العمل بها و بما فيها،فحفظوها و دوّنوها في كتبهم،ثمّ لم يعملوا بما فيها.(10:5)

الزّمخشريّ: [نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

و قرئ (حملوا التّوراة) أي حملوها،ثمّ لم يحملوها في الحقيقة لفقد العمل.و قرئ (يحمل الأسفار) .

فإن قلت:(يحمل)ما محلّه؟قلت:النّصب على الحال،أو الجرّ على الوصف.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:103)

ابن عطيّة: هم بنو إسرائيل الأحبار المعاصرون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و حُمِّلُوا معناه:كلّفوا القيام بأوامرها و نواهيها،فهذا كمال حمل الإنسان الأمانة، و ليس ذلك من الحمل على الظّهر،و إن كان مشتقّا منه.

و ذكر تعالى أنّهم«أ لم يحملوها»أي لم يطيعوا أمرها، و يقفوا عند حدّها حين كذّبوا بمحمّد عليه الصّلاة و السّلام،و التّوراة تنطق بنبوّته.

و قرأ يحيى بن يعمر بفتح الحاء و الميم مخفّفة،و قرأ المأمون العبّاسيّ (يحمّل اسفارا) بضمّ الياء و فتح الحاء و شدّ الميم مفتوحة.(5:307)

نحوه أبو حيّان.(8:266)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا أثبت التّوحيد و النّبوّة،و بيّن في النّبوّة أنّه عليه السّلام بعث إلى الأمّيّين و اليهود لمّا أوردوا تلك الشّبهة،و هي أنّه عليه السّلام بعث إلى العرب خاصّة،و لم يبعث إليهم بمفهوم الآية،أتبعه اللّه تعالى بضرب المثل للّذين أعرضوا عن العمل بالتّوراة، و الإيمان بالنّبيّ عليه السّلام.و المقصود منه أنّهم لمّا لم يعملوا بما في التّوراة شبّهوا بالحمار،لأنّهم لو عملوا بمقتضاها لانتفعوا بها،و لم يوردوا تلك الشّبهة؛و ذلك لأنّ فيها نعت الرّسول عليه السّلام،و البشارة بمقدمه،و الدّخول في دينه.

و قوله: حُمِّلُوا التَّوْراةَ أي حمّلوا العمل بما فيها،

ص: 933

و كلّفوا القيام بها.و (حُمِّلُوا) قرئ بالتّخفيف و التّثقيل.

و قال صاحب النّظم:ليس هو من الحمل على الظّهر، و إنّما هو من الحمالة بمعنى الكفالة و الضّمان،و منه قيل للكفيل:الحميل،و المعنى:ضمنوا أحكام التّوراة ثمّ لم يضمنوها و لم يعملوا بما فيها.

قال الأصمعيّ: الحميل:الكفيل،و قال الكسائيّ:

حملت له حمالة،أي كفلت به.(30:5)

البيضاويّ: حُمِّلُوا التَّوْراةَ علّموها و كلّفوا العمل بها ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها لم يعملوا بها،أو لم ينتفعوا بما فيها.(2:476)

نحوه أبو السّعود(6:247)،و الكاشانيّ(5:173)، و البروسويّ(9:516)،و الآلوسيّ(28:95)، و المراغيّ(28:97).

الشّربينيّ: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ أي كلّفوا و ألزموا حمل الكتاب الّذي آتاه اللّه تعالى لبني إسرائيل،على لسان موسى عليه الصّلاة و السّلام،بأن علّمهم إيّاها سبحانه،و كلّفهم حفظ ألفاظها عن التّغيير و النّسيان،و معانيها عن التّحريف و التّلبيس،و حدودها و أحكامها عن الإهمال و التّضييع، ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها أي بأن حملوا ألفاظها و لم يعملوا بما فيها من الوصيّة،باتّباع عيسى عليه الصّلاة و السّلام إذا جاءهم،ثمّ بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إذا جاء،فهي ضارّة لهم بشهادتها عليهم،فإذا لهم النّار من غير نفع أصلا.(4:283)

الطّباطبائيّ: المراد بتحميل التّوراة:تعليمها، و المراد بحملها:العمل بها على ما يؤيّده السّياق،و يشهد به ما في ذيل الآية من قوله: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ و المراد ب اَلَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها: اليهود الّذين أنزل اللّه التّوراة على رسولهم موسى عليه السّلام،فعلّمهم ما فيها من المعارف و الشّرائع، فتركوها و لم يعملوا بها،فحمّلوها و لم يحملوها،فضرب اللّه لهم مثل الحمار يحمل أسفارا،و هو لا يعرف ما فيها من المعارف و الحقائق،فلا يبقى له من حملها إلاّ التّعب بتحمّل ثقلها.(19:266)

فضل اللّه : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ و تعلّموها و فهموا مضامينها ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها فلم يحوّلوها إلى مشروع عمليّ للتّغيير الدّاخلي،و خطّة متحرّكة لتحويل الواقع من واقع خاضع للفساد و الانحراف إلى واقع منطلق مع الصّلاح و الاستقامة، ليكونوا قريبين إلى اللّه من خلال العمل بأوامره و نواهيه، في ما تأمرهم به التّوراة أو تنهاهم عنه.(22:210)

يحملون

1- ...وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ. الأنعام:31

السّدّيّ: فإنّه ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره إلاّ جاءه رجل قبيح الوجه،أسود اللّون،منتن الرّيح،عليه ثياب دنسة،حتّى يدخل معه قبره،فإذا رآه قال له:ما أقبح وجهك!قال:كذلك كان عملك قبيحا، قال:ما أنتن ريحك!قال:كذلك كان عملك منتنا!قال:

ما أدنس ثيابك!فيقول:إنّ عملك كان دنسا.فيقول:

ص: 934

من أنت؟قال:أنا عملك،فيكون معه في قبره،فإذا بعث يوم القيامة،قال:إنّي كنت أحملك في الدّنيا باللّذّات و الشّهوات،فأنت اليوم تحملني،قال:فيركب على ظهره،فيسوقه حتّى يدخله النّار.(241)

نحوه قيس الملاّئيّ(الطّبريّ 7:179)،و عمير بن هاني(ابن الجوزيّ 3:26)،و مقاتل(1:557).

الزّجّاج: أي يحملون ثقل ذنوبهم،و هذا مثل.جائز أن يكون جعل ما ينالهم من العذاب بمنزلة أثقل ما يحمل، لأنّ الثّقل قد يستعمل في الوزر،و في الحال،فتقول في الحال:قد ثقل عليّ خطاب فلان،تأويله:قد كرهت خطابه كراهة اشتدّت عليّ،فتأويل الوزر:الثّقل من هذه الجهة،و اشتقاقه من الوزر.(2:242)

الطّوسيّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

فبيّن أنّه لثقلها عليهم يحملونها على ظهورهم، و ذلك يدلّ على عظمها.(4:123)

الزّمخشريّ: كقوله: فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ الشّورى:30،لأنّه اعتيد حمل الأثقال على الظّهور،كما ألف الكسب بالأيدي.(2:14)

القرطبيّ: مجاز و توسّع،و تشبيه بمن يحمل ثقلا.

و المعنى أنّهم لزمتهم الآثام،فصاروا مثقلين بها.

(6:413)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ هذا الحمل حقيقة و هو قول عمير بن هاني و عمرو بن قيس الملاّئيّ و السّدّيّ.[و قد تقدّم]

و قيل هو مجاز عبّر بحمل الوزر عن ما يجده من المشقّة و الآلام بسبب ذنوبه،و المعنى أنّهم يقاسون عقاب ذنوبهم مقاساة تثقل عليهم.(4:107)

أبو السّعود : وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ حال من فاعل(قالوا)فائدته الإيذان بأنّ عذابهم ليس مقصورا على ما ذكر من الحسرة على ما فات و زال،بل يقاسون مع ذلك تحمّل الأوزار الثّقال، و الإيماء إلى أنّ تلك الحسرة من الشّدّة؛بحيث لا تزول و لا تنسى،بما يكابدونه من فنون العقوبات.و السّرّ في ذلك أنّ العذاب الرّوحانيّ أشدّ من الجسمانيّ،نعوذ برحمة اللّه عزّ و جلّ منهما.و الوزر في الأصل:الحمل الثّقيل، سمّي به الإثم و الذّنب لغاية ثقله على صاحبه،و ذكر الظّهور كذكر الأيدي في قوله تعالى: فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ الشّورى:30،فإنّ المعتاد حمل الأثقال على الظّهور كما أنّ المألوف هو الكسب بالأيدي،و المعنى أنّهم يتحسّرون على ما لم يعملوا من الحسنات،و الحال أنّهم يحملون أوزار ما عملوا من السّيّئات.(2:372)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و في ذلك إشارة إلى مزيد ثقل المحمول،و جعل الذّنوب و الآثام محمولة على الظّهر من باب الاستعارة التّمثيليّة،و المراد بيان سوء حالهم،و شدّة ما يجدونه من المشقّة و الآلام،و العقوبات العظيمة بسبب الذّنوب.

و قيل:حملها على الظّهر حقيقة و إنّها تجسّم.[ثم نقل رواية السّدّيّ](7:132)

مكارم الشّيرازيّ: «الأوزار:جمع وزر،و هو الحمل الثّقيل،و تعني الأوزار هنا:الذّنوب،و يمكن أن

ص: 935

تتّخذ هذه الآية دليلا على تجسّد الأعمال،لأنّها تقول:

إنّهم يحملون ذنوبهم على ظهورهم،و يمكن أن يكون الاستعمال مجازيّا،كناية عن ثقل حمل المسئوليّة؛إذ أنّ المسئوليّات تشبّه دائما بالحمل الثّقيل.(4:242)

فضل اللّه :فهم لم يكتفوا بترك العمل للجنّة،بل أثقلوا ظهورهم بالأحمال الثّقيلة،بكفرهم و عصيانهم و انحرافهم و تمرّدهم،و ذلك هو مغزى التّعبير بالأوزار على الظّهور،للإيحاء بأنّ الانحراف عن خطّ اللّه في العقيدة و العمل يثقل روح الإنسان و ضميره و حياته و مصيره،فاستعار الثّقل المادّيّ للثّقل المعنويّ.

(9:74)

2- اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... المؤمن:7

لاحظ ع ر ش:«العرش».

يحملنّ

1- ...وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ... البقرة:248

ابن عبّاس: تسوقه(الملائكة)إليكم.(35)

جاءت الملائكة بالتّابوت،تحمله بين السّماء و الأرض،و هم ينظرون إليه،حتّى وضعته عند طالوت.

(الطّبريّ 2:616)

حمل الملائكة هو سوقها التّابوت دون شيء يحمله سواها،حتّى وضعته بين يدي بني إسرائيل،و هم ينظرون إليه بين السّماء و الأرض.

مثله السّدّيّ و ابن زيد.(ابن عطيّة 1:334)

الحسن :تحمله الملائكة بين السّماء و الأرض، ترونه عيانا.(الماورديّ 1:316)

وهب بن منبّه:وكّل بالبقرتين اللّتين سارتا بالتّابوت أربعة من الملائكة يسوقونهما،فسارت البقرتان بهما سيرا سريعا،حتّى بلغتا طرف القدس ذهبتا.(الطّبريّ 2:616)

نحوه الثّوريّ.(ابن عطيّة 1:334)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في صفة حمل الملائكة ذلك التّابوت،فقال بعضهم:معنى ذلك:تحمله بين السّماء و الأرض،حتّى تضعه بين أظهرهم.

و قال آخرون:معنى ذلك:تسوق الملائكة الدّوابّ الّتي تحمله.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال:

حملت التّابوت الملائكة حتّى وضعته في دار طالوت،بين أظهر بني إسرائيل؛و ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره قال:

تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ و لم يقل:تأتي به الملائكة.و ما جرّته البقر على عجل-و إن كانت الملائكة هي سائقتها- فهي غير حاملته،لأنّ الحمل المعروف هو مباشرة

ص: 936

الحامل بنفسه حمل ما حمل.

فأمّا ما حمله على غيره-و إن كان جائزا في اللّغة أن يقال في حمله،بمعنى معونته الحامل،أو بأنّ حمله كان عن سببه-فليس سبيله سبيل ما باشر حمله بنفسه،في تعارف النّاس إيّاه بينهم،و توجيه تأويل القرآن إلى الأشهر من اللّغات أولى من توجيهه إلى أن لا يكون الأشهر ما وجد إلى ذلك سبيل.(2:615)

الزّجّاج: قيل:معنى تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ: إنّها كانت تسوق الثّورين،و جائز أن يقال في اللّغة تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ و إنّما كانت تسوق ما يحمله،كما تقول:حملت متاعي إلى مكّة،أي كنت سببا لحمله إلى مكّة.

(1:330)

الواحديّ: قال المفسّرون:كانت الملائكة تحمل تابوت بني إسرائيل فوق العسكر و هم يقاتلون العدوّ، فإذا سمعوا من التّابوت صيحة استيقنوا النّصر.

(1:359)

الطّبرسيّ: قيل:لمّا غلب الأعداء على التّابوت، أدخلوه بيت الأصنام،فأصبحت أصنامهم منكبّة فأخرجوه،و وضعوه ناحية من المدينة،فأخذهم وجع في أعناقهم،و كلّ موضع وضعوه فيه ظهر فيه بلاء و موت و وباء،فأشير عليهم بأن يخرجوا التّابوت، فأجمع رأيهم على أن يأتوا به و يحملوه على عجلة، و يشدّوها على ثورين،ففعلوا ذلك،و أرسلوا الثّورين فجاءت الملائكة و ساقوا الثّورين إلى بني إسرائيل.فعلى هذا يكون معنى تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ: تسوقه،كما تقول:حملت متاعي إلى مكّة،و معناه:كنت سببا لحمله إلى مكّة.(1:353)

ابن الجوزيّ: قرأ الجمهور (تَحْمِلُهُ) بالتّاء،و قرأ الحسن و مجاهد و الأعمش بالياء.و في المكان الّذي حملته منه الملائكة إليهم قولان:أحدهما:[قول الحسن المتقدّم]،و الثّاني:أنّه كان في الأرض.(1:296)

البيضاويّ: قيل:رفعه اللّه بعد موسى،فنزلت به الملائكة و هم ينظرون إليه.و قيل:كان بعده مع أنبيائهم يستفتحون به حتّى أفسدوا،فغلبهم الكفّار عليه،و كان في أرض جالوت إلى أن ملك طالوت فأصابهم بلاء، حتّى هلكت خمس مدائن،فتشاءموا بالتّابوت،فوضعوه على ثورين،فساقتهما الملائكة إلى طالوت.(1:130)

أبو حيّان :قرأ مجاهد (يحمله) بالياء من أسفل، و الضّمير يعود على التّابوت،و هذه الجملة حال من التّابوت،أي حاملا له الملائكة.و يحتمل الاستئناف، كأنّه قيل:و من يأتي به و قد فقد،فقال: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ، استعظاما لشأن هذه الآية العظيمة،و هو أنّ الّذي يباشر إتيانه إليكم الملائكة الّذين يكونون معدّين للأمور العظام،و لهم القوّة و التّمكين و الاطّلاع بإقدار اللّه لهم على ذلك.

أ لا ترى إلى تلقّيهم الكتب الإلهيّة،و تنزيلهم بها على من أوحي إليهم،و قلبهم مدائن العصاة،و قبض الأرواح،و إزجاء السّحاب،و حمل العرش،و غير ذلك من الأمور الخارقة،و المعنى تحمله الملائكة إليكم.[ثمّ قال نحو الثّعلبيّ](2:263)

ص: 937

المراغيّ: قيل:إنّ البقرتين اللّتين حملتا التّابوت و جرّتا العجلة«العربة»من بعض بلاد فلسطين إلى بني إسرائيل،كانتا تسيران مسخّرتين بإلهام الملائكة و حراستهم،و لم يكن لهما قائد و لا سائق.

و قد جرّت العادة بأنّ ما يحدث بإلهام و لا كسب فيه للبشر،و هو من الخير يسند إلى إلهام الملائكة.

و قالوا في سبب إتيان التّابوت:إنّ أهل فلسطين ابتلوا بعد أخذ التّابوت بالفئران في زرعهم،و البواسير في أنفسهم،فتشاءموا منه،و ظنّوا أنّ إله إسرائيل انتقم منهم،فأعادوه على عجلة تجرّها بقرتان،و وضعوا فيه صور فئران و صور بواسير من الذّهب،جعلوا ذلك كفّارة لذنبهم.(2:222)

مكارم الشّيرازيّ: كيف جاء الملائكة بصندوق العهد؟في هذا أيضا للمفسّرين كلام كثير،أوضحها قولهم:جاء في التّاريخ أنّه عند ما وقع صندوق العهد بيد عبدة الأصنام في فلسطين،و أخذوه إلى حيث يعبدون فيه أصنامهم،أصابتهم على أثر ذلك مصائب كثيرة، فقال بعضهم:ما هذه المصائب إلاّ بسبب هذا الصّندوق، فعزموا على إبعاده عن مدينتهم و ديارهم،و لمّا لم يرض أحد بالقيام بالمهمّة اضطرّوا إلى ربط الصّندوق ببقرتين و أطلقوهما في الصّحراء،و اتّفق هذا في الوقت الّذي تمّ فيه نصب طالوت ملكا على بني إسرائيل،و أمر اللّه الملائكة أن يسوقوا الحيوانين نحو مدينة أشموئيل،و عند ما رأى بنو إسرائيل الصّندوق بينهم،اعتبروه إشارة من اللّه على اختيار طالوت ملكا عليهم.

و عليه نسب حمل الصّندوق إلى الملائكة،لأنّهم هم الّذين ساقوا البقرتين إلى بني إسرائيل.

في الحقيقة أنّ للملائكة معنى واسعا في القرآن و الرّوايات،يشمل فضلا عن الكائنات الرّوحيّة العاقلة،مجموعة من القوى الغامضة الموجودة في هذا العالم.(2:154)

لتحملهم-احملكم

وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ. التّوبة:92

ابن عبّاس: لِتَحْمِلَهُمْ إلى الجهاد بالنّفقة:عبد اللّه بن مغفل بن يسار المزنيّ و سالم بن عمير الأنصاريّ و أصحابهما،(قلت)لهم لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ إلى الجهاد من النّفقة.(164)

أنس بن مالك:إنّه لم يجد لهم زادا،لأنّهم طلبوا ما يتزوّدون به.(الماورديّ 2:391)

الحسن :إنّه لم يجد لهم نعالا،لأنّهم طلبوا النّعال.

(الماورديّ 2:391)

الطّوسيّ: هذه الآية عطف على الأولى،و التّقدير:

ليس على الّذين جاءوك و سألوك حملهم؛حيث لم يكن لهم حملان،فقلت:يا محمّد صلّى اللّه عليه و آله لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ أي ليس لي حملان.

و الحمل:عطاء المركوب من فرس أو بعير أو غير ذلك،تقول:حمله يحمله حملا،إذا أعطاه ما يحمل عليه،

ص: 938

و حمل على ظهره حملا،و حمّله الأمر تحميلا،و تحمّل تحمّلا،و احتمله احتمالا،و تحامل تحاملا،و اللاّم في قوله:

لِتَحْمِلَهُمْ لام الغرض،و المعنى جاءوك و أرادوا منك حملهم.(5:323)

الواحديّ: هؤلاء نفر من قبائل شتّى،سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يحملهم على الخفاف و النّعال ليغزوا.

فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ لأنّ الشّقّة بعيدة،و الرّجل يحتاج إلى بعيرين:بعير يركبه و بعير يحمل ماءه و زاده،فانصرفوا و هم يبكون.(2:518)

ابن عطيّة: لِتَحْمِلَهُمْ أي على ظهر يركب و يحمل عليه الأثاث.و قال بعض النّاس:إنّما استحملوه النّعال،ذكره النّقّاش عن الحسن بن صالح،و هذا بعيد شاذّ.(3:71)

الطّبرسيّ: أي و لا على الّذين إذا جاءوك يسألونك مركبا يركبونه،فيخرجون معك إلى الجهاد؛إذ ليس معهم من الأموال و الظّهر ما يمكّنهم الخروج به في سبيل اللّه قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ أي لا أجد مركبا تركبونه،و لا ما أسوّي به أمركم.(3:60)

البيضاويّ: عطف على الضّعفاء أو على المحسنين، و هم البكّاءون سبعة من الأنصار:معقل بن يسار و صخر ابن خنساء و عبد اللّه بن كعب و سالم بن عمير و ثعلبة بن غنمة و عبد اللّه بن مغفل و علية بن زيد،أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و قالوا:نذرنا الخروج فاحملنا على الخفاف المرفوعة و النّعال المخصوفة نغز معك.(1:428)

نحوه الشّربينيّ(1:642)،و أبو السّعود(3:179)، و البروسويّ(3:485)

المراغيّ: يقال:حمله على البعير أو غيره:أركبه إيّاه أو أعطاه إيّاه ليركبه،و كأنّ الطّالب لظهر يركبه يقول لمن يطلب منه:احملني.(10:183)

الطّباطبائيّ: المعنى:و لا حرج على الفقراء الّذين إذا ما أتوك لتعطيهم مركوبا يركبونه،و تصلح سائر ما يحتاجون إليه من السّلاح و غيره قلت:لا أجد ما أحملكم عليه...(9:363)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(6:153)

و لنحمل-بحاملين

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. العنكبوت:12

مجاهد :قول كفّار قريش بمكّة لمن آمن منهم، يقول:قالوا:لا نبعث نحن و لا أنتم،فاتّبعونا،إن كان عليكم شيء فهو علينا.(الطّبريّ 20:134)

الحمل هنا من الحمالة لا من الحمل.

(أبو حيّان 7:143)

الفرّاء: (و لنحمل)هو أمر فيه تأويل جزاء،كما أنّ قوله: اُدْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ النّمل:18، نهي فيه تأويل الجزاء.و هو كثير في كلام العرب.[ثمّ استشهد بشعر](2:314)

الطّبريّ: قال الّذين كفروا باللّه من قريش للّذين آمنوا باللّه منهم:فإنّكم إن اتّبعتم سبيلنا في ذلك،فبعثتم

ص: 939

من بعد الممات،و جوزيتم على الأعمال،فإنّا نتحمّل آثام خطاياكم حينئذ.[إلى أن قال:]

وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. و هذا تكذيب من اللّه للمشركين القائلين للّذين آمنوا: اِتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ. يقول جلّ ثناؤه:و كذبوا في قيلهم ذلك لهم،ما هم بحاملين من آثام خطاياهم من شيء،إنّهم لكاذبون فيما قالوا لهم و وعدوهم،من حمل خطاياهم إن هم اتّبعوهم.

(20:134)

الزّجّاج: يقرأ (و لنحمل) بسكون اللاّم و بكسرها، في قوله: وَ لْنَحْمِلْ و هو أمر في تأويل الشّرط و الجزاء،و المعنى:إن تتّبعوا سبيلنا حملنا خطاياكم، و المعنى:إن كان فيه إثم فنحن نحتمله،و معنى سَبِيلَنا: الطّريق في ديننا الّذي نسلكه،فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّهم لا يحملون شيئا من خطاياهم،فقال: وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ. (4:161)

القمّيّ: كانت الكفّار يقولون للمؤمنين:«كونوا معنا،فإنّ الّذي تخافون أنتم ليس بشيء،فإن كان حقّا نتحمّل نحن ذنوبكم».فيعذّبهم اللّه مرّتين بذنوبهم،و مرّة بذنوب غيرهم.(2:149)

الطّوسيّ: أي نحمل ما تستحقّون عليها من العقاب يوم القيامة عنكم هزؤا بهم،و إشعارا بأنّ هذا لا حقيقة له،فالمأمور بهذا الكلام هو المتكلّم به أمر نفسه في مخرج اللّفظ،و معناه يضمن إلزام النّفس هذا المعنى، كما يلزم بالأمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و فيه معنى الجزاء،و تقديره:إن تتّبعوا ديننا حملنا خطاياكم.ثمّ نفى تعالى أن يكونوا هم الحاملين لخطاياهم من شيء،و إنّهم يكذبون في هذا القول،لأنّ اللّه تعالى لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره.فلا يصحّ إذا أن يتحمّل أحد ذنب غيره،كما قال تعالى: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى الأنعام:164، وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى النّجم:39.

و ليس ذلك بمنزلة تحمّل الدّية عن غيره،و لأنّ الفرض في الدّية أداء المال عن نفس المقتول،فلا فضل بين أن يؤدّيه زيد عن نفسه،و بين أن يؤدّيه عمرو عنه، لأنّه بمنزلة قضاء الدّين.(8:191)

نحوه الطّبرسيّ.(4:275)

الواحديّ: و هو جزم على الأمر،كأنّهم أمروا أنفسهم بذلك.(3:415)

الزّمخشريّ: أمروهم باتّباع سبيلهم،و هي طريقتهم الّتي كانوا عليها في دينهم،و أمروا أنفسهم بحمل خطاياهم،فعطف الأمر على الأمر،و أرادوا ليجتمع هذان الأمران في الحصول أن تتّبعوا سبيلنا و أن نحمل خطاياكم.

و المعنى:تعليق الحمل بالاتّباع،و هذا قول صناديد قريش،كانوا يقولون لمن آمن منهم:لا نبعث نحن و لا أنتم،فإنّ عسى كان ذلك،فإنّا نتحمّل عنكم الإثم، و ترى في المتّسمين بالإسلام من يستنّ بأولئك،فيقول لصاحبه إذا أراد أن يشجّعه على ارتكاب بعض العظائم:

افعل هذا و إثمه في عنقي،و كم من مغرور بمثل هذا الضّمان

ص: 940

من ضعفة العامّة و جهلتهم.(3:199)

الفخر الرّازيّ: (و لنحمل)صيغة أمر،و المأمور غير الآمر،فكيف يصحّ أمر النّفس من الشّخص؟

فنقول:الصّيغة أمر،و المعنى شرط و جزاء،أي إن اتّبعتمونا حملنا خطاياكم.[إلى أن قال:]

المسألة الثّانية:قال: وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ، و قال بعد هذا: وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ فهناك نفى الحمل،و هاهنا أثبت الحمل،فكيف الجمع بينهما؟

فنقول:قول القائل:فلان حمل عن فلان يفيد أنّ حمل فلان خفّ،و إذا لم يخفّ حمله فلا يكون قد حمل منه شيئا،فكذلك هاهنا ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ يعني لا يرفعون عنهم خطيئة و هم يحملون أوزارا بسبب إضلالهم،و يحملون أوزارا بسبب ضلالتهم،كما قال النّبيّ عليه السّلام:«من سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزره شيء».(25:40)

البيضاويّ: إن كان ذلك[الاتّباع]خطيئة،أو إن كان بعث و مؤاخذة،و إنّما أمروا أنفسهم بالحمل عاطفين على أمرهم بالاتّباع،مبالغة في تعليق الحمل بالاتّباع، و الوعد بتخفيف الأوزار عنهم،إن كان ثمّة تشجيعا لهم عليه.(2:205)

نحوه أبو السّعود.(5:144)

أبو حيّان :قرأ الحسن و عيسى و نوح القارئ:

(و لنحمل) بكسر لام الأمر و رويت عن عليّ و هي لغة الحسن في لام الأمر.و الحمل هنا مجاز،شبّه القيام بما يتحصّل من عواقب الإثم بالحمل على الظّهر،و الخطايا بالمحمول.(7:143)

الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

فكان أصل الكلام اتّبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم، بجزم(نحمل)على أنّه جواب الأمر،فيكون المعنى:إن تتّبعوا نحمل،فعدل عنه إلى ما في النّظم الجليل للمبالغة المذكورة،و منشؤها الإشارة إلى أنّ الحمل لتحقّقه كأنّه أمر واجب،أمروا به من آمر مطاع،و التّعليق على الشّرط الّذي تضمّنه الأمر،كما في قولهم:أكرمني أنفعك،لا يفيد ذلك،و الدّاعي لهم إلى المبالغة التّشجيع على الاتّباع،و الحمل هنا مجاز.[ثمّ نقل كلام أبي حيّان].(20:140)

ابن عاشور :حكى اللّه عنهم[المشركين]قولهم:

وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ بصيغة الأمر بلام الأمر،إمّا لأنّهم نطقوا بمثل ذلك لبلاغتهم،و إمّا لإفادة ما تضمّنته مقالتهم من تأكيد تحمّلهم بذلك.فصيغة أمرهم أنفسهم بالحمل آكد من الخبر عن أنفسهم بذلك،و من الشّرط و ما في معناه،لأنّ الأمر يستدعي الامتثال،فكانت صيغة الأمر دالّة على تحقيق الوفاء بالحمالة.

و واو العطف لجملة وَ لْنَحْمِلْ على جملة اِتَّبِعُوا سَبِيلَنا مراد منها المعيّة بين مضمون الجملتين في الأمر،و ليس المراد منه الجمع في الحصول،فالجملتان في قوّة جملتي شرط و جزاء،و التّعويل على القرينة.

فكان هذا القول أدلّ على تأكيد الالتزام بالحالة إن

ص: 941

اتّبع المسلمون سبيل المشركين،من أن يقال:إن تتّبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم،بصيغة الشّرط،أو أن يقال:

اتّبعوا سبيلنا فنحمل خطاياكم،بفاء السّببيّة.

و الحمل مجاز تمثيليّ لحال الملتزم بمشقّة غيره،بحال من يحمل متاع غيره،فيؤول إلى معنى الحمالة و الضّمان.

و دلّ قوله:(خطاياكم)على العموم،لأنّه جمع مضاف،و هو من صيغ العموم.و قوله: وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إبطال لقولهم:

وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ، نقض العموم في الإثبات بعموم في النّفي،لأنّ(شىء)في سياق النّفي يفيد العموم لأنّه نكرة،و زيادة حرف(من)تنصيص على العموم.

و الحمل المنفيّ هو ما كان المقصود منه دفع التّبعة عن الغير و تبرئته من جناياته،فلا ينافيه إثبات حمل آخر عليهم هو حمل المؤاخذة على التّضليل،في قوله:

وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ العنكبوت:13.(20:144)

يحمل-حملها

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى... فاطر 18

ابن عبّاس: يقول الأب أو الأمّ:يا بنيّ احمل عنّي بعض ذنوبي،فيقول:لا أستطيع حسبي ما عليّ.

(الشّربينيّ 3:321)

مجاهد : إِلى حِمْلِها أي إلى الذّنوب.

(النّحّاس 5:449)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 22:127)

الفرّاء: يقول:إن دعت داعية ذات ذنوب قد أثقلتها إلى ذنوبها ليحمل عنها شيء من الذّنوب لم تجد ذلك،و لو كان الّذي تدعوه أبا أو ابنا.(2:368)

نحوه ابن قتيبة.(360)

الطّبريّ: و إن تسأل ذات ثقل من الذّنوب،من يحمل عنها ذنوبها،و تطلب ذلك،لم تجد من يحمل عنها شيئا منها،و لو كان الّذي سألته ذا قرابة من أب أو أخ.

(22:127)

الزّجّاج: المعنى:إن تدع نفس مثقلة بالذّنوب إِلى حِمْلِها: إلى ذنوبها،لا يحمل من ذنوبها شيء.(4:267)

نحوه النّحّاس.(5:449)

القمّيّ: أي لا يحمل ذنب أحد على أحد إلاّ من يأمر به،فيحمله الآمر و المأمور.(2:208)

مثله البحرانيّ.(8:142)

الثّعلبيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف رواية عن الفضيل ابن عياض:]

قوله سبحانه: لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى يعني الوالدة تلقى ولدها يوم القيامة،فتقول:يا بنيّ أ لم تكن بطني لك وعاء؟أ لم يكن لك ثديي سقاء؟ فيقول:بلى يا أمّاه.فتقول:يا بنيّ قد أثقلتني ذنوبي فاحمل عنّي ذنبا واحدا،فيقول:يا أمّاه إليك عنّي،فإنّي اليوم عنك مشغول.(8:104)

الزّمخشريّ: [تقدّم كلامه في«ث ق ل»فلاحظ]

(3:305)

ص: 942

ابن عطيّة:الحمل ما كان على الظّهر في الأجرام، و يستعار للمعاني كالذّنوب و نحوها،فيجعل كلّ محمول متّصلا بالظّهر،كما يجعل كلّ اكتساب منسوبا إلى اليد.

(4:435)

النّسفيّ: [نحو الزّجّاج إلى أن قال:]

و الفرق بين معنى قوله: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى و معنى: وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ أنّ الأوّل دالّ على عدل اللّه في حكمه،و أن لا يؤاخذ نفسا بغير ذنبها،و الثّاني في بيان أنّه لا غياث يومئذ لمن استغاث حتّى أنّ نفسا قد أثقلتها الأوزار لو دعت إلى أن يخفّف بعض وقرها لم تجب و لم تغث،و إن كان المدعوّ بعض قرابتها.(3:338)

نحوه أبو حيّان(7:307)،و الشّربينيّ(3:321).

أبو السّعود : وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ أي نفس أثقلها الأوزار، إِلى حِمْلِها لحمل بعض أوزارها، لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ لم تجب بحمل شيء منه...و هذا نفي للحمل اختيارا،و الأوّل[ وَ لا تَزِرُ إلخ]نفي له إجبارا.

(5:278)

الآلوسيّ: وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ أي نفس أثقلتها الأوزار إِلى حِمْلِها الّذي أثقلها،و وزرها الّذي بهضّها،ليحمل شيء منه و يخفّف عنها.و قيل:أي إلى حمل حملها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ لم تجب بحمل شيء منه.

و الظّاهر أنّ وَ لا تَزِرُ إلخ نفي للحمل الاختياريّ تكرّما من نفس الحامل،ردّا لقول المضلّين: وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ. و يؤيّده سبب النّزول،فقد روي أنّ الوليد ابن المغيرة قال لقوم من المؤمنين:اكفروا بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و على وزركم فنزلت.

و هذا نفي للحمل بعد الطّلب من الوازرة،أعمّ من أن يكون اختيارا أو جبرا.و إذا لم يجبر أحد على الحمل بعد الطّلب و الاستعانة علم عدم الجبر بدونه بالطّريق الأولى،فيعمّ النّفي أقسام الحمل كلّها،و كذا الحامل أعمّ من أن يكون وازرا أم لا،و جاء العموم من عدم ذكر المدعوّ ظاهرا.

و قد يقال مع ذلك:إنّ في الأولى نفي حمل جميع الوزر بحيث يتعرّى منه المحمول عنه،و في الثّاني نفي التّخفيف،فلا اتّحاد بين مضموني الجملتين،كما لا يخفى.

و قيل في الفرق بينهما:أنّ الأوّل نفي الحمل إجبارا، و الثّاني نفي له اختيارا،و تعقّب بأنّ المناسب على هذا:

و لا يوزر على وازرة وزر أخرى و إن تدع مثقلة إلى حملها أحدا لا يحمل منه شيئا،و أيضا حقّ نفي الإجبار أن يتعرّض له بعد نفي الاختيار.

و قيل:إنّ الجملة الأولى كما دلّت على أنّ المثقل بالذّنوب لا يحمل أحد من ذنوبه شيئا،دلّت على عدله تعالى الكامل،و الجملة الثّانية دلّت على أنّه لا مستغاث من هول ذلك اليوم أيضا،و هما المقصودان من الآيتين، فالفرق باعتبار ذلك،و لعلّ ما ذكرناه أوّلا أولى.[إلى أن قال:]

و أصل الحمل ما كان على الظّهر من ثقيل،فاستعير للمعاني من الذّنوب و الآثام.

ص: 943

و قرأ أبو السّمال عن طلحة،و إبراهيم عن الكسائيّ (لا تحمل) بفتح التّاء المثنّاة من فوق و كسر الميم، و تقتضي هذه القراءة نصب شيء على أنّه مفعول به ل(تحمل)و فاعله ضمير عائد على مفعول«تدعو» المحذوف،أي و إن تدع مثقلة نفسا إلى حملها لم تحمل منه شيئا(و لو كان)أي المدعوّ المفهوم من الدّعوة ذا قُرْبى ذا قرابة من الدّاعي.(22:184)

مكارم الشّيرازيّ: يبرز هنا السّؤال التّالي:هل أنّ هذه الآية تنافي ما ورد في الرّوايات الكثيرة حول السّنّة السّيّئة و السّنّة الحسنة؟حيث إنّ الرّوايات تقول:

«من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها و أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء،و من سنّ سنّة سيّئة كان له وزرها و وزر من عمل بها».

و لكنّنا إذا التفتنا إلى نكتة واحدة،يتّضح الجواب على هذا السّؤال،و هي أنّ حالة عدم تسجيل ذنب أحد آخر،تكون عند ما يكون له لا دخل له في ذلك العمل، و لكن إذا كان له سهم في إيجاد سنّة،أو الإعانة و المساعدة أو التّرغيب و التّشجيع،فمن المسلّم أن يكون عمله محسوبا،و يكون شريكا و مساهما في ذلك العمل.

(14:55)

و قد تركنا نصوصا نحوها حذرا من التّكرار.

تحملون

1- وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ. المؤمنون:22

ابن عبّاس: تسافرون.(286)

الطّوسيّ: و من منافعها أنّكم تحملون عليها الأثقال في أسفاركم،بأن تركبوها و تحملوا عليها أثقالكم،و مثل ذلك على الفلك و هي السّفن.

(7:360)

البيضاويّ: وَ عَلَيْها و على الأنعام،فإنّ منها ما يحمل عليه كالإبل و البقر.و قيل:المراد الإبل،لأنّها هي المحمول عليها عندهم،و المناسب للفلك،فإنّها سفائن البرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

فيكون الضّمير فيه كالضّمير في وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ البقرة:228، وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ في البرّ و البحر.(2:105)

نحوه الشّربينيّ.(2:576)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ و أضاف:]

و في الجمع بينها و بين الفلك في إيقاع الحمل عليها مبالغة في تحمّلها للحمل،و هو الدّاعي إلى تأخير ذكر هذه المنفعة،مع كونها من المنافع الحاصلة منها عن ذكر منفعة الأكل المتعلّقة بعينها.(4:408)

الآلوسيّ: و ضمير(عليها)للأنعام باعتبار نسبة ما للبعض إلى الكلّ أيضا.و يجوز أن يكون باعتبار أنّ المراد بها الإبل على سبيل الاستخدام،لأنّها هي المحمول عليها عندهم و المناسبة للفلك،فإنّها سفائن البرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا حمل الأنعام من أوّل الأمر على الإبل،فلا يناسب مقام الامتنان،و لا سياق الكلام.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود].(18:24)

ص: 944

المراغيّ: أي و تركبون ظهورها و تحمّلونها الأحمال الثّقيلة إلى البلاد النّائية،كما قال في آية أخرى:

وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ النّحل:7.(18:16)

الطّباطبائيّ: ضمير(عليها)للأنعام،و الحمل على الأنعام هو الحمل على الإبل،و هو حمل في البرّ، و يقابله الحمل في البحر،و هو الحمل على الفلك،فالآية في معنى قوله: وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الإسراء:

70.(15:23)

فضل اللّه :من مكان إلى مكان،فهي تختصر عليكم الزّمن عند قطع المسافات الشّاسعة،و تخفّف عنكم الكثير من جهد السّير و عنائه،و حمل الأثقال.

(16:142)

2- ...وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ. المؤمن:80

ابن عبّاس: تسافرون.(399)

الزّمخشريّ: و على الأنعام وحدها لا تحملون، و لكن عليها و على الفلك في البرّ و البحر.فإن قلت:هلاّ قيل:«و في الفلك»كما قال: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ هود:40؟

قلت:معنى الإيعاء و معنى الاستعلاء كلاهما مستقيم،لأنّ الفلك وعاء لمن يكون فيها حمولة له يستعليها،فلمّا صحّ المعنيان صحّت العبارتان،و أيضا فليطابق قوله:(و عليها)و يزاوجه.(3:439)

نحوه الفخر الرّازيّ(27:89)،و الرّازيّ(307).

أبو السّعود:لعلّ المراد به:حمل النّساء و الولدان عليها بالهودج،و هو السّرّ في فصله عن الرّكوب، و الجمع بينها و بين الفلك في الحمل،لما بينهما من المناسبة التّامّة،حتّى سمّيت سفائن البرّ.

و قيل:هي الأزواج الثّمانية،فمعنى الرّكوب و الأكل منها تعلّقهما بالكلّ،لكن لا على أنّ كلاّ منهما تعلّقه بما تعلّق به الآخر،بل على أنّ بعضها يتعلّق به كلاهما كالإبل و البقر،و المنافع تعمّ الكلّ،و بلوغ الحاجة عليها يعمّ البقر.(5:429)

الآلوسيّ: (و عليها)توطئة لقوله سبحانه: وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ليجمع بين سفائن البرّ و سفائن البحر، فكأنّه قيل:و عليها في البرّ و على الفلك في البحر تحملون،فلا تكرار.[ثمّ نقل قول أبي السّعود في المراد بالحمل و أضاف:]

و تقديم الجارّ قيل:لمراعاة الفواصل كتقديمه قبل.

و قيل:التّقديم هنا و فيما تقدّم للاهتمام.

و قيل: عَلَى الْفُلْكِ دون«في الفلك»،كما في قوله تعالى: اِحْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ هود:40، لأنّ معنى الظّرفيّة و الاستعلاء موجود فيها،فيصحّ كلّ من العبارتين،و المرجّح ل(على)هنا المشاكلة.[إلى أن قال:]

و أدرج بعضهم الخيل و البغال و سائر ما ينتفع به من البهائم في الأنعام،و هو ضعيف.

و رجّح القول بأنّ المراد:الأزواج الثّمانية على

ص: 945

القول المحكيّ من الزّجّاج (1)،من أنّ المراد:الإبل خاصّة،بأنّ المقام مقام امتنان،و هو مقتض للتّعميم.

و الظّاهر ذاك،و كون المقام مقام امتنان غير مسلّم بل هو مقام استدلال،كقوله تعالى: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ الغاشية:17،كما يشعر به السّياق، و لا يأباه ذكر المنافع،فإنّه استطراديّ.(24:90)

فضل اللّه :في ما أعدّه اللّه لكم من وسائل ركوب البحر،حسب القوانين الّتي أودعها فيه،و في حركة السّفن فيه.(20:77)

احمل

...قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ... هود:40

لاحظ زوج:«زوجين».

الحاملات

فَالْحامِلاتِ وِقْراً. الذّاريات:2

الإمام عليّ عليه السّلام:السّحاب.(الزّجّاج 5:51)

هي السّحاب الموقرة بالماء.(ابن عطيّة 5:171)

ابن عبّاس: و أقسم بالسّحاب تحمل الماء.

(440)

هي السّفن الموقرة بالنّاس و أمتاعهم.

(ابن عطيّة 5:171)

الفرّاء: يعني السّحاب،لحملها الماء.(3:82)

نحوه الزّمخشريّ(4:13)،و الكاشانيّ(5:67)، و البروسويّ(9:147)،و الآلوسيّ(27:2).

الطّبريّ: يقول:فالسّحاب الّتي تحمل وقرها من الماء.(26:187)

أبو مسلم الأصفهانيّ: أنّها الرّياح[يحملن] و قرا بالسّحاب،فتكون الرّيح الأولى مقدّمة السّحاب، لأنّ أمام كلّ سحابة ريحا،و الرّيح الثّانية حاملة السّحاب،لأنّ السّحاب لا يستقلّ و لا يسير إلاّ بريح.و تكون الرّيح الثّانية تابعة للرّيح الأولى من غير توسّط.(الماورديّ 5:361)

الماورديّ: فيها قولان:أحدهما:أنّها السّحب يحملن و قرا بالمطر.الثّاني:[قول أبي مسلم الأصفهانيّ]

و يجرى فيه احتمال قول ثالث:أنّهنّ الحاملات من النّساء إذا ثقلن بالحمل.(5:361)

ابن عطيّة: و قال جماعة من العلماء:هي أيضا مع هذا[قول ابن عبّاس]جميع الحيوان الحامل،و في جميع ذلك معتبر.و(وقرا)مفعول صريح.(5:171)

البيضاويّ: فالسّحب الحاملة للأمطار أو الرّياح الحاملة للسّحاب،أو النّساء الحوامل،أو أسباب ذلك.

(2:419)

نحوه أبو السّعود(6:133)،و المراغيّ(26:173).

الطّباطبائيّ: إقسام بالسّحب الحاملة لثقل الماء.

(18:365)

حمّالة

وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ. اللّهب:4

ص: 946


1- لم نجده في كتابه.

راجع ح ط ب:«الحطب».

حمل-حملها

1- ...إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*... وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها... الحجّ:1،2

ابن عبّاس: و تضع الحوامل ما في بطونها من الأولاد.(277)

الحسن :ألقت الحوامل ما في بطونها لغير تمام.

(الطّبريّ 17:114)

الطّبريّ: يقول:و تسقط كلّ حامل من شدّة كرب ذلك حملها.(17:114)

نحوه الثّعلبيّ.(7:6)

القمّيّ: كلّ امرأة تموت حاملة،عند زلزلة السّاعة، تضع حملها يوم القيامة.(2:78)

السّجستانيّ: ما تحمل الإناث في بطونها.

و الحمل:ما كان على ظهر أو رأس.(127)

النّقّاش:إنّ المراد ب كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ من مات من الإناث و ولدها في جوفها.(ابن عطيّة 4:106)

القفّال:يحتمل أن يقال:من ماتت حاملا أو مرضعة،تبعث حاملا أو مرضعة،تضع حملها من الفزع.

(الفخر الرّازيّ 23:4)

الطّوسيّ: هذا تهويل ليوم القيامة،و تعظيم لما يكون فيه من الشّدّة،على وجه لو كان هناك مرضعة لشغلت عن الّذي ترضعه،و لو كان هناك حامل لأسقطت من هول ذلك اليوم،و إن لم يكن هناك حامل و لا مرضعة.(7:289)

نحوه مغنيّة.(5:308)

الواحديّ: يعني:من هول ذلك اليوم،و هذا يدلّ على أنّ هذه الزّلزلة تكون في الدّنيا،لأنّ بعد البعث لا يكون حبلى،و عند شدّة الفزع تلقي المرأة جنينها.

(3:257)

البغويّ: أي تسقط ولدها من هول ذلك اليوم.[ثمّ قال بعد نقل قول الحسن]

و هذا يدلّ على أنّ هذه الزّلزلة تكون في الدّنيا،لأنّ بعد البعث لا يكون حمل.و من قال:تكون في القيامة قال:هذا على وجه تعظيم الأمر لا على حقيقته، كقولهم:أصابنا أمر يشيب منه الوليد،يريد به:شدّته.

(3:322)

نحوه الطّبرسيّ(4:70)،و الفخر الرّازيّ(23:4).

ابن عطيّة: [نقل قول النّقّاش و قال:]

هذا ضعيف.(4:106)

البيضاويّ: جنينها.(2:84)

مثله الكاشانيّ.(3:361)

البقاعيّ: أي تسقطه قبل التّمام رعبا و فزعا، و هي من ماتت حاملا-و اللّه أعلم-فإنّ كلّ أحد يقوم على ما مات عليه.(5:131)

نحوه الشّربينيّ.(2:536)

أبو السّعود :أي تلقي جنينها لغير تمام،كما أنّ المرضعة تذهل عن ولدها لغير فطام.و هذا ظاهر على قول علقمة و الشّعبيّ،[في أنّ الزّلزلة تكون عند طلوع

ص: 947

الشّمس من مغربها]

و أمّا على ما روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما [زلزلة السّاعة قيامها]فقد قيل:إنّه تمثيل لتهويل الأمر، و فيه أنّ الأمر حينئذ أشدّ من ذلك و أعظم و أهول ممّا وصف و أطمّ.

و قيل:إنّ ذلك يكون عند النّفخة الثّانية،فإنّهم يقومون على ما صعقوا في النّفخة الأولى،فتقوم المرضعة على إرضاعها و الحامل على حملها.و لا ريب في أنّ قيام النّاس من قبورهم بعد النّفخة الثّانية لا قبلها حتّى يتصوّر ما ذكر.(4:365)

الآلوسيّ: أي تلقي ذات جنين جنينها لغير تمام، و إنّما لم يقل:و تضع كلّ حاملة ما حملت على وزان ما تقدّم،لما أنّ ذلك ليس نصّا في المراد،و هو وضع الجنين، بخلاف ما في النّظم الجليل،فإنّه نصّ فيه،لأنّ«الحمل» بالفتح ما يحمل في البطن من الولد،و إطلاقه على نحو الثّمرة في الشّجرة للتّشبيه بحمل المرأة،و للتّنصيص على ذلك من أوّل الأمر لم يقل:و تضع كلّ حاملة حملها، كذا قيل.

و تعقّب بأنّ في دعوى تخصيص الحمل بما يحمل في البطن من الولد،و أنّ إطلاقه على نحو الثّمرة في الشّجرة للتّشبيه بحثا.[ثمّ نقل بعض الأقوال في الفرق بين الحمل بالفتح و بالكسر ثمّ قال:]

و قيل:المتبادر وضع الجنين بأيّ عبارة كان التّعبير، إلاّ أنّ ذات حمل أبلغ في التّهويل من حامل أو حاملة، لإشعاره بالصّحبة المشعر بالملازمة،فيشعر الكلام بأنّ الحامل تضع إذ ذاك الجنين المستقرّ في بطنها،المتمكّن فيه.هذا مع ما في الجمع بين ما يشعر بالمصاحبة و ما يشعر بالمفارقة و هو الوضع من اللّطف،فتأمّل فلمسلك الذّهن اتّساع.(17:112)

الطّباطبائيّ: و ظاهر الآية:أنّ هذه الزّلزلة قبل النّفخة الأولى الّتي يخبر تعالى عنها بقوله: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ الزّمر:68،و ذلك لأنّ الآية تفرض النّاس في حال عادية،تفاجئهم فيها زلزلة السّاعة،فتنقلب حالهم من مشاهدتها إلى ما وصف،و هذا قبل النّفخة الّتي تموت بها الأحياء قطعا.(14:339)

فضل اللّه :و تسقط الحامل ولدها من بطنها من شدّة الذّهول،و تطرح كلّ ذات حمل ما يثقلها ممّا تحمله، مهما كان عزيزا عليها،لأنّها لا تعي كلّ ما حولها،و لا تملك المقدرة على الاهتمام بأيّ شيء،سوى نفسها الّتي تخاف عليها السّقوط،تحت مؤثّرات الرّعب القاتل.

(16:11)

لاحظ ز ل ز ل:«زلزلة».

2- ...وَ إِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ... الطّلاق:6

ابن عبّاس: وَ لا تَحْمِلْ: الحبالى، حَمْلَهُنَّ: ولدهنّ.(476)

ص: 948

الأحمال

وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ... الطّلاق:4

حمّل-حمّلتم

قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ. النّور:54

ابن عبّاس: فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ: ما أمر من التّبليغ، وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ: ما أمرتم من الإجابة.

(298)

السّدّيّ: عليه أن يبلّغ ما أرسل إليكم،و عليكم أن تطيعوه و تعملوا بأمره.(362)

ابن قتيبة :أي على الرّسول ما حُمِّلَ من التّبليغ، وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ من القبول،أي ليس عليه ألاّ تقبلوا.(306)

الطّبريّ: فإنّما عليه فعل ما أمر بفعله،من تبليغ رسالة اللّه إليكم،على ما كلّفه من التّبليغ، وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ يقول:و عليكم أيّها النّاس أن تفعلوا ما ألزمكم،و أوجب عليكم،من اتّباع رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، و الانتهاء إلى طاعته،فيما أمركم و نهاكم.(18:158)

القمّيّ: ما حمّل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من النّبوّة وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ من الطّاعة.(2:108)

النّحّاس: و المعنى:«فان تتولوا»ثمّ حذف، و يدلّ على أنّ بعده وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ و لم يقل:

و عليهم.

و المعنى:فإنّما على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم التّبليغ،و عليكم القبول،و ليس عليه أن تقبلوا.(4:549)

الماورديّ: أي عليه ما حمّل من إبلاغكم، و عليكم ما حمّلتم من طاعته.

و يحتمل وجها ثانيا:أنّ عليه ما حمّل من فرض جهادكم،و عليكم ما حمّلتم من وزر عباده.(4:117)

الطّوسيّ: فَإِنَّما عَلَيْهِ يعني على المتولّي جزاء ما حمّل،أي كلّف،فإنّه يجازى على قدر ذلك، و عليكم جزاء ما كلّفتم إذا خالفتم.(7:454)

الزّمخشريّ: يريد فإن تتولّوا فما ضررتموه و إنّما ضررتم أنفسكم،فإنّ الرسول ليس عليه إلاّ ما حمّله اللّه و كلّفه من أداء الرّسالة،فإذا أدّى فقد خرج عن عهدة تكليفه،و أمّا أنتم فعليكم ما كلّفتم من التّلقّي بالقبول و الإذعان.

فإن لم تفعلوا و تولّيتم فقد عرّضتكم نفوسكم لسخط اللّه و عذابه،و إن أطعتموه فقد أحرزتم نصيبكم من الخروج عن الضّلالة إلى الهدى،فالنّفع و الضّرر عائدان إليكم،و ما الرّسول إلاّ ناصح و هاد،و ما عليه إلاّ أن يبلغ ما له نفع في قبولكم،و لا عليه ضرر في تولّيكم.

(3:73)

ابن الجوزيّ: ما حُمِّلَ من التّبليغ، وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ من الطّاعة،و ذكر بعض المفسّرين أنّ هذا منسوخ بآية السّيف،و ليس بصحيح.

(6:56)

أبو السّعود : ما حُمِّلَ أي أمر به من التّبليغ،

ص: 949

و قد شاهدتموه عند قوله:أطيعوا اللّه و الرّسول، وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ أي ما أمرتم به من الطّاعة.

و لعلّ التّعبير عنه بالتّحميل للإشعار بثقله،و كونه مئونة باقية في عهدتهم بعد،كأنّه قيل:و حيث تولّيتم عن ذلك فقد بقيتم تحت ذلك الحمل الثّقيل،و ما حُمِّلَ محمول على المشاكلة.(4:477)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و لعلّ التّعبير بالتّحميل أوّلا للإشعار بثقل الوحي في نفسه،و ثانيا للإشعار بثقل الأمر عليهم.[إلى أن قال:]

و الفاء واقعة في جواب الشّرط و ما بعدها قائم مقام الجواب أو جواب على حدّ ما في وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ، كأنّه قيل:فإن تتولّوا فاعلموا إنّما عليه إلخ.هذا و اختار بعضهم دخول الجملة الشّرطيّة في حيّز القول.

قال الطّيّبيّ: الظّاهر أنّه تعالى أمر رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يقول لهم:أطيعوا اللّه و أطيعوا الرّسول و لا يخاف مضرّتهم،فكان أصل الكلام:قل أطيعوا اللّه و أطيعوا الرّسول،فإن تولّوا فإنّما عليك ما حمّلت و عليهم ما حمّلوا،بمعنى فما يضرّونك شيئا،و إنّما يضرّون أنفسهم، على الماضي و الغيبة في(تولّوا)،فصرف الكلام إلى المضارع.

و الخطاب في«تتولّوا»بحذف إحدى التّاءين،بمعنى فما ضررتموه و إنّما ضررتم أنفسكم،لتكون المواجهة بالخطاب أبلغ في تبكيتهم،و جعل ذلك جاريا مجرى الالتفات،و جعله غيره التفاتا حقيقيّا من حيث إنّهم جعلوا أوّلا غيبا؛حيث أمر الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بخطابهم بقل لهم، ثمّ خوطبوا بأن تتولّوا،استقلالا من اللّه تعالى لا من رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم.و لا يخفى أنّ حمل الآية على الخطاب الاستقلاليّ غير الدّاخل تحت القول أدخل في التّبكيت.

(18:200)

و قد تركنا نصوصا كثيرة نحوها حذرا من التّكرار.

حمّلوا

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها... الجمعة 5 راجع(يحمل).

حمّلنا

قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَ لكِنّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السّامِرِيُّ.

طه:87

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و بعض المكّيّين (حمّلنا) بضمّ الحاء و تشديد الميم،بمعنى أنّ موسى يحمّلهم ذلك.و قرأته عامّة قرّاء الكوفة و البصرة و بعض المكّيّين (حملنا) بتخفيف الحاء و الميم و فتحهما،بمعنى أنّهم حملوا ذلك، من غير أن يكلّفهم حمله أحد.

و القول عندي في تأويل ذلك:أنّهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى،لأنّ القوم حملوا،و أنّ موسى قد أمرهم بحمله،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب الصّواب.

(16:199)

أبو زرعة:قرأ أبو عمرو و حمزة و أبو بكر و الكسائيّ (و لكنّا حملنا) بالتّخفيف؛و ذلك أنّ القوم حملوا ما كان

ص: 950

معهم من حليّ آل فرعون،و حجّتهم قوله:

فَقَذَفْناها، و كذلك(حملنا)،فيكون الفعل مسندا إليهم،كما أنّ«قذفنا»مسند إليهم.

قرأ نافع و ابن كثير و ابن عامر و حفص: (حمّلنا) على ما لم يسمّ فاعله،أي أمرنا بحملها و حمّلنا السّامريّ، تقول:حمّلني فلان كذا،أي كلّفك حمله،فلمّا لم يسمّ السّامريّ،رفعت المفعول و ضممت أوّل الفعل.(412)

نحوه القرطبيّ.(11:234)

الفخر الرّازيّ: [ذكر القراءتين نحو أبي زرعة و قال:]

و من قرأ بالتّشديد ففيه وجوه:

أحدها:أنّ موسى عليه السّلام حمّلهم على ذلك،أي أمرهم باستعارة الحليّ و الخروج بها،فكأنّه ألزمهم ذلك.

و ثانيها:جعلنا كالضّامن لها إلى أن نؤدّيها،إلى حيث يأمرنا اللّه.

و ثالثها:أنّ اللّه تعالى حمّلهم ذلك،على معنى أنّه ألزمهم فيه حكم المغنم.(22:103)

احتمل

1- وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً. النّساء:112

ابن عبّاس: فقد أوجب على نفسه.(80)

الطّبريّ: فقد تحمّل.(5:274)

مثله الشّربينيّ(1:331)،و نحوه الطّوسيّ(3:

323).

ابن عطيّة:تشبيه،إذ الذّنوب ثقل و وزر،فهي كالمحمولات.(2:111)

مثله القرطبيّ.(5:381)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى ما يلحقه من الذّمّ العظيم في الدّنيا.(11:38)

الآلوسيّ: فَقَدِ احْتَمَلَ بما فعل من رمي البريء،و قصده تحميل جريرته عليه،و هو أبلغ من «حمل»،و قيل:«افتعل»بمعنى«فعل»كاقتدر و قدر.

(5:142)

المراغيّ: فقد كلّف نفسه وزر البهتان.

(5:151)

عبد الكريم الخطيب :فقد اكتسبوا جرما آخر إلى جرمهم.(3:893)

مغنيّة:فإنّه يعاقب عقاب المفتري المتعمّد.

(2:433)

الطّباطبائيّ: في تسمية نسبة العمل السّيّئ إلى الخير رميا-و الرّمي يستعمل في مورد السّهم-و كذا في إطلاق الاحتمال على قبول وزر البهتان استعارة لطيفة، كأنّ المفتري يفتك بالمتّهم البريء برميه بالسّهم، فيوجب له فتكه أن يتحمّل حملا يشغله عن كلّ خير مدى حياته،من غير أن يفارقه.(5:77)

2- أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً... الرّعد:17

الطّوسيّ: فالاحتمال:رفع الشّيء على الظّهر بقوّة

ص: 951

الحامل له،و يقال:علا صوته على فلان فاحتمله،و لم يغضبه،فقوله هذا يحتمل وجهين:معناه:له قوّة يحمل بها الوجهين.(6:239)

البيضاويّ: رفعه.(1:517)

أبو السّعود :أي حمل معه.(3:449)

البروسويّ: أي حمل و رفع.(4:359)

الآلوسيّ: أي حمل،و جاء«افتعل»بمعنى المجرّد، كاقتدر و قدر.(13:130)

حمل

قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ. يوسف:72

قتادة :وقر بعير.(الطّبريّ 13:19)

مجاهد :حمل طعام.

حمل حمار.(الطّبريّ 13:19)

الطّبريّ: يقول:و لمن جاء بالصّواع حمل بعير من الطّعام.(13:19)

مثله الزّجّاج(3:120)،و نحوه الآلوسيّ(13:25).

القرطبيّ: إن قيل:كيف ضمن حمل البعير و هو مجهول،و ضمان المجهول لا يصحّ؟

قيل له:حمل البعير كان معيّنا معلوما عندهم كالوسق،فصحّ ضمانه،غير أنّه كان بدل مال للسّارق، و لا يحلّ للسّارق ذلك،فلعلّه كان يصحّ في شرعهم،أو كان هذا جعالة و بذل مال لمن كان يفتّش و يطلب.

(9:232)

حمولة

وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ...

الأنعام:142

ابن مسعود:«الحمولة»:ما حمل من الإبل، و«الفرش»هنّ الصّغار.(الطّبريّ 8:63)

ابن عبّاس: حَمُولَةً ما يحمل عليها،مثل الإبل و البقر وَ فَرْشاً ما لا يحمل عليها،مثل الغنم و صغار الإبل.(121)

نحوه أبو عبيدة(1:207)،و الواحديّ(2:330)، و البغويّ(2:165).

الحمولة:فالإبل و الخيل و البغال و الحمير،و كلّ شيء يحمل عليه،و أمّا الفرش:فالغنم.

(الطّبريّ 8:63)

مجاهد :الحمولة:ما حمل من الإبل و الفرش ما لم يحمل.(الطّبريّ 8:62)

نحوه السّجستانيّ.(63)

الضّحّاك: الحمولة:الإبل،و الفرش:الغنم.

(الطّبريّ 8:64)

الحسن :الحمولة:ما حمل عليه،و الفرش:

حواشيها،يعني صغارها.(الطّبريّ 8:63)

قتادة :الحمولة:فالإبل و البقر،و أمّا الفرش:

فالغنم.

نحوه الرّبيع بن أنس.(الطّبريّ 8:63)

السّدّيّ: أمّا الحمولة فالإبل،و أمّا الفرش

ص: 952

فالفصلان و العجاجيل و الغنم،و ما حمل عليه فهو حمولة.

(253)

ابن زيد :الحمولة:ما تركبون،و الفرش:ما تأكلون و تحلبون،شاة لا تحمل،تأكلون لحمها، و تتّخذون من أصوافها لحافا و فرشا.(الطّبريّ 8:64)

نحوه مغنيّة.(3:273)

الفرّاء: أنشأ لكم من الأنعام حمولة،يريد:ما أطاق الحمل و العمل،و الفرش:الصّغار.(1:359)

ابن قتيبة :الحمولة:كبار الإبل الّتي يحمل عليها، و الفرش:صغارها الّتي لم تدرك،أي لم يحمل عليها، و هي ما دون الحقاق،و الحقاق:هي الّتي صلح أن تركب،أي حقّ ذلك.(162)

الجبّائيّ: إنّ الفرش ما يفرش من أصوافها و أوبارها،و يرجع الصّفتان إلى الأنعام،أي من الأنعام ما يحمل عليه،و منها ما يتّخذ من أوبارها و أصوافها ما يفرش و يبسط.(الطّبرسيّ 2:376)

نحوه النّحّاس.(القرطبيّ 7:112)

الطّبريّ: و الصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال:إنّ الحمولة هي ما حمل من الأنعام،لأنّ ذلك من صفتها إذا حملت،لا أنّه اسم لها كالإبل و الخيل و البغال، فإذا كانت إنّما سمّيت حمولة لأنّها تحمل،فالواجب أن يكون كلّ ما حمل على ظهره من الأنعام فحمولة،و هي جمع لا واحد لها من لفظها،كالرّكوبة و الجزورة.

و كذلك الفرش إنّما هو صفة لما لطف،فقرب من الأرض جسمه،و يقال له:الفرش،و أحسبها سمّيت بذلك تمثيلا لها في استواء أسنانها،و لطفها بالفرش من الأرض،و هي الأرض المستوية الّتي يتوطّؤها النّاس.

فأمّا الحمولة بضمّ الحاء:فإنّها الأحمال،و هي الحمول أيضا بضمّ الحاء.(8:64)

نحوه الطّوسيّ.(4:321)

أبو مسلم الأصفهانيّ: الافتراش الإضجاع للنّحر،فتكون الحمولة كبارها،و الفرش صغارها.[ثمّ استشهد بشعر](الماورديّ 2:179)

الثّعلبيّ: حَمُولَةً بمعنى كلّ ما محمّل عليها و يركب،مثل كبار الإبل و البقر و الخيل و البغال و الحمير، سمّيت بذلك لأنّها تحمل أثقالهم.

و الحمولة:الأحمال.

و قال أهل اللّغة:«الفعولة»بفتح الفاء إذا كانت يعني الفاعل،استوى فيه المذكّر و المؤنّث،نحو قولك:رجل فروقة و امرأة فروقة للجبان و الخائف،و رجل صرورة و امرأة صرورة إذا لم يحجّا،و إذا كانت بمعنى«المفعول» فرّق بين الذّكر و الأنثى بالهاء كالخلويّة و الزّكويّة.

وَ فَرْشاً و الفرش:ما يؤكل و يحلب و لا يحمل عليه،مثل الغنم و الفصلان و العجاجيل،سمّيت فرشا للطافة أجسامها و قربها من الفرش،هي الأرض المستوية،و أصل الفرش:الخفّة و اللّطافة،و منه فراشة العقل و فراش العظام.و الفرش أيضا:نبت ملتصق بالأرض،تأكله الإبل.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(4:199)

الزّمخشريّ: أي و أنشأ من الأنعام ما يحمل

ص: 953

الأثقال و ما يفرش للذّبح أو ينسج من وبره و صوفه و شعره الفرش.و قيل:الحمولة:الكبار الّتي تصلح للحمل.و الفرش:الصّغار كالفصلان و العجاجيل و الغنم،لأنّها دانية من الأرض للطافة أجرامها،مثل الفرش المفروش عليها.(2:56)

نحوه البيضاويّ(1:334)،و أبو السّعود(2:

452)،و الكاشانيّ(2:164)،و البروسويّ(3:

112)،و الآلوسيّ(8:39)

ابن الجوزيّ: [و نقل الأقوال في معنى الحمولة و الفرش و أضاف:]

و قرأ عكرمة و أبو المتوكّل و أبو الجوزاء (حمولة) بضمّ الحاء.(3:137)

الفخر الرّازيّ: كثر أقوالهم في تفسير الحمولة و الفرش،و أقربها إلى التّحصيل وجهان.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](13:216)

أبو حيّان :[نقل بعض الأقوال و أضاف:]

أو ما قاله الماتريديّ[الحمولة]:مراكب النّساء، و الفرش:ما يكون للنّساء،أو ما قاله أيضا:كلّ شيء من الحيوان يقال له:فرش،تقول العرب:أفرشه اللّه كذا،أي جعله له.[إلى أن قال:]

و قدّم الحمولة على الفرش،لأنّها أعظم في الانتفاع؛ إذ ينتفع بها في الحمل و الأكل.(4:239)

الطّباطبائيّ: الحمولة:أكابر الأنعام لإطاقتها الحمل،و الفرش:أصاغرها،لأنّها كأنّها تفترش على الأرض،أو لأنّها توطأ كما يوطأ الفرش.(7:364)

مكارم الشّيرازيّ: (حمولة):جمع و ليس لها مفرد -كما قال علماء اللّغة-و هي بمعنى الحيوانات الكبيرة الّتي تحمل و تنقل كالإبل،و الفرس و نظائرها.

و فرش هو بنفس المعنى المتعارف،و لكن فسّر هنا بالغنم و ما يشابهه من الحيوانات الصّغيرة.و الظّاهر أنّ العلّة في ذلك هو أنّ هذا النّوع من الأنعام لصغرها و اقترابها من الأرض على العكس من الأنعام و الحيوانات الكبيرة الجثّة-الّتي تقوم بعمليّة الحمل و النّقل،كالإبل-تكاد تكون كالفراش،فكلّما شاهدناها و هي قد اشتغلت-أي هذه الأنعام الصّغيرة-بالرّعي في الصّحاري،و انتشرت في المراعي،بدت لنا و كأنّها فرش ممدودة على الأرض،في حين أنّ قطيع الإبل لا يكون له مثل هذا المنظر.و إنّ تقابل«الحمولة» ل«الفرش»أيضا يؤيّد هذا المعنى.

و قد ذهب بعض المفسّرين إلى احتمال آخر أيضا، و هو أنّ المراد من هذه الكلمة هي الفرش الّتي يتّخذها النّاس من هذه الأنعام و الحيوانات،يعني أنّ الكثير من هذه الحيوانات تستخدم للحمل و النّقل،كما يستفاد منها في صنع الفرش،و لكنّ الاحتمال الأوّل أقرب إلى معنى الآية.(4:453)

فضل اللّه :حيث سخّرها اللّه لنا لنركب على ظهورها و لتحملنا و تحمل أثقالنا إلى بلد لا نبلغه إلاّ بشقّ الأنفس،كما ألهمنا اللّه أن نستخدم من صوفها و وبرها فراشا نجلس عليه،و رزقنا من لحومها و شحومها و ألبانها الرّزق الطّيّب الّذي أباح لنا أكله و شربه،و استطابه لنا،

ص: 954

و لم يحرّم علينا شيئا منه،إلاّ ما كان فيه ضرر على البدن.

(9:348)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الحمل على ثمانية أوجه:

أحدها:السّوق،كقوله: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ البقرة:248.

و الثّاني:ألزمهم،كقوله: وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ الأنعام:31،و قوله: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ النّحل:25.

و الثّالث:الحمل من السّفينة،كقوله: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ هود:40،و قوله:

وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ القمر:13.

و الرّابع:الحمل في البطن،كقوله: اَللّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى الرّعد:8،و قوله: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مريم:22،و قوله: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ لقمان:14،و قوله: وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً الأحقاف:15،و قوله: وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى في فاطر:11،و حم السّجدة:47.

و الخامس:الحمل على الدّوابّ،كقوله: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ النّحل:7،و قوله: وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الإسراء:70،في البرّ:على الدّوابّ،و في البحر:على السّفن.

و السّادس:الأمر،كقوله: فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ النّور:54،و قوله: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً الجمعة:5.

و السّابع:العمل،كقوله: ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها الجمعة:5.

و الثّامن:الحمل على الظّهر،كقوله: وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ اللّهب:4.(209)

الدّامغانيّ: الحمل على ثمانية أوجه:القبول، الإركاب،الإمساك،الأثقال على الدّوابّ و تسخيرها، الإنفاق،الإلزام،الحمل بعينه،الحبل.

فوجه منها:الحمل يعني القبول،قوله في سورة الأحزاب:72، وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ يعني و قبلها الإنسان.

و الوجه الثّاني:الحمل يعني الإركاب على السّفن، قوله:في سورة الحاقّة:11، إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ أي أركبناكم السّفينة و حفظناكم فيها،كقوله:في سورة القمر:13، وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ أي حفظناه و اركبناه،و نحوه كثير، كقوله:في سورة الإسراء:70، وَ حَمَلْناهُمْ أي حفظناهم.

و الوجه الثّالث:الحمل:الإمساك،قوله:في سورة الحاقّة:17، وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ أي يمسك عرش ربّك فَوْقَهُمْ، كقوله:المؤمن:7، اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ أي يمسكون العرش.

و الوجه الرّابع:الحمل هو تسخير الدّوابّ،كقوله:

في سورة النّحل:7، تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ أي تشدّون أثقالكم عليها.

و الوجه الخامس:الحمل:المؤنة و النّفقة،كقوله:في

ص: 955

سورة التّوبة:92، وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ أي تمؤنهم بالنفقة عليهم.

و الوجه السّادس:الحمل:الإلزام،كقوله:في سورة العنكبوت:13، وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ أي ليلزمنّ أوزارهم،و كقوله: وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ العنكبوت:

12،يعني نلتزم خطاياكم.

و الوجه السّابع:الحمل بعينه،قوله:في سورة تبّت:

4، وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ أي حمّالة الشّوك على ظهرها،كقوله:في سورة يوسف:36، إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً هو الحمل بعينه،و نحوه كثير.

و الوجه الثّامن:الحمل:الحبل،قوله:في سورة الطّلاق:4، وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ يعني الحبل،كقوله:في سورة مريم:22، فَحَمَلَتْهُ أي حبلته.(269)

الفيروزآباديّ: الحمل ورد في القرآن على اثني عشر وجها:

الأوّل:بمعنى قبول الأمانة وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ الأحزاب:72،أي قبلها.

الثّاني:بمعنى الحفظ و الرّعاية حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ الحاقّة:11، وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ القمر:13،أي حفظناه.

الثّالث:بمعنى الضّبط بشدّة القوّة اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ المؤمن:7، وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ الحاقّة:17.

الرّابع:بمعنى الرّفع وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ النّحل:7.

الخامس:بمعنى تحمّل المؤنة و النّفقة وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ التّوبة:92،أي لتنفق عليهم.

السّادس:بمعنى الإلزام و طرح الحرم و الجناية وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ العنكبوت:13، وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ العنكبوت:12.

السّابع:حمل الوالدة فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً الأعراف:189، وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ الطّلاق:4.

الثّامن:بمعنى الولد في الرّحم أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ الطّلاق:4.

التّاسع:في وضع الشّيء في موضعه عناية به قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ هود:40.

العاشر:بمعنى الإيجاب و الإلزام مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ الجمعة:5.

الحادي عشر:بمعنى التّقصير في الواجبات ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها الجمعة:5.

الثّاني عشر:بمعنى حقيقة الحمل إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً يوسف:36، وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ اللّهب:4،أي حاملة الشّوك.

بصائر ذوي التّمييز(2:502)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحمل،أي الرّفع.يقال:

ص: 956

حمل الشّيء يحمله حملا و حملانا،و احتمله،أي رفعه، فهو محمول و حميل،و حمله على الدّابّة:رفعه و وضعه عليها،و استحمله:سأله أن يحمله،و حمل الشّيء على ظهره،و أحمل الرّجل:أعانه على الحمل،و الحمّال:

حامل الأحمال،و حرفته الحمالة.

و الحمل:ما حمل على ظهر أو رأس؛و الجمع:أحمال و حمول.يقال:أحمله الحمل،أي أعانه عليه،و حمّله:

فعل ذلك به.

و الحملان:ما يحمل عليه من الدّوابّ في الهبة خاصّة،و أجر ما يحمل أيضا.

و الحمولة:كلّ ما احتمل عليه الحيّ-أي الحيوان- من بعير أو حمار أو غير ذلك،سواء كانت عليها أثقال أو لم تكن.

و الحمولة:الأحمال بأعيانها،و الحمول:الإبل و ما عليها؛و الواحد:حمل،و ناقة محمّلة:مثقلة.

و المحمل:واحد محامل الحجّاج.

و المحمل:الّذي يركب عليه.يقال:احتمل القوم و تحمّلوا،أي ذهبوا و ارتحلوا،و المحمل و الحاملة:

الزّبيل الّذي يحمل فيه العنب إلى الجرين.

و الحمل:ما كان في بطن أو على رأس شجرة؛ و الجمع:أحمال.يقال:حملت المرأة ولدها تحمل حملا، أي حبلت،و هي حامل و حاملة،و حملت الشّجرة تحمل حملا:أثمرت،و هي حامل.

و الحميل:الولد في بطن أمّه إذا أخذت من أرض الشّرك إلى بلاد الإسلام،و المنبوذ يحمله قوم فيربّونه.

و حميل السّيل:ما يحمل من الغثاء و الطّين؛و الجمع:

حمائل،و الحومل:السّيل الصّافي.

و الحمالة:علاقة السّيف؛و الجمع:حمائل،و هو المحمل؛و الجمع:محامل،و الحميلة أيضا.

و حوامل القدم و الذّراع:عصبها،و الحوامل:

الأرجل؛واحدتها:حاملة.

و الحمل:الجذع من ولد الضّأن فما دونه؛و الجمع:

حملان و أحمال،و هو برج من بروج السّماء.يقال:هذا حمل طالحا،و النّوء أيضا،يقال:مطرنا بنوء الحمل، و السّحاب الكثير الماء.

و المحمل من النّساء و الإبل:الّتي ينزل لبنها من غير حبل،و قد أحملت.

و الحمالة:الدّية و الغرامة الّتي يحملها قوم عن قوم؛ يقال:تحمّل الحمالة،أي حملها،و حمل به حمالة:كفل، و الحميل:الكفيل،و رجل حمّال:يحمل الكلّ عن النّاس.

و الحملة:الكرّة في الحرب.يقال:حمل عليه في الحرب حملة منكرة،و حمل على بني فلان:أرّش بينهم، و حمله على الأمر يحمله حملا فانحمل:أغراه به،و حمّله الأمر تحميلا و حمّالا،فتحمّله تحمّلا و تحمالا،و استحمله نفسه:حمّله حوائجه و أموره.

و حمل على نفسه في السّير:جهدها فيه،و حمّله الرّسالة:كلّفه حملها،و تحامل في الأمر و به:تكلّفه على مشقّة و إعياء،و تحامل عليه:كلّفه ما لا يطيق،و تحامل الشّيء:تكلّفه على مشقّة،و تحامل على نفسه:تكلّف

ص: 957

الشّيء على مشقّة.

و احتمل الصّنيعة:تقلّدها و شكرها،و هو من الحمل،و حمل فلانا و تحمّل به و عليه في الشّفاعة و الحاجة:اعتمد،و المحمل:المعتمد.يقال:ما عليه محمل،أي معتمد،و ما عليه محمل:موضع لتحميل الحوائج،و ما على البعير محمل من ثقل الحمل.

و حمل عنه:حلم،و رجل حمول:صاحب حلم، و يقال للّذي يحلم عمّن يسبّه:قد احتمل،فهو محتمل، و المحامل:الّذي يقدر على جوابك فيدعه إبقاء على مودّتك.و حمل فلان الحقد على نفسه:أكنّه في نفسه و اضطغنه.

و احتمل الرّجل:غضب،و فلان لا يحمل:يظهر غضبه.و يقال للرّجل إذا استخفّه الغضب:قد احتمل و أقلّ.

2-و حمائل الذّكر و حوامله،أي عروقه،من«ح ب ل»كما تقدّم فيها،لأنّ«الميم»مبدلة من«الباء»، كقولهم:أصابتنا أزمة و أزبة،و آزمة و آزبة،أي ضيق و شدّة.

3-و شاع في عصرنا استعمال لفظ حملة العلم،أي العلماء،و حملة الأقلام،أي الكتّاب،قياسا بقول العرب في صدر الإسلام:حملة العرش،و حملة القرآن،و هو جمع حامل،مثل:كفرة،جمع كافر.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا الماضي معلوما 14 مرّة،و مجهولا مرّة،و المضارع معلوما 22 مرّة،و مجهولا 3 مرّات، و الأمر مرّة،و اسم الفاعل مذكّرا و مؤنّثا مرّتين،و المبالغة مرّتين أيضا،و المصدر و اسم المصدر مفردا 7 مرّات، و جمعا مرّة،و من باب«التّفعيل»الماضي مجهولا 4 مرّات، و المضارع معلوما مرّة،و من باب«الافتعال»الماضي معلوما 3 مرّات،في 50 آية:

1-حمل الخبز و الزّينة

1- ...وَ لكِنّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها... طه:87

2- ...وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً... يوسف:36

2-حمل الأنعام

3- ...وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما... الأنعام:146

4- وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ... التّوبة:92

5- وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ... النّحل:7

6- وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ... الأنعام:142

3-الحمل على الفلك

7- ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً الإسراء:3

8- ...وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ

ص: 958

وَ إِسْرائِيلَ... مريم:58

9- وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يس:41

10- إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ

الحاقّة:11

11- وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ

القمر:13

12- ...قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ... هود:40

13- وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ

المؤمنون:22

14- ...وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ المؤمن:80

15- وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ... الإسراء:70

4-حمل الأرض و الجبال و السّحاب

16- وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً

الحاقّة:14

17- وَ الذّارِياتِ ذَرْواً* فَالْحامِلاتِ وِقْراً

الذّاريات:1 و 2

5-حمل الملائكة

18- ...وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ... البقرة:248

6-حمل العرش

19- ...وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ... الحاقّة:17

20- اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... المؤمن:7

7-حمل التّكاليف و الأمانة.

21- ...رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ... البقرة:286

22- إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ... الأحزاب:72

23- مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً... الجمعة:5

8-حمل الوزر و الخطايا

24- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ العنكبوت:12

25- وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ... العنكبوت:13

26- وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً طه:111

27- مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً طه:100

28- لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ...

النّحل:25

29- ...وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى

ص: 959

ظُهُورِهِمْ... الأنعام:31

30- خالِدِينَ فِيهِ وَ ساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً

طه:101

31- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا... النّور:54

32- وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى... فاطر:18

33- وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:112

34- وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً

الأحزاب:58

9-حمل الرّزق

35- وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللّهُ يَرْزُقُها وَ إِيّاكُمْ... العنكبوت:60

10-حمل الامّ

36- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ... لقمان:14

37- ...حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً... الأحقاف:15

38- ...ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَ لا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ... فاطر:11

39- وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَ لا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ... فصّلت:47

40- اَللّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَ ما تَغِيضُ اَلْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ... الرّعد:8

41- تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها... الحجّ:2

42- ...وَ إِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ... الطّلاق:6

43- ...وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ... الطّلاق:4

44- ...فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ... الأعراف:189

45- فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا

مريم:22

46- فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا مريم:27

11-الاحتمال و الحمل و الحمّالة

47- ...فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً... الرّعد:17

48- قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ يوسف:72

49- وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ اللّهب:4 و 5

12-الحملة
اشارة

50- ...فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ... الأعراف:176

يلاحظ أوّلا:أنّ الحمل جاء بأنماط حقيقيّة و مجازيّة،على النّحو التّالي:

ص: 960

حمل الزّينة و الخبز

أ-الزّينة في(1): وَ لكِنّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ.

قرئ (حملنا) بتخفيف الميم،مبنيّا للفاعل بإسناد الفعل إليهم،كما أسند إليهم أيضا في قوله: فَقَذَفْناها، أي أنّهم حملوا حليّ الأقباط من غير أن يكلّفهم حملها أحد.

قال الفخر الرّازيّ: «من قرأ بالتّشديد ففيه وجوه:

أحدها:أنّ موسى عليه السّلام حمّلهم على ذلك،أي أمرهم باستعارة الحليّ و الخروج بها،فكأنّه ألزمهم ذلك.

و ثانيها:جعلنا كالضّامن لها إلى أن نؤدّيها إلى حيث يأمرنا اللّه.

و ثالثها:أنّ اللّه تعالى حمّلهم ذلك،على معنى أنّه ألزمهم فيه حكم المغنم».

ب-الخبز في(2): أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً.

يتعلّق(فوق)ب(احمل)،و هو ظرف مكان يفيد العلوّ و الارتفاع،و استعمل هنا لارتفاع رتبة الحامل(راسى) و المحمول(خبزا)،كما في قوله: وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ الحاقّة:17،فالحامل فيه الملائكة،و المحمول العرش،و لم يقترن(فوق)بسواهما في الحمل.و يضارعه«على»في هذا المعنى،إلاّ أنّه استعمل في الحمل لما دنت رتبته كالكلب: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ الأعراف:176، و الأوزار: وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ الأنعام:31.

حمل الأنعام في(3)إلى(6)

أ-(3): إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما و فيها بحثان:

1-فسّره المتقدّمون بما علق بظهور و جنوب البقر و الغنم من الشّحم،و استدرك الفخر الرّازيّ عليهم قائلا:

«ليس على الظّهر و الجنب شحم إلاّ اللّحم الأبيض السّمين الملتصق باللّحم الأحمر على هذا التّقدير،فذلك اللّحم السّمين الملتصق مسمّم بالشّحم».

2-اختلف في الاستثناء،أ هو منقطع أم متّصل؟قال بعض:هو منقطع،فلو حلف رجل لا يأكل شحما، فأكل من شحم البطن فقط،حنث في يمينه.و قال بعض آخر:هو متّصل،فهو يحنث إذا أكل شحم الظّهر أيضا.

ب-(4): لِتَحْمِلَهُمْ... ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ

عطفت هذه الآية على السّابقة،و التّقدير:ليس على الّذين جاءوك(لتحملهم)على دابّة تركب،أو على نعال و خفاف.و استبعد ابن عطيّة القول الأخير،و عدّه شاذّا،و هو قول الحسن.

و قال أنس بن مالك:«إنّه لم يجد لهم زادا،لأنّهم طلبوا ما يتزوّدون به».و لعلّهم طلبوا منه ما يحملون عليه زادهم،أي دابّة،فيرجع إلى القول الأوّل.

ج-(6): وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً و فيها بحثان أيضا:

1-الحمولة:ما يحمل عليها من الأنعام،كالإبل و الخيل و البغال و الحمير.قال أبو حيّان:«قدّم الحمولة على الفرش لأنّها أعظم في الانتفاع؛إذ ينتفع بها في الحمل و الأكل».

ص: 961

2-قال ابن الجوزيّ: «قرأ عكرمة و أبو المتوكّل و أبو الجوزاء (حمولة) بضمّ الحاء».و الحمولة:الأحمال، و هي الحمول أيضا،و التّقدير على هذه القراءة:أنشأ من الأنعام ذات حمولة و فرش،أي منها ظهر يركب كالخيل و البغال و الحمير،و منها ما يصنع الفرش كالغنم و المعز، أو كلاهما كالإبل مثلا.

الحمل على الفلك

أ-فلك نوح في(7)-(12)انظر:(ذرّيّة)،و(ألواح) و(دسر)،و(زوج).

(10): حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ و فيها بحثان أيضا:

1-قال أبو السّعود:«المراد بحملهم فيها[سفينة نوح]رفعهم فوق الماء إلى انقضاء أيّام الطّوفان،لا مجرّد رفعهم إلى السّفينة كما يعرب عنه كلمة(في)،فإنّها ليست بصلة للحمل،بل متعلّقة بمحذوف هو حال من مفعوله، أي رفعناكم فوق الماء،و حفظناكم حال كونكم في السّفينة الجارية بأمرنا و حفظنا.و فيه تنبيه على أنّ مدار نجاتهم محض عصمته تعالى،إنّما السّفينة سبب صوريّ».

2-اختلف في المحمول على قولين:الأوّل:آباء المخاطبين،فتجوّز في المخاطبين بإرادة آبائهم بعلاقة الحلول.و قال الطّباطبائيّ:«لكون الجميع نوعا واحدا، ينسب حال البعض منه إلى الكلّ».و قال الزّمخشريّ:

«كان حمل آبائهم منّة عليهم،و كأنّهم هم المحمولون،لأنّ نجاتهم سبب ولادتهم».

و الثّاني:المخاطبون أنفسهم في أصلاب آبائهم، بتقدير مضاف،و هو قول ابن عبّاس،أي حملنا آباءكم في السّفينة و أنتم معهم.

ب-الفلك عامّة في(13-15)

(13)و(14): وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ و فيهما بحوث:

1-قبلها في(13): وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِها وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ.

و قبلها في(14): اَللّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ* وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ....

فذكر في الأولى من منافع الأنعام السّقي من حليبها و الأكل من لحومها و الحمل عليها،و في الثّانية الرّكوب و الأكل منها،و بلوغ حاجة في الصّدور عليها،و الحمل عليها.

و قال في الأولى: وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ، و في الثّانية: وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ، فقد نصّ فيهما على أنّ منافعها أكثر ممّا ذكر.

2-المراد بالحمل فيهما-كما قال البيضاويّ-:

«الحمل على الإبل منها،لأنّها هي المحمول عليها عندهما،و هي المناسب للفلك،فإنّها سفائن البرّ».و لهذا قال في الثّانية: لِتَرْكَبُوا مِنْها، أي بعض منها قابل للرّكوب و الحمل،فكلمة(منها)فيها للتّبعيض و كرّرت بلحاظين:ففي لِتَرْكَبُوا مِنْها، أي لتركبوا بعض الأنعام لا كلّها،و في وَ مِنْها تَأْكُلُونَ، أي بعض الأعضاء من الأنعام لا كلّها.

ص: 962

و قال الآلوسيّ في وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها...: «لعلّ المراد بهذا الحمل حمل النّساء و الولدان عليها بالهودج [الى أن قال:]،و ذهب غير واحد إلى أنّ المراد بالأنعام؛ الأزواج الثّمانية فمعنى الرّكوب و الأكل منها تعلّقهما بالكلّ،لكن لا على أنّ كلاّ منهما يختصّ ببعض معيّن منها بحيث لا يجوز تعلّقه بما تعلّق به الآخر،بل على أنّ بعضها يتعلّق به الأكل فقط كالغنم و بعضها يتعلّق به كلاهما كالإبل و منهم من عدّ البقر أيضا».و المنافع تعمّ الكلّ، و بلوغ الحاجة عليها يعمّ البقر.

و قال أيضا:«أمّا حمل الأنعام من أوّل الأمر على الإبل فلا يناسب مقام الامتنان و لا سياق الكلام».

لاحظ ن ع م:«الأنعام».

3-قال أبو السّعود:«في الجمع بين الإبل و بين الفلك في إيقاع الحمل عليها مبالغة في تحمّلها للحمل،و هو الدّاعي إلى تأخير ذكر هذه المنفعة-مع كونها من المنافع الحاصلة منها-عن ذكر منفعة الأكل المتعلّقة بعينها».

و قال الآلوسيّ: «و الحمل بينها و بين الفلك في الحمل لما بينهما من المناسبة التّامّة حتّى سمّيت سفائن البرّ».

4-قال الآلوسيّ: «تقديم الجارّ قيل:لمراعاة الفواصل كتقديمه في وَ مِنْها تَأْكُلُونَ، و قيل:التّقديم هنا و فيما تقدّم للاهتمام».و لا مانع من الجمع بين الأمرين،كالجمع بين رعاية الفواصل و الحصر في إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ الفاتحة:4.

5-قال الزّمخشريّ: «فإن قلت:هلاّ قيل:(و في الفلك)بدل(على الفلك،)كما قال: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ هود:40.

قلت:معنى الإيعاء و معنى الاستعلاء كلاهما مستقيم،لأنّ الفلك وعاء لمن يكون فيها حمولة له يستعليها،فلمّا صحّ المعنيان صحّت العبارتان،و أيضا فليطابق قوله:(و عليها)و يزاوجه».

(15): وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ و فيها بحثان:

1-قال البيضاويّ: «حملناهم على الدّوابّ و السّفن،من:حملته حملا،إذا جعلت له ما يركبه.أو حملناهم فيهما حتّى لم تخسف بهم الأرض،و لم يغرقهم الماء».

2-إن قيل:نسب اللّه تعالى الحمل إليه،و هو معلوم في البرّ،لأنّ وسائطه من صنعه و خلقه،كالإبل و الخيل و الحمير و غيرها،فلم نسب هذا الفعل إليه في البحر و وسائطه من صنع الإنسان كالسّفن؟

قلنا:يريد صفات الحامل،فصفة الماء السّيولة، و صفة الخشب الطّفو على سطح الماء،كما صفة الإبل و الخيل و البغال و الحمير و غيرها الحمل و الانقياد، و ليس كالغنم و المعز و حمير الوحش و غيرها.

أو أنّ صنع الإنسان صنعه تعالى،لأنّه من سائر خلقه و صنع يده أيضا.و نحن نعلم أنّ صنع الفلك كان بتعليم اللّه نوحا عليه السّلام: فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا المؤمنون:27.

حمل الأرض و الجبال و السّحاب

أ-الأرض و الجبال في(16): وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ و فيها بحثان أيضا:

ص: 963

1-ذكرت أقوال كثيرة في حملهما،و منها ما جمعه الآلوسيّ،فقال:«رفعتا من أحيازهما بمجرّد القدرة الإلهيّة من غير واسطة مخلوق أو بتوسّط ريح أو ملك.

و قيل:أو بتوسّط الزّلزلة،أي بأن يكون لها مدخل في الرّفع،لا أنّها رافعة لهما حاملة إيّاهما،ليقال:إنّها ليس فيها حمل،و إنّما هي اضطراب.و قيل:يجوز أن يخلق اللّه تعالى من الأجرام العلويّة ما فيه قوّة جذب الجبال و رفعها عن أماكنها،أو أن يكون في الأجرام الموجودة اليوم ما فيه قوّة ذلك...و يجوز أيضا أن يحدث في الأرض من القوى ما يوجب قذفها للجبال،و يحدث للأرض نفسها ما يوجب رفعها عن حيّزها،و كون القوى منها ما هو متنافر،و منها ما هو متحابّ،ممّا لا يكاد ينكر.

و قيل:يمكن أن يكون رفعهما بمصادمة بعض الأجرام كذوات الأذناب،على ما قيل فيها جديد الأرض،فتنفصل الجبال و ترتفع من شدّة المصادمة، و رفع الأرض من حيّزها.

و لا يخفى أنّ كلّ هذا-على ما فيه-لا يحتاج إليه، و يكفينا القول بأنّ الرّفع بالقدرة الإلهيّة الّتي لا يتعاصاه شيء».

2-قرئ (حمّلت) بتشديد الميم،قال ابن عطيّة:

«و ذلك يحتمل معنيين:أحدهما:أنّها حاملة حملت قدرة و عنفا و شدّة نفثها،فهي محمّلة حاملة،و الآخر:أن يكون محمولة حملت ملائكة أو قدرة».

ب-السّحاب في(17): فَالْحامِلاتِ وِقْراً

قال الماورديّ: «فيها قولان:أحدهما:أنّها السّحب يحملن وقرا بالمطر.الثّاني:أنّها الرّياح يحملن وقرا بالسّحاب؛فتكون الرّيح الأولى مقدّمة السّحاب،لأنّ أمام كلّ سحابة ريحا،و الرّيح الثّانية حاملة السّحاب، لأنّ السّحاب لا يستقلّ و لا يسير إلاّ بريح،و تكون الرّيح الثّانية تابعة للرّيح الأولى من غير توسّط،قاله ابن بحر.

و يجري فيه احتمال قول ثالث:أنّهنّ الحاملات من النّساء إذا ثقلن بالحمل».

و عمّمه آخرون في جميع الحيوان الحامل،و زعموا أنّه معتبر في الجميع.

و روي عن ابن عبّاس في قول أنّها«السّفن الموقّرة بالنّاس و أمتاعهم».

ما تحمله الملائكة

أ-بقيّة إرث آل موسى و هارون في(18): تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ و فيها بحوث:

1-اختلف في مكان حمله على قولين:الأوّل:بين السّماء و الأرض،و هو قول الحسن،أي ترفعه الملائكة.

و الثّاني:في الأرض،و هو قول وهب بن منبّه،أي تسوق الملائكة البقرتين اللّتين تحملانه.

و رجّح الطّبريّ القول الأوّل،و قال:«و ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره،قال: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ، و لم يقل:تأتي به الملائكة،و ما جرّته البقر على عجل،و إن كانت الملائكة هي سائقتها،فهي غير حاملته،لأنّ«الحمل»المعروف هو مباشرة الحامل بنفسه حمل ما حمل.فأمّا ما حمله على غيره-و إن كان جائزا في اللّغة أن يقال:«حمله»بمعنى

ص: 964

معونته الحامل،أو بأنّ حمله كان عن سببه-فليس سبيله سبيل ما باشر حمله بنفسه في تعارف النّاس إيّاه بينهم، و توجيه تأويل القرآن إلى الأشهر من اللّغات أولى من توجيهه إلى أن لا يكون الأشهر ما وجد إلى ذلك سبيل».

2-قال أبو حيّان:«هذه الجملة حال من التّابوت، أي حاملا له الملائكة،و يحتمل الاستئناف،كأنّه قيل:

و من يأتي به و قد فقد؟فقال: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ استعظاما لشأن هذه الآية العظيمة،و هو أنّ الّذي يباشر إتيانه إليكم الملائكة الّذين يكونون معدّين للأمور العظام،و لهم القوّة و التّمكين و الاطّلاع بإقدار اللّه لهم على ذلك.أ لا ترى إلى تلقّيهم الكتب الإلهيّة و تنزيلهم بها على من أوحي إليهم،و قلبهم مدائن العصاة،و قبض الأرواح،و إزجاء السّحاب،و حمل العرش،و غير ذلك من الأمور الخارقة؟»

3-قال ابن الجوزيّ: «قرأ الحسن و مجاهد و الأعمش بالياء»،أي (يحمله) ،و هو واحد،كما يقال:

قال الحكماء،و قالت الحكماء.

ب-العرش في(19)و(20): وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ و اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ.

قال الفخر الرّازيّ: «إنّه تعالى حكى عن نوعين من فرق الملائكة هذه الحكاية،أحدهما:الّذين يحملون العرش،و قد حكى تعالى أنّ الّذين يحملون العرش يوم القيامة ثمانية.فيمكن أن يقال:الّذين يحملون في هذا الوقت هم أولئك الثّمانية الّذين يحملونه يوم القيامة.

و لا شكّ أنّ حملة العرش أشراف الملائكة و أكابرهم...

و أمّا القسم الثّاني من الملائكة الّذين ذكرهم اللّه تعالى في هذه الآية،فقوله تعالى: وَ مَنْ حَوْلَهُ.

و الأظهر أنّ المراد منهم ما ذكره في قوله: وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ الزّمر:75».

و قال الطّباطبائيّ: «لم يعرّف سبحانه هؤلاء الحاملين للعرش من هم؟و لا في كلامه تصريح بأنّهم من الملائكة، لكن يشعر عطف قوله: وَ مَنْ حَوْلَهُ عليهم،و قد قال فيهم: وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ الزّمر:75،أنّ حملة العرش أيضا من الملائكة...فقوله:

اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ أي الملائكة الّذين يحملون العرش الّذي منه تظهر الأوامر،و تصدر الأحكام الإلهيّة الّتي بها يدبّر العالم،و الّذين حول العرش من الملائكة،و هم المقرّبون منهم».

حمل التّكاليف و الأمانة

(21): رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ... و فيها بحوث:

1-فسّر الحمل المخفّف بما يلي:لا تحرّم علينا الطّيّبات كما حرّمتها على بني إسرائيل،و لا تمسخنا قردة و خنازير،و لا تمتحنّا بمحنة تثقل نحو ما أمر به بنو إسرائيل من قتل أنفسهم،و لا تشدّد علينا في التّكاليف كما شدّدت على من قبلنا من اليهود.

و أمّا الحمل المشدّد فقد فسّر بالآتي:لا تحمل علينا أيضا،و لا تكلّفنا من الأعمال ما لا نطيق،و لا تكلّفنا تلك التّكاليف و لا تعاقبنا بتفريطنا في المحافظة عليها،و غير

ص: 965

ذلك.

2-قال الزّمخشريّ: «في قراءة أبيّ (و لا تحمّل علينا) بالتّشديد.فإن قلت:أيّ فرق بين هذه الشّديدة و الّتي في وَ لا تُحَمِّلْنا؟

قلت:هذه للمبالغة في حمل عليه،و تلك لنقل حمله من مفعول واحد إلى مفعولين وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ من العقوبات النّازلة بمن قبلنا.طلبوا الإعفاء عن التّكليفات الشّاقّة الّتي كلّفها من قبلهم،ثمّ عمّا نزل عليهم من العقوبات على تفريطهم في المحافظة عليها.

و قيل:المراد به الشّاقّ الّذي لا يكاد يستطاع من التّكاليف،و هذا تكرير لقوله: وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً.

3-قال الفخر الرّازيّ: «لقائل أن يقول:دلّت الدّلائل العقليّة و السّمعيّة على أنّه أكرم الأكرمين و أرحم الرّاحمين،فما السّبب في أن شدّد التّكليف على اليهود حتّى أدّى ذلك إلى وقوعهم في المخالفات و التّمرّد؟

قالت المعتزلة:من الجائز أن يكون الشّيء مصلحة في حقّ إنسان مفسدة في حقّ غيره،فاليهود كانت الفظاظة و الغلظة غالبة على طباعهم،فما كانوا ينصلحون إلاّ بالتّكاليف الشّاقّة و الشّدّة،و هذه الأمّة كانت الرّقّة و كرم الخلق غالبا على طباعهم،فكانت مصلحتهم في التّخفيف و ترك التّغليظ.

أجاب الأصحاب بأنّ السّؤال الّذي ذكرناه في المقام الأوّل ننقله إلى المقام الثّاني،فنقول:و لما ذا خصّ اليهود بغلظة الطّبع و قسوة القلب و دناءة الهمّة حتّى احتاجوا إلى التّشديدات العظيمة في التّكاليف؟و لما ذا خصّ هذه الأمّة بلطافة الطّبع و كرم الخلق و علوّ الهمّة حتّى صار يكفيهم التّكاليف السّهلة في حصول مصالحهم»؟

(22): فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها... وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ و فيها بحوث أيضا:

1-اختلف في الحمل و الحامل و المحمول على أقوال؛ فقيل:حمل الأمانة:التزام القيام بها،أو أداؤها بطاعة اللّه فيما أمر به و ترك ما نهى عنه،و قيل:خيانتها.و قالوا:

حاملها آدم،أو الكافر و المنافق خاصّة،أو الإنسان عامّة.و في المحمول-أي الأمانة-أقوال كثيرة،راجع«أ م ن».

2-قال أبو السّعود:«عبّر عن قبولها[الأمانة] بالحمل،لتحقيق معنى الصّعوبة المعتبرة فيها،بجعلها من قبيل الأجسام الثّقيلة الّتي يستعمل فيها القوى الجسمانيّة الّتي أشدّها و أعظمها ما فيهنّ من القوّة و الشّدّة.

و المعنى:أنّ تلك الأمانة في عظم الشّأن بحيث لو كلّفت هاتيك الأجرام العظام الّتي هي مثل في القوّة و الشّدّة مراعاتها،و كانت ذات شعور و إدراك،لأبين قبولها و أشفقن منها.و لكن صرف الكلام عن سننه بتصوير المفروض بصورة المحقّق روما،لزيادة تحقيق المعنى المقصود بالتّمثيل و توضيحه.

وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ أي عند عرضها عليه إمّا باعتبارها بالإضافة إلى استعداده أو بتكليفه إيّاها يوم الميثاق،أي تكلّفها و التزمها مع ما فيه من ضعف البنية و رخاوة القوّة،و هو إمّا عبارة عن قبوله لها بموجب

ص: 966

استعداده الفطريّ،أو عن اعترافه بقوله:بلى».

3-قال الفخر الرّازيّ: «كيف حملها الإنسان و لم تحملها هذه الأشياء؟فيه جوابان:

أحدهما:بسبب جهله بما فيها و علمهنّ،و لهذا قال تعالى:(انّه كان ظلوما جهولا).

و الثّاني:أنّ الأشياء نظرت إلى أنفسهنّ فرأين ضعفهنّ فامتنعن،و الإنسان نظر إلى جانب المكلّف، و قال:المودع عالم قادر لا يعرض الأمانة إلاّ على أهلها، و إذا أودع لا يتركها،بل يحفظها بعينه و عونه فقبلها، و قال: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ.

(23):(مثل الّذين حمّلوا التّورية...)و فيها بحثان:

1-أمروا أن يحملوا بما فيها من إظهار صفة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و نعته فيها،و لم يعملوا بما فيها،أو ينتفعوا بها.

قال الطّباطبائيّ:«المراد بتحميل التّوراة:تعليمها، و المراد بحملها:العمل بها،على ما يؤيّده السّياق، و يشهد به ما في ذيل الآية من قوله: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ. و المراد ب اَلَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها اليهود الّذين أنزل اللّه التّوراة على رسولهم موسى عليه السّلام،فعلّمهم ما فيها من المعارف و الشّرائع،فتركوها و لم يعملوا بها،فحمّلوها و لم يحملوها.فضرب اللّه لهم مثل الحمار يحمل أسفارا،و هو لا يعرف ما فيها من المعارف و الحقائق،فلا يبقى له من حملها إلاّ التّعب بتحمّل ثقلها».

2-قرئ (حملوا التّورية) ،أي حملوها ثمّ لم يحملوها.

و قرئ أيضا (يحمل الاسفار) بألف و لام،و قال ابن عطيّة:«قرأ المأمون العبّاسيّ (يحمّل اسفارا) بضمّ الياء و فتح الحاء و شدّ الميم مفتوحة».و هو ليس بحجّة،لأنّ القراءات توقيفيّة و ليست اجتهاديّة.

حمل الوزر و الخطايا في(24-34)

(24): وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ...

و فيها بحثان أيضا:

1-قال الفخر الرّازيّ: (و لنحمل)صيغة أمر، و المأمور غير الآمر،فكيف يصحّ أمر النّفس من الشّخص؟

فنقول:الصّيغة أمر،و المعنى شرط و جزاء،أي إن اتّبعتمونا حملنا خطاياكم».

2-قرئ (و لنحمل) بكسر لام الأمر،و نسب أبو حيّان هذه القراءة إلى الحسن و عيسى و نوح القارئ، و قال:«رويت عن عليّ،و هي لغة الحسن في لام الأمر».

(27): فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً.

قال الآلوسيّ: «قرأت فرقة،منهم داود بن رفيع (يحمّل) مشدّد الميم مبنيّا للمفعول،لأنّه يكلّف ذلك، لا أنّه يحمله طوعا،و يكون(وزرا)على هذا مفعولا ثانيا».

(29):(و هم يحملون أوزارهم على ظهورهم)

الحمل هنا إمّا حقيقيّ طبق ما ورد في الخبر أنّ الرّجل الظّالم يحمل يوم القيامة عمله على ظهره،و إمّا مجازيّ، يريد حمل ثقل الذّنوب،على التّشبيه بحمل الأثقال.قال الطّوسيّ: «فبيّن أنّه لثقلها عليهم يحملونها على ظهورهم،و ذلك يدلّ على عظمها».و هو-كما قال

ص: 967

الزّمخشريّ-«كقوله: فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ الشّورى:30،لأنّه اعتيد حمل الأثقال على الظّهور،كما ألف الكسب بالأيدي».

(30): وَ ساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً انظر «س و أ».

(31): فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ و فيها بحثان:

1-قال الماورديّ: «أي عليه ما حمّل من إبلاغكم، و عليكم ما حمّلتم من طاعته.و يحتمل وجها ثانيا:أنّ عليه ما حمّل من فرض جهادكم،و عليكم ما حمّلتم من وزر عباده».

2-قال أبو السّعود:«لعلّ التّعبير عنه بالتّحميل للإشعار بثقله،و كونه مئونة باقية في عهدتهم بعد،كأنّه قيل:و حيث تولّيتم عن ذلك فقد بقيتم تحت ذلك الحمل الثّقيل.و قوله تعالى:(ما حمّل)محمول على المشاكلة».

(32): وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ و فيها بحثان أيضا:

1-قال النّسفيّ: «الفرق بين معنى قوله: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى و معنى وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ أنّ الأوّل دالّ على عدل اللّه في حكمه،و أن لا يؤاخذ نفسا بغير ذنبها،و الثّاني في بيان أنّه لا غياث يومئذ لمن استغاث،حتّى أنّ نفسا قد أثقلتها الأوزار لو دعت إلى أن يخفّف بعض وقرها،لم تجب و لم تغث،و إن كان المدعوّ بعض قرابتها».

2-قرئ (لا تحمل) ،و ينبغي على هذه القراءة نصب (شىء)مفعولا به.

(33): فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً.

تشبيه بما يحمل على الظّهر كما في سائر آيات حمل الأوزار و الخطايا،لأنّها ثقل ينوء به حامله،فإمّا يتمادى في غيّه بالاستمرار على الذّنوب،فيبلغ به النّار،و إمّا يسقطه عن كاهله بالتّوبة،فيبلغ الجنّة،أو يتفصّى عنه بقذفه على بريء،فيقترف خطيئتين:خطيئة كسبها، و خطيئة الرّمي بها بريئا.

و قال الطّباطبائيّ: «في تسمية نسبة العمل السّيّئ إلى الغير رميا-و الرّمي يستعمل في مورد السّهم-و كذا في إطلاق الاحتمال على قبول وزر البهتان،استعارة لطيفة، كأنّ المفتري يفتك بالمتّهم البريء برميه بالسّهم، فيوجب له فتكه أن يتحمّل حملا يشغله عن كلّ خير مدى حياته من غير أن يفارقه».

حمل الرّزق في(35): لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا انظر «رزق».

حمل الأمّ في(36-46)

(41): وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها و فيها بحثان:

1-ذكر اللّه تعالى ثلاث صور عند زلزلة السّاعة في يوم القيامة أو قبله في الدّنيا-ذهول المرضعات عن الرّضع،و وضع الحوامل الأجنّة،و سكر النّاس من غير مسكر-ليقرّب إلى الأذهان هول تلك السّاعة و شدّتها؛ حيث تعتبر هذه الصّور من أشدّ حالات البشر،لأنّها تؤدّي إلى انقطاع نسلهم و غياب وعيهم.

ص: 968

2-ذهب النّقّاش إلى أنّ الحامل من مات من الإناث و ولدها في جوفها،و ضعّفه ابن عطيّة.و زاد القفّال على الحامل المرضعة أيضا،يريد ذهول المرضعة عن رضيعها و وضع الحامل حملها عند البعث من الفزع.

و هذا يستقيم على قول من قال:إنّ ذلك يحدث يوم القيامة عند النّفخة الثّانية-قال أبو السّعود:«فإنّهم يقومون على ما صعقوا في النّفخة الأولى،فتقوم المرضعة على إرضاعها و الحامل على حملها».

و ذهب آخرون إلى أنّ ذلك يحدث في الدّنيا قبل النّفخة الأولى،لأنّه ليس بعد البعث إرضاع و لا حمل.

قال البغويّ:«من قال:تكون في القيامة،قال هذا على وجه تعظيم الأمر لا على حقيقته،كقولهم:أصابنا أمر يشيب منه الوليد،يريد به شدّته».

(45): فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا.

اختلف في طريقة نفخ جبرئيل و مقدار عمر مريم و في مدّة حملها بعيسى و وقت وضعها على أقوال،قال الفخر الرّازيّ:«و ليس في القرآن ما يدلّ على شيء من هذه الأحوال».

و لكن يستفاد من أقوال أئمّة أهل البيت عليهم السّلام أنّ أمد الحمل كان قصيرا،و هو ممّا تميّز به عيسى عليه السّلام عن سائر خلق اللّه في ولادته،كما تميّز عنهم بحياته و مماته أيضا، إظهارا لقدرته تعالى فيه و في أمّه.

الاحتمال و الحمل و الحمّالة في(47)إلى

(49).

(47): فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً.

الاحتمال هنا:الحمل المجرّد،أي رفع السّيل زبدا رابيا على ما ذهب إليه المفسّرون.و لعلّه على أصله،يراد به:

المبالغة،كما هو عليه السّياق،و هذا كقولهم:اكتسب فلان مالا،أي بالغ في كسبه و الحصول عليه.

(48): وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ و فيها بحثان أيضا:

1-يريد من جاء بالصّواع فله وقر بعير من الطّعام، قال تاج الدّين العكّيّ: «كان حمل البعير في ذلك الحين العصيب-حين الأزمة و ساعة العسرة-يساوي مبلغا لا يستهان به،مبلغا له قيمته،فالوعد به إذ ذاك كالوعد بسعادة مستقبلة أو بضمانة الحياة» (1).

2-قال القرطبيّ: «إن قيل:كيف ضمن حمل البعير و هو مجهول،و ضمان المجهول لا يصحّ؟قيل:له:حمل البعير كان معيّنا معلوما عندهم كالوسق،فصحّ ضمانه.

غير أنّ كان بدل مال للسّارق،و لا يحلّ للسّارق ذلك، فلعلّه كان يصحّ في شرعهم،أو كان هذا جعالة و بذل مال لمن كان يفتّش و يطلب».

الحملة في(50): إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ انظر ل ل ه ث:«يلهث».

ص: 969


1- مؤتمر تفسير سورة يوسف(2:1014).

ص: 970

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و اسماء كتبهم

الآلوسيّ:محمود(1270) (1)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد:عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان:يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير:مبارك(606)

النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير:عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ:محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس،بيروت.

ابن باديس:عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

ابن جزيّ:محمّد(741)

التّسهيل،دار الكتاب العربيّ،بيروت.

ابن الجوزيّ:عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلامي،بيروت.

ابن خالويه:حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون:عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد:محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت:يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة، مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيده:عليّ(458)

المحكم،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن الشّجريّ:هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة،بيروت.

ص: 971


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن عاشور:محمّد طاهر(1393)

التّحرير و التّنوير،ط:مؤسّسة التّاريخ،بيروت.

ابن العربيّ:عبد اللّه(543)

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن عربيّ:محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة،بيروت.

ابن عطيّة:عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن فارس:أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

2-الصّاحبيّ،ط:المكتبة اللّغويّة،بيروت.

ابن قتيبة:عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة

2-تأويل مشكل القرآن،ط:المكتبة العلميّة، القاهرة.

ابن القيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنة التّراث العربي،لبنان.

ابن كثير:إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:المعارف،بيروت.

ابن منظور:محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر،بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمان،ط:المعارف،الاسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه

مغني اللّبيب،ط:المدني،القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان:محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو رزق:...(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ،القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة،بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو زيد:سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود:محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ:محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(224)

غريب الحديث،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو عبيدة:معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر،مصر.

أبو عمرو الشّيبانيّ:إسحاق(206)

الجيم،ط:المطابع الأميريّة،القاهرة.

ابو الفتوح:حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة،بيروت.

أبو هلال:حسن(395)

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي،قم.

ص: 972

أحمد بدوي(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

الأزهريّ:محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:دار المصر.

الإسكافيّ:محمّد(420)

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق،بيروت.

الأصمعيّ:عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو:توشيهيكو(1371)

خدا و إنسان در قران،ط:انتشار،طهران.

البحرانيّ:هاشم(1107)

البرهان،ط:مؤسّسة البعثة،بيروت.

البروسويّ:إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ:بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة،بيروت.

البغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد،القاهرة.

البغويّ:حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:دار إحياء التراث العربي، بيروت.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ:محمّد(1031)

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم،بيروت.

البيضاويّ:عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ:محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:امير كبير، طهران.

التّفتازانيّ:مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ،قم.

الثّعالبيّ:عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب:أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الثّعلبيّ:أحمد

الكشف و البيان،ط:دار إحياء التّراث العربي، بيروت.

الجاحظ:عمرو(255)

الحيوان،ط:دار إحياء التّراث العربي،بيروت.

الجرجانيّ:عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو،طهران.

الجزائريّ:نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ إسلاميّ،طهران.

الجصّاص:أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ:موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ:إسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم،بيروت.

ص: 973

الحائريّ:سيّد عليّ(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة،طهران.

حجازي:محمّد محمود(معاصر)

التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب،مصر.

الحربيّ:إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ،جدّة.

الحريريّ:قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب،مصر.

حفنيّ:محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:الأهرام،مصر.

الحمويّ:ياقوت(626)

معجم البلدان،ط:دار صادر،بيروت.

الحيريّ:اسماعيل(431)

وجوه القرآن،ط:مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة المقدّسة،مشهد.

الخازن:عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التجاريّة،مصر.

الخطّابيّ:حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر،دمشق.

الخليل:بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة،بيروت.

الدّامغانيّ:حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الرّازيّ:محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب،بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة،بيروت.

الرّاونديّ:سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا:محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ:محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج:ابراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-فعلت و أفعلت،ط:التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ:محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

الزّركليّ:خير الدّين(معاصر)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ:محمود(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة،بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة،بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر،بيروت.

السّجستانيّ:محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ:يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب،بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:إسرائيل.

السّمين:أحمد.(756)

الدّرّ المصون،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

السّهيليّ:عبد الرّحمن(581)

ص: 974

روض الأنف،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

سيبويه:عمرو(180)

الكتاب،ط:عالم الكتب،بيروت.

السّيوطيّ:عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت.

3-تفسير الجلالين،ط:مصطفى البابيّ،مصر (مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

شبّر:عبد اللّه(1242)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين،الكويت.

الشّربينيّ:محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة،بيروت.

الشريف الرّضيّ:محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي،قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة،طهران.

الشّريف العامليّ:محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ إسلاميّ،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الشّوكانيّ:محمّد(1250)

فتح القدير،دار المعرفة،بيروت.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب،القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

صدر المتألهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ،قم.

طه الدّرّة:محمّد علي

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار الحكمة،دمشق.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة،طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:المصطفى البابيّ،مصر.

2-أخبار الأمم و الملوك،ط:الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

طنطاوي:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة،بيروت.

2-متشابه القرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

ص: 975

عبد الرّحمن الهمذانيّ(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب،بيروت.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم،بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر،بيروت.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر)

التّفسير الفريد،ط:...بإذن مجمع البحوث الإسلاميّة،الأزهر.

العدنانيّ:محمّد(1360)

معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان،بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي أصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:ادبيّات،شيراز.

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة،طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن،القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي،طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو،طهران.

فريد وجدي:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب، بيروت.

فضل اللّه:محمّد حسين(معاصر)

من وحي القرآن،ط:دار الملاك،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث، بيروت.

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب،قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

ص: 976

الصّافي،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة،القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ-عربيّ،ط:الكاثوليكيّة، بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب،بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف،بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان،طهران.

محمّد إسماعيل(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمّد جواد مغنيّة(1400)

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين، بيروت.

محمود شيت خطّاب

المصطلحات العسكريّة،ط:دار الفتح،بيروت.

المدنيّ:عليّ(1120)

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المدينيّ:محمّد(581)

المجموع المغيث،ط:دار المدني،جدّه.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

فرهنگ تطبيقى،ط:كاويان،طهران.

المشهديّ:محمّد(1125)

كنز الدّقائق،مؤسّسة النّشر الإسلاميّ،قم.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة،طهران.

معرفت:محمّد هادي(1427)

التفسير و المفسرون،ط:الجامعة الرّضوية، مشهد.

مقاتل:ابن سليمان(150)

1-تفسير مقاتل،ط:دار إحياء التّراث العربي، بيروت.

2-الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

مكارم الشّيرازي:ناصر(معاصر)

الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل،ط:مؤسسة البعثة،بيروت.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير،طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن،ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب،بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگى،علمى[طهران].

ص: 977

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابي،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحريّة،بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس،ط:المطبعة الأمريكيّة، بيروت.

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:جهان،طهران.

الواحديّ:عليّ.(468)

الوسيط،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 978

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

إبراهيم التيميّ.(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.(؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ(456)

ابن حلزة:...(؟)

ابن خروف:عليّ.(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد.(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:....(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:....(؟)

ابن عادل.(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ص: 979

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ(696)

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير:عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن كمال باشا:أحمد.(940)

ابن كمّونة:سعد.(683)

ابن كيسان:محمّد(299)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن ملك:عبد اللطيف.(801)

ابن المنير:عبد الواحد.(733)

ابن النّحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:....(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

ابن يعيش:عليّ.(643)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد.(366)

أبو بكر الأصمّ:....(201)

أبو الجزال الأعرابي.(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو الحسن الصّائغ.(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:النّعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:....(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد.(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

أبو سليمان الدمشقيّ:

عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

أبو شريح الخزاعيّ.(؟)

أبو صالح.(؟)

أبو الطّيّب اللّغويّ.(؟)أبو العالية:رفيع.(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

ص: 980

أبو عبد اللّه:محمّد.(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

أبو عمرو الجرميّ:صالح.(225)

أبو الفضل الرّازيّ.(؟)

أبو قلابة:...(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:محمّد.(322)

أبو منذر السّلام:....(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:...(276)

أبو يزيد المدنيّ:..(؟)

أبو يعلى:أحمد.(307)

أبو يوسف:يعقوب.(182)

أبيّ بن كعب.(21)

أحمد بن حنبل.(24)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

الأسديّ.(؟)

إسماعيل بن القاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

الأعمش:سليمان.(148)

إلياس:...(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن.(446)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.(؟)

البرجميّ:ضابئ.(؟)

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج إدوارد.(1327)

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

جمال الدّين الأفغانيّ.(1315)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد.(297)

جهرم بن صفوان.(128)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

ص: 981

الحدّاديّ:...(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن بن يسار.(110)

حسن بن حيّ.(؟)

حسن بن زياد.(204)

حسين بن فضل.(548)

حفص:بن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

حمزة القارئ.(156)

حميد:ابن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:...(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الخياليّ:أحمد.(862)

الدّقّاق.(؟)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوريّ:أحمد.(282)

الرّبيع بن أنس.(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الأستراباديّ.(686)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّناتيّ.(؟)

الزّبير:بن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتيّ.(؟)

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

سليمان التّيميّ.(؟)

سهل التّستريّ.(283)

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطبيّ(؟)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّبليّ:دلف.(334)

الشّعبيّ:عامر.(103)

شعيب الجبئيّ.(؟)

الشّقيق بن إبراهيم.(194)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر بن حمدويه.(255)

الشّمنّيّ:أحمد(872)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهاب الدّين القرافيّ.(684)

ص: 982

شهر بن حوشب.(100)

شيبان بن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

شيذلة:عزيزيّ.(494)

صالح المريّ.(؟)

الصيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك بن مزاحم.(105)

طاوس بن كيسان.(106)

الطّبقجليّ:أحمد.(1213)

طلحة بن مصرّف.(112)

الطّيّبيّ:حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:...(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبد اللّه الهبطيّ.(؟)

عبد الوهّاب النّجار.(1360)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عبّاد.(181)

العدويّ:...(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة بن عروة.(؟)

العطاء بن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

عكرمة بن عبد اللّه.(105)

العلاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد.(؟)

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن عبيد(144)

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

العوفيّ:عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:....(582)

الفارابيّ:محمّد.(339)

الفاسيّ.(؟)

الفضل الرّقاشي.(200)

قتادة بن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

القلانسي:محمّد.(521)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكعبيّ:عبد اللّه.(319)

الكفعميّ:إبراهيم(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

كلنبويّ.(؟)

ص: 983

الكيا الطّبريّ(؟)

اللؤلؤيّ:حسن.(204)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث بن المظفّر.(185)

الماتريديّ:محمّد.(333)

المازنيّ:بكر.(249)

مالك بن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

المالكيّ(؟)

الملويّ.(؟)

مجاهد:جبر.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

محبوب:...(؟)

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.(1323)

محمّد الشّيشنيّ.(؟)

مروان بن الحكم.(65)

المسهر بن عبد الملك.(؟)

مصلح الدّين اللاّري:محمّد.(979)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول بن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

مؤرّج السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

ميمون بن مهران.(117)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

نصر بن عليّ.(؟)

نعّوم بك:بن بشّار.(1340)

نفطويه:إبراهيم.(323)

النقّاش:محمّد.(351)

النّووي:يحيى.(676)

هارون بن حاتم.(728)

الهذليّ:قاسم.(175)

همّام بن حارث.(؟)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن جعدة.(؟)

يحيى بن سعيد.(؟)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يزيد بن قعقاع.(132)

يعقوب بن إسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 984

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.